العقائد الإسلامية - ج 5

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 1 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العقائد الإسلامية
مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المجلد الخامس
يتضمن مسائل عصمة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 2 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 3 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

مقدمـة

بسـم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
وبعد ، فإن عصمة الأنبياءوالأوصياء عليهم السلام من العقائد المركزية في الأديان الإلهية ، وقد اهتم بها علماء المسلمين ، خاصةً علماء مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وبحثوا مسائلها بإجمال وتفصيل ، وسلكوا المنهج الكلامي الذي يغلب عليه الطابع العقلي ، أو المنهج الحديثي الذي يغلب عليه الطابع النقلي ، وإن كانت عملية الإستدلال عملية عقلية دائماً ، لأنها ترتيب مقدمات للإنتقال بها إلى نتيجة سواءً كانت مقدماتها عقلية أو نقلية ، أو مركبة .
وقد اخترنا لسلسلة العقائد الإسلامية المنهج الحديثي المقارن ، وتوسعنا في هذا المجلد في بحثين من بحوث العصمة:
الأول: العصمة في القرآن ، فبحثنا طوائف من الآيات الكريمة لايمكن تفسيرها إلا بالمعصومين من الأنبياءوأوصيائهم عليهم السلام .
والثاني: مقارنة عقيدة العصمة بين الإسلام واليهودية ، لبيان دور اليهود في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 4 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تخريب عقيدة عصمة الأنبياء عليهم السلام وتأثر المسلمين بهم ! فاليهود هم الذين فتحوا باب التنقيص من مقام الأنبياءوالأوصياء عليهم السلام ، وطوَّلوا ألسنتهم عليهم، واتهموهم بارتكاب أخطاء ومعاصي وأفعال مشينة ، حتى الكفر بالله تعالى !
ومن المؤسف أن النصارى تبعوهم في ذلك ، ولم يستثنوا إلا نبي الله عيسى عليه السلام فقط. ثم تبعهم جمهور المسلمين فاستوردوا منهم أكثر اتهاماتهم للأنبياء عليهم السلام وافتراءاتهم عليهم ، وكان السبب الأكبر في ذلك أن الخلافة القرشية قامت على سياسة منع المسلمين من التحديث بأحاديث نبيهم صلى الله عليه وآله ، وقرَّبَتْ عدداً من حاخامات اليهود وقساوسة النصارى ، وأطلقت ألسنتهم في نشر ثقافتهم بين المسلمين فنشروها بإسم الإسلام ، وغرسوا في أذهان المسلمين التصور اليهودي الظالم للأنبياءوالأوصيائهم عليهم السلام ، ودخل كل ذلك في كتب الصحاح والتفسير والسيرة ، وورثت ذلك أجيال المسلمين على أنه حقائق دينية !
ولولا وقوف أهل البيت عليهم السلام وعلماء مذهبهم في مقابل موجة الثقافة اليهودية ، لاتسعت زاوية الإنحراف ، وتضاعف الإفتراء على الأنبياءوالأوصياء عليهم السلام ، بل على الله نفسه تبارك وتعالى ، ولم يبقَ مَن يعتقد بعصمة الله وأوليائه ، ويدفع عنهم افتراءات اليهود والمتهوكين !
إن النص التالي يصوِّر لنا عمق الفاجعة التي حلَّتْ بثقافة الأمة الإسلامية من تبني السلطة القرشية للإسرائيليات ، ويكشف نوع عمل الأئمة عليهم السلام في معالجتها:
قال الصدوق رحمه الله في عيون أخبار الرضا عليه السلام :2/170:(باب ذكر مجلس آخر للرضا عليه السلام عند المأمون مع أهل الملل والمقالات ، وما أجاب به علي بن محمد بن الجهم في عصمة الأنبياءسلام الله عليهم أجمعين:
حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني(رض)والحسين بن إبراهيم بن أحمد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 5 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بن هشام المكتب ، وعلي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهم قالوا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثنا القإسم بن محمد البرمكي قال:حدثنا أبو الصلت الهروي قال: لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا عليه السلام أهل المقالات من أهل الإسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر المقالات ، فلم يقم أحد إلا وقد ألزمه حجته كانه ألقم حجراً ، قام إليه علي بن محمد بن الجهم فقال له: يا ابن رسول الله أتقول بعصمه الأنبياء عليهم السلام ؟ قال عليه السلام : نعم. قال: فما تعمل في قول الله عز وجل: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى. (طـه:121) ، وفي قوله عز وجل: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أن لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ.(الأنبياء:87) وفي قوله عز وجل في يوسف عليه السلام :وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا. (يوسف:24). وفي قوله عز وجل في داود: قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ وإن كثيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَاهُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ إنما فَتَنَّاهُ. (صّ:24) ، وقوله تعالى في نبيه محمد صلى الله عليه وآله : وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أحق أن تَخْشَاهُ. (الأحزاب:37)
فقال الرضا عليه السلام : ويحك ياعلي إتق الله ولاتنسب إلى أنبياءالله عليهم السلام الفواحش ولا تتأول كتاب الله برأيك ، فإن الله عز وجل قد قال: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ.( آل عمران:7). أما قوله عز وجل في آدم: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى( طـه: 121)، فإن الله عز وجل خلق آدم حجة في أرضه وخليفة في بلاده لم يخلقه للجنة ، وكانت المعصية من آدم في الجنة لافي الأرض ، وعصمته يجب أن تكون في الأرض لتتم مقادير أمر الله ، فلما أهبطه إلى الأرض وجعله حجة وخليفة عصمه بقوله عز وجل: أن الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبراهيم وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ .(آل عمران: 33) وأما قوله عز وجل:وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أن لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ. إنما ظن بمعنى استيقن أن الله لن يضيق عليه رزقه، ألاتسمع قول الله عز وجل: وأما إذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 6 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رِزْقَهُ.( الفجر:16) أي ضيق عليه رزقه ، ولو ظن أن الله لا يقدر عليه لكان قد كفر.
وأما قوله عز وجل في يوسف: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا، فإنها همت بالمعصية وهمَّ يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما تداخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة ، وهو قوله عز وجل: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ.(يوسف: 24) يعني القتل والزنا. وأما داود عليه السلام فما يقول من قبلكم فيه؟
فقال علي بن محمد بن الجهم: يقولون إن داود عليه السلام كان في محرابه يصلي فتصور له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون الطيور ، فقطع داود صلاته وقام ليأخذ الطير فخرج الطير إلى الدار ، فخرج الطير إلى السطح ، فصعد في طلبه ، فسقط الطير في دار أوريا بن حنان ، فاطلع داود في أثر الطير بامرأة أوريا تغتسل فلما نظر إليها هواها ، وقد أخرج أوريا في بعض غزواته ، فكتب إلى صاحبه أن قدم أوريا إمام التابوت ، فقدم فظفر أوريا بالمشركين ، فصعب ذلك على داود ، فكتب إليه ثانية أن قدمه إمام التابوت فقدم فقتل أوريا ، فتزوج داود بامرأته !
قال: فضرب الرضا عليه السلام بيده على جبهته وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! لقد نسبتم نبياً من أنبياءالله عليهم السلام الى التهاون بصلاته حتى خرج في أثر الطير ، ثم بالفاحشة ثم بالقتل ! فقال: يا بن رسول الله فما كان خطيئته ؟
فقال: ويحك ! إن داود إنما ظن أن ما خلق الله عز وجل خلقاً هو أعلم منه فبعث الله عز وجل إليه الملكين فتسورا المحراب ، فقالا: خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاتُشْطِطْ وَاهْدِنَا إلى سَوَاءِ الصِّرَاطِ.إِنَّ هَذَا أخي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ. قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ، (صاد:22-24) فعجل داود على المدعى عليه فقال: قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 7 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ، ولم يسأل المدعي البينة على ذلك ولم يقبل على المدعى عليه فيقول له: ما تقول؟ فكان هذا خطيئة رسم الحكم لا ما ذهبتم إليه ! ألا تسمع الله عز وجل يقول: يَا دَاوُدُ أنا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ. ( صاد: 26).
فقال: يا بن رسول الله فما قصته مع أوريا؟
فقال الرضا عليه السلام :إن المرأة في أيام داود عليه السلام كانت إذا مات بعلها أو قتل لاتتزوج بعده أبداً ، وأول من أباح الله له أن يتزوج بامرأة قتل بعلها كان داود عليه السلام ، فتزوج بامرأة أوريا لما قتل وانقضت عدتها منه ، فذلك الذي شق على الناس من قبل أوريا.
وأما محمد صلى الله عليه وآله وقول الله عز وجل: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أحق أن تَخْشَاهُ.( الأحزاب:37)فإن الله عز وجل عرف نبيه صلى الله عليه وآله أسماء أزواجه في دار الدنيا وأسماء أزواجه في دار الآخرة وأنهن أمهات المؤمنين، وإحداهن من سمى له زينب بنت جحش، وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة، فأخفى إسمها في نفسه ولم يبده لكيلا يقول أحد من المنافقين أنه قال في امرأة في بيت رجل أنها إحدى أزواجه من أمهات المؤمنين، وخشئ قول المنافقين ، فقال الله عز وجل: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أحق أن تَخْشَاهُ ، يعني في نفسك. وإن الله عز وجل ما تولى تزويج أحد من خلقه إلا تزويج حواء من آدم عليه السلام وزينب من رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُاللهِ مَفْعُولاً.( الأحزاب:37)وفاطمة من علي عليهما السلام .
قال: فبكى علي بن محمد بن الجهم وقال: يا بن رسول الله: أنا تائب إلى الله عز وجل من أن أنطق في أنبياءالله عليهم السلام بعد يومي إلا بما ذكرته). انتهى.
* *
لذلك ركَّزنا البحث على كشف الجذور التاريخية للشبهات والإفتراءت على
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 8 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عصمة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ، خاصة ما يتعلق بعصمة نبينا صلى الله عليه وآله ، ثم على بحث الأصل القرآني لعقيدة العصمة ، وقاعدة اللطف. والله تعالى ولي التوفيق .
حرره بقم المشرفة في الثاني والعشرين من رجب الخير 1423
علي الكوراني العاملي
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 9 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الأول : عقيدة اليهود نفي الحكمة عن الله تعالى ونفي العصمة أنبيائه عليهم السلام !!

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 10 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 11 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

لماذا يحسد اليهود الشعوب التي عندها مقدسات ؟!

لا تتعجب إذا رأيت اليهودي عنده عقدة من كل ما هو مقدس عند الشعوب !
فقد ورث من أجداده التطاول على قداسة الله تعالى وأنبيائه عليهم السلام ، فهم أول من فتح باب الجرأة على الله وأنبيائه عليهم السلام ، مع أن كل مايزعمونه لأنفسهم من مكانة وامتياز على الشعوب ، مبنيٌّ على أنهم شعب الله المختار وأتباع أنبيائه عليهم السلام !
وبهذا تفهم سبب نشاطهم في تخريب مقدسات الأديان الأخرى ، لأن الذي يخرب مقدساته ، ويجعل معبوده جاهلاً ، متعصباً ، فظاً ، غليظاً ، ظالماً ، ويجعل أنبياءالله عليهم السلام أنانيين ، شهوانيين ، خونة ! لايطيق أن يكون للآخرين إلهٌ حكيمٌ ، عادلٌ ، لايظلم مخلوقاً مثقال ذرة. وأن يكون لهم أنبياءأطهارٌ ، معصومون في كل حياتهم ، وجميع أعمالهم ، منزهون عن المعاصي والنقائض !
وقد نجح اليهود في تخريب مقدسات المسيحيين وعقيدتهم ، ونفذوا إلى جهازهم الكنسي ونشروا فيه الفساد ، وأسقطوا مقام القساوسة عند الناس !
وقد أخبرني مستشار ثقافي في مؤسسة اليونسكو أن اليهود هم الذين يقفون وراء طرح التحلل من الدين والمقدسات ، الذي ينادي به مثقفون (مسيحيون) ويكتبون مقالات يطالبون فيها البابا والفاتيكان: نريد ديناً بلا محرمات !
وها نحن نرى سعيهم الحثيث لتخريب مقدسات المسلمين، بكل الوسائل !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 12 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

لم يكن اليهود موحدين حتى في عصور أنبيائهم عليهم السلام !

لم يكن جمهور اليهود مخلصاً لتوحيد الله تعالى حتى في عصور أنبيائهم عليهم السلام ، رغم تبجحهم بأنهم هم الموحدون ، وأنهم أبناء نبي الله إبراهيم صلى الله عليه وآله ، الذي قاوم عبادة الأوثان وأرسى أسس التوحيد ، هذا إن صحت أنسابهم اليه !
ومن أوضح الأدلة على ذلك أنهم بعد أن رأوا المعجزة على يد موسى عليه السلام ، وشقَّ الله لهم البحر وجعله طريقاً يبساً ، وعبروا فيه ونجوا من فرعون وجنوده.. قابلوا هذه المعجزة الكبرى بفكرهم الوثني ، وطالبوا موسى عليه السلام أن يتخذ لهم إلهاً عجلاً ليعبدوه ! وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إسرائيل الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إلهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ. إن هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. قَالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إلهاً وَهُوَفَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (الأعراف:138-140(ويظهر أن سكوتهم يومها كان خوفاً من موسى عليه السلام ! فأول ما سنحت لهم الفرصة في غيابه ، صنعوا عجلاً ذهبياً واتخذوه إلهاً ! وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أنَّهُ لايُكَلِّمُهُمْ وَلايَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ. وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِى مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أمر رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألواح وَأَخَذَ بِرَأْسِ أخيه يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أم أن الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلاتُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلاتَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.قَالَ رَبِّ اغْفِرْلِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. أن الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَاوَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ. وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا أن رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ. وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 13 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الْغَضَبُ أخذ الألواح وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ.
وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رجلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أخذتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا أن هِيَ إلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أنت وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ. وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخرة أنا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَئٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الآمّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالآنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أنزل مَعَهُ أولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ. ( الأعراف 148-157)
وقال تعالى: وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أربعين لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ. ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُم مِّنْ بَعْدِ ذََلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إلى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ أنه هُوَ التَّوَابُ الرَّحِيمُ. وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). ( البقرة: 51-56 )
فاليهود لم يخلصوا في تاريخهم لتوحيد الله تعالى فكيف يخلصوم لأنبيائه ؟! ولهذا أجاب أمير المؤمنين عليه السلام يهودياً عندما سأله: (ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم فيه ! فقال له عليه السلام : إنما اختلفنا عنه لا فيه ، ولكنكم ماجفَّتْ أرجلكم من البحر حتى قلتم لنبيكم: اجْعَلْ لَنَا إلهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ). (نهج البلاغة:4/75، وأمالي المرتضى:1/198، والعرائس للثعالبي113) .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 14 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الإلحاد الصريح في اليهود الماضين والمعاصرين

شهد المؤرخ الغربي ول ديورانت في قصة الحضارة (2/338) وغيره ، بأن عبادة العجل الذهبي استمرت في بني إسرائيل في زمن نبي الله موسى عليه السلام الى ما بعد سليمان عليه السلام ، حيث استبدلوا العجل بأصنام أخرى!!
وقد أوردنا في المجلد الثاني من العقائد الإسلامية ص177 ، نصوصاً من توراتهم وإنجيلهم تدل على تأصل المادية والوثنية في تفكيرهم !
قال الدكتور الشلبي في مقارنة الأديان:1/192: (على أن مسألة الألوهية كلها ، سواء اتجهت للوحدانية أو للتعدد ، لم تكن عميقة الجذور في نفوس بني إسرائيل ، فقد كانت المادية والتطلع إلى أسلوب نفعي في الحياة من أكثر ما يشغلهم ، وإذا تخطينا عدة قرون ، فإننا نجد الفكر اليهودي الحديث يجعل لليهود رباً جديداً نفعياً كذلك ، ذلك هو: تربة فلسطين وزهر برتقالها !
والذي يقرأ رواية(طوبى للخائفين)للكاتبة اليهودية يائيل ديان ، ابنة القائد الصهيوني العسكري موشئ ديان ، يجد أحد أبطالها(إيفرى)ينصح ابنه الطفل بأن يتخلى عن الذهاب للكنيسة ، وأن يحول اهتمامه لإلهه الجديد: تراب فلسطين ! ونقتبس فيما يلي سطوراً من هذه الرواية:
...الصبي يحب أن يذهب إلى الكنيس مع أمه ، ولكنه عندما عاد مرة من المعبد الذي لا يذهب إليه إلا القليلون ، ثار أبوه في وجهه بحديث له مغزى عميق قال له: أيام زمان حين كنا يهوداً في روسيا وغيرها ، كان من الضروري بالنسبة لنا أن نطيع التعليمات ونحافظ على ديننا ، فقد كان الدين اليهودي لنا وسيلتنا لنتعاون ونتعاطف ونذود عنا الردى ، أما الآن فقد أصبح لدينا شئ أهم هو الأرض ، أنت الآن إسرائيلي ولست مجرد يهودي ، إني قد تركت في روسيا كل شئ ، ملابسي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 15 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومتاعي وأقاربي وإلهي ، وعثرت هنا على رب جديد ، هذا الرب الجديد هو خصب الأرض وزهر البرتقال. إلا تحس بذلك؟.... وأخذ إيفرى حفنة من تراب الأرض وسكبها في كف ابنه وقال له: إمسك هذا التراب ، إقبض عليه ، تحسسه تذوقه ، هذا هو ربك الوحيد ، إذا أردت أن تصلي للسماء فلا تصل لها لكي تسكب الفضيلة في أرواحنا ، ولكن قل لها أن تنزل المطر على أرضنا ، هذا هو المهم: إياك أن تذهب مرة أخرى إلى المعبد ) !! .
وقال أيضاً:1/267: (ويقرر التلمود أن الله هو مصدر الشر كما أنه مصدر الخير ، وأنه أعطى الإنسان طبيعة رديئة ، وسنَّ له شريعة لم يستطع بطبيعته الرديئة أن يسير على نهجها ، فوقف الإنسان حائراً بين اتجاه الشر في نفسه ، وبين الشريعة المرسومة إليه ، وعلى هذا فإن داود الملك لم يرتكب خطيئة بقتله أوريا واتصاله بامرأته ، لأن الله هو السبب في كل ذلك !!). (التلمود شريعة إسرائيل ص17).
* *

افتراء اليهود على الله تعالى ونفيهم عنه العلم والعدل !

مضافاً إلى فريتهم الكبرى على الله تعالى بأنه جسم متجسدٌ في عِجْل ، من حجر أو ذهب ، أو متجسد بصورة إنسان كبير السن ، كما في توراتهم طبعة مجمع الكنائس الشرقية(ص4فقرة27) قد وصفوا الله تعالى بصفات لاتناسب الإنسان العادي ، فضلاً عن رب العالمين الذي ليس كمثله شئ ، عز وجل:
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 16 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

وصفوا الله تعالى بأنه لايعلم ما خلق !

جاء في ص6 من توراتهم: (8. وسمعاً صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة. 9. فنادى الرب الإله آدم وقال له أين أنت. 10. فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت. 11. فقال من أعلمك إنك عريان ، هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها. 12. فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت ). !!

ووصفوه بالطيش والغضب والظلم !

قال الدكتور شلبي في تاريخ الأديان:1/267: (يروى التلمود أن الله ندم لِمَا أنزله باليهود وبالهيكل ، ومما يرويه التلمود على لسان الله قوله: تب لي لأني صرحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي !! وليست العصمة من صفات الله في رأي التلمود ، لأنه غضب مرة على بني إسرائيل فاستولى عليه الطيش ، فحلف بحرمانهم من الحياة الأبدية ، ولكنه ندم على ذلك بعد أن هدأ غضبه ، ولم ينفذ قسمه ، لأنه عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة ).
وقال ابن حزم في الفصل:1/1/222: (ونقل في توراتهم وكتب الأنبياء بأن رجلاً اسمه إسماعيل كان أثر خراب البيت المقدس ، سمع الله يئن كما تئن الحمامة ويبكي وهو يقول: الويل الويل لمن أخرب بيته....وَيْلِي على ما أخربت من بيتي ! ويْلي على ما فرقت من بنيَّ وبناتي ) !!

وافتروا على الله تعالى بأنه ينسى عهده ثم يتذكره !

في التوراة والإنجيل ص99: (23.وبعد مرور حقبة طويلة مات ملك مصر وارتفع أنين بني إسرائيل وصراخهم من وطأة العبودية ، وصعد إلى الله .24. فأصغى الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 17 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إلى أنينهم ، وتذكر ميثاقه مع إبراهيم وإسحق ويعقوب.25. ونظر الله إلى بني إسرائيل .(ورق لحالهم).

وزعموا أن يعقوب صارع الله تعالى فعجز الله أن يغلبه !

قال ابن حزم في الفصل:1جزء1/141: (ذكر في هذا المكان(من التوراة)أن يعقوب صارع الله عز وجل.... حتى قالوا أن الله عز وجل عجز عن أن يصرع يعقوب ! وفيه أن يعقوب قال: رأيت الله مواجهة وسلمت عليه ) !

ووصفوا معبودهم بأنه موجود مادي يسكن في السماء

في/579 من توراتهم: (18.فقال ملك إسرائيل ليهوشافاط أما قلت لك أنه لا يتنبأ علي خيراً بل شراً. 19. وقال فاسمع إذا كلام الرب. قد رأيت الرب جالساً على كرسيه وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره. 20. فقال الرب من يغوي أخآب فيصعد ويسقط في راموت جلعاد. فقال: هذا هكذا ، وقال: ذاك هكذا) .

ووصفوه بأن له سبعة أرواح كالقطط !

جاء في توراتهم طبعة مجمع الكنائس الشرقية ص399: (1. بعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح في السماء والصوت الأول الذي سمعته كبوق يتكلم معي قائلاً إصعد إلى هنا فأريك ما لابد أن يصير بعد هذا. 2. وللوقت صرت في الروح وإذا عرش موضوع في السماء وعلى العرش جالس. 3. وكان الجالس في المنظر شبه حجر اليشب والعقيق وقوس قزح حول العرش في المنظر شبه الزمرد. 4. وحول العرش أربعة وعشرون عرشاً ، ورأيت على العروش أربعة وعشرين شيخاً جالسين متسربلين بثياب بيض وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب. 5. ومن العرش يخرج بروق ورعود وأصوات ، وإمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة هي سبعة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 18 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أرواح الله) !!

من إهانات اليهود لأنبيائهم عليهم السلام وافتراءاتهم عليهم !

افتروا على ابراهيم عليه السلام بأنه كان قبل نبوته يعبد الأوثان !

في قاموس الكتاب المقدس ص596: (وقد أدرك إبراهيم بالوحي والإلهام وجود إله واحد أبدي خالق السموات والأرض ، وسيد الكون. (تك 18: 19)
وكان إيمان إبراهيم جديداً بالنسبة لأور التي كان يقيم فيها ، حيث كانت مركز عبادة القمر ، بل أن أبا إبراهيم نفسه كان يخدم آلهة أور الوثنية(يش24:2).
لذلك هاجر إبراهيم من أور نحو بلاد كنعان حوالي أواخر القرن العشرين قبل الميلاد ).

واتهموا ابراهيم عليه السلام بأنه تزوج سارة وهي أخته !

في قاموس الكتاب المقدس ص9: (وقد عاش إبراهيم الجزء الأول من حياته مع أبيه وإخوته في أور الكلدانيين ، وقد تزوج من ساري وكانت أخته بنت أبيه وليست بنت أمه ، كما نعرف ذلك من تك 20: 12).

واتهموه بأنه كذب على الحاكم القبطي بأن سارة أخته !

في التوراة والإنجيل ص21(موقعarabicbible): (14. ولما اقترب أبرام من مصر استرعى جمال ساراي أنظار المصريين ، وشاهدها أيضاً رؤساء فرعون فأشادوا بها أمامه. 15. فأخذت المرأة إلى بيت فرعون. 16. فأحسن إلى أبرام بسببها وأجزل له العطاء من الغنم والبقر والحمير والعبيد والإماء والأتن والجمال. 17. ولكن الرب ابتلى فرعون وأهله ببلايا عظيمة بسبب ساراي زوجة أبرام. 18. فاستدعى فرعون أبرام وسأله ماذا فعلت بي؟ لماذا لم تخبرني أنها زوجتك ؟ 19.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 19 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولماذا ادعيت أنها أختك حتى أخذتها لتكون زوجة لي؟ والآن ها هي زوجتك ، خذها وامض في طريقك .20. وأوصى فرعون رجاله بأبرام فشيعوه وامرأته ، وكل ما كان يملك ).
وفي التوراة والإنجيل ص33: (1. وارتحل إبراهيم من هناك إلى أرض النقب وأقام بين قادش وشور وتغرب ، في جرار. 2. وهناك قال إبراهيم عن سارة زوجته هي أختي. فأرسل أبيمالك ملك جرار وأحضر سارة إليه. 3. ولكن الله تجلى لأبيمالك في حلم في الليل وقال له: إنك ستموت بسبب المرأة التي أخذتها ، فإنها متزوجة. 4. ولم يكن أبيمالك قد مسها بعد ، فقال للرب: أتميت أمة بريئة ؟ 5. ألم يقل لي أنها أختي وهي نفسها ادعت أنه أخوها ؟ ما فعلت هذا إلا بسلامة قلبي وطهارة يدي. 6. فأجابه الرب: أنا أيضاً علمت إنك بسلامة قلبك قد فعلت هذا ، وأنا أيضاً منعتك من أن تخطئ إلي ولم أدعك تمسها. 7. والآن رُدَّ للرجل زوجته فإنه نبي ، فيصلي من أجلك فتحيا ، وإن لم تردها فإنك وكل من لك حتماً تموتون) .
وفي قاموس الكتاب المقدس ص10: (فارتحل من هناك إلى مصر(تك 12: 10) وهناك خوفاً على حياته ، ذكر لفرعون أن ساراي أخته دون أن يذكر أنها زوجته (تك 12:11-20) ومن عند بلوطات ممرا انتقل إبراهيم إلى أرض الجنوب وهناك أرسل أبيمالك ملك جرار وأخذ سارة لأن إبراهيم قال أنها أختي ولكن الرب ظهر لأبيمالك في حلم ولم يدعه يمسها ، ولما عاقبه الرب على أخذه سارة ردها إلى إبراهيم. وصلى إبراهيم لأجله ولأجل بيته فرفع الرب العقاب عنه (تك/20). إلا أنه أظهر ضعفاً مرتين عندما لم يقل الحق كله في ذكر علاقة سارة زوجته به ! ( تك 12: 18 و20: 11 ).
وفي قاموس الكتاب المقدس ص443: (سارة: إسم عبري معناه: أميرة ، وهي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 20 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
زوجة إبراهيم ، وكانت في الأصل تدعى ساراي. تزوجت سارة من إبراهيم في أور الكلدانيين وكانت أصغر منه بعشر سنوات (تكوين11: 29-31 و17: 17 ). وعندما خرج إبراهيم من حاران كان عمر سارة 65سنة ( تكوين12: 4) ولكنها كانت جميلة بالرغم مما بلغت من العمر ، وكانت محتفظة بقوتها وبشبابها. وبعد مغادرة حاران وقبل النزول إلى مصر ، تحدث إبراهيم مع سارة وطلب منها أن تخفي أنها زوجته وتقول أنها أخته ، وقد كانت بالفعل أخته ابنة أبيه ليست ابنة أمه! (تك 20: 12). وكان سبب طلب إبراهيم ذلك خوفه من أن جمال سارة يلفت نظر المصريين إليها ، فيقتلونه ويأخذونها ، وأطاعت سارة زوجها ، فأخذها ملك مصر ، ولكن الله منعه من الإقتراب إليها. ووبخ فرعون زوجها عندما أعلن له الله الأمر.
وبعد عدة سنين سكن إبراهيم في جرار وقال عن سارة أنها أخته ، فطلب أبيمالك أن يتزوج منها ، ربما لغرض إيجاد تحالف مع الأمير البدوي القوي. وهنا أيضاً منع الله أبيمالك من الإساءة إلى سارة ) ! (تكوين 20: 1- 18 ).
أما الرواية الصحيحة للقصة فهي في مصادر أهل البيت عليهم السلام في الكافي:8/370: (علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، جميعاً عن الحسن بن محبوب ، عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:إن إبراهيم عليه السلام كان مولده بكوثى ربا، وكان أبوه من أهلها، وكانت أم إبراهيم وأم لوط سارة وورقة- وفي نسخة رقية- أختين وهما ابنتان للاحج ، وكان لاحج نبياً منذراً ولم يكن رسولاً ، وكان إبراهيم عليه السلام في شبيبته على الفطرة التي فطر الله عز وجل الخلق عليها ، حتى هداه الله تبارك وتعالى إلى دينه واجتباه ، وأنه تزوج سارة ابنة لاحج وهي ابنة خالته ، وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة وأرض واسعة وحال حسنة ، وكانت قد ملَّكت إبراهيم عليه السلام جميع ماكانت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 21 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تملكه ، فقام فيه وأصلحه ، وكثرت الماشية والزرع حتى لم يكن بأرض كوثى ربا رجل أحسن حالاً منه.
وإن إبراهيم عليه السلام لما كسر أصنام نمرود أمر به نمرود فأوثقه وعَمل له حِيراً وجمع له فيه الحطب وألهب فيه النار ، ثم قذف إبراهيم عليه السلام في النار لتحرقه ، ثم اعتزلوها حتى خمدت النار ، ثم أشرفوا على الحير فإذا هم بإبراهيم عليه السلام سليماً مطلقاً من وثاقه ، فأخبر نمرود خبره ، فأمرهم أن ينفوا إبراهيم عليه السلام من بلاده ، وإن يمنعوه من الخروج بماشيته وماله ، فحاجَّهم إبراهيم عليه السلام عند ذلك فقال:إن أخذتم ماشيتي ومالي فإن حقي عليكم أن تردوا عليَّ ما ذهب من عمري في بلادكم ! واختصموا إلى قاضي نمرود فقضى على إبراهيم عليه السلام أن يسلم إليهم جميع ما أصاب في بلادهم ، وقضى على أصحاب نمرود أن يردوا على إبراهيم عليه السلام ما ذهب من عمره في بلادهم ! فأخبر بذلك نمرود ، فأمرهم أن يخلوا سبيله وسبيل ماشيته وماله ، وأن يخرجوه ، وقال: إنه إن بقي في بلادكم أفسد دينكم وأضر بآلهتكم ، فأخرجوا إبراهيم ولوطاً معه من بلادهم إلى الشام ، فخرج إبراهيم ومعه لوط لايفارقه وسارة ، وقال لهم: إِنِّي ذَاهِبٌ إلى رَبِّي سَيَهْدِينِ ، يعني بيت المقدس ، فتحمل إبراهيم عليه السلام بماشيته وماله وعمل تابوتاً وجعل فيه سارة وشد عليها الأغلاق غيرةً منه عليها ، ومضى حتى خرج من سلطان نمرود وصار إلى سلطان رجل من القبط يقال له عرارة ، فمر بعاشر له فاعترضه العاشر ليعُشِّر ما معه ، فلما انتهى إلى العاشر ومعه التابوت ، قال العاشر لإبراهيم عليه السلام : إفتح هذا التابوت حتى نُعَشِّر ما فيه ، فقال له إبراهيم عليه السلام : قل ما شئت فيه من ذهب أو فضة حتى نعطي عُشره ولا نَفتحه ، قال: فأبي العاشر إلا فتحه ، قال: وغضب إبراهيم عليه السلام على فتحه ، فلما بدت له سارة وكانت موصوفة بالحسن والجمال قال
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 22 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
له العاشر: ما هذه المرأة منك؟ قال إبراهيم عليه السلام : هي حرمتي وابنة خالتي فقال له العاشر: فما دعاك إلى أن خبيتها في هذا التابوت؟ فقال إبراهيم عليه السلام : الغيرة عليها أن يراها أحد ، فقال له العاشر: لست أدعك تبرح حتى أعلم الملك حالها وحالك قال: فبعث رسولاً إلى الملك فأعلمه ، فبعث الملك رسولاً من قبله ليأتوه بالتابوت ، فأتوا ليذهبوا به فقال لهم إبراهيم عليه السلام : إني لست أفارق التابوت حتى تفارق روحي جسدي ، فأخبروا الملك بذلك فأرسل الملك أن احملوه والتابوت معه ، فحملوا إبراهيم عليه السلام والتابوت وجميع ما كان معه حتى أدخل على الملك فقاله له الملك: إفتح التابوت ، فقال إبراهيم عليه السلام : أيها الملك إن فيه حرمتي وابنة خالتي ، وأنا مفتدٍ فتْحَهُ بجميع ما معي !
قال: فغضب الملك وأجبر إبراهيم عليه السلام على فتحه ، فلما رأى سارة لم يملك حلمه سفهه أن مد يده إليها ، فأعرض إبراهيم عليه السلام بوجهه عنها وعنه غيرةً منه ، وقال: اللهم احبس يده عن حرمتي وابنة خالتي ، فلم تصل يده إليها ولم ترجع إليه ! فقال له الملك: أن إلهك الذي فعل بي هذا ؟ فقال له: نعم ، أن إلهي غيور يكره الحرام وهو الذي حال بينك وبين ما أردت من الحرام ! فقال له الملك: فادع إلهك يرد عليَّ يدي فإن أجابك لم أعرض لها ، فقال: إبراهيم عليه السلام : إلهي رُدَّ عليه يده ليكف عن حرمتي: قال: فردَّ الله عز وجل عليه يده ، فأقبل الملك نحوها ببصره ثم أعاد بيده نحوها فأعرض إبراهيم عليه السلام عنه بوجهه غيرةً منه وقال: اللهم احبس يده عنها ، قال: فيبست يده ولم تصل إليها ، فقال الملك لإبراهيم عليه السلام : أن إلهك لغيور وإنك لغيور، فادع إلهك يرد عليَّ يدي فإنه أن فعل لم أعد، فقال له إبراهيم عليه السلام : أسأله ذلك على أنك إن عدت لم تسألني أن أسأله ، فقال الملك: نعم ، فقال إبراهيم عليه السلام : اللهم إن كان صادقاً فردَّ عليه يده ، فرجعت إليه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 23 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يده ! فلما رأى ذلك الملك من الغيرة ما رأى ورأى الآية في يده ، عظَّمَ إبراهيم عليه السلام وهابَهُ وأكرمه واتقاه وقال له: قد أمِنتَ من أن أعرض لها ، أو لشئ مما معك فانطلق حيث شئت ولكن لي إليك حاجة ، فقال إبراهيم عليه السلام : ما هي؟ فقال له: أحب أن تأذن لي أن أخدمها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادماً ، قال: فأذن له إبراهيم عليه السلام فدعا بها فوهبها لسارة ، وهي هاجر أم إسماعيل عليه السلام ، فسار إبراهيم عليه السلام بجميع مامعه وخرج الملك معه يمشئ خلف إبراهيم عليه السلام إعظاماً لإبراهيم عليه السلام وهيبةً له ، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى إبراهيم أن قف ولا تمش قدام الجبار المتسلط ويمشئ هو خلفك ، ولكن اجعله أمامك وامش خلفه وعظمه وهبه فإنه مسلط ، ولا بد من إمرة في الأرض بَرَّة أو فاجرة ، فوقف إبراهيم عليه السلام وقال للملك: إمض فإن إلهي أوحى إليَّ الساعة أن أعظمك وأهابك وأن أقدمك أمامي وأمشئ خلفك إجلالاً لك ، فقال له الملك: أوحى إليك بهذا ؟ فقال له إبراهيم عليه السلام : نعم ، فقال له الملك: أشهد أن إلهك لرفيق حليم كريم ، وأنك ترغبني في دينك ، قال: وودعه الملك فسار إبراهيم عليه السلام حتى نزل بأعلى الشامات ، وخلف لوط في أدنى الشامات. ثم إن إبراهيم عليه السلام لما أبطأ عليه الولد قال لسارة: لو شئت لبعتني هاجر لعل الله أن يرزقنا منها ولداً فيكون لنا خلفاً ، فابتاع إبراهيم عليه السلام هاجر من سارة ، فوقع عليها فولدت إسماعيل عليه السلام ).

واتهموا نبي الله إسحاق عليه السلام بنفس التهمة !

في التوراة صفحة 46: (6. فأقام إسحق في مدينة جرار. 7. وعندما سأله أهل المدينة عن زوجته قال: هي أختي ، لأنه خاف أن يقول: هي زوجتي لئلا يقتله أهل المدينة من أجل رفقة ، لأنها كانت رائعة الجمال. 8. وحدث بعد أن طال مكوثه هناك ، أن أبيمالك ملك الفلسطينيين أطل من النافذة ، فشاهد إسحق
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 24 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يداعب امرأته رفقة. 9. فاستدعاه إليه وقال: إنها بالحقيقة زوجتك ، فكيف قلت هي أختي ؟ فأجاب إسحق: لأني قلت لعلي أقتل بسببها. 10. فقال أبيمالك: ما هذا الذي فعلت بنا ؟ لقد كان يسيراً على أي واحد من الشعب أن يضطجع مع زوجتك فتجلب بذلك علينا إثماً. 11. وأنذر أبيمالك كل الشعب قائلاً: كل من يمس هذا الرجل أو زوجته فحتماً يموت).

واتهموا إبراهيم وبقية الأنبياء عليهم السلام بأنهم كانوا يشربون الخمر !

في قاموس الكتاب المقدس ص776: وقد أتقن القدماء الإعتناء بالكروم ووضع ملكي صادق خبزاً وخمراً إمام أبرام. ( تك 14: 18 )
وشرب لوط خمراً. ( تك 19: 33 ).
وأحضر يعقوب خمراً لإسحاق. ( تك 27: 25 )
وتنبأ يعقوب قبل موته بأن يهوذا يشتهر بتربية الكرم. ( تك 49: 12 ).
وكان أولاد أيوب يشربون الخمر. ( أي 1: 18 )
وندد صاحب الأمثال بمن يدمن الخمر. ( أم 23: 30 و 31 )
وكذلك إشعياء النبي. ( اش 5: 11 ) !!

وزعموا أن لوطاً سكن في سدوم اختلافه مع ابراهيم عليهما السلام

في التوراة والإنجيل ص22(موقع arabicbible): (5. وكان للوط المرافق لأبرام غنم وبقر وخيام أيضاً. 6. فضاقت بهما الأرض لكثرة أملاكهما ، فلم يقدرا أن يسكنا معاً. 7. ونشب نزاع بين رعاة مواشئ أبرام ورعاة مواشئ لوط ، في الوقت الذي كان فيه الكنعانيون والفرزيون يقيمون في الأرض. 8. فقال أبرام للوط: لايكن نزاع بيني وبينك ، ولابين رعاتي ورعاتك لأننا نحن أخوان 9. أليست الأرض كلها أمامك ؟ فاعتزل عني. أن اتجهت شمالاً ، أتجه أنا يميناً ، وإن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 25 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تحولت يميناً ، أتحول أنا شمالاً ).

ونسبوا إلى سارة رضي الله عنها الظلم والقسوة !

في التوراة والإنجيل ص26: (4. فعاشر هاجر فحبلت منه. ولما أدركت أنها حامل هانت مولاتها في عينيها ، 5. فقالت ساراي لأبرام: ليقع ظلمي عليك ، فأنا قد زوجتك من جاريتي ، وحين أدركت أنها حامل هنتُ في عينيها. ليقض الرب بيني وبينك. 6. فأجابها أبرام: ها هي جاريتك تحت تصرفك ، فافعلي بها ما يحلو لك. فأذلتها ساراي حتى هربت منها ).
وفي التوراة ص36: (9. ورأت سارة أن ابن هاجر المصرية الذي أنجبته لإبراهيم يسخر من ابنها إسحق. 10. فقالت لإبراهيم: أطرد هذه الجارية وابنها ، فإن ابن الجارية لن يرث مع ابني إسحق. 11. فقبح هذا القول في نفس إبراهيم من أجل ابنه. 12. فقال الله له: لا يسوء في نفسك أمر الصبي أو أمر جاريتك ، واسمع لكلام سارة في كل ما تشير به عليك لأنه بإسحق يدعى لك نسل. 13. وسأقيم من ابن الجارية أمَّةً أيضاً لأنه من ذريتك. 14. فنهض إبراهيم في الصباح الباكر وأخذ خبزاً وقربة ماء ودفعهما إلى هاجر ، ووضعهما على كتفيها ، ثم صرفها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 26 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مع الصبي ، فهامت على وجهها في برية بئر سبع. 15. وعندما فرغ الماء من القربة طرحت الصبي تحت إحدى الأشجار. 16. ومضت وجلست مقابله ، على بعد نحو مئة متر ، لأنها قالت: لا أشهد موت الصبي. فجلست مقابله ورفعت صوتها وبكت. 17. وسمع الله بكاء الصبي ، فنادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها: ما الذي يزعجك يا هاجر ؟ لا تخافي لأن الله قد سمع بكاء الصبي من حيث هو ملقى. 18. قومي واحملي الصبي ، وتشبثي به لأنني سأجعله أمة عظيمة. 19. ثم فتح عينيها فأبصرت بئر ماء ، فذهبت وملأت القربة وسقت الصبي. 20. وكان الله مع الصبي فكبر ، وسكن في صحراء فاران وبرع في رمي القوس. 21. واتخذت له أمه زوجة من مصر ).
وفي قاموس الكتاب المقدس ص994: (وقد تكلم الرسول بولس عن هاجر وولادتها حسب الجسد ابناً للعبودية ! ووصف المؤمنين بالمسيح بأنهم كأولاد الحرة يرثون مع الأب وميلادهم(الثاني) بالموعد مثل إسحاق ابن إبراهيم ( غل 4: 21-31). وقد جاء في معظم التقاليد أن العرب هم ذرية إسماعيل ).

واتهموا إبراهيم عليه السلام بأنه أطاع سارة وطرد هاجر وابنها إسماعيل عليه السلام !

في قاموس الكتاب المقدس ص443: (وعندما بلغت سارة سن89 جاءها الموعد بميلاد إسحق ، الذي ولدته بعد سنة. وغيَّر الله إسم ساراي إلى سارة في ذلك الوقت- وقت الموعد ). ( تك 17: 15 - 22 و 18: 9 - 15 و 21: 1 - 5 ).
وعندما فطم إسحاق أقام والداه وليمة عظيمة... ولاحظت سارة أن إسماعيل يمزح ، وقد قيل أنه كان يصوب سهامه على إسحاق مهدداً بقتله من باب التخويف ، فطلبت سارة من إبراهيم أن يطرد الجارية مع ابنها ! وقد ظن البعض أن ذلك كان قساوة وشراً من سارة ، غير أن البعض الآخر يعتقد أن سارة لم تطلب طرد هاجر إلا إلى الخيام الأخرى لإبراهيم والتي كان يقيم فيها عبيده الآخرون ، أي أن سارة منعت الجارية وابنها من السكن في خيمة السيد ، وجعلتها تأخذ مكانها كجارية فقط ، واختلفت الآراء في سارة ، ولكنها كانت في الحق مؤمنةً فاضلة وزوجةً أمينة وأما مثالية. وقد ماتت سارة وهي في سن 127 سنة ، بعد ولادة إسحاق بما يزيد على36 سنة ، ودفنها إبراهيم في حقل المكفيلة الذي اشتراه لهذا الغرض ).
وفي قاموس الكتاب المقدس ص73: (وقد حثَّت سارة إبراهيم أن يأخذ أمتها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 27 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
زوجة لكي يعقب منها نسلاً ، لأن سارة كانت عاقراً (تك 16: 1 - 4 ) وكان هذا النظام في الزواج معمولاً به في تلك الأزمنة. وقد دلت الإكتشافات على أنه كان موجوداً في (نوزي) بالقرب من كركوك في العراق. أما هذا العمل من ناحية سارة فمصدره ضعف الإيمان بمواعيد الرب لإبراهيم وسارة بأن يكون لهما ابن ! وبعد أن حملت سارة نظرت إلى سيدتها باحتقار لأنها كانت عاقراً فطردتها سيدتها ، ولاقاها ملاك الرب في الطريق وأمرها أن ترجع إلى سيدتها وإلى بيت إبراهيم ، ووعدها بأنها ستلد ابناً تسميه إسماعيل ، وأنه يكون أبا لجمهور من الناس ، وأنه سيسكن البرية كحمار وحشي). ( تك 16: 5 - 14 )
وبعد أن رجعت هاجر ولدت إسماعيل ، لما كان إبراهيم ابن ست وثمانين سنة وبعد أن كان له في أرض كنعان عشر سنين(تك 16: 3 - 16). وقد ختن إسماعيل في الثالثة عشرة من عمره(تك 17: 25 ) وهي السن التي يختن فيها الأولاد العرب في الوقت الحاضر.
وفي الوليمة التي أقيمت بمناسبة فطام إسحاق ، سَخِر إسماعيل من أخيه الصغير وكان إسماعيل حينئذ قد بلغ السادسة عشرة من عمره. فألحَّت سارة على إبراهيم أن يطرد هاجر وابنها فطردهما (تك 21: 8 - 14 ). فتاهت الأم وابنها في برية بئر سبع في جنوب فلسطين ، وكانا على وشك الهلاك من الظمأ. فأرى الله هاجر بئر ماء ووعدها ثانية بأن ابنها إسماعيل سيصير مصدر أمة عظيمة. ومنذ ذلك الحين سكن إسماعيل في برية فاران في جنوب فلسطين على حدود شبه جزيرة سيناء ، وأصبح ماهراً في استعمال القوس. وأخذت له أمه زوجة من بلادها ، من مصر (تك 21: 15 - 21) وولد له اثنا عشر ابناً الذين أصبحوا آباء القبائل العربية(أنظر إسماعيليين) وولد له أيضاً ابنة اسمها محلة (تك 28: 9) أو بسمة(تك 36: 3) وقد تزوجها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 28 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عيسو. وقد اشترك إسماعيل مع إسحاق في دفن أبيهما إبراهيم في مَمْرا بالقرب من حبرون. (تك 25: 9). وقد مات إسماعيل بعد أن بلغ من العمر137 سنة).( تك 25: 17 ).

أما مصادرنا فتبرئ إبراهيم وعترته صلى الله عليه وآله من الظلم والمعصية

ففي المحاسن:2/337،عن الإمام الصادق عليه السلام :(إن إبراهم عليه السلام لما خلف هاجر وإسماعيل بمكة عطش إسماعيل فبكى ، فخرجت هاجر حتى عَلَتْ على الصفا وبالوادي أشجار فنادت: هل بالوادي من أنيس؟ فلم يجبها أحد ، فانحدرت حتى علت على المروة ، فنادت هل بالوادي من أنيس؟ فلم تزل تفعل ذلك حتى فعلته سبع مرات ، فلما كانت السابعة هبط عليها جبرئيل عليه السلام فقال لها: أيتها المرأة من أنت ؟ قالت: أنا هاجر أم ولد إبراهيم ، قال لها: وإلى من خلَّفك؟ قالت: أما إذا قلت ذلك ، لقد قلت له يا إبراهيم إلى من تخلفنى ههنا؟ فقال: إلى الله عز وجل أخلفك ، فقال لها جبرئيل عليه السلام : نعم ما خلفك إليه ، ولقد وكلك إلى كافٍ فارجعي إلى ولدك ، فرجعت إلى البيت وقد انبعث زمزم والماء ظاهر يجرى ، فجمعت حوله التراب فحبسته ! قال أبو عبد الله عليه السلام : ولو تركته لكان سيحاً !
ثم مرَّ ركب من اليمن ولم يكونوا يدخلون مكة ، فنظروا إلى الطير مقبلة على مكة من كل فج ، فقالوا: ما أقبلت الطير على مكة إلا وقد رأت الماء، فمالوا إلى مكة حتى أتوا موضع البيت ، فنزلوا واستقوا من الماء وتزودوا منه ما يكفيهم وخلفوا عندهما من الزاد ما يكفيهما ، فأجرى الله لهم بذلك رزقاً.
وروى محمد بن خلف ، عن بعض أصحابه ، قال: فكان الناس يمرون بمكة فيطعمونهم من الطعام ، ويسقونهم من الماء ). (والكافي:4/ 202).
وفي الكافي:4/201:(عن الإمام الصادق عليه السلام قال:لما ولد إسماعيل حمله إبراهيم وأمه على حمار ، وأقبل معه جبرئيل حتى وضعه في موضع الحجر ومعه شئ من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 29 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
زاد وسقاء فيه شئ من ماء ، والبيت يومئذ ربوةٌ حمراء من مَدَر فقال إبراهيم لجبرئيل عليهما السلام : هاهنا أمرت؟ قال: نعم ، قال: ومكة يومئذ سَلَمٌ وسَمَر ، وحول مكة يومئذ ناسٌ من العماليق).
وروى في الكافي:4/202عن الإمام الصادق عليه السلام رواية تختلف عن المشهور تذكر أن زمزم الأولى شحَّت فحفرها إبراهيم عليه السلام ، قال:(عن محمد بن يحيى ، وأحمد بن إدريس ، عن عيسى بن محمد بن أبي أيوب ، عن علي بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن علي بن منصور ، عن كلثوم بن عبد المؤمن الحراني ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أمر الله عز وجل إبراهيم عليه السلام أن يحج ويحج إسماعيل معه ويسكنه الحرم ، فحجَّا على جمل أحمر وما معهما إلا جبرئيل عليه السلام ، فلما بلغا الحرم قال له جبرئيل: يا إبراهيم إنزلا فاغتسلا قبل أن تدخلا الحرم ، فنزلا فاغتسلا ، وأراهما كيف يتهيئان للإحرام ففعلا ، ثم أمرهما فأهلا بالحج ، وأمرهما بالتلبيات الأربع التي لبى بها المرسلون ، ثم صار بهما إلى الصفا فنزلا وقام جبرئيل بينهما ، واستقبل البيت فكبر الله وكبرا ، وهلل الله وهللا ، وحمد الله وحمدا ، ومجَّد الله ومجَّدا ، وأثنى عليه وفعلا مثل ذلك .
وتقدم جبرئيل وتقدما ، يثنيان على الله عز وجل ويمجدانه ، حتى انتهى بهما إلى موضع الحجر فاستلم جبرئيل الحجر وأمرهما أن يستلما ، وطاف بهما أسبوعاً ، ثم قام بهما في موضع مقام إبراهيم عليه السلام فصلى ركعتين وصليا ، ثم أراهما المناسك وما يعملان به. فلما قضيا مناسكهما أمر الله إبراهيم عليه السلام بالإنصراف وأقام إسماعيل وحده ، ما معه أحد غير أمه ، فلما كان من قابل أذن الله لإبراهيم عليه السلام في الحج وبناء الكعبة ، وكانت العرب تحج إليه وإنما كان ردماً إلا أن قواعده معروفة ، فلما صدر الناس جمع إسماعيل الحجارة وطرحها في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 30 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جوف الكعبة. فلما أذن الله له في البناء قدم إبراهيم عليه السلام فقال: يا بنيَّ قد أمرنا الله ببناء الكعبة ، وكشفا عنها فإذا هو حجر واحد أحمر ، فأوحى الله عز وجل إليه ضع بناءها عليه ، وأنزل الله عز وجل أربعة أملاك يجمعون إليه الحجارة ، فكان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام يضعان الحجارة والملائكة تناولهما ، حتى تمت اثني عشر ذراعاً ، وهيئا له بابين: باباً يدخل منه وباباً يخرج منه ، ووضعا عليه عتباً وشرجاً من حديد على أبوابه.
وكانت الكعبة عريانة فصدر إبراهيم وقد سوى البيت وأقام إسماعيل ، فلما ورد عليه الناس نظر إلى امرأة من حِمْيَر أعجبه جمالها ، فسأل الله عز وجل أن يزوجها إياه ، وكان لها بعل فقضى الله على بعلها بالموت وأقامت بمكة حزناً على بعلها ، فأسلى الله ذلك عنها ، وزوجها إسماعيل .
وقدم إبراهيم الحج وكانت امرأة موفقة ، وخرج إسماعيل إلى الطائف يمتار لأهله طعاماً ، فنظرت إلى شيخ شعث ، فسألها عن حالهم فأخبرته بحسن حال ، فسألها عنه خاصة فأخبرته بحسن الدين ، وسألها ممن أنت ؟ فقالت: امرأة من حِمْيَر فسار إبراهيم ولم يلق إسماعيل ، وقد كتب إبراهيم كتاباً فقال: إدفعي هذا إلى بعلك ، إذا أتى أن شاء الله ، فقدم عليها إسماعيل فدفعت إليه الكتاب فقرأه فقال: أتدرين من هذا الشيخ ؟ فقالت: لقد رأيته جميلاً فيه مشابهة منك ، قال: ذاك إبراهيم فقالت: واسوءتاه منه فقال: ولِمَ ، نظرَ إلى شئ من محاسنك؟ فقالت: لا ولكن خفت أن أكون قد قصرت ! وقالت له المرأة وكانت عاقلة: فهلا تعلق على هذين البابين سترين ستراً من ههنا وستراً من ههنا ؟ فقال لها: نعم فعملا لهما سترين طولهما اثني عشر ذراعاً فعلقا هما على البابين فأعجبهما ذلك ، فقالت: فهلاَّ أحوكُ للكعبة ثياباً فتسترها كلها فإن هذه الحجارة سمجة ؟ فقال لها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 31 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إسماعيل: بلى ، فأسرعت في ذلك وبعثت إلى قومها بصوف كثير تستغزلهم. قال أبو عبد الله عليه السلام : وإنما وقع استغزال النساء من ذلك بعضهن لبعض لذلك ، قال: فأسرعت واستعانت في ذلك ، فكلما فرغت من شقة علقتها فجاء الموسم وقد بقي وجه من وجوه الكعبة ، فقالت لإسماعيل: كيف نصنع بهذا الوجه الذي لم تدركه الكسوة ، فكسوه خصفاً فجاء الموسم وجاءته العرب على حال ماكانت تأتيه ، فنظروا إلى أمر أعجبهم ، فقالوا: ينبغي لعامل هذا البيت أن يهدى إليه ، فمن ثَمَّ وقع الهدي ، فأتى كل فخذ من العرب بشئ يحمله من ورق ومن أشياء غير ذلك ، حتى اجتمع شئ كثير ، فنزعوا ذلك الخصف وأتموا كسوة البيت وعلقوا عليها بابين .
وكانت الكعبة ليست بمسقفة ، فوضع إسماعيل فيها أعمدة مثل هذه الأعمدة التي ترون من خشب ، وسقفها إسماعيل بالجرائد وسوَّاها بالطين ، فجاءت العرب من الحول فدخلوا الكعبة ورأوا عمارتها فقالوا: ينبغي لعامل هذا البيت أن يزاد ، فلما كان من قابل جاءه الهدي ، فلم يدر إسماعيل كيف يصنع ، فأوحى الله عز وجل إليه أن انحره وأطعمه الحاج .
قال: وشكا إسماعيل إلى إبراهيم قلة الماء ، فأوحى الله عز وجل إلى إبراهيم أن احتفر بئراً يكون منها شراب الحاج فنزل جبرئيل عليه السلام فاحتفر قليبهم يعني زمزم حتى ظهر ماؤها ثم قال جبرئيل عليه السلام :إنزل يا إبراهيم فنزل بعد جبرئيل فقال: ياإبراهيم إضرب في أربع زوايا البئر وقل بسم الله ، قال فضرب إبراهيم عليه السلام في الزاوية التي تلي البيت وقال: بسم الله فانفجرت عين ثم ضرب في الزاوية الثانية وقال: بسم الله فانفجرت عين ، ثم ضرب في الثالثة وقال: بسم الله فانفجرت عين ، ثم ضرب في الرابعة وقال: بسم الله فانفجرت عين.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 32 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال له جبرئيل:إشرب يا إبراهيم وادع لولدك فيها بالبركة ، وخرج إبراهيم عليه السلام وجبرئيل جميعاً من البئر فقال له: أفض عليك يا إبراهيم ، وطف حول البيت فهذه سقيا سقاها الله ولد إسماعيل ، فسار إبراهيم وشيَّعه إسماعيل حتى خرج من الحرم ، فذهب إبراهيم ورجع إسماعيل إلى الحرم ). انتهى .

واتهموا نبي الله هارون وموسى عليهما السلام بالشرك والمعاصي !

في قاموس الكتاب المقدس ص995: ( غير أن هارون أظهر ضعف إيمان في حالات كثيرة ، وكان أولها لما تأخر موسى وهو على الجبل مع الرب. فقد ضج الشعب وارتد عن طاعة الله ، وطلب إلى هارون أن يصنع له تماثيل آلهة ليعبدها. فصنع هارون عجل الذهب وبنى له مذبحاً ( خر/32 ). ومع هذا غفر الله له خطأه ، وأمر برسمه ، هو وذريته ، كهنة على بني إسرائيل.( خر 40: 12 - 15 ). وبذلك تأسست الكهانة اللاوية ، وأصبح هارون أول رئيس كهنة....
وكان الله كثير الإحسان لهارون بالرغم من أخطائه. وكانت آخر أخطائه أنه لم يقدس الرب إمام بني إسرائيل ، لا هو ولا موسى ، في أواخر رحلة بني إسرائيل إلى فلسطين وحينما شعر الشعب بالظمأ إمام قادش. فأمر الله بعقابهما ، بمنعهما من دخول فلسطين ، أي بموتهما قبل الوصول إليها ( عد 20: 1 - 13 ).
وغادر بنو إسرائيل قادش وأتوا إلى جبل هور ، فأمر الرب موسى أن يأخذ هارون وابنه ألعازار ، ويصعد بهما إلى الجبل وهناك يخلع ثياب هارون الكهنوتية ويلبسها لابنه. ولما نفذ هارون ذلك مات هارون ، وانضم إلى آبائه وبكاه قومه ثلاثين يوماً ( عد 20: 22 - 29 و33: 37 - 39 وتث 10: 6 ).
وكان عمره عند وفاته مئة وثلاث وعشرين سنة. ولا يزال أثر المكان الذي مات فيه محفوظاً إلى اليوم على إحدى قمتي جبل هور بالقرب من بترا. وسمي هارون
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 33 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
(قدس الرب). ( مز 106: 16 ).
وكان اليهود المتأخرون يحفظون ذكراه بإكرام. وهم يصومون تذكاراً له في اليوم الأول من شهر آب. وظلت رئاسة الكهنوت عند العبرانيين في بيت هارون إلى دمار أورشليم والهيكل في سنة 70 م ).

واتهموا أنبياء الله عليهم السلام بالحيل والدجل والبلاهة !

في التوراة والإنجيل ص47:(27-1. ولما شاخ إسحق وضعف بصره استدعى ابنه الأكبر عيسو وقال له: يا بني 2. ها أنا قد شخت ولست أعرف متى يحين يوم وفاتي. 3. فالأن خذ عدتك:جعبتك وقوسك ، وامض إلى البرية واقتنص لي صيداً. 4. وجهز لي طعاماً شهياً كما أحب وائتني به لآكل ، لتباركك نفسي قبل أن أموت. 5. وسمعت رفقة حديث إسحق لابنه عيسو. فعندما انطلق عيسو إلى البرية ليصطاد صيداً ويأتي به. 6. قالت رفقة لابنها يعقوب: سمعت أباك يقول لعيسو أخيك 7. إقتنص لي صيداً ، وجهز لي أطعمة شهية لآكل وأباركك إمام الرب قبل موتي. 8. والأن يا بني أطع قولي في ما آمرك به ، 9. واذهب إلى قطيع الماشية ، واختر جديين لأجهز لأبيك أطعمة شهية كما يحب ! 10. تقدمها لأبيك ليأكل ، فيباركك قبل وفاته. 11. فقال يعقوب لرفقة أمه: أخي عيسو رجل أشعر ، وأنا رجل أملس. 12. وقد يجسني أبي فيتبين خداعي ، وأستجلب على نفسي لعنة لا بركة. 13. فقالت له أمه: لعنتك عليَّ يا بنيَّ ، فأطع قولي فقط ، واذهب وأحضر الجديين لي. 14. فذهب واختارهما وأحضرهما لأمه ، فأعدت رفقة الأطعمة المطيبة كما يحب أبوه 15. وتناولت ثياب بكرها عيسو الفاخرة الموجودة عندها في البيت وألبست يعقوب ابنها الأصغر ، 16. وكذلك غطت يديه وملاسة عنقه بجلد الجديين. 17. وأعطته ما أعدته من الأطعمة الشهية
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 34 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والخبز. 18. فأقبل على أبيه وقال: يا أبي. فأجابه: نعم يا ابني من أنت ؟ 19. فقال يعقوب: أنا عيسو بكرك. وقد فعلت كما طلبت ، والأن قم واجلس وكل من صيدي حتى تباركني.20. فقال إسحق: كيف استطعت أن تجد صيداً بمثل هذه السرعة يا ولدي؟ فأجابه: لأن الرب إلهك قد يسر لي ذلك. 21. وقال إسحق: إقترب مني لأجسك يا ابني لأرى أن كنت حقاً ابني عيسو أم لا. 22. فدنا يعقوب من أبيه إسحق فجسه وقال: الصوت صوت يعقوب ، أما اليدان فهما يدا عيسو. 23. ولم يعرفه لأن يديه كانتا مشعرتين كيدي أخيه عيسو ، فباركه !! 24. وسأل: هل أنت ابني عيسو ؟ فأجاب: أنا هو. 25. ثم قال: قدم لي من صيدك حتى آكل وأباركك. فأحضر يعقوب إليه الطعام فأكل ثم قدم له خمراً فشرب ، 26. فقال له إسحق أبوه: تعال وقبلني يا ولدي. 27 فاقترب منه وقبله ، فتنسم رائحة ثيابه وباركه قائلاً: ها أن رائحة ابني كرائحة حقل باركه الرب ، 28. فلينعم عليك الرب من ندى السماء ومن خيرات الأرض ، فيكثر لك الحنطة والخمر. 29. لتخدمك الشعوب ، وتسجد لك القبائل ، لتكن سيداً على إخوتك. وبنو أمك لك ينحنون. وليكن لاعنوك ملعونين ، ومباركوك مباركين.
30. ولما فرغ إسحق من مباركة يعقوب ، وخرج يعقوب من عند أبيه ، رجع عيسو من صيده ، 31. فجهز هو أيضاً أطعمة طيبة وأحضرها إلى أبيه وقال: ليقم أبي ويأكل من صيد ابنه فتباركني نفسك. 32. فقال إسحق: من أنت ؟ فأجابه: أنا ابنك بكرك عيسو. 33. فارتعد إسحق بعنف وقال: من هو إذا الذي اصطاد صيداً وأحضره إليَّ فأكلت من الكل قبل أن تجئ ، وباركته ؟ وحقاً يكون مباركاً. 34. فما أن سمع عيسو كلام أبيه حتى أطلق صرخة هائلة ومرة جداً وقال: باركني أنا أيضاً يا أبي. 35. فأجاب: لقد مكر بي أخوك وسلب بركتك ! 36. فقال: ألم يدع
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 35 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
اسمه يعقوب ؟ لقد تعقبني مرتين: أخذ بكوريتي ، وها هو يسلبني الآن بركتي. ثم قال: أما احتفظت لي ببركة ؟ 37. فأجاب إسحق: لقد جعلته سيداً لك ، وصيرت جميع إخوته له خداماً ، وبالحنطة والخمر أمددته. فماذا أفعل لك الآن يا ولدي ؟. 38. فقال عيسو: ألك بركة واحدة فقط يا أبي؟ باركني أنا أيضاً يا أبي. وأجهش عيسو بالبكاء بصوت عال. 39. فأجابه أبوه: ها مسكنك يكون في أرض جدباء لايهطل عليها ندى السماء. 40. بسيفك تعيش ولأخيك تكون عبداً ، ولكن حين تجمح تحطم نيره عن عنقك.
41. وحقد عيسو على يعقوب من أجل ما ناله من بركة أبيه. فناجى نفسه: قريباً يموت أبي ، وبعدئذ أقتل أخي يعقوب. 42. فبلغ رفقة وعيد عيسو ابنها الأكبر ، فأرسلت واستدعت يعقوب ابنها الأصغر وقالت له: عيسو يخطط لقتلك. 43. والأن يا ابني إصغ لقولي ، وقم اهرب إلى أخي لابان إلى حاران ، 44 وامكث عنده أياماً قلائل ريثما يهدأ سخط أخيك. 45. ومتى سكن غضبه ونسي ما صنعت به ، عندئذ أبعث إليك لتعود من هناك )!!

واتهموا يوشع عليه السلام بأنه ختن اليهود بسكاكين من حجر الصوان !

في قاموس الكتاب المقدس ص337: (7: 22. والختان من الشعائر المعروفة في اليهودية ، وهو قطع لحم غرلة كل ذكر ابن ثمانية أيام... وقد ختن إبراهيم وهو في التاسعة والتسعين وإسماعيل وهو في الثالثة عشرة. ( تك 17: 11 - 27 ).
ثم تجددت سنة الختان لموسى( لا 12: 3 ) فقضي أن لا يأكل الفصح رجل أغرل. وكان اليهود يحافظون كل المحافظة على هذه السنة وقد أهملوها أثناء رحلتهم في البرية. على أنه عند دخول الشعب أرض كنعان صنع يشوع سكاكين من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 36 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الصوان وختن الشعب كله). ( يشوع 5: 2 - 9 ).

وافتروا على سليمان عليه السلام أنه أشرك بالله تعالى

في التوراة/554: (9. فغضب الرب على سليمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل الذي تراءى له مرتين 10. وأوصاه في هذا الأمر أن لا يتبع آلهة أخرى فلم يحفظ ما أوصى به الرب. 11. فقال الرب لسليمان من أجل أن ذلك عندك ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها فإني أمزق المملكة عنك تمزيقاً وأعطيها لعبدك ). انتهى.

النتائج الخطيرة لتخريب اليهود لعقيدة العدل والعصمة

لهذا العمل اليهودي دلالات مهمة ونتائج خطيرة بل مهولة ، في عقائد اليهود وحياتهم ، في تعاملهم مع ربهم وأنبيائهم عليهم السلام ، ومع الشعوب الإخرى!
فمنها: أنه يكشف سبب التعقيد فيهم ، والذي تحول من صفة في الشخص اليهودي المنحرف ، إلى صفة في الجماعة اليهودية كلها ، إلا من عصم الله .
فإن كنت تعتقد أن رب العالمين خالق السماوات والأرضين ، يعامل عباده
بالغضب والظلم والإنتقام ، ويفتقر إلى العلم المطلق ، والحكمة المطلقة ، والرحمة المطلقة.. فمن الطبيعي أن تتأصل في نفسك الذاتية ، وتشعر أنك موجودٌ في مقابل خالقه ، ليس المهم عنده عبادة ربه وطاعته وكسب فيض رحمته ، بل المهم أن يستعمل الحيَل مع ربه لحماية نفسه منه ، وكسب ما يمكنه منه ! وهذا هو التعقيد في الشخصية في أعمق حالاته !
وإذا كان رب العالمين معاذ الله كذلك ، وكان الأنبياء عليهم السلام جماعة أنانيين شهوانيين ، يسيؤون استعمال السلطة والبركة التي أعطاهم إياها ! فماذا عسى أن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 37 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يكون اليهودي العادي ؟!!
ومنها: أنه يكشف منشأ نظرتهم الدونية إلى أنفسهم فضلاً عن غيرهم ، فعقيدة أنهم شعب الله المختار لاتقلل من عقيدة الدونية ! فما دام أنبياءهذا الشعب سيؤون ذميمون ، فصفات عامة الشعب أحط منها وأسوأ بكثير !
ومنها: أن نعرف سبب عقيدتهم بدونية الشعوب ، فمن كانت هذه عقيدته إلى أنبيائه عليهم السلام ونفسه ، فلا عجب أن تكون نظرته إلى بقية شعوب العالم بأنهم حمير خلقهم الله ليركبهم أبناء الشعب اليهودي ؟!
ومنها: أنه يكشف سبب حرصهم على نشر النظرة الدونية إلى الإنسان في العالم ، التي تزعم أن الإنسان حيوان يحركه الجنس لا أكثر !
ولذا كان دارون وفرويد اليهوديان أبطالاً قوميين عند اليهود ! لايتكارهما نظريات تساعد في تركيز النظرة اليهودية في ثقافة شعوب العالم !
ومنها: أنا بذلك نضع يدنا على فعالية أحبار يهود المدينة وخيبر والشام واليمن ، ونابغتهم كعب الأحبار ، في تخريب عقيدة المسلمين في صفات الله تعالى والطعن في عدالته ، ونفيهم لعصمة الأنبياء عليهم السلام ، وخاصة نبينا صلى الله عليه وآله فإن أول هدف وأهمه عند اليهودي أن يجعلك مثله تنتقد الله تعالى ورسله ، وتطول لسانك عليهم ، فبذلك تقف معه على الطريق الذي يريده لك !
راجع ماكتبناه في(ألف سؤال وإشكال:1/485) عن دور كعب في تخريب عقائد المسلمين وزرع اليأس في نفوسهم من المستقبل ، وزعمه حتمية انتهاء الإسلام وفناء أمته ، وهدم الكعبة وخراب مكة ، خراباً لاتسكن بعده أبداً !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 38 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 39 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الثاني : امتياز الشيعة عن اليهود والسنة بعقيدة العصمة التامة

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 40 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 41 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

نؤمن بالعدالة المطلقة لله تعالى والعصمة التامة للأنبياءوالأئمة عليهم السلام

امتاز الشيعة عن غيرهم من جميع مذاهب المسلمين وأهل الأديان الأخرى بأنهم يعتقدون بالعدالة الكاملة لله تعالى ، والعصمة الكاملة لأنبيائه وأوصيائه عليهم السلام وينزهونهم عن جميع المعاصي والرذائل ، طوال أعمارهم الشريفة ، قبل البعثة والإمامة وبعدها ، سواء في تبليغ الرسالة وعقائدها وأحكامها ، أو في غيره من سلوكهم الشخصي والعام .
وقد عرَّف الإمام الصادق عليه السلام العصمة كما في معاني الأخبار للصدوق: ص132:
(حدثنا علي بن الفضل بن العباس البغدادي بالري المعروف بأبي الحسن الحنوطي ، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد بن سليمان بن الحارث ، قال: حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار قال: حدثنا حسين الأشقر قال: قلت لهشام بن الحكم: ما معنى قولكم: أن الإمام لا يكون إلا معصوماً ؟ فقال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال: المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم الله ، وقال الله تبارك وتعالى: ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ).
وفي معاني الأخبار ص132: (حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المقري قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر المقري الجرجاني قال: حدثنا أبو بكر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 42 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
محمد بن الحسن الموصلي ببغداد ، قال: حدثنا محمد بن عاصم الطريفي ، قال: حدثنا عباس بن يزيد بن الحسن الكحال مولى زيد بن علي قال: حدثني أبي قال: حدثني موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام قال: الإمام منا لايكون إلا معصوماً ، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ، ولذلك لايكون إلا منصوصاً.
فقيل له: يا ابن رسول الله فما معنى المعصوم ؟ فقال: هو المعتصم بحبل الله ، وحبل الله هو القرآن لايفترقان إلى يوم القيامة ، والإمام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام ، وذلك قول الله عز وجل: " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)" .
وفي معاني الأخبار ص132: (حدثنا محمد بن علي ماجيلوية- رحمه الله - قال حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير قال: ما سمعت ولا استفدت من هشام بن الحكم في طول صحبتي له شيئاً أحسن من هذا الكلام في صفة عصمة الإمام ، فإني سألته يوماً عن الإمام أهو معصوم؟ فقال: نعم. فقلت: فما صفة العصمة فيه؟ وبأي شئ تعرف؟ فقال: إن جميع الذنوب لها أربعة أوجه ولا خامس لها: الحرص والحسد والغضب والشهوة ، فهذه منفية عنه لا يجوز أن يكون حريصاً على هذه الدنيا وهي تحت خاتمه لأنه خازن المسلمين ، فعلى ماذا يحرص ؟ ولا يجوز أن يكون حسوداً لأن الإنسان إنما يحسد من فوقه وليس فوقه أحد ، فكيف يحسد من هو دونه ؟ ولا يجوز أن يغضب لشئ من امور الدنيا إلا أن يكون غضبه لله عز وجل ، فإن الله عز وجل قد فرض عليه إقامة الحدود وأن لا تأخذه في الله لومة لائم ولا رأفة في دينه حتى يقيم حدود الله عز وجل ، ولا يجوز له أن يتبع الشهوات ويؤثر الدنيا على الآخرة لأن الله عز وجل حبب إليه الآخرة كما حبب إلينا الدنيا فهو ينظر إلى الآخرة كما ننظر إلى الدنيا فهل رأيت أحداً ترك وجهاً حسناً لوجه قبيح وطعاماً طيباً لطعام مر وثوباً لينا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 43 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لثوب خشن ونعمةً دائمةً باقية لدنيا زائلة فانية). (ورواه في علل الشرائع:1/204. وأمالي الصدوق/731:والخصال/215 )
وهذا الإمتياز معروف للجميع عن الشيعة ، من عصر النبي والأئمة عليهم السلام .
قال الرازي في تفسيره:3/7: ( واختلف الناس على ثلاثة أقوال:
أحدها: قول من ذهب إلى أنهم معصومون من وقت مولدهم ، وهو قول الرافضة.
وثانيها: قول من ذهب إلى عصمتهم وقت بلوغهم ، ولم يجوزوا منهم ارتكاب الكفر والكبيرة قبل النبوة ، وهو قول كثير من المعتزلة .
وثالثها: قول من ذهب إلى أن ذلك (يعني ارتكاب الكفر والكبيرة) لايجوز وقت النبوة أما قبلها فجائز ، وهو قول أكثر أصحابنا ، وقول أبي الهذيل العلاف ، وأبي علي من المعتزلة ).
وقال أيضاً في عصمة الأنبياءص8: (وقد اختلفوا فيه على خمسة مذاهب:
( الأول): الحشوية وهو أنه يجوز عليهم الإقدام على الكبائر والصغائر.
(الثاني): أنه لايجوز منهم تعمد الكبيرة البتة ، وأما تعمد الصغيرة فهو جائز بشرط أن لا تكون منفراً ، وأما أن كانت منفراً فذلك لايجوز عليهم ، مثل التطفيف بما دون الحبة ، وهو قول أكثر المعتزلة.
(الثالث) أنه لا يجوز عليهم تعمد الكبيرة والصغيرة ، ولكن يجوز صدور الذنب منهم على سبيل الخطأ في التأويل ، وهو قول أبي على الجبائى
(الرابع): أنه لايجوز عليهم الكبيرة ولا الصغيرة ، لا بالعمد ولا بالتأويل والخطأ. أما السهو والنسيان فجائز، ثم إنهم يعاتبون على ذلك السهو والنسيان لما أن علومهم أكمل ، فكان الواجب عليهم المبالغة في التيقظ ، وهو قول أبي إسحاق إبراهيم بن سيار النظام.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 44 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
(الخامس): أنه لا يجوز عليهم الكبيرة ولا الصغيرة ، لا بالعمد ولا بالتأويل ، ولا بالسهو والنسيان. وهذا مذهب الشيعة ).
وقال في تفسيره:18/9: (وعندنا العصمة إنما تعتبر في وقت النبوة لاقبلها).
وهذه النصوص من عالم سني مشهود له بالعمق والدقة ، تكشف لنا أنه لم ينج من التأثر بالتهم اليهودية للأنبياء عليهم السلام إلا الشيعة ، أتباع العترة النبوية الطاهرة صلوات الله عليهم .
كما تكشف لنا خريطة التأثير اليهودي بنسب متفاوتة على فئات المسلمين في تنقيصهم من مقام الأنبياء عليهم السلام ، مع الإلتفات إلى أن ماذكره الرازي هو القدر المتبنى رسمياً في فتاوى علمائهم وعقائدهم ، أما في مصادرهم الصحيحة فهي حافلة بأنواع الطعن في عصمة الأنبياء عليهم السلام وعدالتهم واتهامهم في سلوكهم الشخصي ، وحتى في تبليغهم للرسالة !
وسبب ذلك ما نشره اليهود فيهم من مفاهيم وقصص انتقاص الأنبياء عليهم السلام ! وإن حكومات الخلافة القرشية شجعت تلك الروايات وجعلت مجالسها مجالس رسمية في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وغيره من مساجد المسلمين ، وأعطت رواتها مناصب علياً في الدولة !
كما أنها شجعت على روايات الإنتقاص من نبينا صلى الله عليه وآله لتبرير عمل الخلفاء ، ورفعهم إلى صف النبي صلى الله عليه وآله ، بل تفضيلهم عليه أحياناً ، كما سيأتي !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 45 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الثالث : من أحاديث الشيعة في عصمة الأنبياء والأئمة عليهم السلام عصمة تامة

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 46 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 47 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

من شرائع ديننا عصمة الأنبياءوالأوصياء عليهم السلام

في الخصال للصدوق ص603: (حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي ، وأحمد بن الحسن القطان ، ومحمد بن أحمد السناني ، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب ، وعبد الله بن محمد الصائغ ، وعلي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهم قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال: حدثنا تميم بن بهلول قال: حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال:
(هذه شرائع الدين لمن أراد أن يتمسك بها وأراد الله هداه:
إسباع الوضوء كما أمر الله عز وجل في كتابه الناطق ، غسل الوجه واليدين إلى المرفقين ، ومسح الرأس والقدمين إلى الكعبين ، مرة مرة. ومرتان جائز.... وهو حديث طويل تضمن أهم أحكام الوضوء والأغسال والفرائض والنوافل وصلاة الجماعة ، وأحكام الزكاة... وجاء فيه قوله عليه السلام :
وبر الوالدين واجب ، فإن كانا مشركين فلا تطعهما ولا غيرهما في المعصية ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. والأنبياءوالأوصياء عليهم السلام لاذنوب لهم ، لأنهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 48 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
معصومون مطهرون... الى أن قال عليه السلام : ولا يفرض الله عزوجل على عباده طاعة من يعلم أنه يغويهم ويضلهم ، ولا يختار لرسالته ولا يصطفى من عباده من يعلم أنه يكفر به ويعبد الشيطان دونه ، ولا يتخذ على خلقه حجة إلا معصوماً. والإسلام غير الإيمان وكل مؤمن مسلم ، وليس كل مسلم مؤمن...الخ.).
وفي أمالي الصدوق ص738: (المجلس الثالث والتسعون ، مجلس يوم الجمعة الثالث عشر من شعبان سنة ثمان وستين وثلاثمائة:
واجتمع في هذا اليوم إلى الشيخ الفقيه أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي(رض)، أهل مجلسه والمشايخ ، فسألوه أن يملي عليهم وصف دين الإمامية على الإيجاز والإختصار ، فقال رضي الله عنه:
دين الإمامية هو الإقرار بتوحيد الله تعالى ذكره ونفي التشبيه عنه ، وتنزيهه عما لا يليق به ، والإقرار بأنبياءالله ورسله وحججه وملائكته وكتبه ، والإقرار بأن محمداً صلى الله عليه وآله هو سيد الأنبياءوالمرسلين ، وأنه أفضل منهم ومن جميع الملائكة المقربين ، وأنه خاتم النبيين ، فلا نبي بعده إلى يوم القيامة ، وإن جميع الأنبياءوالرسل والأئمة عليهم السلام أفضل من الملائكة ، وأنهم معصومون مطهرون من كل دنس ورجس، لا يهمون بذنب صغير ولا كبير ولا يرتكبونه، وأنهم أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء.
وإن الدعائم التي بني الإسلام عليها خمس: الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، وولاية النبي والأئمة صلوات الله عليهم بعده ، وهم اثنا عشر إماماً ، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم الباقر محمد بن علي ، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم الكاظم موسى بن جعفر ، ثم الرضا علي بن موسى ، ثم الجواد محمد بن علي ، ثم الهادي علي بن محمد ، ثم العسكري الحسن بن علي ، ثم الحجة بن الحسن بن علي، عليهم السلام ، والإقرار
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 49 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بأنهم أولوا الأمر الذين أمر الله عز وجل بطاعتهم، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أطيعوا اللهَ وَأطيعوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ ) (النساء:59) وإن طاعتهم طاعة الله ، ومعصيتهم معصية الله ، ووليهم ولي الله ، وعدوهم عدو الله عز وجل. ومودة ذرية النبي صلى الله عليه وآله إذا كانوا على منهاج آبائهم الطاهرين فريضةٌ واجبةٌ في أعناق العباد إلى يوم القيامة ، وهي أجر النبوة ، لقول الله عز وجل: ( قُلْ لاأَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلاالْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(الشورى:23) والإقرار بأن الإسلام هو الإقرار بالشهادتين ، والإيمان هو إقرار باللسان ، وعقد بالقلب ، وعمل بالجوارح ، لا يكون الإيمان إلا هكذا ، ومن شهد الشهادتين فقد حقن ماله ودمه إلا بحقها ، وحسابه على الله عز وجل).
وفي التوحيد للصدوق ص118: (حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه محمد بن خالد ، عن أحمد بن النضر ، عن محمد بن مروان ، عن محمد بن السائب ، عن أبي الصالح ، عن عبد الله بن عباس في قوله عزوجل: فَلَمَّا أفاق قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وأنا أول الْمُؤْمِنِينَ ، قال: يقول سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ من أن أسألك الرؤية وأنا أول الْمُؤْمِنِينَ بأنك لا ترى .
قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه:
إن موسى عليه السلام علم أن الله عز وجل لايجوز عليه الرؤية ، وإنما سأل الله عز وجل أن يريه ينظر إليه عن قومه حين ألحوا عليه في ذلك ، فسأل موسى ربه ذلك من غير أن يستأذنه فقال: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إلى الْجَبَلِ فإن اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ في حال تزلزله فَسَوْفَ تَرَانِي ، ومعناه إنك لا تراني أبداً ، لأن الجبل لايكون ساكناً متحركاً في حال أبداً، وهذا مثل قوله عزوجل: وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 50 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ، ومعناه أنهم لا يدخلون الجنة أبداً ، كما لايلج الجمل في سم الخياط أبداً .
فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ، أي ظهر للجبل بآية من آياته ، وتلك الآية نور من الأنوار التي خلقها ألقى منها على ذلك الجبل جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً ، من هول تزلزل ذلك الجبل على عظمه وكبره .
فَلَمَّا أفاق قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ ، أي رجعت إلى معرفتي بك عادلاً عما حملني عليه قومي من سؤالك الرؤية ، ولم تكن هذه التوبة من ذنب لأن الأنبياءلا يذنبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً ، ولم يكن الإستيذان قبل السؤال بواجب عليه ، لكنه كان أدباً يستعمله ويأخذ به نفسه متى أراد أن يسأله ، على أنه قد روي قوم أنه قد استأذن في ذلك فأذن له ، ليعلم قومه بذلك أن الرؤية لا تجوز على الله عزوجل .
وقوله: وأنا أول الْمُؤْمِنِينَ ، يقول: وأنا أول المؤمنين من القوم الذين كانوا معه وسألوه أن يسأل ربه أن يريه ينظر إليه ، بأنك لا ترى .

وجوب طاعة الأنبياءوالأوصياء عليهم السلام تستوجب عصمتهم

في علل الشرائع للصدوق:1/123: (حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل(رض) قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن ابن أذينة ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس قال سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: إنما الطاعة لله عز وجل ولرسوله ولولاة الأمر، وإنما أمر بطاعة أولي الأمرلأنهم معصومون مطهرون لايأمرون بمعصيته ).
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 51 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي الخصال ص139: (حدثنا أبي(رض)قال: حدثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن عمر بن أذينة. عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت أمير المؤمنين علياً عليه السلام يقول: إحذروا على دينكم ثلاثة: رجلاً قرأ القرآن حتى إذا رأيت عليه بهجته ، اخترط سيفه على جاره ورماه بالشرك !
فقلت: يا أمير المؤمنين أيهما أولى بالشرك ؟ قال: الرامي .
ورجلاً استخفته الأحاديث ، كلما أُحدثت أحدوثة كذب مدَّها بأطول منها !
ورجلاً آتاه الله عز وجل سلطاناً فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله ! وكذبَ لأنه لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق ، لاينبغي للمخلوق أن يكون حبه لمعصية الله ، فلا طاعة في معصيته ولا طاعة لمن عصى الله ، إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر ، وإنما أمر الله عز وجل بطاعة الرسول لأنه معصوم مطهر ، لايأمر بمعصيته ، وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لايأمرون بمعصيته ).

ضرورة بعثة الأنبياء عليهم السلام تستوجب عصمتهم

في الكافي:1/168عن الإمام الصادق عليه السلام قال:(إنا لما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً ، لم يجز أن يشاهده خلقه ولايلامسوه فيباشرهم ويباشروه ، ويحاجهم ويحاجوه، ثبت أن له سفراء في خلقه ، يُعَبِّرون عنه إلى خلقه وعباده ، ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم، فثبت الأمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبِّرون عنه جلَّ وعز ، وهم الأنبياء عليهم السلام وصفوته من خلقه ، حكماء مؤدبين بالحكمة ، مبعوثين بها ، غير مشاركين للناس- على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب- في شئ من أحوبالهم ، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة. ثم ثبت ذلك في كل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 52 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
دهر وزمان مما أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين لكي لاتخلو أرض الله من حجة ، يكون معه عَلَم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته ). انتهى .
وقال الوحيد الخراساني في شرح هذا الحديث في منهاج الصالحين:1/64:
(ومعناه أن كل فعل وترك وحركة وسكون يصدر من الإنسان ، إما أن يكون نافعاً لدنياه وآخرته ، أو ضاراً ، أو غير نافع ولا ضار ، وعلى كل الفروض يحتاج الإنسان إلى معرفة ما هو النافع وما هو الضار وما هو المصلح والمفسد لدنياه وآخرته ، وهذه المعرفة لا تتيسر إلا من عند من هو خبير بالرابطة التي بين الأفعال والتروك وصلاح الإنسان وفساده ، ومحيطٌ بتأثير الحركات والسكنات في حياة الإنسان في الدنيا والآخرة ، وإنما هو خالق الإنسان وخالق الدنيا والآخرة سبحانه. ولما كانت حكمته تعالى تستوجب أن يدل عباده على ذلك ، وكانت دلالته عليه بدون واسطة غير ممكنة لتعاليه عن مباشرتهم ومخاطبتهم ، فلا بد من سفراء مختارين (يدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم).
وهذا البرهان يمتاز من جهات عما برهن به الفلاسفة على ضرورة النبوة ، الذي اعتمد على قاعدة أن الإنسان مدني بالطبع فيحتاج إلى قوانين عادلة لمعاملاته وعلاقاته الاجتماعية ، فإن دليلهم مختص بالحياة الاجتماعية على الأرض ، بينما دليل الإمام عليه السلام يشمل عموم مصالح الإنسان ومضاره في كل عوالم الوجود).

العصمة من أول صفات الإمام عليه السلام

في الخصال ص428: (حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي(رض) قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 53 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال: حدثنا تميم بن بهلول قال: حدثنا أبو معاوية ، عن سليمان بن مهران ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام قال: عشر خصال من صفات الإمام: العصمة ، والنصوص ، وإن يكون أعلم الناس ، وأتقاهم لله ، وأعلمهم بكتاب الله ، وإن يكون صاحب الوصية الظاهرة ، ويكون له المعجز والدليل ، وتنام عينه ولا ينام قلبه ، ولا يكون له فئٌ ، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه).

أحاديث نَصَّتْ على إمامة الأئمة الإثني عشر عليهم السلام وعصمتهم

في أمالي الصدوق ص574: (حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله قال:حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثنا جعفر بن سلمة الأهوازي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن إبراهيم بن موسى بن أخت الواقدي قال: حدثنا أبو قتادة الحراني ، عن عبد الرحمن بن العلاء الحضرمي، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عباس قال: أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان جالساً ذات يوم وعنده عليٌّ وفاطمةُ والحسنُ والحسينُ فقال: اللهم إنك تعلم أن هؤلاء أهل بيتي وأكرم الناس عليَّ فأحبب من أحبَّهم وأبغض من أبغضهم ، ووال من والأهم وعاد من عاداهم ، وأعن من أعانهم. واجعلهم مطهرين من كل رجس ، معصومين من كل ذنب ، وأيدهم بروح القدس.
ثم قال: يا عليُّ أنت إمام أمتي، وخليفتي عليها بعدي ، وأنت قائد المؤمنين إلى الجنة ، وكأني أنظر إلى ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور ، عن يمينها سبعون ألف ملك ، وعن يسارها سبعون ألف ملك ، وبين يديها سبعون ألف ملك ، وخلفها سبعون ألف ملك ، تقود مؤمنات أمتي إلى الجنة ، فأيما امرأة صلت في اليوم والليلة خمس صلوات ، وصامت شهر رمضان ، وحجت بيت الله الحرام ، وزكت مالها ، وأطاعت زوجها ، ووالت علياً بعدي ، دخلت الجنة بشفاعة ابنتي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 54 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فاطمة ، وإنها لسيدة نساء العالمين.
فقيل له: يا رسول الله أهي سيدة نساء عالمها ؟ فقال النبي: ذاك لمريم بنت عمران، فأما ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والإخرين ، وإنها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون: يا فاطمة (إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ. ثم التفت إلى عليٍّ فقال: يا عليُّ ، أن فاطمة بضعة مني ، وهي نور عيني ، وثمرة فؤادي ، يسوءني ما ساءها ، ويسرني ما سرها ، وإنها أول من يلحقني من أهل بيتي فأحسن إليها بعدي.
وأما الحسن والحسين فهما ابناي وريحانتاي ، وهما سيدا شباب أهل الجنة ، فليكرما عليك كسمعك وبصرك. ثم رفع, يده إلى السماء ، فقال: اللهم إني أشهدك أني محب لمن أحبهم ، ومبغض لمن أبغضهم ، وسلم لمن سالمهم ، وحرب لمن حاربهم ، وعدو لمن عاداهم ، وولي لمن والأهم ).
وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام :2/65: (حدثنا على بن عبد الله الوراق الرازي قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا الهيثم بن أبي مسروق النهدي ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباته ، عن عبدالله بن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أنا وعليٌّ والحسنُ والحسينُ وتسعةٌ وُلْدِ الحسين ، مطهرون معصومون ). ( ورواه أيضاً في كمال الدين ص280 ، وفي كفاية الأثر ص19) .
وفي دلائل الإمامة للطبري الشيعي ص506: (أخبرني أبو القإسم عبد الباقي بن يزداد بن عبد الله البزاز قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد الثعالبي قراءة في يوم الجمعة مستهل رجب سنة سبعين وثلاثمائة ، قال: أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن يحيى العطار ، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي ، من حديث
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 55 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
طويل ، قال:
كنت أمرءً لَهِجاً بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقها ، كَلِفاَ باستظهار ما يصح من حقائقها ، مغرماً بحفظ مشتبهها ومستغلقها ، شحيحاً على ما أظفر به من معاضلها ومشكلاتها ، ومتعصباً لمذهب الإمامية ، راغباً عن الأمن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم ، والتعدي إلى التباغض والتشاتم ، معيباً للفرق ذوي الخلاف ، كشافاً عن مثالب أئمتهم ، هتاكاً لحجب قادتهم.
إلى أن بليت بأشد النواصب منازعة ، وأطولهم مخاصمة ، وأكثرهم جدالاً ، وأقشعهم سؤالاً ، وأثبتهم على الباطل قدماً. فقال ذات يوم وأنا أناظره:
تباً لك يا سعد ولأصحابك ، إنكم معشر الرافضة تقصدون على المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما....
وكنت قد اتخذت طوماراً ، وأثبت فيه نيفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل التي لم أجد لها مجيباً ، على أن أسأل عنها خير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد عليه السلام فارتحلت خلفه ، وقد كان خرج قاصداً نحو م ولأي بسر من رأى ، فلحقته في بعض المناهل ، فلما تصافحنا قال: لخير لحاقك بي ؟ قلت: الشوق ، ثم العادة في الأسئلة. قال: قد تكافأنا على هذه الخطة الواحدة ، فقد برح بي الشوق إلى لقاء مولانا أبي محمد عليه السلام ، وأريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ومشاكل من التنزيل ، فدونكها الصحبة المباركة ، فإنها تقف بك على ضفة بحر لاتنقضي عجائبه ، ولا تفنى غرائبه ، وهو إمامنا.
فوردنا سر من رأى فانتهينا منها إلى باب سيدنا عليه السلام ، فاستأذنا فخرج إلينا الإذن بالدخول عليه ، وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطاه بكساء طبري ، فيه ستون ومائة صرة من الدنانير والدارهم ، على كل صرة ختم صاحبها.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 56 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال سعد: فما شبهت مولانا أبا محمد عليه السلام حين غشينا نور وجهه إلا ببدر قد استوفى من لياليه أربعاً بعد عشر ، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر ، على رأسه فرق بين وفرتين ، كأنه ألف بين واوين ، وبين يدي مولانا عليه السلام رمانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها ، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة ، وبيده قلم ، إذا أراد أن يسطر به على البياض قبض الغلام على أصابعه ، وكان مولانا عليه السلام يدحرج الرمانة بين يديه ويشغله بردها لئلا يصده عن كتبة ما أراد ، فسلَّمنا عليه فألطف في الجواب ، وأومأ إلينا بالجلوس ، فلما فرغ من كتابة البياض الذي كان بيده ، أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طيِّ كسائه ، فوضعه بين يدي مولانا فنظر أبو محمد عليه السلام إلى الغلام وقال: يا بني ، فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك.
فقال: يا م ولأي ، أيجوز لي أن أمد يداً طاهرة إلى هدايا نجسة ، وأموال رجسة قد شيب أحلها بأحرمها ؟!
فقال مولانا عليه السلام : يا بن إسحاق ، استخرج ما في الجراب ليميز بين الأحل منها والأحرم. فأول صرة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام: هذه لفلأن بن فلأن من محلة كذا بقم ، تشتمل على اثنين وستين ديناراً ، فيها من ثمن حجرة باعها وكانت إرثاً له من أبيه خمسة وأربعون ديناراً ، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر ديناراً ، وفيها من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير .
فقال مولانا عليه السلام : صدقت يا بني ، دُلَّ الرجل على الحرام منها....
قال أحمد (رواي الحديث عن سعد): وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته. فلما انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إلي مولانا أبو محمد عليه السلام فقال: ما جاء بك يا سعد؟ فقلت: شوقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا. فقال:
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 57 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والمسائل التي أردت أن تسأله عنها ؟ قلت: على حالتها يا مولاي. فقال: سل قرة عيني ، وأومأ إلى الغلام ، عما بدا لك منها.
فقلت: مولانا وابن مولانا ، أنا روينا عنكم أن رسول الله صلى الله عليه وآله جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين صلوات الله عليه حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة: "إنك قد أرهجت على الإسلام وأهله بفتنتك ، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك ، فإن كففت عني غربك وإلا طلقتك". ونساء رسول الله صلى الله عليه وآله قد كان طلاقهن بوفاته ؟!
قال عليه السلام : ما الطلاق؟ قلت: تخلية السبيل. قال:فإذا كنَّ بوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله قد خُلِّيَ سبيلهنَّ، فلِمَ لايحلُّ لهنَّ الأزواج؟ قلت: لأن الله حرم الأزواج عليهن قال: كيف وقد خلَّى الموت سبيلهن ؟ قلت فأخبرني يا بن م ولأي عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله صلى الله عليه وآله حكمه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ؟
قال: إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي صلى الله عليه وآله فخصهن بشرف الأمهات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أبا الحسن ، إن هذا الشرف باق لهن ما دُمْنَ لله على الطاعة ، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك ، فأطلق لها في الأزواج وأسقطها من شرف الأمهات ومن شرف أمومة المؤمنين.....
قلت: فأخبرني يا م ولأي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم؟ قال: مصلحٌ أو مفسد؟ قلت: مصلح. قال: هل يجوز أن تقع خيرتهم على الفساد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد ؟
قلت: بلى. قال: فهي العلة أوردها لك ببرهان ينقاد له عقلك: أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل عليهم علمه ، وأيدهم بالوحي والعصمة ، إذ هم أعلام الأمم ، وأهدى إلى الإختيار منهم ، مثل موسى وعيسى عليهما السلام ، هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما ، إذا هما بالإختيار أن تقع خيرتهما على المنافق ، وهما
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 58 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يظنان أنه مؤمن ؟ قلت: لا .
قال عليه السلام : فهذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ، اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلاً ، ممن لم يشك في إيمانهم وإخلاصهم ، فوقعت خيرته على المنافقين ، قال الله عز وجل: وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رجلاً لِمِيقَاتِنَا ، وقوله: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ ، فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله لنبوته ، واقعاً على الأفسد دون الأصلح ، وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد ، علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور وتُكنُّ الضمائر ، وتنصرف عليه السرائر ، وإن لاخطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء عليهم السلام ... ). انتهى.

كتاب كفاية الأثر في النصوص على الأئمة الإثني عشر عليهم السلام

وهو كتاب جليل جمع فيه مؤلفه الخزاز القمي رحمه الله وهو من علماء القرن الرابع ، الأحاديث النبوية على إمامة الأئمة الإثني عشر عليهم السلام عن ثلاثين صحابياً من طرق غير أهل البيت عليهم السلام . وقد اقترحنا على بعض الفضلاء تحقيقه وتخريج أحاديثه ، وسيصدر في مجلدات إن شاء الله ، وهذه بعض أحاديثه في عصمتهم عليهم السلام :
في كفاية الأثرص 29: (حدثنا علي بن الحسين ، قال حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسن البرقوي(رض)، قال حدثنا القاضي أبو إسماعيل جعفر بن الحسين البلخي ، قال حدثنا شقيق البلخي ، عن سماك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي هرون العبدي ، عن سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
أهل بيتي أمانٌ لأهل الأرض كما أن النجوم أمانٌ لأهل السماء.
قيل: يارسول الله فالأئمة بعدك من أهل بيتك؟ قال: نعم الأئمة بعدي اثنا عشر تسعةً من صلب الحسين ، أمناء معصومون. ومنا مهدي هذه الأئمة ، إلا إنهم أهل بيتي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 59 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وعترتي من لحمي ودمي ، ما بال أقوام يؤذونني فيهم ، لا أنالهم الله شفاعتي ).
وفي كفاية الأثر: ص35: (حدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني رحمه الله ، قال حدثنا محمد بن رياح الأشجعى ، قال حدثنا محمد بن غالب بن الحارث ، قال حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ، قال حدثنا عبد الكريم ، عن أبي الحسن ، عن أبي الحرث ، عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من أحبني وأهل بيتي كنا نحن وهو كهاتين- وأشار بالسبابة والوسطى- ثم قال: أخي خير الأوصياء ، وسبطي خير الأسباط ، وسوف يخرج الله تبارك وتعالى من صلب الحسين أئمة أبراراً ، ومنا مهدي هذه الأمة.
قلت: يارسول الله وكم الأئمة بعدك ؟ قال: عدد نقباء بني إسرائيل.
حدثنا القاضي أبو الفرج المعافا بن زكريا البغدادي ، قال حدثني محمد بن همام بن سهيل الكاتب ، قال حدثني محمد بن معافا السلماسي ، عن محمد بن عامر ، قال حدثنا عبدالله بن زاهر ، عن عبد العدوس ، عن الأعمش ، عن حبش بن المعتمر قال: قال أبو ذر الغفاري رحمة الله عليه: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي توفي فيه ، فقال: يا أبا ذر إيتني بابنتي فاطمة. قال: فقمت ودخلت عليها وقلت: يا سيدة النسوان أجيبي أباك. قال: فلبت منحلها وأبرزت وخرجت حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلما رأت رسول الله صلى الله عليه وآله انكبت عليه وبكت وبكى رسول الله صلى الله عليه وآله لبكائها وضمها إليه ، ثم قال: يا فاطمة لا تبكين فداك أبوك ، فأنت أول من تلحقين بي مظلومة مغصوبة ، وسوف يظهر بعدي حسيكة النفاق وسمل حلباب الدين ، وأنت أول من يرد علي الحوض.
قالت: ياأبَهْ أين ألقاك ؟ قال: تلقيني عند الحوض وأنا أسقي شيعتك ومحبيك وأطرد أعداك ومبغضيك. قالت: يا رسول الله فإن لم ألقك عند الحوض؟ قال تلقيني عند الميزان. قالت: يا أبَهْ وإن لم ألقك عند الميزان ؟ قال: تلقيني عند الصراط وأنا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 60 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أقول: سلِّمْ سلِّمْ شيعة علي.
قال أبو ذر: فسكن قلبها ثم التفت الي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا أبا ذر أنها بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ، إلا أنها سيدة نساء العالمين ، وبعلها سيد الوصيين ، وابنيها الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وإنهما إمامان أن قاما أو قعدا ، وأبوهما خير منهما ، وسوف يخرج من صلب الحسين تسعة من الأئمه معصومون قوامون بالقسط ، ومنا مهدي هذه الأمة. قال قلت: يا رسول الله فكم الأئمة بعدك؟ قال: عدد نقباء بني اسرائيل.
وفي كفاية الأثر: ص44: (حدثنا علي بن الحسين بن محمد قال:حدثنا هارون بن موسى(رض)قال: أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا محمد بن عامر بن السائب الثقفي ، عن أبيه ، عن سلمان الفارسي رحمة الله عليه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده الحسن والحسين يتغديان والنبي صلى الله عليه وآله يضع اللقمة تارة في فم الحسن وتارة في فم الحسين ، فلما فرغا من الطعام أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله الحسن على عاتقه والحسين على فخذه ، ثم قال: يا سلمان أتحبهم ؟ قلت: يا رسول الله كيف لا أحبهم ومكانهم منك مكانهم ؟ قال: يا سلمان من أحبهم فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله. ثم وضع يده على كتف الحسين عليه السلام فقال: أنه الإمام ابن الإمام ، تسعة من صلبه أئمة أبرار ، أمناء ، معصومون ، والتاسع قائمهم ).
وفي كفاية الأثر: ص73: (حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عياش الجوهري قال: حدثنا محمد بن أحمد الصفواني قال:حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحمصي قال: حدثنا بن حماد ، عن أنس بن سيرين ، عن أنس بن مالك ، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة الفجر ، ثم أقبل علينا فقال: معاشر أصحابي من أحب أهل بيتي حشر معنا ، ومن استمسك بأوصيائي من بعدي فقد استمسك بالعروة الوثقى.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 61 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقام إليه أبو ذر الغفاري فقال: يا رسول الله كم الأئمة بعدك؟ قال: عدد نقباء بني إسرائيل ، فقال: كلهم من أهل بيتك؟ قال: كلهم من أهل بيتي ، تسعة من صلب الحسين ، والمهدي منهم.
حدثنا محمد بن عبد الله الشيباني رحمه الله قال: حدثنا رجا بن يحيى العرآني الكاتب قال: حدثنا يعقوب بن إسحق عن محمد بن بشارقال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة ، عن هشام بن زيد ، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لما عرج بي إلى السماء رأيت على ساق العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته. ورأيت اثني عشر إسماً مكتوباً بالنور فيهم علي بن أبي طالب وسبطي وبعدهما تسعة أسماء علياً علياً ثلاث مرات ، ومحمد ومحمد مرتين ، وجعفر وموسى والحسن ، والحجة يتلألأ من بينهم ، فقلت: يا رب أسامي من هؤلاء؟ فناداني ربي جل جلاله: هم الأوصياء من ذريتك ، بهم أثيب وأعاقب ).
وفي كفاية الأثر ص75: وعنه قال: حدثنا أبو مزاحم موسى بن عبد الله بن يحيى بن خاقان المقرئ ببغداد قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن الفضل بن ربيع أبو العباس مولى بني هاشم قال: حدثني عثمان بن أبي شيبة في مسند أنس. قال: حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا عبد الله ابن عوف ، عن أنس بن سيرين ، عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أوصياء الأنبياءالذين بعدهم بقضاء ديونهم وإنجاز عداتهم ويقاتلون على سنتهم. ثم التفت إلى علي عليه السلام فقال: أنت وصيي وأخي في الدنيا والآخرة تقضي ديني وتنجز عداتي ، وتقاتل على سنتي ، تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل ، فأنا خير الأنبياءوأنت خير الأوصياء وسبطاي خير الأسباط ، ومن صلبهما يخرج الأئمة التسعة ، مطهرون معصومون قوامون بالقسط ، والأئمة بعدي على عدد نقباء بني إسرائيل وحواري عيسى. هم عترتي من لحمي ودمي.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 62 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي كفاية الأثر ص98: (حدثنا الحسين بن علي الرازي قال: حدثني إسحاق بن محمد بن خالويه قال: حدثني يزيد بن سليمان البصري قال: حدثني شريك ، عن الركين بن الربيع ، عن القإسم بن حسان ، عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : معاشر الناس ألا أدلكم على خير الناس جداً وجدة؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الحسن والحسين ، أنا جدهما ، وجدتهما خديجة سيدة نساء أهل الجنة.
ألا أدلكم على خير الناس أبا وأما؟ قلنا: بلى يا رسول الله ، قال: الحسن والحسين أبوهما علي بن أبي طالب ، وأمهما فاطمة سيدة نساء العالمين .
ألا أدلكم على خير الناس عماً وعمة؟ قلنا: بلى يارسول الله، قال: الحسن والحسين عمهما جعفر بن أبي طالب ، وعمتهما أم هاني بنت أبي طالب .
أيها الناس إلا أدلكم على خير الناس خالاً وخالة ؟ قلنا: بلى يا رسول الله ، قال: الحسن والحسين ، خالهما القإسم بن رسول الله ، وخالتهما زينب بنت رسول الله.
ثم قال: على قاتلهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وإنه ليخرج من صلب الحسين أئمة أبرار أمناء معصومون قوامون بالقسط ، ومنا مهدي هذه الأمة الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه. قلنا: من يا رسول الله؟ قال: هو التاسع من صلب الحسين ، تسعة من صلب الحسين أئمة أبرار والتاسع مهديهم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ).
وفي كفاية الأثر: ص100: (حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن سعيد الخزاعي قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن عبد الله الكوفي الأسدي قال: حدثني محمد بن إسمعيل البرمكي قال: حدثني مندل بن علي ، عن أبي نعيم عن محمد بن زياد ، عن زيد بن أرقم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام : أنت الإمام والخليفة بعدي ، وابناك سبطاي وهما سيدا شباب أهل الجنة ، وتسعة من صلب الحسين أئمة معصومون ، ومنهم قائمنا أهل البيت. ثم قال:
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 63 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يا علي ، ليس في القيامة راكب غيرنا ، ونحن أربعة. فقام إليه رجل من الأنصار ، فقال: فداك أبي وأمي يا رسول الله ومن هم ؟ قال: أنا على دابة الله البراق ، وأخي صالح على ناقته التي عقرت ، وعمي حمزة على ناقتي العضباء ، وأخي علي على ناقة من نوق الجنة ، وبيده لواء الحمد ، ينادي لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فيقول الآدميون: ما هذا إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو حامل عرش ، فيجيبهم ملك من بطنان العرش: يا معشر الآدميين ، ليس هذا ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولا حامل عرش ، هذا الصديق الأكبر علي بن أبي طالب ).
وفي كفاية الأثر ص110: (حدثنا علي بن الحسن بن محمد قال:حدثنا هرون بن موسى قال: حدثنا جعفر بن علي بن سهل الدقاق الدوري قال:حدثنا علي بن الحارث المروزي قال: حدثنا أيوب بن عاصم الهمذاني قال:حدثنا حفص بن غياث ، عن يزيد بن مكحول ، عن واثلة بن الأسقع يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لما عرج بي إلى السماء وبلغت سدرة المنتهى ناداني ربي جل جلاله فقال: يا محمد. فقلت: لبيك سيدي. قال: اني ما أرسلت نبياً فانقضت أيامه إلا أقام بالأمر بعده وصيه ، فاجعل علي بن أبي طالب الإمام والوصي من بعدك ، فإني خلقتكما من نور واحد ، وخلقت الأئمة الراشدين من أنوار كما ، أتحب أن تراهم يا محمد ؟ قلت: نعم يا رب. قال: إرفع رأسك. فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار الأئمة بعدي اثنا عشر نوراً ، قلت: يا رب أنوار من هي ؟ قال: أنوار الأئمة بعدك أمناء معصومون.
وفي كفاية الأثر ص113: (أخبرنا أبو المفضل الشيباني قال:حدثني حيدر بن محمد بن نعيم السمرقندي قال: حدثنا محمد بن مسعود ، عن يوسف بن السخت ، عن سفيان الثوري ، عن موسى بن عبيدة أياس بن مسلمة بن الأكوع ، عن أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أناسيد الأنبياء، وعليٌّ سيد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 64 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الأوصياء ، وسبطاي خير الأسباط ، ومنا الأئمة المعصومون من صلب الحسين، ومنا مهدي هذه الأمة. فقام إليه أعرابي فقال: يارسول الله كم الأئمة بعدك؟ قال:عدد الأسباط وحواري عيسى ونقباء بني إسرائيل ).
وفي كفاية الأثر ص124: (حدثني علي بن الحسن بن محمد قال: حدثنا هارون بن موسى قال: حدثني محمد بن علي بن معمر قال: حدثني عبد الله بن معبد قال: حدثنا موسى بن إبراهيم الممتع قال: حدثني عبد الكريم بن هلال ، عن أسلم ، عن أبي الطفيل ، عن عمار قال: لما حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله الوفاة دعا بعلي عليه السلام ، فسارَّهُ طويلاً ثم قال: يا علي أنت وصيي ووارثي قد أعطاك الله علمي وفهمي ، فإذا متُّ ظهرت لك ضغائن في صدور قوم وغصبٌ على حقد. فبكت فاطمة عليها السلام وبكى الحسن والحسين ، فقال لفاطمة: يا سيدة النسوان مم بكاؤك ؟ قالت: يا أبة أخشى الضيعة بعدك. قال: أبشري يا فاطمة فإنك أول من يلحقني من أهل بيتي ، ولاتبكي ولاتحزني فإنك سيدة نساء أهل الجنة ، وأباك سيد الأنبياء، وابن عمك خير الأوصياء ، وابناك سيدا شباب أهل الجنة ، ومن صلب الحسين يخرج الله الأئمة التسعة مطهرون معصومون ، ومنا مهدي هذه الأمة. ثم التفت إلى علي عليه السلام فقال:
يا علي لايلي غسلي وتكفيني غيرك. فقال علي عليه السلام : يا رسول الله من يناولني الماء فإنك رجل ثقيل لا أستطيع أن أقلبك. فقال: أن جبرئيل معك والفضل يناولك الماء وليغطي عينيه فإنه لا يرى أحد عورتي إلا انفقأت عيناه.
قال: فلما مات رسول الله صلى الله عليه وآله كان الفضل يناوله الماء وجبرئيل يعاونه ، فلما أن غسله وكفنه أتاه العباس فقال:ياعلي أن الناس قد أجمعوا أن يدفن النبي صلى الله عليه وآله بالبقيع وإن يؤمهم رجل واحد ، فخرج عليٌّ إلى الناس فقال: أيها الناس أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إمامنا حياً وميتاً ، وهل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن من جعل القبور مصلى ، ولعن من جعل مع الله إلهاً آخر ، ولعن من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 65 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كسر رباعيته وشق لثته.
قال فقالوا: الأمر اليك فاصنع ما رأيت. قال: فإني أدفن رسول الله صلى الله عليه وآله في البقعة التي قبض فيها. قال: ثم قام على الباب فصلى عليه ، وأمر الناس عشراً عشراً يصلون عليه ثم يخرجون ).
وفي كفاية الأثر ص132: (أخبرنا محمد بن عبد الله بن المطلب ، قال حدثنا أبو أسيد أحمد بن محمد بن أسيد المديني بأصبهان ، قال حدثنا عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر ، عن عبد الوهاب بن عيسى المروزي ، قال حدثنا الحسين بن علي بن محمد البلوي ، قال حدثنا عبد الله بن سحح ، عن علي بن هاشم ، عن علي بن خرور ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال سمعت عمران بن حصين ، يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي: أنت وارث علمي وأنت الإمام والخليفة بعدي ، تعلِّم الناس بعدي ما لا يعلمون ، وأنت أبو سبطيَّ وزوج ابنتي ، من ذريتكم العترة الأئمة المعصومون. فسأله سلمان عن الأئمة ، فقال: عدد نقباء بني إسرائيل). (حدثنا علي بن محمد بن الحسن ، قال حدثنا هارون بن موسى قال: حدثنا حيدر بن نعيم السمرقندي قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري قال:حدثنا العباس بن بكار الضبي قال: حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن أبي عبد الله الشامي ، عن عمران بن حصين ، وذكر نحوه ).
وفي كفاية الأثر ص134: (حدثنا محمد بن وهبان بن محمد البصري قال: حدثنا الحسين بن علي البزوفري قال: حدثني عبد العزيز بن يحيى الجلودي بالبصرة قال: حدثني محمد بن زكريا ، عن أحمد بن عيسى بن زيد قال: حدثني عمر بن عبد الغفار ، عن أبي بصير ، عن حكيم بن جبير ، عن علي بن زيد بن جذعان ، عن سعيد بن المسيب ، عن سعد بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله قال: يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي ، تقضي ديني وتنجز عداتي ، وتقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل. يا علي حبك إيمان وبغضك نفاق ، ولقد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 66 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
نبأني اللطيف الخبير أنه يخرج من صلب الحسين تسعة من الأئمة معصومون مطهرون ، ومنهم مهدي هذه الأمة الذي يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت في أوله).
وفي كفاية الأثرص151: ( أخبرنا القاضي المعافا بن زكريا قال: حدثنا علي بن عتبة قال: حدثني الحسين بن علوان ، عن أبي علي الخراساني ، عن معروف بن خربوذ ، عن أبي الطفيل ، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنت الوصي على الأموات من أهل بيتي ، والخليفة على الأحياء من أمتي ، حربك حربى وسلمك سلمي ، أنت الإمام أبو الأئمة الأحد عشر ، من صلبك أئمة مطهرون معصومون ، ومنهم المهدي الذي يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً ، فالويل لمبغضكم. يا عليُّ لو أن رجلاً أحب في الله حجراً لحشره الله معه وإن محبيك وشيعتك ومحبي أولادك الأئمة بعدك يحشرون معك. وأنت معي في الدرجات العلى ، وأنت قسيم الجنة والنار ، يدخل محبيك الجنة ومبغضيك النار ).
وفي كفاية الأثر ص180: (حدثنا علي بن الحسن بن محمد بن مندة قال: حدثنا أبو الحسين زيد بن جعفر بن محمد بن الحسين الخزاز بالكوفة في سنة سبع وسبعين وثلثمائة قال: حدثنا العباس بن العباس الجوهري ببغداد في دار عميرة قال: حدثني عفان بن مسلم قال: حدثني حماد بن سلمة ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن سداد بن أوس ، قال: لما كان يوم الجمل قلت: لا أكون مع علي ولا أكون عليه ، وتوقفت عن القتال إلى انتصاف النهار فلما كان قرب الليل ألقى الله في قلبي أن أقاتل مع علي ، فقاتلت معه حتى كان من أمره ما كان .
ثم إني أتيت المدينة فدخلت على أم سلمة ، قالت: من أين أقبلت ؟ قلت: من البصرة. قالت: مع أي الفريقين كنت ؟ قلت: يا أم المؤمنين إني توقفت عن القتال إلى انتصاف النهار وألقى الله عز وجل أن أقاتل مع علي.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 67 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قالت: نعم ما عملت ، لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من حارب علياً فقد حاربني ، ومن حاربني فقد حارب الله ! قلت: فترين أن الحق مع علي؟ قالت: أي والله ، عليٌّ مع الحق والحق معه ، والله ما أنصف أمة محمد نبيهم إذ قدموا من أخره الله عز وجل ورسوله ، وأخروا من قدمه الله تعالى ورسوله ، وأنهم صانوا حلائلهم في بيوتهم وأبرزوا حليلة رسول الله صلى الله عليه وآله الى الفناء ! والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لأمتي فرقة وجعلة (وجمعة) فجامعوها إذا اجتمعت ، وإذا افترقت فكونوا من النمط الأوسط ، ثم ارقبوا أهل بيتي فإن حاربوا فحاربوا ، وإن سالموا فسالموا ، وإن زالوا فزالوا معهم ، فإن الحق معهم حيث كانوا.
قلت: فمَن أهل بيته؟ قالت: أهل بيته الذين أمرنا بالتمسك بهم ، قالت: هم الأئمة بعده كما قال: عدد نقباء بني إسرائيل: عليٌّ وسبطاه ، وتسعةٌ من صلب الحسين ، هم أهل بيته ، هم المطهرون ، والأئمة المعصومون.
قلت أنا: لله هلك الناس إذا ! قالت: كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) .
وفي كفاية الأثر: ص185: (أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسن العياشئ قال: حدثني جدي عبيدالله بن الحسن ، عن أحمد بن عبد الجبار ، قال حدثنا أحمد بن عبد الرحمن المخزومي قال: حدثنا عمر بن حماد قال: حدثنا علي بن هاشم البريد ، عن أبيه قال: حدثني أبو سعيد التميمي ، عن أبي ثابت مولى أبي ذر ، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لما أسري بي إلى السماء نظرت فإذا مكتوب على العرش " لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته بعلي " ، ورأيت أنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وأنوار علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ، ورأيت نور الحجة يتلألأ من بينهم كأنه كوكب دري ، فقلت: يا رب من هذا ومن هؤلاء ؟ فنوديت: يا محمد هذا نور علي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 68 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفاطمة ، وهذا نور سبطيك الحسن والحسين ، وهذه أنوار الأئمة بعدك من ولد الحسين مطهرون معصومون ، وهذا الحجة يملأ الدنيا قسطاً وعدلا.
وهذه أم سلمة روى عنها شداد بن أوس والحكم بن قيس وأبو الأسود وأبو ثابت مولى أبي ذر رحمة الله عليه ).
وفي كفاية الأثرص301: (حدثنا أبو المفضل رحمه الله قال: حدثني محمد بن علي بن شاذان بن حباب الأزدي الخلال بالكوفة قال: حدثني الحسن بن محمد بن عبد الواحد قال: حدثنا الحسن ثم الحسين العربي الصوفي قال: حدثني يحيى بن يعلى الأسلمي ، عن عمرو بن موسى الوجيهي ، عن زيد بن علي عليه السلام قال: كنت عند أبي علي بن الحسين عليه السلام إذ دخل عليه جابر بن عبد الله الأنصاري ، فبينما هو يحدثه إذ خرج أخي محمد من بعض الحجر ، فأشخص جابر ببصره نحوه ثم قام إليه فقال: يا غلام أقبل فأقبل ثم قال: ادبر فأدبر ، فقال: شمائل كشمائل رسول الله صلى الله عليه وآله ما اسمك يا غلام ؟ قال: محمد. قال: ابن من ؟ قال: ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، قال: أنت إذاً الباقر. قال فأكبى عليه وقبل رأسه ويديه ثم قال: يا محمد إن رسول الله صلى الله عليه وآله يقرؤك السلام. قال: على رسول الله أفضل السلام وعليك يا جابر بما أبلغت السلام. ثم عاد إلى مصلاه ، فأقبل يحدث أبي ويقول: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي يوماً: يا جابر إذا أدركت ولدي الباقر فاقرأه مني السلام ، فإنه سميِّي وأشبه الناس بي ، علمه علمي وحكمه حكمي ، سبعة من ولده أمناء معصومون أئمة أبرار ، والسابع مهديهم الذي يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله : وَجَعَلْنَاهُمْ أئمة يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)
وفي كفاية الأثر ص303: (حدثنى أبو عبد الله الحسين بن محمد بن سعيد بن علي الخزاعي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد بالكوفة قال: حدثني جعفر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 69 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بن علي بن سحلح الكندي قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن ميمون قال: حدثني المسعودي أبو عبد الرحمان ، عن محمد بن علي الفراري ، عن أبي خالد الواسطي ، عن زيد بن علي عليه السلام ، قال حدثني أبي علي بن الحسين، عن أبيه الحسين ابن علي ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا حسين أنت الإمام وأخ الإمام وابن الإمام. تسعة من ولدك أمناء معصومون والتاسع مهديهم ، فطوبى لمن أحبهم ، والويل لمن أبغضهم ).
وفي كفاية الأثرص261:(عن أبي عبدالله عليه السلام :أن قائمنا يخرج من صلب الحسين والحسين ، يخرج من صلب علي ، وعلي يخرج من صلب محمد ، ومحمد يخرج من صلب علي ، وعلي يخرج من صلب ابني هذا ، وأشار إلى موسى بن جعفر ، وهذا خرج من صلبي. نحن اثنا عشر ، كلنا معصومون مطهرون ).
وفي أمالي الصدوق ص679:(حدثنا أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم(رض)قال: حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن محمد بن علي التميمي قال: حدثني سيدي علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن النبي( صلى الله عليه وآله ) أنه قال: من سره أن ينظر إلى القضيب الأحمر الذي غرسه الله بيده ، ويكون متمسكاً به ، فليتول علياً والأئمة من ولده فإنهم خيرة الله عز وجل وصفوته، وهم المعصومون من كل ذنب وخطيئة ). ( ورواه في عيون أخبار الرضا عليه السلام :1/ 629).

العصمة التامة هي الوسطية بين الغلو والتقصير

في الكافي:1/269: (محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن أبي طالب ، عن سدير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أن قوماً يزعمون أنكم آلهة، يتلون بذلك علينا قرآناً: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إله وَفِي الأرض إِلَهٌ ! فقال: ياسدير سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء ، وبرئ الله منهم ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 70 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ما هؤلاء على ديني ولاعلى دين آبائي ! والله لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة إلا وهو ساخط عليهم ! قال قلت: وعندنا قوم يزعمون أنكم رسل ، يقرؤون علينا بذلك قرآنا: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صالحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ! فقال: ياسدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء ، وبرئ الله منهم ورسوله ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي والله لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة إلا وهو ساخط عليهم ! قال: قلت: فما أنتم ؟
قال: نحن خُزَّانُ علم الله ، نحن تَراجمة أمر الله ، نحن قومٌ معصومون أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا ، نحن الحجة البالغة على من دون السماء و فوق الأرض).
وفي علل الشرائع للصدوق:1/173: (حدثنا أبو علي أحمد بن يحيى المكتب قال حدثنا أحمد بن محمد الوراق قال حدثنا بشر بن سعيد بن قلبويه المعدل بالرافقه قال حدثنا عبد الجبار بن كثير التميمي اليماني قال سمعت محمد بن حرب الهلالي أمير المدينة يقول: سألت جعفر بن محمد عليه السلام فقلت له يا ابن رسول الله في نفسي مسألة أريد أن أسألك عنها فقال: إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني وإن شئت فسل ، قال: قلت له يا ابن رسول الله وبأي شئ تعرف ما في نفسي قبل سؤالي ؟ فقال بالتوسم والتفرس ، أما سمعت قول الله عز وجل(إِنَّ فِى ذَلِكَ لايَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) وقول رسول الله صلى الله عليه وآله اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ، قال: فقلت له يا ابن رسول الله فأخبرني بمسألتي قال: أردت أن تسألني عن رسول الله صلى الله عليه وآله لمَ لم يطق حمله علي عليه السلام عند حط الأصنام من سطح الكعبة مع قوته وشدته وما ظهر منه في قلع باب القموص بخيبر والرمي به إلى ورائه أربعين ذراعاً ، وكان لايطيق حمله أربعون رجلاً وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يركب الناقة والفرس والحمار ، وركب البراق ليلة المعراج وكل ذلك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 71 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
دون علي في القوة والشدة ؟ قال فقلت له: عن هذا والله أردت أن أسألك يا ابن رسول الله ، فأخبرني؟ فقال:
إن علياً عليه السلام برسول الله تشرَّف وبه ارتفع ، وبه وصل إلى أن أطفأ نار الشرك ، وأبطل كل معبود من دون الله عز وجل ، ولو علاه النبي عليهما السلام لحطِّ الأصنام لكان عليه السلام بعلي مرتفعاً وتشريفاً وواصلاً إلى حط الأصنام ، ولو كان ذلك كذلك لكان أفضل منه ، ألا ترى أن علياً عليه السلام قال: لما علوت ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله شرفت وارتفعت حتى لو شئت أن أنال السماء لنلتها ، أما علمت أن المصباح هو الذي يهتدى به في الظلمة، وانبعاث فرعه من أصله ، وقد قال علي عليه السلام أنا من أحمد كالضوء من الضوء ، أما علمت أن محمداً وعلياً صلوات الله عليهما كانا نوراً بين يدي الله عز وجل قبل خلق الخلق بألفي عام ، وإن الملائكة لما رأت ذلك النور رأت له أصلاً قد تشعب منه شعاع لامع فقالت: إلهنا وسيدنا ماهذا النور؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليهم هذا نور من نوري أصله نبوة وفرعه إمامة ، أما النبوة فلمحمد عبدي ورسولي وأما الإمامة فلعلي حجتي ووليى ، ولولاهما ما خلقت خلقي ! أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله رفع يد علي عليه السلام بغدير خم حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما فجعله مولى المسلمين وإمامهم، وقد احتمل الحسن والحسين عليهما السلام يوم حظيرة بني النجار ، فلما قال له بعض أصحابه ناولني أحدهما يارسول الله قال: نعم الراكبان وأبوهما خير منهما ، وأنه كان يصلي بأصحابه فأطال سجدة من سجداته فلما سلم قيل له يارسول الله لقد أطلت هذه السجدة فقال صلى الله عليه وآله لأن ابني ارتحلني فكرهت أن أعاجله حتى ينزل ، وإنما أراد بذلك رفعهم وتشريفهم، فالنبي صلى الله عليه وآله إمام ونبي وعلي عليه السلام إمام ليس بنبي ولا رسول ، فهو غير مطيق لحمل أثقال النبوة.
قال محمد بن حرب الهلالي: فقلت له زدني يا ابن رسول الله فقال: إنك لأهل للزيادة إن رسول الله صلى الله عليه وآله حمل علياً عليه السلام على ظهره يريد بذلك أنه أبو ولده وإمام الأئمة من صلبه ، كما حول ردائه في صلاة الإستسقاء وأراد أن يعلم أصحابه بذلك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 72 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أنه قد تحول الجدب خصباً ، قال: قلت له زدني ياابن رسول الله ، فقال: احتمل رسول الله صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام يريد بذلك أن يعلم قومه أنه هو الذي يخفف عن ظهر رسول الله ما عليه من الدين والعدات والأداء عنه من بعده ، قال: فقلت له يا ابن رسول الله زدني فقال: احتمله ليعلم بذلك أنه قد احتمله وما حمل إلا لأنه معصوم لايحمل وزراً فتكون أفعاله عند الناس حكمة وصواباً وقد قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي يا علي أن الله تبارك وتعالى حملني ذنوب شيعتك ثم غفرها لي وذلك قوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ،ولما أنزل الله عز وجل إذا اهتديتم وعليٌّ نفسي وأخي أطيعوا علياً فإنه مطهر معصوم لايضل ولايشقى ثم تلاهذه الآية: قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فإن تَوَلَّوْا فإنما عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وإن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ.
قال محمد بن حرب الهلالي: ثم قال جعفر بن محمد عليه السلام : أيها الأمير لو أخبرتك بما في حمل النبي صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام عند حط الأصنام من سطح الكعبة من المعاني التي أرادها به ، لقلت إن جعفر بن محمد لمجنون ! فحسبك من ذلك ما قد سمعت ! فقمت إليه وقبلت رأسه وقلت: اللهُ أعلم حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ). انتهى.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 73 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الرابع : من كلمات علماء الشيعة في عصمة الأنبياءوالأئمة عليهم السلام

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 74 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 75 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الأنبياء عليهم السلام معصومون مطهرون كاملون

قال الصدوق في الإعتقادات في دين الإمامية ص70: باب الإعتقاد في العصمة: (إعتقادنا في الأنبياءوالرسل والأئمة والملائكة عليهم السلام أنهم معصومون مطهرون من كل دنس ، وأنهم لايذنبون ذنباً لاصغيراً ولاكبيراً ، ولايعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون. ومن نفى عنهم العصمة في شئ من أحوالهم فقد جهلهم ، ومن جهلهم فهو كافر. واعتقادنا فيهم: أنهم معصومون موصوفون بالكمال والتمام والعلم ، من أوائل أمورهم وأواخرها ، لايوصفون في شئ من أحوالهم بنقص ولا عصيان ولا جهل ). انتهى.
ملاحظة: لابد أن يكون الكفر في كلام الصدوق رحمه الله بمعناه اللغوي ، فلا هو ولا بقية فقهائنا يكفرون أحداً من أهل القبلة لقوله بالعصمة الناقصة .
وقال المفيد في المقنعة ص30: (ويجب أن يعتقد التصديق لكل الأنبياء عليهم السلام وأنهم حجج الله على من بعثهم إليه من الأمم ، والسفراء بينه وبينهم ، وإن محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، خاتمهم وسيدهم وأفضلهم ، وإن شريعته ناسخة لما تقدمها من الشرائع المخالفة لها ، وأنه لانبي بعده صلى الله عليه وآله ولا شريعة بعد شريعته.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 76 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وكل من ادعى النبوة بعده فهو كاذب على الله تعالى ، ومن يغير شريعته فهو ضال ، كافر من أهل النار ، إلا أن يتوب ويرجع إلى الحق بالإسلام فيكفر بالله تعالى حينئذ عنه... بالتوبة ما كان مقرفاً من الآثام.
ويجب اعتقاد نبوة جميع من تضمن الخبر عن نبوته القرآن على التفصيل ، واعتقاد الجملة منهم على الإجمال ، ويعتقد أنهم كانوا معصومين من الخطأ ، موفقين للصواب ، صادقين عن الله تعالى في جميع ما أدوه إلى العباد ، وفي كل شئ أخبروا به على جميع الأحوال ، وإن طاعتهم طاعة لله ومعصيتهم معصية لله ، وإن آدم ونوحاً وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف ، وإدريس وموسى وهارون وعيسى وداود وسليمان وزكريا ويحيى وإلياس وذا الكفل وصالحاً وشعيباً ويونس ولوطاً وهوداً ، كانوا أنبياءالله تعالى ورسلاً له صادقين عليه ، كما سماهم بذلك وشهد لهم به ، وإن من لم يذكر اسمه من رسله على التفصيل كما ذكر ممن سميناه منهم ، وذكرهم في الجملة حيث يقول:وَرسلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرسلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ، كلهم أنبياءعن الله صادقون ، وأصفياء له منتجبون لديه ، وإن محمداً صلى الله عليه وآله سيدهم وأفضلهم ، كما قدمناه...
ويجب على كل مكلف أن يعرف إمام زمانه ، ويعتقد إمامته وفرض طاعته وأنه أفضل أهل عصره وسيد قومه ، وأنهم في العصمة والكمال كالأنبياء عليهم السلام ويعتقد أن كل رسول الله تعالى فهو نبي إمام ، وليس كل إمام نبياً ولا رسولاً، وإن الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله حجج الله تعالى وأوليائه ، وخاصة أصفياء الله ، أولهم وسيدهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، عليه أفضل السلام ، وبعده الحسن والحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي بن الحسين ، ثم جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 77 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بن موسى ، ثم محمد بن علي بن موسى ، ثم علي بن محمد بن علي ، ثم الحسن بن علي بن محمد ، ثم الحجة القائم بالحق ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى عليهم السلام . لاإمامة لاحد بعد النبي صلى الله عليه وآله غيرهم ، ولايستحقها سواهم ، وأنهم الحجة على كافة الأنام كالأنبياء عليهم السلام وأنهم أفضل خلق الله بعد نبيه عليه وآله السلام ، والشهداء على رعاياهم يوم القيامة ، كما أن الأنبياء عليهم السلام شهداء الله على أممهم ، وأنه بمعرفتهم وولايتهم تُقبل الأعمال ، وبعداوتهم والجهل بهم تُستحق النار ).
في بحار الأنوار:11/72-96: (باب عصمة الأنبياء عليهم السلام وتأويل مايوهم خطأهم وسهوهم). أورد فيه نحو مجموعة أحاديث وكلمات لعلمائنا رضي الله عنهم في عصمة الأنبياءالتامة عليهم السلام .

العصمة عن الذنوب، والغلط، والرذائل، وما ينفِّر

قال المفيد في تصحيح اعتقادات الإمامية/128:
(العصمة من الله تعالى لحججه هي التوفيق واللطف ، والإعتصام من الحجج بها: عن الذنوب ، والغلط في دين الله تعالى.
والعصمة تفضل من الله تعالى على من علم أنه يتمسك بعصمته، والإعتصام فعل المعتصم ، وليست العصمة مانعةً من القدرة على القبيح ، ولا مضطرةً للمعصوم إلى الحسن ، ولا مُلجئةً له إليه ، بل هي الشئ الذي يعلم الله تعالى أنه إذا فعله بعبد من عبيده لم يؤثر معه معصيته له ، وليس كل الخلق يعلم هذا من حاله ، بل المعلوم منهم ذلك هم الصفوة والإخيار ) .
جليلنا
وفي الكافي لأبي الصلاح الحلبي/78: (وإذا ثبتت نبوة نبينا صلى الله عليه وآله بالبراهين
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 78 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الواضحة وجب القطع على كونه صلى الله عليه وآله على الصفات التي يجب كون النبي عليها من العصمة فيما يؤديه ، والعصمة من جميع القبائح ، وتنزيهه عن كل منفر حسب ما دللنا عليه ).

أصل الأدلة عندنا على العصمة التامة: الدليل العقلي

أقول: أصل الدليل في مذهبنا على عقيدة عصمة الأنبياءوالأئمة عليهم السلام عصمة تامة هو العقل ، الذي يحكم بضرورة أن يكون المؤدي للناس عن الله تعالى والمؤدي للناس عن النبي صلى الله عليه وآله معصوماً ، وإلا فلا يمكن الوثوق بقوله ، وأن عصمته تثبت بنص المعصوم أو بالمعجزة .
وقد حاول غيرنا إثبات العصمة بالنقل لكنه يلزم منه الدور ، لأن الوثوق بالنص الذي يثبت العصمة يتوقف عليها ، فلا يصح أن تتوقف هي عليه .
وأسوأ من ذلك قول بعضهم بأن الأنبياء عليهم السلام يرتكبون الذنوب والمعاصي حتى في تبليغ الرسالة ، لكن الله تعالى لايقرهم على الخطأ ، فيصحح لهم ما عصوا فيه ويتوبون من معصيتهم !
قال ابن تيمية في منهاج سنته:2/400: ( والذنوب إنما تضر أصحابها إذا لم يتوبوا منها ، والجمهور الذين يقولون بجواز الصغائر عليهم يقولون إنهم معصومون من الإقرار عليها ، وحينئذ فما وصفوهم إلا بما فيه كمالهم ، فإن الأعمال بالخواتيم. مع أن القرآن والحديث وإجماع السلف معهم في تقرير هذا الأصل ! فالمنكرون لذلك يقولون في تحريف القرآن ما هو من جنس قول أهل البهتان ، ويحرفون الكلم عن مواضعه ). انتهى.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 79 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقوله: (والجمهور...) يقصد بهم أتباع المذاهب السنية ، وتعبيره بالصغائر لكي يجعل آيات الغرانيق الشيطانية التي افتروها على النبي صلى الله عليه وآله وصحح هو روايتها ودافع عنها ، أن يجعلها من المعاصي الصغيرة ! مع أنها خيانةٌ للوحي، وكفرٌ بالله العظيم ، وعبادةٌ للأصنام وسجودٌ لها !
والوجه في بطلأن هذا الكلام أنه يستوجب سلب الثقة بكل كلام النبي عليه السلام فما دام قد يخطئ أو يخون الرسالة ويبلِّغ الكفرَ بدلَ التوحيد ! فلا ينفع بعد ذلك أن الله تعالى لايقره على الخطأ ، وأنه ينبهه بعد مدة فيقول النبي للناس إن الشئ الفلاني الذي بلغتكم إياه كان خطأ مني أو من شيطاني ، وقد نبهني اليه جبرئيل وتاب الله عليَّ ! فخذوا الصحيح ودعوا الخطأ !
فمن أين يثق الناس بأن هذا البديل الذي بلغه الآن ليس منه أو من الشيطان كسابقه ؟! فإن من وقع في خطيئة مرة يمكن أن يقع فيها مئة مرة ، ومن خان الوحي مرة ، قد يخونه مئة مرة !
ونفس هذا الكلام يجري بطريق أولى في عصمة الإمام المؤدي للأمة عن نبيها صلى الله عليه وآله فإن من يؤدي عن النبي صلى الله عليه وآله لابد أن يكون عنده العلم القطعي بكتاب الله والسنة ، وأن يكون معصوماً لايحتمل في حقه النسيان والخطأ وارتكاب خيانة ، لأن احتمال الكذب والخطأ فيه يسلب الإطمئنان من أجيال الأمة بأن ما أدَّاهُ اليها هو مراد الله تعالى من كلامه قطعاً وهو قول النبي صلى الله عليه وآله قطعاً !
قال المحقق الحلي في المسلك في أصول الدين ص154:
(وأما العصمة(للنبي)عن المعاصي فقد اختلفوا ، فمنهم من عصمه عن الخلل في التبليغ لاغير ، ومنهم من عصمه مع ذلك عن الكبائر.
والحق أنه معصومٌ عن الكل في حال النبوة وقبلها. وهل هو معصوم عن السهو
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 80 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أم لا؟ فيه خلاف بين أصحابنا ، والأصح القول بعصمته عن ذلك كله.
لنا: لو جاز شئ من ذلك لجاز تطرقه إلى التبليغ ، لكن ذلك محال ، ولأنه مع تجويز ذلك يرتفع الوثوق بخبره ، فينتقض الغرض المراد بالبعثة.
وأما قبل النبوة فهو معصوم عن تعمد المعصية ، صغيرة كانت أو كبيرة ، ويدل عليه من القرآن قوله: لايَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ.
وأما ما تضمنه الكتاب العزيز وكثير من الأخبار من ماظاهره وقوع المعصية فمحمول على ضرب من التأويل ، لئلا تتناقض الأدلة ).
وقاتل العلامة الحلي في شرح التجريد ص375:
المسألة الثانية: في وجوب العصمة قال: ويجب في النبي العصمة ليحصل الوثوق فيحصل الغرض ، ولوجوب متابعته ، وضدها الإنكار عليه.
أقول: اختلف الناس هاهنا ، فجماعة المعتزلة جوزوا الصغائر على الأنبياء عليهم السلام أما على سبيل السهو كما ذهب إليه بعضهم ، أو على سبيل التأويل كما ذهب إليه قوم منهم ، أو لأنها تقع محبطة بكثرة ثوابهم. وذهبت الأشاعرة والحشوية إلى أنه يجوز عليهم الصغائر والكبائر ، إلا الكفر والكذب .
وقالت الإمامية إنه يجب عصمتهم عن الذنوب كلها ، صغيرة كانت أو كبيرة ، والدليل عليه بوجوه:
أحدها: أن الغرض من بعثة الأنبياء عليهم السلام إنما يحصل بالعصمة فيجب العصمة تحصيلاً للغرض ، وبيان ذلك أن المبعوث إليهم لو جوزوا الكذب على الأنبياءوالمعصية جوزوا في أمرهم ونهيهم وأفعالهم التي أمروهم باتباعهم فيها ذلك ، وحينئذ لا ينقادون إلى امتثال أوامرهم وذلك نقض للغرض من البعثة .
الثاني: أن النبي عليه السلام يجب متابعته فإذا فعل معصية فأما أن يجب متابعته
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 81 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أولاً والثاني باطل لانتفاء فائدة البعثة ، والأول باطل لأن المعصية لايجوز فعلها وأشار بقوله لوجوب متابعته وضدها إلى هذا الدليل ، لأنه بالنظر إلى كونه نبياً يجب متابعته ، وبالنظر إلى كون الفعل معصية لا يجوز اتباعه .
الثالث: أنه إذا فعل معصية وجب الإنكار عليه ، لعموم وجوب النهي عن المنكر ، وذلك يستلزم إيذائه ، وهو منهيٌّ عنه ، وكل ذلك محال ) .
وفي النافع يوم الحشر للعلامة الحلي ص84: ( والإمامية أوجبوا العصمة مطلقاً عن كل معصية ، عمداً وسهواً ، وهو الحق لوجهين:
الأول: ما أشار إليه المصنف ، وتقريره: أنه لو لم يكن الأنبياء عليهم السلام معصومين لانتفت فائدة البعثة ، واللازم باطل فالملزوم مثله.
بيان الملازمة: أنه إذا جازت المعصية عليهم لم يحصل الوثوق بصحة قولهم لجواز الكذب حينئذ عليهم ، وإذا لم يحصل الوثوق لم يحصل الإنقياد لأمرهم ونهيهم ، فتنتفي فائدة بعثهم ، وهو محال.
الثاني: لوصدر عنهم الذنب لوجب اتباعهم ، لدلالة النقل على وجوب اتباعهم ، لكن الأمر حينئذ باتباعهم محال لأنه قبيح ! فيكون صدور الذنب عنهم محالاً وهو المطلوب....
وأما ما ورد في الكتاب العزيز والأخبار مما يوهم صدور الذنب عنهم فمحمول على ترك الأولى ، جمعاً بين ما دل العقل عليه وبين صحة النقل ، مع أن جميع ذلك قد ذكر له وجوه ومحامل في مواضعه... وعليك في ذلك بمطالعة كتاب تنزيه الأنبياء عليهم السلام الذي رتبه السيد المرتضى رحمه الله علم الهدى الموسوي وغيره من الكتب ، ولولا خوف الإطالة لذكرنا نبذة من ذلك ).
وقال في تذكرة الفقهاء(ط.ج):9/397: ( الخامس عشر: أن يكون منزهاً عن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 82 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
القبائح لدلالة العصمة عليه ، ولأنه يكون مستحقاً للإهانة والإنكار عليه ، فيسقط محله من قلوب العامة فتبطل فائدة نصبه.
وأن يكون منزهاً عن الدناءات والرذائل ، كاللعب والأكل في الأسواق وكشف الرأس بين الناس ، وغير ذلك مما يسقط محله ويوهن مرتبته.
وأن يكون منزهاً عن دناءة الآباء وعهر الأمهات.
وقد خالفت العامة في ذلك كله ).
وقال ابن ميثم البحراني في قواعد المرام في علم الكلام ص125:
البحث الأول: العصمة صفة للإنسان يمتنع بسببها من فعل المعاصي ولايمتنع منه بدونها. وعندنا أن النبي معصوم عن الكبائر والصغائر عمداً وسهواً من حين الطفولية إلى آخر العمر. وجوز بعض الخوارج صدور جميع الذنوب عن الأنبياء عليهم السلام ، وجوزت المعتزلة والزيدية وقوع الصغائر عنهم فيما يتعلق بالفتوى دون الكبائر. ثم منهم من جوزها سهواً فقط ، وهو مذهب الأشعرية.
فأما ما يتعلق بأداء الشريعة فأجمعوا على أنه لايجوز عليهم فيه التحريف والخيانة لا عمداً ولا سهواً ، وكذلك أجمعوا على أن وقت العصمة هو وقت النبوة دون ما قبله.
لنا وجوه: أحدها ، أن غرض الحكيم من البعثة هداية الخلق إلى مصالحهم وحثهم بالبشارة والنذارة وإقامة الحجة عليهم بذلك لقوله تعالى:رسلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلايَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ. (النساء:165) فلو لم يجب في حكمته عصمة النبي لناقض غرضه من بعثه وإرساله ، لكن اللازم باطل فالملزوم مثله ، فعصمة النبي واجبة في الحكمة.
أما الملازمة فلأنه بتقدير وقوع المعصية منه جاز أن يأمرهم بما هو مفسدة لهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 83 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وينهاهم عما هو مصلحة لهم ، وذلك مستلزم لإغوائهم وإضلالهم ، فكان في بعثة غير المعصوم مناقضة للغرض من بعثه.
وأما بطلأن اللازم فلأن مناقضة الغرض يستلزم السفه والعبث ، وهما محالأن على الحكيم ، كما تقدم في باب اللطف.
الثاني ، لو جاز صدور المعصية عن النبي لوجب علينا فعل المفسدة أو ترك المصلحة الواجبة ، لكن اللازم باطل فالملزوم مثله.
بيان الملازمة أنه يجب علينا فعل ما أمرنا به والانتهاء عما نهانا عنه لقوله تعالى: وَمَاآتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. (الحشر:7) فبتقدير أن تجوز المعصية عليه جاز أن يوجب علينا ما هو محرم ويحرم علينا ما هو واجب ، ويجب علينا اتباعه في ذلك.
وأما بطلأن اللازم فلأن أمر الحكيم لنا باتباعه مطلقاً يستلزم أمره لنا بفعل القبيح إذن ، لكن الأمر بالقبيح قبيح ممتنع عليه تعالى.
الثالث ، لو جاز صدور المعصية عنهم لكان بتقدير وقوعها منهم لاتقبل شهاداتهم ، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا. (الحجرات:6)
لكن اللازم باطل ، لأنها إذا لم تقبل في محقرات الأمور فكان أولى أن لا تقبل في الأديان الباقية إلى يوم القيامة ).
قال الصدوق رحمه الله في معاني الأخبار ص133 بعد إيراد الحديث المتقدم في أماليه:
( قال أبو جعفر مصنف هذا الكتاب: الدليل على عصمة الإمام أنه لما كان كل كلام ينقل عن قائله يحتمل وجوهاً من التأويل ، وكان أكثر القرآن والسنة مما أجمعت الفرق على أنه صحيح لم يغير ولم يبدل ، ولم يزد فيه ولم ينقص منه ، محتملاً لوجوه كثيرة من التأويل ، وجب أن يكون مع ذلك مخبرٌ صادقٌ معصومٌ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 84 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من تعمد الكذب والغلط ، منبئٌ عما عني الله ورسوله في الكتاب والسنة على حق ذلك وصدقه ، لأن الخلق مختلفون في التأويل ، كل فرقة تميل مع القرآن والسنة إلى مذهبها ، فلو كان الله تبارك وتعالى تركهم بهذه الصفة من غير مخبر عن كتابه صادق فيه لكان قد سوغهم الإختلاف في الدين ودعاهم إليه ، إذ أنزل كتاباً يحتمل التأويل ، وسن نبيه سنةً تحتمل التأويل ، وأمرهم بالعمل بهما ، فكأنه قال: تأولوا واعملوا. وفي ذلك إباحة العمل بالمتناقضات والإعتماد للحق وخلافه.
فلما استحال ذلك على الله عز وجل ، وجب أن يكون مع القرآن والسنة في كل عصر من يبين عن المعاني التي عناها الله عز وجل في القرآن بكلامه، دون ماتحتمله ألفاظ القرآن من التأويل ، ويبين عن المعاني التي عناها رسول الله في سننه وأخباره دون التأويل الذي تحتمله ألفاظ الأخبار المروية عنه عليه السلام المجمع على صحة نقلها.
وإذا وجب أنه لا بدَّ من مخبر صادق ، وجب أن لايجوز عليه الكذب تعمداً ولا الغلط فيما يخبر به عن مراد الله عز وجل في كتابه ، وعن مراد رسول الله في أخباره وسننه. وإذا وجب ذلك وجب أنه معصوم.
ومما يؤكذ هذا الدليل أنه لايجوز عند مخالفينا أن يكون الله عز وجل أنزل القرآن على أهل عصر النبي صلى الله عليه وآله ولا نبي فيهم ويتعبدهم بالعمل بما فيه على حقه وصدقه ، فإذا لم يجز أن ينزل القرآن على قوم ولا ناطقٌ به ولا معبِّرٌ عنه ولا مفسر لما استعجم منه ، ولا مبين لوجهه ، فكذلك لايجوز أن نتعبد نحن به إلا ومعه من يقوم فينا مقام النبي صلى الله عليه وآله في قومه وأهل عصره ، في التبيين لناسخه ومنسوخه وخاصه وعامه ، و المعاني التي عناها الله عز وجل بكلامه دون ما
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 85 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يحتمله التأويل ، كما كان النبي صلى الله عليه وآله مبيناً لذلك كله لأهل عصره. ولابد من ذلك ما لزموا العقول والدين.
فإن قال قائل: إن المؤدي إلينا ما نحتاج إلى علمه من متشابه القرآن ومن معانيه التي عناها الله دون ما يحتمله ألفاظه ، هو الأمة.
أكذبه اختلاف الأمة وشهادتها بأجمعها على أنفسها في كثير من أي القرآن لجهلهم بمعناه الذي عناه الله عز وجل !
وفي ذلك بيان أن الأمة ليست هي المؤدية عن الله عز وجل ببيان القرآن ، وأنها ليست تقوم في ذلك مقام النبي صلى الله عليه وآله .
فإن تجاسر متجاسر فقال: قد كان يجوز أن ينزل القرآن على أهل عصر النبي صلى الله عليه وآله , ولا يكون معه نبي ويتعبدهم بما فيه مع احتماله للتأويل.
قيل له: فهبْ ذلك كان قد وقع من الخلاف في معانيه ما قد وقع في هذا الوقت ، ما الذي كانوا يصنعون؟
فإن قال: ما قد صنعوا الساعة.
قيل: الذي فعلوه الساعة أخذ كل فرقة من الأمة جانباً من التأويل وعمله عليه ، وتضليل الفرقة المخالفة لها في ذلك ، وشهادتها عليها بأنها ليست على الحق.
فإن قال: أنه كان يجوز أن يكون أول الإسلام كذلك وإن ذلك حكمة من الله و عدل فيهم ، ركب خطأ عظيماً وما لا أرى أحداً من الخلق يقدم عليه .
فيقال له عند ذلك: فحدثنا إذا تهيأ للعرب الفصحاء أهل اللغة أن يتأولوا القرآن ويعمل كل واحد منهم بما يتأوله على اللغة العربية ، فكيف يصنع من لا يعرف اللغة من الناس؟ وكيف يصنع العجم من الترك والفرس؟ وإلى أي شئ يرجعون في علم ما فرض الله عليهم في كتابه؟ ومن أي الفرق يقبلون مع اختلاف الفرق
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 86 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في التأويل ؟!
وإباحتك كل فرقة أن تعمل بتأويلها ، فلا بد لك من أن تجري العجم ومن لا يفهم اللغة مجرى أصحاب اللغة من أن لهم أن يتبعوا أي الفرق شاؤوا ! و[إلا] إن ألزمت من لايفهم اللغة اتباع بعض الفرق دون بعض ، لزمك أنت تجعل الحق كله في تلك الفرقة دون غيرها ، فإن جعلت الحق في فرقة دون فرقة نقضت مابنيت عليه كلامك واحتجت إلى أن يكون مع تلك الفرقة علم وحجة تبين بها من غيرها ، وليس هذا من قولك !
ولو جعلت الفرق كلها متساوية في الحق مع تناقض تأويلاتها ، فيلزمك أيضاً أن تجعل للعجم ومن لايفهم اللغة أن يتبعوا أي الفرق شاؤوا ، وإذا فعلت ذلك لزمك في هذا الوقت أن لاتلزم أحداً من مخالفيك من الشيعة والخوارج وأصحاب التأويلات وجميع من خالفك ممن له فرقة ومن مبتدع لافرقة له على مخالفيك ذماً !! وهذا نقض الإسلام والخروج من الإجماع .
ويقال لك: وما ينكر على هذا الأعطاء أن يتعبد الله عز وجل الخلق بما في كتاب مطبق لا يمكن أحداً أن يقرأ ما فيه ، ويأمر أن يبحثوا ويرتادوا ويعمل كل فرقة بما ترى أنه في الكتاب.
فإن أجزت ذلك أجزت على الله عز وجل العبث لأن ذلك صفة العابث ! ويلزمك أن تجيز على كل من نظر بعقله في شئ واستحسن أمراً من الدين أن يعتقده ! لأنه سواء أباحهم أن يعملوا في أصول الحلال و الحرام وفروعها بآرائهم ، وأباحهم أن ينظروا بعقولهم في أصول الدين كله وفروعه من توحيده وغيره ، وإن يعملوا أيضاً بما استحسنوه وكان عندهم حقاً !
فإن أجزت ذلك أجزت على الله عز وجل أن يبيح الخلق أن يشهدوا عليه أنه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 87 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثاني اثنين ، وإن يعتقدوا الدهر ، وجحدو البارئ جل وعز.
وهذا آخر ما في هذا الكلام ، لأن من أجاز أن يتعبدنا الله عز وجل بالكتاب على احتمال التأويل ولا مخبر صادق لنا عن معانيه ، لزمه أن يجيز على أهل عصر النبي صلى الله عليه وآله مثل ذلك ! وإذا أجاز مثل ذلك لزمه أن يبيح الله عز وجل كل فرقة العمل بما رأت وتأولت ، لأنه لايكون لهم غير ذلك إذا لم يكن معهم حجة في أن هذا التأويل أصح من هذا التأويل.
وإذا أباح ذلك أباح متبعهم ممن لايعرف اللغة ! وإذا أباح أولئك أيضاً لزمه أن يبيحنا في هذا العصر ، وإذا أباحنا ذلك في الكتاب لزمه أن يبيحنا ذلك في أصول الحلال والحرام ومقائيس العقول وذلك خروج من الدين كله .
وإذاً وجب بما قدمنا ذكره أنه لابد من مترجم عن القرآن وأخبار النبي صلى الله عليه وآله وجب أن يكون معصوماً ليجب القبول منه ، فإذا وجب أن يكون معصوماً بطل أن يكون هو الأمة لما بينا من اختلافاتها في تأويل القرآن والأخبار ، وتنازعها في ذلك ومن إكفار بعضها بعضاً !!
وإذا ثبت ذلك وجب أن المعصوم هو الواحد الذي ذكرناه وهو الإمام. وقد دللنا على أن الإمام لا يكون إلا معصوماً ، وأرينا أنه إذا وجبت العصمة في الإمام لم يكن بد من أن ينص النبي عليه ، لأن العصمة ليست في ظاهر الخلقة فيعرفها الخلق بالمشاهدة فواجب أن ينص عليها علام الغيوب تبارك وتعالى على لسان نبيه , وذلك لأن الإمام لايكون إلا منصوصاً عليه ، وقد صح لنا النص بما بيناه من الحجج وبما رويناه من الأخبار الصحيحة). انتهى.
وقال الطباطبائي في تفسير الميزان:2/134: (كلام في عصمة الأنبياء عليهم السلام :
العصمة على ثلاثة أقسام: العصمة عن الخطأ في تلقي الوحي ، والعصمة عن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 88 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الخطأ في التبليغ والرسالة ، والعصمة عن المعصية ، وهي ما فيه هتك حرمة العبودية ومخالفة مولويته ، ويرجع بالآخرة إلى قول أو فعل ينافي العبودية منافاةً ما. ونعني بالعصمة وجود أمر في الإنسان المعصوم يصونه عن الوقوع فيما لا يجوز من الخطأ ، أو المعصية.
وأما الخطأ في غير باب المعصية وتلقي الوحي والتبليغ، وبعبارة أخرى: في غير باب أخذ الوحي وتبليغه والعمل به ، كالخطأ في الأمور الخارجية نظير الأغلاط الواقعة للإنسان في الحواس وإدراكاتها ، أو الإعتباريات من العلوم ، ونظير الخطأ في تشخيص الأمور التكوينية من حيث الصلاح والفساد والنفع والضرر ونحوها ، فالكلام فيها خارج عن هذا المبحث.
وكيف كان ، فالقرآن يدل على عصمتهم عليهم السلام في جميع الجهات الثلاث:
أما العصمة عن الخطأ في تلقي الوحي وتبليغ الرسالة: فيدل عليه قوله تعالى في الآية: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَااخْتَلَفَ فِيهِ إِلاالَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَاجَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ. (البقرة:213) فإنه ظاهر في أن الله سبحانه إنما بعثهم بالتبشير والإنذار وإنزال الكتاب ، وهذا هو الوحي ، ليبينوا للناس الحق في الإعتقاد والحق في العمل. وبعبارة أخرى لهداية الناس إلى حق الإعتقاد وحق العمل ، وهذا هو غرضه سبحانه في بعثهم ، وقد قال تعالى:لايَضِلُّ رَبِّي وَلايَنْسَى.(طـه:52) فبيَّن أنه لايضل في فعله ولايخطئ في شأنه ، فإذا أراد شيئاً فإنما يريده من طريقه الموصل إليه من غير خطأ ، وإذا سلك بفعل إلى غاية فلا يضل في سلوكه ، وكيف لا وبيده الخلق والأمر وله الملك والحكم ، وقد بعث الأنبياء عليهم السلام بالوحي إليهم وتفهيمهم معارف الدين ، ولا بد أن يكون ، وبالرسالة لتبليغها للناس ولابد أن يكون. وقال
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 89 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تعالى أيضاً: إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَئٍ قَدْرا.(الطلاق:3) وقال أيضاً: وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أكثر النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. (يوسف:21)
ويدل على العصمة عن الخطأ أيضاً قوله تعالى:عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أحداً ، الأمن ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فإنه يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً. لِيَعْلَمَ أن قَدْ أَبْلَغُوارِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَئٍ عَدَداً.(الجـن:26-28) فظاهره أنه سبحانه يختص رسله بالوحي فيظهرهم على الغيب ويؤيدهم بمراقبة ما بين أيديهم وما خلفهم ، والإحاطة بما لديهم ، لحفظ الوحي عن الزوال والتغير بتغيير الشياطين وكل مغير غيرهم ، ليتحقق إبلاغهم رسالات ربهم.
ونظيره قوله تعالى حكاية عن قول ملائكة الوحي: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلابِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً. (مريم:64) ، دلت الآيات على أن الوحي من حين شروعه في النزول ، إلى بلوغه النبي ، إلى تبليغه للناس محفوظ مصون عن تغيير أي مغير يغيره ) .
وقال الوحيد الخراساني في مقدمة منهاج الصالحين ص61:
والأدلة على عصمة الأنبياء عليهم السلام عديدة ، نشير إلى بعضها:
الدليل الأول: أن لوصول كل مخلوق إلى كماله الذي خلق له سنناً وقوانين ، وقد تبين مما تقدّم أن السنة التي توصل الإنسان إلى كماله المقصود من خلقه ، إنما هي الهداية الإلهية ودين الحقّ .
ولما كان تحقق هذا الكمال يتوقف على تبليغ السنة والنظام الإلهي وتنفيذه ،
والنبي متكفل لتربية الإنسان وفق هذه السنة والنظام ، فلو حصل تخلّف في تبليغه أو تنفيذه لكان نقضاً للغرض ، ولا يكون تخلّف مبلغ الوحي والمربّي بالتربية الإلهية إلامن جهة الخطأ أو الهوى ، وأيّ منهما كان فلا يحصل الغرض الأقصى.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 90 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فكمال الهداية الإلهية يتطلّب كمال الهادي ، وعصمة النظام الإلهي الذي لاَيَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ ، تستلزم عصمة المعلم والمنفذ .
الدليل الثاني: دلّ العقل والنقل على أن الدين جاء ليُحيي الإنسان حياة طيّبة مَنْ عَمِلَ صالحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَاكَانُوا يَعْمَلُونَ ، وماء الحياة الطيّبة للإنسان هو الإيمان والعمل الصالح، وهما يشكّلأن مجموعة الدين ، ومجرى هذا الماء الطيب وجود النبيّ عليه السلام ، فلو كان مجرى الماء ملوثاً لتلوث الماء ولم يصلح لسقي عقول الناس وقلوبهم ، ولا يحصل منه ثمرة الحياة الطيبة .
الدليل الثالث: بما أن الغرض من بعثة النبي عليه السلام لايتحقّق إلا بإطاعته في أمره ونهيه ، وبما أن إطاعة المخطئ والعاصي لاتجوز، فلو لم يكن النبي عليه السلام معصوماً لم تجب إطاعته ، فيلزم نقض الغرض وبطلأن نتيجة البعثة .
الدليل الرابع: إذا لم يكن النبي عليه السلام معصوماً ، لم يحصل للأمة اليقين بصدقه وصحة قوله في تبليغ الوحي ، وإذا لم يكن معصوماً من الذنوب ، سقطت مكانته في أعين الناس ، وكلام العالم بلا عمل ، والواعظ غير المتعظ لا يؤثر في النفوس ، فلا يحصل الغرض المقصود من البعثة .
الدليل الخامس: منشأ الخطأ والذنب ضعف العقل والإرادة ، وعقل النبي عليه السلام كامل ، لأنه باتصاله بالوحي اتصل بحق اليقين ، وصار يرى الأشياء على واقعها كما هي ، وإرادته لا تتأثّر إلا من إرادة الله سبحانه وتعالى ، فلا يبقى في شخصيته مجالٌ للخطأ والذنب). انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 91 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

العصمة لاتعني الإجبار ، ولا تنافي الإختيار

قال المفيد في رسالة النكت الإعتقادية ص45:
(فإن قيل: ما حد العصمة؟ الجواب: العصمة لطف يفعله الله بالمكلف بحيث يمنع منه وقوع المعصية وترك الطاعة ، مع قدرته عليهما.
فإن قيل: ما الدليل على أنه معصوم من أول عمره إلى آخره ؟
والجواب: الدليل على ذلك أنه لو عهد منه السهو والنسيان لارتفع الوثوق منه عند إخباراته. ولو عهد منه خطيئة لتنفرت العقول من متابعته فتبطل فائدة البعثة).
وقال العلامة الحلي في شرح التجريد/494:
قال: ولا تنافي العصمة القدرة.
أقول:اختلف القائلون بالعصمة في أن المعصوم هل يتمكن من فعل المعصية أم لا ؟ فذهب قوم منهم إلى عدم تمكنه من ذلك ، وذهب آخرون إلى تمكنه منها. أما الأولون فمنهم من قال: أن المعصوم مختص في بدنه أو نفسه بخاصية تقتضي امتناع إقدامه على المعصية ، ومنهم من قال: أن العصمة هو القدرة على الطاعة وعدم القدرة على المعصية ، وهو قول أبي الحسين البصري. وأما الإخرون الذين لم يسلبوا القدرة فمنهم من فسرها بأنه الأمر الذي يفعله الله تعالى بالعبد من الألطاف المقربة إلى الطاعات التي يعلم معها أنه لا يقدم على المعصية بشرط أن لا ينتهي ذلك الأمر إلى الالجاء ، ومنهم من فسرها بأنها ملكة نفسانية لا يصدر عن صاحبها معها المعاصي. وآخرون قالوا: العصمة لطف يفعله الله تعالى بصاحبها لا يكون له معه داع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية ، وأسباب هذا اللطف أمور أربعة:
أحدها: أن يكون لنفسه أو لبدنه خاصية تقتضي ملكة مانعة من الفجور وهذه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 92 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الملكة مغايرة للفعل.
الثاني: أن يحصل له علم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات.
الثالث: تأكيد هذه العلوم بتتابع الوحي والإلهام من الله تعالى.
الرابع: مؤاخذته على ترك الأولى بحيث يعلم أنه لا يترك مهملا بل يضيق عليه الأمر في غير الواجب من الأمور الحسنة.
فإذا اجتمعت هذه الأمور كان الإنسان معصوماً .
والمصنف رحمه الله اختار المذهب الثاني وهو أن العصمة لا تنافي القدرة بل المعصوم قادر على فعل المعصية ، وإلا لما استحق المدح على ترك المعصية ولا الثواب ، ولبطل الثواب والعقاب في حقه ، فكان خارجاً عن التكليف ! وذلك باطل بالإجماع وبالنقل في قوله تعالى:(قُلْ إنما أنا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ) .
وقال العلامة الحلي في كتاب الألفين/67:
البحث السابع: في عصمة الإمام ، وهي ما يمتنع المكلف معه من المعصية متمكنا منها ، ولا يمتنع منها مع عدمها. اختلف الناس في ذلك ، فذهبت الإمامية والإسماعيلية إليه ، ونفاه الباقون ، لنا وجوه:
الأول: لو كان غير معصوم لكان محتاجاً إما إلى نفسه أو إلى إمام آخر فيدور أو يتسلسل وهما محالأن ، وذلك لوجود العلة المحوجة إليه فيه .
لايقال: المعصوم لايخلو إما أن يقدر على المعصية أو لا يقدر ، فإن قدر فلايخلو أن يمكن وقوعها منه أو لايمكن ، فإن أمكن فهو كسائر المكلفين في الحقيقة من غير امتياز ، وإن لم يمكن فقدرته على ما لايمكن وقوعه لا يكون قدرة ، وإن لم يقدر فهو مجبورٌ وليس ذلك بشرف له.
وأيضاً ، إذا جاز أن يمتنع وقوع المعصية من شخص من المكلفين بفعل الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 93 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تعالى ، ولا يضر ذلك قدرته وتمكنه من الطرفين ، فالواجب أن يجعل جميع المكلفين كذلك ، إذ كان الغرض من وجودهم إيصال الثواب إليهم دون وقوع المعصية وعقابهم عليها ؟
وأيضاً ، فلمَ يجوز أن يكون الإنتهاء في الإحتجاج إلى النبي صلى الله عليه وآله أو القرآن وينقطع التسلسل.
لأنا نجيب عن الأول: بأنه يقدر عليها ولكن لاتقع مقدورة منه، لعدم خلوص داعيه إليها ، كما نقول في امتناع وقوع القبايح من الحكيم تعالى ، وكما نقول في عصمة الأنبياء عليهم السلام فإن القدرة على ما لايمكن وقوعه لاعتبار شئ غير ذاته لايستنكر ، إنما يستنكر القدرة على ما لا يمكن وقوعه لذاته.
وعن الثاني: أنا لا نقول أن الحكيم تعالى جعل شخصاً واحداً بفعله معصوماً من غير استحقاق منه لذلك ، لكِنَّا نقول: كل من يستحق الألطاف الخاصة التي هي العصمة بكسبه ، فهو تعالى يخصه بها .
ثم الإمام يجب أن يكون من تلك الطايفة ، فالمكلفون بأسرهم لو استحقوا بكسبهم تلك الألطاف لكانوا كلهم معصومين ، فظهر أن الخلل في عدم عصمتهم جميعاً راجع عليهم لا عليه تعالى.
وعن الثالث: أن نسبة غير المعصومين إلى النبي صلى الله عليه وآله القرآن نسبة واحدة ، فلو جاز أن يكون النبي الموجود في زمان سابق أو القرآن مُغنياً لمكلف مع جواز خطأه عن الإمام لجاز في الجميع مثل ذلك ، وحينئذ لايجب احتياجهم جميعاً إلى الإمام ، وقد سبق فساد اللازم فظهر فساد الملزوم.
الثاني: لما ثبت وجوب نصب الإمام على الله تعالى بالطريق الثاني فنقول: أنا نعلم ضرورة أن الحاكم إذا نصب في رعيته من يعرف منه أنه لا يقوم بمصالحهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 94 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولا يراعي فيهم ما لأجله احتاجوا إلى منصوب قبله ، تستقبح العقول منه ذلك النصب وتنفر عنه ، ونصب غير المعصوم من الله تعالى داخل في هذه الحِكم ، فعلمنا أنه لاينصب غير المعصوم، فكل إمام ينصبه الله تعالى فهو معصوم). انتهى.
وقال الشريف المرتضى في رسائله:3/323:
(مسألة في العصمة: ماحقيقة العصمة التي يعتقد وجوبها للأنبياءوالأئمة عليه السلام ، وهل هو معنى يضطر إلى الطاعة ويمنع من المعصية أو معنى يضامُّ الإختيار؟ فإن كان معنى يضطر إلى الطاعة ويمنع من المعصية ، فكيف يجوز الحمد والذم لفاعلها ؟ وإن كان معنى يضامُّ الإختيار، فاذكروه ودُلُّوا على صحة مطابقته له ، ووجوب اختصاص المذكورين به دون من سواهم ، فقد قال بعض المعتزلة: إن الله عصم أنبياءه بالشهادة لهم بالإعتصام ، وضلل قوماً بنفس الشهادة عليهم بالضلال ، فإن يكن ذلك هو المعتمد ، أنعمْ بذكره ودلَّ على صحته وبطلأن ما عساه نعلمه من الطعن عليه ، وإن كان باطلاً دلَّ على بطلانه وصحة الوجه المعتمد دون ما سواه ؟
الجواب ولله التوفيق: أعلم أن العصمة هي اللطف الذي يفعله تعالى ، فيختار العبد عنده الإمتناع من فعل القبيح ، فيقال على هذا إن الله عصمه ، بأن فعل له ما اختار عنده العدول عن القبيح ، ويقال إن العبد معتصم ، لأنه اختار عند هذا الداعي الذي فعل الإمتناع عن القبيح.
وأصل العصمة في وضع اللغة المنع ، يقال: عصمت فلاناً من السوء إذا منعت من فعله به. غير أن المتكلمين أجروا هذه اللفظة على من امتنع باختياره عند اللطف الذي يفعله الله تعالى به ، لأنه إذا فعل به ما يعلم أن يمتنع عنده من فعل القبيح فقد منعه منه ، فأجروا عليه لفظ المانع قسراً أو قهراً. وأهل اللغة يتصارفون ذلك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 95 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ويستعملونه ، لأنهم يقولون فيمن أشار على غيره برأي فقبله مختاراً ، واحتمى بذلك من ضرر يلحقه هو وماله إنه حماه من ذلك الضرر ومنعه وعصمه ، وإن كان ذلك على سبيل الإختيار.
فإن قيل: أفتقولون فيمن لطف له بما اختار عنده الإمتناع من فعل واحد قبيح أنه معصوم.
قلنا: نقول ذلك مضافاً ولا نطلقه ، فنقول: أنه معصوم من كذا ولا نطلق ، فيوهم أنه معصوم من جميع القبائح ، ونطلق في الأنبياءوالأئمة عليهم السلام العصمة بلا تقييد ، لأنهم عندنا لايفعلون شيئاً من القبائح ، دون ما يقوله المعتزلة من نفي الكبائر عنهم دون الصغائر.
فإن قيل: فإذا كان تفسير العصمة ما ذكرتم ، أفلا عصم الله جميع المكلفين وفعل بهم ما يختارون عنده الإمتناع من القبائح.
قلنا: كل من علم الله تعالى أن له لطفاً يختار عنده الإمتناع من القبح ، فإنه لا بدَّ أن يفعله وإن لم يكن نبياً ولا إماماً ، لأن التكليف يقتضي فعل اللطف على ما دل عليه في مواضع كثيرة.
غير أنا لانمنع أن يكون في المكلفين من ليس في المعلوم أن فيه سبباً متى فعل اختار عنده الإمتناع من القبح ، فيكون هذا المكلف لاعصمة له في المعلوم ولا لطف ، ولا يكلف من لا لطف له بحسن ولا بقبح ، وإنما القبيح منع اللطف فيمن له لطف مع ثبوت التكليف.
فأما قول بعضهم إن العصمة الشهادة من الله تعالى بالإعتصام ، فباطل لأن الشهادة لا يجعل الشئ على ما هو به ، وإنما يتعلق به على ما هو عليه ، لأن الشهادة هي الخبر ، والخبر عن كون الشئ على صفة لا يؤثر في كونه عليها ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 96 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فيحتاج أولاً إلى أن يتقدم إلى العلم بأن زيداً معصوم أو معتصم ، ويوضح عن معنى ذلك ، ثم تكون الشهادة من بعده مطابقة لهذا العلم ، وهذا بمنزلة من سئل عن حد المتحرك ، فقال: هو شهادة بأنه متحرك أو العلم بأنه على هذه الصفة. وفي هذا البيان كفاية لمن تأمل).
وقال الطباطبائي في تفسير الميزان:2/138: (فإن قلت: الذي يدل عليه ما مر من الآيات الكريمة هو أن الأنبياء عليهم السلام لايقع منهم خطأ ولا يصدر عنهم معصية ، وليس ذلك من العصمة في شئ ، فإن العصمة على ما ذكره القوم قوة تمنع الإنسان عن الوقوع في الخطأ ، وتردعه عن فعل المعصية واقتراف الخطيئة ، وليست القوة مجرد صدور الفعل أو عدم صدوره ، وإنما هي مبدأ نفساني تصدر عنه الفعل كما تصدر الأفعال عن الملكات النفسانية.
قلت: نعم لكن الذي يحتاج إليه في الأبحاث السابقة هو عدم تحقق الخطأ والمعصية من النبي عليه السلام ولايضر في ذلك عدم ثبوت قوة تصدر عنها الفعل صواباً أو طاعة وهو ظاهر.
ومع ذلك يمكن الإستدلال على كون العصمة مستندة إلى قوة رادعة بما مر في البحث عن الإعجاز من دلالة قوله تعالى: إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَئ قَدْراً. (الطلاق:3) وكذا قوله تعالى: إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (هود:56) على أن كلاً من الحوادث يحتاج إلى مبدأ يصدر عنه وسبب يتحقق به ، فهذه الأفعال الصادرة عن النبي عليه السلام على وتيرة واحدة صواباً وطاعة تنتهي إلى سبب مع النبي عليه السلام وفي نفسه وهي القوة الرادعة.
وتوضيحه: أن أفعال النبي عليه السلام المفروض صدورها طاعة أفعال اختيارية من نوع الأفعال الإختيارية الصادرة عنا ، التي بعضها طاعة وبعضها معصية ، ولا شك أن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 97 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفعل الإختياري إنما هو اختياري بصدوره عن العلم والمشية ، وإنما يختلف الفعل طاعة ومعصية باختلاف الصورة العلمية التي يصدر عنها ، فإن كان المقصود هو الجري على العبودية بامتثال الأمر مثلاً تحققت الطاعة ، وإن كان المطلوب- أعني الصورة العلمية التي يضاف إليها المشية- اتباع الهوى واقتراف ما نهى الله عنه تحققت المعصية ، فاختلاف أفعالنا طاعة ومعصية لاختلاف علمنا الذي يصدر عنه الفعل ، ولو دام أحد العلمين أعني الحكم بوجوب الجري على العبودية وامتثال الأمر الإلهي ، لما صدر إلا الطاعة ، ولو دام العلم الآخر الصادر عنه المعصية (والعياذ بالله) لم يتحقق إلا المعصية.
وعلى هذا فصدور الأفعال عن النبي عليه السلام بوصف الطاعة دائماً ليس إلا لأن العلم الذي يصدر عنه فعله بالمشية صورة علمية صالحة غير متغيرة ، وهو الإذعان بوجوب العبودية دائماً ، ومن المعلوم أن الصورة العلمية والهيئة النفسانية الراسخة غير الزائلة ، هي الملكة النفسانية كملكة العفة والشجاعة والعدالة ونحوها ، ففي النبي ملكة نفسانية تصدر عنها أفعاله على الطاعة والإنقياد وهي القوة الرادعة عن المعصية.
ومن جهة أخرى النبي عليه السلام لايخطئ في تلقي الوحي ولا في تبليغ الرسالة ففيه هيئة نفسانية لاتخطئ في تلقي المعارف وتبليغها ، ولاتعصي في العمل. ولو فرضنا أن هذه الأفعال وهي على وتيرة واحدة ليس فيها إلا الصواب والطاعة تحققت منه من غير توسط سبب من الأسباب يكون معه ، ولا انضمام من شئ إلى نفس النبي عليه السلام ، كان معنى ذلك أن تصدر أفعاله الإختيارية على تلك الصفة بإرادة من الله سبحانه من غير دخالة للنبي عليه السلام فيه، ولازم ذلك إبطال علم النبي عليه السلام وإرادته في تأثيرها في أفعاله ، وفي ذلك خروج الأفعال الإختيارية عن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 98 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كونها اختيارية ، وهو ينافي افتراض كونه فرداً من أفراد الإنسان الفاعل بالعلم والإرادة. فالعصمة من الله سبحانه إنما هي بإيجاد سبب في الإنسان النبي يصدر عنه أفعاله الإختيارية صواباً وطاعة ، وهو نوع من العلم الراسخ ، وهو الملكة كما مر ).
وقال في الميزان:5/78 ، في تفسير قوله تعالى: وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ.(النساء:113): ( ظاهر الآية أن الأمر الذي تتحقق به العصمة نوع من العلم يمنع صاحبه عن التلبس بالمعصية والخطأ. وبعبارة أخرى: علم مانع عن الضلال ، كما أن سائر الإخلاق كالشجاعة والعفة والسخاء كل منها صورة علمية راسخة موجبة لتحقق آثارها ، مانعةٌ عن التلبس بأضدادها من آثار الجبن والتهور والخمود والشره والبخل والتبذير.
والعلم النافع والحكمة البالغة وإن كانا يوجبان تنزه صاحبهما عن الوقوع في مهالك الرذائل ، والتلوث بأقذار المعاصي ، كما نشاهده في رجال العلم والحكمة والفضلاء من أهل التقوى والدين ، غير أن ذلك سببٌ غالبيٌّ كسائر الأسباب الموجودة في هذا العالم المادي الطبيعي ، فلا تكاد تجد متلبساً بكمال يحجزه كماله من النواقص ويصونه عن الخطأ صوناً دائمياً من غير تخلف ، سنةً جاريةً في جميع الأسباب التي نراها ونشاهدها.
والوجه في ذلك أن القوى الشعورية المختلفة في الإنسان يوجب بعضها ذهوله عن حكم البعض الآخر ، أو ضعف التفاته إليه ، كما أن صاحب ملكة التقوى مادام شاعراً بفضيلة تقواه لايميل إلى اتباع الشهوة غير المرضية ويجري على مقتضى تقواه ، غير أن اشتعال نار الشهوة وانجذاب نفسه إلى هذا النحو من الشعور ، ربما حجبه عن تذكر فضيلة التقوى أو ضعف شعور التقوى ، فلا يلبث
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 99 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
دون أن يرتكب ما لاترتضيه التقوى ، ويختار سفساف الشره ، وعلى هذا السبيل سائر الأسباب الشعورية في الإنسان .
وإلا فالإنسان لايحيد عن حكم سبب من هذه الأسباب ما دام السبب قائماً على ساق ، ولا مانع يمنع من تأثيره ، فجميع هذه التخلفات تستند إلى مغالبة التقوى والأسباب ، وتغلُّبِ بعضها على بعض.
ومن هنا يظهر أن هذه القوة المسماة بقوة العصمة سبب شعوري علمي غير مغلوب البتة ، ولو كانت من قبيل ما نتعارفه من أقسام الشعور والإدراك لتسرب إليها التخلف ، وخَبَطت في أثرها أحياناً ، فهذا العلم من غير سنخ سائر العلوم والإدراكات المتعارفة التي تقبل الإكتساب والتعلم. وقد أشار الله تعالى إليه في خطابه الذي خص به نبيه صلى الله عليه وآله بقوله: وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ. (النساء:113) وهو خطاب خاص لانفقهه حقيقة الفقه ، إذ لاذوق لنا في هذا النحو من العلم والشعور.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 100 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
غير أن الذي يظهر لنا من سائر كلامه تعالى بعض الظهور كقوله: قُلْ مَنْ كَانَ عدواً لِجِبْرِيلَ فإنه نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ. (البقرة:97) (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ، (الشعراء:195-196) أن الإنزال المذكور من سنخ العلم ، ويظهر من جهة أخرى أن ذلك من قبيل الوحي والتكليم ، كما يظهر من قوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبراهيم وَمُوسَى وَعِيسَى، الآية.. (الشورى:13) وقوله: أنا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ، (النساء:163) وقوله: إِنْ أَتَّبِعُ إلا مَا يُوحَى إِلَيَّ .( الأنعام-50) ، وقوله: إنما أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ (لأعراف:203) ويستفاد من الآيات على اختلافها أن المراد بالإنزال هو الوحي ، وحي الكتاب والحكمة ، وهو نوع تعليم إلهي لنبيه صلى الله عليه وآله .
غير أن الذي يشير إليه بقوله: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ. (النساء:113) ليس هو الذي علمه بوحي الكتاب والحكمة فقط ، فإن مورد الآية قضاء النبي صلى الله عليه وآله في الحوادث الواقعة والدعاوى التي ترفع إليه برأيه الخاص ، وليس ذلك من الكتاب والحكمة بشئ وإن كان متوقفاً عليهما بل رأيه ونظره الخاص به. ومن هنا يظهر أن المراد بالإنزال والتعليم في قوله: وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ. (النساء:113) نوعان اثنان من العلم ، أحدهما التعليم بالوحي ونزول الروح الأمين على النبي صلى الله عليه وآله والإخر: التعليم بنوع من الإلقاء في القلب والإلهام الخفى الإلهي من غير إنزال الملك ، وهذا هو الذي تؤيده الروايات الواردة في علم النبي صلى الله عليه وآله .
وعلى هذا فالمراد بقوله: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ،آتاك نوعاً من العلم لو لم يؤتك إياه من لدنه لم يكفك في إيتائه الأسباب العادية التي تعلم الإنسان ما يكتسبه من العلوم.
فقد بان من جميع ما قدمناه أن هذه الموهبة الإلهية التي نسميها قوة العصمة نوع من العلم والشعور ، يغاير سائر أنواع العلوم في أنها غير مغلوبة لشئ من القوى الشعورية البتة ، بل هي الغالبة القاهرة عليها المستخدمة إياها ، ولذلك كانت تصون صاحبها من الضلال والخطيئة مطلقاً.
وقد ورد في الروايات أن للنبي والإمام عليهما السلام روحاً تسمى روح القدس تسدده وتعصمه عن المعصية والخطيئة ، وهي التي يشير إليها قوله تعالى وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَامَاكُنْتَ تَدْرِي مَاالْكِتَابُ وَلا الإيمان وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ، (الشورى:52) بتنزيل الآية على ظاهرها من الإلقاء عليه صلى الله عليه وآله ونظيره قوله تعالى: وَجَعَلْنَاهُمْ أئمة يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 101 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ، (الأنبياء:73)بناء على ما سيجئ من بيان معنى الآية إن شاء الله العزيز أن المراد به تسديد روح القدس الإمام بفعل الخيرات وعبادة الله سبحانه. وبانَ مما مر أيضاً أن المراد بالكتاب في قوله: وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ، هو الوحي النازل لرفع اختلافات الناس على حد قوله تعالى:كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ). (البقرة:213) .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 102 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 103 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الخامس : دفاع أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم عن عصمة الأنبياء عليهم السلام

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 104 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 105 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الإمام الصادق عليه السلام يتألم لظلم الناس للأنبياءوالأوصياء عليهم السلام

في أمالي الصدوق ص163: (حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة عن حمدان بن سليمان ، عن نوح بن شعيب ، عن محمد بن إسماعيل ، عن صالح ، عن علقمة ، قال: قال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام وقد قلت له: يا بن رسول الله أخبرني من تقبل شهادته ومن لاتقبل شهادته؟ فقال: (يا علقمة ، كل من كان على فطرة الإسلام جازت شهادته. قال فقلت له: تقبل شهادة المقترف للذنوب؟ فقال: يا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلا شهادات الأنبياءوالأوصياء صلوات الله عليهم ، لأنهم هم المعصومون دون سائر الخلق ، فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان ، فهو من أهل العدالة والستر ، وشهادته مقبولة ، وإن كان في نفسه مذنباً...
قال علقمة: فقلت للصادق عليه السلام : يا بن رسول الله أن الناس ينسبوننا إلى عظائم الأمور ، وقد ضاقت بذلك صدورنا. فقال عليه السلام :
يا علقمة أن رضا الناس لايملك ، وألسنتهم لاتضبط، فكيف تَسْلمون مما لم يسلم منه أنبياءالله ورسله وحججه عليهم السلام ؟!
ألم ينسبوا يوسف إلى أنه هم بالزنا ؟! ألم ينسبوا أيوب إلى أنه ابتلى بذنوبه ؟!
ألم ينسبوا داود إلى أنه تبع الطير حتى نظر إلى امرأة أوريا فهواها ! وأنه قدم زوجها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 106 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إمام التابوت حتى قتل ثم تزوج بها ؟!
ألم ينسبوا موسى إلى أنه عنين وآذوه حتى برأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها؟!
ألم ينسبوا جميع أنبياءالله إلى أنهم سحرة طلبة الدنيا ؟!
ألم ينسبوا مريم بنت عمران إلى أنها حملت بعيسى من رجل نجار اسمه يوسف؟!
ألم ينسبوا نبينا محمداً صلى الله عليه وآله إلى أنه شاعر مجنون ؟ ألم ينسبوه إلى أنه هوى امرأة زيد بن حارثة فلم يزل بها حتى استخلصها لنفسه؟ ألم ينسبوه يوم بدر إلى أنه أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء ! حتى أظهره الله عز وجل على القطيفة وبرأ نبيه من الخيانة ، وأنزل بذلك في كتابه: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أن يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يأت بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ! ألم ينسبوه إلى أنه ينطق عن الهوى في ابن عمه علي حتى كذبهم الله عز وجل ، فقال سبحانه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى.إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى ؟!
ألم ينسبوه إلى الكذب في قوله: أنه رسول من الله إليهم ؟ حتى أنزل الله عز وجل عليه: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ ؟!
ولقد قال يوماً: عرج بي البارحة إلى السماء. فقيل: والله ما فارق فراشه طول ليلته.
وما قالوا في الأوصياء عليهم السلام أكثر من ذلك ! ألم ينسبوا سيد الأوصياء عليه السلام إلى أنه كان يطلب الدنيا والملك وأنه كان يؤثر الفتنة على السكون ، وأنه يسفك دماء المسلمين بغير حلها ، وأنه لو كان فيه خير ما أمر خالدَ بن الوليد بضرب عنقه ؟
ألم ينسبوه إلى أنه أراد أن يتزوج ابنة أبي جهل على فاطمة عليها السلام ، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله شكاه على المنبر إلى المسلمين ، فقال: أن علياً يريد أن يتزوج ابنة عدو الله على ابنة نبي الله، إلا أن فاطمة بضعة مني ، فمن آذاها فقد آذاني ، ومن سرها فقد سرني ، ومن غاظها فقد غاظني ؟
ثم قال الصادق عليه السلام : يا علقمة ، ما أعجب أقاويل الناس في علي عليه السلام !
كم بين من يقول: أنه رب معبود ، وبين من يقول: أنه عبد عاص للمعبود ! ولقد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 107 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كان قول من ينسبه إلى العصيان أهون عليه من قول من ينسبه إلى الربوبية.
يا علقمة ، ألم يقولوا لله عز وجل: أنه ثالث ثلاثة ؟ ألم يشبهوه بخلقه ؟ ألم يقولوا أنه الدهر ؟ ألم يقولوا: أنه الفلك ؟ ألم يقولوا: أنه جسم ؟ ألم يقولوا: أنه صورة ؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً .
ياعلقمة ، أن الألسنة التي تتناول ذات الله تعالى ذكره بما لايليق بذاته ، كيف تحبس عن تناولكم بما تكرهونه ! فاستعينوا بالله واصبروا ، أن الأرض لله يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. فإن بني إسرائيل قالوا لموسى عليه السلام : أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أن تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ، فقال الله عز وجل: قل لهم يا موسى:عَسَى رَبُّكُمْ أن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرض فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ). (لأعراف:129)

الإمام الرضا عليه السلام يدافع عن عصمة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام

في عيون أخبار الرضا عليه السلام :2/174: (باب ذكر مجلس آخر للرضا عليه السلام عند المأمون في عصمة الأنبياء عليهم السلام : (حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي(رض)قال: حدثني أبي عن حمدان بن سليمان النيسابوري عن علي بن محمد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما السلام فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك: الأنبياءمعصومون ؟ قال: بلى قال: فما معنى قول الله عز وجل: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ؟
فقال عليه السلام : أن الله تبارك وتعالى قال لآدم:(اسْكُنْ أنت وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ، وأشار لهما إلى شجره الحنطة فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ، ولم يقل لهما: لاتأكلا من هذه الشجره ولا مما كان من جنسها ، فلم يقربا تلك الشجره ولم يأكلا منها وإنما أكلا من غيرها لمَّا أن وسوس الشيطان اليهما وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ ، وإنما نهاكما أن تقربا غيرها ولم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 108 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ينهكما عن الأكل منها ، إلا أنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ , ولم يكن آدم وحواء شاهداً قبل ذلك من يحلف بالله كاذباً ، فَدَلاهُمَا بِغُرُور ، فأكلا منها ثقة بيمينه بالله .>وكان ذلك من آدم قبل النبوة ، ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق به دخول النار ، وإنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياءقبل نزول الوحي عليهم< فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبياً كان معصوماً لا يذنب صغيرة ولا كبيرة ، قال الله عز وجل: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى. وقال عز وجل: أن الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبراهيم وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ. فقال له المأمون: فما معنى قول الله عز وجل: فَلَمَّا آتَاهُمَا صالحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ؟ فقال له الرضا عليه السلام : >إن حواء ولدت لآدم خمس مأة بطن ذكراً وأنثى< ، وإن آدم عليه السلام وحواء عاهدا الله عز وجل ودعواه وقالا: لَئِنْ آتَيْتَنَا صالحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، فَلَمَّا آتَاهُمَا صالحاً من النسل خلقاً سوياً بريئاً من الزمانة والعاهة وكان ما آتاهما صنفين صنفاً ذكراناً وصنفاً إناثاً ، فجعل الصنفان لله تعالى شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ، ولم يشكراه كشكر أبويهما له عز وجل ، قال الله تبارك وتعالى: فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ . فقال المأمون: أشهد إنك ابن رسول الله حقاً ، فأخبرني عن قول الله عز وجل في حق إبراهيم عليه السلام : فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي ؟ فقال الرضا عليه السلام : أن إبراهيم عليه السلام وقع إلى ثلاثه أصناف صنف يعبد الزهرة وصنف يعبد القمر وصنف يعبد الشمس، وذلك حين خرج من السرب الذي أخفي فيه فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ فرأى الزهرة قال:هَذَا رَبِّي؟! على الإنكار والإستخبار فَلَمَّا أَفَلَ الكوكب قَالَ لا أحب الآفِلِين ، لأن الأفول من صفات المحدث لا من - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 109 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - صفات القدم ، فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي على الإنكار والإستخبار: فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ، يقول: لو لم يهدني ربي لكنت من القوم الضالين ، فلما أصبح رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ من الزهرة والقمر ، على الإنكار والإستخبار لا على الأخبار والإقرار ، فَلَمَّا أَفَلَتْ قال للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس:يَا قَوْمِ إِنِّي بَرئٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَالسَّمَاوَاتِ والأرض حنيفاً وَمَاأَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وإنما أراد إبراهيم عليه السلام بما قال أن يبين لهم بطلأن دينهم ويثبت عندهم أن العبادة لا تحق لما كان بصفة الزهرة والقمر والشمس ، وإنما تحق العبادة لخالقها وخالق السموات والأرض . وكان ما احتج به على قومه مما ألهمه الله تعالى وآتاه كما قال الله عز وجل: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبراهيم عَلَى قَوْمِهِ. فقال المأمون: لله درك يا ابن رسول الله فأخبرني عن قول إبراهيم عليه السلام : رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ؟ قال الرضا عليه السلام : أن الله تبارك وتعالى كان أوحى إلى ابراهيم عليه السلام : إني متخذ من عبادي خليلاً أن سألني إحياء الموتى أجبته ، فوقع في نفس إبراهيم أنه ذلك الخليل ، فقال:رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي على الخلَّة ، قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أن الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ. فأخذ إبراهيم عليه السلام نسراً وطاووساً وبطاً وديكاً، فقطَّعهنَّ وخَلَطهُنَّ ، ثم جعل على كل جبل من الجبل التي حوله وكانت عشرة منهن جزءً وجعل مناقيرهن بين أصابعه ، ثم دعاهن بأسمائهن ووضع عنده حباً وماءً ، فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان ، وجاء كل بدن حتى انضمَّ إلى رقبته - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 110 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - ورأسه ، فخلَّى إبراهيم عليه السلام عن مناقيرهن فطِرْنَ ، ثم وقعنَ فشربنَ من ذلك الماء ، والْتقطنَ من ذلك الحب وقلنَ: يا نبيَّ الله أحييتنا ، أحياك الله. فقال إبراهيم: بل الله يحيي ويميت ، وهو على كل شئ قدير . قال المأمون: بارك الله فيك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل: فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ؟ قال الرضا عليه السلام : أن موسى دخل مدينه من مدائن فرعون عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهلها ، وذلك بين المغرب والعشاء ، فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلأن هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ، فقضى موسى على العدو ، وبحكم الله تعالى ذِكْره فَوَكَزَهُ ، فمات! قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَان ، يعني الإقتتال الذي كان وقع بين الرجلين ، لا ما فعله موسى عليه السلام من قَتْلِهِ. أنه عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ، يعني الشيطان . فقال المأمون: فما معنى قول موسى: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ؟ قال: يقول: إني وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة ، فَاغْفِرْ لِي ، أي أسترني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني ، فَغَفَرَ لَهُ أنه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، قال موسى عليه السلام : قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ، من القوة حتى قتلت رجلاً بوكزة ، فَلَنْ أكون ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ، بل أجاهد سبيلك بهذه القوة حتى ترضى . فَأَصْبَحَ موسى عليه السلام فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ على آخر ، قَالَ لَهُ مُوسَى إنك لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ، قاتلت رجلاً بالأمس وتقاتل هذا اليوم ، لأوذينك ، وأراد أن يبطش به فَلَمَّا أن أراد أن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا وهو من شيعته قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نفساً بِالأَمْسِ أن تُرِيدُ إلا أن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأرض وَمَا تُرِيدُ أن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ . قال المأمون: جزاك الله عن أنبيائه خيراً يا أبا الحسن، فما معنى قول موسى - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 111 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - لفرعون: فَعَلْتُهَا إذا وأنا مِنَ الضَّالِّينَ ؟ قال الرضا عليه السلام : أن فرعون قال: لموسى لما أتاه: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ، بي ! قال موسى: فَعَلْتُهَا إذا وأنا مِنَ الضَّالِّينَ ، عن الطريق بوقوعي إلى مدينه من مدائنك ، فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ، وقد قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وآله : أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى ، يقول: ألم يجدك وحيداً فآوى إليك الناس. وَوَجَدَكَ ضَالاً ، يعني عند قومك ، فَهَدَى ، أي هداهم إلى معرفتك. وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ، يقول: أغناك بأن جعل دعاءك مستجاباً . قال المأمون: بارك الله فيك يا ابن رسول الله ، فما معنى قول الله عز وجل: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي ، كيف يجوز أن يكون كلم الله موسى بن عمران عليه السلام لايعلم أن الله تبارك وتعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال ؟ قال الرضا عليه السلام : أن كليم الله موسى بن عمران عليه السلام علم أن الله تعالى أعزُّ من أن يرى بالأبصار ، ولكنه لما كلمه الله عز وجل وقرَّبه نجياً ، رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه ، فقالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حتى نستمع كلامه كما سمعت ، وكان القوم سبعمأة الف رجل ، فاختار منهم سبعين ألفاً ثم اختار منهم سبعه آلاف ، ثم اختار منهم سبعمائة ، ثم اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربهم ، فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى إلى الطور ، وسأل الله تعالى أن يكلمه ويسمعهم كلامه فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وإمام ، لأن الله عز وجل أحدثه في الشجرة ، وجعله منبعثاً منها حتى سمعوه من جميع الوجوه ، فقالوا: لَنْ - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 112 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - نُؤْمِنَ لَكَ بأن هذا الذي سمعناه كلام الله: حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً ، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عز وجل عليهم صاعقه فأخذتهم بظلمهم فماتوا ، فقال موسى: يا رب ما أقول لبنى إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا: إنك ذهبت بهم فقتلتهم ، لأنك لم تكن صادقاً فيما ادعيت من مناجاة الله عز وجل إياك ، فأحياهم الله وبعثهم معه فقالوا: إنك لو سألت الله أن يريك ننظر إليه لأجابك ، وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته؟ فقال موسى: يا قوم أن الله تعالى لايرى بالأبصار ولا كيفيه له وإنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه فقالوا: لن نؤمن لك حتى تسأله ، فقال موسى: يا رب إنك قد سمعت مقاله بني إسرائيل ، وأنت أعلم بصلاحهم فأوحى الله جل جلاله: يا موسى سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى عليه السلام : قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إلى الْجَبَلِ فإن اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ وهو يهوي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ بآية من آياته جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أفاق قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ يقول: رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي وأنا أول الْمُؤْمِنِينَ منهم بأنك لا ترى. فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أن رَأى بُرْهَانَ رَبِّه ؟ قال الرضا عليه السلام : لقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهَمَّ بها كما همت ، لكنه عليه السلام كان معصوماً والمعصوم لايهمُّ بذنب ولا يأتيه ، ولقد حدثني أبي عن أبيه الصادق عليهما السلام أنه قال: همَّت بأن تفعل ، وهمَّ بأن لا يفعل. فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل:وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أن لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ؟ فقال الرضا عليه السلام : ذاك يونس بن متى عليه السلام ذهب مغاضباً لقومه فظن بمعنى - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 113 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - استيقنأَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ أي لن نضيق رزقه ، ومنه قوله عز وجل: وأما إذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ، أي ضيق وقتر. فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ،أي ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت أن لاإله إِلاأنت سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ، بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرغتني لها في بطن الحوت ، فاستجاب الله وله وقال عز وجل: فَلَوْلا أنه كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ .لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. فقال المأمون: لله درك أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل: حَتَّى إذا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ؟ قال الرضا عليه السلام يقول الله عز وجل:حَتَّى إذا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ من قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كُذِبوا ، جاء الرسل نصرنا . فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن ، فأخبرني قول الله عز وجل: لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قال الرضا عليه السلام : لم يكن أحد عند مشركي أهل مكه أعظم ذنباً من رسول الله صلى الله عليه وآله لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاث مأة وستين صنماً فلما جاءهم صلى الله عليه وآله بالدعوه إلى كلمة الإخلاص كبُرَ ذلك عليهم وعَظُم وقالوا: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إلهاً واحداً أن هَذَا لَشَئٌ عُجَابٌ. وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أن امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ أن هَذَا لَشَئٌ يُرَادُ. مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخرة أن هَذَا إلا اخْتِلاقٌ. فلما فتح الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وآله مكه قال له يا محمد: أنا فَتَحْنَا لَكَ >مكة فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَاتَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ ، عند مشركي أهل مكه بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدم. وَمَا تَأَخَّرَ ، لأن مشركي مكه أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه ، فصار ذنبه عندهم ذلك مغفوراً بظهوره عليهم.
فقال المأمون: لله درك أبا الحسن ، فأخبرني عن قول الله عز وجل: عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ؟ قال الرضا عليه السلام :هذا مما نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة ، خاطب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 114 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الله عز وجل بذلك نبيه وأراد به أمته وكذلك قوله: تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ، وقوله عز وجل: وَلَوْلا أن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شيئاً قليلاً .
قال صدقت يا ابن رسول الله فأخبرني عن قول الله عز وجل: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أحق أن تَخْشَاهُ ؟
قال الرضا عليه السلام : >إن رسول الله صلى الله عليه وآله قصد دار زيد بن حارثه بن شراحيل الكلبي في أمر أراده فرأى امرأته تغتسل فقال لها: سبحان الذي خلقك ، وإنما أراد بذلك تنزيه الباري عز وجل عن قول من زعم أن الملائكة بنات الله ، فقال الله عز وجل: أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قولاً عَظِيماً ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : لما رآها تغتسل: سبحان الذي خلقك أن يتخذ له ولداً يحتاج إلى هذا التطهير والإغتسال ، فلما عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجئ رسول الله صلى الله عليه وآله وقوله لها: سبحان الذي خلقك! فلم يعلم زيد ما أراد بذلك وظن أنه قال ذلك لما أعجبه من حسنها < فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال له: يارسول الله أن امرأتى في خلقها سوء وإني أريد طلاقها فقال النبي صلى الله عليه وآله : أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ ، وقد كان الله عز وجل عرَّفه عدد أزواجه وإن تلك المرأ صلى الله عليه وآله منهن ، فأخفى ذلك في نفسه ، ولم يبده لزيد ، وخشئ الناس أن يقولوا أن محمداً يقول لمولاه: أن امرأتك ستكون لي زوجة ، يعيبونه بذلك ، فأنزل الله عز وجل: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ يعني بالإسلام ، وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ يعني بالعتق أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أحق أن تَخْشَاهُ .
ثم أن زيد بن حارثه طلقها واعتدت منه فزوجها الله عز وجل من نبيه محمد صلى الله عليه وآله وأنزل بذلك قرآناً فقال عز وجل: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 115 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لايَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أمر اللهِ مَفْعُولاً. ثم علم الله عز وجل أن المنافقين سيعيبونه بتزويجها فأنزل الله تعالى: مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أمر اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً .
فقال المأمون: لقد شفيت صدري يا ابن رسول الله وأوضحت لي ما كان ملتبساً عليَّ ، فجزاك الله عن أنبيائه وعن الإسلام خيراً .
قال علي بن محمد بن الجهم: فقام المأمون إلى الصلاة وأخذ بيد محمد بن جعفر بن محمد صلى الله عليه وآله وكان حاضر المجلس وتبعتهما ، فقال له المأمون: كيف رأيت ابن أخيك؟ فقال له:عالم ولم نره يختلف إلى أحد من أهل العلم!
فقال المأمون: أن ابن أخيك من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله الذين قال فيهم النبي:
إلا أن أبرار عترتي وأطايب أرومتي أحلم الناس صغاراً ، وأعلم الناس كباراً ، فلا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ، لايخرجونكم من باب هدى ، ولايدخلونكم في باب ضلالة.
وانصرف الرضا عليه السلام الى منزله ، فلما كان من الغد غدوت عليه وأعلمته ما كان من قول المأمون وجواب عمه محمد بن جعفر له ، فضحك عليه السلام ثم قال: يا ابن الجهم لايغرنك ما سمعته منه فإنه سيغتالني ، والله تعالى ينتقم لي منه!
قال مصنف هذا الكتاب: هذا الحديث غريب من طريق علي بن محمد بن الجهم مع نصبه وبغضه وعداوته لأهل البيت عليهم السلام ). انتهى. (ورواه الصدوق أيضاً في التوحيد/74: و/121)

ملاحظة

اعتبر السيد الخوئي قدس سره عليَّ بن الجهم وعليَّ بن محمد بن الجهم ، شخصاً واحداً ، قال في معجم رجال الحديث:12/323: (علي بن الجهم: عن مروج الذهب أنه بلغ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 116 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من نصب علي بن الجهم أنه كان يلعن أباه فسئل عن ذلك فقال: بتسميتي علياً ! قال ابن شهرآشوب: قال أبو العيناء لعلي بن الجهم: إنما تبغض علياً لأنه كان يقتل الفاعل والمفعول ، وأنت أحدهما ! فقال له: يا مخنث ! فقال أبو العيناء: وَضَرَبَ لَنَا مثلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ ) !!
وقال في:13/142: (علي بن محمد بن الجهم: روى الصدوق بإسناده عنه في حديث ذكر في آخره أن المأمون سأل محمد بن جعفر بن محمد وقال: كيف رأيت ابن أخيك (الرضا عليه السلام ) ؟ فقال: عالم ، ولم نره يختلف إلى أحد من أهل العلم...الخ. ثم قال السيد الخوئي رحمه الله : أقول: كأن علي بن محمد بن الجهم ، هو علي بن الجهم المتقدم ). انتهى.
لكنَّ عليَّ بن محمد بن الجهم إسم لعديد من الرواة ، وقد ميزوا بعضهم بالسمري ، وبعضهم بالكاتب ، وبعضهم بالسائي ، وبعضهم بكنية أبي طالب... (راجع كفاية الخطيب ص90 قال: أنا أبو طالب علي بن محمد بن الجهم الكاتب ، قال ثنا صالح بن أحمد بن حنبل...).
وميزه الكلباسي في سماء المقال:1/8: فقال:(علي بن الجهم بن بدر السائي: كان أكذب خلق الله ، مشهوراً بالنصب كثير الحط على علي وأهل البيت عليهم السلام وقيل إنه كان يلعن أباه لم سماه علياً ).
أما الحسكاني في شواهد التنزيل:1/42 ، فروى عن أبي الفضل جعفر بن الفضل الوزير بمكة ، قال: حدثنا علي بن محمد بن الجهم..وروى عنه فضيلة لأمير المؤمنين عليهم السلام )
كما روى الزرندي في نظم درر السمطين: ص242، عن علي بن الجهم معجزة الإمام الهادي عليه السلام مع المتوكل.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 117 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولعل الذي روى عنه الصدوق غير الذين ترجموا لهم بهذا الإسم ، لاسيما أن رواية أبي الصلت التي نقلناها في مقدمة الكتاب عن العيون:2/170، ، تدل على أنه كان من العلماء الذين اختارهم المأمون لمناظرة الإمام الرضا عليه السلام وأنه لم يكن معانداً بل كان مؤدباً مخبتاً مطيعاً للحق ، فقد جاء في آخرها:
(وفي آخرها: فبكى علي بن محمد بن الجهم وقال: يا ابن رسول الله،أنا تائب إلى الله عز وجل من أن أنطق في أنبياءالله عليهم السلام بعد يومي إلا بما ذكرته).
فمن المحتمل أنه اهتدى بعد مناظرته مع الإمام الرضا عليه السلام ولم يطلع الصدوق على ذلك .
لكن الإشكال الأهم من إسم ابن الجهم ، متن روايته ، ففيها تنزيهٌ للأنبياء عليهم السلام يتفق مع مذهبنا ، وفيها ما يخالف عصمتهم التامة قبل البعثة ، ولذا قال صاحب الميزان:1/146: (أقول: قال الصدوق رحمه الله بعد نقل الحديث على طوله: والحديث عجيب من طريق على بن محمد بن الجهم مع نصبه وبغضه وعداوته لأهل البيت عليهم السلام . انتهى. وما أعجبه منه إلا ما شاهده من اشتماله على تنزيه الأنبياء عليهم السلام من غير أن يمعن النظر في الأصول المأخوذة فيه ، فما نقله من جوابه عليه السلام في آدم لايوافق مذهب أئمة أهل البيت المستفيض عنهم من عصمة الأنبياءمن الصغاير والكبائر قبل النبوة وبعدها.
على أن الجواب مشتمل على تقدير في قوله تعالى: مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إلا أن تَكُونَا... ، إلى مثل قولنا: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة وإنما نها كما عن غيرها ، وما نهاكما عن غيرها إلا أن تكونا..الخ.). انتهى.
فالرواية مضافأً إلى الجهالة في سندها ، فيها إشكالات تتعلق بالعصمة ، وقد وضعنا أهم فقراتها بين قوسين ( > < ).
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 118 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لكنها بقرينة الشواهد الأخرى الصحيحة ، تدل على أن الإمام الرضا عليه السلام قد أجاب المأمون على تمسك العامة بالمتشابهات وشبهات اليهود على عصمة الأنبياءالتامة عليهم السلام ، وشبهات قريش على عصمة نبينا صلى الله عليه وآله ، وإن كان الرواي ابن الجهم أو غيره رواها متأثرةً بتصوره ، ولم يحفظها بدقة !

استغفار الأنبياء والأوصياء عليهم السلام وابتلاؤهم لم يكن بسبب الذنوب

في الخصال للصدوق ص399: (حدثنا أبي(رض)قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي الخزاز ، عن فضل الأشعري ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ابتلى أيوب عليه السلام سبع سنين بلا ذنب .
حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا الحسن بن علي السكري قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهم السلام قال: أن أيوب عليه السلام ابتلى من غير ذنب ، وإن الأنبياءلايذنبون لأنهم معصومون مطهرون ، لايذنبون ولايزيغون ولايرتكبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً.
وقال عليه السلام : إن أيوب عليه السلام مع جميع ما ابتلى به لم ينتن له رائحة ، ولا قبحت له صورة ، ولا خرجت منه مدة من دم ولا قيح ، ولا استقذره أحد رآه ، ولا استوحش منه أحد شاهده ، ولا يدود شئ من جسده ، وهكذا يصنع الله عز وجل بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه. وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره ، لجهلهم بما له عند ربه تعالى ذكره من التأييد والفرج ، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله : أعظم الناس بلاء الأنبياءثم الأمثل فالأمثل ، وإنما ابتلاه الله عزوجل بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس ، لئلا يدَّعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله أن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 119 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يوصله إليه من عظائم نعمه متى شاهدوه ، ليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله تعالى ذكره على ضربين: استحقاق واختصاص، ولئلا يحتقروا ضعيفاً لضعفه، ولا فقيراً لفقره ولأمريضاً لمرضه ، وليعلموا أنه يسقم من يشاء ويشفي من يشاء ، متى شاء كيف شاء بأي سبب شاء ، ويجعل ذلك عبرةً لمن يشاء وشقاوة لمن يشاء وسعادة لمن يشاء ، وهو في جميع ذلك عدل في قضائه وحكيم في أفعاله، لايفعل بعباده إلا الأصلح لهم، ولا قوة لهم إلا به ).
وفي معاني الأخبار/383: ( حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن على بن رئاب ، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: وَمَاأَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ، أرأيت ما أصاب علياً وأهل بيته هو بما كسبت أيديهم ، وهم أهل بيته طهارة معصومون ؟
فقال: أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتوب إلى الله عزوجل ويستغفره في كل يوم وليلة مائة مره من غير ذنب. أن الله عز وجل يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب ). (ورواه في الكافي:2/450)
وفي الكافي:2/450: (علي بن إبراهيم ، رفعه قال: لما حمل علي بن الحسين إلى يزيد بن معاوية فأوقف بين يديه ، قال يزيد: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ، فقال علي بن الحسين: ليست هذا الآية فينا أن فينا قول الله عز وجل: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرض وَلافِي أَنْفُسِكُمْ إلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أن نَبْرَأَهَا أن ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ).

ملاحظة

إن نفيَ الذنوب عن الأنبياءوالأوصياء عليهم السلام والإعتقاد بأنهم مطهرون منها ، كما
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 120 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في الخصال ص603 وأمالي الصدوق ص738 ، لاينافيه وجود آيات تنسب اليهم الذنوب عليهم السلام ، لأنها ذنوب من مستواهم وليست من نوع ذنوبنا ، فيصح إطلاق الذنوب عليها بلحاظ ، ونفي كونها ذنوباً بلحاظ آخر ، كما لو دخل شخص مجلساً ولم يسلِّم على أهله ، فقلت له هذا ذنبٌ لايناسب أخلاقك العالية ، ثم قلت له: لكن لابأس فهو ليس ذنباً شرعياً .

هشام بن الحكم يدافع عن عصمة الأنبياءوالأئمة عليهم السلام تحت سيف هارون الرشيد !

في كمال الدين للصدوق ص362: (حدثنا أحمد بن زياد الهمداني ، والحسين بن إبراهيم بن ناتانه رضي الله عنهما قالا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير قال: أخبرني علي الأسواري قال: كان ليحيى بن خالد مجلس في داره يحضره المتكلمون من كل فرقة وملة يوم الأحد فيتناظرون في أديانهم ، يحتج بعضهم على بعض ، فبلغ ذلك الرشيد ، فقال ليحيى بن خالد: ياعباسي ما هذا المجلس الذي بلغني في منزلك يحضره المتكلمون؟ قال: يا أمير المؤمنين ما شئ مما رفعني به أمير المؤمنين وبلغ بي من الكرامة والرفعة أحسن موقعاً عندي من هذا المجلس ، فإنه يحضره كل قوم مع اختلاف مذاهبهم ، فيحتج بعضهم على بعض ويعرف المحق منهم ، ويتبين لنا فساد كل مذهب من مذاهبهم.
فقال له الرشيد: أنا أحب أن أحضر هذا المجلس وأسمع كلامهم على أن لا يعلموا بحضوري فيحتشموني ولا يظهروا مذاهبهم ، قال: ذلك إلى أمير المؤمنين متى شاء ، قال: فضع يدك على رأسي أن لا تعلمهم بحضوري ، ففعل ، وبلغ الخبر المعتزلة ، فتشاوروا بينهم وعزموا على أن لا يكلموا هشاماً إلا في الإمامة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 121 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لعلمهم بمذهب الرشيد وإنكاره على من قال بالإمامة.
قال: فحضروا وحضر هشام ، وحضر عبد الله بن يزيد الإباضي وكان من أصدق الناس لهشام بن الحكم ، وكان يشاركه في التجارة ، فلما دخل هشام سلم على عبد الله بن يزيد من بينهم ، فقال يحيى بن خالد لعبد الله بن يزيد: يا عبد الله كلم هشاماً فيما اختلفتم فيه من الإمامة.
فقال هشام: أيها الوزير ليس لهم علينا جواب ولا مسألة إن هؤلاء قوم كانوا مجتمعين معنا على إمامة رجل ، ثم فارقونا بلا علم ولا معرفة ، فلا حين كانوا معنا عرفوا الحق ، ولا حين فارقونا علموا على ما فارقونا ، فليس لهم علينا مسألة ولا جواب.
فقال بيان ، وكان من الحرورية: أنا أسألك يا هشام ، أخبرني عن أصحاب علي يوم حكموا الحكمين أكانوا مؤمنين أم كافرين؟
قال هشام: كانوا ثلاثة أصناف: صنف مؤمنون ، وصنف مشركون ، و صنف ضُلال ، فأما المؤمنون فمن قال مثل قولي إن علياً عليه السلام إمام من عند الله عز وجل ومعاوية لايصلح لها ، فآمنوا بما قال الله عز وجل في علي عليه السلام وأقروا به. وأما المشركون فقوم قالوا: على إمام ، ومعاوية يصلح
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 122 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لها ، فأشركوا إذ أدخلوا معاوية مع علي عليه السلام . وأما الضلال: فقوم خرجوا على الحمية والعصبية للقبائل والعشائر لم يعرفوا شيئاً من هذا وهم جهال.
قال: فأصحاب معاوية ما كانوا ؟ قال: كانوا ثلاثة أصناف: صنف كافرون ، وصنف مشركون ، وصنف ضلال. فأما الكافرون: فالذين قالوا إن معاوية إمام ، وعلي لا يصلح لها ، فكفروا من جهتين إذ جحدوا إماماً من الله عز وجل ، ونصبوا إماماً ليس من الله. وأما المشركون: فقوم قالوا: معاوية إمام ، وعلي يصلح لها ، فأشركوا معاوية مع علي عليه السلام . وأما الضلال: فعلى سبيل أولئك خرجوا للحمية والعصبية للقبائل والعشائر. فانقطع بيان عند ذلك.
فقال ضرار: وأنا أسألك يا هشام في هذا ؟ فقال هشام: أخطأت قال: ولمَ ؟ قال: لأنكم كلكم مجتمعون على دفع إمامة صاحبي ، وقد سألني هذا عن مسألة وليس لكم أن تثنوا بالمسألة عليَّ حتى أسألك يا ضرار عن مذهبك في هذا الباب ؟
قال ضرار: فسل ، قال: أتقول إن الله عز وجل عدل لا يجور ؟
قال: نعم هو عدل لا يجور تبارك وتعالى .
قال: فلو كلف الله المقعد المشئ إلى المساجد والجهاد في سبيل الله ، وكلف الأعمى قراءة المصاحف والكتب أتراه كان يكون عادلا أم جائراً ؟
قال ضرار: ما كان الله ليفعل ذلك.
قال هشام: قد علمت أن الله لا يفعل ذلك ولكن ذلك على سبيل الجدل والخصومة أن لو فعل ذلك أليس كان في فعله جائراً إذ كلفه تكليفاً لا يكون له السبيل إلى إقامته وأدائه ؟
قال: لو فعل ذلك لكان جائراً.
قال: فأخبرني عن الله عز وجل كلف العباد ديناً واحداً لا اختلاف فيه لا يقبل منهم إلا أن يأتوا به كما كلفهم ؟
قال: بلى. قال: فجعل لهم دليلاً على وجود ذلك الدين ، أو كلفهم مالا دليل لهم على وجوده فيكون بمنزلة من كلف الأعمى قراءة الكتب والمعقد المشئ إلى المساجد والجهاد ؟
قال: فسكت ضرار ساعة ، ثم قال: لا بدَّ من دليل وليس بصاحبك !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 123 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال: فتبسم هشام وقال: تشيع شطرك وصرت إلى الحق ضرورة ولا خلاف بيني وبينك إلا في التسمية !
قال ضرار: فإني أرجع القول عليك في هذا.
قال: هات.. قال ضرار لهشام: كيف تعقد الإمامة؟
قال هشام: كما عقد الله عز وجل النبوة.
قال: فهو إذاً نبي ! قال هشام: لا لأن النبوة يعقدها أهل السماء ، والإمامة يعقدها أهل الأرض فعقد النبوة بالملائكة ، وعقد الإمامة بالنبي ، والعقدان جميعاً بأمر الله جل جلاله.
قال: فما الدليل على ذلك ؟ قال هشام: الإضطرار في هذا .
قال ضرار: وكيف ذلك ؟
قال هشام: لا يخلو الكلام في هذا من أحد ثلاثة وجوه: أما أن يكون الله عز وجل رفع التكليف عن الخلق بعد الرسول صلى الله عليه وآله ، فلم يكلفهم ولم يأمرهم ولم ينههم فصاروا بمنزلة السباع والبهائم التي لا تكليف عليها ، أفتقول هذا يا ضرار إن التكليف عن الناس مرفوع بعد الرسول صلى الله عليه وآله ؟
قال: لا أقول هذا.
قال هشام: فالوجه الثاني ينبغي أن يكون الناس المكلفون قد استحالوا بعد الرسول صلى الله عليه وآله علماء في مثل حد الرسول في العلم حتى لا يحتاج أحد إلى أحد، فيكونوا كلهم قد استغنوا بأنفسهم ، وأصابوا الحق الذي لا اختلاف فيه! أفتقول هذا إن الناس استحالوا علماء حتى صاروا في مثل حد الرسول في العلم بالدين حتى لا يحتاج أحد إلى أحد ، مستغنين بأنفسهم عن غيرهم في إصابة الحق ؟
قال: لا أقول هذا ، ولكنهم يحتاجون إلى غيرهم.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 124 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال: فبقي الوجه الثالث وهو أنه لا بدَّ لهم من عالم يقيمه الرسول لهم لا يسهو ولا يغلط ولا يحيف ، معصوم من الذنوب ، مبرؤ من الخطايا ، يحتاج الناس إليه ولا يحتاج إلى أحد.
قال: فما الدليل عليه ؟ قال هشام: ثمان دلالات أربع في نعت نسبه ، وأربع في نعت نفسه. فأما الأربع التي في نعت نسبه: فإنه يكون معروف الجنس ، معروف القبيلة ، معروف البيت ، وإن يكون من صالب الملة والدعوة إليه إشارة ، فلم ير جنس من هذا الخلق أشهر من جنس العرب الذين منهم صاحب الملة والدعوة الذي ينادى باسمه في كل يوم خمس مرات على الصوامع " أشهد أن لا إله إلا الله ، وإن محمداً رسول الله " فتصل دعوته إلى كل بر وفاجر وعالم وجاهل ، مقر ومنكر ، في شرق الأرض وغربها ، ولو جاز أن تكون الحجة من الله على هذا الخلق في غير هذا الجنس لأتى على الطالب المرتاد دهر من عصره لا يجده ، ولجاز أن يطلبه في أجناس من هذا الخلق من العجم وغيرهم ، ولكان من حيث أراد الله عز وجل أن يكون صلاح يكون فساد ، ولا يجوز هذا في حكمة الله جل وجلاله وعدله أن يفرض على الناس فريضة لا توجد. فلما لم يجز ذلك لم يجز أن يكون إلا في هذا الجنس لا تصاليه بصاحب الملة والدعوة ، فلم يجز أن يكون من هذا الجنس إلا في هذه القبيلة لقرب نسبها من صاحب الملة وهي قريش ، ولما لم يجز أن يكون من هذا الجنس إلا في هذه القبيلة لم يجز أن يكون من هذه القبيلة إلا في هذا البيت لقرب نسبه من صاحب الملة و الدعوة ، ولما كثر أهل هذا البيت وتشاجروا في الإمامة لعلوها وشرفها ، ادعاها كل واحد منهم فلم يجز إلا أن يكون من صاحب الملة والدعوة إشارة إليه بعينه واسمه ونسبه كيلا يطمع فيها غيره.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 125 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأما الأربع التي في نعت نفسه: فإن يكون أعلم الناس كلهم بفرائض الله وسننه وأحكامه حتى لا يخفى عليه منها دقيق ولا جليل ، وإن يكون معصوماً من الذنوب كلها ، وإن يكون أشجع الناس ، وإن يكون أسخى الناس.
فقال عبد الله بن يزيد الإباضي: من أين قلت: أنه أعلم الناس ؟
قال: لأنه أن لم يكن عالماً بجميع حدود الله وأحكامه وشرائعه وسننه لم يؤمن عليه أن يقلب الحدود ، فمن وجب عليه القطع حده ، ومن وجب عليه الحد قطعه ، فلا يقيم لله عز وجل حدا على ما أمر به فيكون من حيث أراد الله صلاحاً يقع فساداً.
قال: فمن أين قلت: أنه معصوم من الذنوب؟ قال: لأنه إن لم يكن معصوماً من الذنوب دخل في الخطأ ، فلا يؤمن أن يكتم على نفسه ويكتم على حميمه وقريبه ، ولا يحتج الله بمثل هذا على خلقه.
قال: فمن أين قلت: إنه أشجع الناس ؟
قال: لأنه فئة للمسلمين الذي يرجعون إليه في الحروب ، وقال الله عز وجل: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلا مُتَحرفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ، فإن لم يكن شجاعاً فرَّ فيبوء بغضب من الله ، ولا يجوز أن يكون من يبوء بغضب من الله عز وجل حجة الله على خلقه.
قال: فمن أين قلت أنه أسخى الناس ؟
قال: لأنه خازن المسلمين فإن لم يكن سخياً تاقت نفسه إلى أموالهم فأخذها فكان خائناً ، و لا يجوز أن يحتج الله على خلقه بخائن.
فعند ذلك قال ضرار: فمن هذا بهذه الصفة في هذا الوقت ؟
فقال: صاحب القصر أمير المؤمنين ! وكان هارون الرشيد قد سمع الكلام كله ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 126 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقال عند ذلك: أعطانا والله من جراب النورة ، ويحك يا جعفر، وكان جعفر بن يحيى جالساً معه في الستر ، مَنْ يعني بهذا ؟
فقال: يا أمير المؤمنين يعني به موسى بن جفعر ، قال: ما عني بها غير أهلها ، ثم عضَّ على شفتيه وقال: مثل هذا حيٌّ ويبقى لي ملكي ساعة واحدة! فو الله للسان هذا أبلغ في قلوب الناس من مائة ألف سيف !!
وعلم يحيى أن هشاماً قد أُتِيَ ، فدخل الستر فقال: يا عباسي ويحك من هذا الرجال؟ فقال: يا أمير المؤمنين حسبك ، تكفى تكفى !
ثم خرج إلى هشام فغمزه ، فعلم هشام أنه قد أتيَ فقام يريهم أنه يبول أو يقضي حاجة ، فلبس نعليه وانسل ، ومر ببيته وأمرهم بالتواري ، وهرب ومر من فوره نحو الكوفة ، فوافى الكوفة ونزل على بشير النبال- وكان من حملة الحديث من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام - فأخبره الخبر ، ثم اعتل علة شديدة فقال له البشير: آتيك بطبيب ؟ قال: لا أنا ميت ، فلما حضره الموت قال لبشير: إذا فرغت من جهازي فاحملني في جوف الليل وضعني بالكناسة واكتب رقعة وقل: هذا هشام بن الحكم الذي يطلبه أمير المؤمنين ، مات حتف أنفه.
وكان هارون قد بعث إلى إخوانه وأصحابه فأخذ الخلق به ، فلما أصبح أهل الكوفة رأوه ، وحضر القاضي وصاحب المعونة والعامل و المعدلون بالكوفة ، وكتب إلى الرشيد بذلك ، فقال: الحمد لله الذي كفانا أمره فخلى عمن كان أخذ به ) !!. انتهى. ( وعنه في البحار بتفاوت يسير: 48/197)
وفي هذا النص دلالات هامة تاريخية وعقيدية ، وهو يكشف الحكمة من نهي الإمام الكاظم عليه السلام لهشام رحمه الله نهياً مشدداً عن المشاركة في ذلك مجلس المناظرات البرمكي !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 127 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وإن كان زمن هذه القصة بعد وفاة الإمام الكاظم عليه السلام بكثير حيث توفي الإمام الكاظم عليه السلام سنة 183، وهشام قريب المئتين .

مرجع الشيعة الشيخ المفيد رحمه الله يدافع عن عصمة نبينا صلى الله عليه وآله

في مصنفات الشيخ المفيد:1/30: ( فصل: ومن كلام الشيخ أدام الله عزه أيضاً: حضر في دار الشريف أبي عبدالله محمد بن محمد بن طاهر رحمه الله ، وحضر رجل من المتفقهة يعرف بالورثاني وهو من فقهائهم ، فقال له الورثاني: أليس من مذهبك أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان معصوماً من الخطأ ، مبرأً من الزلل مأموناً عليه من السهو والغلط ، كاملاً بنفسه غنياً عن رعيته ؟
فقال له الشيخ أيده الله: بلى كذلك كان صلى الله عليه وآله .
قال له: فما تصنع في قول الله جل جلاله: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ، أليس قد أمره الله بالإستعانة بهم في الرأي وأفقره إليهم، فكيف يصح لك ماادعيت مع ظاهر القرآن وما فعله النبي صلى الله عليه وآله ؟
فقال له الشيخ أدام الله عزه: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يشاور أصحابه لفقر منه إلى آرائهم ولحاجة دعته إلى مشورتهم من حيث ظننت وتوهمت ، بل لأمر آخر أنا أذكره لك بعد الإيضاح عما أخبرتك به ، وذلك أنا قد علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان معصوماً من الكبائر والصغائر ، وإن خالفت أنت في عصمته من الصغائر. وكان أكمل الخلق باتفاق أهل الملة وأحسنهم رأياً وأوفرهم عقلاً وأكملهم تدبيراً ، وكانت المواد بينه وبين الله سبحانه متصلة والملائكة تتواتر عليه بالتوفيق من الله عز وجل والتهذيب ، والإنباء له عن المصالح ، وإذا كان بهذه الصفات لم يصح أن يدعوه داع إلى اقتباس الرأي من رعيته ، لأنه ليس
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 128 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أحد منهم إلا وهو دونه في سائر ما عددناه ، وإنما يستشير الحكيم غيره على طريق الإستفادة والإستعانة برأيه إذا تيقن أنه أحسن رأياً منه وأجود تدبيراً وأكمل عقلاً أو ظن ذلك فأما إذا أحاط علماً بأنه دونه فيما وصفناه ، لم يكن للإستعانة في تدبيره برأيه معنى ، لأن الكامل لايفتقر إلى الناقص فيما يحتاج فيه إلى الكمال ، كما لايفتقر العالم إلى الجاهل فيما يحتاج فيه إلى العلم. والآية بينةٌ يدل متضمنها على ذلك، ألا ترى إلى قوله تعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ، فعلق وقوع الفعل بعزمه دون رأيهم ومشورتهم ).

مرجع الشيعة السيد المرتضى قدس سره يؤلف كتاباً في تنزيه الأنبياء عليهم السلام

ألف السيد المرتضى وهو من أكابر علمائنا رحمه الله توفي سنة436 ، كتاباً خاصاً سماه "تنزيه الأنبياء" ، ليساعد الشيعة في وقوفهم إمام ثقافة اليهود التي نشرها الحكام في الأمة ، وقد ردَّ فيه افتراءهم على الأنبياء عليهم السلام وما تمسكوا به من متشابهات القرآن.
وقد تتبعت المؤلفات في هذا الموضوع، وأقدم ما رأيته منها كتاب تنزيه الأنبياء عليهم السلام لجعفر بن مبشر الكاتب المعتزلي ، ذكره كتابه ابن النديم في الفهرست ص208 ، وقال الذهبي في ميزان الإعتدال:1/414: (جعفر بن مبشر الثقفى ، من رؤوس المعتزلة ، له تصانيف في الكلام ، وهو أخو الفقيه حبيش بن مبشر.... مات سنة أربع وثلاثين ومائتين). انتهى.
وأخوه حبيش هذا من رواة الشيعة وفقهائهم المشهورين في بغداد.
كما وجدت إسم كتاب عصمة الأنبياءلأحمد بن سهل أبي زيد البلخي المعتزلي أيضاً ، توفي322 ، ذكره ابن النديم في الفهرست ص153 ، وابن حجر في لسان الميزان:1/183 .
وهذا يدل على أن المدافعين عن عصمة الأنبياء عليهم السلام كانوا الشيعة وبعض
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 129 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المعتزلة فقط ، وإن أتباع الفرق الموالية للحكم القرشئ كانوا يقبلون الإسرائيليات فيهم التي تطعن في عصمتهم قبل النبوة وبعدها !
أما في القرون المتأخرة فنجد مؤلفات كثيرة في تنزيه الأنبياء عليهم السلام أكثرها لعلماء شيعة ، وأقل منها لمعتزلة وقليل منها لصوفية وعلماء سنيين ، وأشهرها على الإطلاق كتاب عصمة الأنبياءللفخر الرازي المتوفى606 هجرية، (كشف الظنون:1/333 ) وهو سني متأثر بالمعتزلة ، وسوف نورد فقرات من كتابه.

مقتطفات من كتاب تنزيه الأنبياء عليهم السلام

رأينا أن نورد في هذا الكتاب مقتطفات منه أو فهرساً علمياً موسعاً لأهم مسائله ، ونضع لها العناوين المناسبة ، ونلفت إلى أن العناوين المطبوعة بما فيها المسألة والجواب ، ليست من كلام المؤلف ، ولا في النسخة الأصلية.
قال رحمه الله في ص15: (سألت أحسن الله توفيقك ، إملاء كتاب في تنزيه الأنبياءوالأئمة عليهم السلام عن الذنوب والقبائح كلها ، ما سمي منها كبيرة أو صغيرة والرد على من خالف في ذلك ، على اختلافهم وضروب مذاهبهم .
وأنا أجيب إلى ما سألت على ضيق الوقت ، وتشعب الفكر ، وأبتدئ بذكر الخلاف في هذا الباب ، ثم بالدلالة على مذهب الصحيح من جملة ما اذكره من المذاهب ، ثم بتأويل ما تعلق به المخالف من الآيات والأخبار ، التي اشتبه عليه وجهها ، وظن أنها تقتضي وقوع كبيرة أو صغيرة من الأنبياءوالأئمة عليهم السلام ، ومن الله تعالى استمد المعونة والتوفيق ، واياه اسأل التأييد والتسديد.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 130 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

بيان الخلاف في نزاهة الأنبياء عليهم السلام عن الذنوب

اختلف الناس في الأنبياء عليهم السلام ، فقالت الشيعة الإمامية ، لايجوز عليهم شئ من المعاصي والذنوب كبيراً كان أو صغيراً ، لاقبل النبوة ولا بعدها ، ويقولون في الأئمة مثل ذلك.
وجوَّزَ أصحاب الحديث والحشوية على الأنبياءالكبائر قبل النبوة ، ومنهم من جوزها في حال النبوة سوى الكذب فيما يتعلق بأداء الشريعة ، ومنهم من جوزها كذلك في حال النبوة بشرط الإستسرار دون الإعلأن ، ومنهم من جوزها على الأحوال كلها .
ومنعت المعتزلة من وقوع الكبائر والصغائر المستخفة من الأنبياء عليهم السلام قبل النبوة وفي حالها ، وجوزت في الحالين وقوع ما لا يستخف من الصغاير ، ثم اختلفوا فمنهم من جوز على النبي عليه السلام الإقدام على المعصية الصغيرة على سبيل العمد ، ومنهم من منع من ذلك وقال إنهم لايقدمون على الذنوب التي يعلمونها ذنوباً ، بل على سبيل التأويل.
وحكي عن النظام ، وجعفر بن مبشر ، وجماعة ممن تبعهما ، أن ذنوبهم لا تكون إلا على سبيل السهو والغفلة، وأنهم مؤاخذون بذلك وإن كان موضوعاً عن أممهم لقوة معرفتهم وعلو مرتبتهم.
وجوزوا كلهم ومن قدمنا ذكره من الحشوية وأصحاب الحديث على الأئمة الكبائر والصغائر ، إلا أنهم يقولون أن وقوع الكبيرة من الإمام تفسد إمامته ويجب عزله والإستبدال به.....
واعلم أن جميع ما ننزه الأنبياء عليهم السلام عنه ونمنع من وقوعه منهم ، يستند إلى دلالة العلم المعجز أما بنفسه أو بواسطة. وتفسير هذه الجملة ، أن العلم المعجز إذا كان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 131 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
واقعاً موقع التصديق لمدعي النبوة والرسالة ، وجارياً مجرى قوله تعالى له: صدقت في إنك رسولي ومؤدٍّ عني ، فلابد من أن يكون هذا المعجز مانعاً من كذبه على الله سبحانه فيما يؤديه عنه ، لأنه تعالى لايجوز أن يصدق الكذاب ، لأن تصديق الكذاب قبيح.....
فإن قيل: لم يبق إلا أن تدلوا على أن تجويز الكبائر يقدح فيما هو الغرض بالبعثة من القبول والإمتثال.
قلنا: لاشبهة في أن من نجوز عليه كبائر المعاصي ولا نأمن منه الإقدام على الذنوب ، لاتكون أنفسنا ساكنة إلى قبول قوله أو استماع وعظه كسكونها إلى من لانجوز عليه شيئاً من ذلك ، وهذا هو معنى قولنا أن وقوع الكبائر منفر عن القبول....
فإن قيل: أو ليس قد جوز كثير من الناس على الأنبياء عليهم السلام الكبائر مع أنهم لم ينفروا عن قبول أقوالهم والعمل بما شرعوه من الشرايع ، وهذا ينقض قولكم أن الكبائر منفرة !
قلنا: هذا سؤال من لا يفهم ما أوردناه ، لأنا لم نرد بالتنفير ارتفاع التصديق وإن لايقع امتثال الأمر جملة ، وإنما أردنا ما فسرناه من أن سكون النفس إلى قبول قول من يجوز ذلك عليه لايكون على حد سكونها إلى من لا يجوز ذلك عليه ، وأنا مع تجويز الكبائر نكون أبعد من قبول القول.....
ومما يدل أيضاً على أن الكبائر لاتجوز عليهم ، أن قولهم قد ثبت أنه حجة في الشرع....
فأما ما حكيناه عن النظام وجعفر بن مبشر ومن وافقهما ، من أن ذنوب الأنبياء عليهم السلام تقع منهم على سبيل السهو والغفلة ، وأنهم مع ذلك مؤاخذون بها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 132 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فليس بشئ ، لأن السهو يزيل التكليف ويخرج الفعل من أن يكون ذنباً مؤاخذاً به ، ولهذا لايصح مؤاخذة المجنون والنائم .
وحصول السهو في أنه مؤثر في ارتفاع التكليف بمنزلة فقد القدرة والآلات والأدلة ، فلو جاز أن يخالف حال الأنبياءفي صحة تكليفهم مع السهو ، جاز أن يخالف حالهم لحال أممهم في جواز التكليف مع فقد سائر ما ذكرناه ، وهذا واضح.
فأما الطريق الذي به يعلم أن الأئمة عليهم السلام لايجوز عليهم الكبائر في حال الإمامة ، فهو أن الإمام إنما احتيج إليه لجهة معلومة ، وهي أن يكون المكلفون عند وجوده أبعد من فعل القبيح وأقرب من فعل الواجب على ما دللنا عليه في غير موضع ، فلو جازت عليه الكبائر لكانت علة الحاجة إليه ثابتة فيه وموجبة وجود إمام يكون إماماً له ، والكلام في إمامته كالكلام فيه ، وهذا يؤدي إلى وجود ما لا نهاية له من الأئمة وهو باطل ، أو الإنتهاء إلى إمام معصوم وهو المطلوب.....

تنزيه آدم عليه السلام عن الغواية

فمما تعلقوا به قوله تعالى في قصة آدم عليه السلام : (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) (طـه:121) قالوا وهذا تصريح بوقوع المعصية التي لا تكون إلا قبيحة ، وأكده بقوله فغوى ، وهذا تصريح بوقوع المعصية ، والغيُّ ضد الرشد .
يقال لهم: أما المعصية فهى مخالفة الأمر ، والأمر من الحكيم تعالى قد يكون بالواجب وبالمندوب معاً ، فلا يمتنع على هذا أن يكون آدم عليه السلام مندوباً إلى ترك التناول من الشجرة ، ويكون بمواقعتها تاركاً نفلاً وفضلاً وغير فاعل قبيحاً ، وليس يمتنع أن يسمى تارك النفل عاصياً كما يسمى بذلك تارك الواجب ، فإن تسمية من خالف ما أمر به سواء كان واجباً أو نفلاً بأنه عاص ظاهرة ، ولهذا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 133 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يقولون أمرت فلاناً بكذا وكذا من الخير فعصاني وخالفني ، وإن لم يكن ما أمره به واجباً.
وأما قوله فغوى فمعناه أنه خاب ، لأنا نعلم أنه لو فعل ما ندب إليه من ترك التناول من الشجرة لاستحق الثواب العظيم.....
فإن قال قائل: فما قولكم في قوله تعالى:( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِه فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صالحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. فَلَمَّا آتَاهُمَا صالحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (لأعراف:189-190) ، أوَليس ظاهر هذه الآية يقتضى وقوع المعصية من آدم عليه السلام لأنه لم يتقدم من يجوز صرف هذه الكناية في جميع الكلام إليه ، إلا ذكر آدم عليه السلام وزوجته....
يقال له: قد علمنا أن الدلالة العقلية التي قدمناها في باب أن الأنبياء عليهم السلام لايجوز عليهم الكفر والشرك ، والمعاصي غير محتملة ، ولا يصح دخول المجاز فيها ، والكلام في الجملة يصح فيه الإحتمال وضروب المجاز ، فلابد من بناء المحتمل على ما لايحتمل ، فلو لم نعلم تأويل هذه الآية على سبيل التفصيل لكنا نعلم في الجملة أن تأويلها مطابق لدلالة العقل. وقد قيل في تأويل هذه الآية ما يطابق دليل العقل ، ومما يشهد له اللغة وجوه.
منها ، أن الكناية في قوله سبحانه: جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ، غير راجعة إلى آدم عليه السلام وحواء ، بل إلى الذكور والإناث من أولادهما....
فأما مايدعي في هذا الباب من الحديث فلا يلتفت إليه ، لأن الأخبار يجب أن تبنى على أدلة العقول ، ولاتقبل في خلال ما تقتضيه أدلة العقول. ولهذا لاتقبل أخبار الجبر والتشبيه ، ونردها أو نتأولها أن كان لها مخرج سهل. وكل هذا لو لم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 134 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يكن الخبر الوارد مطعوناً على سنده مقدوحاً في طريقه ، فإن هذا الخبر يرويه قتادة عن الحسن عن سمرة وهو منقطع ، لأن الحسن لم يسمع من سمرة شيئاً في قول البغداديين.
وقد يدخل الوهن على هذا الحديث من وجه آخر ، لأن الحسن نفسه يقول بخلاف هذه الرواية فيما رواه خلف بن سالم ، عن إسحاق بن يوسف عن عوف ، عن الحسن في قوله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صالحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ، قال: هم المشركون ، وبإزاء هذا الحديث ما روي عن سعيد بن جبير وعكرمة والحسن وغيرهم ، من أن الشرك غير منسوب إلى آدم وزوجته عليهما السلام وإن المراد به غيرهما ، وهذه جملة واضحة .

تنزيه نوح عليه السلام عما لايليق به

فإن سأل سائل: عن قوله تعالى:(وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ أن ابْنِي مِنْ أَهْلِي وإن وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِين. قَالَ يَا نُوحُ أنه لَيْسَ مِنْ أهلك أنه عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ). (هود:45-46) فقال: ظاهر قوله تعالى أنه ليس من أهلك ، فيه تكذيب لقوله عليه السلام أن ابْنِي مِنْ أَهْلِي ، وإذا كان النبي لايجوز عليه الكذب ، فما الوجه في ذلك ؟
قيل له: في هذه الآية وجوه ، كل واحد منها صحيح مطابق لأدلة العقل:
أولها ، أن نفيه لأن يكون من أهله لم يتناول فيه نفي النسب ، وإنما نفى أن يكون من أهله الذين وعده الله تعالى بنجاتهم....الخ.

تنزيه إبراهيم عليه السلام عن الكفر والعصيان

فإن قال قائل: فما معنى قوله تعالى حاكياً عن إبراهيم عليه السلام :فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 135 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أحب الآفِلِينَ. فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِئٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ.(الأنعام:76-78) أوَليس ظاهر هذه الآية يقتضي أنه عليه السلام كان يعتقد في وقت من الأوقات الإلهية للكواكب ، وهذا مما قلتم أنه لايجوز على الأنبياء عليهم السلام .....
قلنا: عن هذا جوابان، أحدهما: أنه لم يقل ذلك مخبراً ، وإنما قال فارضاً ومقدراً على سبيل الفكر والتأمل ، إلا ترى أنه قد يحسن من أحدنا إذا كان ناظراً في شئ ومتأملاً بين كونه على إحدى صفتيه أن يفرضه على إحداهما لينظر فيما يؤدي ذلك الفرض إليه من صحة أو فساد ، ولا يكون بذلك مخبراً في الحقيقة....

تنزيه إبراهيم عليه السلام عن الشك في الله تعالى

فإن قيل فما معنى قوله تعالى مخبراً عن إبراهيم عليه السلام : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ) (الصافات:89)

تنزيه إبراهيم عليه السلام عن الإستغفار للكفار

فإن قال قائل: فما معنى قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إبراهيم لأبِيهِ إلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ) ، (التوبة:114) وكيف يجوز أن يستغفر لكافر ، أو أن يعده بالإستغفار؟ قلنا:.... فكيف يجوز أن يجعل ذلك ذنباً لإبراهيم عليه السلام وقد عذره الله تعالى في أن استغفاره إنما كان لأجل موعده ، وبأنه تبرأ منه لما تبين له منه المقام على عداوة الله تعالى.....

تنزيه يعقوب عليه السلام عن إيقاع التحاسد بين بنيه

فإن قيل: فما معنى تفضيل يعقوب ليوسف عليهما السلام على إخوته في البر والتقريب والمحبة ، حتى أوقع ذلك التحاسد بينهم وبينه ، وأفضى إلى الحال المكروهة التي نطق بها القرآن....
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 136 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فإن قيل: فلم أرسل يعقوب يوسف عليهما السلام مع إخوته....

تنزيه يعقوب عن الحزن المكروه

فإن قيل: فلم أسرف يعقوب عليه السلام في الحزن والتهالك وترك التماسك حتى ابيضت عيناه من البكاء والحزن....

تنزيه يوسف عليه السلام عن الصبر على الإستعباد

فإن قيل: كيف صبر يوسف عليه السلام ، ولم لم ينكرها ويبرأ من الرق ، وكيف يجوز على النبي الصبر على أن يستعبد ويسترق....

تنزيه يوسف عليه السلام عن الهمِّ بالمعصية

فإن قيل: فما تأويل قوله تعالى حاكياً عن يوسف عليه السلام وامرأة العزيز: ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أن رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ أنه مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (يوسف:24)....
قلنا: يجوز أن يكون لما هم بدفعها وضربها ، أراه الله تعالى برهاناً على أنه أن أقدم على من همَّ به أهلكه أهلها وقتلوه ، أو أنها تدعي عليه المراودة على القبيح ، وتقذفه بأنه دعاها إليه وضربها لامتناعها منه ، فأخبر الله تعالى أنه صرف بالبرهان عنه السوء والفحشاء ، اللذين هما القتل والمكروه...
فأما ما يدل من القرآن ، على أنه عليه السلام ما هم بالفاحشة ولا عزم عليها فمواضع كثيرة منها قوله تعالى: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ).......
تنزيه يوسف عليه السلام عن إلحاق الأذى بأبيه. تنزيه يوسف عليه السلام عن الكذب وتهمة إخوته. تنزيه يوسف عليه السلام عن الرضا بالسجود له. تنزيه يوسف عليه السلام عن طاعة الشيطان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 137 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

في أن أيوب عليه السلام ابتليَ امتحاناً لا عقاباً

فإن قيل: فما قولكم في الأمراض والمحن التي لحقت أيوب عليه السلام أو ليس قد نطق القرآن بأنها كانت جزاء على ذنب في قوله: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ .(صّ:41)والعذاب لايكون إلا جزاءً كالعقاب. والآلام الواقعة على سبيل الإمتحان لا تسمى عذاباً ولا عقاباً ، أو ليس قد روى جميع المفسرين أن الله تعالى إنما عاقبه بذلك البلاء لتركه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقصته مشهورة يطول شرحها ؟
قلنا: أما ظاهر القرآن فليس يدل على أن أيوب عليه السلام عوقب بما نزل به من المضار ، وليس في ظاهره شئ مما ظنه السائل.....
فأما ما روي في هذا الباب من جهلة المفسرين فمما لا يلتفت إلى مثله ، لأن هؤلاء لايزالون يضيفون إلى ربهم تعالى والى رسله عليهم السلام كل قبيح ومنكر ، ويقذفونهم بكل عظيم ! وفي روايتهم هذه السخيفة ما إذا تأمله المتأمل علم أنه موضوع الباطل مصنوع ، لأنهم رووا أن الله تعالى سلط إبليس على مال أيوب عليهم السلام وغنمه وأهله ، فلما أهلكهم ودمر عليهم ورأى من صبره عليه السلام وتماسكه ، قال إبليس لربه يا رب أن أيوب قد علم إنك ستخلف عليه ماله وولده فسلطني على جسده ، فقال تعالى قد سلطتك على جسده كله إلا قلبه وبصره ، قال فأتاه فنفخه من لدن قرنه على قدمه فصار قرحة واحدة ، فقذف على كناسة لبني إسرائيل سبع سنين وأشهراً تختلف الدواب على جسده.. إلى شرح طويل نصون كتابنا عن ذكر تفصيله ! فمن يقبل عقله هذا الجهل والكفر كيف يوثق بروايته ، ومن لا يعلم أن الله تعالى لا يسلط إبليس على خلقه ، وإن إبليس لا يقدر على أن يقرح الأجساد ولا يفعل الأمراض كيف تعتمد روايته ؟ !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 138 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

تنزيه موسى عليه السلام عن العصيان بالقتل

فإن قيل: فما الوجه في قتل موسى عليه السلام للقبطي وليس يخلو من أن يكون مستحقاً للقتل أو غير مستحق ، فإن كان مستحقاً فلا معنى لندمه عليه السلام وقوله: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) وقوله: ( رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ) ، وإن كان غير مستحق فهو عاص في قتله...
قلنا: مما يجاب به عن هذا السؤال أن موسى عليه السلام لم يعتمد القتل ولا أراده ، وإنما اجتاز فاستغاث به رجل من شيعته على رجل من عدوه بغى عليه وظلمه وقصد إلى قتله ، فأراد موسى عليه السلام أن يخلصه من يده ويدفع عنه مكروهه ، فأدى ذلك إلى القتل من غير قصد إليه ، فكل ألم يقع على سبيل المدافعة للظالم من غير أن يكون مقصوداً فهو حسن غير قبيح ولا يستحق عليه العوض به ، ولا فرق بين أن تكون المدافعة من الإنسان عن نفسه ، وبين أن يكون عن غيره....
ومن العجب ، أن أبا علي الجبائي ذكر هذا الوجه في تفسيره ، ثم نسب مع ذلك موسى عليه السلام إلى أنه فعل معصية صغيرة ، ونسب معصيته إلى الشيطان !!
تنزيه موسى عليه السلام عن الضلالة والاستعفاء من الرسالة. وتنزيهه عن الأمر بالسحر ، وعن الخوف الحرام ، وعن نسبة الإضلال لله تعالى ، وعن سؤال الرؤية لنفسه ، وبيان الوجه في أخذ موسى برأس أخيه عليهما السلام يجره ، وتنزيهه عن المعصية في مرافقته للخضر عليهما السلام ، وتنزيهه عما رموه به من أخذ الحجر لثيابه وركضه عارياً.....
تنزيه داود عليه السلام عن المعصية، وتفسير قوله تعالى: وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ. وتنزيه سليمان عليه السلام عن المعصية ، وعن الإفتتان. وعن الشح وعدم القناعة في طلبه ملكاً لاينبغي لأحد من بعده.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 139 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

تنزيه يونس عليه السلام عن الظلم والمعصية بمغاضبته قومه

تنزيه عيسى عليه السلام عن ادعائه الألوهية ، وتفسير قوله تعالى: إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أعلم مَا فِي نَفْسِكَ إنك أنت عَلامُ الْغُيُوبِ .
تنزيه نبينا صلى الله عليه وآله عن الضلال ، وتفسير قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .
وقوله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً.
وقوله تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ. لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ .
وقوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى .
وقوله تعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أحق أَنْ تَخْشَاهُ .
وقوله تعالى: مَاكَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرض تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخرة وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
وقوله تعالى: لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أخذتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ .
وقوله تعالى: عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ .
وقوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً .
وقوله تعالى: وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ، الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَك .
وقوله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى ، أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 140 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
وقوله تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. وكيف يوجه هذا الخطاب إلى من لايجوز عليه الشرك ولا شئ من المعاصي ؟
قد قيل في هذه الآية أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله والمراد به أمته ، فقد روي عن ابن عباس أنه قال: نزل القرآن بإياك أعني واسمعي يا جارة.... وليس يمتنع أن يتوعد الله تعالى على العموم. وعلى سبيل الخصوص من يعلم أنه لا يقع منه ما تناوله الوعيد ، لكنه لابد من أن يكون مقدوراً له وجائزا بمعنى الصحة لا بمعنى الشك ، ولهذا يجعل جميع وعيد القرآن عاماً لمن يقع منه ما تناوله الوعيد ، ولمن علم الله تعالى أنه لا يقع منه....
والشيعة لها في هذه الآية جواب تنفرد به وهو أن النبي صلى الله عليه وآله لما نص على أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام بالإمامة في ابتداء الأمر جاءه قوم من قريش فقالوا له: يا رسول الله إن الناس قريبوا عهد بالإسلام لا يرضون أن تكون النبوة فيك والإمامة في ابن عمك علي بن أبي طالب ! فلو عدلت به إلى غيره لكان أولى. فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله : ما فعلت ذلك برأيي فأتخير فيه ، لكن الله تعالى أمرني به....الى آخر ما أورده الشريف المرتضى رحمه الله .
وقد تعرض المؤلف رحمه الله الى عدة مسائل في تنزيه الله تعالى عن التجسيم والتشبيه وبحث عدداً من أحاديثهم المروية عن النبي صلى الله عليه وآله مثل: إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن.. إن الله خلق آدم على صورته.. إن أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل ، فعليكم من الأعمال بما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا.. سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لاتضامون في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 141 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رؤيته!
وقال تعليقاً على الإخير: قلنا: أما هذا الخبر فمطعون عليه مقدوح في راويه ، فإن راويه قيس بن أبي حازم ، وقد كان خولط في عقله في آخر عمره ، مع استمراره على رواية الأخبار ! وهذا قدح لاشبهة فيه ، لأن كل خبر مروي عنه لايعلم تاريخه يجب أن يكون مردوداً ، لأنه لايؤمن أن يكون مما سمع منه في حال الإختلال. وهذه طريقة في قبول الأخبار وردها ينبغي أن يكون أصلاً ومعتبراً فيمن علم منه الخروج ولم يعلم تاريخ ما نقل عنه.
على أن قيساً لو سَلِمَ من هذا القدح ، كان مطعوناً فيه من وجه آخر ، وهو أن قيس بن أبي حازم كان مشهوراً بالنصب والمعاداة لأمير المؤمنين صلاة الله وسلامه عليه والإنحراف عنه ، وهو الذي قال: رأيت علي بن أبي طالب على منبر الكوفة يقول: إنفروا إلى بقية الأحزاب ، فأبغضته حتى اليوم في قلبي! إلى غير ذلك من تصريحه بالمناصبة والمعاداة. وهذا قادح لاشك في عدالته .
وختم المؤلف رحمه الله كتابه بالإجابة على مايشكله بعضهم على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وعصمته ، من قبيل إشكالهم وسؤالهم لماذا لم ينازع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الذين غصبوا خلافته ؟ قال رحمه الله :
إن قال قائل: إذا كان من مذهبكم يا معشر القائلين بالنص أن النبي صلى الله عليه وآله نص على علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام بالخلافة بعده ، وفوض إليه أمر أمته ، فما باله لم ينازع المتآمرين بعد النبي صلى الله عليه وآله في الأمر الذي وكل إليه وعول في تدبيره عليه ، أوَ ليس هذا منه إغفالاً لواجب لايسوغ إغفاله ؟
فإن قلتم إنه لم يتمكن من ذلك فهلا أعذر وأبلى واجتهد ، فإنه إذا لم يصل إلى مراده بعد الإعذار والإجتهاد كان معذوراً.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 142 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أو ليس هو عليه السلام الذي حارب أهل البصرة وفيهم زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وطلحة والزبير ، ومكانهما من الصحبة والإختصاص والتقدم مكانهما ، ولم يحشمه ظواهر هذه الأحوال من كشف القناع في حربهم حتى أتى على نفوس أكثر أهل العسكر ؟
وهو المحارب لأهل صفين مرة بعد أخرى مع تخاذل أصحابه وتواكل أنصاره ، وإنه كان في أكثر مقاماته تلك وموقفه لايغلب في ظنه الظفر ولا يرجو لضعف من معه النصر ، وكان مع ذلك كله مصمماً ماضياً قدماً...
قلنا: أما الكلام على ما تضمنه هذا السؤال فهو مما يخص الكلام في الإمامة وقد استقصيناه في كتابنا المعروف بالشافي في الإمامة ، وبسطنا القول فيه في هذه الأبواب ونظائرها بسطاً يزيل الشبهة ويوضح الحجة ، لكنا لا نخلي هذا الكتاب من حيث تعلق غرضه بهذه المواضع من إشارة إلى طريقة الكلام فيها ، فنقول: قد بينا في صدر هذا الكتاب أن الأئمة عليهم السلام معصومون من كبائر الذنوب وصغائرها ، واعتمدنا في ذلك على دليل عقلي لايدخله احتمال ولا تأويل بشئ ، فمتى ورد عن أحدهم عليهم السلام فعل له ظاهر الذنب ، وجب أن نصرفه عن ظاهره ونحمله على ما يطابق موجب الدليل العقلي فيهم ، كما فعلنا مثل ذلك في متشابه القرآن المقتضي ظاهره ما لا يجوز على الله تعالى ، وما لا يجوز على نبي من أنبيائه عليهم السلام .
فإذا ثبت أن أمير المؤمنين عليه السلام إمام فقد ثبت بالدليل العقلي أنه معصومٌ عن الخطأ والزلل ، فلا بدَّ من حمل جميع أفعاله على جهات الحسن ، ونفي القبيح عن كل واحد منها. وما كان له منها ظاهر يقتضي الذنب علمنا في الجملة أنه على غير ظاهره ، فإن عرفنا وجهه على التفصيل ذكرناه ، وإلا كفانا في تكليفنا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 143 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أن نعلم أن الظاهر معدولٌ عنه ، وأنه لابدَّ من وجه فيه يطابق ما تقتضيه الأدلة .
وهذه الجملة كافية في جميع المشتبهة من أفعال الأئمة عليهم السلام وأقوالهم ، ونحن نزيد عليها فنقول: إن الله تعالى لم يكلف إنكار المنكر سواءً اختص بالمنكر أو تعداه إلى غيره ، إلا بشروط معروفة ، أقواها التمكن ، وإن لا يغلب في ظن المنكر أن إنكارة يؤدي إلى وقوع ضرر به لايحتمل مثله ، وإن لايخاف في إنكاره من وقوع ما هو أفحش منه وأقبح من المنكر.
وهذه شروط قد دلت الأدلة عليها ، ووافقنا المخالفون لنا في الإمامة فيها. وإذا كان ما ذكرناه مراعىً في وجوب إنكار المنكر ، فمن أين أن أمير المؤمنين عليه السلام كان متمكناً من المنازعة في حقه والمجادلة ، وما المنكر من أن يكون عليه السلام خائفاً متى نازع وحارب ، من ضرر عظيم يلحقه في نفسه وولده وشيعته ؟! ثم ما المنكر من أن يكون خاف من الاإكار من ارتداد القوم عن الدين وخروجهم عن الإسلام ونبذهم شعار الشريعة ، فرأى أن الإغضاء أصلح في الدين ، من حيث كان يجر الإنكار ضرراً فيه لايتلافى...
ثم قد ذكرنا في كتابنا في الإمامة من أسباب الخوف وأمارات الضرر التي تناصرت بها الروايات ، ووردت من الجهات المختلفة ما فيه مقنع للمتأمل ، وأنه عليه السلام غولط في الأمر وسوبق إليه وانتهزت غرته ، واغتنمت الحال التي كان فيها متشاغلاً بتجهيز النبي صلى الله عليه وآله ، وسعى القوم إلى سقيفة بني ساعدة ، وجرى لهم فيها مع الأنصار ما جرى...
وأما حضور مجالسهم ، فما كان عليه الصلاة والسلام ممن يتعمدها ويقصدها ، وإنما كان يكثر الجلوس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فيقع الإجتماع مع القوم هنا ، وذلك ليس بمجلس لهم مخصوص. وبعد ، فلو تعمد حضور مجالسهم لينهى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 144 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عن بعض ما يجري فيها من منكر ، فإن القوم قد كانوا يرجعون إليه في كثير من الأمور ، لجاز ، ولكان للحضور وجه صحيح له بالدين علقه قوية.
فأما الدخول في آرائهم ، فلم يكن عليه السلام ممن يدخل فيها إلا مرشداً لهم ، ومنبهاً على بعض ما شذ عنهم ، والدخول بهذا الشرط واجب....
فأما الدخول في الشورى ، فقد بينا في كتابنا المقدم ذكره الكلام فيه مستقصى ، ومن جملته أنه عليه السلام لولا الشورى لم يكن ليتمكن من الإحتجاج على القوم بفضائله ومناقبه ، والأخبار الدالة على النص بالإمامة عليه...ومن كان يصغي لولا الشورى إلى كلامه المستوفى في هذا المعنى ؟...
فإن قيل: فما الوجه في تحكيمه عليه السلام أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص ، وما العذر في أن حكم في الدين الرجال..... ؟
قلنا: كل أمر ثبت بدليل قاطع غير محتمل فليس يجوز أن نرجع عنه ونتشكك فيه لأجل أمر محتمل ، وقد ثبت إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وعصمته وطهارته من الخطأ ، وبراءته من الذنوب والعيوب ، بأدله عقلية وسمعية ، فليس يجوز أن نرجع عن ذلك أجمع ، ولا عن شئ منه ، لما وقع من التحكيم للصواب بظاهره ، وقبل النظر فيه كاحتماله للخطأ ، ولو كان ظاهره أقرب إلى الخطأ وأدنى إلى مخالفة الصواب.
بل الواجب في ذلك القطع على مطابقة ما ظهر من المحتمل لما ثبت بالدليل ، أو صرف ماله ظاهر عن ظاهره ، والعدول به إلى موافقة مدلول الدلالة التي لا يختلف مدلولها ولا يتطرق عليها التأويل.
وهذا فعلنا فيما ورد من أي القرآن التي تخالف بظاهرها الأدلة العقلية مما يتعلق به الملحدون أو المجبرة أو المشبهة.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 145 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وهذه جملة قد كررنا ذكرها في كتابنا هذا لجلالة موقعها من الحجة ، ولو اقتصرنا في حل هذه الشبهة عليها لكانت مغنية كافية...). انتهى.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 146 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 147 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل السادس : معركة تنزيه الأنبياء عليهم السلام بين الشيعة ومخالفيهم

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 148 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 149 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

موقف علماء الشيعة الثابت: تأويل الآيات التي يبدو منها

معصية الأنبياء عليهم السلام ، ورد الأحاديث التي تزعم ذلك

اتضح بما تقدم أن أئمة أهل البيت عليهم السلام رسموا خطاً في تنزيه الأنبياء عليهم السلام والدفاع عنهم ، وأن علماء المذهب رضوان الله عليهم اتبعوهم فأجادوا الإتباع والشرح والإستدلال ، وكان موقفهم ثابتاً في أن الآيات التي يبدو منها وقوع المعصية من الأنبياء عليهم السلام وأنها ليست على ظاهرها بل يجب اتباع الراسخين في العلم في تأويلها.
واتضح أن الأحاديث الصريحة في ارتكاب الأنبياء عليهم السلام للمعاصي مكذوبة ، وأنها من موضوعات رواة السلطة القرشية لتبرير معاصي الخلفاء أو من الإسرائيليات التي ابتليت بها مصادر السنة عندهم ، وكلها روايات باطلة يجب التوقف فيها أو تكذيبها ، حتى لو تسرب بعضها إلى مصادرنا !
وتشمل هذه القاعدة نفي وقوع المعصية من الأنبياء عليهم السلام وكلِّ سلوكٍ أو وضعٍ ينفِّر الناس منهم ، كما تشمل نفي السهو والنسيان عنهم عليهم السلام .
قال العلامة الحلي في منتهى المطلب:1/335: (احتج المخالف بأن النبي صلى الله عليه وآله صلى بأصحابه فلما أحرم بالصلاة ذكر أنه جنب ، فقال لأصحابه: كما أنتم ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 150 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومضى ورجع ورأسه يقطر ماء ولم يستخلف ، فدل على عدم الجواز.
والجواب: أن هذا عندنا باطل ، والخبرُ كذبٌ إذ الأنبياء عليهم السلام معصومون عن وقوع الذنب عمداً وسهواً ). انتهى .
ومن هذا القبيل رد علماء الشيعة لخبر اتهام نبي داود عليه السلام مع أنه ورد في تفسير القمي:2/229: وجاء فيه: (فلما كان اليوم الذي وعده الله عز وجل اشتدت عبادته وخلا في محرابه وحجب الناس عن نفسه وهو في محرابه يصلي ، فإذا طائر قد وقع بين يديه جناحاه من زبرجد أخضر ورجلاه من ياقوت أحمر ورأسه ومنقاره من لؤلؤ وزبرجد ، فأعجبه جداً ونسي ما كان فيه ، فقام ليأخذه فطار الطائر فوقع على الحائط بين داود وبين أوريا بن حنان ، وكان داود قد بعث أوريا في بعث فصعد داود عليه السلام الحائط ليأخذ الطير ، وإذا امرأة أوريا جالسة تغتسل ، فلما رأت ظل داود نشرت شعرها وغطت به بدنها ، فنظر إليها داود فافتتن بها ورجع إلى محرابه ونسي ما كان فيه ، وكتب إلى صاحبه في ذلك البعث لما أن يصيروا إلى موضع كيت وكيت يوضع التابوت بينهم وبين عدوهم ، وكان التابوت في بني إسرائيل كما قال الله عز وجل:فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌمِمَّاتَرَكَ آلُ مُوسَىوَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ (البقرة:248) وقد كان رفع بعد موسى عليه السلام إلى السماء لما عملت بنو إسرائيل بالمعاصي ، فلما غلبهم جالوت وسألوا النبي أن يبعث إليهم ملكاً يقاتل في سبيل الله بعث إليهم طالوت وأنزل عليهم التابوت ، وكان التابوت إذا وضع بين بني إسرائيل وبين أعدائهم ورجع عن التابوت إنسان كفر وقتل ، ولا يرجع أحد عنه إلا ويقتل. فكتب داود إلى صاحبه الذي بعثه أن ضع التابوت بينك وبين عدوك وقدم أوريا بن حنان بين يدي التابوت ، فقدمه وقتل ، فلما قتل أوريا دخل عليه الملكان وقعدوا ولم يكن تزوج امرأة أوريا ، وكانت في عدتها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 151 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وداود في محرابه يوم عبادته ، فدخلا عليه الملكان من سقف البيت وقعدا بين يديه ففزع داود منهما فقالا: لاتَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إلى سَوَاءِ الصِّرَاطِ. (صّ:22) ولداود حينئذ تسع وتسعون امرأة ما بين مهيرة إلى جارية ، فقال أحدهما لداود:إِنَّ هَذَا أخي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ. أي ظلمني وقهرني، فقال داود كما حكى الله عز وجل:قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ وإن كثيراًمِنَ الْخُلَطَاءِلَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىبَعْضٍ إلاالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَاهُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ إنما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ) (ص:23-24) قال: فضحك المستعدى عليه من الملائكة وقال: وقد حكم الرجل على نفسه فقال داود: أتضحك وقد عصيت لقد هممت أن أهشم فاك ، قال: فعرجا ، وقال الملك المستعدى عليه: لو علم داود أنه أحق بهشم فيه مني.
ففهم داود الأمر وذك%