جواب على شبهة شيخ وسيد في رؤية الإمام المهدي (عج) في غيبته الكبرى

بسـم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين

له غيبتان يعلم بمكانه فيهما خاصته

منذ أن ولد الإمام المهدي(ع) سنة 255هجرية الى غيبته الكبرى سنة 329 ، كان متخفياً عن السلطة التي كانت تبحث عنه بشدة ، لكن رآه والتقى به مئات الناس ، وكان له سفراء يأخذون مسائل الناس وسؤالاتهم ، ويردون اليهم أجوبتها .

وبدأت غيبته الكبرى بوفاة آخر السفراء علي بن محمد السمري رضي الله عنه ، حيث أمره الإمام(ع) أن لا يعهد بالسفارة الى أحد بعده ،لأن الغيبة التامة بدأت حتى يأذن الله تعالى بالظهور ، وقد استمرت الى يومنا هذا ، وتستمر حتى يأذن الله تعالى له بالظهور ، فيتحرك من مكة الى المدينة ثم الى العراق ودمشق والقدس،حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

وهاتان الغيبتان هما اللتان أخبر بهما النبي(ص) والأئمة من عترته .

قال الإمام الصادق(ع) (1/340): (للقائم غيبتان:إحداهما طويلة ، والأخرى قصيرة ، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته ، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه في دينه ).

ملاحظات

1. سند الحديث صحيح بدرجة عاليه : محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن ابن محبوب ، عن إسحاق بن عمار.

ورواه النعماني بتفاوت يسير في الغيبة/175.

وهو يدل على أن خاصة شيعته كانوا يعلمون مكانه في غيبته الأولى ، وهم أنواع ومستويات ، أما في الثانية فيعلم مكانه خاصة مواليه في دينه ، وهم مستوى عالٍ من شيعته الموثوقين .

بل يدل تعبير يعلمون بمكانه ، على أن هؤلاء المجموعة أعلى مرتبة ممن يشاهده مجرد مشاهدة ، أو يلتقي به مجرد لقاء ، بل يعرفون مكان سكنه وأمكنة تحركه .

وربما كان هؤلاء أنفسهم الثلاثين الذين ترتفع بهم وحشته وربما كانوا غيرهم . فالعلم بمكانه رتبة عالية ، ولقاؤه رتبة أقل منها ، ومطلق مشاهدته رتبة أقل منها ، فاحفظ ذلك لما يأتي .

ومن الطبيعي أن يوجد غيرالذين يعرفون مكانه ، مؤمنون يتشرفون بلقائه ويكلمونه ، ودونهم مؤمنون يرونه مجرد رؤية وربما يكلمونه .

2. ويوجد حديث صحيح آخرعن الإمام الصادق(ع) يدل على إمكانية المشاهدة في الغيبة الكبرى أيضاً :

رواه في الكافي (1/340) ورواه النعماني في الغيبة/194 :

قال(ع) : (لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة ، ولا بد له في غيبته من عُزلة ، ونعم المنزل طيبة ، وما بثلاثين من وحشة ).

ومعناه أن أصل مسكنه في غيبته يكون المدينة المنورة ، وأنه يكون في عزلة عن عموم الناس ، لكنه يعيش أو يلتقي بثلاثين مؤمن ، من خاصته وأعوانه ، وقد يكون هؤلاء نفس مواليه في دينه الذين ذكرهم الحديث الصحيح الأول ، وقد يكونون غيرهم ، ممن يكلفهم بمهام في أنحاء الأرض ، ولا يشترط أن يعلموا دائماً بمكانه .

3. وحديث آخر معتبر يدل على إمكانية مشاهدته ، وهو حديث مصاحبة الخضر له(ع) :

رواه في كمال الدين (2/390 ) قال : ( حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي العمري السمرقندي رضي الله عنه قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود ، عن أبيه محمد بن مسعود ، عن جعفر بن أحمد ، عن الحسن بن علي بن فضال ، قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا(ص) يقول: إن الخضر(ع) شرب من ماء الحياة فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور ، وإنه ليأتينا فيسلم فنسمع صوته ولا نرى شخصه ، وإنه ليحضر ما ذكر ، فمن ذكره منكم فليسلم عليه ، وإنه ليحضر الموسم كل سنة ، فيقضي جميع المناسك ، ويقف بعرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين ، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته.

والمقصود أن الخضر(ع) يشاهده ويعيش معه في غيبته، أو يتواصل معه. وبما أن مقام الإمام المهدي أعلى من مقام الخضر(ص) ، فهو يعمل بأمره والإمام يعلم بمكانه، لكن لا يلزم أن يعلم الخضر بمكان الإمام(ع) .

قصص صحيحة لا يمكن ردها ولا تأويلها

أضف الى ما تقدم ، أن عدداً من الثقات العدول الأصحاء الأبدان والأذهان ، أخبروا أنهم رأوه(ع) في قصص صحيحة لايمكن ردها:

1. منها : قصة جعفر بن محمد بن قولويه(قدس سره) أستاذ الشيخ المفيد(قدس سره) ومؤلف كتاب جامع الزيارات ، قال: ( لما وصلتُ بغداد في سنة سبع وثلاثين للحج وهي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت ، كان أكبر همي بمن ينصب الحجر ، لأنه مضى في أثناء الكتب قصة أخذه ، وأنه ينصبه في مكانه الحجة في الزمان ، كما في زمن الحجاج وضعه زين العابدين(ع) في مكانه فاستقر . فاعتللت علة صعبة خفت فيها على نفسي ، ولم يتهيأ لي ما قصدت له فاستنبت المعروف بابن هشام ، وأعطيته رقعة مختومة أسأل فيها عن مدة عمري ، وهل تكون المنية في هذه العلة أم لا ؟ وقلت همي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه ، وأخذ جوابه ، وإنما أندبك لهذا . فقال المعروف بابن هشام: لما حصلت بمكة وعزم على إعادة الحجر في مكانه ، وأقمت معي منهم من يمنع عني ازدحام الناس، فكلما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلامٌ أسمر اللون حسن الوجه ، فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام كأنه لم يزل عنه ، وعلت لذلك الأصوات ، فانصرف خارجاً من الباب ، فنهضت من مكاني أتبعه ، وأدفع الناس عني يميناً وشمالاً ، حتى ظُنَّ بي الإختلاط في العقل ، والناس يفرجون لي ، وعيني لا تفارقه حتى انقطع عن الناس ، وكنت أسرع الشدة خلفه وهو يمشي على تؤدة ولا أدركه ، فلما حصل بحيث لا يراه أحد غيري وقف والتفت إليَّ فقال: هات ما معك ، فناولته الرقعة فقال من غير أن ينظر فيها ، قل له لا خوف عليك في هذه العلة ويكون ما لابد منه بعد ثلاثين سنة. قال: فوقع عليَّ الزَّمَع، حتى لم أطق حراكاً ، وتركني وانصرف . قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة ، فلما كانت سنة سبع وستين ، اعتل أبو القاسم فأخذ ينظر في أمره وتحصيل جهازه إلى قبره ، وكتب وصيته واستعمل الجد في ذلك ، فقيل له: ما هذا الخوف وترجو أن يتفضل الله بالسلامة فما عليك مخوفة؟ فقال: هذه السنة التي وعدت وخوفت منها، فمات في علته ) .

أقول: وقعت هذه الحادثة سنة 337 ، أي بعد أن بدأت الغيبة الكبرى بثمان سنوات ، لأن الغيبة بدأت سنة 229. وسند القصة صحيح لا مجال للطعن فيه .

(كامل الزيارات/19، والخرائج:1/477، وفرج المهموم/255، وغيرها) .

والذي رآه رسوله ومعتمده ابن هشام ، هو نفس الإمام(ع) ، ولا مجال للقول بأنه شخص أرسله ، لأن وضع الحجر مكانه من مختصاته(ع) ، وإخباره عن مدة حياة جعفر بن قولويه معجزةٌ ، تثبت صحة الحادثة .

2. قال علي بن عيسى الأربلي الثقة المتوفى 693،في كتابه كشف الغمة (3/296): (وأنا أذكر من ذلك قصتين قرب عهدهما من زماني، وحدثني بهما جماعة من ثقات إخواني: كان في بلاد الحلة شخص يقال له إسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها هرقل ، مات في زماني وما رأيته ، حكى لي ولده شمس الدين قال: حكى لي والدي أنه خرج فيه وهو شباب على فخذه الأيسر توثة مقدار قبضة الانسان ، وكانت في كل ربيع تشقق ويخرج منها دم وقيح ، ويقطعه ألمها عن كثير من أشغاله ، وكان مقيماً بهرقل ، فحضر الحلة يوماً ودخل إلى مجلس السعيد رضي الدين علي بن طاووس(رحمه الله) وشكا إليه ما يجده منها ، وقال أريد أن أداويها ، فأحضر له أطباء الحلة وأراهم الموضع ، فقالوا هذه التوثة فوق العرق الأكحل وعلاجها خطر،ومتى قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت.

فقال له السعيد رضي الدين قدس الله روحه: أنا متوجه إلى بغداد وربما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء ، فاصحبني ، فأصعد معه وأحضر الأطباء فقالوا كما قال أولئك ، فضاق صدره فقال له السعيد: إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب ، وعليك الإجتهاد في الإحتراس ، ولا تغرر بنفسك ، فالله تعالى قد نهى عن ذلك ورسوله .

فقال له والدي: إذا كان الأمر على ذلك ، وقد وصلت إلى بغداد فأتوجه إلى زيارة المشهد الشريف بسر من رأى على مشرفه السلام ، ثم أنحدر إلى أهلي، فحسَّنَ له ذلك فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين وتوجه .

قال: فلما دخلت المشهد وزرت الأئمة(ع) ، ونزلت السرداب واستغثت بالله تعالى وبالإمام(ع) ، وقضيت بعض الليل في السرداب ، وبتُّ في المشهد إلى الخميس ثم مضيت إلى دجلة واغتسلت ولبست ثوباً نظيفاً وملأت إبريقاً كان معي ، وصعدت أريد المشهد ، فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور ، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم فالتقينا ، فرأيت شابين أحدهما عبدٌ مخطوط ، وكل واحد منهم متقلدٌ بسيف ، وشيخاً منقباً بيده رمح ، والآخر متقلد بسيف وعليه فرجية ملونة فوق السيف ، وهو متحنك بعذبته ، فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ، ووضع كعبه في الأرض ، ووقف الشابان عن يسار الطريق ، وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي ، ثم سلموا عليه فرد عليهم السلام فقال له صاحب الفرجية: أنت غداً تروح إلى أهلك؟ فقال: نعم ، فقال له: تقدم حتى أبصر مايوجعك ، قال فكرهت ملامستهم وقلت في نفسي: أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة وأنا قد خرجت من الماء ، وقميصي مبلول ثم إني بعد ذلك تقدمت إليه فلزمني بيده ، مدني إليه وجعل يلمس جانبي من كتفي إلى أن أصابت يده التوثة فعصرها بيده فأوجعني ، ثم استوى في سرجه كما كان ! فقال لي الشيخ: أفلحت يا إسماعيل ، فعجبت من معرفته باسمي ! فقلت: أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله .

قال فقال لي الشيخ: هذا هو الإمام ، قال: فتقدمت إليه فاحتضنته وقبلت فخذه ، ثم إنه ساق وأنا أمشي معه محتضنه فقال: إرجع ، فقلت: لا أفارقك أبداً . فقال: المصلحة رجوعك ، فأعدت عليه مثل القول الأول ، فقال الشيخ: يا إسماعيل ما تستحيي يقول لك الإمام مرتين إرجع ، وتخالفه ؟! فجبهني بهذا القول فوقفت ، فتقدم خطوات والتفت إلي وقال: إذا وصلت بغداد ، فلا بد أن يطلبك أبو جعفر ، يعني الخليفة المستنصر ، فإذا حضرت عنده وأعطاك شيئاً فلا تأخذه ، وقل لولدنا الرضي ليكتب لك إلى علي بن عوض ، فإنني أوصيه يعطيك الذي تريد ! ثم سار وأصحابه معه ، فلم أزل قائماً أبصرهم إلى أن غابوا عني ، وحصل عندي أسف لمفارقته ، فقعدت إلى الأرض ساعة ، ثم مشيت إلى المشهد فاجتمع القوام حولي ، وقالوا نرى وجهك متغيراً ، أأوجعك شئ ؟ قلت: لا . قالوا: أخاصمك أحد ؟ قلت: لا ، ليس عندي مما تقولون خبر ، لكن أسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم ؟فقالوا: هم من الشرفاء أرباب الغنم . فقلت: لا ، بل هو الإمام(ع) ! فقالوا: الإمام هو الشيخ أو صاحب الفرجية؟ فقلت: هو صاحب الفرجية ، فقالوا: أريته المرض الذي فيك ؟ فقلت: هو قبضه بيده وأوجعني ثم كشفت رجلي ، فلم أر لذلك المرض أثراً ، فتداخلني الشك من الدهش ، فأخرجت رجلي الأخرى فلم أر شيئاً ، فانطبق الناس علي ومزقوا قميصي ، فأدخلني القُوَّامُ خزانةً ومنعوا الناس عني . وكان ناظرٌ بين النهرين بالمشهد فسمع الضجة وسأل عن الخبر فعرفوه ، فجاء إلى الخزانة وسألني عن إسمي ، وسألني منذ كم خرجت من بغداد فعرفته أني خرجت في أول الأسبوع ، فمشى عني . وبت في المشهد وصليت الصبح وخرجت ، وخرج الناس معي إلى أن بعدت عن المشهد ورجعوا عني ، ووصلت إلى أوانا فبتُّ بها ، وبكرت منها أريد بغداد ، فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة ، يسألون من ورد عليهم عن إسمه ونسبه وأين كان؟ فسألوني عن إسمي ومن أين جئت فعرفتهم فاجتمعوا عليَّ ومزقوا ثيابي ، ولم يبق لي في روحي حكم ، وكان ناظر بين النهرين كتب إلى بغداد وعرفهم الحال . ثم حملوني إلى بغداد ، وازدحم الناس علي وكادوا يقتلونني من كثرة الزحام وكان الوزير القمي رحمه الله تعالى قد طلب السعيد رضي الدين(رحمه الله) وتقدم أن يعرفه صحة الخبر .

قال: فخرج رضي الدين ومعه جماعة ، فوافينا باب النوبي فرد أصحابه الناس عني فلما رآني قال: أعنك يقولون؟ قلت: نعم؟ فنزل عن دابته وكشف عن فخذي فلم ير شيئاً ، فغشي عليه ساعة ، وأخذ بيدي وأدخلني على الوزير وهو يبكي ويقول: يا مولانا هذا أخي وأقرب الناس إلى قلبي ، فسألني الوزير عن القصة فحكيت له ، فأحضر الأطباء الذين أشرفوا عليها وأمرهم بمداواتها ، فقالوا: ما دواؤها إلا القطع بالحديد ، ومتى قطعها مات ! فقال لهم الوزير: فبتقدير أن تقطع ولا يموت في كم تبرأ ؟ فقالوا في شهرين وتبقى في مكانها حفيرة بيضاء ، لا ينبت فيها شعر . فسألهم الوزير: متى رأيتموه ؟ قالوا: منذ عشرة أيام . فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم ، وهي مثل أختها ليس فيها أثر أصلاً ، فصاح أحد الحكماء: هذا عمل المسيح ! فقال الوزير حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف من عملها .

ثم إنه أحضر عند الخليفة المستنصر رحمه الله تعالى فسأله عن القصة ، فعرفه بها كما جرى ، فتقدم له بألف دينار، فلما حضرت قال: خذ هذه فأنفقها ، فقال : ما أجسر آخذ منه حبة واحدة ! فقال الخليفة: ممن تخاف ، فقال من الذي فعل معي هذا ! قال لا تأخذ من أبي جعفر شيئاً ، فبكى الخليفة وتكدر ! وخرج من عنده ولم يأخذ شيئاً !

قال أفقر عباد الله تعالى إلى رحمته علي بن عيسى عفا الله عنه: كنت في بعض الأيام أحكي هذه القصة لجماعة عندي، وكان هذا شمس الدين محمد ولده عندي وأنا لا أعرفه فلما انقضت الحكاية قال: أنا ولده لصلبه ، فعجبت من هذا الإتفاق وقلت: هل رأيت فخذه وهي مريضة ؟ فقال: لا ، لأني أصبو عن ذلك، ولكني رأيتها بعدما صلحت ولا أثر فيها ، وقد نبت في موضعها شعر.

وسألت السيد صفي الدين محمد بن محمد بن بشر العلوي الموسوي ، ونجم الدين حيدر بن الأيسر رحمهما الله تعالى، وكانا من أعيان الناس وسراتهم وذوي الهيئات منهم ، وكانا صديقين لي وعزيزين عندي ، فأخبراني بصحة هذه القصة وأنهما رأياها في حال مرضها ، وحال صحتها ، وحكى لي ولده هذا: أنه كان بعد ذلك شديد الحزن لفراقه(ع) ، حتى أنه جاء إلى بغداد ، وأقام بها في فصل الشتاء ، وكان كل أيام يزور سامراء ويعود إلى بغداد ، فزارها في تلك السنة أربعين مرة طمعاً أن يعود له الوقت الذي مضى أو يقضي له الحظ بما قضى ، ومن الذي أعطاه دهره الرضا ، أو ساعده بمطالبة صرف القضاء ، فمات(رحمه الله) بحسرته ، وانتقل إلى الآخرة بغصته ، والله يتولاه وإيانا برحمته ، بمنه وكرامته ).

ثم قال الإربلي: (وحكى لي السيد باقي بن عطوة العلوي الحسيني أن أباه عطوة كان به أُدْرَة (فتق كبير) وكان زيدي المذهب ، وكان ينكر على بنيه الميل إلى مذهب الإمامية ويقول: لا أصدقكم ولا أقول بمذهبكم حتى يجئ صاحبكم يعني المهدي فيبرئني من هذا المرض، وتكرر هذا القول منه ! فبينا نحن مجتمعون عند وقت عشاء الآخرة ، إذ أبونا يصيح ويستغيث بنا ، فأتيناه سراعاً فقال: إلحقوا صاحبكم، فالساعة خرج من عندي ، فخرجنا فلم نرَ أحداً فعدنا إليه وسألناه فقال:إنه دخل إلي شخص وقال: يا عطوة ، فقلت: من أنت ؟ فقال: أنا صاحب بنيك قد جئت لأبرئك مما بك ، ثم مد يده فعصر فروتي ومشى، ومددت يدي فلم أر لها أثراً ! قال لي ولده: وبقي مثل الغزال ليس به قُلْبَه . واشتهرت هذه القصة وسألت عنها غير ابنه فأخبر عنها ).

قصص الشيخ إسماعيل نمازي

حدثني الثقة الشيخ اسماعيل نمازي(رحمه الله) بقصص تشـرفه بلقاء الإمام المهدي روحي فداه ، ومنها قصته المعروفة في طريق الحج ، قال:

كنا عائدين من الحج ومقصدنا البصـرة ، وكانت السيارات تسير في قوافل مع دليل من الشرطة، لأن الطريق صحراوي ليس فيه جادة معبدة . فقال سائقنا: لماذا نتقيد بالقافلة وبطئها وغبارها ، وأنا أعرف الطريق ! فانفصل عن القافلة ، وسرنا في الصحراء باتجاه البصرة .

كانت سيارتنا تسع 18راكباً ، وكان معنا سائقان باسم محمود وأصغر يتعاونان . لكن في رجوعنا أصر أصغر على أن يسبق سيارات القافلة ليخلص من غبارها ، ولم أوافق معه لأني أخاف الضياع في صحراء الحجاز فهم لايسيرون فيها إلا بدليل ، لكن أصغر لم يسمع كلامي وقال معنا ماء وبنزين كاف ، فسرنا أمام القافلة حتى جنَّ علينا الليل وقد ضيعنا الطريق ، فصحنا بالسائق وأمرناه أن يتوقف عن السير الى الصباح لعلنا نجد الطريق الأصيل .

وفي الصباح عزمنا على الرجوع من الطريق الذي أتينا فيه ، لكن الرياح الصحاروية كانت قد غطت الطريق فلم نستطع الرجوع منه .

وسرنا ذلك اليوم يميناً وشمالاً دون جدوى ، ولم نر أثراً لقافلة ولا طريق ولا مخلوق ، حتى صار الليل ، ونفد منا الماء والبنزين، ووقفت السيارة نهائياً !

نمنا في حالة موحشة مؤلمة ويأس من الحياة ، وحين ارتفع النهار وعلت الشمس ، وأصابنا العطش جمعت أصحابي وقلت لهم: لقد أصابنا ما أصابنا بالذنب الذي ارتكبه السائق أصغر ، وجَعَلَنا في هذه المهلكة ، ولا خلاص لنا إلا بأن نتوسل بمولانا وسيدنا الامام المهدي صلوات الله عليه ، فعلينا أن نتوسل وأن نحفر قبورنا الآن ما دام فينا قوة حتى إذا صَرَعنا العطش اضطجعنا فيها ، لنموت فيها وتسترنا رمال الصحراء ولا نصير طعمة للوحوش . وقلت لهم إنذروا إذا أنجانا الله تعالى أن ينفق كل واحد جميع مالديه من أموال في سبيل الله تعالى .

فاستجاب أصحابي لهذا الطلب ، وحفرنا قبورنا وتهيّأنا للموت ، وبعضنا جلس في قبره وهو يدعو ويبكي ، لكن أملنا في إمام العصـر ليغيثنا في هذه الشدة .

وأخذنا نتوسل بالمعصومين واحداً واحداً الى الإمام الحجة(ع) ، في بكاء وخشوع وانقطاع وإلحاح . وناديناه : يا فارس الحجاز ، يا أبا صالح المهدي أدركنا ، يا صاحب الزمان أدركنا .

وكانت أمامنا ربوةٌ رملية فصعدت عليها وأخذت أدعو فحَصَلَت لي حالة انقطاع كامل الى الله تعالى ، وقلت لله تعالى: سبحانك أنت تقول: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ، ولكنا لا نريد أن نموت في هذه الصحراء ولو كنا شهداء ، نريد أن نموت في وطننا عند أهلنا . وأخذت أنادي صاحب الزمان صلوات الله عليه ، وأبكي .

في هذه الحال فوجئت براكبٍ في زيٍّ عربي يجر خلفه جِمالاً محملة ، تخيلت أنه جَمَّالٌ عابر للصحراء مسافر الى مقصدٍ له. ورأيته أشار الى جماله وراءه فأناخت، وتوجه اليَّ فقمت اليه واستقبلته بفرح ، وسلمت عليه فرد عليَّ السلام قائلاً: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، ثم قبلت وجهه الكريم ، وما أجمله وأنوره وأبهاه من وجهٍ .

كان(ع) بزيِّ العرب ، يلبس حزاماً على كتفه وصدره ، ويلبس كوفية كأهل البادية . فالتفت اليَّ وقال: ياشيخ إسماعيل ، ضيعتم الطريق؟

قلت: نعم ضيعنا الطريق . ولم يخطر ببالي كيف عرف إسمي !

قال: جئت لأدلكم على الطريق ، إمشوا في هذا الطريق بشكل مستقيم واعبروا عن ذينك الجبلين ، فسيظهر لكم جبلان آخران فاسلكوا بينهما، فستظهر لكم الجادة وترون طريق العراق أمامكم ، فسيروا في الجهة اليسرى لتصلوا الى الحدود العراقية الحجازية «الجَرْيَة ».

ثم قال: النذر الذي نذرتم غير صحيح ، فإنكم إذا أنفقتم جميع مالديكم لم يبقَ لكم شئ ، وأنتم باقون في العراق أربعين يوماً ، فتحتاجون الى السؤال والإستعطاء وهو حرام .

لكن إحسبوا أموالكم واعرفوا مقدارها ، وعندما تصلون الى وطنكم أنفقوا في سبيل الله تعالى بذلك المقدار .

ثم قال لي: إجمع رفاقك واركبوا السيارة وتحركوا ، حتى تصلوا الجَرْيَة في أول المغرب . فناديت أصحابي ، وكنت واقفاً معه على الربوة أمامهم ، وأخبروني فيما بعد أنهم لم يروه معي حتى ناديتهم !

وجاؤوا وسلموا عليه ، وقبلوا يده جميعهم ! وقلت لهم: إركبوا ، فقد دلني على الطريق، وقال لي إن النذر الذي نذرناه غير صحيح ، وقال: إن الذي معكم يكفيكم ، وإلا كنت أعطيتكم !

وأردت أن أطلب منه أن يرافقنا حتى لانضيع مرة أخرى ، فتقدّمتُ اليه وأخرجتُ قرآناً كان في جيبي وأقسمت عليه بحق هذا القرآن الكريم أن يكون معنا في السيارة ، ويوصلنا الى الجرية .

فقال: لا تقسم بالقرآن ؟ لكن حيث أقسمت أجئ معكم. ثم قال: المقصر أصغر ، فليسق محمود . أنا أقعد في الوسط ، وأنت تقعد بصفي .

كل هذا ، ولم ينتبه منا أحدٌ ويسأل نفسه: كيف عرف نذرنا وعلم ببقائنا في العراق أربعين يوماً ، وكيف عرف أن السائق إسمه أصغر وأنه هو المقصر، وأنا سنصل أول المغرب الى الجرية ؟

لكنا كنا محجوبين عن معرفته سلام الله عليه ! وكنا جميعاً مسلوبي الأذهان والإرادة ، مطيعين له في كل ما يقوله ، ولم يسأله أحد منا: من أنت ، ولا كيف عرفت أسماءنا وقصتنا ؟

قال إركبوا السيارة فركبنا ، ولم يخطر ببالنا أنه ليس فيها بنزين ، وجلس محمود السائق فقال لي(ع) : قل له يسوق ، وأشار بإصبعه الى الأمام .

فقلت لمحمود: حرك السيارة ، فشغَّلها ، وتحركت بسرعة في تلك الرمال حتى وصلنا الى وسط الجبلين . فنظر(ع) الى السماء وقال: الآن أول الظهر ، قل له يتوقف . صلوا وأنا أصلي وبعد الصلاة نركب ، وقال: في ذلك المكان ، وأشار بيده الى شوك نابت في الصحراء ، يوجد بئر ماءٍ عذبة ، فاشربوا وتوضؤوا ، واملؤوا قربكم !

فتوقفنا ونزلنا فوجدنا بئراً ماؤها على عمق شبر ونصف من سطح الأرض ! فشربنا وملأنا القرب والسيارة ، وتوضأنا وصلينا.

وأنا الآن على يقين بأنه لا يوجد في تلك الصحراء بئر في ذلك المكان .

وذهب هو(ع) وكنا نراه هنالك ، فأكمل صلاتيه الظهر والعصر، وجاء وأمر أن يتغدى كل واحدٍ منا بما عنده في داخل السيارة ، وركبنا السيارة وأتيت بما عندي وعرضت عليه أن يأكل مما معنا فأبى ، وأعطيته بعض اللوز والفستق فأبى أن يأخذه ، وقلت له هذا الخبز من حنطة زرعتها في بلدي شاهرود ، فأخذ مني كسرة يابسة ، لكني لم أره أكلها .

ودار الحديث بيننا ونحن نسير في الطريق ، وكنت أُبيّن له النعم الوافرة في ايران ورُخص الأسعار هناك ، فكان يقول: كلها من بركات الأئمة ، كلها من بركاتنا ، النعم وافرة في جميع ايران ، وكلها من بركاتنا أهل البيت(ع) . وتحدثنا عن الوهابية وعن العراق .

ولم ألتفت ولم أسأله: من أنت ، كنت أراه رجلاً صالحاً من أولياء الله سخره الله لنا ، وكنت أراه أحياناً مشغولاً بذكر الله تعالى !

وتحدث(ع) وأخذ يمدح بعض بلاد إيران وبعض علمائها ، وبعض علماء النجف ، الى أن وصلنا الى الحدود العراقية« الجرية » في أول المغرب كما كان أخبرنا(ع) ، فنزلنا من السيارة ونزل هو(ع) .

وأوصانا أن نبيت الليل هنا في الجرية ولا نسير وحدنا ، وقال إنه ستصل يوم غد قافلة من مكة ، فسيروا معها الى العراق .

وكنت واقفاً معه قرب السيارة وبيدي إبريق لأتوضأ ، فقال: أنا مفارقكم وأستودعكم الله تعالى ، فأصريت عليه أن يبقى معنا تلك الليلة ، ونتناول طعام العشاء . فقال لي: ياشيخ اسماعيل ، عندي شغل كثير ويلزم عليَّ أن أذهب ، وأنت أقسمتَ عليَّ بالقرآن الكريم فأجبتك .

فالتفتُّ في لحظة فلم أرَهُ وغاب عني وهو واقفٌ أمامي !

فشعرت آنذاك أنه كان مولانا الامام الحجة(ع) ، فأخذتُ بالبكاء وصحتُ بأصحابي بأنا كنا متشرفين الى الآن بخدمة إمامنا الذي فرّج الله تعالى عناونجانا ببركته ، وللأسف لم نحظَ بمعرفته !

فانتبه الحجاج وكأنهم أفاقوا من نومهم وأخذنا بالبكاء والعويل ، فسمع صوتنا شرطة الحدود فأسرعوا الينا وقالوا: منو ميت ، منو ميت ؟

قلنا: لم يمت أحد لكنا ضيعنا الطريق ، فبكينا الآن لما نجونا . ثم جاء بعضهم يسأل فقال له بعض الحجاج: نعم مات واحدٌ منا .

أقول: هذه القصص الصحيحة وعشرات أمثالها ، لا تدع مجالاً للشك في صحة مشاهدة الإمام(ع) في غيبته ، وبعضهم يعرفه حين رؤيته ، وأكثرهم يعرفه عند غيابه أو بعده !

الروايات التي توهم نفي إمكان الرؤية

توقيع الإمام(ع) لسفيره السمري:

وقد رواه الصدوق (كمال الدين/516) بسند صحيح ، والشيخ الطوسي ، (الغيبة/395) ، عن أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب قال: ( كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري(قدس سره) فحضرته قبل وفاته بأيام ، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته:

بسم الله الرحمن الرحيم: يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة ، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً . وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده ، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه،فقيل له: مَن وصيك من بعدك؟ فقال: لله أمرٌ هُوَ بالغه ، وقضى . فهذا آخر كلام سمع منه ، رضي الله عنه وأرضاه ) .

ملاحظات

1. سند التوقيع صحيح ، وفيه معجزةٌ تدل على صدوره من الإمام(ع) حيث أخبر أنه سفيره يموت قبل إكمال سبعة أيام ، وتحقق ذلك .

وقد استدل بعضهم على نفي رؤية الإمام(ع) في الغيبة بقوله(ع) : ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر .

وقد فسرالمشاهدة فيه بالرؤية ، والصحيح أن معناها ادعاء السفارة ، بقرينة قوله(ع) : وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني.. فالمنفي ادعاء شخص أنه يشاهد الإمام(ع) أي يكون في مشهده ومحضره ، فيأتي شيعتي ويدعي أنه يعيش في مشهد الإمام(ع) وأنه سفيره الى الناس. أما من يراه(ع) ولا يدعي مقاماً ولا سفارة ، فلا يشمله النفي ، ولا يصدق عليه أنه: يأتي شيعتي .

2. تستعمل المشاهدة اليوم بمعنى الرؤية ، ولكنها أخص من الرؤية لأنها تعني الحضور في حضرته(ع) ، والرؤية أعم منها، لأنها تصدق على النظر اليه سواء كلمه أم لم يكلمه ، فنفي المشاهدة لا يوجب نفي الرؤية ، بينما نفي الرؤية يعني نفي المشاهدة .

ولذلك استعمل الأئمة(ع) الرؤية في أحاديث الإمام المهدي كثيراً، ولم يستعملوا المشاهدة إلا في هذا التوقيع ، وفي حديث أبي خالد الكابلي عن الإمام السجاد(ع) في وصف المؤمنين في الغيبة (كمال الدين/320) قال: (يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان ، فإن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله(ص) ).

أي بمنزلة حضور الإمام(ع) ومشاهدته له .

3. معنى ( يدعي المشاهدة ) يفيد الإستمرار، أي يدعي أنه يشاهدني دائماً. فهذا هو المنفي ، ولوكان المنفي ادعاء الرؤية لقال: وسيأتي شيعتي من يدعي أنه رآني . ومن رآه لا يدعي استمرار رؤيته له ، وأنه في مشهده ومن خاصته .

وقد وقع اللبس على بعض المعاصرين ، بسبب عدم تتبعه للروايات ، أو عدم تمييزه بين الرؤية والمشاهدة في اللغة ، التي نفاها التوقيع الشريف .

فالميزان في النفي: أن يأتي الشيعة ويدعي لهم استمرار اللقاء به(ع) ، فهذا الذي أمرنا بتكذيبه ، قبل السفياني والصيحة . أما الذي يدعي أنه رآه ، وعرفه حين رآه ، أو عرفه بعد أن غاب عنه ، ولا يدعي مقاماً ، ولا أنه(ع) أمره بتبليغ شئ عنه ، ولا أنه من أخصائه ولا أنه يراه باستمرار ، فهذا يجب تصديقه إن استجمع شروط الوثاقة والعدالة .

ومما يُتوهم دلالته على نفي الرؤية أيضاً:

الروايات المستفيضة في أنه(ع) يرى الناس ويرونه ولا يعرفونه ،كالتي رواها الصدوق (2/440) بسند صحيح: (حدثنا محمد بن موسى المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه ، قال سمعته يقول:والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة ، فيرى الناس ويعرفهم ، ويرونه ولا يعرفونه ).

وما رواه النعماني/143، عن الإمام الصادق(ع) قال: ( واعلموا أن الأرض لا تخلو من حجة لله عز وجل ، ولكن الله سيعمي خلقه عنها بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم ، ولو خلت الأرض ساعة واحدة من حجة لله لساخت بأهلها ، ولكن الحجة يعرف الناس ولا يعرفونه ، كما كان يوسف يعرف الناس وهم له منكرون ، ثم تلا: يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون ) .

وما رواه الطوسي في الغيبة/341: (عن عباية بن ربعي الأسدي قال: سمعت أمير المؤمنين(ع) يقول:كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ، ولا علم يرى ، يبرأ بعضكم من بعض) !

وما رواه النعماني/142عن أمير المؤمنين(ع) : (حتى إذا غاب المتغيب من وُلدي عن عيون الناس ).

وما قاله السيد الحميري في حديث الإمام الصادق(ع) (كمال الدين/34):

ولكن روينا عن وصي محمد

وما كان فيما قال بالمتكذب

بأن ولي الأمر يفقد لا يرى

ستيراً كفعل الخائف المترقب

وما رواه الكافي ( 1/336 ) : ( عن سديرالصيرفي قال:سمعت أبا عبد الله ( ع ) يقول: إن في صاحب هذا الأمر شبهاً من يوسف ( ع ) ، قال قلت له: كأنك تذكره حياته أو غيبته ؟ قال : فقال لي : وما تنكر من ذلك هذه الأمة أشباه الخنازير! إن إخوة يوسف ( ع ) كانوا أسباطاً أولاد الأنبياء ، تاجروا يوسف ، وبايعوه وخاطبوه وهم إخوته وهو أخوهم ، فلم يعرفوه حتى قال: أنا يوسف وهذا أخي، فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يفعل الله عز وجل بحجته في وقت من الأوقات كما فعل بيوسف!إن يوسف(ع) كان إليه ملك مصر وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوماً ، فلو أراد أن يعلمه لقدر على ذلك.لقد سار يعقوب ( ع ) وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر، فما تنكر هذه الأمة أن يفعل الله عز وجل بحجته كما فعل بيوسف، أن يمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم حتى يأذن الله في ذلك له كما أذن ليوسف،قالوا : قَالُوا أَئِنَّكَ لانْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ ) !

كما لا يصح القول إن رواية العمري تخص الغيبة الصغرى ، فإن لسان بعضها مطلق يشمل الغيبتين، كرواية عبيد بن زرارة عن الصادق(ع) قال: (يفقد الناس إمامهم فيشهد الموسم). رواها الكافي(1/337) وغيره .

فقد يقال إن نفي معرفة الناس له(ع) في هذه الروايات،يعني نفي رؤيته.

والجواب: أن المنفي بهذه الروايات رؤية عامة الناس لاخاصتهم ، وبذلك يجمع بينها وبين ما صح عنهم(ع) من أنه يلتقي بثلاثين ، وبخاصة شيعته ، وخاصة مواليه في دينه ، والقصص الصادقة في رؤيته .