العقائد الإسلامية - ج 4

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 1 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العقائد الإسلامية
عرض مقارن لأهم موضوعاتها من مصادر السنة والشيعة
قام بإعداده مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
برعاية المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني دام ظله
المجلد الرابع
يشتمل على مسائل : شفاعة أهل البيت عليهم السلام ، والاستشفاع والتوسل
الطبعة الأولى 1420
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 2 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
العقائد الإسلامية : عرض مقارن لأهم موضوعاتها من مصادر
السنة والشيعة / مركز المصطفى للدراسات الإسلامية .
قم : مركز المصطفى للدراسات الإسلامية ، 1419 ه‍ .
ج 4 : 25 ص .
1 . الشفاعة والتوسل . الف . العنوان
447 م / 7 / BM 222
42 / 297
شابك ( ردمك ) 6 - 117 - 319 - 964 - 964 دوره 6 جزء
VOLS 6 / 6 - 117 - 319 - ISBN 956
شابك ( ردمك ) 4 - 121 - 319 - 964
/ VOL 4 / 4 - 121 - 319 - ISBN 946
الكتاب : العقائد الإسلامية - ج 4
المؤلف : مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
الناشر : مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
العدد : 3000 نسخة
الطبعة : الأولى
المطبعة : ستاره
السعر : 7000 ريال
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 3 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا
ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين .
وبعد ، فهذا هو المجلد الرابع من ( العقائد الإسلامية ) وقد
اشتمل على قسمين .
الأول ، في إثبات شفاعة أهل البيت النبي صلى الله عليه وعليهم . . .
وقد مهدنا له بفصل عن شفاعة أحد كبار شيعتهم ( أويس القرني )
رضوان الله عليه ، الذي اتفقت مصادر الجميع على أن النبي صلى الله عليه وآله
بشر به أنه يكون بعده ، وأنه من كبار أولياء الله ، وأنه يشفع يوم
القيامة لعدد كبير من الناس ! !
ثم عرضنا الأحاديث الشريفة التي تدل على أن شفاعة النبي
العظمى يوم القيامة تكون بيد أهل بيته الطاهرين صلى الله عليه وآله .
وختمنا باب الشفاعة ببعض أحكامها وما ينبغي للمسلم أن
يكون اعتقاده وموقفه منها .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 4 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أما القسم الثاني ، فقد بحثنا فيه مسألة التوسل والاستشفاع
والاستغاثة بالنبي وآله صلى الله عليه وآله بحثا مستوفيا لآياتها وأحاديثها ، ورأي
علماء المذاهب الأربعة فيها ، وشبهات ابن تيمية وأتباعه عليها ،
خاصة في عصرنا بالحاضر .
وقد أجبنا على هذه الشبهات ، وأوردنا خلاصة إجابات علماء
المذاهب الأربعة عليها ، ومقتطفات من أهم الكتب التي ألفوها في
الرد عليهم .
نسأل الله أن يوفقنا لإكمال هذه الدورة العقائدية المقارنة .
وسيكون المجلد الخامس منها في مسائل العصمة ، إن شاء الله
تعالى ، وهو ولي التوفيق .
مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
علي الكوراني العاملي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 5 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الرابع عشر : شفاعة أحد شيعة أهل البيت ( عليهم السلام )

أويس القرني أحد كبار الشفعاء

ثبت في مصادر الطرفين أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) نص على عدد من الصحابة بأسمائهم ، أن
لهم مقاما كبيرا عند الله تعالى ، وأن الجنة تشتاق إليهم !
والملاحظ أنهم كلهم من شيعة أهل البيت ( عليهم السلام ) . .
أما من التابعين فمن المتفق عليه أنه ( صلى الله عليه وآله ) أخبر عن أويس القرني وبشر بأنه يأتي
بعده ، وأنه من كبار أولياء الله تعالى ، وأنه مستجاب الدعوة ، وأنه يشفع عند الله
تعالى لمئات الألوف ، أو ملايين الناس !
ولما رأى المسلمون أويسا بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) استبشروا به وتبركوا به ، وكانوا
يحرصون على الفوز بدعاء منه ، ولو بكلمة ( غفر الله لك ) !
وقد حاول الخلفاء أن يتقربوا إليه ، ولكنه هرب منهم ، وفضل أن يعيش مغمورا
مع الفقراء من شيعة علي ( عليه السلام ) ، حتى إذا وصلت الخلافة لعلي ( عليه السلام ) نهض معه ، وشارك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 6 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في حروبه ، واستشهد تحت رايته في صفين . . وقبره هناك إلى جانب قبر عمار بن
ياسر ، في مدينة الرقة السورية ، وقد وفقنا الله لزيارته .
والمتأمل في النصوص الواردة في مصادر السنيين في أويس ، يلاحظ فيها تناقضا
كثيرا ، نشأ من أنهم أرادوا أن يغطوا على فراره من عمر ، وامتناعه من الدعاء له
والإقامة عنده ، فوضعوا أحاديث عن لقائه به ، يناقض بعضها بعضا !
كما أن شهادة أويس في صفين مع علي ( عليه السلام ) ، كانت حجة لعلي والمسلمين على
أن معاوية وحزبه هم أهل الباطل ، والفئة الباغية التي أخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنها تقتل عمار
بن ياسر ( رحمه الله ) .
لذلك حاول الأمويون وأتباعهم أن ينفوا أصل بشارة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأويس ، ومكانته
المميزة عند الله تعالى !
ثم عندما عجزوا عن ذلك حاولوا أن ينفوا أنه قتل في صفين ، وادعوا أنه توفي
في طريقه إلى الشام ، وجعلوا له في الشام قبرا ومزارا ! !

أويس خير التابعين

- روى مسلم في صحيحه : 7 / 188 :
عن عمر بن الخطاب قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن
خير التابعين رجل يقال له أويس ، وله والدة هو بها بر ، لو أقسم على الله لأبره ، وكان
به بياض فبرئ . . . وستأتي بقية الحديث .
- ورواه أحمد في مسنده : 1 / 38
- وروى ابن سعد الطبقات : 6 / 161 :
قال أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا سلام بن مسكين قال : حدثني رجل
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خليلي من هذه الأمة أويس القرني .
قال أخبرنا عفان بن مسلم قال : حدثنا حماد بن سلمة عن سعيد الجريري ، عن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 7 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أبي نضرة ، عن أسير بن جابر بن عمر ، أنه قال لأويس : استغفر لي .
قال : كيف أستغفر لك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ !
قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن خير التابعين رجل يقال له
أويس .
- ورواه الحاكم في المستدرك : 3 / 402 ورواه الخطيب في الجمع والتفريق : 1 / 480
ورواه ابن معين في تاريخه ( رواية الدوري ) : 1 / 324 ونحوه في الجامع الصغير : 3 حديث
رقم 4001
- وروى أبو نعيم في حلية الأولياء : 2 / 86 :
حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا علي بن حكيم ،
أخبرنا شريك ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : نادى رجل
من أهل الشام يوم صفين : أفيكم أويس القرني ؟
قال : قلنا نعم ، وما تريده منه ؟
قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أويس القرني خير
التابعين بإحسان . وعطف دابته فدخل مع أصحاب علي رضي الله تعالى عنهم .
- وقال أبو نعيم في الحلية : 2 / 82 ، بعد حديث عن أويس : فهذا ما أتانا عن أويس
خير التابعين . . . انتهى .
- وقال في كنز العمال : 12 / 73 :
- إن خير التابعين رجل يقال له أويس وله والدة هو بها بر ، لو أقسم على الله لأبره ،
وكان به بياض فبرئ ، فمروه فليستغفر لكم ( م . عن عمر ) . . .
- خير التابعين أويس ( ك . عن علي ) .
- خير التابعين أويس القرني ( ك عن علي ، ق ، كر عن رجل ) . انتهى .
وقد وردت صفة ( خير التابعين ) في أحاديث أخرى ، كما سيأتي .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 8 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

خير التابعين صارت : من خير التابعين

- قال الهيتمي في مجمع الزوائد : 10 / 22 :
عن ابن أبي ليلي قال : نادى رجل من أهل يوم صفين : أفيكم أويس
القرني ؟
قالوا : نعم .
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من خير التابعين أويس . رواه
أحمد ، وإسناده جيد . انتهى .
- ورواه في تاريخ ابن معين رواية الدوري : 1 / 324
- وفي طبقات ابن سعد : 6 / 161 :
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : نادى رجل من أهل الشام يوم صفين فقال :
أفيكم أويس القرني ؟ قالوا نعم ، قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : إن من خير التابعين أويسا القرني ، ثم ضرب دابته فدخل فيهم .
- ورواه اللالكائي في كرامات الأولياء / 109 ، بطريقين .
- وفي كنز العمال : 12 / 73 :
إن من خير التابعين أويس القرني ( حم ، وابن سعد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى
عن رجل من الصحابة ، حم ، كر ، عن رجل ) . انتهى .
راجع للتدقيق : طبقات ابن سعد : 6 / 113 ، وميزان الاعتدال : 1 / 279 و 282 ، ولسان
الميزان : 1 / 472 ، وسير أعلام النبلاء : 4 / 21 ، وتاريخ الإسلام للذهبي : 3 / 556 ،
والبداية والنهاية : 6 / 225 .
راجع أيضا : أسد الغابة : 1 / 151 ، وأعلام النبلاء : 4 / 20 ، وكنز العمال : 12 / 74
هل أن كلمة ( من ) إضافة أموية ؟ !
من الطبيعي أن تكون قصة الرجل الذي سأل عن أويس في صفين ، وشهادة
الرسول ( صلى الله عليه وآله ) التي رواها في حقه وحق علي ( عليه السلام ) ، واحدة من الحجج التي استعملها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 9 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المسلمون لإثبات أن معاوية وأهل الشام على الباطل .
ويبدو أن الأحاديث في عمار بن ياسر وأنه تقتله الفئة الباغية ، والأحاديث في
أويس ، لم يكن لها جواب عند مؤيدي معاوية ، ولكن بعد سيطرته على بلاد
المسلمين عمل على تضعيف هذه الأحاديث وإبطال مفعولها .
ويظهر أن البصريين كانوا أكثر استجابة له من الكوفيين ، فقد قال ابن أبي الوفاء في
الجواهر المضية في طبقات الحنفية / 419 :
أهل المدينة يقولون أفضل التابعين سعيد بن المسيب ، وأهل الكوفة أويس
القرني ، وأهل البصرة الحسن البصري . انتهى .
وقد حاول النووي أن يوفق بين رواية مسلم وبين قول لأحمد بن حنبل ! فقال في
شرح مسلم - بهامش الساري : 9 / 429 :
قوله ( ص ) خير التابعين رجل يقال له أويس . . . وقد يقال : قد قال أحمد بن
حنبل وغيره : أفضل التابعين سعيد بن المسيب ؟ !
والجواب : أن مرادهم أن سعيد أفضل في العلوم الشرعية . . لا في الخير . انتهى .
وهذا النوع من العمل كثير عند الفقهاء السنيين ، فتراهم يتركون الرواية
التي صحت عندهم عن نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) - وهي تقول هنا إن أويسا خير التابعين مطلقا
، ولا تقيد ذلك بناحية دون ناحية - لكي يصححوا قول شخص في مقابل حديث
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ ! !

كان أويس أسمر اللون جسيما مهيبا

- في حلية الأولياء : 2 / 82 ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) :
يا أبا هريرة إن الله تعالى يحب من خلقه الأصفياء الأخفياء الأبرياء ، الشعثة
رؤوسهم ، المغبرة وجوههم ، الخمصة بطونهم إلا من كسب الحلال ، الذين إذا
استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم ، وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا ، وإن غابوا لم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 10 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يفتقدوا ، وإن حضروا لم يدعوا ، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم ، وإن مرضوا لم
يعادوا ، وإن ماتوا لم يشهدوا .
قالوا : يا رسول الله كيف لنا برجل منهم ؟
قال : ذاك أويس القرني .
قالوا : وما أويس القرني ؟
قال : أشهل ، ذو صهوبة ، بعيد ما بين المنكبين ، معتدل القامة ، آدم شديد الأدمة
ضارب بذقنه إلى صدره ، رام بذقنه إلى موضع سجوده ، واضع يمينه على شماله
يتلو القرآن ، يبكي على نفسه ، ذو طمرين لا يؤبه له ، متزر بإزار صوف ورداء صوف ،
مجهول في أهل الأرض معروف في أهل السماء ، لو أقسم على الله لأبر قسمه .
ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء ، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل
للعباد ادخلوا الجنة ، ويقال لأويس قف فاشفع ، فيشفع لله عز وجل في مثل عدد
ربيعة ومضر .
- وفي حلية الأولياء : 2 / 84 :
عن هرم بن حيان العبدي قال : قدمت الكوفة فلم يكن لي هم إلا أويس ، أسأل
عنه فدفعت إليه بشاطئ الفرات يتوضأ ويغسل ثوبه ، فعرفته بالنعت فإذا رجل آدم
محلوق الرأس كث اللحية مهيب المنظر ، فسلمت عليه ومددت إليه يدي لأصافحه
، فأبى أن يصافحني ! فخنقتني العبرة لما رأيت من حاله ، فقلت : السلام عليك يا
أويس ، كيف أنت يا أخي ؟
قال : وأنت فحياك الله يا هرم بن حيان ، من دلك علي ؟
قلت : الله عز وجل .
قال : سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا .
قلت : يرحمك الله من أين عرفت اسمي واسم أبي ، فوالله ما رأيتك قط ، ولا
رأيتني !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 11 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال : عرفت روحي روحك ، حيث كلمت نفسي ، لأن الأرواح لها أنفس كأنفس
الأجساد وإن المؤمنين يتعارفون بروح الله عز وجل وإن نأت بعد بهم الدار وتفرقت
بهم المنازل ! انتهى ، ونحن نشك في شهادة هرم لنفسه عن لسان أويس !
- ورواهما في سير أعلام النبلاء : 4 / 28

صورة من تزاحم المسلمين على أويس

- روى الحاكم : 2 / 365 ، وصححه :
أخبرني الحسن بن حليم المروزي ، ثنا أبو الموجه ، أنبأ عبدان ، أنبأ عبد الله بن
المبارك ، أنبأ جعفر بن سليمان ، عن الجريري ، عن أبي نضرة العبدي ، عن أسير بن
جابر قال : قال لي صاحب لي وأنا بالكوفة : هل لك في رجل تنظر إليه ؟ قلت نعم ،
قال هذه مدرجته وإنه أويس القرني ، وأظنه أنه سيمر الآن .
قال : فجلسنا له فمر ، فإذا رجل عليه سمل قطيفة ، قال والناس يطؤون عقبه ، قال
وهو يقبل فيغلظ لهم ويكلمهم في ذلك فلا ينتهون عنه ، فمضينا مع الناس ، حتى
دخل مسجد الكوفة ودخلنا معه ، فتنحى إلى سارية فصلى ركعتين ، ثم أقبل إلينا
بوجهه فقال : يا أيها الناس ما لي ولكم ، تطؤون عقبي في كل سكة ، وأنا إنسان
ضعيف ، تكون لي الحاجة فلا أقدر عليها معكم ، لا تفعلوا رحمكم الله ، من كانت له
إلي حاجة فليلقني هاهنا .

شعاره الصدق والجد في أمر الله تعالى

- في مستدرك الحاكم : 3 / 405 :
أخبرنا أبو العباس السياري ، ثنا عبد الله بن علي ، ثنا علي بن الحسن ، ثنا عبد الله
بن المبارك ، أنا يزيد بن يزيد البكري قال : قال أويس القرني : كن في أمر الله كأنك
قتلت الناس كلهم . انتهى .
ومعنى كلامه ( رحمه الله ) : أن خوف الله تعالى يجب أن يكون في نفس المؤمن بدرجة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 12 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عالية ، كأن في رقبته قتل الناس كلهم ، ليكون في تصرفاته مثل القاتل الملاحق دقيقا
حذرا متقيا ، وشعوره بالمسؤولية أمام الله تعالى عميقا .
- وروى نحوه البيهقي في شعب الإيمان : 1 / 524

وهو صاحب مدرسة في شكر نعم الله تعالى

- في كتاب المجروحين لابن حبان : 3 / 151 :
أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في التابعين رجل من قرن يقال
له أويس بن عامر ، يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه عنه فيذهبه فيقول : اللهم دع
لي من جسدي ما أذكر به نعمتك علي ، فيدع الله له ما يذكره نعمته عليه ، فمن أدركه
منكم فاستطاع أن يستغفر له ، فليستغفر له . انتهى .
وقد وردت هذه القصة في أحاديثه ، كما سترى .

زاهد يضرب بزهده المثل

- في حلية الأولياء : 2 / 87 :
عن علقمة مرثد قال : انتهى الزهد إلى ثمانية : عامر بن عبد الله بن عبد قيس ،
وأويس القرني ، وهرم بن حيان ، والربيع بن خيثم ، ومسروق بن الأجدع ، والأسود
بن يزيد ، وأبو مسلم الخولاني ، والحسن بن أبي الحسن . انتهى . وهو يقصد بالأخير
الحسن البصري .
- وفي سير أعلام النبلاء : 4 / 19 :
هو القدوة الزاهد ، سيد التابعين في زمانه ، أبو عمرو ، أويس بن عامر بن جزء بن
مالك القرني المرادي اليماني .
- وقال في هامش سير أعلام النبلاء : 18 / 558 :
ذكر ابن خلكان في الوفيات : 2 / 263 أن الذي ضرب به الحريري المثل في
المقامات هو دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 13 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المتوفى سنة 529 ، من أحفاد المترجم ، وقد وهم المؤلف في ذلك ، وأورد ذكره
الحريري في المقامة التاسعة والثلاثين وهي المقامة العمانية ، وفيها يصف كيف
أحاطت الجماعة بأبي زيد تثني عليه ، وتقبل يديه ، حتى خيل إلي أنه القرني
أويس ، أو الأسدي دبيس . أنظر مقامات الحريري / 342 ( ط : صادر ) .
- وفي لسان الميزان : 1 / 471 :
قال ابن عدي ثنا الحسن بن سفيان ، ثنا عبد العزيز بن سلام ، سمعت إسحاق بن
إبراهيم يقول : ما شبهت عدي بن سلمة الجزري إلا بأويس القرني تواضعا . وذكره في
ميزان الاعتدال : 1 / 279 .

زاهد يحمل هم الفقراء ويتصدق عليهم حتى بطعامه وثيابه

- في مستدرك الحاكم : 3 / 406 :
أخبرني أبو العباس قاسم بن القاسم السياري بمرو ، ثنا عبد الله بن علي ، ثنا علي
بن الحسن ، ثنا عبد الله بن المبارك ، أنا سفيان الثوري قال : كان لأويس القرني رداء
إذا جلس مس الأرض ، وكان يقول : اللهم إني أعتذر إليك من كل كبد جائعة وجسد
عار ، وليس لي إلا ما على ظهري وفي بطني .
- ورواه البيهقي في شعب الإيمان : 1 / 524
- وفي حلية الأولياء : 2 / 87 :
عبيد الله بن عبد الكريم ثنا سعيد بن أسد بن موسى ضمرة بن ربيعة عن أصبغ بن
زيد قال : كان أويس القرني إذا أمسى يقول هذه ليلة الركوع ، فيركع حتى يصبح .
وكان يقول إذا أمسى : هذه ليلة السجود ، فيسجد حتى يصبح .
وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب ، ثم يقول : اللهم
من مات جوعا فلا تؤاخذني به ، ومن مات عريانا فلا تؤاخذني به .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 14 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي سير أعلام النبلاء : 4 / 29 :
عبد الله بن أحمد : حدثني عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن
مغيرة ، قال : إن كان أويس القرني ليتصدق بثيابه ، حتى يجلس عريانا لا يجد ما
يروح فيه إلى الجمعة .
عبد الرحمن بن مهدي : حدثنا عبد الله بن الأشعث بن سوار ، عن محارب بن دثار
قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن من أمتي من لا يستطيع أن يأتي مسجده أو
مصلاه من العري يحجزه إيمانه أن يسأل الناس ، منهم أويس القرني ، وفرات بن حيان .
( ورواه في كنز العمال : 12 / 74 وقال : حم ، في الزهد ، حل عن محارب بن دثار
وعن سالم بن أبي الجعد ) .
أبو نعيم : حدثنا مخلد بن جعفر ، حدثنا ابن جرير ، حدثنا محمد بن حميد ،
حدثنا زافر بن سليمان ، عن شريك عن جابر ، عن الشعبي قال : مر رجل من مراد
على أويس القرني فقال : كيف أصبحت ؟
قال : أصبحت أحمد الله عز وجل .
قال : كيف الزمان عليك ؟
قال : كيف الزمان على رجل إن أصبح ظن أنه لا يمسي ، وإن أمسى ظن أنه لا
يصبح ، فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار .
يا أخا مراد إن الموت وذكره لم يترك لمؤمن فرحا . . . الخ .
عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن رسول الله حق لم يترك له صديقا . . .
وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والشراب ، ثم قال : اللهم
من مات جوعا فلا تؤاخذني به ، ومن مات عريا فلا تؤاخذني به . ( الحلية 2 / 83 )
- وفي حلية الأولياء : 2 / 84 :
حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي وعبيد الله بن عمر
قالا : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، ثنا عبد الله بن الأشعث بن سوار ، عن محارب بن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 15 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
دثار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من أمتي من لا يستطيع أن يأتي
مسجده أو مصلاه من العري ، يحجزه إيمانه أن يسأل الناس ! منهم أويس القرني
وفرات بن حيان .
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا عثمان بن
أبي شيبة ، ثنا أبو بكر بن عياش ، عن مغيرة قال : وكان أويس القرني ليتصدق بثيابه
حتى يجلس عريانا لا يجد ما يروح فيه . أي إلى الجمعة .
- وفي كتاب الزهد للشيباني / 346 :
حدثنا عبد الله ، حدثني عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن
مغيرة قال : إن أويس القرني ليتصدق بثيابه حتى يجلس عريانا لا يجدها يروح فيه
إلى الجمعة .
- وفي لسان الميزان : 1 / 474 :
سفيان الثوري : حدثني قيس بن يسير بن عمرو ، عن أبيه أن أويسا القرني
عري غير مرة فكساه أبي ، قال وكان أويس يقول : اللهم لا تؤاخذني بكبد جائعة ، أو
جسد عار .
وفي صفحة 280 : وقال ضمرة بن ربيعة ، عن عثمان بن عطاء الخراساني ، عن أبيه
، قال : كان أويس يجالس رجلا من فقهاء الكوفة يقال له يسير ففقدته ، فإذا هو في
خص له قد انقطع من العري . . . وذكره في ميزان الاعتدال : 1 / 282 ، وفي سير أعلام
النبلاء : 294 - 33 . انتهى .
وهذه النصوص تكشف عن الفقر الشديد الذي كانت تعيشه طبقة واسعة من
المجتمع الإسلامي ، وأن أموال الفتوحات صرفت في الطريق قبل أن تصل إليها ، فكان
بعضها لا يملك حتى ثوبين مناسبين يتستر بهما ، بل كان فيهم من يموت من الجوع ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 16 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولذلك كان أويس يدعو الله تعالى أن لا يؤاخذه بعري العارين ، وجوع الجائعين ،
لأنه لا يملك إلا ثوبيه اللذين يلبسهما ، ولا يملك إلا ما في بطنه من طعام ، وكل ما
يحصل عليه من عمله ومن هدايا الناس ، كان يعطيه لهؤلاء للفقراء ! !
وهي تدل أيضا على أن زهد أويس كان زهدا واعيا يحمل هم الفقراء ، وكان
يحمل مسؤولية فقرهم وبؤسهم للخليفة والدولة ، والطبقة المترفة التي كونت ثروتها
من الفتوحات ، وكانت تنقم من أويس أنه يهتم بهم ، ويأمر من أجلهم بالمعروف
وينهى عن المنكر ، وسيأتي رأيه في الخلفاء غير علي ( عليه السلام ) وما لاقاه منهم !

وقد ربى أويس تلاميذ على سيرته

- في مستدرك الحاكم : 3 / 408 :
حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا
يحيى بن معين ، حدثني أبو عبيدة الحداد ، ثنا أبو مكين قال : رأيت امرأة في مسجد
أويس القرني قالت : كان يجتمع هو وأصحاب له في مسجدهم هذا ، يصلون
ويقرؤون في مصاحفهم فآتي غداءهم وعشاءهم هاهنا ، حتى يصلوا الصلوات ،
قالت : وكان ذلك دأبهم ما شهدوا حتى غزوا ، فاستشهد أويس وجماعة من أصحابه
في الرجالة بين يدي علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين .

رأيه في الحكام غير علي ( عليه السلام )

- قال الشاطبي في الإعتصام : 1 / 30 :
نقل عن سيد العابدين بعد الصحابة أويس القرني أنه قال : إن الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر لم يدعا للمؤمن صديقا ، نأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا ! !
ويجدون على ذلك أعوانا من الفاسقين ! !
- وفي مستدرك الحاكم : 3 / 405 :
حدثنا أحمد بن زياد الفقيه الدامغاني ، ثنا محمد بن أيوب ، أنا أحمد بن يونس ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 17 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثنا أبو الأحوص ، حدثني صاحب لنا قال : جاء رجل من مراد إلى أويس القرني فقال
السلام عليكم ، قال وعليكم .
قال : كيف أنتم يا أويس ؟
قال : الحمد لله .
قال : كيف الزمان عليكم ؟
قال : لا تسأل ! الرجل إذا أمسى لم ير أنه يصبح ، وإذا أصبح لم ير أنه يمسي !
يا أخا مراد ، إن الموت لم يبق لمؤمن فرحا .
يا أخا مراد ، إن عرفان المؤمن بحقوق الله لم تبق له فضة ولا ذهبا .
يا أخا مراد ، إن قيام المؤمن بأمر الله لم يبق له صديقا ! والله إنا لنأمرهم بالمعروف
وننهاهم عن المنكر فيتخذوننا أعداء ، ويجدون على ذلك من الفاسقين أعوانا ،
حتى والله لقد يقذفوننا بالعظائم ، ووالله لا يمنعني ذلك أن أقول بالحق ! ! . انتهى .
- وفي بحار الأنوار : 68 / 367 :
أعلام الدين : روي عن أويس القرني ( رحمه الله ) قال لرجل سأله كيف حالك ؟
فقال : كيف يكون حال من يصبح يقول : لا أمسي ، ويمسي يقول : لا أصبح ،
يبشر بالجنة ولا يعمل عملها ، ويحذر النار ولا يترك ما يوجبها .
والله إن الموت وغصصه وكرباته وذكر هول المطلع وأهوال يوم القيامة ، لم تدع
للمؤمن في الدنيا فرحا ، وإن حقوق الله لم تبق لنا ذهبا ولا فضة ، وإن قيام المؤمن
بالحق في الناس لم يدع له صديقا ، نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيشتمون
أعراضنا ، ويرموننا بالجرائم والمعايب والعظائم ، ويجدون على ذلك أعوانا من
الفاسقين ! ! إنه والله لا يمنعنا ذلك أن نقوم فيهم بحق الله !

اضطهاد مخابرات الخلافة لأويس

يفهم من نصوص أويس أن سلطة الخلافة لم تتحمل منه ابتعاده عن الحكام
وامتناعه أن يستغفر لهم ، ثم أمره إياهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، وتعريضه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 18 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وإعلانه بسيرته ودعائه كل يوم أنهم مسؤولون عن جوع الجائعين وعري العارين . .
وكأنه بذلك يقول للناس إنهم لا يصلحون للحكم باسم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! !
لقد عبر هذا الولي الذي هو آية من آيات الله تعالى ، ومعجزة من معجزات رسوله
بكلماته القليلة عن محنته ومعاناته من مخابرات السلطة في زمن عمر وأبي بكر
وعثمان ، ولم يكن ذنبه أنه نافس أحدا في سلطان ، ولا جمع حوله قبيلته قرن وكون
منهم قوة سياسية تطالب بحصة من أموال الفتوحات . . بل كان يعيش عيشة الفقراء
مع الفقراء ، ويعبد ربه عز وجل ، ويأمر بالمعروف وينهى المنكر . .
ولكن السلطة مع ذلك لم تتركه ، فاتخذته عدوا ! وسلطت عليه الفساق واتهمته
بالعظائم والجرائم والمعايب ، على حد تعبيره ! !
ولهذا ينبغي أن نبحث عن السلطة وراء كل ما نشك فيه من روايات أويس ، ومن
أولها الروايات التي تقول أن القرنيين سئلوا عنه فلم يعرفوه ، والتي احتج بها البخاري
على تضعيف أويس ، وعدم قبول روايته ! !
فكيف يتعقل إنسان أن شخصية بمستوى أويس ، كان يبحث عنه الخليفة عمر ،
وكل أمله أن ينطق له بكلمة ( غفر الله لك ) لأن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) قال له إن استطعت أن
يستغفر لك فهنيئا لك ! ! ثم لا يكون معروفا عند القرنيين وكل اليمانيين وموضع
افتخارهم ؟ !
إن نفي القرنيين لمعرفتهم بأويس وتشكيكهم بنسبه ، إما أن يكون مكذوبا ، وإما
أن تكون السلطة قد شوهت سمعة أويس وعزلته ، حتى اضطر بعض القرنيين من
قبيلته الصغيرة أن ينكروا أنه منهم ! !
وتدل الروايات على أن سلطة الخلافة لم تستطع الانتقام من أويس مباشرة ،
بسبب مكانته في قلوب المسلمين . . ولذلك اتبعت أسلوب إيذائه وتحقيره ، ووكلت
به رجلا حكوميا من عشيرته ، يؤذيه ويشيع التهم حول شخصيته ونواياه ، وأنه رجل
مراء ومجنون ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 19 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فابن عمه الذي ورد أنه كان من رجال حاكم الكوفة ، وكان مولعا بأويس يشتمه
ويؤذيه . . كان واحدا من عملاء السلطة المكلفين بتحقير أويس وأذيته ، لإسقاط
شخصيته ومنع تأثيره على المسلمين ! !
- فقد روى الحاكم في المستدرك : 3 / 404 عن أسير بن جابر ، قال :
فكنا نجتمع في حلقة فنذكر الله ، وكان يجلس معنا ، فكان إذا ذكرهم وقع حديثه
من قلوبنا موقعا لا يقع حديث غيره ، ففقدته يوما فقلت لجليس لنا : ما فعل الرجل
الذي كان يقعد إلينا ، لعله اشتكى ؟
فقال : الرجل من هو ؟
فقلت : من هو ؟
قال : ذاك أويس القرني .
فدللت على منزله فأتيته فقلت يرحمك الله أين كنت ، ولم تركتنا ؟
فقال : لم يكن لي رداء ، فهو الذي منعني من إتيانكم !
قال : فألقيت إليه ردائي ، فقذفه إلي !
قال فتخاليته ساعة ، ثم قال :
لو أني أخذت رداءك هذا فلبسته فرآه علي قومي قالوا انظروا إلى هذا المرائي لم
يزل في الرجل حتى خدعه وأخذ رداءه ! !
فلم أزل به حتى أخذه ، فقلت : انطلق حتى أسمع ما يقولون !
فلبسه فخرجنا ، فمر بمجلس قومه فقالوا : أنظروا إلى هذا المرائي لم يزل بالرجل
حتى خدعه وأخذ رداءه ! !
فأقبلت عليهم فقلت : ألا تستحيون ؟ ! لم تؤذونه ؟ ! والله لقد عرضته عليه فأبى أن
يقبله .
- وروى ابن حبان في المجروحين : 3 / 151 :
عن صعصعة بن معاوية قال : كان أويس بن عامر رجلا من قرن ، وكان من أهل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 20 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الكوفة وكان من التابعين ، فخرج وبه وضح ، فدعا الله أن يذهبه عنه فأذهبه فقال :
اللهم دع في جسدي ما أتذكر به نعمتك . فترك الله منها ما يذكر به نعمته عليه ، وكان
رجلا يلازم المسجد في ناس من أصحابه ، وكان ابن عم له يلزم السلطان تولع به ،
فإن رآه مع قوم أغنياء قال ما هو إلا يشاكلهم ! وإن رآه مع قوم فقراء ، قال ما هو
إلا يخدعهم !
وأويس لا يقول في ابن عمه إلا خيرا ! ! غير أنه إذا مر به استتر منه مخافة أن يأثم
في سبه ! انتهى .
وستأتي بقيته في روايات لقائه بعمر بن الخطاب .

أويس من شيعة علي ( عليه السلام )

- في مسند أحمد : 3 / 480 :
حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا أبو نعيم قال : ثنا شريك ، عن يزيد بن أبي زياد ،
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : نادى رجل من أهل الشام يوم صفين :
أفيكم أويس القرني ؟
قالوا : نعم .
قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من خير التابعين أويسا القرني .
انتهى . وقد رواه أبو نعيم في الحلية : 2 / 86 وقال في مجمع الزوائد : 10 / 22 : رواه أحمد
وإسناده جيد ورواه ابن سعد في الطبقات : 6 / 163 واللالكائي في كرامات الأولياء / 109
وابن معين في تاريخه ( رواية الدوري ) : 1 / 324 واللواتي في تحفة النظار : 2 / 190
- ورواه أبو نعيم في الحلية : 2 / 221 ، وقال بعده :
ورواه جماعة عن شريك ، وقال ابن عمار الموصلي : ذكر عند المعافي بن عمران
أن أويسا قتل في الرجالة مع علي بصفين ، فقال معافي : ما حدث بهذا إلا الأعرج !
فقال له عبد ربه الواسطي : حدثني به شريك ، عن يزيد ، عن عبد الرحمن بن أبي
ليلى ! قال : فسكت ! ! انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 21 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- ورواه كذلك في الإصابة : 1 / 221 :
وقد تقدمت روايته عند الحاكم عن أبي مكين .
- ورواه أبو نعيم أيضا بذلك في صفحة 222 ، ثم قال :
ومن طريق الأصبغ بن نباتة قال : شهدت عليا يوم صفين يقول من يبايعني على
الموت ، فبايعه تسعة وتسعون رجلا فقال : أين التمام ؟
فجاءه رجل عليه أطمار صوف ، محلوق الرأس فبايعه على القتل ، فقيل : هذا
أويس القرني ، فما زال يحارب حتى قتل .
- ورواه الحاكم في : 3 / 402 ، فقال :
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا العباس بن محمد الدوري ، ثنا أبو نعيم ،
ثنا شريك ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : لما كان يوم
صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي : أفيكم أويس القرني ؟
قالوا : نعم .
فضرب دابته حتى دخل معهم ، ثم قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : خير
التابعين أويس القرني . انتهى .
- ورواه الذهبي في تاريخ الإسلام : 3 / 556 ، بنحو رواية أحمد ، قال :
عن ابن أبي ليلى قال : إن أويسا شهد صفين مع علي ، ثم روى عن رجل أنه سمع
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : أويس خير التابعين بإحسان .
- ورواه في سير أعلام النبلاء : 4 / 31 ، بنحو رواية الحاكم ، قال :
شريك ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : نادى رجل من
أهل الشام يوم صفين : أفيكم أويس القرني ؟ قلنا نعم وما تريد منه ؟
قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أويس القرني خير
التابعين بإحسان ، وعطف دابته فدخل مع أصحاب علي ( رضي الله عنه ) . رواه عبد الله بن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 22 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أحمد ، عن علي بن حكيم الأودي ، أنبأنا شريك . وزاد بعض الثقات فيه عن يزيد
، عن ابن أبي ليلى ، قال : فوجد في قتلى صفين .
- وكذا رواه في أسد الغابة : 5 / 380 وروته مصادرنا بنحوه في اختيار معرفة
الرجال : 3141 ، وشرح الأخبار : 2 / 3 ، ومعجم رجال الحديث : 4 / 154 ، وجامع الرواة :
1 / 110 ، وغيرها .

صاحب البصيرة الزاهد ، شجاع مجاهد

- في ميزان الاعتدال : 1 / 281 :
وقال فضيل بن عياض : أخبرنا أبو قرة السدوسي ، عن سعيد بن المسيب قال :
نادى عمر بمنى على المنبر : يا أهل قرن ، فقام مشايخ ، فقال : أفيكم من اسمه
أويس ؟
فقال شيخ : يا أمير المؤمنين ذاك مجنون يسكن القفار والرمال .
قال : ذاك الذي أعنيه ، إذا عدتم فاطلبوه وبلغوه سلامي .
فعادوا إلى قرن ، فوجدوه في الرمال ، فأبلغوه سلام عمر وسلام رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، فقال : عرفني أمير المؤمنين ، وشهر اسمي ، ثم هام على وجهه ، فلم
يوقف له بعد ذلك على أثر دهرا ، ثم عاد في أيام علي فقاتل بين يديه فاستشهد
بصفين ، فنظروا فإذا عليه نيف وأربعون جراحة . انتهى .
راجع أيضا : لسان الميزان : 1 / 474 ، وتاريخ الإسلام للذهبي : 3 / 558 ، وسير أعلام
النبلاء : 4 / 32
- وفي مستدرك الحاكم : 2 / 365 :
قال ثم قال أويس : إن هذا المجلس يغشاه ثلاثة نفر : مؤمن فقيه ، ومؤمن لم
يتفقه ، ومنافق . . . لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان ، فقضاء الله
الذي قضى شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 23 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
اللهم ارزقني شهادة تسبق كسرتها أذاها ، وأمنها فزعها ، تؤوب الحياة والرزق ثم
سكت .
قال أسير فقال لي صاحبي : كيف رأيت الرجل ؟
قلت ما ازددت فيه إلا رغبة ، وما أنا بالذي أفارقه ، فلزمناه فلم نلبث إلا يسيرا
حتى ضرب على الناس بعث أمير المؤمنين علي ( رضي الله عنه ) ، فخرج صاحب القطيفة أويس
فيه ، وخرجنا معه فيه ، وكنا نسير معه وننزل معه ، حتى نزلنا بحضرة العدو .
قال ابن المبارك : فأخبرني حماد بن سلمة ، عن الجريري ، عن أبي نضرة ، عن
أسير بن جابر قال : فنادى علي ( رضي الله عنه ) : يا خيل الله اركبي وأبشري .
قال فصف الثلثين لهم ، فانتضى صاحب القطيفة أويس سيفه حتى كسر جفنه
فألقاه ، ثم جعل يقول :
يا أيها الناس : تموا تموا ، ليتمن وجوه ثم لا تنصرف حتى ترى الجنة .
يا أيها الناس تموا تموا ، جعل يقول ذلك ويمشي وهو يقول ذلك ويمشي إذ
جاءته رمية فأصابت فؤاده فبرد مكانه ، كأنما مات منذ دهر .
قال حماد في حديثه فواريناه في التراب . هذا حديث صحيح على شرط مسلم
ولم يخرجاه بهذه السياقة .

نسب أويس القرني ونسبته

- قال الطبري في تاريخه : 10 / 145 :
وأويس القرني من مراد ، وهو يحابر بن مالك بن مذحج ، وهو أويس بن عامر بن
جزء بن مالك بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد ، وهو
يحابر بن مالك .
- وقال الجوهري : 6 / 2181 :
والقرن : موضع ، وهو ميقات أهل نجد ، ومنه أويس القرني .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 24 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال في هامشه : القرن هنا بتسكين الراء ، وأما أويس القرني فليس منسوبا إلى
ميقات أهل نجد ، وإنما نسبته إلى بني قرن ، بطن من مراد من اليمن .
- وقال الخليل في كتاب العين : 5 / 142 :
وقرن : حي من اليمن ، منهم أويس القرني .
- وقال السمعاني في الأنساب : 4 / 481 :
القرني : بفتح القاف والراء وكسر النون . . هذه النسبة إلى قرن ، وهو بطن من مراد ،
يقال له قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد ، نزل اليمن ، والمشهور بهذه النسبة
المعروف في الأقطار : أويس بن عامر القرني ، وقصته في الزهد معروفة ، وقال الدارقطني
: قرن ، بفتحتين ، فهو فيما ذكر ابن حبيب ، قال : في مراد ، قرن بن ردمان بن
ناجية بن مراد ، قوم أويس بن عامر القرني الزاهد .
والموضع الذي يحرم منه أهل نجد يقال له : قرن المنازل ، بسكون الراء . وأويس
سكن الكوفة ، وكان عبدا زاهدا .
- وفي أسد الغابة : 1 / 151 :
أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن مسعده بن عمرو بن سعد بن
عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد المرادي ثم القرني ، الزاهد المشهور ،
هكذا نسبه ابن الكلبي ، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يره ، وسكن الكوفة
وهو من كبار تابعيها .
- وفي إكمال الكمال : 7 / 113 :
أما قرن بفتح القاف والراء ففي مراد ، قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد . منهم
أويس بن عمرو القرني الزاهد وغيره .
وفي صفحة 142 : أويس بن عمرو القرني ، ويقال ابن عامر .
- وفي تهذيب التهذيب : 1 / 337 :
( مسلم ) أويس بن عامر القرني المرادي سيد التابعين .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 25 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي هامشه : قال في التقريب المغني : القرني بفتح القاف والراء بعدها نون ،
نسبة إلى قرن بن رومان ، والمرادي بمضمومة وخفة راء ودال مهملة ، نسبة إلى
مراد . اسمه يحابر بن مالك . ا ه‍ .
- وفي سير أعلام النبلاء : 4 / 19 :
أويس القرني ، هو القدوة الزاهد ، سيد التابعين في زمانه ، أبو عمرو ، أويس بن
عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني . وقرن بطن من مراد . انتهى .
وبذلك يتضح أن نسبته ( القرني ) بفتح الراء إلى قبيلة يمانية ، وليس إلى قرن
المنازل بسكون الراء ، وقد اشتبه ذلك على الجوهري وغيره ، كما نص عليه ابن
الأثير وغيره .
راجع أيضا : اختيار معرفة الرجال / 314 ، والتحرير الطاووسي / 74 ، وطرائف المقال :
2 / 192 ، ومجمع البحرين : 1 / 131 ، والأعلام : 1 / 375 ، والبداية والنهاية : 6 / 225 .
وبهذا يتضح أن أويسا عربي يماني ، ومن الطبيعي أن يكون أسمر اللون ، ولكن
بعض الروايات تذكر أنه كان آدم شديد الأدمة ، وكأنها تريد القول إنه كان أفريقيا
أسود ! في محاولة لذم أويس في ذلك المجتمع الأموي المتعصب ضد الأفارقة .

عشيرة الأويسات أو اللويسات السورية

- في معجم قبائل العرب : 3 / 1019
اللويسات : من عشائر سهل الغاب بجسر الشغور ، أحد أقضية محافظة حلب .
ينتسبون إلى أويس القرني ، وقد قطنوا الغاب في القرن الحادي عشر ، وقريتهم
الحويجة ، ويعدون 32 بيتا .

روايات لقائه بعمر واستغفاره له

- قال مسلم في صحيحه : 7 / 188
عن عمر بن الخطاب قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 26 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خير التابعين رجل يقال له أويس ، وله والدة هو بها بر ، لو أقسم على الله لأبره ، وكان
به بياض فبرئ ، فمروه فليستغفر لكم . . .
كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم : أفيكم أويس بن
عامر ؟ حتى أتى على أويس فقال : أنت أويس بن عامر ؟
قال نعم .
قال : من مراد ، ثم من قرن ؟
قال نعم .
قال : فكان بك برص فبرئت منه ، إلا موضع درهم ؟
قال نعم .
قال : لك والدة ؟
قال نعم .
قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يأتي عليكم أويس بن عامر
مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن ، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم . له
والدة هو بها بر ، لو أقسم على الله لأبره ، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل ،
فاستغفر لي ، فاستغفر له . . .
عن أسير بن جابر أن أهل الكوفة وفدوا إلى عمر وفيهم رجل ممن كان يسخر
بأويس ، فقال عمر : هل ها هنا أحد من القرنيين ؟
فجاء ذلك الرجل فقال عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال : إن رجلا
يأتيكم من اليمن يقال له أويس ، لا يدع باليمن غير أم له ، قد كان به بياض فدعا الله
فأذهبه عنه إلا موضع الدينار أو الدرهم ، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم .
- وروى أحمد : 1 / 38 ، رواية مسلم المطولة ، وفيها :
قال له عمر ( رضي الله عنه ) : استغفر لي .
قال : أنت أحق أن تستغفر لي ، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقال عمر ( رضي الله عنه ) : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن خير
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 27 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
التابعين رجل يقال له أويس وله والدة وكان به بياض فدعا الله عز وجل فأذهبه عنه
إلا موضع الدرهم في سرته ، فاستغفر له ثم دخل في غمار الناس ، فلم يدر أين وقع !
قال : فقدم الكوفة قال وكنا نجتمع في حلقة فنذكر الله ، وكان يجلس معنا ، فكان
إذا ذكر هو وقع حديثه من قلوبنا موقعا لا يقع حديث غيره . انتهى .
- ورواه الحاكم في : 3 / 404 ، والبيهقي في الدلائل : 6 / 376 والذهبي في سير أعلام النبلاء
: 4 / 20
- وقال الحاكم في : 3 / 403 :
وقد صحت الرواية بذلك عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) عن رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) . أخبرناه أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني . . . فلما كان في العام المقبل
حج رجل من أشرافهم فسأل عمر عن أويس كيف تركته ؟ فقال : تركته رث البيت
قليل المتاع ، قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد
أهل اليمن من مراد ثم من قرن ، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم ، له والدة هو
بها بر ، لو أقسم على الله لأبره ، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل .
فلما قدم الرجل أتى أويسا فقال استغفر لي فقال : أنت أحدث الناس بسفر صالح
فاستغفر لي .
فقال : لقيت عمر بن الخطاب ؟
فقال : نعم .
قال فاستغفر له ، قال ففطن له الناس ، فانطلق على وجهه .
قال أسير : فكسوته بردا ، فكان إذا رآه عليه إنسان قال من أين لأويس هذا ؟ !
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه بهذه السياقة .
وروى نحوه في : 3 / 404 ، والذهبي في سير أعلام النبلاء : 4 / 20 .
- وفي طبقات ابن سعد : 6 / 113
عن أسير بن جابر قال : كان عمر بن الخطاب إذا أتت عليه أمداد اليمن سألهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 28 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أفيكم أويس بن عامر ؟ فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر
فسأله عن أويس القرني ، قال : سمعت رسول الله يقول يأتي عليك أويس بن عامر
من أمداد أهل اليمن من مراد . . بر لو أقسم على الله لأبره ، فإن استطعت أن يستغفر
لك فافعل . . ورواه في سير أعلام النبلاء : 4 / 20 والبيهقي في شعب الإيمان : 5 / 319 ،
وابن كثير في البداية والنهاية : 6 / 225
- وفي المجروحين لابن حبان : 3 / 151 :
وكان عمر بن الخطاب يسأل الوفود إذا قدموا من الكوفة : هل تعرفون أويس بن
عامر القرني ؟ فيقولون : لا ، فقدم وفد من أهل الكوفة فيهم ابن عمه فقال عمر : هل
تعرفون أويس بن عامر القرني ؟
فقال ابن عمه : يا أمير المؤمنين هو ابن عمي وهو رجل فاسد ، لم يبلغ ما أن
تعرفه أنت يا أمير المؤمنين ! !
فقال له عمر : ويلك هلكت ويلك هلكت ، إذا أتيته فاقرئه مني السلام ، ومره
فليقدم إلي ، فقدم الكوفة فلم يضع ثياب سفره عنه حتى أتى المسجد قال : فرأى
أويسا فسلم به وقال : استغفر لي يا ابن عمي !
قال : غفر الله لك يا ابن عمي !
قال : وأنت يا أويس يغفر الله لك ، أمير المؤمنين يقرئك السلام .
قال : ومن ذكرني لأمير المؤمنين ؟
قال : هو ذكرك وأمرني أن أبلغك أن تفد إليه .
فقال : سمعا وطاعة لأمير المؤمنين ! فوفد إليه حتى دخل على عمر
فقال : أنت أويس بن عامر ؟
قال : نعم .
قال : أنت الذي خرج بك وضح فدعوت الله أن يذهب عنك فأذهبه فقلت : اللهم
دع لي من جسدي ما أذكر به نعمتك ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 29 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال : نعم .
قال : أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في التابعين رجل من قرن
يقال له أويس بن عامر ، يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه عنه فيذهبه ، فيقول
: اللهم دع لي من جسدي ما أذكر به نعمتك علي ، فيدع الله له ما يذكره نعمته عليه ،
فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر له . استغفر لي يا أويس بن عامر ،
فقال : غفر الله لك يا أمير المؤمنين .
قال آخر : استغفر لي يا أويس ، وقال آخر : استغفر لي يا أويس ، فلما أكثروا عليه
انساب فذهب ! فما رؤي حتى الساعة .
راجع أيضا : الطبقات الكبرى 111 / 6 ، الميزان 492 / 4 ، سير أعلام النبلاء : 4 / 25 ،
كنز العمال : 14 / 10 ، الموضوعات لابن الجوزي 43 / 2 . انتهى .
فهذه الروايات تدل على أن أويسا جاء من اليمن إلى الكوفة وسكن بها ، قبل أن
يعرفه عمر ، مع أن طريقه تمر على الحجاز .
وتدل على أن إيذاء السلطة له في الكوفة كان قبل مجيئه إلى المدينة ، إلى عمر .
ومن البعيد أن حاكم الكوفة كان يجرؤ على مضايقة شخصية مثل أويس بدون رأي
عمر ، وإذا صحت رواية استدعائه له ، فقد يكون الغرض محاولة كسبه ، وأنها
فشلت ، لأنه انسل من المدينة وهرب راجعا إلى الكوفة بدون رضا عمر !
ولا بد أن مشكلته مع حاكم الكوفة ورجاله قد زادت أو بقيت على حالها !
- وفي كنز العمال : 12 / 10 :
عن صعصعة بن معاوية قال : كان عمر بن الخطاب يسأل وفد أهل الكوفة إذا
قدموا عليه : تعرفون أويس بن عامر القرني ؟ فيقولون : لا .
وكان أويس رجلا يلزم المسجد بالكوفة فلا يكاد يفارقه ، وله ابن عم يغشى
السلطان ويؤذي أويسا ، فوفد ابن عمه إلى عمر فيمن وفد من أهل الكوفة ، فقال
عمر : أتعرفون أويس بن عامر القرني ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 30 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقال ابن عمه : يا أمير المؤمنين إن أويسا لم يبلغ أن تعرفه أنت ، إنما هو إنسان
دون ، وهو ابن عمي
. . . فقال له عمر : ويلك هلكت ! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أنه سيكون
في التابعين رجل يقال له أويس بن عامر القرني ، فمن أدركه منكم فاستطاع أن
يستغفر له فليفعل ، فإذا رأيته فأقرئه مني السلام ، ومره أن يفد إلي ، فوفد إليه ، فلما
دخل عليه قال :
أنت أويس بن عامر القرني ؟ أنت الذي خرج بك وضح من برص فدعوت الله أن
يذهبه عنك فأذهبه ، فقلت اللهم أبق لي منه في جسدي ما أذكر به نعمتك ؟ قال :
وأنى دريت يا أمير المؤمنين ؟ والله إن أطلعت على هذا بشرا !
قال : أخبرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في التابعين رجل
يقال له أويس بن عامر القرني ، يخرج به وضح من برص فيدعو الله أن يذهبه عنه
فيفعل ، فيقول : اللهم اترك في جسدي ما أذكر به نعمتك ، فيفعل ، فيقول ، اللهم أترك
في جسدي ما أذكر به نعمتك ، فيفعل ، فمن أدركه فاستطاع أن يستغفر له فليفعل ،
فاستغفر لي يا أويس . قال : غفر الله لك يا أمير المؤمنين ! قال : ولك يغفر الله يا أويس بن عامر .
فقال الناس : استغفر لنا يا أويس ، فراغ ، فما رئي حتى الساعة
( ع ، وابن منده ، كر )
. وفي هامشه : راغ إلى كذا : مال إليه سرا وحاد . انتهى .
وقد روى قوله ( فراغ فما رئي حتى الساعة ) ابن حبان في المجروحين : 3 / 151 ، وفي
لسان الميزان : 1 / 471 . .
روايات توجب الشك في استغفاره لعمر
الأمر الثابت في الروايات ، والمنطقي أيضا ، أن عمر كان يبحث عن أويس لكي
يستغفر له ، كما تقدم .
بل في بعضها أنه كان يبحث عنه إلى آخر سنة من خلافته . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 31 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- ففي طبقات ابن سعد : 6 / 113 :
قال بن عون عن محمد قال : أمر عمر أن نرى رجلا من التابعين أن يستغفر له ،
قال محمد : فأنبئت أن عمر كان ينشده في الموسم ، يعني أويسا . . انتهى .
وتدل الرواية التالية على أن أويسا لم ير عمر أبدا ، وأنه بقي في اليمن إلى خلافة
علي ( عليه السلام ) ، ولم يقبل دعوة عمر للمجئ إلى المدينة ! ! وعندما وجدوه في اليمن وبلغوه
سلام عمر وسلام الرسول ( صلى الله عليه وآله ) رد على السلام الرسول وآله ، ولم يرد سلام عمر ! !
- وفي كنز العمال : 14 / 10 :
عن سعيد بن المسيب قال : نادى عمر بن الخطاب وهو على المنبر بمنى :
يا أهل قرن ! فقام مشايخ فقالوا : نحن يا أمير المؤمنين !
قال : أفي قرن من اسمه أويس ؟
فقال شيخ : يا أمير المؤمنين ليس فينا من اسمه أويس إلا مجنون يسكن القفار
والرمال ولا يألف ولا يؤلف !
فقال : ذاك الذي أعنيه ، إذا عدتم إلى قرن فاطلبوه وبلغوه سلامي وقولوا له : إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرني بك ، وأمرني أن أقرأ عليك سلامه .
فعادوا إلى قرن فطلبوه فوجدوه في الرمال ، فأبلغوه سلام عمر وسلام رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، فقال : أعرفني أمير المؤمنين وشهر باسمي ؟ ! السلام على
رسول الله ، اللهم صل عليه وعلى آله ، وهام على وجهه فلم يوقف له بعد ذلك على
أثر دهرا ، ثم عاد في أيام علي فقاتل بين يديه ، فاستشهد في صفين ( كر ) .
- وكذا في سير أعلام النبلاء : 4 / 32
فهذه الروايات تدل على أنه بقي في اليمن ، ولم ير عمر أصلا ! !
بينما تقول لرواية أخرى إنه قدم من اليمن على عمر في المدينة ، ولكنه لم
يستغفر له ، وهرب منه !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 32 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- ففي سير أعلام النبلاء : 4 / 24 :
قال عمر : فقدم علينا ها هنا فقلت : ما أنت ؟ قال : أنا أويس .
قلت : من تركت باليمن ؟
قال : أما لي .
قلت : هل كان بك بياض فدعوت الله فأذهبه عنك ؟
قال : نعم .
قلت : استغفر لي .
قال : يا أمير المؤمنين يستغفر مثلي لمثلك ؟ !
قلت : أنت أخي لا تفارقني . فانملس مني ، فأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة . انتهى .
وقال في صفحة 27 : وفي لفظ : أو يستغفر لمثلك ؟ !
وروى نحوا من ذلك عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه ! ! انتهى .
- وفي دلائل النبوة للبيهقي : 6 / 376 :
- لما أقبل أهل اليمن جعل عمر ( رض ) يستقرئ فيقول هل فيكم أحد من قرن
؟ . . . فوقع زمام عمر أو زمام أويس . . . فناوله عمر فقال له : ما اسمك ؟
قال : أويس .
فقال له عمر : استغفر لي .
قال : أنت أحق أن تستغفر لي .
ونحوه في مسند أحمد : 1 / 38 ، وسير أعلام النبلاء : 4 / 20
- وفي مستدرك الحاكم : 3 / 404 :
عن أسير بن جابر قال لما أقبل أهل اليمن جعل عمر ( رضي الله عنه ) يستقري الرفاق فيقول :
هل فيكم أحد من قرن ؟ حتى أتى عليه قرن فقال : من أنتم ؟
قالوا : قرن .
فرفع عمر بزمامه أو زمام أويس فناوله عمر فعرفه بالنعت ، فقال له عمر :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 33 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ما اسمك ؟
قال أنا أويس .
قال : هل كان لك والدة ؟
قال : نعم .
قال : هل بك من البياض ؟
قال : نعم ، دعوت الله تعالى فأذهبه عني إلا موضع الدرهم من سرتي لأذكر به
ربي .
فقال له عمر : استغفر لي .
قال : أنت أحق أن تستغفر لي ، أنت صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . انتهى .
- وروى الذهبي في سير أعلام النبلاء : 4 / 27 ، نصا طريفا عن أبي هريرة ، ورده ، وقد
جاء فيه :
فلما كان في آخر السنة التي هلك فيها عمر ، قام على أبي قبيس فنادى بأعلى
صوته :
يا أهل الحجيج من أهل اليمن ، أفيكم أويس من مراد ؟
فقام شيخ كبير فقال : إنا لا ندري من أويس ، ولكن ابن أخ لي يقال له أويس وهو
أخمل ذكرا وأقل مالا وأهون أمرا من أن نرفعه إليك ، وإنه ليرعى إبلنا بأراك عرفات
فذكر اجتماع عمر به وهو يرعى فسأله الاستغفار ، وعرض عليه مالا ، فأبى . انتهى .
ثم قال الذهبي : وهذا سياق منكر لعله موضوع . انتهى .
وسبب حكمه عليه بالوضع أنه ينص على امتناع أويس من الاستغفار لعمر ، وأنه
لم يلقه إلا في آخر سنة من عمره !
ولكن لو صح إشكال الذهبي على هذا النص ، فإن تعارض الروايات الصحيحة
عندهم في القول بأنه استغفر لعمر أو لم يستغفر له ، ورفضه أن يأخذ منه شيئا ماديا
أو معنويا ، وهروبه منه . . كل ذلك يؤيد ما نص منها على أنه رفض الاستغفار له !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 34 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ويؤيد ذلك : أن التاريخ لم يذكر أن أويسا بايع أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ، ولا
شارك في حروب الفتح تحت إمرة أمرائهم ، بل لم تذكر عنه شيئا طيلة خلافتهم التي
امتدت ربع قرن ، حتى ظهر مع علي ( عليه السلام ) ، وبايعه ، وشارك في حروبه .
ويؤيده : أن روايات ذكرت أن عمر طلب منه أن يبقى عنده وقال له ( أنت أخي لا
تفارقني ) فلم يقبل أويس وهرب منه ، ولا تفسير لهروبه إلا أنه خاف أن يحرجه عمر
في كلام ، أو يصر عليه أن يوليه عملا في دولته !
ويؤيده : أن عمر كان مركزيا شديد المركزية في إدارته ، وكان أويس معروفا في
الكوفة ، فلا يمكن القول بأن اضطهاد حاكم الكوفة لأويس كان بدون أمر من عمر !
وبذلك يكون إحضاره إلى المدينة إن صح ، محاولة من عمر لاستمالته ، وقد فشلت !
ويؤيد أيضا : تعارض الروايات في وقت لقائه بعمر !
فبعضها يقول إنه كان يبحث عنه في موسم الحج ، كما في كنز العمال : 14 / 7 ، عن
محمد بن سيرين قال : أمر عمر بن الخطاب إن لقي رجلا من التابعين أن يستغفر له
قال محمد : قال فأنبئت أن عمر كان ينشده في الموسم يعني أويسا ( ابن سعد ، كر ) .
وبعضها : يقول إنه وفد عليه من اليمن ، كما في أسد الغابة : 1 / 151 :
قال فقال عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال إن رجلا يأتيكم من اليمن
يقال له أويس ، لا يدع باليمن غير أم . . . فقال له عمر أين تريد ؟ قال : الكوفة ، قال ألا
أكتب لك إلى عاملها ؟ قال : أكون في غبراء الناس أحب إلي . . . ونحوه في كنز العمال
ج 14 / 5 ، وتاريخ الإسلام : 3 / 556 . .
وبعضها : ينص على أنه كان في آخر سنة من خلافته يبحث عنه ! كالتي تقدمت من
كنز العمال ، وسير أعلام النبلاء : 4 / 27 ، عن أبي هريرة . . .
ويؤيد ذلك أيضا : تناقضات أسير بن جابر راوي لقاء أويس بعمر ، ففي رواية
الحاكم المتقدمة عنه ( : 2 / 365 ) أن أسيرا لم يعرف أويسا إلا في الكوفة في خلافة
علي ( عليه السلام ) ، وأن أويسا لم يلبث بعد معرفته به إلا قليلا حتى ذهب إلى صفين !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 35 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ورواياته الأخرى تقول إنه عرفه من عهد عمر ، أي قبل بضع عشرة سنة من
خلافة علي ( عليه السلام ) .
هذا ، مضافا إلى تناقض الأحداث والمضامين التي رواها أسير ، والصورة
الساذجة التي أعطاها لهذا الولي الواعي ، والدور الذي أعطاه لنفسه في حياة أويس ،
كأنه ولي نعمته !
والمتأمل في روايات أسير يلاحظ أن همه أن يبرز دوره ودور عمر في حياة
أويس !
وقد قال عنه الحاكم في المستدرك : 2 / 365 ( وأسير بن جابر من المخضرمين ، ولد
في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . وهو من كبار أصحاب عمر ( رضي الله عنه ) ) . انتهى .
وقد جرح صعصعة بن معاوية في أسير هذا ، وصعصعة هو عم الأحنف بن قيس
وقد وثقه النسائي وابن حبان ، وشهد صعصعة بأن أسيرا كان من شرطة دار الإمارة
بالكوفة وكان عمله إيذاء أويس ( يغشى السلطان ويؤذي أويسا ) !
وقد اعترف أسير بذلك ولكنه ادعى أنه تاب ، وأن أويسا استغفر له ! !
وإقراره على نفسه حجة ، وادعاؤه التوبة دعوى تحتاج إلى دليل .
أما رواية صعصعة بن معاوية عن لقائه بعمر ، التي رواها كنز العمال : 12 / 10 ،
ورواها أبو يعلى في مسنده : 1 / 187 ح 212 ، فهي مقطوعة ، لأن صعصعة لم يدرك
عمر ، ولم يذكر ممن سمعها ، وقد ذكروا أن صعصعة أدرك أبا ذر ورآه ، وأنه كان حيا
في زمن الحجاج ، ولا يعلم متى قال هذا الكلام ، ولعله بعد زمن علي ( عليه السلام ) .

من هم الذين خاطبهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) في البشارة بأويس ؟

تتعارض الروايات في تعيين المخاطبين في البشارة بأويس . . فبعضها تقول إن
المخاطب بذلك هم المسلمون ، بدون تحديد شخص أو أشخاص .
وروايات أسير بن جابر تقول إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) خاطب بذلك عمر بن الخطاب ، فهو
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 36 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يزعم أن ذلك إخبار غيبي بخلافة عمر ، أو نوع من الوصية له ، مع أن خلافة أبي بكر
وعمر قامتا على أساس أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يوص لأحد ، وأن عشائر قريش الثلاث
والعشرين كلها ترث ملكه ( صلى الله عليه وآله ) لأنه ابن قريش !
وبعض الرويات ، كما في سير الذهبي : 4 / 24 ، تقول إن المخاطب هما عمر وعلي (
يا عمر ويا علي إذا رأيتماه ، فاطلبا إليه يستغفر لكما ، يغفر الله لكما . فمكثا يطلبانه
عشر سنين لا يقدران عليه ) . انتهى .
ومن الطبيعي أن هذه الرواية تريد تلطيف رواية أن المخاطب بذلك عمر وحده ،
لأن أويسا كان من شيعة علي ولم يكن من شيعة عمر ، فجعلت الخطاب لهما معا !
أما ابن سلام الأباضي فقد ذكر في كتابه بدء الإسلام / 79 ، أن المخاطب بذلك
هما أبو بكر وعمر . . .
ولعل بعضهم روى أن المخاطب بذلك عثمان بن عفان ، مع أن اسم عثمان
غائب عن أحاديث أويس كليا ، رغم أن خلافته امتدت بضع عشرة سنة !
فهذا الاضطراب في تسمية الذين خاطبهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) في أمر أويس ، يقوي ما ورد
في مصادرنا من أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) خاطب المسلمين عامة ، وخاطب عليا ( عليه السلام ) خاصة ،
بأن أويسا سيبايعه ويقتل معه ، فجعل الرواة هذه الفضيلة للخلفاء قبله ، كما هو
دأبهم في مصادرة فضائل علي ( عليه السلام ) وتلبيسها لغيره !
ولا يتسع البحث للإفاضة في هذا الموضوع .
- قال المفيد في الإرشاد : 1 / 315 :
في حديث عن علي ( عليه السلام ) أنه قال : الله أكبر أخبرني حبيبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أني أدرك
رجلا من أمته يقال له أويس القرني يكون من حزب الله ورسوله ، يموت على
الشهادة ، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر . انتهى .
ونحوه في الخرائج والجرائح : 1 / 200 ، وإعلام الورى / 170 ، والثاقب في المناقب /
266 ، وبحار الأنوار : 37 / 299 و 38 / 147 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 37 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

آراء شاذة وأخرى مشبوهة الهدف في أويس

1 - حاولوا إعطاء شخصية أويس لعدوي وأموي

مع كثرة الأحاديث والروايات الصحيحة في مصادر الشيعة والسنة حول أويس ،
ومع أن اسمه مميز لا يختلط بغيره . . إلا أن بعضهم حاول أن يجعل الشخص الذي
بشر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بشفاعته شخصا آخر غير أويس ! !
- قال ابن الأثير في أسد الغابة : 3 / 29 :
صلة بن أشيم العدوي من عدي بن الرباب وهو عدي ابن عبد مناة بن أد بن
طابخة ، أورده سعيد القرشي . . . صلة هذا قتل بسجستان سنة خمس وثلاثين ، وكان
عمره ثلاثين ومائة سنة ، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صلة فقال فيما روى
يزيد بن جابر قال : بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يكون في أمتي رجل
يقال له صلة ، يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا . أخرجه أبو موسى .
روى يزيد عن جابر قال : بلغنا أن النبي قال : يكون في أمتي رجل يقال له
صلة ( بن أشيم ) يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا . انتهى . ورواه الذهبي في تاريخ
الإسلام : 5 ص 127
- وترجم الذهبي في سير أعلام النبلاء : 3 / 497 ، لصلة هذا باحترام كبير فقال :
صلة بن أشيم الزاهد العابد القدوة ، أبو الصهباء العدوي البصري زوج العالمة
معاذة العدوية ، ما علمته روى سوى حديث واحد عن ابن عباس .
حدث عنه أهله معاذة ، والحسن ، وحميد بن هلال ، وثابت البناني ، وغيرهم .
ابن المبارك في الزهد : عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال : بلغنا أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : يكون في أمتي رجل يقال له صلة ، يدخل الجنة بشفاعته
كذا وكذا . هذا حديث معضل . انتهى . ثم ذكر الذهبي أنه استشهد في سجستان سنة
اثنين وستين .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 38 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال في هامشه عن معاذة زوجة صلة : من رجال التهذيب ، وحديثها في الكتب
الستة . وقال عن الحديث : إسناده ضعيف لإعضاله كما قال المؤلف ، والحديث
المعضل هو الذي سقط من إسناده اثنان على التوالي .
والخبر في حلية الأولياء 2 / 241 من طريق ابن المبارك . انتهى .
وكفى الله المؤمنين هذا الحديث حيث ضعفه ناقلوه . . لكن تبقى دلالته على أن
وجود أويس كان ثقيلا على السلطة وخاصة الأموية ، لأنه شهادة نبوية حية على أن
الحق مع علي ( عليه السلام ) ولذلك حاولوا التخلص منه تارة بإنكار وجود أويس من الأساس !
أو بتضعيفه ، أو بإعطاء شخصيته لشخص عدوي قريب من الخليفة عمر .
وبعضهم سلم بوجود أويس لكن ادعى أنه قتل في سجستان أو آذربيجان ، ولم
يقتل مع علي في صفين ! !
وأخيرا . . حاول بعضهم أن يعطي شفاعة أويس لعثمان بن عفان ! فقال في تذكرة
الموضوعات / 94 : في المختصر ( يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة
ومضر ) قيل هو أويس ، والمشهور أنه عثمان بن عفان . انتهى .
ومعنى قوله ( والمشهور ) أنه يريد أن يجعله مشهورا ، وإن لم يكن كذلك حتى
بين السنيين المحبين لعثمان ! !

2 - والبخاري ضعف أويسا ولم يقبل روايته !

- في ميزان الاعتدال : 1 / 278 ولسان الميزان : 1 / 471 :
أويس بن عامر ، ويقال ابن عمرو القرني اليمني العابد نزيل الكوفة ، قال البخاري
يماني مرادي ، في إسناده نظر فيما يرويه ! وقال البخاري أيضا في الضعفاء : في
إسناده نظر : يروي عن أويس في إسناد ذلك .
قلت هذه عبارته ! يريد أن الحديث الذي روي عن أويس في الإسناد إلى أويس
نظر ، ولولا أن البخاري ذكر أويسا في الضعفاء لما ذكرته أصلا ، فإنه من أولياء الله
الصادقين ، وما روى الرجل شيئا فيضعف أو يوثق من أجله !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 39 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال أبو داود : حدثنا شعبة قال : قلت لعمرو بن مرة : أخبرني عن أويس ، هل
تعرفونه فيكم ؟ قال : لا .
قلت : إنما سألت عمرا عنه لأنه مرادي ، هل تعرف نسبه فيكم ؟ فلم يعرف .
ولولا الحديث الذي رواه مسلم في فضل أويس لما عرف ، لأنه عبد لله تقي خفي ،
وما روى شيئا ، فكيف يعرفه عمرو ، وليس من لم يعرف حجة على من عرفه ! انتهى .
- وشبيه به في سير أعلام النبلاء : 4 / 19 ، قال :
أويس القرني . هو القدوة الزاهد ، سيد التابعين في زمانه ، أبو عمرو ، أويس بن
عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني . وقرن بطن من مراد .
وفد على عمر وروى قليلا عنه ، وعن علي .
روى عنه يسير بن عمرو ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وأبو عبد رب الدمشقي
وغيرهم ، حكايات يسيرة ، ما روى شيئا مسندا ولا تهيأ أن يحكم عليه بلين ، وقد
كان من أولياء الله المتقين ومن عباده المخلصين . انتهى .
وقال الجرجاني في الكامل : 1 / 12 ، بعد أن أورد عددا من أحاديث أويس : قال
الشيخ : وهذا الحديث معروف لأويس يرويه معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة ،
وليس لأويس من الرواية شئ ، وإنما له حكايات ونتف وأخبار في زهده ، وقد شك
قوم فيه ، إلا أنه من شهرته في نفسه وشهرة أخباره لا يجوز أن يشك فيه ، وليس له
من الأحاديث إلا القليل ، فلا يتهيأ أن يحكم عليه بالضعف ، بل هو صدوق ثقة مقدار
ما يروى عنه . انتهى .
والذي يقرأ البخاري في صحيحه وتاريخه وبقية مؤلفاته ، يراه حريصا على الخط
المتشدد لمذهب عمر وآرائه ، ولذا فإن موقفه السلبي من أويس يمثل ما كان في
عصره من التهوين من شخصيته . . وهو دليل كاف على أن صلة أويس بعمر لم تكن
كما يحبون .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 40 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

3 - ومتشددة الحنابلة قللوا من مقام أويس !

فقد صرح متعصبوا الحنابلة بتفضيل بعض أصحابهم على أويس القرني !
- قال أبو يعلى في طبقات الحنابلة : 2 / 63 :
فقال البربهاري إذا كان أويس القرني يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر ، فكم
يدخل في شفاعة أبي الحسن بن بشار ؟ !
قال أحمد البرمكي : صدق البربهاري لأن أويسا كان من الأبدال ، وأبا الحسن كان
من المستخلفين ، والمستخلف أجل من البدل وأفضل عند الله ، لأن المستخلف في
الأرض مقامه مقام النبيين ( عليهم السلام ) ! ! لأنه يدعو الخلق إلى الله ، فبركته عائدة عليه وعلى
كافة الخلق ، وبركة البدل عائدة على نفسه ! ! انتهى .
لكنا نسأل البرمكي والبربهاري وأبا يعلى الذي ارتضى كلامهما : إن درجات
الناس ومقامهم عند الله وتفاضلهم غيب لا سبيل إلى العلم به إلا من الذي له نافذة
على الغيب ! وقد عرفنا مقام أويس من شهادة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، فمن أين عرفتم مقام
صاحبكم ! ! وأن الله تعالى جعله خليفته في أرضه ! وجعله في رتبة الأنبياء صلوات
الله عليهم ؟ !
إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ؟ !
أما الذهبي فقد قيد قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) المطلق في أويس ! وقال إنه أفضل التابعين في
عصره فقط . . ويقصد أنه بعد عصره يوجد كثيرون أفضل منه ! !
- قال في سير أعلام النبلاء : 4 / 19 :
أويس القرني ، هو القدوة الزاهد ، سيد التابعين في زمانه ، أبو عمرو ، أويس . . .
انتهى .
وأما ابن تيمية ، فقد تناول أويسا من جهة أخرى قد تكون هي السبب في
حساسية بعضهم منه ، فقد أكد على أن أمر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لعمر أن يطلب من أويس أن
يستغفر له ، لا يدل على أن أويسا أفضل من عمر !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 41 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- قال في التوسل والوسيلة / 327 :
وحتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب من أويس القرني أن يستغفر
للطالب ، وإن كان الطالب أفضل من أويس بكثير .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : إذا سمعتم المؤذن
فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي ، فإنه من صلى علي مرة صلى لله عليه عشرا . . .
انتهى .
فمن أين عرف ابن تيمية أفضلية عمر على أويس ؟ ! وكيف جعل طلب الاستغفار
كطلب الدعاء ؟ !
وكيف شبه أمر النبي لعمر أن يطلب الاستغفار من أويس ، بطلب الرسول منا أن
نصلي عليه ( صلى الله عليه وآله ) ؟ ! ! مع الفارق الكبير بينهما ؟ !
فطلب الرسول منا أن ندعو له بالصلاة عليه إنما هو من أجلنا ، ولم يستمد منا
المساعدة !
أما توجيهه أحدا أن يطلب الاستغفار من أحد ، فلا يكون إلا إذا كان للثاني مقام
عند الله تعالى يؤمل به أن ينفع الأول ! ! فهو من قبيل قوله تعالى ( ولو أنهم إذ ظلموا
أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول . . . ) .

4 - وفضلوا أمويا على أويس القرني !

- في حلية الأولياء : 9 / 223 :
قال وسمعت أبا سليمان وأبا صفوان يتناظران في عمر بن عبد العزيز وأويس ،
فقال أبو سليمان لأبي صفوان : كان عمر بن عبد العزيز أزهد من أويس !
فقال له : ولم ؟
قال : لأن عمر بن عبد العزيز ملك الدنيا فزهد فيها .
فقال له أبو صفوان : وأويس لو ملكها لزهد فيها مثل ما فعل عمر !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 42 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقال أبو سليمان : أتجعل من جرب كمن لا يجرب ، إن من جرت الدنيا على يديه
ولم يكن لها في قلبه موقع .
- وقال في البداية والنهاية : 9 / 233 :
قال أبو سليمان الداراني : كان عمر بن عبد العزيز أزهد من أويس القرني ، لأن
عمر ملك الدنيا بحذافيرها وزهد فيها ، ولا ندري حال أويس لو ملك ما ملكه عمر
كيف يكون ؟ ! ليس من جرب كمن لم يجرب ! انتهى .
فهل تعامى الداراني وأبو نعيم وابن كثير أن أويسا شهد له سيد المرسلين ( صلى الله عليه وآله ) بأنه
من كبار أولياء الله تعالى ، والشفعاء عنده يوم القيامة ، وأن معنى ذلك أن الملك
والخلافة ومغريات الدنيا لو عرضت له وقبلها فسوف لا تغير منه شيئا !
بينما لم يشهد ( صلى الله عليه وآله ) لعمر بن عبد العزيز بحرف من ذلك !
فتفضيله على أويس وجعله في درجته ، ما هو إلا الظن والتعصب لبني أمية !

5 - ثم حاولوا إنكار شهادة أويس في صفين

- في سير أعلام النبلاء : 4 / 25 :
وروى نحوا من ذلك عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه ، وزاد فيها : ثم إنه غزا
أذربيجان فمات ، فتنافس أصحابه في حفر قبره . انتهى .
وقد حاول المعلق على سير الذهبي أن يؤكد الشك في شهادة أويس في صفين ،
فقال في هامشه : هناك أخبار مختلفة حول موته والمكان الذي دفن فيه ، ذكرها أبو
نعيم في الحلية 2 / 83 ، وابن عساكر في تاريخه 3 / 110 ، وما بعدها .
- وفي حلية الأولياء : 2 / 84 :
حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني زكريا بن يحيى ابن
زحمويه ، ثنا الهيثم بن عدي ، ثنا عبد الله بن عمرو بن مرة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن
سلمة ، قال غزونا أذربيجان زمن عمر بن الخطاب ، ومعنا أويس القرني ، فلما رجعنا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 43 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مرض علينا - يعني أويس - فحملناه ، فلم يستمسك فمات ، فنزلنا فإذا قبر محفور
وماء مسكوب ، وكفن وحنوط ، فغسلناه وكفناه ! !
- وفي لسان الميزان : 1 / 473 :
وأخرج مسلم . . . عن أسير بن جابر فذكر اجتماع عمر ( رضي الله عنه ) بأويس ، وفيه :
قال أين تريد ؟
قال : الكوفة .
قال : ألا أكتب لك إلى عاملها فيستوصى بك ؟
قال : لا ، بل أكون في غبرات الناس أحب إلي . . الحديث ، وفي آخره أنه مات
بالحيرة . انتهى .
وإذا كان يقصد أن الحديث الآخر في مسلم ، فلم نجد فيه ذكرا لموته في الحيرة !
وهذا يوجب الشك في أن نسخ صحيح مسلم متفاوتة ، وأنه أضيف إلى بعضها أنه
مات بالحيرة !
- وفي لسان الميزان : 1 / 475 :
وقال ابن حبان في ثقات التابعين : أويس بن عامر القرني من اليمن ، من مراد
سكن الكوفة ، وكان زاهدا عابدا ، يروي عن عمر ، اختلفوا في موته ، فمنهم من
يزعم أنه قتل يوم صفين في رجالة علي ( رضي الله عنه ) ، ومنهم من يزعم أنه مات على جبل
أبي قبيس بمكة ، ومنهم من يزعم أنه مات بدمشق ، ويحكون في موته قصصا تشبه
المعجزات التي رويت عنه .
وقد كان بعض أصحابنا ينكر كونه في الدنيا ، حدثني عبد الله بن الحسين الرحبي
ثنا عباس بن محمد قراد أبو نوح ، فذكر ما تقدم ، والأثر الذي تقدم عن لوين أخرج
أحمد في مسنده عن أبي نعيم عن شريك به ، وفي آخره سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول : إن من خير التابعين أويسا القرني ( رضي الله عنه ) . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 44 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي تاريخ الطبري : 10 / 116 :
( ذكر من هلك من التابعين سنة 32 )
ومنهم أويس بن الخليص القرني . كذلك ذكر ضمرة بن ربيعة عن عثمان بن عطاء
الخراساني عن أبيه قال : سمعت من رجل من قومي يعني من قوم أويس وأنا أحدث
بحديثه ، فقال تدري يا أبا عثمان أويس ابن من ؟
قلت : لا .
قال ك أويس بن الخليص .
وأما يحيى بن سعيد القطان فإنه قال : حدثنا يزيد بن عطاء ، عن علقمة بن مرثد
بأنه قال : أويس بن أنيس القرني .
واختلف في وقت مهلكه فقال بعضهم : قتل مع علي ( عليه السلام ) بصفين ، روى محمد بن
أبي منصور قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : نادى منادي علي ( عليه السلام ) يوم صفين ألا اطلبوا أويسا
القرني بين القتلى ، فطلبوه فوجدوه فيهم . أو كلاما هذا معناه . انتهى .
- وفي تاريخ الطبري : 10 / 145 :
وأويس القرني ، من مراد وهو يحابر بن مالك بن مذحج ، وهو أويس بن عامر بن
جزء بن مالك بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد وهو
يحابر بن مالك .
وكان ورعا فاضلا روى أنه قتل يوم صفين : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر
قال : حدثنا هشام عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليدخلن
الجنة بشفاعة رجل من أمتي مثل ربيعة ومضر . قال هشام فأخبرني حوشب أنه قال
هو أويس القرني .
- وفي وقعة صفين لنصر بن مزاحم / 324 :
نصر ، عن حفص بن عمران البرجمي ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي البختري
قال : أصيب أويس القرني مع علي بصفين .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 45 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي أنساب الأشراف / 320 :
وبعض الرواة يزعم أن أويسا القرني العابد ، قتل مع علي بصفين . ويقال : بل
مات بسجستان . قالوا : وكان علي بصفين في خمسين ألفا ، ويقال : بل في مئة ألف .
وكان معاوية ( رحمه الله ) ! ! في سبعين ألفا ، ويقال : في مأة ألف ، فقتل من أهل الشام خمسة
وأربعون ألفا ، ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفا ، والله أعلم .
وقال في هامشه :
وهذا هو الشائع المعروف بين العلماء ، لم يتردد فيه إلا بعض النواصب ، وقد ذكر
الكثيرون من منصفي أهل السنة استشهاد أويس بصفين ، وذكره ابن عساكر بطرق في
ترجمة أويس من تاريخ دمشق : 6 / 69 ، وفي ترجمة زيد بن صوحان : 19 / 131 ، وفي
تهذيبه : 6 / 14 .
قال في مجمع الزوائد : 10 / 22 : وعن ابن أبي ليلى قال : نادى رجل من أهل الشام
يوم صفين أفيكم أويس القرني ؟
قالوا نعم .
قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من خير التابعين أويس . رواه
أحمد بن حنبل وإسناده جيد .
وقال ابن مسكويه في الحكمة الخالدة / 134 : وذكر ابن أبي ليلى الفقيه أن أويسا
وجد في قتلى رجالة علي بن أبي طالب يوم صفين .
- وقال الحاكم في ترجمة أويس من المستدرك : 3 / 402 :
سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب قال : سمعت العباس بن محمد الدوري
يقول : سمعت يحيى بن معين يقول : قتل أويس القرني بين يدي أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب يوم صفين .
وبالسند المتقدم عن أبي العباس محمد بن يعقوب ، عن عباس بن الدوري ، حدثنا
أبو نعيم ، حدثنا شريك ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 46 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولما كان يوم صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي : أفيكم أويس
القرني ؟ قالوا : نعم فضرب دابته حتى دخل معهم ثم قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
يقول : خير التابعين أويس القرني .
وأخبرني أحمد بن كامل القاضي ببغداد ، حدثنا عبد الله بن روح المدائني ،
حدثنا عبيد الله ابن محمد العبسي ، حدثني إسماعيل بن عمرو البجلي ، عن حبان
بن علي العنزي عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة قال :
شهدت عليا ( رضي الله عنه ) يوم صفين وهو يقول :
من يبايعني على الموت ؟ - أو قال : على القتال ؟
فبايعه تسع وتسعون قال : فقال :
أين التمام ؟ أين الذي وعدت به ؟
قال : فجاء رجل عليه أطمار صوف محلوق الرأس فبايعه على الموت والقتل
[ كذا ] قال فقيل : هذا أويس القرني . فما زال يحارب بين يديه حتى قتل ( رضي الله عنه ) .
وقال في تاريخ الخميس : 2 / 277 : وقتل مع علي خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين
وأويس القرني زاهد التابعين .
وقال في المختصر الجامع : قتل من أهل العراق خمسة وعشرون ألفا ، منهم عمار
بن ياسر ، وأويس القرني ، وخمسة وعشرون بدريا .
وقال ابن عساكر قبل ختام ترجمة أويس بحديث : أنبأنا أبو الغنائم محمد بن علية
[ كذا ] بن الحسن الحسيني ، حدثنا القاضي محمد بن عبد الله الجعفي ، حدثنا
الحسين بن محمد ابن الفرزدق ، أنبأنا الحسن بن علي بن بزيع ، حدثنا محمد بن
عمر ، حدثنا إبراهيم بن إسحاق ، حدثنا عبد الله بن أذنية البصري ، عن أبان بن أبي
عياش عن سليمان [ كذا ] بن قيس العامري : قال رأيت أويسا القرني بصفين صريعا
بين عمار وخزيمة بن ثابت .
وتقدم في تعليق الحديث ( 347 ) في صفحة 286 عن ترجمة زيد بن صوحان من تاريخ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 47 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
دمشق : 19 / 130 ، وفي تهذيبه : 6 / 14 ، بسند آخر أن أويس القرني قتل في الرجالة يوم
صفين . انتهى .
وكان ينبغي لهؤلاء المؤرخين أن يتقيدوا بمنهجهم في الأخذ بالأحاديث
الصحيحة التي نصت على شهادة أويس مع علي ( عليه السلام ) في صفين ، وأن لا يشككوا
الناس بسرد أحاديث ضعيفة في مقابلها .
ولكن بغضهم لعلي ( عليه السلام ) يدفعهم دائما إلى ترك منهجهم والتشبث بالطحلب لكي
يتخلصوا من أويس ، هذه الآية الربانية النبوية التي شهدت على حق علي ( عليه السلام ) وباطل
خصومه ومقاتليه ، وحكمت عليهم بنصوص صحيحة عندهم بأنهم الفئة الباغية
المحاربة لله ورسوله ! !
ترى أحدهم لا يشهد بأن الحق مع علي ( عليه السلام ) إلا مجبورا ، كأنه يساق إلى الموت ! !
ويبقى قلبه مشربا بحب أعداء علي ومقاتليه ، وكأنه يقول لهم ( أحسنتم وتقبل
جهادكم وطاعاتكم ) ! !
- قال الحاكم في المستدرك : 3 / 402 :
ذكر مناقب أويس بن عامر القرني ( رضي الله عنه ) .
أويس راهب هذه الأمة ولم يصحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إنما ذكره رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ودل
على فضله ، فذكرته في جملة من استشهد بصفين بين يدي أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب ( رضي الله عنه ) .
سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول : سمعت العباس بن محمد الدوري
يقول : سمعت يحيى بن معين يقول : قتل أويس القرني بين يدي أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب يوم صفين .
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا العباس بن محمد الدوري ، ثنا أبو نعيم ،
ثنا شريك ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : لما كان يوم
صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي أفيكم أويس القرني ؟ قالوا :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 48 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
نعم ، فضرب دابته حتى دخل معهم ، ثم قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : خير
التابعين أويس القرني .
أخبرني أحمد بن كامل القاضي ببغداد ، ثنا عبد الله بن روح المدايني ، ثنا عبيد
الله بن محمد العبسي ، حدثني إسماعيل بن عمرو البجلي ، عن حبان بن علي
العنزي ، عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال : شهدت عليا ( رضي الله عنه ) يوم صفين
وهو يقول : من يبايعني على الموت ، أو قال على القتال ؟ فبايعه تسع وتسعون .
قال فقال : أين التمام أين الذي وعدت به ؟
قال فجاء رجل عليه أطمار صوف ، محلوق الرأس ، فبايعه على الموت والقتل ،
قال فقيل هذا أويس القرني ، فما زال يحارب بين يديه حتى قتل ( رضي الله عنه ) .
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا العباس بن محمد الدوري ، ثنا علي بن
حكيم ، ثنا شريك قال ذكروا في مجلسه أويس القرني فقال : قتل مع علي بن أبي
طالب ( رضي الله عنه ) في الرجالة . انتهى .
وقد تقدم من صحيح مسلم وغيره أن أويسا كان في صفين .
راجع أيضا : طبقات ابن سعد : 6 / 113 - 114 ، وغيره .

6 - وجعلوا له قبرين في الشام ليبعدوه عن صفين

- في رحلة ابن بطوطة : 1 / 93 :
أن جماعه من الصحابة صحبهم أويس القرني من المدينة إلى الشام ، فتوفي في
أثناء الطريق في برية لا عمارة فيها ولا ماء ، فتحيروا في أمره فنزلوا فوجدوا حنوطا
وكفنا وماء فعجبوا من ذلك وغسلوه وكفنوه . . .
بعض المشاهد والمزارات بها ( الشام ) : فمنها بالمقبرة التي بين باب الجابية
والباب الصغير . . . وقبر بلال مؤذن رسول الله ( ص ) ، وقبر أويس القرني ، وقبر كعب
الأحبار . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 49 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أما ابن تيمية الذي مذهبه تحريم زيارة القبور ، فقد صرح بأن قبر أويس الذي في
الشام لا أصل له ، قال في كتابه زيارة القبور / 446 : أما هذه المشاهد المشهورة فمنها
ما هو كذب قطعا مثل المشهد الذي بظاهر دمشق المضاف إلى أبي بن كعب ،
والمشهد الذي بظاهرها المضاف إلى أويس القرني ، والمشهد الذي بمصر المضاف
إلى الحسين ( رضي الله عنه ) ، إلى غير ذلك من المشاهد التي يطول ذكرها بالشام والعراق ومصر
وسائر الأمصار ، حتى قال طائفة من العلماء منهم عبد العزيز الكناني كل هذه القبور
المضافة إلى الأنبياء لا يصح شئ منها إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أثبت
غيره أيضا قبر الخليل ( عليه السلام ) ! !

7 - وزعم بعضهم أن قبر أويس طار من الأرض

- قال حلية الأولياء : 2 / 84 :
حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني زكريا بن يحيى بن
زحمويه ، ثنا الهيثم بن عدي ، ثنا عبد الله بن عمرو بن مرة ، عن أبيه عن عبد الله بن
سلمة ، قال غزونا أذربيجان زمن عمر بن الخطاب ومعنا أويس القرني ، فلما رجعنا
مرض علينا - يعني أويس - فحملناه فلم يستمسك فمات ، فنزلنا فإذا قبر محفور وماء
مسكوب وكفن وحنوط ، فغسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه !
فقال بعضنا لبعض : لو رجعنا فعلمنا قبره ، فرجعنا فإذا لا قبر ولا أثر ! !
- وقال اللواتي في تحفة النظار في غرائب الأمصار : 1 / 55 :
فمن بعض المشاهد والمزارات بدمشق التي بين باب الجابية والباب الصغير قبر
أم حبيبة بنت أبي سفيان أم المؤمنين ، وقبر أخيها أمير المؤمنين معاوية ، وقبر بلال
مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رضي الله عنهم أجمعين ، وقبر أويس القرني
وقبر كعب الأحبار رضي الله عنهما .
ووجدت في كتاب المعلم في شرح صحيح مسلم للقرطبي أن جماعة من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 50 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الصحابة صحبهم أويس القرني من المدينة إلى الشام فتوفي في أثناء الطريق في برية
لا عمارة فيها ولا ماء ، فتحيروا في أمره فنزلوا فوجدوا حنوطا وكفنا وماء ، فعجبوا
من ذلك وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه ، ثم ركبوا فقال بعضهم : كيف نترك قبره
بغير علامة ، فعادوا للموضع فلم يجدوا للقبر من أثر . انتهى .
ومن الواضح أنهما روايتان أمويتان تريدان إبعاد قبر أويس عن صفين ، وتنفيان
استشهاده مع علي ( عليه السلام ) ! !

8 - ورووا عن مالك أنه أنكر وجود أويس

- في سير أعلام النبلاء : 4 / 32 :
قال أبو أحمد بن عدي في الكامل : أويس ثقة صدوق ، ومالك ينكر أويسا !
ثم قال : ولا يجوز أن يشك فيه . أخبار أويس مستوعبة في تاريخ الحافظ أبي القاسم
ابن عساكر .
- ميزان الاعتدال : 1 / 279 :
قال ابن عدي : ليس لأويس من الرواية شئ ، إنما له حكايات ونتف في زهده ،
وقد شك قومه فيه ، ولا يجوز أن يشك فيه لشهرته ولا يتهيأ أن يحكم عليه بالضعف ،
بل هو ثقة صدوق . قال : ومالك ينكر أويسا يقول : لم يكن . انتهى .
ولعل إنكار مالك لوجوده فيه إن صح مبني على أن القرنيين قالوا لا نعرف نسبه
فينا ، أو شككوا في وجوده بينهم !
وقد تقدم أن مخابرات الخلافة كلفت ابن عمه بأذاه وتسقيط شخصيته ، فلا يبعد
أن تكون هذه الشائعة من صنعهم .
كما تقدم قول أويس عن رد فعل الخلفاء وعمالهم على نصحه لهم ( حتى والله
لقد يقذفوننا بالعظائم ، ووالله لا يمنعني ذلك أن أقول بالحق ) .
وقوله ( نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر ، فيشتمون أعراضنا ، ويرموننا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 51 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بالجرائم والمعايب والعظائم ، ويجدون على ذلك أعوانا من الفاسقين ، إنه والله لا
يمنعنا ذلك أن نقوم فيهم بحق الله ) ! .
ومن المعروف للجميع أن الخلفاء ( ما عدا علي ( عليه السلام ) ) لم يكن يتسع صدرهم
للانتقاد ، وأن سياستهم قامت على أن المنتقد عدو ، بل الممتنع عن البيعة عدو . .
وقد أرادوا قتل سعد بن عبادة في السقيفة ، وأشعلوا الحطب في اليوم الثاني لوفاة
النبي ( صلى الله عليه وآله ) في دار علي وفاطمة ليحرقوه بمن فيه ! إن لم يبايعوا ! ! الخ .
وعندما يكون منتقد للخليفة شخصية مهمة مبشرا به مشهودا له من النبي ( صلى الله عليه وآله )
فإن جرمه يكون أكبر ، لأن كلامه يكون مؤثرا في الناس أكثر !
وعليه فليس بعيدا أن تكون السلطة طلبت من القرنيين إنكار أويس ، أو تبرعوا
هم بإنكاره خوفا من تحميلهم مسؤولية معارضته !
وهو عمل مألوف حتى في عصرنا من العشيرة التي لا تريد أن تتحمل مسؤولية
ابنها المعارض للسلطة .
ويؤيد ذلك سلوك أويس الفريد في العناية بالفقراء ، وتربيته مجموعة من الزهاد
السائرين على نهجه ، وكان مركزهم في مسجد بالكوفة . . وأنه ورد عنه أنه كان يكرر (
ماذا لقيت من عمر ) وهو شبيه بالكلام الذي كانت تكرره فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) . .
هذا ، ومن المحتمل أن محبي بني أمية أشاعوا عن مالك تشكيكه في وجود
أويس القرني ، لأن أويسا كعمار بن ياسر رضي الله عنهما ظل شهادة صارخة من
النبي ( صلى الله عليه وآله ) على أنهم أهل الباطل !
ومن طريف ما جرى في عصرنا أن الإيرانيين بنوا في صفين ( الرقة ) مسجدا كبيرا
ضمنوه قبر عمار بن ياسر وأويس القرني رضي الله عنهما ، وعندما كمل المشروع
أقاموا لافتتاحه احتفالا ودعوا بعض العلماء والمؤرخين لإلقاء خطبهم فيه ، ومنهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 52 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الدكتور سهيل زكار المحب للأمويين ، فتكلم في افتتاح مسجد أويس ، وأنكر وجود
شخصيته من أساسها ! !
والطريف أن الملحقية الثقافية الإيرانية نشرت خطابه في مجلتها ! !
فإذا كنا إلى الآن نرى أن المتعصبين لبني أمية مثل الدكتور زكار ، يثقل عليهم
وجود أويس القرني ، ويحاولون إنكاره ، فإن أسلافهم الذين عاصروه أو رأوا تأثيره
العميق على الأمة ، أجدر من المتأخرين بإنكار وجوده للتخلص منه !

آراء مضادة مغالية في أويس القرني !

من جهة أخرى غالى بعضهم في أويس وجعلوه خليل رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
- ففي طبقات ابن سعد : 6 / 163 :
أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا سلام بن مسكين قال : حدثني رجل قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خليلي من هذه الأمة أويس القرني .
- ورواه في الجامع الصغير : 3 / 298 ، برقم 3942 وفي مختصر تاريخ دمشق : 3 جزء
895 وفي كنز العمال : 12 / 74 . انتهى .
وهذه الرواية لا تصح عندنا ولا عند غيرنا .
أما عندنا فلأنه ثبت أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لعلي ( عليه السلام ) : أنت أخي ، وخليلي ، وأول من
يصافحني يوم القيامة .
وأما عندهم ، فلأنهم رووا حديثا ينفي وجود خليل للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وأنه لو كان متخذا
خليلا لاتخذ أبا بكر خليلا !
وحديثهم عن أبي بكر كحديثهم عن أويس يراد بهما نفي أن يكون خليل النبي
عليا عليه السلام ! كما وضعوا حديث أن عمر أول من يصافح الرحمن يوم القيامة ، مقابل
حديث أن يكون عليا أول من يصافح النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 53 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- قال أحد المعلقين في هامش المجروحين لابن حبان : 3 / 151 :
وأخبار أويس أورد الكثير منها ابن سعد في الطبقات ، وأورد ابن الجوزي خبرا
منها ثم قال : قد وضعوا خبرا طويلا في قصة أويس من غير هذه الطريق . وإنما يصح
في الحديث عن أويس كلمات يسيرة جرت له مع عمر ، وأخبره رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال : يأتي عليكم أويس فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل . فأطال
القصاص وعرضوا في حديث أويس بما لا فائدة في الإطالة بذكره . انتهى .
وقد حصر هذا المحشي سبب الوضع في أحاديثه بالقصاص ، ولكن عرفت
مشكلة الخلافة والأمويين مع أويس ، وهي دواع للإنكار والوضع معا ! !

ورووا أنه أوصى إلى هرم بن حيان وبكى على عمر

- في مستدرك الحاكم : 3 / 406 :
أخبرنا أبو العباس القاسم بن القاسم بن عبد الله بن معاوية السياري شيخ أهل
الحقائق بخراسان قال : أنا أبو الموجه محمد بن عمرو بن الموجه الفزاري ، أنا عبدان
بن عثمان ، أنا عبد الله بن الشميط بن عجلان ، عن أبيه أنه سمع أسلم العجلي يقول :
حدثني أبو الضحاك الجرمي ، عن هرم بن حيان العبدي قال :
قدمت الكوفة فلم يكن لي بها هم إلا أويس القرني أطلبه وأسأل عنه حتى
سقطت عليه جالسا وحده على شاطئ الفرات نصف النهار يتوضأ ويغسل ثوبه ،
فعرفته بالنعت فإذا رجل لحم آدم شديد الأدمة ، أشعر محلوق الرأس يعني ليس له
جمة ، كث اللحية عليه إزار من صوف ورداء من صوف بغير حذاء ، كبير الوجه
مهيب المنظر جدا ، فسلمت عليه فرد علي ، ونظر إلي فقال : حياك الله من رجل ،
فمددت يدي إليه لأصافحه فأبى أن يصافحني وقال : وأنت فحياك الله .
فقلت رحمك الله يا أويس وغفر لك ، كيف أنت رحمك الله ؟
ثم خنقتني العبرة من حبي إياه ورقتي له ، لما رأيت من حاله ما رأيت حتى بكيت
وبكى . ثم قال : وأنت فرحمك الله يا هرم بن حيان ، كيف أنت يا أخي ، من دلك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 54 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
علي ؟ قلت : الله . قال : لا إله إلا الله سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ، حين
سماني والله ما كنت رأيته قط ولا رآني .
ثم قلت : من أين عرفتني وعرفت اسمي واسم أبي ؟ فوالله ما كنت رأيتك قط قبل
هذا اليوم !
قال : نبأني العليم الخبير ، عرفت روحي روحك حيث كلمت نفسي نفسك . إن
الأرواح لها أنفس كأنفس الأحياء ، إن المؤمنين يعرف بعضهم بعضا ويتحدثون بروح الله
وإن لم يلتقوا ، وإن لم يتكلموا ويتعارفوا ، وإن نأت بهم الديار وتفرقت بهم المنازل .
قال قلت : حدثني عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بحديث أحفظه عنك .
قال : إني لم أدرك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولم تكن لي معه صحبة ، ولقد رأيت رجالا قد
رأوه وقد بلغني من حديثه كما بلغكم ، ولست أحب أن أفتح هذا الباب على نفسي
أن أكون محدثا أو قاضيا ومفتيا . في النفس شغل يا هرم بن حيان .
قال فقلت : يا أخي اقرأ علي آيات من كتاب الله أسمعهن منك فإني أحبك في الله
حبا شديدا ، وادع بدعوات وأوص بوصية أحفظها عنك .
قال فأخذ بيدي على شاطئ الفرات وقال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان
الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ، قال فشهق شهقة ثم بكى مكانه ، ثم قال قال ربي
تعالى ذكره وأحق القول قوله وأصدق الحديث حديثه وأحسن الكلام كلامه : وما
خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ، ما خلقناهما إلا بالحق . . حتى بلغ إلى
من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم . ثم شهق شهقة ثم سكت ، فنظرت إليه وأنا أحسبه
قد غشي عليه ، ثم قال : يا هرم بن حيان ، مات أبوك ، وأوشك أن تموت ومات أبو
حيان . فإما إلى الجنة وإما إلى النار . ومات آدم ومات حواء .
يا ابن حيان ومات نوح وإبراهيم خليل الرحمن .
يا ابن حيان ومات موسى نجي الرحمن .
يا ابن حيان ومات داود خليفة الرحمن .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 55 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يا ابن حيان ومات محمد رسول الرحمن .
ومات أبو بكر خليفة المسلمين .
يا ابن حيان ومات أخي وصفيي وصديقي عمر بن الخطاب .
ثم قال : واعمراه ، رحم الله عمر وعمر يومئذ حي ! ! وذلك في آخر خلافته .
قال فقلت له : رحمك الله إن عمر بن الخطاب بعد حي !
قال : بلى إن تفهم فقد علمت ما قلت ! وأنا وأنت في الموتى . وكان قد كان ثم
صلى على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ودعا بدعوات خفاف ثم قال :
هذه وصيتي إليك يا هرم بن حيان : كتاب الله واللقاء بالصالحين من المسلمين
والصلاة والسلام على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولقد نعيت على نفسي ونعيتك ، فعليك بذكر
الموت ، فلا يفارقن عليك طرفة ، وأنذر قومك إذا رجعت إليهم ، وانصح أهل ملتك
جميعا واكدح لنفسك ، وإياك أن تفارق الجماعة فتفارق دينك وأنت لا تعلم ،
فتدخل النار يوم القيامة !
قال ثم قال : اللهم إن هذا يزعم أنه يحبني فيك وزارني من أجلك ، اللهم عرفني
وجهه في الجنة ، وأدخله علي زائرا في دارك دار السلام ، واحفظه ما دام في الدنيا
حيث ما كان ، وضم عليه ضيعته ورضه من الدنيا باليسير ، وما أعطيته من الدنيا
فيسره له ، واجعله لما تعطيه من نعمتك من الشاكرين ، واجزه خير الجزاء .
استودعتك الله يا هرم بن حيان ، والسلام عليك ورحمة الله .
ثم قال لي : لا أراك بعد اليوم رحمك الله فإني أكره الشهرة والوحدة أحب إلي
لأني شديد الغم كثير الهم ما دمت مع هؤلاء الناس حيا في الدنيا ، ولا تسأل عني ولا
تطلبني . واعلم أنك مني على بال ولم أرك ولم ترني ! ! فاذكرني وادع لي فإني
سأذكرك وأدعو لك إن شاء الله تعالى .
انطلق ها هنا حتى آخذ هاهنا .
قال فحرصت على أن أسير معه ساعة فأبى علي ، ففارقته يبكي وأبكي !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 56 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال فجعلت أنظر في قفاه حتى دخل في بعض السكك ، فكم طلبته بعد ذلك
وسألت عنه فما وجدت أحدا يخبرني عنه بشئ ، فرحمه الله وغفر له .
وما أتت علي جمعة إلا وأنا أراه في منامي مرة أو مرتين ! أو كما قال .
- وفي سير أعلام النبلاء : 4 / 28 :
أخبرنا إسحاق بن أبي بكر ، أنبأنا يوسف بن خليل ، أنبأنا أبو المكارم المعدل
أنبأنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا حبيب بن الحسن ، حدثنا أبو
شعيب الحراني ، حدثنا خالد بن يزيد العمري ، حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد ، عن
علقمة بن مرثد ، قال : انتهى الزهد إلى ثمانية : عامر بن عبد الله بن عبد قيس ،
وأويس القرني ، وهرم بن حيان ، والربيع بن خثيم ، ومسروق بن الأجدع ، والأسود
بن يزيد ، وأبي مسلم الخولاني ، والحسن بن أبي الحسن .
وروي عن هرم بن حيان ، قال : قدمت الكوفة ، فلم يكن لي هم إلا أويس أسأل
عنه ، فدفعت إليه بشاطئ الفرات يتوضأ ويغسل ثوبه ، فعرفته بالنعت . . . إلى آخر
القصة ، وقال : أوردها أبو نعيم في الحلية ، ولم تصح ، وفيها ما ينكر . انتهى .
ويكفي لرد هذه القصة أنها تنسب إلى أويس أن الله تعالى نعى إليه عمر ، وأنه
لو صح أنه أخبر بوفاة عمر في الكوفة قبل أن يعرف الناس لشاع ذلك ورواه غير هرم .
مضافا إلى تعارض ما فيها ، وما يعارضها من أن هرما هذا كان يبحث عن أويس ولم
يجده .
ثم إن هذه القصة شهادة من هرم لنفسه بأنه الوارث الشرعي لزهد أويس ، وكان
ينبغي أن يشهد له بذلك غيره ، كما شهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) والمسلمون لأويس .
وأخيرا ، فإن الكرامات الباطلة التي رووها عن هرم توجب الشك في أصل تدينه
وفي كل ما روي عنه وله . . فقد رووا أنه سمي هرما لأنه هرم في بطن أمه وبقي حملا
لمدة سنتين ، أو أربع سنين ! ! قال الذهبي في سير أعلام النبلاء : 4 / 48 :
وقيل : سمي هرما لأنه بقي حملا سنتين حتى طلعت أسنانه !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 57 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال أبو القاسم ابن عساكر : قدم هرم دمشق في طلب أويس القرني . انتهى .
- وقال في اختيار معرفة الرجال : 1 / 313 :
قال القتيبي : وإنما سمي هرما لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين . انتهى .
فهذا هو هرم الذي هرموه ، وكبروه على حساب أويس !

وادعوا أن أويسا ورث خرقة التصوف ثم ورثها لموسى الراعي

- في طرائف المقال : 2 / 594 :
عن تذكرة الأولياء أن عليا ( عليه السلام ) وعمر أعطيا خرقة النبي ( صلى الله عليه وآله ) حسب الوصية أويسا
فلما رآه الثاني أن ثوبه وكساه شعر الإبل ووبره ، ورأسه ورجليه مكشوفان ، وكان له
رئاسة الدنيا والدين تغير حاله فقال عمر : من يشتري الخلافة مني برغيف من الخبز ؟
- وفي لسان الميزان : 6 / 117 :
( موسى ) بن زيد الراعي أبو عمران الديلمي نزيل بلخ .
لم أجد له ذكرا ، وأظن أن بعض من في إسناد خبره اختلقه ، فإنه أسندت عنه
خرقة التصوف ، فزعم أو من اختلقه أن أويسا القرني ألبسه الخرقة لما قدم بلاد
الديلم ، ومات بها ، وأن عمر ألبسه قميصه بعرفات بحضور علي ، وأن عليا ألبسه
رداء ثم ألبسه قميصه بصفين ، وهما لبسا من النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
ذكره الفخر الفارسي ، وهو محمد بن إبراهيم الذي تقدمت ترجمته عن أبيه ، عن
نصر بن خليفة البيضاوي ، عن إبراهيم بن شهريار ، عن أبي محمد الحسن الأبار
الشيرازي ، عن محمد بن خفيف ، عن ابن عمر الإصطخري ، عن أبي تراب
النخشبي ، عن أبي عمران المذكور .
وفي السياق أن كلا من هؤلاء ألبس الذي دونه .
وهذا خبر باطل مشوش . وأويس قتل بصفين كما ذكرته في ترجمته ، وقيل مات
قبل ذلك ، فالله أعلم . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 58 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وهذه الروايات وغيرها من الادعاءات الباطلة ، تدل على المكانة التي كانت
لأويس ( رضي الله عنه ) في وجدان المسلمين ، وعلى تأثير شخصيته ومسلكه في نفوسهم ،
حتى كثرت الأحاديث عنه ، وادعى كثير الارتباط به والقرب منه ، أو ادعوا قربه من
أئمتهم الذين يحبونهم !
وهو أمر يزيد من التأكيد على وجود شخصية أويس ، وتأثير سيرته تأثيرا عميقا
في أجيال المسلمين ومتدينيهم . . رضوان الله عليه .

صورة عن أويس القرني من مصادرنا

روائح الجنة تفوح من قرن !

- في الفضائل / 107 :
مما روي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يقول : تفوح روائح الجنة من قبل قرن الشمس ،
واشوقاه إليك يا أويس القرني ، ألا من لقيه فليقرأه عني السلام .
فقيل : يا رسول الله ومن أويس القرني ؟
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إن غاب لم يفقدوه ، وإن ظهر لم يكترثوا له ، يدخل في شفاعته إلى
الجنة مثل ربيعة ومضر ، آمن بي وما رآني ، ويقتل بين يدي خليفتي علي بن أبي
طالب في صفين . انتهى . ورواه في بحار الأنوار : 38 / 155
- وفي شرح الأخبار : 2 / 35 :
وأويس بن عامر القرني ، قتل مع علي صلوات الله عليه بصفين ، وهو الذي قال
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن من بعدي رجل يقال له : أويس به شامة بيضاء ، من لقيه فليبلغه
مني السلام ، فإنه يشفع يوم القيامة لكذا وكذا من الناس .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 59 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

خير التابعين ونفس الرحمن

في هامش مجمع البحرين : 3 / 498 :
هو من التابعين الأخيار ، ممن كانوا على الهدى وثبتوا عليه .
شهد مع علي ( عليه السلام ) حرب صفين ، واستشهد في سبيل حقه . ووصفه المؤرخون
بأنه من خواص أمير المؤمنين وحوارييه ، وورد في شأنه مدح كثير وثناء من
النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، قال ( صلى الله عليه وآله ) في وصفه : إنه نفس الرحمن وخير التابعين .

كان راعي إبل فصار الشفيع الموعود

- في طرائف المقال : 2 / 597 :
وروى ضمرة عن أصبغ بن زيد قال : أسلم أويس على عهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) لكن منعه
من القدوم بره بأمه .
واستشهد أويس وجماعة من أصحابه في الرجالة بين يدي علي ( عليه السلام ) ، وقد ذكرنا أن
أويسا كان راعيا للإبل ويأخذ الأجرة على الرعي ، ويصرفها لأمه الصالحة الصادقة
. فذات يوم استأذن من أمه أن يذهب إلى زيارة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فأذنت له لكن لم إن يكن
النبي ( صلى الله عليه وآله ) في بيته فلا تتوقف وارجع معجلا ، فلما ذهب إلى زيارته ولم يكن في البيت
رجع إلى اليمن ، فلما أتى ( صلى الله عليه وآله ) إلى بيته فرأى نورا لم ير مثله ، فسأل أنه هل أتى في درب
البيت أحد ؟ فأجيب جاء أحد من اليمن اسمه أويس ، فحيا وذهب . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : نعم
هذا نور أويس ، جعله هدية في بيتنا . راجع أيضا : سير أعلام النبلاء : 4 / 27

أويس من أركان التشيع لعلي ( عليه السلام ) :

- في الإختصاص / 6
ذكر السابقين المقربين من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
حدثنا جعفر بن الحسين ، عن محمد بن جعفر المؤدب : الأركان الأربعة : سلمان
، والمقداد ، وأبو ذر ، وعمار ، هؤلاء الصحابة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 60 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومن التابعين : أويس بن أنيس القرني ، الذي يشفع في مثل ربيعة ومضر . . .
- وفي الإختصاص / 81 :
أحمد بن هارون الفامي ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن الحسن الصفار ،
عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبي عبد الله محمد بن خالد البرقي ، عن أحمد
بن النضر الخزاز ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال :
شهد مع علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) من التابعين ثلاثة نفر بصفين شهد لهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
بالجنة ولم يرهم : أويس القرني ، وزيد بن صوحان العبدي ، وجندب الخير الأزدي ،
رحمة الله عليهم . انتهى . ورواه في بحار الأنوار : 29 / 618 .
- وفي اختيار معرفة الرجال : 1 / 314 :
وكان أويس من خيار التابعين لم ير النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولم يصحبه ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله )
ذات يوم لأصحابه : أبشروا برجل من أمتي يقال له أويس القرني ، فإنه يشفع لمثل
ربيعة ومضر .
روى يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن ابن أبي زياد ، عن ابن أبي ليلى عبد
الرحمن ، قال : خرج رجل بصفين من أهل الشام ، فقال : فيكم أويس القرني ؟ قلنا
نعم . قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : خير التابعين ، أو من خير التابعين أويس
القرني ، ثم تحول إلينا . انتهى .
وروى الأول في روضة الواعظين / 289 ، وبحار الأنوار : 38 / 156 ، وجامع الرواة :
1 / 110 ، ووسائل الشيعة : 20 / 144 ، ومعجم رجال الحديث : 4 / 154
- وفي طرائف المقال : 2 / 592
وعن غوث المتأخرين السيد محمد النور بخشي نور الله مرقده في شجرة الأولياء
قال : أويس القرني المجذوب ( قدس سره ) ، هو الذي وصفه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالولاية ، وقال :
إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 61 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفيه أيضا في أوائل الكتاب : محمد بن قولويه ، عن سعد بن عبد الله ، عن علي
بن سليمان بن داود الرازي ، عن علي بن أسباط ، عن أبيه أسباط بن سالم ، قال قال
أبو الحسن موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين حواري محمد
بن عبد الله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا إليه ؟
فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر .
ثم ينادي المنادي : أين حواري علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وصي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ،
فيقوم عمرو بن الحمق ، ومحمد بن أبي بكر ، وميثم التمار مولى بني أسد ، وأويس
القرني . . . الحديث . راجع أيضا : معجم رجال الحديث : 4 / 154 .
وقد نقل عن أويس أنه في بعض الليالي يقول : هذه ليلة الركوع ويتم الليلة بركوع
واحد ، وفي الليلة الأخرى يقول : هذه ليلة السجود ويتمها بسجدة ، فقيل له : يا
أويس كيف تطيق على مضي الليالي الطويلة على منوال واحد ؟
فقال أويس : أين الليلة الطويلة ؟ فيا ليت كان من الأزل إلى الأبد ليلة واحدة حتى
نتمها بسجدة واحدة ، ونتوفر على الأنين والبكاء إلى آخرها .

أويس ختام المسك الموعود في حرب الجمل

- قال المفيد في الإرشاد : 1 / 315 :
نقلا عن ابن عباس أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) جلس بذي قار لأخذ البيعة فقال :
يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون رجلا ولا ينقصون رجلا يبايعونني
على الموت .
قال ابن عباس : فجزعت لذلك أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدون عليه ،
فيفسد الأمر علينا ، ولم أزل مهموما دأبي إحصاء القوم ، حتى ورد أوايلهم فجعلت
أحصيهم فاستوفيت عددهم تسعماة وتسعة وتسعون رجلا ، ثم انقطع مجئ القوم
فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ماذا حمله على ما قال ؟ !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 62 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فبينما أنا مفكر في ذلك إذ رأيت شخصا قد أقبل ، حتى إذا دنا وإذا هو رجل عليه
قباء صوف معه سيفه وترسه وإداوته ، فقرب من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال له : أمدد
يدك أبايعك ، فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : على م تبايعني ؟ قال : على السمع
والطاعة ، والقتال بين يديك حتى أموت ، أو يفتح الله عليك .
فقال له : ما اسمك ؟
قال : أويس .
قال : أنت أويس القرني ؟
قال : نعم .
قال : الله أكبر ، أخبرني حبيبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أني أدرك رجلا من أمته يقال له
أويس القرني ، يكون من حزب الله ورسوله ، يموت على الشهادة ، يدخل في
شفاعته مثل ربيعة ومضر .
قال ابن عباس : فسرى والله عني . انتهى .
ورواه في الخرائج والجرائح : 1 / 200 ، وإعلام الورى / 170 ، والثاقب في المناقب /
266 ، وبحار الأنوار : 37 / 299
- وفي مناقب آل أبي طالب : 2 / 104 :
ابن عباس أنه قال ( عليه السلام ) يوم الجمل : لنظهرن على هذه الفرقة ، ولنقتلن هذين
الرجلين . وفي رواية : لنفتحن البصرة وليأتينكم اليوم من الكوفة ثمانية آلاف رجل
وبضع وثلاثون رجلا ، فكان كما قال . وفي رواية ستة آلاف وخمسة وستون .
- وقال المفيد في الجمل / 49 :
ونحن نذكر الآن جملة من بايع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الراضين بإمامته الباذلين أنفسهم
في طاعته بعد الذي أجملناه من الخبر عنهم ممن يعترف المنصف بوقوفه على
أسمائهم تحقيق ما وصفناه ، من غنايتهم في الدين وتقدمهم في الإسلام ، ومكانهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 63 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من نبي الهدى ، وأن الواحد منهم لو ولي العقد لإمام لانعقد الأمر به ، خاصة عند
خصومنا فضلا عن جماعتهم ، وعلى مذهبهم فيما يدعونه من ثبوت الإمامة
بالاختيار وآراء الرجال ، وتضمحل بذلك عنده شبهات الأموية فيما راموه من القدح
في دليلنا ، بما ذكروه من خلاف من سموه حسبما قدمنا .
ومن بايع أمير المؤمنين بغير ارتياب ودان بإمامته على الاجماع والاتفاق ،
واعتقد فرض طاعته والتحريم لخلافه ومعصيته ، والحاضرون معه في حرب البصرة
ألف وخمسماية رجل ، من وجوه المهاجرين الأولين والسابقين إلى الإسلام
والأنصار البدريين العقبيين ، وأهل بيعة الرضوان ، من جملتهم سبعمائة من
المهاجرين وثمانمائة من الأنصار ، سوى أبنائهم وخلفايهم ومواليهم ، وغيرهم من
بطون العرب والتابعين بإحسان ، على ما جاء به الثبت من الأخبار . . . إلى أن قال :
بيعة باقي الشيعة :
ومن يلحق منهم بالذكر من أوليائهم وعلية شيعتهم ، وأهل الفضل في الدين
والإيمان والعلم والفقه والقرآن ، المنقطعين إلى الله تعالى بالعبادة والجهاد ،
والتمسك بحقائق الإيمان : محمد بن أبي بكر ، ربيب أمير المؤمنين وحبيبه .
ومحمد بن أبي حذيفة وليه وخاصته المستشهد في طاعته .
ومالك ابن الحرث الأشتر النخعي ، سيفه المخلص في ولايته .
وثابت بن قيس النخعي .
وعبد الله بن أرقم .
وزيد بن الملفق .
وسليمان بن صرد الخزاعي .
وقبيصة وجابر وعبد الله ومحمد بن بديل الخزاعي .
وعبد الرحمن بن عديس السلولي .
وأويس القرني . . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 64 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

أويس ختام المسك الموعود في حرب صفين

- في خصائص الأئمة / 53 :
وبإسناد عن الأصبغ بن نباتة قال : كنت مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بصفين فبايعه تسعة
وتسعون رجلا ، ثم قال : أين تمام المائة ؟ فقد عهد إلي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ( أنه ) يبايعني
في هذا اليوم مائة رجل !
قال فجاء رجل عليه قباء صوف متقلد سيفين فقال : هلم يدك أبايعك .
فقال : على م تبايعني ؟
قال : على بذل مهجة نفسي دونك !
قال : ومن أنت ؟
قال : أويس القرني ، فبايعه فلم يزل يقاتل بين يديه حتى قتل ، فوجد في الرجالة
مقتولا .
- وفي اختيار معرفة الرجال : 1 / 315 :
وروى الحسن بن الحسين القمي ، عن علي بن الحسن العرني ، عن سعد بن
طريف ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال كنا مع علي ( عليه السلام ) بصفين ، فبايعه تسعة وتسعون
رجلا ، ثم قال : أين المائة لقد عهد إلي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يبايعني في هذا اليوم مائة
رجل . قال : إذ جاء رجل عليه قباء صوف متقلدا بسيفين فقال : أبسط يدك أبايعك .
قال علي ( عليه السلام ) : على م تبايعني ؟ قال : على بذل مهجة نفسي دونك .
قال : من أنت ؟ قال : أنا أويس القرني .
قال : فبايعه فلم يزل يقاتل بين يديه حتى قتل ، فوجد في الرجالة .
وفي رواية أخرى ، قال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : كن أويسا .
قال : أنا أويس .
قال : كن قرنيا قال : أنا أويس القرني .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 65 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وإياه يعني دعبل بن علي الخزاعي في قصيدته التي يفتخر فيها على نزار ،
وينقض على الكميت بن زيد قصيدته التي يقول فيها :
ألا حييت عنا يا مدينا * أويس ذو الشفاعة كان منا
فيوم البعث نحن الشافعونا
راجع أيضا : الخرائج والجرائح : 1 / 200 والثاقب في المناقب / 266 وجامع الرواة :
1 / 110 ، ومدينة المعاجز : 2 / 299 ، ومعجم رجال الحديث ( ط . ج ) : 4 / 154
- وفي بحار الأنوار : 29 / 583
وبرز عبد الله بن جعفر في ألف رجل ، فقتل خلقا حتى استغاث عمرو بن العاص
. وأتى أويس القرني متقلدا بسيفين ويقال : كان معه مرماة ومخلاة من الحصى ، فسلم
على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وودعه ، وبرز مع رجالة ربيعة ، فقتل من يومه ، فصلى عليه
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ودفنه . انتهى .
- وفي المناقب / 249
وفي رواية : قتل من أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في ذلك اليوم والليلة ألفا رجل
وسبعون رجلا ، وفيهم أويس القرني زاهد زمانه ، وخزيمة بن ثابت الأنصاري
ذو الشهادتين ، وقتل من أصحاب معاوية في ذلك اليوم سبعة آلاف رجل . انتهى .
وتدل هذه النصوص على أن أويسا رضي الله عنه ملهم من الله تعالى ، حيث قال في بيعته
لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) يوم الجمل ( على السمع والطاعة ، والقتال بين يديك حتى
أموت ، أو يفتح الله عليك ) فكان الفتح .
وقال يوم صفين ( على بذل مهجة نفسي دونك ) ولم يذكر الفتح !
وتدل على مقادير الله تعالى لهذا الولي الكبير أن يكون تمام الألف في حرب
الجمل ، ثم تمام المئة في صفين ، مبايعا على الموت في سبيل الله تعالى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 66 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وتدل هي وغيرها على أنه وجماعته كانوا فوجا مقاتلا ، وأنهم قاتلوا قتال الأبطال
المستميتين ، فقد كسر أويس جفن سيفه ، ووجد فيه أربعون طعنة ، وصلى عليه
ودفنه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
وليس كما ذكر أسير بن جابر أنه سرعان ما جاءه سهم فقتل ، وأنه هو دفنه . . الخ .

متفرقات عن أويس

في طرائف المقال : 2 / 592 :
وفي رجال الكشي : علي بن محمد بن قتيبة قال : سئل أبو محمد عن الزهاد
الثمانية فقال : الربيع بن خيثم ، وهرم بن حيان ، وأويس القرني ، وعامر بن عبد
قيس ، وكانوا مع علي ( عليه السلام ) ومن أصحابه ، وكانوا زهادا أتقياء .
وأما أبو مسلم أهبان بن صيفي ، فإنه كان فاجرا مرائيا ، وكان صاحب معاوية ،
وهو الذي كان يحث الناس على قتال علي فقال لعلي ( عليه السلام ) : إدفع إلينا المهاجرين
والأنصار حتى نقتلهم بعثمان ، فأبى علي ذلك ، فقال أبو مسلم : الآن طاب الضراب
إنما ! كان وضع فخا ومصيدة .
وأما مسروق ، فإنه كان عشارا لمعاوية ، ومات في عمله ذلك بموضع أسفل من
واسط على دجلة يقال له الرصافة ، وقبره هناك .
والحسن كان يلقي كل فرق بما يهوون ، ويتصنع للرئاسة ، وكان رئيس القدرية .
وأويس القرني مفضل عليهم كلهم .
قال أبو محمد : ثم عرف الناس بعد .
وكان أويس من خيار التابعين لم ير النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولم يصحبه ، بل آمن به في الغياب ،
ولعدم المكنة وتفرق الحال والاشتغال على خدمات أمه لم يدرك صحبته ، وكان
شغله رعي الجمال وأخذ الأجرة . انتهى .
راجع أيضا : خلاصة الأقوال / 24 ، والتحرير الطاووسي / 74 ، ووسائل الشيعة : 20 /
144 ، ومعجم رجال الحديث : 4 / 154 ، ولسان الميزان : 1 / 471
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 67 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي بحار الأنوار : 63 / 390 :
قال أويس لهرم بن حيان : قد عمل الناس على رجاء ، فقال : بل نعمل على
الخوف والخوف خوفان ثابت وعارض ، فالثابت من الخوف يورث الرجا ،
والعارض منه يورث خوفا ثابتا .
والرجاء رجاءان : عاكف وباد ، فالعاكف منه يقوي نسبة العبد ، والبادي منه يصحح
أمل العجز والتقصير والحياء .
- مستدرك الوسائل : 16 / 73 :
مجموعة الشهيد ( رحمه الله ) : نقلا من كتاب قضايا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، عن أويس القرني
قال : كنا عند أمير المؤمنين إذ أقبلت امرأة متشبثة برجل ، وهي تقول : يا أمير
المؤمنين لي على هذا الرجل أربعمائة دينار ، فقال ( عليه السلام ) : للرجل : ما تقول المرأة ؟
فقال : ما لها عندي إلا خمسون درهما مهرها .
فقالت : يا أمير المؤمنين ، أعرض عليه اليمين ، فقال ( عليه السلام ) : تقول باركا وتشخص
ببصرك إلى السماء :
اللهم إن كنت تعلم أن لهذه المرأة شيئا أريد ذهاب حقها وطلب نشوها وأنكر ما
ذكر ته من مهرها ، فلا استعنت بك من مصيبة ، ولا سألتك فرج كربة ، ولا احتجت
إليك في حاجة ، وإن كنت أعلم أنك تعلم أن ليس لهذه المرأة شيئا أريد ذهاب حقها
فلا تقمني من مقامي هذا حتى تريها نقمتها منك .
فقال : والله يا أمير المؤمنين لا حلفت بهذا اليمين أبدا ، وقد رأيت أعرابيا حلف
بها بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فسلط الله عليه نارا فأحرقته من قبل أن يقوم من مقامه ،
وأنا أوفيها ما ادعته علي . انتهى .
ورواه في الخرائج والجرائح : 1 / 200 ، والثاقب في المناقب / 266 ، ومدينة المعاجز :
2 / 299
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 68 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

من الأدعية المروية عن أويس

- في مستدرك الوسائل : 5 / 48 :
السيد رضي الدين علي بن طاووس في مهج الدعوات : عن موسى بن زيد ، عن
أويس القرني ، عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، في حديث أنه قال :
من دعا بهذا الدعاء في منامه ، فيذهب به النوم وهو يدعو بها ، بعث الله جل ذكره ،
بكل حرف منه سبعين ألف ملك من الروحانية ، وجوهم أحسن من الشمس بسبعين
ألف مرة ، يستغفرون الله ، ويدعون له ، ويكتبون له الحسنات . . . الخبر .
الدعاء : يا سلام المؤمن المهيمن ، العزيز الجبار المتكبر ، الطاهر المطهر ، القاهر
القادر المقتدر ، يا من ينادى من كل فج عميق ، بألسنة شتى ولغات مختلفة ،
وحوائج أخرى ، يا من لا يشغله شأن عن شأن ، أنت الذي لا تغيرك الأزمنة ، ولا
تحيط بك الأمكنة ، ولا تأخذك نوم ولا سنة ، يسر لي من أمري ما أخاف عسره ،
وفرج من أمري ما أخاف كربه ، وسهل لي من أمري ما أخاف حزنه ، سبحانك لا إله
إلا أنت ، إني كنت من الظالمين ، عملت سوءا ، وظلمت نفسي ، فاغفر لي ، إنه لا
يغفر الذنوب إلا أنت ، والحمد لله رب العالمين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم . انتهى . ورواه في بحار الأنوار : 88 / 390
- وفي حلية الأولياء : 8 / 56 :
سفيان الثقفي الكوفي ، ثنا أبو علي الحسن بن عبد الله الوزان ، ثنا أبو
سعيد عمران بن سهل ، ثنا سليمان بن عيسى ، عن سفيان الثوري ، عن إبراهيم بن
أدهم ، عن موسى بن يزيد ، عن أويس القرني عن عمر بن الخطاب عن علي بن أبي
طالب قالا :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من دعا بهذه الأسماء استجاب الله له دعاه .
والذي بعثني بالحق لو دعا بهذه الأسماء على صفائح من الحديد لذابت بإذن الله ،
ولو دعا بها على ماء جار لسكن بإذن الله .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 69 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والذي بعثني بالحق إنه من بلغ إليه الجوع والعطش ، ثم دعا بهذه الأسماء أطعمه
الله وسقاه ، ولو دعا بهذه الأسماء على جبل بينه وبين الموضع الذي يريده الآن الله
له شعب الجبل ، حتى يسلك فيه إلى الموضع الذي يريده .
وإن دعا به على مجنون أفاق من جنونه ، وإن دعا به على امرأة قد عسر عليها
ولدها هون الله عليها ، ولو أن رجلا دعا به والمدينة تحرق وفيها منزله أنجاه الله ولم
يحترق منزله .
وإن دعا أربعين ليلة من ليالي الجمعة غفر الله له كل ذنب بينه وبين الله عز وجل ،
ولو أن رجلا دعا على سلطان جائر لخلصه الله من جوره .
ومن دعا بها عند منامه بعث الله إليه بكل اسم منها سبعين ألف ملك مرة يكتبون
له الحسنات ومرة يمحون عنه السيئات ، ويرفعون له الدرجات إلى يوم ينفخ في الصور .
فقال سلمان : يا رسول الله فكل هذا الثواب يعطيه الله ؟
قال : نعم يا سلمان ، ولولا أني أخشى أن تتركوا العمل وتقتصروا على ذلك
لأخبرتك بأعجب من هذا !
قال سلمان : علمنا يا رسول الله .
قال : نعم ، قل :
اللهم إنك حي لا تموت ، وغالب لا تغلب ، وبصير لا ترتاب ، وسميع لا تشك ،
وقهار لا تقهر ، وأبدي لا تنفد ، وقريب لا تبعد ، وشاهد لا يغيب ، وآله لا تضاد ،
وقاهر لا تظلم ، وصمد لا تطعم ، وقيوم لا تنام ، ومحتجب لا ترى ، وجبار لا تضام ،
وعظيم لا ترام ، وعالم لا تعلم ، وقوي لا تضعف ، وجبار لا توصف ، ووفي لا
تخلف ، وعدل لا تحيف ، وغني لا تفتقر ، وكنز لا تنفد ، وحكم لا تجور ، ومنيع لا
تقهر ، ومعروف لا تنكر ، ووكيل لا تحقر ، ووتر لا تستشار ، وفرد لا يستشير ، ووهاب
لا ترد وسريع لا تذهل ، وجواد لا تبخل ، وعزيز لا تذل ، وعليم لا تجهل ، وحافظ لا
تغفل ، وقيوم لا تنام ، ومجيب لا تسأم ، ودائم لا تفنى ، وباق لا تبلى ، وواحد لا
تشبه ، ومقتدر لا تنازع .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 70 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
هذا حديث لا يعرف إلا من هذا الوجه ، وموسى بن يزيد ومن دون إبراهيم
وسفيان فيهم جهالة .
- وفي حلية الأولياء : 10 / 380 :
ثنا عبد الله بن عبيدة العامري ، ثنا سورة بن شداد الأزهد ، عن سفيان النوري ، هو
عن إبراهيم بن أدهم عن موسى بن يزيد عن أويس القرني عن علز بن أبي طالب ،
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لله تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد ،
ما من عبد يدعو بهذه الأسماء إلا وجبت له الجنة ، إنه وتر يحب الوتر هو الله الذي لا
إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام . . إلى قوله الرشيد الصبور . . مثل
حديث الأعرج عن أبي هريرة حديث الأعرج عن أبي هريرة صحيح متفق عليه ،
وحديث الثوري عن إبراهيم فيه نظر لا صحة له .
- وقال ابن الجوزي في الموضوعات : 3 / 175 :
دعاء منقول : أنبأنا أبو سعد أحمد بن محمد البغدادي ، أنبأنا عبد الوهاب بن
أبي عبد الله بن مندة ، أنبأنا أبي ، أنبأنا إبراهيم بن محمد بن رجاء الوراق ، حدثنا
إبراهيم بن محمد بن يزيد بن خالد المروزي ، حدثنا محمد بن موسى السلمي ،
حدثنا أحمد بن عبد الله النيسابوري ، عن شقيق البلخي ، عن إبراهيم بن أدهم ، عن
موسى بن يزيد ، عن أويس القرني ، عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي
الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من دعا بهذه الأسماء استجاب
الله له :
اللهم أنت حي لا تموت ، وخالق لا تغلب ، وبصير لا ترتاب ، وسميع لا تشك ،
وصادق لا تكذب ، وقاهر لا تغلب ، وندى لا تنفذ ، وقريب لا تبعد ، وغافر لا تظلم ،
وصمد لا تطعم ، وقيوم لا تنام ، وجبار لا تقهر ، وعظيم لا ترام ، وعالم لا تعلم ،
وقوي لا تضعف ، وعليم لا توصف ، ووفي لا تخلف ، وعدل لا تحيف ، وغني لا
تفتقر ، وحكيم لا تجور ، ومنيع لا تقهر ، ومعروف لا تنكر ، ووكيل لا تحقر ، وغالب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 71 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لا تغلب ، ووتر لا تستأمر ، وفرد لا تستشير ، ووهاب لا تمل ، وسريع لا تذهل ،
وجواد لا تبخل ، وعزيز لا تذل ، وحافظ لا تغفل ، وقائم لا تنام ، ومحتجب لا ترى ،
ودائم لا تفنى وباق لا تبلى ، وواحد لا تشبه ومقتدر لا تنازع .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي بعثني لو دعى بهذه الدعوات
والأسماء على صفائح الحديد لذابت ، ولو دعى بها على ما جار لسكن ، ومن أبلغ
إليه الجوع والعطش ثم دعا به أطعمه الله وسقاه ، ولو أن بينه وبين موضع يريده جبل
لانشعب له الجبل حتى يسلكه إلى الموضع الذي يريد ، ولو دعى به على مجنون
لأفاق ، ولو دعى على امرأة قد عسر عليها ولدها ، ولو دعا بها والمدينة تحترق وفيها
منزله لنجا ولم يحترق منزله ، ولو دعى بها أربعين ليلة من ليالي الجمعة غفر له كل
ذنب بينه وبين الله عز وجل ، ولو أنه دخل على سلطان جائر ثم دعى بها قبل أن ينظر
السلطان إليه لخلصه الله من شره ، ومن دعى بها عند منامه بعث الله عز وجل بكل
حرف منها سبعمائة ألف ملك من الروحانيين ، وجوههم أحسن من الشمس والقمر ،
يسبحون له ويستغفرون له ويدعون ويكتبون له الحسنات ويمحون عنه السيئات
ويرفعون له الدرجات .
فقال سلمان : يا رسول أيعطى الله بهذه الأسماء كل هذا الخير ؟ فقال : لا تخبر به
الناس حتى أخبرك بأعظم منها ، فإني أخشى أن يدعوا العمل ويقتصروا على هذا .
ثم قال : من نام وقد دعا بها ، فإن مات مات شهيدا وإن عمل الكبائر وغفر لأهل بيته ،
ومن دعى بها قضى الله له ألف ألف حاجة .
وقد رواه سليمان بن عيسى عن سفيان الثوري ، عن إبراهيم بن أدهم إلا أن
الألفاظ تختلف . ورواه مختصرا الحسين بن داود البلخي ، عن شقيق بن إبراهيم .
هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي طرقه كلمات
ركيكة يتنزه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثلها وأسماء لله يتعالى الحق عنها ،
ولم نر التطويل بذكر الطرق لأنها من جنس واحد .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 72 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي الطريق الأول أحمد بن عبد الله وهو الجويباري .
وفي الطريق الثاني سليمان بن عيسى .
وفي الثالث الحسين بن داود ، وثلاثتهم كانوا يضعون الحديث ، والله أعلم أنهم
ابتدوا بوضعه ، ثم سرقه الآخران وبدلا فيه وغيرا .
وقد روى لنا من طريق مظلم فيه مجاهيل وفيه زيادات ونقصان . انتهى .
ونحن لا نحكم بصحة الأدعية المروية عن أويس ( رحمه الله ) ، وهي أكثر من هذه النماذج
التي ذكرناها ، فرواياتها خاضعة للبحث العلمي وقواعد الجرح والتعديل ، ولكنها
تدل على المكانة العميقة له ( رحمه الله ) في نفوس المسلمين من الشيعة والسنة ، وأنه ثبت
عندهم أن أويسا من أولياء الله الخاصين النادرين ، كما ثبتت عندهم أحاديث
شفاعته الواسعة . .
جعلنا الله ممن تشملهم شفاعة النبي وآله ، وشيعتهم المقربين .

شفاعة أويس القرني لمئات الألوف أو الملايين

تقدم ذكر شفاعة أويس القرني ( رحمه الله ) في أحاديث عديدة ، ومنها أحاديث صحيحة
من الدرجة الأولى عند الطرفين ، ونورد هنا ما يلي :
- في مستدرك الحاكم : 3 / 408
حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ، ثنا محمد بن عبد السلام ، ثنا إسحاق
بن إبراهيم ، ثنا عبد الوهاب الثقفي ، ثنا خالد الحذاء ، عن عبد الله بن شقيق ، عن
عبد الله بن أبي الجدعاء أنه سمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : يدخل الجنة بشفاعة رجل
من أمتي أكثر من بني تميم .
قال الثقفي قال هشام : سمعت الحسن يقول إنه أويس القرني . صحيح الإسناد
ولم يخرجاه . ورواه في سير أعلام النبلاء : 4 / 32 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 73 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي مستدرك الحاكم : 3 / 405 :
حدثنا أبو العباس أحمد بن زياد الفقيه بالدامغان ، ثنا محمد بن أيوب ، أنا أحمد
بن عبد الله بن يونس ، ثنا أبو بكر بن عياش ، عن هشام عن الحسن قال قال رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) : يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر .
قال هشام فأخبرني حوشب عن الحسن أنه أويس القرني .
قال أبو بكر بن عياش : فقلت لرجل من قومه : أويس بأي شئ بلغ هذا ؟
قال : فضل الله يؤتيه من يشاء .
- وفي تاريخ الطبري : 10 / 145 :
حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر قال حدثنا هشام ، عن الحسن قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي مثل ربيعة ومضر :
قال هشام : فأخبرني حوشب أنه قال : هو أويس القرني .
- وفي تاريخ الطبري : 11 / 662 :
عن هشام عن الحسن . . قال رسول الله ( ص ) ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من
أمتي مثل ربيعة ومضر . . أنه قال هو أويس القرني .
- وفي كنز العمال : 12 / 73 :
سيكون في أمتي رجل يقال له أويس بن عبد الله القرني ، وإن شفاعته في أمتي
مثل ربيعة ومضر ( عد ، عن ابن عباس ) .
- وفي كنز العمال : 12 / 76 :
يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر ( ش ، ك ، هق ، وابن
عساكر عن الحسن مرسلا ، قال الحسن : هو أويس القرني ) .
- وفي كنز العمال : 14 / 8 :
عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يدخل بشفاعة رجل من
أمتي الجنة أكثر من ربيعة ومضر ، أما أسمي لكم ذلك الرجل ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 74 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قالوا : بلى .
قال : ذاك أويس القرني . . .
وقال : يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر ، ثم سماك . .
الحديث . وروى نحوه في صفحة 13
- وفي كنز العمال : 12 / 74 :
سيقدم عليكم رجل يقال له أويس كان به بياض فدعا الله له فأذهبه الله ، فمن لقيه
منكم فمروه فليستغفر له ( ش ، عن عمر ) .
- وفي كنز العمال : 14 / 7 :
مسند عمر ، عن صعصعة بن معاوية قال : كان أويس بن عامر من التابعين رجل
من قرن ، وإن عمر بن الخطاب قال : أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له أويس بن عامر ، يخرج به وضح فيدعو الله
أن يذهبه فيقول : اللهم دع لي في جسدي منه ما أذكر به نعمتك علي ، فيدع له في
جسده ما يذكر به نعمته عليه ، فمن أدرك منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر له
( الحسن بن سفيان وأبو نعيم في المعرفة ، ق ، في الدلائل ، كر ) راجع أيضا : 14 / 8
و 10 . ونحوه في سير أعلام النبلاء : 4 / 26
- وفي سير أعلام النبلاء : 4 / 32 :
وروى هشام بن حسان عن الحسن قال : يخرج من النار بشفاعة أويس أكثر من
ربيعة ومضر .
أبو بكر الأعين : حدثنا أبو صالح ، حدثنا الليث ، عن المقبري ، عن أبي هريرة
مرفوعا : يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من مضر وتميم . قيل : من هو يا
رسول الله ؟ قال : أويس القرني . هذا حديث منكر تفرد به الأعين ، وهو ثقة .
ونحوه في ميزان الاعتدال : 2 / 445 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 75 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي تاريخ الإسلام للذهبي : 3 / 558 :
عن عمر قال : قال رسول الله ( ص ) : يدخل الجنة بشفاعة أويس مثل ربيعة
ومضر .
- وفي بدء الإسلام لابن سلام الأباضي / 79 :
أويس القرني . . . جاء في الأثر عن النبي ( ص ) قال لأبي بكر وعمر : أوصيكم أن
تقرؤوا مني أويس القرني السلام ، يقدم المدينة بعدي . . . يدخل في شفاعته يوم
القيامة عدد ربيعة ومضر . . .
- وفي ميزان الاعتدال : 1 / 282 :
عن الحسن قال : يخرج من النار بشفاعة رجل ليس بنبي ، أكثر من ربيعة ومضر .
قال هشام عن الحسن : هو أويس .
وقال عبد الوهاب الثقفي : حدثنا خالد الحذاء ، عن عبد الله بن شقيق ، عن ابن
أبي الجدعاء : سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يدخل الجنة بشفاعة
رجل من أمتي أكثر من ربيعة وبني تميم .
- وفي ميزان الاعتدال : 1 / 282 ولسان الميزان : 1 / 474
يونس وهشام عن الحسن قال : يخرج من النار بشفاعة رجل ليس بنبي أكثر من
ربيعة ومضر . قال هشام عن الحسن هو أويس .
وقال عبد الوهاب الثقفي ثنا خالد الحذاء ، عن عبد الله بن شقيق ، عن ابن أبي
الجدعاء سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يدخل الجنة بشفاعة رجل من
أمتي أكثر من ربيعة وبني تميم .
- وفي لسان الميزان : 1 / 473
وقال أبو صالح : ثنا الليث ، حدثني المقبري ، عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) أن رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : ليشفعن رجل من أمتي في أكثر من مضر . قال تميم : ومضر ، وأنه أويس
القرني . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 76 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

نتيجة

النتيجة التي يخرج منها الباحث في أحاديث أويس وشفاعته :
أن الله تعالى أعطى هذه الكرامة العظيمة لراعي إبل من جبال اليمن ، فجعله
بسبب طاعته وإخلاصه له ، موعودا مبشرا به ، على لسان أشرف الأنبياء
والمرسلين ( صلى الله عليه وآله ) وجعل المسلمين يتبركون به ويطمعون منه بكلمة ( غفر الله لك )
فيبخل بها على أكثرهم ! وينطق بها لمن أدركته الرحمة منهم .
ثم جعله يوم القيامة شفيعا لمئات الألوف أو لملايين المذنبين ، يدخلون ببركته
جنة النعيم .
وقوله ( صلى الله عليه وآله ) ( يشفع في مثل ربيعة ومضر . . أكثر من مضر وتميم . . أكثر من ربيعة
وبني تميم ) إنما هو إشارة إلى الكثرة وتفهيمها للناس بجمهور قبائل كانت تمثل
الكثرة في ذلك المجتمع . . ولذلك قد يبلغ عدد من يشفع لهم أويس الملايين . .
ومما يثير العجب ، أن هذا الإنسان الكريم على ربه ، صاحب المقام العظيم
عنده ، الذي لا ينطق بكلمة ( غفر الله لك ) في غير محلها . . تراه يقول لعلي ( عليه السلام ) : مد
يدك أبايعك على بذل مهجة نفسي دونك ! !
فما هو مقام علي ؟ ! الذي يتقرب كبار الأولياء إلى الله بالموت دونه ، ودون نصرة
حقه وقضيته ؟ ! !
وهل يستطيع مسلم بعد هذا أن يشكك في مقام الشفاعة العظيمة لعلي وبقية
أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) . . وهو يرى أن أويسا صاحب الشفاعة العظيمة ، فدائي لهم ! !
وختاما ، فإن شفيع المحشر على الاطلاق ، هو رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . . بل يفهم من
أحاديثنا أن الشفاعة بالأصل إنما هي كرامة من الله تعالى له ( صلى الله عليه وآله )
وأن الأنبياء الآخرين إنما يشفعون بما يعطيهم سيد المحشر وصاحب لوائه مما
أعطاه ربه عز وجل !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 77 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وهذه الشفاعة العظمى لنبينا ( صلى الله عليه وآله ) ملك كبير . . لا بد له من مدراء ومفوضين يوم
القيامة . . وهؤلاء إنما هم عترة النبي الذين نص عليهم أنهم يكونون معه ، وهم علي
وفاطمة والمعصومون من أولادهم ، صلى الله على رسوله وعليهم .
ولا بد أن يكون لهم أعوان من الملائكة والصالحين .
وقد خصصنا هذا الفصل بشفاعة أويس ( رحمه الله ) ، لأنه شيعي ثبتت له هذه الشفاعة
العظيمة بإجماع المسلمين ، وكفى بها دليلا على شفاعة أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 78 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 79 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الخامس عشر : النواصب مطرودون من الشفاعة والجنة

حكم النواصب في الفقه الاسلامي

عقدنا هذا الفصل لاستعراض الأحاديث التي رواها الجميع في قرار الحرمان
الإلهي من الشفاعة والجنة ، لمن أبغض أهل البيت النبوي ( عليهم السلام ) ، أو نصب العداوة
والبغضاء ، لهم أو لمن أحبهم ، أو حمل في نفسه غلا عليهم ، أو كرها أو حسدا . . ولو
بمقدار ذرة ! !
فقد اتفقت مذاهب السنيين على أن من يعادي عليا ، أو أهل البيت النبوي ( عليهم السلام ) ،
فهو منافق .
أما في فقهنا فمبغض أهل البيت ( عليهم السلام ) الناصب لهم ، كافر نجس . .
ويسمى المبغض والمعادي في الفقه الإسلامي ( الناصب والناصبي )
وهو اسم مشتق من : نصب له العداوة ، أي أبغضه ، وتكلم عليه ، أو عمل ضده ،
شبيها بقولك : نصب له الحرب !
والمبغض والمخالف والمعادي والناصب ، كلمات متقاربة ، ولكنها متفاوتة . .
فالمخالف ناظرة إلى مخالفة الشخص في الرأي والمسلك .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 80 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والمبغض ناظرة إلى حالة النفرة النفسية المضادة للحب .
والمعادي ناظرة إلى الموقف النفسي والعملي المضاد .
والناصب تزيد عليهما بأن البغض والعداء يصير هم الناصب !
هذا في أصل اللغة ، أما في الشرع فقد وردت استعمالاتها بمعنى واحد وكأن
المصطلح الإسلامي للمبغض يشملها جميعا .
والذي يدخل في بحثنا من أحكام النواصب ، أن الشفاعة النبوية الكبرى على
سعتها يوم القيامة لا تنالهم ، بل يؤمر بهم إلى النار ! !
وهذا يعني أن بغض أهل البيت جريمة كبرى في نظر الإسلام ، جزاؤها الطرد من
الرحمة الإلهية والنبوية ، واستحقاق العذاب في جهنم !
ونورد فيما يلي عددا من أحاديث هذه المسألة ، وفيها أحاديث صحيحة عند
الجميع :

علي ( عليه السلام ) ميزان الإسلام والكفر والإيمان والنفاق

- روى الحاكم : 3 / 129
عن أبي ذر ( رضي الله عنه ) قال : ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله ، والتخلف
عن الصلوات ، والبغض لعلي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) . هذا حديث صحيح على شرط
مسلم ، ولم يخرجاه .
ورواه أحمد في فضائل الصحابة : 2 / 639 ، والدارقطني في المؤتلف والمختلف :
13763 ، والهيثمي في مجمع الزوائد : 9 / 132
- وروى الترمذي : 4 / 327 ، و : 5 / 293 و 298 - باب مناقب علي :
عن أبي سعيد الخدري قال : إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم
علي بن أبي طالب . هذا حديث غريب . وقد تكلم شعبة في أبي هارون العبدي ،
وقد روى هذا عن الأعمش عن أبي صالح ، عن أبي سعيد .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 81 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وروى النسائي في : 8 / 115
عن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحب عليا
منافق ، ولا يبغضه مؤمن . وقال : هذا حديث حسن .
ورواه النسائي أيضا في خصائص علي 5 / 137
وابن ماجة : 1 / 42
والترمذي : 4 / 327 و ج 5 / 594
وأحمد في مسنده : 2 / 579 و ص 639 وفي فضائل الصحابة : 2 / 264
وعبد الرزاق في مصنفه : 11 / 55
وابن أبي شيبة في مصنفه : 12 / 56
والحاكم في المستدرك : 3 ص 129 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه ! ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك .
ورواه الطبراني في الأوسط : 3 / 89
والهيثمي في مجمع الزوائد : 1299 ، وقال : رجال أبي يعلى رجال الصحيح .
ورواه الخطيب في تاريخ بغداد عن صحابة متعددين في : 2 / 72 و : 4 / 41 و : 13 / 32
/ 153 و : 14 / 426 و : 2 / 255
والبيهقي في سننه : 5 / 47
وابن عبد البر في الإستيعاب : 3 / 37
- وفي الترمذي : 5 / 601
عن الأعمش : إنه لا يحبك إلا مؤمن . وقال : هذا حديث حسن صحيح .
- وفي الطبراني الكبير : 1 / 319 و 23 / 380
عن أبي الطفيل قال : سمعت أم سلمة تقول : أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول : من أحب عليا فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغض
عليا فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله . ورواه الهيثمي في الزوائد : 9 ص 132 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 82 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي فردوس الأخبار : 3 / 64
عن ابن عباس أن النبي ( ص ) قال : علي باب حطة ، من دخل منه كان مؤمنا ،
ومن خرج منه كان كافرا .
عن أبي ذر أن النبي ( ص ) قال : علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من
بعدي . حبه إيمان ، وبغضه نفاق ، والنظر إليه رأفة ومودة عبادة .
وفي صحيح مسلم : 1 / 60 ، تحت عنوان : باب حب علي من الإيمان .
عن زر بن حبيش قال قال علي ( عليه السلام ) : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي
صلى الله عليه وسلم إلي ، أن لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق .
ورواه ابن ماجة : 1 / 42
والنسائي في سننه : 8 / 115 و 117 وفي خصائص علي : 1375
وأحمد في مسنده : 1 / 84 و 95 و 128 وفي فضائل الصحابة : 2 / 264
وابن أبي شيبة في المصنف : 12 / 56
وعبد الرزاق في المصنف : 11 / 55
وابن أبي عاصم في السنة : 5842
وابن حبان في صحيحه : 9 / 40
والخطيب في تاريخ بغداد : 2 ص 255 و : 14 / 426
وابن عبد البر في الإستيعاب : 3 / 37
وأبو نعيم في حلية الأولياء : 8 / 185
وابن حجر في الإصابة : 2 / 503
والحاكم في المستدرك : 3 / 139
والبيهقي في سننه : 5 / 47
وابن حجر في فتح الباري : 7 / 57
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 83 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي مسند أبي يعلى : 1 / 237
عن الحارث الهمداني قال : رأيت عليا جاء حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى
عليه ، ثم قال : قضاء قضاه الله على لسان نبيكم النبي الأمي صلى الله عليه و ( آله )
وسلم إلي : إنه لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق ، وقد خاب من افترى .
وفي فتح الباري : 7 / 72
وفي كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه يقول : لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي
هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا بجمانها على المنافق على أن
يحبني ما أحبني ! وذلك أنه قضي فانقضى على لسان النبي الأمي صلى الله عليه و
( آله ) وسلم أنه قال : يا علي لا يبغضك مؤمن ، ولا يحبك منافق .
- وهو في نهج البلاغة : 2 / 154 ، شرح محمد عبده ، وقال ابن أبي الحديد في شرحه
2 : 485 : في الخبر الصحيح المتفق عليه أنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق ،
وحسبك بهذا الخبر ، ففيه وحده كفاية :
وقال ابن أبي الحديد في موضع آخر كما في هامش بحار الأنوار : 39 / 294 :
قال شيخنا أبو القاسم البلخي : قد اتفقت الأخبار الصحيحة التي لا ريب عند
المحدثين فيها أن النبي قال له : لا يبغضك إلا منافق ولا يحبك إلا مؤمن .
- وفي بشارة المصطفى للطبري الشيعي / 107
أخبرنا الشيخ الفقيه المفيد أبو علي الطوسي ( رحمه الله ) بقراءتي عليه في شعبان سنة
إحدى عشرة وخمسمائة بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال :
أخبرنا السعيد الوالد أبو جعفر محمد بن الحسين الطوسي ( رحمه الله ) قال : أخبرنا أبو عبد الله
محمد بن محمد بن النعمان الحارثي ( رحمه الله ) قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي
قال : حدثنا علي بن العباس بن الوليد قال : حدثنا إبراهيم بن بشير بن خالد قال :
حدثنا منصور بن يعقوب قال : حدثنا عمرو بن ميمون ، عن إبراهيم بن عبد الأعلى ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 84 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عن سويد بن غفلة قال : سمعت عليا ( عليه السلام ) يقول : والله لو صببت الدنيا على المنافق
صبا ما أحبني ، ولو ضربت بسيفي هذا خيشوم المؤمن لأحبني ، وذلك أني سمعت
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : يا علي لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق ! انتهى .
- ورواه محمد بن سليمان في مناقب أمير المؤمنين ( ع ) : 2 / 484 ، والفتال النيسابوري في
روضة الواعظين / 295
- وفي فردوس الأخبار : 5 / 316
قال النبي ( ص ) : يا علي محبك محبي ، ومبغضك مبغضي .
ونحوه في الطبراني في الأوسط : 3 / 89 ، عن عمران بن حصين .
وأحمد في فضائل الصحابة : 2 / 639 ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري .
والحاكم في : 3 / 130 ، عن سلمان الفارسي . وفي : 3 / 129 ، عن أبي ذر الغفاري
والهيثمي في مجمع الزوائد : 9 / 129 ، عن أبي يعلى ، عن أبي رافع .
وفي تاريخ بغداد : 9 / 72 ، وفي : 4 / 41 ، وفي : 13 / 23 ، عن ابن مسعود ، وفي
ص 153 ، عن ابن عباس .
- ورواه أيضا في : 9 / 72 ، وروى فيها : عن عمار بن ياسر قال سمعت رسول الله يقول
لعلي : يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك ، وويل لمن أبغضك وكذب فيك .
- وروى الحاكم في المستدرك : 3 / 128
عن ابن عباس قال : نطر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي فقال : يا علي أنت
سيد في الدنيا وسيد في الآخرة ، حبيبك حبيبي ، وحبيبي حبيب الله ، وعدوك
عدوي وعدوي عدو الله ، والويل لمن أبغضك بعدي ! ! صحيح على شرط الشيخين
ولم يخرجاه .
- ورواه في تاريخ بغداد : 4 / 41 ، وفي فردوس الأخبار : 5 / 324
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 85 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي الطبراني الأوسط : 3 / 89
عن عمار بن ياسر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي : إن
الله تبارك وتعالى زينك بزينة لم يزين العباد بزينة مثلها ! إن الله تعالى حبب إليك
المساكين والدنو منهم ، وجعلك لهم إماما ترضى بهم ، وجعلهم لك أتباعا يرضون
بك ، فطوبى لمن أحبك وصدق عليك ، وويل لمن أبغضك وكذب عليك .
فأما من أحبك وصدق عليك فهم جيرانك في دارك ، ورفقاؤك من جنتك .
وأما من أبغضك وكذب عليك ، فإنه حق على الله عز وجل أن يوقفهم مواقف
الكذابين .
وفي مستدرك الحاكم في صفحة 138
عن علي بن أبي طلحة قال : حججنا فمررنا على الحسن بن علي بالمدينة ، ومعنا
معاوية بن حديج ، فقيل للحسن : إن هذا معاوية بن حديج الساب لعلي ، فقال علي
به ، فأتي به فقال : أنت الساب لعلي ؟ !
فقال : ما فعلت !
فقال : والله إن لقيته ، وما أحسبك تلقاه يوم القيامة ، لتجده قائما على حوض
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، يذود عنه رايات المنافقين ، بيده عصا من عوسج . . حدثنيها
الصادق المصدوق ، وقد خاب من افترى . هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم
يخرجاه . انتهى .
- وفي مسند أبي يعلى : 6 / 174
عن علي بن أبي طلحة مولى بني أمية قال : حج معاوية بن أبي سفيان وحج معه
معاوية بن خديج ، وكان من أسب الناس لعلي ، قال : فمر في المدينة وحسن بن
علي ونفر من أصحابه جالس فقيل له : هذا معاوية بن خديج الساب لعلي ! قال :
علي الرجل ، قال : فأتاه رسول فقال : أجب .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 86 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- قال من ؟
- قال : الحسن بن علي يدعوك ، فأتاه فسلم عليه .
- فقال له الحسن : أنت معاوية بن خديج ؟
- قال : نعم .
فرد ذلك عليه ، قال : فأنت الساب لعلي بن أبي طالب ؟ !
قال : فكأنه استحيا .
فقال له الحسن : أما والله لئن وردت عليه الحوض ، وما أراك ترده ، لتجدنه مشمر
الإزار على ساق ، يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الإبل . قول الصادق
المصدوق ، وقد خاب من افترى .
- ورواه أبو يعلى في مسنده : 12 / 139 ، والطبراني في الأوسط : 3 / 22 ، وفي الكبير :
913 ، وفي مجمع الزوائد : 9 / 130 ، و 272
وفيه : قال يا معاوية بن خديج إياك وبغضنا ، فإن رسول الله قال : لا يبغضنا ولا
يحسدنا أحد إلا ذيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار .
- ورواه في مختصر تاريخ دمشق : 12 جزء 24 / 393 ، وفي كفاية الطالب / 89 ، عن أبي
كثير ، ورواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : 8 جزء 15 / 18 ، عن المدائني .
وفي شواهد التنزيل للحسكاني : 1 / 551 ح 585
بسنده عن جابر وأنس قالا قال رسول الله ( ص ) : يا علي ، لو أن أمتي أبغضوك
لأكبهم الله على مناخرهم في النار .
- وفي شواهد التنزيل : 1 / 550 ح 583
بسنده عن جابر قال : قال رسول الله ( ص ) يا علي ، لو أن أمتي صاموا حتى
صاروا كالأوتاد ، وصلوا حتى صاروا كالحنايا ، ثم أبغضوك لأكبهم الله على مناخرهم
في النار ! ! .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 87 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي شواهد التنزيل : 1 / 496 ح 524
بسنده عن جابر قال : خطبنا رسول الله ( ص ) فسمعته يقول : من أبغضنا أهل
البيت حشره الله يوم القيامة يهوديا .
- وفي شواهد التنزيل : 1 / 550 ح 584
بسنده عن أبي سعيد قال : قتل قتيل بالمدينة على عهد النبي ( ص ) . . . فقال :
والذي نفس محمد بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أكبه الله عز وجل في النار
على وجهه .
- وفي بشارة المصطفى للطبري الشيعي / 204
قال حدثنا الهيثم بن حماد ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : رجعنا مع
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قافلين من تبوك فقال في بعض الطريق : ألقوا إلي الأحلاس والأقتاب
ففعلوا ، فصعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فخطب فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال :
معاشر الناس ما لي أراكم إذا ذكر آل إبراهيم تهللت وجوهكم ، فإذا ذكر آل محمد
كأنما يفقأ في وجوهكم حب الرمان ! !
والذي بعثني نبيا لو جاء أحدكم يوم القيامة بأعمال كأمثال الجبال ، ولم يجئ
بولاية علي بن أبي طالب لأكبه الله عز وجل في النار ! !

محاولة ابن حجر تجريد علي من هذه الفضيلة ! !

- قال في فتح الباري : 1 / 63
وقد ثبت في صحيح مسلم عن علي أن النبي ( ص ) قال له : لا يحبك إلا مؤمن
ولا يبغضك إلا منافق . وهذا جار باطراد في أعيان الصحابة لتحقق مشترك الاكرام ،
لما لهم من حسن الغناء في الدين !
قال صاحب المفهم : وأما الحروب الواقعة بينهم ، فإن وقع من بعضهم بغض
فذاك من غير هذه الجهة ، بل للأمر الطارئ الذي اقتضى المخالفة ! ولذلك لم يحكم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 88 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بعضهم على بعض بالنفاق ، وإنما كان حالهم في ذاك حال المجتهدين في الأحكام ،
للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد ! ! والله أعلم .
- وقال في فتح الباري : 7 / 72 ، في شرح رواية البخاري : 1 / 525 ) : لأعطين الراية
غدا رجلا يحب الله ورسوله : وقوله في الحديثين إن عليا يحب الله ورسوله ويحبه
الله ورسوله : أراد بذلك وجود حقيقة المحبة ، وإلا فكل مسلم يشترك مع علي في
مطلق هذه الصفة .
وفي الحديث تلميح بقوله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ،
فكأنه أشار إلى أن عليا تام الاتباع لرسول الله ( ص ) حتى اتصف بصفة محبة الله له ،
ولهذا كانت محبته علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق ، كما أخرجه مسلم من حديث
علي نفسه ، قال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي ( ص ) أن لا يحبك إلا
مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق . وله شاهد من حديث أم سلمة عند أحمد . انتهى .
فقد حاول ابن حجر أن يميع شهادة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) في خيبر ، وشهادته له
بأن حبه وبغضه ميزان الإيمان . . ويجعلهما شهادتين عامتين لكل الصحابة ! !
أما في خيبر فقد حاصر المسلمون خيبر وفتحوا عددا من حصونها ، ولكنهم
عجزوا عن فتح أهم حصن فيها ( حصن السلالم ) !
وكانت آخر محاولتين لفتحه حملتان ، قاد المسلمين في الأولى منهما أبو بكر ،
وما أن اقتربوا من الحصن حتى واجهتهم دفاعات اليهود من أعلى الحصن بوابل
السهام والأحجار . . فانهزموا راجعين إلى مقر قيادة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! !
وفي اليوم التالي قاد الحملة عمر بن الخطاب فتكرر نفس المشهد وأشد ، فانهزم
المسلمون ورجعوا ، وهم يجبنون عمر وهو يجبنهم ! !
عندها غضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال كلمته الخالدة ( لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله
ورسوله ويحبه الله ورسوله ، كرار غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ) وكان
علي مريضا برمد العينين ، فأحضره النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومسح بريقه على عينيه فشفاه الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 89 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تعالى ، وأعطاه الراية ، فتقدم علي أمام المسلمين وصعد في جبل الحصن قبلهم ،
وهو يدفع السهام والأحجار حتى تكسر ترسه ، وتمكن من الصعود إلى باب الحصن
وبه جراحات ، فاستعان بالله تعالى ودحا الباب الحديدي الضخم فانفتح ، فدخل
عليهم وحده وقتل فارسهم مرحبا ، ورفع صوته بالتكبير ، ففهم المسلمون أنه النصر ،
فدخلوا الحصن على أثره وأكملوا تحريره ! !
فانظر كيف حاول ابن حجر توسيع هذه الشهادة النبوية لتشمل كل الصحابة ،
ويغمض عينيه عن خصوصياتها المتعددة ، التي لا تنطبق إلا على علي ؟ !
والأعجب من ذلك أنه عمد إلى الميزان الإلهي لإيمان الأمة ، والذي هو ميزان
منصوص ، لشخص مخصوص ، فجعله ميزانا واسعا ضائعا مائعا متناقضا ! فقال :
وهذا جار باطراد في أعيان الصحابة ، لتحقق مشترك الاكرام ، لما لهم من حسن
الغناء في الدين !
يعني بذلك أن حب كل واحد من الصحابة علامة على الإيمان ، وبغض أي واحد
منهم علامة على النفاق ، لأنهم جميعا شاركوا في نصرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
يفعل ابن حجر ذلك وهو يعلم أن غرض الإسلام من التأكيد على حب علي ( عليه السلام )
أن يضع للأمة خطا ومقياسا ليعرف به هدى المهتدين به ، وكذب المنافقين في
ادعائهم الإسلام .
وكيف يعقل ابن حجر أن يكون الصحابة جميعا مقياسا لذلك ، وعددهم عنده
أكثر من مئة ألف ، وقد كانوا في عهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) مختلفي المشارب والاتجاهات
والمستويات ، وصاروا بعده أكثر اختلافا وعداوة وبغضاء . . حتى انقسمت الأمة
بسببهم إلى محب لهم ومبغض ، وقامت بينهم الحروب ! !
فلو جعلنا بغضهم مقياسا للنفاق ، فقد نفينا وجود منافقين في الأمة !
لأن المنافقين في زمنه وبعده ، إما صحابة أو يحبون أحدا من الصحابة !
وذلك تكذيب للقرآن حيث أخبرا بوجود منافقين في حياة التبي ( صلى الله عليه وآله )
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 90 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كما أن مقياس ابن حجر يسبب مشكلة عقيدية على الصحابة أنفسهم . . لأنه
لا يكاد يوجد صحابي إلا وأبغض صحابيا آخر ، فيكونون جميعا بهذا المقياس (
الحجري ) منافقين ! !
وقد حاول ابن حجر أن يخلص من هذه الورطة فنقل عن صاحب المفهم كلاما
غير مفهم ، مفاده أن الصحابة قد أبغضوا بعضهم ، وقد اشتهر بغض معاوية لعلي ،
ولكن هذا البغض بزعمه ليس نفاقا ! لأن قصد النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن علامة النفاق هو بغض
علي بسبب نصرته للنبي فقط . . وأما بغضه لسبب آخر فهو حلال زلال ، لا يوجب
نفاقا ولا من يحزنون ! !
وهي حيلة وجدها علماء الخلافة القرشية قبل ابن حجر ، فحللوا بها بغض علي ،
وزعموا أن التأكيد النبوي المطلق مخصوص بمن أبغضه لنصرته للنبي ( صلى الله عليه وآله ) فقط ! فلا
يشمل الذين يبغضونه لأسباب أخرى غير النصرة ! !
وقد تشبثوا بتلك الحيلة لرفع حكم النفاق عن معاوية ، وتبرير أمره بلعن علي ( عليه السلام )
على منابر الإسلام في خطب الجمعة عشرات السنين ، وتشريد أهل بيت النبي
ومطاردتهم في كل صقع ، وتقتيل شيعتهم وهدم بيوتهم ، وتقريب مبغضيهم
ولاعنيهم ، وإعطائهم مناصب الدولة ! !
وقد تمسك بهذه الحيلة بعض فقهاء النواصب في عصر ابن حجر ، ودافعوا بها
أمام القضاة السنيين ، الذين أصدروا حكمهم على ابن تيمية ، بأنه ناصبي منافق
مبغض لعلي ( عليه السلام ) ! فقال المدافعون : إن بغضه لعلي الذي ليس بسبب نصرته
للنبي ! ( صلى الله عليه وآله ) فهو مثل معاوية يبغض عليا لأسباب أخرى ، فبغضه له حلال لا يصير
بسببه من المنافقين ، كما أن معاوية لم يصر من المنافقين ! !
ولكنه منطق متهافت :
أولا ، لأن كلام النبي ( صلى الله عليه وآله ) صريح في الاطلاق والعموم . . فأين دليلهم على
التخصيص ، وأين المخصص والمقيد من عقل أو نقل ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 91 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وثانيا ، أنهم بذلك جوزوا للمسلمين أن يصيروا كلهم رافضة ، وأن يبغضوا
الصحابة ويلعنوهم لأسباب أخرى غير نصرتهم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ! !
فما دام بغض معاوية والنواصب ولعنهم عليا حلال ، وهم مصدقون في ادعائهم
أن بغضهم له لسبب آخر غير النصرة ! فكل مسلم يجوز له أن يبغض من شاء من
الصحابة ويلعنهم ، ويكفي لتبرئته أن يزعم أن ذلك لسبب آخر غير النصرة ! !
والواقع أن ابن حجر وأمثاله يعرفون أن عليا هو المقياس النبوي الإلهي للإيمان
في الأمة في حياة النبي وبعده ، ويروون في الصحاح قصة بغض بريدة وخالد
وغيرهما لعلي وغضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) عليهم لذلك !
ولكن علماء الخلافة يجادلون نبيهم ، ويحتالون على أحاديثه تخصيصا وتوسيعا
وتمييعا ، لمصلحة مبغضي أهل بيت نبيهم من قبائل قريش الأخرى ، التي أشربوا
حبها على حساب أهل بيت نبيهم ! ! ولله في خلقه شؤون .

قصة بريدة وحدها حجة بالغة

روت الصحاح السنية قصة بريدة ، ولكنها اختصرتها وحذفت منها ! !
وما بقي منها عظيم ! وخلاصتها :
أن الصحابي بريدة الأسلمي اعترف بأنه كان مع عدد من الصحابة القرشيين في
زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) يبغضون عليا ( عليه السلام ) ويعملون ضده !
وذات يوم أرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) جيشين إلى اليمن ، أحدهما بقيادة علي ، والآخر
بقيادة خالد بن الوليد ، فاختار بريدة أن يذهب مع جيش خالد ، لأن خالدا على
خطه في بغض علي ( عليه السلام ) .
وتوغل جيش علي داخل اليمن ، وأنجز الجيشان مهماتهما العسكرية ، كل في
جبهته ، وانتصرا وغنما ثم التقيا ، فصار القائد عليهما علي كما أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 92 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وكان خالد ومبغضو علي يراقبون حركات علي وسكناته ، لعلهم يجدون عليه
مأخذا ينتقدونه به ، ويضعفون شخصيته عند المسلمين ، أو عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
وعندما وزع علي الغنائم وعزل منها الخمس للرسول وآله ( صلى الله عليه وآله ) ، اختار منه جارية
فقوم قيمتها وحسبها من سهمه من الخمس ، ولعله تزوجها .
فرأى خالد في ذلك نصرا عظيما على علي وكتب رسالة إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأرسلها
مع وفد من ثلاثة أشخاص ، وأرسل معهم بريدة شاهدا مصدقا للرسالة !
ومفاد الرسالة أن عليا خان غنائم المسلمين وأخذ جارية لنفسه ، وتزوج على
بنت النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
ووصل بريدة إلى المدينة ، واتصل بمبغضي علي وبشرهم برسالة خالد ضد علي
ففرحوا بها ، وأوصوه أن يقدم معها تقريرا شفهيا قويا ضد علي ، حتى تسقط مكانته
عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويرتاحوا من شره في المستقبل ! !
وقام بريدة بالمهمة كما أرادوا ، ولكن النتيجة كانت معكوسة عليهم تماما !
فقد غضب النبي غضبا شديدا من رسالة خالد وتقرير بريدة ، ومن حركة الصحابة
الذين يقفون وراءهما ضد علي . . وكشف لهم حقائق تتعلق بعلي ، تضمنتها أحاديث
بريدة الصحيحة في مصادر السنة والشيعة ، ومن أهم نقاطها ما يلي :
أولا : أن عليا بأمر الله تعالى خليفة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وولي المسلمين من بعده .
ثانيا : أنه لا يتصرف من عنده أبدا ، حتى عندما يكون في اليمن بعيدا عن النبي
( صلى الله عليه وآله ) بل كل تصرفات إما أن تكون بأمر الرسول ، أو بإلهام الله تعالى ! !
ثالثا : أن عليا مع النبي وآله ، هم أصحاب الخمس الشرعيون في الغنائم
وغيرها ، فحق علي في الخمس أكثر من جارية .
رابعا : أن خبر زواج علي أو تسريه على زوجته فاطمة الزهراء ( عليهما السلام ) ، خاصة عندما
يكون في سفر ، لا يؤذيها ولا يؤذي أباها ، لأنهما لا يخالفان شرع الله ، ولأنهما على
ثقة منه ، ومن مقامه الذي خصه به الله تعالى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 93 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خامسا : أن مبغضي علي إما منافقون أو كفار . . وعلى مبغضيه من الصحابة أن
يتوبوا من ذلك ويجددوا إسلامهم ، ويستغفروا الله تعالى ويستغفر لهم الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ،
عسى أن يغفر نفاقهم أو ارتدادهم ، ويقبل توبتهم وإسلامهم ! !
وبالفعل فقد جدد بريدة إسلامه ، وتاب من بغض علي وأخذ يحبه ، وطلب من
النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يستغفر له !
أما الباقون فلم نسمع بتوبتهم !
وفيما يلي نستعرض عددا من نصوص القضية ، التي تحتاج من الباحث والقارئ
إلى تأمل لكي يفهم مداليلها ، ويعرف هدف الرواة من صياغاتهم لها بأشكال مخففة
، ويفهم معنى تعليقات الحاكم في مستدركه على رواياتها الصحيحة على شرط
البخاري ومسلم ، اللذين تجاهلاها أو بتراها ! !
ولنبدأ بإحدى روايات مسند أحمد المتعددة ، قال في : 5 / 356
عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين
إلى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب وعلى الآخر خالد بن الوليد فقال : إذا
التقيتم فعلي على الناس ، وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده ، فلقينا بني زيد
من أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون على المشركين ، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية
فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه .
قال بريدة : فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
يخبره بذلك !
فلما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم دفعت الكتاب فقرئ عليه ، فرأيت الغضب
في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله هذا مكان العائذ
بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ، ففعلت ما أرسلت به .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقع في علي ، فإنه مني وأنا منه ، وهو
وليكم بعدي ، وإنه مني وأنا منه ، وهو وليكم بعدي ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 94 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وقال الحاكم في المستدرك : 2 / 129
عن عبد الله بن بريدة الأسلمي قال إني لأمشي مع أبي إذ مر بقوم ينقصون
عليا ( رضي الله عنه ) يقولون فيه ! فقام فقال : إني كنت أنال من علي وفي نفسي عليه شئ ، وكنت
مع خالد بن الوليد في جيش ، فأصابوا غنائم ، فعمد علي إلى جارية من الخمس
فأخذها لنفسه ، وكان بين علي وبين خالد شئ ، فقال خالد هذه فرصتك ! وقد عرف
خالد الذي في نفسي على علي ، قال فانطلق إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاذكر ذلك له ، فأتيت
النبي ( صلى الله عليه وآله ) فحدثته ، وكنت رجلا مكبا وكنت إذا حدثت الحديث أكببت ، ثم رفعت
رأسي فذكرت للنبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر الجيش ، ثم ذكرت له أمر علي ، فرفعت رأسي وأوداج
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد احمرت ! قال قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : من كنت وليه فإن عليا وليه . وذهب
الذي في نفسي عليه .
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة ، إنما أخرجه
البخاري من حديث علي بن سويد بن منجوف ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه
مختصرا ، وليس في هذا الباب أصح من حديث أبي عوانة هذا ، عن الأعمش ، عن
سعد بن عبيدة .
وهذا رواه وكيع بن الجراح ، عن الأعمش ، أخبرناه أبو بكر بن إسحاق الفقيه ، أنبأ
موسى بن إسحاق القاضي ، ثنا عبد الله بن أبي شيبة ، ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن
سعد بن عبيدة ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، أنه مر على مجلس . . . ثم ذكر الحديث
بطوله . انتهى .
- وقال عنه في مجمع الزوائد : 9 / 108 : ورجاله رجال الصحيح . وورد فيه ( فقلت لا
أسوؤك فيه أبدا ) .
وروى الحاكم القصة أيضا : 3 / 110
وفيها أن مبغضي علي كانوا أربعة ، وأنهم تعاقدوا فيما بينهم على شكايته إلى
النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، قال الحاكم :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 95 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عن عمران بن حصين ( رضي الله عنه ) قال بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سرية ، واستعمل عليهم علي
بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) ، فمضى علي في السرية فأصاب جارية ، فأنكروا ذلك عليه ،
فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا لقينا النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخبرناه بما صنع علي !
قال عمران : وكان المسلمون إذا قدموا من سفر بدؤوا برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فنظروا
إليه وسلموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم ، فلما قدمت السرية سلموا على رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال أحد الأربعة فقال :
يا رسول الله ، ألم تر أن عليا صنع كذا وكذا ! !
فأعرض عنه !
ثم قام الثاني فقال مثل ذلك ، فأعرض عنه !
ثم قام الثالث فقال مثل ذلك ، فأعرض عنه !
ثم قام الرابع فقال : يا رسول الله ألم تر أن عليا صنع كذا وكذا !
فأقبل عليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والغضب في وجهه فقال :
ما تريدون من علي ! إن عليا مني وأنا منه ، وولي كل مؤمن . هذا حديث صحيح
على شرط مسلم ولم يخرجاه . انتهى .
وروى نحوه آخر ، وصححه على شرط مسلم أيضا .
أما البخاري فهو على عادته في أمثال هذا الحديث ، إما أن يحذفه كليا ، أو
يحذف منه ولاية علي ( عليه السلام ) ويرويه مبتورا !
- قال في صحيحه : 5 / 110
عن عبد الله بن بريدة عن أبيه ( رضي الله عنه ) قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا
إلى خالد ليقبض الخمس ، وكنت أبغض عليا ، وقد اغتسل ، فقلت لخالد : ألا ترى
إلى هذا ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 96 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له ، فقال : يا بريدة أتبغض
عليا ؟
قلت : نعم .
قال : لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك . انتهى .
بل نلاحظ أن البخاري زهد في بريدة بسبب أحاديثه في فضل علي ، وطبق عليه
مذهبه في الاقلال من الرواية عن الصحابة والرواة الذين يحبون عليا ، ومنهم بريدة
الأسلمي ! ! فقد رووا عنه في الصحاح وغيرها أكثر من مئتي حديث ، ولكن البخاري
لم يرو منها في صحيحه بعدد أصابع اليد الواحدة ! !
كما أنه في تاريخه ، ترجم لعشرات النواصب ومدحهم بمدائح كبيرة ، ولكنه
اختصر في ترجمة بريدة جدا ، لأنه لا يحبه ولا يحب الإطالة في ترجمته !
والحديث الوحيد الذي ذكره في ترجمته حديث عام سيأتي !
- قال البخاري في تاريخه : 2 / 141
بريدة بن حصيب الأسلمي له صحبة ، نزل البصرة ، قال لي عياش : حدثنا عبد
الأعلى قال : ثنا الجريري عن أبي نضرة قال : كنت بسجستان فإذا بريدة الأسلمي
فجلست إليه ، قال لي محمد بن مقاتل : أخبرنا معاذ ، حدثنا عبد الله بن مسلم
السلمي من أهل مرو ، سمعت عبد الله بن بريدة يقول : مات والدي بمرو وقبره
بجصين . وقال : هو قائد أهل المشرق يوم القيامة ونورهم .
وقال ابن بريدة : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أيما رجل من أصحابي مات
ببلدة فهو قائدهم ونورهم يوم القيامة ، فقال : مات في خلافة يزيد بن معاوية ، ومات
بعده الحكم بن عمرو الغفاري ، ودفن إلى جنبه . انتهى .
وهذه الترجمة المختصرة من البخاري ، لا تناسب شخصية بريدة ، وكثرة أحاديثه
في المصنفات والصحاح .
بل نلاحظ أن البخاري يروي عن عبد الله بن بريدة ، ولكن عن غير أبيه . . مع أن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 97 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
روايات عبد الله عن أبيه كثيرة ، ومنتشرة في المصادر ! !
والسبب في ذلك : أن عبد الله مقبول عند الخلافة القرشية أكثر من أبيه ، وكان
قاضيا عندهم على مرو ، وكثيرا ما نراه يحذف من أحاديث أبيه بريدة ما يتعلق
بولاية علي ( عليه السلام ) وفضائله ! وهذا ما يريده البخاري !
وقد وجدت للبخاري رواية واحدة من روايات بريدة في حق علي ( عليه السلام ) ، وهي
( فلتة ) ، ذكرها تاريخه في ترجمة أبي ربيعة الأيادي !
ولكن البخاري ألف تاريخه في شبابه قبل صحيحه ، ولعله كان أحسن حالا على
علي يومذاك ، قال في : 9 / 31 :
حدثنا محمد بن الطفيل قال : نا شريك ، عن أبي ربيعة الأيادي ، عن ابن بريدة ،
عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أمرني بحب أربعة من
أصحابي ، وأخبرني أنه يحبهم .
فقلنا يا رسول الله من هم ، فكلنا نحب أن نكون منهم ؟
فقال : إن عليا منهم ، ثم سكت ساعة ، ثم قال : إن عليا منهم ، وسلمان الفارسي ،
وأبا ذر ، والمقداد بن الأسود الكندي . انتهى .
وهذا الحديث يدل على أن هؤلاء الأربعة هم صفوة الله تعالى من الصحابة ، وهو
بالحقيقة اصطفاء لعلي وحده ( عليه السلام ) ، لأن هؤلاء الثلاثة هم كبار شيعة علي وأتباعه في
زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبعده ! خاصة مع ملاحظة تأكيد النبي ( صلى الله عليه وآله ) على علي من بينهم .
ويدل حديث بريدة الذي فلت به قلم البخاري ، على أن بقية الصحابة لم يبلغوا
مستوى أن يأمر الله تعالى رسوله والمسلمين بحبهم !
وقد روى هذا الحديث الحاكم في : 3 / 130 ، وصححه على شرط مسلم ، وفي نصه
تأكيد أكثر على علي ، ورواه الترمذي : 5 / 299
ولا يبعد أن يكون هذا الحديث جزءا مما قاله النبي ( صلى الله عليه وآله ) لبريدة عندما جاء
بالرسالة من اليمن ، أو جوابا نبويا آخر لخطط مبغضي علي التي تواصلت ضده !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 98 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كما روى الترمذي حديثا آخر عن بريدة في : 5 / 360 ، جاء فيه أن عليا وفاطمة أحب
الناس إلى النبي على الإطلاق .
على أن هناك سببا آخر لإقلال البخاري من أحاديث بريدة ، قد لا يقل عند محبي
قبائل قريش عن أحاديث بريدة في فضائل علي ( عليه السلام )
وهو موقف بريدة من السقيفة وبيعة أبي بكر ! فقد ذكرت الروايات أنه كان مسافرا
إلى الشام ، ورجع إلى المدينة بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بقليل ، وتفاجأ ببيعة أبي بكر ،
فأعلن عدم شرعية السقيفة ، وذهب إلى قبيلته القريبة من مكة ونصب الراية في
وسطهم ، وأعلن الاعتصام والنفير ، حتى يأمرهم علي بأمره !
فاستجابت له قبيلته ، وكانت أول تهديد مسلح ضد أهل السقيفة ! ولذلك صرح
عمر أنه بقي متخوفا من عدم نجاح بيعة السقيفة ( حتى بايعت أسلم فأيقنت بالنصر ! )
وقد استمرت مشكلة بريدة وقبيلته حتى أرسل إليهم علي ( عليه السلام ) أن الوقت فات ،
وأن أكثر قريش والأنصار قد بايعوا أبا بكر . . والاختلاف والحرب بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله )
مباشرة ، ليس في مصلحة الإسلام . . إلى آخره .
هذا ، وقد عقد الهيثمي في مجمع الزوائد فصلا كاملا ، أورد فيه عددا من روايات
قصة بريدة وصحح بعضها ، قال في : 9 / 127 :
باب منه جامع فيمن يحبه ومن يبغضه :
عن بريدة يعني ابن الحصيب قال : أبغضت عليا بغضا لم أبغضه أحدا قط !
قال : وأحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليا ( رضي الله عنه ) ، قال فبعث ذلك
الرجل على جيش فصحبته ، ما صحبته إلا ببغضه عليا ( رضي الله عنه ) .
قال : فأصبنا سبايا ، فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابعث إلينا من
يخمسه ، قال : فبعث عليا ( رضي الله عنه ) ، وفي السبي وصيفة هي أفضل السبي ، قال : فخمس
وقسم ، فخرج ورأسه يقطر ، فقلنا يا أبا الحسن ما هذا ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 99 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال : ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السبي فإني قسمت وخمست فصارت
في الخمس ، ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم صارت في آل
علي ، فوقعت بها .
قال : فكتب الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : ابعثني مصدقا .
قال : فجعلت أقرأ الكتاب وأقول : صدق !
قال : فأمسك يدي والكتاب ، وقال : أتبغض عليا ؟ !
قال : قلت نعم .
قال : فلا تبغضه : وإن كنت تحبه فازدد له حبا ، فوالذي نفس محمد بيده لنصيب
آل علي في الخمس أفضل من وصيفة !
قال فما كان أحد من الناس بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من
علي .
قال عبد الله يعني ابن بريدة : فوالذي لا إله غيره ما بيني وبين النبي صلى الله عليه
وسلم في هذا الحديث إلا أبو بريدة .
قلت : في الصحيح بعضه ، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ، غير عبد الجليل
بن عطية وهو ثقة ، وقد صرح بالسماع ، وفيه لين .
وعن بريدة قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين إلى اليمن ، على
أحدهما علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) وعلى الآخر خالد بن الوليد ، فقال : إذا التقيتم فعلي
على الناس ، وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده .
قال فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا ، فظهر المسلمون على المشركين فقتلنا
المقاتلة وسبينا الذرية ، فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه .
قال بريدة : فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره
بذلك ، فلما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم دفعت الكتاب فقرئ عليه ، فرأيت
الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 100 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يا رسول الله هذا مكان العائذ ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ، ففعلت ما
أرسلت به .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقع في علي ، فإنه مني وأنا منه ، وهو
وليكم بعدي .
قلت : رواه الترمذي باختصار ، رواه أحمد والبزار باختصار ، وفيه الأجلح الكندي
وثقه ابن معين وغيره ، وضعفه جماعة ، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح .
وعن بريدة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا أميرا على اليمن ،
وبعث خالد بن الوليد على الجبل ، فقال : إن اجتمعتما فعلي على الناس ، فالتقوا
وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله ، وأخذ علي جارية من الخمس ، فدعا خالد بن
الوليد بريدة فقال : اغتنمها ، فأخبر النبي ما صنع !
فقدمت المدينة ودخلت المسجد ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في منزله ،
وناس من أصحابه على بابه ، فقالوا : ما الخبر يا بريدة ؟
فقلت : خيرا فتح الله على المسلمين .
فقالوا : ما أقدمك ؟
قلت : جارية أخذها علي من الخمس ، فجئت لأخبر النبي صلى الله عليه وسلم .
فقالوا : فأخبر النبي ، فإنه يسقط من عين النبي ! ! ورسول الله يسمع الكلام ، فخرج
مغضبا فقال :
ما بال أقوام ينتقصون عليا ؟ ! !
من تنقص عليا فقد تنقصني ، ومن فارق عليا فقد فارقني .
إن عليا مني وأنا منه ، خلق من طينتي ، وخلقت من طينة إبراهيم ، وأنا أفضل من
إبراهيم ، ذرية بعضها من بعض ، والله سميع عليم .
يا بريدة : أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ ، وأنه وليكم بعدي ؟
فقلت : يا رسول الله بالصحبة إلا بسطت يدك فبايعتني على الإسلام جديدا ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 101 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال : فما فارقته حتى بايعته على الإسلام ! !
رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه جماعة لم أعرفهم ، وحسين الأشقر ضعفه
الجمهور ، ووثقه ابن حبان .
وعن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي
بن أبي طالب وخالد بن الوليد ، كل واحد منهما وحده ، وجمعهما فقال : إذا
اجتمعتما فعليكم علي ، قال فخذا يمينا ويسارا ، فدخل علي وأبعد ، وأصاب سبيا ،
وأخذ جارية من السبي .
قال بريدة : وكنت من أشد الناس بغضا لعلي ، قال : فأتى رجل خالد بن الوليد
فذكر أنه أخذ جارية من الخمس ، فقال : ما هذا ؟ !
ثم جاء آخر ثم جاء آخر ، ثم تتابعت الأخبار على ذلك ، فدعاني خالد فقال :
يا بريدة ، قد عرفت الذي صنع ، فانطلق بكتابي هذا إلى رسول الله !
فكتب إليه فانطلقت بكتابه حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ
الكتاب بشماله ، وكان كما قال الله عز وجل لا يقرأ ولا يكتب ، وكنت إذا تكلمت
طأطأت رأسي حتى أفرغ من حاجتي ، فطأطأت رأسي فتكلمت فوقعت في علي
حتى فرغت ، ثم رفعت رأسي فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب غضبا
لم أره غضب مثله إلا يوم قريظة والنضير ! !
فنظر إلي فقال : يا بريدة أحب عليا ، فإنما يفعل ما أمر به ! ! !
فقمت وما من الناس أحد أحب إلي منه .
رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه ضعفاء وثقهم ابن حبان .
وعن أبي سعيد الخدري قال : اشتكى عليا الناس ، فقام رسول الله صلى الله عليه
وسلم فينا خطيبا ، فسمعته يقول :
أيها الناس لا تشكوا عليا ، فوالله إنه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله .
رواه أحمد .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 102 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وعن عمرو بن شاس الأسلمي ، وكان من أصحاب الحديبية قال : خرجت مع
علي ( عليه السلام ) إلى اليمن فجفاني في سفري ذلك ، حتى وجدت في نفسي عليه ، فلما
قدمت المدينة أظهرت شكايته في المسجد ، حتى سمع بذلك رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس
في ناس من أصحابه ، فلما رآني أبدى لي عينيه - يقول حدد إلي النظر - حتى إذا
جلست قال : يا عمرو والله لقد آذيتني ! ! !
قلت : أعوذ بالله من أذاك يا رسول الله .
قال : بلى ، من آذى عليا فقد آذاني .
رواه أحمد والطبراني باختصار ، والبزار أخصر منه ، ورجال أحمد ثقات .
وعن أبي رافع قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا أميرا على اليمن ،
وخرج معه رجل من أسلم يقال له عمرو بن شاس ، فرجع وهو يذم عليا ويشكوه ،
فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
إخسأ يا عمرو ! ! ! هل رأيت من علي جورا في حكم ، أو أثرة في قسمة ؟ !
قال : اللهم لا .
قال : فعلام تقول الذي بلغني ؟ ! !
قال : بغضه ، لا أملك .
قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف ذلك في وجهه ، ثم قال :
من أبغضه فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ! ! ومن أحبه فقد أحبني
ومن أحبني فقد أحب الله تعالى .
رواه البزار ، وفيه رجال وثقوا على ضعفهم .
وعن سعد بن أبي وقاص قال : كنت جالسا في المسجد أنا ورجلين معي ، فنلنا
من علي ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبان يعرف في وجهه الغضب ،
فتعوذت بالله من غضبه فقال :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 103 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ما لكم وما لي ؟ ! !
من آذى عليا فقد آذاني ! ! !
رواه أبو يعلى والبزار باختصار ، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح ، غير محمود بن
خداش وقنان ، وهما ثقتان .
وعن أبي بكر بن خالد بن عرفطة ، أنه أتى سعد بن مالك فقال : بلغني أنكم
تعرضون على سب علي بالكوفة ، فهل سببته ؟ !
قال : معاذ الله ، والذي نفس سعد بيده لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول في علي شيئا ، لو وضع المنشار على مفرقي ما سببته أبدا .
رواه أبو يعلى وإسناده حسن .
وعن أبي عبد الله الجدلي قال : دخلت على أم سلمة فقالت لي :
أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ؟ !
قلت : معاذ الله ، أو سبحان الله ، أو كلمة نحوها .
قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من سب عليا فقد سبني ! ! !
رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ، غير أبي عبد الله الجدلي وهو ثقة .
وعن أبي عبد الله الجدلي قال : قالت لي أم سلمة :
يا أبا عبد الله ، أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ؟ !
قلت : أنى يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ !
قالت : أليس يسب علي ومن يحبه ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه ! !
رواه الطبراني في الثلاثة ، وأبو يعلى ، ورجال الطبراني رجال الصحيح ، غير أبي
عبد الله ، وهو ثقة .
وروى الطبراني بعده بإسناد رجاله ثقات إلى أم سلمة ، عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : مثله .
وعن كعب بن عجرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 104 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لا تسبوا عليا فإنه ممسوس في ذات الله .
رواه الطبراني في الكبير والأوسط ، وفيه سفيان بن بشر أو بشير ، متأخر ليس هو
الذي روي عن أبي عبد الرحمن الجيلي ، ولم أعرفه ، وبقية رجاله وثقوا ، وفي
بعضهم ضعف .
وعن أبي كثيرة قال : كنت جالسا عند الحسن بن علي فجاءه رجل فقال لقد سب
عند معاوية عليا سبا قبيحا رجل يقال له معاوية بن خديج . . . الخ . انتهى .
وقد تقدم ذلك من حديث الإمام الحسن ( عليه السلام ) . ورواه الهيثمي هنا بروايتين ، وقال :
رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما علي بن أبي طلحة مولى بني أمية ، ولم
أعرفه . وبقية رجاله ثقات ، والآخر ضعيف . . . الخ .
وفي مجمع الزوائد : 9 / 108
عن بريدة قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فاستعمل علينا
عليا ، فلما جئنا قال : كيف رأيتم صاحبكم ؟
فإما شكوته ، وإما شكاه غيري ، قال فرفع رأسه وكنت رجلا مكبابا فإذا النبي
صلى الله عليه وسلم قد احمر وجهه يقول : من كنت وليه فعلي وليه .
فقلت لا أسوؤك فيه أبدا .
رواه البزار ورجاله رجال الصحيح .
وعن عمار بن ياسر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب .
من تولاه فقد تولاني ومن تولاني فقد تولى الله عز وجل .
ومن أحبه فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله تعالى .
ومن أبغضه فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل .
رواه الطبراني بإسنادين أحسب فيهما جماعة ضعفاء ، وقد وثقوا .
وعن وهب بن حمزة قال : صحبت عليا إلى مكة فرأيت منه بعض ما أكره ، فقلت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 105 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لئن رجعت لأشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قدمت لقيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقلت : رأيت من علي كذا وكذا .
فقال : لا تقل هذا ، فهو أولى الناس بكم بعدي .
رواه الطبراني ، وفيه دكين ذكره ابن أبي حاتم ، ولم يضعفه أحد ، وبقية رجاله
وثقوا . انتهى .
- وفي الصراط المستقيم للبياضي : 2 / 59
وروى ابن حنبل أيضا أن عليا أخذ في اليمن جارية فكتب خالد مع بريدة إلى
النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأعلمه فغضب وقال : يا بريدة لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه .
وأورده ابن مردويه من طرق عدة وفي بعضها أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لبريدة : إيها
عنك ، فقد أكثرت الوقوع في علي ، فوالله إنك لتقع في رجل أولى الناس بكم بعدي .
وفي بعضها إنه طلب من النبي ( صلى الله عليه وآله ) الاستغفار ، فقال له : حتى يأتي علي ، فلما
أتى علي قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلي : إن تستغفر له فاستغفر .
وفي بعضها أن بريدة امتنع من بيعة أبي بكر لأجل النص الذي سمعه من
النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالولاية بعده .
وفي بعضها أن بريدة بايع النبي ( صلى الله عليه وآله ) على الإسلام جديدا ، ولولا أن الانكار على
علي يوجب تكفيرا لم يكن لبيعة بريدة ثانيا معنى .
وهذا شئ لم يوجد لغيره من أصحابه قطعا .
فهذه كتب القوم التي هي عندهم صادقة ، بولاية علي ( عليه السلام ) ناطقة ، إذ في جعله من
بدنه مثل الرأس ، دليل تقديمه على سائر الناس . انتهى .

من دلالات قصة بريدة

أولا : أن الفائدة العملية لهذا الميزان في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) كانت اختبارا للمسلمين
في قبولهم تحدي الإسلام لقريش والمشركين الذي مثله علي ( عليه السلام ) بصفته سيف الله
تعالى ، وعضد رسوله ( صلى الله عليه وآله ) .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 106 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كما كانت اختبارا لقبول المسلمين الحقيقي للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بقبول عترته الذين نص
على أنهم امتداده في الأمة . .
ولكن فائدة هذا الميزان الإلهي كانت في مرحلة ما بعد النبي أكثر منها في حياته !
ولهذا ركز عليها ( صلى الله عليه وآله ) في أحاديث ومناسبات عديدة !
ثانيا : هذه النصوص النبوية القوية ، تجعل المسلم يتيقن بأن الله تعالى جعل حب
علي بن أبي طالب ميزانا للإسلام والكفر ، ومقياسا للإيمان والنفاق ، وجعل ولايته
فريضة مع حب الرسول وولايته ( صلى الله عليه وآله )
وهو مقام لم يجعله الله تعالى لأي واحد من الصحابة ! !
وبذلك يتضح ضعف محاولة السنيين أن يجعلوا ولاية بعض الصحابة غير علي
جزءا من الوحي الذي نزل على محمد ( صلى الله عليه وآله ) في الوقت الذي ما زالوا متحيرين في
العثور على صيغة فقهية تثبت شرعية خلافتهم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) !
بل ما زالوا يبحثون عن نص صحيح يسمح لهم بإدخالهم في صيغة الصلاة على
النبي ليجوز لهم القول ( صلى الله عليه وآله وصحبه ) فيضيفون صحبه إلى آله الذين
أوجب الله الصلاة عليهم معه ! !
ثالثا : إن هذا المقام الرباني لعلي ( عليه السلام ) ، وأمره المسلمين بحبه وتحريمه بغضه . .
تكليف موجه إلى الصحابة أنفسهم ، ومن بعدهم إلى أجيال الأمة . . فحب علي
فريضة على الصحابة قبل غيرهم ، وميزان لإيمان الصحابي أو نفاقه قبل غيره !
وبهذه الأحاديث الصحيحة ينحسم الأمر ، ولا يبقى معنى لمقايسة أحد من
الصحابة بعلي ( عليه السلام )
وهل يقاس الميزان بالموزون ؟ !
والدليل الإلهي بالمدلول عليه ؟ !
والمنار الرباني بمن يحتاج إلى شهادة علي بأن فيه شيئا من نور الإيمان ؟ !
وهل يقاس الإنسان الكامل بمن لا تعرف درجة إنسانيته وكماله إلا به ؟ !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 107 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فعلي ( عليه السلام ) بنص هذه الصحاح هو : المسلم الرباني الكامل ، الذي جعل الله حبه
وبغضه ، ورضاه وغضبه ، مختبرا للأمة ، وجعل شخصيته قدوة للعالمين ، بعد
رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
رابعا : بعد أن أذعن جميع المسلمين بصحة هذه الأحاديث القاطعة في علي ( عليه السلام )
فإن قولهم بتفضيل غيره عليه ، ونسبتهم ذلك إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، يكون اتهاما للنبي
بالتناقض ، وأنه أمر بحب علي وجعله ميزانا ، ثم ناقض نفسه وفضل التابع على
المتبوع ، وجعل غير علي أفضل منه ، وأوصى الأمة بحبه واتباعه بدل علي ! !
وهو أمر لا يرتكبه رئيس عادي ، ولا أمير قبيلة حكيم ، ولا رب أسرة عاقل في
أولاده ! !
وبعد صحة هذه الأحاديث وصراحتها في مصادر السنيين ، وعلو حجتها ، لا
نحتاج إلى روايتها من مصادرنا ، إلا لتكميل صورة الموضوع ، أو لبيان جوانب أخرى
لم تتعرض لها النصوص السنية ، من قصة هذا الصحابي المؤمن ، ورواياته الأخرى
لفريضة حب علي واتباعه على الأمة ، وتحريم كرهه ومخالفته !

لمحة عن بريدة وأحاديثه في مصادرنا

بريدة الأسلمي صحابي مميز ، بشخصيته وأحاديثه . . لم يعط حقه في مصادر
السنيين ، لأنه أطاع النبي في علي وأهل بيته ( صلى الله عليه وآله ) .
وبريدة واحد من مجموعة فرسان الصحابة ، كان لهم دور ريادي قيادي هام في
حروب الردة ، ثم في الفتوحات الإسلامية ، ولكن جزاءهم كان طمس أدوارهم
وإعطاء منجزاتهم إلى أشخاص آخرين ، تبنتهم السلطة القرشية ثم الأموية ، لأنهم
أطاعوا الخلافة ، ووقفوا في وجه علي وأهل البيت النبوي ! !
ومن هؤلاء الأبطال الشيعة : عمار بن ياسر ، وحذيفة بن اليمان ، والمقداد بن عمر
وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وأخوه أبان ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 108 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وسعد بن عبادة ، وابنه قيس بن سعد ، وأبو أيوب الأنصاري . . . وآخرون يصلون إلى
نحو مئة صحابي ، كان لهم أدوار هامة في حروب الردة والفتوحات ، وقد وقفوا من
أول الأمر مع علي ( عليه السلام ) أو انضموا إليه فيما بعد ، أو قاتلوا معه في حروبه ،
واستشهدوا بين يديه ، أو ثبتوا بعد شهادته على ولائه . .
وكل واحد من هؤلاء يستحق دراسة جادة ، لشخصيته وأحاديثه . . فهم ظاهرة
يقل مثيلها في الأديان الأخرى ، تمثل الوجه الآخر لما قالته الحكومات القرشية
ودونته عن إجراءات النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأقواله عن مستقبل الإسلام ومسيرته من بعده . . إلى
أن يبعث الله الإمام المهدي الموعود على لسانه بعده .
ونكتفي هنا بإيراد مقتطفات عن بريدة من مصادرنا :
- قال أبو جعفر الطوسي في أماليه : 1 / 249
أبو العباس قال : حدثنا الحسن بن علي بن عفان قال : حدثنا الحسن - يعني ابن
عطية قال : حدثنا سعاد ، عن عبد الله بن عطاء ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ،
قال : بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وخالد بن الوليد كل واحد منهما
وحده ، وجمعهما فقال : إذا اجتمعتما فعليكم علي .
قال : فأخذنا يمينا أو يسارا .
قال : وأخذ علي فأبعد ، فأصاب سبيا فأخذ جارية من الخمس .
قال بريدة : وكنت أشد الناس بغضا لعلي وقد علم ذلك خالد بن الوليد ، فأتى
رجل خالدا فأخبره أنه أخذ جارية من الخمس فقال : ما هذا ؟ ثم جاء آخر ، ثم أتى
آخر ، ثم تتابعت الأخبار على ذلك ، فدعاني خالد فقال : يا بريدة ، قد عرفت الذي
صنع ، فانطلق بكتابي هذا إلى رسول الله فأخبره ، وكتب إليه .
فانطلقت بكتابه حتى دخلت على رسول الله وأخذ الكتاب فأمسكه بشماله ،
وكان كما قال الله لا يكتب ولا يقرأ ، وكنت رجلا إذا تكلمت طأطأت رأسي حتى أفرغ
من حاجتي ، فطأطأت وتكلمت ، فوقعت في علي حتى فرغت ، ثم رفعت رأسي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 109 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فرأيت رسول الله قد غضب غضبا شديدا لم أره غضب مثله قط إلا يوم قريظة
والنضير ، فنظر إلي فقال :
يا بريدة إن عليا وليكم بعدي ، فأحب عليا فإنما يفعل ما يؤمر .
قال : فقمت وما أحد من الناس أحب إلي منه .
وقال عبد الله بن عطاء : حدثت بذلك أبا حرب بن سويد بن غفلة ، فقال : كتمك
عبد الله بن بريدة بعض الحديث أن رسول الله قال له : أنافقت بعدي يا بريدة ؟ ! !
- وقال السيد شرف الدين في المراجعات / 221
وكذلك حديث بريدة ولفظه في ص 356 من الجزء الخامس من مسند أحمد
قال : بعث رسول الله بعثين إلى اليمن . . . الخ .
ولفظه عند النسائي في / 17 من خصائصه العلوية : لا تبغضن يا بريدة لي عليا ، فإن
عليا مني وأنا منه ، وهو وليكم بعدي .
ولفظه عند ابن جرير : قال بريدة : وإذا النبي قد أحمر وجهه ، فقال : من كنت وليه
فإن عليا وليه ، قال : فذهب الذي في نفسي عليه ، فقلت لا أذكره بسوء .
والطبراني قد أخرج هذا الحديث على وجه التفصيل ، وقد جاء فيما رواه : أن
بريدة لما قدم من اليمن ، ودخل المسجد ، وجد جماعة على باب حجرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ،
فقاموا إليه يسلمون عليه ويسألونه فقالوا : ما وراءك ؟
قال : خير فتح الله على المسلمين .
قالوا : ما أقدمك ؟
قال : جارية أخذها علي من الخمس ، فجئت لأخبر النبي بذلك .
فقالوا : أخبره أخبره ، يسقط عليا من عينه ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، يسمع كلامهم من
وراء الباب ، فخرج مغضبا فقال :
ما بال أقوام ينتقصون عليا ؟ من أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن فارق عليا فقد
فارقني ، إن عليا مني وأنا منه ، خلق من طينتي ، وأنا خلقت من طينة إبراهيم ، وأنا
أفضل من إبراهيم . ذرية بعضها من بعض ، والله سميع عليم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 110 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يا بريدة أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ . وأنه وليكم بعدي .
وهذا الحديث مما لا ريب في صدوره ، وطرقه إلى بريدة كثيرة ، وهي معتبرة
بأسرها ، ومثله ما أخرجه الحاكم عن ابن عباس ، من حديث جليل ، ذكر فيه عشر
خصائص لعلي فقال : وقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنت ولي كل مؤمن بعدي .
ومثله ما أخرجه ابن السكن ، عن وهب بن حمزة قال ، كما في ترجمة وهب من
الإصابة : سافرت مع علي فرأيت منه جفاء ، فقلت لئن رجعت لأشكونه ، فرجعت
فذكرت عليا لرسول الله فنلت منه ، فقال : لا تقولن هذا لعلي ، فإنه وليكم بعدي . . .
- وقال المفيد في الإرشاد : 1 / 148
وكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قد اصطفى من السبي جارية ، فبعث خالد بن الوليد بريدة
الأسلمي إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال له :
تقدم الجيش إليه فأعلمه بما فعل علي ( عليه السلام ) من اصطفائه الجارية من الخمس
لنفسه ، وقع فيه .
فسار بريدة حتى انتهى إلى باب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلقيه عمر بن الخطاب فسأله عن
حال غزوتهم وعن الذي أقدمه ؟ فأخبره أنما جاء ليقع في علي ( عليه السلام ) ، وذكر له
اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه ، فقال له عمر :
إمض لما جئت له ، فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي !
فدخل بريدة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومعه كتاب من خالد بما أرسل به بريدة ، فجعل
يقرأه ووجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يتغير ، فقال بريدة : يا رسول الله إنك إن رخصت للناس
في مثل هذا ذهب فيؤهم !
فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ويحك يا بريدة أحدثت نفاقا ! !
إن علي بن أبي طالب يحل له من الفئ ما يحل لي ، إن علي بن أبي طالب خير
الناس لك ولقومك ، وخير من أخلف بعدي لكافة أمتي .
يا بريدة ! احذر أن تبغض عليا فيبغضك الله !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 111 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال بريدة : فتمنيت أن الأرض انشقت لي فسخت فيها ، وقلت : أعود بالله من
سخط الله وسخط رسول الله ، يا رسول الله استغفر لي فلن أبغضن عليا ( عليه السلام ) أبدا ، ولا
أقول فيه إلا خيرا ، فاستغفر له النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
- وفي الشافي للشريف المرتضى : 3 / 243
وروى الثقفي قال : حدثني محمد بن علي ، عن عاصم بن عامر البجلي ، عن نوح
بن دراج ، عن محمد بن إسحاق ، عن سفيان بن فروة ، عن أبيه قال : جاء بريدة حتى
ركز رايته في وسط أسلم ، ثم قال : لا أبايع حتى يبايع علي ، فقال علي ( عليه السلام ) : يا بريدة
أدخل فيما دخل فيه الناس ، فإن اجتماعهم أحب إلي من اختلافهم اليوم .
وروى إبراهيم ، عن يحيى بن الحسن بن الفرات ، عن ميسر بن حماد ، عن موسى
بن عبد الله بن الحسن قال : أبت أسلم أن تبايع وقالوا : ما كنا نبايع حتى يبايع بريدة ،
لقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) لبريدة : علي وليكم من بعدي .
فقال علي ( عليه السلام ) : يا هؤلاء إن هؤلاء خيروني أن يظلموني حقي وأبايعهم ، أو
ارتدت الناس ، حتى بلغت الردة أحدا ، فاخترت أن أظلم حقي ، وإن فعلوا ما فعلوا .
وقال في هامشه : بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي ، صحابي
أسلم هو وقومه - وكانوا ثمانين بيتا - عند مرور رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بهم في طريقة إلى
المدينة ، وبقي في أرض قومه ، ثم قدم المدينة بعد أحد ، فشهد بقية المشاهد ،
وسكن البصرة أخيرا ، ثم خرج غازيا إلى خراسان فأقام بمرو ، وأقام بها حتى مات ،
ودفن بها ( أسد الغابة 1 / 175 ) .
- وفي الإحتجاج للطبرسي : 1 / 97
وعن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق ( عليهما السلام ) : جعلت
فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه
مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 112 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال : نعم ، كان الذي أنكر على أبي بكر اثنا عشر رجلا . من المهاجرين : خالد بن
سعيد بن العاص ، وكان من بني أمية ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، والمقداد
بن الأسود ، وعمار بن ياسر ، وبريدة الأسلمي .
ومن الأنصار أبو الهيثم بن التيهان ، وسهل ، وعثمان ابنا حنيف ، وخزيمة بن
ثابت ذو الشهادتين ، وأبي بن كعب ، وأبو أيوب الأنصاري .
قال : فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم ، فقال بعضهم لبعض : والله لنأتينه
ولننزلنه عن منبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وقال آخرون منهم : والله لئن فعلتم ذلك إذا أعنتم على أنفسكم ، فقد قال الله
عز وجل : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لنستشيره
ونستطلع رأيه .
فانطلق القوم إلى أمير المؤمنين بأجمعهم ، فقالوا يا أمير المؤمنين تركت حقا أنت
أحق به وأولى به من غيرك ، لأنا سمعنا رسول الله يقول : علي مع الحق والحق مع
علي يميل مع الحق كيف ما مال .
ولقد هممنا أن نصير إليه فننزل عن منبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فجئناك لنستشيرك
ونستطلع رأيك فما تأمرنا ؟
فقال أمير المؤمنين : وأيم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلا حربا ، ولكنكم
كالملح في الزاد وكالكحل في العين ، وأيم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين
بأسيافكم مستعدين للحرب والقتال ، وإذا لأتوني فقالوا لي بايع وإلا قتلناك ، فلا بد
لي من أدفع القوم عن نفسي ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وأله أوعز إلي قبل
وفاته وقال لي : يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك من بعدي وتنقض فيك عهدي ،
وإنك مني بمنزلة هارون من موسى ، وإن الأمة من بعدي كهارون ومن اتبعه ،
والسامري ومن اتبعه !
فقلت : يا رسول الله ، فما تعهد إلي إذا كان ذلك ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 113 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقال : إذا وجدت أعوانا فبادر إليهم وجاهدهم ، وإن لم تجد أعوانا كف يدك
واحقن دمك ، حتى تلحق بي مظلوما . . . الخ .
فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبيكم ، ليكون ذلك
أوكد للحجة وأبلغ للعذر ، وأبعد لهم من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا وردوا عليه .
فسار القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكان يوم الجمعة ، فلما صعد أبو
بكر المنبر ، فأول من تكلم به خالد بن سعيد بن العاص . . . قال : إتق الله يا أبا بكر فقد
علمت أن رسول الله قال ونحن محتوشوه يوم بني قريظة حين فتح الله له . . . الخ .
ثم قام إليه بريدة الأسلمي فقال :
إنا لله وإنا إليه راجعون ، ماذا لقي الحق من الباطل ! يا أبا بكر أنسيت أم تناسيت
وخدعت أم خدعتك نفسك أم سولت لك الأباطيل ، أو لم تذكر ما أمرنا به رسول الله
من تسمية علي بإمرة المؤمنين والنبي بين أظهرنا ، وقوله له في عدة أوقات : هذا
علي أمير المؤمنين وقاتل القاسطين ؟ !
إتق الله وتدارك نفسك قبل أن لا تدركها ، وأنقذها مما يهلكها ، واردد الأمر إلى من
هو أحق به منك ، ولا تتماد في اغتصابه ، وراجع وأنت تستطيع أن تراجع ، فقد
محضتك النصح ، ودللتك على طريق النجاة ، فلا تكونن ظهيرا للمجرمين . . . الخ .
- وفي تأويل الآيات / 465
ويؤيده ما ذكره في تفسير الإمام أبي محمد الحسن العسكري ( عليه السلام ) قال : إن رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) بعث جيشا وأمر عليهم عليا ( عليه السلام ) ، وما بعث جيشا قط وفيهم علي ( عليه السلام ) إلا
جعله أميرهم ، فلما غنموا رغب علي ( عليه السلام ) أن يشتري من جملة الغنائم جارية وجعل
ثمنها من جملة الغنائم ، فكايده فيها حاطب بن أبي بلتعة وبريدة الأسلمي وزايداه ،
فلما نظر إليهما يكايدانه ويزايدانه انتظر إلى أن بلغت قيمتها قيمة عدل في يومها
فأخذها بذلك .
فلما رجعا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تواطآ على أن يقولا ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فوقف
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 114 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بريدة قدام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : يا رسول الله ألم تر إلى علي بن أبي طالب أخذ
جارية من المغنم دون المسلمين ؟ فأعرض عنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فجاء عن يمينه
فقالها ، فأعرض عنه ، فجاء عن يساره فقالها ، فأعرض عنه .
قال فغضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) غضبا لم ير قبله ولا بعده غضبا مثله ، وتغير لونه وتربد
وانتفخت أوداجه ، وارتعدت أعضاؤه ، وقال :
ما لك يا بريدة آذيت رسول الله منذ اليوم ؟ !
أما سمعت قول الله عز وجل : إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا
والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا . والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا
فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا .
فقال بريدة : ما علمت أني قصدتك بأذى .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أو تظن يا بريدة أنه لا يؤذيني إلا من قصد ذات نفسي ؟ أما
علمت أن عليا مني وأنا منه ، وأن من آذى عليا فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ،
ومن آذى الله فحق على الله أن يؤذيه بأليم عذابه في نار جهنم !
- وفي اختيار معرفة الرجال : 1 / 308
وبهذا الإسناد : عن أبان ، عن فضيل الرسان ، عن أبي داود قال : حضرته عند
الموت ، وجابر الجعفي عند رأسه ، قال فهم أن يحدث فلم يقدر ، قال ومحمد بن
جابر أرسله ، قال فقلت : يا أبا داود حدثنا الحديث الذي أردت .
قال : حدثني عمران بن حصين الخزاعي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمر فلانا وفلانا أن
يسلما على علي ( عليه السلام ) بإمرة المؤمنين ، فقالا : من الله ومن رسوله ؟ ! . ثم أمر حذيفة
وسلمان فسلما ، ثم أمر المقداد فسلم ، وأمر بريدة أخي وكان أخاه لأمه .
فقال : إنكم قد سألتموني من وليكم بعدي ، وقد أخبرتكم به ، وقد أخذت
عليكم الميثاق ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 115 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

والزهراء والحسنان ( عليهما السلام ) جزء من المقياس النبوي أيضا

- روى الترمذي في : 4 / 331
عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد حسن وحسين
وقال : من أحبني وأحب هذين ، وأباهما ، وأمهما ، كان معي في درجتي يوم القيامة .
هذا حديث حسن .
- وروى الحاكم في المستدرك : 3 / 166
عن أبي هريرة قال : خرج علينا رسول الله ومعه الحسن والحسين ، هذا على
عاتقه وهذا على عاتقه ، وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة ، حتى انتهى إلينا ، فقال له
رجل : يا رسول الله إنك تحبهما ؟ فقال : نعم ، من أحبهما فقد أحبني ، ومن أبغضهما
فقد أبغضني . ورواه أحمد في مسنده : 2 / 531 ، وأبو يعلى في مسنده : 5 / 449 . وقد
صححه الحاكم والذهبي .
- وفي الطبراني في الكبير : 3 / 47
عن أبي هريرة عن النبي ( ص ) قال : من أحب الحسن والحسين ، فقد أحبني ،
ومن أبغضهما فقد أبغضني . انتهى .
ورواه ابن ماجة : 1 / 51 في باب : فضل الحسن والحسين .
- وفي الطبراني الكبير : 3 / 50
عن سلمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحسن والحسين : من
أحبهما أحببته ، ومن أحببته أحبه الله ، ومن أحبه الله أدخله جنات النعيم ، ومن
أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أدخله
عذاب جهنم ، وله عذاب مقيم !
ونحوه في : 6 / 241 ، وفي مستدرك الحاكم في : 3 / 166 ، وفردوس الأخبار : 4 /
336 ، وتاريخ بغداد : 13 / 32
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 116 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي سنن ابن ماجة : 2 / 1366
عن عبد الله قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل فتية من
بني هاشم فيهم الحسن والحسين ، فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم اغرورقت
عيناه وتغير لونه ! قال : فقلت : ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه ؟ !
فقال : إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي
بلاء وتشريدا وتطريدا ! حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود ، فيسألون
الخير ، فلا يعطونه ، فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه ، حتى يدفعوها
إلى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطا كما ملؤوها جورا ، فمن أدرك ذلك منكم
فليأتهم ولو حبوا على الثلج .
- ورواه ابن أبي شيبة ج 15 ص 235
والبيهقي في الدلائل ج 6 ص 515
والحاكم في المستدرك : 4 / 464
والطبراني في الكبير : 10 / 104 و 108
ونحوه في فردوس الأخبار : 5 ص 499
والدولابي في الكنى : 2 / 26
وابن أبي عاصم في السنة : 2 / 619
- وفي الطبراني في الكبير : 4 / 192 ، ومجمع الزوائد : 9 / 194 :
عن عمارة بن يحيى قال : كنا عند أبي ( خالد بن عرفطة ) يوم قتل الحسين بن
علي فقال لنا خالد : هذا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنكم
ستبتلون في أهل بيتي من بعدي .
- وفي الطبراني الكبير : 25 / 23
في حديث أم الفضل قالت : بينا أنا قاعدة عند رأس رسول الله ( ص ) وهو
مريض ، فبكيت فقال : ما يبكيك ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 117 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقلت : أخشى عليك ، فلا ندري ما نلقى بعدك من الناس ؟
قال : أنتم المستضعفون بعدي ! !
ورواه أحمد : 6 / 339 ، ومجمع الزوائد : 9 / 34
- وقال الفخر الرازي في تفسيره : 25 / 35
وثبت بالنقل المتواتر أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب عليا والحسن والحسين ،
وإذا كان ذلك ، وجب علينا محبتهم ، لقوله فاتبعوه .
وكفى شرفا لآل رسول الله ( ص ) فخرا ختم التشهد بذكرهم والصلاة عليهم في
كل صلاة . انتهى .

وكل ( أهل البيت ) جزء من المقياس النبوي

- في سنن الترمذي : 4 / 344
عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحبوا الله لما يغذوكم من
نعمه ، وأحبوني بحب الله ، وأحبوا أهل بيتي بحبي .
وقال العزيزي في السراج المنير : 1 / 57 : هذا حديث صحيح من طريق ابن عباس ،
وأخرجه الحاكم والترمذي . انتهى
ورواه الطبراني في الكبير : 3 / 46 و 10 / 281
والحاكم في المستدرك : 3 / 150
والخطيب في تاريخ بغداد : 4 / 160
وأحمد في فضائل الصحابة : 2 / 986
- وفي الطبراني الأوسط : 3 / 203
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه قال قال رسول الله ( ص ) : لا يؤمن عبد
حتى أكون أحب إليه من نفسه ، وأهلي أحب إليه من أهله ، وعترتي أحب إليه من
عترته ، وذاتي أحب إليه من ذاته . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 118 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقال رجل من القوم : يا أبا عبد الرحمن : ما تزال تجئ بالحديث يحيي الله به
القلوب ! انتهى .
ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد : 1 / 264
- وفي الطبراني الكبير : 3 / 39
عن سلمان الفارسي قال : أنزلوا آل محمد صلى الله عليه وسلم بمنزلة الرأس من
الجسد ، وبمنزلة العين من الرأس ، فإن الجسد لا يهتدي إلا بالرأس ، وإن الرأس لا
يهتدي إلا بالعينين .
ورواه الهيثمي : 9 / 172
- وفي سنن الترمذي : 4 / 337
أن العباس بن عبد المطلب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا وأنا
عنده فقال : ما أغضبك ؟
قال : يا رسول الله ما لنا ولقريش ! إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة ، وإذا لقونا
بغير ذلك ! !
قال : فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمر وجهه ثم قال : والذي
نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله . هذا حديث حسن صحيح .
ورواه الطبراني في الكبير : 11 / 433 ، والخطيب : 5 / 317 ورواه أحمد في
مسنده : 1 / 207
وروى نحوه في : 4 / 165 ، بعدة روايات ، منها :
عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب قال : أتى ناس من الأنصار
النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا لنسمع من قومك حتى يقول القائل منهم : إنما
مثل محمد مثل نخلة نبتت في كباء ! قال حسين الكباء الكناسة !
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس من أنا ؟
قالوا : أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 119 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب - قال فما سمعناه قط ينتمي قبلها - ألا
إن الله عز وجل خلق خلقه فجعلني من خير خلقه ، ثم فرقهم فرقتين فجعلني من
خير الفرقتين ، ثم جعلهم قبائل فجعلني من خيرهم قبيلة ، ثم جعلهم بيوتا فجعلني
من خيرهم بيتا ، وأنا خيركم بيتا وخيركم نفسا ! !
- وروى نحوه ابن ماجة : 1 / 50 ، وقال بعده : في الزوائد : رجال إسناده ثقات . إلا أنه
قيل : رواية محمد بن كعب عن العباس مرسلة .
ونحوه في الترمذي : 5 / 317 ، وقال : هذا حديث حسن صحيح .
ورواه الحاكم في مستدرك : 3 / 333 و ص 568 و 4 / 75 ، بعدة روايات .
والهيثمي في مجمع الزوائد : 1 / 88 ، بعدة روايات .
والخطيب في تاريخ بغداد : 5 ص 317
- وكنز العمال : 11 / 700 ( حم ، ت ، ك - عن عبد المطلب بن ربيعة ، ك - عن العباس )
وفي : 12 / 41 ( طس ، ك عن عبد الله بن جعفر ) ( ط ، ص عن عبد الله بن جعفر )
( خط ، كر ، عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة ، وقال الخط يب : غريب والمحفوظ
عن أبي الضحى عن ابن عباس ، وقال : ورواه جماعة عن أبي الضحى مرسلا ) .
وفي ص 97 ( ه‍ عن العباس بن عبد المطلب ) ( حم ، ت عن علي ) . انتهى .
- وفي الترمذي : 4 / 292
عن المطلب بن أبي وداعة ، قال : جاء العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكأنه سمع شيئا فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال : من أنا ؟
فقالوا : أنت رسول الله عليك السلام .
قال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب : إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم ،
ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة ، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة ،
ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا وخيرهم نفسا . هذا حديث حسن .
وقال العزيزي في السراج المنير : 1 / 364 : هذا حديث صحيح .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 120 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وروى الحاكم : 3 / 311 ، وصححه على شرط مسلم قال :
عن أبي هريرة : خيركم خيركم لأهلي من بعدي .
ورواه الديلمي : 2 / 170 ، والهيثمي : 9 / 174 ، عن أبي يعلى ، وقال : رجاله ثقات .
- وفي الصواعق المحرقة / 176
أخرج الديلمي . . . : من أراد التوسل إلي ، وأن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم
القيامة ، فليصل أهل بيتي .

وويل لمبغضيهم

- في فردوس الأخبار : 3 / 508
عن النبي ( ص ) أنه قال : من مات وفي قلبه بغض علي بن أبي طالب ، فليمت
يهوديا أو نصرانيا ! !
وفي فردوس الأخبار : 2 / 85
عن جابر بن عبد الله عن النبي ( ص ) : ثلاث من كن فيه فليس مني ولا أنا منه :
بغض علي ، ونصب أهل بيتي ، ومن قال الإيمان كلام .
- وفي الطبراني الكبير : 11 / 146
عن ابن عباس قوله : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله . قال ابن
عباس : نحن الناس دون الناس .
عن عطاء بن أبي رباح ، عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : بغض بني هاشم والأنصار كفر ، وبغض العرب نفاق .
ورواه في مجمع الزوائد : 9 / 172
- وفي تاريخ بغداد : 3 / 290
عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رجل من أمتي
يبغض عترتي ، لا تناله شفاعتي .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 121 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي ميزان الاعتدال : 2 / 410
عن أنس ( رضي الله عنه ) مرفوعا : من أحبني فليحب عليا ، ومن أبغض أحدا من أهل بيتي
حرم شفاعتي . . الحديث . وذكره في لسان الميزان : 3 / 276
وفي مجمع الزوائد : 7 / 580
عن النبي ( ص ) قال . . لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أكبه الله في النار . .
- ورواه الدهلوي في حياة الصحابة : 2 / 369
- وفي فردوس الأخبار : 3 / 626
عن علي ( عليه السلام ) ( عن النبي ) : من لم يعرف حق عترتي فهو لإحدى ثلاث : إما منافق
وإما لزنية ، وإما امرؤ حملت به أمه بغير طهر .
وفي بشارة المصطفى للطبري الشيعي / 150
قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى ، أخبرنا الحسين بن موسى ،
أخبرنا الحسين بن إبراهيم بن بابويه ، أخبرنا علي بن إبراهيم بن همام ، عن أبيه ، عن
محمد بن أبي عمير ، عن ابن زياد ، عن عبيد الله بن صالح ، عن زيد بن علي ، عن
أبيه علي بن الحسين بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) قال : قال رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي من أحبني وأحبك وأحب الأئمة من ولدك ، فليحمد الله على طيب
مولده ، فإنه لا يحبنا إلا من طابت ولادته ، ولا يبغضنا إلا من خبثت ولادته ! !

وويل للمكذبين بفضلهم

وفي كنز العمال : 12 / 103
من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي ،
فليوال عليا من بعدي ، وليوال وليه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي ، فإنهم عترتي ،
خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ،
القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي ( الخطيب ، والرافعي ، عن ابن عباس ) .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 122 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ورواه الكنجي في كفاية الطالب / 214 ، عن ابن عباس عن النبي ( ص ) .
ورواه في مناقب آل أبي طالب : 1 / 251

واللعنة على ظالميهم وقاتليهم

في مستدرك الحاكم : 2 / 525
عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن موهب قال سمعت علي بن الحسين
يحدث عن أبيه عن جده ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله ( ص ) : ستة لعنتهم ولعنهم الله
وكل نبي مجاب : الزائد في كتاب الله ، والمكذب بقدر الله ، والمتسلط بالجبروت
ليذل من أعز الله ويعز من أذل الله ، والتارك لسنتي ، والمستحل من عترتي ما حرم
الله ، والمستحل لحرم الله . انتهى .
ثم رواه بسند آخر وصححه ، وقال : قد احتج الإمام البخاري بإسحاق بن محمد
الفروي وعبد الرحمن بن أبي الرجال في الجامع الصحيح . وهذا أولى بالصواب من
الإسناد الأول . انتهى .
راجع أيضا : المستدرك : 3 / 149 ، و : 1 / 36
ورواه الطبراني في الأوسط : 2 ص 398
ومجمع الزوائد : 9 / 272
وابن أبي عاصم في السنة : 2 / 628 والأزرقي في أخبار مكة : 1 جزء 2 / 125
- وفي المعجم الكبير للطبراني : 17 / 43
عن عمرو بن سعواء اليافعي قال قال رسول الله ( ص ) : سبعة لعنتهم . . الزائد في
كتاب الله ، والمكذب بقدر الله ، والمستحل من عترتي ما حرم الله ، والتارك لسنتي
والمستأثر بالفئ ، والمتجبر بسلطانه .
- وفي تاريخ الطبري : 5 / 426
عن كثير بن عبد الله . . قال زهير بن القين لشمر : يا بن البوال على عقبيه ما إياك
أخاطب ، إنما أنت بهيمة ! والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين . . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 123 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقال له شمر : إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة !
قال أفبالموت تخوفني . . ثم أقبل على الناس . . فقال : عباد الله لا يغرنكم من
دينكم هذا الجلف الجافي . . فوالله لا تنال شفاعة محمد قوما أراقوا دماء ذريته
وأهل بيته ! !

ولا يقبل عمل المسلم إلا بحبهم

- في المعجم الكبير للطبراني : 11 / 142
عن ابن عباس قال قال رسول الله ( ص ) : يا بني عبد المطلب إني سألت الله لكم
ثلاثا ، سألته أن يثبت قائمكم ، ويعلم جاهلكم ، ويهدي ضالكم . . . فلو أن رجلا صفن
بين الركن والمقام وصلى وصام ، ثم مات وهو مبغض لأهل بيت محمد رضي الله
عنهم ، دخل النار ! !
- ورواه الدهلوي في حياة الصحابة : 2 / 362
- وفي الطبراني الأوسط : 3 / 122
عن الحسن بن علي ( عليه السلام ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إلزموا مودتنا
أهل البيت ، فإنه من لقي الله وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا ، والذي نفسي بيده لا
ينفع عبدا عمله إلا بمعرفة حقنا .
ورواه المفيد في الأمالي / 13 و ص 44 ، ورواه في مجمع الزوائد : 9 / 172
- وفي مناقب آل أبي طالب : 3 / 2
كتاب ابن مردويه ، بالإسناد عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله )
قال : يا علي لو أن عبدا عبد الله مثل ما دام نوح في قومه ، وكان له مثل جبل أحد
ذهبا فأنفقه في سبيل الله ، ومد عمره حتى حج ألف عام على قدميه ، ثم قتل بين
الصفا والمروة مظلوما ، ثم لم يوالك يا علي ، لم يشم رائحة الجنة ، ولم يدخلها .
وفي تاريخ النسائي ، وشرف المصطفى واللفظ له : قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 124 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لو أن عبدا قام لله تعالى بين الركن والمقام ألف عام ، ثم ألف عام ، ولم يكن يحبنا
أهل البيت ، لأكبه الله على منخره في النار ! ! انتهى .
- وفي فردوس الأخبار : 2 / 142 و ص 226
عن ابن مسعود عن النبي ( ص ) قال : حب آل محمد يوما ، خير من عبادة سنة .
ومن مات عليه دخل الجنة .

والأمة مسؤولة عنهم يوم القيامة

- في صحيح مسلم : 7 / 122
عن زيد بن أرقم ( قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى
خما ، بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكر ، ثم قال :
أما بعد ، ألا أيها الناس ، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا
تارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله ،
واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال :
وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في
أهل بيتي ! !
- وفي مجمع الزوائد : 1 / 170
عن زيد بن ثابت ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إني تركت فيكم
خليفتين : كتاب الله ، وأهل بيتي ، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض .
رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات .
ورواه بنحوه : 9 / 162 ، وقال : رواه أحمد ، وإسناده جيد .
- وروى الطبراني في الأوسط : 2 / 226
عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا تزول قدما عبد يوم القيامة
حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وشبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين كسبه
وفيما أنفقه ، وعن حبنا أهل البيت .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 125 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي مجمع الزوائد : 10 / 626
عن ابن عباس قال قال رسول الله ( ص ) : لا تزول قدما يوم القيامة حتى يسأل عن
أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن جسد فيما أبلاه . . . وعن حبنا أهل البيت . قيل :
يا رسول الله فما علامة حبكم ؟ فضرب بيده على منكب علي !
ورواه الكنجي في كفاية الطالب / 324 ، عن أبي ذر .
- وروى الحسكاني في شواهد التنزيل : 2 / 106
وفي حديث أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : وقفوهم إنهم
مسؤولون . عن ولاية علي بن أبي طالب .

وهذه الأحكام مختصة بهم ، ولا يقاس بهم أحد

- في فردوس الأخبار : 5 / 34 ح 7094
عن أنس بن مالك عن النبي ( ص ) قال : نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد . انتهى .
- وفي فردوس الأخبار : 4 / 283
وفي كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : لا يقاس بآل محمد من هذه الأمة
أحد ، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا ، هم أساس الدين ، وعماد اليقين ،
إليهم يفئ الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حق الولاية ، وفيهم الوصية
والوراثة . انتهى .
ولا نطيل في استعراض أحاديث المكانة الشرعية المختصة بأهل البيت ( عليهم السلام ) ،
فهي في مصادر السنيين كثيرة وصريحة ، تدل على أن حبهم وولايتهم وإطاعتهم بعد
النبي ( صلى الله عليه وآله ) من أركان الدين . . والإفاضة في ذلك تخرجنا عن غرضنا .

ومحبو أهل البيت وشيعتهم جزء من المقياس النبوي

- فتح الباري : 1 / 431
روى حديث ( تقتل عمارا الفئة الباغية ) جماعة من الصحابة ، منهم قتادة بن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 126 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
النعمان كما تقدم ، وأم سلمة عند مسلم ، وأبو هريرة عند الترمذي ، وعبد الله بن
عمرو بن العاص عند النسائي ، وعثمان بن عفان ، وحذيفة ، وأبو أيوب ، وأبو رافع ،
وخزيمة بن ثابت ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص ، وأبو اليسر ، وعمار نفسه ، وكلها
عند الطبراني وغيره ، وغالب طرقها صحيحة أو حسنة ، وفيه عن جماعة آخرين
يطول عدهم .
وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة ، وفضيلة ظاهرة لعلي ولعمار ، ورد على
النواصب الزاعمين أن عليا لم يكن مصيبا في حروبه .
وفي رواية ابن مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا اختلف
الناس كان ابن سمية مع الحق .
وقال الحافظ ابن كثير : ومعلوم أن عمارا كان في جيش علي يوم صفين ، وقتله
أصحاب معاوية من أهل الشام ، وكان الذي تولى قتله رجل يقال له أبو الفادية ،
وقيل إنه صحابي ! وفي رواية وقاتله في النار ، لا أناله الله شفاعتي يوم القيامة !
- وفي تاريخ بغداد : 2 / 146
عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : شفاعتي لأمتي ، من أحب أهل
بيتي ، وهم شيعتي .
وحسنه العزيزي في السراج المنير : 2 / 370
ورواه في كنز العمال : 14 / 398
- وروى ابن أبي عاصم في السنة : 1 / 334
عن علي بن أبي طالب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
أول من يرد علي الحوض أهل بيتي ، ومن أحبني ( أحبهم ؟ ) من
أمتي .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 127 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كيف طبقت الخلافة القرشية سنة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيهم !

جعلت الخلافة لعنهم على المنابر فريضة !

- في صحيح مسلم : 7 / 120
عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا
فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب ؟ !
فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه ! لأن
تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم !
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له ( وقد ) خلفه في بعض مغازيه
فقال له علي يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي
. . . الخ . . . - وذكره فتح الباري : 7 / 60 ، عن مسلم والترمذي وأبي يعلى .
- وفي مستدرك الحاكم : 3 / 121
عن بن أبي مليكة عن أبيه قال : جاء رجل من أهل الشام فسب عليا عند ابن
عباس فحصبه ابن عباس فقال : يا عدو الله آذيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . إن الذين يؤذون الله
ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا . لو كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حيا
لآذيته . هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .
- ورواه الحاكم في : 1 / 36 ورواه الطبراني في الأوسط : 2 / 398 ، والصغير : 3982
والديلمي في فردوس الأخبار : 2 / 333 والهيثمي في مجمع الزوائد : 1 / 425 و 7 / 418
و 580 - وابن حجر في الصواعق المحرقة / 174
- وابن العربي في شرح الترمذي : 4 جزء 8 / 318 ، وقال : رواه غير واحد عن عبيد الله
بن عبد الرحمن بن موهب ، عن علي بن حسين ، عن النبي مرسلا ، وهذا أصح .
ورواه في بحار الأنوار : 27 / 225
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 128 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

وأجبرت المسلمين على أن يكونوا نواصب

- في الخطط السياسية للمحامي أحمد حسين يعقوب / 107
خليفة المسلمين معاوية يرعى الرواية والرواة :
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : 3 / 595 :
روى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب الأحداث قال :
كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة :
أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب ( يعني الإمام علي ) وأهل بيته .
( يعني أهل بيت النبوة الكرام ) فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون
عليا ، ويبرؤون منه ، ويقعون فيه ، وفي أهل بيته ، وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل
الكوفة ، لكثرة من بها من شيعة على ( عليه السلام ) ، فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه
البصرة ، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام على ، فقتلهم تحت
كل حجر ومدر وأخافهم ، وقطع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون ، وصلبهم على
جذوع النخل ، وطردهم وشردهم عن العراق ، فلم يبق بها معروف منهم .
مرسوم آخر لخليفة المسلمين معاوية :
ويضيف المدائني بالحرف :
وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل
بيته شهادة !
وكتب إليهم : أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ، ومحبيه وأهل ولايته ،
والذين يروون فضائله ومناقبه ، فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم ، واكتبوا لي
بكل ما يروى كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته .
ففعلوا ذلك حتى أكثروا من فضائل عثمان ومناقبه ، لما كان يبعثه إليهم معاوية
من الصلات والكسا والحبا والقطائع ، ويفيضه في العرب منهم والموالي ، فكثر ذلك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 129 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في كل مصر ، وتنافسوا في المنازل والدنيا ، فليس يجئ أحد من الناس عاملا من
عمال معاوية فيروى في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه !
فلبثوا بذلك حينا .
مرسوم ثالث لخليفة المسلمين معاوية :
كتب معاوية إلى عماله : إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر ، وفي
كل وجه وناحية ، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة ،
والخلفاء الأوليين ، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا
وتأتوني بمناقض له في الصحابة ، فإن هذا أحب إلى وأقر لعيني ، وأدحض لحجة
أبي تراب وشيعته ، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله !
فقرئت كتبه على الناس ، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة
لها ، وجد الناس في رواية ما يجرى هذا المجرى ، حتى أشاروا بذكر ذلك على
المنابر ، وألقي إلى معلمي الكتاتيب ، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير
الواسع ، حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن ، وحتى علموا بناتهم ونساهم
وخدمهم وحشمهم ، فلبثوا بذلك ما شاء الله .
مرسوم رابع لخليفة المسلمين معاوية :
ثم كتب معاوية نسخة واحدة إلى جميع البلدان : انظروا من قامت عليه البينة أنه
يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان ، وأسقطوا عطاءه ورزقه !
وشفع ذلك بنسخة أخرى : من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا
داره !
فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق ، ولا سيما الكوفة ، حتى أن الرجل من
شيعة علي ليأتيه من يثق به فيدخل بيته ، فيلقي إليه سره ، ويخاف من خادمه
ومملوكه ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمن عليه ، فظهر حديث
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 130 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كثير موضوع وبهتان منتشر . . ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة ! !
وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤون والمستضعفون ، الذين يظهرون
الخشوع والنسك ، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ، ويقربوا
مجالسهم ، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل ، حتى انتقلت تلك الأخبار ،
والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان ، فقبلوها ورووها
وهم يظنون أنها حق ! ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها . فلم يزل الأمر
كذلك حتى مات الحسن بن علي ، فازداد البلاء والفتنة ، فلم يبق أحد من هذا القبيل
إلا وهو خائف على دمه ، أو طريد في الأرض .
تفاقم الأمر :
ويضيف بن أبي الحديد نقلا عن المدائني : ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين
وولي عبد الملك بن مروان ، فاشتد البلاء على الشيعة ، وولى عليهم الحجاج بن
يوسف ، فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي وموالاة أعدائه !
وموالاة من يدعي من الناس أنهم أيضا من أعدائه ، فأكثروا من الرواية في فضلهم
وسوابقهم ومناقبهم ، وأكثروا من الغض من على وعيبه والطعن فيه والشنآن له ، حتى
أن إنسانا وقف للحجاج ويقال إنه جد الأصمعي عبد الملك بن قريب ، فصاح به :
أيها الأمير إن أهلي عقوني فسموني عليا ، وإني فقير بائس ، وأنا إلى صلة الأمير
محتاج ، فتضاحك له الحجاج ، وقال : للطف ما توسلت به ، قد وليتك كذا !
وتابع ابن أبي الحديد قائلا : وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه ، وهو من أكابر
المحدثين وأعلامهم ، في تاريخه ما يناسب هذا الخبر ، وقال : إن أكثر الأحاديث
الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية ، تقربا إليهم بما يظنون أنهم
يرغمون به أنوف بني هاشم ! ! انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 131 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أما الدولة العباسية فقد واصلت السياسة الأموية في اضطهاد أهل البيت عليهم السلام ،
واضطهاد محبيهم ورواة فضائلهم ، وأعطت للنواصب ووضاعي الأحاديث نفس
المكانة المحترمة التي كانت لهم عند الخلافة الأموية !
وثقافة المسلمين السنيين إنما تكونت في ظل هاتين الدولتين . . ولذا صار من
المألوف أن تقرأ فيها مثل هذه النص ( أسد بن وداعة شامي تابعي ناصبي كان يسب
عليا ، وكان عابدا ، وثقه النسائي ! ) الغدير : 5 / 294
- وفي النصائح الكافية لمحمد بن عقيل / 22
وهؤلاء هم الذين قال فيهم الإمام أحمد ( رحمه الله ) لما سئل عن معاوية : إن قوما أبغضوا
عليا فتطلبوا له عيبا فلم يجدوا ، فعمدوا إلى رجل قد ناصبه العداوة فأطروه كيدا
لعلي ! !
- وفي كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : 2 / 277
قال الرياشي : سمعت محمد بن عبد الحميد قال : قلت لابن أبي حفصة : ما
أغراك ببني علي ؟ !
قال : ما أحد أحب إلي منهم ، ولكن لم أجد شيئا أنفع عند القوم منه ! أي من
بغضهم والتحامل عليهم ! وكان ابن أبي حفصة يتحامل على آل علي ، ويكثر
هجاءهم طمعا بجوائز العباسيين ! ! انتهى .
ولا نطيل بذكر الشواهد الكثيرة على هذه السياسة المؤذية لله تعالى ولرسوله ( صلى الله عليه وآله )
وقد أفرد السيد محمد بن عقيل الحضرمي كتابا لتعصبات علماء الجرح والتعديل
ضد أهل البيت ( عليهم السلام ) ومحبيهم ، سماه ( العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل ) .
ولم يؤثر ذلك في كل الناس :
- في العقد الفريد لابن عبد ربه : 5 / 156
انتقص ابن حمزة بن عبد الله بن الزبير عليا فقال له أبوه . . . أما ترى عليا وما يظهر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 132 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بعض الناس من بغضه ولعنه على المنابر فكأنما والله يأخذون بناصيته رفعا إلى السماء ،
وما ترى بني مروان وما يندبون به موتاهم من المدح . . . فكأنما يكشفون عن الجيف ! !

بعض ما ورد عن المقياس النبوي في مصادرنا

- روى الكليني في الكافي : 8 / 93
عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : لله عز وجل في بلاده خمس حرم : حرمة رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، وحرمة آل رسول الله ( عليهم السلام ) ، وحرمة كتاب الله عز وجل ،
وحرمة كعبة الله ، وحرمة المؤمن . انتهى .
وروى نحوه في مجمع الزوائد : 1 / 266 ، عن أبي سعيد الخدري ، قال قال رسول
الله ( ص ) : إن لله عز وجل حرمات ثلاث ، من حفظهن حفظ الله له أمر دينه ودنياه ،
ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله له شيئا : حرمة الإسلام ، وحرمتي ، وحرمة رحمي .
- وفي معاني الأخبار للصدوق / 58
حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ( رحمه الله ) قال : حدثنا
عبد العزيز بن يحيى الجلودي بالبصرة قال : حدثني المغيرة بن محمد ، قال : حدثنا
رجاء بن سلمة ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن
علي ( عليهما السلام ) قال :
خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بالكوفة بعد منصرفه
من النهروان ، وبلغه أن معاوية يسبه ويلعنه ويقتل أصحابه ، فقام خطيبا ، فحمد الله
وأثنى عليه ، وصلى على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وذكر ما أنعم الله على نبيه وعليه ، ثم قال :
لولا آية في كتاب الله ما ذكرت ما أنا ذاكره في مقامي هذا ، يقول الله عز وجل :
وأما بنعمة ربك فحدث . اللهم لك الحمد على نعمتك التي لا تحصى ، وفضلك
الذي لا ينسى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 133 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يا أيها الناس : إنه بلغني ما بلغني ، وإني أراني قد اقترب أجلي ، وكأني بكم وقد
جهلتم أمري ، وإني تارك فيكم ما تركه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كتاب الله وعترتي ، وهي عترة
الهادي إلى النجاة خاتم الأنبياء ، وسيد النجباء ، والنبي المصطفى .
يا أيها الناس :
لعلكم لا تسمعون قائلا يقول مثل قولي بعدي إلا مفتر ، أنا أخو رسول الله ، وابن
عمه ، وسيف نقمته ، وعماد نصرته وبأسه وشدته .
أنا رحى جهنم الدائرة ، وأضراسها الطاحنة ، أنا موتم البنين والبنات ، أنا قابض
الأرواح ، وبأس الله الذي لا يرده عن القوم المجرمين .
أنا مجدل الأبطال ، وقاتل الفرسان ، ومبير من كفر بالرحمن ، وصهر خير الأنام .
أنا سيد الأوصياء ، ووصي خير الأنبياء ، أنا باب مدينة العلم ، وخازن علم رسول
الله ووارثه ، وأنا زوج البتول سيدة نساء العالمين فاطمة التقية ، ومن ولدي مهدي
هذه الأمة .
ألا وقد جعلت محنتكم . . ببغضي يعرف المنافقون ، وبمحبتي امتحن الله
المؤمنين ، هذا عهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق .
وأنا صاحب لواء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الدنيا والآخرة ، ورسول الله فرطي ، وأنا فرط
شيعتي ، والله لا عطش محبي ، ولا خاف وليي . وأنا ولي المؤمنين ، والله وليي .
حسب محبي أن يحبوا ما أحب الله ، وحسب مبغضي أن يبغضوا ما أحب الله .
ألا وإنه بلغني أن معاوية سبني ولعنني . اللهم اشدد وطأتك عليه ، وأنزل
اللعنة على المستحق ، آمين رب العالمين ، رب إسماعيل وباعث إبراهيم . إنك
حميد مجيد .
- وفي أمالي الصدوق / 269
عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنا سيد الأنبياء والمرسلين ، وأفضل من
الملائكة المقربين ، وأوصيائي سادة أوصياء النبيين والمرسلين ، وذريتي أفضل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 134 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ذريات النبيين والمرسلين ، وأصحابي الذين سلكوا منهاجي أفضل أصحاب النبيين
والمرسلين ، وابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين ، والطاهرات من أزواجي أمهات
المؤمنين ، وأمتي خير أمة أخرجت للناس ، وأنا أكثر النبيين تبعا يوم القيامة ، ولي
حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء ، فيه من الأباريق عدد نجوم السماء ، وخليفتي
على الحوض يومئذ خليفتي في الدنيا .
فقيل : ومن ذاك يا رسول الله ؟
قال : إمام المسلمين وأمير المؤمنين ومولاهم بعدي علي بن أبي طالب ، يسقي
منه أولياءه ، ويذود عنه أعداءه كما يذود أحدكم الغريبة من الإبل عن الماء .
ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : من أحب عليا وأطاعه في دار الدنيا ورد على حوضي غدا ، وكان
معي في درجتي في الجنة ، ومن أبغض عليا في دار الدنيا وعصاه ، لم أره ولم يرني
يوم القيامة ، واختلج دوني ، وأخذ به ذات الشمال إلى النار .
وفي رواية قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أكل
من قال : لا إله إلا الله مؤمن ؟
قال : إن عداوتنا تلحق باليهود والنصارى ! إنكم لا تدخلون الجنة حتى تحبوني ،
وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض هذا ، يعني عليا .
- وفي أمالي الصدوق / 134
وفي حديث علي بن أبي طالب قال : بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذ التفت إلينا فبكى فقلت : ما يبكيك يا رسول الله ؟
فقال : أبكي مما يصنع بكم بعدي !
فقلت : وما ذاك يا رسول الله ؟
قال : أبكي من ضربتك على القرن ، ولطم فاطمة خدها ، وطعنة الحسن في
الفخذ والسم الذي يسقى ، وقتل الحسين !
قال : فبكى أهل البيت جميعا ، فقلت يا رسول الله ، ما خلقنا ربنا إلا للبلاء .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 135 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال : أبشر يا علي ، فإن الله عز وجل قد عهد إلي أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا
يبغضك إلا منافق .
- وفي أمالي الصدوق / 89
وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : حرب علي حرب الله ، وسلم علي سلم الله .
وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : ولي علي ولي الله ، وعدو علي عدو الله .
وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : علي حجة الله ، وخليفته على عباده .
وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : حب علي إيمان ، وبغضه كفر .
وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : حزب علي حزب الله ، وحزب أعدائه حزب الشيطان .
وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : علي مع الحق والحق معه لا يفترقان حتى يردا علي الحوض
وقوله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي : قسيم النار والجنة .
وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : من فارق عليا فقد فارقني ، ومن فارقني فقد فارق الله عز وجل .
وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة .
- وفي أمالي المفيد / 169
في حديث أبي ذر الغفاري قال : رأيت رسول الله وقد ضرب كتف علي بن أبي
طالب ( عليه السلام ) بيده ، وقال :
يا علي : من أحبنا فهو العربي ، ومن أبغضنا فهو العلج .
شيعتنا أهل البيوتات والمعادن والشرف ، ومن كان مولده صحيحا ، وما على ملة
إبراهيم ( عليه السلام ) إلا نحن وشيعتنا ، وسائر الناس منها براء !
وإن لله ملائكة يهدمون سيئات شيعتنا كما يهدم القدوم البنيان .
- وفي أمالي المفيد / 213
عن الإمام الصادق عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي : يا علي أنت مني
وأنا منك ، وليك ولي وولي ولي الله ، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 136 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يا علي : أنا حرب لمن حاربك ، وسلم لمن سالمك ، يا علي لك كنز في الجنة إلا
من عرفك وعرفته ، ولا يدخل النار إلا من أنكرك وأنكرته .
يا علي : أنت والأئمة من ولدك على الأعراف يوم القيامة تعرف المجرمين
بسيماهم والمؤمنون بعلاماتهم .
يا علي : لولاك لم يعرف المؤمنون بعدي .
- وفي الغدير : 10 / 159
لما قدم معاوية المدينة صعد المنبر فخطب ونال من ابن علي ومن علي !
فقام الحسن فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :
إن الله عز وجل لم يبعث بعثا إلا جعل له عدوا من المجرمين ، فأنا ابن علي وأنت
ابن صخر ، وأمك هند وأمي فاطمة ، وجدتك قتيلة وجدتي خديجة ، فلعن الله ألأمنا
حسبا ، وأخملنا ذكرا ، وأعظمنا كفرا ، وأشدنا نفاقا !
فصاح أهل المسجد : آمين آمين . فقطع معاوية خطبته ودخل منزله !
وفي لفظ : خطب معاوية بالكوفة حين دخلها ، والحسن والحسين رضي الله
عنهما جالسان تحت المنبر ، فذكر عليا ( عليه السلام ) فنال منه ثم نال من الحسن ، فقام
الحسين ليرد عليه ، فأخذه الحسين بيده فأجلسه ، ثم قام فقال :
أيها الذاكر عليا ! أنا الحسن وأبي علي ، وأنت معاوية وأبوك صخر ، وأمي فاطمة
وأمك هند ، وجدي رسول الله وجدك عتبة بن ربيعة ، وجدتي خديجة ، وجدتك
قتيلة ! فلعن الله أخملنا ذكرا ، وألأمنا حسبا ، وشرنا قديما وحديثا ، وأقدمنا كفرا
ونفاقا . فقال طوائف من أهل المسجد : آمين .
مقاتل الطالبين ص 22 ، وشرح ابن أبي الحديد ج 4 ص 12 ، وجمهرة الرسائل : 2 / 9 و 50
بعض ما ورد في مصادرنا في عدم شمول الشفاعة للنواصب
- في بصائر الدرجات / 52
حدثنا سلام بن أبي عمرة الخراساني ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، عن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 137 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أبيه أنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من أراد أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل جنة
ربي جنة عدن غرسة ربي ، فليتول علي بن أبي طالب ، وليعاد عدوه ، وليأتم بالأوصياء
من بعده ، فإنهم أئمة الهدى من بعدي ، أعطاهم الله فهمي وعلمي ، وهم عترتي من
لحمي ودمي . إلى الله أشكو من أمتي المنكرين لفضلهم ، القاطعين فيهم صلتي !
وأيم الله ليقتلن ابني - يعني الحسين - لا أنالهم الله شفاعتي . ورواه في الإمامة
والتبصرة / 41 . وتقدم في المكذبين بفضلهم .
- وفي الطبراني الكبير : 5 / 194 ومجمع الزوائد : 9 / 180
عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أحب أن يحيا
حياتي ، ويموت موتتي ، ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي ، فإن ربي غرس
قصباتها بيده ، فليتول علي بن أبي طالب ، فإنه لن يخرجكم من هدى ، ولن يدخلكم
في ضلالة . انتهى .
ولا بد إذا صح الحديث أن يكون قوله ( فإن ربي غرس قصباتها بيده ) مجازيا
لأجل بيان أهمية جنة الخلد ، وأنها من خاص عطاء الله تعالى .
- وفي المحاسن : 1 / 186
عنه ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن أبي المغرا ، عن أبي
بصير ، عن علي الصائغ ، قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : إن المؤمن ليشفع لحميمه إلا أن
يكون ناصبا ، ولو أن ناصبا شفع له كل نبي مرسل وملك مقرب ما شفعوا .
ورواه في ثواب الأعمال / 203 ، والمحاسن / 184 ، والبحار : 8 / 41 ، ونحوه في بشارة
المصطفى للطبري الشيعي / 38

بعض ما ورد في مصادرنا في أحكام التعامل مع النواصب

- في الكافي : 5 / 348
عن الإمام الصادق عليه السلام قال : لا يتزوج المؤمن الناصبة المعروفة بذلك . عن أبي
عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال له الفضيل : أتزوج الناصبة ؟ قال : لا ، ولا كرامة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 138 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قلت : جعلت فداك ، والله إني لأقول لك هذا ، ولو جاءتني ببيت ملآن دراهم ما
فعلت .
- وفي الكافي : 5 / 349
عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عن الناصب الذي قد عرف نصبه
وعداوته ، هل نزوجه المؤمنة ، وهو قادر على رده ، وهو لا يعلم برده ؟
قال : لا يزوج المؤمن الناصبة ، ولا يتزوج الناصب المؤمنة ، ولا يتزوج
المستضعف مؤمنة .
وفي الكافي : 5 / 351
عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سأله أبي وأنا أسمع عن نكاح
اليهودية والنصرانية ، فقال : نكاحهما أحب إلي من نكاح الناصبية ، وما أحب للرجل
المسلم أن يتزوج اليهودية ولا النصرانية ، مخافة أن يتهود ولده أو يتنصر .
- وفي الكافي : 3 / 133
عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن عبد العزيز العبدي ،
عن ابن أبي يعفور قال : كان خطاب الجهني خليطا لنا وكان شديد النصب لآل
محمد ( عليهم السلام ) ، وكان يصحب نجدة الحروري !
قال : فدخلت عليه أعوده للخلطة والتقية ، فإذا هو مغمى عليه في حد الموت ،
فسمعته يقول : ما لي ولك يا علي ! ! فأخبرت بذلك أبا عبد الله فقال أبو عبد الله : رآه
ورب الكعبة ، رآه ورب الكعبة !
- وفي الكافي : 4 / 309
عن وهب بن عبد ربه قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أيحج الرجل عن الناصب ؟
فقال : لا .
فقلت : فإن كان أبي ؟
قال : فإن كان أباك فنعم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 139 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي وسائل الشيعة : 1 / 158
عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) ( في حديث ) قال : من اغتسل من الماء الذي قد
اغتسل فيه فأصابه الجذام ، فلا يلومن إلا نفسه .
فقلت لأبي الحسن ( عليه السلام ) : إن أهل المدينة يقولون : إن فيه شفاء من العين ، فقال :
كذبوا ، يغتسل فيه الجنب من الحرام ، والزاني ، والناصب الذي هو شرهما و ( شر )
كل من خلق الله ، ثم يكون فيه شفاء من العين ؟ ! !
وفي وسائل الشيعة : 1 / 165
عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه كره سؤر ولد الزنا ، وسؤر اليهودي والنصراني ، والمشرك
وكل من خالف الإسلام ، وكان أشد ذلك عنده سؤر الناصب .
وفي الهداية للصدوق / 26
إذا صليت على ناصب ، فقل بين التكبيرة الخامسة : اللهم اخز عبدك في عبادك
وبلادك ، اللهم أصله أشد نارك ، وأذقه حر عذابك ، فإنه كان يوالي أعداءك ويعادي
أولياءك ، ويبغض أهل بيت نبيك . فإذا رفع فقل : اللهم لا ترفعه ولا تزكه .

النصب يجر إلى التجسيم

- في تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى / 177
مسألة : فإن قيل : فما معنى الخبر المروي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : سترون ربكم
كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته . وهذا خبر مشهور لا يمكن تضعيفه
ونسبته إلى الشذوذ ؟ .
الجواب : قلنا أما هذا الخبر فمطعون عليه مقدوح في راويه ، فإن راويه قيس بن
أبي حازم ، وقد كان خولط في عقله في آخر عمره مع استمراره على رواية الأخبار ،
وهذا قدح لا شبهة فيه ، لأن كل خبر مروي عنه لا يعلم تاريخه يجب أن يكون
مردودا ، لأنه لا يؤمن أن يكون مما سمع منه في حال الاختلال ، وهذه طريقة في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 140 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قبول الأخبار وردها ينبغي أن تكون أصلا ومعتبرا فيمن علم منه الخروج ، ولم يعلم
تاريخ ما نقل عنه .
على أن قيسا لو سلم من هذا القدح كان مطعونا فيه من وجه آخر ، وهو أن قيس
بن أبي حازم كان مشهورا بالنصب والمعاداة لأمير المؤمنين صلاة الله وسلامه عليه
والانحراف عنه ، وهو الذي قال : رأيت علي بن أبي طالب على منبر الكوفة يقول :
انفروا إلى بقية الأحزاب ، فأبغضته حتى اليوم في قلبي . إلى غير ذلك من تصريحه
بالمناصبة والمعاداة . وهذا قادح لا شك في عدالته .

فضل العلماء الذين يدفعون شبهات النواصب

- في الصراط المستقيم للبياضي : 3 / 56
عن الهادي ( عليه السلام ) : لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم من العلماء الدالين عليه ،
والداعين إليه ، والذابين عن دينه بحجج الله . . ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب
ضعفاء الشيعة ، كما يمسك صاحب السفينة سكانها ، أولئك هم الأفضلون عند الله
عز وجل . ( وهو في الإحتجاج للطبرسي : 1 / 15 )
وقال علي ( عليه السلام ) : من قوى مسكينا في دينه ، ضعيفا في معرفته ، على ناصب
مخالف فأفحمه ، لقنه الله يوم يدلى في قبره أن يقول : الله ربي ، ومحمد نبيي ، وعلي
وليي ، والكعبة قبلتي ، والقرآن عدتي ، والمؤمنون إخواني .
فيقول الله أدليت بالحجة ، فوجبت لك عالي درجات الجنة ، فعند ذلك يتحول
عليه قبره أنزه رياض الجنة .
وقال الرضا ( عليه السلام ) : أفضل ما يقدمه العالم من محبينا ليوم فقره ومسكنته أن يعين في
الدنيا مسكينا من يد ناصب عدو لله ورسوله ، يقوم من قبره والملائكة صفوف إلى
محل من الجنان ، فيحملونه على أجنحتهم ، ويقولون : طوباك طوباك يا دافع الكلاب
عن الأبرار ، ويا أيها المتعصب للأئمة الأخيار .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 141 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي الإحتجاج للطبرسي : 1 / 16
وعنه ( عليه السلام ) قال : يأتي علماء شيعتنا القوامون بضعفاء محبينا وأهل ولايتنا يوم
القيامة والأنوار تسطع من تيجانهم ، على رأس كل واحد منهم تاج بهاء ، قد انبثت
تلك الأنوار في عرصات القيامة ودورها مسيرة ثلاثمائة ألف سنة ، فشعاع تيجانهم
ينبث فيها كلها ، فلا يبقى هناك يتيم قد كفلوه ومن ظلمة الجهل علموه ومن حيرة
التيه أخرجوه ، إلا تعلق بشعبة من أنوارهم ، فرفعتهم إلى العلو حتى تحاذى بهم فوق
الجنان ، ثم ينزلهم على منازلهم المعدة في جوار أساتيذهم ومعلميهم ، وبحضرة
أئمتهم الذين كانوا إليهم يدعون .
ولا يبقى ناصب من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان إلا عميت عينه
وأصمت أذنه وأخرس لسانه ، وتحول عليه أشد من لهب النيران ، فيحملهم حتى
يدفعهم إلى الزبانية فيدعونهم إلى سواء الجحيم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 142 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 143 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل السادس عشر : شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة بيد أهل بيته ( عليهم السلام )

تقدم في الفصول السابقة من السنيين عن أويس القرني أنه يشفع لمثل ربيعة
ومضر وتميم .
وعرفت أن أويسا ما كان إلا شيعيا مخلصا لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، وأنه بايع أمير
المؤمنين ( عليه السلام ) على بذل مهجته دونه ، واستشهد تحت رايته في صفين .
وإذا كان أويس صاحب هذه الشفاعة الكبيرة ، فكيف تكون شفاعة علي الذي
فداه بنفسه ؟ !
ثم كيف لا تكون لأهل البيت ( عليهم السلام ) شفاعة مميزة ، وقد نصت الأحاديث الصحيحة
على أن الجنة والشفاعة محرمة على مبغضيهم وظالميهم ، كما عرفت !
إن الذين يستكثرون الشفاعة على أهل البيت ( عليهم السلام ) ، إنما يقفلون أعينهم عمدا عن
المقام المميز الذي ثبت لهم بالأحاديث الصحيحة في مصادر الجميع . . أو يحسدون
أهل بيت نبيهم على ما فضلهم به ربهم ، صلى الله عليه وعليهم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 144 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثم أعجب لهؤلاء المستكثرين للشفاعة على أهل بيت نبيهم ، وهم يعلمون أن
جدهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هو رئيس المحشر يوم القيامة ، وصاحب الشفاعة الكبرى فيه
وصاحب حوض الكوثر . . وذلك ملك عظيم يحتاج إلى من يديره ، وينفذ فيه أوامر
النبي وتوجيهاته . .
فمن يكون هؤلاء المنفذون غير أهل بيته الأطهار ، ومعهم ملائكة الله تعالى ؟ !
وفيما يلي نورد أحاديث تدل على مقامهم وشفاعتهم من مصادر الطرفين :

علي ( عليه السلام ) صاحب لواء النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة

روت بعض صحاح إخواننا أحاديث لواء الحمد ، وهو لواء رئاسة المحشر ، الذي
يعطيه الله لرسوله يوم القيامة .
ولكن هذا اللواء بقي في الصحاح بلا أحد يحمله !
والسبب في ذلك أن حامله علي ( عليه السلام ) ، وأحاديثه تضمنت فضائل له ، وتعريضا
بالصحابة ، وهي أمور لا يتحملها الخلفاء ، فتركها رواة الخلافة ! !

ماذا روت الصحاح عن رئاسة المحشر ولواء الحمد ؟

أما البخاري فلم يرو أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) سيد ولد آدم يوم المحشر ، ولا أنه يعطى لواء
الحمد ، ولا أنه يكون أول شافع !
فالبخاري قلد كعب الأحبار الذي زعم أن الشافع الأول هو إبراهيم أو إسحاق ،
كما بينا ذلك في المجلد الثالث !
ولذا أعطى مقام الشفاعة الأول لأنبياء اليهود ، وأبقي المحشر بلا رئيس ولا لواء !
ولعل أمر المحشر عنده يحتاج إلى سقيفة قرشية لاختيار رئيس له ! !
وأما مسلم فقد روى في صحيحه : 7 / 59
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا سيد ولد آدم يوم
القيامة ، وأول من ينشق عنه القبر ، وأول شافع ، وأول مشفع .
- ونحوه في ابن ماجة : 2 / 1440 ، وأبي داود : 2 / 407
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 145 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وأما الترمذي فروى حديث لواء الحمد في : 4 / 294 :
عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا سيد ولد آدم يوم
القيامة ولا فخر ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا
تحت لوائي ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ، ولا فخر .
- ورواه بصيغ أخرى في : 4 / 370 ، وفي : 5 / 245 و 247 و 248
أما أحاديث أن عليا حامل لواء المحشر ، وأنه الساقي على حوض النبي ( صلى الله عليه وآله ) ،
فقد صارت من نصيب المصادر البعيدة عن رقابة الخلافة !
ولا بأس بذلك ، لأن بعض هذه المصادر أقدم من الصحاح الستة ، وكل مصنفيها
محترمون موثقون عند السنيين ، وبعضهم شيوخ أصحاب الصحاح !
- وقد أورد الأميني في الغدير : 2 / 321 ، عددا من هذه الأحاديث ، وذكر فيها لواء
الحمد والسقاية على الحوض معا . . ونحن نورد ما فيه ذكر اللواء ، مما ذكره في
الغدير ، وغيره :
- ففي مناقب الصحابة لأحمد بن حنبل / 661
حدثنا محمد بن هشام بن البختري ، ثنا الحسين بن عبيد الله العجلي ، ثنا الفضيل
بن الاستثناء ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ( ص ) :
أعطيت في علي خمسا هن أحب إلي من الدنيا وما فيها :
أما واحدة : فهو تكأتي إلى بين يدي ، حتى يفرغ من الحساب .
وأما الثانية : فلواء الحمد بيده ، آدم عليه السلام ومن ولد تحته .
وأما الثالثة : فواقف على عقر حوضي يسقي من عرف من أمتي .
وأما الرابعة : فساتر عورتي ومسلمي إلى ربي .
وأما الخامسة : فلست أخشى عليه أن يرجع زانيا بعد إحصان أو كافرا بعد إيمان .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 146 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ورواه أبو نعيم في الحلية : 10 ص 211 والطبري المؤرخ في الرياض النضرة 2 / 203
ورواه في كنز العمال 6 / 403
وفي مناقب الخوارزمي / 203
عن علي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
يا علي ؟ سألت ربي عز وجل فيك خمس خصال فأعطاني :
أما الأولى : فإني سألت ربي : أن تنشق عني الأرض وانفض التراب عن رأسي
وأنت معي ، فأعطاني .
وأما الثانية : فسألته أن يوقفني عند كفة الميزان وأنت معي ، فأعطاني .
وأما الثالثة : فسألته أن يجعلك حامل لوائي وهو لواء الله الأكبر ، عليه المفلحون
والفائزون بالجنة ، فأعطاني .
وأما الرابعة : فسألت ربي أن تسقي أمتي من حوضي فأعطاني .
وأما الخامسة : فسألت ربي أن يجعلك قائد أمتي إلى الجنة فأعطاني . فالحمد لله
الذي من به علي . انتهى .
ورواه في فرائد السمطين في الباب الثامن عشر ، وفي كنز العمال 6 / 402 .
- وفي الدر المنثور : 6 / 379
أخرج ابن مردويه عن علي قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألم تسمع
قول الله : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ، أنت وشيعتك
وموعدي وموعدكم الحوض إذا جثت الأمم للحساب ، تدعون غرا محجلين .
وفي الطبراني الصغير : 2 / 88
عن عبد الله بن عكيم الجهني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز
وجل أوحى إلي في علي بن أبي طالب ثلاثة أشياء ليلة أسرى بي : إنه سيد المؤمنين
وإمام المتقين ، وقائد الغر المحجلين . انتهى .
وروى نحوه الحاكم : 3 / 138 ، عن أسعد بن زرارة ، وقال : إسناده صحيح .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 147 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومعنى قائد الغر المحجلين : أن عليا ( عليه السلام ) صاحب لواء أهل الجنة .
وفي الطبراني الكبير : 2 / 247
عن جابر : قالوا يا رسول الله ، من يحمل رأيتك يوم القيامة ؟
قال : من يحسن أن يحملها إلا من حملها في الدنيا ، علي بن أبي طالب .
وفي فردوس الأخبار : 5 / 8346
عن أبي بن كعب أن النبي ( ص ) قال لعلي : يا علي أنت تغسل جثتي ، وتؤدي
ذمتي ، وتواريني في حفرتي ، وتفي بذمتي ، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة .
- وفي كنز العمال : 13 / 145
عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : أنت أمامي
يوم القيامة فيدفع إلي لواء الحمد فأدفعه إليك ، وأنت تذود الناس عن حوضي ( ابن
عساكر ، وقال : فيه أبو حذيفة إسحاق بن بشر ، ضعيف ) انتهى .
- ورواه في إحقاق الحق : 6 / 179 ، عن أرجح المطالب / 662 ، ط . لاهور .
- وفي إحقاق الحق : 27 / 199
عن كتاب التبر المذاب لأحمد الحافي الشافعي / 81 :
قال الواقدي وهشام بن محمد : لما رآهم الحسين مصرين على قتله ، أخذ
المصحف ونشره ، ونادى : بيني وبينكم كتاب الله وسنة جدي رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، بم تستحلون دمي ؟
ألست ابن بنت نبيكم ؟
ألم يبلغكم قول جدي في وفي أخي : هذان سيدا شباب أهل الجنة ؟ ! . . .
فبم تستحلون دمي وجدي الذائد على الحوض يذود عنه رجالا كما يذاد البعير
الشارد عن الماء ، ولواء الحمد بيد أبي يوم القيامة . . . الخ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 148 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي كنز العمال : 11 / 625 و ج 13 / 129
عن الخطيب والرافعي عن علي قال قال رسول الله ( ص ) :
سألت الله يا علي فيك خمسا ، فمنعني واحدة وأعطاني أربعا : سألت الله أن
يجمع عليك أمتي فأبى علي ، وأعطاني فيك أنك أول من تنشق عنه الأرض يوم
القيامة أنا وأنت معي ، ومعك لواء الحمد أنت تحمله بين يدي تسبق به الأولين
والآخرين ، وأعطاني فيك أنك ولي المؤمنين بعدي .
وروى في كنز العمال : 13 / 152 ، حديثين في الموضوع جاء في أولهما :
أن تسقي أمتي من حوضي ، وأن يجعلك قائد أمتي إلى الجنة ، فأعطاني .
وذكر أن ابن الجوزي والذهبي ضعفا هذا الحديث بعبد الله بن أحمد بن عامر عن
أبيه ، وقال : ولم أقف لهذا الرجل على ترجمة ، وللحديث الأخير شاهد من حديث
ابن عباس ، إلا أن ابن الجوزي أورده في الموضوعات ، وللحديث الأول شاهد .
انتهى .
فقد مال إلى تصحيح الحديثين بشواهدهما ، وهو أمر متفق عليه في علم
الحديث ، وكم من حديث ضعيف عندهم صححوه بشواهده .
ولكنه لم يذكر شواهدهما ! ومن عادة المعتدلين السنيين أنهم لا يحبون أن
يفتحوا نقاشا صريحا مع المتعصبين .
والأحاديث التي أوردناها من مصادرهم كافية للشهادة لهما ، وفيها صحيح سالم
بشهادتهم ! !
ويفهم من كلام صاحب كنز العمال أيضا أنه لا يأخذ بتضعيفات ابن الجوزي
والذهبي لأحاديث فضائل أهل البيت ( عليهم السلام )
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 149 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أما مصادرنا فقد تواترت فيها أحاديث أن لواء الحمد يكون بيد علي ( عليه السلام ) :
- ففي أمالي الصدوق / 61
عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
يا علي أنت أخي ووزيري ، وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة ، وأنت صاحب
حوضي ، من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني .
وفي بشارة المصطفى للطبري الشيعي / 125
بسنده عن الحسين بن علي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي أنت المظلوم بعدي ،
فويل لمن قاتلك وطوبى لمن قاتل معك . . .
يا علي أنت أول من تنشق عنه الأرض معي ، وأنت أول من يبعث معي ، وأنت
أول من يجوز الصراط معي . . .
وأنت أول من يرد حوضي ، تسقي منه أولياءك وتذود عنه أعداءك .
وأنت صاحبي إذا قمت المقام المحمود تشفع لمحبنا فيهم .
وأنت أول من يدخل الجنة وبيدك لوائي لواء الحمد ، وهو سبعون شقة ، الشقة
منه أوسع من الشمس والقمر .
وأنت صاحب شجرة طوبى في الجنة ، أصلها في دارك وأغصانها في دور
شيعتك ومحبيك . انتهى . وروى نحوه في 220
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 150 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

علي ( عليه السلام ) آمر السقاية على حوض النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة

حوض النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو حوض الكوثر ، قضية كبيرة يوم القيامة . . فهو عين الحياة في
أرض المحشر ، يصب ماؤها من نهرين من أنهار الجنة ، وكل الخلائق يحتاجون إلى
الشرب منه ، لأنه لا يمكن لأحد أن يدخل الجنة إلا بأن يشرب منه !
- ففي كنز العمال : 14 / 420 : ما أنتم بجزء من مائة ألف جزء ممن يرد على
الحوض - حم ، د ، ك ، عن زيد بن أرقم . انتهى .
والشربة منه تروي الإنسان ريا أبديا ، فلا يظمأ بعدها أبدا . . ويبدو أنها تؤثر على
التركيب الفيزيائي لبدن الإنسان ، فتجعله صالحا للحياة في الجنة .
وقد خص الله به سيد المرسلين ( صلى الله عليه وآله ) ، وجعل أمره بيده ويد أهل بيته الطاهرين ،
فلا يشرب أحد منه إلا ببطاقة منهم ! !
كما أن أحاديث حوض الكوثر قضية كبيرة أيضا في مصادر المسلمين !
ونشكر الله أنها بقيت في الصحاح ولم تحذف منها ! لأنها كانت مهددة بالنسيان
والحذف ! ! بسبب أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في آخر سنة من عمره الشريف ركز على العقيدة
بالحوض ، خاصة في خطب حجة الوداع ، وربطه بوصيته بالقرآن وأهل بيته
الطاهرين ، وأكد على أن من لا يطيع وصيته فيهم يمنعه الله تعالى من ورود الحوض
والشرب منه ، وبالتالي من دخول الجنة .
وأخبر ( صلى الله عليه وآله ) أن أكثر أصحابه سوف يطردون عن الحوض ، ولا يسمح لهم بالشرب
منه ! ! !
فأحاديث الحوض تتضمن إذن : بيان مقام أهل البيت الطاهرين ، والأمر باتباعهم ،
وأنهم ومحبيهم الواردون على الحوض ، والساقون عليه . .
كما تتضمن ذم مبغضيهم ومخالفيهم ، وأنهم مطرودون عن الحوض ، ممنوعون
من الورود عليه والشرب منه ، حتى لو كانوا صحابة ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 151 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

محاولات الأمويين التكذيب بأحاديث الحوض :

من الطبيعي أن ينزعج المنافقون والحاسدون لبني هاشم من هذا التأكيد النبوي ،
ولا بد أنهم كانوا يسخرون من عقيدة ( حوض محمد وأهل بيته ) .
ولا نحتاج إلى تتبع سخريتهم في زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولكنا نراها ظاهرة عند ورثتهم
من الحكام الكبار في العهد الأموي ، مثل عبيد الله بن زياد ، الذي كان الحاكم المطلق
للعراق وإيران وما وراءها ! !
ويبدو أنه كان يعمل لحذف عقيدة الحوض من الإسلام . . ولكن المؤمنين وقفوا
في وجهه !
فقد ذكر الحاكم في المستدرك : 1 / 75
أن أبا سبرة بن سلمة الهذلي سمع ابن زياد يسأل عن الحوض حوض محمد !
فقال : ما أراه حقا ! بعد ما سأل أبا برزة الأسلمي ، والبراء بن عازب ، وعائذ بن عمرو ،
قال : ما أصدق هؤلاء ! ! الخ .
وقال في : 1 / 78 :
عن أنس قال دخلت على عبيد الله بن زياد وهم يتراجعون في ذكر الحوض ، قال
فقال جاءكم أنس ، قال يا أنس ما تقول في الحوض ؟
قال قلت : ما حسبت أني أعيش حتى أرى مثلكم يمترون في الحوض !
لقد تركت بعدي عجائز ما تصلي واحدة منهن صلاة إلا سألت ربها أن يوردها
حوض محمد ( صلى الله عليه وآله ) ! ! هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، وله
عن حميد شاهد صحيح على شرطهما . . . انتهى .
- وروى نحوه أبو يعلى في مسنده : 6 / 96
- وروى البيهقي في الاعتقاد والهداية / 84
عن أبي حمزة قال : دخل أبو برزة على عبيد الله بن زياد فقال : إن محمدكم هذا
لدحداح ! ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 152 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقال : ما كنت أراني أن أعيش في قوم يعدون صحبة محمد صلى الله عليه وسلم
عارا !
قالوا : إن الأمير إنما دعاك ليسألك عن الحوض !
فقال : عن أي باله :
قال : أحق هو :
قال : نعم ، فمن كذب به فلا سقاه الله منه ! ! انتهى .
وقد يدافع النواصب عن هذه الروايات بأنها تتحدث عن حالة شخصية في ابن
زياد ، وليس عن اتجاه عند الخلافة الأموية وأنصارها .
ولكنه يجد أنها اتجاه وليست حالة شخصية !
فهذا عمر بن عبد العزيز ، وهو في مطلع القرن الثاني ، أراد أن يتثبت من صحة
أحاديث الحوض ! أو يقنع بها بني أمية وأجواءهم في العاصمة ! أو يواصل ما عمله
الأمويون . . فأرسل إلى المدينة في إحضار صحابي كبير السن ، لكي يسمع منه
مباشرة حديث الحوض ! !
- فقد روى البيهقي في شعب الإيمان : 8 / 243
عن شعبة ، أخبرنا أبو بكر بن فورك ، أنا عبد الله بن جعفر ، ثنا يونس بن حبيب ،
ثنا أبو داود ، ثنا أبو عتبة ، عن محمد بن المهاجر ، عن عباس بن سالم اللخمي ، أن
ابن عبد العزيز بعث إلى أبي سلام الحبشي ، وحمل على البريد حتى قدم عليه ،
فقال : إني بعثت إليك أشافهك حديث ثوبان في الحوض !
فقال أبو سلام : سمعت ثوبان يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : حوضي من عدن أبين إلى عمان البلقاء ، أكوازه مثل عدد نجوم السماء ، ماؤه
أحلى من العسل ، أشد بياضا من اللبن ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ،
أول من يرد علي فقراء أمتي .
فقال عمر : يا رسول الله من هم ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 153 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال : هم الشعث الرؤوس ، الدنس الثياب الذين لا ينكحون المتنعمات ، ولا تفتح
لهم أبواب السدد .
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : 4 / 355
أبو سلام ممطور الحبشي ، ثم الدمشقي ، الأسود الأعرج . . . استقدمه عمر بن
عبد العزيز في خلافته إليه على البريد ، ليشافهه بما سمع من ثوبان في حوض النبي
صلى الله عليه وسلم ، فقال له : شققت علي . فاعتذر إليه عمر وأكرمه . توفي سنة
نيف ومئة .

ندم أئمة المذاهب على تدوين أحاديث الحوض ! !

بل يدل النص التالي على أن حساسية الدولة من أحاديث الحوض امتدت إلى
زمن العباسيين ، بسبب أن هذه الأحاديث تتضمن ذم الصحابة ! !
فقد أعلن الإمام مالك ندمه على تدوين حديث الحوض في كتابه الموطأ ! الذي
دونه بأمر المنصور العباسي ليكون الكتاب الرسمي الالزامي للمسلمين !
وكان الإمام الشافعي يظهر تأسفه أيضا لتدوين مالك لهذه الأحاديث ، ولو كانت
صحيحة ! !
- قال الصديق المغربي في فتح الملك العلي / 151
حكي عن مالك أنه قال : ما ندمت على حديث أدخلته في الموطأ إلا هذا
الحديث ! ! وعن الشافعي أنه قال : ما علمنا في كتاب مالك حديثا فيه إزراء على
الصحابة إلا حديث الحوض ، ووددنا أنه لم يذكره ! ! انتهى .
ويناسب هنا أن نتوسع قليلا في سبب ندم الإمام مالك والشافعي :
فقد طلب العباسيون عندما كانوا يخططون لثورتهم من الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام )
أن يتحالفوا معهم للإطاحة ببني أمية ، فلم يستجب لهم الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ،
بينما استجاب لهم الحسنييون وتحالفوا معهم ، وعينوا لحركتهم إماما حسنيا ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 154 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وبدؤوا فعاليتهم ضد الأمويين في الحجاز والعراق وخراسان ، بشعار : يا لثارات
الحسين ، والدعوة إلى الخليفة المرضي من آل محمد ، والبراءة من غاصبي حقهم
من الشيخين والأمويين بعدهم ! !
وما أن حققت ثورتهم انتصارات حاسمة على يد أبي مسلم الخراساني ، حتى
اختلفوا مع حلفائهم الحسنيين ، ونشبت بينهم معارك ضارية في الحجاز والعراق ،
انتصر فيها العباسييون وتفردوا بالحكم . .
وهنا بدأ العباسيون بتغيير استراتيجيتهم الفكرية التي أخذوا البيعة عليها من
الناس ، فاستثنوا الشيخين أبا بكر وعمر من البراءة واللعن ، وحصروه ببني أمية بمن
فيهم عثمان !
ويدل ندم مالك على وجود ذم الصحابة في كتابه ، على أنه ألفه قبل أن يتبلور
التحول في خط الخلافة العباسية ، ويعدلوا عن البراءة من الشيخين إلى تبني
ولايتهما والتأكيد عليها . .
ذلك أن العباسيين كانوا سياسيين ولم يكونوا علماء ، وكانت المرجعية الدينية
للمعارضة في الأئمة من أولاد علي ( عليه السلام ) . . فأراد العباسيون أن يتبنوا مرجعية دينية ،
غير أموية وغير علوية ، فاختار أبو جعفر المنصور الإمام مالك ، وطلب منه أن يؤلف
كتابا سهلا ممهدا موطأ ، لينشره في بلاد المسلمين ويلزمهم به ، فألف له الموطأ
ووضع فيه حديث الحوض الذي يذم الصحابة لأنه ينسجم مع خطهم الفكري ،
ونشرت الخلافة الكتاب ، وأصدر المنصور قراره الذي ذهب مثلا ( لا يفتين أحد
ومالك في المدينة ) .
ولكن ندم مالك ، والشافعي ، والخلافة العباسية لم ينفع ، لأن حديث الحوض
دخل في كتاب الخلافة الرسمي ، وصار شاهدا لأحاديث الحوض الأخرى التي
سمعها الناس ورووها ودونوها !
بل صار ندمهم شاهدا تاريخيا قويا على صحة صدور هذه الأحاديث النبوية
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 155 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الخطيرة ، وتأكيد خط أهل البيت ( عليهم السلام ) ومكانتهم في الإسلام !
وإذا لاحظنا أن البخاري ومسلما قد ألفا صحيحيهما في عصر المتوكل العباسي
وبعده ، وأن بغض المتوكل لعلي وأهل البيت النبوي كان مشهورا . . فينبغي أن
نشكرهما لأنهما رويا شيئا من حديث الحوض الذي فيه إزراء على الصحابة حسب
تعبير الشافعي ، ولا نكلفهما أن يرويا أن عليا ( عليه السلام ) هو الساقي على حوض النبي ( صلى الله عليه وآله )
وأنه يذود عنه الكفار والصحابة المطرودين !
والنتيجة للمتأمل في أحاديث حوض الكوثر :
أن موقف السلطة الأموية والعباسية لم يمنع من روايتها ، ولكنه سبب أن يقلل
الرواة منها ويتحاشوا ما كان شديدا على الصحابة ! !
وقد رأيت أن البخاري ومسلما لم يرويا حديث أنس مع ابن زياد ، وغيره مما هو
صحيح على شرطهما ! !
وبذلك يصح أن تقدر أن ما روته مصادرهم من أحاديث طرد الصحابة الخائنين
عن الحوض ، ليس إلا جزءا قليلا منها !
على أن عددا من المصادر بدلت كلمة أصحابي بكلمة : أمتي ، أو بكلمة : الناس !
وتحاشت صحاحهم رواية الأحاديث التي تربط حوض الكوثر بأهل البيت النبوي
ومحبيهم ، وتجعلهم المؤمنين المقبولين ، والغر المحجلين ، الذين يوافون النبي
على حوضه ، ويردون منه ويدخلون الجنة ! !

نماذج من أحاديث الحوض والصحابة المطرودين

- في البخاري : 7 / 207
عن عبد الله بن عمرو قال النبي صلى الله عليه وسلم : حوضي مسيرة شهر ، ماؤه
أبيض من اللبن ، وريحه أطيب من المسك ، وكيزانه كنجوم السماء ، من شرب منها
فلا يظمأ أبدا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 156 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي البخاري : 8 / 86
عن أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أنا على حوضي أنتظر من يرد
علي ، فيؤخذ بناس من دوني فأقول أمتي ! فيقول : لا تدري مشوا على القهقرى .
انتهى .
- وفي البخاري : 2 / 975
عن ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يرد على الحوض رجال من
أصحابي فيحلؤون عنه ! فأقول : يا رب أصحابي ؟ ! فيقول : فإنه لا علم لك بما
أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى .
- وفي مسلم : 1 / 150
عن أبي هريره قال : قال رسول الله ( ص ) : ترد على أمتي الحوض وأنا أذود
الناس عنه .
قالوا يا نبي الله أتعرفنا ؟
قال : نعم تردون علي غرا محجلين من آثار الوضوء . وليصد عني طائفة منكم فلا
يصلون ، فأقول يا رب هؤلاء من أصحابي ؟ ! فيجيبني ملك فيقول : وهل تدري ما
أحدثوا بعدك ؟ ! !
- وفي مسلم : 7 / 70
عن أبي هريره أن النبي ( ص ) قال : لأذودن عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة من
الإبل .
ورواه أحمد في : 2 / 298
ورواه في المسند الجامع - تحقيق د . عواد : 3 / 343 و 5 / 135 و 18 / 471
والبيهقي في البعث والنشور / 125
ومجمع الزوائد : 10 / 665
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 157 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وروى مسلم : 2 / 369 ، وأحمد : 5 / 390
عن عمار بن ياسر قال : أخبرني حذيفة عن النبي ( ص ) قال : في أصحابي اثنا
عشر منافقا ، منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ! انتهى .
- وقد اهتم ابن حجر بحكم أحواض الإبل التي في الحديث فقال في فتح الباري : 5 / 33 :
وقوله لأذودن . . أي لأطردن ، ومناسبته الترجمة من ذكره ( ص ) أن صاحب الحوض
يطرد إبل غيره عن حوضه ، ولم ينكر ذلك ، فيدل على الجواز . انتهى .
- وروى ابن أبي شيبة في المصنف : 15 / 109
عن حذيفة قال : المنافقون الذين فيكم اليوم شر من المنافقين الذين كانوا على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم !
قال الراوي هو شقيق ، قلت : يا أبا عبد الله وكيف ذاك ؟ !
قال : إن أولئك كانوا يسرون نفاقهم ، وإن هؤلاء أعلنوه ! !
- وقال المفيد في الإفصاح / 50
وقال ( عليه السلام ) : أيها الناس ، بينا أنا على الحوض إذ مر بكم زمرا ، فتفرق بكم الطرق
فأناديكم : ألا هلموا إلى الطريق ، فيناديني مناد من ورائي : إنهم بدلوا بعدك ، فأقول :
ألا سحقا ، ألا سحقا ( 1 ) .
وقال ( عليه السلام ) : ما بال أقوام يقولون : إن رحم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لا تنفع يوم القيامة ، بلى
والله إن رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة ، وإني أيها الناس فرطكم على الحوض ،
فإذا جئتم قال الرجل منكم يا رسول الله أنا فلان بن فلان ، وقال الآخر : أنا فلان بن
فلان ، فأقول : أما النسب فقد عرفته ، ولكنكم أحدثتم بعدي فارتددتم القهقرى ( 2 ) .
وقال ( عليه السلام ) ، وقد ذكر عنده الدجال :
أنا لفتنة بعضكم أخوف مني لفتنة الدجال ( 3 ) .
وقال ( عليه السلام ) : إن من أصحابي من لا يراني بعد أن يفارقني ( 4 ) .
في أحاديث من هذا الجنس يطول شرحها ، وأمرها في الكتب عند أصحاب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 158 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الحديث أشهر من أن يحتاج فيه إلى برهان .
على أن كتاب الله عز وجل شاهد بما ذكرناه ، ولو لم يأت حديث فيه لكفى في
بيان ما وصفناه .
قال الله سبحانه وتعالى : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات
أو قتل انقلبتم على أعقابكم ؟ ! ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي
الله الشاكرين .
فأخبر تعالى عن ردتهم بعد نبيه ( صلى الله عليه وآله ) على القطع والثبات !
وقال في هامشه :
( 1 ) مسند أحمد 6 : 297 ، ومسند أبي يعلى : 11 / 387 )
( 2 ) مسند أحمد 3 : 18 و 62 قطعة منه
( 3 ) كنز العمال : 14 / 322 / 28812
( 4 ) مسند أحمد : 6 / 307
- وفي فردوس الأخبار : 3 / 444
عن أنس بن مالك عن النبي ( ص ) قال : ليرفعن أناس من أصحابي وأنا على الحوض ،
فإذا عاينوني عرفتهم وأنا على الحوض ، قد ذبلت شفاههم فاختلجوا دوني .
وعن ابن عباس قال : قال رسول الله : من أحب عليا وأطاعه في دار الدنيا ورد
على حوضي غدا ، وكان معي في درجتي في الجنة .
ومن أبعض عليا في دار الدنيا وعصاه ، لم أره ولم يرني يوم القيامة ، واختلج
دوني وأخذ به ذات الشمال إلى النار . انتهى .

أسس تدوين أحاديث القيامة عند علماء الخلافة

ونصل من أحاديث الحوض إلى قضية أوسع تتعلق بموضوعنا ، وهي أحاديث
مقام النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 159 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فإن المتأمل فيها في مصادر إخواننا السنيين يصل إلى قناعة بأن أحاديثها كانت
تتضمن أن أهل بيته معه في المحشر والجنة ، بدليل بقاء ذكرهم وتسميتهم في عدد
منها ! وأنها كانت تتضمن بيان المصير الأسود لأكثر الصحابة !
وقد رأيت أنهم لم يستطيعوا أن يتخلصوا من الأحاديث التي تنص على أنه لا يرد
منهم الحوض ولا ينجو إلا مثل همل النعم !
وهمل النعم هي النعاج المفردة الخارجة عن القطيع ! وهو يعني أن أكثرية قطيع
الصحابة لا ينجو ! !
وبهذا نعرف الصعوبة في المهمة التي عهدت بها الخلافة القرشية إلى علماء
الحديث ، أو تبرعوا هم بها ، بتدوين صحاح ترضى عنها وتتبنى نشرها ! !
فلا بد أنهم وقفوا طويلا أمام مشكلة تدوين أحاديث القيامة والآخرة ، لأنها تعطي
أهل البيت مقاما إلى جنب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . . ولأنها تذم الصحابة وتخبر عن هلاك
أكثرهم ! !
ولا شك أن الذين ألفوا بعد مالك بن أنس واجهوا نفس مشكلته ، وخافوا أن
يقعوا في نفس ( مزلق ) التشيع الذي وقع فيه ! !
لذا رأوا أنهم مجبرون على أن اتباع الأسس التالية :
أولا : أن يختاروا الأحاديث التي ليس فيها ذكر لأهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهي قليلة
جدا جدا !
ثانيا : أن يجردوا الأحاديث من ذكر مقام أهل البيت النبوي مهما أمكن !
ثالثا : أن يستبدلوا أسماء أهل البيت والكلمات التي استعملها النبي ( صلى الله عليه وآله ) في
التعبير عنهم بكلمات عن الأمة والصحابة .
رابعا : أن يتحاشوا الأحاديث التي فيها ذم الصحابة ، أو يحذفوا منها الذم أو
يوجهوه إلى آخرين .
خامسا : أن يدونوا الأحاديث الموضوعة في فضل الصحابة ، خاصة الخلفاء
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 160 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الثلاثة ، لكي تقابل الأحاديث في فضائل أهل البيت النبوي ! !
وتفصيل هذا الموضوع يخرجنا عن بحثنا ، فنكتفي بذكر نماذج صغيرة :
- فقد روى الخطيب في تاريخ بغداد 9 / 453
عن ابن عباس قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد علي يقول :
هذا أول من يصافحني يوم القيامة .
وفي الإستيعاب : 4 / 169
عن أبي ليلى الغفاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب فإنه أول من يراني ، وأول
من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصديق الأكبر ، وهو فاروق هذه الأمة ، يفرق بين
الحق والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين .
- ورواه ابن حجر في الإصابة : 4 / 170 ، وضعفه بدون حجة ، وكذا فعل ابن كثير في
البداية : 7 / 348 .
- وفي سنن ابن ماجة : 1 / 44
عن عباد بن عبد الله قال : قال علي ( رضي الله عنه ) : أنا عبد الله وأخو رسوله ، وأنا الصديق
الأكبر ، لا يقولها بعدي إلا كذاب ! صليت قبل الناس سبع سنين . هذا حديث صحيح .
ورواه العزيزي في السراج المنير : 2 / 402 ، وقال البوصيري في الزوائد : صحيح
على شرط الشيخين ، وتكلم فيه بعضهم لأجل عباد ، لكن تابعته عليه معاذة العدوية .
وفي كنز العمال : 11 / 616
إن هذا أول من آمن بي ، وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصديق الأكبر ،
وهذا فاروق هذه الأمة ، يفرق بين الحق والباطل ، وهذا يعسوب المؤمنين والمال
يعسوب الظالمين - قاله لعلي . ( الطبراني عن سلمان وأبي ذر معا ، والبيهقي ، وابن
سعد ، عن حذيفة . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 161 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال في هامشه : أورده الهيثمي في مجمع الزوائد ( 9 / 102 ) وقال رواه الطبراني
والبزار ، وفيه عمر بن سعيد المصري وهو ضعيف . انتهى .
وكلام هذا المهمش ليس دقيقا ، لأن رواية كنز العمال عن ثلاثة : سلمان وأبي ذر
وحذيفة . ورواية الطبراني والبزار التي ضعفها الهيثمي بعمر بن سعيد المصري إنما
هي عن أبي ذر وحده ، وبالتالي فهو لم يضعف رواية سلمان وأبي ذر معا ، ولا رواية
حذيفة التي نقلها صاحب كنز العمال عن البيهقي ، وعن طبقات ابن سعد !
وإليك ما قاله في مجمع الزوائد : 9 / 102 :
وعن أبي ذر وسلمان قالا : أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي فقال : إن هذا
أول من آمن بي ، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصديق الأكبر ، وهذا
فاروق هذه الأمة ، يفرق بين الحق والباطل ، وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب
الظالمين .
رواه الطبراني والبزار عن أبي ذر وحده وقال فيه : أنت أول من آمن بي ، وقال فيه :
والمال يعسوب الكفار . وفيه عمرو بن سعيد المصري وهو ضعيف . انتهى .
ومهما يكن ، فإن بعض طرق الحديث صحيحة على مبانيهم بدون حاجة إلى
شواهد ، وبعضها صحيحة بشواهدها . ولكنهم لا يبحثون أسانيده وأسانيد شواهده ،
ويضعفونه ويحكمون عليه بأنه منكر ، لأنه يتضمن شهادة من النبي ( صلى الله عليه وآله ) بصفات
مهمة لعلي ( عليه السلام ) ، وهي أمر منكر يضر بالخلافة القرشية ! !
بل الأحوط عند بعض علماء الخلافة أن يعارضوه بأحاديث تشهد بأن الصفات
التي وردت فيه قد ثبتت لخلفاء قريش ، وليس لعلي ! !
ونترك لقب الصديق والفاروق فعلا ، ونذكر ما رووه حول : أول من تنشق عنه
الأرض مع النبي في يوم المحشر ، وأول من يصافح النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لإنهما من صلب
موضوعنا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 162 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أما الأول :
- فقد روى الحاكم في المستدرك : 2 / 465 ، وصححه :
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنا أول من تنشق الأرض
عنه ، ثم أبو بكر ، ثم عمر ، ثم آتي أهل البقيع فيحشرون معي ، ثم أنتظر أهل مكة ! !
وتلا عبد الله بن عمر : يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير !
- ورواه أيضا في : 3 / 68 ، وصححه .
- ورواه في كنز العمال : 11 / 403
- وروى نحوه في / 426 و 433 ( عن الترمذي ، وحسنه ، وأبي عروبة في الأوائل ،
والطبراني الكبير ، وابن عساكر ، وأبي نعيم في فضائل الصحابة ، عن ابن عمر .
وبآخر عن ابن عساكر ، عن أبي هريرة . انتهى .
وتلاحظ في هذه الأحاديث أنها تعطي الأولية في الحشر ودخول الجنة لأبي بكر
وعمر ، ثم لأهل البقيع ، ثم للقرشيين في مكة !
كما يوجد عندهم حديث آخر يميلون إلى قبوله ، رواه في كنز العمال : 13 / 233
عن علي ! قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أنا أول من تنشق الأرض عنه ولا فخر ، فيعطيني الله من الكرامة ما لم يعطني من
قبل . ثم ينادي مناد : يا محمد قرب الخلفاء ، فأقول : ومن الخلفاء ؟ !
فيقول جل جلاله : عبد الله أبو بكر الصديق ، فأول من تنشق الأرض عنه بعدي
أبو بكر ، ويقف بين يدي الله فيحاسب حسابا يسيرا ، ويكسى حلتين خضراوين ، ثم
يوقف أمام العرش .
ثم ينادي مناد : أين عمر بن الخطاب ؟ فيجئ وأوداجه تشخب دما فأقول : عمر !
من فعل هذا بك ! ؟
فيقول : مولى المغيرة بن شعبة ، فيوقف بين يدي الله فيحاسب حسابا يسيرا ، ثم
يكسى حلتين خضراوين ، ثم يوقف أمام العرش .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 163 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثم يؤتى بعثمان بن عفان وأوداجه تشخب دما ، فأقول : عثمان ! من فعل بك هذا ! ؟
فيقول : فلان وفلان ، فيوقف بين يدي الله فيحاسب حسابا يسيرا ، ثم يكسى
حلتين خضراوين ، ثم يوقف أمام العرش .
ثم يؤتى بعلي وأوداجه تشخب دما فأقول : علي ! من فعل بك هذا ؟ !
فيقول : عبد الرحمن بن ملجم ، فيوقف بين يدي لله فيحاسب حسابا يسيرا ، ثم
يكسى حلتين خضراوين ، ثم يوقف أمام العرش مع أصحابه .
الزوزني ، وفيه علي بن صالح ، قال الذهبي : لا يعرف ، وله خبر باطل ، وقال في
اللسان ذكره ابن حبان في الثقات وقال : روى عنه أهل العراق ، مستقيم الحديث .
انتهى .
وهكذا عالج رواة الخلافة أولية علي التي رواها عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! فوضعوا حديثا
على لسان علي نفسه ! يجعل الأولية لخلفاء قريش بالترتيب ، ويجعل عليا الرابع ! !
وإذا كلمتهم في السند تراهم يعرضون عن بحث أسانيد الأحاديث التي فيها
فضائل علي ، ويعملون المستحيل لتصحيح الأحاديث التي فيها فضائل غيره ،
ويمدح ابن حبان واضع الحديث بأنه مستقيم الحديث ، أي أن أحاديثه في مدح
الخلفاء والأمراء وعمالهم !
وأما حديث أن أول من يصافحه النبي يوم القيامة علي . . فقد وجدوا له معالجة
أخرى ، فإذا كان علي أول شخص يستقبله الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ويصافحه يوم القيامة ، فإن عمر
أول شخص يستقبله الله تعالى يوم القيامة ويصافحه ! ! ويرحب به ، ويدخله الجنة ! !
- فقد روى ابن ماجة في صحيحه : 1 / 39
حدثنا إسماعيل بن محمد الطلحي ، أنبأنا داود بن عطاء المديني ، عن صالح بن
كيسان ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي بن كعب ، قال :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 164 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول من يصافحه الحق عمر ، وأول من يسلم
عليه ، وأول من يأخذ بيده فيدخله الجنة .
- ورواه في كنز العمال : 1 / 578 - ه‍ ، ك - عن أبي . انتهى .
وقد جاءت روايتهم فاقعة إلى حد أن الذهبي الذي يحب التجسيم ويحب عمر ،
لم يستطع الدفاع عنها !
وكذلك الألباني ، حيث ضعفها على مضض في ضعيفته برقم 22485 .
نتيجة كلية
والنتيجة الأكيدة عند المتأمل في هذه الأحاديث من مصادر الفريقين :
أن عليا وأهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) لهم دور كبير في الشفاعة مع النبي يوم القيامة . . بل
إن كل مؤمن مقبول له شفاعة يوم القيامة بحسبه ، ولما كان أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) سادة
المؤمنين ، فشفاعتهم أكبر وأعظم .
أما الصحابة فتدل أحاديث القيامة على أن أكثرهم يكونون مشغولين إلى آخر
نفس في معالجة مشكلتهم وتخليص أنفسهم ! !

علي عليه السلام هو ذائد المنافقين عن حوض النبي ص يوم القيامة

تقدم في الفصل الخامس عشر تحت عنوان : علي ميزان الإسلام والكفر ، حديث
الإمام الحسن السبط ( عليه السلام ) ، وقد صححه الحاكم وغيره ، وفيه :
( فقال له الحسن : أما والله لئن وردت عليه الحوض ، وما أراك ترده ، لتجدنه
مشمر الإزار على ساق ، يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الإبل ! قول الصادق
المصدوق ، وقد خاب من افترى ) .
- كما تقدمت بعض أحاديثه في حمل لواء المحشر عن أحمد وغيره .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 165 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي مناقب الصحابة لأحمد / 667
وفيما كتب إلينا ( عبد الله بن غنام ) يذكر أن عباد بن يعقوب حدثهم ، نا علي بن
عابس ، عن عبد الله 7 عن أبي حرب بن أبي الأسود الدئلي ، قال اشتكى أبو الأسود
الفالج فنعت له ثعلب فطلبناها في خرب البصرة ، فبينا أنا أطوف إذا أنا برجل يصلي
فأشار إلي فأتيته فقال : من أنت ؟ فقلت أبو حرب بن أبي الأسود ، فقال : أقرئ أباك
السلام وقل له عبد الله بن فلان يقرأ عليك السلام ويقول لك : أشهد أني سمعت عليا
يقول : لأذودن بيدي هاتين القصيرتين عن حوض رسول الله رايات الكفار
والمنافقين ، كما تذاد غريبة الإبل عن حياضها . انتهى .
- وفي تاريخ المدينة لابن شبة : 1 / 37
حدثنا محمد بن بكار قال ، حدثنا أبو معشر ، عن حرام بن عثمان ( عن أبي )
عتيق ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : أخرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم أناسا من المسجد وقال : لا ترقدوا في مسجدي هذا . قال : فخرج الناس ،
وخرج علي ( رضي الله عنه ) ، فقال : لعلي ( رضي الله عنه ) إرجع فقد أحل لك فيه ما أحل لي ، كأني بك
تذودهم على الحوض ، وفي يدك عصا عوسج .
وفي مجمع الزوائد : 9 / 173
وعن أبي هريرة أن علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) قال : يا رسول الله ، أيما أحب إليك أنا
أم فاطمة ؟
قال : فاطمة أحب إلي منك ، وأنت أعز علي منها . وكأني بك وأنت على حوضي
تذود عنه الناس ، وإن عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء ، وإني وأنت والحسن
والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنة ، إخوانا على سرر متقابلين ، أنت معي
وشيعتك في الجنة . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : إخوانا على سرر
متقابلين ، لا ينظر أحد في قفا صاحبه .
رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه سلمى بن عقبة ولم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 166 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- ورواه في تفسير الميزان : 12 / 176 ، عن تفسير البرهان عن الحافظ أبي نعيم عن
رجاله عن أبي هريرة . .
- وفي مجمع الزوائد : 9 / 135
عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا علي معك يوم القيامة
عصا من عصى الجنة تذود بها المنافقين عن حوضي . رواه الطبراني في الأوسط
وفيه سلام بسليمان المدايني وزيد العمي ، وهما ضعيفان وقد وثقا ، وبقية
رجالهما ثقات .
وعن عبد الله بن إجارة بن قيس قال : سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
وهو على المنبر يقول : أنا أذود عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي
هاتين القصيرتين ، الكفار والمنافقين كما تذود السقاة غريبة الإبل عن حياضهم .
رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه محمد ابن قدامة الجوهري ، وهو ضعيف .
وعن علي بن أبي طالب قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا ترضى يا
علي إذا جمع الله النبيين في صعيد واحد ، حفاة عراة مشاة قد قطع أعناقهم العطش
فكان أول من يدعي إبراهيم فيكسى ثوبين أبيضين ، ثم يقوم عن يمين العرش ، ثم
يفجر مثعب من الجنة إلى حوضي ، وحوضي أبعد مما بين بصرى وصنعاء ، فيه
عدد نجوم السماء قدحان من فضة ، فأشرب وأتوضأ وأكسى ثوبين أبيضين ، ثم أقوم
عن يمين العرش ، ثم تدعى فتشرب وتتوضأ وتكسى ثوبين أبيضين ، فتقوم معي ،
ولا أدعى إلى خير إلا دعيت له .
رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه عمران بن ميثم ، وهو كذاب .
- وفي مجمع الزوائد : 10 / 366
وعن أبي هريرة وجابر بن عبد الله قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : علي
بن أبي طالب صاحب حوضي يوم القيامة ، فيه أكواب كعدد نجوم السماء ، وسعة
حوضي ما بين الجابية إلى صنعاء . رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه ضعفاء وثقوا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 167 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي الغدير : 1 / 321
أخرج الطبراني بإسناد رجاله ثقات عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) :
يا علي معك يوم القيامة عصا من عصي الجنة ، تذود بها المنافقين عن الحوض .
الذخاير / 91 ، الرياض : 2 / 211 ، مجمع الزوائد : 9 / 135 ، الصواعق / 104 . انتهى .
- وهو في الطبراني الصغير : 2 / 89 ، ورواه الديلمي أيضا في فردوس الأخبار : 5 / 317
و 408 ، وفي طبعة أخرى من الصواعق / 174
- وفي تاريخ دمشق لابن عساكر : 1 / 265 :
أخبرنا أبو الحسن السلمي ، أنبأنا عبد العزيز التميمي ، أنبأنا علي بن موسى بن
الحسين ، أنبأنا أبو سليمان بن زير ، أنبأنا محمد بن يوسف الهروي ، أنبأنا محمد بن
النعمان بن بشير ، أنبأنا أحمد بن الحسين بن جعفر الهاشمي اللهبي ، حدثني عبد
العزيز بن محمد ، عن حرام بن عثمان ، عن عبد الرحمن ومحمد ابني جابر بن عبد
الله عن أبيهما جابر بن عبد الله الأنصاري قال :
جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مضطجعون في المسجد ، وفي يده
عسيب رطب فضربنا ، وقال : أترقدون في المسجد ، إنه لا يرقد فيه أحد .
فأجفلنا وأجفل معنا علي بن أبي طالب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يا علي إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي ، يا علي ألا ترضى أن تكون مني
بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة .
والذي نفسي بيده إنك لتذودن عن حوضي يوم القيامة رجالا كما يذاد البعير
الضال عن الماء بعصى من عوسج ، كأني أنظر مقامك من حوضي .
قال ( و ) أخبرناه عاليا أبو المظفر بن القشيري وأبو القاسم الشحامي قالا : أنبأنا
محمد بن عبد الرحمن ، أنبأنا أبو سعيد محمد بن بشر ، أنبأنا محمد بن إدريس ،
أنبأنا سويد بن سعد ، أنبأنا حفص بن ميسرة ، عن حزام بن عثمان ، عن ابن جابر -
أراه عن جابر - قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مضطجعون في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 168 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المسجد ، فضربنا بعصف في يده فقال : أترقدون في المسجد إنه لا يرقد فيه .
فأجفلنا فأجفل علي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعال يا علي إنه يحل
لك في المسجد ما يحل لي ، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا
النبوة ، والذي نفسي بيده إنك لذواد عن حوضي يوم القيامة ، تذود كما يذاد البعير
الضال عن الماء بعصى لك من عوسج ، كأني أنظر إلى مقامك من حوضي . انتهى .
- ونقله عنه في إحقاق الحق : 17 / 374 ، ورواه الخوارزمي في مناقبه / 65
- وفي الروض الأنف : 2 / 146
من طريق جابر بن عبد الله أن رسول الله ( ص ) قال لعلي : والذي نفسي بيده إنك
لذائد عن حوضي يوم القيامة ، تذود عنه كفار الأمم كما تذاد الإبل الضالة عن الماء .
وقال السهيلي : إلا أن هذا الحديث يرويه حرام بن عثمان عن جابر عن النبي .
وقد سئل مالك عنه فقال : ليس بثقة ، وأغلظ فيه الشافعي . انتهى .
وكذلك ضعفه في تهذيب التهذيب : 4 / 283 .
ولا بد أن مالكا سئل عنه ، بعد أن ندم على تدوين حديث الحوض في موطئه !
وسواء صح ما نقلوه عن الشافعي في راوي الحديث حرام بن عثمان أم لا ، فإن
الذين ضعفوا هذا الحديث قد تعصبوا ضد أهل البيت ، ودلسوا أيضا !
ذلك أن القاعدة عند العلماء : أنهم إذا ضعفوا طريقا لحديث مروي من طرق
أخرى صحيحة ، أن ينبهوا إلى ذلك ، ويذكروا أن له طرقا أخرى ليس فيها حرام ! !
خاصة أنه حديث مشهور من رواية أهل البيت واحتجاجاتهم من زمن علي
والحسنين ( عليهم السلام ) ، وكذلك في احتجاج شيعتهم ومحاوراتهم من القرن الأول نثرا
وشعرا .
وقد نقلته مصادر السنيين بأسانيد صحيحة عن علي ، وعن الحسن السبط ( عليهما السلام ) ،
وقد تقدم في الفصل الخامس عشر تحت عنوان : علي ( عليه السلام ) ميزان الإسلام والكفر
والإيمان والنفاق ، فراجع .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 169 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وكذا روته مصادرهم فيما روت من خطب الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومحاوراته لجيش
يزيد في كربلاء . .
ولذلك يعتبر علماء الجرح والتعديل مثل هذا العمل تدليسا ، يقصد منه إيهام
القارئ بضعف متن هذا الحديث وأسانيده الأخرى ! !
وأخيرا ، فقد روت مصادر السنيين حديثا غير مفهوم ، ورد فيه أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) يذود
عن الحوض لأهل اليمن !
- ففي المسند الجامع - تحقيق الدكتور عواد : 3 / 343 - ح 2062 - 48 :
عن ثوبان ، أن نبي الله ( ص ) قال : إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن
أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم . فسئل عن عرضه ؟ فقال : من مقامي إلى عمان .
وسئل عن شرابه ؟ فقال : أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، يغث فيه
ميزابان يحدانه من الجنة ، أحدهما من ذهب ، والآخر من ورق . انتهى .
وقد وجدنا حديثا صححه في مجمع الزوائد ، وهو يعطي ضوءا على هذا الحديث
المبهم ، ويدل على أنه نصه كان يرتبط بأهل البيت ( عليهم السلام ) ، فصار لأهل اليمن ! !
- قال في مجمع الزوائد : 10 / 366
وعن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حوضي أذود عنه الناس
لأهل بيتي إني لأضربهم بعصاي هذه حتى ترفض .
قلت : فذكر الحديث وهو في الصحيح غير قوله ( لأهل بيتي ) .
رواه البزار بإسنادين ، ورجال أحدهما رجال الصحيح . انتهى .
ومعنى ذلك أن إحدى روايتي البزاز التي فيها ( لأهل بيتي ) صحيحة ، ولعل
أصل الحديث أذود عنه أنا وأهل بيتي ، أو أذود من خالف أهل بيتي . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 170 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

من أحاديث الحوض في مصادرنا :

أما مصادرنا فلا مشكلة لها مع أحاديث حوض الكوثر ولا مع غيرها ، لذلك تجد
أحاديثه صحيحة ومتواترة في مصادرنا ، وهي من حججنا على إمامة أهل البيت
النبوي الطاهرين ( عليهم السلام ) . .
- قال الصدوق في كتاب الإعتقادات / 43
إعتقادنا في الحوض : أنه حق ، وأن عرضه ما بين أيلة وصنعاء ، وهو للنبي ( صلى الله عليه وآله ) .
الساقي عليه يوم القيامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليهما السلام ) ، يسقي منه أولياءه
ويذود عنه أعداءه ، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا .
وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ليختلجن قوم من أصحابي دوني وأنا على الحوض ، فيؤخذ بهم
ذات الشمال ، فأنادي يا ربي أصحابي أصحابي ، فيقال لي : إنك لا تدري ما أحدثوا
بعدك ! .
- وروى في كتاب الخصال / 624 ، عن علي ( عليه السلام ) :
أنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ومعي عترتي وسبطي على الحوض ، فمن أرادنا فليأخذ
بقولنا وليعمل عملنا ، فإن لكل أهل بيت نجيب ولنا شفاعة ، ولأهل مودتنا شفاعة ،
فتنافسوا في لقائنا على الحوض ، فإنا نذود عنه أعداءنا ونسقي منه أحباءنا وأولياءنا
، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا .
حوضنا مترع فيه مثعبان ينصبان من الجنة أحدهما من تسنيم ، والآخر من معين ،
على حافتيه الزعفران ، وحصاه اللؤلؤ والياقوت ، وهو الكوثر .
- ورواه في تفسير فرات الكوفي / 366 ، وتفسير نور الثقلين : 5 / 511
- وفي تفسير فرات / 172 ، من رواية يخبر بها النبي ابنته الصديقة فاطمة الزهراء ( عليها السلام )
بما سيحدث لها ولأولادها من بعده ، ويعلمها الصبر على أمر الله تعالى ، قال :
يا فاطمة بنت محمد . . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 171 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة .
أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض فيسقي منه
أولياءه ، ويذود عنه أعداءه .
أما ترضين أن يكون بعلك قسيم النار ، يأمر النار فتطيعه يخرج منها من يشاء
ويترك من يشاء .
أما ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وإلى ما
تأمرين به ، وينظرون إلى بعلك قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله !
فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتليك ؟ ! !
- وقد أوردنا في معجم أحاديث الإمام المهدي : 3 / 153
- عن تفسير العياشي : 1 / 14 ، والكافي : 1 / 62 :
عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن
عمر اليماني ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس الهلالي ، قال قلت لأمير
المؤمنين ( عليه السلام ) : إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن
وأحاديث عن نبي الله ( صلى الله عليه وآله ) غير ما في أيدي الناس ، ثم سمعت منك تصديق ما
سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث
عن نبي الله ( صلى الله عليه وآله ) أنتم تخالفونهم فيها ، وتزعمون أن ذلك كله باطل ، أفترى الناس
يكذبون على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) متعمدين ؟ ويفسرون القرآن بآرائهم ؟
قال : فأقبل علي فقال : قد سألت فافهم الجواب .
إن في أيدي الناس حقا وباطلا ، وصدقا وكذبا ، وناسخا ومنسوخا ، وعاما
وخاصا ، ومحكما ومتشابها ، وحفظا ووهما ، وقد كذب على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على
عهده حتى قام خطيبا فقال : أيها الناس قد كثرت علي الكذابة ، فمن كذب علي
متعمدا فليتبوء مقعده من النار ! ثم كذب عليه من بعده !
وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 172 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رجل منافق يظهر الإيمان ، متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) متعمدا ، فلو علم الناس أنه منافق كذاب ، لم يقبلوا منه ولم يصدقوه ،
ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ورآه وسمع منه ، وأخذوا عنه ، وهم لا
يعرفون حاله ، وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال عز
وجل : وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ، وإن يقولوا تسمع لقولهم .
ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان
فولوهم الأعمال ، وحملوهم على رقاب الناس ، وأكلوا بهم الدنيا !
وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله ، فهذا أحد الأربعة .
ورجل سمع من رسول الله شيئا لم يحمله على وجهه ووهم فيه ، ولم يتعمد كذبا
فهو في يده ، يقول به ويعمل به ويرويه فيقول : أنا سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلو علم
المسلمون أنه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه .
ورجل ثالث سمع من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) شيئا أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم ، أو
سمعه ينهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم ، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ ، ولو
علم أنه منسوخ لرفضه ، ولم علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه .
وآخر رابع لم يكذب على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، مبغض للكذب خوفا من الله وتعظيما
لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، لم ينسه ، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع لم يزد فيه
ولم ينقص منه ، وعلم الناسخ من المنسوخ ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ فإن أمر
النبي ( صلى الله عليه وآله ) مثل القرآن ناسخ ومنسوخ [ وخاص وعام ] ومحكم ومتشابه قد كان يكون
من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الكلام له وجهان : كلام عام وكلام خاص ، مثل القرآن ، وقال الله
عز وجل في كتابه : ما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا .
فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) . وليس كل أصحاب
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يسأله عن الشئ فيفهم ! وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه حتى أن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 173 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كانوا ليحبون أن يجيئ الأعرابي والطارئ فيسأل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى يسمعوا .
وقد كنت أدخل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كل يوم دخلة وكل ليلة دخلة فيخليني فيها
أدور معه حيث دار ، وقد علم أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه لم يصنع ذلك بأحد من
الناس غيري ، فربما كان في بيتي يأتيني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أكثر ذلك في بيتي ، وكنت إذا
دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عني نسائه ، فلا يبقى عنده غيري ، وإذا
أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة ، ولا أحد من بني ، وكنت إذا سألته
أجابني ، وإذا سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني ، فما نزلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) آية
من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي ، وعلمني تأويلها وتفسيرها
وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وخاصها وعامها ، ودعا الله أن يعطيني
فهمها وحفظها ، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علما أملاه علي وكتبته ، منذ دعا الله
لي بما دعا ، وما ترك شيئا علمه الله من حلال ولا حرام ، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون
ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته ، فلم أنس
حرفا واحدا ، ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علما وفهما
وحكما ونورا ، فقلت : يا نبي الله بأبي أنت وأمي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم
أنس شيئا ولم يفتني شئ لم أكتبه ، أفتتخوف علي النسيان فيما بعد ؟
فقال : لا ، لست أتخوف عليك النسيان والجهل . وقد أخبرني ربي أنه قد
استجاب لي فيك ، وفي شركائك الذين يكونون من بعدك .
فقلت : يا رسول الله ومن شركائي من بعدي ؟
قال : الذين قرنهم الله بنفسه وبي .
فقال : الأوصياء مني إلى أن يردوا علي الحوض ، كلهم هاد مهتد لا يضرهم من
خذلهم ، هم مع القرآن والقرآن معهم ، لا يفارقهم ولا يفارقونه ، بهم تنصر أمتي وبهم
يمطرون ، وبهم يدفع عنهم ، وبهم استجاب دعاءهم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 174 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقلت : يا رسول الله سمهم لي فقال : ابني هذا ، ووضع يده على رأس الحسن ، ثم
ابني هذا ووضع يده على رأس الحسين ، ثم ابن له يقال له علي ، وسيولد في حياتك
فاقرأه مني السلام ، ثم تكملة اثني عشر من ولد محمد .
فقلت له : بأبي أنت وأمي فسمهم لي ، فسماهم رجلا رجلا فيهم والله يا أخا بني
هلال مهدي أمة محمد ( صلى الله عليه وآله ) الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ،
والله إني لأعرف من يبايعه بين الركن والمقام ، وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم ! !
انتهى .
- ويوجد قسم منه في نهج البلاغة - شرح صبحي الصالح ، خطبة 210 ، وشرح محمد عبده
: / 214 . وروى ابن الجوزي قسما منه في تذكرة الخواص / 143 ، مرسلا عن كميل بن
زياد . ورواه النعماني / 75 ، والطبري الشيعي في المسترشد / 29 ، والصدوق في كمال
الدين : 1 / 284 ، والخصال : 1 / 255 ، والحراني في تحف العقول / 193 ، والطبرسي في
الإحتجاج : 1 / 264 ، وابن ميثم البحراني في شرح النهج : 4 / 19 ، والعاملي في إثبات
الهداة : 1 / 664 ، والمجلسي في البحار : 2 / 228 ، و : 36 / 273 و 276 ، و : 9 / 98
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 175 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم على الحوض

- في مقاتل الطالبين / 43
حدثني محمد بن الحسين الأشناني وعلي بن العباس المقانعي قالا : حدثنا عباد
بن يعقوب قال : أخبرنا عمرو بن ثابت ، عن الحسن بن حكم ، عن عدي بن ثابت ،
عن سفيان بن أبي ليلى ، وحدثني محمد بن أحمد أبو عبيد قال : حدثنا الفضل بن
الحسن المصري قال : حدثنا محمد بن عمرويه قال : حدثنا مكي بن إبراهيم ، قال
حدثنا السري بن إسماعيل ، عن الشعبي ، عن سفيان بن أبي ليلى دخل حديث
بعضهم في حديث بعض ، وأكثر اللفظ لأبي عبيدة قال : أتيت الحسن بن علي حين
بايع معاوية فوجدته بفناء داره وعنده رهط فقلت :
السلام عليك يا مذل المؤمنين !
فقال عليك السلام يا سفيان ، إنزل .
فنزلت فعقلت راحلتي ثم أتيته فجلست إليه ، فقال : كيف قلت يا سفيان ؟
فقلت : السلام عليك يا مذل رقاب المؤمنين .
فقال : ما جر هذا منك إلينا ؟
فقلت : أنت والله - بأبي أنت وأمي - أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة
وسلمت الأمر إلى اللعين بن اللعين بن آكلة الأكباد ، ومعك مائة ألف كلهم يموت
دونك ، وقد جمع الله لك أمر الناس .
فقال : يا سفيان ، إنا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسكنا به ، وإني سمعت عليا يقول
سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : لا تذهب الليالي والأيام حتى يجتمع أمر هذه الأمة
على رجل واسع السرم ضخم البلعوم يأكل ولا يشبع ، لا ينظر الله إليه ولا يموت
حتى لا يكون له في السماء عاذر ولا في الأرض ناصر ، وإنه لمعاوية ، وإني عرفت أن
الله بالغ أمره .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 176 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثم أذن المؤذن فقمنا على حالب يحلب ناقة ، فتناول الإناء فشرب قائما ثم
سقاني ، فخرجنا نمشي إلى المسجد ، فقال لي : ما جاءنا بك يا سفيان ؟
قلت : حبكم والذي بعث محمدا بالهدى ودين الحق .
قال : فأبشر يا سفيان فإني سمعت عليا يقول : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
يقول : يرد علي الحوض أهل بيتي ومن أحبهم من أمتي كهاتين ، يعني السبابتين ،
ولو شئت لقلت هاتين يعني السبابة والوسطى ، إحداهما تفضل على الأخرى .
أبشر يا سفيان فإن الدنيا تسع البر والفاجر ، حتى يبعث الله إمام الحق من آل
محمد ( صلى الله عليه وآله ) .
هذا لفظ أبي عبيد وقال ( وفي حديث محمد بن الحسين وعلي بن العباس بعض
هذا الكلام موقوفا ، عن الحسن غير مرفوع إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، إلا في ذكر معاوية فقط ) .
ورواه ابن طاووس في الملاحم والفتن / 109 ، ملخصا عن الفتن للسليلي . . .
ورواه ابن أبي الحديد : 16 / 44 ، عن أبي الفرج بسنديه بتقديم وتأخير ، وفي
سنده محمد بن أحمد بن عبيد بدل محمد بن أحمد أبو عبيد . والبصري بدل
المصري . وابن عمرو بدل محمد بن عمرويه ، والاشنانداني بدل الأشناني .
- ورواه في البحار : 44 / 59 ، وفي العوالم : 16 / 178 ، عن ابن أبي الحديد بسنديه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 177 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

شعر حوض الكوثر في مصادر الحديث والأدب

تعتبر مجموعة شعر الكوثر التي نقلتها مصادر الحديث والأدب ، من الأدلة
العلمية المهمة على صحة أحاديث أن الساقي على الحوض والذائد عنه هو
علي ( عليه السلام ) . وأول شعر نقله الرواة من ذلك رجز أمير المؤمنين في حرب صفين :
- ففي مناقب آل أبي طالب : 1 / 219
أنه ( عليه السلام ) عندما دعي إلى المبارزة في صفين قال مرتجزا :
أنا علي صاحب الصمصامة * وصاحب الحوض لدى القيامة
أخو نبي الله ذي العلامة * قد قال إذ عممني العمامه
أنت أخي ومعدن الكرامة * ومن له من بعدي الإمامة . انتهى .
- كما روت كتب التاريخ والحديث والعقائد أبياتا للإمام الحسين ( عليه السلام ) ، جاءت
ضمن خطبته التاريخية في كربلاء ، ذكر فيها الحوض . . كما في الإحتجاج : 2 / 26 وتفسير
نور الثقلين : 3 / 565 ، وغيرهما ، منها :
أنا ابن أباة الضيم من آل هاشم * كفاني بهذا مفخرا حين أفخر
وجدي رسول الله أكرم من مشى * ونحن سراج الله في الخلق نزهر
ونحن أمان الله للناس كلهم * نطول بهذا في الأنام ونجهر
ونحن ولاة الحوض نسقي محبنا * بكأس رسول الله ما ليس ينكر
وشيعتنا في الحشر أكرم شيعة * ومبغضنا يوم القيامة يخسر
- وفي بشارة المصطفى / 112
أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحسيني الجرجاني القاضي ، قدم علينا من بغداد
، قال : حدثني الشريف أبو محمد الحسن بن أحمد المحمدي النقيب قال : حدثنا
أحمد بن محمد بن عباس الجوهري قال ، حدثنا أحمد بن زياد الهمداني قال : رأيت
صبيا صغيرا يكون سباعيا أو ثمانيا بالمدينة ، على ساكنها أفضل السلام ، ينشد :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 178 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لنحن على الحوض ذواده * نذود وتسعد وراده
وما فاز من فاز إلا بنا * وما خاب من حبنا زاده
ومن سرنا نال منا السرور * ومن ساءنا ساء ميلاده
ومن كان ظالمنا حقنا * فإن القيامة ميعاده
فقلت يا فتى لمن هذه الأبيات ؟
فقال : لمنشدها .
فقلت : من الفتى ؟
فقال علوي فاطمي ، إيها عنك . انتهى .
- ونسب في رشفة الصادي / 192 ، هذه الأبيات إلى الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) .
- وقد ترجم الأميني في من الغدير : 2 ، لعدد من شعراء الغدير الذين ذكروا الحوض ،
نذكر بعضهم :
فمن أقدمهم سفيان بن مصعب العبدي الكوفي :
وهو من شعراء أهل البيت عليهم السلام في القرن الثاني ، وقد مدحه الإمام
الصادق ( عليه السلام ) واستنشده شعره في رثاء الإمام الحسين ( عليه السلام ) . . قال العبدي من قصيدة
طويلة :
هل في سؤالك رسم المنزل الخرب * برء لقلبك من داء الهوى الوصب
أم حره يوم وشك البين يبرده * ما استحدثته النوى من دمعك السرب
يا رائد الحي حسب الحي ما ضمنت * له المدامع من ماء ومن عشب
لهفي لما استودعت تلك القباب وما * حجبن من قضب عنا ومن كثب
لأشرقن بدمعي إن نأت بهم * دار ولم أقض ما في النفس من إرب
ما هز عطفي من شوق إلى وطني * ولا اعتراني من وجد ومن طرب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 179 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مثل اشتياقي من بعد ومنتزح * إلى الغري وما فيه من الحسب
يا راكبا جسرة تطوي مناسمها * ملاءة البيد بالتقريب والجنب
تثني الرياح إذا مرت بغايتها * حسرى الطلائح بالغيطان والخرب
بلغ سلامي قبرا بالغري حوى * أوفى البرية من عجم ومن عرب
يا صاحب الكوثر الرقراق زاخره * ذود النواصب عن سلساله العذب
قارعت منهم كماة في هواك * بما جردت من خاطر أو مقول ذرب
حتى لقد وسمت كلما جباهم * خواطري بمضاء الشعر والخطب
- وقال أيضا في مدح علي ( عليه السلام ) :
أنت عين الإله والجنب من * فرط فيه يصلى لظى مذموما
أنت فلك النجاة فينا وما زلت * صراطا إلى الهدى مستقيما
وعليك الورود تسقي من الحوض * ومن شئت ينثني محروما
وإليك الجواز تدخل من شئت * جنانا ومن تشاء جحيما
- وقال الأميني في الغدير : 2 / 296
في مقتضب الأثر عن أحمد بن زياد الهمداني قال : حدثني علي بن إبراهيم بن
هاشم قال : حدثني أبي عن الحسن بن علي سجاده ، عن أبان بن عمر ختن آل ميثم
قال : كنت عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) فدخل عليه سفيان بن مصعب العبدي قال : جعلني
الله فداك ما تقول في قوله تعالى ذكره :
وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ؟
قال : هم الأوصياء من آل محمد الاثني عشر ، لا يعرف الله إلا من عرفهم وعرفوه .
قال : فما الأعراف جعلت فداك ؟
قال : كثائب من مسك ، عليها رسول الله والأوصياء يعرفون كلا بسيماهم .
فقال سفيان : أفلا أقول في ذلك شيئا ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 180 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقال من قصيدة :
أيا ربعهم هل فيك لي اليوم مربع * وهل لليال كن لي فيك مرجع
ومنها :
وأنتم ولاة الحشر والنشر والجزا * وأنتم ليوم المفزع الهول مفزع
وأنتم على الأعراف وهي كثائب * من المسك رياها بكم يتضوع
ثمانية بالعرش إذ يحملونه * ومن بعدهم في الأرض هادون أربع
وروى أبو الفرج في الأغاني 7 / 22 ، عن أبي داود المسترق سليمان بن سفيان : أن
السيد والعبدي اجتمعا فأنشد السيد :
إني أدين بما دان الوصي به * يوم الخريبة من قتل المحلينا
وبالذي دان يوم النهروان به * وشاركت كفه كفي بصفينا
فقال له العبدي : أخطأت ، لو شاركت كفك كفه كنت مثله ، ولكن قل : تابعت كفه
كفي ، لتكون تابعا لا شريكا .
فكان السيد بعد ذلك يقول : أنا أشعر الناس إلا العبدي .
ومن شعراء الكوثر السيد الحميري ، المتوفى 173 :
وهو إسماعيل بن محمد بن يزيد بن وداع الحميري ، الملقب بالسيد .
قال عنه المرزباني : لم يسمع أن أحدا عمل شعرا جيدا وأكثر غير السيد .
وروى عن عبد الله بن إسحاق الهاشمي قال : جمعت للسيد ألفي قصيدة وظننت
أنه ما بقي علي شئ ، فكنت لا أ زال أرى من ينشدني ما ليس عندي ، فكتبت حتى
ضجرت ، ثم تركت .
وقال : سئل أبو عبيدة من أشعر المولدين ؟ قال : السيد وبشار .
ونقل عن الحسين بن الضحاك أنه قال : ذاكرني مروان بن أبي حفصة أمر السيد بعد
موته ، وأنا أحفظ الناس بشعر بشار والسيد ، فأنشدته قصيدته المذهبة التي أولها :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 181 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أين التطرب بالولاء وبالهوى * أإلى الكواذب من بروق الخلب ؟ !
أإلى أمية أم إلى شيع التي * جاءت على الجمل الخدب الشوقب
حتى أتى على آخرها ، فقال لي مروان :
ما سمعت قط شعرا أكثر معاني وألخص منه ، وعدد ما فيه من الفصاحة . وكان
يقول لكل بيت منها : سبحان الله ، ما أعجب هذا الكلام !
وروى عن التوزي أنه قال : لو أن شعرا يستحق أن لا ينشد إلا في المساجد لحسنه ،
لكان هذا ، ولو خطب به خاطب على المنبر في يوم الجمعة لأتى حسنا ، ولحاز أجرا .
ووقف السيد على بشار وهو ينشد الشعر فأقبل عليه وقال :
أيها المادح العباد ليعطى * إن لله ما بأيدي العباد
فأسأل الله ما طلبت إليهم * وارج نفع المنزل العواد
لا تقل في الجواد ما ليس فيه * وتسمي البخيل باسم الجواد
قال بشار : من هذا ؟ فعرفه .
ولعل أشهر قصائد السيد الحميري على الاطلاق ، التي مطلعها :
لأم عمرو باللوى مربع * طامسة أعلامها بلقع
تروع عنها الطير وحشية * والوحش من خيفته تفزع
ومنها :
غدا يلاقي المصطفى حيدر * وراية الحمد له ترفع
مولى له الجنة مأمورة * والنار من إجلاله تفزع
إمام صدق وله شيعة * يرووا من الحوض ولم يمنعوا
يذب عنه ابن أبي طالب * ذبك جربى إبل تشرع
إذا دنوا منه لكي يشربوا * قيل لهم تبا لكم فارجعوا
هذا لمن والى بني أحمد * ولم يكن غيرهم يتبع
بذاك جاء الوحي من ربنا * يا شيعة الحق فلا تجزعوا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 182 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وله أيضا :
ولقد عجبت لقائل لي مرة * علامة فهم من الفقهاء
سماك قومك سيدا صدقوا به * أنت الموفق سيد الشعراء
ما أنت حين تخص آل محمد * بالمدح منك وشاعر بسواء
مدح الملوك ذوي الغني لعطائهم * والمدح منك لهم بغير عطاء
فأبشر فإنك فايز في حبهم * لو قد وردت عليهم بجزاء
ما يعدل الدنيا جميعا كلها * من حوض أحمد شربة من ماء
وله أيضا :
أؤمل في حبه شربة * من الحوض تجمع أمنا وريا
إذا ما وردنا غدا حوضه * فأدنى السعيد وذاد الشقيا
متى يدن مولاه منه يقل * رد الحوض واشرب هنيئا مريا
وإن يدن منه عدو له * يذده علي مكانا قصيا
وله أيضا :
فإنك تلقاه لدى الحوض قائما * مع المصطفى بالجسر جسر جهنم
يجيران من والاهما في حياته * إلى الروح والظل الظليل المكرم
- وله قصيدة مطلعها :
هلا وقفت على المكان المعشب * بين الطويلع فاللوى من كبكب
ومنها :
إنا ندين بحب آل محمد * دينا ومن يحببهم يستوجب
منا المودة والولاء ومن يرد * بدلا بال محمد لا يحبب
ومتى يمت يرد الجحيم ولا يرد * حوض الرسول وإن يرده يضرب
ضرب المحاذر أن تعر ركابه * بالسوط سالفة البعير الأجرب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 183 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وله القصيدة المذهبة ، ومنها :
لمن طلل كالوشم لم يتكلم * ونؤي وآثار كترقيش معجم ؟
ألا أيها العاني الذي ليس في الأذى * ولا اللوم عندي في علي بمحجم
ستأتيك مني في علي مقالة * تسوؤك فاستأخر لها أو تقدم
علي له عندي على من يعيبه * من الناس نصر باليدين وبالفم
متى ما يرد عندي معاديه عيبه * يجد ناصرا من دونه غير مفحم
علي أحب الناس إلا محمدا * إلي فدعني من ملامك أولم
علي وصي المصطفى وابن عمه * وأول من صلى ووحد فاعلم
علي هو الهادي الإمام الذي به * أنار لنا من ديننا كل مظلم
علي ولي الحوض والذائد الذي * يذبب عن أرجاءه كل مجرم
علي قسيم النار من قوله لها : * ذري ذا وهذا فاشربي منه واطعمي
خذي بالشوى ممن يصيبك منهم * ولا تقربي من كان حزبي فتظلمي
علي غدا يدعا فيكسوه ربه * ويدنيه حقا من رفيق مكرم
فإن كنت منه يوم يدينه راغما * وتبدي الرضا عنه من الأن فارغم
فإنك تلقاه لدى الحوض قائما * مع المصطفى الهادي النبي المعظم
يجيزان من والاهما في حياته * إلى الروح والظل الضليل المكمم
علي أمير المؤمنين وحقه * من الله مفروض على كل مسلم
لأن رسول الله أوصى بحقه * وأشركه في كل فيئ ومغنم
- وله أيضا في تفسير قوله تعالى ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) :
بأبي أنت وأمي * يا أمير المؤمنينا
بأبي أنت وأمي * وبرهطي أجمعينا
وبأهلي وبمالي * وبناتي والبنينا
وفدتك النفس مني * يا إمام المتقينا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 184 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأمين الله والوارث * علم الأولينا
ووصي المصطفى * أحمد خير المرسلينا
وولي الحوض والذائد * عنه المحدثينا
أنت أولى الناس بالناس * وخير الناس دينا
كنت في الدنيا أخاه * يوم يدعو الأقربينا
ليجيبوه إلى الله * فكانوا أربعينا
بين عم وابن عم * حوله كانوا عرينا
فورثت العلم منه * والكتاب المستبينا
طبت كهلا وغلاما * ورضيعا وجنينا
ولدى الميثاق طينا * يوم كان الخلق طينا
كنت مأمونا وجيها * عند ذي العرش مكينا
في حجاب النور حيا * طيبا للطاهرينا
ومن شعراء الكوثر الصاحب بن عباد ، وله :
قالت فمن بعده تصفى الولاء له * قلت الوصي الذي أربى على رجل
قالت فمن ذا غدا باب المدينة قل * فقلت من سألوه وهو لم يسل
قالت فمن قاتل الأقوام إذ نكثوا * فقلت تفسيره في وقعة الجمل
قال فمن حارب الأرجاس إذ قسطوا * فقلت صفين تبدي صفحة العمل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 185 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قالت فمن قارع الأنجاس إذ مرقوا * فقلت معناه يوم النهروان جلي
قالت فمن صاحب الحوض الشريف غدا * فقلت من بيته في أشرف الحلل
قالت فمن ذا لواء الحمد يحمله * فقلت من لم يكن في الروع بالوجل
قالت أكل الذي قد قلت في رجل * فقلت كل الذي قد قلت في رجل
قالت فمن هو هذا الفرد سم لنا * فقلت ذاك أمير المؤمنين علي
- ومنهم الملك الصالح طلائع بن رزيك ، وله :
أنا من شيعة الإمام علي * حرب أعدائه وسلم الولي
أنا من شيعة الإمام الذي ما * مال في عمره لفعل دني
أنا عبد لصاحب الحوض ساقي * من توالى فيه بكأس روي
أنا عبد لمن أبان لنا المشكل * فارتاض كل صعب أبي
والذي كبرت ملائكة الله له * عند صرعة العامري
الإمام الذي تخيره الله * بلا مرية أخا للنبي
قسما ما وقاه بالنفس لما * بات في الفرش عنه غير علي
ولعمري إذ حل في يوم خم * لم يكن موصيا لغير الوصي
- ومنهم سعيد بن أحمد النيلي المؤدب ، قال كما في الغدير : 4 / 395 :
دع يا سعيد هواك واستمسك بمن * تسعد بهم وتزاح من آثامه
بمحمد وبحيدر وبفاطم * وبولدهم عقد الولا بتمامه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 186 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قوم يسر وليهم في بعثه * ويعض ظالمهم على إبهامه
ونرى ولي وليهم وكتابه * بيمينه والنور من قدامه
يسقيه من حوض النبي محمد * كأسا بها يشفى غليل أوامه
بيدي أمير المؤمنين وحسب من * يسقى به كأسا بكف إمامه
ذاك الذي لولاه ما اتضحت لنا * سبل الهدى في غوره وشامه
عبد الإله وغيره من جهله * ما زال معتكفا على أصنامه
ما آصف يوما وشمعون الصفا * مع يوشع في العلم مثل غلامه
ومنهم ابن العرندس الحلي :
ذكره في في الغدير : 7 / 14 ، ومن شعره :
طوايا نظامي في الزمان لها نشر * يعطرها من طيب ذكراكم نشر
قصائد ما خابت لهن مقاصد * بواطنها حمد ظواهرها شكر
مطالعها تحكي النجوم طوالعا * فأخلاقها زهر وأنوارها زهر
عرائس تجلي حين تجلي قلوبنا * أكاليلها در وتيجانها تبر
حسان لها حسان بالفضل شاهد * على وجهها تبر يزان بها التبر
فيا ساكني أرض الطفوف عليكم * سلام محب ما له عنكم صبر
نشرت دواوين الثنا بعد طيها * وفي كل طرس من مديحي لكم سطر
فطابق شعري فيكم دمع ناظري * فمبيض ذا نظم ومحمر ذا نثر
وقفت على الدار التي كنتم بها * فمغناكم من بعد معناكم فقر
وقد درست منها الدروس وطالما * بها درس العلم الإلهي والذكر
وسالت عليها من دموعي سحائب * إلى أن تروى البان بالدمع والسدر
فراق فراق الروح لي بعد بعدكم * ودار برسم الدار في خاطري الفكر
وقد أقلعت عنها السحاب ولم يجد * ولا در من بعد الحسين لها در
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 187 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إمام الهدى سبط النبوة والد * الأئمة رب النهي مولى له الأمر
إمام أبوه المرتضى علم الهدى * وصي رسول الله والصنو والصهر
وفيه رسول الله قال وقوله * صحيح صريح ليس في ذلك نكر
حبي بثلاث ما أفاد بمثلها * ولي فمن زيد هناك ومن عمرو
له تربة فيها الشفاء وقبة * يجاب بها الداعي إذا مسه الضر
وذرية درية منه تسعة * أئمة حق لا ثمان ولا عشر
أيقتل ظمآنا حسين بكربلا * وفي كل عضو من أنامله بحر
ووالده الساقي على الحوض في غد * وفاطمة ماء الفرات لها مهر
فيا لك مقتولا بكته السما دما * فمغبر وجه الأرض بالدم محمر
ملابسه في الحرب حمر من الدما * وهن غداة الحشر من سندس خضر
ولهفي لزين العابدين وقد سرى * أسيرا عليلا لا يفك له أسر
وآل رسول الله تسبى نسائهم * ومن حولهن الستر يهتك والخدر
سبايا بأكوار المطايا حواسرا * يلاحظهن العبد في الناس والحر
فويل يزيد من عذاب جهنم * إذا أقبلت في الحشر فاطمة الطهر
تنادي وأبصار الأنام شواخص * وفي كل قلب من مهابتها ذعر
وتشكو إلى الله العلي وصوتها * علي ومولانا علي لها ظهر
فلا ينطق الطاغي يزيد بما جنى * وأنى له عذر ومن شأنه الغدر
- وفي مناقب آل أبي طالب : 3 / 28
وقال ابن الحجاج :
أنا مولى لمن لواء الحمد * على عاتقه يوم النشور .
إلى آخر ما رووه من شعر حوض الكوثر ، وهو يؤكد أن أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) في أن
عليا هو آمر السقاية عليه كانت من خصائصه المعروفة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 188 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

علي ( عليه السلام ) قسيم الله بين الجنة والنار

- قال القاضي عياض في الشفا : 1 / 294
( وأخبر النبي ) . . . وما ينال أهل بيته وتقتيلهم وتشريدهم ، وقتل علي ، وأن
أشقاها الذي يخضب هذه من هذه ، أي لحيته من رأسه ، وأنه قسيم النار ، يدخل
أولياؤه الجنة ، وأعداءه النار . . .
- وقال الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / 72
فإن قيل : هذا سند ضعيف :
قلت : قال محمد بن منصور الطوسي : كنا عند أحمد بن حنبل ، فقال له رجل :
ما تقول في هذا الحديث الذي يروى أن عليا قال : أنا قسيم النار ؟
فقال أحمد : وما تنكرون من هذا الحديث ؟ ! أليس روينا أن النبي ( ص ) قال
لعلي : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ؟
قلنا : بلى .
قال : فأين المنافق ؟
قلنا : في النار .
قال : فعلي قسيم النار ! !
- ونقل هذه الحكاية عن أحمد ، في إحقاق الحق : 17 / 209 ، عن مجمع الآداب للبخاري
الفوطي : 3 ق / 1 / 594 ط . بغداد .
ونقلها في : 30 / 402 ، عن مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة ،
للصفوري / 167 ط . دار ابن كثير ، دمشق وبيروت ، تحقيق محمد خير المقداد ونقلها في : 4
/ 259 ، عن طبقات الحنابلة لأبي يعلى : 1 / 320 طبع القاهرة .
وروي الحديث في صحيفة الإمام الرضا / 115 ، من عدة مصادر ، بعدة أسانيد ،
عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن آبائه ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : يا علي إنك قسيم النار والجنة ،
وإنك تقرع باب الجنة فتدخلها بلا حساب .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 189 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال في هامشه :
أخرجه محب الدين الطبري في الرياض النضرة : 2 / 160 و ص 211 . وذخائر العقبى : 61 .
وابن المغازلي في المناقب : 7 6 ح 97 ، عنه ابن طاووس في الطرائف : 76 ح 100 .
وعنه البحار : 39 / 209 ح 31 .
وأخرجه القندوزي في ينابيع المودة : 84 من طريق ابن المغازلي ، عن ابن مسعود وفيه :
وتدخلها أحباءك . وفي / 303 و ص 257 عن علي .
ورواه الخوارزمي في مناقبه : 209 .
والحمويني في فرائد السمطين : 1 / 142 ح 105
- وقال في إحقاق الحق : 7 / 172
حديث حذيفة رواه القوم : منهم العلامة الآمرتسري في أرجح المطالب / 32 ط .
لاهور ، روى من طريق الديلمي وابن المغازلي والقاضي عياض عن حذيفة قال : قال
رسول الله عليه ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي أنت قسيم النار والجنة ، وأنت تقرع باب الجنة وتدخلها
أحباءك بغير حساب .
- وفي الصواعق المحرقة لابن حجر / 126
عن علي الرضا أنه ( ص ) قال له : أنت قسيم الجنة والنار في يوم القيامة ، تقول
النار : هذا لي وهذا لك . .
- وفي فردوس الأخبار : 3 / 90 ، عن حذيفة : علي قسيم النار .
- وفي بغية الطلب لابن العديم : 1 / 289
قال الأعمش : وإنما يعني بقوله أنا قسيم النار : من من كان معي فهو على الحق .
ورواه في إحقاق الحق : 20 / 251 ، عن مخطوطة كتاب ( آل محمد ) لحسام الدين
المردي الحنفي صفحة 32 ، عن أبي سعيد الخدري .
- وأورد في إحقاق الحق : 4 / 259 ، و : 30 / 402 ، أسماء عدد من المؤلفين السنيين
الذين رووا الحديث أو ذكروه في مؤلفاتهم ، منهم :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 190 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
منهم أحمد بن أبي عبيد العبدي الهروي في كتابه الغريبين / 307 في مادة القاف
مع السين ، مخطوط .
وابن المغازلي في كتابه مناقب أمير المؤمنين - مخطوط ، قال : قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لعلي ( عليه السلام ) : إنك قسيم الجنة والنار ، وأنت تقرع باب الجنة
وتدخلها بغير حساب .
والخوارزمي في المناقب / 234 ط . تبريز .
وأبو يعلى الحنبلي في طبقات الحنابلة : 1 / 320 ط . القاهرة ، ذكر حكاية أحمد
المتقدمة .
- وابن الأثير في نهاية اللغة : 3 / 284 ، قال : في حديث علي : أنا قسيم النار .
والحمويني في فرائد السمطين ، قال :
أخبرنا الشيخ شرف الدين أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الحسن بن
عساكر سماعا عليه قال : أخبرتنا زينب بنت أبي القاسم عبد الرحمان الشعري
الجرجاني إجازة ، أنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ، نبأ أبي أحمد بن
عامر بن سليمان ، نبأ أبو الحسن علي بن موسى الرضا ، حدثني أبي موسى بن جعفر
بن محمد ، حدثني أبي علي بن أبي طالب قال : قال النبي ( ص ) : يا علي إنك قسيم
النار ، وإنك تقرع باب الجنة فتدخلها بغير حساب .
وقال : أنبأني أبو الفضل بن أبي العباس مودود بن محمود عبد الله بن محمود
الحنفي ( رحمه الله ) قال أنا أبو جعفر عمر بن محمد بن معمر بن طرزة الدارمي قال : أنا أبو
القاسم بن أبي عبد الرحمان بن أبي نصر المستملي الشحامي إجازة قال : أنبأ أبو بكر
بن الحسين الحافظ قال : أنا أبو الحسين بن الفضل القطامي قال : أنا عبد الله بن جعفر
قال : ثنا يعقوب : قال حدثني يحيى بن عبد الحميد قال : ثنا علي بن معمر عن
موسى بن طريف ، عن عباية ، عن علي قال : أنا قسيم النار ، إذا كان يوم القيامة قلت
هذا لك وهذا لي .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 191 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وابن كثير في البداية والنهاية / 355 : 7 ط . مصر ، قال : لفظ عبد الله بن أحمد
يعقوب بن سفيان : ثنا يحيى بن عبد الحميد ، ثنا علي بن مسهر ، عن الأعمش ، عن
موسى بن طريف ، عن عباية ، عن علي قال : أنا قسيم النار ، إذا كان يوم القيامة ، قلت
هذا لك ، وهذا لي .
والعسقلاني في لسان الميزان : 3 / 247 و 248 ط . حيدر آباد الدكن ، و : 6 ص 113
والمتقي الهندي في منتخب كنز العمال ( المطبوع بهامش المسند : 5 / 52 ط القديم
بمصر ) قال : عن علي قال : أنا قسيم النار .
والصديقي في مجمع بحار الأنوار ( : 3 / 144 ط نول كشور ) قال : وفي الحديث :
علي قسيم النار .
والكشفي الترمذي في المناقب المرتضوية / 91 ط . بمبئي ، عن سنن الدارقطني
والصواعق المحرقة لابن حجر المكي .
والمناوي في كنوز الحقايق / 98 ، ط . بولاق بمصر ، قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : علي قسيم النار .
والبدخشي في مفتاح النجا / 46 مخطوط ، قال : وأخرج الدارقطني عن علي كرم
الله وجهه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا علي أنت قسيم النار يوم
القيامة .
والزبيدي في تاج العروس : 2 / 25 ط . القاهرة ، ذكر قول علي ( رضي الله عنه ) : أنا قسيم النار .
والقندوزي في ينابيع المودة / 84 ط اسلامبول ، قال :
وفي جواهر العقدين : قد أخرج الدارقطني ، عن أبي الطفيل عامر بن وائلة الكناني
أن عليا قال حديثا طويلا في الشورى ، وفيه أنه قال لأهل الشورى : فأنشدكم بالله هل
فيكم أحد قال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنت قسيم النار والجنة غيري ؟ قالوا : اللهم لا .
وفي صفحة 85 :
وفي المناقب عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، وفيه ( يا علي لو أن رجلا أحبك
وأولادك في الله ، لحشره الله معك ومع أولادك . وأنتم معي في الدرجات العلى ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 192 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأنت قسيم الجنة والنار ، تدخل محبيك الجنة ومبغضيك النار .
والصفوري ، في مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة / 167 ط
. دار ابن كثير ، دمشق وبيروت .
والعدوي الحمراوي في مشارق الأنوار / 122 ط . مصر ، عن جواهر العقدين أن
المأمون قال لعلي الرضا . . . انتهى .
- وقال في هامش مناقب أمير المؤمنين ( ع ) : 2 / 527
وروى ابن قتيبة في آخر غريب كلام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من كتاب غريب الحديث :
2 / 150 ، ط 1 ، قال : وقول علي : أنا قسيم النار ، يرويه عبد الله بن داود ، عن
الأعمش ، عن موسى بن طريف .
قال ابن قتيبة : أراد علي أن الناس فريقان : فريق معي فهم على هدى ، وفريق
علي فهم على ضلال كالخوارج فأنا قسيم النار . معناه نصف الناس في الجنة معي ،
ونصف في النار .
وقسيم : في معنى مقاسم مثل جليس وأكيل وشريب .
وليلاحظ مادة قسم من الغريبين والنهاية والفائق ولسان العرب .
وروى المرشد بالله يحيى بن الحسن الشجري في فضائل علي ( عليه السلام ) كما في ترتيب
أماليه / 134 ، ط . مصر ، قال : أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد الواعظ
المقرئ المعروف بابن العلاء بقراءتي عليه قال : أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن
محمد بن ميثم قال : أخبرنا أبو أحمد القاسم بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن
محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب قال : حدثنا أبي جعفر بن محمد عن أبيه
محمد بن عبد الله ، عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه :
الحسين بن علي ( عليهما السلام ) قال : قال لي أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : أنا
قسيم النار . فقال عمار بن ياسر : إنما عنى بذلك أن كل من معي فهو على الحق ، وكل
من مع معاوية على الباطل ضالا مضلا . . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 193 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثم قال المرشد بالله يحيى بن الحسين الشجري : أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن
أحمد بن علي المقرئ ابن الكوفي بقراءتي عليه قال : أخبرنا أبو حفص عمر بن
إبراهيم بن أحمد الكناني المقرئ قال : حدثنا أبو الحسين عمر بن الحسن القاضي
الأشناني قال : حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي قال : حدثني محمد بن منصور
الطوسي قال : كنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل : يا أبا عبد الله ما تقول في هذا
الحديث الذي يروى أن عليا ( عليه السلام ) قال : أنا قسيم النار ؟
فقال أحمد : وما تنكر من ذا ؟ ! أليس روينا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لعلي ( عليه السلام ) : لا يحبك
إلا مؤمن ولا ببغضك إلا منافق ؟ ! . . . وانظر الحكاية 7 و 9 من خاتمة أربعين منتجب
الدين . وهذا رواه أيضا ابن القاضي أبي يعلى الحنفي في كتاب طبقات الحنابلة : 1 /
320 . وقريبا منه رواه أيضا ابن عساكر في الحديث : 775 من ترجمة علي من تاريخ
دمشق : 2 / 253 ط 2 ، وفيما قبله وما بعده شواهد جمة للمقام .
- ونقل في إحقاق الحق : 20 / 251
عن كتاب ( آل محمد ) لحسام الدين المردي الحنفي صفحة 32 ، والنسخة مصورة
من مكتبة العلامة المحقق السيد الإشكوري ، قال :
عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا سألتم الله عز
وجل فسألوه لي الوسيلة ، فسئل عنها فقال : درجة في الجنة ، وهي ألف مرقاة ما بين
المرقاة إلى المرقاة يسير الفرس الجواد شهرا ، مرقاة زبرجد إلى مرقاة لؤلؤ ، إلى مرقاة
يلنجوج ، إلى مرقاة نور ، وهكذا من أنواع الجواهر ، فهي في بين النبيين كالقمر بين
الكواكب ، فينادي المنادي : هذه درجة محمد خاتم الأنبياء ، وأنا يومئذ متزي بريطة
من نور على رأسي تاج الرسالة وإكليل الكرامة ، وعلي بن أبي طالب أمامي وبيده
لوائي وهو لواء الحمد مكتوب عليه لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي ولي الله ،
وأولياء علي المفلحون الفائزون بالله .
حتى أصعد أعلى منها وعلي أسفل مني بدرجة وبيده لوائي ، فلا يبقى يومئذ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 194 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رسول ونبي ولا صديق ولا شهيد ولا مؤمن ، إلا رفعوا أعينهم ينظرون إلينا ويقولون :
طوبى لهذين العبدين ما أكرمهما على الله ، فينادي المنادي يسمع نداءه جميع
جميع الخلائق : هذا حبيب الله محمد ، وهذا ولي الله علي .
فيأتي رضوان خازن الجنة فيقول : أمرني ربي أن آتيك بمفاتيح الجنة فأدفعها
إليك يا رسول الله ، فأقبلها أنا فأدفعها إلى أخي علي .
ثم يأتي مالك خازن النار فيقول : أمرني ربي أن آتيك بمقاليد النار فأدفعهما إليك
يا رسول الله ، فأقبلها أنا فأدفعهما إلى أخي علي .
فيقف علي على غمرة جنهم ويأخذ زمامها بيده وقد علا زفيرها واشتد حرها ،
فتنادي جهنم : يا علي ذرني فقد أطفأ نورك لهبي ، فيقول لها علي : ذري هذا وليي ،
وخذي هذا عدوي ، فلجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلي فيما يأمرها به من رق أحدكم
لصاحبه ، ولذلك كان علي قسم النار والجنة . انتهى .
- وقد قوى ابن أبي الحديد المعتزلي حديث قسيم الجنة والنار في شرح نهج البلاغة ج 10
جزء 19 / 139 ، وفي : 5 جزء 9 / 165 : وقال ( وهو ما يطابق الأخبار ) .
وأخيرا : فإن مما يؤيد صحة حديث ( علي قسيم النار والجنة ) أن مخالفيه
وضعوا حديثا بأن أبا بكر قسيم الجنة والنار ، وقد شهد محبو أبي بكر بأنه موضوع ،
فلا بد أن يكون الدافع لوضعه أن يقابلوا به حديثا معروفا يحتج به الشيعة . .
- قال ابن حبان في المجروحين : 1 / 145
أحمد بن الحسن بن القاسم شيخ كوفي : يضع الحديث على الثقات . . روى عن
ابن عباس قال قال رسول الله ( ص ) : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من تحت العرش :
ألا هاتوا أصحاب محمد ( ص ) فيؤتى بأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان
بن عفان وعلي بن أبي طالب ( رض ) قال فيقال لأبي بكر : قف على باب الجنة
فأدخل من شئت برحمة الله ، وادرأ من شئت بعلم الله . . الخ .
ثم قال ابن حبان : الحديث موضوع لا أصل له . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 195 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

حديث : قسيم النار والجنة ، في مصادرنا

التعبير الأصلي في مصادرنا عن هذه الصفة لعلي ( عليه السلام ) أنه ( قسيم الله بين الجنة
والنار ) ، وقد ورد هذا التعبير في الكافي 1 / 196 ، عن الإمام الصادق 7 ، قال :
وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيرا ما يقول : أنا قسيم الله بين الجنة والنار ،
وأنا الفاروق الأكبر وأنا صاحب العصا والميسم . . . الخ .
- وفي الكافي : 1 / 98
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أنا قسيم الله بن الجنة والنار ، لا يدخلها داخل إلا على
حد قسمي ، وأنا الفاروق الأكبر ، وأنا الإمام لمن بعدي ، والمؤدي عمن كان قبلي ، لا
يتقدمني أحد إلا أحمد ( صلى الله عليه وآله ) . انتهى .
ونحوه في علل الشرائع : 1 / 164 ، وفي بصائر الدرجات / 414
وقد جعله الصدوق عنوانا في علل الشرائع : 1 / 161 ، فقال :
قسيم الله بين الجنة والنار :
حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال : حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا أبو العباس
القطان قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي قال : حدثنا عبد الله بن داهر قال :
حدثنا أبي ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر قال :
قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق : لم صار أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب قسيم الجنة والنار ؟
قال : لأن حبه إيمان وبغضه كفر ، وإنما خلقت الجنة لأهل الإيمان ، وخلقت النار
لأهل الكفر ، فهو ( عليه السلام ) قسيم الجنة والنار ، لهذه العلة فالجنة لا يدخلها إلا أهل محبته ،
والنار لا يدخلها إلا أهل بغضه .
قال المفضل : فقلت يا بن رسول الله فالأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) كانوا يحبونه
وأعداؤهم كانوا يبغضونه ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 196 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال : نعم .
قلت : فكيف ذلك ؟
قال : أما علمت أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال يوم خيبر : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله
ورسوله ويحبه الله ورسوله ، ما يرجع حتى يفتح الله على يديه ، فدفع الراية إلى علي
ففتح الله تعالى على يديه .
قلت : بلى .
قال : أما علمت أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما أتي بالطائر المشوي قال : اللهم ائتني
بأحب خلقك إليك وإلي يأكل معي من هذا الطائر ، وعنى به عليا ؟
قلت : بلى .
قال : فهل يجوز أن لا يحب أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم ( عليهم السلام ) رجلا يحبه الله
ورسوله ، ويحب الله ورسوله .
فقلت له : لا .
قال : فهل يجوز أن يكون المؤمنون من أممهم لا يحبون حبيب الله وحبيب رسوله
وأنبيائه ( عليهم السلام ) ؟
قلت : لا .
قال : فقد ثبت أن أعدائهم والمخالفين لهم كانوا لهم ولجميع أهل محبتهم
مبغضين .
قلت : نعم .
قال : فلا يدخل الجنة إلا من أحبه من الأولين والآخرين ، ولا يدخل النار إلا من
أبغضه من الأولين والآخرين ، فهو إذن قسيم الجنة والنار .
قال المفضل بن عمر : فقلت له يا بن رسول الله فرجت عني فرج الله عنك ، فزدني
مما علمك الله .
قال : سل يا مفضل .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 197 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقلت له : يا بن رسول الله فعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) يدخل محبه الجنة ومبغضه
النار ؟ أو رضوان ومالك ؟
فقال : يا مفضل أما علمت أن الله تبارك وتعالى بعث رسول ( صلى الله عليه وآله ) وهو روح إلى
الأنبياء ( عليهم السلام ) ، وهم أرواح قبل خلق الخلق بألفي عام ؟
قال : أما علمت أنه دعاهم إلى توحيد الله وطاعته واتباع أمره ، ووعدهم الجنة
على ذلك ، وأوعد من خالف ما أجابوا إليه وأنكره النار ؟
قلت : بلى .
قال : أفليس النبي ( صلى الله عليه وآله ) ضامنا لما وعد وأوعد عن ربه عز وجل ؟
قلت : بلى .
قال : أوليس علي بن أبي طالب خليفته وإمام أمته ؟
قلت : بلى .
قال : أوليس رضوان ومالك من جملة الملائكة والمستغفرين لشيعته الناجين
بمحبته ؟
قلت : بلى .
قال : فعلي ابن أبي طالب إذن قسيم الجنة والنار عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ورضوان
ومالك صادران عن أمره ، بأمر الله تبارك وتعالى .
يا مفضل خذ هذا ، فإنه من مخزون العلم ومكنونه ، لا تخرجه إلا إلى أهله .
- وفي كفاية الأثر / 151
أخبرنا القاضي المعافا بن زكريا ، قال حدثنا علي بن عتبة ، قال حدثني الحسين
بن علوان ، عن أبي علي الخراساني ، عن معروف بن خربوذ ، عن أبي الطفيل ، عن
علي ( عليه السلام ) قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
أنت الوصي على الأموات من أهل بيتي ، والخليفة على الأحياء من أمتي ، حربك
حربي وسلمك سلمي ، أنت الإمام أبو الأئمة الأحد عشر من صلبك ، أئمة مطهرون
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 198 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
معصومون ، ومنهم المهدي الذي يملأ الدنيا قسطا وعدلا ، فالويل لمبغضكم .
يا علي لو أن رجلا أحب في الله حجرا لحشره الله معه ، وإن محبيك وشيعتك
ومحبي أولادك الأئمة بعدك يحشرون معك ، وأنت معي في الدرجات العلى ،
وأنت قسيم الجنة والنار ، تدخل محبيك الجنة ومبغضيك النار .
- وفي مناقب آل أبي طالب : 2 / 9
- قال الزمخشري في الفايق : معنى قول علي أنا قسيم النار ، أي مقاسمها
ومساهمها يعني أن القوم على شطرين مهتدون وضالون ، فكأنه قاسم النار إياهم
فشطر لها وشطر معه في الجنة .
ولقد صنف محمد بن سعيد كتاب : من روى في علي أنه قسيم النار .
- وفي إحقاق الحق : 17 / 164
عن العدوي الحمراوي في مشارق الأنوار / 122 ط . مصر ، عن جواهر العقدين أن
المأمون قال لعلي الرضا : بأي وجه جدك علي بن أبي طالب قسيم الجنة والنار ؟
فقال : يا أمير المؤمنين ألم ترو عن أبيك ، عن آبائه ، عن عبد الله بن عباس أنه قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : حب علي إيمان وبغضه كفر .
فقال : بلى .
قال الرضا : فقسمة الجنة والنار إذا كان على حبه وبغضه .
فقال المأمون : لا أبقاني بعدك يا أبا الحسين ، أشهد أنك وارث علم رسول الله
صلى الله عليه وسلم .
قال أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي : فلما رجع الرضا إلى بيته قلت له : يا
بن رسول الله ما أحسن ما أجبت به أمير المؤمنين .
فقال : يا أبا الصلت ما أجبته إلا من حيث هو ، ولقد سمعت أبي يحدث عن أبيه ،
عن علي ( رضي الله عنه ) ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت قسيم الجنة والنار ،
فيوم القيامة ، تقول للنار هذا لي ، وهذا لك . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 199 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وراجع أيضا : بصائر الدرجات / 414 ، والخصال / 96 ، والاحتجاج : 1 / 189 و 406 ،
وإعلام الورى / 187 ، ومناقب آل أبي طالب : 2 / 6 ، ومناقب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
2 / 462 ، والأربعين حديثا للمنتجب الرازي / 87

حديث قسيم الجنة والنار في الشعر

- في مناقب آل أبي طالب : 2 / 9
قال السيد ( الحميري ) :
ذاك قسيم النار من قيله * خذي عدوي وذري ناصري
ذاك علي بن أبي طالب * صهر النبي المصطفى الطاهر
وله أيضا :
علي قسيم النار من قيله ذري * ذا وهذا فاشربي منه واطعمي
خذي بالشوى ممن يصيبك منهم * ولا تقربي من كان حزبي فتظلمي
وله أيضا :
قسيم النار هذا لك وذا * لي ذريه إنه لي ذو وداد
يقاسمها فينصفها فترضى * مقاسمة المعادل غير عاد
كما انتقد الدراهم صيرفي * ينقي الزايفات من الجياد
وقال العوني :
يسوق الظالمين إلى جحيم * فويل للظلوم الناصبي
يقول لها خذي هذا فهذا * عدوي في البلاء على الشقي
وخلي من يواليني فهذا * رفيقي في الجنان وذا وليي
وقال غيره :
وإني لأرجو يا إلهي سلامة * بعفوك من نار تلظى همومها
أبا حسن لو كان حبك مدخلي * جهنم كان الفوز عندي جحيمها
وكيف يخاف النار من هو موقن * بأن أمير المؤمنين قسيمها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 200 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال الزاهي :
يا سيدي يا بن أبي طالب * يا عصمة المعتف والجار
لا تجعلن النار لي مسكنا * يا قاسم الجنة والنار
وقال غيره :
علي حبه جنة * قسيم النار والجنة
وصي المصطفى حقا * إمام الإنس والجنة
- وفي مناقب آل أبي طالب : 3 / 28
وقال الناشئ :
فما لابن أبي طالب * المفضال من ند
هو الحامل في الحشر * بكفيه لوا الحمد
قسيم النار والجنة * بين الند والضد
- وفي ديوان دعبل الخزاعي / 126
قسيم الجحيم فهذا له * وهذا لها باعتدال القسيم
يذود عن الحوض أعداءه * فكم من لعين طريد وكم
فمن ناكثين ومن قاسطين * ومن مارقين ومن مجترم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 201 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

علي أول الواردين على النبي عند حوض الكوثر

وردت أحاديث تنص على أن عليا ( عليه السلام ) أول وارد على رسول الله على حوضه يوم
القيامة ، وقد تعرض لها الأميني ( رحمه الله ) في الغدير : 3 / 220 ، وما بعدها ، ونكتفي بذكر
نماذج منها ، قال :
قال ( صلى الله عليه وآله ) : أولكم واردا ورودا علي الحوض : أولكم إسلاما ، علي بن أبي طالب .
أخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 136 ، وصححه ، والخطيب البغدادي في تاريخه : 2 ص 81 ،
ويوجد في الإستيعاب 2 / 457 ، وشرح ابن أبي الحديد 3 / 258 وفي لفظ : أول هذه الأمة
ورودا على الحوض أولها إسلاما علي بن أبي طالب 2 - السيرة الحلبية 1 ص 285 - سيرة
زيني دحلان 1 / 188 ، هامش الحلبية .
وفي لفظ : أول الناس ورودا على الحوض أولهم إسلاما علي بن أبي طالب -
مناقب الفقيه ابن المغازلي ، مناقب الخوارزمي . انتهى .
- وفي مناقب أمير المؤمنين ( ع ) : 1 / 280
محمد بن سليمان ، عن محمد بن منصور ، عن الحكم بن سليمان ، عن أبي زكريا
السمسار ، عن محمد بن عبيد الله بن علي ، عن أبيه عن جده ، عن أبي ذر قال :
سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : أولكم ورودا علي الحوض أولكم إسلاما علي بن أبي
طالب . انتهى .
ورواه في كنز العمال : 11 / 616 ، وقال عنه ( ك . ولم يصححه ، والخطيب - عن
سليمان ) . انتهى .
وليس من عادة صاحب كنز العمال عندما ينقل حديثا أن يقول ( رواه فلان ولم
يصححه ) ولكنهم يستعملون هذا التعبير للتبرؤ من تبني الحديث .
وبذلك أراد صاحب كنز العمال أن يبعد عن نفسه تهمة التشيع ! لأن هذا
الحديث يجعل عليا أول من أسلم وليس أبا بكر ! وأول من يرد المحشر والحوض ،
وليس عمر !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 202 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي مجمع الزوائد : 9 / 102
وعن سلمان قال أول هذه الأمة ورودا على نبيها صلى الله عليه وسلم أولها
إسلاما علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) . رواه الطبراني ورجاله ثقات .
وعن ابن عباس قال : أول من أسلم علي ( رضي الله عنه ) . رواه الطبراني ، وفيه عثمان الجزري
ولم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح .
- وفي كنز العمال : 11 / 601
السبق ثلاثة : فالسابق إلى موسى يوشع بن نون ، والسابق إلى عيسى صاحب يس
والسابق إلى محمد علي بن أبي طالب ( طب ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ) .
الصديقون ثلاثة : حزقيل مؤمن آل فرعون ، وحبيب النجار صاحب آل يس ،
وعلي بن أبي طالب . ( ابن النجار ، عن ابن عباس ) .
- وفي مجمع الزوائد : 9 / 102
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : السبق ثلاثة ، السابق إلى
موسى يوشع بن نون ، والسابق إلى عيسى صاحب ياسين ، والسابق إلى محمد صلى
الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) .
رواه الطبراني وفيه حسين بن حسن الأشقر ، وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور ،
وبقية رجاله حديثهم حسن أو صحيح .

لا يعبر إنسان الصراط إلا بجواز من علي ( عليه السلام )

- في تاريخ بغداد : 10 / 357
عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن على
الصراط لعقبة لا يجوزها أحد إلا بجواز من علي بن أبي طالب .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 203 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي تاريخ بغداد : 3 / 161
وفي حديث ابن عباس قال : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله للنار
جواز ؟
قال : نعم .
قلت : وما هو ؟
قال : حب علي بن أبي طالب .
- وفي الصواعق المحرقة لابن حجر / 195
عن أبي بكر بن أبي قحافة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يجوز
أحد الصراط إلا من كتب له علي الجواز .

عنوان صحيفة المؤمن يوم القيامة حب علي ( عليه السلام )

- في تاريخ بغداد : 4 / 410
عن أنس قال : والله الذي لا إله إلا هو لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب .
وفي المعجم الكبير للطبراني : 11 / 83
عن ابن عباس قال قال رسول الله ( ص ) : لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى
يسأل . . . وعن حبنا أهل البيت .
- وفي الفضائل / 114
وروى أنس بن مالك قال سمعت أذناي أن رسول الله ( ص ) يقول في علي بن
أبي طالب ( عليه السلام ) : عنوان صحيفة المؤمن يوم القيامة حب على

من هو المخاطب بقولة تعالى : ألقيا في جهنم كل كفار عنيد

قال الله تعالى :
ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد . وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد . لقد كنت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 204 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد . وقال قرينه هذا ما لدي
عتيد ألقيا في جهنم كل كفار عنيد . مناع للخير معتد مريب . الذي جعل مع الله إلها
آخر فألقياه في العذاب الشديد . قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد .
قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد . ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام
للعبيد . ق 20 - 29
والسؤال هنا : من هما المخاطبان بقوله تعالى ( ألقيا ) المأموران بإلقاء الكفارين
العنيدين في جهنم ؟
وقد أجاب أكثر المفسرين بأن المأمور بذلك هو القرين وهو واحد ! لكن الأمر
جاء بصيغة المثنى للتأكيد ! ! !
قال الطبري في تفسيره : 27 / 103 ( فأخرج الأمر للقرين وهو بلفظ واحد مخرج
الاثنين ، وفي ذلك وجهان من التأويل : أحدهما أن يكون القرين بمعنى الاثنين . . .
والثاني أن يكون كما قال بعض أهل العربية وهو أن العرب تأمر الواحد والجماعة بما
تأمر به الاثنين . انتهى .
- وقال الرازي في تفسيره : 27 / 165
ثم يقال للسائق أو للشهيد : ألقيا في جهنم كل كفار عنيد . فيكون هو أمرا لواحد ،
وفيه وجهان : أحدهما أنه ثنى تكرار الأمر كما يقال ألق ألق ، وثانيهما عادة العرب
ذلك . انتهى .
وذكر شبيها به بعض مفسرينا ، كما في التبيان : 9 / 366 ، وإملاء ما من به
الرحمن : 2 / 242
ولكن لا يمكن قبول هذا الرأي :
أولا ، لأنه يخالف مصداقية النص القرآني الدقيقة دائما ، خاصة أنه تعالى كرر
التثنية
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 205 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقال ( فألقياه في العذاب الشديد ) . فما ذكره الطبري والرازي وغيرهما ، مضافا
إلى تهافته ، لا يمكن قبوله .
وثانيا : أن الظاهر من الآيات أن القرين ملقى في جهنم أيضا ، وأن تخاصمه مع
صاحبه داخل جهنم ، فكيف يكون مقربا عند الله تعالى ، ومأمورا بإلقاء الكفارين
فيها ؟ ! .
فلم يبق وجه للتثنية إلا أن يكون المخاطبان هما السائق والشهيد .
ولكن يرد عليه : أن الالقاء في النار عمل آخر غير السوق للمحشر والشهادة في
الحساب . وأن المشهد في الآيات لشخصين : شخص كفار عنيد مناع للخير ، وقرينه
قرين السوء . . الخ . وهي تتناسب مع أمر اثنين بإلقائهما في جهنم !
وهذا يقوي ما ورد في مصادرنا وبعض المصادر السنية من أن المأمورين في الآية
هما محمد ( صلى الله عليه وآله ) وعلي ( عليه السلام ) .
- وقال في هامش مناقب أمير المؤمنين ( ع ) : 2 / 527
في مناقب علي المطبوع في خاتمة مناقب ابن المغازلي / 427 ط 1 ، قال : حدثنا
أبو الأغر أحمد بن جعفر الملطي قدم علينا في سنة سبع وعشرين وثلاث مائة قال :
حدثنا محمد بن الليث الجوهري قال : حدثنا محمد بن الطفيل قال : حدثنا شريك
بن عبد الله قال : كنت عند الأعمش وهو عليل فدخل عليه أبو حنيفة وابن شبرمة
وابن أبي ليلى فقالوا : يا أبا محمد إنك في آخر أيام الدنيا وأول أيام الآخرة ، وقد
كنت تحدث في علي بن أبي طالب بأحاديث فتب إلى الله منها ! !
فقال الأعمش : أسندوني أسندوني . فأسند فقال :
حدثنا أبو المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا
كان يوم القيامة قال الله تبارك وتعالى لي ولعلي : ألقيا في النار من أبغضكما ، وأدخلا
في الجنة من أحبكما ، فذلك قوله تعالى : ألقيا في جهنم كل كفار عنيد .
فقال أبو حنيفة للقوم : قوموا لا يجئ بشئ أشد من هذا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 206 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ورواه الحافظ الحسكاني في تفسير الآية ( 23 ) من سورة ( ق ) من شواهد التنزيل
بسنده عن الكلابي ، وبسند آخر ، ثم قال : ورواه أيضا الحماني عن شريك : حدثنيه
أبو الحسن المصباحي ، حدثنا أبو القاسم علي بن أحمد بن واصل ، حدثنا عبد الله
بن محمد بن عثمان ، حدثنا يعقوب بن إسحاق من ولد عباد بن العوام ، حدثنا يحيى
بن عبد الحميد ، عن شريك ، عن الأعمش قال : حدثنا أبو المتوكل الناجي : عن أبي
سعيد الخدري قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا كان يوم القيامة قال الله تعالى لمحمد
وعلي : أدخلا الجنة من أحبكما ، وأدخلا النار من أبغضكما ، فيجلس علي على
شفير جهنم فيقول لها : هذا لي وهذا لك ! وهو قوله : ألقيا في جهنم كل كفار عنيد .
ثم رواه بأسانيد أخر . . .
ورواه أيضا الطوسي في الحديث : 9 - 11 من أماليه : 1 / 296 ط 3 ، قال :
قال أبو محمد الفحام : حدثني أبو الطيب محمد بن الفرحان الدوري قال : حدثنا محمد بن
علي بن فرات الدهان ، قال : حدثنا سفيان بن وكيع ، عن أبيه عن الأعمش : عن أبي
سعيد الخدري قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول الله تعالى يوم القيامة لي ولعلي بن أبي
طالب : أدخلا الجنة من أحبكما وأدخلا النار من أبغضكما . وذلك قوله تعالى : ألقيا
في جهنم كل كفار عنيد .
وقريبا منه رواه بسند آخر في الحديث ( 32 ) من المجلس 13 ، من : 1 / 378
ورواه أيضا بسنده عن أبي المفضل الشيباني في الحديث : ( 7 ) من المجلس : ( 12 )
من أماليه : 2 / 639 ط . بيروت ، قال : قال أبو المفضل : حدثنا إبراهيم بن حفص بن
عمر العسكري بالمصيصة قال : حدثنا عبيد بن الهيثم بن عبيد الله الأنماطي
البغدادي بحلب قال : حدثني الحسن بن سعيد النخعي ابن عم لشريك ، قال :
حدثني شريك بن عبد الله القاضي قال : حضرت الأعمش في علته التي قبض فيها ،
فبينا أنا عنده إذ دخل عليه ابن شبرمة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة فسألوه عن حاله
فذكر ضعفا شديدا ، وذكر ما يتخوف من خطيئاته وأدركته ذمة فبكى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 207 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فأقبل عليه أبو حنيفة فقال : يا أبا محمد اتق الله وانظر لنفسك ، فإنك في آخر يوم
من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة ، وقد كنت تحدث في علي بن أبي طالب
بأحاديث لو رجعت عنها كان خيرا لك .
قال الأعمش : مثل ماذا يا نعمان ؟
قال : مثل حديث عباية : أنا قسيم النار !
قال : أو لمثلي تقول هذا يا يهودي ؟ !
أقعدوني سندوني أقعدوني ! حدثني - والذي مصيري إليه - موسى بن طريف ولم أر
أسديا كان خيرا منه ، قال : سمعت عباية بن ربعي إمام الحي قال : سمعت عليا أمير
المؤمنين ( عليه السلام ) يقول : أنا قسيم النار ، أقول هذا وليي دعيه وهذا عدوي خذيه .
وحدثني أبو المتوكل الناجي علي بن داوود - أو دواد - البصري الموثوق بالاتفاق
من رجال الصحاح الست - في إمرة الحجاج . . . عن أبي سعيد الخدري ( رضي الله عنه ) قال : قال
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا كان يوم القيامة يأمر الله عز وجل فأقعد أنا وعلي على الصراط ،
ويقال لنا : أدخلا الجنة من آمن بي وأحبكما ، وأدخلا النار من كفر بي وأبغضكما .
ثم قال أبو سعيد : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما آمن بالله من لم يؤمن بي ، ولم يؤمن بي
من لم يتول - أو قال : لم يحب - عليا ، وتلا : ألقيا في جهنم كل كفار عنيد .
قال : فجعل أبو حنيفة إزاره على رأسه وقال : قوموا بنا لا يجيبنا أبو محمد بأطم
من هذا .
قال الحسن بن سعيد : قال لي شريك بن عبدا الله : فما أمسى يعني الأعمش حتى
فارق الدنيا ( رحمه الله ) .
وقريبا منه رواه أيضا الشيخ السديد السعيد المفيد أبو سعيد محمد بن أحمد بن
الحسين الخزاعي جد الشيخ أبي الفتوح الرازي في الحديث ( 14 ) من أربعينه قال :
وعن محمد بن تميم الواسطي ، عن الحماني عن شريك قال : كنت عند سليمان
الأعمش في مرضه . . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 208 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ورواه أيضا في الحديث العاشر منه بسند آخر وزيادة ، ومثله رواه ابن المغازلي
في الحديث ( 97 ) من مناقب علي / 67 . انتهى .
- وروى فرات هذا المعنى في تفسيره بعدة طرق ، قال في / 439 :
حدثني علي بن محمد الزهري معنعنا عن صباح المزني قال :
كنا نأتي الحسن بن صالح وكان يقرأ القرآن ، فإذا فرغ من القرآن سأله أصحاب
المسائل حتى إذا فرغوا قام إليه شاب فقال له : قول الله تعالى في كتابه :
ألقيا في جهنم كل كفار عنيد ؟
فنكت نكتة في الأرض طويلا ، ثم قال : عن العنيد تسألني ؟
قال : لا ، أسألك عن ( ألقيا ) .
قال : فمكث الحسن ساعة ينكت في الأرض ثم قال : إذا كان يوم القيامة يقوم
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) على شفير جهنم ، فلا يمر به
أحد من شيعته إلا قال : هذا لي ، وهذا لك .
- ورواه في تفسير القمي : 2 / 324 ، بسنده عن فرات .
- وفي تفسير فرات / 437
عن جعفر عن أبيه عن آبائه ( عليهم السلام ) قال قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله تبارك وتعالى إذا جمع
الناس يوم القيامة وعدني المقام المحمود وهو واف لي به ، إذا كان يوم القيامة نصب
لي منبر له ألف درجة ، لا كمراقيكم ، فأصعد حتى أعلو فوقه فيأتيني جبرئيل بلواء
الحمد فيضعه في يدي ويقول : يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله
تعالى ، فأقول لعلي : إصعد ، فيكون أسفل مني بدرجة ، فأضع لواء الحمد في يده .
ثم يأتي رضوان بمفاتيح الجنة فيقول : يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك
الله تعالى ، فيضعها في يدي فأضعها في حجر علي بن أبي طالب .
ثم يأتي مالك خازن النار فيقول : يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله
تعالى ، هذه مفاتيح النار ، أدخل عدوك وعدو ذريتك وعدو أمتك النار ، فآخذها
وأضعها في حجر علي بن أبي طالب .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 209 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فالنار والجنة يومئذ أسمع لي ولعلي من العروس لزوجها ، فهو قول الله تبارك
وتعالى في كتابه : ألقيا في جهنم كل كفار عنيد . ألق يا محمد ويا علي عدوكما في
النار .
ثم أقوم فأثني على الله ثناء لم يثن عليه أحد قبلي ، ثم أثني على الملائكة
المقربين ، ثم أثني على الأنبياء والمرسلين ، ثم أنثى على الأمم الصالحين ، ثم
أجلس فيثني الله ويثني علي ملائكته ويثني علي أنبياءه ورسله ويثني على الأمم
الصالحة .
ثم ينادي مناد من بطنان العرش : يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم حتى تمر بنت
حبيب الله إلى قصرها ، فتمر فاطمة بنتي عليها ريطتان خضراوان حولها سبعون ألف
حوراء ، فإذا بلغت إلى باب قصرها وجدت الحسن قائما والحسين نائما مقطوع
الرأس فتقول للحسن : من هذا ؟ فيقول هذا أخي ، إن أمة أبيك قتلوه وقطعوا رأسه ،
فيأتيها النداء من عند الله : يا بنت حبيبي إني إنما أريتك ما فعلت به أمة أبيك لأني
ادخرت لك عندي تعزية بمصيبتك فيه ، إني جعلت لتعزيتك بمصيبتك فيه أني لا
أنظر في محاسبة العباد حتى تدخلي الجنة أنت وذريتك وشيعتك ، ومن أولاكم
معروفا ممن ليس هو من شيعتك ، قبل أن أنظر في محاسبة العباد !
فتدخل فاطمة ابنتي الجنة وذريتها وشيعتها ومن أولاها معروفا ممن ليس هو من
شيعتها ، فهو قول الله تعالى في كتابه : لا يحزنهم الفزع الأكبر . . .
- وفي تفسير فرات الكوفي / 438
عن جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : إذا كان يوم القيامة نصب منبر يعلو المنابر فيتطاول
الخلائق لذلك المنبر ، إذ طلع رجل عليه حلتان خضراوان ، متزر بواحدة مترد
بأخرى ، فيمر بالملائكة فيقولون هذا منا ، فيجوزهم ، ثم يمر بالشهداء فيقولون هذا
منا ، فيجوزهم ، ويمر بالنبيين فيقولون هذا منا ، فيجوزهم حتى يصعد المنبر .
ثم يجئ رجل آخر عليه حلتان خضراوان متزر بواحدة مترد بأخرى فيمر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 210 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بالشهداء فيقولون هذا منا ، فيجوزهم ثم يمر بالنبيين فيقولون هذا منا ، فيجوزهم
ويمر بالملائكة فيقولون هذا منا ، فيجوزهم حتى يصعد المنبر .
ثم يغيبان ما شاء الله ، ثم يطلعان فيعرفان : محمد ( صلى الله عليه وآله ) وعلي .
وعن يسار النبي ملك وعن يمينه ملك ، فيقول الملك الذي عن يمينه : يا معشر
الخلائق أنا رضوان خازن الجنان ، أمرني الله بطاعته ، وطاعة محمد ، وطاعة علي بن
أبي طالب . وهو قول الله تعالى : ألقيا في جهنم كل كفار عنيد ، يا محمد ويا علي .
ويقول الملك الذي عن يساره : يا معشر الخلائق أنا خازن جهنم ، أمرني الله
بطاعته ، وطاعة محمد ، وعلي !
- وفي تأويل الآيات لشرف الدين : 2 / 609
تأويله : ما رواه الحسن بن أبي الحسن الديلمي بإسناده ، عن رجاله ، عن جابر بن
يزيد ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قوله عز وجل : وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد .
قال : السائق : أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، والشهيد : رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
ويؤيد هذا التأويل : قوله تعالى لهما : ألقيا في جهنم كل كفار عنيد .
بيان ذلك ما ذكره أبو علي الطبرسي قال : روى أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن
الأعمش قال : حدثنا أبو المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا كان يوم القيامة يقول الله لي ولعلي : ألقيا في النار من أبغضكما وأدخلا
الجنة من أحبكما ، وذلك قوله تعالى : ألقيا في جهنم كل كفار عنيد .
وذكر الشيخ في أماليه . . . إلى آخر ما تقدم .
ويؤيده : ما روي بحذف الإسناد عن محمد بن حمران قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام )
عن قوله عز وجل : ألقيا في جهنم كل كفار عنيد ؟ فقال :
إذا كان يوم القيامة وقف محمد وعلي صلوات الله عليهما وآلهما على الصراط ،
فلا يجوز عليه إلا من كان معه براءة .
قلت : وما براءة ؟ قال : ولاية علي بن أبي طالب والأئمة من ولده ( عليهم السلام ) .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 211 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وينادي مناد : يا محمد يا علي : ألقيا في جهنم كل كفار بنبوتك عنيد لعلي بن أبي
طالب وولده ( عليهم السلام ) .
وذكر في هامشه من مصادره :
تفسير البرهان : 4 / 222 ح 2 ، عن الحسن بن أبي الحسن الديلمي .
وشواهد التنزيل : 2 / 190 ح 896
ومجمع البيان 9 / 147 ، وعنه البحار : 36 / 75
ونور الثقلين : 5 / 113 ح 35
عنه البرهان : 4 / 227 ح 4
والبحار : 7 / 338 ح 26 و : 39 / 253 ح 23 و : 68 / 117 ح 43 ، عن أمالي الطوسي :
1 / 378 . انتهى .
وفي شواهد التنزيل للحسكاني : 2 / 265
عن علي ( ع ) في قوله تعالى ( ألقيا في جهنم . . . ) قال قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن
الله تبارك وتعالى إذا جمع الناس يوم القيامة في صعيد واحد ، كنت أنا وأنت يومئذ
عن يمين العرش ، فيقول لي ولك : قوما فألقيا من أبغضكما وخالفكما في النار .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 212 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

أحاديث في شفاعة فاطمة الزهراء ( عليها السلام )

- في مسائل علي بن جعفر / 345
أخبرني أبو عبد الله محمد بن أحمد الصفواني قال : حدثنا أبو أحمد عبد العزيز
بن يحيى الجلودي قال : حدثنا محمد بن سهل قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي
بن عمر بن علي بن الحسين قال : حدثني علي بن جعفر بن محمد ، عن أخيه موسى
بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين ، عن أبيه
الحسين بن علي ، عن جده علي بن أبي طالب ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال :
إذا كان يوم القيامة نادى مناد : يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم ونكسوا رؤوسكم
حتى تمر فاطمة بنت محمد ، فتكون أول من يكسى ، وتستقبلها من الفردوس اثنا
عشر ألف حوراء ، وخمسون ألف ملك ، علي نجائب من الياقوت ، أجنحتها وأزمتها
اللؤلؤ الرطب ، ركبها من زبرجد ، عليها رحل من الدر ، على كل رحل نمرقة من
سندس حتى يجوزوا بها الصراط ، ويأتوا بها الفردوس ، فيتباشر بمجيئها أهل الجنان .
فتجلس على كرسي من نور ويجلسون حولها ، وهي جنة الفردوس التي سقفها عرش
الرحمان ، وفيها قصران ، قصر أبيض وقصر أصفر من لؤلؤة على عرق واحد ، في
القصر الأبيض سبعون ألف دار ، مساكن محمد وآل محمد .
وفي القصر الأصفر سبعون ألف دار ، مساكن إبراهيم وآل إبراهيم .
ثم يبعث الله ملكا لها لم يبعث لأحد قبلها ولا يبعث لأحد بعدها ، فيقول : إن
ربك يقرأ عليك السلام ويقول : سليني . فتقول : هو السلام ، ومنه السلام ، قد أتم
علي نعمته ، وهنأني كرامته ، وأباحني جنته ، وفضلني على سائر خلقه ، أسأله ولدي
وذريتي ، ومن ودهم بعدي وحفظهم في . فيوحي الله إلى ذلك الملك من غير أن
يزول من مكانه ، أخبرها أني قد شفعتها في ولدها وذريتها ومن ودهم فيها وحفظهم
بعدها ، فتقول : الحمد لله الذي أذهب عني الحزن ، وأقر عيني ، فيقر الله بذلك عين
محمد ص
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 213 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- ورواه في تأويل الآيات : 2 / 179 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، وقال في آخره : كان أبي
إذا ذكر هذا الحديث تلا هذه الآية : والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم
ذريتهم ، وما ألتناهم من عملهم من شئ كل امرئ بما كسب رهين .
- وفي علل الشرائع : 1 / 179
حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل ( رحمه الله ) قال : حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد
بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن محمد بن
مسلم الثقفي قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : لفاطمة ( عليها السلام ) وقفة على باب جهنم ،
فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كافر ، فيؤمر بمحب قد كثرت
ذنوبه إلى النار ، فتقرأ فاطمة بين عينيه محبا فتقول : إلهي وسيدي سميتني فاطمة
وفطمت بي من تولاني وتولى ذريتي من النار ، ووعدك الحق وأنت لا تخلف
الميعاد . فيقول الله عز وجل : صدقت يا فاطمة إني سميتك فاطمة وفطمت بك من
أحبك وتولاك وأحب ذريتك وتولاهم من النار ، ووعدي الحق ، وأنا لا أخلف
الميعاد ، وإنما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فأشفعك ، وليتبين لملائكتي
وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك مني ، ومكانتك عندي ، فمن قرأت بين
عينيه مؤمنا فخذي بيده وأدخليه الجنة . انتهى .
ورواه في البحار : 8 / 51
- وفي تفسير فرات / 116
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : قال جابر لأبي جعفر ( عليه السلام ) : جعلت
فداك يا بن رسول الله حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة ( عليها السلام ) إذا أنا حدثت به
الشيعة فرحوا بذلك .
قال أبو جعفر : حدثني أبي ، عن جدي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : إذا كان يوم القيامة
نصب للأنبياء والرسل منابر من نور ، فيكون منبري أعلى منابرهم يوم القيامة ، ثم يقول
الله : يا محمد أخطب ، فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 214 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثم ينصب للأوصياء منابر من نور ، وينصب لوصيي علي بن أبي طالب في
أوساطهم منبر من نور ، فيكون منبره أعلى منابرهم ، ثم يقول الله : يا علي أخطب ،
فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها .
ثم ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور ، فيكون لابني وسبطي
وريحانتي أيام حياتي منبران من نور ، ثم يقال لهما : أخطبا ، فيخطبان بخطبتين لم
يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلهما .
ثم ينادي المنادي وهو جبرئيل ( عليه السلام ) :
أين فاطمة بنت محمد ؟
أين خديجة بنت خويلد ؟
أين مريم بنت عمران ؟
أين آسية بنت مزاحم ؟
أين أم كلثوم أم يحيى بن زكريا ؟
فيقمن ، فيقول الله تبارك وتعالى : يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم ؟
فيقول محمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة : لله الواحد القهار .
فيقول الله جل جلاله : يا أهل الجمع إني قد جعلت الكرم لمحمد وعلي والحسن
والحسين وفاطمة .
يا أهل الجمع طأطئوا الرؤوس وغضوا الأبصار ، فإن هذه فاطمة تسير إلى الجنة .
فيأتيها جبرئيل بناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين ، خطامها من اللؤلؤ المحقق
الرطب ، عليها رحل من المرجان ، فتناخ بين يديها فتركبها فيبعث إليها مائة ألف
ملك فيصيروا على يمينها ، ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم
حتى يصيروها على باب الجنة ، فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فيقول الله : يا
بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي ؟
فتقول : يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم . فيقول الله تعالى يا بنت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 215 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من ذريتك خذي فأدخليه
الجنة .
قال أبو جعفر : والله يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير
الحب الجيد من الحب الردي ، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة ، يلقي الله في
قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا يقول الله : يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم
فاطمة بنت حبيبي ؟
فيقولون : يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم ، فيقول الله :
يا أحبائي ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة ، أنظروا من أطعمكم لحب
فاطمة ، أنظروا من كساكم لحب فاطمة ، أنظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة ،
أنظروا من رد عنكم غيبة في حب فاطمة . . خذوا بيده وأدخلوه الجنة .
قال أبو جعفر : والله لا يبقي في الناس إلا شاك أو كافر أو منافق .
فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال الله تعالى : فما لنا من شافعين ولا صديق
حميم . فيقولون : فلو أن لناكرة فنكون من المؤمنين .
قال أبو جعفر : هيهات هيهات ، منعوا ما طلبوا ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه
وإنهم لكاذبون ) .
- وفي مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان : 2 / 589
حدثنا أبو أحمد قال : أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد ، عن عبد الله بن سوار ، عن
عباس بن خليفة ، عن سليمان الأعمش قال قال : بعث أبو جعفر أمير المؤمنين إلي
فأتاني رسوله في جوف الليل فبقيت متفكرا فيما بيني وبين نفسي ، فقلت عسى أن
يكون بعث إلي أبو جعفر في هذه الساعة ليسألني عن فضائل علي فلعلي إن صدقته
صلبني .
قال : فكتبت وصيتي ولبست كفني ودخلت عليه ، فإذا عنده عمرو بن عبيد
فحمدت الله على ذلك ، فقال لي أبو جعفر يا سليمان أدن مني ، قال فدنوت منه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 216 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فاشتم رائحة الحنوط ، فقال لي : والله يا سليمان لتصدقني أو لأصلبنك !
قال قلت : حاجتك يا أمير المؤمنين .
قال : ما لي أراك محنطا ؟
قال قلت : أتاني رسولك أن أجب ، فبقيت متفكرا فيما بيني وبين نفسي ، فقلت :
عسى أن يكون بعث إلي أبو جعفر في هذه الساعة يسألني عن فضائل علي ،
فلعلي إن صدقته صلبني ! !
قال فاستوى جالسا وقال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فقال : يا سليمان
أسألك بالله كم من حديث ترويه في فضائل علي ؟
قلت : ألفي حديث أو يزيد .
قال لي : والله لأحدثنك حديثين ينسيان كل حديث ترويه في فضل علي !
قال : قلت حدثني .
قال : نعم ، أيام كنت هاربا من بني مروان أدور البلاد وأتقرب إلى الناس بحب
علي وفضله وكانوا يطعموني ، حتى وردت بلاد الشام وأنا في كساء خلق ما علي
غيره ، قال : فنودي للصلاة وسمعت الإقامة ، فدخلت المسجد وفي نفسي أن أكلم
الناس ليطعموني ، فلما سلم الإمام إذا رجل عن يميني معه صبيان فقلت : من
الصبيان من الشيخ ؟
قال : أنا جدهما وليس في هذه المدينة رجل يحب عليا غيري ، ولذلك سميت
أحدهما حسنا والآخر حسينا ، قال : فقمت إليه فقال : يا شيخ ما تشاء ؟
قال قلت : هل لك في حديث أقر به عينك ؟
قال : إن أقررت عيني أقررت عينك .
قال قلت : حدثني أبي عن جدي قال : كنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم قعدوا إذ
أقبلت فاطمة وهي تبكي بكاء شديدا فقال لها النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما يبكيك ؟
قالت : يا أبتاه خرج الحسن والحسين ولا أدري أين أقاما البارحة ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 217 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقال لها النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا فاطمة لا تبكي فوالله إن الذي خلقهما هو ألطف بهما
منك ، ثم رفع طرفه إلى السماء ، ثم قال : اللهم إن كانا أخذا برا أو ركبا بحرا
فاحفظهما وسلمهما .
فإذا بجبرئيل قد هبط على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا محمد إن الله يقرئك السلام ويقول :
إنك لا تحزن لهما ولا تغتم لهما ، فإنهما فاضلان في الدنيا فاضلان في الآخرة ،
وأبواهما خير منهما ، وهما نائمان بحضيرة بني النجار ، قد وكل الله بهما ملكا يحفظهما .
فقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فرحا مع أصحابه حتى أتى حضيرة بني النجار ، فإذا الحسن
معانق الحسين ، وإذا ذلك الملك الموكل بهما باسط أحد جناحيه تحتهما والآخر قد
جللهما به ، فانكب عليهما النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقبلهما ، حتى انتبها من نومهما فحملهما
النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو يقول : والله لأبينن فيكما كما بين فيكما الله .
فقال له أبو بكر : يا رسول الله ناولني أحد الصبيين أخفف عنك .
فقال النبي : يا أبا بكر نعم الحامل حاملهما ونعم المحمولان هما ، وأبوهما خير
منهما .
فقال عمر : يا رسول الله ناولني أحد الصبيين أخفف عنك .
فقال : يا عمر نعم الحامل حاملهما ، ونعم الراكبان هما ، وأبوهما خير منهما .
فأتى بهما النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى المسجد فقال : يا بلال هلم إلي الناس فنادى منادي
رسول الله في المدينة ، فاجتمع الناس إلى رسول الله ، فقام على قدميه فقال :
يا معشر الناس ، ألا أدلكم على خير الناس جدا وجدة ؟
قالوا : بلى يا رسول الله .
قال : الحسن والحسين جدهما رسول الله ، وجدتهما خديجة ابنة خويلد سيدة
نساء أهل الجنة .
ثم قال : أيها الناس ، ألا أدلكم على خير الناس أبا وأما ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 218 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قالوا : بلى يا رسول الله .
قال : عليكم بالحسن والحسين ، أبوهما شاب يحب الله ورسوله ، ويحبه الله
ورسوله ، وأمهما فاطمة ابنة رسول الله .
يا معشر الناس ، ألا أدلكم على خير الناس عما وعمة ؟
قالوا : بلى يا رسول الله .
قال : عليكم بالحسن والحسين ، عمهما جعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيار
في الجنة مع الملائكة ، وعمتهما أم هانئ بنت أبي طالب .
ثم قال : يا معشر الناس ، ألا أدلكم على خير الناس خالا وخالة ؟
قالوا : بلى يا رسول الله .
قال : عليكم بالحسن والحسين ، فخالهما القاسم بن رسول الله ، وخالتهما زينب
ابنة رسول الله .
ثم قال : إن الحسن والحسين في الجنة ، وأباهما في الجنة ، وأمهما في الجنة
وعمهما في الجنة ، وعمتهما في الجنة ، وخالهما في الجنة ، وخالتهما في الجنة .
اللهم إنك تعلم أنه من يحبهما أنه معهما . اللهم إنك تعلم أنه من يبغضهما أنه في
النار .
فلما قلت ذلك للشيخ ، قال : من أنت يا فتى ؟
قلت : من أهل الكوفة .
قال : عربي أم مولى ؟
قلت : عربي .
قال : أنت تحدث بهذا الحديث ، وأنت في هذا الكساء ؟ !
قال : فكساني حلة وحملني على بغلته .
قال : فبعتهما في ذلك الزمان بمائة دينار .
ثم قال : يا فتى أقررت عيني ، والله لأرشدنك إلى شاب يقر عينك .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 219 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال : قلت نعم أرشدني .
قال : فقال نعم ههنا رجلان أحدهما إمام والآخر مؤذن ، فأما الإمام فهو يحب عليا
منذ خرج من بطن أمه ، وأما الآخر فقد كان يبغض عليا وهو اليوم يحب عليا .
قال : فأخذ بيدي وأتى بي باب الإمام ، فإذا شاب صبيح الوجه قد خرج علي
فعرف الحلة وعرف البلغة وقال : والله يا أخي ما كساك فلان حلته ، ولا حملك على
بغلته ، إلا أنك تحب الله ورسوله وتحب عليا ، فحدثني في علي .
فقلت : نعم حدثني والدي عن أبيه عن جده قال :
كنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم إذ أقبلت فاطمة وهي حاملة الحسن والحسين
على كتفيها وهي تبكي بكاء شديدا ، فقال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا فاطمة ما يبكيك ؟
قالت : يا رسول الله عيرتني نساء قريش أن أباك زوجك معدما لا مال له !
فقال لها رسول الله : يا فاطمة لا تبكي ، فوالله ما زوجتك حتى زوجك الله وشهد
على ذلك جبرئيل وإسرافيل . ثم اختار من أهل الدنيا فاختار من الخلق أباك فبعثه
نبيا ، ثم اختار من أهل الدنيا فاختار من الخلق عليا فجعله وصيا .
يا فاطمة لا تبكي ، فإني زوجتك أشجع الناس قلبا ، وأعلم الناس علما ، وأسمح
الناس كفا ، وأقدم الناس إسلاما .
يا فاطمة لا تبكي ، ابناه سيدا شباب أهل الجنة ، كان اسمهما مكتوبك في التوراة
شبرا وشبيرا ومشبرا .
( وفي مناقب الخوارزمي : ثم إن الله عز وجل أطلع إلى أهل الأرض فاختار من
الخلائق أباك فبعثه نبيا ، ثم أطلع إلى الأرض ثانية فاختار من الخلائق عليا ، فزوجك
الله إياه واتخذته وصيا ، فعلي مني وأنا منه ، فعلي أشجع الناس قلبا وأعلم الناس
علما وأحلم الناس حلما وأقدم الناس سلما وأسمحهم كفا وأحسنهم خلقا .
يا فاطمة ، إني آخذ لواء الحمد ومفاتيح الجنة بيدي ، ثم أدفعها إلى علي ، فيكون
آدم ومن ولده تحت لوائه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 220 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يا فاطمة ، إني مقيم غدا عليا على حوضي ، يسقي من عرف من أمتي ، والحسن
والحسين ابناه سيدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين ، وقد سبق اسمهما في
توراة موسى ، وكان اسمهما في التوراة شبرا وشبيرا ، سماهما الله الحسن والحسين
لكرامة محمد على الله ولكرامتهما عليه )
يا فاطمة ، ألا ترين أني إذا دعيت إلى رب العالمين دعي علي معي ، وإذا شفعني
الله في المقام المحمود شفع علي معي .
يا فاطمة إذا كان يوم القيامة كسي أبوك حلتين ، وعلي حلتين ، وينادي المنادي
في ذلك اليوم : يا محمد نعم الجد جدك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك علي .
يا فاطمة لا تبكي ، علي وشيعته غدا هم الفائزون في الجنة
وقال في هامشه :
1100 - والحديث رواه الخوارزمي في أول الفصل ( 19 ) من كتابه مناقب
علي ( عليه السلام ) بسند آخر عن الأعمش ، وبزيادات في متن الحديث .
وقد رواه بعدة أسانيد ابن المغازلي الشافعي في الحديث ( 188 ) من كتابه مناقب
علي ( عليه السلام ) صفحة 143 ، قال : أخبرنا أبو طالب محمد بن أحمد بن عثمان بن الفرج بن
الأزهر الصيرفي البغدادي ( رحمه الله ) قدم علينا واسطا ، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين
بن سليمان ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الله العكبري ، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن
عتاب العبدي ، حدثنا عمر بن شبة بن عبيدة النميري قال : حدثني المدائني قال :
وجه المنصور إلى الأعمش يدعوه . . .
قال : وحدثنا محمد بن الحسن ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الله العكبري ،
حدثنا عبد الله بن عتاب بن محمد ، حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا أبو معاوية قال :
حدثنا الأعمش قال : أرسل إلى المنصور . . .
وحدثنا محمد بن الحسن ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الله العكبري ، حدثنا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 221 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عبد الله بن عتاب بن محمد العبدي ، حدثنا أحمد بن علي العمي ، حدثنا إبراهيم بن
الحكم قال : حدثني سليمان بن سالم قال : حدثني الأعمش قال : بعث إلي أبو جعفر
المنصور . .
أقول : ورواه أيضا شيخ الشيعة وصدوق الشريعة محمد بن علي بن الحسين
بأسانيد أربعة في المجلس ( 67 ) من أماليه / 352 ، قال :
وأخبرنا سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي فيما كتب إلينا من إصبهان قال :
حدثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري سنة ست وثمانين ومائتين قال : حدثنا
الوليد بن الفضل العنزي قال : حدثنا مندل بن علي العنزي عن الأعمش .
أقول : وهذا هو السند الثالث من أسانيد الشيخ الصدوق ، ومن أحب أن يطلع
على جميع أسانيده ، ولفظ الحديث فليراجع الأمالي فإنه منشور كثير الوجود ، وإنما
اخترنا هذا السند لأجل وقوع الحافظ الطبراني فيه وعلو مقامه في الحفظ غير خفي .
ورواه أبو القاسم الطبري في بشارة المصطفى / 114
والمحب الطبري ملخصا في ذخائر العقبى / 130
والحمويني في فرائد السمطين 2 / 90 ح 406
والخزاعي أبو بكر في أربعينه ح 25
ولاحظ البحار : 37 / 88 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 222 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

شفاعة علي والأئمة من ذريته ( عليهم السلام )

- في كنز العمال : 13 / 156
عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أول خلق الله يكسى يوم
القيامة أبي إبراهيم فيكسى ثوبين أبيضين ثم يقام عن يمين العرش ، ثم أدعى فأكسى
ثوبين أخضرين ثم أقام عن يسار العرش ، ثم تدعى أنت يا علي فتكسى ثوبين
أخضرين ثم تقام عن يميني ، أفما ترضى أن تدعى إذا دعيت وتكسى إذا كسيت وأن
تشفع إذا شفعت . الدارقطني في العلل ، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال :
تفرد به ميسرة بن حبيب النهدي والحكم بن ظهير عنه ، والحكم كذاب .
قلت : الحكم روى له الترمذي ، وقال فيه البخاري : منكر الحديث ، وروى عنه
القدماء سفيان الثوري ومالك ، وك فصحح له ، وقد تابع ميسرة عن المنهال عمران
بن ميثم ، وهو الحديث الذي قبله . انتهى .
ويلاحظ أن المتقي الهندي رد على ابن الجوزي ! ووثق الراويين اللذين تعلل بهما
ابن الجوزي لتضعيف الحديث ، ثم ذكر له متابعا وبذلك يقول لابن الجوزي : إذا
أصريت على تضعيفه فهو حسن أو صحيح بمتابعه !
ويقصد بالحديث الذي قبله رقم 36481 ، وهو من مسند علي قال :
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا ترضى يا علي إذا جمع الله الناس في
صعيد واحد حفاة عراة مشاة قد قطع أعناقهم العطش ، فكان أول من يدعى إبراهيم
فيكسى ثوبين أبيضين ثم يقوم عن يمين العرش ، ثم يفجر لي مثعب من الجنة إلى
حوضي ، وحوضي أعرض مما بين بصرى وصنعاء فيه عدد نجوم السماء قدحان
من فضة ، فأشرب وأتوضأ وأكسى ثوبين أبيضين ، ثم أقوم عن يمين العرش ، ثم
تدعى فتشرب وتتوضأ وتكسى ثوبين أبيضين ، فتقوم معي ، ولا أدعى لخير إلا
دعيت إليه ؟ قلت : بلى .
( ابن شاهين في السنة ، طس وأبو نعيم في فضائل الصحابة ، أبو الحسن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 223 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الميثمي : هذا حديث لا يصح وآفته عمران بن ميثم ، وقال عق : عمران بن ميثم من
كبار الرافضة يروي أحاديث سوء كذب ) انتهى .
ويدل جعل المتقي الهندي لهذا الحديث متابعا ومؤيدا للحديث السابق ، يدل
على أنه لم يتأثر بما قالوه عن عمران بن ميثم ، أو أن المؤيد عنده يتسع ليشمل
محتمل الصحة بمطلق الاحتمال .
- وفي شرح الأخبار : 2 / 201 ، من حديث عن ابن عباس مع الشامي الناصبي :
فقال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا أم سلمة ، إسمعي واحفظي واشهدي ، هذا أخي في
الدنيا ، وقريني في الآخرة .
يا أم سلمة ، إسمعي واحفظي واشهدي ، هذا علي عيبة علمي ، والباب الذي
أوتى من قبله ، والوصي على الأحياء من أهل بيتي ، وهو معي في السنام الأعلى ،
صاحب لوائي ، والذائد عن حوضي ، وصاحب شفاعتي .
يا أم سلمة ، إسمعي واحفظي واشهدي ، إن الله عز وجل دافع إلي يوم القيامة
لواءين : لواء الحمد ولواء الشفاعة ، ولواء الشفاعة بيدي ، ولواء الحمد بيد علي ،
وهو واقف على حوضي ، لا يسقى من حوضي من شتمه أو شتم أهل بيته ، ولا من
قتله ولا من قتل أهل بيته .
فقال له الشامي : حسبك يا بن عباس رحمك الله ، فرجت عني كربتي وأحييتني
وأحييت معي خلقا ، فأحياك الله الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة . أشهد الله وأشهدك
ومن حضر أن عليا مولاي ومولى كل مسلم .
ثم انصرف إلى الشام فأعلم الذين أرسلوه بما كان من ابن عباس ، فرجع معه خلق
من أهل الشام عن سب علي ( عليه السلام ) .
- وفي تفسير فرات الكوفي / 116
عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
يا علي ، إن فيك مثل من عيسى بن مريم قال الله تعالى : وإن من أهل الكتاب إلا
ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 224 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يا علي ، إنه لا يموت رجل يفتري على عيسى حتى يؤمن به قبل موته ، ويقول
فيه الحق حيث لا ينفعه ذلك شيئا ، وإنك على مثله لا يموت عدوك حتى يراك عند
الموت فتكون عليه غيظا وحزنا حتى يقر بالحق من أمرك ، ويقول فيك الحق ويقر
بولايتك حيث لا ينفعه ذلك شيئا ، وأما وليك فإنه يراك عند الموت ، فتكون له
شفيعا ومبشرا وقرة عين .
- وفي بشارة المصطفى / 125
أخبرنا الشيخ الرئيس أبو محمد الحسن بن الحسين بن بابويه في خانقانه بالري ،
في شهر ربيع الأول سنة عشرة وخمسمائة ، وأخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن
محمد وأبو عبد الله محمد بن شهريار الخازن ، بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب ، قال حدثنا الشيخ السعيد أبو جعفر محمد بن الحسن بن محمد
الطوسي ( رحمه الله ) قال حدثنا الشيخ المفيد محمد بن محمد ، قال حدثني أبو بكر محمد بن
عمر الجعابي ، قال حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال حدثنا أبو
حاتم ، قال حدثنا محمد بن الفرات ، قال حدثنا حنان بن سدير ، عن أبي جعفر
محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) قال : ما ثبت الله تعالى حب علي في قلب أحد فزلت له
قدم إلا ثبت الله له قدما أخرى .
أخبرنا والدي أبو القاسم علي بن محمد بن علي الفقيه ( رحمه الله ) وعمار بن ياسر وولده
أبو القاسم سعد بن عمار رحمهم الله جميعا عن إبراهيم بن نصر الجرجاني ، عن
السيد الزاهد محمد بن حمزة الحسيني رحمهم الله ، عن أبي عبد الله الحسين بن
علي بن بابويه رحمهم الله ، قال حدثنا أبو الحسن علي بن عيسى المجاور في مسجد
الكوفة ، قال حدثنا إسماعيل بن رزين بن أخي دعبل الخزاعي ، عن أبيه ، قال
حدثني علي بن موسى الرضا ، قال حدثني أبي موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن
محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، قال حدثني أبي الحسين بن علي قال : قال رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي ، أنت المظلوم بعدي فويل لمن قاتلك ، وطوبى لمن قاتل معك .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 225 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يا علي أنت الذي تنطق بكلامي ، وتتكلم بلساني بعدي ، فويل لمن رد عليك
وطوبى لمن قبل كلامك .
يا علي ، أنت سيد هذه الأمة بعدي ، وأنت إمامها وخليفتي عليها ، ومن فارقك
فارقني يوم القيامة ، ومن كان معك كان معي يوم القيامة .
يا علي ، أنت أول من آمن بي وصدقني ، وأول من أعانني على أمري وجاهد
معي عدوي وأنت أول من صلى معي والناس يومئذ في غفلة الجهالة .
يا علي ، أنت أول من تنشق عنه الأرض معي ، وأنت أول من يبعث معي ، وأنت
أول من يجوز الصراط معي ، وإن ربي جل جلاله أقسم بعزته لا يجوز عقبة الصراط
إلا من كان له براءة بولايتك وولاية الأئمة من ولدك .
وأنت أول من يرد حوضي ، تسقي منه أولياءك وتذود عنه أعداءك .
وأنت صاحبي إذا قمت المقام المحمود ، تشفع لمحبنا فيهم .
وأنت أول من يدخل الجنة وبيدك لوائي لواء الحمد ، وهو سبعون شقة الشقة منه
أوسع من الشمس والقمر .
وأنت صاحب شجرة طوبى في الجنة ، أصلها في دارك ، وأغصانها في دور
شيعتك ومحبيك .
أحاديث في شفاعة الأئمة من أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله )
- في المحاسن 1 / 183
عن معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن قول الله تبارك وتعالى : لا
يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا .
قال : نحن والله المأذون لهم في ذلك اليوم ، والقائلون صوابا .
قلت : جعلت فداك ، وما تقولون إذا تكلمتم ؟
قال : نمجد ربنا ونصلي على نبينا ، ونشفع لشيعتنا ، فلا يردنا ربنا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 226 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وبإسناده قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : قوله : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ،
يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم . من هم ؟
قال : نحن أولئك الشافعون .
- وروى الأخير في تفسير العياشي : 1 / 136 ، وفي تفسير نور الثقلين : 1 / 258 ورواه
في البحار : 8 / 41 ، عن المحاسن .
- وفي بحار الأنوار : 7 / 335
جاء في روايات أصحابنا رضي الله عنهم مرفوعا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : إني أشفع
يوم القيامة فأشفع ، ويشفع علي فيشفع ، ويشفع أهل بيتي فيشفعون ، وإن أدنى
المؤمنين شفاعة ليشفع في أربعين من إخوانه ، كل قد استوجبوا النار .
وفي بصائر الدرجات / 496
حدثنا أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن بريد
العجلي قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن قول الله : وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا
بسيماهم ؟ قال : أنزلت في هذه الأمة ، والرجال هم الأئمة من آل محمد .
قلت : فالأعراف ؟
قال : صراط بين الجنة والنار ، فمن شفع له الأئمة منا من المؤمنين المذنبين نجا ،
ومن لم يشفعوا له هوى .
وفي كفاية الأثر / 194
حدثني علي بن الحسن ، قال حدثني هارون بن موسى ، قال حدثني أبو عبد الله
الحسين بن أحمد بن شيبان القزويني ، قال حدثنا أبو عمر أحمد بن علي الفيدي ،
قال حدثنا سعد بن مسروق ، قال حدثنا عبد الكريم بن هلال المكي ، عن أبي
الطفيل ، عن أبي ذر ( رضي الله عنه ) ، قال سمعت فاطمة ( عليها السلام ) تقول : سألت أبي ( عليه السلام ) عن قول الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 227 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تبارك وتعالى : وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ، قال : هم الأئمة بعدي
علي وسبطاي وتسعة من صلب الحسين ، هم رجال الأعراف ، لا يدخل الجنة إلا من
يعرفهم ويعرفونه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وينكرونه ، لا يعرف الله إلا بسبيل
معرفتهم .
- وفي تأويل الآيات : 1 / 55
وقوله تعالى : واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفعة ولا
يؤخذ منها عدل ولاهم ينصرون .
قال الإمام ( عليه السلام ) : قال الله عز وجل : واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا :
أي لا تدفع عنها عذابا قد استحقته عند النزع .
ولا يقبل منها شفاعة : من يشفع لها بتأخير الموت عنها .
ولا يؤخذ منها عدل : أي ولا يقبل منها فداء مكانه ، يموت الفداء ويترك هو .
قال الصادق ( عليه السلام ) : وهذا اليوم يوم الموت فإن الشفاعة والفداء لا تغني منه ، فأما
يوم القيامة فإنا وأهلنا نجزي عن شيعتنا كل جزاء ، ليكونن على الأعراف بين الجنة
والنار محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، والطيبون من آلهم ، فنرى بعض
شيعتنا في تلك العرصات ، فمن كان منهم مقصرا في بعض شدائدها فنبعث عليهم
خيار شيعتنا كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار ونظائرهم في العصر الذي يليهم ، ثم
في كل عصر إلى يوم القيامة . . فينقضون عليهم كالبزاة والصقور يتناولونهم ، كما
تتناول الصقور صيودها ، ثم يزفون إلى الجنة زفا .
وإنا لنبعث على آخرين من محبينا من خيار شيعتنا كالحمام فيلتقطونهم من
العرصات ، كما يلتقط الطير الحب ، وينقلونهم إلى الجنان بحضرتنا . انتهى .
وقد يسأل : كيف يكون أصحاب الأعراف هم النبي والأئمة ( صلى الله عليه وآله ) ، مع أنه تعالى
قال عنهم ( لم يدخلوها وهم يطمعون ) !
والجواب : أن ضمير ( لم يدخلوها ) لا يعود عليهم ، بل على أصحاب الحجاب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 228 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الذين يعرفونهم بسيماهم ، فراجع الآيات 44 ، وما بعدها من سورة الأعراف ، وما
ورد في تفسيرها .
وفي تفسير فرات الكوفي / 116
عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : نزلت هذه الآية فينا وفي شيعتنا : فما لنا من شافعين ولا
صديق حميم ، وذلك حين باها الله بفضلنا وبفضل شيعتنا حتى إنا لنشفع ويشفعون .
قال : فلما رأى ذلك من ليس منهم قالوا فما لنا من شافعين ، ولا صديق حميم .
- وفي المحاسن : 1 / 184
عن عمر بن عبد العزيز ، عن مفضل أو غيره ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قول الله :
فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ؟
قال : الشافعون الأئمة ، والصديق من المؤمنين .
- ورواه في تفسير نور الثقلين : 4 / 61
- وفي الكافي : 8 / 101
محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن عمر بن
أبان ، عن عبد الحميد الوابشي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قلت له : إن لنا جارا ينتهك
المحارم كلها حتى إنه ليترك الصلاة فضلا عن غيرها :
فقال : سبحان الله ! ! وأعظم ذلك !
ألا أخبركم بمن هو شر منه ؟
قلت : بلى .
قال : الناصب لنا شر منه ، أما إنه ليس من عبد يذكر عنده أهل البيت فيرق لذكرنا
إلا مسحت الملائكة ظهره وغفر له ذنوبه كلها إلا أن يجئ بذنب يخرجه من الإيمان ،
وإن الشفاعة لمقبولة وما تقبل في ناصب ، وإن المؤمن ليشفع لجاره وماله حسنة ،
فيقول : يا رب جاري كان يكف عني الأذى فيشفع فيه ، فيقول الله تبارك وتعالى :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 229 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أنا ربك وأنا أحق من كافي عنك ، فيدخله الجنة وماله من حسنة !
وإن أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنسانا فعند ذلك يقول أهل النار : فما لنا
من شافعين ولا صديق حميم .
- وفي تفسير نور الثقلين : 4 / 60
عن تفسير علي بن إبراهيم : حدثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي
أسامة ، عن أبي عبد الله وأبي جعفر ( عليهما السلام ) أنهما قالا : والله لنشفعن في المذنبين من
شيعتنا حتى يقول أعداؤنا إذا رأوا ذلك : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم . فلو أن
لناكرة فنكون من المؤمنين .
قال : من المهتدين ، قال : لأن الإيمان قد لزمهم بالإقرار .
- ورواه في بحار الأنوار : 8 / 36 ، وقال :
بيان : أي ليس المراد بالإيمان هنا الإسلام ، بل الاهتداء إلى الأئمة ( عليهم السلام ) وولايتهم
أوليس المراد الإيمان الظاهري .
وفي المحاسن : 1 / 61
عن ليث بن أبي سليمان ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحسن بن علي ( عليهما السلام ) ، قال : قال
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقى الله وهو يودنا أهل البيت دخل
الجنة بشفاعتنا ، والذي نفسي بيده لا ينتفع عبد بعمله إلا بمعرفة حقنا . انتهى .
ورواه في شرح الأخبار 3 / 487 ، وقد تقدمت روايته عن الطبراني ومجمع
الزوائد ، وأن ولايتهم ( عليهم السلام ) شرط لقبول الأعمال .
- وفي تأويل الآيات : 2 / 349
وروي عن الصادق ( عليه السلام ) في قوله ( إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم ) قال ( عليه السلام ) : إذا
حشر الله الناس في صعيد واحد أجل الله أشياعنا أن يناقشهم في الحساب ، فنقول :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 230 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إلهنا هؤلاء شيعتنا ، فيقول الله تعالى : قد جعلت أمرهم إليكم ، وقد شفعتكم فيهم
وغفرت لمسيئهم ، أدخلوهم الجنة بغير حساب . انتهى .
ولا بد أن يكون المقصود بهؤلاء : النوع المقبول من شيعتهم وأوليائهم ( عليهم السلام ) .
- وفي أمالي المفيد / 48
قال ، أخبرني أبو حفص عمر بن محمد قال : حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد
قال : حدثنا عيسى بن مهران قال : حدثنا مخول قال : حدثنا الربيع بن المنذر ، عن
أبيه قال : سمعت الحسن بن علي ( عليهما السلام ) يقول : إن أبا بكر وعمر عمدا إلى هذا الأمر
وهو لنا كله فأخذاه دوننا ، وجعلا لنا فيه سهما كسهم الجدة ، أما والله لتهمنهما
أنفسهما يوم يطلب الناس فيه شفاعتنا .
- وفي بحار الأنوار : 8 / 36
وعن الحسن عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : يقول : الرجل من أهل الجنة يوم القيامة : أي
رب عبدك فلان سقاني شربة من ماء في الدنيا فشفعني فيه ، فيقول : إذهب فأخرجه
من النار ، فيذهب فيتجسس في النار حتى يخرجه منها .
علل الشرائع : أبي عن محمد العطار ، عن جعفر بن محمد بن مالك ، عن أحمد
بن مدين ، عن محمد بن عمار ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :
شيعتنا من نور الله خلقوا وإليه يعودون ، والله إنكم لملحقون بنا يوم القيامة ، وإنا
لنشفع فنشفع ، ووالله إنكم لتشفعون فتشفعون ، وما من رجل منكم إلا وسترفع له نار
عن شماله وجنة عن يمينه فيدخل أحباءه الجنة ، وأعداءه النار .
وفي بصائر الدرجات / 62
حدثنا عباد بن سليمان عن أبيه قال قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : إن الله تبارك وتعالى
انتجبنا لنفسه ، فجعلنا صفوته من خلقه ، وأمناؤه على وحيه ، وخزانه في أرضه ،
وموضع سره ، وعيبة علمه ، ثم أعطانا الشفاعة ، فنحن أذنه السامعة ، وعينه الناظرة
ولسانه الناطق بإذنه ، وأمناؤه على ما أنزل من عذر ونذر وحجة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 231 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

نماذج من أحاديث شفاعة النبي وآله ( صلى الله عليه وآله ) لزوار مشاهدهم المشرفة

من الثابت في سيرة المؤمنين في كل الأديان ، من عهد أبينا آدم ( عليه السلام ) إلى ظهور
الإسلام ، احترام قبور أنبيائهم وأوصيائهم وأوليائهم ، وتشييدها وزيارتها .
بل إن ذلك سيرة عقلائية عند كل الأمم والشعوب ، فتراهم يحترمون قبور
موتاهم ، خاصة المهمين العزيزين عندهم .
وكان ذلك من عادات العرب أيضا ، وكانت الاستجارة بالقبر العزيز على القبيلة
وسيلة مهمة للعفو عمن استجار به أو تحقيق طلبه .
ولكن في أيام وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) والاختلاف الذي وقع بين صحابته وأهل بيته على
خلافته ، ادعى بعض الصحابة أنه ( صلى الله عليه وآله ) أوصى أن لا يبنى على قبره ، ولا يصلى عند
قبره ، ولا يجتمع المسلمون عند قبره . . الخ .
وقد اهتمت دولة الخلافة بترويج هذه الأحاديث ، وتشددت في تنفيذها .
ونحن نعتقد أنها أحاديث غير صحيحة ، وأن الدافع لوضعها كان خوف أهل
الخلافة الجديدة من أن تستجير المعارضة خاصة أهل بيت النبي بقبره ( صلى الله عليه وآله ) ويعلنوا
مرابطتهم عنده ، ومطالبتهم بإرجاع الخلافة إليهم ! !
وغرضنا هنا أن نلفت إلى أن تأكيد الأئمة من أهل البيت عليهم السلام على زيارة قبر
النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقبورهم الشريفة ، كان استمرارا لسنة الله تعالى في الأنبياء والأوصياء
السابقين ، كما كان ردا لمقولة السلطة التي عملت لتكريسها على أنها جزء من الدين !
وفيما يلي نماذج من الأحاديث الشريفة ، اقتصرنا منها على ما تضمن شمول
شفاعة النبي وأهل بيته الطاهرين ( صلى الله عليه وآله ) لمن زار قبورهم الطاهرة .
ففي علل الشرائع : 2 / 460 :
حدثنا أبي ( رضي الله عنه ) قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن عباد بن سليمان ، عن محمد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 232 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بن سليمان الديلمي ، عن إبراهيم بن أبي حجر الأسلمي ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من أتى مكة حاجا ولم يزرني إلى المدينة جفاني ، ومن جفاني
جفوته يوم القيامة ، ومن جاءني زائرا وجبت له شفاعتي ، ومن وجبت له شفاعتي
وجبت له الجنة .
قال مصنف هذا الكتاب : العلة في زيارة النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن من حج ولم يزره فقد جفاه
، وزيارة الأئمة تجري مجرى زيارته ، بما قد روي عن الصادق ، وذكرهم في هذا
الباب .
- وفي الكافي : 4 / 567 :
أبو علي الأشعري ، عن عبد الله بن موسى ، عن الحسن بن علي الوشاء قال :
سمعت الرضا ( عليه السلام ) يقول : إن لكل إمام عهدا في عنق أوليائه وشيعته ، وإن من تمام
الوفاء بالعهد وحسن الأداء : زيارة قبورهم ، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا
بما رغبوا فيه ، كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة .
- ورواه في علل الشرائع : 2 / 459 ، وتهذيب الأحكام : 6 / 78 و 93 ، والفقيه : 2 / 577 ،
والمقنعة / 474

الشفاعة لمن زار قبر أمير المؤمنين ( عليه السلام )

في تهذيب الأحكام : 6 / 107 :
وعنه عن محمد بن علي بن الفضل قال : أخبرني الحسين بن محمد بن الفرزدق
قال : حدثنا علي بن موسى بن الأحول قال : حدثنا محمد بن أبي السري إملاء قال :
حدثني عبد الله بن محمد البلوي قال : حدثنا عمارة بن زيد عن أبي عامر الساجي
واعظ أهل الحجاز قال : أتيت أبا عبد الله جعفر بن محمد ( عليه السلام ) فقلت له : يا بن رسول
الله ، ما لمن زار قبره ؟ يعني أمير المؤمنين ، وعمر تربته ؟
قال : يا أبا عامر ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده الحسين بن علي ، عن علي ،
أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال له : والله لتقتلن بأرض العراق وتدفن بها .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 233 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قلت : يا رسول الله ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها ؟
فقال لي : يا أبا الحسن ، إن الله جعل قبرك وقبر ولدك بقاعا من بقاع الجنة ،
وعرصة من عرصاتها ، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوته من عباده تحن
إليكم ، وتحتمل المذلة والأذى فيكم ، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقربا منهم
إلى الله ، مودة منهم لرسوله . أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي والواردون
حوضي ، وهم زواري غدا في الجنة .
يا علي ، من عمر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود على بناء بيت
المقدس .
ومن زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام ، وخرج من
ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه ، فأبشر وبشر أولياءك ومحبيك من
النعيم وقرة العين بما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .
ولكن حثالة من الناس يعيرون زوار قبوركم بزيارتكم ، كما تعير الزانية بزناها !
أولئك شرار أمتي ، لا نالتهم شفاعتي ولا يردون حوضي .
- وفي علل الشرائع : 2 / 585 :
حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ( رحمه الله ) قال : حدثنا علي بن إبراهيم عن عثمان بن
عيسى عن أبي الجارود رفعه فيما يروى إلى علي صلوات الله عليه قال : إن إبراهيم
صلى الله عليه مر ببانقيا فكان يزلزل بها ، فبات بها فأصبح القوم ولم يزلزل بهم ، فقالوا
ما هذا وليس حدث ؟ !
قالوا : نزل هاهنا شيخ ومعه غلام له .
قال فأتوه فقالوا له : يا هذا إنه كان يزلزل بنا كل ليلة ، ولم يزلزل بنا هذه الليلة فبت
عندنا ، فبات فلم يزلزل بهم ، فقالوا : أقم عندنا ونحن نجري عليك ما أحببت .
قال : لا ، ولكن تبيعوني هذا الظهر ، ولا يزلزل بكم .
فقالوا : فهو لك .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 234 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال : لا آخذه إلا بالشراء ، فقالوا : فخذه ما شئت فاشتراه بسبع نعاج وأربعة
أحمرة فلذلك سمي بانقيا ، لأن النعاج بالنبطية نقيا .
قال : فقال له غلامه يا خليل الرحمن ما تصنع بهذا الظهر ليس فيه زرع ولا ضرع ؟ !
فقال له : أسكت ، فإن الله تعالى يحشر من هذا الظهر سبعين ألفا يدخلون الجنة
بغير حساب ، يشفع الرجل منهم لكذا وكذا . انتهى .
وبانقيا كما ذكره اللغويون هي أول العراق من جهة الحجاز ، وهي منطقة النجف
وأبي صخير الفعلية ، وقد تشمل كربلاء .

الشفاعة لمن زار قبر الإمام الحسين ( عليه السلام )

في الكافي : 4 / 582 :
محمد بن يحيى ، وغيره ، عن محمد بن أحمد ، ومحمد بن الحسين جميعا ، عن
موسى بن عمر ، عن غسان البصري ، عن معاوية بن وهب ، وعلي بن إبراهيم ، عن
أبيه ، عن بعض أصحابنا ، عن إبراهيم بن عقبة ، عن معاوية بن وهب قال : استأذنت
على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فقيل لي : أدخل فدخلت فوجدته في مصلاه في بيته فجلست
حتى قضى صلاته ، فسمعته وهو يناجي ربه ويقول : يا من خصنا بالكرامة وخصنا
بالوصية ، ووعدنا الشفاعة ، وأعطانا علم ما مضى وما بقي ، وجعل أفئدة من الناس
تهوي إلينا ، اغفر لي ولإخواني ، ولزوار قبر أبي الحسين ( عليه السلام ) .
وفي تهذيب الأحكام : 6 / 108 :
أحمد بن محمد الكوفي قال : أخبرني المنذر بن محمد عن جعفر بن سليمان عن
عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : كنت عند أبي عبد الله الصادق جعفر بن
محمد عليهما السلام ، فدخل رجل من أهل طوس فقال : يا بن رسول الله ما لمن زار قبر أبي
عبد الله الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ؟ فقال له : يا طوسي من زار قبر أبي عبد الله الحسين بن
علي ( عليهما السلام ) وهو يعلم أنه إمام من قبل الله عز وجل مفترض الطاعة على العباد ، غفر الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 235 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقبل شفاعته في خمسين مذنبا ، ولم يسأل الله عز وجل
حاجة عند قبره إلا قضاها له .
قال : فدخل موسى بن جعفر وهو صبي فأجلسه على فخذه ، وأقبل يقبل ما بين
عينيه ، ثم التفت إلي وقال : يا طوسي إنه الإمام والخليفة والحجة بعدي ، سيخرج
من صلبه رجل يكون رضا لله عز وجل في سمائه ولعباده في أرضه ، يقتل في
أرضكم بالسم ظلما وعدوانا ، ويدفن بها غريبا ، ألا فمن زاره في غربته وهو يعلم أنه
إمام بعد أبيه مفترض الطاعة من الله عز وجل ، كان كمن زار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

الشفاعة لمن زار قبر الإمام الرضا ( عليه السلام )

في من لا يحضره الفقيه : 2 / 584
وروى الحسن بن علي بن فضال ، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام ، أنه
قال له رجل من أهل خراسان : يا ابن رسول الله رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المنام كأنه
يقول لي : كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بضعتي ، واستحفظتم وديعتي ، وغيب في
ثراكم نجمي ؟
فقال له الرضا ( عليه السلام ) : أنا المدفون في أرضكم ، أنا بضعة من نبيكم ، وأنا الوديعة
والنجم ، ألا فمن زارني وهو يعرف ما أوجب الله عز وجل من حقي وطاعتي فأنا
وآبائي شفعاؤه يوم القيامة ، ومن كنا شفعاؤه نجى ولو كان عليه مثل وزر الثقلين الجن والإنس ،
ولقد حدثني أبي عن جدي عن أبيه ( عليه السلام ) أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : من رآني في منامه فقد
رآني ، لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي ، ولا في صورة أحد من
أوصيائي ، ولا في
صورة واحد من شيعتهم ، وإن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوة .
- وفي من لا يحضره الفقيه : 2 / 583
وروى البزنطي عن الرضا ( عليه السلام ) قال : ما زارني أحد من أوليائي عارفا بحقي ، إلا شفعت
فيه يوم القيامة . ورواه في سائل الشيعة : 10 / 434
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 236 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي تهذيب الأحكام : 6 / 108 :
أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني قال : أخبرنا علي بن الحسن بن علي بن
فضال عن أبيه ، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا أنه قال : إن بخراسان لبقعة
يأتي عليها زمان تصير مختلف الملائكة ، فلا يزال فوج ينزل من السماء وفوج يصعد
إلى أن ينفخ في الصور ، فقيل له : يا بن رسول الله ، وأية بقعة هذه ؟
قال : هي أرض طوس ، وهي والله روضة من رياض الجنة . من زارني في تلك
البقعة كان كمن زار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكتب الله له ثواب ألف حجة مبرورة وألف عمرة
مقبولة ، وكنت أنا وآبائي شفعاءه يوم القيامة .
ورواه في من لا يحضره الفقيه : 2 / 585 ، وفي سائل الشيعة : 10 / 445
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 237 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

ختام في بعض قواعد الشفاعة وأحكامها

نصيحة المسلم بأن لا يحتاج إلى الشفاعة

وردت أحاديث تنصح المسلم بأن يكون تقيا في سلوكه ، ويتوب إلى ربه من سيآته
في الدنيا ، حتى يكون من أهل الجنة ، ولا يحتاج إلى شفاعة لغفران ذنوبه يوم القيامة .
- ففي نهج البلاغة : 4 / 87 :
371 - وقال ( عليه السلام ) : لا شرف أعلى من الإسلام ، ولا عز أعز من التقوى ، ولا معقل
أحصن من الورع ، ولا شفيع أنجح من التوبة .
وفي من لا يحضره الفقيه : 3 / 574 :
وقال الصادق ( عليه السلام ) : شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا ، وأما التائبون فإن الله عز
وجل يقول : ما على المحسنين من سبيل .

النهي عن الاتكال على الشفاعة

في الكافي : 8 / 405 :
وإياكم ومعاصي الله أن تركبوها ، فإنه من انتهك معاصي الله فركبها فقد أبلغ في
الإساءة إلى نفسه ، وليس بين الاحسان والإساءة منزلة ، فلأهل الاحسان عند ربهم
الجنة ، ولأهل الإساءة عند ربهم النار ، فاعلموا بطاعة الله واجتنبوا معاصيه ،
واعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه شيئا ، لا ملك مقرب ولا نبي
مرسل ، ولا من دون ذلك ، فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله ، فليطلب
إلى الله أن يرضى عنه .
واعلموا أن أحدا من خلق الله لم يصب رضا الله إلا بطاعته ، وطاعة رسوله ،
وطاعة ولاة أمره من آله ، ولم ينكر لهم فضلا ، عظم ولا صغر .
وفي الكافي : 6 / 400 :
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسن العطار ، عن أبي بصير
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 238 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا ينال شفاعتي من استخف بصلاته ،
ولا يرد علي الحوض ، لا والله !
لا ينال شفاعتي من شرب المسكر ، ولا يرد علي الحوض ، لا والله !
أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن
أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : إنه لما احتضر أبي ( عليه السلام ) قال لي : يا بني إنه لا ينال شفاعتنا من
استخف بالصلاة ، ولا يرد علينا الحوض من أدمن هذه الأشربة .
فقلت : يا أبه ، وأي الأشربة ؟
فقال : كل مسكر . ورواهما في تهذيب الأحكام : 9 / 106
- وفي علل الشرائع : 2 / 356 :
أبي ( رحمه الله ) قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي
بن حديد وعبد الرحمان بن أبي نجران ، عن حماد بن عيسى الجهني ، عن حريز بن
عبد الله السجستاني ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال :
لا تستخفن بالبول ولا تتهاون به ، ولا بصلاتك ، فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال عند موته :
ليس مني من استخف بصلاته ، لا يرد علي الحوض ، لا والله ، ليس مني من شرب
مسكرا لا يرد علي الحوض ، لا والله . ورواه في المحاسن : 1 / 79
وفي الكافي : 5 / 469 :
محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل ، عن صالح بن
عقبة ، عن أبي شبل قال قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : رجل مسلم ابتلي ففجر بجارية أخيه
فما توبته ؟
قال : يأتيه فيخبره ويسأله أن يجعله من ذلك في حل ، ولا يعود .
قال : قلت : فإن لم يجعله من ذلك في حل ؟
قال : قد لقي الله عز وجل وهو زان خائن .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 239 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال : قلت : فالنار مصيره ؟
قال : شفاعة محمد ( صلى الله عليه وآله ) وشفاعتنا تحيط بذنوبكم يا معشر الشيعة ، فلا تعودون
وتتكلون على شفاعتنا ، فوالله ما ينال شفاعتنا إذا ركب هذا حتى يصيبه ألم العذاب
ويرى هول جهنم . ورواه في الفقيه : 4 / 39
- وفي الصحيفة السجادية : 1 / 324 :
وسألتك مسألة الحقير الذليل ، البائس الفقير ، الخائف المستجير ، ومع ذلك خيفة
وتضرعا وتعوذا وتلوذا ، لا مستطيلا بتكبر المتكبرين ، ولا متعاليا بدالة المطيعين ، ولا
مستطيلا بشفاعة الشافعين ، وأنا بعد أقل الأقلين وأذل الأذلين ، ومثل الذرة . . .
- وفي مستدرك الوسائل : 11 / 174 :
- جامع الأخبار : عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال : المؤمن يكون صادقا في الدنيا ،
واعي القلب ، حافظ الحدود ، وعاء العلم ، كامل العقل ، مأوى الكرم ، سليم القلب ،
ثابت الحلم ، عاطف اليقين ، باذل المال ، مفتوح الباب للإحسان ، لطيف اللسان ،
كثير التبسم ، دائم الحزن ، كثير التفكر ، قليل النوم ، قليل الضحك ، طيب الطبع ،
مميت الطمع ، قاتل الهوى ، زاهدا في الدنيا ، راغبا في الآخرة ، يحب الضيف ،
ويكرم اليتيم ، ويلطف الصغير ، ويرفق الكبير ، ويعطي السائل ، ويعود المريض ،
ويشيع الجنائز ، ويعرف حرمة القرآن ، ويناجي الرب ، ويبكي على الذنوب ، آمرا
بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، أكله بالجوع ، وشربه بالعطش ، وحركته بالأدب ،
وكلامه بالنصيحة ، وموعظته بالرفق ، ولا يخاف إلا الله ، ولا يرجو إلا إياه ، ولا يشغل
إلا بالثناء والحمد ، ولا يتهاون ، ولا يتكبر ، ولا يفتخر بمال الدنيا ، مشغول بعيوب
نفسه ، فارغ عن عيوب غيره ، الصلاة قرة عينه ، والصيام حرفته وهمته ، والصدق
عادته ، والشكر مركبه ، والعقل قائده ، والتقوى زاده ، والدنيا حانوته ، والصبر منزله ،
والليل والنهار رأس ماله ، والجنة مأواه ، والقرآن حديثه ، ومحمد ( صلى الله عليه وآله ) شفيعه ، والله
جل ذكره مؤنسه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 240 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

أمل العاصين بشفاعة النبي وآله ( صلى الله عليه وآله )

في الصحيفة السجادية : 1 / 350
اللهم فصل على محمد وآل محمد ، ولا تخيب اليوم ذلك من رجائي ، ويا من لا
يحفيه سائل ولا ينقصه نائل ، فإني لم آتك ثقة مني بعمل صالح قدمته ، ولا شفاعة
مخلوق رجوته ، إلا شفاعة محمد وأهل بيته ، عليه وعليهم سلامك . . .
وفي الإعتقادات للصدوق / 47 :
قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : لا يدخل رجل الجنة بعمله ، إلا برحمة الله عز وجل .
وفي بحار الأنوار : 8 / 362
العيون : فيما كتب الرضا ( عليه السلام ) للمأمون من محض الإسلام : إن الله لا يدخل النار
مؤمنا وقد وعده الجنة ، ولا يخرج من النار كافرا وقد أوعده النار والخلود فيها ،
ومذنبو أهل التوحيد يدخلون النار ويخرجون منها ، والشفاعة جائزة لهم .
وهو في عيون أخبار الرضا 7 : 268 ، وفي الخصال : 2 / 154
- وفي تأويل الآيات : 2 / 68 :
الشيخ ( رحمه الله ) في أماليه ، عن أبي محمد الفحام ، عن المنصوري ، عن عم أبيه قال :
دخل سماعة بن مهران على الصادق ( عليه السلام ) فقال له : يا سماعة من شر الناس عند الناس ؟
قال : نحن يا بن رسول الله !
قال : فغضب حتى احمرت وجنتاه ، ثم استوى جالسا وكان متكئا ، فقال :
يا سماعة من شر الناس عند الناس ؟
فقلت : والله ما كذبتك يا بن رسول الله ، نحن شر الناس عند الناس ، لأنهم سمونا
كفارا ورافضة .
فنظر إلي ثم قال : كيف بكم إذا سيق بكم إلي الجنة ، وسيق بهم إلى النار فينظرون
إليكم فيقولون : ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 241 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يا سماعة بن مهران ، إنه من أساء منكم إساءة مشينا إلى الله تعالى يوم القيامة
بأقدامنا فنشفع فيه فنخلصه ، والله لا يدخل النار منكم عشرة رجال ، والله لا يدخل
النار منكم خمسة رجال ، والله لا يدخل النار منكم ثلاثة رجال ، والله لا يدخل النار
منكم رجل واحد ، فتنافسوا في الدرجات ، وأكمدوا أعداءكم بالورع . انتهى .
ولا بد أن يكون مقصود الإمام الباقر ( عليه السلام ) محبي أهل البيت المؤمنين المقبولين
عند الله تعالى .
وفي تأويل الآيات : 2 / 155 :
وروى الشيخ أبو جعفر الطوسي قدس الله روحه عن رجاله ، عن زيد بن يونس
الشحام ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) قال : قلت لأبي الحسن ( عليه السلام ) : الرجل
من مواليكم عاق يشرب الخمر ، ويرتكب الموبق من الذنب نتبرأ منه ؟
فقال : تبرؤوا من فعله ، ولا تتبرؤوا من خيره ، وابغضوا عمله .
فقلت : يتسع لنا أن نقول : فاسق فاجر ؟
فقال : لا ، الفاسق الفاجر الكافر الجاحد لنا ولأوليائنا ، أبى الله أن يكون ولينا
فاسقا فاجرا وإن عمل ما عمل ، ولكنكم قولوا : فاسق العمل فاجر العمل مؤمن
النفس ، خبيث الفعل طيب الروح والبدن .
لا والله لا يخرج ولينا من الدنيا إلا والله ورسوله ونحن عنه راضون ، يحشره الله
على ما فيه من الذنوب ، مبيضا وجهه ، مستورة عورته ، آمنة روعته ، لا خوف عليه
ولا حزن . وذلك أنه لا يخرج من الدنيا حتى يصفى من الذنوب ، إما بمصيبة في مال
أو نفس أو ولد أو مرض ، وأدنى ما يصنع بولينا أن يريه الله رؤيا مهولة فيصبح حزينا
لما رآه ، فيكون ذلك كفارة له . أو خوفا يرد عليه من أهل دولة الباطل ، أو يشدد عليه
عند الموت ، فيلقى الله عز وجل طاهرا من الذنوب ، آمنة روعته بمحمد وأمير
المؤمنين ، صلوات الله عليهما .
ثم يكون أمامه أحد الأمرين : رحمة الله الواسعة التي هي أوسع من أهل الأرض
جميعا ، أو شفاعة محمد وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما ، إن أخطأته رحمة الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 242 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أدركته شفاعة نبيه وأمير المؤمنين ، فعندها تصيبه رحمة الله الواسعة ، وكان أحق بها
وأهلها ، وله إحسانها وفضلها . انتهى . ورواه في أصل زيد الزراد / 51
ولا بد أن يكون المقصود بوليهم المؤمن المقبول عند الله تعالى .
وفي بحار الأنوار : 8 / 362 :
تذييل : اعلم أن الذي يقتضيه الجمع بين الآيات والأخبار أن الكافر المنكر
لضروري من ضروريات دين الإسلام مخلد في النار ، لا يخفف عنه العذاب إلا
المستضعف الناقص في عقله ، أو الذي لم يتم عليه الحجة ، ولم يقصر في الفحص
والنظر ، فإنه يحتمل أن يكون من المرجون لأمر الله ، كما سيأتي تحقيقه في كتاب
الإيمان والكفر . وأما غير الشيعة الإمامية من المخالفين وسائر فرق الشيعة ممن لم
ينكر شيئا من ضروريات دين الإسلام فهم فرقتان :
إحداهما ، المتعصبون المعاندون منهم ممن قد تمت عليهم الحجة فهم في النار
خالدون .
والأخرى ، المستضعفون منهم وهم الضعفاء العقول مثل النساء العاجزات والبله
وأمثالهم ، ومن لم يتم عليه الحجة ممن يموت في زمان الفترة ، أو كان في موضع لم
يأت إليه خبر الحجة ، فهم المرجون لأمر الله ، إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ، فيرجى
لهم النجاة من النار .
وأما أصحاب الكبائر من الإمامية فلا خلاف بين الإمامية في أنهم لا يخلدون في
النار ، وأما أنهم هل يدخلون النار أم لا ؟ فالأخبار مختلفة فيهم اختلافا كثيرا .
ومقتضى الجمع بينها أنه يحتمل دخولهم النار ، وأنهم غير داخلين في الأخبار
التي وردت أن الشيعة والمؤمن لا يدخل النار ، لأنه قد ورد في أخبار أخر أن الشيعة
من شايع عليا في أعماله ، وأن الإيمان مركب من القول والعمل .
لكن الأخبار الكثيرة دلت على أن الشفاعة تلحقهم قبل دخول النار ، وفي هذا
التبهيم حكم لا يخفى بعضها على أولي الأبصار .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 243 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الأولى بشفاعة النبي وآله ( صلى الله عليه وآله )

- في مستدرك الوسائل : 8 / 442 :
وبهذا الإسناد : عن علي بن أبي طالب قال : قيل يا رسول الله ما أفضل حال
أعطي للرجل ؟
قال : الخلق الحسن ، إن أدناكم مني وأوجبكم علي شفاعة : أصدقكم حديثا ،
وأعظمكم أمانة ، وأحسنكم خلقا ، وأقربكم من الناس .
ورواه في صفحة 454 ، وفي 11 / 171
وفي تفسير نور الثقلين : 1 / 77 :
في كتاب الخصال عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ثلاث من كن فيه استكمل خصال
الإيمان : من صبر على الظلم وكظم غيظه ، واحتسب وعفى وغفر ، كان ممن يدخله
الله تعالى الجنة بغير حساب ، ويشفعه في مثل ربيعة ومضر .
وفي المقنعة / 267 :
وقال ( صلى الله عليه وآله ) : إني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا :
رجل نصر ذريتي ، ورجل بذل ماله لذريتي عند الضيق ، ورجل أحب ذريتي بالقلب
واللسان ، ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا وشردوا .
وفي فردوس الأخبار للديلمي : 5 / 107 ح 7327
أنس بن مالك : وعدني ربي عز وجل في أهل بيتي : من أقر منهم بالتوحيد ولي
بالبلاغ ، أن لا يعذبهم .
وفي فردوس الأخبار : 1 / 54 ح 28 :
عبد الله بن عمر : أول من أشفع له يوم القيامة من أمتي أهل بيتي ثم الأقرب
فالأقرب ثم الأنصار . ثم من آمن بي واتبعني من اليمن ، ثم سائر العرب والأعاجم .
ومن أشفع له أولا أفضل .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 244 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي الطبراني الكبير : 12 / 421
عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول من أشفع له يوم
القيامة أهل بيتي ، ثم الأقرب فالأقرب من قريش ، ثم الأنصار ثم من أمن بي واتبعني
من اليمن ، ثم سائر العرب ، ثم الأعاجم ، وأول من أشفع له أولوا الفضل .
ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد : 10 / 381
وفي مجمع الزوائد ج 10 / 380 :
باب في أول من يشفع لهم : عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أول من أشفع له من أمتي أهل بيتي ، ثم الأقرب فالأقرب من قريش والأنصار ، ثم
آمن بي واتبعني من أهل اليمن ، ثم من سائر العرب ، ثم الأعاجم . وأول من أشفع له
أولو الفضل . رواه الطبراني ، وفيه من لم أعرفهم .
الدعاء للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بإعطائه الشفاعة
في الكافي : 3 / 187 :
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن رجل ، عن سليمان بن
خالد ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : تقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا
رسول الله ، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، اللهم صل على محمد وآل
محمد ، وتقبل شفاعته ، وبيض وجهه ، وأكثر تبعه .
وفي الصحيفة السجادية 1 / 291 :
اللهم اجعل محمدا أول شافع وأول مشفع ، وأول قائل ، وأنجح سائل .
اللهم صل على محمد وآل محمد سيد المرسلين وإمام المتقين وأفضل العالمين
وخير الناطقين ، وقائد الغر المحجلين ، ورسول رب العالمين .
اللهم أحسن عنا جزاءه ، وعظم حباءه وأكرم مثواه وتقبل شفاعته في أمته وفي
من سواهم من الأمم ، واجعلنا ممن تشفعه فيه ، واجعلنا برحمتك ممن يرد حوضه
يوم القيامة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 245 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي تهذيب الأحكام : 6 / 100 :
وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة ، ولكم المودة الواجبة والدرجات الرفيعة ،
والمكان المحمود والمقام المعلوم عند الله عز وجل ، والجاه العظيم ، والشأن الكبير
والشفاعة المقبولة .
ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ
هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا .
يا ولي الله إن بيني وبين الله عز وجل ذنوبا لا يأتي عليها إلا رضاكم ، فبحق من
ائتمنكم على سره ، واسترعاكم أمر خلقه ، وقرن طاعتكم بطاعته ، لما استوهبتم
ذنوبي ، وكنتم شفعائي ، فإني لكم مطيع .
من أطاعكم فقد أطاع الله ، ومن عصاكم فقد عصى الله ، ومن أحبكم فقد أحب
الله ، ومن أبغضكم فقد أبغض الله .
اللهم إني لو وجدت شفعاء أقرب إليك من محمد وأهل بيته الأخيار الأئمة الأبرار
لجعلتهم شفعائي ، فبحقهم الذي أوجبت لهم عليك ، أسألك أن تدخلني في جملة
العارفين بهم وبحقهم ، وفي زمرة المرحومين بشفاعتهم ، إنك أرحم الراحمين .

الدعاء بطلب الشفاعة لوالديه وأقاربه

في الصحيفة السجادية 1 / 347 :
اللهم رب هذه الأمكنة الشريفة ، ورب كل حرم ومشعر عظمت قدره وشرفته . . .
واغفر لي ولوالدي ولمن ولدني من المسلمين ، وارحمهما كما ربياني صغيرا ،
واجزهما عني خير الجزاء ، وعرفهما بدعائي لهما ما يقر أعينهما ، فإنهما قد سبقاني
إلى الغاية ، وخلفتني بعدهما ، فشفعني في نفسي وفيهما ، وفي جميع أسلافي من
المؤمنين والمؤمنات ، في هذا اليوم يا أرحم الراحمين . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 246 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 247 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الباب الرابع : مسائل الاستشفاع والتوسل والاستغاثة

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 248 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 249 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الأول : مسائل حول التوسل

المسألة الأولى : مفردات التوسل

وقع خلط في مسائل هذا الباب ومعاني مفرداته ، فكان لا بد من تمييزها .
وأهم المفردات المستعملة في التوسط بين الإنسان وربه عز وجل ، هي :
الدعاء ، النداء ، التوسل ، التذرع ، الاستشفاع ، الاستعانة ، الاستغاثة ، السؤال به ،
التوجه به . ويتصل بها : التضرع ، والابتهال ، والتبرك . .
وقد استعمل الإسلام كلمات : الشفاعة والتوسل والاستشفاع والتوجه إلى الله
تعالى ، بعمل ، أو شخص ، أو سؤاله بكرامته عليه ، أو حقه ، أو جاهه عنده . . الخ .
بنفس معناها اللغوي ، وهو التوسط إلى الله تعالى بعمل أو بشخص ، أو طلب
التوسط من ذلك الشخص إلى الله تعالى .
ويتخيل بعضهم أن توسيط شخص إلى شخص أو إلى الله تعالى ، يتضمن إشراكه
في مقام المتوسط إليه ، وهو خطأ لأن التوسيط يدل على أن للواسطة وجاهة ما ،
يؤمل بها أن يقبل المتوسط إليه شفاعته .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 250 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فمعنى الشراكة في الألوهية معنى آخر لا يأتي من التوسيط ، بل قد يكون من
عقيدة المتوسط ونيته ، وقد لا يكون أصلا .
وسوف تعرف بطلان دعوى ابن تيمية وأتباعه تحريم بعض أنواع التوسيط بحجة
أنه يتضمن شركا بالله تعالى ، وأن الشرك لا يأتي من التوسيط بل من خارجه .
ويبدو أن أقوى معاني التوسيط : سؤال الله تعالى بشخص ، أو بعمل . . ويأتي
بعده في المرتبة : التوسل والتوجه به إلى الله تعالى .
ففي روضة الواعظين للنيسابوري ص 327 ، أن أبا بصير سأل الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ما
كان دعاء يوسف في الجب ، فإنا قد اختلفنا فيه ؟
قال : إن يوسف لما صار في الجب وآيس من الحياة قال : اللهم إن كانت الخطايا
والذنوب قد أخلقت وجهي عندك فلن ترفع لي إليك صوتا ، ولن تستجيب لي دعوة
فإني أسألك بحق الشيخ يعقوب ، فارحم ضعفه واجمع بيني وبينه ، فقد علمت رقته
علي وشوقي إليه . قال : ثم بكى أبو عبد الله ( عليه السلام ) ثم قال : وأنا أقول :
اللهم إن كانت الخطايا والذنوب قد أخلقت وجهي عندك فلن ترفع لي إليك
صوتا ولن تستجيب دعوة ، فإني أسألك بك فليس كمثلك شئ ، وأتوجه إليك
بمحمد نبيك نبي الرحمة ، يا الله يا الله يا الله .
قال ثم قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : قولوا هذا وأكثروا منه ، كثيرا ما أقوله عند الكرب
العظام . انتهى .
ونلاحظ أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أجرى تعديلا على دعاء نبي الله يوسف ( عليه السلام ) ،
وجعل السؤال فجعله بالله تعالى وحده ، وجعل التوجه إليه بنبيه محمد ( صلى الله عليه وآله ) .
وهو يدل على أن سؤال الله تعالى بالشئ أعظم من التوجه إليه به .
فالتوجه هو أن يقدم السائل شخصا له وجهة عند المسؤول .
والسؤال به يشبه المطالبة بحق للمسؤول به على المسؤول .
والاستشفاع قريب من التوجه ، وهو توسيط من له حق الوساطة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 251 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولا يبعد أن يكون التوسل أعم منها جميعا ، لأنه توسيط من له وجهة عند
المسؤول ، أو له حق عنده ، أو له حق شفاعة ووساطة . .
وقد يكون التوسل غير ناظر إلى حق المسؤول به نهائيا بل ناظر إلى مسيس حاجة
السائل المتوسل ، فيكون التوسل من هذه الناحية على نحو القضية المهملة .
والذي أعتقده أن هذه التعبيرات الأربع ( التوجه بشخص أو شئ ، والتوسل به ،
والاستشفاع به ، والسؤال به ) غير مترادفة ، ويتضح ذلك من استعمالات القرآن
والنبي وآله لها ، وهم أفصح من نطق بالضاد ، وأعلم الناس بالله تعالى وأدب سؤاله .
وأن ما نراه من من ترادفها فهو بالنظرة الأولى .
ويحتمل في بعضها أن المعصومين ( عليهم السلام ) أقروا ترادفها تخفيفا على الأمة ، أو أن
الراوي اشتبه في نقلها لترادفها في ذهنه .
ويؤيد ذلك أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال ( وأنا أقول . . وفي رواية ولكني أقول ) وهو
بذلك لا يخطئ يوسف ( عليه السلام ) بسؤاله بأبيه يعقوب ، ولكنه ارتقى في أدب الدعاء
فسأل الله تعالى به وحده ، مشيرا بذلك إلى أن حق يعقوب وحق جميع الرسل
والعباد إنما هو تفضل من الله تعالى وليس ذاتيا ، فالتوجه بمقام الجاه الذي أعطاهم
الله أنسب .
وفي هذا الموضوع بحوث مفيدة لطيفة ، يحسن لمن أرادها أن يتأمل في نصوص
أدعية الصحيفة السجادية ، ففيها أنواع المعرفة بالله تعالى ، وأدب سؤاله ودعائه ،
وفيها خصائص الكلمات العربية ، التي ليس فيها مترادف بالمعنى الدقيق !
الدعاء والنداء :
توسع العرب في مادة ( دعو ) واستعملوا مشتقاتها في معان كثيرة ، مثل نداء
الشخص لأي غرض حتى مجازا ، ودعائه إلى طعام . . ومن ذلك الدعاء إلى عبادة الله
تعالى ، أو غيره ، كما قال تعالى ( ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ) !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 252 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال الخليل في العين : 2 / 221 :
( وفلان في مدعاة إذا دعي إلى الطعام . وتقول دعا دعاء ، وفلان داعي قوم
وداعية قوم : يدعو إلى بيعتهم دعوة . والجميع : دعاة ) . انتهى .
وقال الراغب في المفردات / 169 :
الدعاء كالنداء ، إلا أن النداء قد يقال بيا أو أيا ونحو ذلك ، من غير أن يضم إليه
الاسم ، والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم نحو يا فلان . . . ودعوته إذا سألته
وإذا استغثته ، قال تعالى ( قالوا ادع لنا ربك ) أي سله .
وقال ( قل أرأيتم أن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الصاعة أغير الله تدعون إن كنتم
صادقين بل إياه تدعون ) تنبيها أنكم إذا أصابتكم شدة لم تفزعوا إلا إليه .
وادعوه خوفا وطمعا . وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين . وإذا مس
الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه . وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه .
ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك . انتهى .
وفي الفروق اللغوية لأبي هلال / 534 :
الفرق بين النداء والدعاء : أن النداء هو رفع الصوت بما له معنى ، والعربي يقول
لصاحبه ناد معي ليكون ذلك أندى لصوتنا ، أي أبعد له .
والدعاء يكون برفع الصوت وخفضه ، يقال دعوته من بعيد ودعوت الله في
نفسي ، ولا يقال ناديته في نفسي . انتهى .
والنتيجة :
أن النداء الذي هو أحد معاني الدعاء ، يشمل النداء لأي غرض كان ، ويشمل
النداء الحقيقي والمجازي . . وعليه فلا يصح زعمهم أن قول القائل ( يا محمد يا علي
يا فاطمة ) هو حرام وشرك ، لأنه دعاء لغير الله تعالى وعبادة له !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 253 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فإن ذلك يتبع عقيدة المنادي ونيته ، فإن كانت نيته عبادتهم والعياذ بالله ، فهو
شرك أو كفر ! أما إذا كان غرضه التوسل بهم إلى الله تعالى ، كما هو عقيدة الشيعة
وعامة المتوسلين المستغيثين من المسلمين ، والمتبادر إلى أذهان عوامهم فضلا عن
علمائهم ، فهو عبادة لله تعالى وتوسل إليه بالنبي وآله ، الذين شرع التوسل بهم ،
صلوات الله عليهم .
وسيأتي أن الاستعانة والاستغاثة كالتوسل والاستشفاع وبقية ألفاظ التوسيط ،
معنى وحكما .

المسألة الثانية : التوسل في الأديان السابقة

هل كان مبدأ التوسل والاستشفاع إلى الله تعالى بالأعمال والأشخاص موجودا
في الدين الإلهي قبل الإسلام ؟
والجواب بالإيجاب ، لأن قوله تعالى في آخر سورة نزلت من القرآن :
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم
تفلحون - المائدة 35
ليس دعوة إلى سنة جديدة ، بل إلى سنته سبحانه في الأديان السابقة .
ولذلك أبقى الوسيلة مطلقة ولم يبينها ، لأنها معهودة في أذهان المتدينين بأنها
التوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة وبرسله وأوصيائهم ، وبذلك تكون الآية إذنا
للمسلمين بأن يتوسلوا إليه بأعمالهم وبنبيه وأوصيائه ، كما كانت السنة في الأديان
السابقة .
فإن قلت :
ما دام الإسلام جاء بمبدأ الواسطة بين الله وعباده ، وأمر به ، فلماذا كل هذا الانكار
في القرآن والحديث على المشركين الذين اتخذوا آلهتهم ومعبوديهم وسائط بينهم
وبين الله تعالى ؟ وماذا يصير الفرق بينهم وبين المؤمنين ؟ !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 254 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والجواب :
أن الفرق بين المؤمنين والمشركين في كل الأديان : أن المشركين جعلوا لله شركاء
وشفعاء لم يأذن بهم ، فأشركوهم معه بأنواع من التشريك الذي زعموه .
أما المؤمنون فوحدوا الله وأطاعوه ، وهو الذي أمرهم باتخاذ الوسيلة إليه
والتوجه إليه بهم وتقديمهم بين يدي دعائهم وأعمالهم . . فالأنبياء والأوصياء وسيلة
مشروعة وشفعاء بإذنه .
وبذلك يكون الحد الفاصل بين الشرك والتوحيد في نوع الواسطة لا في أصلها :
فالواسطة التي أذن بها الله الواحد الأحد سبحانه لا تنافي التوحيد بل تؤكده . .
والواسطة التي لم يأذن بها شرك يخرج صاحبه عن التوحيد .
والله تعالى يستحيل أن يأذن باتخاذ وسيلة إليه ممن يزعم أن له شراكة معه ! ولذا
لا يدعي المتوسلون بالرسل والأوصياء عليهم السلام أن لهم شراكة مع الله تعالى ولو بقدر
ذرة ! بل هم عباد مكرمون ، شاء الله تعالى أن يجعلهم وسائط لعطائه .

المسألة الثالثة : الفرق بين التوسل وأنواع الشرك

تضمنت آيات القرآن الكريم كل المفاهيم اللازمة للبشر ، في تحديد ما هو من الله
تعالى في العبادة والإطاعة ، وما هو من الله .
يتضح أن سبب الكفر والشرك والضلال ، ثلاثة أمور :
الأول : زعم الألوهية لأحد غير الله تعالى .
والثاني : زعم الشراكة في الألوهية أو في التصرف في الخلق لأحد مع الله تعالى .
والثالث : زعم حق الوسيلة والوساطة لأحد أو شئ لم يأذن به الله
تعالى . أما التوسل إلى الله بمن أذن بالتوسل به ، وبدون ادعاء شراكة له مع الله تعالى . .
فهو خارج عن هذه الحالات المذمومة كلها ، ولا يدخل في شئ من الكفر والشرك
والضلال ، بل هو إطاعة لله ، لأنه اتخاذ وسيلة بأمره ، وليس من دونه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 255 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فالميزان في المسألة هو : أن اتخاذ الوسيلة والشفعاء من دون الله تعالى شرك
وكفر ، واتخاذهم من عنده بإذنه وأمره ، إيمان وتقوى .
وشتان بين الأمرين ! ! فهما وإن تشابها في الظاهر لكن الفرق بينهما هو المسافة
بين الكفر والضلال ، والهدى والرشاد .
وبذلك تعرف وهن تشبث به ابن تيمية وأتباعه فحكموا على أكثر المسلمين
بالكفر بسببه ! ! واستحلوا بذلك دماءهم وأموالهم ! !
ونورد فيما يلي فهرسا لمجموع آيات الشرك وشبهه في القرآن ، لتعريف منها أن
التوسل إلى الله بمن أذن بهم لا يدخل في شئ منها
1 - الذين هم من دون الله :
* هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ؟ بل الظالمون في ضلال مبين .
لقمان - 11
* أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ! ومن يضلل الله فما له من
هاد . الزمر - 36
2 - الآلهة من دون الله :
قال تعالى عن الأصنام المعبودة عند قوم عاد :
* قالوا يا هود ما جئتنا ببينة ، وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك
بمؤمنين . إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ، قال إني أشهد الله واشهدوا أني برئ
مما تشركون . من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون . إني توكلت على الله ربي
وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم . هود 53 - 56
وقال تعقيبا على إهلاك حضارة عاد وثمود ومصر :
* وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون
الله من شئ لما جاء أمر ربك ، وما زادوهم غير تتبيب . هود 101
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 256 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال عن آلهة البابليين :
* قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين . قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له
إبراهيم . قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون . قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا
يا إبراهيم . قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون . فرجعوا إلى أنفسهم
فقالوا إنكم أنتم الظالمون . ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون . قال
أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم . أف لكم ولما تعبدون من دون
الله أفلا تعقلون . قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين . قلنا يا نار كوني بردا
وسلاما على إبراهيم . الأنبياء 59 - 69
وقال عن آلهة الرومان :
* وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا
من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا . هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة ، لولا يأتون
عليهم بسلطان بين ، فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا . وإذ اعتزلتموهم وما
يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم
مرفقا . الكهف 14 - 16
* وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى ، قال يا قوم اتبعوا المرسلين . اتبعوا من لا
يسألكم أجرا وهم مهتدون . وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون . أأتخذ من
دونه آلهة أن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون . إني إذا لفي
ضلال مبين . يس 20 - 24
وقال عن تأليه النصارى لعيسى ومريم :
* وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون
الله ؟ قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ، إن كنت قلته فقد علمته ، تعلم
ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ، إنك أنت علام الغيوب . . . المائدة 116 - 120
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 257 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال عن آلهة أمم مختلفة :
* واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ، ولا يملكون لأنفسهم ضرا
ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا . الفرقان - 3
وقال عن ( الآلهة ) الذين رضوا بأن يعبدهم الناس :
* واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة
من هذا بل كنا ظالمين . إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون .
لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون . الأنبياء 96 - 99
* لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسؤولا . ويوم يحشرهم
وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل .
الفرقان 16 - 17
* هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون . احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما
كانوا يعبدون . من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم . وقفوهم إنهم مسؤولون . ما
لكم لا تناصرون . بل هم اليوم مستسلمون . وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون .
قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين . قالوا بل لم تكونوا مؤمنين . وما كان لنا عليكم من
سلطان بل كنتم قوما طاغين . فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون . فأغويناكم إنا كنا
غاوين . فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون . الصافات 21 - 33
وقال عن آلهة بعض مشركي العرب :
* واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا . كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون
عليهم ضدا . مريم 18 - 82
* واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون . لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند
محضرون . فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون . يس 74 - 76
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 258 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال عن آلهة مكذبي الرسل من الأمم السابقة والعرب :
* أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم ، هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ، بل
أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون . الأنبياء - 24
وقال عن تأليه الملائكة والأنبياء :
* ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين .
الأنبياء - 29
وقال عن قوم سبأ :
* إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شئ ولها عرش عظيم . وجدتها
وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن
السبيل فهم لا يهتدون . ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخب ء في السماوات والأرض
ويعلم ما تخفون وما تعلنون . الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم . النمل 23 - 26
* وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين . قيل لها ادخلي
الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير .
قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين . النمل 43 - 44
وقال عن آلهة الحضارات التي في الجزيرة العربية وحولها :
* ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون . فلولا نصرهم
الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون .
الأحقاف 27 - 28
وقال عن عباد الرحمن الموحدين :
* وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا
سلاما . . . والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق
ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما . الفرقان 63 - 68
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 259 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
3 - المعبودون من دون الله :
قال تعالى عن المعبودين من دون الله عند أمم مختلفة :
* قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله
ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين . وأن أقم وجهك للدين
حنيفا ولا تكونن من المشركين . ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن
فعلت فإنك إذا من الظالمين . يونس 104 - 106
* ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين من
نصير . الحج - 71
* ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا .
الفرقان - 55
وقال عن عبادة الناس غير الملموسة للحكام الطواغيت :
* وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ نحن ولا آباؤنا ولا
حرمنا من دونه من شئ كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين .
ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله
ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين .
النحل 35 - 36
وقال عن معبودات البابليين :
* قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم . أف لكم ولما تعبدون
من دون الله أفلا تعقلون . قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين . قلنا يا نار
كوني بردا وسلاما على إبراهيم . الأنبياء 66 - 69
* واتل عليهم نبأ إبراهيم . إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون . قالوا نعبد أصناما فنظل
لها عاكفين . قال هل يسمعونكم إذ تدعون ؟ أو ينفعونكم أو يضرون ؟ . قالوا بل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 260 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وجدنا آباءنا كذلك يفعلون . قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون . أنتم وآباءكم الأقدمون .
فإنهم عدو لي إلا رب العالمين . الشعراء 69 - 77
* وأزلفت الجنة للمتقين . وبرزت الجحيم للغاوين . وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون
. من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون . فكبكبوا فيها هم والغاوون . وجنود إبليس
أجمعون . قالوا وهم فيها يختصمون . تالله إن كنا لفي ضلال مبين . إذ نسويكم برب
العالمين . وما أضلنا إلا المجرمون . الشعراء - 90 - 99
* وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون .
* إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله
لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون .
العنكبوت 16 - 17
* وإن من شيعته لإبراهيم . إذ جاء ربه بقلب سليم . إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون
أئفكا آلهة دون الله تريدون . فما ظنكم برب العالمين . فنظر نظرة في النجوم .
فقال إني سقيم . فتولوا عنه مدبرين . فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون .
ما لكم لا تنطقون . فراغ عليهم ضربا باليمين . فأقبلوا إليه يزفون . قال أتعبدون ما
تنحتون . والله حلقكم وما تعملون . الصافات 83 - 96
* فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك
لآيات لقوم يؤمنون . وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا
ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من
ناصرين . العنكبوت 24 - 25
* فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا .
مريم - 49
* قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم
ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 261 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شئ
ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير . الممتحنة - 4
وقد تقدمت الآيات 97 - 99 من سورة الأنبياء ، والفرقان - 17 ، عن ( الآلهة )
الذين رضوا بأن يعبدهم الناس .
وقال تعالى عن عبادة النصارى للمسيح ومريم :
* ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان
الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون .
* قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم .
مائدة 75 - 76
وقال عن عبادة العرب وأمثالهم للأصنام :
* إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين .
* ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى
الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار
. الزمر 2 - 3
* ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا
يستطيعون .
* فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون .
* ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو
ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون .
* وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ وهو كل على مولاه
أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم .
النحل 73 - 76
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 262 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال مقارنا بين عبادة الرسول ( ص ) وعبادة مكذبيه :
* قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين . وأمرت لأن أكون أول المسلمين .
* قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم . قل الله أعبد مخلصا له ديني .
فاعبدوا ما شئتم من دونه ، قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم
القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين . الزمر 11 - 15
وقال عن تخويف المشركين للنبي بمعبوداهم :
* أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد .
ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام .
* ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من
دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات
رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون . الزمر 36 - 38
4 - الأنداد من دون الله :
قال تعالى عن الرؤساء المطاعين من دون الله ( الأنداد ) :
* ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد
حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد
العذاب .
* إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب .
البقرة 165 - 166
* وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو
إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب
النار . الزمر 8
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 263 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
5 - الشركاء من دون الله :
قال تعالى عن الأصنام :
* هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها
حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من
الشاكرين .
* فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون .
* أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون .
* ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون .
* وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون .
* إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم
صادقين .
* ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم
آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون . الأعراف 189 - 195
* واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شئ
ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون .
* يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار .
* ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان
إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
يوسف 38 - 40
* ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون . من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعوا
من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين . غافر 70 - 74
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 264 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
6 - المزعومون من دون الله :
* قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا .
* أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته
ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا .
* وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان
ذلك في الكتاب مسطورا . الإسراء 56 - 58
* قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في
الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير . سبأ - 22
7 - الأرباب من دون الله :
قال الله تعالى عن ربوبية الحكام والأحبار عند أهل الكتاب :
* قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به
شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون .
آل عمران - 64
* اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا
ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون . التوبة - 31
وقال تعالى عن المسيح والأنبياء :
* ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي
من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ( آل
عمران . ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم
مسلمون . آل عمران 79 - 80
وقال عن أرباب الفراعنة وأتباعهم في مصر :
* واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شئ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 265 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون . يا صاحبي
السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار . ما تعبدون من دونه إلا أسماء
سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا
إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون . يوسف 38 - 40
هذا وقد تقدم تصنيف آيات الشفاعة في المجلد الثالث .
8 - المدعوون من دون الله
* إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا . لعنه الله وقال لاتخذن
من عبادك نصيبا مفروضا . ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام
ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا
مبينا . يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا . النساء 117 - 120
* قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله
كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل
إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين . الأنعام 71
* ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل
أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون . الأنعام 108
* فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من
الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا
ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين . الأعراف 37
* له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ إلا كباسط كفيه
إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال . الرعد 14
* ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله
شركاء أن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون . يونس 66
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 266 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
* والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون . أموات غير أحياء وما
يشعرون أيان يبعثون
* إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون . لا
جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين . النحل 20 - 23
* وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم
وكان الإنسان كفورا . الإسراء - 67
* قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم
صادقين . بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون .
* ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون .
الأنعام 40 - 42
* قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا . قال
سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا . وأعتزلكم وما تدعون من دون الله
وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا . مريم 46 - 48
* ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون .
ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون . الزخرف 86 - 87
* ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة
انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين . يدعو من دون الله
ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد . يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس
المولى ولبئس العشير . الحج 11 - 13
* ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي
الكبير . الحج - 62
* يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 267 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب
والمطلوب . ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز . الحج 73 - 74
* ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير .
لقمان 30
* يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري
لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من
قطمير .
* إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة
يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير . فاطر 13 - 14
* قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم
لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه بل أن يعد الظالمون
بعضهم بعضا إلا غرورا . فاطر 40
* وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص . فصلت 48
* قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في
السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين . ومن أضل
ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون .
وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين . الأحقاف 4 - 6
* ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من
دون الله أن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات
رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون . الزمر 38
* والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشئ إن الله هو السميع
البصير . غافر 20
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 268 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
* هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين . قل إني
نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم
لرب العالمين . غافر 65 - 66
* ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من
دون الله أن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات
رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون . الزمر 38
وقال تعالى عن إهلاك الحضارات الظالمة :
* فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة
ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا
أنفسهم يظلمون . مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا
وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون . إن الله يعلم ما يدعون من دونه
من شئ وهو العزيز الحكيم . وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون .
العنكبوت 40 - 43
الرسول ( صلى الله عليه وآله ) داعي الله
* وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما
قضي ولوا إلى قومهم منذرين . قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى
مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم . يا قومنا أجيبوا داعي الله
وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم . ومن لا يجب داعي
الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين .
الأحقاف 29 - 32
* قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا . قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا -
الجن 20 - 21
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 269 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
* قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله . قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت
إذا وما أنا من المهتدين . قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون
به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين . الأنعام 56 - 57
* إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين . والذين تدعون من دونه لا
يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون . وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم
ينظرون إليك وهم لا يبصرون . خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين .
الأعراف 196 - 199
* المؤمنون يدعون الله تعالى وحده :
* وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي شفيع
لعلهم يتقون . ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك
من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين .
الأنعام 51 - 52
* واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد
عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان
أمره فرطا . الكهف 28
8 - الشفعاء من دون الله والشفعاء من الله :
وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس
بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وأن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها
أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون .
قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله
كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل
إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين . الأنعام 70 - 71
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 270 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
* ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله
قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما
يشركون . يونس - 18
* الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على
العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون . يدبر الأمر من السماء إلى
الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون . السجدة 4 - 5
* أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون . قل لله
الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون . وإذا ذكر الله وحده
اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون .
قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في
ما كانوا فيه يختلفون . الزمر 43 - 46
10 - الشهداء من دون الله والأشهاد من الله
* وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من
دون الله إن كنتم صادقين . البقرة 23
* ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد
هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين . الذين يصدون عن سبيل الله
ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون . هود 18 - 19
11 - الصدق عن الله والافتراء من دون الله
* وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون (
يونس . وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل
الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين . أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من
استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين . بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله
كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين . يونس 36 - 39
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 271 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
* أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون
الله إن كنتم صادقين . فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو
فهل أنتم مسلمون . هود 13 - 140
12 - الوليجة من دون الله :
* أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله
ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون . التوبة 16
13 - العاصم من الله والعاصم من دون الله
* قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا .
* قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا
يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا . الأحزاب 16 - 17
14 - الأولياء من دون الله :
وهذا الموضوع أوسع المواضيع في مصطلح ( من دون الله القرآني ) لأن الأولياء
من دونه في المجتمعات البشرية والسلوك الإنساني متنوعون . قال الله تعالى :
* ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا
نصير . البقرة 107
الأولياء الشياطين
* قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له
الدين كما بدأكم تعودون . فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ، إنهم اتخذوا
الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون . الأعراف 29 - 30
التأثر بأفكار الناس يجعلهم أولياء من دون الله :
* فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير . ولا تركنوا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 272 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون . وأقم
الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى
للذاكرين . واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين . هود 112 - 115
* اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون .
الأعراف - 3
* له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم
حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له وما لهم من دونه من وال .
الرعد - 11
* ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعا . قل الله أعلم بما لبثوا له غيب
السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه
أحدا . واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا
. الكهف 25 - 27
* وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها
إلا الصابرون . فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما
كان من المنتصرين . القصص 80 - 81
* قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون
لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات
والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شئ
وهو الواحد القهار . الرعد 16
انكشاف عدم فائدة الأولياء من دون الله في الآخرة
* وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين
آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 273 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عذاب مقيم . وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من
سبيل . استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجأ يومئذ
وما لكم من نكير . الشورى 45 - 47
* ومكروا مكرا كبارا . وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث
ويعوق ونسرا . وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا . مما خطيئاتهم أغرقوا
فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا . نوح 22 - 25
* إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين . ألا لله الدين الخالص
والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم
في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار . الزمر 2 - 3
* والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل .
* وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا
ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير . ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن
يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير . أم اتخذوا من دونه
أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شئ قدير . الشورى 6 - 9
* تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون . ويل
لكل أفاك أثيم . يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره
بعذاب أليم . وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين . من
ورائهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم
عذاب عظيم . الجاثية 6 - 10
* له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم
حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له وما لهم من دونه من وال .
الرعد - 11
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 274 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
* وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين . أو لم
يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير . قل سيروا في الأرض
فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شئ قدير . يعذب
من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون . وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء
وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير . والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا
من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم . العنكبوت 18 - 23
* وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا . قل
لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا . قل
كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا . ومن يهد الله فهو المهتد
ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا
وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا . الإسراء 94 - 97
* أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا . وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على
ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا . ولم تكن
له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا . هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا
وخير عقبا . الكهف 41 - 44
* قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم
وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا . فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون
صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا . وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا
إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان
ربك بصيرا . الفرقان 18 - 20
لا وجود حقيقيا لولي من دون الله :
* إن الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي
ولا نصير . لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 275 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم .
التوبة 116 - 117
* ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا
يشاء قدير . وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير . وما أنتم
بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير . الشورى - 29 - 31
فقد رأيت أن موضوع جميع الآيات هو اتخاذ معبود أو مطاع أو واسطة من دون
الله تعالى . . فكيف يصح أن يقاس عليها ما كان مكن الله وأمره وإذنه ؟

المسألة الرابعة : شبهة على أصل التوسل

أثار بعضهم إشكالا على مبدأ التوسل ، شبيها بما مر في الشفاعة . .
والسبب في ذلك أنهم رأوا الشفاعات والوساطات والمحسوبيات السيئة عند
الرؤساء والمسؤولين في دار الدنيا ، وما فيها من محاباة وإعطاء بغير حق ، ولا جهد
من المشفوع لهم ، أو المتوسط لهم .
وبما أن الله تعالى يستحيل عليه أن يحابي كما يحابي حكام الدنيا ، وإنما يعطي
جنته وثوابه بالإيمان والعمل الصالح . . فلذا صعب على هؤلاء قبول الشفاعة
والوساطة والوسيلة إلى الله تعالى !
ولكنه فات هؤلاء أنه لا استحقاق في الأصل لمخلوق على الله تعالى ، وأن
المنشأ الحقوقي الوحيد لحق المخلوق على ربه هو وعده سبحانه إياه بالعطاء ، فهو
حق مكتسب بالوعد لأن الله تعالى رحيم صادق ، وليس حقا أصليا للعبد !
وفاتهم أيضا ، أن الاستشفاع والتوسل إليه تعالى عمل صالح ، لأنه تعالى أمرنا أن
نبتغي إليه الوسيلة .
فاتهم أن الحكمة من جعله تعالى الأنبياء والأوصياء الوسيلة إليه تعالى :
أولا : أن يعالج مشكلة التكبر في البشر ، لأن البشر لا يمكنهم الانتصار على
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 276 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تكبرهم والخضوع لعبودية الله تعالى ، إلا إذا انتصروا على ذاتيتهم في مقابل الأنبياء
والأوصياء ، واعترفوا لهم بالفضل والمكانة المميزة والاختيار الإلهي ، وأنهم
المبلغون عن الله تعالى . . فهذا الاعتراف مطلوب لأنه مقدمة علمية وعملية للإيمان
بالله تعالى وممارسة العبودية له .
فبدون الخضوع للأنبياء والأوصياء لا يتحقق خضوع حقيقي لله تعالى ، ولا إيمان
حقيقي به ! ! وهذا هو المقصود بقوله تعالى ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم به
مشركون ) ! !
لقد كان من المكن أن يقول الله تعالى للناس : آمنوا بي ولا شغل لكم برسلي
وأوليائي ، فإنما هم مبلغون لما أرسلتهم به ، وإنما ( الرسول طارش ) كما قال بعض
الوهابيين ! ولكن ذلك لا يعالج مشكلة الإنسان في التكبر على عباد الله ! !
وإذا لم تنحل مشكلته هذه ، لم تنحل مشكلته في التكبر على ربه وادعاءاته
الفارغة بقربه منه وتكريمه له ! !
فالخضوع العملي للمخلوقين الربانيين الممتازين ، هو الطريق الطبيعي الوحيد
للخضوع للخالق سبحانه .
وهما نوعان مختلفان من الخضوع ، لأن حق الخضوع لله ذاتي ، ولأوليائه تبعي
جعلي . . بل هما في الحقيقة نوع واحد ، لأن الخضوع للأولياء بأمر الله تعالى إنما هو
خضوع لله تعالى .
وثانيا : أن جعل الأنبياء والأوصياء وسيلة إلى تعالى ضرورة ذهنية للبشر . . ذلك
أن الفاصلة بين ذهن الإنسان المحدود الميال إلى المادية والمحدودية ، وبين
التوحيد المطلق المطلوب والضروري ، فاصلة كبيرة ، فهي تحتاج إلى نموذج ذهني
حاضر من نوع الإنسان ، يمارس التوحيد أمامه ويكون قدوة له . وبدون هذا النموذج
القدوة ، يبقى الإنسان في معرض الجنوح في تصوره للتوحيد وممارسته ، والجنوح
في هذا الموضوع الخطير ، أخطر أنواع جنوح الضلال ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 277 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وهذا هو السبب في اعتقادي في أن الله تعالى جعل أنبياءه وأوصياءهم حججا
على العباد ، وهو السبب في أنه جعلهم من نوع الناس أنفسهم وليس من نوع آخر
كالملائكة مثلا .
والنتيجة :
أن وجود الوسيلة بين العباد والله تعالى لو كان أمره يرجع إلينا لصح لنا أن نقول
يا ربنا نريد أن تجعل كل أنواع ارتباطنا بك مباشرا ، فلا تجعل بيننا وبينك واسطة في
شئ ! كما ما يميل إليه أهل الإشكال على الشفاعة والتوسل !
ولكن الأمر له سبحانه ، فالأفضل أن يكون منطقنا سليما فنقول :
اللهم لا نقترح عليك ، فأنت أعلم بما يصلحنا ، وإن أردت أن تجعل أنبياءك
وأوصياءك واسطة بيننا وبينك ، وحججا علينا عندك ، فنحن مطيعون لك ولهم ، ولا
اعتراض عندنا . .
وهذا هو التسليم المطلق لإرادته تعالى الذي عبر عنه بقوله لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) في سورة
الزخرف - 81 - 82 : قل إن كان لله ولد فأنا أول العابدين .
ومعناه : أيها الرسول وحد لله تعالى توحيدا بلا شرط ، واقبل معه كل شرط حتى
لو اتخذ ولدا وأمرك بعبادته !
ثم بين تعالى أن الواقع أنه لم يتخذ ولن يتخذ ولدا فقال :
سبحان الله رب السماوات والأرض ، رب العرش ، عما يصفون .

المسألة الخامسة : مسألة التوسل دقيقة وحساسة

فهي مسألة ذات حدين ، لا بد فيها التوازن والحذر من الافراط والتفريط !
فلا هؤلاء الوسائط يملكون شيئا مع الله تعالى . . لأنهم مخلوقون فقراء إليه تعالى .
كما أنه لا غنى للناس عن وساطتهم إلى الله . . لأنهم عباده المكرمون الذين أمر
بالتوجه إليه بهم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 278 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والتعادل المطلوب فيها تعادل فكري وعملي . . لأن الحركة الانحرافية ، ذهنية أو
عملية ، قد توجب الضلال ! !
فالذين ينقصون من دور أنبياء الله وأوصيائه ومقامهم عند الله تعالى ، بحجة
توحيده وإبعاد الشركاء عن ساحته المقدسة ، يقعون في الضلال والبعد عن الطريق
الذي عينه الله لتوحيده وطاعته . . وهو طلعتهم ، والتوجه إليه بهم !
والذين يزيدون على دورهم المحدد من الله تعالى ، ويجعلون لهم معه شراكة في
ملكه أو حكمه أو عبادته ، ولو ذرة واحدة ، بحجة أنه جعلهم وسيلة إليه . . يقعون في
الضلال والبعد عن الطريق الذي عينه الله تعالى ، والذي هو التوحيد المطلق !
وبسبب هذه الدقة في العقيدة الإسلامية في الأنبياء والأوصياء نرى أن الآيات
والأحاديث الشريفة أكدت على الجانبين معا !
1 - فهي تؤكد من ناحية على أن طاعته تعالى إنما تكون بطاعتهم وابتغاء الوسيلة
إليه عن طريقهم .
2 - ومن ناحية أخرى تؤكد على بشريتهم ، وأن الذين جعلوهم آلهة أو شركاء لله
قد ضلوا وكفروا .
وفيما يلي نورد بعض الآيات في إطاعة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، ونلاحظ أن الله جعل طاعة
الرسول إيمانا ومعصيته كفرا ! وهو مقام ما فوقه مقام لمخلوق أن يجعل الله طاعته
طاعته ، ومعصيته معصيته ! !
قال سبحانه :
* قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين . آل عمران 32
* من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا . النساء 80
* ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب
ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا . النساء 81
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 279 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
* يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون . ولا تكونوا
كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون . إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين
لا يعقلون . ولو علم الله فيهم خيرا لا سمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون .
الأنفال 20 - 23
* ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا . ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما .
النساء : 69 - 70
* ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون . وأقسموا بالله جهد
أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون .
النور 52 - 53
* قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم
وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين . النور 54
* يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم
ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما . الأحزاب 70 - 71
* يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم . محمد - 33
* ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه
عذابا أليما . الفتح - 17
* تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار
خالدين فيها وذلك الفوز العظيم . ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا
خالدا فيها وله عذاب مهين . النساء 13 - 14
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 280 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ونلاحظ هنا أن نفس فريضة الإطاعة التي فرضها الله لرسوله ، فرضها لأولي الأمر
من بعده ! صلى الله على رسوله وآله ، قال تعالى :
* يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في
شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن
تأويلا . النساء - 59
* وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي
الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم . ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم
الشيطان إلا قليلا . النساء - 83
ومن الجهة الأخرى قال تعالى في الذين ألهوا الأنبياء والأولياء أو جعلوهم شركاء
لله سبحانه :
* وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون . وقالوا اتخذ
الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون . لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون . يعلم ما
بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون . ومن يقل
منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين . الأنبياء : 25 - 29
* إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين . ألا لله الدين الخالص
والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم
في ما هم فيه يختلفون ، إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار . لو أراد الله أن يتخذ ولدا
لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار . الزمر 2 - 4
تأكيد الأئمة على المحافظة على التوحيد في التوسل
وذلك في نصوص كثيرة ، ومنها نصوص الأدعية والتوسلات التي
علمها الأئمة الطاهرون ( عليهم السلام ) لشيعتهم ، كما لاحظت فيما أوردناه منها . . وهذا نموذج آخر :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 281 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في بحار الأنوار : 98 / 168 :
عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إذا أتيت القبر بدأت فأثنيت على الله عز وجل ،
وصليت على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، واجتهدت في ذلك إن شاء الله ، ثم تقول : سلام الله وسلام
ملائكته فيما تروح وتغدو . . .

المسألة السادسة : من هم المتوسل بهم عند المسلمين

يكاد يكون التوسل والاستشفاع في مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) ، محصورا رواية
وعملا بمحمد وآله المعصومين صلى الله عليه وعليهم .
ولم أجد في سيرة أئمتنا ( عليهم السلام ) ، ولا في سلوك المتشرعين من أصحابهم وشيعتهم
ذكرا للتوسل بأحد غير المعصومين ( عليهم السلام ) ! وإن وجد فهو توسل بهم تبعا للمعصومين
أو في موارد خاصة .
نعم ورد في عدد من الأدعية عن أهل البيت ( عليهم السلام ) تعليم التوسل بالملائكة
المقربين والأنبياء السابقين ، وكتب الله المنزلة ، وعباده الصالحين ، والأعمال
الصالحة . .
ففي مصباح المتهجد / 358 :
اللهم إني أتقرب إليك بجودك وكرمك ، وأتشفع إليك بمحمد عبدك ورسولك ،
وأتوسل إليك بملائكتك المقربين ، وأنبيائك المرسلين ، أن تقيلني عثرتي ، وتستر
علي ذنوبي ، وتغفرها لي ، وتقلبني بقضاء حاجتي ، ولا تعذبني بقبيح كان مني .
يا أهل التقوى وأهل المغفرة ، يا بر يا كريم ، أنت أبر بي من أبي وأمي ، ومن
نفسي ، ومن الناس أجمعين ، بي إليك فاقة وفقر ، وأنت غني عني . . .
وفي مصباح المتهجد / 302
روى إبراهيم بن عمر الصنعاني ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : للأمر المخوف العظيم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 282 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تصلي ركعتين ، وهي التي كانت الزهراء ( عليها السلام ) تصليها ، تقرأ في الأولى الحمد ، وقل هو
الله أحد خمسين مرة ، وفي الثانية مثل ذلك ، فإذا سلمت صليت على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم
ترفع يديك وتقول :
اللهم إني أتوجه بهم إليك وأتوسل إليك بحقهم العظيم الذي لا يعلم كنهه سواك
وبحق من حقه عندك عظيم ، وبأسمائك الحسنى وكلماتك التامات ، التي أمرتني أن
أدعوك بها .
وأسألك باسمك العظيم الذي أمرت إبراهيم ( عليه السلام ) أن يدعو به الطير فأجابته .
وباسمك العظيم الذي قلت للنار كوني بردا وسلاما على إبراهيم فكانت .
وبأحب أسمائك إليك ، وأشرفها عندك ، وأعظمها لديك ، وأسرعها إجابة ،
وأنجحها طلبة ، وبما أنت أهله ومستحقه ومستوجبه . . .
وأسألك بكتبك التي أنزلتها على أنبيائك ورسلك صلواتك عليهم أجمعين من
التوراة والإنجيل والقرآن العظيم ، من أولها إلى آخرها ، فإن فيها اسمك الأعظم .
وبما فيها من أسمائك العظمى أتقرب إليك .

التوسل بغير المعصومين عند السنيين

سيرة أئمة المذاهب السنية وسلوك أتباعهم حافلة بالتوسل بمن يعتقدون
صلاحه من شيوخ العلم والتصوف .
وحتى الحنابلة الذين يدعي ابن تيمية الانتساب إليهم ويشن باسمهم حملة ضد
التوسل والاستشفاع ويكفر بهم المسلمين . . يعتقدون بالتوسل ! !
فقد ثبت عن إمامهم أحمد وكبار متقدميهم ومتأخريهم ، أنهم كانوا يزورون القبور
ويتوسلون إلى الله تعالى بأصحابها ! !
وقد بنوا على قبر أحمد بن حنبل مسجدا وقبة ! وجعلوه مزارا يصلون عنده
ويتمسحون به ويتوسلون به ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 283 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ففي وفيات الأعيان لابن خلكان : 1 / 64 :
أحمد بن حنبل . . . توفي ضحوة الجمعة لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع
الأول . . ودفن بمقبرة باب حرب ، وباب حرب منسوب إلى حرب بن عبد الله أحد
أصحاب أبي جعفر المنصور ، وإلى حرب هذا تنسب المحلة المعروفة بالحربية ،
وقبر أحمد بن حنبل مشهور بها يزار .
وفي مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي / 454 :
حدثني أبو بكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي وكان شيخا صالحا قال : كان قد
جاء في بعض السنين مطر كثير جدا قبل دخول رمضان بأيام ، فنمت ليلة في رمضان
فأريت في منامي كأني قد جئت على عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزور ،
فرأيت قبره قد التصق بالأرض حتى بقي بينه وبين الأرض مقدار ساف أو سافين ،
فقلت : إنما تم هذا علي قبر الإمام أحمد من كثرة الغيث !
فسمعته من القبر وهو يقول : لا ، بل هذا من هيبة الحق عز وجل ، لأنه عز وجل
قد زارني ! ! فسألته عن سر زيارته إياي في كل عام فقال عز وجل : يا أحمد ، لأنك
نصر ت كلامي فهو ينشر ويتلى في المحاريب . فأقبلت على لحده أقبله ثم قلت : يا
سيدي ما السر في أنه لا يقبل قبر إلا قبرك ؟ فقال لي : يا بني ، ليس هذا كرامة لي ،
ولكن هذا كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ! لأن معي شعرات من شعره ! !
ألا ومن يحبني يزورني في شهر رمضان ! قال ذلك مرتين ! !
وفي طبقات الحنابلة لأبي يعلى : 2 / 186 :
سمعت رزق الله يقول : زرت قبر الإمام أحمد صحبة القاضي الشريف أبو علي
فرأيته يقبل رجل القبر ! فقلت له : في هذا أثر ؟
قال لي : أحمد في نفسي شئ عظيم ، وما أظن أن الله تعالى يؤاخذني بهذا ! !
وفي تاريخ بغداد للخطيب : 4 / 423 :
عن أبي الفرج الهندباني يقول : كنت أزور قبر أحمد بن حنبل فتركته مدة ، فرأيت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 284 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في المنام قائلا يقول لي : لم تركت زيارة إمام السنة ! !
ورواه ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد / 481
وفي رحلة ابن بطوطة : 1 / 220 :
قبور الخلفاء ببغداد وقبور بعض العلماء والصالحين بها . . . وبقرب الرصافة قبر
الإمام أبي حنيفة ، وعليه قبة عظيمه وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر ، وليس
بمدينة بغداد اليوم زاوية يطعم الطعام فيها ما عدا هذه الزاوية .
وبالقرب منها قبر الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل ، ولا قبة عليه . . ويذكر أنها
بنيت على قبره مرارا فتهدمت بقدرة الله تعالى .
وقبره عند أهل بغداد معظم ، وأكثرهم على مذهبه ، وبالقرب منه قبر أبي بكر
الشبلي من أئمة المتصوفة .
وفي تاريخ الإسلام للذهبي : 38 / 23 :
في عام 554 غرقت مقبرة الإمام أحمد وخرجت الموتى على وجه الماء وكانت
آية عجيبة .
وفي عمدة القاري للعيني : 5 جزء 9 / 241 :
سعيد العلائي قال : رأيت في كلام أحمد بن حنبل . . أن الإمام أحمد سئل عن
تقبيل قبر النبي ( ص ) وتقبيل منبره ، فقال : لا بأس بذلك .
قال فأريناه للشيخ تقي الدين بن تيمية ، فصار يتعجب من ذلك ويقول : عجبت !
أحمد عندي جليل ، يقول هذا الكلام !
وأي عجب . . وقد روينا عن الإمام أحمد أنه غسل قميصا للشافعي وشرب الماء
الذي غسله به ! !
وفي تاريخ الإسلام للذهبي : 14 / 335 :
وقال ابن خزيمة : هل كان ابن حنبل إلا غلاما من غلمان الشافعي ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 285 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي الإعتصام للشاطبي : 1 / 226 :
والجواب عن هذا ( قول أحمد بن حنبل ) أنه كلام مجتهد يحتمل اجتهاده الخطأ
والصواب . . وقد كان ( ابن حنبل ) يميل إلى نفي القياس ، ولذلك قال : ما زلنا نلعن
أهل الرأي ويلعنوننا ، حتى جاء الشافعي فخرج بيننا . .
وفي الغدير للأميني : 5 / 194 :
قال ابن حجر في ( الخيرات الحسان ) في مناقب الإمام أبي حنيفة في الفصل
الخامس والعشرين : إن الإمام الشافعي أيام كان هو ببغداد كان يتوسل بالإمام أبي
حنيفة ويجئ إلى ضريحه يزوره فيسلم عليه ، ثم يتوسل إلى الله تعالى به في قضاء
حاجاته ، وقال : قد ثبت أن الإمام أحمد توسل بالإمام الشافعي حتى تعجب ابنه
عبد الله بن الإمام أحمد ، فقال له أبوه : إن الشافعي كالشمس للناس وكالعافية للبدن .
ولما بلغ الإمام الشافعي : أن أهل المغرب يتوسلون بالإمام مالك لم ينكر عليهم .
وفي الغدير : 5 / 198 :
قال ( ابن الجوري ) في المنتظم : 10 / 283 :
وفي أوائل جمادي الآخرة سنة 574 تقدم أمير المؤمنين بعمل لوح ينصب علي
قبر الإمام أحمد بن حنبل ، فعمل ونقضت السترة جميعها وبنيت بآجر مقطوع
جديدة ، وبني له جانبان ، ووقع اللوح الجديد وفي رأسه مكتوب : هذا ما أمر بعمله
سيدنا ومولانا المستضئ بأمر الله أمير المؤمنين .
وفي وسطه : هذا قبر تاج السنة وحيد الأمة العالي الهمة العالم العابد الفقيه الزاهد
الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ( رحمه الله ) . وقد كتب تاريخ وفاته وآية
الكرسي حول ذلك .
ووعدت بالجلوس في جامع المنصور ، فتكلمت يوم الاثنين سادس عشر
جمادي الأولى ، فبات في الجامع خلق كثير وختمت ختمات ، واجتمع للمجلس
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 286 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بكرة ما حزر بمائة ألف ، وتاب خلق كثير وقطعت شعور ، ثم نزلت فمضيت إلى زيارة
قبر أحمد ، فتبعني من حزر بخمسة آلاف .
وفي الغدير للأميني : 5 / 199 :
الحافظ ابن عساكر في تاريخه : 2 / 46 :
عن أبي بكر بن أنزويه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ومعه
أحمد بن حنبل ، فقلت : يا رسول الله من هذا ؟
فقال : هذا أحمد ولي الله وولي رسول الله على الحقيقة ، وأنفق على الحديث
ألف دينار .
ثم قال : من يزوره غفر الله له ، ومن يبغض أحمد فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد
أبغض الله .
وفي النهاية لابن كثير : 12 / 323
وفي صفر سنة 542 رأى رجل في المنام قائلا يقول له : من زار أحمد بن حنبل
غفر له . قال : فلم يبق خاص ولا عام إلا زاره وعقدت يومئذ ثم مجلسا ، فاجتمع فيه
ألوف من الناس ! !

التوسل الواسع في صلاة الاستسقاء

ورد عندنا وعندهم الحث على التوسل في صلاة الاستسقاء بالأخيار والضعفاء
والمرضى ، ومن ذلك : ما قاله النووي في المجموع : 5 / 66 :
قال في الأم : ولا آمر بإخراج البهائم . وقال أبو إسحاق : استحب إخراج البهائم ،
لعل الله تعالى يرحمها ، لما روي أن سليمان صلى الله عليه وسلم خرج ليستسقي
فرأى نملة تستسقي ، فقال ارجعوا فإن الله تعالى سقاكم بغيركم .
ويكره إخراج الكفار للاستسقاء لأنهم أعداء الله فلا يجوز أن يتوسل بهم إليه ، فإن
حضروا وتميزوا لم يمنعوا ، لأنهم جاؤوا في طلب الرزق .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 287 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال في : 5 / 70 :
يستحب أن يستسقى بالخيار من أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبأهل
الصلاح من غيرهم ، وبالشيوخ والضعفاء والصبيان والعجائز وغير ذوات الهيئات من
النساء ، ودليله ما ذكره المصنف .
وأيضا ففي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وهل تنصرون
وترزقون إلا بضعفائكم ؟ .
قال القاضي حسين والروياني والرافعي وآخرون من أصحابنا : ويستحب أن يذكر
كل واحد من القوم في نفسه ما فعله من الطاعة الجليلة ، ويتشفع به ويتوسل .
واستدلوا بحديث ابن عمر في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين أووا إلى غار فأطبقت عليهم صخرة ، فتوسل كل
واحد بصالح عمله ، فأزال الله عنهم بسؤال كل واحد ثلثا من الصخرة وخرجوا
يمشون . انتهى .
فهذه فتاوى من فقهاء المذاهب الأربعة ، تنص على التوسل بالصالحين والضعفاء
والمرضى والأعمال والحيوانات ، وتنص على أنه توسل واستشفاع ، وهو أوسع من
التوسل المتبادر إلى أذهاننا بالنبي وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم .

المسألة السابعة : التوسل العملي بالأعمال الصالحة

في بحار الأنوار : 74 / 398 :
عن أمالي المفيد ، عن أحمد بن الوليد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن ابن عيسى ،
عن ابن محبوب ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر محمد بن
علي بن الحسين ( عليهم السلام ) قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
أفضل ما توسل به المتوسلون الإيمان بالله ، ورسوله ، والجهاد في سبيل الله ،
وكلمة الإخلاص فإنها الفطرة ، وإقام الصلاة فإنها الملة ، وإيتاء الزكاة فإنها من فرائض
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 288 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الله ، وصيام شهر رمضان فإنه جنة من عذاب الله ، وحج البيت فإنه ميقات للدين
ومدحضة للذنب ، وصلة الرحم فإنها مثراة للمال ومنسأة للأجل ، والصدقة في السر
فإنها تذهب الخطيئة وتطفئ غضب الرب ، وصنايع المعروف فإنها تدفع ميتة
السوء ، وتقي مصارع الهوان . ومثله في : 93 / 177
ونحوه في : 74 / 289 ، عن تحف العقول ، قال : خطبته ( عليه السلام ) المعروفة بالديباج :
الحمد لله فاطر الخلق ، وخالق الاصباح ، ومنشر الموتى ، وباعث من في القبور ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) عباد الله ،
إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله جل ذكره : الإيمان بالله وبرسله وما جاءت به
من عند الله . . . الحديث ، كما تقدم بتفاوت .
ورواه في : 71 / 410 ، عن علل الشرائع عن أبي ، عن سعد ، عن إبراهيم بن
مهزيار ، عن أخيه علي ، عن حماد عن إبراهيم بن عمر ، رفعه إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام )
قال : إن أفضل ما توسل به المتوسلون . . .
- ورواه في : 62 / 386 ، عن أمالي المفيد ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، بتفاوت وزيادة
في آخره ، قال ( ألا فاصدقوا فإن الله مع من صدق ، وجانبوا الكذب فإن الكذب
مجانب الإيمان ، ألا وإن الصادق على شفا منجاة وكرامة ، ألا وإن الكاذب على شفاه
مخزاة وهلكة ، ألا وقولوا خيرا تعرفوا به ، واعملوا به تكونوا من أهله ، وأدوا الأمانة
إلى من ائتمنكم ، وصلوا من قطعكم ، وعودوا بالفضل عليهم . انتهى .
ولكن التوسل بالأعمال الصالحة لا ينفي التوسل بالنبي وآله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقد ثبت أنه لا
يقبل عمل لمسلم إلا بولايتهم ، وأنه لا يرفع دعاء إلا بالصلاة عليهم ، وهو التوسل
بهم ! وقد روي ذلك عندنا في مصادر الجميع !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 289 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الثاني : التوسل إلى الله في مصادر السنيين

1 - تعليم النبي ( صلى الله عليه وآله ) التوسل به إلى الله تعالى

روى الترمذي : 5 / 229 برقم 3649 :
حدثنا محمود بن غيلان ، أخبرنا عثمان بن عمر ، أخبرنا شعبة ، عن أبي جعفر ،
عن عمارة بن خزيمة بن ثابت ، عن عثمان بن حنيف : أن رجلا ضرير البصر أتى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أدع الله أن يعافيني .
قال : إن شئت دعوت ، وإن شئت صبرت فهو خير لك .
قال : فادعه .
قال فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعوه بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك
وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة . يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في
حاجتي هذه لتقضى لي ، اللهم فشفعه في .
هذا حديث حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي
جعفر ، وهو غير الخطمي . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 290 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ورواه ابن ماجة في : 1 / 441 ، وقال : قال أبو إسحاق هذا حديث صحيح . انتهى .
ورواه أحمد : 4 / 138 ، بروايتين .
- ورواه الحاكم في المستدرك : 1 / 313 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين
ولم يخرجاه . انتهى .
- ورواه في : 1 / 519 ، بسندين آخرين ، وقال بعدهما : هذا حديث صحيح الإسناد ولم
يخرجاه .
ورواه في : 1 / 526 ، وقال : تابعه شبيب بن سعيد الحبطي عن روح بن القاسم زيادات
في المتن والإسناد والقول . . .
وقال أيضا : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ، وإنما قدمت حديث عون
بن عمارة لأن من رسمنا أن نقدم العالي من الأسانيد .
ورواه الطبراني في كتاب الدعاء / 320 ، وما بعدها بعدة طرق ، وكذا في المعجم الكبير
: 9 / 31 ، والصغير : 1 / 183 ، وصححه .
ورواه في مجمع الزوائد : 2 / 279 ، وقال :
قلت : روى الترمذي وابن ماجة طرفا من آخره خاليا عن القصة ، وقد قال الطبراني عقبه :
والحديث صحيح ، بعد ذكر طرقه التي روى بها .
ورواه في كنز العمال : 2 / 181 ، و 6 / 521 ( ت ، ه ، ك ، عن عثمان بن حنيف ) . ( حم
ت : حسن صحيح غريب هك وابن السني عن عثمان بن حنيف ) ورواه ابن خزيمة في صحيحه
: 2 / 225 وروى الطبراني تطبيق عثمان بن حنيف للحديث بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) كما سيأتي .
وفي السنن الكبرى للنسائي : 6 / 168
أخبرنا محمد بن معمر قال ، حدثنا حبان قال ، حدثنا حماد قال ، أخبرنا جعفر
عن عمارة بن خزيمة ، عن عثمان بن حنيف أن رجلا أعمي أتى النبي صلى الله صلى
الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني رجل أعمى ، فادع الله أن يشفيني ، قال بل
أدعك ، قال : أدع الله لي مرتين أو ثلاثا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 291 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال : توضأ ثم صل ركعتين ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد
نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى الله أن يقضي حاجتي ، أو حاجتي إلى
فلان ، أو حاجتي في كذا وكذا . اللهم شفع في نبيي وشفعني في نفسي . انتهى .
ثم رواه النسائي بروايتين أخريتين .

2 - توسل عمر بن الخطاب بالعباس عم النبي ( صلى الله عليه وآله )

روى الحاكم في المستدرك : 3 / 334
أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ، ثنا الحسن بن علي بن نصر ، ثنا الزبير
بن بكار ، حدثني ساعدة بن عبيد الله المزني ، عن داود بن عطاء المدني ، عن زيد
بن أسلم ، عن ابن عمر أنه قال : استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن
عبد المطلب فقال : اللهم هذا عم نبيك العباس نتوجه إليك به فاسقنا ، فما برحوا
حتى سقاهم الله . قال فخطب عمر الناس فقال :
أيها الناس إن رسول الله كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده ، يعظمه ويفخمه
ويبر قسمه ، فاقتدوا أيها الناس برسول الله في عمه العباس ، واتخذوه وسيلة إلى الله
عز وجل فيما نزل بكم ! انتهى . وروته عامة مصادرهم .

3 - توسل الناس في المحشر واستشفاعهم بالنبي ( صلى الله عليه وآله )

روى ذلك البخاري في عدة مواضع ، في صحيحه : 5 / 147
عن أنس ( رضي الله عنه ) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون
أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شئ ، فاشفع
لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا . فيقول : لست هناكم ، ويذكر ذنبه فيستحي
ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض ، فيأتونه فيقول لست هناكم . . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 292 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ائتوا إبراهيم . . . ائتوا موسى . . . ائتوا عيسى . . . ائتوا محمدا عبدا غفر الله له ما تقدم من
ذنبه وما تأخر ، فيأتوني فأنطلق حتى أستأذن . . . الخ .
- ونحوه بتفاوت في : 7 / 203 ، و : 8 / 172 و 183 ، وروته عامة مصادرهم .

4 - ما ورد عندهم من الدعاء للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بالوسيلة

قال البخاري في صحيحه : 1 / 152 :
عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قال حين يسمع
النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة
وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته . . حلت له شفاعتي يوم القيامة .
- ورواه البخاري في : 5 / 228 ، وابن ماجة : 1 / 239 ، وأبو داود : 1 / 129 ، والنسائي
: 2 / 27 ، والترمذي : 1 / 136 ، والبيهقي في السنن : 1 / 410 ، والهيثمي في الزوائد : 1 /
333 و : 10 / 112 ، وفي كنز العمال : 2 / 80 و : 7 / 698 و 703 . . . وغيرها .
هذه هي صيغة البخاري ، التي لم يرو في صحيحه غيرها ، وهي تريد الايحاء بأن
الدعاء بالوسيلة دعاء مستقل يستحب أن يدعو به المسلمون عند سماع الأذان ، ولا
علاقة لها بصيغة الصلاة على النبي ، ولا علاقة لها بآله ! !
وقد تبع البخاري محدثون آخرون كما رأيت ، ثم تبعهم الفقهاء فأفتوا بهذا الدعاء
فصار سنة للسنيين في عملهم ومساجدهم !
ولكن وردت لهذا الدعاء صيغة أخرى صحيحة عندهم أيضا ، تقول إن هذا
الدعاء جزء من صيغة الصلاة على النبي التي علمها للمسلمين ، وأمرهم أن يصلوا
على آله معه ، وأن يختموها بالدعاء له بالوسيلة ! !
وفي بعضها أن الدعاء بالوسيلة مقدمة للصلاة عليه وآله !
فلماذا صار دعاء الوسيلة عندهم دعاء مستقلا للرسول وحده ، بدون آله ! !
السبب عندهم : أن الصلاة على آل النبي معه والدعاء لهم معه ، أمر ثقيل على
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 293 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الخلافة القرشية ، التي فرضت عليهم العزل السياسي والاجتماعي والاقتصادي ،
لذلك اختار الرواة بدله الدعاء للنبي بالوسيلة ، وجعلوه أمرا مستقلا خاصا بالنبي
دون آله ، مماشاة للخلافة القرشية ! !
والطريف أنهم رووه عن جابر بن عبد الله الأنصاري ( رحمه الله ) ، المعروف بأحاديثه
القوية في وجوب ولاية أهل البيت ( عليهم السلام ) ، حتى أنهم رووا عنه أنه كان في زمن معاوية
يتوكأ على عصاه ويدور في سكك المدينة ويبلغ المسلمين ما قاله النبي ( صلى الله عليه وآله ) في من
أبغض عليا وأهل البيت النبوي الطاهرين !
ويلاحظ أن الذي رواه عن جابر عند البخاري هو محمد بن المنكدر ، المبغض
لأهل البيت ( عليهم السلام ) ! !
ولك أن تقارن بين رواية البخاري ، وبين رواية مسلم وغيره لهذا الدعاء ! !
- قال مسلم في صحيحه : 2 / 4 :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا
سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى
الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد
من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة !
- ورواه النسائي : 2 / 25 ، وأبو داود : 1 / 128 ، والترمذي : 5 / 247 ، والبيهقي في سننه :
1 / 409 ، والهيثمي في مجمع الزوائد : 1 / 332 .
ورواه أحمد : 2 / 167 ، ونحوه في : 2 / 265 ، وقال ( من صلى علي ليس ليس في
البخاري ) ! !
- وأفتى به النووي في المجموع : 3 / 116
وقدمه في تلخيص الحبير : 3 / 203 ، على رواية البخاري فقال :
( قوله ) من المحبوبات أن يصلي المؤذن وسامعه على النبي صلى الله عليه
وسلم بعد الأذان ويقول : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة لقائمة آت محمدا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 294 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته . أخرجه
مسلم وغيره من حديث عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي ، الحديث .
وأخرج البخاري وأصحاب السنن من حديث جابر مرفوعا من قال حين يسمع
النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة . . الحديث ، لكن ليس فيه والدرجة الرفيعة .
انتهى .
وقال السيوطي في الدر المنثور : 5 / 219 :
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود ( رضي الله عنه ) قال : قلنا يا رسول الله قد عرفنا كيف
السلام عليك ، فكيف نصلي عليك ؟
قال قولوا : اللهم صل على محمد ، وأبلغه درجة الوسيلة من الجنة . اللهم اجعل
في المصطفين محبته ، وفي المقربين مودته ، وفي عليين ذكره وداره ، والسلام
عليك ورحمة الله وبركاته .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد . انتهى .
فقد نصت هذه الأحاديث الصحيحة عندهم على أن الدعاء له ( صلى الله عليه وآله ) بالوسيلة إنما
هو جزء من صيغة الصلاة الشرعية عليه ، صلى الله عليه وعليهم ، فهل يعقل أن
يكون أمر بإضافة آله معه في الصلاة عليه ، ثم أفرد نفسه عنهم في الدعاء ! !
وبذلك يترحج أن يكون أصل النص النبوي لهذا الدعاء ما روته مصادرنا ، وفيه
ذكر أهل بيته معه ، كما سيأتي .
ما هي الوسيلة التي ورد الدعاء بها للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟
ذكرت بعض المصادر السنية أنها درجة ومنزلة في الجنة ، تكون لشخص واحد
من الخلق ، ولذا طلب من المسلمين أن يدعوا له ليكون هو ذلك الشخص .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 295 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولكن ذلك يشبه كلام التوراة ، فكأن درجة الوسيلة موضوع قرعة أو مسابقة بين
الأنبياء ولم يعلم صاحبها بعد ! فالرسول لله ( صلى الله عليه وآله ) يرجو أمته أن يدعوا له أن تكون له !
قال مسلم في صحيحه : 2 / 4 :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا
سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى
الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من
عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ! انتهى .
ورواه أبو داود : 1 / 128 ، والترمذي : 5 / 247 ، والبيهقي في السنن : 1 / 409 وأحمد :
2 / 167 و 168 ، وفي : 2 / 265 و 365 ، عن أبي هريرة ، والترمذي : 5 / 46 2 ، عن كعب
عن أبي هريرة . وفي مجمع الزوائد : 1 / 332 ، عن أبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة ، وفي
كنز العمال : 2 / 79 و 134 و : 7 / 698 و 700 و : 14 / 400 و : 1 / 489 و 494 و 497 ،
وفردوس الأخبار : 5 / 147
بينما روت أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) أن أمر الوسيلة مفروغ عنه ، وهي أعلى
مساكن الفردوس ، وأنها للنبي وآله ، إلى جانب مساكن إبراهيم وآله صلى الله عليهم .
ووافقتها بعض مصادر السنيين :
فقد روى ابن مردويه كما في كنز العمال : 12 / 103 و : 13 / 639 :
عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : في الجنة درجة تدعى الوسيلة ، فإذا سألتم الله فسلوا لي
الوسيلة .
قالوا : يا رسول الله ، من يسكن معك فيها ؟
قال : علي وفاطمة والحسن والحسين . انتهى .
وهذه هي الصيغة المعقولة لحديث الوسيلة والدعاء بها للنبي ( صلى الله عليه وآله ) . . ولكن ذلك
ليس في مصلحة الخلافة القرشية ! ! ولذا تركوا هذه الصيغة ورووا غيرها ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 296 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

أحاديث تفسير الوسيلة في مصادرنا

قال الصدوق في معاني الأخبار / 116 :
116 - حدثنا أبي ( رضي الله عنه ) قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا أحمد ابن محمد
بن عيسى قال : حدثنا العباس بن معروف ، عن عبد الله بن المغيرة قال : حدثنا
أبو حفص العبدي قال : حدثنا أبو هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا سألتم الله لي فسلوه الوسيلة .
فسألنا النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن الوسيلة ؟
فقال : هي درجتي في الجنة ، وهي ألف مرقاة ، ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر
الفرس الجواد شهرا ، وهي ما بين مرقاة جوهر إلى مرقاة زبرجد ، إلى مرقاة ياقوت ،
إلى مرقاة ذهب ، إلى مرقاة فضة .
فيؤتى بها يوم القيامة حتى تنصب مع درجة النبيين ، فهي في درجة النبيين كالقمر
بين الكواكب ، فلا يبقى يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد إلا قال طوبى لمن كانت هذه
الدرجة درجته . فيأتي النداء من عند الله عز وجل يسمع النبيين وجميع الخلق : هذه
درجة محمد .
فأقبل أنا يومئذ متزرا بريطة من نور ، علي تاج الملك ، وإكليل الكرامة ، وعلي ابن أبي
طالب أمامي ، وبيده لوائي وهو لواء الحمد ، مكتوب عليه ( لا إله إلا الله ، المفلحون هم
الفائزون بالله ) . فإذا مررنا بالنبيين قالوا : هذان ملكان مقربان لم نعرفهما ولم نرهما . وإذا
مررنا بالملائكة قالوا : نبيين مرسلين ، حتى أعلو الدرجة وعلي يتبعني ، حتى إذا صرت
في أعلى درجة منها وعلي أسفل مني بدرجة ، فلا يبقى يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد
إلا قال : طوبى لهذين العبدين ما أكرمهما على الله تعالى !
فيأتي النداء من قبل الله عز وجل يسمع النبيين والصديقين والشهداء والمؤمنين :
هذا حبيبي محمد وهذا وليي علي ، طوبى لمن أحبه ، وويل لمن أبغضه وكذب
عليه . فلا يبقى يومئذ أحد أحبك يا علي إلا استروح إلى هذا الكلام ، وابياض وجهه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 297 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفرح قلبه ، ولا يبقى أحد ممن عاداك أو نصب لك حربا أو جحد لك حقا ، إلا اسود
وجهه واضطربت قدماه .
فبينا أنا كذلك إذا ملكان قد أقبلا إلي ، أما أحدهما فرضوان خازن الجنة ، وأما
الآخر فمالك خازن النار ، فيدنو رضوان فيقول : السلام عليك يا أحمد .
فأقول : السلام عليك أيها الملك ، من أنت ؟ فما أحسن وجهك الطيب وأطيب
ريحك !
فيقول : أنا رضوان خازن الجنة ، وهذه مفاتيح الجنة بعث بها إليك رب العزة
فخذها يا أحمد .
فأقول : قد قبلت ذلك من ربي ، فله الحمد على ما فضلني به ، ادفعها إلى أخي
علي بن أبي طالب ، فيدفع إلى علي .
ثم يرجع رضوان فيدنو مالك فيقول : السلام عليك يا أحمد .
فأقول : عليك السلام أيها الملك ، فما أقبح وجهك وأنكر رؤيتك ، من أنت ؟ !
فيقول : أنا مالك خازن النار ، وهذه مقاليد النار بعث بها إليك رب العزة فخذها يا
أحمد .
فأقول : قد قبلت ذلك من ربي ، فله الحمد على ما فضلني به ، ادفعها إلى أخي
علي بن أبي طالب ، فيدفعها إليه ثم يرجع مالك .
فيقبل علي ومعه مفاتيح الجنة ومقاليد النار ، حتى يقف بحجزة جهنم وقد تطاير
شررها وعلا زفيرها واشتد حرها ، وعلي آخذ بزمامها فيقول له جهنم : جزني يا علي
فقد أطفأ نورك لهبي ، فيقول لها علي : قري يا جهنم : خذي هذا واتركي هذا ! خذي
عدوي واتركي وليي .
فلجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلي من غلام أحدكم لصاحبه ، فإن شاء يذهبها
يمنة ، وإن شاء يذهبها يسرة ، ولجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلي فيما يأمرها به من
جميع الخلائق . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 298 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ورواه في روضة الواعظين / 113 ، وبشارة المصطفى / 21 ، وتفسير القمي : 2 / 324 ،
وفي آخره ( وذلك أن عليا يومئذ قسيم الجنة والنار ) وفي بصائر الدرجات / 416 :
خطبة الوسيلة من كتاب الكافي
روى الكليني ( رحمه الله ) خطبة عظيمة خطبها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، تسمى خطبة الوسيلة ،
تتضمن تفصيلات عن درجة الوسيلة في الجنة لمحمد وآله صلى الله عليه وعليهم .
ونظرا لأهميتها وفوائدها أوردنا منها أكثر من محل الشاهد .
قال ( رحمه الله ) في الكافي : 8 / 18 :
خطبة لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وهي خطبة الوسيلة :
محمد بن علي بن معمر ، عن محمد بن علي بن عكاية التميمي ، عن الحسين بن
النضر الفهري ، عن أبي عمرو الأوزاعي ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد قال :
دخلت على أبي جعفر فقلت : يا بن رسول الله قد أرمضني اختلاف الشيعة في
مذاهبها !
فقال : يا جابر ألم أقفك على معنى اختلافهم من أين اختلفوا ، ومن أي جهة
تفرقوا ؟ قلت : بلى يا ابن رسول الله .
قال : فلا تختلف إذا اختلفوا يا جابر ، إن الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) في أيامه ، يا جابر إسمع وع .
قلت : إذا شئت .
قال : إسمع وع وبلغ حيث انتهت بك راحلتك : إن أمير المؤمنين خطب الناس
بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وذلك حين فرغ من جمع القرآن ،
وتأليفه فقال :
الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال إلا وجوده ، وحجب العقول أن تتخيل ذاته ،
لامتناعها من الشبه والتشاكل ، بل هو الذي لا يتفاوت في ذاته ، ولا يتبعض بتجزئة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 299 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العدد في كماله ، فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن ، ويكون فيها لا على وجه
الممازجة ، وعلمها لا بأداة ، لا يكون العلم إلا بها ، وليس بينه وبين معلومه علم غيره
به كان عالما بمعلومه .
إن قيل كان ، فعلى تأويل أزلية الوجود ، وإن قيل لم يزل ، فعلى تأويل نفي العدم .
فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه ، واتخذ إلها غيره علوا كبيرا .
نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه ، وأوجب قبوله على نفسه ، وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، شهادتان ترفعان
القول وتضاعفان العمل ، خف ميزان ترفعان منه ، وثقل ميزان توضعان فيه ، وبهما
الفوز بالجنة والنجاة من النار ، والجواز على الصراط ، وبالشهادة تدخلون الجنة
وبالصلاة تنالون الرحمة .
أكثروا من الصلاة على نبيكم : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين
آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما .
أيها الناس : إنه لا شرف أعلى من الإسلام ، ولا كرم أعز من التقوى ، ولا معقل
أحرز من الورع ، ولا شفيع أنجع من التوبة ، ولا لباس أجمل من العافية ، ولا وقاية
أمنع من السلامة ، ولا مال أذهب بالفاقة من الرضى بالقناعة ، ولا كنز أغنى من القنوع
ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة ، وتبوء خفض الدعة .
والرغبة مفتاح التعب ، والاحتكار مطية النصب ، والحسد آفة الدين ، والحرص
داع إلى التقحم في الذنوب ، وهو داع للحرمان ، والبغي سائق إلى الحين ، والشره
جامع لمساوي العيوب .
رب طمع خائب وأمل كاذب ، ورجاء يؤدي إلى الحرمان ، وتجارة تؤول إلى
الخسران .
ألا ومن تورط في الأمور غير ناظر في العواقب ، فقد تعرض لمفضحات النوائب ،
وبئست القلادة قلادة الذنب للمؤمن .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 300 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أيها الناس : إنه لا كنز أنفع من العلم ، ولا عز أرفع من الحلم ، ولا حسب أبلغ من
الأدب ، ولا نصب أوضع من الغضب ، ولا جمال أزين من العقل ، ولا سوءة أسوأ من
الكذب ، ولا حافظ أحفظ من الصمت ، ولا غائب أقرب من الموت .
أيها الناس : إنه من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره ، ومن رضي برزق
الله لم يأسف على ما في يد غيره ، ومن سل سيف البغي قتل به ، ومن حفر لأخيه
بئرا وقع فيها ، ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته ، ومن نسي زلته
استعظم زلل غيره ، ومن أعجب برأيه ضل ، ومن استغنى بعقله زل ، ومن تكبر على
الناس ذل ، ومن سفه على الناس شتم ، ومن خالط الأنذال حقر ، ومن حمل ما لا
يطيق عجز .
أيها الناس : إنه لا مال أعود من العقل ، ولا فقر أشد من الجهل ، ولا واعظ أبلغ من
النصح ، ولا عقل كالتدبير ، ولا عبادة كالتفكر ، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة ، ولا
وحشة أشد من العجب ، ولا ورع كالكف عن المحارم ، ولا حلم كالصبر والصمت .
أيها الناس : في الإنسان عشر خصال يظهرها لسانه : شاهد يخبر عن الضمير ،
حاكم يفصل بين الخطاب ، وناطق يرد به الجواب ، وشافع يدرك به الحاجة ،
وواصف يعرف به الأشياء ، وأمير يأمر بالحسن ، وواعظ ينهى عن القبيح ، ومعز
تسكن به الأحزان ، وحاضر تجلى به الضغائن ، ومونق تلتذ به الأسماع .
أيها الناس : إنه لا خير في الصمت عن الحكم ، كما أنه لا خير في القول بالجهل .
واعلموا أيها الناس إنه من لم يملك لسانه يندم ، ومن لا يعلم يجهل ، ومن لا يتحلم
لا يحلم ، ومن لا يرتدع لا يعقل ، ومن لا يعقل يهن ، ومن يهن لا يوقر ، ومن لا يوقر
يتوبخ ، ومن يكتسب مالا من غير حقه يصرفه في غير أجره ، ومن لا يدع وهو
محمود يدع وهو مذموم ، ومن لم يعط قاعدا منع قائما ، ومن يطلب العز بغير حق
يذل ، ومن يغلب بالجور يغلب ، ومن عاند الحق لزمه الوهن ، ومن تفقه وقر ، ومن
تكبر حقر ، ومن لا يحسن لا يحمد .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 301 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أيها الناس : إن المنية قبل الدنية ، والتجلد قبل التبلد ، والحساب قبل العقاب
والقبر خير من الفقر ، وغض البصر خير من كثير من النظر ، والدهر يوم لك ويوم
عليك ، فإذا كان لك فلا تبطر ، وإذا كان عليك فاصبر ، فبكليهما تمتحن .
أيها الناس : أعجب ما في الإنسان قلبه ، وله مواد من الحكمة ، وأضداد من
خلافها ، فإن سنح له الرجاء أذله الطمع ، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص ، وإن
ملكه اليأس قتله الأسف ، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ ، وإن أسعد بالرضى
نسي التحفظ ، وإن ناله الخوف شغله الحذر ، وإن اتسع له الأمن استلبته الغرة ، وإن
جددت له نعمة أخذته العزة ، وإن أفاد ما لا أطغاه الغنى ، وإن عضته فاقة شغله البلاء
وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع ، وإن أجهده الجوع قعد به الضعف ، وإن أفرط في
الشبع كظته البطنة . . فكل تقصير به مضر ، وكل إفراط له مفسد .
أيها الناس : إنه من فل ذل ، ومن جاد ساد ، ومن كثر ماله رأس ، ومن كثر حلمه
نبل ، ومن أفكر في ذات الله تزندق ، ومن أكثر من شئ عرف به ، ومن كثر مزاحه
استخف به ، ومن كثر ضحكه ذهبت هيبته ، فسد حسب من ليس له أدب ، إن أفضل
الفعال صيانة العرض بالمال ، ليس من جالس الجاهل بذي معقول ، من جالس
الجاهل فليستعد لقيل وقال ، لن ينجو من الموت غني بماله ولا فقير لإقلاله .
أيها الناس : لو أن الموت يشترى لاشتراه من أهل الدنيا الكريم الأبلج ، واللئيم
الملهوج .
أيها الناس : إن للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط وفطنة
الفهم . للمواعظ ما يدعو النفس إلى الحذر من الخطر ، وللقلوب خواطر للهوى ،
والعقول تزجر وتنهى ، وفي التجارب علم مستأنف ، والاعتبار يقود إلى الرشاد ،
وكفاك أدبا لنفسك ما تكرهه لغيرك ، وعليك لأخيك المؤمن مثل الذي لك عليه ،
لقد خاطر من استغنى برأيه ، والتدبر قبل العمل ، فإنه يؤمنك من الندم ، ومن استقبل
وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ ، ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول ، ومن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 302 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حصن شهوته فقد صان قدره ، ومن أمسك لسانه أمنه قومه ونال حاجته ، وفي تقلب
الأحوال علم جواهر الرجال ، والأيام توضح لك السرائر الكامنة ، وليس في البرق
الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة ، ومن عرف بالحكمة لحظته العيون
بالوقار والهيبة ، وأشرف الغنى ترك المنى ، والصبر جنة من الفاقة ، والحرص علامة
الفقر ، والبخل جلباب المسكنة ، والمودة قرابة مستفادة ، ووصول معدم خير من
جاف مكثر ، والموعظة كهف لمن وعاها ، ومن أطلق طرفه كثر أسفه ، وقد أوجب
الدهر شكره على من نال سؤله ، وقل ما ينصفك اللسان في نشر قبيح أو إحسان ،
ومن ضاق خلقه مله أهله ، ومن نال استطال ، وقل ما تصدقك الأمنية ، والتواضع
يكسوك المهابة ، وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق .
كم من عاكف على ذنبه في آخر أيام عمره ، ومن كساه الحياء ثوبه خفي على
الناس عيبه ، وانح القصد من القول فإن من تحرى القصد خفت عليه المؤن ، وفي
خلاف النفس رشدك ، من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد .
ألا وإن مع كل جرعة شرقا وإن في كل أكلة غصصا ، لا تنال نعمة إلا بزوال أخرى
ولكل ذي رمق قوت ، ولكل حبة آكل ، وأنت قوت الموت .
أعلموا أيها الناس أنه من مشى على وجه الأرض فإنه يصير إلى بطنها ، والليل
والنهار يتنازعان في هدم الأعمار .
يا أيها الناس : كفر النعمة لؤم ، وصحبة الجاهل شؤم ، إن من الكرم لين الكلام
ومن العبادة إظهار اللسان وإفشاء السلام . إياك والخديعة فإنها من خلق اللئيم ، ليس
كل طالب يصيب ، ولا كل غائب يؤوب . لا ترغب فيمن زهد فيك . رب بعيد هو
أقرب من قريب . سل عن الرفيق قبل الطريق ، وعن الجار قبل الدار .
ألا ومن أسرع في المسير أدركه المقيل . أستر عورة أخيك كما تعلمها فيك . اغتفر
زلة صديقك ليوم يركبك عدوك .
من غضب على من لا يقدر على ضره ، طال حزنه وعذب نفسه . من خاف ربه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 303 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كف ظلمه ، ومن لم يزغ في كلامه أظهر فخره ، ومن لم يعرف الخير من الشر فهو
بمنزلة البهيمة .
إن من الفساد إضاعة الزاد . ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غدا هيهات هيهات .
وما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي والذنوب ، فما أقرب الراحة من التعب والبؤس
من النعيم ، وما شر بشر بعده الجنة ، وما خير بخير بعده النار . كل نعيم دون الجنة
محقور ، وكل بلاء دون النار عافية ، وعند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر .
تصفية العمل أشد من العمل ، وتخليص النية من الفساد أشد على العاملين من
طول الجهاد . هيهات لولا التقى لكنت أدهى العرب .
أيها الناس : إن الله تعالى وعد نبيه محمدا ( صلى الله عليه وآله ) الوسيلة ووعده الحق ، ولن يخلف
الله وعده .
ألا وإن الوسيلة على درج الجنة وذروة ذوائب الزلفة ، ونهاية غاية الأمنية ، لها
ألف مرقاة ، ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس الجواد مائة عام . وما بين مرقاة
درة إلى مرقاة جوهرة ، إلى مرقاة زبرجدة ، إلى مرقاة لؤلؤة ، إلى مرقاة ياقوته ، إلى
مرقاة زمردة ، إلى مرقاة مرجانة ، إلى مرقاة كافور ، إلى مرقاة عنبر ، إلى مرقاة
يلنجوج ، إلى مرقاة ذهب ، إلى مرقاة غمام ، إلى مرقاة هواء ، إلى مرقاة نور ! !
قد أنافت على كل الجنان ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يومئذ قاعد عليها ، مرتد بريطتين ،
ريطة من رحمة الله وريطة من نور الله ، عليه تاج النبوة وإكليل الرسالة ، قد أشرق
بنوره الموقف ، وأنا يومئذ على الدرجة الرفيعة وهي دون درجته ، وعلي ريطتان ،
ريطة من أرجوان النور ، وريطة من كافور .
والرسل والأنبياء ، قد وقفوا على المراقي ، وأعلام الأزمنة وحجج الدهور ، عن
أيماننا وقد تجللهم حلل النور والكرامة ، لا يرانا ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا بهت
بأنوارنا وعجب من ضيائنا وجلالتنا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 304 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وعن يمين الوسيلة عن يمين الرسول ( صلى الله عليه وآله ) غمامة بسطة البصر ، يأتي منها النداء :
يا أهل الموقف طوبى لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الأمي العربي ، ومن كفر
فالنار موعده !
وعن يسار الوسيلة عن يسار الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ظلة يأتي منها النداء :
يا أهل الموفق طوبى لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الأمي ، والذي له الملك
الأعلى لا فاز أحد ولا نال الروح والجنة إلا من لقي خالقه بالإخلاص لهما والاقتداء
بنجومهما . فأيقنوا يا أهل ولاية الله ببياض وجوهكم ، وشرف مقعدكم ، وكرم مآبكم
وبفوزكم اليوم على سرر متقابلين . ويا أهل الانحراف والصدود عن الله عز ذكره
ورسوله وصراطه وأعلام الأزمنة ، أيقنوا بسواد وجوهكم وغضب ربكم جزاء بما
كنتم تعملون .
وما من رسول خلف ولا نبي مضى إلا وقد كان مخبرا أمته بالمرسل الوارد من
بعده ، ومبشرا برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وموصيا قومه باتباعه ومحله عند قومه ، ليعرفوه
بصفته وليتبعوه على شريعته ، ولئلا يضلوا فيه من بعده ، فيكون من هلك أو ضل بعد
وقوع الإعذار والإنذار عن بينة وتعيين حجة ، فكانت الأمم في رجاء من الرسل
وورود من الأنبياء .
ولئن أصيبت بفقد نبي بعد نبي ، على عظم مصائبهم وفجائعها بهم فقد كانت
على سعة من الأمل ، ولا مصيبة عظمت ولا رزية جلت كالمصيبة برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ،
لأن الله ختم به الإنذار والإعذار ، وقطع به الاحتجاج والعذر بينه وبين خلقه ، وجعله
بابه الذي بينه وبين عباده ، ومهيمنه الذي لا يقبل إلا به ، ولا قربة إليه إلا بطاعته ،
وقال : في محكم كتابه : من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم
حفيظا . فقرن طاعته بطاعته ، ومعصيته بمعصيته ، فكان ذلك دليلا على ما فوض
إليه ، وشاهدا له على من اتبعه وعصاه ، وبين ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم
فقال تبارك وتعالى في التحريض على اتباعه ، والترغيب في تصديقه والقبول
لدعوته : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 305 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فاتباعه ( صلى الله عليه وآله ) محبة الله ، ورضاه غفران الذنوب ، وكمال الفوز ، ووجوب الجنة .
وفي التولي عنه والإعراض محادة الله وغضبه وسخطه ، والبعد منه مسكن النار
وذلك قوله : ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ، يعني الجحود به والعصيان له .
فإن الله تبارك اسمه امتحن بي عباده ، وقتل بيدي أضداده ، وأفنى بسيفي جحاده ،
وجعلني زلفة للمؤمنين ، وحياض موت على الجبارين ، وسيفه على المجرمين ،
وشد بي أزر رسوله ، وأكرمني بنصره ، وشرفني بعلمه ، وحباني بأحكامه ،
واختصني بوصيته ، واصطفاني بخلافته في أمته ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) وقد حشده المهاجرون
والأنصار وانغصت بهم المحافل : أيها الناس إن عليا مني كهارون من موسى إلا أنه لا
نبي بعدي ، فعقل المؤمنون عن الله نطق الرسول ، إذ عرفوني أني لست بأخيه لأبيه
وأمه ، كما كان هارون أخا موسى لأبيه وأمه ، ولا كنت نبيا فاقتضى نبوة ، ولكن كان
ذلك منه استخلافا لي ، كما استخلف موسى هارون ، حيث يقول : أخلفني في قومي
وأصلح ، ولا تتبع سبيل المفسدين ، وقوله ( صلى الله عليه وآله ) حين تكلمت طائفة فقالت : نحن
موالي رسول الله ، فخرج رسول الله إلى حجة الوادع ، ثم صار إلى غدير خم فأمر
فأصلح له شبه المنبر ، ثم علاه وأخذ بعضدي حتى رئي بياض إبطيه رافعا صوته
قائلا في محفله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه .
فكانت على ولايتي ولاية الله ، وعلى عداوتي عداوة الله . وأنزل الله عز وجل في
ذلك اليوم : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام
دينا . فكانت ولايتي كمال الدين ورضا الرب جل ذكره ، وأنزل الله تبارك وتعالى
اختصاصا لي وتكرما نحلنيه ، وإعظاما وتفضيلا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منحنيه ، وهو
قوله تعالى منحنيه وهو قوله تعالى : ثم ردوا إلى الله موليهم الحق ألا له الحكم وهو
أسرع الحاسبين . في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع فطال لها الاستماع .
ولئن تقمصها دوني . . .
إن القوم لم يزالوا عباد أصنام وسدنة أوثان ، يقيمون لها المناسك ، وينصبون لها
العتائر ، ويتخذون لها القربان ، ويجعلون لها البحيرة والوصيلة والسائبة والحام ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 306 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ويستقسمون بالأزلام ، عامهين عن الله عز ذكره ، حائرين عن الرشاد ، مهطعين إلى
البعاد ، وقد استحوذ عليهم الشيطان ، وغمرتهم سوداء الجاهلية ، ورضعوها جهالة
وانفطموها ضلالة ، فأخرجنا الله إليهم رحمة وأطلعنا عليهم رأفة ، وأسفر بنا عن
الحجب نورا لمن اقتبسه ، وفضلا لمن اتبعه ، وتأييدا لمن صدقه ، فتبوؤوا العز بعد
الذلة ، والكثرة بعد القلة ، وهابتهم القلوب والأبصار ، وأذعنت لهم الجبابرة وطوائفها
وصاروا أهل نعمة مذكورة ، وكرامة ميسورة ، وأمن بعد خوف ، وجمع بعد كوف ،
وأضاءت بنا مفاخر معد بن عدنان ، وأولجناهم باب الهدى ، وأدخلناهم دار السلام
وأشملناهم ثوب الإيمان ، وفلجوا بنا في العالمين ، وأبدت لهم أيام الرسول آثار
الصالحين ، من حام مجاهد ، ومصل قانت ، ومعتكف زاهد ، يظهرون الأمانة ،
ويأتون المثابة .
حتى إذا دعا الله عز وجل نبيه ورفعه إليه ، لم يك ذلك بعده إلا كلمحة من خفقة ،
أو وميض من برقة ، إلى أن رجعوا على الأعقاب ، وانتكصوا على الأدبار ، وطلبوا
بالأوتار ، وأظهروا الكتائب ، وردموا الباب ، وفلوا الديار ، وغيروا آثار رسول الله ،
ورغبوا عن أحكامه ، وبعدوا من أنواره ، واستبدلوا بمستخلفه بديلا ، اتخذوه وكانوا
ظالمين ، وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول الله ممن اختار
رسول الله لمقامه ، وأن مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجري والأنصاري الرباني
ناموس هاشم بن عبد مناف .
ألا وإن أول شهادة زور وقعت في الإسلام شهادتهم أن صاحبهم مستخلف رسول
الله صلى الله عليه وآله ، فلما كان من أمر سعد بن عبادة ما كان ، رجعوا عن ذلك وقالوا : إن رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) مضى ولم يستخلف ، فكان رسول الله الطيب المبارك أول مشهود عليه
بالزور في الإسلام ، وعن قليل يجدون غب ما أسسه الأولون .
ولئن كانوا في مندوحة من المهل ، وشفاء من الأجل وسعة من المنقلب ،
واستدراج من الغرور ، وسكون من الحال ، وإدراك من الأمل ، فقد أمهل الله عز وجل
شداد بن عاد ، وثمود بن عبود ، وبلعم بن باعور ، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 307 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأمدهم بالأموال والأعمار ، وأتتهم الأرض ببركاتها ليذكروا آلاء الله ، وليعرفوا الإهابة
له ، والإنابة إليه ، ولينتهوا عن الاستكبار ، فلما بلغوا المدة ، واستتموا الأكلة أخذهم
الله عز وجل واصطلمهم ، فمنهم من حصب ، ومنهم من أخذته الصيحة ، ومنهم من
أحرقته الظلة ، ومنهم من أودته الرجفة ، ومنهم من أردته الخسفة : وما كان الله
ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون .
ألا وإن لكل أجل كتابا ، فإذا بلغ الكتاب أجله لو كشف لك عما هوى إليه الظالمون ،
وآل إليه الأخسرون ، لهربت إلى الله عز وجل مما هم عليه مقيمون ، وإليه صائرون .
ألا وإني فيكم أيها الناس كهارون في آل فرعون ، وكباب حطة في بني إسرائيل ،
وكسفينة نوح في قوم نوح . إني النبأ العظيم ، والصديق الأكبر ، وعن قليل ستعلمون ما
توعدون ، وهل هي إلا كلعقة الآكل ومذقة الشارب ، وخفقة الوسنان ، ثم تلزمهم المعرات
خزيا في الدنيا ، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ، وما الله بغافل عما يعملون .
فما جزاء من تنكب محجته ، وأنكر حجته ، وخالف هداته ، وحاد عن نوره ، واقتحم
في ظلمه ، واستبدل بالماء السراب ، وبالنعيم العذاب ، وبالفوز الشقاء ، وبالسراء
الضراء ، وبالسعة الضنك ، إلا جزاء اقترافه وسوء خلافه ، فليوقنوا بالوعد على حقيقته ،
وليستيقنوا بما يوعدون : يوم تأتي الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج . إنا نحن نحيي
ونميت وإلينا المصير . يوم تشقق الأرض عنهم سراعا . . . إلى آخر السورة .

العلاقة بين التوسل والاستشفاع وبين درجة الوسيلة في الجنة

لا بد أن يكون اسم ( الوسيلة ) لتلك المنطقة والدرجة العالية من الجنة ، بسبب
أنها مسكن أقرب المخلوقات وسيلة إلى الله تعالى .
وبذلك تكون الشفاعة التي يعطاها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، نوعا من الوسيلة ، التي استحقها
لأنه أقرب الناس إلى الله ( صلى الله عليه وآله ) ، واستحق معها مسكن الفردوس والوسيلة ، أعلى
مراتب الجنة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 308 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 309 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الثالث : التوسل إلى الله في مصادرنا

1 - التوسل إلى الله بالاعمال الصالحة

تقدم في المسألة السابعة : التوسل العملي إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة وقول
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أفضل ما توسل به المتوسلون الإيمان بالله ، ورسوله ، والجهاد
في سبيل الله ، وكلمة الإخلاص فإنها الفطرة ، وأقام الصلاة فإنها الملة ، وإيتاء الزكاة
فإنها من فرائض الله ، وصيام شهر رمضان فإنه جنة من عذاب الله ، وحج البيت فإنه
ميقات للدين ومدحضة للذنب ، وصلة الرحم فإنها مثراة للمال ، ومنسأة للأجل ،
والصدقة في السر فإنها تذهب الخطيئة وتطفئ غضب الرب ، وصنايع المعروف
فإنها تدفع ميتة السوء ، وتقي مصارع الهوان . انتهى .
وذكرنا هناك أن التوسل بالأعمال الصالحة لا ينافي التوسل إليه بدعائه بأسمائه
وصفاته ، وبمن أمر بالتوسل بهم من أنبيائه وأوصيائه . . لأن ذلك من الأعمال
الصالحة أيضا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 310 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

2 - التوسل إلى الله بذاته وصفاته عز وجل

في الكافي : 4 / 74 :
علي ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن إبراهيم ، عن محمد بن
مسلم والحسين بن محمد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان ، عن أبي بصير قال :
كان أبو عبد الله ( عليه السلام ) يدعو بهذا الدعاء في شهر رمضان :
اللهم إني بك أتوسل ومنك أطلب حاجتي . من طلب حاجته إلى الناس ، فإني لا
أطلب حاجتي إلا منك ، وحدك لا شريك لك .
وأسألك بفضلك ورضوانك أن تصلي على محمد وأهل بيته وأن تجعل لي في
عامي هذا إلى بيتك الحرام سبيلا ، حجة مبرورة متقبلة زاكية خالصة لك ، تقر بها
عيني وترفع بها درجتي ، وترزقني أن أغض بصري ، وأن أحفظ فرجي ، وأن أكف بها
عن جميع محارمك ، حتى لا يكون شئ آثر عندي من طاعتك وخشيتك ، والعمل
بما أحببت والترك لما كرهت ونهيت عنه .
واجعل ذلك في يسر ويسار وعافية ، وأوزعني شكر ما أنعمت به علي .
وأسألك أن تجعل وفاتي قتلا في سبيلك تحت راية نبيك مع أوليائك .
وأسألك أن تقتل بي أعدائك وأعداء رسولك . وأسألك أن تكرمني بهوان من
شئت من خلقك ولا تهني بكرامة أحد من أوليائك .
اللهم اجعل لي مع الرسول سبيلا . حسبي الله ، ما شاء الله .
وفي الصحيفة السجادية : 1 / 408 :
إلهي استشفعت بك إليك ، واستجرت بك منك ، أتيتك طامعا في إحسانك ،
راغبا في امتنانك ، مستسقيا وابل طولك ، مستمطرا غمام فضلك ، طالبا مرضاتك ،
قاصدا جنابك ، واردا شريعة رفدك ، ملتمسا سني الخيرات من عندك .
وفي الصحيفة السجادية : 1 / 151 :
دعاؤه ( عليه السلام ) في ذكر التوبة وطلبها :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 311 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
اللهم صل على محمد وآله ، وشفع في خطاياي كرمك ، وعد على سيئاتي
بعفوك ، ولا تجزني جزائي من عقوبتك ، وابسط علي طولك ، وجللني بسترك ،
وافعل بي فعل عزيز تضرع إليه عبد ذليل فرحمه ، أو غني تعرض له عبد فقير فنعشه .
اللهم لا خفير لي منك فليخفرني عزك ، ولا شفيع لي فليشفع لي فضلك ، وقد
أوجلتني خطاياي فليؤمني عفوك . .
- وفي الصحيفة السجادية : 1 / 402 :
يا مجيب المضطر ، يا كاشف الضر ، يا عظيم البر ، يا عليما بما في السر ، يا جميل
الستر استشفعت بجودك وكرمك إليك ، وتوسلت بحنانك وترحمك لديك
فاستجب دعائي ، ولا تخيب فيك رجائي ، وتقبل توبتي ، وكفر خطيئتي بمنك
ورحمتك يا أرحم الراحمين .
وفي الصحيفة السجادية : 1 / 441 :
يا من لا ينقص ملكوته عصيان المتمردين ، ولا يزيد جبروته إيمان الموحدين ،
إليك أستشفع بقديم كرمك ، أن لا تسلبني ما منحتني من جسيم نعمك .

3 - الاستشفاع إلى الله تعالى بحبه ومعرفته

وفي الصحيفة السجادية : 1 / 216
فيا من رباني في الدنيا بإحسانه وتفضله ونعمه ، وأشار لي في الآخرة إلى عفوه
وكرمه . معرفتي يا مولاي دلتني عليك ، وحبي لك شفيعي إليك ، وأنا واثق من
دليلي بدلالتك ، وساكن من شفيعي إلى شفاعتك .
وفي الصحيفة السجادية : 1 / 249 :
يا ذا المن ولا يمن عليك ، يا ذا الطول ، ويا ذا الجلال والإكرام ، لا إله إلا أنت ظهر
اللاجين ، وجار المستجيرين ، وأمان الخائفين ، إليك فررت بنفسي يا ملجأ
الخائفين ، لا أجد شافعا إليك إلا معرفتي بأنك أفضل من قصد إليه المقصرون ،
وآمل من لجأ إليه الخائفون .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 312 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

4 - افتتاح الصلاة بالتوجه إلى الله بالنبي وآله ( ص )

في الكافي : 2 / 544 :
- محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن
بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقول : من قال هذا
القول كان مع محمد وآل محمد إذا قام قبل أن يستفتح الصلاة :
اللهم إني أتوجه إليك بمحمد وآل محمد ، وأقدمهم بين يدي صلاتي ، وأتقرب
بهم إليك ، فاجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين .
مننت علي بمعرفتهم فاختم لي بطاعتهم ومعرفتهم وولايتهم ، فإنها السعادة ،
واختم لي بها ، فإنك على كل شئ قدير .
ثم تصلي فإذا انصرفت قلت :
اللهم اجعلني مع محمد وآل محمد في كل عافية وبلاء ، واجعلني مع محمد وآل
محمد في كل مثوى ومنقلب ، اللهم اجعل محياي محياهم ، ومماتي مماتهم ،
واجعلني معهم في المواطن كلها ، ولا تفرق بيني وبينهم ، إنك على كل شئ قدير .
- عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن بعض أصحابنا رفعه قال :
تقول قبل دخولك في الصلاة :
اللهم إني أقدم محمدا نبيك ( صلى الله عليه وآله ) بين يدي حاجتي ، وأتوجه به إليك في طلبتي ،
فاجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين . اللهم اجعل صلاتي بهم
متقبلة ، وذنبي بهم مغفورا ، ودعائي بهم مستجابا ، يا أرحم الراحمين .
وفي الكافي : 3 / 309 :
وعنه ، عن أبيه ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن أبان ، ومعاوية بن وهب
قالا : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : إذا قمت إلى الصلاة فقل :
اللهم إني أقدم إليك محمدا ( صلى الله عليه وآله ) بين يدي حاجتي وأتوجه به إليك ، فاجعلني به
وجيها عند ك في الدنيا والآخرة ومن المقربين . اجعل صلاتي به مقبولة ، وذنبي به
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 313 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مغفورا ، ودعائي به مستجابا . إنك أنت الغفور الرحيم . . .
ورواه في تهذيب الأحكام : 2 / 287 ، وفي الفقيه : 1 / 302
- وفي الفقيه : 1 / 483 : القول عند القيام إلى صلاة الليل :
قال الصادق ( عليه السلام ) : إذا أردت أن تقوم إلى صلاة الليل فقل : اللهم إني أتوجه إليك
بنبيك نبي الرحمة وآله وأقدمهم بين يدي حوائجي ، فاجعلني بهم وجيها في الدنيا
والآخرة ومن المقربين ، اللهم ارحمني بهم ولا تعذبني بهم ، واهدني بهم ولا تضلني
بهم ، وارزقني بهم ولا تحرمني بهم ، واقض لي حوائجي للدنيا والآخرة ، إنك على
كل شئ قدير ، وبكل شئ عليم .
باب الصلوات التي جرت السنة بالتوجه فيهن :
من السنة التوجه في ست صلوات وهي أول ركعة من صلاة الليل ، والمفردة من
الوتر وأول ركعة من ركعتي الزوال ، وأول ركعة من ركعتي الاحرام ، وأول ركعة من
نوافل المغرب ، وأول ركعة من الفريضة . كذلك ذكره أبي ( رضي الله عنه ) في رسالته إلي .
وفي الصحيفة السجادية : 2 / 258 :
أسألك يا سيدي ، وليس مثلك شئ بكل دعوة دعاك بها نبي مرسل ، أو ملك
مقرب ، أو مؤمن امتحنت قلبه بالإيمان ، واستجبت دعوته ، وأتوجه إليك بنبيك
محمد نبي الرحمة ، وأقدمه بين يدي حوائجي .
يا رسول الله بأبي أنت وأمي وأهل بيتك الطيبين ، إني أتوجه بك إلى ربك ، وأقدمك بين يدي حوائجي .
وفي الصحيفة السجادية : 2 / 344 :
أسألك بحق نبيك محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وأتوسل إليك بالأئمة ( عليهم السلام ) الذين اخترتهم لسرك ،
وأطلعتهم على خفيك ، واخترتهم بعلمك ، وطهرتهم وأخلصتهم واصطفيتهم
وأصفيتهم ، وجعلتهم هداة مهديين ، وائتمنتهم على وحيك ، وعصمتهم عن
معاصيك ، ورضيتهم لخلقك ، وخصصتهم بعلمك ، واجتبيتهم وحبوتهم ، وجعلتهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 314 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حججا على خلقك ، وأمرت بطاعتهم على من برأت .
وأتوسل إليك في موقفي اليوم أن تجعلني من خيار وفدك .
دلالة استحباب التوسل عند الأذان وافتتاح الصلاة
من الأمور التي تهز الإنسان وهو يبحث في آيات التوسل وأحاديثه :
أن الله تعالى أنزل آيته الكبرى الآمرة بالتوسل في آخر سورة من قرآنه ( المائدة ) بعبارة
موجزة مقتضبة ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة . . . ) ولكن بصيغة قوية
تأمر فيها المسلمين بالارتفاع بإيمانهم إلى نوع راق من السلوك الإيماني يتميز بالتعامل اليومي مع
النبي وأهل بيته ( صلى الله عليه وآله ) على أنهم وسيلة المسلم إلى ربه تعالى ! !
ثم بين الرسول للمسلمين كيفية هذا التعامل الذي أراده الله تعالى بأن يصلوا عليه عندما يذكر
اسمه . . وعندما يسمعون الأذان بالتوحيد والنبوة . . وعندما يقفون بين يدي ربهم في افتتاح صلاتهم . . وفي ختام
صلاتهم ، وعندما تمسهم شدة أو حاجة ! !
وهذا يعني أن يعايش المسلم يوميا وفي أقدس لحظات حياته وأهمها ، التوجه إلى الله
تعالى بالنبي وآله والتوسل بهم إليه ، لأنهم الواسطة التي اختارها الله ورضيها وأمر أن يتوسط
إليه بها ! ! وهي حقيقة كبيرة يفهم منها المسلم أبعاد النبوة وأعماق الولاية ، لمحمد
وآله الطيبين الطاهرين . .
فقد جذر الله تعالى مقامهم في الكون والحياة ، حتى قرنه بألوهيته
فلم يقبل مدخلا إليه إلا به . . وهو مقام عظيم ، وشرف محلق ، ما عليه من مزيد ! !

5 - التوجه بالنبي وآله لدفع شر السلطان

في الكافي : 2 / 558 :
وقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : من دخل على سلطان يهابه فليقل : بالله أستفتح ، وبالله
أستنجح ، وبمحمد ( صلى الله عليه وآله ) أتوجه ، اللهم ذلل لي صعوبته ، وسهل لي حزونته ، فإنك
تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب .
ونحوه في الصحيفة السجادية : 2 / 65
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 315 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

6 - التوجه إلى الله بالنبي واله عند الحاجة والشدة

في الكافي : 2 / 552 :
محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي
داود عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا رسول
الله إني ذو عيال وعلي دين ، وقد اشتدت حالي ، فعلمني دعاء أدعو الله عز وجل به
ليرزقني ما أقضي به ديني ، وأستعين به على عيالي .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا عبد الله توضأ وأسبغ وضوءك ، ثم صل ركعتين تتم الركوع
والسجود ، ثم قل : يا ماجد يا واحد يا كريم يا دائم ، أتوجه إليك بمحمد نبيك نبي
الرحمة .
يا محمد يا رسول الله إني أتوجه بك إلى الله ربك وربي ورب كل شئ أن يصلي
على محمد وأهل بيته .
وأسألك نفحة كريمة من نفحاتك وفتحا يسيرا ورزقا واسعا ألم به شعثي ، وأقضي
به ديني ، وأستعين به على عيالي . ورواه في الكافي : 3 / 473
وروى نحوه في التهذيب : 3 / 311 :
أحمد بن محمد عن أحمد بن أبي داود عن ابن أبي حمزة عن أبي جعفر ( عليه السلام )
قال : جاء رجل إلى الرضا ( عليه السلام ) فقال له : يا بن رسول الله إني ذو عيال وعلي دين ، وقد
اشتدت حالي ، فعلمني دعاءا إذا دعوت الله عز وجل به رزقني الله فقال : يا عبد الله
توضأ وأسبغ وضوءك ثم صل ركعتين تتم الركوع والسجود فيهما ، ثم قل . . . وذكره
وفي الكافي : 2 / 582 :
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار قال : قال أبو
عبد الله ( عليه السلام ) ابتداء منه : يا معاوية أما علمت أن رجلا أتى أمير المؤمنين صلوات الله
عليه فشكى الابطاء عليه في الجواب في دعائه فقال له :
أين أنت عن الدعاء السريع الإجابة ؟
فقال له الرجل : ما هو ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 316 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال قل : اللهم إني أسألك باسمك العظيم الأعظم الأجل الأكرم ، المخزون
المكنون النور الحق البرهان المبين ، الذي هو نور مع نور ، ونور من نور ، ونور في
نور ، ونور على نور ، ونور فوق كل نور ، ونور يضيئ به كل ظلمة ، ويكسر به كل شدة ،
وكل شيطان مريد ، وكل جبار عنيد .
لا تقربه أرض ، ولا تقوم به سماء ، ويأمن به كل خائف ، ويبطل به سحر كل
ساحر ، وبغي كل باغ ، وحسد كل حاسد ، ويتصدع لعظمته البر والبحر ، ويستقل به
الفلك حين يتكلم به الملك ، فلا يكون للموج عليه سبيل .
وهو اسمك الأعظم الأعظم الأجل الأجل النور الأكبر الذي سميت به نفسك ،
واستويت به على عرشك ،
وأتوجه إليك بمحمد وأهل بيته ، أسألك بك وبهم ، أن تصلي على محمد وآل
محمد ، وأن تفعل بي كذا وكذا .
وفي الكافي : 3 / 476
علي بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد بن أبي عبد الله ، عن زياد القندي ، عن
عبد الرحيم القصير قال : دخلت على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فقلت جعلت فداك إني
اخترعت دعاء ، قال : دعني من اختراعك ! إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول الله ،
وصل ركعتين تهديهما إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
قلت : كيف أصنع ؟
قال : تغتسل وتصلي ركعتين تستفتح بهما افتتاح الفريضة ، وتشهد تشهد الفريضة ،
فإذا فرغت من التشهد وسلمت قلت :
اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، وإليك يرجع السلام ، اللهم صل على محمد
وآل محمد ، وبلغ روح محمد مني السلام ، وأرواح الأئمة الصادقين سلامي ، واردد
علي منهم السلام ، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته .
اللهم إن هاتين الركعتين هدية مني إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأثبني عليهما ما أملت
ورجوت ، فيك وفي رسولك ، يا ولي المؤمنين .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 317 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثم تخر ساجدا وتقول :
يا حي يا قيوم ، يا حي لا يموت ، يا حي لا إله إلا أنت ، يا ذا الجلال والإكرام ،
يا أرحم الراحمين . أربعين مرة .
ثم ضع خدك الأيمن فتقولها أربعين مرة .
ثم ضع خدك الأيسر فتقولها أربعين مرة .
ثم ترفع رأسك وتمد يدك وتقول أربعين مرة .
ثم ترد يدك إلى رقبتك وتلوذ بسبابتك وتقول ذلك أربعين مرة .
ثم خذ لحيتك بيدك اليسرى وابك أو تباك وقل :
يا محمد يا رسول الله أشكو إلى الله وإليك حاجتي ، وإلى أهل بيتك الراشدين
حاجتي ، وبكم أتوجه إلى الله في حاجتي .
ثم تسجد وتقول : يا الله يا الله - حتى ينقطع نفسك - صل على محمد وآل محمد
وافعل بي كذا وكذا .
قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : فأنا الضامن على الله عز وجل أن لا يبرح حتى تقضى حاجته .
ورواه في الفقيه : 1 / 556
وفي الكافي : 3 / 478
وبهذا الإسناد ، عن أبي إسماعيل السراج ، عن ابن مسكان ، عن شرحبيل
الكندي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : إذا أردت أمرا تسأله ربك ، فتوضأ وأحسن الوضوء
ثم صل ركعتين ، وعظم الله وصل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقل بعد التسليم :
اللهم إني أسألك بأنك ملك ، وأنك على كل شئ قدير مقتدر ، وبأنك ما تشاء من
أمر يكون . اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة .
يا محمد يا رسول الله إني أتوجه بك إلى الله ربك وربي ، لينجح لي طلبتي .
اللهم بنبيك أنجح لي طلبتي بمحمد . ثم سل حاجتك .
ورواه في تهذيب الأحكام : 3 / 313
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 318 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي الفقيه : 1 / 556
روى موسى بن القاسم البجلي ، عن صفوان بن يحيى ، ومحمد بن سهل عن
أشياخهما عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :
إذا حضرت لك حاجة مهمة إلى الله عز وجل فصم ثلاثة أيام متوالية : الأربعاء
والخميس والجمعة ، فإذا كان يوم الجمعة إن شاء الله تعالى فاغتسل والبس ثوبا
جديدا ، ثم اصعد إلى أعلى بيت في دارك وصل فيه ركعتين ، وارفع يديك إلى
السماء ثم قل :
اللهم إني حللت بساحتك لمعرفتي بوحدانيتك وصمدانيتك ، وإنه لا قادر على
حاجتي غيرك ، وقد علمت يا رب أنه كلما تظاهرت نعمتك علي اشتدت فاقتي إليك ،
وقد طرقني هم كذا وكذا وأنت بكشفه عالم غير معلم ، واسع غير متكلف ، فأسألك
باسمك الذي وضعته على الجبال فنسفت ، ووضعته على السماء فانشقت ، وعلى
النجوم فانتثرت ، وعلى الأرض فسطحت ، وأسألك بالحق الذي جعلته عند محمد
والأئمة ( عليهم السلام ) وتسمهم إلى آخرهم ، أن تصلي على محمد وأهل بيته ، وأن تقضي
حاجتي ، وأن تيسر لي عسيرها ، وتكفيني مهمها ، فإن فعلت فلك الحمد ، وإن لم تفعل
فلك الحمد ، غير جائر في حكمك ، ولا متهم في قضائك ، ولا حائف في عدلك .
وتلصق خدك بالأرض وتقول :
اللهم أن يونس بن متي عبدك دعاك في بطن الحوت وهو عبدك فاستجبت له ،
وأنا عبدك أدعوك فاستجب لي .
ثم قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : لربما كانت الحاجة لي فأدعو بهذا الدعاء فأرجع وقد قضيت .
صلاة أخرى للحاجة :
روى سماعة عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه قال :
إن أحدكم إذا مرض دعا الطبيب وأعطاه ، وإذا كانت له حاجة إلى سلطان ، رشا
البواب وأعطاه !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 319 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولو أن أحدكم إذا فدحه أمر فزع إلى الله تعالى ، فتطهر وتصدق بصدقة قلت أو
كثرت ثم دخل المسجد فصلى ركعتين فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على النبي
وأهل بيته ، ثم قال : اللهم إن عافيتني من مرضي ، أو رددتني من سفري ، أو عافيتني
مما أخاف من كذا وكذا . إلا آتاه الله ذلك .
وفي الصحيفة السجادية : 1 / 293 :
اللهم فإني أتقرب إليك بالمحمدية الرفيعة ، والعلوية البيضاء ، وأتوجه إليك بهما
أن تعيذني من شر كذا وكذا ، فإن ذلك لا يضيق عليك في وجدك ، ولا يتكأدك في
قدرتك وأنت على كل شئ قدير . . .
وفي الصحيفة السجادية : 2 / 258 :
أسألك يا سيدي وليس مثلك شئ بكل دعوة دعاه بها نبي مرسل ، أو ملك مقرب ،
أو مؤمن امتحنت قلبه بالإيمان ، واستجبت دعوته ،
وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، وأقدمه بين يدي حوائجي .
يا رسول الله بأبي أنت وأمي وأهل بيتك الطيبين ، إني أتوجه بك إلى ربك ،
وأقدمك بين يدي حوائجي .
يا رباه يا الله ، يا رباه يا الله ، إني أسألك بك فليس كمثلك شئ ، وأتوجه إليك
بمحمد نبي الرحمة وبعترته الطيبين ، وأقدمهم بين يدي حوائجي أن تعتقني من
النار ، وتكفيني وجميع المؤمنين والمؤمنات كل ما أهمنا من أمر الدنيا والآخرة . .
انتهى .
والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، وفيها صحاح متواترة ، تجدها في أبواب افتتاح
الصلاة من الفقه ، وأبواب صلاة الحاجة ، وفي كتب المزار والأدعية .

7 - الاستشفاع بالنبي والأئمة عند زيارة قبورهم الشريفة

ستأتي أحاديث الاستشفاع والتوسل بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) في تفسير قوله تعالى ( ولو أنهم
إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله . . . ) .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 320 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي المقنعة / 463 :
وتحول إلى عند الرأس فقف عليه ، وقل :
السلام عليك يا وصي الأوصياء ، ووارث علم الأنبياء ، أشهد لك يا ولي الله
بالبلاغ والأداء . أتيتك بأبي أنت وأمي زائرا عارفا بحقك ، مستبصرا بشأنك ، مواليا
لأوليائك ، معاديا لأعدائك ، متقربا إلى الله بزيارتك في خلاص نفسي ، وفكاك
رقبتي من النار ، وقضاء حوائجي للآخرة والدنيا ، فاشفع لي عند ربك ، صلوات الله
عليك ورحمة الله وبركاته .
وفي الكافي : 4 / 569 :
عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن أورمة ، عمن حدثه ، عن
الصادق وأبي الحسن الثالث ( عليهما السلام ) ، قال يقول :
السلام عليك يا ولي الله أنت أول مظلوم ، وأول من غصب حقه ، صبرت
واحتسبت ، حتى أتاك اليقين ، فأشهد أنك لقيت الله وأنت شهيد ، عذب الله قاتلك
بأنواع العذاب ، وجدد عليه العذاب .
جئتك عارفا بحقك مستبصرا بشأنك ، معاديا لأعدائك ومن ظلمك ، ألقى على
ذلك ربي إن شاء الله .
يا ولي الله : إن لي ذنوبا كثيرة ، فاشفع لي إلى ربك ، فإن لك عند الله مقاما محمودا
معلوما ، وإن لك عند الله جاها وشفاعة ، وقد قال تعالى : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى .
ورواه في تهذيب الأحكام : 6 / 28
وفي مصباح المتهجد / 694 :
اللهم لا قوة لي على سخطك ولا صبر لي على عذابك ولا غنى لي عن رحمتك
تجد من تعذب غيري ولا أجد من يرحمني غيرك ولا قوة لي على البلاء ولا طاقة لي
على الجهد ، أسألك بحق محمد نبيك ( صلى الله عليه وآله ) ، وأتوسل إليك بالأئمة الذين اخترتهم
لسرك وأطلعتهم على خفيك وأخبرتهم بعلمك وطهرتهم وخلصتهم واصطفيتهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 321 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأصفيتهم وجعلتهم هداة مهديين وائتمنتهم على وحيك وعصمتهم عن معاصيك
ورضيتهم لخلقك وخصصتهم بعلمك واجتبيتهم وحبوتهم وجعلتهم حججا على
خلقك وأمرت بطاعتهم ولم ترخص لأحد في معصيتهم وفرضت طاعتهم على من
برأت ، وأتوسل إليك في موقفي اليوم أن تجعلني من خيار وفدك .
وفي بحار الأنوار : 99 / 169 :
ثم قال السيد ( رحمه الله ) ، دعاء يدعى به عقيب الزيارة لسائر الأئمة ( عليهم السلام ) : اللهم إني زرت
هذا الإمام مقرا بإمامته ، معتقدا لفرض طاعته ، فقصدت مشهده بذنوبي وعيوبي ،
وموبقات آثامي ، وكثرة سيئاتي وخطاياي ، وما تعرفه مني ، مستجيرا بعفوك ، مستعيذا
بحلمك ، راجيا رحمتك ، لاجيا إلى ركنك ، عائذا برأفتك ، مستشفعا بوليك وابن
أوليائك ، وصفيك وابن أصفيائك ، وأمينك وابن أمنائك ، وخليفتك وابن خلفائك ،
الذين جعلتهم الوسيلة إلى رحمتك ورضوانك ، والذريعة إلى رأفتك وغفرانك .
وفي بحار الأنوار : 24 / 2
كنز : روى شيخ الطائفة ( رحمه الله ) بإسناده إلى الفضل بن شاذان رفعه إلى أبي جعفر ( عليه السلام )
قال : إن الله عز وجل يقول : ما توجه إلى أحد من خلقي أحب إلى من داع دعاني
يسأل بحق محمد وأهل بيته ، وإن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه قال : ( اللهم أنت
وليي في نعمتي ، والقادر على طلبتي ، وقد تعلم حاجتي ، فأسألك بحق محمد وآل
محمد إلا ما رحمتني وغفرت زلتي ) فأوحى الله إليه : يا آدم أنا ولي نعمتك ، والقادر
على طلبتك ، وقد علمت حاجتك ، فكيف سألتني بحق هؤلاء ؟
فقال : يا رب إنك لما نفخت في الروح رفعت رأسي إلى عرشك ، فإذا حوله
مكتوب : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك ، ثم عرضت
علي الأسماء ، فكان ممن مربي من أصحاب اليمين آل محمد وأشياعهم ، فعلمت
أنهم أقرب خلقك إليك ،
قال : صدقت يا آدم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 322 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 323 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الرابع : تفسير الآيات الثلاث في التوسل

الآية الأولى :

قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله
لعلكم تفلحون . المائدة - 35
فقد أمرت هذه الآية الكريمة باتخاذ ( وسيلة ) إلى الله تعالى ، ولكنها لم تبين ما
هي ، وهذا يعني أن الله تعالى ترك بيانها للرسول ( صلى الله عليه وآله ) .
عمل المفسرين السنيين لإبعاد الوسيلة عن النبي !
يلاحظ الباحث أن الرواة والمفسرين السنيين سعوا حثيثا لإبعاد ( الوسيلة المأمور
بها في القرآن ) عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! !
فمن ناحية ، لم يرووا شيئا في تفسيرها عن النبي وآله ، بل تبرعوا بالبيان من
عندهم وفسروها بالقربة ، وغاية ما رووا في رواية مقطوعة عن حذيفة تقول إن
الوسيلة هي القربة ! كما في مستدرك الحاكم : 2 / 312 !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 324 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مع أنه لا يعقل أن يكون الأمر الإلهي نزل إلى الأمة بأن يبتغوا إلى ربهم الوسيلة ،
ولم يبينها لهم الرسول الذي أرسله الله ليبين للناس ؟ !
أما تفسيرهم لها بالقربة فهو تفسير الماء بالماء ! لأن القربة كلمة مجملة تحتاج إلى
تفسير كالوسيلة ! !
فهل تختص بالأعمال الصالحة ، أم تشمل ابتغاء التوسل بالأنبياء والأوصياء
والأولياء . . الخ .
قال السيوطي في الدر المنثور : 2 / 280
أخرج عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله :
وابتغوا إليه الوسيلة ، قال : القربة .
وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة في قوله وابتغوا إليه الوسيلة قال : القربة .
وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله : وابتغوا إليه
الوسيلة قال تقربوا إلى الله بطاعته والعمل بما يرضيه .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي وائل قال : الوسيلة في الإيمان .
وأخرج الطستي وابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس أن نافع بن
الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل : وابتغوا إليه الوسيلة ، قال : الحاجة .
قال وهل تعرف العرب ذلك ؟
قال : نعم ، أما سمعت عنترة وهو يقول :
إن الرجال لهم إليك وسيلة * أن يأخذوك تكحلي وتخضبي . انتهى .
وتفسير ابن عباس للوسيلة بالحاجة إن صح عنه فلا يصح ، لأن مقصود عنترة أن
يقول لتلك المرأة : إن الرجال سيجدون وسيلة لأخذك ولو بالخطيفة فاستعدي !
على أنه لا يبعد أن يكون معنى الحاجة في زمن ابن عباس هو المعنى الذي يستعمله
أهل مصر اليوم ، وهو عام يشمل الوسيلة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 325 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي حلية الأولياء : 4 / 105
عن منصور عن أبي وائل في قوله تعالى وابتغوا إليه الوسيلة ، قال : القربة في
الأعمال . انتهى .
وهكذا ساروا على ما أسسه المفسرون الأمويون من تفسير الآية بالقربة وإبعادها
عن النبي وآله ( صلى الله عليه وآله ) ، الذين هم الوسيلة التي أمر الله بها في كتابه !
ولم يكتفوا بتفسير الوسيلة المطلقة بالقربة المطلقة ، حتى ضيقوا مفهوم القربة
وأبعدوه عن كثير من التقربات المرتبطة بشخص النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقبورهم الشريفة ! !
وسوف ترى أن الاتجاه الأموي أخذ شكلا حادا على يد ابن تيمية وأتباعه !
وبذلك اتجه السؤال بالتهمة إليهم بأنهم راعوا سياسة الخلافة القرشية في تقليلها
من حاجة المسلمين إلى النبي صلد الله عليه وآله حتى في إيمانهم ، وخاصة في الأمور التي لا بد أن
تكون ممتدة بعده بأهل بيته الطاهرين .
وفي اعتقادي أن ذلك يرجع إلى يوم أعلنت الخلافة القرشية الأحكام العرفية في
كل ما يتعلق بالقبر النبوي ، لأنها خشيت أن يستجير به أهل بيته ويطالبوا بالخلافة !
فقد منعت التجمع عنده والصلاة والتوسل والتبرك . . وأكثر مظاهر الاحترام الطبيعية
التي تقوم بها الأمم تجاه قبر نبيها ! !
فصار ذلك فقها وعقيدة ، وقامت الخلافة الأموية بتركيزه وتبريره . . ولم يخرج عنه
إلا المتصوفة ، ولكنهم حاولوا أن يفسروا الوسيلة إلى الله تعالى بمشايخ طرقهم ! !
وقد حاول الفخر الرازي أن يستدل على إبعاد الوسيلة عن الواسطة في تلقي
الدين والسلوك الديني ، فقال في تفسيره : 6 جزء 11 / 220 :
المسألة الثالثة ، الوسيلة : فعيلة ، من وسل أي تقرب إليه ، قال لبيد الشاعر :
أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم إلا كل ذي لب إلى الله واسل
أي متوسل ، فالوسيلة هي التي يتوسل بها إلى المقصود .
قالت التعليمية : دلت الآية على أنه لا سبيل إلى الله تعالى إلا بمعلم معرفته ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 326 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومرشد يرشدنا إلى العلم به ، وذلك لأنه طلب الوسيلة إليه مطلقا ، والإيمان به من
أعظم المطالب وأشرف المقاصد ، فلا بد فيه من الوسيلة .
وجوابنا : أنه تعالى أمر بابتغاء الوسيلة إليه بعد الإيمان به ، والإيمان به عبارة عن
المعرفة به ، فكان هذا أمرا بابتغاء الوسيلة إليه بعد الإيمان به ومعرفته ، فيمتنع أن
يكون هذا أمرا بطلب الوسيلة إليه في معرفته ! فكان المراد طلب الوسيلة إليه في
تحصيل مرضاته ، وذلك بالعبادات والطاعات . انتهى كلام الرازي .
وغرضه أن يقول إن الآية تخاطب المؤمنين بعد إيمانهم بأن يتوسلوا بالطاعات ،
ولا تطلب من الناس أن يتوسلوا بشخص إلى الإيمان .
ولكنه نسي قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ) النساء - 136
فقد طلب الله من المؤمنين أن يؤمنوا بالله ورسوله ! ونسي قوله تعالى ( قالت
الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ) الحجرات - 14 فلا مانع أن يخاطب تعالى المؤمنين بعد
إيمانهم أن يبتغوا إليه الوسيلة عن طريق رسوله ؟ !
بل حتى لو سلمنا أن الآية ناظرة إلى مرحلة ما بعد إيمانهم ، فأي مانع في أن يطلب الله
تعالى منهم أن يرتقوا بإيمانهم إلى درجة أعلى فيجعلوا الرسول قدوتهم
ووسيلتهم إلى ربهم ؟ ! !
ولكن غرض الرازي أن يحصر الوسيلة المأمور بها بالأعمال ، ويبعدها عن
شخص النبي وآله ( صلى الله عليه وآله )
! كما أن غرض التعليمية الذين ذكرهم الرازي أن يبعدوها عن الرسول وآله صلوات
الله عليهم ، ويثبتوا بها حاجة المسلم في الإيمان والتدين إلى شيخ طريقة يكون هو وسيلته إلى ربه ! !
أما المفسرون الشيعة فقد تأثر بعضهم بالجو العام للتفسير السني ، ففسروا
الوسيلة مثلهم بالقربة بلا تعيين ، بينما فسرها بعضهم بما ورد عن أهل البيت ( عليهم السلام ) ،
من أن الوسيلة هو النبي أو وصيه من بعده . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 327 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال الطوسي في تفسير التبيان : 3 / 509
خاطب الله في هذه الآية المؤمنين وأمرهم أن يتقوه ، ومعناه أن يتقوا معاصيه
ويجتنبوها ، ويبتغوا إليه معناه يطلبون إليه ، الوسيلة وهي القربة في قول الحسن
ومجاهد وقتادة وعطاء والسدي وابن زيد وعبد الله بن كثير وأبي وابل .
وهي على وزن فعيلة ، من قولهم : توسلت إليك ، أي تقربت . قال عنترة ابن شداد :
إن الرجال لهم إليك وسيلة * أن يأخذوك فلجلجي وتخضبي
وقال الآخر :
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا * وعاد التصافي بيننا والوسائل
يقال : منه سلت أسال ، أي طلبت ، وهما يتساولان ، أي يطلب كل واحد منهما
من صاحبه . والأصل الطلب والوسيلة التي ينبغي أن يطلب مثلها . انتهى .
والظاهر أن منهج الشيخ الطوسي ( رحمه الله ) في تفسير التبيان أن يكتب ما يتحمله القارئ
السني . وكذا فعل المقداد السيوري في فقه القرآن : 1 / 369 والبلاغي في إملاء مأمن به
الرحمن : 1 / 214
أما التفاسير الروائية عن أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فقد فسرت الوسيلة التي أمر الله بها
بالنبي والأئمة من بعده صلى الله عليه وعليهم .
ففي تفسير القمي : 1 / 168
وقوله ( اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ) فقال : تقربوا إليه بالإمام . انتهى .
والمتأمل في الآية يلاحظ أنها : أمر إلهي نزل في آخر سورة من القرآن ، بعنصر
جديد كلف الله به المسلمين هو ( البحث . . عن . . الوسيلة ) ! وهو أمر مجمل ،
والمصدر الوحيد لبيانه هو الرسول ( صلى الله عليه وآله ) .
أما نحن فنروي أنه بين الوسيلة بأنها هو وأهل بيته ، فالأمة مكلفة أن تتعبد لله
تعالى بمعرفتهم في كل عصر وإطاعتهم . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 328 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بينما لم يرو السنييون بيانها ، ورووا عن غير النبي تفسيرها بالقربة ، وهو لا يصح
لأنه أولا تفسير مجمل مثلها ! ولأنه ثانيا يلغي العنصر الجديد الذي نزلت به الآية ، ويجعل
معناها تأكيدا لمثل قوله تعالى ( أطيعوا الله ورسوله ) ، وبذلك لا يبقى معنى
لاستعمال مصطلح الوسيلة وابتغائها ، ولا لنزول الآية ! !

الآية الثانية :

قال الله تعالى : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم
الرسول لوجدوا الله توابا رحيما . النساء - 64
ورد تفسير المجئ إلى الرسول فيها عن أهل البيت ( عليهم السلام ) ، أنه يشمل المجئ
إلى الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في حياته ، والمجئ إلى قبره الشريف بعد وفاته . وقد وافقتهم على ذلك
روايات عديدة من مصادر السنيين .
ففي الكافي : 4 / 550 :
عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل
أن تدخلها أو حين تدخلها ثم تأتي قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم تقوم فتسلم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
ثم تقوم عند الأسطوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر عند زاوية
القبر وأنت مستقبل القبلة ومنكبك الأيسر إلى جانب القبر ومنكبك الأيمن مما
يلي المنبر ، فإنه موضع رأس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتقول :
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
وأشهد أنك رسول الله ، وأشهد أنك محمد بن عبد الله ، وأشهد أنك قد بلغت
رسالات ربك ونصحت لأمتك ، وجاهدت في سبيل الله ، وعبدت الله مخلصا حتى
أتاك اليقين وأديت الذي عليك من الحق وأنك قد رؤفت بالمؤمنين وغلظت
على الكافرين فبلغ الله بك أفضل شرف محل المكرمين ،
الحمد الله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلالة ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 329 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
اللهم فاجعل صلواتك وصلوات ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين وأنبيائك
المرسلين وأهل السماوات والأرضين ومن سبح لك يا رب العالمين من الأولين
والآخرين على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك ونجيك وحبيبك وصفيك
وخاصتك وصفوتك وخيرتك من خلقك ،
اللهم أعطه الدرجة والوسيلة من الجنة وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون
والآخرون .
اللهم إنك قلت : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم
الرسول لوجدوا الله توابا رحيما . وإني أتيت نبيك مستغفرا تائبا من ذنوبي وإني
أتوجه بك إلى الله ربي وربك ليغفر لي ذنوبي .
وإن كانت لك حاجة فاجعل قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) خلف كتفيك واستقبل القبلة وارفع
يديك واسأل حاجتك فإنك أحرى أن تقضى إن شاء الله .
ورواه في تهذيب الأحكام : 6 / 5
ونحوه في من لا يحضره الفقيه : 2 / 567 ، وفيه :
اللهم وأعطه الدرجة والوسيلة من الجنة وابعثه مقاما محمودا يغبطه بن الأولون
والآخرون ، اللهم إنك قلت وقولك الحق : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك
فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما . وإني أتيت نبيك
مستغفرا تائبا من ذنوبي ،
يا رسول الله إني أتوجه بك إلى الله ربي وربك ليغفر لي ذنوبي . انتهى .
وفي الدر المنثور : 1 / 238 :
* وأخرج البيهقي عن أبي حرب الهلالي قال حج أعرابي فلما جاء إلى باب مسجد
رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها ثم دخل المسجد حتى أتى القبر
ووقف بحذاء وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، جئتك مثقلا بالذنوب والخطايا ، مستشفعا بك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 330 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
على ربك ، لأنه قال في محكم كتابه : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا
الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما .
وقد جئتك بأبي أنت وأمي مثقلا بالذنوب والخطايا ، أستشفع بك على ربك أن
يغفر لي ذنوبي ، وأن يشفع في .
ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول :
يا خير من دفنت في الترب أعظمه * فطاب من طيبهن القاع والاكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه * فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ورواه في كنز العمال : 4 / 258 ، وقال في هامشه : وذكر ابن كثير في تفسيره : 2 / 329
وقصة هذا الأعرابي تدل على أن العربي الصافي الفطرة يفهم أن قوله
تعالى ( جاؤوك ) يشمل المجئ إلى الرسول في حياته ، وإلى قبره بعد وفاته .
وقال الشرنبلاني في نور الإيضاح / 156 :
ثم يعود ويقف عند رأس سيدنا النبي ( صلى الله عليه وآله ) الشريف مستقبله كالأول ويقول اللهم
إنك قلت وقولك الحق ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر
لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما وقد جئناك سامعين قولك طائعين أمرك
مستشفعين بنبيك إليك اللهم ربنا اغفر لنا ولآباءنا وأمهاتنا وإخواننا الذين سبقونا
بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربا إنك رؤوف رحيم
وفي الدر المنثور : 2 / 219 :
وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود قال : من قرأ هاتين الآيتين من سورة النساء
ثم استغفر غفر له : ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا
رحيما . ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول . . الآية .
وفي الدر المنثور : 2 / 170 :
وأخرج هناد عن ابن مسعود قال : أربع آيات في كتاب الله عز وجل أحب إلى من
حمر النعم وسودها :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 331 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في سورة النساء قوله : إن الله لا يظلم مثقال ذرة . . الآية .
وقوله : إن الله لا يغفر أن يشرك به . . الآية .
وقوله : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك . . الآية .
وقوله : من يعمل سوء أو يظلم نفسه . . الآية .
وفي الدر المنثور : 2 / 180 :
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال :
الاستغفار على نحوين ، أحدهما في القول والآخر في العمل .
فأما استغفار القول فإن الله يقول : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله
واستغفر لهم الرسول .
وأما استغفار العمل فإن الله يقول وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ، فعنى
بذلك أن يعملوا عمل الغفران . انتهى .
جاؤوك ، تشمل المجئ إلى قبر النبي والمجئ إلى وصيه
في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة خطابات وأحكام خاصة بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فما
حكمها بعد وفاته ؟
قالت مذاهب الخلافة القرشية : من هذه الأحكام ما هو من شأن النبوة ، فينتهي
بوفاة النبي والباقي يصير المخاطب به الخليفة الذي حل محل النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
وبدأت الخلافة بتنفيذ ذلك في الخمس والأمور المالية فقالت صار أمرها إلى
الخليفة . . . الخ .
ولكن هذه الخطابات والأحكام أوسع وأعمق من أن ينهض بها أمثال الخلفاء
الذين حكموا بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) . . وللبحث في هذا الموضوع مكان آخر ، ويدخل منه
في بحثنا فتح باب الغفران الإلهي بالمجئ إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فهل هو حكم مستمر بعده
في وصيه أم لا ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 332 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
دلت أحاديثنا الصحيحة على أن هذا المقام الرباني ثابت للوصي ( عليه السلام ) ، وهو الذي
يساعد عليه استمرار الإسلام ، ووراثة الكتاب الإلهي ، ونصوص وصية النبي لعترته
الطاهرين ، صلى الله عليه وعليهم .
ففي الكافي : 1 / 391 :
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة أو بريد ،
عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قال : لقد خاطب الله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في كتابه قال : قلت :
في أي موضع ؟ قال : في قوله : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله
واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما . فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك
فيما شجر بينهم ، فيما تعاقدوا عليه لئن أمات الله محمدا ألا يردوا هذا الأمر في بني
هاشم ، ثم لا يجدوا في أنفسه حرجا مما قضيت ، عليهم من القتل أو العفو ،
ويسلموا تسليما .
وفي الكافي : 8 / 334 :
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، وغيره ، عن منصور بن يونس
عن ابن أذينة ، عن عبد الله بن النجاشي قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول
في قول الله عز وجل : أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في
أنفسهم قولا بليغا . يعني والله فلانا وفلانا .
وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك
فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما .
يعني والله النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعليا مما صنعوا أي لو جاؤوك بها يا علي فاستغفروا الله
مما صنعوا ، واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما .
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم . فقال أبو عبد الله : هو والله
علي بعينه ، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ، على لسانك يا رسول الله
يعني به من ولاية علي ، ويسلموا تسليما ، لعلي .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 333 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي تفسير القمي : 1 / 142 :
وقوله : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله ، فإنه حدثني أبي ، عن
ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ولو أنهم إذ ظلموا
أنفسهم جاؤوك يا علي فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما .
هكذا نزلت . ثم قال : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك ، يا علي ، فيما شجر بينهم ،
يعني فيما تعاهدوا وتعاقدوا عليه من خلافك بينهم وغصبك . ثم لا يجدوا في
أنفسهم حرجا مما قضيت ، عليهم يا محمد على لسانك من ولايته ، ويسلموا تسليما ،
لعلي ( عليه السلام ) . انتهى .
ومعنى قول الإمام الباقر ( عليه السلام ) ( هكذا نزلت ) أي هذا هو المعنى المقصود فيها
الذي أنزله الله تعالى .
وقد يكون القول بتعميم الخطاب للوصي ثقيلا على بعضهم ، ولكنه لا بد منه إذا أرنا
أن لا نعطل معنى الآيات والأحاديث والأحكام المتعلقة بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) !
مع ما يستلزمه تعطيلها من نقصان الدين بعد كماله وتمامه ! !

الآية الثالثة :

قال الله تعالى : وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ، ولقد فضلنا بعض
النبيين على بعض وآتينا داود زبورا . قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون
كشف الضر عنكم ولا تحويلا . أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم
أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا . الإسراء 55 - 57
وهذه الآية تدل على مشروعية التوسل إلى الله تعالى بالأشخاص الأقرب إليه ،
فمن المتفق عليه بين المفسرين أن قوله تعالى ( يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب
مدح لهؤلاء المؤمنين بأنهم يطلبون التوسل إلى الله تعالى . . وإن اختلفوا في تعيين
هؤلاء المتوسلين ، والمتوسل بهم . كما سيأتي .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 334 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

تفسيرنا للآيتين الكريمتين

معنى الآيات :
قل لهم فليدعوا الذين يزعمون لكشف الضر عنهم ، فلا مجيب ! ! لأنهم في
الحقيقة لا يدعون شيئا !
ولكن المؤمنين هم الذين يدعون من هو أهل لكشف الضر سبحانه ، فتراهم
يبتغون إليه الوسيلة ، ويبحثون عن أقرب عباده إليه وسيلة فيتوسلون به إليه ،
فيستجيب دعاءهم .
ف‍ ( أولئك ) في مطلع الآية الثانية استئناف ، والمقصود بهم المؤمنون عبر التاريخ ، وقد
مدحهم الله تعالى بدعائهم ربهم الحق ، وبتوسلهم بمن هو أقرب منهم إليه من عباده . .
وذلك في مقابل المشركين الذين يدعون هباء ! ويتوسلون بما لم يأذن به الله ! !
أما المفسرون السنيون فقد أرجعوا الضمير في أولئك إلى المعبودين المزعومين
من دون الله . وبعضهم كالجبائي أرجعه إلى الأنبياء ، ولكنه وافقهم على أن ( أيهم
أقرب ) صفة للمتوسلين ، لا للمتوسل بهم ، كما سيأتي .
وأما المفسرون الشيعة غير المحدثين ، فقد راعوا التفسير السني ، ولم يخرجوا
عنه إلا قليلا .
قال الطوسي في تفسير التبيان : 6 / 490 :
ثم قال لنبيه : قل لهم ادعوا الذين زعمتم من دونه ، يعني الذين زعمتم أنهم
أرباب وآلهة من دون الله ، ادعوهم إذا نزل بكم ضرر ، فانظروا هل يقدرون على دفع
ذلك أم لا .
وقال ابن عباس والحسن : الذين من دونه ، الملائكة والمسيح وعزير .
وقال ابن مسعود : أراد به ما كانوا يعبدون من الجن : وقد أسلم أولئك النفر من
الجن ، لأن جماعة من العرب كانوا يعبدون الجن ، فأسلم الجن وبقي الكفار على
عبادتهم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 335 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال أبو علي : رجع إلى ذكر الأنبياء في الآية الأولى ، والتقدير أن الأنبياء يدعون
إلى الله يطلبون بذلك الزلفة لديه ويتوسلون به إليه وإلى رضوانه وثوابه ، أيهم كان
أفضل عند الله ، وأشد تقربا إليه بالأعمال .
ثم قال : فلا يملكون ، يعني الذين تدعون من دون الله ، كشف الضر ، والبلاء
عنكم ، ولا تحويله إلى سواكم .
ثم قال : أولئك الذين يدعون يبتغون . . . أولئك : رفع بالابتداء ، والذين ، صفة لهم
ويبتغون إلى ربهم خبر الابتداء . والمعنى الجماعة الذين يدعون يبتغون إلى ربهم .
أيهم رفع بالابتداء ، وأقرب خبره . والمعنى يطلبون الوسيلة ينظرون أيهم أقرب
فيتوسلون به ، ذكره الزجاج .
وقال قوم : الوسيلة هي القرية والزلفة .
وقال الزجاج : الوسيلة والسؤال والسؤل والطلبة واحد ، والمعنى أن هؤلاء
المشركين يدعون هؤلاء الذين اعتقدوا فيهم أنهم أرباب ويبتغي المدعوون أربابا
إلى ربهم القربة والزلفة لأنهم أهل إيمان به .
والمشركون بالله يعبدونهم من دون الله ، أيهم أقرب عند الله بصالح أعماله واجتهاده
في عبادته ، فهم يرجون بأفعالهم رحمته ويخافون عذابه بخلافهم إياه . انتهى
وقد اقتصر الشيخ الطوسي على ذكر أقوال السنيين ، كما رأيت .
- وأما الطبرسي في مجمع البيان : 6 / 422 ، فقد مال إلى قول أبي علي الجبائي ،
فقال : ثم قال سبحانه لنبيه ( ص ) :
قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله : ادعوا الذين زعمتم من
دونه أنهم آلهة عند ضر ينزل بكم ليكشفوا ذلك عنكم أو يحولوا تلك الحالة إلى حالة
أخرى .
فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ، للحالة التي تكرهونها إلى حالة
تحبونها يعني تحويل حال القحط إلى الخصب والفقر إلى الغنى والمرض إلى الصحة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 336 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقيل معناه لا يملكون تحويل الضر عنكم إلى غيركم ، بين سبحانه أن من كان
بهذه الصفة فإنه لا يصلح للآلهية ، ولا يستحق العبادة .
والمراد بالذين من دونه الملائكة والمسيح وعزير عن ابن عباس والحسن ،
وقيل هم الجن لأن قوما من العرب كانوا يعبدون الجن عن ابن مسعود ، قال
وأسلم أولئك النفر من الجن وبقي الكفار على عبادتهم .
قال الجبائي : ثم رجع سبحانه إلى ذكر الأنبياء في الآية الأولى فقال : أولئك الذين
يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ، ومعناه أولئك الذين يدعون إلى الله تعالى
ويطلبون القربة إليه بفعل الطاعات .
أيهم أقرب ، أي ليظهر أيهم الأفضل والأقرب منزلة منه .
وتأويله أن الأنبياء مع علو رتبهم وشرف منزلتهم إذا لم يعبدوا غير الله فأنتم
أولى أن لا تعبدوا غير الله . وإنما ذكر ذلك حثا على الاقتداء بهم .
وقيل إن معناه أولئك الذين يدعون ويعبدونهم ويعتقدون أنهم آلهة من المسيح
والملائكة يبتغون الوسيلة والقربة إلى الله تعالى بعبادتهم ، ويجتهد كل منهم ليكون
أقرب من رحمته ، أو يطلب كل منهم أن يعلم أيهم أقرب إلى رحمته أو إلى الإجابة ،
ويرجون رحمته ويخافون عذابه ، أي وهم مع ذلك يستغفرون لأنفسهم فيرجون
رحمته أن أطاعوه ويخافون عذابه إن عصوا ، ويعلمون عمل العبيد . انتهى .
ومع أنه ( رحمه الله ) مال إلى تفسير الجبائي ، ولكنه لم يخرج عن التفسير الأساسي
للمفسرين السنيين ، ولم يبحث النسبة بين الآية وبين أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام )
الصحيحة في أن الذين جعلهم الله تعالى وسيلة للناس والأنبياء هم محمد وآله صلى الله عليهم .
وأما الطباطبائي فقد ذكر أقوال المفسرين السنيين في الآية ، ولم يجزم بشئ منها !
قال في تفسير الميزان : 13 / 130 :
قوله تعالى : أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ، إلى آخر
الآية .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 337 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أولئك مبتدأ ، والذين صفة له ، ويدعون صلته ضميره عائد إلى المشركين .
ويبتغون خبر أولئك ، وضميره وسائر ضمائر الجمع إلى آخر الآية راجعة إلى أولئك .
وقوله : أيهم أقرب ، بيان لابتغاء الوسيلة لكون الابتغاء فحصا وسؤالا في المعنى .
هذا ما يعطيه السياق .
والوسيلة على ما فسروه هي التوصل والتقرب ، وربما استعملت بمعنى ما به
التوصل والتقرب ، ولعله هو الأنسب بالسياق بالنظر إلى تعقيبه بقوله : أيهم أقرب .
والمعنى والله أعلم :
أولئك الذين يدعوهم المشركون من الملائكة والجن والإنس يطلبون ما يتقربون
به إلى ربهم يستعلمون .
أيهم أقرب : حتى يسلكوا سبيله ويقتدوا بأعماله ليتقربوا إليه تعالى كتقربه .
ويرجون رحمته . من كل ما يستمدون به في وجودهم
ويخافون عذابه فيطيعونه ولا يعصونه .
إن عذاب ربك كان محذورا . يجب التحرز منه والتوسل إلى الله ببعض المقربين
إليه - على ما في الآية الكريمة قريب من قوله : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا
إليه الوسيلة ، غير ما يرومه المشركون من الوثنيين ، فإنهم يتوسلون إلى الله ويتقربون
بالملائكة الكرام والجن والأولياء من الإنس ، فيتركون عبادته تعالى ولا يرجونه ولا
يخافونه ، وإنما يعبدون الوسيلة ويرجون رحمته ويخافون سخطه ثم يتوسلون إلى
هؤلاء الأرباب والآلهة بالأصنام والتماثيل فيتركونهم ويعبدون الأصنام ، ويتقربون
إليهم بالقرابين والذبائح .
وبالجملة يدعون التقرب إلى الله ببعض عباده أو أصنام خلقه ، ثم لا يعبدون إلا
الوسيلة مستقلة بذلك ، ويرجونها ويخافونها مستقلة بذلك من دون الله ، فيشركون
بإعطاء الاستقلال لها في الربوبية والعبادة .
والمراد بأولئك الذين يدعون : إن كان هو الملائكة الكرام والصلحاء المقربون من
الجن والأنبياء والأولياء من الإنس ، كان المراد من ابتغائهم الوسيلة ورجاء الرحمة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 338 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وخوف العذاب ظاهره المتبادر .
وإن كان المراد بهم أعم من ذلك حتى يشمل من كانوا يعبدونه من مردة الشياطين
وفسقة الإنسان كفرعون ونمرود وغيرهما ، كان المراد بابتغائهم الوسيلة إليه تعالى ما
ذكر من خضوعهم وسجودهم وتسبيحهم التكويني ( ! )
وكذا المراد من رجائهم وخوفهم لذواتهم . انتهى .
ثم ذكر ( رحمه الله ) وجوها أخرى في رجوع الضمائر ، ولم يتبن منها شيئا .

تفسير السنيين للآيتين الكريمتين

قال المحدثون والمفسرون السنيون إن المقصود ب‍ ( أولئك ) في الآية ،
المعبودون المزعومون من دون الله الذين يؤلههم بعض الناس ، فالمعبودون مؤمنون
يعبدون الله تعالى ويبتغون إليه الوسيلة . . . وعابدوهم مشركون .
ورووا عن ابن مسعود وابن عباس أن هؤلاء المعبودين من مؤمني الجن ، أو
الملائكة ، أو أنهم المسيح وعزير والشمس والقمر !
قال البخاري في صحيحه : 5 / 227 :
عن أبي معمر عن عبد الله ( ابن مسعود ) : إلى ربهم الوسيلة ، قال : كان ناس من
الإنس يعبدون ناسا من الجن ، فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم . زاد الأشجعي :
عن سفيان عن الأعمش : قل ادعوا الذين زعمتم .
باب أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة . . الآية :
عن أبي معمر عن عبد الله ( رضي الله عنه ) في هذه الآية : الذين يدعون يبتغون إلى ربهم
الوسيلة ، قال : ناس من الجن يعبدون ، فأسلموا .
- ورواه مسلم : 8 / 244 ، عن عبد الله أيضا ، وفيه قال : كان نفر من الإنس يعبدون
نفرا من الجن ، فأسلم النفر من الجن ، واستمسك الإنس بعبادتهم فنزلت : أولئك
الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة .
ورواه الحاكم بنحوه : 2 / 362 ، عن عبد الله أيضا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 339 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال السيوطي في الدر المنثور : 4 / 189 :
أخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، والبخاري ،
والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم ، وابن
مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل ، عن ابن مسعود ( رضي الله عنه ) في قوله : قل ادعوا الذين زعمتم
من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ، قال : كان نفر من الإنس يعبدون
نفرا من الجن فأسلم النفر من الجن وتمسك الإنسيون بعبادتهم ، فأنزل الله : أولئك
الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة . كلاهما بالياء .
وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي ، معا في الدلائل ، عن ابن
مسعود ( رضي الله عنه ) قال : نزلت هذه الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن ،
فأسلم الجنيون والنفر من العرب لا يشعرون ذلك .
وقال في الدر المنثور : 4 / 190 :
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود ( رضي الله عنه ) قال : كان قبائل من العرب يعبدون صنفا من
الملائكة يقال لهم الجن ، ويقولون هم بنات الله ، فأنزل الله : أولئك الذين يدعون . .
الآية .
وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما
في الآية قال : كان أهل الشرك يعبدون الملائكة والمسيح وعزيرا .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ،
عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : فلا يملكون كشف الضر عنكم ، قال : عيسى
وأمه وعزيز .
وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما
في قوله : أولئك الذين يدعون ، قال : هم عيسى وعزيز والشمس والقمر . انتهى .
وقال الفخر الرازي في تفسيره : 20 / 231 :
فنقول : إن قوما عبدوا الملائكة فنزلت هذه الآية فيهم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 340 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقيل إنها نزلت في الذين عبدوا المسيح وعزيرا .
وقيل إن قوما عبدوا نفرا من الجن فأسلم النفر من الجن ، فبقي أولئك من الناس
متمسكين بعبادتهم ، فنزلت هذه الآية . انتهى .
وعلى هذا المنوال نسج المفسرون الباقون . . ومنهم ابن تيمية ، الذي أهمل كغيره
أن الآية في مدح المتوسلين ، وأخذ منها ذم الذين الذين عبدوا المتوسلين !
قال في رسالة فتيا في نية السفر / 430
فالآية تتناول كل من دعا من دون الله من هو صالح عند الله من الملائكة والإنس
والجن ! قال تعالى : هؤلاء الذين دعوتموهم لا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ،
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون
عذابه ، إن عذاب ربك كان محذورا .
قال أبو محمد عبد الحق بن عطية في تفسيره : أخبر الله تعالى أن هؤلاء
المعبودين يطلبون التقرب إليه والتزلف إليه ، وأن هذه حقيقة حالهم ، والضمير في
ربهم للمبتغين أو للجميع ، والوسيلة هي القربة ، وسبب الوصول إلى البغية ، وتوسل
الرجل إذا طلب الدنو والنيل لأمر ما ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم من سأل
الله لي الوسيلة . . الحديث .
وهذا الذي ذكره ذكر سائر المفسرين نحوه ، إلا أنه برز به على غيره فقال : وأيهم
ابتداء وخبره أقرب ، وأولئك يراد بهم المعبودون ، وهو ابتداء وخبره يبتغون .
والضمير في يدعون للكفار ، وفي يبتغون للمعبودين ، والتقدير نظرهم وذكرهم أيهم
أقرب ! ! وهذا كما قال عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) في حديث الراية بخيبر فبات الناس
يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ؟ أي يتبارون في طلب القرب ! !
قال ( رحمه الله ) : وطفف الزجاج في هذا الموضع فتأمله .
ولقد صدق في ذلك فإن الزجاج ذكر في قوله أيهم أقرب وجهين كلاهما في غاية
الفساد . وقد ذكر ذلك عنه ابن الجوزي وغيره ، وتابعه المهدوي والبغوي وغيرهما ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 341 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولكن ابن عطية كان أقعد بالعربية والمعاني من هؤلاء وأخبر بمذهب سيبويه
والبصريين ، فعرف تطفيف الزجاج مع علمه ( رحمه الله ) بالعربية وسبقه ومعرفته بما يعرفه
من المعاني والبيان ! وأولئك لهم براعة وفضيلة في أمور يبرزون فيها على ابن عطية
لكن دلالة الألفاظ من جهة العربية هو بها أخبر ، وإن كانوا هم أخبر بشئ آخر من
المنقولات أو غيرها ! !
وقد بين سبحانه وتعالى أن المسيح وإن كان رسولا كريما فإنه عبد الله ، فمن عبده
فقد عبد ما لا ينفعه ولا يضره !
قال تعالى : لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم ، وقال المسيح يا بني
إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم ، إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه
النار ، وما للظالمين من أنصار . انتهى .

مناقشة تفسيرهم للآيات

يلاحظ على تفسيرهم للآيات :
أولا : أنهم ابتعدوا عن سياق الآية ومصبها ، وهو المقابلة بين المشركين الذين
يدعون من يزعمون ، وبين المؤمنين الذين يدعون ربهم ويبتغون إليه الوسيلة . .
فقد قال سبحانه لرسوله ( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف
الضر عنكم ولا تحويلا ) .
ثم مدح الذين يقابلونهم فقال ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة
أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ) . . .
فالسياق هو تحدي المشركين بأن آلهتهم المزعومة لا تستطيع أن تكشف الضر عنهم ،
وأنهم بالحقيقة لا يدعون من دون الله شيئا ، بل أوهاما . .
ثم قابلهم بالذين يدعون الله تعالى ويتوسلون إليه ، فهؤلاء الذين يدعون الحق
بحق ، وعبر عنهم بأولئك تعظيما لهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 342 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وبذلك تتم المقابلة وتكون ( أولئك ) استئنافا جديدا تاما ، والضمير فيها للشأن ،
ولا ربط له بالآية السابقة حتى يعود على شئ منها ، كما تمحلوا !
أما تفسيرهم فقد جعل التقابل بين المشركين وبين بعض من يعبدونهم من الأنبياء
. . وهو تقابل ضعيف بعيد لو سلم من الإشكالات فلا يتبادر إلى الذهن .
وقول الجبائي إن المقصود ب‍ ( أولئك ) هم الأنبياء المذكورون في الآية السابقة ،
أقرب من أقوالهم إلى الصحة ، ولكن لفظ ( أولئك ) مطلق شامل لكل العابدين لله ،
ولا دليل على حصره بالأنبياء ( عليهم السلام ) ، وإن كانوا سادتهم .
ثانيا : إرجاعهم ضمير ( أولئك ) إلى المعبودين المزعومين من دون الله خلاف
الظاهر ، لأن ضمير هؤلاء المزعومين خفي ، والضمير البارز فيها ضمير العابدين
المخاطبين ، فلو كان يريد المزعومين لقال ( أولئك الذين تدعونهم أو تزعمونهم ) أو
ذكر إشارة تدل على قصدهم ، وعدم قصد العابدين المخاطبين !
ثالثا : أن المعبودين المزعومين فيهم الصالح والطالح والجماد ، ففيهم الأنبياء مثل
عزير وعيسى ، وفيهم الملائكة والجن ، والشمس والقمر والنجوم والأصنام ، وبقية
المعبودات . . وصفات المدح ل‍ ( أولئك ) تمنع رجوع الضمير إلى المعبودين جميعا !
وكيف يصح عود الضمير على بعض العام المعهود بدون قرينة ؟ !
ولعمري إن هذا الضعف في ارجاع الضمائر لا وجود له في القرآن ؟ ! ! ولا في كلام
فصحاء العرب وهو كاف لتضعيف ما روي عن ابن مسعود وغيره !
رابعا : ما رووه عن ابن مسعود وغيره من أن قوما من العرب كانوا يعبدون الجن
فآمن الجن وبقي عبادهم مشركين . . الخ . . فنزلت الآية . .
هذه الوجوه ليست حديثا بل هي أقوال لو تم سندها لبقي تعارضها !
ولو سلمنا ارتفاع تعارضها ، فهي سبب لنزول الآية لا أكثر ، والسبب الخاص لا
يخصص الوارد العام ، وصيغة الآية عامة ( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه . . ) وهو
يشمل كل الذين زعموا فلا مبرر لتخصيصها ببعضهم !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 343 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خامسا : إن ضمير العاقل في ( أيهم أقرب ) ينقض تفسيرهم ، فقد جعلوا أيهم
بدل جزء من كل من الفاعل ، ليبعدوه عن المتوسل بهم ويجعلوه صفة للمتوسلين ،
فصار المعنى عندهم : يبتغي الوسيلة منهم من كان أقرب وسيلة إلى ربه ، فكيف
بالأبعد وسيلة ! !
وذلك كمن يقول ( أولئك يقاتلون عدوهم حقا أيهم أشجع من غيره ! ) ويقصد
القائل أن الأشجع منهم يقاتل ، فكيف بالأضعف ! ! وهو كلام بعيد عن البلاغة بل عن
الفصاحة حتى في كلام المخلوقين ، فلا يصح أن ينسبوه إلى كلام الخالق سبحانه ؟ ! !
ولعل هذا هو السبب في أن بعض مفسريهم كالفخر الرازي هرب من من تفسير (
أيهم أقرب ) ومر عنها كأنها لا وجود لها ! !
سادسا : أن ضمير ( أيهم ) يعود على ( أولئك ) وما داموا أرجعوا ضمير أولئك
على المعبودين المزعومين ، فيجب أن يرجعوا ضمير أيهم إليهم !
فيكون المعنى عندهم : أن المتوسل بهم الممدوحين هم من بين المعبودين
المزعومين ، فيكون التوسل بالأشخاص ممدوحا ، ويكون منحصرا بالأنبياء
المعبودين كعيسى وعزير ! وهذا خلاف مذهبهم ! !
سابعا : أن فعل ( يبتغون ) ينقض تفسيرهم ، لأنه يدل على البحث والتحري ،
ويطلب مفعولا ! و ( أيهم أقرب ) أقرب مفعول إليه ، فحق أي أن تكون منصوبة
على المفعولية ، لا مرفوعة بدلا عن الفاعل بدل جزء من كل كما زعموا !
ولكنهم أغمضوا عيونهم عن يبتغي وتركوه بلا مفعول ، ليحصروا التوسل
بالأعمال دون الذوات ! !
وهكذا . . يتضح لك أن التفسير الذي قدمناه هو الوحيد الخالي عن الإشكال . .
وهو نص في مشروعية التوسل بالأشخاص الأقرب وسيلة إلى الله ، وأنه من صفات
المؤمنين عبر التاريخ وسيرتهم . وهذا إقرار شرعي له في الإسلام .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 344 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وهو يتفق مع أحاديثنا الصحيحة التي تنص على أن الله تعالى جعل الوسيلة إليه
في هذه الأمة بل قبلها ، محمدا وآله صلى الله عليهم .

علي أقرب الخلق وسيلة إلى الله

أقرب الخلق وسيلة إلى الله تعالى هو سيد المرسلين محمد ومعه آله الذين أمرنا
بالصلاة عليهم معه ، صلى الله عليه وعليهم .
ولذلك لا تجد في جميع مصادر الحديث السنية والشيعية أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وصف
أحدا بأنه أقرب الخلق وسيلة إلى الله تعالى بعده ، إلا عليا ( عليه السلام ) ، وهي حقيقة مهمة !
شاء الله تعالى أن ترويها عائشة عن النبي صلى الله وآله ! !
قال القاضي النعمان في شرح الأخبار : 1 / 141 :
عن مسروق ، قال : دخلت على عائشة فقالت لي : يا مسروق : إنك من أبر ولدي
بي ، وإني أسألك عن شئ فأخبرني به .
فقلت : سلي يا أماه عما شئت .
قالت : المخدج من قتله ؟
قلت : علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
قالت : وأين قتله ؟
قلت على نهر يقال لأعلاه تامرا ، ولأسفله النهروان بين أحافيف ( أخافيق )
وطرق .
فقالت : لعن الله فلانا ، تعني عمرو بن العاص فإنه أخبرني أنه قتله على نيل مصر .
قال مسروق : يا أماه فإني أسألك بحق الله وبحق رسوله وبحقي فإني ابنك لما
أخبرتني بما سمعت من رسول الله فيهم .
قالت : سمعته يقول فيهم ( أهل النهروان ) : هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير
الخلق والخليقة ، وأقربهم إلى الله وسيلة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 345 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال مسروق : وكان الناس يومئذ أخماسا ، فأتيتها بخمسين رجلا عشرة من كل
خمس ، فشهدوا لها أن عليا قتله ! !
وفي هامشه :
وفي المناقب لابن شهرآشوب 3 / 67 : عن الداري بإسناده عن الأصبغ بن نباتة
وعن جميع التميمي كليهما عن عائشة : أنها لما روت هذا الخبر ، قيل لها : فلم
حاربتيه ؟ قالت : ما حاربته من ذات نفسي إلا حملني طلحة والزبير . وفي رواية : أمر
قدر وقضاء غلب .
- ذكر فضل بن شاذان المتوفى 260 ه‍ في الإيضاح / 86 : عن أبي خالد الأحمر عن
مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت : لعن الله عمرو بن العاص ما أكذبه
لقوله : أنه قتل ذا الثدية بمصر .
وروى البحراني في غاية المرام / 451 الباب الأول الحديث 21 نقلا من كتاب صفين
للمدائني عن مسروق : أن عائشة قالت له - لما عرفت - : من قتل ذي الثدية ؟ لعن الله
عمرو بن العاص فإنه كتب إلي يخبرني أنه قتله بالإسكندرية إلا أنه ليس يمنعني ما
في نفسي أن أقول ما سمعته من رسول الله ، سمعته يقول : يقتله خير أمتي من بعدي .
ورواه في شرح الأخبار : 1 / 430 ، وفي هامشه :
رواه ابن المغازلي في المناقب / 55 عن أحمد بن محمد بن عبد الوهاب بن طاوان ،
عن الحسين بن محمد العلوي ، عن أحمد بن محمد الجواربي ، عن أحمد بن حازم ،
عن سهل بن عامر البجلي عن أبي خالد الأحمر ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن
مسروق قال : قالت عائشة : يا مسروق إنك من ولدي ، وإنك من أحبهم إلي ، فهل
عندك علم من المخدج ؟
قال : قلت : نعم ، قتله علي بن أبي طالب على نهر يقال لأعلاه تامرا ولأسفله
النهروان ، بين أحفاق وطرقاء .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 346 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قالت : إبغني على ذلك بينة ، فأتيتها بخمسين رجلا من كل خمسين بعشرة - وكان
الناس إذ ذاك أخماسا - يشهدون أن عليا ( عليه السلام ) قتله على نهر يقال لأعلاه تأمرا ولأسفله
النهروان بين أخفاق وطرقاء .
فقلت : يا أمة ، أسألك بالله وبحق رسول الله وبحقي - فإني من ولدك - أي شئ
سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول فيه ؟
قالت : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : هم شر الخلق والخليفة ، يقتلهم خير الخلق
والخليقة ، وأقربهم إلى الله وسيلة . انتهى .
ورواه في شرح الأخبار : 2 / 59 ، وفيه :
قال : ثم ذكرت لها أن عليا ( عليه السلام ) استخرج ذا الثدية من قتلى أهل النهروان الذين
قتلهم ، فقالت : إذا أتيت الكوفة فاكتب إلي بأسماء من شهد ذلك ممن يعرف من
أهل البلد .
قال : فلما قدمت الكوفة ، وجدت الناس أسباعا ، فكتبت من كل سبع عشرة ممن
شهد ذلك - ممن نعرفه - فأتيتها بشهادتهم .
فقالت : لعن الله عمرو بن العاص ، فإنه زعم هو قتله على نيل مصر . انتهى .
وقال المفيد في الإرشاد : 1 / 317
وقال ( عليه السلام ) وهو متوجه إلى قتال الخوارج : لولا أني أخاف أن تتكلوا وتتركوا العمل
لأخبرتكم بما قضاه الله على لسان نبيه 7 فيمن قاتل هؤلاء القوم مستبصرا بضلالتهم .
وإن فيهم لرجلا مودون اليد له ثدي كثدي المرأة ، وهم شر الخلق والخليقة وقاتلهم
أقرب خلق الله إلى الله وسيلة .
ولم يكن المخدج معروفا في القوم ، فلما قتلوا جعل ( عليه السلام ) يطلبه في القتلى ويقول :
والله ما كذبت ولا كذبت ! حتى وجد في القوم ، وشق قميصه وكان على كتفه سلعة
كثدي المرأة عليها شعرات إذا جذبت انجذبت كتفه معها ، وإذا تركت رجع كتفه
إلى موضعه ، فلما وجده كبر وقال : إن في هذا لعبرة لمن استبصر .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 347 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي بحار الأنوار : 38 / 9
تاريخ الخطيب : روى الأعمش ، عن عدي ، عن زر ، عن عبيد الله ، عن علي ( عليه السلام )
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من لم يقل علي خير الشر فقد كفر .
وعنه في التاريخ بالإسناد عن علقمة عن عبد الله قال : رسول الله صلى الله عليه وآله : خير
رجالكم علي بن أبي طالب ، وخير شبابكم الحسن والحسين ، وخير نسائكم فاطمة
بنت محمد . الطبريان في الولاية والمناقب بإسنادهما إلى مسروق عن عائشة :
سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة
وأقربهم إلى الله وسيلة أي المخدج وأصحابه .
وفي هامش اختيار معرفة الرجال : 1 / 239
ومن المتفق عليه لدى الجميع أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال في المخدج ذي الثدية :
يقتله خير الخلق والخليفة ،
وفي رواية يقتله خير هذه الأمة . وفي روايات جمة عن عائشة قالت : سمعت
النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول : هم - أي المخدج وأصحابه - شر الخلق والخليقة ، يقتله خير الخلق
والخليقة ، وأقربهم إلى الله وسيلة .
رواه الحافظ نور الدين في مجمع الزوائد 6 / 239 ، راجع في ذلك :
إحقاق الحق : 8 / 475 - 522 ومسلم في صحيحه 3 / 112 طبعة محمد علي وأحمد
بن حنبل في مسنده 3 / 56 والبخاري في صحيحه 4 / 200 الطبعة الأميرية . والنسائي في
الخصائص : 43 طبعة مصر
ومن طرق عديدة عنها عنه ( صلى الله عليه وآله ) ، هم شر الخلق والخليفة يقتلهم سيد الخلق
والخليفة ، وفي أخبار كثيرة أنه ( صلى الله عليه وآله ) قال لعلي ( عليه السلام ) : وإنك أنت قاتله يا علي .
ثم قد أطبقت الأمة على أن عليا ( عليه السلام ) قد قتله يوم النهروان وأخبر الناس بذلك
وقد كان ( عليه السلام ) يخبر به وبصفته من قبل ، ثم استخرجه من تحت القتلى فوجدوه على
ما كان يذكر فيه من صفته ، فكبر الله وقال : صدق الله ورسوله وبلغ رسوله .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 348 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما من صحاحهم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال فيه : إن
له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يقرؤون الكتاب
لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية يخرجون على
خير فرقة من الناس .
وكان أبو سعيد الخدري يقول ، أشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وقتلهم وأنا معه ، ثم من بعد القتال استخرجوا
من بين القتلى من هذه صفته فجاؤوا به إليه ، فشاهدت فيه تلك الصفات . انتهى .

الترابط بين الوسيلة والوصية

في بصائر الدرجات / 216 :
حدثنا أبو الفضل العلوي قال : حدثني سعيد بن عيسى الكربزي البصري ، عن
إبراهيم بن الحكم بن ظهير ، عن أبيه ، عن شريك بن عبد الله ، عن عبد الأعلى
الثعلبي ، عن أبي تمام ، عن سلمان الفارسي ( رحمه الله ) ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في قول الله
تبارك وتعالى : قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ، فقال : أنا
هو الذي عنده علم الكتاب ، وقد صدقه الله وأعطاه . والوسيلة في الوصية ولا تخلو
أمة من وسيلة إلى الله ، فقال : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة .
الشيعة وسيلة إلى الله يوم القيامة
في علل الشرائع : 2 / 564 :
باب العلة التي من أجلها يكره تكليف المخالفين للحوائج :
حدثنا أبي قال : حدثنا أحمد بن إدريس عن حنان قال سمعت أبا جعفر ( عليه السلام )
يقول : لا تسألوهم فتكلفونا قضاء حوائجهم يوم القيامة .
وبهذا الإسناد قال : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : لا تسألوهم الحوائج فتكونوا لهم الوسيلة
إلى رسول الله يوم القيامة . انتهى . ورواه في في بحار الأنوار : 8 / 55 :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 349 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

ما ورد في مصادرهم من تشويش على الأحاديث المتقدمة

وفي مقابل رواية عائشة عن شهادة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حق علي ( عليه السلام ) نلاحظ وجود
رواية أكثرت من نقلها المصادر السنية تصف عبد الله بن مسعود بأنه أقرب الناس أو
من أقربهم وسيلة إلى الله !
ولكنها والحمد لله ليست رواية عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، بل عن حذيفة ! !
وحتى لو صحت عن حذيفة وفسرناها بأي تفسير ، فهي لا ترقى إلى معارضة
حديث عائشة وغيرها في علي ( عليه السلام ) .
وإن أحسنا الظن بروايتهم عن ابن مسعود فهي تدل على أن مصطلح ( الأقرب وسيلة إلى الله
تعالى ) كان معروفا بين المسلمين من عصر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وأن حذيفة أو واضع
الحديث على لسانه أراد أن يمدح به عبد الله بن مسعود .
وإن أسأنا الظن بروايتهم ، فهي محاولة للتعتيم على الحديث النبوي البليغ في
علي ( عليه السلام ) ، وإعطاء هذه الصفة لعبد الله بن مسعود ! وطالما فعلوا ذلك
روى أحمد في مسنده : 5 / 394 :
عن شقيق قال كنت قاعدا مع حذيفة فأقبل عبد الله بن مسعود فقال حذيفة إن
أشبه الناس هديا ودلا برسول الله صلى الله عليه وسلم من حين يخرج من بيته حتى
يرجع فلا أدري ما يصنع في أهله كعبد الله بن مسعود والله لقد علم المحفوظون من
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن عبد الله من أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة .
- وروى نحوه الحاكم في : 2 / 312 ، ورواه في : 3 / 315 ، وقال : هذا حديث صحيح
على شرط الشيخين ولم يخرجاه . انتهى .
ومن الملفت في الموضوع أن الراوي . . . نفى القسم الأخير من النص وقال
إنه لم يسمعه من عبد الرحمن بن يزيد !
وأن عبد الله بن مسعود كان قصيرا صغيرا الجثة جدا فكيف يكون شبيها سمتا
ودلا بالنبي ص
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 350 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال أحمد في مسنده : 5 / 395 :
ولم نسمع هذا من عبد الرحمن بن يزيد لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد
صلى الله عليه وسلم أن ابن أم عبد من أقربهم إلى الله عز وجل وسيلة ! !
وفي الغدير : 9 / 9 :
أخرج الترمذي بإسناد رجاله ثقات من طريق حذيفة بن اليمان : أن أشبه الناس
هديا ودلا وسمتا بمحمد صلى الله عليه وسلم عبد الله .
وفي لفظ البخاري : ما أعرف أحدا أقرب سمتا وهديا ودلا برسول الله صلى الله
عليه وسلم من ابن أم عبد .
وزاد الترمذي : ولقد علم المحفوظون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن ابن أم عبد أقربهم إلى الله زلفى .
وفي لفظ أبي نعيم : أنه من أقربهم وسيلة يوم القيمة .
وفي لفظ أبي عمر : سمع حذيفة يحلف بالله ما أعلم أحدا أشبه دلا وهديا
برسول الله من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه من عبد الله بن مسعود ، ولقد
علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنه من أقربهم وسيلة إلى
الله يوم القيامة .
وفي لفظ علقمة : كان يشبه بالنبي في هديه ودله وسمته .
راجع صحيح البخاري كتاب المناقب . مسند أحمد 5 : 389 ، المستدرك 3 : 315 ، 320
حلية الأولياء 1 : 126 ، 127 ،
الإستيعاب 1 : 372 ،
مصابيح السنة 2 : 283 ،
صفة الصفوة 1 : 156 ، 158 ،
تاريخ ابن كثير 2 : 162 ،
تيسير الوصول 3 : 297
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 351 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الإصابة 2 : 369
كنز العمال 7 : 55 . انتهى .
وقد ذكرنا أن هذا لنص حتى لو صح عن حذيفة ، فهو لا يصلح معارضا ولا مقللا
من قيمة الحديث الشريف الذي روته عائشة وغيرها في أن عليا ( عليه السلام ) أقرب الخلق
وسيلة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

آيات مؤيدة لآيات التوسل :

وردت آيات متعددة في طلب المؤمنين من الأنبياء ( عليهم السلام ) أن يتوسطوا لهم عند الله
تعالى ، ويدعوه لهم بالمغفرة وبالخير . . وهذا نوع من التوسيط يدل على أن باب
الطلب من الله تعالى بواسطة الغير أمر طبيعي في دين الله تعالى وشرائعه !
وأنه لو كان التوسيط منافيا للتوحيد كما يزعم ابن تيمية ، لوجب أن يطلب كل إنسان
لنفسه بنفسه مباشرة ، ووجب تحريم كل طلب من الله تعالى بواسطة ! ! إذ لا فرق في
أصل الواسطة بين التوسط والتوسل بدعاء الغير وبين أنواع التوسيط الأخرى !
منها ، قوله تعالى :
قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين . قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو
الغفور الرحيم . يوسف - 98
وروى الصدوق في علل الشرائع : 1 / 54 :
حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ( رضي الله عنه ) قال : حدثنا أحمد بن محمد
بن سعيد الهمداني مولى بني هاشم قال : أخبرنا المنذر بن محمد قال : حدثنا
إسماعيل بن إبراهيم الخزاز ، عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : قلت لجعفر بن
محمد ( عليه السلام ) : أخبرني عن يعقوب لما قال له بنوه : يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا
خاطئين ، قال سوف أستغفر لكم ربي ، فأخر الاستغفار لهم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 352 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ويوسف ( عليه السلام ) لما قالوا له : تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين ؟ قال : لا تثريب
عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين .
قال : لأن قلب الشاب أرق من قلب الشيخ ، وكانت جناية ولد يعقوب على
يوسف ، وجنايتهم على يعقوب إنما كانت بجنايتهم على يوسف ، فبادر يوسف إلى
العفو عن حقه ، وأخر يعقوب العفو لأن عفوه إنما كان عن حق غيره ، فأخرهم إلى
السحر ليلة الجمعة .
ورواه وغيره في تفسير نور الثقلين : 2 / 465
وفي تفسير التبيان : 6 / 195 :
وروي عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أنه قال : أخرهم إلى ليلة الجمعة . وقال ابن مسعود
وإبراهيم التيمي ، وابن جريج وعمر وبن قيس : إنه أخرهم إلى السحر ، لأنه أقرب
إلى إجابة الدعاء . انتهى .
- وروى نحوه الترمذي في سننه : 5 / 223 ، عن ابن عباس ، والحاكم : 1 / 316 ، والدر
المنثور : 4 / 36 ، وكنز العمال : 2 / 59 ، وغيرها .
ومنها ، قوله تعالى :
ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا
الرجز لنؤمن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل . الأعراف - 134
وقد قبل موسى ( عليه السلام ) طلبهم ، ودعا الله لهم ، فدل ذلك قبوله على أنه طلبهم
بواسطته أمر مشروع إلى آخر الآيات التي والأحاديث التي تدل على توسيط الغير مع
الله تعالى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 353 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الخامس : شذوذ الوهابيين عن إجماع المسلمين في التوسل والاستشفاع

من المسائل التي شذ فيها ابن تيمية وتبعه ابن عبد الوهاب ، تحريم السفر لزيارة
النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، بل تحريم الزيارة نوي لها السفر !
وكذلك تحريم التوسل والاستشفاع به ( صلى الله عليه وآله ) ، بحجة أنه ميت ولا يجوز التوسل
بالميت .
وكذا تحريم الاستغاثة به ( صلى الله عليه وآله ) لأن المستغيث بزعمه يعبد المستغاث به . . الخ . ! !
قال الشيخ محمود سعيد ممدوح في كتابه رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل
والزيارة - المطبوع في دار الإمام النووي بعمان - سنة 1416 :
وهو - التوسل - السؤال بالنبي أو بالولي أو بالحق أو بالجاه أو بالحرمة أو بالذات
وما في معنى ذلك .
وهذا النوع لم ير المتبصر في أقوال السلف من قال بحرمته أو أنه بدعة ضلالة ، أو
شدد فيه وجعله من موضوعات العقائد ، كما نرى الآن .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 354 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لم يقع هذا إلا في القرن السابع وما بعده ! وقد نقل عن السلف توسل من هذا
القبيل .
قال ابن تيمية في ( التوسل والوسيلة ) ( ص 98 ) : هذا الدعاء ( أي الذي فيه توسل بالنبي
صلى الله عليه وسلم ) ونحوه قد روي أنه دعا به السلف ونقل عن أحمد بن حنبل
في منسك المروزي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء . ا ه‍ ، ونحوه في
( ص 155 ) من الكتاب المذكور .
وقال في ( ص 65 ) : ( والسؤال به ( أي بالمخلوق ) فهذا يجوزه طائفة من الناس ، ونقل
في ذلك آثار عن بعض السلف ، وهو موجود في دعاء كثير من الناس . ) ا ه‍ .
وذكر أثرا فيه التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم لفظه : ( اللهم إني أتوجه إليك
بنبيك محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم تسليما . يا محمد إني أتوجه بك إلى
ربك وربي يرحمني مما بي ) .
قال ابن تيمية : فهذا الدعاء ونحوه روى أنه دعا به السلف ، ونقل عن أحمد بن
حنبل في منسك المروزي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء . ا ه‍ .
وهذا هو نص عبارة أحمد بن حنبل ، فقال في منسك المروزي بعد كلام ما نصه :
وسل الله حاجتك متوسلا إليه بنبيه صلى الله عليه وسلم ، تقض من الله عز وجل . ا ه‍
. هكذا ذكره ابن تيمية في الرد على الأخنائي ص 168 ! !
والتوسل به صلى الله عليه وسلم معتمد في المذاهب ومرغب فيه نص على
ذلك الأئمة الأعلام ، وكتب التفسير والحديث والخصائص ودلائل النبوة والفقه
طافحة بأدلة ذلك بدون تحريم وهي بكثرة . . .
كان ابن تيمية يرى منع التوسل بالأنبياء والملائكة والصالحين ، وقال : التوسل
حقيقته هو التوسل بالدعاء - دعاء الحي فقط - وذكر ذلك في مواضع من كتابه التوسل
والوسيلة ص 169 . انتهى كلام الممدوح .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 355 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال ابن تيمية في كتابه زوار المقابر / 433 :
قال عامة المفسرين كابن عباس ومجاهد وعطاء والفراء : الوسيلة القربة ، قال
قتادة : تقربوا إلى الله بما يرضيه .
قال أبو عبيدة : توسلت إليه أي تقربت .
وقال عبد الرحمن بن زيد : تحببوا إلى الله .
والتحبب والتقرب إليه إنما هو بطاعة رسوله ، فالإيمان بالرسول وطاعته هو
وسيلة الخلق إلى الله ، ليس لهم وسيلة يتوسلون بها البتة إلا الإيمان برسوله وطاعته .
وليس لأحد من الخلق وسيلة إلى الله تبارك وتعالى إلا بوسيلة الإيمان بهذا
الرسول الكريم وطاعته .
وهذه يؤمر بها الإنسان حيث كان من الأمكنة وفي كل وقت . وما خص من
العبادات بمكان كالحج ، أو زمان كالصوم والجمعة ، فكل في مكانه وزمانه .
وليس لنفس الحجرة من داخل فضلا عن جدارها من خارج اختصاص بشئ في
شرع العبادات ولا فعل شئ منها ، فالقرب من الله أفضل منه بالبعد عنه باتفاق
المسلمين ، والمسجد خص بالفضيلة في حياته صلى الله عليه وسلم ، قبل وجود
القبر . فلم تكن فضيلة مسجده لذلك ، ولا استحب هو صلى الله عليه وسلم ولا أحد
من أصحابه ، ولا علماء أمته أن يجاور أحد عند قبر ولا يعكف عليه ، لا قبره المكرم
ولا قبر غيره ، ولا أن يقصد السكنى قريبا من قبر أي قبر كان .
وسكنى المدينة النبوية هو أفضل في حق من تتكرر طاعته لله ورسوله فيها أكثر
كما كان الأمر لما كان الناس مأمورين بالهجرة إليها فكانت الهجرة إليها والمقام بها
أفضل من جميع البقاع مكة وغيرها .
بل كان ذلك واجبا من أعظم الواجبات ، فلما فتحت مكة قال النبي صلى الله
عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية ، وكان من أتى من أهل مكة وغيرهم
ليهاجر ويسكن المدينة يأمره أن يرجع ! انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 356 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وخلاصة كلامه : أن التوسل محصور بالإيمان بالرسول وطاعته ، وبدعائه في
حال حياته .
أما التوسل به في حياته وبعد موته ، ومجاورة قبره الشريف والعكوف عنده ،
فليس من الطاعة ، لأن الصحابة لم يفعلوه . والأصل في كل ما لم يفعلوه عدم
المشروعية ، حتى يقوم عليه دليل !
وهو كما ترى تحكم لا دليل عليه :
فحصره التوسل المأمور به في القرآن بالإيمان بالرسول وطاعته ، لا دليل عليه
وكذلك لا دليل على ميزانه فيما جعله جزء من الإيمان بالرسول أو نفى جزئيته ، عنه ، لا دليل عليه
وكذا ما جعله طاعة للرسول أو نفى كونه طاعة له !
فلماذا لا يكون التوسل بزيارة قبره ( صلى الله عليه وآله ) والتبرك به والسكنى عنده من الإيمان به ،
ومن طاعته ( صلى الله عليه وآله ) ؟ ! !
ثانيا ، دعوى أن القاعدة والأصل في الأشياء الحرمة حتى تثبت حليتها ، لا دليل
عليه أيضا . بل الأصل في الأشياء الحلية حتى يثبت دليل الحرمة ويصل إلى المكلف ،
فقد قال الله تعالى ( وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ) .
ثالثا ، دعوى أن كل ما لم يفعله الصحابة فهو حرام حتى يقوم عليه دليل ، تحكم
بلا دليل أيضا ، فإن كثيرا من الأمور لم يفعلها الصحابة وهي حلال حتى بفتوى ابن
تيمية ، كالوسائل المعيشية المتجددة ! !
وقد ألف الحافظ الصديق المغربي رسالة في عدم دلالة الترك على التحريم ، كما
ذكر تلميذه الممدوح .
أما عندنا فإن فعل الصحابي ليس حجة إذا لم يكن معصوما ، فضلا عن تركه !

تلبيس ابن تيمية لتحريم التوسل والاستشفاع

يفترض ابن تيمية مسبقا أن المتوسل أو المستغيث بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ( يدعوه ) أي
يطلب منه ، لا من الله تعالى !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 357 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وهذا مصادرة على المطلوب وتبطين الحكم المتنازع فيه في لفافة على أنه جزء
من مقدمة مسلمة عند الطرف الآخر !
فابن تيمية يقول للمتوسل أو المستغيث : إنك اعترفت أنك دعوت الرسول أو
الولي بدل الله ! ! فأنت إذن كافر ! !
مع أن المتوسل لم يدع النبي بدل الله تعالى ! بل توسل به واستغاث به واستشفع
به إلى الله تعالى ! !
ومثال ذلك في أمور الدنيا : أن يتوسل شخص إلى رئيس مكتب الملك ، ليتوسط
له عند الملك !
فيقول له ابن تيمية : إنك تعديت على شرعية الملك ، وجعلت الملك الشرعي
رئيس مكتبه ! وهذا خروج على الملك ونظامه ، تستحق به الإعدام ! !
وقد حاول ابن تيمية أن يستدلوا على هذه المصادرة المفضوحة فقالوا : إن المستغيث
يطلب من الرسول أو الولي ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى ، وهذا يستلزم أنه يؤلهه ! !
ولكن هذا اللزوم ممنوع .
بل هو على مذهبهم ممنوع حتى لو صحت الملازمة ، لأنهم يزعمون أن لازم
المذهب ليس بمذهب ! !
- قال الشيخ سليمان حفيد ابن عبد الوهاب في تيسير العزيز الحميد ص 209 :
فحديث الأعمى شئ ، ودعاء غير الله تعالى والاستغاثة به شئ آخر .
فليس في حديث الأعمى شئ غير أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن
يدعو له ويشفع له ، فهو توسل بدعائه وشفاعته ، ولهذا قال في آخره : اللهم فشفعه
في .
فعلم أنه شفع له . وفي رواية أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له .
فدل الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم شفع له بدعائه ، وأن النبي صلى الله
عليه وسلم أمره هو أن يدعو الله ، ويسأله قبول شفاعته .
فهذا من أعظم الأدلة أن دعاء غير الله شرك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 358 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أن يسأل قبول شفاعته ، فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعى ، ولأنه
صلى الله عليه وسلم لم يقدر على شفائه إلا بدعاء الله له . فأين هذا من تلك الطوام ؟ !
والكلام إنما هو في سؤال الغائب أو سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله .
أما أن تأتي شخصا يخاطبك فتسأله أن يدعو لك فلا إنكار في ذلك على ما في
حديث الأعمى .
فالحديث سواء كان صحيحا أو لا ، وسواء ثبت قوله فيه يا محمد أو لا ، لا يدل علي
سؤال الغائب ولا على سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله ، بوجه من وجوه
الدلالات . ومن ادعى ذلك فهو مفتر على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ! ! انتهى .
فتراه يشكك في حديث الأعمى الذي صححه علماء المذاهب ، وقبله إمامه ابن
تيمية ، ثم تراه يفترض أن المستشفع ( يدعو ) النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ويطلب من النبي نفسه ما
لا يقدر عليه إلا الله تعالى ! ! كل ذلك ليثبت أن المسلم المستغيث إلى الله برسوله
قد كفر واستبدل عبادة الله
بعبادة الرسول ! ويستحل بذلك دمه وماله ! !
وإن سألته عن دليله على أن المتوسلين والمستشفعين يدعون الرسول من دون
الله . . فإنك تطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى ، وتكون على مذهبه عبدته من
دونه تعالى ! ! !

غرض ابن تيمية من نقل التوسل من فروع الفقه إلى أصول العقائد !

ماذا يحدث لو نقلنا مادة جزائية من القانون التجاري إلى مواد القانون الجنائي ، أو
إلى مواد مخالفات الدستور ، ومحكمة أمن الدولة ؟
طبعا سيكون الفرق على مرتكبها كبيرا ، لأن التهمة الجنائية أصعب من التهمة
الجزائية ، وأصعب منهما تهمة الاخلال بالدستور ! !
إن ما فعله ابن تيمية من اتهام المتوسلين بمخالفة الشرع ، شئ لا يذكر أمام نقله
تهمتهم إلى الاخلال بأصول الدين وارتكاب الشرك ! ! وبذلك حكم عليهم بالكفر
واستحل قتلهم وأعراضهم وأموالهم ! ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 359 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فبدل أن يقول مثلا إنهم مخلصون ولكنهم يتخيلون أنهم يتقربون إلى الله بالتوسل
بالنبي الميت ، فهم مخطئون يرتكبون معصية ! قال إنهم يشركون بالله ويستحقون
القتل ! !
وهكذا ، كانت مسألة التوسل والاستشفاع والاستغاثة لمدة ثمانية قرون
مسألة فقهية ، وكان فقهاء المذاهب الأربعة ، والخمسة والستة ، يبحثونها في باب
الحج والزيارة ، فيذكرون صورها ، ويفتي مفتيهم بجواز بعض فروعها
وحرمة بعضها ، أو التوقف فيه . . حتى عالم حراني نصبه الحاكم الشركسي
المصري لمدة قليلة شيخا للإسلام في الشام ، فأبدع في عمله أيما إبداع ، وقدم
للأجيال أكبر خدمة ، فكفر
مسلمي عصره والعصور المتقدمة ، لأنهم يتوسلون
بنبيهم الميت ! ! !

هل تراجع ابن تيمية أمام القاضي أو في سجنه عن تحريم التوسل ؟ !

المعروف عن ابن تيمية أنه تراجع عن تحريم التوسل ، عندما عقدوا له مجلس
علماء لمناقشة آرائه الشاذة ، ومنها تحريم التوسل بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ! !
وقد اعتمد الذين نسبوا إليه هذا القول على أمرين :
الأول ، ما اعترف به في مصر ، حيث عرف عنه اعتقاده بعدم جواز التوسل
والاستشفاع بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) فاستنكر المسلمون ذلك ، وعقد القضاة مجلسا للنظر في قوله . .
قال السقاف في كتابه ( البشارة والإتحاف بما بين ابن تيمية والألباني في العقيدة
من الاختلاف )
13 - فصل : أما مسألة التوسل فقد اختلف آراء دعاة السلفية فيه بشكل ملحوظ
مع أن الموجودين في الساحة منهم اليوم يقولون بأن هذه المسألة من مسائل العقائد
وليست كذلك قطعا .
أما ابن تيمية فقد أنكر في كتابه ( قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ) التوسل -
ومرادنا التوسل بالذوات - ثم رجع عن ذلك كما نقل تلميذه ابن كثير في ( البداية
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 360 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والنهاية ) 14 / 45 حيث قال : قال البرزالي : وهو الحافظ أبو محمد القاسم بن البهاء
محمد الدمشقي البرزالي ترجم في طبقات الحفاظ للسيوطي ص 256 ) : وفي شوال
منها شكى الصوفية بالقاهرة على الشيخ تقي الدين - وكلموه في ابن عربي وغيره -
إلى الدولة فردوا الأمر في ذلك إلى القاضي الشافعي ، فعقد له مجلس وادعى عليه
ابن عطاء بأشياء فلم يثبت عليه منها شئ ، لكنه قال : لا يستغاث إلا بالله ، لا يستغاث
بالنبي استغاثة بمعنى العبارة - ولعلها العبادة - ولكن يتوسل به ويتشفع به إلى الله ،
فبعض الحاضرين قال ليس عليه في هذا شئ ، ورأى القاضي بدر الدين بن جماعة
أن هذا فيه قلة أدب ) انتهى . فتأمل ! !
وأما الشوكاني فقد أجاز التوسل في كتابه ( تحفة الذاكرين ) كما يعلم ذلك
القاصي والداني ، ففي صحيفة ( 37 ) من كتاب الشوكاني ( تحفة الذاكرين ) ( طبع دار
الكتب العلمية ) عقد بابا سماه : ( وجه التوسل بالأنبياء وبالصالحين ) ثم قال : ) (
قوله ويتوسل إلى الله سبحانه بأنبيائه والصالحين ) أقول : ومن التوسل بالأنبياء ما
أخرجه الترمذي . انتهى .
وأصرح من هذا ما ذكره الشوكاني ص ( 138 ) في ( باب صلاة الضر والحاجة ) حيث
قال ما نصه : ( وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله إلى الله عز وجل مع
اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى ) انتهى .
وقد نص الشوكاني أيضا على جواز التوسل ، ورد على ابن تيمية في كتابه ( الدر
النضيد في إخلاص كلمة التوحيد ) فليرجع إليه من شاء .
وأما الألباني فمنع ذلك واعتبره من الضلال في كتابه ( التوسل أنواعه وأحكامه )
كما هو مشهور ومعلوم ، مع أنه قال في مقدمة ( شرح الطحاوية ) ص ( 60 الطبعة 8 ) إن
مسألة التوسل ليست من مسائل العقيدة ، وهذا خلاف ما يقوله كثير من أدعياء
السلفية . فتأملوا يا ذوي الأبصار ! ! انتهى كلام السقاف .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 361 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والأمر الثاني ، ما كتبه في رسالة ، من سجنه ، حيث قال في ص 16 :
وكذلك مما يشرع التوسل به في الدعاء كما في الحديث الذي رواه الترمذي
وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم شخصا أن يقول : اللهم إني أسألك
وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة . يا محمد يا رسول الله ، إني أتوسل بك إلى
ربي في حاجتي ليقضيها . اللهم فشفعه في .
فهذا التوسل به حسن ، وأما دعاؤه والاستغاثة به فحرام !
والفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين . المتوسل إنما يدعو الله ويخاطبه
ويطلب منه لا يدعو غيره إلا على سبيل استحضاره لا على سبيل الطلب منه . وأما
الداعي والمستغيث فهو الذي يسأل المدعو ويطلب منه ويستغيثه ويتوكل عليه . انتهى .
والذي وصلت إليه أن ابن تيمية لم يغير رأيه في التوسل ، ولكنه استعمل
عبارات مبهمة ليرضي بها قضاة الدولة والناقمين عليه من الناس !
ومهما يكن ، فقد أخطأ ابن تيمية بتحريمه الاستغاثة أيضا ، لأنها معناها طلب الغوث أي
العون من شخص ، وهو لا يعني أن المستغيث به يعبده ، فحكمها حكم الاستعانة
والنداء والتوسل ، بدون فرق !
قال ابن السكيت في إصلاح المنطق / 29
يقال : قد استغاثني فلان فأغثته ، وقد غاث الله البلاد يغيثها غيثا ، إذا أنزل بها
الغيث وقد غيثت الأرض تغاث ، وهي أرض مغيثة ومغيوثة .
وقال الراغب في المفردات / 379
ويقال فزع إليه إذا استغاث به عند الفزع ، وفزع له أغاثه . انتهى .
فزعم ابن تيمية أنك عندما تقول ( يا رسول الله أغثني ) فإنك تعبده من دون الله
تعالى ! تصور باطل ، لأن معنى الاستعانة والاستغاثة لا يعطي ذلك ، ولا المستعين
والمستغيث ينويه ، ولا يعتقده ! بل المستغيث كالمتوسل ينويان طلب توسط
الرسول إلى الله تعالى ، فلا فرق بينهما حتى يحل أحدهما ويحرم الآخر !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 362 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

علماء المذاهب الإسلامية يردون على شذوذ ابن تيمية !

رد علماء المذاهب على آراء ابن تيمية في التجسيم وتحريم السفر إلى زيارة
قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وتحريم التوسل والاستشفاع به ، وألفوا فيها كتبا عديدة ، من عصر
ابن تيمية إلى عصر ابن عبد الوهاب . . وإلى يومنا .
ولا يتسع المجال هنا إلا لعرض نماذج مختصرة منها .

نماذج من ردهم على مذهب ابن تيمية :

- قال ابن عابدين في حاشية رد المحتار : 6 / 716 :
نعم ذكر العلامة المناوي في حديث : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي
الرحمة ، عن العز بن عبد السلام أنه ينبغي كونه مقصورا على النبي ( ص ) وأن لا
يقسم على الله بغيره ، وأن يكون من خصائصه .
قال : وقال السبكي يحسن التوسل بالنبي إلى ربه ، ولم ينكره أحد من السلف ،
ولا الخلف إلا ابن تيمية ، فابتدع ما لم يقله عالم قبله . اه
ونازع العلامة ابن أمير حاج في دعوى الخصوصية ، وأطال الكلام على ذلك في
الفصل الثالث عشر ، آخر شرحه على المنية ، فراجعه .
وقال الشربيني في مغني المحتاج : 1 / 184
خاتمة : سئل الشيخ عز الدين هل يكره أن يسأل الله بعظيم من خلقه كالنبي
والملك والولي ؟ فأجاب بأنه جاء عن النبي ( ص ) أنه علم بعض الناس : اللهم إني
أقسم عليك بنبيك محمد نبي الرحمة . . الخ . فإن صح فينبغي أن يكون مقصورا عليه
عليه لا لصلاة والسلام ، لأنه سيد ولد آدم ، ولا يقسم على الله بغيره من الأنبياء
والملائكة ، لأنهم ليسوا في درجته ، ويكون هذا من خواصه . اه . والمشهور أنه لا
يكره شئ من ذلك .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 363 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال الشرواني في حواشيه : 2 / 108 :
وفي ع ش بعد ذكر كلام الشيخ عز الدين ما نصه : فإن قلت : هذا قد يعارض ما في
البهجة وشرحها لشيخ الإسلام ، والأفضل استسقاؤهم بالأتقياء لأن دعاءهم أرجى
للإجابة الخ .
قلت : لا تعارض لجواز أن ما ذكره العز مفروض فيما لو سأل بذلك على صورة
الأزلام ، كما يؤخذ من قوله : اللهم إني أقسم عليك . . الخ .
وما في البهجة وشرحها محصور بما إذا ورد على صورة الاستشفاع والسؤال ،
مثل أسألك ببركة فلان ، أو بحرمته أو نحو ذلك . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 364 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

مقتطفات من أهم كتب علماء المذاهب في الرد على ابن تيمية :

كتاب : إرغام المبتدع الغبي بجواز التوسل بالنبي

للحافظ ابن الصديق الغماري الحسني . . الطبعة الثانية - 1412 - دار الإمام النووي -
الأردن ، وقد حققه وقدم له السيد حسن السقاف ، ومقدمته وتحقيقه لا تقل فائدتهما
عن أصل الكتاب .
قال السقاف في مقدمته :
أما بعد : فالتوسل والاستغاثة والتشفع بسيد الأنام ، نبينا محمد صلى الله عليه
وسلم مصباح الظلام ، من الأمور المندوبات المؤكدات ، وخصوصا عند المدلهمات ،
وعلى ذلك سار العلماء العاملون ، والأولياء العابدون ، والسادة المحدثون ، والأئمة
السالفون ، كما قال السبكي فيما نقل عند صاحب فيض القدير ( 2 / 135 ) : ويحسن
التوسل والاستعانة والتشفع بالنبي إلى ربه ولم ينكر ذلك أحد من السلف ولا من
الخلف . . انتهى .
حتى نص السادة الحنابلة في مصنفاتهم الفقهية على استحباب التوسل بسيدنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونقلوا ذلك عن الإمام أحمد أنه استحبه كما في
كتاب الإنصاف فيما ترجح من الخلاف ( 2 / 456 ) وغيره .
ونقل ابن كثير في البداية ( 14 / 45 ) أن ابن تيمية أقر أخيرا في المجلس الذي عقده
له العلماء العاملون الربانيون المجاهدون بالتوسل وأصر على إنكار الاستغاثة . مع أنه
يقول في رسالة خاصة له في الاستغاثة بجوازها بالنبي فيما يقدر عليه المخلوق .
واعتمد الإمام الحافظ النووي استحباب التوسل والاستغاثة في مصنفاته ، كما
في حاشية الإيضاح على المناسك له ( ص 450 ) و ( ص 498 ) من طبعة أخرى وفي شرح المهذب
المجموع ( 8 / 274 ) وفي الأذكار ( ص 307 ) من طبعة دار الفكر ، في كتاب أذكار الحج ، و ص
( 184 ) من طبعة المكتبة العلمية .
وهو مذهب الشافعية ، وغيرهم من الأئمة المرضيين ، المجمع على جلالتهم
وثقتهم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 365 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وإني أود أن أسرد بعض الأدلة من الأحاديث الصحيحة الثابتة عند علماء
المسلمين وأئمة الحفاظ والمحدثين ، والتي لم تضرها محاولة تلاعب المتلاعبين
في الطعن في أسانيدها ، وغير ذلك من طرق التلاعب والتدليس التي بينتها ، ومثلت
عليها في بهجة الناظر في الفصل الرابع .
ولا يعرف الحق كما هو معلوم بالجعجعة وكثرة الكلام ، ونفخ الكتب بتكثير عدد
الصفحات ، وإنما يعرف الحق بالبراهين العلمية ، والأدلة الواضحة الجلية ، وإن كانت
قليلة العبارات ، فهي كثيرة التعبيرات والإشارات .
وقد أرشد إلى ذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله ( أوتيت
جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا ) .
وإني أبدأ بعرض بعض أدلة التوسل ثم أردفها بأدلة الاستغاثة المندوبة التي
أرشدت إليها السنة الغراء فأقول :
أدلة التوسل :
1 - حديث الشفاعة المتواتر والمروي في الصحيحين وغيرهما ، من أن الناس
يتوسلون بسيد الأنام عند اشتداد الأمر عليهم يوم القيامة ويستغيثون به . ولو كان
التوسل والاستغاثة من الكفر والشرك لم يشفع النبي للناس يومئذ ، ولا يأذن الله له
بالشفاعة للمشركين والكفار ، على زعم من يكفر عباد الله بالآلاف ، ويحاول تهييج
العامة والسذج على من أظهر كفر من قال بقدم العالم ، المجمع على كفر قائله ومعتقده .
وأيضا لو كان التوسل شركا أو كفرا لبينه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
عندما أخبر أصحابه بحديث الشفاعة . فلما لم يكن كفرا بنص الأحاديث المتواترة
كان أمرا مندوبا إليه في الدنيا والآخرة ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
ومن قال إن التوسل والاستغاثة كفر في الدنيا ليس كفرا في الآخرة ، قلنا له : إن الكفر
كفر سواء كان في الدنيا أو في الآخرة ، والتوسل به قبل موته صلى الله عليه وسلم
وبعد موته لا فرق . وإن ادعيت الفرق فأت لنا بدليل شرعي مخصص مقبول معتبر .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 366 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 - حديث سيدنا عثمان بن حنيف ( رضي الله عنه ) قال : ( إن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال ادع الله أن يعافيني فقال : إن شئت دعوت وإن شئت صبرت وهو
خير قال فادعه . فأمره أن يتوضأ ويحسن الوضوء ويدعو بهذا الدعاء :
اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة .
يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى . اللهم شفعه في .
قال سيدنا عثمان : فعاد وقد أبصر .
رواه الترمذي والنسائي والطبراني والحاكم وأقره الذهبي والبيهقي بالأسانيد
الصحيحة . وللحديث تتمة صحيحة تأتي في ( إرغام المبتدع الغبي ) .
3 - حديث سيدنا علي رضي الله عنه وكرم وجهه : أن سيدنا النبي صلى الله عليه
وسلم لما دفن فاطمة بنت أسد أم سيدنا علي رضي الله عنهما قال : اللهم بحقي
وحق الأنبياء من قبلي اغفر لأمي بعد أمي . رواه الطبراني ، والحاكم مختصرا ، وابن
حبان وغيرهم ، وفي إسناده روح بن صلاح قال الحاكم : ثقة ، وضعفه بعضهم ،
والحديث صحيح .
4 - وروى الإمام البخاري في صحيحه : أن سيدنا عمر ( رضي الله عنه ) استسقى عام الرمادة
بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ومن قوله توسلا به : اللهم إنا كنا نتوسل إليك
بنبينا صلى الله عليه وسلم ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا . قال فيسقون . وفي الحديث
إثبات التوسل به صلى الله عليه وسلم وبيان جواز التوسل بغيره ، كالصالحين من آل
البيت ومن غيرهم . كما قال الحافظ في فتح الباري ( 2 / 497 )
وأما أدلة الاستغاثة :
1 - فما روى البخاري في صحيحه وغيره من حديث سيدنا عبد الله بن عمر رضي
الله عنهما في حديث الشفاعة بلفظ ( إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق
نصف الأذن فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 367 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فيشفع ليقضي بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب ، فيومئذ يبعثه الله مقاما
محمودا يحمده أهل الجمع كلهم ) .
وهذا صريح في الاستغاثة ، وهي عامة في جميع الأحوال ، مع لفت النظر أنه
صلى الله عليه وسلم حي في قبره يبلغه سلام من يسلم عليه وكلام من يستغيث به
لأن الأعمال تعرض عليه كما صح فيدعو الله لأصحاب الحاجات .
2 - روى الإمام أحمد بسند حسن كما قال الإمام الحافظ ابن حجر في الفتح ( 8 /
579 ) عن الحارث بن حسان البكري ( رضي الله عنه ) قال : خرجت أنا والعلاء بن الحضرمي إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم . . الحديث ، وفيه : فقلت أعوذ بالله وبرسوله أن أكون
كوافد عاد .
قال أي سيدنا رسول الله - وما وافد عاد ؟ وهو أعلم بالحديث ولكنه
يستطعمه . . . الحديث .
وقد استغاث الرجل بالله وبرسوله ولم يكفره سيدنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم . وقد خالف الألباني ذلك فكفر كل مستغيث به صلى الله عليه وسلم كما في
توسله ص 7 الطبعة الثانية ، وقلده في هذه البدعة أصحابه والمتعصبون له ، وأنكروا
على من كفر من العلماء مثبت قدم العالم نوعا ، ومن قال بالحد والجهة والاستقرار
وغير ذلك من طامات ! نسأل الله لهم الهداية ، وأن يردهم إلى دينه وإلى الحق ردا جميلا ،
وأن يخلصهم من أهوائهم وعنادهم الذي بنوه على سوء فهم كبيرهم الذي
علمهم السحر ، أو فساد قصده وقد يجتمعان .
3 - قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الأعمى الصحيح عندما علم الرجل أن
يقول : ( يا محمد إني أتوجه بك إلى الله ) . وهذه استغاثة صريحة ، وقد اعتمدها
العلماء المحدثون والحفاظ في كتب السنة في صلاة الحاجة ، حاثين الأمة عليها .
4 - جاء في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قص على أصحابه قصة
السيدة هاجر هي وابنها في مكة قبل أن تبنى الكعبة ، بعد أن تركهما سيدنا إبراهيم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 368 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عليه الصلاة والسلام ، وفي ما قصه : أنها لما سمعت صوتا عند الطفل قالت : إن كنت
ذا غوث فأغث ، فاستغاثت فإذا بجبريل ( عليه السلام ) فغمز الأرض بعقبه فخرجت زمزم . ولم
يقل النبي صلى الله عليه وسلم أنها كفرت ، كما يزعم الألباني ، ولم ينبه أن تلك
الاستغاثة منها كفر البتة . وهي تعلم أن صاحب الصوت لن يكون رب العالمين المنزه
عن الزمان والمكان .
وهناك أدلة كثيرة بجواز التوسل والاستغاثة وندبهما أفردتها برسالة خاصة
أسميتها ( الإغاثة بأدلة الاستغاثة ) وقد اقتصرت هنا على بعضها ، وفيها بيان لمن
ألقى السمع وهو شهيد ، هذا إذا كان قلبه نظيفا لا يحب رمي عباد الله بالشرك بمجرد
مخالفتهم لمزاجه ، وأراد اقتفاء النبي صلى الله عليه وسلم .
وأختم الاستدلال ببيان مسألة هامة جدا وهي استدلال أخير على التوسل
والاستغاثة من أحد الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وإقرار الباقين من
الصحابة له وعلى رأسهم سيدنا عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) ، وهو ما ذكره الحافظ ابن حجر
العسقلاني في فتح الباري ( 2 / 495 ) حيث قال :
روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ( وصححه أيضا ابن كثير في البداية والنهاية 7 /
92 من طريق البيهقي ) عن أبي صالح السمان عن مالك الدار ، وكان خازن عمر قال :
أصاب الناس قحط شديد في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم
فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا ، فأتي الرجل في المنام فقيل له ائت
عمر واقرئه السلام وأخبره أنهم يسقون . إسناده صحيح .
وقد ضعف هذا الأثر الصحيح الألباني بحجج أوهى من بيت العنكبوت في توسله
ص ( 119 - 121 ) وزعم أن مالك الدار مجهول . ونقل ترجمته من كتاب الجرح
والتعديل لابن أبي حاتم فقط ، ليوهم قراءه أنه لم يرو عنه إلا رجل واحد وهو أبو
صالح السمان ، وقد تقرر عند الألباني بما ينقله عن بعض العلماء من غير المتفق
عليه أن الرجل يبقى مجهولا حتى يروي عنه اثنان فأكثر .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 369 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثم قال لينصر هواه إن المنذري والهيثمي لم يعرفا مالك الدار ، فهو مجهول ، ولا
يصح السند لوجود مجهول فيه . ثم تبجح قائلا : وهذا علم دقيق لا يعرفه إلا من
مارس هذه الصناعة .
ونحن نقول له : بل هذا تدليس وغش وخيانة لا يدريه إلا من امتلأ قلبه حقدا
وعداء على السنة والتوحيد وأهلهما .
وقد تبعه على هذا الغش والتدليس وزاد عليه أحد الأغبياء المتعصبين اللاهثين
وراء بريق الدراهم في كتاب له ملأه من هذه البضاعة ، تخيل فيه أنه رد التوسل
وهيهات ، وهو لم يقرأ العلوم وخاصة ملحه الأعراب على أحد ، ولم يكن له في
حياته أستاذ يهذب أو شيخ يدرب ، إلا التلقي من صفحات دفاتر هذا الألباني .
ونقول في بيان نسف ما قاله الألباني من جهالة مالك الدار :
إذا صرح المنذري والهيثمي بأنهما لا يعرفانه فنقول للباحث عن الحق إذن لم
يصرحا بتوثيق له أو تجريح ، لأنهما لا يعرفانه .
لكن هناك من يعرفه وهم ابن سعد والبخاري وعلي ابن المديني وابن حبان
والحافظ ابن حجر العسقلاني وغيرهم . فهل يا ألباني ينقل كلام من عرفه أم كلام من
جهله ؟ ! .
العجيب أن الألباني يحبذ كلام من جهل حاله ، ويختاره ويفضله على كلام من
علم حاله ، الذي يستره الألباني ولا يحب أن يطلع عليه أحد ! !
وما سأنقله من أقوال الأئمة الحفاظ الذين عرفوه في توثيقه كاف في إثبات ما
يقوله السيد عبد الله الغماري وغيره من المحدثين والمشتغلين في علم الحديث من
أن الألباني يعرف الصواب في كثير من الأمور ، لكنه غاش مدلس خائن مضلل لا
يؤتمن على حديث واحد .
وقد صرح بذلك كثير من أهل العلم كالسيد أحمد الغماري والسيد عبد الله
والسيد عبد العزيز المحدثون ، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة ، والمحدث حبيب
الرحمن الأعظمي محدث الهند والباكستان ، والشيخ إسماعيل الأنصاري ، والشيخ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 370 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
محمد عوامة ، والشيخ محمود سعيد ، والشيخ شعيب الأرناؤوط ، وغيرهم عشرات
من أهل هذا الفن والمشتغلين به .
فأهل الحديث شهدوا بأن هذا الرجل لا يعتمد كلامه في التصحيح والتضعيف ،
لأنه يصحح ويضعف حسب الهوى والمزاج ، وليس حسب القواعد العلمية ! ! ومن
تتبع أقواله وما يكتبه تحقق ذلك .
ويكفيني أن أقول في مالك الدار إن ابن سعد قال في الطبقات ( 5 / 12 ) : مالك الدار
مولى عمر بن الخطاب ، روى عن أبي بكر وعمر ، ثم قال وكان معروفا .
وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمته ترجمة رقم ( 8356 ) :
له إدراك ، أي أنه معدود من الصحابة . ويكفيه في ذلك توثيقا ، ثم ذكر أنه روى
عنه أربعة رجال وهم أبو صالح السمان ، وابناه عون وعبد الله ابنا مالك ، وعبد
الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي .
ثم قال : قال علي بن المديني : كان مالك الدار خازنا لعمر ا ه‍ ، بمعناه ملخصا .
وبذلك نعلم أن سيدنا عمر وسيدنا عثمان قد وثقاه إذ قد ولياه بيت مال
المسلمين وفي ذلك أقوى توثيق له أيضا .
وقد نقل الحافظ الخليلي في كتابه الإرشاد الاتفاق على توثيق مالك الدار فقال
هناك : متفق عليه أثنى عليه التابعون ! ! فقد ذهب كلام الألباني هباء .
وللموضوع توسع في رسالة لنا خاصة أسميناها بالباهر . والله يقول الحق وهو
يهدي السبيل . انتهى .
- وقال الصديق المغربي في كتابه المذكور ص 11 :
وبعد ، فإن الشيخ الألباني سامحه الله تعالى صاحب غرض وهوى ، إذا رأى
حديثا أو أثرا لا يوافق هواه فإنه يسعى في تضعيفه بأسلوب فيه تدليس وغش ،
ليوهم قراءه أنه مصيب ، مع أنه مخطئ بل خاطئ غاش ، وبأسلوبه هذا ضلل كثيرا
من أصحابه الذين يثقون به ويظنون أنه على صواب ، والواقع خلاف ذلك .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 371 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومن المخدوعين به من يدعي حمدي السلفي الذي يحقق المعجم الكبير ، فقد
أقدم بجرأة على تضعيف أثر صحيح لم يوافق هواه كما لم يوافق هوى شيخه ، وكان
كلامه في تضعيفه هو كلام شيخه نفسه .
فأردت أن أرد الحق إلى نصابه ، ببيان بطلان كلام الخادع والمخدوع به ، وعلى
الله اعتمادي ، وإليه تفويضي واستنادي .
روى الطبراني في المعجم الكبير ( 9 / 17 ) من طريق ابن وهب عن شبيب عن روح بن
القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه
عثمان بن حنيف ( رضي الله عنه ) : أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان ( رضي الله عنه ) في حاجة له
فكان عثمان لا يلتفت إليه ، ولا ينظر في حاجته ، فلقي عثمان بن حنيف فشكا إليه
ذلك ، فقال له عثمان بن حنيف : ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد ، فصل فيه
ركعتين ، ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم
نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فتقضي لي حاجتي ، وتذكر حاجتك ،
ورح إلى حتى أروح معك .
فانطلق الرجل فصنع ما قال له ، ثم أتى باب عثمان بن عفان فجاء البواب حتى
أخذ بيده ، فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة ، وقال له ما
حاجتك فذكر حاجته ، فقضاها له ، ثم قال : ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه
الساعة ، وقال : ما كانت لك من حاجة فائتنا .
ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف ، فقال له : جزاك الله خيرا ، ما
كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته في .
فقال عثمان بن حنيف : والله ما كلمته ، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :
أو تصبر ؟ فقال : يا رسول الله أنه ليس لي قائد وقد شق علي .
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ، ثم ادع
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 372 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بهذه الدعوات ! قال عثمان بن حنيف : فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث ، حتى
دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر ، قط .
صححه الطبراني ، وتعقبه حمدي السلفي بقوله : لا شك في صحة الحديث
المرفوع ، وإنما الشك في هذه القصة التي يستدل بها على التوسل المبتدع ، وهي
انفرد بها شبيب كما قال الطبراني ، وشبيب لا بأس بحديثه ، بشرطين : أن يكون من
رواية ابنه أحمد عنه ، وأن يكون من رواية شبيب عن يونس بن يزيد .
والحديث رواه عن شبيب ابن وهب وولداه إسماعيل وأحمد ، وقد تكلم الثقات
في رواية ابن وهب عن شبيب ، في شبيب ، وابنه إسماعيل لا يعرف ، وأحمد وإن
روى القصة عن أبيه إلا أنها ليست من طريق يونس بن يزيد ، ثم اختلف فيها على
أحمد ، ورواه ابن السني في عمل اليوم والليلة ، والحاكم من ثلاثة طرق بدون ذكر
القصة ، ورواه الحاكم من طريق عون بن عمارة البصري عن روح بن القاسم به ، قال
شيخنا محمد ناصر الدين الألباني : وعون هذا وإن كان ضعيفا فروايته أولى من رواية
شبيب لموافقتها لرواية شعبة وحماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي . ا ه‍ .
وفي هذا الكلام تدليس وتحريف نبينه فيما يلي :
أولا : هذه القصة رواها البيهقي في دلائل النبوة من طريق يعقوب بن سفيان
حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد ثنا أبي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر
الخطمي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف ، أن
رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان ( رضي الله عنه ) ، فذكر القصة بتمامها .
ويعقوب بن سفيان هو الفسوي الحافظ الإمام الثقة ، بل هو فوق الثقة ، وهذا
إسناد صحيح البخاري ، ومعنى ذلك أنها صحيحة ، وهذا الذي يوافق كلام الحافظ ،
ويبطل ما استنبطه الألباني من كلام الحافظ في مقدمة فتح الباري فليتأمل .
إن الحفاظ أيضا صححوا هذه القصة ، كالمنذري في الترغيب والترهيب ( 1 / 476 )
بإقراره للطبراني ، والهيثمي في مجمع الزوائد ( 2 / 279 ) أيضا ، وقبلهما الإمام الحافظ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 373 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الطبراني في معجمه الصغير ( 1 / 307 الروض الداني ) وغيرهم .
ثانيا : أحمد بن شبيب من رجال البخاري ، روى عنه في الصحيح ، وفي الأدب
المفرد . ووثقه أبو حاتم الرازي وكتب عنه هو وأبو زرعة ، وقال ابن عدي : وثقه أهل
البصرة وكتب عنه علي ابن المديني . وأبوه شبيب بن سعيد التميمي الحبطي البصري
أبو سعيد من رجال البخاري أيضا ، روى عنه في الصحيح وفي الأدب المفرد . ووثقه أبو
زرعة وأبو حاتم والنسائي والذهلي والدارقطني والطبراني في الأوسط .
قال أبو حاتم : كان عنده كتب يونس بن زيد ، وهو صالح الحديث لا بأس به .
وقال ابن عدي : ولشبيب نسخة الزهري عنده عن يونس عن الزهري أحاديث
مستقيمة .
وقال ابن المديني : ثقة كان يختلف في تجارة إلى مصر وكتابه كتاب صحيح ،
هذا ما يتعلق بتوثيق شبيب ، وليس فيه اشتراط صحة روايته بأن تكون عن يونس
بن يزيد ، بل صرح ابن المديني بأنه كتابه صحيح . وابن عدي إنما تكلم على نسخة
الزهري عن شبيب فقط ، ولم يقصد جميع رواياته ! !
فما ادعاه الألباني تدليس وخيانة ، يؤكد ذلك أن حديث الضرير صححه الحفاظ
ولم يروه شبيب عن يونس عن الزهري ! ! وإنما رواه عن روح بن القاسم ! !
ودعواه ضعف القصة بالاختلاف فيها ، حيث لم يذكرها بعض الرواة عند ابن
السني والحاكم ، لون آخر من التدليس ! لأن من المعلوم عند أهل العلم أن بعض
الرواة يروي الحديث وما يتصل به كاملا ، وبعضهم يختصر منه بحسب الحاجة ،
والبخاري يفعل هذا أيضا ، فكثيرا ما يذكر الحديث مختصرا أو يوجد عند غيره تاما .
والذي ذكر القصة في رواية البيهقي إمام فذ يقول عنه أبو زرعة الدمشقي : قدم
علينا رجلان من نبلاء الناس أحدهما وأرحلهما يعقوب بن سفيان يعجز أهل
العراق أن يرو مثله رجلا .
وتقديمه رواية عون الضعيف على من زاد القصة ، لون ثالث من التدليس والغش .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 374 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فإن الحاكم روى حديث الضرير من طريق عون مختصرا ، ثم قال : تابعه شبيب ابن
سعيد الحبطي عن روح بن القاسم زيادات في المتن والإسناد ، والقول فيه قول
شبيب فإنه ثقة مأمون ، هذا كلام الحاكم ، وهو يؤكد ما تقرر عند علماء الحديث
والأصول أن زيادة الثقة مقبولة ، وأن من حفظ حجة على من لم يحفظ !
والألباني رأى كلام الحاكم لكن لم يعجبه لذلك ضرب عنه صفحا ، وتمسك
بأولوية رواية عون الضعيف عنادا وخيانة .
ثالثا : تبين مما أوردناه وحققناه في كشف تدليس الألباني وغشه ، أن القصة
صحيحة جدا ، رغم محاولاته وتدليساته ، وهي تفيد جواز التوسل بالنبي صلى الله
عليه وسلم بعد انتقاله ، لأن الصحابي راوي الحديث فهم ذلك ، وفهم الراوي له
قيمته العلمية ، وله وزنه في مجال الاستنباط .
وإنما قلنا إن القصة من فهم الصحابي على سبيل التنزل ، والحقيقة أن ما فعله
عثمان بن حنيف من إرشاده الرجل إلى التوسل ، كان تنفيذا لما سمعه من النبي
صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت في حديث الضرير .
قال ابن أبي خيثمة في تاريخه : حدثنا مسلم بن إبراهيم ثنا حماد بن سلمة أنا
أبو جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة عن عثمان بن حنيف ( رضي الله عنه ) : أن رجلا
أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني أصبت في بصري فادع الله لي قال :
اذهب فتوضأ وصل ركعتين ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد
نبي الرحمة . يا محمد إني أستشفع بك إلى ربي في رد بصري . اللهم فشفعني في
نفسي ، وشفع نبيي في رد بصرى . وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك . إسناده صحيح .
والجملة الأخيرة من الحديث تصرح بإذن النبي صلى الله عليه وسلم في التوسل
به عند عروض حاجة تقتضيه .
وقد أعل ابن تيمية هذه الجملة بعلل واهية . بينت بطلانها في غير هذا المحل .
وابن تيمية جرئ في رد الحديث الذي لا يوافق غرضه ، ولو كان في الصحيح ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 375 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مثال ذلك : روى البخاري في صحيحه حديث ( كان الله ولم يكن شئ غيره ) وهو
موافق لدلائل النقل والعقل والإجماع المتيقن ، لكنه خالف رأيه في اعتقاده قدم
العالم ، فعمد إلى رواية للبخاري أيضا في هذا الحديث بلفظ ( كان الله ولم يكن شئ
قبله ) فرجحها على الرواية المذكورة ، بدعوى أنها توافق الحديث الآخر ( أنت الأول
فليس قبلك شئ ) .
قال الحافظ ابن حجر : مع أن قضية الجمع بين الروايتين تقتضي حمل هذه الرواية
على الأولى لا العكس ، والجمع مقدم على الترجيح بالاتفاق .
قلت : تعصبه لرأيه أعماه عن فهم الروايتين اللتين لم يكن بينهما تعارض . . .
مثال ثان : حديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في
المسجد ، وترك باب علي ( عليه السلام ) ، حديث صحيح ، أخطأ ابن الجوزي بذكره في
الموضوعات . ورد عليه الحافظ في القول المسدد .
وابن تيمية لانحرافه عن علي ( عليه السلام ) كما هو معلوم ، لم يكفه حكم ابن الجوزي
بوضعه ، فزاد من كيسه حكاية اتفاق المحدثين على وضعه ! !
وأمثلة رده للأحاديث التي يردها لمخالفة رأيه كثيرة ، يعسر تتبعها .
رابعا : ونقول على سبيل التنزل : لو فرضنا أن القصة ضعيفة تطييبا لخاطر الألباني ،
وأن رواية ابن أبي خيثمة معلولة كما في محاولة ابن تيمية ، قلنا : في حديث توسل
الضرير كفاية وغناء ، لأن النبي حين علم الضرير ذلك التوسل ، دل على مشروعيته
في جميع الحالات .
ولا يجوز أن يقال عنه : توسل مبتدع ! ولا يحوز تخصيصه بحال حياته صلى الله
عليه وسلم ، ومن خصصه فهو المبتدع حقيقة ، لأنه عطل حديثا صحيحا وأبطل
العمل به ، وهو حرام .
والألباني عفا الله عنه جرئ على دعوى التخصيص والنسخ لمجرد خلاف رأيه
وهواه . فحديث الضرير لو كان خاصا به ، لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ، كما بين
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 376 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لأبي بردة أن الجذعة من المعز تجزيه في الأضحية ، ولا تجزي غيره ، كما في
الصحيحين . وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
اعتذار وجوابه :
قد يقال : الداعي إلى تخصيصي الحديث بحال حياة النبي صلى الله عليه وسلم ،
ما فيه من ندائه ، وهو عذر مقبول .
والجواب : أن هذا اعتذار مردود ، لأنه تواتر عن النبي صلى عليه وسلم تعليم
التشهد في الصلاة ، وفيه السلام عليه بالخطاب ونداؤه ( السلام عليك أيها النبي )
وبهذه الصيغة علمه على المنبر النبوي أبو بكر وعمر ، وابن الزبير ، ومعاوية ،
واستقر عليه الاجماع ، كما يقول ابن حزم ، وابن تيمية !
والألباني لابتداعه خالف هذا كله ، وتمسك بقول ابن مسعود ، فلما مات قلنا
السلام على النبي ، ومخالفة التواتر والإجماع ، هي عين الابتداع .
مع أنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أعمالنا تعرض عليه ، وكذلك
صلاتنا عليه صلى الله عليه وسلم ، تعرض عليه .
وثبت أن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغونه سلام أمته .
وثبت بالتواتر والإجماع أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره ، وأن جسده
الشريف لا يبلى ، فكيف يمتنع مع هذا نداؤه في التوسل به ، وهل هو إلا مثل ندائه
في التشهد ؟ ! !
ولكن الألباني عنيد شديد العناد ، والألبانيون عندهم عناد ، وصلابة في الرأي ،
أخبرني بذلك عالم ألباني حضر علي في تفسير البيضاوي وشرح التحرير لابن أمير
الحاج ، وكان وديعا هادئ الطبع ، وهو تلميذ لي .
هذا موجز ردنا لدعوى الألباني . أما من يدعى حمدي السلفي فليس هناك ،
وإنما هو مجرد مخدوع يردد الصدا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 377 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إلحاق :
قال الدارمي في سننه :
حدثنا أبو النعمان ثنا سعيد بن زيد ثنا عمرو بن مالك النكري حدثنا
أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال : قحط أهل المدينة قحطا شديدا ، فشكوا إلى
عائشة ، فقالت انظروا قبر النبي صلى الله عليه وسلم فافتحوا منه كوى إلى السماء
حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف ففعلوا . فمطرنا مطرا حتى نبت العشب
وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق .
ضعف الألباني هذا الأثر بسعيد بن زيد ، وهو مردود لأن سعيدا من رجال مسلم
ووثقه يحيى بن معين وضعفه أيضا باختلاط أبي النعمان ، وهو تضعيف غير صحيح
لأن اختلاط أبي النعمان لم يؤثر في روايته ، قال الدارقطني : تغير بأخرة وما ظهر له
بعد اختلاط حديث منكر وهو ثقة . وقول ابن حبان : وقع في حديثه المناكير
الكثيرة بعد اختلاطه ، رده الذهبي فقال : لم يقدر ابن حبان أن يسوق له حديثا منكرا
والقول فيه ما قال الدارقطني ( 45 ) ،
وابن تيمية كذب أثر عائشة ، ولا عبرة به لجرأته على تكذيب ما يخالف هواه .
والحمد لله رب العالمين . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 378 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب ( التوسل بالنبي وجهلة الوهابيين )

تأليف أبي حامد المرزوق - طبعة مكتبة ايشيق في استانبول
- قال في ص 24 :
وإنما جر هذا المبتدع ومن انخدع بأباطيله هذه ، أنه لم يحقق معنى العبادة شرعا
كما يدل عليه استقراء موارد هذه اللفظة في كلام الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى
عليه وسلم ، فظن أن التوسل برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وسائر الصالحين
والاستغاثة بهم ، مع استقرار القلب على أنهم أسباب لا استقلال لهم بنفع ولا ضر ،
وليس لهم من الربوبية شئ ، ولكن الله جعلهم مفاتيح لخيره ومنابع لبره وسحبا يمطر
منها على عباده أنواع خيره . . ظن أن ذلك وما إليه من الشرك المخرج عن الملة .
ومن رافقه التوفيق وفارقه الخذلان ونظر في المسألة نظر الباحث المنصف علم
يقينا لا تخالطه ريبة أن مسمى العبادة شرعا لا يدخل فيه شئ مما عده من توسل
واستغاثة وغيرهما ، بل لا يشتبه بالعبادة أصلا فإن كل ما يدل على التعظيم لا يكون
من العبادة إلا إذا اقترن به اعتقاد الربوبية لذلك المعظم ، أو صفة من صفاتها الخاصة
بها . ألا ترى الجندي يقوم بين يدي رئيسه ساعة وساعات احتراما له وتأدبا معه ، فلا
يكون هذا القيام عبادة للرئيس شرعا ولا لغة ، ويقوم المصلي بين يدي ربه في صلاة
بضع دقائق أو بعضها ، قدر ما يقرأ الفاتحة ، فيكون هذا القيام عبادة شرعا ؟ !
وسر ذلك أن هذ القيام وإن قلت مسافته مقترن باعتقاد القائم ربوبية من قام له ،
ولا يقارن ذاك القيام هذا الاعتقاد . ا ه‍ .
وقد اطلعت على كلام لابن تيمية في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية مفرق في
أربعة مواضع من كتبه ، أذكره كله ليراه القراء ، ثم أبطله :
1 - قال في الجزء الأول من فتاواه ص 219 ، في تفسير قوله صلى الله تعالى عليه
وسلم : ( ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) والمعنى أن صاحب الجد لا ينفعه منك جده ،
ألا ينجيه ويخلصه منك جده ، وإنما ينجيه الإيمان والعمل الصالح ، والجد هو
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 379 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الغنى وهو العظمة وهو المال ، ( إلى أن قال ) فبين في هذا الحديث أصلين عظيمين
أحدهما ، توحيد الربوبية ، وهو أن لا معطي لما منع الله ولا مانع لما أعطاه ولا يتوكل
إلا عليه ولا يسأل إلا هو .
والثاني ، توحيد الإلهية ، وهو بيان ما ينفع وما لا ينفع ، وأنه ليس كل من أعطى مالا
أو دنيا أو رئاسة ، كان ذلك نافعا عند الله منجيا له من عذابه ، فإن الله تعالى يعطي الدنيا
من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب ( إلى أن قال ) : وتوحيد الإلهية
أن يعبد الله ولا يشرك به شيئا فيطيعه ويطيع رسله ويفعل ما يحبه ويرضاه .
وأما توحيد الربوبية فيدخل ما قدره وقضاه ، وإن لم يكن مما أمر به وأوجبه أرضاه ،
والعبد مأمور بأن يعبد الله ويفعل ما أمر به وهو توحيد الإلهية ويستغفر الله على ذلك
وهو توحيد له فيقول : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ا ه‍ .
2 - وقال في الجزء الثاني من فتاواه ص 275 :
فإن المقصود هنا بيان حال العبد المحض لله تعالى الذي يعبده ويستعينه فيعمل
له ويستعينه ، ويحقق قوله ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ، توحيد الألوهية وتوحيد
الربوبية ، وإن كانت الإلهية تتضمن الربوبية والربوبية تستلزم الإلهية فإن أحدهما إذا
تضمن الآخر عند الانفراد لم يمنع أن يختص بمعنى عند الاقتران ، كما في قوله : (
قل أعوذ برب الناس . الخ ) فجمع بين الاسمين ، فإن الإله هو المعبود الذي يستحق
أن يعبد ، والرب هو الذي يرب عبده ا ه‍ .
3 - وقال في الجزء الثاني من منهاج السنة ص 62 ، بعد ثرثرة ذم فيها جميع فرق
المسلمين من المتكلمين ، مصرحا بأنهم عبدوا غير الله لجهلهم توحيد الألوهية
وإثبات حقائق أسماء الله ، ما نصه :
فإنهم قصروا عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه فعدلوا عنها إلى
طرق أخرى مبتدعة فيها من الباطل ما لأجله خرجوا عن بعض الحق المشترك بينهم
وبين غيرهم ، ودخلوا في بعض الباطل المبدع ، وأخرجوا من التوحيد ما هو منه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 380 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كتوحيد الإلهية ، وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته ، ولم يعرفوا من التوحيد إلا
توحيد الربوبية ، وهو الاقرار بأن الله خالق كل شئ وهذا التوحيد كان يقر به
المشركون الذين قال الله عنهم ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن
الله ) ، وقال تعالى : ( قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله ،
الآيات ) . وقال عنهم : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) فالطائفة من السلف
تقول لهم من خلق السماوات والأرض فيقولون الله ، وهم مع ذلك يعبدون غيره ،
وإنما التوحيد الذي أمر الله به العباد هو توحيد الألوهية المتضمن توحيد الربوبية ،
بأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا ، فيكون الدين كله لله ا ه‍ .
4 - وقال في رسالة أهل الصفة ص 34 : توحيد الربوبية وحده لا ينفي الكفر ولا
يكفي ا ه‍ .
أقول : قد لبس ابن تيمية في تآليفه على العامة وأشباههم من المتفقهة كثيرا
بالسلف الصالح والكتاب والسنة ، لترويج هواه في سوقهم !
ولكنه في هذا الكلام صرح بهواه ولم يلصقه بهما ولا بالسلف ، وإني بحول الله
وتوفيقه أكيل له بصاعه الذي لبس به على البسطاء كيلا حقيقيا وافيا ، مبرهنا فأقول :
كلامه هذا في الأربعة المواضع باطل باثنين وثلاثين وجها .
الوجه الأول : لم يقل الإمام أحمد بن حنبل الذي انتسب إليه كذبا لأصحابه إن
التوحيد قسمان : توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ، وإن من لم يعرف توحيد
الألوهية لا تعتبر معرفته لتوحيد الربوبية لأن هذا يعرفه المشركون ،
وهذا عقيدة الإمام أحمد مدونة في مصنفات أتباعه في مناقبه لابن الجوزي وفي
غيره ليس فيه هذا الهذيان .
الوجه الثاني : لم يقل أي واحد من أتباع التابعين لأصحابه إن التوحيد قسمان :
توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ، وإن من لم يعرف توحيد الألوهية لا يعتد بمعرفته
لتوحيد الربوبية ، فلو اجتمع معه الثقلان على إثباته عن أي واحد منهم لا يستطيعون .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 381 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الوجه الثالث : لم يقل أي واحد من التابعين لأصحابه إن التوحيد ينقسم إلى
توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ، فلو اجتمع معه الثقلان على إثباته عن أي واحد
منهم لا يستطيعون .
الوجه الرابع : لم يقل أي صحابي من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
ورضي عنهم إن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وأن من لم
يعرف توحيد الألوهية لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية لأن هذا يعرفه المشركون ،
وإني أتحدى كل من له إلمام بالعلم أن ينقل لنا هذا التقسيم المخترع عنهم ، ولو
برواية واهية .
الوجه الخامس : لم يأت في سنة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الواسعة التي
هي بيان لكتاب الله عز وجل من صحاح وسنن ومسانيد ومعاجم ، أن النبي صلى الله
تعالى عليه وسلم كان يقول لأصحابه ويعلمهم أن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية
وتوحيد الألوهية ، وإن من لم يعرف توحيد الألوهية لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية ،
لأن هذا يعرفه المشركون ، فلو اجتمع معه الثقلان على إثبات هذا الهذيان عن النبي
صلى الله تعالى عليه وسلم بإسناد ولو واهيا لا يستطيعون .
الوجه السادس : بل كتب السنة طافحة بأن دعوته صلى الله عليه وسلم الناس إلى
الله كانت إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وخلع عبادة الأوثان ، ومن
أشهرها حديث معاذ بن جبل لما أرسله النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى اليمن
فقال له : ( ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا
لذلك فأخبرهم أن عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة - الحديث ) .
وروى الخمسة وصححه ابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم أخبره أعرابي برؤية
الهلال ، فأمر بالصيام ولم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن الاقرار بالشهادتين ،
وكان اللازم على هذيانه هذا أن يدعو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم جميع الناس
إلى توحيد الألوهية الذي جهلوه ، وأما توحيد الربوبية فقد عرفوه ! ويقول لمعاذ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 382 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ادعهم إلى توحيد الألوهية ! ويقول للأعرابي الذي رأى هلال رمضان هل تعرف
توحيد الألوهية ؟ !
الوجه السابع : لم يأمر الله في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه عباده بتوحيد الألوهية ، ولم يقل لهم إن من لم يعرفه لا يعتد بمعرفته لتوحيد
الربوبية ، بل أمر وهو :
الوجه الثامن : بكلمة التوحيد مطلقة ، قال الله تبارك وتعالى مخاطبا نبيه صلى الله
تعالى عليه وسلم ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) وهكذا جميع آيات التوحيد المذكورة في
القرآن ، مع سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن .
الوجه التاسع : يلزم على هذا الهذيان على الله تبارك وتعالى لعباده حيث عرفوا
كلهم توحيد الربوبية ولم يعرفوا توحيد الألوهية - أن يبينه لهم ولا يضلهم ولا يعذ بهم
على جهلهم نصف التوحيد ولا يقول لهم : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم
نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) نعوذ بالله من زلقات اللسان وفساد الجنان .
الوجه العاشر : الإله هو الرب والرب هو الإله ، فهما متلازمان يقع كل منهما في
موضع الآخر ، وكتاب الله تعالى طافح بذلك ، وكذلك سنته عليه الصلاة والسلام ،
قال الله تبارك وتعالى : ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم )
وكان اللازم - على زعمه - حيث كانوا يعرفون توحيد الربوبية ولا يعرفون توحيد
الألوهية أن يقول الله : ( اعبدوا إلهكم ) ! !
وقال الله تعالى : ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه - الآية ) ،
وكان اللازم - على زعمه حيث كان النمرود يعرف توحيد الربوبية ويجهل توحيد
الألوهية - أن يقول الله تعالى : ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في إلهه ) ! !
وكان اللازم على زعمه أن يقول الله في قوله تعالى : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي
خلقكم من نفس واحدة ) اتقوا إلهكم ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 383 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وكان اللازم على زعمه أن يقول الله في قوله تعالى : ( إذ قال الحواريون يا عيسى بن
مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ) ، هل يستطيع إلهك ،
وكان اللازم على زعمه أن يقول الله في قوله تعالى : ( ثم الذين كفروا بربهم يعدلون )
ثم الذين كفروا بإلههم يعدلون ! لأن الرب يعرفونه ، وهو شئ كثير في القرآن . . .
الوجه الثلاثون : جعله التوسل والاستغاثة عبادة للمتوسل به والمستغاث به
والمستعان به ! ! . . .
قوله ( وهم مع ذلك يعبدون غيره ) فاسد أيضا ومعناه يقول أحمد بن تيمية
الملبس بلفظ ( الطائفة ) والملبس أيضا المدعي أنه ( من السلف ) للمالكية
والشافعية والحنفية ومستقيمي العقيدة من الحنابلة ( من خلق السماوات والأرض
فيقولون الله ) وهم مع اعترافهم بتوحيد الربوبية مشركون في رأيه لأنهم ( يعبدون
غيره ) ، أي يتوسلون بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وبالصالحين من أمته
ويستغيثون ويستعينون بهم ، وكل من التوسل والاستعانة والاستغاثة عبادة غير الله
تعالى في زعمه ! !
وقد اعتمد في تكفير المسلمين بهذه الألفاظ على إرادة نفع جاه المتوسل به أو
المستغاث به مثلا ، قياسا على عبدة الأوثان بجامع الإرادة المذكورة في كل ، وهو
قياس فاسد من ستة أوجه :
الأول : جهله حقيقة العبادة ، فإن العبادة لغة : أقصى نهاية الخضوع والتذلل بشرط
نية التقرب ، ولا يكون ذلك إلا لمن له غاية التعظيم ،
فقد تبين منه أن العبادة لغة لا تطلق إلا على العمل الدال على الخضوع المتقرب
به لمن يعظمه باعتقاد تأثيره في النفع والضر ، أو اعتقاد الجاه العظيم الذي ينفعه في
الدنيا والآخرة ، وهي التي نهى الله سبحانه وتعالى عن أن تقع لغيره ، وكفر من لم ينته
عنها ، وما قصر عن هذه المرتبة لا يقال فيه عبادة لغير الله .
وشرعا : امتثال أمر الله كما أمر على الوجه المأمور به من أجل أنه أمر ، مع
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 384 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المبادرة بغاية الحب والخضوع والتعظيم ، فاعتبر فيها ما اعتبر في اللغوية من
الخضوع والتذلل والتعظيم .
فاللغوية غير مقيدة بعمل مخصوص والشرعية مقيدة بالأعمال المأمور بها
فكانت جارية على الأعم الأغلب في الحقائق الشرعية من كونها أخص من اللغوية .
ومن أجل اختصاصها بالمأمور به خرجت عبادة اليهودي مثلا ، لأنه وإن تمسك
بشريعة إلا أنها لما كانت منسوخة كانت كأن لم تكن ، وعبادة المبتدع في الدين ما
ليس منه ، فالله سبحانه لما نهى الكفار عما هم مشتغلون به من عبادة غيره ، ووبخهم
على وضع الشئ في غير محله وتعظيمهم غير أهله ، وبين لهم بالدلائل الواضحة
عدم صلوحية ما اتخذوه من دونه لما اتخذوه إليه ، وكان الحامل لهم على ذلك اتباع
أهوائهم ، والاسترسال مع أغراضهم ، وذلك مناف لعبوديتهم ، إذا العبد لا يتصرف
في نفسه بمقتضى شهوته وغرضه ، وإنما يتصرف على مقتضى أمر سيده ونهيه ،
قصد سبحانه أن يخرجهم عن داعية أهوائهم واتباع أغراضهم ، حتى يكونوا عبيدا
لله تعالى ، اختيارا كما هم عبيد له اضطرارا ، فوضع لهم الشريعة المطهرة وبين لهم
الأعمال التي تعبدهم بها ، والطرق التي توصلهم إلى منافعهم ومصالحهم على الوجه
الذي ارتضاه لهم ، ونهاهم عن مجاوزة ما حد لهم . . .
وعلى هذا فشرط كونها عبادة نية التقرب للمعبود ، فالسجود لا يكون عبادة ولا
كفرا إلا تبعا للنية ، فسجود الملائكة عليهم الصلاة والسلام لآدم عليه الصلاة والسلام
عبادة لله لأنه امتثال لأمره وتقرب وتعظيم له ،
والسجود للصنم كفر إذا قصد به التقرب إليه إذ هو عبادة لغير الله ، وكذا يحكم
عليه به عند جهل قصده أو إنكاره لأنه علامة على الكفر .
والسجود للتحية معصية فقط في شرعنا ، وقد كان سائغا في الشرائع السابقة
بدليل سجود يعقوب وبنيه ليوسف عليهم الصلاة والسلام .
فتحقق من تعريفي العبادة لغة وشرعا أن العبادة التذلل والتعظيم للمعبود ، وعليه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 385 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فليس كل تعظيم عبادة ، وأن ضابط التعظيم المقتضي للعبادة هو أن يعتقد له التأثير
في النفع والضر ، أو يعتقد له الجاه التام والشهادة المقبولة بحيث ينفع في الآخرة
ويستنزل به النصر والشفاء في الدنيا .
والتوسل لا يسمى عبادة قطعا ولا يقال فيه عبادة وإنما هي وسيلة إليها ، وسيلة
الشئ غيره بالضرورة .
الثاني : الوسيلة لغة كل ما يتقرب به إلى الغير ، وسل إلى الله تعالى توسيلا عمل
عملا تقرب به إليه ، فتحقق منه أن التوسل لا يسمى عبادة قطعا ، ولا يقال فيه عبادة
وإنما هو وسيلة إليها ، ووسيلة الشئ غيره بالضرورة وهو واضح ، فإن التوسل لا
تقرب فيه للمتوسل به ولا تعظيمه غاية التعظيم ، والتعظيم إذا لم يصل إلى هذا الحد
لا يكون الفعل المعظم به عبادة ، فلا يطلق اسم العبادة على ما ظهر من الاستعمال
اللغوي إلا على ما كان بهذه المثابة من كون العمل دالا على غاية الخضوع منويا به
التقرب للمعبود تعظيما له بذلك التعظيم التام ، فإذا اختل شئ منها منع الاطلاق ،
أما الدلالة على نهاية الخضوع فظاهر ، لأن مناط التسمية لم يوجد ، ولأن الناس
من قديم الزمان إلى الآن يخضعون لكبرائهم ورؤسائهم بما يقتضيه مقامه الدنيوي
عندهم ويحيونهم بأنواع التحيات ، ويتذللون بين أيديهم ولا يعدون ذلك قربة ولا
يطلقون عليه اسم العبادة ، وإنما يرونه من باب الأدب ، وما ذاك إلا لكون ذلك
الخضوع لم يبلغ نهايته والعظيم الناشئ عنه لم يبلغ غايته ،
وبهذا ظهر الفرق بين التوسل والعبادة . على أن عبد يتعدى بنفسه وتوسل
يتعدى بحرف الجر .
وقد أوغل ابن تيمية في بيداء القياس الفاسد دفعتين ، قياسه معاني هذا الألفاظ ،
توسل استعان ، استغاث ، تشفع ، على العبادة ، وقياسه المؤمنين المتوسلين بالنبي صلى
الله تعالى عليه وسلم مثلا على عبدة الأوثان من دون الله بجامع إرادة الجاه في كل .
فلينظر اللبيب إلى أين رماه جهله باللغة العربية ، فإنه لو تأمل في قول القائل :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 386 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
اللهم إني أتوسل إليك بفلان ، وأجراه على ما تدل عليه اللغة لوجد معناه ، اللهم إني
أتقرب إليك وأتحبب إليك ، فهو دال بجوهره على أن التقرب لله لا لمن يراد جاهه ! !
ومن جهل الفرق بين عبد وتوسل ، كيف يصح له القياس في دين الله وإلحاق
بعض الفروع ببعض ، والقياس أصعب أنواع الاجتهاد ، لكثرة ما يعتبر في أركانه من
الشروط ، وما يرد عليه من المعارضات والمناقضات وغير ذلك من أنواع
الاعتراضات ، فلا يصفو مشربه إلا لأهل الاجتهاد ومن أحاط بمداركهم على
اختلاف مراتبهم ، ومن قصر عن تلك المراتب لا يسوغ له الجزم بالحكم المأخوذ منه
في دانق ، فكيف بالحكم المأخوذ منه في تكفير المسلمين ؟ ! !
الثالث : وحيث تحقق الفرق بين العبادة والتوسل ، فالعبادة فيها معنى زائد
يناسب إناطة الحكم به ، وهو اشتمالها على الإعراض عن الله وإطلاق الإلهية على
غيره وإقامته مقامه وخدمته بما يستحق أن يخدم ، وقد أشار إلى هذا المعنى بعض
فضلاء أهل السنة ، وملخص كلامه :
أن الشبهة الحاملة لعبدة الأوثان على عبادتها هي أنهم استصغروا أنفسهم
فاستعظموا أن يعبدوا الله مباشرة ، ورأوا من سوء الأدب أن يشتغل الحقير من أول
وهلة بخدمة العظيم ، وقربوا ذلك بأمر مستحسن في العادة ، وهو أن الحقير لا ينبغي
له أن يخدم الملك حتى يخدم عماله إلى أن يترقى لخدمته ، وقال : وهذه هي
الحاملة على التوسل إلى الله تعالى بمن له جاه عنده ،
إلا أن الشرع أذن في التوسل ولم يأذن في العبادة ، فكانت حاجة الكفار تندفع بما
شرعه الله ، إلا أن الله تعالى أعمى بصائرهم ، ولو تنبهوا لأمر عادي آخر لأرشدهم ،
فإن الملك من ملوك الدنيا إذا استجاه له أحد بعظيم من وزرائه وتشفع له بذلك ، ربما
أقبل عليه وأخذ بيديه وقضى ما أراده منه . أما إذا عظم ذلك الوزير بما يعظم به
الملك وعامله بمعاملته وأقامه في مقامه فيما يختص به الملك عن غيره ، رجاء أن
يقضي ذلك الوزير حاجته من الملك ، فإن الملك إذا علم بصنيعه يغضب أشد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 387 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الغضب ، ولا يقتصر في العقوبة على قطع الرجاء من الحاجة ، بل يفتك به وبالوزير
إن أحب ذلك !
فمثال التوسل الأول ومثال العبادة الثاني
فتأمل هذا المثال فإنه واف بواقعة الحال ، وبالله التوفيق والاعتصام .
الرابع : القاعدة المشهورة المطردة وهي : أن استواء الفعلين في السبب الحامل
على الفعل لا يوجب استواءهما في الحكم ، يدل على هاته القاعدة دلالة قطعية ، أنه
لو لم يكن الأمر كذلك بأن كان الاستواء في الحامل يوجب الاستواء في الحكم كما
ادعاه ابن تيمية وقرره في قياسه التوسل على العبادة والمتوسل على عابد الوثن ،
للزم إبطال الشريعة وتساوي الأعمال في الأحكام ، واللازم باطل بالاتفاق ، وهو
ضروري غني عن الاستدلال ! !
وقال في ص 96 :
وقد انتهيت بتوفيق الله من إبطال كثير من كلام ابن تيمية وابن القيم وبعض كلام
ابن عبد الوهاب ، في توحيد الربوبية والألوهية والعبادة وملحقاتهما في هذا الفصل ،
وأختمه بما كتبه العلامة المحقق المرحوم الشيخ ( يوسف الدجوي ) المتوفى سنة
خمس وستين وثلاثمائة وألف في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية قال ( رحمه الله :
جاءتنا رسائل كثيرة يسأل مرسلوها عن توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ما معناهما ، وما
الذي يترتب عليهما ومن ذا الذي فرق بينهما ؟
وما هو البرهان على صحة ذلك أو بطلانه ؟
فنقول وبالله التوفيق : إن صاحب هذا الرأي هو ابن تيمية الذي شاد بذكره قال : إن
الرسل لم يبعثوا إلا لتوحيد الألوهية ، وهو إفراد الله بالعبادة ، وأما توحيد الربوبية وهو
اعتقاد أن الله رب العالمين المتصرف في أمورهم فلم يخالف فيه أحد من المشركين
والمسلمين بدليل قوله تعالى : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) .
ثم قالوا : إن الذين يتوسلون بالأنبياء ويتشفعون بهم وينادونهم عند الشدائد هم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 388 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عابدون لهم قد كفروا باعتقادهم الربوبية في تلك الأوثان والملائكة والمسيح سواء
بسواء ، فإنهم لم يكفروا باعتقادهم الربوبية في تلك الأوثان وما معها بل بتركهم
توحيد الألوهية بعبادتها ، وهذا ينطبق على زوار القبور المتوسلين بالأولياء المنادين
لهم المستغيثين بهم الطالبين منهم ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى ! ! !
بل قال محمد بن عبد الوهاب : ( إن كفرهم أشنع من كفر عباد الأوثان ، وإن شئت
ذكرت لك عبارته المحزنة الجريئة ) فهذا ملخص مذهبهم مع الإيضاح ، وفيه عدة
دعاوى . . .
وقال في ص 100 :
ولكن نقول لهم بعد هذا على فرض أن هناك فرقا بين توحيد الألوهية وتوحيد
الربوبية كما يزعمون ، فالتوسل لا ينافي توحيد الألوهية فإنه ليس من العبادة في شئ
لا لغة ولا شرعا ولا عرفا ، ولم يقل أحد إن النداء أو التوسل بالصالحين عبادة ، ولا
أخبرنا الرسول صلى الله تعالى وسلم بذلك ! !
ولو كان عبادة أو شبه عبادة لم يجز بالحي ولا بالميت .
ومن المعلوم أن المتوسل لم يطلب إلا من الله تعالى بمنزلة هذا النبي أو الولي ،
ولا شك في أن لهما منزلة عند الله تعالى في الحياة وبعد الممات .
فإن تشبث متشبث بأن الله أقرب إلينا من حبل الوريد فلا يحتاج إلى واسطة .
قلنا له : ( حفظت شيئا وغابت عنك أشياء . . . ) ، فإن رأيك هذا يلزمه ترك الأسباب
والوسائط في كل شئ ، مع أن العالم مبني على الحكمة التي وضعت الأسباب
والمسببات في كل شئ ! !
ويلزمه عدم الشفاعة يوم القيامة وهي معلومة من الدين بالضرورة ، فإنها على هذا
الرأي لا حاجة إليها ، إذ لا يحتاج سبحانه وتعالى إلى واسطة فإنه أقرب من الواسطة .
ويلزم خطأ عمر بن الخطاب في قوله : ( إنا نتوسل إليك بعم نبيك العباس الخ . . ) ! !
وعلى الجملة يلزم سد باب الأسباب والمسببات والوسائل والوسائط ، وهو
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 389 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خلاف السنة الإلهية التي قام عليها بناء هذه العوالم كلها من أولها إلى آخرها ، ولزمهم
على هذا التقدير أن يكونوا داخلين فيما حكموا به على المسلمين ، فإنه لا يمكنهم
أن يدعوا الأسباب أو يتركوا الوسائط بل هم أشد الناس تعلقا واعتمادا عليها .
ولا يفوتنا أن نقول : إن التفرقة بين الحي والميت في هذا المقام لا معنى لها ، فإن
المتوسل لم يطلب شيئا من الميت أصلا ، وإنما طلب من الله متوسلا إليه بكرامة هذا
الميت عنده أو محبته له أو نحو ذلك ، فهل في هذا كله تأليه للميت أو عبادة له ، أم
هو حق لا مرية فيه ، ولكنهم قوم يجازفون ولا يحققون ! !
كيف وجواز التوسل بل حسنه معلوم عند جميع المسلمين . وانظر كتب
المذاهب الأربعة ( حتى مذهب الحنابلة ) في آداب زيارته صلى الله عليه وسلم
تجدهم قد استحبوا التوسل به إلى الله تعالى ، حتى جاء ابن تيمية فخرق الاجماع
وصادم المركوز في الفطر مخالفا في ذلك العقل والنقل . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 390 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب ( شفعة السقام ) للامام السبكي

وهو من كبار علماء مصر المعاصرين لابن تيمية ، وذكروا أن ابن تيمية كان يحترمه
كثيرا ، ولعله كان يهابه فلم يرد على كتابه ! !
وقد طبع الكتاب مرات في مصر ، ثم نشرته مكتبة ايشيق في استانبول ،
وحققه أخيرا ونشره العلامة السيد محمد رضا الجلالي .
والمحور الأصلي للكتاب هو رد بدعة ابن تيمية في تحريم زيارة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وفيه
فصل في رد تحريمه التوسل والاستشفاع والاستغاثة بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) .
قال السبكي في ص 59 من شفاء السقام :
أما بعد ، فهذا كتاب سميته ( شفاء السقام في زيارة خير الأنام ) ورتبته على عشرة
أبواب :
الأول : في الأحاديث الواردة في الزيارة .
الثاني : في الأحاديث الدالة على ذلك وإن لم يكن فيها لفظ ( الزيارة ) .
الثالث : فيما ورد في السفر إليها .
الرابع : في نصوص العلماء على استحبابها .
الخامس : في تقرير كونها قربة .
السادس : في كون السفر إليها قربة .
السابع : في دفع شبه الخصم وتتبع كلماته .
الثامن : في التوسل والاستغاثة .
التاسع : في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
العاشر : في الشفاعة ، لتعلقها بقوله : ( من زار قبري وجبت له شفاعتي ) .
وضمنت هذا الكتاب الرد على من زعم : أن أحاديث الزيارة كلها موضوعة ! وأن
السفر إليها بدعة غير مشروعة !
وهذه المقالة أظهر فسادا من أن يرد العلماء عليها ، ولكني جعلت هذا الكتاب
مستقلا في الزيارة وما يتعلق بها ، مشتملا من ذلك على جملة يعز جمعها على طالبها .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 391 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال في ص 291 :
إعلم أنه يجوز ويحسن التوسل ، والاستغاثة ، والتشفع بالنبي صلى الله عليه
وسلم إلى ربه سبحانه وتعالى .
وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكل ذي دين ، المعروفة من فعل الأنبياء
والمرسلين ، وسير السلف الصالحين ، والعلماء والعوام من المسلمين .
ولم ينكر أحد ذلك من أهل الأديان ، ولا سمع به في زمن من الأزمان ، حتى جاء
ابن تيمية ، فتكلم في ذلك بكلام يلبس فيه على الضعفاء الأغمار ، وابتدع ما لم
يسبق إليه في سائر الأعصار .
وحسبك أن إنكار ابن تيمية للاستغاثة والتوسل قول لم يقله عالم قبله وصار بين
أهل الإسلام مثلة ! !
وقد وقفت له علي كلام طويل في ذلك رأيت من الرأي القويم أن أميل عنه إلى
الصراط المستقيم ولا أتتبعه بالنقض والإبطال ، فإن دأب العلماء القاصدين لإيضاح
الدين وإرشاد المسلمين تقريب المعنى إلى أفهامهم وتحقيق مرادهم وبيان حكمه ،
ورأيت كلام هذا الشخص بالضد من ذلك ، فالوجه الإضراب عنه .
وأقول : إن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم جائز في كل حال : قبل خلقه وبعد
خلقه ، في مدة حياته في الدنيا ، وبعد موته ، في مدة البرزخ وبعد البعث في
عرصات القيامة والجنة وهو علي ثلاثة أنواع :
النوع الأول : أن يتوسل به ، بمعنى أن طالب الحاجة يسأل الله تعالى به أو بجاهه
أو ببركته . فيجوز ذلك في الأحوال الثلاثة ، وقد ورد في كل منها خبر صحيح :
حديث توسل آدم ( عليه السلام ) بالنبي ( صلى الله عليه وآله )
أما الحالة الأولي : قبل خلقه فيدل علي ذلك آثار عن الأنبياء الماضين صلوات الله
وسلامه عليهم أجمعين ، اقتصرنا منها علي ما تبين لنا صحته وهو ما رواه الحاكم أبو
عبد الله بن البيع في ( المستدرك على الصحيحين أو أحدهما ) ( 1 ) قال : ثنا أبو سعيد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 392 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عمرو بن محمد بن منصور العدل ( 1 ) ثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق ابن إبراهيم
الحنظلي ثنا أبو الحارث عبد الله بن مسلم الفهري ثنا إسماعيل ابن مسلمة أنا
عبد الرحمان بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لما اقترف ( 2 ) آدم ( عليه السلام ) الخطيئة ( 3 ) قال : يا رب
أسألك بحق محمد لما غفرت لي .
فقال الله : يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه ؟
قال : يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ، ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت
على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله محمد رسول الله فعرفت أنك لم تضف إلى
اسمك إلا أحب الخلق إليك .
فقال الله : صدقت يا آدم ، إنه لأحب الخلق إلي إذ سألتني بحقه فقد غفرت لك ،
ولولا محمد ما خلقتك ) .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمان
بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب .
ورواه البيهقي أيضا في ( دلائل النبوة ) وقال : تفرد به عبد الرحمان .
وذكره الطبراني وزاد فيه ( وهو آخر الأنبياء من ذريتك ) .
توسل عيسى ( عليه السلام ) بالنبي ( صلى الله عليه وآله )
وذكر الحاكم مع هذا الحديث أيضا . . . عن ابن عباس قال : أوحى الله إلى
عيسى ( عليه السلام ) : يا عيسى آمن بمحمد وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به فلولا
محمد ما خلقت آدم ولولاه ما خلقت الجنة والنار ولقد خلقت العرش علي الماء
فاضطرب فكتبت عليه : لا إله إلا الله فسكن .
قال الحاكم : هذا حديث حسن صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، انتهى ما قاله
الحاكم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 393 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والحديث المذكور لم يقف عليها بن تيمية بهذا الإسناد ولا بلغه أن الحاكم
صححه . فإنه قال أعني ابن تيمية : أما ما ذكره في قصة آدم من توسله فليس له أصل
ولا نقله أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد يصلح الاعتماد عليه ، ولا
الاعتبار ولا الاستشهاد ) .
ثم ادعى ابن تيمية أنه كذب ، وأطال الكلام في ذلك جدا بما لا حاصل تحته
بالوهم والتخرص ! . . .
ونحن نقول : قد اعتمدنا في تصحيحه علي الحاكم وأيضا : عبد الرحمان بن زيد
بن أسلم لا يبلغ في الضعف إلى الحد الذي ادعاه .
وكيف يحل لمسلم أن يتجاسر علي منع هذا الأمر العظيم الذي لا يرده عقل ولا
شرع ؟ وقد ورد فيه هذا الحديث ؟ !
توسل نوح وإبراهيم وسائر الأنبياء بنبينا ( صلى الله عليه وآله )
وأما ما ورد من توسل نوح وإبراهيم وغيرهما من الأنبياء : فذكره المفسرون ،
واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيح الحاكم له .
ولا فرق في هذا المعنى بين أن يعبر عنه بلفظ ( التوسل ) أو ( الاستغاثة ) أو ( التشفع )
أو ( التجوه ) . والداعي بالدعاء المذكور وما في معناه : متوسل بالنبي صلى الله عليه
وسلم ، لأنه جعله وسيلة لإجابة الله دعاءه .
ومستغيث به والمعنى أنه استغاث الله به على ما يقصده فالباء ها هنا للسببية ،
وقد ترد للتعدية ، كما تقول : ( من استغاث بك فأغثه ) . ومستشفع به . ومتجوه به ،
ومتوجه ، فإن التجوه والتوجه راجعان إلى معنى واحد .
فإن قلت : المتشفع بالشخص من جاء به ليشفع فكيف يصح أن يقال : يتشفع به ؟
قلت : ليس الكلام في العبارة وإنما الكلام في المعني وهو سؤال الله بالنبي صلى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 394 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الله عليه وسلم كما ورد عن آدم ، وكما يفهم الناس من ذلك ، وإنما يفهمون من
التشفع والتوسل والاستغاثة والتجوه ذلك ، ولا مانع من إطلاق اللغة بهذه الألفاظ
على هذا المعنى .
والمقصود جواز أن يسأل العبد الله تعالى بمن يقطع أن له عند الله قدرا أو مرتبة .
ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم له عند الله قدر على ومرتبة رفيعة وجاه
عظيم . وفي العادة أن من كان له عند الشخص قدر بحيث أنه إذا شفع عنده قبل
شفاعته ، فإذا انتسب إليه شخص في غايته وتوسل بذلك وتشفع به ، فإن ذلك
الشخص يجيب السائل إكراما لمن انتسب إليه وتشفع به وإن لم يكن حاضرا ولا
شافعا .
وعلي هذا التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل خلقه .
ولسنا في ذلك سائلين غير الله تعالى ولا داعين إلا إياه ، ويكون ذكر المحبوب أو
العظيم سببا للإجابة . كما في الأدعية الصحيحة المأثورة ( أسألك بكل اسم لك
وأسألك بأسمائك الحسنى وأسألك بأنك أنت الله ، وأعوذ برضاك من سخطك
وبمعافاتك من عقوبتك ، وبك منك ) .
وحديث الغار الذي فيه الدعاء بالأعمال الصالحة وهو من الأحاديث الصحيحة
المشهورة .
فالمسؤول في هذه الدعوات كلها هو الله وحده لا شريك له والمسؤول به
مختلف ولم يوجب ذلك إشراكا ، ولا سؤال غير الله .
كذلك السؤال بالنبي صلى الله عليه وسلم ليس سؤالا للنبي بل سؤال لله به .
وإذا جاز السؤال بالأعمال وهي مخلوقة فالسؤال بالنبي صلى الله عليه وسلم
أولى .
ولا يسمع الفرق بأن الأعمال تقتضي المجازاة عليها ، لأن استجابة الدعاء لم تكن
عليها ، وإلا لحصلت بدون ذكرها وإنما كانت على الدعاء بالأعمال .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 395 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وليس هذا المعني مما يختلف فيه الشرائع حتى يقال : إن ذلك شرع من قبلنا فإنه
لو كان ذلك مما يخل بالتوحيد لم يحل في ملة من الملل ، فإن الشرائع كلها متفقة
على التوحيد .
وليت شعري ما المانع من الدعاء بذلك ؟ ! فإن اللفظ إنما يقتضي أن للمسؤول به
قدرا عند المسؤول . وتارة يكون المسؤول به أعلى من المسؤول : أما الباري سبحانه
وتعالى كما في قوله ( من سألكم بالله فأعطوه ) وفي الحديث الصحيح في حديث
أبرص وأقرع وأعمى ( أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن )
الحديث . . وهو مشهور . وأما بعض البشر ، ويحتمل أن يكون من هذا القسم قوله
عائشة لفاطمة : أسألك بما لي عليك من الحق .
وتارة : يكون المسؤول أعلي من المسؤول به ، كما في سؤال الله تعالى بالنبي صلى
الله عليه وسلم ، فإنه لا شك أن للنبي قدرا عنده . ومن أنكر ذلك فقد كفر .
فمتى قال : ( أسألك بالنبي صلى الله عليه وسلم ) فلا شك في جوازه .
وكذا إذا قال ( بحق محمد ) والمراد بالحق الرتبة والمنزلة . والحق الذي جعله الله
على الخلق أو الحق الذي جعله الله بفضله له عليه ، كما في الحديث الصحيح قال :
فما حق العباد على الله ؟
وليس المراد بالحق الواجب ، فإنه لا يجب علي الله شئ ، وعلى هذا المعنى
يحمل ما ورد عن بعض الفقهاء في الامتناع من إطلاق هذه اللفظة .
الحالة الثانية : التوسل به بذلك النوع بعد خلقه صلى الله عليه وسلم في مدة
حياته : فمن ذلك ما رواه أبو عيسى الترمذي في جامعه في كتاب الدعوات ، قال . . .
عن عثمان بن حنيف : أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال . . .
وقد كفانا الترمذي والبيهقي رحمهما الله بتصحيحهما مؤنة النظر في تصحيح هذا
الحديث ، وناهيك به حجة في المقصود .
فإن اعترض معترض : بأن ذلك إنما كان لأن النبي صلى الله عليه وسلم شفع فيه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 396 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فلهذا قال له أن يقول ( إني توجهت إليك بنبيك ) .
قلت : الجواب من وجوه :
أحدها : سيأتي أن عثمان بن عفان وغيره استعملوا ذلك بعد موته صلى الله عليه
وسلم وذلك يدل علي أنهم لم يفهموا اشتراط ذلك .
الثاني : أنه ليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بين له ذلك .
الثالث : أنه ولو كان كذلك لم يضر في حصول المقصود وهو جوار التوسل إلى الله
بغيره بمعني السؤال به كما علمه النبي صلى الله عليه وسلم وذلك زيادة على طلب
الدعاء منه فلو لم يكن في ذلك فائدة لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم وأرشده
إليه ، ولقال له : إني قد شفعت فيك ، ولكن لعله صلى الله عليه وسلم أراد أن يحصل
من صاحب الحاجة التوجه بذل الاضطرار والافتقار والانكسار ومستغيثا بالنبي
صلى الله عليه وسلم فيحصل كمال مقصوده .
ولا شك أن هذا المعنى حاصل في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وغيبته وفي
حياته وبع د وفاته فإنا نعلم شفقته صلى الله عليه وسلم علي أمته ورفقه بهم
ورحمته لهم واستغفاره لجميع المؤمنين وشفاعته فإذا انضم إليه توجه العبد به
حصل هذا الغر ض الذي أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأعمى إليه .
التوسل بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ( بعد موته )
الحالة الثالثة : أن يتوسل بذلك بعد موته صلى الله عليه وسلم لما رواه
الطبراني ( رحمه الله ) في المعجم الكبير في ترجمة عثمان بن حنيف . . . أن رجلا كان يختلف
إلى عثمان بن عفان . . . ورواه البيهقي بإسناده عن أبي جعفر المديني عن أبي أمامة
بن سهل بن حنيف . . .
والاحتجاج من هذا الأثر لفهم عثمان ( رضي الله عنه ) ومن حضره الذين هم أعلم بالله
ورسوله وفعله .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 397 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
النوع الثاني : التوسل به بمعنى طلب الدعاء منه وذلك في أحوال :
إحداها : في حياته صلى الله عليه وسلم ، وهذا متواتر والأخبار طافحة به ، ولا
يمكن حصرها ، وقد كان المسلمون يفزعون إليه ويستغيثون به في جميع ما نابهم
كما في الصحيحين . . . والأحاديث والآثار في ذلك أكثر من أن تحصى ، ولو تتبعتها
لوجدت منها ألوانا .
ونص قوله تعالى : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم
الرسول . . . الآية صريح في ذلك .
* وكذلك يجوز ويحسن مثل هذا التوسل بمن له نسبة من النبي صلى الله عليه
وسلم كما أن عمر ابن الخطاب ( رضي الله عنه ) إذا قحط استسقى بالعباس بن عبد المطلب ( رضي الله عنه )
ويقول : اللهم إنا كنا إذا قحطنا توسلنا بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا محمد
صلى الله عليه وسلم فاسقنا .
وكذلك يجوز مثل هذا التوسل بسائر الصالحين وهذا شئ لا ينكره مسلم بل
متدين بملة من الملل .
فإن قيل : لم توسل عمر بن الخطاب بالعباس ولم يتوسل بالنبي صلى الله عليه
وسلم أو بقبره ؟
قلنا : ليس في توسله بالعباس إنكار للتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بالقبر .
وقد روى عن أبي الجوزاء قال : قحط أهل المدينة قحطا شديدا فشكوا إلى عائشة
رضي الله عنها فقالت : فانظروا قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاجعلوا منه كوى إلى
السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف . ففعلوا فمطروا حتى نبت العشب
وسمن الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي ( عام الفتق ) . . .
فإن قال المخالف : أنا لا أمنع التوسل والتشفع لما قدمتم من الآثار والأدلة وإنما
أمنع إطلاق ( التجوه ) و ( الاستغاثة ) لأن فيهما إيهام أن المتجوه به والمستغاث به
أعلى من المتجوه عليه والمستغاث عليه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 398 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قلنا : هذا لا يعتقده مسلم ولا يدل لفظ ( التجوه ) و ( الاستغاثة ) عليه . فإن ( التجوه )
من الجاه والوجاهة ومعناه علو القدر والمنزلة وقد يتوسل بذي الجاه إلى من هو
أعلي جاها منه .
و ( الاستغاثة ) طلب الغوث فالمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له
الغوث من غيره وإن كان أعلى منه .
فالتوسل والتشفع والتجوه والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء
والصالحين ليس لها معنى في قلوب المسلمين غير ذلك ، ولا يقصد بها أحد منهم
سواه ، فمن لم ينشرح صدره لذلك فليبك علي نفسه ، نسأل العافية .
وإذا صح المعنى فلا عليك في تسميته ( توسلا ) أو ( تشفعا ) أو ( تجوها ) أو
( استغاثة ) .
ولو سلم أن لفظ ( الاستغاثة ) تستدعي النصر علي المستغاث منه فالعبد
يستغيث علي نفسه وهواه والشيطان وغير ذلك مما هو قاطع له عن الله تعالى بالنبي
صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والصالحين متوسلا بهم إلى الله تعالى ليغيثه
علي من استغاث منه من النفس وغيرها ، والمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى
والنبي صلى الله عليه وسلم واسطة بينه وبين المستغيث .
* وإذ قد تحررت هذه الأنواع والأحوال في الطلب من النبي صلى الله عليه وسلم
وظهر المعنى فلا عليك في تسميته ( توسلا ) أو ( تشفعا ) أو ( استغاثة ) أو ( تجوها ) أو
( توجها ) لأن المعنى في جميع ذلك سواء :
إذا عرف ذلك فمعنى ( تجوه ) توجه بجاهه وهو منزلته وقدره عند الله تعالى إليه .
وأما الاستغاثة : فهي طلب الغوث . وتارة يطلب الغوث من خالقه وهو الله تعالى وحده
كقوله تعالى : إذ تستغيثون ربكم . وتارة يطلب ممن يصح إسناده إليه على سبيل
الكسب ، ومن هذا النوع الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذين القسمين .
وتعدى الفعل تارة بنفسه ، كقوله تعالى : إذ تستغيثون ربكم . فاستغاثة الذي من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 399 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
شيعته . وتارة بحرف الجر ، كما في كلام النحاة في المستغاث به ، وفي كتاب
سيبويه ( رحمه الله ) : فاستغاث بهم ليشتروا له كليبا . فيصح أن يقال : استغثت النبي صلى الله
عليه وسلم ، وأستغيث بالنبي بمعنى واحد ، وهو طلب الغوث منه بالدعاء ونحوه ،
على النوعين السابقين في التوسل من غير فرق ، وذلك في حياته وبعد موته .
ولا فرق في هذا المعنى بين أن يستعمل الفعل متعديا بنفسه أو لازما أو متعديا
بالباء .
وقال في ص 319 :
رتبنا الكلام في هذا الباب علي فصول :
الفصل الأول : فيما ورد في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
صنف الحافظ أبو بكر البيهقي ( رحمه الله ) في ذلك جزء وروى فيه أحاديث منها : ( الأنبياء
صلوات الله عليهم أحياء في قبورهم يصلون ) .
ورواه ابن عدي في الكامل عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( الأنبياء صلوات الله عليهم أحياء في قبورهم يصلون ) .
قال ابن عدي : وللحسن بن قتيبة هذا أحاديث غرائب حسان فأرجو أنه لا بأس به .
ومما يدل علي ذلك ما ساق إسناده إلى أوس بن أوس قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : ( أفضل أيامكم يوم الجمعة وفيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة
وفيه الصعقة فأكثروا على من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة ) .
قالوا : وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ - يقولون : بليت -
فقال : إن الله تعالى حرم علي الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء أخرجه أبو داود .
قال البيهقي : وله شواهد منها : عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال : ( أكثروا الصلاة علي في يوم الجمعة فإنه ليس يصلي علي أحد
يوم الجمعة إلا عرضت على صلاته ) .
وحديث : ( ما من أحد يسلم على إلا رد الله على روحي حتى أرد ) .
قال البيهقي وإنما أراد - والله أعلم - إلا وقد رد الله على روحي حتى أرد عليه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 400 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد ثبت في الصحيح في حديث الإسراء : أنه صلى الله عليه وسلم وجد آدم في
السماء الدنيا وقال فيه : ( فإذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة فإذا نظر قبل
يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح )
ومن الأحاديث الصحيحة المتفق عليها نداؤه صلى الله عليه وسلم أهل البئر
وقوله : ( ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ) .
وأما الادراك : فيدل له مع ذلك الأحاديث الواردة في عذاب القبر وهي أحاديث
صحيحة متفق عليها رواها البخاري ومسلم وغيرهما وأجمع عليها وعلى مدلولها
أهل السنة والأحاديث في ذلك متواترة .
ومن أحسنها ما رواه أبو داود الطيالسي عن أبي بكرة قال : بينما أنا أمشي مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي رجل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي
بيننا إذ أتى على قبرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن صاحبي هذين
القبرين ليعذبان الآن في قبورهما فأيكما يأتيني من هذا النخل بعسيب ؟ ) .
فاستبقت أنا وصاحبي فسبقته وكسرت من النخل عسيبا فأتيت به النبي صلى الله
عليه وسلم فشقه نصفين من أعلاه فوضع على أحدهما نصفا وعلى الآخر نصفا
وقال : ( إنه يهون عليهما ما دام فيهما من بلوتهما شئ ، إنهما يعذبان في الغيبة والبول . . .
وفي هذه الرواية النص على أن العذاب الآن وأنه في القبور .
وقد أجمع أهل السنة على إثبات الحياة في القبور قال إمام الحرمين في الشامل :
اتفق سلف الأمة على إثبات عذاب القبر وإحياء الموتى في قبورهم ورد الأرواح
في أجسادهم .
وقال الفقيه أبو بكر بن العربي في ( الأمد الأقصى في تفسير أسماء الله الحسنى :
إن إحياء المكلفين في القبر وسؤالهم جميعا لا خلاف فيه بين أهل السنة .
وقال سيف الدين الآمدي في كتاب أبكار الأفكار : اتفق سلف الأمة قبل ظهور
المخالف وأكثرهم بعد ظهوره على إثبات إحياء الموتى في قبورهم ومسألة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 401 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الملكين لهم ، وإثبات عذاب القبر للمجرمين والكافرين . . .
وقال القرطبي : إن الإيمان به مذهب أهل السنة والذي عليه الجماعة من أهل
الملة ولم يفهم الصحابة الذين نزل القرآن بلسانهم ولغتهم من نبيهم ( عليه السلام ) غير ذلك
وكذلك التابعون بعدهم وذهب بعض المعتزلة إلى موافقة أهل السنة على ذلك .
وذهب صالح قبة والصالحي وابن جرير إلى أن الثواب والعقاب ينال الميت من
غير حياة وهذا مكابرة للعقول . . .
وقد تلخص من هذا : أن الروح تعاد إلى الجسد ويحيا وقت المسألة وأنه ينعم أو
يعذب من ذلك الوقت إلى يوم البعث إما متقطعا أو مستمرا على ما سبق .
وهل ذلك من بعد وقت المسألة إلى البعث للروح فقط أو لها مع الجسم ؟
يترتبان على أن الجسم هل يفنى أو يتفرق وكلا الأمرين جائز عقلا وفي الواقع منه
قولان للمتكلمين ولم يرد في الشرع ما يمكن التمسك به في ذلك إلا قوله صلى الله
عليه وسلم : ( كل ابن آدم يبلي إلا عجب الذنب ) .
فحيث يكون الجسم أو بعضه باقيا فلا امتناع من قيام الحياة به وحيث يعدم
بالكلية يتعين القول بالروح فقط . . .
وبالجملة : كل أحد يعامل بعد موته كما كان يعامل في حياته ولهذا يجب الأدب
مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته كما كان في حياته .
وقد روي عن أبي بكر الصديق ( رضي الله عنه ) قال : لا ينبغي رفع الصوت على نبي حيا ولا
ميتا .
وروي عن عائشة رضي الله عنها : أنها كانت تسمع صوت الوتد يوتد والمسمار
يضرب في بعض الدور المطيفة بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فترسل
إليهم : لا تؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم . . .
وعن عروة قال : وقع رجل في علي عند عمر بن الخطاب فقال له عمر بن
الخطاب : قبحك الله لقد آذيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبره .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 402 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب ( رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة )

كتاب رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة
للشيخ محمود سعيد ممدوح - طبعة دار الإمام النووي - الأردن 1416
قال في ص 5 :
وبعد . . فإن مسألتي التوسل والزيارة من المسائل التي شغلت الناس كثيرا ،
وصنفت فيهما - خاصة مسألة التوسل - مصنفات متعددة ، وحصل أخذ ورد وجدل ،
وتزيد ! وتاجر بهما سماسرة الاختلاف بين المسلمين !
ومما زاد الطين بله أن سبكهما المتشددون في مسائل الاعتقاد . . ! !
وقد حصل بسببهما الخوض في أعراض كثير من أئمة الدين ، وتطاول في
أعراض جماهير المسلمين . ومن أحاط علما بما ذكرت علم كم صحب ذلك من
النهي الشديد والتخويف والتهديد ، وقد تلاحقت أقلام في ذلك كان من آخرها
رسالة باسم ( الأخطاء الأساسية في توحيد الألوهية الواقعة في فتح الباري ) شنع
فيها صاحبها على الحافظ ابن حجر لتجويزه التوسل ، وقوله باستحباب الزيارة ! وهذا
غاية في الغلو والتعصب والجهل !
فيا للعار والشنار : قاضي قضاة المسلمين وشيخ المحدثين وإمامهم ، ومفخرة
المسلمين ، أحمد بن حجر العسقلاني ( رضي الله عنه ) تصنف - بدون حياء - رسالة تحوي هذا
المعنى الذي لا يدل إلا على مبلغ انحراف مصنفها المسكين . . .
والغرض من هذا المصنف بعد بيان الحق في الأحاديث ، هو أن الخلاف في
مسألة التوسل هو خلاف في الفروع ، ومثله لا يصح أن يشنع أخ به على أخيه أو
يعيبه به ، وأن من قال به - وهو التوسل بالأنبياء والأولياء - متمسك بأدلة ثابتة ثبوت
الجبال الرواسي وردها لا يجئ إلا من متعنت أو مكابر .
وأما المقصود في مسألة الزيارة فهو إثبات إطباق فقهاء الأمة على استحباب أو
وجوب زيارة المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) ، بشد رحل أو بدونه ، وأن من قال بتحريم الزيارة
المستوجبة لشد الرحل قد ابتدع وخالف النصوص الصريحة ، وإطباق فقهاء مذهبه ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 403 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فضلا عن المذاهب الأخرى .
فأولى بأولي النهى ترك الشاذ من القول ، والتسليم بالمعروف المشهور الذي
أطبقت الأمة على العمل به ، والله المستعان .
أما من تعود أن يقول : عنزة ولو طارت ، أو يا داخل مصر مثلك كثير ، فهو مكابر أو
متعنت ، فلا كلام لنا معه ، فقد خالف صريح الدليل وخالف أعيان الأئمة
وقال في ص 13 :
وكون الوسيلة هي القربة لا خلاف بين المفسرين في ذلك ، كما صرح به ابن كثير
في تفسيره ( 3 / 97 ) وقال ( الوسيلة هي ما يتوصل بها إلى تحصيل المطلوب ) . ا ه‍ .
فقول بعضهم : إن التوسل هو اتخاذ واسطة بين العبد وربه ، خطأ محض !
فالتوسل ليس من هذا الباب قطعا ، فالمتوسل لم يدع إلا الله وحده ، فالله وحده هو
المعطي والمانع والنافع والضار ، ولكنه اتخذ قربة رجاء قبول دعاءه ، والقربة في
الدعاء مشروعة بالاتفاق .
وترد الوسيلة بمعنى المنزلة كما في الحديث الصحيح المشهور : سلوا الله لي
الوسيلة . . الحديث . . .
والتوسل على نوعين : أحدهما ما اتفق عليه . وترك الخوض فيه صواب ، لأنه
تكرار وتحصيل حاصل .
ثانيهما : ما اختلف فيه ، وهو السؤال بالنبي أو بالولي أو بالحق أو بالجاه أو
بالحرمة أو بالذات ، وما في معنى ذلك .
وهذا النوع لم ير المتبصر في أقوال السلف من قال بحرمته ، أو أنه بدعة ضلالة
أو شدد فيه وجعله من موضوعات العقائد ، كما نرى الآن .
لم يقع هذا إلا في القرن السابع وما بعده !
وقد نقل عن السلف توسل من هذا القبيل . . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 404 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال في ص 15 :
وقد أكثر ابن تيمية من بحث النوع الثاني من التوسل في مصنفاته قائلا بمنعه ،
وقلده وردد صدى كلامه آخرون . ويحسن ذكر كلام ابن تيمية مع بيان ما فيه ،
واقتصاري على كلامه فقط هو الأولى ، لأن من تشبث بكلامه لا يزيد عن كونه
متشبعا من موائده ، دائرا في فلكه ، والله المستعان :
كان ابن تيمية يرى منع التوسل بالأنبياء والملائكة والصالحين ، وقال : التوسل
حقيقته هو التوسل بالدعاء - دعاء الحي فقط - وذكر ذلك في مواضع من كتابه التوسل
والوسيلة ) ( ص 169 ) .
وقال ابن تيمية ( ص 65 ) وهو الاعتراض الأول :
السؤال به ( أي بالمخلوق ) فهذا يجوزه طائفة من الناس ، لكن ما روي عن النبي
صلى الله عليه وسلم في ذلك كله ضعيف بل موضوع ، وليس عنه حديث ثابت قد
يظن أن لهم فيه حجة ، إلا حديث الأعمى ولا حجة لهم ، فإنه صريح في أنه إنما
توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته ، وهو طلب من النبي صلى الله
عليه وسلم الدعاء ، وقد أمره النبي أن يقول : اللهم شفعة في ، ولهذا رد الله عليه
بصره لما دعا له النبي ، وكان ذلك مما يعد من آيات النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو
توسل غيره من العميان الذين لم يدع لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال به لم
تكن حالهم كحاله . ا ه‍ .
قلت : قوله كله ضعيف بل موضوع سيأتي إن شاء الله تعالى الرد على هذا
الكلام في تخريج الأحاديث ، ففيها الصحيح والحسن والضعيف عند أئمة هذا
الشان ، ووفق قواعد الفن .
أما قوله : إلا حديث الأعمى لا حجة لهم فيه ، فإنه صريح في أنه إنما توسل
بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته . . . وكلامه فيه نظر ظاهر ، لأن الناظر في
حديث توسل الأعمى يجد فيه الآتي :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 405 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
1 - جاء الأعمى للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له : أدع الله أن يعافيني ،
فالأعمى طلب الدعاء .
2 - فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم قائلا : إن شئت أخرت ذلك وهو خير ، وإن
شئت دعوت . فخيره رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين له أن الصبر أفضل .
3 - ولكن لشدة حاجة الأعمى ، التمس الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم .
4 - عند ذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي
ركعتين .
5 - وزاد على ذلك هذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي
الرحمة . يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي فتقضى لي .
فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء ، كما طلب الأعمى في أول الحديث ،
ودعا الأعمى بهذا الدعاء كما علمه النبي صلى الله عليه وسلم .
6 - فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم دعاء هو توسل به ، وهو نص في التوسل به
صلى الله عليه وسلم ، لا يحتمل أي تأويل ، وكيف يحتمل غير التوسل به وفيه
( أتوجه إليك بنبيك . . إني توجهت بك . ومن رأى غير ذلك فقد استعجم عليه
الحديث .
وابتهج الألباني في توسله بكلام ابن تيمية فردده قائلا ( ص 72 ) : وعلى هذا
فالحادثة كلها تدور حول الدعاء - كما هو ظاهر - وليس فيها ذكر شئ مما يزعمون . اه .
قلت : هذه مصادرة للنص وتعمية على القارئ !
كيف لا يكون كذلك والنبي صلى الله عليه وسلم علم الرجل دعاء فيه السؤال
بالنبي صلى الله عليه وسلم .
نعم ، الحادثة تدور حول الدعاء ، ولكن السؤال هنا ما هو الدعاء الذي دعا به
النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وما هو الدعاء الذي علمه للرجل الأعمى ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 406 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لا يستطيع أي منصف إلا الإجابة بأن هذا الدعاء هو الذي فيه نص بالتوسل به
صلى الله عليه وسلم ، فالأعمى جاء يطلب مطلق الدعاء برد بصره ، وعلمه صلى الله
عليه وسلم ، وأمره بالتوسل به ليتحقق المطلوب .
7 - ثم قال صلى الله عليه وسلم : اللهم شفعه في وشفعني في نفسي ، أي تقبل
شفاعته أي دعاءه في وتقبل دعائي في نفسي .
وهنا سؤال : أي دعاء هنا الذي يطلب قبوله ؟ لا شك أن الإجابة عليه ترد بداهة
في ذهن أي شخص ، إنه الدعاء المذكور فيه التوسل به صلى الله عليه وسلم ، وهذا
لا يحتاج لاعمال فكر أو إطالة نظر وتأمل ، وهو واضح وضوح الشمس في رابعة
النهار .
ويمكن أن يقال : إن سؤال قبول الشفاعة هو توسل بدعائه صلى الله عليه وسلم ،
مع التوسل بذاته ، وهذا منتهى ما يفهم من النص ، والله أعلم .
8 - فسبب رد بصر الأعمى هو توسله بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا ما فهمه
الأئمة الحفاظ الذين أخرجوا الحديث في مصنفاتهم ، فذكروا الحديث على أنه من
الأدعية التي تقال عند الحاجات . فقال البيهقي في دلائل النبوة ( 6 / 166 ) باب : ما
جاء في تعليمه الضرير ما كان فيه شفاؤه حين لم يصبر ، وما ظهر في ذلك من آثار
النبوة . ا ه‍ .
ولا يخفى أن تعليمه للضرير هو الدعاء الذي فيه التوسل بالذوات ، وعبارة
البيهقي واضحة جدا . والبيهقي حافظ فقيه .
وهكذا ذكره النسائي ، وابن السني في عمل اليوم والليلة ، والترمذي في
الدعوات ، والطبراني في الدعاء ، والحاكم في المستدرك ، والمنذري في الترغيب
والترهيب ، والهيثمي في مجمع الزوائد في صلاة الحاجة ودعائها ، والنووي في
الأذكار على أنه من الأذكار التي تقال عند عروض الحاجات ، وابن الجزري في العدة
في باب صلاة الضر والحاجة ( ص 161 ) .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 407 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال القاضي الشوكاني في تحفة الذاكرين ( ص 162 ) : وفي هذا الحديث دليل على
جواز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل ، مع اعتقاد أن الفاعل
هو الله سبحانه وتعالى ، وأنه المعطي المانع ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن . ا ه‍ .
واستقصاء الحفاظ الذين فهموا أن الحديث على عمومه ، واستعمال الدعاء
الوارد فيه الذي فيه التوسل به صلى الله عليه وسلم ، يطول .
9 - إن عثمان بن حنيف ( رضي الله عنه ) وهو راوي الحديث فهم من الحديث العموم ، فقد
وجه رجلا يريد أن يدخل على عثمان بن عفان ( رضي الله عنه ) إلى التوجه بالدعاء المذكور في
الحديث الذي فيه التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، إسناده صحيح سيأتي إن
شاء الله تعالى .
وفهم الصحابي الجليل عثمان بن حنيف ( رضي الله عنه ) ، هو ما لا يستقيم فهم الحديث إلا
به .
10 - إن رواية ابن أبي خيثمة للحديث من طريق حماد بن سلمة الحافظ الثقة فيها
( فإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك ) وهي زيادة ثقة حافظ ، فهي صحيحة مقبولة ،
كما هو معلوم ومقرر في علوم الحديث . وهذه الرواية تدل على العموم وطلب
العمل بالحديث في الحياة وبعد الممات ، إلى قيام الساعة .
ثم قال ابن تيمية : ولو توسل غيره من العميان الذين لم يدع لهم النبي ص
بالسؤال به لم تكن حالهم كحاله . ا ه‍ .
وقال ابن تيمية في موضع آخر : وكذلك لو كان أعمى توسل به صلى الله عليه
وسلم ولم يدع له الرسول صلى الله عليه وسلم بمنزلة ذلك الأعمى ، لكان عميان
الصحابة أو بعضهم يفعلون مثل ما فعل الأعمى ، فعدولهم عن هذا إلى هذا دليل
على أن المشروع ما سألوه دون ما تركوه . ا ه‍ .
قلت : الجواب عليه سهل ميسور ، وكنت أود أن لا أرد هذا الايراد ، لكنني رأيت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 408 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جماعة أخذوا هذا الايراد ونسبوه لأنفسهم ، وكان الصواب ألا يذكر لفساده ، أو يذكر
مع نسبته لقائله !
ومن الذين نسبوه لأنفسهم الألباني فإنه قال في توسله ( ص 76 ) :
لو كان السر في شفاء الأعمى أنه توسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وقدره
وحقه كما يفهم عامة المتأخرين ، لكان المفروض أن يحصل هذا الشفاء لغيره من
العميان الذين يتوسلون بجاهه صلى الله عليه وسلم ، بل ويضمون إليه أحيانا جاه
جميع الأنبياء المرسلين ، وكل الأولياء والشهداء والصالحين ، وجاه كل من له جاه
عند الله من الملائكة والإنس والجن أجمعين .
ولم نعلم ولا نظن أحدا قد علم حصول مثل هذا خلال هذه القرون الطويلة بعد
وفاته صلى الله عليه وسلم إلى اليوم . ا ه‍ .
وذكر نحو هذا الايراد صاحب ( التوصل إلى حقيقة التوسل ) ص 243 ، وكذا المتعالم
صاحب ( هذه مفاهيمنا ) ص 37 .
والجواب على هذا الايراد بالآتي :
1 - إجابة الدعاء ليست من شروط صحة الدعاء ، وقد قال الله تعالى ( أدعوني
أستجب لكم ) ونحن نرى بعض المسلمين يدعون فلا يستجاب لهم ، وهذا الايراد
يأتي على الدعاء كله ، فانظر إلى هذا الايراد أين ذهب بصاحبه ؟
2 - هذا الايراد يرد عليه احتمال أقوى منه وحاصله : أن عدم توسل عميان
الصحابة وغيرهم احتمال فقط لا يؤيده دليل ، وهم إما توسلوا فاستجيب لهم ، أو
تركوا رغبة في الأجر ، أو توسلوا وادخر ذلك أجرا لهم ، أو تعجلوا فما أستجيب لهم .
وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ،
يقول : قد دعوت فلم يستجب لي ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
وكم من داع متوسلا لله بأسمائه وصفاته ولم يستجب له ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 409 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ويلزم هؤلاء إشكال وهو أننا نرى من يدعو ويتوسل بأسماء الله وصفاته أو بعمله
الصالح أو بدعاء رجل صالح ولم نر إجابة الدعاء . هذا من تمام الحجة عليهم
ونقض إيرادهم ! فلا تلازم بين الدعاء والإجابة . والله أعلم بالصواب .
على أن قول الألباني : لا نعلم ولا نظن أحدا . . الخ . تهافت وشهادة على نفي لا
ينخدع بها إلا مسلوب العقل .
تذنيب مفيد لكل لبيب :
بعد أن تبين لك دلالة الحديث الواضحة على التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ،
وأن المخالف متسنم بيتا من بيوت العنكبوت . . تجد أن من هؤلاء المخالفين من لم
يستطع تحت قوة الدليل إلا الاعتراف بجواز هذا التوسل ، وأنه لا غبار عليه فشكك
في شبهاته وأسقط كلامه ! !
إنه الألباني الذي قال في توسله ( ص 77 ) :
على أنني أقول : لو صح أن الأعمى إنما توسل بذاته صلى الله عليه وسلم فيكون
حكما خاصا به صلى الله عليه وسلم ، لا يشاركه فيه غيره من الأنبياء والصالحين ،
وإلحاقهم به مما لا يقبله النظر الصحيح ، لأنه صلى الله عليه وسلم سيدهم وأفضلهم
جميعا ، فيمكن أن يكون هذا مما خصه الله به عليهم ، ككثير مما يصح به الخبر ،
وباب الخصوصيات لا تدخل فيه القياسات ، فمن رأى أن توسل الأعمى كان بذاته
صلى الله عليه وسلم فعليه أن يقف عنده ولا يزيد عليه ، كما نقل عن الإمام أحمد
والشيخ العز بن عبد السلام رحمهما الله تعالى . هذا هو الذي يقتضيه البحث العلمي
مع الإنصاف والله الموفق للصواب ) . ا ه‍
فقل لي بربك لماذا كان كل هذا المراء من أساسه ، وترك الدليل إلى التقليد ؟
بيد أن عبارته فيها هنات لا تخفى ، فقصره بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
فقط لا دليل عليه ، وهو تخصيص بدون مخصص ، فالخصوصية لا تثبت إلا بدليل .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 410 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وإذا كان الإمام أحمد ( رحمه الله ) يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فلم ينقل
عنه المنع من التوسل بغيره ، ومن نقل عنه ذلك يكون قد افتأت عليه ، ؟
والحنابلة وهم أعرف بإمامهم لم يذهبوا إلى القصر الذي ادعاه الألباني ! فيقول ابن
مفلح الحنبلي في الفروع ( 1 / 595 ) : ( ويجوز التوسل بصالح وقيل يستحب قال أحمد
في منسكه الذي كتبه للمروزي إنه يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسله في دعائه ،
وجزم به في المستوعب وغيره ) . ا ه‍ .
وقال في ص 31 :
وقال عمر بن حمزة : حدثنا سالم عن أبيه : ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى
وجه النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي ، فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وهو قول أبي طالب والشاهد فيه قوله : ( يستسقى الغمام بوجهه ) فتمثل عبد
الله بن عمر رضي الله عنهما بقول أبي طالب ، وتذكره له مع النظر للنبي صلى الله
عليه وسلم ، يدل على توسله بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء ، وهو نص
لا يحتمل غيره .
وقد أجاب الشيخ بشير السهسواني على هذا النص الصريح إجابة مندفعة فقال
( ص 373 ) : فإن قلت : لفظ ( يستسقى الغمام بوجهه ) يدل على أن التوسل بالذوات
الفاضلة جائز ؟
قلت : المكروه من التوسل هو أن يقال أسألك بحق فلان أو بحرمة فلان ، وأما
إحضار الصالحين في مقام الاستسقاء ، أو طلب الدعاء منهم فهو ليس من المكروه
في شئ ، بل هو ثابت بالسنة الصحيحة . ا ه‍ .
وقال في موضع آخر ( ص 274 ) : وإذا كان حضور الصحابة والتابعين وتابعي
التابعين والضعفاء سببا للنصر والفتح ، فما ظنك بحضور سيد ولد آدم صلى الله عليه
وسلم ؟ ا ه‍ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 411 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثم قال في ( ص 275 ) : فالمراد بوجهه في قول أبي طالب : ( يستسقى بوجهه )
ببركة حضور ذاته أو بدعائه . ا ه‍ .
قلت وبالله التوفيق : صرف السهسواني هذا التوسل إلى التبرك بالذات أو الدعاء
فيه نظر ، أما الدعاء فظاهر أن كون المراد بيستسقى بوجهه ببركة حضوره فيمكن أن
يكون كذلك إن كان التبرك والتوسل عنده مترادفان وهو الصواب ، وهو ما صرح به
البدر العيني فقال في عمدة القاري ( 7 / 30 ) : معنى قول أبي طالب هذا في الحقيقة
توسل إلى الله عز وجل بنبيه ، لأنه حضر استسقاء عبد المطلب والنبي صلى الله عليه
وسلم معه ، فيكون استسقاء الناس الغمام في ذلك الوقت ببركة وجهه الكريم . ا ه‍ .
وإن لم يكن ، فلفظة ( يستسقى الغمام بوجهه ) هو عين التوسل ، ولا بد من حمل
النص على ظاهره ، ولا يصرف إلا بدليل ولا صارف هنا . والله أعلم .
وللعلامة محمد بن علي الشوكاني كلمة في جواز التوسل بالأنبياء وغيرهم من
الصالحين رد فيها على من منعه وفند إيراداته ، فقال ( رحمه الله ) في كتابه ( الدر النضيد في
إخلاص كلمة التوحيد ) ما نصه :
أما التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه ،
فقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام إنه لا يجوز التوسل إلى الله تعالى إلا بالنبي
صلى الله عليه وسلم إن صح الحديث فيه .
ولعله يشير إلى الحديث الذي أخرجه النسائي في سننه ، والترمذي وصححه ،
وابن ماجة ، وغيرهم ، أن أعمى أتى النبي . . .
وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم كما
زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام لأمرين : الأول ، ما عرفناك به من إجماع
الصحابة رضي الله تعالى عنهم . والثاني ، أن التوسل إلى الله بأهل الفضل والعلم هو
في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة ، إذ لا يكون فاضلا إلا
بأعماله ، فإذا قال القائل : اللهم إني أتوسل إليك بالعالم الفلاني فهو باعتبار ما قام به
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 412 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من العلم . وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حكى
عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة أن كل واحد منهم توسل . . .
فلو كان التوسل بالأعمال الفاضلة غير جائز ، أو كان شركا كما زعمه المتشددون
في هذا الباب كابن عبد السلام ومن قال بقوله من أتباعه ، لم تحصل الإجابة لهم ولا
سكت النبي صلى الله عليه وسلم عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم !
وبهذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل بالأنبياء والصلحاء من نحو قوله
تعالى ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) ونحو قوله تعالى ( فلا تدعوا مع الله
أحدا ) ، ونحو قوله تعالى ( له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم
بشئ ) ليس بوارد ، بل هو من الاستدلال على محل النزاع بما هو أجنبي عنه . . .
وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى (
وأنذر عشيرتك الأقربين ) يا فلان ابن فلان لا أملك لك من الله شيئا ، يا فلانة بنت
فلان لا أملك لك من الله شيئا ، فإن هذا ليس فيها إلا التصريح بأنه صلى الله عليه
وسلم لا يستطيع نفع من أراد الله ضره ولا ضر من أراد الله تعالى نفعه ، وأنه لا يملك
لأحد من قرابته فضلا عن غيرهم شيئا من الله . وهذا معلوم لكل مسلم ، وليس فيه
أنه لا يتوسل به إلى الله ، فإن ذلك هو طلب الأمر ممن له الأمر والنهي ، وإنما أراد
الطالب أن يقدم بين يدي طلبه ما يكون سببا للإجابة ممن هو المنفرد بالعطاء والمنع ،
وهو مالك يوم الدين . انتهى كلام الشوكاني ( رحمه الله ) .
- وقال الآلوسي : أنا لا أرى بأسا في التوسل إلى الله تعالى بجاه النبي صلى الله عليه
وسلم عند الله تعالى حيا وميتا ، ويراد بالجاه معنى يرجع إلى صفة من صفاته تعالى
مثل أن يراد به المحبة التامة المستدعية عدم رده وقبول شفاعته فيكون معنى قول
القائل : إلهي أتوسل إليك بجاه نبيك صلى الله تعالى عليه وسلم أن تقضي لي
حاجتي ، إلهي اجعل محبتك له وسيلة في قضاء حاجتي .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 413 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولا فرق بين هذا وقولك : إلهي أتوسل إليك برحمتك أن تفعل كذا ، إذ معناه أيضا
إلهي اجعل رحمتك وسيلة في فعل كذا . انتهى من جلاء العينين ( ص 572 ) .
وقال في ص 37 :
التوسل ليس من مباحث الاعتقاد :
التوسل من موضوعات الفروع ، لأن حقيقته اتخاذ وسيلة ، أي قربة إلى الله تعالى .
قال الله عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ) .
والتوسل على أنواع ، وأمره يدور بين الجواز والندب والحرمة ، وما كان أمره
كذلك فهو من الأحكام الشرعية التي موضوعها علم الفقه .
وإقحام موضوعات الفقه في التوحيد والعقائد خطأ يجب مجانبته ، حتى ينزل
كل بحث منزلته .
وهذا الإمام أبو حنيفة يقول : ويكره أن يقول الرجل في دعائه : أسألك بمعقد
العز من عرشك . اه ( الجامع الصغير للإمام محمد ص 395 مع النافع الكبير ) فعبر الإمام
أبو حنيفة ( رحمه الله ) بقوله ( يكره ) فدار الأمر بين الكراهة التنزيهية أو التحريمية ، كما قرره
أصحابه في كتاب ( الكراهية ) أو الحظر والإباحة من مصنفاتهم الفقهية .
والسادة الفقهاء يذكرون التوسل في باب الاستسقاء ، وعند زيارة قبر النبي صلى
الله عليه وسلم .
أما سلك بحث التوسل في العقائد وجعله وسيلة من وسائل الشرك ، فبدعة قد
حلت بالمسلمين ومسلك قد زرع العداوة بينهم ، ونفخ في بوق الخلاف بين الأخ
وأخيه والأب وابنه .
ومن قلب النظر في عشرات الكتب والرسائل التي يصنفها بعض المعاصرين التي
تتحدث عن ( منهج أهل السنة والجماعة ) و ( وأصول أهل السنة ) و ( عقيدة الفرقة
الناجية أو ( العقيدة الصحيحة ) و ( مجمل أصول أهل السنة والجماعة ) و
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 414 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وخصائص . . . ومميزات . . . لرأى الهول والجهل معا ووقف على أنواع من التشدد
كادت أن تأتي على الأخضر واليابس .
وينبغي على العقلاء كشف أوضار وأخطار هؤلاء الجهلة ، ومن على شاكلتهم من
المتاجرين بالخلاف بين المسلمين .
وإن المرء لا يعجب ممن يأخذ بأحد الرأيين ، ولكنه لا ينقضي عجبه ممن يتبع
أحد هذين الرأيين ، ثم يجعل ما اتبعه هو الحق الذي يجب المصير إليه ويجعل من
اختيار الآخرين للرأي الآخر برهان كونهم مبتدعة يجب مفارقتهم ويجب . . . ويجب
. . . فقل لي بربك أي عالم من علماء الأمة يقر هذا المسلك المتخلف العجيب ! ولطالما
اتهم كثير من عباد الله الصالحين بالابتداع وغيره ، وعند المحقاقة تجد الحق معهم
والجهل مع غيرهم ، فإلى الله المشتكى مما إليه أمر المسلمين .
وقال في ص 41 :
ولا بأس أن ألفت نظر القارئ الكريم لنوع من رسائل التهويل والتضليل والتعدي
على المسلمين ، وما أكثرها .
من هذه الرسائل رسالة باسم ( وقفات مع كتاب للدعاة فقط ) يعيب المؤلف فيها
على صاحب كتاب ( للدعاة فقط ) مسائل منها قول الإمام حسن البنا ( رحمه الله ) : ( والدعاء
إذا قرن بالتوسل إلى الله تعالى بأحد من خلقه خلاف فرعي في كيفية الدعاء ، وليس
من مسائل العقيدة ) . ا ه‍ ( ص 25 ) .
وهذا حق لا مرية فيه ، ومنكره منكر للمحسوس ومكابر في الضروريات ، ولأن
صاحب الرسالة المذكورة وقف على بعض الرسائل التي ترشح بالتهويل والتضليل
وتعميق الخلاف بين المسلمين ، جرى المسكين في فلك هذه الرسائل فأبرق لمن
يفتيه وفق مراده ، فأفاده بعضهم بقوله المضحك المبكي ( هو صالح الفوزان ) :
التوسل في الدعاء بذوات الصالحين أو حقهم أو جاههم يعتبر أمرا مبتدعا
ووسيلة من وسائل الشرك ، والخلاف فيه يعتبر خلافا في مسائل العقيدة لا في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 415 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مسائل الفروع ، لأن الدعاء فيه أعظم أنواع العبادة ، ولا يجوز فيه إلا ما ورد في
الكتاب والسنة . . . الخ ( ص 31 - 32 ) .
قلت : لا يخفى أن الأحاديث والآثار الصحيحة والحسنة ترد قوله ، ولو استحضر
هذا المجيب حديثا واحدا منها ، وليكن حديث توسل الأعمى بالنبي صلى الله عليه
وسلم واستعمال عثمان بن حنيف له ، وزيادة حماد بن سلمة الصحيحة ، وكان مع
استحضاره منصفا وترك تقليد غيره ، لأعرض عما تفوه به ، فإن أبى ترك التقليد
فأولى به تقليد إمامه في توسله بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وجماعة من السلف ،
كما نقله ابن تيمية في التوسل والوسيلة ص 65 ، 98 !
فإذا كان أحمد وجماعة من السلف لا يعرفون الشرك ووسائله ، وعرفه هذا
المستدرك عليهم ، فليكن ما عرفه هو سب السلف وأئمة الدين ورميهم بالعظائم لا غير .
نعم الدعاء من أعظم أنواع العبادة ، كلمة حق أريد بها باطل ، لكن المتوسل لا يدعو
إلا الله جل وعز ، ولكنه اتباعا لقول بقول الله تعالى ( وابتغوا إليه الوسيلة ) توسل في
دعائه . وهذه الوسيلة مختلف في بعض أنواعها منها ما يجوز ، ومنها ما لا يجوز .
فالأمر فيه خلاف وهو ضعيف ، ومحل هذا الخلاف موضوع علم الفقه ، أما علم العقيدة أو
التوحيد فيتكلم في الإلهيات والنبويات والسمعيات ، فلا معنى لإدخال بحث
التوسل في العقيدة ، وبون كبير بين العالمين !
وقال في ص 47 :
وإذا كان صاحب رسالة ( وقفات مع كتاب للدعاة فقط ) قد اعتمد على غيره ، فإن
أبا بكر الجزائري قد اعتمد على نفسه ، فزاد الطين بلة ، وكفر قسطا وافرا من
المسلمين فقال ما نصه :
إن دعاء الصالحين والاستغاثة بهم والتوسل بجاههم لم يكن في دين الله تعالى
قربة ولا عملا صالحا فيتوسل به أبدا ، وإنما كان شركا في عبادة الله محرما
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 416 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يخرج فاعله من الدين ويوجب له الخلود في جهنم . انتهى بحروفه من كتابه ( عقيدة
المؤمن ) ( ص 144 ) .
والصحيح أن المؤمن لا يعتقد ذلك في إخوانه المؤمنين الذين يعتقدون ألا مؤثر
إلا الله عز وجل ، وغاية عملهم أنهم علموا منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه
فتوسلوا به واتبعوا الأدلة الصحيحة ، وقد تأسوا في ذلك بالصحابة رضوان الله
عليهم . وقد أخطأ أبو بكر الجزائري فكفر عباد الله الصالحين ، وهذا التكفير الجزاف
لا ارتباط له بكتاب أو سنة ، ولا بما عليه السواد الأعظم ، ولم يقل ذو عقل ودين
بمقولته الفاسدة إلا من كان على رأي الخوارج ! ! نسأل الله العافية .
وللأسف قد طبع كتابه مرات ، وليتأمل القارئ المنصف كم من المسلمين فتنوا
بهذا الباطل ! والله المستعان .
وقال في ص 48 :
وإذا كان أبو بكر الجزائري قد تفوه بالتكفير ، فهناك آخر هو محمد صالح العثيمين
الذي أصر على اعتبار التوسل من مباحث الاعتقاد واستدل على مقولته بما لم
يصرح به مسلم فقال :
وبالنسبة للتوسل فهو داخل في العقيدة لأن المتوسل يعتقد أن لهذه الوسيلة
تأثيرا في حصول مطلوبه ودفع مكروهه ، فهو في الحقيقة من مسائل العقيدة ، لأن
الإنسان لا يتوسل بشئ إلا وهو يعتقد أن له تأثيرا فيما يريد . ا ه‍
من فتاوى ابن عثيمين ( 3 / 100 ) كما نقله عنه جامع ( فتاوى مهمة لعموم الأمة ) .
قلت : أثبت العرش ثم انقش ، فمن الذي أطلعك على ما في صدور المتوسلين
حتى تصرح بهذه المقولة الشنيعة .
إن ما قاله مناف للاعتقاد تماما ، فكل مسلم يعتقد اعتقادا جازما أن الله جل وعز
هو النافع وهو الضار ، وأن المؤثر الحقيقي هو الله ، وأنه وحده مسبب الأسباب ، فلا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 417 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فاعل إلا الله ، ولا خالق سواه ، وإليه يرجع الأمر كله . وغاية ما في المتوسل أن يقول :
اللهم إني أسألك أو أتوسل إليك بنبيك صلى الله عليه وسلم مثلا .
فالمتوسل سأل الله تعالى ولم يسأل سواه ، ولم ينسب إلى المتوسل به تأثيرا
أو فعلا أو خلقا ، وإنما أثبت له القربة والمنزلة عند الله تعالى ، وتلك المنزلة ثابتة له في
الدنيا والآخرة ، وإليه نذهب يوم القيامة طلبا للشفاعة .
ومن اعتقد أن إخوانه المسلمين يعتقدون أن المتوسل به له تأثير ، فيكون قد
كفرهم ، ووضع نفسه مقام العارف بما في الصدور !
وهذه فتاوى يضحك بها هؤلاء على البسطاء ليوضحوا لهم أن المتوسلين من
جلدة أخرى ! وكلام العثيمين ينسحب إلى التوسل كله . والحق يقال : إنه كلام لا
علاقة له بالعلم ، وكم من حوادث وفتن تتبع هذه الفتاوى ، وكم من جاهل كفر أبويه
أو أهل خطته بسبب اغتراره بمثل هذه الفتاوى ، ولو تمهل المفتي وفكر قليلا لأدرك
سخف مقولته .
والعجب أنه أطلق وما قيد ، فهل للعمل الصالح المتوسل به تأثيرا بذاته . ومحال
أن الصحابة اعتقدوا هذا الاعتقاد في النبي صلى الله عليه وسلم ، والعباس ويزيد
عندما توسلوا بهم ، ومحال أن يعتقد السلف ، ومنهم الإمام أحمد الذين توسلوا
بالنبي صلى الله عليه وسلم ( كما صرح به ابن تيمية في التوسل والوسيلة ص 98 ) هذا
الاعتقاد الفاسد .
والحنابلة يجوزون أو يستحبون التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم كما صرح
إمامهم ابن قدامة بذلك في المغني ، فهل يراهم يعتقدون مثل هذا الاعتقاد ؟ ! !
إن من الآفات المردية التسرع في رمي العباد بالعظائم .
والحاصل أن ما قاله العثيمين لا يصلح دليلا على ما ادعى ، بل هو مما يدوم
ضرره ، لأن آثاره نراها دارجة تفرق بين المسلمين ! نسأل الله لنا جميعا الهداية
والتوفيق ، ولو حسن الشيخ الظن بإخوانه المسلمين لكان له موقف آخر .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 418 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب ( حقيقة التوسل والوسيلة في المتاب والسنة )

تأليف موسى محمد علي - الناشر دار التراث العربي بمصر - طبقة ثانية - 1410
قال في صفحة 27 وما بعدها :
والوسيلة ما يتقرب به إلى الغير . والجمع الوسل ، والوسائل ، والتوسيل والتوسل
واحد ، يقال : وسل فلان إلى ربه وسيلة ، وتوسل إليه بوسيلة ، إذا اقترب إليه بعمل .
وهي أيضا : كل ما جعله الله سببا في القربى عنده ، ووصلة إلى قضاء الحوائج منه ،
والمدار فيها على أن يكون للوسيلة قدر وحرمة عند المتوسل إليه .
ولفظ الوسيلة عام في الآيتين ، فهو شامل للتوسل بالذوات الفاضلة من الأنبياء
والصالحين ، في الحياة وبعد الممات ، وبإتيان الأعمال الصالحة على الوجه المأثور
به أخرج الطبراني في معجمه الكبير والأوسط بسند رجاله رجال الصحيح ، وابن
حبان والحاكم عن أنس أنه قال : لما ماتت فاطمة بنت أسد أم علي رضي الله عنهما ،
دخل عليها رسول الله . . الحديث ، وفي آخره : أنه لما فرغ من حفر لحدها دخل
رسول الله فاضطجع فيه وقال : الله الذي يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت ، اغفر
لأمي فاطمة بنت أسد ، ولقنها حجتها ، ووسع عليها مدخلها ، بحق نبيك والأنبياء
الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين .
ففي هذا الحديث الثابت ، توسله عليه الصلاة والسلام إلى ربه بذاته ، التي هي
أرفع الذوات قدرا ، وبإخوانه من النبيين ، وجلهم موتى عليهم جميعا الصلاة
والسلام .
فالتوسل بسيدنا رسول الله ، والتوسل بسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ،
والتوسل بالصالحين من عباد الله سبحانه ، والاستغاثة بهم جميعا ، على النحو الذي
عليه الأمة ، من اعتقاد أنهم عباد مكرمون مقبولو الشفاعة ، عند الله تعالى بفضله ، هو
مما أجمعت عليه الأمة ، ودل عليه الكتاب ، ونطقت به صحاح السنة ، وأقوال العلماء .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 419 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وجواز التوسل وحسنه يعد بحق من الأمور المعلومة لكل ذي دين ، المعروفة من
فعل الأنبياء والمرسلين ، وسير السلف الصالحين والعلماء العوام من المسلمين .
وحسبك من إنكار المنكر للاستعانة والتوسل ، قول لم يقله عالم قبله ، وقد
وقفت له على كلام طويل في ذلك ، رأيت أن أميل عنه ولا أتتبعه بالنقض والإبطال ،
فإن دأب القاصدين لإيضاح الدين وإرشاد المسلمين ، تقريب المعنى إلى أفهامهم ،
وتحقيق مرادهم وبيان حكمه وأحكامه .
وعلى أي حال من الأحوال ، ومهما بلغ قول المنكر من الانكار ، فإن التوسل
بالنبي جائز في كل حال ، قبل خلقه ، وبعد خلفه ، في مدة حياته في الدنيا ، وبعد
موته في مدة البرزخ ، وبعد البعث في عرصات القيامة ، والجنة .
وهو على ثلاثة أنواع :
1 - النوع الأول : أن التوسل به بمعنى أن طالب الحاجة يسأل الله تعالى به ، أو
بجاهه أو ببركته . وله ثلاث حالات :
أما الحالة الأولى : قبل خلقه فيدل على ذلك آثار عن الأنبياء الماضين ، صلوات
الله وسلامه عليهم أجمعين ، اقتصرنا منها على بعض ما تبين لنا صحته ، وهو ما رواه
الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين ، وعبد الرزاق في مصنفه ، وابن
أبي شيبة في مسنده : عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس رضي الله عنهما ،
قال : أوحى الله إلى عيسى يا عيسى آمن بمحمد ، وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا
به ، فلولا محمد ما خلقت آدم ، ولولاه ما خلقت الجنة والنار ، ولقد خلقت العرش
على الماء فاضطرب فكتبت عليه : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فسكن .
وأما ما ورد من توسل نوح ، وإبراهيم ، وغيرهما من الأنبياء ( عليهم السلام ) ، فذكره
المفسرون ، واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيح الحاكم له .
ولا فرق في هذا المعنى بين أن يعبر عنه بلفظ التوسل ، أو الاستعانة ، أو التشفع
أو التجوه . ولسنا في ذلك سائلين غير الله تعالى ، ولا داعين إلا إياه ، ويكون ذكر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 420 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المحبوب أو التعظيم سببا في ذلك للإجابة ، كما في الأدعية الصحيحة المأثورة :
أسألك بكل اسم لك ، وأسألك بأسمائك الحسنى ، وأسألك بأنك أنت الله ، وأعوذ
برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وبك منك . . .
أما عن التوسل بدعاء الرسول وشفاعته ، فيدل عليه قوله تعالى : ولو أنهم إذ
ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله ، واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما .
وفي الحديث الصحيح عن أنس بن مالك ( رضي الله عنه ) ، أن رجلا دخل يوم الجمعة من
باب كان وجاه المنبر ورسول الله قائم يخطب ، فاستقبل رسول الله قائما ، قال : يا
رسول الله ، هلكت المواشي ، وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا . قال : فرفع رسول
الله يديه فقال : اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا . . .
فالنبي أقر هذا الأعرابي على التوسل به ، وسعى في تحقيق ما توسل إليه . . .
الحالة الثانية : التوسل به بذلك النوع ، بعد خلقه ، في مدة حياته ، فمن ذلك ما
رواه أبو عيسى الترمذي في جامعه في كتاب الدعوات : عن عثمان بن حنيف أن
رجلا ضرير البصر أتى النبي فقال : أدع الله أن يعافني . . .
والحالة الثالثة : أن يتوسل به بعد موته ، لما رواه الطبراني في معجمه الكبير : عن
عثمان بن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان
لا يلتفت إليه ، ولا ينظر في حاجته ، فلقي ابن حنيف فشكا ذلك إليه فقال له عثمان
بن حنيف : إيت الميضاة فتوضأ ، ثم إيت المسجد فصل فيه ركعتين ، ثم قل : " اللهم
إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك
فيقضي حاجتي وتذكر حاجتك . . .
والاحتجاج بهذا الأثر فهم عثمان بن حنيف ( رضي الله عنه ) ومن حضره ممن هم أعلم بالله
ورسوله .
2 - النوع الثاني : التوسل به بمعنى طلب الدعاء منه ، وذلك في أحوال : الحالة
الأولى : في حياته وهذا متواتر . . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 421 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولا يصح أن يقول مانع التوسل : أنا لا أمنع التوسل والتشفع لما قدمتم من الآثار
والأدلة وإنما أمنع إطلاق التوجه والاستغاثة لأن فيهما إبهام وهو أن المتوجه به ،
والمستغاث به أعلى من المتوجه عليه والمستغاث عليه .
وهذا لا يعتقده مسلم ، ولا يدل لفظ التوجه والاستغاثة عليه فإن التوجه من
الجاه والوجاهة ، ومعناه : علو القدر والمنزلة .
وقد يتوسل بذي جاه إلى من هو أعلى جاها منه .
الحالة الثانية : بعد موته في عرصات القيامة بالشفاعة منه ، وذلك مما قام الاجماع
عليه وتواترت الأخبار به .
الحالة الثالثة : المتوسطة في مدة البرزخ ، ولا مانع من ذلك ، فإن دعاء النبي لربه
تعالى في هذه الحالة غير ممتنع ، وقد وردت الأخبار على ما ذكرنا من قبل ، ونذكر
طرفا منه بإثبات علمه بسؤال من يسأله ، فلا مانع من أن يسأل به الاستسقاء كما كان
يسأله في الدنيا .
3 - النوع الثالث : من التوسل أن يطلب منه ذلك الأمر المقصود ، بمعنى أنه ( ص
) قادر على التسبب فيه بسؤاله ربه وشفاعته إليه ، فيعود إلى النوع الثاني في المعنى ،
وإن كانت العبارة مختلفة ، ومن هذا قول القائل للنبي : أسألك مرافقتك في الجنة ،
فقال له ( ص ) : أعني على نفسك بكثرة السجود .
والآثار في ذلك كثيرة ، ولا يقصد الناس بسؤالهم ذلك إلا كون النبي ( ص ) سببا
وشافعا ، وليس المراد نسبة النبي إلى الخلق والاستقلال بالأفعال ، فإن هذا لا يقصده
مسلم . فصرف الكلام إليه ومنعه من باب التلبيس في الدين والتشويش على عوام
الموحدين ! !
وأما الاستغاثة فهي طلب الغوث . وتارة يطلب الغوث من خالقه وهو الله تعالى
وحده ، كقوله تعالى : إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 422 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وتارة يطلب ممن يصح إسناده إليه ، على سبيل الكسب ، ومن هذا النوع
الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذين القسمين فيصح أن يقال : استغثت
بالنبي ، وأستغيث بالنبي ، بمعنى واحد ، وهو طلب الغوث منه بالدعاء ونحوه على
النوعين السابقين في التوسل من غير فرق ، وذلك في حياته وبعد موته ، ويقول :
استغثت الله ، وأستغيث الله بمعنى طلب خلق الغوث منه .
فالله تعالى مستغاث ، والغوث منه خلقا وإيجادا ، والنبي صلى الله عليه وسلم
مستغاث ، والغوث منه تسببا وكسبا .
وقد تكون الاستغاثة بالنبي على وجه آخر ، وهو أن يقول : استغثت بالنبي كما
يقول : سألت الله بالنبي ، فيرجع إلى النوع الأول من أنواع التوسل ، ويصح قبل
وجوده وبعد وجوده .
والحاصل أن مذهب أهل السنة والجماعة صحة التوسل ، وجوازه بالنبي صلى
الله عليه وسلم ، في حياته وبعد وفاته ، وكذا بغيره من الأنبياء والمرسلين ، والأولياء
الصالحين ، كما دلت عليه الأحاديث السابقة .
ومعاشر أهل السنة لا يعتقدون خلقا ولا إيجادا ، ولا إعداما إلا لله تعالى وحده لا
شريك له . فلا فرق في التوسل بالنبي وغيره من الأنبياء والمرسلين صلوات الله
وسلامه عليه وعليهم أجمعين . وكذلك بالأولياء والصالحين ، لا فرق بين كونهم
أحياء أو أمواتا ، لأنهم لا يخلقون شيئا ، وإنما يتبرك بهم لكونهم أحباء الله تعالى ،
والخلق والإيجاد لله وحده لا شريك له .
شبهة إنكار التوسل والاستغاثة والرد عليها :
من شبهات الخصم التي يدلس فيها ويموه بها :
1 - الانكار على المتوسلين والمستغيثين ، وتكفيرهم وعدهم مشركين ، كعباد
الأوثان ، بل وجعلهم أسوأ حالا منهم ، واتهامهم أنهم يعتقدون التأثير لغير الله تعالى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 423 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 - الانكار على المستغيثين بالموتى .
3 - إنكار زيارة قبور الأنبياء والصالحين ، وبالأخص سيد المرسلين والاستغاثة به
صلى الله عليه وسلم ، إلى رب العالمين .
4 - إنكار الصلاة في المساجد التي بها قبور ، وعد ذلك من الشرك ، ولا ذريعة إلى
الشرك .
5 - إنكار وصول ثواب قراءة القرآن والدعاء والاستغفار للموتى . وغير ذلك مما
اعتبره الخصم من أنواع الشرك .
ولتفنيد شبهات الخصم سالفة الذكر هذه ، فقد أفردنا لكل شبهة فصلا مستقلا
تناولنا فيه الرد عليها .
أما الشبهة الأولى فقد استقصينا كلام الخصم ، فوجدناه مفتتحا إظهار دعوة
مخالفة لأهل الأرض والسماء وهو عارف بضعف حاله ، فإن تكفيره لمن خالف
بدعته من جميع المسلمين ، ونسبتهم إلى الشرك الأكبر ، واتخاذه هذا الاتهام ذريعة
لتكفيرهم لا دليل له عليه .
هذه الذريعة التي اتخذها هي قوله : إن المشركين السابقين كانوا مشركين في
الألوهية فقط ، وأما مشركو المسلمين فنعني بهم من أشركوا في الألوهية والربوبية .
وقال أيضا : إن الكفار في زمن رسول الله لا يشركون دائما ، بل تارة يشركون ، وتارة
يوحدون ، ويتركون دعاء الأنبياء والصالحين ، وذلك أنهم إذا كانوا في السراء دعوهم
واعتقدوا بهم ، وإذا أصابهم الضر والشدائد تركوهم وأخلصوا لله الدين ، وعرفوا أن
الأنبياء والصالحين لا يملكون ضرا ولا نفعا .
قال الخصم هذا ، وحمل تأويل جميع الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين
على الموحدين من أمة محمد وتمسك بها في تكفيرهم .
مجمل القول في رد هذه الشبهة : أن التوسل والتشفع والاستغاثة كلها بمعنى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 424 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
واحد ، وليس لها في قلوب المؤمنين معنى إلا التبرك بذكر أحباب الله تعالى ، لما
ثبت أن الله يرحم العباد بسببهم ، سواء أكانوا أحياء أم أمواتا . فالمؤثر والموجد
حقيقة هو الله تعالى ، وهؤلاء سبب عادي في ذلك ، لا تأثير لهم ، وذلك مثل السبب
العادي فإنه لا تأثير له .
فالمسلم الموحد متى صدر منه إسناد الشئ لغير من هو له ، يجب حمله على
المجاز العقلي ، وإسلامه وتوحيده ، قرينة على ذلك ، كما نص على ذلك علماء
المعاني في كتبهم ، وأجمعوا عليه .
وأما منع التوسل مطلقا فلا وجه له مع ثبوته في الأحاديث الصحيحة ، ومع
صدوره من النبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه ، وسلف الأمة وخلفها .
والمنكرون للتوسل ، والمانعون منه ، منهم من يجعله حراما ، ومنهم من يجعله
كفرا وإشراكا ! وكل ذلك باطل ، لأنه يؤدي إلى اجتماع معظم الأمة على الحرام
والإشراك ، لأن من تتبع كلام الصحابة والعلماء من السلف والخلف يجد التوسل
صادرا منهم ، بل ومن كل مؤمن في أوقات كثيرة ، واجتماع أكثرهم على الحرام أو
الاشراك لا يجوز ، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : لا تجتمع أمتي
على ضلالة .
كما أن المنع من التوسل والاستغاثة بالكلية مصادم للأحاديث الصحيحة ، ولفعل
السلف والخلف ، فعليك باتباع الجمهور والسواد الأعظم . يقول سبحانه وتعالى :
ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى
ونصله جهنم ، وساءت مصيرا .
يقول رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : عليكم بالسواد الأعظم فإنما يأكل الذئب من الغنم
القاصية .
هؤلاء المنكرون للتوسل والزيارة ، فارقوا الجماعة والسواد الأعظم ، وعمدوا إلى
آيا ت كثيرة من آيات القرآن التي نزلت في المشركين ، فحملوها على المؤمنين الذين
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 425 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تقع منهم الزيارة والتوسل ، وتوصلوا بذلك إلى تكفير أكثر الأمة من العلماء والصلحاء
والعباد والزهاد وعوام الخلق ، والحق على خلاف ما يقولون ويزعمون .
أما تخيلهم أن منع التوسل والزيارة من المحافظة على التوحيد ، وأن فعل ذلك
مما يؤدي إلى الشرك ، فهو تخيل فاسد باطل . فالتوسل والزيارة إذا فعل كل منهما
مع المحافظة على آداب الشريعة الغراء لا يؤدي إلى محذور البتة .
والقائل بمنع ذلك سدا للذريعة متقول على الله ، وعلى رسوله صلى الله عليه
وسلم ، وكأن هؤلاء المانعين للتوسل والزيارة يعتقدون أنه لا يجوز تعظيم النبي صلى
الله عليه وسلم ، فحيثما صدر من أحد تعظيم له حكموا على فاعله بالكفر والإشراك ،
وليس الأمر كما يقولون ، فإن الله تعالى عظم النبي في القرآن الكريم بأعلى أنواع
التعظيم ، فيجب علينا أن نعظم من عظمه الله تعالى وأمر بتعظيمه .
الفصل الثاني شبهة إنكار الاستغاثة بالموتى والرد عليها :
كثر الخوض ، واشتد الجدال ، وحدث الانكار ، ضد الاستغاثة بالموتى ، ومنع
النداء لهم ، ظنا من المنكرين ، أن سائر الموتى من الأنبياء ، والمرسلين ، والأولياء
الصالحين ، وعامة المؤمنين لمجرد انتقالهم من دار الحياة الدنيا ، صاروا ترابا لا بقاء
لهم في قبورهم ، لا يسمعون ولا يدركون . بيد أن الحق على خلاف ما يزعمون ،
والصواب على غير ما يعتقدون .
والسنة الشريفة ترد عليهم زعمهم في صراحة قوية ، وتبطل قولهم فيما جاء بها
من أحاديث صحيحة .
أخرج البخاري ومسلم ، وأصحاب السنن ، من حديث ابن عمر قال : اطلع رسول
الله صلى الله عليه وسلم على أهل القليب فقال : هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا . . .
وقال الله تعالى : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم
يرزقون . فإذا ثبت هذا في الشهداء وهم من سائر الأمة في كل زمان ، فلا شك أن
الأنبياء من باب أولى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 426 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي الحديث الصحيح : ما من أحد يسلم عليه إلا رد الله علي روحي حتى أرد
( عليه السلام ) . فظاهره يقتضي أن روحه الشريفة تفارق جسده الشريف وأنها بالسلام
ترد . . .
يؤيد ذلك ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله : حياتي خير لكم ، تحدثون
ويحدث لكم ، ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم ، ما رأيت من خير حمدت الله
، وما رأيت من شر استغفرت لكم . وفي هذا الباب آثار كثيرة .
وأما شبهتهم في المنع من النداء لهم فقالوا : إن النداء والخطاب للجمادات ،
والغائبين ، والأموات ، من الشرك الذي يباح به الدم والمال ، ولا حجة لهم في ذلك ،
فإن الأحاديث الصحيحة صريحة في بطلان قولهم هذا .
إنهم زعموا أن النداء للأموات والغائبين والجمادات يسمى دعاء ، وأن الدعاء
عبادة ، بل هو مخ العبادة . وحملوا كثيرا من الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين
على الموحدين ، وقد تقدم ذكر كثير من تلك الآيات ورد زعمهم فيها .
وهذا كله منهم تلبيس في الدين ، فإنه وإن كان النداء قد يسمى دعاء كما في قوله
تعالى : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا . لكن ليس كل نداء عبادة
، ولو كان كل نداء عبادة لشمل ذلك نداء الأحياء والأموات ، فيكون كل نداء ممنوعا
مطلقا ، وليس الأمر كذلك ، وإنما النداء الذي يكون عبادة هو نداء من يعتقدون
ألوهيته واستحقاقه العبادة فيرغبون إليه ويخضعون بين يديه .
الذي يوقع في الاشراك هو اعتقاد ألوهية غير الله تعالى ، وأما مجرد النداء لمن لا
يعتقدون ألوهيته ولا تأثيره فإنه ليس عبادة . . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 427 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل السادس : سيد مكي يقود ثوره فكرية على الفكر الوهابي !

لأول مرة في تاريخ المملكة العربية السعودية ، يسمح للرأي المخالف لأفكار
الشيخ محمد عبد الوهاب وابن تيمية ، أن يعبر عن نفسه !
فقد ظهرت خيوط ذلك في عدد من الصحف والكتب ، وبرزت أسماء جريئة
تنقد الفكر الوهابي . . ولكن رائد الثورة الفكرية على الفكر التيمي السائد . . هو السيد
محمد علوي المالكي .
وقد اخترنا هذا الفصل من مواد النقاش الذي جرى في أوائل شهر حزيران وشهر
تموز سنة 1999 ، على شبكة الساحة العربية ، في ( الإنترنيت ) وتضمن ردا وبدلا
بين معارضين ومؤيدين للمالكي ،
وقد اقتصرنا من موادة الكثيرة على نماذج لأنها كثيرة لا يستطيع لها الكتاب :
طلب أحدهم تعريفا بالمالكي ، فكتب المدعو أبو صالح ، تعريفا به
فقال :
ترددت كثيرا قبل البدء بكتابة هذه الأسطر لسببين :
1 - عدم أهلية الفقير وقلة بضاعته .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 428 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 - حفاظا على حرمة السيد أن تناله ألسنة الرعاع .
لكن حينما رأيت أن تلك الأفواه لم تتوان في قذف ما بداخلها من عفن ، لم أجد
بدا من إجابة الأخ السائل الذي أحب معرفة شئ عن السيد محمد بن علوي بن
عباس المالكي ، وها أنا أقدم للإخوة بعضا مما ذكره السيد في بعض كتبه ، وشيئا مما
أعرفه عنه .
هو : السيد محمد الحسن بن علوي بن عباس بن عبد العزيز المالكي مذهبا
الحسني الإدريسي نسبا ( تجد بقية نسبه إلى سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما
في كتاب أنساب قحطان وعدنان )
ولادته ونشأته :
ولد بمكة في بيت علماء فأبوه عالم ومحدث وجده عالم ومحدث ، وكذا حال
كثير من عائلته . والسيد يروي كثيرا من الكتب وخاصة الحديث عن أبيه عن جده .
فنشأته كانت بمكة المكرمة وتعلم في حلقات العلم بالمسجد الحرام وفي
مدرسة الفلاح ومدرسة تحفيظ القرآن الكريم .
أكمل دراسته الجامعية بالأزهر الشريف حتى حصل على شهادة الدكتوراه به .
رحلاته :
رحل في طلب العلم إلى مصر والمغرب والهند وباكستان وبلاد الشام واستفاد
كثيرا من هذه الرحلات من جمع للمخطوطات ولقاء الرجال ومعرفة الآثار وزيارة
المشاهد وكتابة الفوائد ، فسبحان المتفضل على عباده .
شئ من علمه :
بدأ بالتدريس وهو دون البلوغ بأمر والده المرحوم السيد علوي المالكي حيث
كان يدرس الطلبة كل كتاب يتمه على والده .
جمع الأسانيد على المحدثين والفقهاء في شتى بقاع العالم الإسلامي حتى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 429 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تحصل له أكثر من 200 شيخ يسر الله طبع الجزء المفرد بهم .
قرأ القراءات السبع على شيخ القراء بمدينة حمص بالشام الشيخ عبد العزيز
عيون السود ( أنظر اسمه في آخر مصحف الشام ) وأجازه بها .
ولعل البعض يذكر أن السيد كان أحد أعضاء ( أو رئيسا - إن لم تخني الذاكرة )
للجنة التحكيم في مسابقة القرآن الكريم بمكة المكرمة حتى عهد قريب . وبعد ذلك
اعتذر هو لشدة انشغاله . أخبرني بذلك مشافهة أحد القائمين على المسابقة .
تعين مدرسا رسميا في كلية الشريعة بمكة سنة 1390 ه‍ .
بعد وفاة والده بثلاثة أيام اجتمع علماء مكة في دار السيد علوي وكلفوه
بالتدريس في مقام والده في المسجد الحرام
قام بإلقاء كثير من المحاضرات في المذياع والتلفاز السعودي ، وخاصة عن
السيرة النبوية .
قدم استقالته من الجامعة وتفرغ للتأليف والدعوة إلى الله محتسبا لوجه الله في
مكة المكرمة وخارجها . ولا يزال حفظه الله على ذلك .
- شارك في عدة مؤتمرات إسلامية عالمية قدم بحوثا طبع أكثرها .
- قام بعدة رحلات شخصية ورسمية زار فيها كثيرا من بلاد المسلمين ، ألقى فيها
جملة من المحاضرات والدروس نفع الله بها آمين .
من مؤلفات السيد :
دراسات حول الموطأ
فضل الموطأ وعناية الأمة الإسلامية به
دراسة مقارنة عن روايات موطأ الإمام مالك
شبهات حول الموطأ وردها
إمام دار الهجرة مالك بن أنس
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 430 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وألف كتبا عديدة في مصطلح الحديث :
أسماء الرجال ، التصوف ، علم الأسانيد ، الاثبات القواعد الأساسية في علم
مصطلح الحديث القواعد الأساسية في علوم القرآن القواعد الأساسية في أصول
الفقه ( وهذه الثلاثة نفع الله بها توفر على طالب العلم كثيرا من الوقت والجهد )
زبدة الإتقان في علوم القرآن
العقود اللؤلؤية في الأسانيد العلوية
إتحاف ذوي الهمم العلية برفع أسانيد والدي السنية
الطالع السعيد المنتخب من المسلسلات والأسانيد
كتب عن آثار مكة
كتاب في رحاب البيت الحرام
صنف في الشمائل المحمدية كتاب : الإنسان الكامل .
وتاريخ الحوادث النبوية
وله كتب عديمة النظر في بابها ككتاب :
وهو بالأفق الأعلى
وشفاء الفؤاد بزيارة خير العباد
والزيارة النبوية بين الشرعية والبدعية
ورسالة عن أدلة مشروعية المولد النبوي
وككتاب مفاهيم يجب أن تصحح
والذي ارتضاه السواد الأعظم من الأمة ، وقرظ له كبار علماء الأمة ، والذي لا
يستغني عنه باحث عن الحق ، ولا منصف لإخوانه الذين يخالفوه في بعض
الفرعيات .
- قام بالتحقيق والتعليق على المرفوع من رواية ابن القاسم للموطأ
- علق على المولد النبوي للحافظ ابن البديع
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 431 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- علق على المولد النبوي للحافظ الملا علي القاري ، ونشره لأول مرة .
وغير ذلك كثير مما يقارب المئة ( 100 ) مؤلف ، منها الذي ظهر ومنها الذي لم يظهر
يسر الله طبعها والنفع بها آمين .
شيوخ السيد :
بإمكانك أن تتعرف من خلال معرفة مشايخ السيد الذين يروي عنهم بالإسناد
على جانب من شخصيته حفظه الله وبارك في علمه ثم - إن يسر الله - سأنقل كتب
الحديث التي يرويها السيد بإسناده المتصل مما هو مدون لدي وأرويه عن السيد
حفظه الله .
وأبدأ بأخص مشايخ السيد محمد بن علوي بن عباس المالكي :
السيد علوي بن عباس المالكي الحسني ت 1391
الشيخ محمد يحيى بن الشيخ أمان ت 1387
الشيخ محمد العربي التباني ت 1390
الشيخ حسن بن سعيد يماني ت 1391
الشيخ محمد الحافظ التيجاني شيخ الحديث بمصر ت 1398
الشيخ حسن بن محمد المشاط ت 1399
الشيخ محمد نور سيف بن هلال المكي ت 1403
الشيخ عبد الله بن سعيد اللحجي ت 1410
الشيخ محمد يس الفاداني ت 1410 وما أدراك من هو : مسند مكة وشيخ دار
العلوم الدينية بها ( رحمه الله ) حدث في مجلس واحد عن 200 شيخ مبتدءا بمشرق العالم
الإسلامي ومنتهيا بمغربه حدثني بذلك شيخي القارئ الثقة الذي أروى عنه وعن
السيد كلاهما عن الشيخ الفاداني الشيخ عبد الله أحمد دردوم ت 1407
الشيخ الفقيه شيخ العلماء حسنين بن محمد مخلوف مفتي مصر - ت 1411
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 432 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الشيخ محمد إبراهيم أبو العيون شيخ الخلوتية بمصر ت ؟
وهؤلاء أكثر الذين لازمهم السيد وأخذ عنهم واستفاد منهم
والتقى السيد بنخبة عديمة النظر من العلماء العارفين من سادتنا آل البيت النبوي
وأخذ عن فحولهم واقتبس منهم الشئ الكثير وعلى رأسهم السادة من آل باعلوي
وما أدراك من آل باعلوي نفعنا الله بهم من أعلى الناس علما وتقوى وأشدهم
تواضعا وحياء لو جهلتهم لجهلت مجدا من أعرق الأمجاد لهذه الأمة المحمدية ،
استقر غالبيتهم في بلاد حضرموت ، ومنها انطلقوا للدعوة إلى الله في أرجاء الأرض .
أصحاب مبدأ في حياتهم يمثلون أهل السنة والجماعة ، أشاعرة العقيدة متبعون
لمذهب سيدنا الإمام الشافعي ، يعيشون لإحياء علوم الدين على وجه الأرض .
ولو أنصف المؤرخون لسطروا أثرهم بماء الذهب في فاتحة أي كتاب تاريخ
للمسلمين هل تدري لماذا ؟ لأنهم بتوفيق الله غيروا خريطة العالم الإسلامي فقد
أدخلوا الإسلام لأكبر كثافة إسلامية على وجه الأرض ( أكثر من 50 % من مجموع
المسلمين ) وهذا في آسيا وإفريقيا وهي أماكن لم تصلها جيوش المسلمين !
جملة من أئمة الدين الذين يروي عنهم
السيد محمد علوي المالكي :
الشيخ المحدث محمد زكريا الكاندهلوي شيخ الحديث بالهند
الشيخ المحدث حبيب الرحمن الأعظمي شيخ الحديث
الشيخ المحدث محمد يوسف البنوري بكراتشي
الشيخ محمد شفيع مفتي باكستان
الشيخ محمد أسعد العبجي مفتي الشافعية بحلب
السيد حسن بن أحمد بن عبد الباري الأهدل اليماني منصب المراوعة
السيد المسند العارف بالله مكي بن محمد بن جعفر الكتاني الدمشقي
الشيخ الفقيه شيخ العلماء حسنين بن محمد مخلوف مفتي مصر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 433 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الشيخ المحدث أمين بن محمود خطاب السبكي المصري
الشيخ المعمر محمد عبد الله عربي المصري المعروف بالعقوري وهو تلميذ
الشيخ الباجوري .
ويروي عن الأمير الصغير مباشرة بلا واسطة ، فسنده في غاية العلو . انتهى .

بداية ظهور ثورته الفكرية

نشر أحدهم في الشبكة المذكورة ( بيان هيئة كبار العلماء بالضال محمد علوي
المالكي ) ونص القرار المرقم 86 في 11 / 11 / 1401 ه‍ في الدورة السادسة عشرة
المنعقدة بالطائف في شوال عام 1400 ه‍ :
نظر مجلس هيئة كبار العلماء فيما عرضه سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد مما بلغه من أن لمحمد علوي مالكي نشاطا
كبيرا متزايدا في نشر البدع والخرافات ، والدعوة إلى الضلال والوثنية ، وأنه يؤلف
الكتب ويتصل بالناس ، ويقوم بالأسفار من أجل تلك الأمور ، واطلع على كتابه
الذخائر المحمدية ، وكتابه الصلوات المأثورة ، وكتابه أدعية وصلوات ، كما استمع
إلى الرسالة الواردة إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء
والدعوة والإرشاد ، من مصر ، وكان مما تضمنته :
( وقد ظهر في الأيام الأخيرة طريقة صوفية في شكلها لكنها في مضمونها من
أضل ما عرفناه من الطرق القائمة الآن ، وإن كانت ملة الكفر واحدة . هذه الطريقة
تسمي ( العصبة الهاشمية والسدنة العلوية والساسة الحسنية الحسينية ) ويقودها
رجل من صعيد مصر يسميه أتباعه ( الإمام العربي ) وهو يعتزل الناس في صومعة له
ويمرون عليه صفوفا ويسلمون عليه ، ويحدثونه ويمنحهم البركات ، ويكشف لهم
المخبوء بالنسبة لكل واحد ، وهذا كله من وراء ستار ، فهم يسمعون صوته ولا يرون
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 434 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
شكله ، اللهم إلا الخاصة من أحبابه وأصحابه ، فهم المسموح لهم بالدخول عليه ،
وعددهم قليل جدا ، وهو لا يحضر مع الناس الجمع ، ولا الجماعات ، ولا يصلي في
المسجد الذي بناه بجوار صومعته ، ويعتقد أتباعه أنه يصلي الفرائض كلها في الكعبة
المشرفة جماعة خلف النبي صلى الله عليه وسلم .
ويعتقدون كذلك أنه من البقية الباقية من نسل الأئمة المعصومين ، وأن المهدي
سيخرج بأمره ، وقد أنشأ لطريقته فروعا في بعض مدن مصر ، يجتمع روادها فيها
على موائد الأكل والشرب والتدخين ، ويأمرون مريديهم بحلق اللحي ، وعدم
حضور الجماعة في المساجد ، وذلك تمهيدا لإسقاط الصلاة نفسها ، ويخشى أنهم
امتداد لحركة باطنية جديد ة ، فإن هناك وجه شبه بينهم وبين خصائص الباطنية ،
فإنهم بالإضافة إلى ما سبق محظور على أتباعهم إذاعة أسرارهم والسؤال عن أي
شئ يرونه من شيوخهم ، كذلك الاسم الذي سموا به حركتهم والشعار الذي اتخذوه
لها هو ( فاطمة علي الحسن الحسين ) ومما يؤيد هذا الظن أنهم يجاورون الضاحية
التي دفن فيها ( أغا خان ) زعيم الإسماعيلية حيث لا تنقطع أتباع الإسماعيلية عن
زيارة قبره ، والاتصال بالناس هناك ، وقد دفن أغا خان في مصر لهذه الغاية ، وقد
ازداد أمر هؤلاء في نظرنا خطورة حين علمنا أن لهم اتصالات ببعض أفراد
في السعودية ، وقد هيأت لبعض أتباعهم فرص عمل في المملكة عن طريق هؤلاء
الأفراد الذين لم نتعرف على أسمائهم بعد ، نظرا للسرية التي يحيطون بها حركتهم ،
ونحن في سبيل ذلك إن شاء الله .
ولكن الذي وقفنا عليه وعرفناه يقينا لا يقبل الشك أن الشيخ ( محمد بن عباس
المالكي المكي الحسني ) يتصل بهم اتصالا مباشرا ويزور شيخهم المحتجب
ويدخل عليه ويختلي به ويخرج من عنده بعد ذلك طائفا باتباعه في البلاد متحدثا
معهم محاضرا فيهم خطيبا بينهم ، كأنه نائب عن الشيخ المزعوم ، ثم يختم زيارته
بالتوجه إلى ضريح أبي الحسن الشاذلي الشيخ الصوفي المعروف ، المدفون في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 435 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أقصى بلاد مصر ومعه بطانة من دهاقنة التصوف في مصر ، وهو ينشر بينهم مؤلفاته
التي اطلعنا على بعضها فاستوقفنا منها كتابه المسمى ( الذخائر المحمدية ) وتحت
يدي الآن نسخة منه بل الجزء الأول وهو يقع في 354 صفحة من الحجم الكبير
ذي الطباعة الفاخرة ، وطبع بمطبعة حسان بالقاهرة ، ولا يوزع عن طريق دار نشر
وإنما يوزع بصفة شخصية ، وبلا ثمن . والذي يقرأ هذا الكتاب يجد المؤلف هداه الله
قد أورد فيه كل المعتقدات الباطلة في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن بطريق
ملتو فيه من المكر والدهاء ما فيه ، حتى لا يؤخذ على المؤلف خطأ شخصي ، فهو
يذيع تلك العقائد ويشيعها عن طريق النقل من بعض الكتب التي أساءت إلى
الإسلام في عقيدته وشريعته ، والتي وصلت برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
درجة من الغلو ما قال بها كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، بل ورد
بشأنها النهي الصريح عن مثل هذا الزيغ والزيف والضلال )
ثم ذكر أمثلة مما جاء في الكتاب من الضلال وختم رسالته بقوله ( نحن إنما نهتم
بتعقب مثل هذه الأخطاء والخطايا من أجل أن ننبه إلى خطورتها وخطرها من باب
نصح المسلمين وإرشادهم وتحذيرهم مما يخشى منه على العقيدة الصحيحة
والإيمان الحق .
وإنما نكتب لكم به كذلك لتتصرفوا حياله بما فيه الخير للإسلام والمسلمين ،
فكما أن مصر مستهدفة من أعداء الإسلام بحكم عددها وعدتها وإجماعها من حيث
الأصل على السنة ، فإن السعودية مستهدفة بنفس القدر إن لم يكن أكثر بحكم
موقعها من قلوب المسلمين ، وبحكم عقيدتها القائمة على حماية جناب التوحيد ،
وعلى توجيه الناس إلى السنة الصحيحة واهتمامها بنشر هذه العقيدة في كل مكان .
فلا أقل من أن ننبه إلى بعض مواطن الخطر لتعملوا على درئه ما استطعتم ، والظن
بكم بل الاعتقاد فيكم سيكون في محله إن شاء الله ، فإن الأمر جد خطير كما رأيتم ،
من بعض فقرات الكتاب . أ - ه‍ ) .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 436 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد تبين للمجلس صحة ما ذكر من كون محمد علوي داعية سوء ويعمل على
نشر الضلال والبدع وأن كتبه مملوءة بالخرافات والدعوة إلى الشرك والوثنية .
ورأى أن يعمل على إصلاح حاله وتوبته من أقواله وأن يبذل له النصح ويبين له
الحق واستحسن أن يحضر المذكور لدي سماحة الشيخ عبد الله بن محمد بن
حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء وسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن
باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ، ومعالي
الشيخ سليمان بن عبيد الرئيس العام لشؤون الحرمين الشريفين لمواجهته بما
صدر منه من العبارات الإلحادية والصوفية ، وإسماعه الكتاب الوارد من مصر ومعرفة
جوابه عن ذلك ، وما لديه حول ما ورد في كتبه .
وقد حصل هذا الاجتماع المذكور في المجلس الأعلى للقضاء يوم الخميس
الموافق 17 / 10 / 1400 ه‍ .
وأعد محضر بذلك الاجتماع تضمن إجابته بشأن تلك الكتب ، وما سأله عنه
المشايخ مما جاء فيها . وجاء في المحضر الذي وقع فيه أن كتاب الذخائر المحمدية
وكتاب الصلوات المأثورة له . أما كتاب أدعية وصلوات فليس له ، وأما الرجل
الصوفي الذي في مصر فقد قال إنه زاره ومئات من أمثاله في الصعيد ، ولكنه ليس
من أتباعه ويبرأ إلى الله من طريقته ، وأنه لم يلق محاضرات في مصر ، وأنه أنكر عليه
وعلى أتباعه ، وقد ذكر للمشايخ أنه له وجهة نظر في بعض المسائل ، أما الأمور
الشركية فيقول إنه نقلها عن غيره ، وأنها خطأ فاته التنبيه عليه .
ولما استمع المجلس إلى المحضر المذكور وتأكد من كون الكتابين له ، وعلم
اعترافه بأنه جمع فيها تلك الأمور المنكرة ، ناقش أمره وما يتخذ بشأنه ، ورأى أنه
ينبغي جمع الأمور الشركية والبدعية التي في كتابه الذخائر المحمدية مما قال فيها
أنه خطأ فاته التنبيه عليه وتطبق على المحضر ، ويكتب رجوعه عنها ويطلب منه
التوقيع عليه ، ثم ينشر في الصحف ويذاع بصوته في الإذاعة والتلفزيون ، فإن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 437 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
استجاب لذلك وإلا رفع لولاة الأمور لمنعه من جميع نشاطاته في المسجد الحرام ،
ومن الإذاعة والتلفزيون ، وفي الصحافة ، كما يمنع من السفر إلى الخارج ، حتى لا
ينشر باطله في العالم الإسلامي ، ويكون سببا في فتنة الفئام من المسلمين ،
وقد قامت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بقراءة كتابيه المذكورين
اللذين اعترف أنها له ومن إعداده وتأليفه ، وجمع الأمور الشركية والبدعية التي فيها
وإعداد ما ينبغي أن يوجه له ، ويطلب منه أن يذيعه بصوته ، وبعث له عن طريق
معالي الرئيس العام لشؤون الحرمين الشريفين بكتاب سماحة الرئيس العام رقم
788 2 وتاريخ 12 / 11 / 1400 ه‍ ، فامتنع عن تنفيذ ما رآه المجلس ، وكتب رسالة
ضمنها رأيه ، ووردت إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء
والدعوة والإرشاد ، مشفوعة بكتاب معالي الرئيس العام لشؤون الحرمين الشريفين ،
رقم 2053 / 19 وتاريخ 26 / 12 / 1400 ه‍ .
وجاء في كتاب معاليه أنه اجتمع بالمذكور مرتين ، وعرض عليه خطاب سماحة
الشيخ عبد العزيز ، وما كتبه المشائخ ، ولكنه أبدي تمنعا عما اقترحوه ، وأنه حاول
إقناعه ولم يقبل ، وكتب إجابة عما طلب منه مضمونها التصريح بعدم الموافقة على
إعلان توبته .
وفي الدورة السابعة عشرة المنعقدة في شهر رجب عام 1401 ه‍ . في مدينة
الرياض نظر المجلس في الموضوع وناقش الموقف الذي اتخذه حيال ما طلب منه
ورأى أن يحاط ولاة الأمور بحاله والخطوات التي اتخذت لدفع ضرره وكف أذاه عن
المسلمين ، وأعدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بيانا يشتمل على جملة
من الأمور الشركية والبدعية الموجودة في كتابه الذخائر المحمدية منها :
1 - نقل في صفحة 265 من الأبيات التي جاء فيها : -
ولما رأيت الدهر قد حارب الورى * جعلت لنفسي نعل سيده حصنا
تحصنت منه في بديع مثالها * بسور منيع نلت في ظله الأمنا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 438 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 - نقل قصيدة للبكري في الصفحتين 158 - 159 تتضمن أنواعا من الشرك الأكبر
وفيها إعراض عن الله عز وجل قال فيها :
ما أرسل الرحمن أو يرسل * من رحمة تصعد أو تنزل
في ملكوت الله أو ملكه * من كل ما يختص أو يشمل
إلا وطه المصطفى عبده * نبيه مختاره المرسل
واسطة فيها وأصل لها * يعلم هذا كل من يعقل
فلذ به من كل ما تشتكي * فهو شفيع دائما يقبل
ولذ به من كل ما ترتجي * فإنه المرجع والموئل
وناده إن أزمة أنشبت * أظفارها واستحكم المعضل
يا أكرم الخلق على ربه * وخير من فيهم به يسأل
كم مسني الكرب وكم مرة * فرجت كربا بعضه يذهل
فبالذي خصك بين الوري * برتبة عنها العلا تنزل
عجل بإذهاب الذي أشتكي * فإن توقفت فمن ذا أسأل
3 - ذكر في ص ( 25 ) أن ليلة مولده صلى الله عليه وسلم أفضل من ليلة القدر . وهذا
خطأ واضح فليلة القدر أفضل الليالي بلا شك .
4 - ذكر في الصفحات الثالثة والأربعين والرابعة والأربعين والخامسة والأربعين
قصيدة لابن حجر الهيتمي فيها إثبات حياة النبي صلى الله عليه وسلم على الاطلاق
وأنه يصلي الصلوات الخمس ويتطهر ، ويجوز أن يحج ويصوم ، ولا يستحيل ذلك
عليه وتعرض عليه الأعمال .
ونقل عن الهيتمي استجارته بالرسول صلى الله عليه وسلم وأقره على ذلك ،
والاستجارة بغير الله نوع من الشرك الأكبر .
5 - أورد في الصفحات ( 52 ) إلى ( 55 ) ما نصه : من استغرق في محبة الأنبياء والصالحين حمله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 439 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ذلك على الإذن في تقبيل قبورهم والتمسح بها ، وتمريغ الخد عليها . ونسب أشياء
من ذلك إلى بعض الصحابة ، وأقر ذلك ولم ينكره ، مع أن تلك الأمور من البدع
ووسائل الشرك الأكبر ، ونسبتها إلى بعض الصحابة باطلة .
6 - ذكر في صفحة ( 60 ) أن زيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم من كمال الحج
وأن زيارته عند الصوفية فرض وأن الهجرة إلى قبره عندهم كالهجرة إليه حيا . وأقر
ذلك ولم ينكره .
7 - ذكر عشر كرامات لزائر قبر النبي صلى الله عليه وسلم كلها رجم بالغيب وقول
على الله بلا علم .
8 - دعا إلى الاستجارة به صلى الله عليه وسلم والاستشفاع به عند زيارته فقال ما
نصه ( ويتأكد بتجديد التوبة في هذا الموقف الشريف وسؤال الله تعالى أن يجعلها
لديه نصوحا والاستشفاع به صلى الله عليه وسلم في قبولها والإكثار من الاستغفار
والتضرع بتلاوة الآية المذكورة ، وأن يقول بعدها وقد ظلمت نفسي ظلما كثيرا ،
وأتيت بجهلي وغفلتي أمرا كبيرا ، وقد وفدت عليك زائرا وبك مستجيرا .
ص ( 100 ) ومعلوم أن الاستشفاع والاستجارة به بعد وفاته صلى الله عليه وسلم
من أنواع الشرك الأكبر .
9 - ذكر في صفحة 10 - شعرا يقال مع الدعاء عند زيارة قبره صلى الله عليه وسلم
ومنه :
هذا نزيلك أضحى لا ملاذ له * إلا جنابك يا سؤلي ويا أملي
ومنه :
ضيف ضعيف غريب قد أناخ بكم * ويستجير بكم يا سادة العرب
يا مكرم الضيف يا عون الزمان ويا * غوث الفقير ومرمى القصد والطلب
ونقل عن بعضهم في ص ( 102 ) شعرا تحت عنوان فضائل نبوية قرآنية :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 440 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أترضى مع الجاه المنيع ضياعنا * ونحن إلى أعتاب بابك ننسب
أفضلها علينا نفحة نبوية * تلم شتات المسلمين وترأب
وهذه الأبيات الخمسة من الشرك الأكبر والعياذ بالله .
10 - نقل في صفحة ( 54 ) بيتا من الهمزية هو :
ليته خصني برؤية وجه * زال عن كل من رآه العناء
وهذا كذب وباطل وقد رآه في حياته عليه الصلاة والسلام أقوام كثيرون ، فما
زال عنهم عناؤهم ولا كفرهم .
11 - نقل في صفحة ( 157 ) غلوا في نعال الرسول صلى الله عليه وسلم في البيتين
التاليين :
على رأس هذا الكون نعل محمد * سمت فجميع الخلق تحت ظلاله
لدي الطور موسى نودي اخلع * وأحمد إلى العرش لم يؤمر بخلع نعاله
12 - ذكر في صفحة ( 166 ) قصيدة شركية للشيخ عمر الباقي الخلوتى منها :
يا ملاذ الورى وخير عيان * ورجاء لكل دان قصى
لك وجهي وجهت يا أبيض * الوجه فوجه إليه وجه الولي
13 - نقل في كتابه الذخائر المحمدية ص ( 284 ) عن ابن القيم من كتابه جلاء الأفهام ما
يوهم أن الطريق إلى الله وإلى جنته محصور في اتباع أهل البيت يعني أهل بيت النبي
صلى الله عليه وسلم وتصرف في كلام ابن القيم فلم ينقله على حقيقته ، لأن ابن
القيم في كتابه المذكور تكلم على إبراهيم الخليل وآله من الأنبياء وذكر أن الله
سبحانه بعث جميع الأنبياء بعد إبراهيم من ذريته ، وجعل الطريق إليه مسدودا إلا
من طريقهم ، ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . فترك الشيخ محمد علوي
مالكي نقل أصل كلام ابن القيم ( رحمه الله ) وتصرف فيه ، فنقل ما يوهم القراء أن المراد أهل
بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا يخفي أن هذا الرأي هو مذهب الرافضة
الاثني عشرية ، وأنهم يرون أن الأحاديث الواردة من غير طريق أهل البيت لا يحتج
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 441 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بها ولا يعمل بها ولو كان الراوي لها أبا بكر الصديق أو عمر أو عثمان وتدليس شنيع
أراد به تحقيق مقصد سيئ خطير .
ومثل ما تقدم ما ذكره في الصفحتين الرابعة والخامسة من كتابه الصلوات المأثورة
حيث يقول من جملة الدعاء الذي نقله ( وانشلني من أوحال التوحيد وأغرقني في عين
بحر الوحدة ) وقوله : ( ولا شئ إلا هو به منوط ) يعني بذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد رفع البيان إلى صاحب السمو الملكي نائب رئيس مجلس الوزراء مشفوعا
بكتاب سماحة الرئيس العام رقم 1280 / 2 وتاريخ 28 / 7 / 1401 ه‍ .
وفي الدورة الثامنة عشرة للمجلس - المنعقدة في شهر شوال عام 1401 ه‍ .
أعيدت مناقشة موضوعه بناء على ما بلغ المجلس من أن شره في ازدياد ، وأنه لا
يزال ينشر بدعه وضلالاته في الداخل والخارج ، فرأى أن الفساد المترتب على
نشاطه كبير ، حيث يتعلق بأصل عقيدة التوحيد التي بعث الله الرسل من أولهم إلى
آخرهم لدعوة الناس إليها ، وإقامة حياتهم على أساسها ، وليست أعماله وآراؤه
الباطلة في أمور فرعية اجتهادية يسوغ الاختلاف فيها ، وأنه يسعى إلى عودة الوثنية
في هذه البلاد وعبادة القبور والأنبياء ، والتعلق على غير الله ، ويطعن في دعوة
التوحيد ويعمل على نشر الشرك والخرافات ، والغلو في القبور ، ويقرر هذه الأمور
في كتبه ويدعو إليها في مجالسه ، ويسافر من أجل الدعوة لها في الخارج . انتهى .
ويبدو أن الدولة السعودية قررت أن تسمح بهامش من الحرية لعالم كبير معروف
في مكة والمملكة ، وأن لا تتخذ ضده إجراء بالسجن أو المنع من السفر .

نماذج من المناقشات حول أفكاره

كتب المدعو محمد الفاتح ، تحت عنوان ( الاستغاثة والرد على محمد علوي
المالكي ، ما يلي :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 442 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الحمد لله والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد الأولين والآخرين محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فمسألة الاستغاثة بالأموات والغائبين من الأنبياء والأولياء والصالحين من
المسائل التي كثر فيها النزاع في العصور المتأخرة بين مانع يراها ضربا من الشرك
والوثنية ، ومبيح يراها من أفضل القرب لدى رب البرية .
ولا شك أن القرآن الكريم لم يغفل هذه القضية ، ولم يسكت عن بيان حكم هذه
البلية ، كيف وغاية مقصده بيان التوحيد ودعوة الناس إليه ، وكشف الشرك وتنفير
الناس منه ؟ !
وعامة من ضل في هذا الباب إنما أتي من قبل إعراضه عن نور القرآن ، وإقباله
على ذبالات الأذهان ، وخرافات الأحبار والرهبان ، المعتمدين على منطق اليونان .
وهذا بحث مختصر ليس لي فيه إلا جمع الأقوال وترتيب النقول ، وقد استخرت
الله تعالى في نشره ، فعسى أن ينفع الله به كاتبه وقارئه ، وأن يجعله ذخرا لي يوم
الحساب .
وقبل الشروع في مقصود البحث لا بد من عرض مقدمات ضرورية أرى التقصير
في عرضها سببا لاتساع رقعة الخلاف وكثرة القيل والقال . وإذا ما اتفق الجميع على
هذه المقدمات أمكن الاتفاق على المسألة محل النزاع .
المسألة الأولى :
هل كان المشركون الأولون مقرين لله بالربوبية ؟ هل أثبتوا خالقا ورازقا ومدبرا
لهذا الكون غير الله رب البرية ؟
وسيتفرع عن هذه المسألة مسائل تذكر تباعا إن شاء الله .
والذي يدفعني إلى إثارة هذه القضية التي تبدو من البدهيات الواضحات أني
رأيت بعض من كتب في مسألة الاستغاثة ينكر هذه القضية ، ويزعم أن المشركين لم
يفردوا الله بالخالقية والرازقية . وهذا مثال من أقوال المخالفين :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 443 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يقول محمد علوي المالكي في مفاهيمه :
وقل ذلك أيضا في قوله تعالى ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن
الله ) فإنهم لو كانوا يعتقدون حقا أن الله تعالى الخالق وحده ، وأن أصنامهم لا تخلق
لكانت عبادتهم لله وحده دونها ) انتهى .
وهو كلام لا ينقضي منه العجب ! ألا يكفي إخبار القرآن وتقريره لهذه القضية أن
تكون من الحقائق لا الأوهام ؟ ! ! !
وأعجب منه ظنه المفهوم من كلامه أن من أقر بالخالق استحال منه صرف العبادة
لغيره .
أقول : بل لم يقروا بالخالق فحسب ، إنما أقروا أنه الخالق الرازق المحيي المميت
المتصرف في الكون الذي يجير ولا يجار عليه .
ومن كلامه الذي دخل به لتاريخه قوله بعد ذكره قوله تعالى ( ما نعبدهم إلا
ليقربونا إلى الله زلفى ) : هذه الآية صريحة في الانكار على المشركين عبادتهم
للأصنام واتخاذها آلهة من دونه تعالى وإشراكهم إياها في دعوى الربوبية ( ! ! ! ) على
أن عبادتهم لها تقربهم إلى الله زلفى . فكفرهم وشركهم من حيث عبادتهم لها ومن
حيث اعتقادهم أنها أرباب من دون الله .
وهنا مهمة لا بد من بيانها ، وهي أن هذه الآية تشهد بأن أولئك المشركين ما كانوا
جادين فيما يحكي عنهم ربنا ) . انتهى .
فقارن رحمك الله بين كلامه وكلام المفسرين اللاتي . وإنها كلمة كبيرة حقا ( غير
جادين . ) فهل يعني القرآن بنقل الهزل والكذب مرات عدة دون تعليق . . إنا لله وإنا إليه
راجعون فإليك البيان وابدأ بذكر آيات مشهورة معلومة للجميع مرتبة حسب
ترتيب المصحف مفسرة من كلام أئمة التفسير المتفق على إمامتهم وجلالتهم .
فاللهم وفق وسدد وأعن .
أولا : قوله تعالى : قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 444 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله .
فقل أفلا تتقون . يونس : 31
قال الإمام البغوي ( ت : 516 ه‍ ) في تفسيره ( فسيقولون الله ) هو الذي يفعل هذه
الأشياء ( فقل أفلا تتقون ) أفلا تخافون عقابه في شرككم . وقيل : أفلا تتقون الشرك
مع هذا الاقرار .
( فذلكم الله ربكم ) الذي يفعل هذه الأشياء هو ربكم ( الحق فماذا بعد الحق إلا
الضلال فأنى تصرفون ) أي فأين تصرفون عن عبادته وأنتم مقرون به . ا ه‍ .
وقال الإمام الرازي في تفسيره ( 17 / 70 ) :
ثم بين تعالى أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا سألهم عن مدبر هذه الأحوال
فسيقولون أنه الله سبحانه وتعالى ، وهذا يدل على أن المخاطبين بهذا الكلام كانوا
يعرفون الله ويقرون به ، وهم الذين قالوا في عبادتهم للأصنام أنها تقربنا إلى الله زلفى
، وأنهم شفعاؤنا عند الله ، وكانوا يعلمون أن هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر . انتهى .
ومن باب الفائدة أنقل كلام بعض الأئمة من غير المفسرين :
أولا : الإمام ملا علي القاري ، قال في شرح الفقه الأكبر ص 16 :
وقد أعرض الإمام عن بحث الوجود اكتفاء بما هو ظاهر في مقام الشهود ، ففي
التنزيل : ( قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض ) ( ولئن سألتهم من
خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) فوجود الحق ثابت في فطرة الخلق كما يشير إليه
قوله سبحانه وتعالى ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) ويومئ إليه حديث : كل مولود
يولد على فطرة الإسلام . وإنما جاء الأنبياء ( عليهم السلام ) لبيان التوحيد وتبيان التفريد ، ولذا
أطبقت كلمتهم وأجمعت حجتهم على كلمة لا إله إلا الله ولم يأمروا أهل ملتهم بأن
يقولوا : الله موجود بل قصدوا إظهار أن غيره ليس بمعبود ، ردا لما توهموا وتخيلوا
حيث قالوا : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، وما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى .
على أن التوحيد يفيد الوجود مع مزيد التأييد . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 445 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فاحفظ هذا الكلام ، والخبير يعرف من المقصود برد الإمام .
ثانيا : وقال علي القاري أيضا :
في شرح الشفا للقاضي عياض ( 2 528 ) تعليقا على ما نقله القاضي عن الباقلاني أن
الإيمان بالله هو العلم بوجوده قال :
وما يتعلق به من توحيد ذاته ، وإلا فمجرد العلم بوجوده حاصل لعامة خلقه ، كما
قال الله تعالى ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) وإنما أنكر
وجوده سبحانه طائفة من الدهرية والمعطلة . انتهى .
ولست بحاجة إلى نقل كلام ابن تيمية وابن القيم والآلوسي والشوكاني
والصنعاني والقاسمي والشنقيطي والسعدي ، ولا كلام محمد بن عبد الوهاب
وأحفاده . ولله الحمد والمنة .
تنبيه :
أحب أن أقول لكل من خالف أو أراد المخالفة : إعلم أن للقوم شبهات واهيات ،
لن أضيع وقتي في ردها ، إلا إذا تبرع أحدكم بنشرها ، بعد أن يصرح لنا أنه يخالف ما
سبق ، وبعد أن يستشهد بعلماء معتبرين يوافقونه على فهمه واستنباطه .
تحذير :
احذر أخي أن تخالف أمرا ثابتا بالقرآن الكريم نحو هذا الثبوت المقطوع به . يقول
القاضي عياض في الشفا ( 2 / 549 ) مع شرح القاري ( أو كذب به ، أي بالقرآن جميعه أو
بشئ منه . . ( أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك ) أي دون نسيان أو
خطأ ( أو شك في شئ من ذلك فهو كافر عند أهل العلم ) قاطبة ( بإجماع ) لا خلاف
فيه . انتهى .
وليعلم أن محمد علوي المالكي ليس أول المخالفين لهذا الحق الثابت ، فقد
سبقه موكب هزيل من دعاة الوثنية من أمثال القضاعي والدجوي والمجهول ابن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 446 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مرزوق و . . . وهؤلاء نصبوا أنفسهم أئمة ومفسرين ومجتهدين ، فأتوا بهذا الضلال
الذي هو تكذيب لحقائق القرآن ، وخروج عما أطبقت عليه كلمة أهل الإيمان
والعرفان .
فها هو أحدهم يقول : هذه الآيات صريحة في إنكار المشركين للخالق سبحانه
وتعالى فدل على أنهم كانوا مشركين في خالقية الله تعالى ) ! ! !
وآخر يقول ( فإذا ليس عند هؤلاء الكفار توحيد الربوبية كما قال ابن تيمية ) ! !
والسؤال : هل المفسرون السابق ذكرهم من تلاميذ ابن تيمية ! ! ( الطبري
والقرطبي وابن عطية ، والرازي وابن الجوزي . . . ؟ ! ! ! !
وثالث منهم يقول : ( وإني لأعجب من تفريقهم بين توحيد الألوهية والربوبية ،
وجعل المشركين موحدين توحيد الربوبية ) .
ورابع يقول : ( ثم إنه سبحانه حكم بشركهم لاتخاذهم تلك الأصنام شريكا لله في
الخلق وتدبير العالم ، وجوزوا عبادتها خلافا لله تعالى )
تأمل : ( في الخلق وتدبير العالم ) ! ! ( ومن يدبر الأمر فسيقولون الله ) ( قل من
بيده ملكوت كل شئ . . . سيقولون الله ) .
لكن . . . ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور .
- ثم كتب المدعو محمد الفاتح تحت عنوان ( حقيقة شرك عبدة الأصنام ) :
يزعم دعاة الوثنية المعاصرة أن المشركين الأوائل كانوا غير معترفين بالله ولا
يقرون له بالربوبية ، وأن القرآن الكريم سجل عليهم حكم الكفر لأنهم كانوا يعتقدون
في أصنامهم النفع والضر ، وأنها مساوية لله في الألوهية ، بل والربوبية .
وقد تقرر في الحلقة الأولى أن المشركين أفردوا الله بالخلق والرزق والتدبير وغير
ذلك من أمور الربوبية ، وبهذا انهار جزء كبير مهم من الدعوى التي يرددها محمد
علوي المالكي ، وجميع من يدعو إلى عبادة الأولياء والصالحين .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 447 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وهنا ينهار ما تبقى من الدعوى بحول الله وقوته ، وذلك من خلال عرض الحقائق
التالية :
1 - المشركون لم يعتقدوا النفع والضر في أصنامهم .
2 - الأصنام لا تمثل في حس المشركين إلا صورا للأنبياء والصالحين أو الملائكة .
3 - المشركون لم يعبدوا الأصنام إلا لينالوا شفاعة أصحابها من العلماء والزهاد .
ولتقربهم إلى الله زلفى .
4 - في حال الشدة يتخلى المشركون عن وسائطهم ويفردون الله بالدعاء .
ولا تعجب أخي القارئ إذا وجدتني أتكئ كثيرا على ما كتبه الرازي والشهرستاني
معرضا عما كتبه ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب .
والغرض أن يعلم الجميع أن هذه الحقائق يقررها العلماء مهما اختلفت مشاربهم
وتنوعت مدارسهم وتباعدت أعصارهم ، وأنه ليس في كلام ابن تيمية وتلاميذه في
هذه المسألة ما هو جديد أو محدث ، إلا عند من لا يقرأ وإذا قرأ لم يفهم ( ومن يرد
الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا ) .
قال الفخر الرازي في تفسيره ( 26 283 ) عند قوله تعالى : الله يتوفى الأنفس ،
ويحتمل أن يكون المراد بهذا : أن الدليل يدل على أن الواجب على العاقل أن
يعبد إلها موصوفا بهذه القدرة وبهذه الحكمة ، ولا يعبد الأوثان التي هي جمادات لا
شعور لها ولا إدراك .
واعلم أن الكفار أوردوا على هذا الكلام سؤالا فقالوا : نحن لا نعبد هذه الأصنام
لاعتقاد أنها آلهة تضر وتنفع ، وإنما نعبدها لأجل أنها تماثيل لأشخاص كانوا عند الله
مقربين ، فنحن نعبدها لأجل أن يصير أولئك الأكابر شفعاء لنا عند الله .
فأجاب الله تعالى بأن قال ( أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون
شيئا ولا يعقلون ) . . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 448 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال الرازي ( 17 / 59 ) في تفسير قوله تعالى ( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم
ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله . . ) يونس :
وأما النوع الثاني : ما حكاه الله تعالى عنهم في هذه الآية ، وهو قولهم ( هؤلاء
شفعاؤنا عند الله ) فاعلم أن من الناس من قال : إن أولئك الكفار توهموا أن عبادة
الأصنام أشد في تعظيم الله من عبادة الله سبحانه وتعالى .
فقالوا : ليست لنا أهلية أن نشتغل بعبادة الله تعالى ، بل نحن نشتغل بعبادة هذه
الأصنام ، وإنها تكون لنا شفعاء عند الله تعالى .
ثم اختلفوا في أنهم كيف قالوا في الأصنام أنها شفعاؤنا عند الله ؟ وذكروا فيه أقولا
كثيرة :
فأحدها : إنهم اعتقدوا أن المتولي لكل إقليم من أقاليم العالم روح معين من
أرواح عالم الأفلاك ، فعينوا لذلك الروح صنما معينا واشتغلوا بعبادة ذلك الصنم . . .
ورابعها : أنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم ، وزعموا
أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله
تعالى .
ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر ، على اعتقاد
أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله . انتهى .
قلت : الله أكبر . فمن الذي شبهكم بعبدة الأصنام ؟ ؟ ! !
وقال الرازي في ( 26 / 277 ) في تفسير قوله تعالى ( ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء
متشاكسون ورجلا سلما لرجل ) الزمر :
وهذا مثل ضرب في غاية الحسن في تقبيح الشرك وتحسين التوحيد .
فإن قيل : هذا المثال لا ينطبق على عبادة الأصنام لأنها جمادات فليس بينها
منازعة ولا مشاكسة .
قلنا : إن عبدة الأصنام مختلفون ، منهم من يقول هذه الأصنام تماثيل الكواكب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 449 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
السبعة . ومنهم من يقول : هذه الأصنام تماثيل الأشخاص من العلماء والزهاد الذين
مضوا فهم يعبدون هذه التماثيل لتصير أولئك الأشخاص من العلماء والزهاد شفعاء
لهم عند الله . . .
وقال في ( 25 / 254 ) في تفسير قوله تعالى ( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه )
سبأ - 23 :
واعلم أن المذاهب المفضية إلى الشرك أربعة : ورابعها : قول من قال : إنا نعبد
الأصنام التي هي صور الملائكة ليشفعوا لنا . فقال تعالى في إبطال قولهم ( ولا تنفع
الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ) . فلا فائدة لعبادتكم غير الله ، فإن الله لا يأذن في
الشفاعة لم يعبد غيره ، فبطلبكم الشفاعة تفوتون على أنفسكم الشفاعة . انتهى .
وقارنه بكلام ابن القيم في المدارج .
وسأجيب عن شبهتهم : أننا لا نعبدهم ، وأنهم يملكون الشفاعة ويقدرون عليها
الآن ( وهم أموات ) فنحن نطلب منهم ما يقدرون عليه ويملكونه ! ! ! !
وقال الرازي في ( 20 / 102 ) في تفسير قوله تعالى ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى
ربهم الوسيلة أيهم أقرب . . ) الإسراء :
إعلم أن المقصود من هذه الآية الرد على المشركين . وقد ذكرنا أن المشركين كانوا
يقولون ليس لنا أهلية أن نشتغل بعبادة الله تعالى ، فنحن نعبد بعض المقربين من
عباد الله وهم الملائكة ، ثم إنهم اتخذوا لذلك الملك الذي عبدوه تمثالا وصورة
واشتغلوا بعبادته على هذا التأويل . انتهى .
وانظر كلامه في ( 25 / 171 ) السجدة . و ( 23 / 102 ) الشعراء
وإليك كلام غيره من أهل العلم . . . انتهى .
وقد أطال هذا الفاتح تبعا لإمامه ابن تيمية وكل تلاميذه ، في إثبات أن المشركين
كانوا يعتقدون بألوهية الله تعالى فكانوا موحدين في الألوهية ، ولكنه سماهم مشركين
لأنهم عبدوا معه غيره وأشركوهم في ربوبيته .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 450 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وهدفهم من ذلك أن يقولوا إن الذين يتوسلون بالأنبياء والرسل مشركون مثل
أولئك ، لأنهم موحدون في الألوهية ويشركون الأنبياء والأولياء في الربوبية ! !
ولكن لو صحت مقدمتهم هذه ، لبقي عليهم مقدمتان يلزم عليهم إثباتهما :
الأولى ، أن الذين يتوسلون بالأنبياء والأولياء يعبدونهم ، كما كان المشركون
يعبدون الشركاء ! !
والثانية ، أن توسلهم بهم عمل لم يأذن به الله تعالى ولم ينزل به سلطانا ، كشرك
المشركين ! !
وقد تبين لك الفرق الشاسع بين التوسل والعبادة ، وتبين لك دلالة الآيات
والأحاديث الشريفة على التوسل ، وأنه عمل مشروع أذن الله به ورسوله ، فتشبيهه
بشرك المشركين تلبيس وتزوير !
ثم كتب محمد الفاتح تحت عنوان :
أهم الشبهات حول شرك عباد الأصنام ، فقال :
أجدني مضطرا للرد على الشبهات التي أثارها علوي المالكي وأتباعه ومن
سبقه ، حول الحقائق الماضية ، والتي نقلت فيها أقوال أهل العلم في بيان أن
المشركين أقروا لله بالخلق والرزق والتدبير ، وأشركوا به في العبادة ، أملا في القربى
وبحثا عن الزلفى إلى الله ، وأنهم لم يعتقدوا في أصنامهم نفعا ولا ضرا .
الشبهة الأولى : كيف يقال إن المشركين لم يعتقدوا في أصنامهم نفعا ولا ضرا ،
وها هو القرآن يحكي قولهم ( إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ) ؟
والجواب : أننا لا ننكر اعتقاد المشركين النفع والضر في آلهتهم أفليس قولهم ( ما
نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) وقولهم ( ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) من
اعتقاد النفع تقريبا وشفاعة ؟ ؟
ولذلك تجد بعض المفسرين يذكر أنهم كانوا يعتقدون في أصنامهم النفع والضر
وهذا حق لا ينكر كما . وليس هذا محل النزاع . . . إنما النزاع في كونهم يعتقدون فيهم
نفعا ذاتيا استقلاليا دون الله ، فأين الدليل على ذلك ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 451 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقد اعترفوا بأن تدبير الأمر كله لله ، وأن بيده ملكوت كل شئ ، وأنه يجير ولا
يجار عليه ، وقد مر معك قولهم الذي سمعه النبي صلى الله عليه وسلم وود لو
اقتصروا على جزء منه ، وهو قولهم في التلبية ( لبيك اللهم لبيك . . . إلا شريكا هو لك
تملكه وما ملك ) .
وحين أتكلم عن شرك عباد الأصنام الذين نزل فيهم القرآن أفاجأ بمن يتحدث عن
قوم إبراهيم وقوم هود ( عليهما السلام ) ! ! !
ومع هذا أقول : غاية ما عند هؤلاء المشركين أنهم اعتقدوا أن الله تعالى فوض إليهم
تدبير بعض الأمور ، وأعطاهم شيئا من التصرف . أليس هذا عين ما يقوله عباد القبور
اليوم ، حين ينسبون لأوليائهم نفعا وضرا ، بل حين يخوفوننا بطشهم وهم تحت الثرى ؟ ! !
فإذا قلنا عن هؤلاء حين يخوفوننا بالولي الفلاني : إنهم يعتقدون فيه نفعا وضرا
هب المدافعون عنهم المتشدقون هنا فقالوا : إنه تفويض من الله وإقدار من الله وليس
استقلالا .
فثبت أن هذه الصورة موجودة تتكرر من أناس يؤمنون بأن الله هو الخالق والرازق
والمدبر . وقد حكى القرآن عن عبدة الأصنام ( ويخوفونك بالذين من دونه ) وهو من
جنس الكلام السابق ، مع يقينهم واعترافهم بأن كل حول وطول لآلهتهم مملوك لله (
تملكه وما ملك ) . انتهى كلامه .
ويرد عليه :
أولا ، أنه خلط بين أصناف متعددين من المشركين ذكرهم الله تعالى في القرآن ،
وحمل كلام بعضهم لبعضهم الآخر ! !
وثانيا ، لو صح كلامه وكان أولئك المشركين يجعلون التأثير الذاتي كله لله تعالى
ويعتقدون بأن تأثير شركائهم المزعومين تأثير مجعول من الله تعالى وإقدار منه على
النفع والضر بإذنه . . فإن عبادتهم لهم تبقى إشراكا لهم في عطاء الله تعالى وفعله بدون
دليل من الله ولا سلطان !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 452 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أما المتوسلون بالأنبياء والأولياء فعندهم من الله دليل وسلطان ، لأنه أذن لهم
بذلك . . وإذا صدر منه الإذن صار اسم العمل توسلا مشروعا ، ولم يعد اسمه شركا ! !
وإلا لكان ما علمه النبي صلى الله عليه وآله لذلك الأعمى شركا صريحا ، والعياذ بالله ! !
ثم قال الفاتح :
الشبهة الثانية :
استدلالهم بقوله تعالى ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا
بغير علم ) الأنعام 108 ، قال المالكي : في مفاهيمه :
وإذا غضبوا قابلوا المسلمين بالمثل ، فيسبون الله تعالى غيرة على تلك الأحجار
التي كانوا يعبدونها يعتقدون أنها تنفع وتضر ) فيرمون الله بالنقائص . وهذا واضح
جدا في أن الله تعالى أقل منزلة في نفوسهم من تلك الأحجار التي كانوا يعبدونها .
ولو كانوا يعتقدون حقا أن الله تعالى هو الخالق وحده ، وأن أصنامهم لا تخلق ، لكان
على الأقل احترامهم له تعالى فوق احترامهم لتلك الأحجار ) انتهى .
قلت : أما يستحي هذا الرجل من كتابة هذا الكذب والهراء ؟ ! ! ! يا ويح من قرظ له
هذا الإفك . فهلا نقلت هذا الاستنباط عن أحد قبلك من أهل العلم ؟
الجواب : سؤال : إذا قمت بنصيحة أحد الفجرة اليوم فقام بسبك وسب ربك ،
كما يحدث في بعض بلدان المسلمين ، فهل يعني هذا أنه لا يعترف بربوبية الله ؟
وهل يعني هذا أنه يثبت خالقا غير الله ؟ أم أن الأمر مرده للحمية والغيظ ؟ وإليك
كلام العلماء :
قال ابن الجوزي ( 3 / 102 ) : ( فيسبوا الله ) أي : فيسبوا من أمركم بعيبها ، فيعود
ذلك إلى الله تعالى ، لا أنهم كانوا يصرحون بسب الله تعالى ، لأنهم كانوا يقرون أنه
خالقهم ، وإن أشركوا به . انتهى .
وقال الرازي ( 13 / 139 ) :
أقول : لي هنا إشكالان : . . . الثاني : أن الكفار كانوا مقرين بالإله تعالى وكانوا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 453 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يقولون : إنما حسنت عبادة الأصنام لتصير شفعاء لهم عند الله تعالى ، وإذا كان
كذلك : فكيف يعقل إقدامهم على شتم الله تعالى وسبه ؟
إلى أن قال : واعلم أنا قد دللنا على أن القوم كانوا مقرين بوجود الإله تعالى
فاستحال إقدامهم على شتم الإله ، بل هنا احتمالات :
أحدها : أنه ربما كان بعضهم قائلا بالدهر ، ونفى الصانع فما كان يبالي بهذا النوع
من السفاهة .
وثانيها : أن الصحابة متى شتموا الأصنام ، فهم كانوا يشتمون الرسول عليه الصلاة
والسلام ، فالله تعالى أجرى شتم الرسول مجرى شتم الله تعالى كما في قوله ( إن
الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) وكقوله ( إن الذين يؤذون الله ) .
وثالثها : إنه ربما كان في جهالهم من كان يعتقد أن شيطانا يحمله على ادعاء النبوة
والرسالة ، ثم إنه لجهله كان يسمي ذلك الشيطان بأنه إله محمد ، عليه الصلاة
والسلام ، فكان يشتم إله محمد ، بناء على هذا التأويل . انتهى .
وكلام الرازي هذا نقله أبو حيان في تفسيره البحر المحيط ، وعقب عليه بقوله :
وهذه احتمالات مخالفة للظاهر ، وإنما أوردها لأنه ذكر أن المعترفين بوجود الصانع
لا يجسرون أن يقدموا على سبه تعالى ، وقد ذكرنا ما يحمل على حمل الكلام على
ظاهره . انتهى .
قال أبو حيان : فيسبوا الله ، أنهم يقدمون على سب الله إذا سب آلهتهم وإن كانوا
معترفين بالله تعالى ، لكن يحملهم على ذلك انتصارهم لآلهتهم وشدة غيظهم لأجلها
، فيخرجون عن الاعتدال إلى ما ينافي العقل ، كما يقع من بعض المسلمين إذا اشتد
غضبه وانحرف ، فإنه قد يلفظ بما يؤدي إلى الكفر ، نعوذ بالله من ذلك . انتهى .
وبمثل هذا التوجيه قال الآلوسي : في تفسيره روح المعاني : 7 251 . . .
وقال الراغب : إن سبهم لله تعالى ليس أنهم يسبونه جل شأنه صريحا ، ولكن
يخوضون في ذكره تعالى ويتمادون في ذلك بالمجادلة ، ويزدادون في وصفه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 454 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سبحانه بما ينزه تقدس اسمه عنه . وقد يجعل الاصرار على الكفر والعناد سبا ، وهو
سب فعلي ، قال الشاعر :
وما كان ذنب بني مالك * بأن سب منهم غلام فسب
بأبيض ذي شطب قاطع * يقد العظام ويبري العصب
ونبه به على ما قال الآخر : ونشتم بالأفعال لا بالتكلم .
وقيل : المراد بسب الله تعالى :
سب الرسول صلى الله عليه وسلم ونظير ذلك من وجه قوله تعالى ( إن الذين
يبايعونك إنما يبايعون الله ) الآية . انتهى كلام الآلوسي .
والحاصل من هذه الأجوبة أنه ليس أحد يذهب إلى ما ذهب إليه المالكي .
وها أنت ترى أنهم يجعلون الحقائق السابقة من إقرار المشركين أصلا يردون إليه
ما عداه ويبحثون عن تأويله ، على عكس ما يحاول المالكي .
وبعد . . . إلا تعجب معي من هذه الشهادات والتزكيات التي يحملها المالكي ، وهو
يرضى لنفسه بترديد الشبه التي يسوقها النبهاني والقضاعي والدجوي ودحلان ،
دون أثارة من علم صحيح ؟ ! ! انتهى .
ويرد عليه ما أوردناه على شبهته الأولى ، من أن ذلك لو تم لكان قياس التوسل
على عبادة المشركين قياسا مع الفارق في طبيعتهما ، وفي نزول سلطان من الله في
التوسل دون الشرك !
الشبهة الثالثة :
استدلال المالكي بقول أبي سفيان يوم أحد ( أعل هبل ) فهم المالكي منه ما يلي :
ينادي صنمهم المسمى بهبل أن يعلو في تلك الشدة رب السماوات والأرض
ويقهره ، ليغلب هو وجيشه جيش المؤمنين الذي يريد أن يغلب آلهتهم .
هذا مقدار ما كان عليه أولئك المشركون مع تلك الأوثان ، ومع الله رب العالمين
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 455 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فليعرف حق المعرفة فإن كثيرا من الناس لا يفهمونه كذلك ، ويبنون عليه ما يبنون .
انتهى كلام المالكي .
قلت : ليته تكرم بنقل واحد عن أهل العلم حتى لا يساء به الظن ، لكن ما أجرأه
وما أجهله . . . يا ويح من قرظ له !
وقد روى البخاري في الصحيح ( 4043 ) ما جرى مع أبي سفيان :
وأشرف أبو سفيان فقال : أفي القوم محمد ؟ . فقال : لا تجيبوه . فقال : أفي القوم
ابن أبي قحافة ؟
قال : لا تجيبوه . فقال : أفي القوم ابن الخطاب ؟
فقال : إن هؤلاء قتلوا ، فلو كانوا أحياء لأجابوا .
فلم يملك عمر نفسه فقال : كذبت يا عدو الله ، أبقى الله عليك ما يخزيك .
قال أبو سفيان : أعل هبل .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجيبوه . قالوا : ما نقول ؟ قال : قولوا الله أعلى
وأجل .
قال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجيبوه . قالوا ما نقول : قال : قولوا : الله مولانا ولا
مولي لكم .
قال أبو سفيان : يوم بيوم بدر ، والحرب سجال . انتهى .
قال الحافظ في الفتح 7 408 :
قوله ( أعل هبل ) في رواية زهير ( ثم أخذ يرتجز : أعل هبل ) قال ابن إسحاق :
معنى قوله : أعل هبل . أي : ظهر دينك .
وقال السهيلي : معناه : زاد علوا . انتهى من الفتح .
والذي في الروض الأنف للسهيلي : زد علوا ، 3 179
فقول ابن إسحاق : أي ظهر دينك . هو المعنى الذي لا ينبغي العدول عنه ، لا ما
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 456 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
توهمه المالكي ، مما يخالف الحقائق اليقينية السابقة .
ويزيد الأمر وضوحا أن أبا سفيان لم يجد ردا على قول المسلمين : الله أعلى
وأجل فانتقل إلى أمر آخر ، وهو انقطاع منه ظاهر ! !
وهاهو أبو سفيان يقول لقومه بصريح العبارة حين نجت العير : إنكم إنما خرجتم
لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم فقد نجاها الله فارجعوا . البداية والنهاية 3 / 281 ،
نجاها الله لا هبل ، فافهم .
بل هذا عدو الله أبو جهل يقول قبيل بدر كما يروي الإمام أحمد والنسائي
والحاكم وصححه ، عن عبد الله بن ثعلبه أن أبا جهل قال : حين التقى القوم :
اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة . انتهى . البداية والنهاية 3 / 299
وهذا هو معنى قوله تعالى ( إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير
لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين )
الأنفال 19 .
قال مجاهد كما في رواية ابن جرير : إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ، قال : كفار
قريش في قولهم : ربنا افتح بيننا وبين محمد وأصحابه ، ففتح بينهم يوم بدر . ا ه‍ .
وقال السدي : كان المشركون حين خرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة
أخذوا بأستار الكعبة ، واستنصروا الله وقالوا : اللهم انصر أعز الجندين وأكرم الفئتين
وخير القبيلتين ، فقال الله : إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ، يقول : نصر ت ما قلتم ،
وهو محمد صلى الله عليه وسلم . رواه ابن جرير .
يستنصرون الله ، لا الأولياء والصالحين ! ! ! ! فهل هؤلاء منكرون ربوبية الله ؟ ! وقال
أبو جهل أيضا في بدر :
فلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد . البداية والنهاية 3 286 .
فاعتبروا يا أولي الأبصار . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 457 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ويرد عليه :
أولا ، أنه مهما ادعى لأبي سفيان ومشركي قريش الإيمان بالله تعالى ، فإن ما ثبت
عنه من قوله ( أعل هبل ) يدل على أنه برأيه هو الله أو أنه أهم عنده من الله ! ! وهذا
يوجب الشك في أن كلمة الله منه قد تعني هبلا ، ولا تعني رب العالمين سبحانه ! !
وثانيا ، لو تم ما أراده من إثبات إيمان مشركي قريش بالله تعالى أكثر من هبل ، فإن
اتخاذهم هبلا واللات والعرى لتقربهم إلى الله زلفى كما زعموا ، كانت إشراكا لها مع
الله تعالى ، إما في التأثير الذاتي ، أو التأثير باقدار الله . . وكله بدون سلطان من الله
تعالى !
فكيف يقاس ذلك بالتوسل برسول الله وآله صلى الله عليهم ، الذي دل عليه
الدليل وكزل فيه السلطان ؟ ! !
الشبهة الرابعة :
استدلال القبورية بقوله تعالى ( وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن
أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا . الفرقان 60 ، قالوا : فهل يكون صاحب هذا الكلام
موحدا معترفا بالربوبية ؟ !
والجواب : قال الطبري :
وقد زعم بعض أهل الغباء أن العرب كانت لا تعرف الرحمن ولم يكن ذلك في
لغتها ولذلك قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : وما الرحمن أنسجد لما
تأمرنا إنكارا منهم لهذا الاسم . كأنه كان محالا عنده أن ينكر أهل الشرك ما كانوا
عالمين بصحته ، أو كأنه لم يتل من كتاب الله قول الله : الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه ،
يعني محمدا ، كما يعرفون أبناءهم ، وهم مع ذلك به مكذبون ولنبوته جاحدون .
فيعلم بذلك أنهم قد كانوا يدافعون حقيقة ما قد ثبت عندهم صحته واستحكمت
لديهم معرفته . وقد أنشد لبعض الجاهلية الجهلاء :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 458 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ألا ضربت تلك الفتاة هجينها ألا قضب الرحمن ربي يمينها
وقال سلامة بن جندل الطهوي :
عجلتم علينا عجلتينا عليكم وما يشاء الرحمن يعقد ويطلق . . انتهى .
ونسيت الموضع الذي نقلته منه من التفسير .
وقال ابن جرير في تفسير آية الفرقان :
وذكر بعضهم أن مسيلمة كان يدعي الرحمن فما قال لهم النبي صلى الله عليه
وسلم : اسجدوا للرحمن قالوا : أنسجد لما يأمرنا رحمن اليمامة ؟ يعنون مسيلمة
بالسجود له . .
وقال أبو السعود في تفسيره :
( قالوا وما الرحمن ) قالوه لما أنهم ما كانوا يطلقونه على الله تعالى ، أو لأنهم ظنوا
أن المراد به غيره تعالى ، ولذلك قالوا ( أنسجد لما تأمرنا ) أي للذي تأمرنا بسجوده ،
أو لأمرك إيانا ، من غير أن نعرف أن المسجود ماذا .
وقيل : لأنه كان معربا لم يسمعوه . انتهى .
وقال الزمخشري :
وما الرحمن . يجوز أن يكون سؤالا عن المسمى به ، لأنهم ما كانوا يعرفونه بهذا
الاسم والسؤال عن المجهول بما .
ويجوز أن يكون سؤالا عن معناه ، لأنه لم يكن مستعملا في كلامهم كما استعمل
الرحيم والرحوم والراحم . أو لأنهم أنكروا إطلاقه على الله تعالى . . .
قلت : حين امتنع سهيل بن عمرو يوم الحديبية من كتابة اسم الله الرحمن ، ماذا
كتب ؟ هل كتب : باسم هبل ؟ !
روى البخاري في صحيحه : فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب فقال النبي
صلى الله عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم . قال سهيل : أما الرحمن فوالله ما
أدري ما هو ، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 459 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقال المسلمون والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اكتب باسمك اللهم . أنظر البخاري - كتاب
الشروط - باب الشروط في الجهاد . ولا يغيبن عن ذهنك ما أشرت إليه سابقا من
اعتماد أهل العلم على الحقائق القرآنية السابقة ، وفهم سائر النصوص في ضوئها لو
فرض إشكال . فكيف ولا إشكال ؟ !
ولله الحمد ، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور . انتهى
كلام الفاتح .
ولو صح لورد عليه ما ورد على شبهاته السابقة .
ثم كتب المدعو محمد الفاتح :
سبق بيان حال المشركين عبدة الأصنام ، وصحة إقرارهم لله بالخلق والرزق
والإحياء والإماتة ، وأن شركهم لم يكن باعتقاد وجود إلهين متساويين ، أو اعتقاد
النفع والضر في هذه الأصنام ، وإنما كان بعبادة هذه الأصنام أملا في شفاعتها ولنيل
القربى والزلفى عند الله .
مع اعتقادهم أنها مملوكة مربوبة لله لا تنفع ولا تضر استقلالا ، وما هي إلا صور
للصالحين من الأنبياء والعلماء والزهاد أو الملائكة ، كما سبق مفصلا في الحلقتين
الماضيتين .
ولا يخفى أن عباد القبور ينكرون هذه الحقائق ، ويلبسون على العامة والخاصة
مدعين أنه ما أشرك أولئك إلا باعتقادهم الربوبية والنفع والضر في أصنامهم .
ولا مانع أن أعيد نص كلام محمد علوي المالكي كاملا : قال في مفاهيمه التي
يجب أن تصحح ، بل أن تنسف من الأصل ص 95 ، تحت عنوان الواسطة الشركية ،
بعد ذكر قوله تعالى : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى :
والاستدلال بهذه الآية في غير محله ، وذلك لأن هذه الآية الكريمة صريحة في
الانكار على المشركين عبادتهم للأصنام ، واتخاذها آلهة من دونه تعالى ، وإشراكهم
إياها في دعوى الربوبية .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 460 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
على أن عبادتهم لها تقربهم إلى الله زلفى ، فكفرهم وإشراكهم من حيث عبادتهم
لها ، ومن حيث اعتقادهم أنها أرباب من دون الله .
وهنا مهمة لا بد من بيانها وهي أن هذه الآية تشهد بأن أولئك المشركين ما كانوا
جادين فيما يحكي ربنا عنهم من قوله مسوغين عبادة الأصنام : ما نعبدهم إلا ليقربونا
إلى الله زلفى ، فإنهم لو كانوا صادقين في ذلك لكان الله أجل عندهم من تلك الأصنام
فلم يعبدوا غيره . . انتهى .
وقد مضى كلام أهل العلم الذي لا يدع مجالا للشك ، في هذه الحقيقة التي يثبتها
القرآن . ولا أدري من سلف هذا المالكي ؟ ! !
قلت : لعله استفاد هذا التحقيق عن طريق الكشف ! ! !
وقال ص 96 ( وقل ذلك أيضا في قوله تعالى ( ولئن سألتهم من خلق السماوات
والأرض ليقولن الله ) فإنهم لو كانوا يعتقدون حقا أن الله تعالى الخالق وحده وأن
أصنامهم لا تخلق ، لكانت عبادتهم لله وحده دونها ) ويفهم منه أن المشركين لم
يعتقدوا حقا أن الله الخالق ! ! ! ! ! وأنهم اعتقدوا أن الأصنام تخلق ! ! ! ! ! انتهى .
وهذا أيضا ربما جاءه من العلم اللدني الذي حرمه المفسرون والعلماء الأكابر
ممن سبق ذكرهم .
فانظر إلى هذا الضلال البين والمخالفة الصريحة لما ثبت بالوحي ( إشراكهم إياها في
دعوى الربوبية . . . اعتقادهم أنها أرباب من دون الله . . . ما كانوا جادين . . . أصنامهم تخلق )
الشبهة الخامسة :
استدلالهم بقوله تعالى ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) التوبة .
والجواب : أنظر ما نشر في الحلقة الثالثة عن شرك الطاعة لتعلم أن المراد بالرب :
المطاع في التحليل والتحريم ، وأن أحدا من المذكورين لم يعتقد في أحباره خلقا
ولا رزقا .
ومثله قوله تعالى ( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) يوسف .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 461 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الشبهة السادسة :
استدلال المالكي بقوله تعالى ( وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا
فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله
فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون . الأنعام
قال المالكي : فلولا أن الله تعالى أقل في نفوسهم من تلك الحجارة ما رجحوها
عليه هذا الترجيح الذي تحكيه الآية واستحقوا عليه حكم الله عليهم بقوله ( ساء ما
يحكمون ) انتهى . المفاهيم 96 .
الجواب : مشكلة المالكي أنه مولع بالتفرد والشذوذ والتقليد لأسلافه من
القبورية ! ! ولما كان مكذبا لما حكاه القرآن ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) قال
هذا الكلام الساقط ( الله تعالى أقل في نفوسهم من تلك الأحجار ) ! ! ! !
كيف والأحجار ومن تمثلهم ما هم إلا وسطاء إلى الله الكبير المتعال ؟ ! صدق الله ،
وكذب المالكي .
وغاية ما في تصرف المشركين هذا أنهم كانوا ينذرون لله ولشركائهم ثم يجورون
في القضية ، فلا يصل إلى الله شئ ، وحجتهم أن الله غني عن هذا ، وليس كما يدعي
المالكي أن الله أقل في نفوسهم من الأحجار .
نعم محبة المشركين لأوثانهم ، بل ومساواتهم لها مع الله في المحبة أمر معروف ،
بل منهم ومن سائر عباد القبور والأصنام من يؤثرهم على محبة الله .
لكن جعل ذلك دليلا على عدم إقرارهم واعترافهم بربوبية الله من الإفك المبين . . .
وروى ابن جرير عن ابن عباس :
وذلك أن أعداء الله كانوا إذا احترثوا حرثا أو كانت لهم ثمرة جعلوا لله منها جزءا
وللوثن جزءا ، فما كان من حرث أو ثمرة أو شئ من نصيب الأوثان حفظوه وأحصوه .
فإن سقط منه شئ فيما سمي لله ردوه إلى ما جعلوا للوثن .
وإن سبقهم الماء إلى الذي جعلوه للوثن فسقى شيئا جعلوه لله جعلوا ذلك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 462 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
للوثن ! وإن سقط شئ من الحرث والثمرة التي جعلوا لله فاختلط بالذي جعلوا للوثن
قالوا : هذا فقير ولم يردوه إلى ما جعلوا لله .
وإن سبقهم الماء الذي جعلوا لله فسقى ما سمي للوثن ، تركوه للوثن . فتأمل
تعليلهم بغنى الله وبفقر الأوثان .
وهذا من ضلالاتهم وسخافاتهم ولا شك ! لكن أين ما فهمه المالكي أو افتراه ؟ ! !
ومهما يكن من أمر فهم معترفون بالله وينذرون له ، ويقرون بربوبيته وبأنه غني .
وهذا ما ينكره المالكي !
أقول هذا تعليقا على كلمة " آثارهم " فليست القضية الآن في المساواة أو التفضيل
في المحبة ، وإنما القضية : هل هم مؤمنون بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت
المتصرف ؟
قلت : وقد رأيت من هو فقير معدم بخيل شحيح ، لا يكاد يعرف الصدقة لله ،
لكنه حريص على الذهاب بالشاة ونحوها إلى قبور الصالحين . فأي حب وإيثار فوق
هذا ؟ ؟ ! ! بل الأمر أعظم من ذلك ، فقد شافهني أحدهم بأنه يخشى أن تموت جميع
أنعامه إن لم يفعل ذلك !
فلا حول ولا قوة إلا بالله . فهل هؤلاء ينكرون خالقية الله وربوبيته أم عبدوا معه
غيره ! ! ساء ما حكم به المالكي . انتهى .
وجوابه :
أن هؤلاء المشركين إن صح فيهم ما تقول من توحيدهم لله تعالى ! فإن شركهم
لأصنامهم لم يكن فيه برهان من الله ولا سلطان ! !
فكيف يقاس به توسل المتوسلين بالنبي وآله الطاهرين ، الذي دل عليه الدليل
وأنزل الله فيه البرهان والسلطان ؟ ! !
إن الكفار والمشركين اتخذوا آلهة وأولياء من دون الله تعالى .
والضالون اتخذوا إليه وسيلة من دونه ، لم يأمر بها ولم ينزل بها سلطانا . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 463 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أما نحن فنوحده ونطيعه ونبتغي إليه الوسيلة التي أمرنا بها وهي محمد وآل
محمد صلوات الله عليهم .
والذين ينتقدوننا لم يفرقوا في موضوع التوسل والشفاعة بين ما هو من الله تعالى
وما هو من دونه ! !
وفي الفرق بينهما يكمن الكفر والإيمان والهدى الضلال ! !
وهل تقولون أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عندما علم الأعمى أن يقول ( يا محمد إني توجهت
بك إلى الله ) كان يعلمه الشرك والعياذ بالله ؟ ! ! فماذا تفترون ؟ ! !

نماذج من كتاب وزير الأوقاف السعودي ردا على كتاب المالكي :

للسيد محمد علوي المالكي كتاب باسم ( مفاهيم يجب أن تصحح ) وقد نشر
المدعو أبو محمد التميمي في شبكة الساحة العربية ، ردا عليه أخذه من كتاب
( هذه مفاهيمنا ) للشيخ صالح آل الشيخ ، وزير الأوقاف السعودي . .
وهو رد ضعيف لأنه اعتمد فيها على الاستحسانات العقلية والظنية ، وحاول تطبيق
آيات المشركين على المتوسلين ! مع أن المشركين اتخذوا شركاء أو وسائل من دون الله
تعالى ، بينما اعتمد المتوسلون على حجة شرعية من الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) . . ولكن وزير
الأوقاف أصر على عدم التفريق بين ما هو من دون الله وما هو من عند الله تعالى ! ! !
قال الوزير : الباب الأول ، قال ص 45 ( يقصد المالكي في كتابه المذكور ) :
الوسيلة : كل ما جعله الله سببا في الزلفى عنده ، ووصلة إلى قضاء الحوائج منه .
والمدار فيها على أن يكون للوسيلة قدر وحرمة عند المتوسل إليه . ا ه‍ .
أقول : كلامه حوى جملتين الأولى من الحق والثانية فيها إجمال به يتوصل إلى ما
نهى الله عنه ، ولم يجعله وسيلة . فقوله : والمدار فيها . . الخ ! مجمل يمكن تفسيره
على أحد وجهين :
الأول : أن يدخل في ذلك ذوات الأنبياء والصالحين باعتبار أن لهم من المنزلة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 464 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والزلفى عند الله ما يجل عن الوصف .
فإن كان هذا معنيا فالله سبحانه وتعالى لم يجعل ذوات الأنبياء والصالحين أو
جاههم أو حرمتهم وسيلة إليه ، ولا سببا للزلفى لديه .
وإنما جعل الوسيلة إليه هو اتباعهم وتصديق ما أخبروا به ، واتباع النور الذي
جاءوا به ، والجهاد من أجل تقريره وتثبيته بين الخلق .
فهذا من الوسائل المشروعة التي يشرع للداعي بمسألة أن يقدمها بين يدي
مسألته ، ولا يصح للداعي دعاء عبادة دعاؤه إلا باتباعهم وتصديقهم .
فهذا من الوسائل المشروعة التي أمر الله بها وشرعها .
وأما الأنبياء والصالحون فليس من المشروع التوسل بذواتهم ولا جاههم ولا
حرمتهم كما سيأتي بيانه .
وإنما يشرع التوسل بدعائهم في حياتهم كما كان يفعله المسلمون زمنه صلى الله
عليه وسلم وبعده من طلب الدعاء في الاستسقاء وغيره .
وأما بعد مماتهم فليس التوسل بدعائهم ولا ذواتهم مشروعا بإجماع القرون
المفضلة . انتهى كلامه .
ولكن أين دليل الوزير على ما أفتى به وقال ( يشرع ولا يشرع في التوسل ) ؟ ! !
إنه فقط ظن عقله واستحسان ذوقه ! ! فهل يريدنا أن نأخذ الدين من عقله وظنه ؟ ! !
ثم قال الوزير :
الثاني : أن تكون الوسائل من الأعمال ونحوها مشروعة ، لم تتبع فيها سبل
المبتدعة وإنما اتبع فيها السنة وهذا حق .
والكاتب أجمل ليدخل الوسيلة المبتدعة في خلال كلمات الحق ، وقد بينا ما
فيها . وما كان ينبغي له ذلك ، وهو يفسر آية من كتاب الله .
وفي الوسيلة قولان ذكرهما أهل التفسير وقربهما ابن الجوزي في ( زاد المسير
( 2348 ) قال : أحدهما : أنه القربة ، قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد والفراء . وقال قتادة :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 465 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تقربوا إليه بما يرضيه . قال أبو عبيدة : يقال توسلت إليه أي تقربت إليه . وأنشد :
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائل
الثاني : المحبة يقول : تحببوا إلى الله . هذا قول ابن زيد ) ا ه‍ .
وفي أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس : أخبرني عن قوله تعالى : ( وابتغوا إليه
الوسيلة ) قال : الوسيلة الحاجة .
قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟
قال : نعم ، أما سمعت عنترة وهو يقول :
إن الرجال لهم إليك وسيلة * أن يأخذوك تكحلي وتخضبي
وفي المادة شواهد غير ما ذكر .
فالوسيلة : التقرب إلى الله بأنواع القرب والطاعات ، وأعلاها إخلاص الدين له
والتقرب إليه بمحبته ومحبة رسوله ومحبة دينه ومحبة من شرع حبه ، بهذا يجمع ما
قاله السلف . وقولهم من اختلاف التنوع .
وتأمل قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ) ففي تقديم
الجار والمجرور ( إليه ) إفادة اختصاص الوسائل بالله ، لا يشركه معه فيها أحد . كما
في ( إياك نعبد وإياك نستعين ) .
قال العلامة الشنقيطي ( رحمه الله ) في ( تفسيره ) ( 298 ) :
التحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامة العلماء من أنها التقرب إلى الله
تعالى بالإخلاص له في العبادة على وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم
وتفسير ابن عباس داخل في هذا ، لأن دعاء الله والابتهال إليه في طلب الحوائج من
أعظم أنواع عبادته التي هي الوسيلة إلى نيل رضاه ورحمته .
وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهال المدعين للتصوف
من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه أنه تخبط
في الجهل والعمى وضلال مبين ، وتلاعب بكتاب الله تعالى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 466 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار كما صرح به تعالى في قوله
عنهم ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )
وقوله ( ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات
ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون ) .
فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريقة الموصلة إلى رضا الله وجنته ورحمته
هي اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل .
( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به ) الآية . انتهى كلامه .
وبالله عليك أي تحقيق حققه الوزير حتى يقول عنه ( وبهذا التحقيق ) ؟ ! !
ولماذا حشر الآيات الثلاث التي لا دخل لها في الموضوع ؟ ! !
فإن الموضوع أن الاستشفاع والتوسل بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، في حياته وبعد وفاته ، أمر
مشروع في الإسلام ، فهو استشفاع من عند الله وليس من دونه ! !
فعليه أن ينظر في أدلة الطرف من آية وحديث ويتكلم في دلالته وسنده ، فإن لم
تتم دلالته يمكنه أن يقول : هذا الاستشفاع والتوسل غير مشروع ، فهو في رأيي
استشفاع من دون الله تعالى ، ومن يتشبث به مع علمه ببطلان دليله فهو يشبه الذين
اتخذوا شفعاء من دون الله .
وهو مسألة فقهية عند أكثر المسلمين ، لكنه عند ابن تيمية وعندي مسألة
عقيدية ، والمتوسل بالنبي بعد مماته بدون حجة مشرك !
هذا غاية ما يمكن له أن يقوله . . ولكنه ترك أسلوب البحث الطبيعي ، وأخذ يصدر
القرارات الوزارية ، وكأنه وزير دفاع لا أوقاف ! !
ثم قال الوزير :
قال الكاتب ص 43 : إن التوسل ليس أمرا لازما أو ضروريا وليست الإجابة متوقفة
عليه ، بل الأصل دعاء الله تعالى مطلقا ، كما قال تعالى : وإذا سألك عبادي عني فإني
قريب . . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 467 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أقول : إذا كان الأصل هو دعاء الله تعالى بلا واسطة ، فلم العدول عن الأصل إلى
غيره ولا يخفى أن غير الأصل لا يتمسك به إلا من عدم الأصل ، والله جل جلاله حي
قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ، يحب أن يدعوه عبده وأن يرجوه وأن يخافه وأن يتوسل
إليه بأسمائه وصفاته .
فإذا كان هذا لا ينقطع عن مسلم في أي بقعة كان ، وهو الأصل الأصيل ، فلم
العدول عنه والتنكب له ؟ ! أفتعدل إلى طريق هي أهدى ؟
تقول : إن التوسل الذي ننكره وهو التوسل بالذوات وعمل غير الداعي ونحوها ،
ليس الأصل بل الأصل معكم وأنتم حقيقون بالأصل .
تقر لنا بالهداية والاتباع ، وترغب في مخالفة الأصل دون دليل صحيح .
أما في الأصل لك كفاية ؟ أما في دعاء الله وحده بلا واسطة لك مقنع ؟
إذا كان الحي القيوم الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء يحب أن
يدعوه عبده كل حين : دعاء عبادة أو دعاء مسألة ، وهو الذي يقول : وإذا سألك
عبادي عني فإن قريب ) إذا كان كذلك ، فلم العدول إلى الأموات تتوسل بذواتهم أو
جاههم أو حرمتهم ، وغيرها من الألفاظ البدعية ؟
لم لا يعلم المسلمون دعاء الله وحده ، فتخلص قلوبهم من الالتفات إلى غيره في
دفع كربة أو رفع بلاء أو جلب نفع ؟
علموهم هذا ولا تعلقوا قلوبهم بغير الله فيتخذوهم أندادا ، فيذهب ذكرهم لربهم
وحده ، وحبهم له وحده ، إذ نفعهم معلق في أذهانهم بوسائط .
إن من انفتح عليهم باب البدعة في التوسل ألقي بهم ولو بعد حين إلى دائرة
الاشراك ، إذ هو طريقه وسبيله ، ومنه يتدرج إلى دعاء الأموات أنفسهم أو سؤالهم
الشفاعة أو الإغاثة أو الإعانة .
وكل هذه صرح كاتب المفاهيم بتجويزها في مواضع من كتابه ، كما سيأتي في
مباحث الشفاعة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 468 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وكل ذلك من سيئات ترك الأصول المتفق عليها ، واتباع المتشابهات المنهي
عنها . انتهى كلام الوزير .
وكلام المالكي واضح وغرضه منه نفي تهمة أنه يقول بوجوب التوسل في
الدعاء ، بل الأصل دعاء الله مطلقا ، كما أن التوسل في الدعاء جائز ولا بأس به .
وقد فسر الوزير قوله أن الأصل هو الدعاء مطلقا ، تفسيرا سيئا فجعل الأصل
بمعنى القاعدة وجعل التوسل شذوذا عن القاعدة !
ثم جعل الأصل بمعنى أن غير المتوسلين مهتدون ، والمتوسلين ابتعدوا عن
الهداية ، أو ضلا ! ! وهو أسلوب سياسي وليس علميا !
وقد بنى عليه الوزير يناءات وفرع تفريعات لنصرة رأيه ، بغير حق !
فموضوع البحث هو مشروعية التوسل إلى الله برسوله وغيره ، فإن كان غير
مشروع فلا يكون أصلا ولا فرعا ، وإن كان مشروعا يأتي البحث بعد ذلك : هل
الأصل في الدعاء أن يكون بطريقة التوسل بالنبي ، أم لا ؟
وهو موضوع آخر نخالف فيه المالكي ونقول :
لا أصل لهذا الأصل المتوهم في الدعاء ! ولا يوجد في الإسلام دعاء مقبول بدون
توسل بالنبي وآله صلى الله عليهم !
فقد روينا عن أئمتنا ، ورووا عن عمر وغيره أن الدعاء الذي ليس معه صلاة على
النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لا يقبله الله تعالى ! !
بل رووا وروينا أن صلاة المسلم لا تقبل إلا بهذا التوسل ! !
ومهما فكرنا في الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) التي أمرنا بها الإسلام في افتتاح الدعاء ،
بل في افتتاح الصلاة وأثنائها وختامها . . لا نجدها إلا توسلا به وبآله ( صلى الله عليه وآله ) ! !
- قال القاضي ابن عياض في الشفاء : 2 / 64 :
عن النبي صلى الله عليه وسلم : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 469 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بعد بما شاء . . . وعن عمر بن
الخطاب ( رضي الله عنه ) قال : الدعاء والصلاة معلق بين السماء والأرض فلا يصعد إلى الله منه
شئ حتى يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة / 139 :
أخرج الدارقطني والبيهقي حديث : من صلى صلاة ولم يصل فيها علي وعلى
أهل بيتي لم تقبل منه . وكأن هذا الحديث هو مستند قول الشافعي ( رضي الله عنه ) : إن الصلاة
على الآل من واجبات الصلاة كالصلاة عليه ( صلى الله عليه وآله ) لكنه ضعيف ، فمستنده الأمر في
الحديث المتفق عليه : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، والأمر
للوجوب حقيقة على الأصح . . .
- وروى الطبري في الذخاير / 19 ، عن جابر ( رضي الله عنه ) أنه كان يقول : لو صليت صلاة لم
أصل فيها على محمد وعلى آل محمد ، ما رأيت أنها تقبل . انتهى .
فهذه النصوص صريحة في أن الصلاة على النبي وآله وسيلة واجبة لقبول الصلاة
والدعاء ! وأنهما بدونها لا يقبلان عند الله تعالى . . وأي قيمة لأطنان من العمل
المردود ؟ ! !
ثم قال الوزير : قال ص 44 :
ومحل الخلاف في مسألة التوسل هو التوسل بغير عمل المتوسل كالتوسل
بالذوات والأشخاص . بأن يقول اللهم إني أتوسل إليك بنبيك محمد صلى الله عليه
وسلم ، أو أتوسل إليك بأبي بكر الصديق أو بعمر بن الخطاب أو بعثمان أو بعلي
رضي الله عنهم ) .
أقول : الواجب عند الاختلاف الرد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه
وسلم وفهم أصحابه الكرام رضي الله عنهم كما قال تعالى : ( ومن يشاقق الرسول
من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم
وساءت مصيرا ) .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 470 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومسألة التوسل بالذوات ، وكذا التوسل بأعمال من انقضى سعيهم ، لا خلاف
عند السلف من الصحابة والتابعين أنها ليست من الدين ، ولا هي سائغة في الدعاء .
وبرهان ذلك أنه لم ينقل عن واحد منهم بنقل صحيح مصدق أنه توسل بأحد
الخلفاء الأربعة أو العشرة أو البدريين .
والعمل على وفق ما فهموه هو المنجى كما فصل في السلف والسلفية من هذا
الكتاب ، ومن ابتغى نهجا جديدا فهو الخلفي ، وليس له حظ منهم .
إذا تقرر هذا فالتوسل بالذوات ونحو ذلك ممنوع لا وجه :
الأول : أنه بدعة لم تكن معروفة عند الصحابة والتابعين وكل بدعة ضلالة ، وليس
على الله أكرم من الدعاء : وفي الحديث : الدعاء هو العبادة . أخرجه أبو داود
والترمذي وغيرهما بإسناد صحيح عن النعمان بن بشير .
فإذا كان عبادة بل هو العبادة فإحداث أمر في العبادة مردود باتفاق العلماء . انتهى
كلام الوزير .
وجوابه : أن الحكم بأن التوسل بذات النبي ( صلى الله عليه وآله ) بدعة مصادرة على المطلوب ،
لأن القائل به يعتقد به بسبب ما ثبت عنده من تعليم النبي ( صلى الله عليه وآله ) للأعمى ، وتطبيق
عثمان بن حنيف لذلك بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) . فهل ما علمه النبي وما فهمه الصحابة
وطبقوه يكون بدعة وإحداثا في الدين ؟ ! !
ثم قال الوزير :
الثاني : أن قول القائل : أتوسل بأبي بكر وعمر . . . خطأ محض جره إليه سقم فهمه
وكثافة ذهنه واعتقاده أن كل شئ توسل به يكون وسيلة ، وهذا غلط .
فمن قال أتوسل بأبي بكر مثلا فقد جمع بين ذاتين لا وسيلة ولا طريق توصل
وتجمع أحدهما بالآخر ، فكأنما هذا القائل قد لفظ لفظا لا معنى له بمنزلة من سرد
الأحرف الهجائية ، إذ لا اتصال بين ذات المتوسل والمتوسل به حتى يجمع بينهما .
فلا بد من جامع يتوسل به ، وهو حب الصحابة مثلا ، وهو من عمل المتوسل فإذا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 471 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال : أتوسل إليك رب بحبي لأبي بكر أو بحبي لعمر أو بحبي لصحابة نبيك ، كان
هذا حسنا مشروعا . وكذا أن قال : أتوسل إليك بتوقيري وتعزيري وحبي واتباعي
لنبيك نبي الرحمة ، كان هذا من الوسائل النافعة .
فلازم ذكر الإيمان أو العمل الصالح الذي يصل بين ذاتين ، لا يجمع بينهما إلا
بجامع . كما حكى الله عن عباده المؤمنين قولهم : ( ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول
فاكتبنا مع الشاهدين )
وقوله ( ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ، ربنا فاغفر لنا
ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ) .
والآيات في هذا الباب كثيرة .
فإذا كان خيرة الخلق الأنبياء والرسل واتباعهم وحواريوهم لم يحيلوا على ما في
قلوبهم ، بل قالوا بلسانهم ما حواه جنانهم ، وهم الذين لا يشك بما في قلوبهم أفلا
يكون الخلوف الذين جاؤوا من بعدهم أولى وأحرى أن يفصحوا وأن يظهروا ، وأن لا
يتحيلوا لفاسد قولهم بالمجاز العقلي ؟ ! انتهى كلام الوزير .
وقد اعترف هنا بجواز التوسل بالعمل ، واعترف بأن الآيتين تضمنتا توسلا
بالإيمان واتباع الرسول !
ويقال له : ما هو الفرق الفقهي بين التوسل بالعمل والتوسل بالذات ؟ ولماذا صار
توسل المسلم بحبه لنبيه حلالا وإيمانا ، وتوسله بمقام نبيه شركا وكفرا ؟ ! !
إن كل الإشكالات التي أوردتها على التوسل والمتوسلين ترد عليه ! ونفس
الأسئلة التي توجهونها إلى المتوسلين بالنبي تتوجه على توسلكم بالعمل ! وما
تجيبون به عن :
- فهل تعتقدون أنه مؤثر في الإجابة مستقلا أو بجعل الله التأثير فيه ؟
فإن قلتم بتأثير العمل مستقلا فقد جعلتموه شريكا مع الله تعالى ! !
وإن قلتم أن الله جعل فيه التأثير ، فكذلك التوسل بمقامه ( صلى الله عليه وآله ) ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 472 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثم قال الوزير :
الثالث : أن الصحابة فهموا من التوسل التوسل بالدعاء لا بالذوات ، فعمر بن
الخطاب ( رضي الله عنه ) توسل بدعاء العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم . ومعاوية بن أبي
سفيان توسل بدعاء يزيد بن الأسود .
ولو كان التوسل بالذوات جائزا عندهم لأغناهم عن تكلف غيره ، ولتوسلوا
بذات أكرم الخلق وأفضل البشر وأعظمهم عند الله قدرا ومنزلة ، فعدلوا عن ذات
رسول الله صلى الله عليه وسلم الموجودة في القبر إلى الأحياء ممن هم دونه منزلة
ورتبة . فعلم أن المشروع ما فعلوه ، لا ما تركوه .
قال الشهاب الآلوسي في روح المعاني : 6 / 113 ، في الكلام على عدول الصحابة :
وحاشاهم أن يعدلوا عن التوسل بسيد الناس إلى التوسل بعمه العباس وهم يجدون
أدنى مساغ لذلك . فعدولهم مع أنهم السابقون الأولون ، وهم أعلم منا بالله تعالى
ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وبحقوق الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام ، وما
يشرع من الدعاء وما لا يشرع ، وهم في وقت ضرورة ومخمصة ، يطلبون تفريج
الكربات وتيسير العسير ، وإنزال الغيث بكل طريق : دليل واضح على أن المشروع ما
سلكوه دون غيره . انتهى كلام الآلوسي والوزير .
وجوابه : على مبناه في الصحابة ، فقد كتب ابن الصديق الغماري رسالة في أن
ترك الصحابي لفعل لا يمكن أن يكون دليلا على عدم مشروعيته .
على أنه صح الحديث بأن ابن حنيف علم التوسل بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) لرجل في زمن
عثمان ، فلا يصح القول إن أصحابه تركوه !
أما لماذا لم يتوسل عمر بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وتوسل بعمه العباس ؟
فجوابه أن عمر لم يكن بلغه حديث عثمان بن حنيف ، وتعليم النبي للأعمى
التوسل والتوجه به إلى الله تعالى ، وأراد أن يظهر للمسلمين مقام العباس فتوسل به .
أما على مبنانا في الصحابة ، فإن الذين عملهم حجة علينا من الصحابة إنما هم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 473 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أهل البيت الذين أمرنا النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن نتمسك بالقرآن وبهم من بعده ، في حديث
الثقلين المتواتر . . وسماهم بأسمائهم ، وهم علي وفاطمة والحسنان الذين نزلت
فيهم آية التطهير وحدد النبي مصطلح أهل بيته بهم بالأسماء وأدار عليهم الكساء ،
وقال ( هؤلاء أهل بيتي ) كما صح حديثه عند الجميع .
فعمل هؤلاء هو الحجة من الله تعالى ، أما غيرهم فلم يصح أن النبي جعلهم
حجة ، وحديث ( كتاب الله وسنتي ) لم يثبت حتى عند السنيين ، وحديث
( أصحابي كالنجوم ) ثبت عند علمائهم أنه موضوع !
وقد قرر أهل البيت ( عليهم السلام ) التوسل إلى الله تعالى بنبيه بعد مماته ، كالتوسل به في
حياته ، كما تراه في أحاديث التوسل من مصادرنا .
ثم قال الوزير :
الرابع : أن يقال تنزلا : لا يخلو التوسل بالذوات أن يكون أفضل من التوسل
بأسماء الله وصفاته ، والأعمال الصالحة ، أو لا .
فإن قيل : التوسل بالذوات أفضل ، فهو قول كفري باطل .
وإن كان التوسل بأسماء الله وصفاته وبالأعمال الصالحة أفضل ، فلم ينافح عن
المفضول وتترك نصرة الفاضل وتأييده ونشره وتعليمه للناس . انتهى كلامه .
وجوابه : أولا ، إن موضوع البحث ليس الصيغة الأفضل والأقل فضلا في
الدعاء عليه السلام فكلامه خارج عن الموضوع .
وثانيا ، نقول إن التوسل بأسماء الله وصفاته أفضل ، ولكن مع ذلك نتوسل إليه
بذات نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ، لأن نبينا وشفيعنا إليه .
وثالثا ، عرفت أن الله تعالى جعل الصلاة على نبيه ( صلى الله عليه وآله ) شرطا لقبول الدعاء ، وهذا
معناه شرعية التوسل به ( صلى الله عليه وآله ) ، ومعناه أن التوسل بأسمائه تعالى وحدها بدون ذكر
نبيه غير مقبول عنده ! ! فماذا نصنع أيها الوزير إذا كان الله تعالى مصرا على ذكر نبيه
في كل دعاء ندعوه ؟ ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 474 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

نماذج من المداخلات والمناقشات الأخرى

- كتب المدعو أبو صالح مدافعا عن السيد المالكي :
الرواية بالحرف الواحد كما هي من الطريق الصحيح الذي ساقه البخاري التاريخ
الكبير وابن أبي شيبة والبيهقي واللفظ لهما وصححها ابن حجر وابن كثير ( جاء رجل
إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله استسق
لأمتك فإنهم قد هلكوا ، فأتى الرجل في المنام فقيل له : ائت عمر فأقرئه مني السلام
وأخبرهم أنهم مسقون وقل له : عليك بالكيس الكيس فأتي الرجل فأخبر عمر
فقال يا رب ما آلو إلا ما عجزت عنه )
فهذا إقرار من سيدنا عمر ومن الصحابة أجمعين على صحة فعل الرجل ومن
يدعي غير ذلك فليثبت إن استطاع ! !
والشاهد من القصة ليس الرؤية المنامية كما قرر ذلك كثير من الأفاضل بل إتيان
رجل ما إلى القبر الشريف في زمن الصحابة وهم متوافرون ولا يضر كونه سيدنا بلال
بن الحارث أو غيره إذ لا يعقل أن يسكت الصحابة - وعلى رأسهم الفاروق - على
شرك أكبر يخرج من الملة فالاستدلال لا دخل له بالرجل الرائي بل بإقرار سيدنا
عمر والصحابة رضي الله عنهم لفعل الرجل .
- وكتب المدعو هاشمي مدافعا عن السيد المالكي :
اللهم ثبتنا على الحق ، وجنبنا تكفير الخوارج . . .
وبعد ، لقد كفر الفارس المكي السيد العلامة المالكي ، بل قد صار عنده يقين بأن
سيدنا محمد المالكي في النار مع أبي جهل ! !
فقد قال رادا على الأخ موسى العلي ما يلي : أسأل الله العظيم أن يحشرك في
زمرة محمد علوي الضال ، مبيح الشرك ، إمام المبتدعة ، مع أبي جهل وأبي لهب .
ثم زكى نفسه ومدحها بقوله : ونحن بإذن الله مع النبيين والشهداء والصالحين ! !
بل هو يلقب السيد بداعية الشرك ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 475 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد ناقشناه فاستكبر وعاند وأصر على هذا التكفير الخارجي المخزي ! !
وقد أيده على هذا التكفير أبو محمد التيمي ، وذلك المزروعي ، والمدعو
شامس ، وعبد الله محمد ، والدوسري ، ومعهم المراقبون ! !
لذلك نحب من هؤلاء أن يفعلوا الشئ ذاته مع أئمة أهل السنة والجماعة فليس
السيد العلامة بدعا منهم ! !
- الإمام السلفي إبراهيم الحربي الذي يقول : قبر معروف الترياق المجرب - أنظر
ترجمته في السير وتاريخ بغداد .
- التقية الصالحة السلفية رابعة العدوية - وهي زنديقة عند هؤلاء !
- الإمام السلفي بشر الحافي الذي يقول : عندنا أم عندكم - يقصد الشريعة
والحقيقة - أنظر تطاول صاحب ( هذه هي الصوفية ) على السلفي واستهزائه باللقب
( الحافي ) - الولي الصالح أبو يزيد البسطامي - أنظر ترجمته في السير .
- الولي الصالح السيد عبد القادر الجيلاني الذي يقول : قدمي هذه على رقبة كل
ولي .
- الإمام الخطيب البغدادي الذي ينقل أقوالهم في تاريخه ، ولم يعقب عليها بشئ .
- الحافظ ابن عساكر الذي يقول كما في تبيين كذب المفتري : ودفن ، يعني الأستاذ
ابن فورك ، بالحيرة ومشهده اليوم ظاهر يستشفى به ويجاب الدعاء عنده .
- الإمام شيخ الإسلام تقي الدين السبكي وولده التاج .
كفروا هؤلاء صراحة . . مع أني متيقن أنكم تكفرونهم ! !
- وكتب سيف المزروعي :
الحمد لله الذي أظهر الحق وأناره ومحق الباطل وأباده . . وصلى الله على سيدنا
محمد المحامي عن توحيد مولاه ، القائل ( إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله )
الزاجر لمن إلى ذرائع الشرك تعدى . . .
أما بعد يا هاشمي قرأت ردك علي وتعجبت منك ، ومن لفك ودورانك ، فقولي عن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 476 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عيسى المانع بأنه زنديق حتى النخاع أمر لم ولن أتراجع عنه ، ليس هذا فقط بل هو
مشرك مبتدع ضال مضل قبوري بائد ، أزله الله وفك أهل دبي من خرافاته وخزعبلاته .
أما تكفيره لسماحة الشيخ العلامة فقيه نجد محمد العثيمين حفظه الله ، فهذا شئ
الكل يعرفه ، والدليل طرده من دولة التوحيد رعاها الله ، بعد توزيعه الشريط الذي
يتكلم فيه على الشيخ العثيمين .
أما عن محمد علوي المالكي قد يذهب البعض إلى تكفيره ، وقد تكون حجتهم
في ذلك أنه تربى وتغذى على التوحيد ، ثم بسبب هوى في نفسه ترك التوحيد
واتجه إلى الاشراك بالله ومناجاة غيره ، ترك الالتزام بالسنة واتجه إلى إحياء البدع
التي لم يترك واحدة منها إلا التزم بها ! !
لذلك لم أرد عليهم لكن الذي أعرفه أن عامة السلفية لا يتجهون إلى تكفيره
وخروجه عن الملة ، لأنه لم ترد فتوى من علماء أهل السنة بذلك ، ولكنه بلا شك
رجل فاسد وضال وأعماله كفرية لكن لا أكفره حتى أحصل على فتوى بذلك ،
فحينئذ لن أتردد في تكفيره .
أما عن الشيخ سفر الحوالي فالصراحة لم أقرأ له كتاب ولم أسمع له شريط ، ولا
أعرف أسلوبه في الكتابة ، لم أعرفه إلا من الناس ، ولكني متأكد أن كلامه عن العلوي
المالكي ذات قيمة علمية ، ونابعة من عقيدة التوحيد في جوفه ، وسأقرأ رسالته عن
علوي المالكي بعون الله ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شئ ( كذا ) ( ومن
يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى
ونصله جهنم وساءت مصيرا )
وحق قول إمامنا مالك ( رحمه الله ) حين قال : من أحدث في هذه الأمة شيئا لم يكن عليه
سلفها فقد زعم أن محمد صلى الله عليه وسلم خان الدين ، لأن الله تعالى يقول (
اليوم أكملت ( كذا ) لكم دينكم ) فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا . فلنحاكم
العلوي وزبانيته أمثال المانع والخزرجي .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 477 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال الإمام مالك ( رحمه الله ) ( لو أن العبد ارتكب الكبائر كلها دون الاشراك بالله شيئا ، ثم
نجا من هذه الأهواء لرجوت أن يكون في أعلى الفردوس ، لأن كل كبيرة بين العبد وربه
هو منها على رجاء ، ولكل هوى ليس هو على رجاء إنما يهوى بصاحبه في نار جهنم )
وصدق الشيخ محمد عبيد المهيري المالكي حين قال ( إن هؤلاء القبورية البائدة
الذين ينسبون أنفسهم للمذهب المالكي زورا وبهتانا ، أشبه بالرجل الذي بال في
زمزم فقيل له : لما فعلت ذلك ؟ فقال لتذكرني الناس ولو باللعنة ! ! لو اتبعوا سبيل
التوحيد الخالص الذي جاء به محمد بن عبد الله عن ربه لكان أفضل لهم ، لكن ألا إن
لعنة الله على الظالمين )
فأقول للهاشمي ما قاله سمير المالكي لابن عمه محمد العلوي المالكي : تذكر يوم
العرض الأكبر ( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ) واعتبر ( يوم تبلى السرائر فما له
من قوة ولا ناصر ) واعلم أنه لن ينفعك في ذلك الموقف العصيب جاه ولا منصب ( يوم
يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ، لكل امرئ منهم شأن يغنيه ) ( وإن تدع
مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ ولو كان ذا قربى ) ( يوم يأتي كل نفس تجادل عن
نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون ) احذر أن تكون ممن قال الله فيهم (
وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ) .
وبعد فأسأل الله العلي العظيم بأسمائه وصفاته العلى أن ويهدينا وإياه وسائر عباده
سبيل الرشاد ، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه . .
وكتب أبو صالح من مؤيدي السيد المالكي :
شئ جيد أن تقارع الحجة بالحجة . هذه مفاهيمكم ومفاهيم يجب أن تصحح ،
ولندع المسلم يقرأ ويحكم والإنسان على نفسه بصيرة .
أما أن يحجر على العقول فهذا ما لا يرضاه أحد ، ولا يدل إلا على ضعف الخصم ،
وخاصة أسلوب نشر رأي طرف ومنع الطرف الآخر ، كما فعل الذي حذف موضوع
الهاشمي - الرد على محمد الفاتح - مع إبقاء مقالة الفاتح ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 478 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مع أني قرأت مقالة الهاشمي ولم أجد فيها إلا قال الله وقال رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلا حول
ولا قوة إلا بالله ! !
- وكتب المدعو الفارس المكي :
إلى دعاة الشرك ( باسم التوسل ) بوهالك والهاشمي والمسيب . اسمعوا ما يقوله
ابن أبي العز ت سنة 792 ه‍ ، في شرح الطحاوية ص 81 : ( تارة يعتقدون أن هذه تماثيل
قوم صالحين من الأنبياء ويتخذونهم شفعاء ( ويتوسلون بهم ) وهذا أصل شرك
العرب ) ا ه‍ .
وقال ردا على المسمى ص 82 :
وهؤلاء كانوا مقرين بالصانع وأنه ليس للعالم صانعان ، ولكن اتخذوا هؤلاء شفعاء
كما أخبر تعالى ( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) ا ه‍ .
وقال عن المتصوفة أمثالكم ( فلو أقر رجل بتوحيد الربوبية الذي يقر به هؤلاء النظار
ويفني فيه كثير من أهل التصوف ويجعلونه غاية السالكين وهو مع ذلك لم يعبد الله
وحده ويتبرأ من عبادة ما سواه كان مشركا من جنس أمثاله من المشركين . . . أه‍
فأين أنتم يا أصحاب دعوة المشركين من هذا القول ؟ ؟ أم أنكم أنتم تفهمون
التوحيد على طريقتكم ، وعلماء الأمة أجمع لم يفهموا التوحيد ، بل هم من عهد
النبي صلى الله عليه وسلم ( وهابيون ) ! ! . . .
بصراحة الخلاف بيننا نحن السلفيون ( وقل عنا أن السلف منا براء ) وبينكم
معاشر المبتدعة الصوفية القبورية مجددي عقيدة عمرو بن لحي . . . أن الدعوة التي
نتبناها هي لله وحده لا شريك له ، على منهج النبوة ، وأنتم دعوة فلسفية وثنية له فيها
سبحانه شركاء في العبادة كما تدعون ( تعال الله عما تقولون علوا كبيرا ) ! وأريدك
تزور شيخك الذي ما من لفظ تفخيم إلا ونسبتم إليه وقل له : لماذا كان يتفل
على الكأس وشربه ثلاثة ، ثم أصبحا يتداولونه بينهم وهو ( فارغ ) ويشربونه ! ! ! !
يشربون ماذا ؟ ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 479 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وهذه الحادثة تضاف إلى مخازيه ، وحدثت بعد وفاة والدته . . . خرافات وبدع
سلمنا الله منها ولله الحمد .
وإن قال عنا المخالفون أننا ضعفاء في العلم خوارج لا نعلم من اللغة شيئا ،
دعوناه سبحانه وتعالى معتقدين أنه هو وحده المقصود بالعبادة لا شريك له ،
والمخالفون يعتقدون أن الثيران والبقر والنمل والقبور وسائط !
وقال شيخكم أن الواسطة هي بمثابة الجناح للطائر يرتقي بها إلى السماء ! ! ( في
شريط فديو ) لعلك تشتاق إلى المشاركة في ذلك المحفل العظيم ! لا يفوتك . . .
والحمد لله رب العالمين . . ابن مكة شرفها الله
- وكتب المدعو سيد محمود كاساني مدافعا عن السيد المالكي :
الأخ الذي سمى نفسه بابن الوادي تطاول في قمة سوء الأدب المعهود منه ومن
على شاكلته على شيخ وعلامة ، نفعنا الله بعلمه ورفع الله درجاته .
سوء الأدب والمحاورة معهود من أهل البادية منذ أيام سيدنا محمد حتى نزلت
آيات تأمرهم بالتأدب معه .
المرتدين كانوا من اليمامة ( يعني من ربع الأخ ابن الوادي ) والقرامطة كذلك
والخوارج أيضا .
يدعو على الشيخ الجليل أن يحشره الله مع أئمة الكفر .
سبحان الله هذا بهتان عظيم ! من أنت حتى تتطاول على شخص لا تعرف ولم
تطلع على ما في قلبه ( الفرق كبير بين علامة فاضل عالم وبين من يرقص كالقرد في
الزار ) والله من وراء القصد . . . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 480 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 481 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

ختام : مناظرة مع عالم وهابي

نختم البحث بهذه المناظرة في ( الإنترنيت ) ساحة النقاش الإسلامية - شبكة
هجر بين المدعو ( صارم ) الوهابي ، والمدعو ( العاملي ) الشيعي في شهر
جمادى الأولى من سنة
1420 ، في مشروعية زيارة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، والتوسل به إلى الله
تعالى .
العاملي :
من مختصات ابن تيمية وبدعه : تحريمه التوسل والاستشفاع والاستغاثة
بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) فقد قال السبكي في كتابه ( شفاء السقام في زيارة خير الأنام ) ص 291 : إعلم
أنه يجوز ويحسن التوسل والاستغاثة والتشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه
سبحانه وتعالى . وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكل ذي دين ، المعروفة
من فعل الأنبياء والمرسلين ، وسير السلف الصالحين ، والعلماء والعوام من
المسلمين .
ولم ينكر أحد ذلك من أهل الأديان ، ولا سمع به في زمن من الأزمان ، حتى جاء
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 482 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ابن تيمية فتكلم في ذلك بكلام يلبس فيه على الضعفاء الأغمار ، وابتدع ما لم يسبق
إليه في سائر الأعصار ! ! ! . انتهى .
صارم :
سؤالي : لماذا تدعون إلى شد الرحال وزيارة القبور ، والتبرك بها ؟
العاملي :
حديث شد الرحال لم يصح عند أهل البيت ( عليهم السلام ) . وقد صح عند بقية المذاهب
وفهموا منه عدم شموله لشد الرحال إلى زيارة قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، بدليل أنهم كانوا
يفعلون ذلك ، وما رووه في بعض صيغه ( لا تشد الرحال إلى مسجد ) وفهم هؤلاء
حجة على من يعتقد بالحديث ، ويعتقد بحجية فهم الصحابة والتابعين وأئمة
المذاهب ، لأنهم أقرب إلى عصر النص ومعناه .
وقد ألف عدد من العلماء قبل ابن تيمية رسائل في تفسير الحديث ، وعندما جاء
ابن تيمية ببدعته رد عليه عدد آخر منهم ، واتفقوا على أن فهمه للحديث مخالف
لإجماع علماء المسلمين وسيرتهم لمدة ثمانية قرون ، بل هو مخالف لفهم عامة
علمائهم إلى يومنا هذا ! !
فنحن نشد الرحال إلى زيارة قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقبور الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) ، لأن
زيارة قبورهم مستحبة عندنا ، ومن أفضل القربات إلى الله تعالى . ولم يثبت عندنا أن
النبي صلى الله عليه وآله نهي عن ذلك ، بل ثبت أنه دعا إليه وحث عليه ، وكان يزور القبور المباركة
لتكون سنة من بعده .
وكذلك كانت سيرة علي وفاطمة والأئمة ( عليهم السلام ) .
ولزيارة القبور عندنا أحكام وشروط وآداب شرعية ، وليس فيها شئ ينافي
التوحيد أبدا ، بل فيها ما يؤكد التوحيد ، وأن النبي وآله لا يملكون من عندهم شيئا ،
بل هم عباد مكرمون ، نزورهم ونستشفع بهم إلى الله تعالى ، كما أمرنا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 483 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
صارم :
أحسنت وهذا ما أريده منك بالضبط فقد شفيت غليلي بهذه الإجابة الشافية
الكافية . ولعل صدرك يتسع لأسئلتي .
وسؤالي الآن : لماذا تستشفع بهم ؟
لم لا تتجه في طلبك إلى الله مباشرة ؟
لماذا تجعلهم واسطة بينك وبين الله ؟
ألم تعلم أن الجاهليين كانوا يعبدون الأصنام يستشفعون بها ، ويجعلونها واسطة
بينهم وبين الله ؟ !
وقد ناقضت نفسك حينما قلت ( وأن النبي وآله لا يملكون من عندهم شيئا ، بل
هم عباد مكرمون ، نزورهم ونستشفع بهم إلى الله تعالى كما أمرنا ) .
كيف تستشفع بهم وهم ( لا يملكون من عندهم شيئا بل هم عباد مكرمون ) لقد
خالفت المنهج الرباني وسنة المصطفى من وجهين :
الوجه الأول : من مخالفة السنة ، لأن الأموات لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ،
فما بالك بامتلاك النفع لغيرهم ؟ !
الوجه الثاني : مشابهة الكفار ، وقد نهينا عن مشابهتهم . فهل بعد هذا تستشفع
بهم ؟ أرجو للجميع الهداية .
العاملي :
سؤالك في أصله وجيه ، فلو كان الأمر لنا لقلنا : فلنطلب كل شئ من الله تعالى
مباشرة ، ولا نجعل بيننا وبينه واسطة من المخلوقين ؟ !
ولكن الأمر له عز وجل وليس لنا ، وقد قال لنا ( اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ) .
وقال ( أولئك يبتغون إليه الوسيلة أيهم أقرب ) وقال ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم
جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول )
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 484 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولا حاجة إلى مجيئهم واستغفارهم عند الرسول ، واستغفار الرسول لهم . .
وهذا يعني أنه تعالى قال لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) كن موحدا بلا شرط ، ومهما قلت لك
فأطعني ، وحتى لو قلت لك عندي ولد فاعبده فافعل ! ! وقل لهم ( قل إن كان لله ولد
فأنا أول العابدين ) ! ولكنه سبحانه أخبرنا أنه لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ! !
فالمسألة إذن ، ثبوت مبدأ التوسل في الإسلام في حدوده التي أمر بها الله تعالى
أو سمح بها ، وهو يختلف عن زعم التوسل عند المشركين ، سواء في طبيعته أم في
نيته . . . فهل تقبل أصل مبدأ التوسل والاستشفاع الذي قبله إمامك ابن تيمية ؟ أم أنك
أشد في هذا الأمر من إمامك ؟ !
صارم :
قلت عن التوسل : ( ثبوت مبدأ التوسل في الإسلام في حدوده التي أمر بها الله
تعالى أو سمح بها ) هل لي أن أعرف هذه الحدود التي أمر أو سمح بها ؟
أرجو أن تجيبني باختصار ، وفي حدود السؤال . هديت للصواب .
العاملي :
الظاهر أن السبب فيما أثاره بعضهم إشكالا على مبدأ التوسل ، أنهم يرون
الشفاعات والوساطات والمحسوبيات السيئة عند الرؤساء والمسؤولين في دار
الدنيا ، وما فيها من محاباة وإعطاء بغير حق ولا جهد من المشفوع لهم أو المتوسط
لهم .
وبما أن الله تعالى يستحيل عليه أن يحابي كما يحابي حكام الدنيا ، وإنما يعطي
جنته وثوابه بالإيمان والعمل الصالح . . فلذلك صعب عليهم قبول الشفاعة والوساطة
والوسيلة إلى الله تعالى !
ولكنه فات هؤلاء أن الحكمة من جعله تعالى الأنبياء والأوصياء الوسيلة إليه
تعالى :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 485 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أولا : أن يعالج مشكلة التكبر في البشر ، لأن البشر لا يمكنهم الانتصار على
تكبرهم والخضوع لعبودية الله تعالى ، إلا إذا انتصروا على ذاتيتهم في مقابل الأنبياء
والأوصياء ، واعترفوا لهم بالفضل والمكانة المميزة والاختيار الإلهي ، وأنهم
المبلغون عن الله تعالى . .
وفاتهم أن جعل الأنبياء والأوصياء وسيلة إلى تعالى ضرورة ذهنية للبشر . . ذلك
أن الفاصلة بين ذهن الإنسان المحدود الميال إلى المادية والمحدودية ، وبين
التوحيد المطلق المطلوب والضروري ، فاصلة كبيرة ، فهي تحتاج إلى نموذج ذهني
حاضر من نوع الإنسان ، يمارس التوحيد أمامه ويكون قدوة له .
وبدون هذا النموذج القدوة ، يبقى الإنسان في معرض الجنوح في تصوره
للتوحيد وممارسته ، والجنوح في هذا الموضوع الخطير أخطر أنواع جنوح
الضلال ! !
وهذا هو السبب في اعتقادي في أن الله تعالى جعل أنبياءه وأوصياءهم حججا
على العباد .
وهو السبب في أنه جعلهم من نوع أنفسهم وليس من نوع آخر كالملائكة مثلا . . .
والنتيجة : أن وجود الوسيلة بين العباد والله تعالى لو كان يرجع إلينا لصح لنا أن
نقول يا ربنا نريد أن تجعل ارتباطنا بك مباشرا ، ولا تجعل بيننا وبينك واسطة في
شئ ، وهذا ما يميل إليه أهل الإشكال على الشفاعة والتوسل !
ولكن الأمر ليس بيدنا ، فالأفضل أن يكون منطقنا أرقى من ذلك فنقول : اللهم لا
نقترح عليك ، فأنت أعلم بما يصلحنا ، وإن أردت أن تجعل أنبياءك وأوصياءك
واسطة بيننا وبينك ، وحججا علينا عندك ، فنحن مطيعون لك ولهم ولا اعتراض
عندنا . . .
وهذا هو التسليم المطلق لإرادته تعالى ، وقد عبر عنه سبحانه بقوله لرسوله ( صلى الله عليه وآله )
في سورة الزخرف 81 - 82 : قل إن كان لله ولد فأنا أول العابدين .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 486 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
صارم :
كلامك طويل وفيه نسبة من الصحة ، إضافة إلى بعض الشبه التي تحتاج إلى رد ،
فلو كان مقالك قصيرا لرددت على كل نقطة تذكرها وتخالف ما أعتقده . لذا أرجو
مرة أخرى أن يكون جوابك مختصرا دقيقا . وعموما فأجيبك باختصار :
الآيات التي استدللت بها في الأمر بطاعة الرسول ( عليه السلام ) عليك لا لك ، لأنه أمرنا
بالتوحيد الخالص النقي من شوائب الشرك ، ومن طاعته تنقية التوحيد مما يفضي
إلى الشرك ، أعاذنا الله وإياك من مضلات الفتن .
ثم إنك استدللت في الاستشفاع بدعاء النبي للأعمى ، وهذا لا إشكال فيه لأنه
طلب من حي فيما يستطيعه ، لذا لجأ عمر ( رضي الله عنه ) إلى عم النبي ، ولو كان الاستشفاع
فيما ذكرته صحيحا للجأ الناس إلى النبي ( عليه السلام ) وهو في قبره ، وهذا ما لم يحصل إطلاقا .
وأعود وأسأل مرة أخرى ما الذي يستطيع عمله الميت حينما تستشفع به ؟
العاملي :
من أسباب الخطأ عند المخالف للتوسل : أنه يتصور أن المتوسل يطلب من
النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، أو من الولي . . بينما هو يطلب من الله تعالى ويتوسل إليه بمقام النبي أو
يطلب من النبي التوسط له عند الله تعالى . فلا طلب إلا من الله تعالى .
وأما شبهة أن الرسول ميت فكيف تصح مخاطبته ؟
فجوابها : أنه حي عند ربه ، ولذلك تسلم عليه في صلاتك ( السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته ) .
وإذا قبلت حديث تعليم النبي للأعمى أن يتوسل به ، فقد صح عندكم أن عثمان
بن حنيف طبقه بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وعلمه لشخص كان عنده مشكلة عند الخليفة
عثمان ، فاستجاب الله له وتغيرت معاملة عثمان معه .
وتطبيق الصحابي الثقة حجة لأنه معاصر للنص .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 487 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد أجاز ابن تيمية التوسل بالنبي بعد موته ، فلا تكن ملكيا أكثر من الملك ! !
بل ورد عندكم التوسل إلى الله تعالى بالممشى إلى الصلاة والحج ( أتوسل إليك
بممشاي ) !
صارم :
قلت لك : نحن نحرم شد الرحال إلى زيارة القبور منعا لجناب التوحيد أن تشوبه
شوائب الشرك . ثم سألتك لم تشدون الرحال ؟ فقلت : للاستشفاع ! ! فإن أردت أن
تجيبني على قدر السؤال ، فهذا سؤالي :
لماذا تستشفعون بالأموات ؟ وكيف ؟
العاملي :
إلى الآن ما زلت تتصور أن الزيارة لا بد أن يرافقها استشفاع ، فمن أين جئت بهذا ؟ !
فقد يزور مسلم نبيه ويؤدي واجب احترامه ولا يتوسل ولا يستشفع به !
وقد يتوسل المسلم بنبيه في بيته ، ولا يذهب لزيارته !
فالزيارة شئ ، والتوسل شئ آخر ! !
وإلى الآن تتصور أن شد الرحال لا يكون إلا للاستشفاع ! مع أن شد الرحال قد
يكون للزيارة وحدها ، أو مع نية الاستشفاع والتوسل !
وقد أجبتك بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) حي عند ربه ، وأنك تسلم عليه في صلاتك فلا مانع أن
يخاطبه المتوسل .
على أن المتوسل لا يطلب من النبي بل من الله ، ولا يحتاج إلى مخاطبة النبي بل
يخاطب ربه ، ويسأله بحق رسوله ومقامه ومعزته عنده ! !
وقلت لك لقد أجاز ابن تيمية التوسل والاستشفاع بالنبي ( الميت ) ! ! ( صلى الله عليه وآله ) ، فهل
تريد نص كلامه ؟ ! !
وتعود وتسألني : لماذا تشدون الرحال للاستشفاع ، ولماذا تستشفعون بالميت ؟
أرجو أن تتأمل في كلامي أكثر .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 488 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
صارم :
لقد تأملت في كلامك جيدا وتوصلت لما يلي :
قلت في معرض كلامك : ( وإلى الآن تتصور أن شد الرحال لا يكون إلا
للاستشفاع ! مع أن شد الرحال قد يكون للزيارة وحدها ، أو مع نية الاستشفاع
والتوسل ! )
النتيجة واحدة وهو وجود التوسل والاستشفاع ، وهذا ما أريده وأسأل عنه .
وقلت أيضا : ( فقد يزور مسلم نبيه ويؤدي واجب احترامه ولا يتوسل ولا
يستشفع به ! ) هذا منطوق كلامك . وعليه فقد يزور مسلم نبيه ويؤدي واجب
احترامه ويتوسل ويستشفع به ! وهذا مفهوم كلامك . وسؤالي :
كيف يتوسل به ؟
وسؤالي الثاني : كيف يستشفع به ؟
هل أجد عندك إجابة مختصرة في حدود السؤالين السابقين ؟
العاملي :
توسل به إلى الله ، واستشفع به ، وتوجه به ، وتجوه به ، وسأله به ، واستغاث به
وأقسم عليه به . . كلها بمعنى واحد ، أي توسط به إلى الله تعالى .
ومعنى توسلنا واستشفاعنا بالرسول ( صلى الله عليه وآله ) أننا نقول :
اللهم إن كنت أنا غير مرضي عندك ولا تسمع دعائي بسبب ذنوبي ، فإني أسألك
بحرمة عبدك ورسولك محمد ، الذي له هو نبيي ومبلغي أحكامك ، وخير خلقك ،
وصاحب المقام الأول عندك . . أن تقبل دعائي وتستجيبه .
وهذا يا أخ . . . أمر طبيعي صحيح ليس فيه عبادة للنبي ولا ادعاء شراكة له مع الله
تعالى ، بل فيه تأكيد لمقام عبوديته وإطاعته لربه الذي وصل به إلى مقامه المحمود
عند الله تعالى . وهو مشروع لورود النص به .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 489 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
صارم :
أعوذ بالله من غضب الله ما هذه الجرأة على الله ؟ كيف تقول ( ولا تسمع دعائي
بسبب ذنوبي ) ! ! !
هل تعتقد أن الله لا يسمع ؟ نعوذ بالله من الخذلان .
هل تعتقد أن الله يخفي عليه شئ في الأرض وفي السماء ؟ سبحانك هذا بهتان
عظيم .
أفق يا رجل فوالله إن الذي قلته ليزلزل الجبال . هداك الله . أرجو أن تستغفر الله بلا
واسطة عن هذا الذنب العظيم . ولا حول ولا قوة إلا بالله . ولي معك وقفة بإذن الله .
العاملي :
عبارة ( إن كنت لا تسمع دعائي بسبب ذنوبي ) تعني لا تستجيب . . وسماع
الدعاء بمعنى استجابته عربي فصيح أيها العربي ! !
صارم :
هل لك أن تدلني على أن السماع بمعنى الاستجابة من لغة العرب وقبل ذلك
القرآن ؟
العاملي :
يستحب للمصلي أن يقول سمع الله لمن حمده ، ومعناها استجاب وليس مجرد
السماع . ويكفي استعمالها عند العرب بقولهم : هل يسمع فلان منك أم لا ؟ وهو
ليس سؤالا عن حالة أذنيه وطرشه ! !
- وفي سنن النسائي : 8 - 263 : عن أبي هريرة يقول كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول : اللهم إني أعوذ بك من الأربع : من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ،
ومن نفس لا تشبع ، ومن دعاء لا يسمع . انتهى .
وفي هذا كفاية ، فأجب على ما ذكرته في موضوعنا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 490 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
صارم :
أشكرك على إحالتك وبيانك . وسؤالي - وأرجو ألا تتذمر :
لم تلجؤون إلى الواسطة بينكم وبين الله ؟ ألم يخلقنا ؟ ألم يرزقنا ؟ أليس سبحانه
هو المتكفل بنا ؟ ألم يقل لنا : أدعوني أستجب لكم ، بلا واسطة ؟
ألا تعلم أن العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد ؟
ألا تعلم أن كل وازرة لا تزر وزر أخرى ؟
ألا تعلم أن الإنسان مهما بلغ من الكمال فهو عبد ضعيف مربوب لله تعالى ، لا
يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ؟ فأي فرق بيننا وبين الأموات ؟
وقد ذكرت لك أن عمر ( رضي الله عنه ) استشفع بعم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولم يلجأ إلى قبر النبي ( عليه السلام ) !
فلم لم يفعل ذلك ؟ ! ! أتراه غفل عما تدعون إليه ؟ ! !
نعم للإنسان أن يطلب من آخر حي أن يدعو له ، أما من الميت فإن الميت لا حول
له ولا قوة ! ! ولو كان بيده شئ لدفع الموت عن نفسه .
وسؤالي مرة أخرى لم تجعلون الميت واسطة ؟
العاملي :
حسب فهمنا المحدود وإدراك عقولنا القاصرة ، الأمر كما تقول . فالإنسان يعبد
الله تعالى مباشرة فينبغي أن يطلب منه مباشرة . . والله تعالى سميع بصير عليم ، وهو
أقرب إلينا من حبل الوريد ، فلا يحتاج إلى واسطة من شخص حي ولا ميت ، ولا أي
مخلوق . . هذا حسب إدراك عقولنا . .
ولكنه سبحانه بنى هذا الكون ، وخلق الإنسان وأقام حياته في الأرض على
أساس الأسباب والمسببات في أمور الطبيعة . .
وأخبرنا أن عبادته والطلب منه لها أصول وأسباب ، وأن علينا أن نتعامل معه
حسب هذه الأصول .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 491 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مثلا : لماذا يجب الإيمان بالرسول ؟
فإذا أردنا أن ننفي الواسطة نقول : إن المطلوب هو الإيمان بالله وحده والرسول مبلغ
وقد بلغ ذلك وانتهى الأمر ، فلماذا نجعل الإيمان به مقرونا بالإيمان بالله تعالى ؟ !
لماذا قال الله تعالى : أطيعوني وأطيعوا الرسول ، ولم يقل أطيعوني فقط كما
بلغكم الرسول ؟ ! ! وهذا المثل قد يكون صعبا . .
مثل آخر : الكعبة . . لماذا أمر الله تعالى ببناء غرفة ، وقال توجهوا إليها وحجوا إليها
وتمسحوا بها ؟ هل يفرق عليه في عبادتنا له أن نصلي له إلى هذه الجهة أو تلك ؟ أو
تحج تلك المنطقة أو لا تحج ؟ فلماذا جعلها واسطة بيننا وبينه ؟ !
بل . . إن الصلاة أيضا نوع من التوسل ، وقد يسأل إنسان هل تحتاج عبادة الله إلى
صلاة له ؟
بل إن الدعاء أيضا توسل . . فالله تعالى مطلع على الضمائر والحاجات ، فلماذا
يطلب أن نقول له ؟
بل يمكن لهذا التفكير العقلي أن يوصل الإنسان إلى القول : لماذا خلق الله
الإنسان بحيث تكون له حاجات وقال له ادعني حتى أستجيب لك . .
إنا جميعا يا صارم أفكار العقل القاصر أمام حكمة الله تعالى ، وحكمته تعرف
بالشرع والعقل معا ، وليس بظنون العقل واحتمالاته ! !
وما دام مبدأ التوسل ثبت في الشرع ، فإن العقل لا يعترض عليه ، بل هو
( العقنقل ) كما عبر عنه بعضهم ! !
والتوسل بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ثابت في حياته وبعد موته بدون فرق ، لأنه حي عند ربه ،
وحياته أقوى من حياة أحدنا ! !
وقد قلت لك أن التوسل لا يحتاج إلى مخاطبة ، فهو سؤال لله تعالى بمقام النبي
وجهاده في سبيله وشفاعته عنده .
وأخبرتك أن ابن تيمية أجاز التوسل بالأموات ، ولعله حصره بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 492 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
صارم :
أولا : أوافقك القول على أن العقل قاصر ، وهذا لا مرية فيه . أما تمثيلك بالكعبة
فقياس مع الفارق ، لوجود الدليل الذي أمرنا الله من خلاله أن نتوجه إلى الكعبة إذ
الكعبة ليست واسطة .
ولك أن تتصور أن شخصا يتحدث معك وقد التفت عنك وأعطاك ظهره ! ! هل
تقبل عليه وتتحدث معه ؟
وكذلك وضعت الكعبة ليتجه إليها المسلمون جميعا في صلاتهم ، لا أنها واسطة
. . . إلى غير ذلك من الحكم .
ثانيا : قلت إن ابن تيمية أجاز التوسل بالأموات ولعله حصره بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) .
كلامك متناقض كيف تقول أجاز ثم ترجع وتقول : لعله ؟ ! ! ! هذا لا يستقيم .
فإما أنه أجاز التوسل بالأموات ، وهذا محال ، أو أنه أجاز التوسل بالنبي ( عليه السلام ) ؟
فهل لك أن تدلني على كلام شيخ الإسلام ( رحمه الله ) في التوسل بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) مع ذكر
المرجع ؟
ثالثا : أريد الدليل من القرآن - ومن القرآن - على قولك راجيا الاختصار ما أمكن
وشكرا لك .
العاملي :
- قال ابن تيمية في رسالة لشيخ الإسلام من سجنه ص 16 :
وكذلك مما يشرع التوسل به في الدعاء كما في الحديث الذي رواه الترمذي
وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم شخصا أن يقول : اللهم إني أسألك
وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة . يا محمد يا رسول الله إني أتوسل بك إلى
ربي في حاجتي ليقضيها . اللهم فشفعه في .
فهذا التوسل به حسن ، وأما دعاؤه والاستغاثة به فحرام !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 493 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين . المتوسل إنما يدعو الله ويخاطبه
ويطلب منه لا يدعو غيره إلا على سبيل استحضاره لا على سبيل الطلب منه . وأما
الداعي والمستغيث فهو الذي يسأل المدعو ويطلب منه ويستغيثه ويتوكل عليه .
انتهى .
فقد أفتى ابن تيمية بجواز العمل بحديث الضرير وفيه خطاب للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو
ميت !
ولاحظ يا صارم أن الميزان عند ابن تيمية أن تطلب من الله أو من المتوسل منه .
وهذا هو كلام علماء المسلمين كلهم .
وتفريقه بين المتوسل والداعي والمستغيث غير صحيح ، لأنه لا يوجد مسلم
يدعو النبي ويطلب منه من دون الله ، أو يستغيث به من دون الله ! !
وأزيدك حديثا آخر صححه الطبراني يفسر حديث الضرير ، قال في المعجم الكبير
( 9 17 ) عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن عمه عثمان بن حنيف ( رضي الله عنه ) : أن رجلا
كان يختلف إلى عثمان بن عفان ( رضي الله عنه ) في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر
في حاجته ، فلقي عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك ، فقال له عثمان بن حنيف : ائت
الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ، ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه
إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة . يا محمد إني أتوجه بك إلى
ربي فتقضي لي حاجتي ، وتذكر حاجتك . ورح إلي حتى أروح معك . فانطلق الرجل
فصنع ما قال له ، ثم أتي باب عثمان بن عفان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله
على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال له : ما حاجتك ؟ فذكر
حاجته ، فقضاها له ، ثم قال : ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة ، وقال : ما
كانت لك من حاجة فائتنا .
ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له : جزاك الله خيرا ، ما
كان ينظر في حاجتي ، ولا يلتفت إلي حتى ، كلمته في ؟ !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 494 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقال عثمان بن حنيف : والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله وأتاه رجل ضرير
فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أو تصبر ؟ فقال : يا رسول
الله إنه ليس لي قائد وقد شق علي .
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ، ثم ادع
بهذه الدعوات .
قال عثمان بن حنيف : فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث ، حتى دخل علينا الرجل
كأنه لم يكن به ضر قط !
صارم :
إليك الجواب عما أثرته - وأعتذر عن الإطالة - :
أولا : لم تحلني على مرجع . وقولك : قال ابن تيمية في : رسالة لشيخ الإسلام من
سجنه ص 16 ! أتعد هذا إحالة ؟ ! !
ما رأيك لو قلت لك : قال صاحب الكافي في رسالة له . أتقبل ذلك مني ؟ !
ثانيا : إما أنك لا تجيد النقل ، وتأخذ ما يوافق هواك ! ! وأعيذك بالله أن تكون
كذلك . وإما أنك أسأت فهم كلام ابن تيمية ، أو نقلت شبهة كان يريد الرد عليها ، لأن
أقواله في هذه المسألة - التوسل بالنبي - مشهورة مبثوثة في ثنايا كتبه ( رحمه الله ) .
وحتى أزيدك إيضاحا حول هذه المسألة عند أهل السنة والجماعة ، أقول :
التوسل بالرسول ( عليه السلام ) ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يتوسل بالإيمان به واتباعه . وهذا جائز في حياته وبعد مماته .
القسم الثاني : أن يتوسل بدعائه ، أي بأن يطلب من الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أن يدعو له ، فهذا
جائز في حياته ، أما بعد مماته فلا ، لتعذره .
القسم الثالث : أن يتوسل بجاهه ومنزلته عند الله . فهذا لا يجوز لا في حياته ولا
بعد مماته .
ثالثا : قلت يا عاملي : فقد أفتى ابن تيمية بجواز العمل بحديث الضرير وفيه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 495 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خطاب للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو ميت !
ولا أدري من أين استنبطت قولك : وهو ميت ؟ ! ! !
رابعا : قلت : لا يوجد مسلم يدعو النبي ويطلب منه من دون الله أو يستغيث به
من دون الله ! ! فبالله عليك لم يشد الناس رحالهم إلى القبور ؟
إن قلت : من أجل الدعاء عندها دون أن يكون للميت تأثير .
قلنا لك : فلا فائدة من شد الرحال ، والإجابة حاصلة في مكانك الذي أنت فيه ،
دون أن تشد الرحل .
وإن قلت : إن للميت تأثيرا ، أو من أجل حصول البركة .
قلنا : كيف يؤثر وهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ؟
ومن هنا جاء النهي عن شد الرحال للقبور ، منعا لجناب التوحيد من شوائب
الشرك .
ولو تنزلنا معك ووافقناك في قولك أنا لا أستغيث بها .
قلنا لك : لكن عوام الناس ممن لا فقه عنده سيظن أن للميت تأثيرا ، وإلا لما
شدت إليه الرحال ، فيلجأ في دعائه إلى الميت ، وهذا ما يحصل عند غالب
القبوريين .
فلما كانت هنالك مفسدة مترتبة على ذلك وقع النهي .
خامسا : أما حديث الطبراني فيحتاج إلى مراجعة ، فلم يسعفني الوقت للوقوف
عليه وعلى صحته .
آمل أن تتأمل جوابي جيدا ليتضح لك الحق بإذن الله .
العاملي :
أرجو أن تصحح ما هو المركوز في ذهنك من أن الزيارة تلازم التوسل والاستغاثة ،
وأن شد الرحال يكون للاستغاثة ، فلا تلازم بينها أبدا . .
وإذا أكملنا البحث في التوسل آتي لك بنصوص الزيارة بلا توسل .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 496 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وهذا اليوم قرأت لإمامك ابن تيمية مجددا كل مقولاته حول التوسل وعن
حديث عثمان بن حنيف عن الضرير ، وعن حديث عثمان بن حنيف الآخر الذي
صححه الطبراني . . فقد تعرض لذلك في كتبه وكتيباته التالية :
العبادات عند القبور ، وزيارة القبور ، والتوسل والوسيلة ، واقتضاء الصراط
المستقيم ، ورسالة من سجنه .
وخلاصة رأيه أنه يفسر حديث الأعمى بأنه توسل بدعاء الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لا بذاته .
ويحصره في حياته لا بعد مماته .
- قال في التوسل والوسيلة ص 265 :
وفي الجملة فقد نقل عن بعض السلف والعلماء السؤال به بخلاف دعاء الموتى
والغائبين من الأنبياء والملائكة والصالحين والاستغاثة بهم والشكوى إليهم ، فهذا مما لم
يفعله أحد من السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، ولا رخص فيه أحد من أئمة
المسلمين . وحديث الأعمى الذي رواه الترمذي هو من القسم الثاني من التوسل بدعائه .
وقال في ص 268 :
وفيه قصة قد يحتج بها من توسل به بعد موته إن كانت صحيحة رواه من حديث
إسماعيل بن شبيب بن سعيد الحبطي عن شبيب بن سعيد عن روح بن القاسم عن
أبي جعفر المديني عن أبي أمامة سهل بن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن
عفان في حاجة له وكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته ، فلقي الرجل
عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك فقال له عثمان بن حنيف : ائت الميضأة فتوضأ ثم
ائت المسجد فصل ركعتين ، ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي
الرحمة . يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي . . . الخ .
قال البيهقي ورواه أحمد بن شبيب بن سعيد عن أبيه بطوله ، وساقه من رواية
يعقوب بن سفيان عن أحمد بن شبيب بن سعيد ، قال ورواه أيضا هشام الدستوائي
عن أبي جعفر . . . الخ . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 497 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثم ناقش ابن تيمية في سند الحديث ، ولم يفت بالتوسل بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد وفاته .
- أما رسالته من سجنه فهي مطبوعة ضمن مجموعة رسائله وتبدأ من ص 248 ،
وهي من سجنه من مصر ، وأنقل لك منها فقرات وفي الأخيرة منها يجيز التوسل
بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقد قال به ولم يقل بدعائه ! !
قال في ص 250 :
فجاء الفتاح أولا فقال يسلم عليك النائب وقال : إلى متى يكون المقام في
الحبس ؟ أما تخرج ؟ هل أنت مقيم على تلك الكلمة أم لا ؟
وعلمت أن الفتاح ليس في استقلاله بالرسالة مصلحة لأمور لا تخفى ، فقلت له :
سلم على النائب وقل له أنا ما أدري ما هذه الكلمة ؟ وإلى الساعة لم أدر على أي
شئ حبست ، ولا علمت ذنبي ، وأن جواب هذه الرسالة لا يكون مع خدمتك ، بل
يرسل من ثقاته الذين يفهمون ويصدقون أربعة أمراء ، ليكون الكلام معهم مضبوطا
عن الزيادة والنقصان ، فأنا قد علمت ما وقع في هذه القصة من الأكاذيب .
فجاء بعد ذلك الفتاح ومعه شخص ما عرفته ، لكن ذكر لي أنه يقال له علاء الدين
الطيبرسي ، ورأيت الذين عرفوه أثنوا عليه بعد ذلك خيرا وذكروه بالحسنى ، لكنه لم
يقل ابتداء من الكلام ما يحتمل الجواب بالحسنى ، فلم يقل الكلمة التي أنكرت
كيت وكيت ، ولا استفهم : هل أنت مجيب إلى كيت وكيت ؟ !
وقال في ص 253 :
وجعل غير مرة يقول لي : أتخالف المذاهب الأربعة فقلت أنا ما قلت إلا ما يوافق
المذاهب الأربعة . .
وقال في ص 256 :
وقال لي في أثناء كلامه فقد قال بعض القضاة إنهم أنزلوك عن الكرسي .
فقلت : هذا من أظهر الكذب الذي يعلمه جميع الناس ، ما أنزلت من الكرسي
قط ! ولا استتابني أحد قط عن شئ ، ولا استرجعني .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 498 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقلت قد وصل إليكم المحضر الذي فيه خطوط مشائخ الشام وسادات الإسلام ،
والكتاب الذي فيه كلام الحكام الذين هم خصومي كجمال الدين المالكي وجلال
الدين الحنفي . . .
وقال في ص 265 :
فقال : فاكتب هذه الساعة أو قال اكتب هذا أو نحو هذا .
فقلت : هذا هو مكتوب بهذا اللفظ في العقيدة التي عندكم التي بحثت بدمشق
واتفق عليها المسلمون ، فأي شئ هو الذي تريده ؟
وقلت له : أنا قد أحضرت أكثر من خمسين كتابا من كتب أهل الحديث والتصوف
والمتكلمين والفقهاء الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية ، وتوافق ما قلت . . .
وقال في ص 266 :
فراح ثم عاد وطلب أن أكتب بخطي أي شئ كان ، فقلت فما الذي أكتبه ؟ قال :
مثل العفو ، وألا تتعرض لأحد ! !
فقلت : نعم هذا أنا مجيب إليه . . . ! !
وقال في ص 272 :
وهذا الذي يخافه من قيام العدو ونحوه في المحضر الذي قدم به من الشام إلى
ابن مخلوف ، فيما يتعلق بالاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم إن أظهروه كان وباله
عليهم ، ودل على أنهم مشركون لا يفرقون بين دين المسلمين ودين النصارى . . .
وقال في ص 276 :
وأما حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي مثل تقديم محبته على
النفس والأهل والمال ، وتعزيره وتوقيره وإجلاله ، وطاعته واتباع سنته وغير ذلك ،
فعظيمة جدا .
وكذلك مما يشرع التوسل به في الدعاء ، كما في الحديث الذي رواه الترمذي
وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم شخصا أن يقول : اللهم إني أسألك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 499 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد يا رسول الله إني أتوسل بك إلى
ربي في حاجتي ليقضيها . اللهم فشفعه في . فهذا التوسل به حسن ، وأما دعاؤه
والاستغاثة به فحرام .
والفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين .
المتوسل إنما يدعو الله ويخاطبه ويطلب منه لا يدعو غيره إلا على سبيل
استحضاره لا على سبيل الطلب منه . وأما الداعي والمستغيث فهو الذي يسأل
المدعو ويطلب منه ويستغيثه ويتوكل عليه والله هو رب العالمين . انتهى .
وأنت تلاحظ أنه عبر هنا بالتوسل به ، وليس بدعائه ، كما أنه لم يخصصه بحال
حياته ، بل ذكر ذلك من حقوقه والاعتقاد به فعلا ! !
صارم :
هنالك نقطة اختلاف بيني وبينك ، ولعلها لم تظهر بعد ، فأنت حينما تسافر
وتقطع مئات الأميال من أجل أن تزور القبر الفلاني ، لم أقدمت على هذا العمل ؟
وكيف لا يكون هناك تلازم بين التوسل والاستغاثة والزيارة ؟
وهذا ما قصدته فيما كتبته لك ، وهو ما أسأل عنه لم تشد الرحل للقبر ؟ فقلت بعظمة
لسانك : ( نزورهم ونستشفع بهم إلى الله تعالى ) ثم تقول : لا تلازم أي تناقض هذا ؟ ! ! ! !
أما قولك : إنك قرأت كتب ابن تيمية حول موضوعنا ، فأشكرك على شجاعتك
ونقلك لما يخالف كلامك ، وكنت أتمنى منك لو قلت : وقد أخطأت أو وقد تبين بطلان
كلامي ، فكل منصف سيري هذا الخطأ الذي وقعت فيه ونسبته لشيخ الإسلام .
أخيرا قولك فيما نقلته عن الشيخ : . . . أتوسل بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها
اللهم فشفعه في . فهذا التوسل به حسن .
وأما دعاؤه والاستغاثة به فحرام ، والفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين . ثم
قلت ( وأنت تلاحظ أنه عبر هنا بالتوسل به ، وليس بدعائه ) أقول لك : إرجع إلى
تقسيم التوسل الذي ذكرته لك آنفا ، وستعرف المقصود بكلام الشيخ ( رحمه الله ) فلا حجة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 500 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لك عليه وكيف تفسر الكلام بهواك بلا دليل ؟
وقولك ( كما أنه لم يخصصه بحال حياته ، بل ذكر ذلك من حقوقه والاعتقاد به
فعلا ! ! من أين لك هذا الاستنباط ؟ ! ! فلو كان هذا فهم السلف ، لما لجؤوا إلى عم
النبي العباس ( رضي الله عنه ) في الاستسقاء . وإلا فقل لي بربك ما تفسير توسلهم بدعاء عم
النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولم يلجؤوا إلى قبره ؟ ! ! !
أرجو أن أجد جوابا شافيا مختصرا على جميع أسئلتي .
العاملي :
أذكرك أولا بفهرس مسائل نقاشنا :
فأصل موضوعنا زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله . وهناك موضوعان يتصلان بها :
الأول : شد الرحال إليها يعني السفر إلى المدينة المنورة بقصد الزيارة .
والثاني : التوسل والاستشفاع بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وثانيا ، كان موضوعنا الحكم الشرعي لذلك سواء من الأحاديث الصحيحة على
حسب موازين علماء المذاهب . . ووصلنا إلى رأي ابن تيمية في ذلك .
لقد قرأت اليوم رأيه في زيارة القبور وشد الرحال إليها من بضعة كتب وكتيبات له
وهي :
- فتيا في نية السفر
- زيارة بيت المقدس
- رسالة في الدعاء عند القبور
- رده على الأخنائي
- إبطال فتاوى قضاة مصر
- الجواب الباهر في زوار المقابر
- شرح حديث لعن الله زوارات القبور
- بيان مختصر لمناسك الحج
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 501 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مضافا إلى ما ذكره حول المسألة في : تفسير سورة الإخلاص والحديث وعلومه .
والنتيجة التي خلصت إليها أنه يحرم شد الرحال إلى زيارة أي قبر ، حتى قبر
النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ويحلله إلى مسجده ، كما يحلل زيارته ( صلى الله عليه وآله ) ، بمعنى السلام عليه بدون
شد رحال وبدون توسل به .
ووصلت إلى نتيجة أن فتواه من السجن كانت مداراة بتعبيركم وتقية بتعبيرنا ، وقد
استعمل فيها أسلوب التعميم والإجمال ليرضي القضاة والسلطان ويخلص نفسه منهم .
لا بأس . . لو سألك شخص من مصر وهو ناو للحج ، فقال لك : أنا ذاهب إلى مكة
والمدينة ، فدلني كيف أنوي ، وكيف أزور قبر النبي وشهداء أحد زيارة شرعية لا
بدعية حسب فتوى ابن تيمية ، فما هو الحلال وما هو الحرام ؟
فبماذا تجيبه ؟
صارم :
تشكر على رجوعك للحق حينما قرأت بعض كتب ابن تيمية وقررت ما قررته من أن
ابن تيمية لا يجيز الاستشفاع بالأموات ، أما التوسل بهم فكما ذكرت في تقسيمي أعلاه .
وبالرغم من ذلك فلي عتب عليك حينما قلت : ووصلت إلى نتيجة أن فتواه من
السجن كانت مداراة بتعبيركم ، وتقية بتعبيرنا ، وقد استعمل فيها أسلوب التعميم
والإجمال ليرضي القضاة والسلطان ، ويخلص نفسه منهم ) لأن ذلك موضوع آخر
ليس هذا مجال نقاشه ، وأنا أرد قولك عليك لأن هذا الإمام الجهبذ قد وقف نفسه
لله ، ولا يمكن أن يفعل ذلك .
ولك تحياتي وشكري على اعترافك بالحق . هدانا الله وإياك إلى المحجة البيضاء
التي لا يزيغ عنها إلا هالك .
العاملي :
لقد تشعب الموضوع بمداخلات الآخرين . . .
وقد سألتك عن شد الرحال لأثبت لك تناقض فتاوي ابن تيمية فيها ، وسأترك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 502 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مطالبتك بالجواب فعلا ، وأجيبك عن التوسل والاستشفاع ومعناهما عندنا وعندكم
واحد .
فالتوسل الجائز عند إمامكم هو التوسل بدعاء النبي في حياته فقط ، ومعناه أنه
الآن لا يجوز حتى بدعائه ، كما لا تجوز مخاطبته لأنه ميت .
أما عندنا فالتوسل جائز ومستحب بالنبي وآله ( صلى الله عليه وآله ) ، بذاته الشريفة وكل صفاته
الربانية ومقامه المحمود ، وكذا مخاطبته والطلب منه أن يدعو ربه أو يشفع إلى ربه
في الحاجة أو الجنة . . كل ذلك جائز وبعضه مستحب .
ولا فرق عندنا في ذلك بين حياته وبعد وفاته ، لأنه حي عند ربه ، يسمع كلامنا
بإذن ربه ، إلا أن يحجب الله كلام من لا يحبه عنه .
وهذا التوسل ليس فيه أي شائبة شرك ، لأنا نعتقد أنه عبد الله ورسوله ليس له من
الأمر شئ إلا ما أعطاه الله ، ولا يملك شيئا من دون الله ، بل كل ما يملكه فهو من الله
تعالى .
وطلبنا منه وتوسلنا به ليس دعاء له من دون الله ، بل هو دعاء الله وطلب من الله
وحده ، والطلب من الرسول أن يكون واسطة وشفيعا إلى ربه .
ودليلنا على ذلك : الآيات والأحاديث الصحيحة التي أجازته وحثت عليه . . وقد
أشرت لك إلى أننا لم نخترع ذلك من عندنا ، ولا عندنا هواية لأن نضم إلى الطلب من
الله مباشرة الطلب منه تعالى بواسطة ، ولا الأمر إلينا حتى نختار هذا الأسلوب في
دعائنا وعبادتنا أو ذاك . .
بل الأمر كله له عز وجل ، وقد قال لنا ( اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ) . وقال (
أولئك يبتغون إليه الوسيلة أيهم أقرب ) وقال ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك
فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول ) وقال عن أبناء يعقوب ( يا أبانا استغفر لنا ) كما
روينا ورويتم الأحاديث الصحيحة الدالة في رأي علماء المذاهب ومذهبنا .
فهل إشكالكم علينا لأنا نطيع ربنا ونتبع الواسطة والوسيلة التي أمرنا بها . . ولا
نتفلسف عليه ونقول له : نريد أن ندعوك مباشرة ، فلا تجعل بيننا وبينك واسطة ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 503 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لقد أمر عز وجل رسوله ( صلى الله عليه وآله ) أن يكون موحدا بلا شروط ويطيعه مهما أمره حتى
لو قال له لقد اتخدت ولدا لي فاعبده ! !
( قل إن كان لله ولد فأنا أول العابدين ) ولكنه سبحانه أخبرنا أنه لم يتخذ صاحبة
ولا ولدا ! !
لكن أخبرنا أنه جعل رسوله وآله شفعاء إليه ، وأمرنا أن نتوسل بهم ونستشفع بهم
في الدنيا والآخرة .
أما نسبتي إلى ابن تيمية تجويز التوسل في سجنه ، فلم تكن افتراء والعياذ بالله ،
بل اعتمدت على عبارته المتقدمة في سجنه ، وكذلك اعتمد عليها السبكي في كتابه
( شفاء السقام في زيارة خير الأنام ) وأبو حامد المرزوق في كتابه ( التوسل بالرسول
وجهلة الوهابية ) وغيرهما كثير . . وذكر عنه ابن كثير أصرح منها .
ولا أقول إن هؤلاء العلماء قد افتروا عليه فهم من أهل البحث والدقة . . ولكنهم
اعتمدوا على تلك العبارات المجملة التي كتبها !
ونحن الشيعة حساسون من كل ما يكتب بالإكراه أو شبه الإكراه ، ولا نقول بصحة
نسبة الرأي الصادر من صاحبه في ظروف الإكراه وشبهه . . ونفتي ببطلان البيع المكره
عليه ، وكذا البيعة .
لذلك بعد قراءتي الشاملة لما كتبه في الموضوع قلت إن ابن تيمية لم يجوز
التوسل ، رغم عبارته المذكورة .
ولكني لا أوافقه على رأيه ، لأن دليل علماء المذاهب أقوى من دليله . .
ثم دليلنا في اعتقادي أقوى من أدلة علماء المذاهب . . وشكرا .
صارم :
سؤالي : لماذا تشد الرحال إلى القبور ؟
فأجبت للاستشفاع ! !
لماذا تستشفع بهم ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 504 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فأجبت لأن لي ذنوبا ! ! !
ما الذي يعمله الميت لك ؟
أرجو أن تجيب بصراحة عن هذا السؤال وبلا إطالة .
العاملي :
كان سؤالك : لماذا تشد الرحال إلى القبور ؟
وجوابه : أننا نشد الرحال لزيارة من ثبت عندنا استحباب زيارته كالنبي وأهل بيته
صلى الله عليه وعليهم . .
فالغرض لنا ولكل المسلمين من شد الرحال والسفر هو الزيارة ، وقد لا يعرف
بعضهم الاستشفاع أبدا ، بل يقول أنا ذاهب لزيارة النبي . وقد يستشفع بهم الزائر وقد
لا يستشفع ، بل يسلم عليه ويصلى عنده ويدعو الله تعالى بدون استشفاع .
- وسألتني : لماذا تستشفع بهم ؟
- فضربت لك مثلا في طلب شفاعتهم بالمغفرة ، وأضيف هنا : أن النبي صلوات
الله عليه وآله له مقام عظيم أكرمه به ربه في الدنيا والآخرة ، ومن إكرامه له أن المسلم
إذا طلب من ربه حاجة مستشفعا به وكانت مستجمعة للشروط الأخرى ، قضاها له .
فالتوسل والاستشفاع طلب من الله تعالى وحده بجاه نبيه ، وليس طلبا من النبي الذي
هو مخلوق مثلنا ، ليس له من الأمر شئ إلا ما أعطاه الله .
وسألت : ما الذي يعمله الميت لك ؟
وجوابه أن النافع الضار هو الله تعالى وحده لا شريك له ، والميت والحي وكل
المخلوقات لا تملك لي ولا لأنفسها نفعا ولا ضرا ، إلا ما ملكها الله تعالى . . ومن
اعتقد بأن أحدا له بنفسه ذرة من ذلك فهو مشرك بالله تعالى . ولكن الله تعالى هو
الذي جعل هذا المقام لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) ، وأمرنا بأن نبتغي إليه الوسيلة بالعمل ، وبتشفيع
رسوله في حاجاتنا في الدنيا والآخرة .
ومع الأسف أن بعضكم ما زال يتصور أن شد الرحال إنما تكون بنية الاستشفاع
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 505 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والتوسل ، وأن الاستشفاع والتوسل طلب من النبي ودعاء له بدل الله تعالى ! !
ونعوذ بالله من ذلك ، ونعوذ به ممن يتهم المسلمين بذلك بدون ذليل ! !
صارم :
معذرة لتأخري ، وأعود مرة أخرى لموضوعنا وأقول :
هل لك أن تفرق بين فعل الشيعة وبين فعل المشركين في جاهليتهم عند قبورهم ؟
فالمشركون يقرون بالربوبية ، وإنما كفروا بتعلقهم بالملائكة والأنبياء لأنهم يقولون
( هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) ؟
أرجو أن تفرق لي باختصار . تحياتي لك .
العاملي :
الكفار والمشركون اتخذوا آلهة وأولياء من دون الله تعالى . والضالون اتخذوا إليه
وسيلة من دونه ، لم يأمر بها ولم ينزل بها سلطانا . .
أما نحن فنوحده ونطيعه ونبتغي إليه الوسيلة التي أمرنا بها وهي محمد وآل
محمد صلوات الله عليهم .
والذين ينتقدوننا لم يفرقوا في موضوع التوسل والشفاعة بين ما هو من الله تعالى
وما هو من دونه ! !
وفي الفرق بينهما يكمن الكفر والإيمان والهدى الضلال .
انتهت المناقشة ، ولم يجب بعد ذلك المدعو صارم !
تم بحمد الله المجلد الرابع من العقائد الإسلامية ، ويليه المجلد الخامس في
مسائل العصمة ، إن شاء الله تعالى .