سلسلة القبائل العربية في العراق (14) عشائر المنتفق

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 1 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سلسلة القبائل العربية في العراق (14)
عشائر المنتفق
عبد الهادي الربيعي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 2 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 3 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
حفل تاريخ تحالف عشائر المنتفق بالأحداث الجسيمة طيلة تسعة قرون من الزمن، وكان لها دور واضح في صناعة تاريخ العراق والمنطقة الإقليمية عموما، والحديث عن المنتفق يعني الحديث عن ثورات متواصلة ضد المستعمر الأجنبي بألوانه المغولية والتركية والبريطانية، إلا أن من المؤسف أن قيادة هذه العشائر لم تكن بأيدي أمينة على الدوام، وإلا كان يمكن أن تؤسس لإمارة عربية مستقلة في جنوب العراق تضاهي باقي دول المنطقة رفعة خصوصا مع توفر الرجال الأشداء المخلصين لوطنهم.
ولا يسعني في ختام هذه الكلمة القصيرة، إلا أن أتقدم بجزيل الشكر لسماحة الشيخ علي الكوراني العاملي الذي أتاح لي فرصة الكتابة عن هذا الكيان الأصيل.
عبد الهادي الربيعي
12 /ذي الحجة/1433 هـ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 4 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الأول : التحالفات العشائرية عند العرب

عرفت القبائل العربية ظاهرة الأحلاف أو التحالفات منذ زمن بعيد، وكانت الفكرة التي حملت قبائل العرب على عقد التحالفات فيما بينها هي نفس الفكرة التي تدفع اليوم الدول والأحزاب للتكتل والتحزب، وهي ضرورة الدفاع عن المصالح، كصد غزو محتمل بالنسبة للقبائل يومذاك، أو لشن هجوم على قبيلة أخرى، أو لأغراض اقتصادية مثل أحلاف قريش مع بعض القبائل، أو بسبب التجاور واقتسام مناطق السكنى كتحالف بني أسد وطيء في جبال أجأ وسلمى حتى عرفوا بالحليفين، أو طلبا للمنعة والقوة خصوصا العشائر محدودة العدد، فتتحالف مع القبائل الكبيرة طلبا للحماية والمنعة.
وعقدت بعض التحالفات لأغراض أخلاقية وإنسانية كحلف الفضول الذي شهده النبي صلى الله عليه وآله ، وكان برنامج هذا الحلف يقوم على إنصاف المظلومين من ظالميهم.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 5 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وكانت بعض هذه الأحلاف كبيرة تنضوي تحتها مجموعات ضخمة من القبائل، تبعا للتحديات التي كانت تواجهها تلك القبائل، كالتحالف الذي عرف باسم تنوخ، حيث اجتمعت مجموعات من القبائل القحطانية والعدنانية لتشكيل هذا الحلف، قال ابن الأثير في تاريخه:1/140 وما بعدها مختصرا: ((لما كثر أولاد معد بن عدنان ومن كان معهم من قبائل العرب ومزقتهم الحروب، خرجوا يطلبون الريف فيما يليهم من اليمن ومشارف الشام، وأفلت منهم قبائل حتى نزلوا بالبحرين وبها جماعة من الأزد، وكان الذين أقبلوا من تهامة: مالك وعمرو ابنا فهم بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن قضاعة، ومالك بن زهير بن عمرو بن فهم في جماعة من قومهم، والحيقاد بن الحنق بن عمير بن قنص بن معد بن عدنان في قنص كلها، ولحق بهم غطفان بن عمرو بن الطمثان بن عوذ مناة بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد بن نزار بن معد بن عدنان وغيره من إياد، فاجتمع بالبحرين قبائل من العرب، وتحالفوا على التنوخ وهو (المقام)، وتعاقدوا على التناصر والتساعد فصاروا يدا واحدة، وضم اسم (تنوخ) بطون من نمارة بن لخم، وكان اجتماعهم أيام ملوك الطوائف... فأجمعوا على المسير إلى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 6 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العراق فكان أول من تطلع منهم الحيقاد بن الحنق في جماعة من قومه، وأخلاط من الناس، فوجدوا الأرمانيين -الأراميون شعب يعتقد أنه هاجر من جنوب الجزيرة العربية، واسقر في المنطقة والواقعة بين دجلة والفرات- وهم الذين ملكوا أرض بابل وما يليها إلى ناحية الموصل، يقاتلون الأردوانيين وهم ملوك الطوائف، - وهم جماعات قبيلة كانت تسكن جنوب العراق من بابل الى البصرة، وكان يعمل أغلبهم في الزراعة، وهم (نبط السواد) وكان لكل طائفة من هؤلاء ملك فسموا ملوك الطوائف- وهم ما بين نِفَّر وهي قرية من سواد العراق إلى الأبلة، فدفعوهم عن بلادهم))، فهذا الحلف كان كبيرا نظرا للتحدي الذي كان ينتظره من جهة الأرمانيين والأردوانيين.
وحلف الأحابيش الذي شكلت كنانة أغلبه، فكان فيه: بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وبنو الهون بن خزيمة، ولم يكن من خارج القبيلة سوى خزاعة، (المنمق:ص115 ) وكان هؤلاء بأجمعهم حلفاءا لقريش ينفرون معهم في الحروب. (المعارف:ص616)
وقد تتحالف بعض البطون من قبيلة تنتسب الى جد واحد لتشكل تكتلا قويا يرهب أعداء القبيلة، كحلف اللهازم الذي كان ضم بطونا من ربيعة، مثل: عنزة بن أسد، وعجل بن لجيم، وقيس بن ثعلبة، وتيم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 7 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
اللات بن ثعلبة. (العقد الفريد:4/202، لسان العرب:12/556)
والحلف كما واضح من اسمه يعني القسم، ولذلك كان يجتمع المتحالفون ويقسمون على الوفاء بما تضمنته شروط الحلف، قال اليعقوبي في تاريخه:1/241 متحدثا عن كيفية تشكيل حلف الأحابيش المار ذكره: ((...ومات قصي، فدفن بالحجون، ورأس عبد مناف بن قصي، وجل قدره، وعظم شرفه.
ولما كبر أمرُ عبد مناف، جاءته خزاعة، وبنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، يسألونه الحلف ليعزوا به، فعقد بينهم الحلف الذي يقال له حلف الأحابيش... وكان تحالف الأحابيش على الركن (في الكعبة): يقوم رجل من قريش وآخر من الأحابيش، فيضعان أيديهما على الركن، فيحلفان بالله القاتل، وحرمة هذا البيت، والمقام، والركن، والشهر الحرام على النصر على الخلق جميعا، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وعلى التعاقد، وعلى التعاون على كل من كادهم من الناس جميعا ما بل بحر صوفة، وما قام حرى وثبير، وما طلعت شمس من مشرقها إلى يوم القيامة، فسمي حلف الأحابيش))
كما كانوا يشعلون عند الحلف نارا تسمى نار الحلف؛ للأعلان عنه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 8 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وإشهاره بين القبائل، ويهولون على المتحالفين مغبة الإخلال بشروطه، فكانت تسمى نار المهول والهولة أيضا، قال ابن منظور في لسان العرب:11/713: ((والمُهَوِّل: المحلِّف، وكان في الجاهلية لكل قوم نار وعليها سَدَنةٌ، فكان إِذا وقع بين الرجلين خُصومة جاءَا إِلى النار فيحلَّف عندها، وكان السَّدَنة يطرَحون فيها مِلْحاً من حيث لا يشعُر يُهَوِّلون بها عليه، واسم تلك النار الهُولَةُ، بالضم؛ وكانت الهُولَةُ ناراً يُوقِدونها عند الحَلِف ويُلْقون فيها مِلْحاً فيَتَفَقَّع، يُهَوِّلون بها، وكذلك إِذا استحلفوا رجلاً؛ قال أَوس بن حجر يصف حمار وحش:
إذا استقبلته الشمس صدَّ بوجهه * كما صدَّ عن نار المهول حالف))
وقال القلقشندي في صبح الأعشى:1/466: ((كانوا إذا أرادوا عقد حلف أوقدوا النار وعقدوا الحلف عندها، ويذكرون خيرها، ويدعون بالحرمان من خيرها على من نقض العهد، وحلّ العقد)).
وكما كان الحلف يعقد بصورة جماعية كان يعقد بشكل فردي أيضا، حيث يتحالف شخص مع قبيلة من القبائل لضروف معينة، كتحالف عمرو القضاعي أبو المقداد الصحابي المعروف مع كندة فقد كان، ((عمرو بن ثعلبة بن مالك أصاب دما في قومه بهراء من قضاعة،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 9 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فهرب الى كندة وحالفهم، وتزوج منهم فولدت له الكندية المقداد)). (الإصابة:6/160)
وهكذا كان التحالف دأب القبائل العربية كلما استجدت الحاجة لذلك، فإذا ساد القانون وعمَّ الأمن البلاد ضعفت الحاجة الى عقد التحالفات، وإذا سادت الفوضى وكثرة غارات القبائل على بعضها البعض، أو اختل الأمن وفقد القانون نشطت ظاهرة الأحلاف، ومن شواهد ذلك عودة القبائل العربية الى عقد التحالفات زمن الاحتلال العثماني للعراق والجزيرة العربية، ((حيث ساد التقاتل بين القبائل على المراعي وزراعة الأرض ومصادر المياه، وما كان يقوم به الولاة العثمانيون الأتراك من حملات عسكرية لجمع الأموال الطائلة من خلال الغنائم، وبحجة تأديب تلك القبائل والتي يدعون خروجها عن الطاعة، ولكنها كانت حملات لجمع المال لإدامة بقاء الوالي في الحكم، فكلما كان الحاكم يدفع للباب العالي في اسطنبول مبلغا أكبر، كان يبقى في الحكم مدة أطول)) (الأنساب المنقطعة: أحمد رضا كريم:327) ، فاضطرت القبائل الى الرجوع الى نظام التحالفات مرة أخرى، فظهرت الكثير من التحالفات في أوساط العشائر العراقية في العهد العثماني.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 10 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومثلما في التحالف بين القبائل من فوائد وإيجابيات، كذلك لا تخلو من سلبيات، إذ يلاحظ أن الأحلاف إذا طالت وتماسكت، أحدثت اندماجا بين قبائل الحلف قد يتحول الى نسب، وبذلك تضيع الأنساب الحقيقية لبعض القبائل، حيث تندمج البطون الصغيرة والضعيفة بالبطون القوية، أو تنتسبت الى الأفراد البارزين من أعضاء الحلف.
ويؤدي انحلال الحلف كذلك الى انحلال الأنساب، وظهور أنساب جديدة، وأسماء جديدة للقبائل، وهذا هو السبب في تحير بعض العشائر والجماعات في معرفة قبائلهم الأم. (المفصل في تاريخ العرب:4/385 مختصرا)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 11 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الثاني : بنو المنتفق

ونبحث في هذا الفصل

أولا: نسب المنتفق

يرجع نسب القبيلة الى المنتفق بن عامر عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وللمنتفق ثلاثة أخوة غير أشقاء وهم: عوف، وربيعة، وأبا عدي، وأمهم: جبلة بنت معاوية بن عامر بن ربيعة. أما المنتفق فأمه: جيئة بنت الهجيم من بني سلول (مرة بن عامر). (جمهرة النسب:333)
وأنفرد ياقوت الحموي في معجم البلدان:1/530، والزبيدي في تاج العروس:6/415: فقالا: ((أن اسم المنتفق: معاوية بن عامر)).
وفي لفظ المنتفق عند العراقيين خمس لهجات، المشهور منها ثلاث: فيقال: المنتفق، ويقال: المنتفج، ويقال: المنتفگ. (إمارة المنتفق:39)
وقد أولد المنتفق: قيسا، وعوفا، وعامرا، ومعاوية الأكبر، ومعاوية الأصغر، وحرادا، ومالكا. (جمهرة النسب:335 )، وزاد ابن حزم في الجمهرة ص291 : ((عبد الله بن المنتفق، واسمى حرادا: جراد بن المنتفق،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 12 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال: له صحبة، وحاجب بن المنتفق))، لكن الصحيح أن حاجب هو ابن عامر بن المنتفق. (أسد الغابة:5/44)
ومن أولاد المنتفق لصلبه: ربيعة بن المنتفق، ورد ذكره في الحرب التي وقعت بين بني المنتفق وبني رؤاس بن كلاب، وسنورد لها ذكرا في محلها.
ومن أولاده أيضا: حُصين، ذكره ابن الكلبي في الجمهرة ص336 في أثناء كلامه عن جهم بن عوف بن المنتفق الشاعر الذي يقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * بعيدا من اسم الله والبركات
((وكان جهم يغزو الصائفة زمن بني أمية فطال عليه الامر، فقال أبياتا منها هذا البيت، يريد أنهم كانوا إذا أرادوا ان يغيروا نادوا: يا خيل الله اركبي على اسم الله والبركة)). (الإصابة:5/127)

ثانيا: أهم بطون المنتفق القديمة

من البطون المعروفة لقبيلة المنتفق قديما:
1- بنو الأبرص بن ربيعة بن عامر بن المنتفق: منهم: عزرة بن معاوية، قاد بني كعب كلها يوم الجمل. (جمهرة النسب:336)
2- بنو الخلط: بطن من المنتفق بن عامر، وهم: بنو عوف ومعاوية
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 13 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ابنا المنتفق، وهم الآن في عداد جشم- من بني هلال بن عامر- في بلاد المغرب. (نهاية الأرب ص132 )
3- بنو عامر بن المنتفق: منهم: لقيط بن عامر بن المنتفق، وفد على النبي صلى الله عليه وآله . (اللباب في تهذيب الأنساب:3/259).
4- بنو سامي: وهم بطن من بني حاجب بن عامر بن المنتفق. (جمهرة أنساب العرب:291)
5- بنو عوف بن المنتفق: قاتل لقيط بن زرارة التميمي يوم شعب جبلة. (جمهرة أنساب العرب:291)
6- بنو قيس بن المنتفق: وهو الذي أسر عمرو بن عمرو يوم شعب جبلة (المصدر السابق)، منهم: أنس بن قيس بن المنتفق أحد الوافدين على النبي صلى الله عليه وآله .
7- بنو مالك بن المنتفق: وسيأتي ذكرهم في عنوان لاحق.
8- بنو معاوية بن المنتفق: منهم: عمرو بن معاوية بن المنتفق، قائد الصوائف لبني أمية.
9- الهولة: قيل: هي قبيلة متفرعة من عشائر المنتفق في العراق هاجروا من غربي الخليج الى الساحل الإيراني. (تاريخ عرب الهولة والعتوب:47). والهولة: تحالف كان مكونا من: القواسم حكام الشارقة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 14 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ورأس الخيمة، والمرازيق: من قبيلة العجمان، وآل علي وهم فرع من السبيع من همدان، وبني بشر، وبني حماد، والعبيدل، وآل حرم، وبني مالك وهم فرع من قبيلة المنتفق العراقية، وبني تميم، وآل نصوري أو المنصوري ويسكن أغلبهم الساحل الشرقي للخليج، من ميناء بندر عباس عند مضيق هرمز الى ميناء أبي شهر. (المصدر السابق:64).

ثالثا: بلاد المنتفق

كان بنو المنتفق بن عامر يسكنون مع أبناء قبيلتهم الأم (عقيل بن كعب) في نجد متجهة شمالا نحو البصرة، قال ابن خلدون في تاريخه: ج2 ق1 ص302: ((وأما بنو عجل بن لجيم: فمنازلهم من اليمامة إلى البصرة، وقد دثروا، وخلفهم اليوم في تلك البلاد بنو عامر بن المنتفق بن عقيل))، ومن المواضع التي ذكرت في بلادهم:
1- البيضاء: وهو ماء لبني المنتفق وهو معاوية، ومعهم فيها عامر بن عقيل. (معجم البلدان:1/530)
2- العقيق الأعلى: قال الهمداني في صفة جزيرة العرب ص293: ((العقيق عقيقان، الأعلى: للمنتفق، ومعه معدن صعاد، وهو أغزر معدن في جزيرة العرب، وهو الذي ذكره النبي صلى الله عليه وآله : مطرت أرض
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 15 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عقيل ذهبا)).
3- الميثب: وهو ماء بنجد لعقيل، ثم للمنتفق. (معجم البلدان:5/241)
أما منازلهم في العراق بعد أن انتقلوا إليه مع سائر قبائل عقيل بن كعب، فكانت: ((الآجام التي بين البصرة والكوفة)) (تاريخ ابن خلدون:2 ق1/312)، وهي المنطقة التي تعرف بالبطيحة أو البطائح، ثم اتسعت بلادهم باتساع تحالف المنتفق، فأصبحت رقعة واسعة، ((في الطول والعرض، برية ونهرية، أما البرية: فتكاد تشمل كل بادية العراق من اليمامة الى البصرة...أما النهرية: فكانت تشمل كل شط العرب مصعدة في الفرات الى ما وراء السماوة عند سدرة الأعاجيب، ومادة في دجلة الى ما وراء العمارة، ثم تقلصت حيث اختزلتها الحكومة العثمانية قطعة قطعة، وقد ساهم المنتفقيون في بناء عدة مدن ومراكز حضارية كمدينة الناصرية وسوق الشيوخ، وقاموا بتعمير قرى كثيرة وزراعتها بالنخيل وغيره من المحاصيل الزراعية)). (عشائر المنتفق: ص21 الهامش، العشائر العراقية: د/الطاهر:60)
المنتفق في مسيرتهم التاريخية
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 16 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الثالث : المنتفق في مسيرتهم التاريخية

المحطات التاريخية في مسيرة بني المنتفق، ومن بعد تحالف المنتفق كثيرة؛ لذا سنعرض للمهم منها.

بنو المنتفق في الجاهلية

بالرغم من قصر عمر القبيلة في الجاهلية، فالزمن الذي عاش فيه المنتفق ليس ببعيد عن عصر النبوة، وربما يكون المنتفق من جيل عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وآله ، حيث كان بعض أولاده لصلبه من صحابة النبي صلى الله عليه وآله ، إلا أن بنوه كانوا يحملون مؤهلات جعلتهم يتزعمون قبائل بني عقيل كلها في تلك المرحلة، فكان قيس بن المنتفق زعيم بني عقيل يوم شعب جبلة (البدو: أوبنهايم:3/590)، بل أهلتهم مواهبهم القيادية لقيادة كعب كلها، فكان عزرة بن معاوية، قائد لبني كعب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 17 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كلهم يوم الجمل. (جمهرة النسب:336)
ومن أيامهم وحروبهم في الجاهلية غير يوم شعب جبلة: يوم دهي، ويوم تناهض، ذكرهما د/كحالة في معجم قبائل العرب:3/1144، ولهم يوم آخر مع رؤاس بن كلاب، وملخص القصة في نهاية الأرب للنويري:18/44 قال: ((قدم رجل يقال له عمرو بن مالك بن قيس الرّؤاسي على النبي صلى الله عليه وآله فأسلم، ثم أتى قومه فدعاهم إلى الإسلام، فقالوا: حتى نصيب من بنى عقيل بن كعب مثل ما أصابوا منّا، فخرجوا يريدونهم، وخرج معهم عمرو بن مالك فأصابوا فيهم، ثم خرجوا يسوقون النّعم، فأدركهم فارس من بني عقيل، يقال له ربيعة بن المنتفق، وهو يقول:
أقسمت لا أطعن إلَّا فارسا * إذا الكماة لبسوا القوانسا
فأدرك رجلا من بنى عبيد بن رؤاس: يقال له المحرّش فطعنه في عضده فقطعها، فاعتنق المحرّش فرسه، وقال: يا آل رؤاس! فقال ربيعة: رؤاس خيل أو أناس؟ فعطف على ربيعة عمرو بن مالك فطعنه فقتله. قال: ثم خرجنا نسوق النّعم، وأقبل بنو عقيل في طلبنا حتى انتهينا إلى تربة، فقطع ما بيننا وبينهم وادى تربة، فجعل بنو عقيل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 18 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ينظرون إلينا فلا يصلون إلى شيء فمضينا)).

وفدهم الى النبي

ثم وفدوا على النبي صلى الله عليه وآله في وفد بني عقيل، وكان مقدمهم أنس بن قيس بن المنتفق. ووفد عليه أيضا لقيط بن عامر بن المنتفق، فأعطاه ماء يقال له النظيم وبايعه على قومه. (المصدر السابق:18/45)
ولا يرد لهم ذكر في التاريخ بعد ذلك إلا في وقعة الجمل، حيث كانت قيادة كعب لرجل منهم كما مر، وشهد رجل منهم صفين الى جانب معاوية، وهو: عمرو بن معاوية بن المنتفق، قال الطبري:4/8 : ((وبارز يومئذ زياد بن النضر (الحارثي) أخا له لامه، يقال له عمرو بن معاوية بن المنتفق، وكانت أمهما امرأة من بني يزيد، فلما التقيا تعارفا فتواقفا، ثم انصرف كل واحد منهما عن صاحبه)).

ظهور بني المنتفق في القرن الرابع

تصدر بنو المنتفق ساحة الأحداث السياسية مرة أخرى في أواخر القرن الرابع الهجري، بعد أن اختفى ذكرهم من كتب التاريخ طيلة ثلاث قرون ونصف تقريبا، وقد ازداد نشاطهم السياسي في عهد صمصام الدولة البويهي (372- 376 هـ) في أطراف الصحراء
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 19 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الغربية للعراق. ويبدو أنهم شغبوا عليه فشفع فيهم لديه محمد بن المسيب العقيلي أحد زعماء بني عقيل بن كعب، ونجح في أخذ الأمان لهم، كما يظهر ذلك من رسالة وجهها لهم صمصام الدولة، وهي من إنشاء أبي إسحاق الصابئ، وجاء فيها: ((من صمصام الدولة، وشمس الملَّة، أبي كاليجار، بن عضد الدولة وتاج الملَّة أبي شجاع، بن ركن الدولة أبي علي، مولى أمير المؤمنين لجماعة من العرب من المنتفق، الراغبين في الطاعة والداخلين فيها مع أولياء الدولة. إن محمد بن المسيّب سأل في أمركم، وذكر رغبتكم في الخدمة، والانحياز إلى الجملة، والتمس أمانكم على نفوسكم وأموالكم، وأهلكم وعشيرتكم، على أن تلزموا الاستقامة، وتسلكوا سبيل السلامة، ولا تخيفوا سبيلا، ولا تسعوا في الأرض فسادا، ولا تخالفوا للسلطان وولاة أعماله أمرا، ولا تؤوا له عدوّا، ولا تعادوا له وليا، ولا تجيروا أحدا خرج عن طاعته، ولا تذمّوا لأحد طلبه، ولا تخونوه في سرّ ولا جهر، ولا قول ولا عمل، فرأينا قبول ذلك منكم، وإجابة محمد إلى ما رغب فيه عنكم، وتضمّنته العهدة فيما عقد من هذا الأمان لكم على شرائطه المأخوذة عليكم: في الكفّ عن الرعية والسابلة، وأهل السواد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 20 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والحاضرة، وترك التعرض للمال والدم، أو الانتهاك لذمة أو محرم، أو الارتكاب لمنكر أو مأثم. فكونوا على هذه الحدود قائمين، وللصحة والاستقامة معتقدين، ولأحداثكم ضابطين، وعلى أيدي سفهائكم آخذين؛ وأنتم مع ذلك آمنون بأمان الله جلّ جلاله، وأمان رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأمان مولانا أمير المؤمنين، وأماننا: على نفوسكم وأموالكم وأحوالكم، وكل داخل في هذا الأمان وشرائطه معكم: من أهلكم وعشيرتكم وأتباعكم، ومن ضمّته حوزتكم. ومن قرأ هذا الكتاب من عمّال الخراج والمعاون، والمتصرفين في الحمّارة والسّيارة وغيرهم من جميع الأسباب، فليعمل بمتضمّنه، وليحمل جماعة هؤلاء القوم على موجبه، إن شاء اللَّه تعالى)). (صبح الأعشى:13/337)
ولعب بعد ذلك بنو المنتفق دورا إيجابيا في التاريخ الإسلامي خصوصا في عهد أميرهم الأصفر أو الأصيفر المنتفقي، فقد تولى قتال القرامطة بعد هجومهم على البصرة سنة 378 هـ ونهبها، فانتدب شرف الدولة البويهي، ((رجلا قوي الشكيمة من قبيلة المنتفق يسمى الأصيفر، وحشد حشدا كثيرا وسار بهم الى البحرين، فخرج القرامطة للقائه وأسفرت عن قتل رئيسهم، وفناء معظمهم، وأسر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 21 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عدد كبير منهم، وفرار فلولهم حيث اعتصموا بالأحساء، فحاصرها الأصيفر فلما يئس من فتحها زحف على القطيف، فصادر جميع ما كان فيها للقرامطة من أموال ومواشي وعبيد، ثم عاد الى البصرة)) (الإيجاز في تاريخ البصرة ونجد والأحساء والحجاز: عارف مرضي الفتح:1/214)1
ثم تولى بنو المنتفق بزعامة الأصيفر خفارة الحجاج بعد أن ملك بادية العراق الجنوبية الى اليمامة، فقد ذكر ابن الجوزي في المنتظم في حوادث سنة 382 هـ:14/363، قال: ((وفي ذي القعدة ورد صاحب الأصيفر الأعرابي، وبذل الخدمة في تسيير الحجاج إلى مكة وحراستهم صادرين وواردين، وأعيد إقامة الخطبة للخليفة القادر من حد اليمامة والبحرين إلى الكوفة، فقبل ذلك منه، وحمل إليه خلعة ولواء)).
ثم أجرت له الدولة مبلغا سنويا لقاء خفارته وقبيلته للحجاج، ففي المنتظم في حوادث سنة 384 هـ: ((وفي يوم الأربعاء رابع ذي الحجة ورد الخبر برجوع الحاج من الطريق، وكان السبب أنهم لما حصلوا بين زبالة والثعلبية اعترضهم الأصيفر الأعرابي ومنعهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 22 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الجواز، وذكر أن الدنانير التي أعطيها عام أول كانت دراهم مطلية، وأنه لا يفرج لهم عن الطريق إلا بعد أن يعطوه رسمه لسنتين، وتردد الأمر إلى أن ضاق الوقت فعادوا)).
وفي حوادث سنة 385 هـ قال: ((وحج بالناس هذه السنة: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عبيد الله العلوي، وكذلك في سنة ست وسبع وثمان، وبعث في السنة بدر بن حسنويه تسعة آلاف دينار، لتدفع إلى الأصيفر عوضا عما كان يأخذه من الحاج، وجعل ذلك رسما له من ماله، وبعث ذلك له إلى سنة ثلاث وأربعمائة)).
ويظهر من الخبر الذي ذكره ابن كثير في البداية والنهاية:11/383، في حوادث سنة 394، أن الأصيفر كان متدينا محبا للقرآن وقرائه، قال: ((وفيها خرج الركب العراقي إلى الحجاز في جحفل عظيم كبير وتجمل كثير، فاعترضهم الأصيفر أمير الاعراب، فبعثوا إليه بشابين قارئين مجيدين كانا معهم، يقال لهما أبو الحسن الرفاء وأبو عبد الله بن الزجاجي، وكانا من أحسن الناس قراءة، ليكلماه في شيء يأخذه من الحجيج، ويطلق سراحهم ليدركوا الحج، فلما جلسا بين يديه قرآ جميعا عشرا بأصوات هائلة مطربة مطبوعة، فأدهشه ذلك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 23 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأعجبه جدا، وقال لهما: كيف عيشكما ببغداد؟ فقالا: بخير لا يزال الناس يكرموننا ويبعثون إلينا بالذهب والفضة والتحف. فقال لهما: هل أطلق لكما أحد منهم بألف ألف دينار في يوم واحد؟ فقال: لا، ولا ألف درهم في يوم واحد. قال: فإني أطلق لكما ألف ألف دينار في لحظة، أطلق لكما الحجيج كله، ولولاكما لما قنعت منهم بألف ألف دينار. فأطلق الحجيج كله بسببهما، فلم يتعرض أحد من الاعراب لهم)).
وبقي الأصيفر في زعامة بني المنتفق حتى مات سنة 410 هـ. (المنتظم:15/134) ، فجعلت الرئاسة تنتقل من شيخ الى آخر حتى سنة 499 هـ. (التحفة النبهانية:390)، وكان من أشهر زعمائهم في هذه الفترة كامل المنتفقي الذي زار السلطان طغرلبك السلجوقي سنة 450 هـ عند وجوده في البصرة. (البدو: أوبنهايم:3/591 الهامش)

تحالف ربيعة والمنتفق

((في القرن الخامس الميلادي كان بنو المنتفق ينزلون ريف البصرة، وكان يقال لهم أهل السعفة، ويقال لزعيمهم مقدم بني المنتفق، ثم تقدموا الى بطائح الغراف، وكانت الزعامة فيهم لقوم من ربيعة يقال
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 24 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لهم بنو معروف)) (عشائر المنتفق:12).
وربيعة المعنيون هنا هم: ((بقايا بني شيبان، وعجل بن لجيم، وبني ذهل بن ثعلبة، والذين كانوا يسكنون في الأطراف الغربية للبطائح)) (تاريخ الناصرية:75) منذ العصر الجاهلي، وانضمت إليهم بطون أخرى من ربيعة كانت قد هاجرت الى الشمال واستقرت بين الزابين شرق الموصل، وهم: شيبان، وعنزة بن أسد، وربما كان السبب في رجوعهم الى البطائح تزايد نفوذ بني عقيل في الموصل، وهربا من هجمات قبائل الغز التركمانية، وكذلك بنو تغلب الذين فقدوا ملكهم المتمثل بدولة بني حمدان، فعادوا جميعا أواخر القرن العاشر الميلادي من الموصل والجزيرة الى البطائح. (البدو: أونهايم:3/507 )، فاتسع نفوذ ربيعة وقوتهم في المنطقة، ((وكانت ربيعة البطائح، هي الأخرى قد فقدت مكاسبها السياسية يومذاك بزوال إمارة عمران بن شاهين الخفاجي، حيث كانوا يشكلون القسط الأعظم من أتباعه)) (تاريخ الناصرية:88)، فشكلوا جميعا تحالفا مع المنتفق عام 499 هـ، بزعامة بني معروف الذين يعتقد أنهم كانوا من تغلب.
وظهر تحالف ربيعة والمنتفق أساسا كقوة لمواجهة صدقة بن دبيس
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 25 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الأسدي أمير الحلة، وكان صدقة قد ضم البصرة الى ممتلكاته عام 499هـ، واستناب بها مملوكا كان لجده يدعى (التوفتاش) وجعل معه 120 فارسا لحماية المدينة، ويظهر أنه كانت لربيعة أطماع في البصرة، فتحالفوا مع بني المنتفق بن عامر، وانضمت إليهم عشائر أخرى، وساروا نحو البصرة فهاجموها في خمسة أو ستة آلاف فارس أواخر السنة المذكورة، فلم يقدر التوفتاش على مواجهتهم، ووقع في الأسر بعد حرب استمرت بينهم قرابة الشهر، ووقعت البصرة في أيديهم، فأحرقوا الدور والأسواق، ونهبوا ما قدروا عليه وعادوا الى مواقعهم في البطائح. (التحفة النبهانية: ص295 و391 مختصرا، البصرة: تاريخها وعشائرها: حسن خان ص31)
ثم أخذ هذا التحالف يزداد قوة ونفوذا، بحيث التجأ إليه أمير الحلة دبيس بن صدقة بن منصور عام 517 هـ، فارا من الخليفة العباسي المسترشد. ((وكان دبيس قد شغب على المسترشد، فوجه إليه البرسقي في ثمانية آلاف مقاتل، فانهزم عسكر دبيس وفرَّ هو الى البادية، وقصد غزية من عرب نجد فطلب منهم أن يحالفوه فامتنعوا عليه، فرحل إلى المنتفق واتفق معهم على قصد البصرة وأخذها، فساروا إليها ودخلوها، ونهبوا أهلها وقتل الأمير سخت كمان مقدم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 26 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عسكرها وأجلى أهلها)). (الكامل في التاريخ:10/610 باختصار)
وفرض التحالف الجديد- ربيعة والمنتفق- بقوته المتنامية نفسه على ساحة الأحداث بعد احتلاله للبصرة فلم ير الخليفة العباسي حلا سوى أن يعهد بولاية البصرة إليهم، ((فصدر الأمر من الخليفة سنة 532 هـ بتعيين الشيخ معروف رئيس المنتفق واليا على البصرة)). (التحفة النبهانية:391)، فبقي الشيخ معروف المنتفقي واليا عليها حتى عزله عن ولايتها المقتفي لأمر الله سنة 554 هـ، وعين بدله كمشتكين التركي واليا. (مختصر تاريخ البصرة: الأعظمي:108)
وبسبب هذه المكاسب السياسية النسبية دان تحالف ربيعة والمنتفق بالطاعة للخليفة العباسي، فالتحقوا بعسكره الذي تولى مهمة إجلاء بني أسد عن العراق سنة 558 هـ، قال ابن الأثير في الكامل:11/296: ((أمر الخليفة المستنجد بالله بإهلاك بني أسد أهل الحلة المزيدية؛ لما ظهر من فسادهم ولما كان في نفس الخليفة منهم من مساعدتهم السلطان محمدا (السلجوقي) لما حصر بغداد، فأمر يزدن بن قماج بقتالهم وإجلائهم من البلاد، وكانوا منبسطين في البطائح فلا يقدر عليهم، فتوجه يزدن إليهم وجمع عساكر كثيرة من فارس
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 27 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وراجل، وأرسل إلى ابن معروف مقدم المنتفق وهو بأرض البصرة، فجاء في خلق كثير وحصرهم وسكر عنهم الماء وصابرهم مدة، فأرسل الخليفة يعتب على يزدن ويعجزه وينسبه إلى موافقته في التشيع، وكان يزدن يتشيع فجد هو وابن معروف في قتالهم والتضييق عليهم، وسد مسالكهم في الماء فاستسلموا حينئذ فقتل منهم أربعة آلاف قتيل، ونودي فيمن بقي من وجد بعد هذا في الحلة المزيدية فقد حل دمه، فتفرقوا في البلاد ولم يبق منهم بالعراق من يعرف، وسلمت بطائحهم إلى ابن معروف وبلادهم)).
((وفي سنة 588 هـ أغار عميرة العامري العقيلي صاحب الأحساء على البصرة، فخرج النائب على البصرة محمد بن إسماعيل لمواجهتهم، فانهزم ودخلوا البلد، وكان النائب قد طلب من المنتفق وخفاجة النجدة والنصرة، فجاءت المنتفق وخفاجة فالتقوا مع بني عامر بضواحي البصرة، فانتصر بنو عامر وعادوا الى البصرة للنهب والسلب)). (مختصر تاريخ البصرة:110)
ويظهر أن هذا الحلف بين ربيعة والمنتفق قد اتسع ليشمل قبائل أخرى، ففي سنة 597أو 588هـ جمعت عشائر الشام، وهم: ((ربيعة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 28 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
طيء، وزبيد طيء، وغزية يريدون غزو الكوفة، وزعيمهم دهمش بن سند الغزي، وكان زعيم عشائر العراق يومذاك محمد بن أبي الحسين وهو من ربيعة أيضا- محمد بن أحمد بن الفضل العيوني أحد أمراء الدولة العيونية- ، فجمع ربيعة وعبادة وعقيلا وخفاجة والمنتفق والأعلم بن خويلد، فالتقى الطرفان قرب النجف ووقعت الهزيمة على قبائل طيء، واستجار دهمش بمشهد الإمام علي عليه السلام ، فأقام الأمير محمد بن أبي الحسين الحراس بباب المشهد لئلا يهرب، ووصل الخبر للخليفة الناصر لدين الله العباسي، فأمر أن يقبضوا عليه بغير ازعاج رعاية لحرمة المشهد الشريف)) (الفتح:1/288 مختصرا، مجلة الوثيقة: العدد/1)
لكن بني معروف وعشائرهم سلكوا طريق العصيان في السنوات التالية، فهاجموا القطيف سنة 609هـ، وعادوا عنها منهزمين (البدو:3/508)، وتكررت حالات اعتدائهم على القبائل والمناطق المجاورة فأرسل الخليفة الناصر لدين الله الشريف معد لكسر شوكتهم، قال ابن الأثير في أحداث سنة 616هـ: ((في هذه السنة في ذي القعدة أمر الخليفة الناصر لدين الله الشريف معدا متولي بلاد واسط، أن يسير إلى قتال بني معروف فتجهز، وجمع معه من الرجالة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 29 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من تكريت وهيت والحديثة والأنبار والحلة والكوفة وواسط والبصرة وغيرها خلقا كثيرا وسار إليهم، ومقدمهم حينئذ معلى بن معروف وهم قوم من ربيعة. وكانت بيوتهم غربي الفرات تحت سوراء وما يتصل بذلك من البطائح، وكثر فسادهم وأذاهم لما يقاربهم من القرى وقطعوا الطريق، وأفسدوا في النواحي المقاربة لبطيحة الغراف، فشكا أهل تلك البلاد الديوان منهم، فأمر معدا أن يسير إليهم في الجموع فسار إليهم، فاستعد بنو معروف لقتاله فاقتتلوا بموضع يعرف بالمقير وهو تل كبير بالبطيحة بقرب الغراف، وكثر القتل بينهم، ثم انهزم بنو معروف وكثر القتل فيهم والأسر والغرق وأخذت أموالهم، وحملت رؤوس كثيرة من القتلى إلى بغداد في ذي الحجة من السنة))، ((فاضطرهم الى الجلاء من البطائح فذهبوا نحو الأحساء والقطيف ليستوطنوا فيهما، فما تمكنوا من البقاء لكثرة أضدادهم هناك، فعادوا نحو البصرة وطلبوا من متسلمها أن يكاتب وزارة بغداد بالعفو عنهم ليعودوا هادئين، فكتب المتسلم لهم بذلك وسيرهم الى بغداد ليعرضوا الخضوع والانقياد لأوامر الخليفة، فلما قاربوا واسط لقيهم قاصد من الوزارة ومعه سرية لمقاتلتهم، وعدم الإذن لهم بدخول
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 30 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العراق، فتحاربوا حتى تفوقوا عليه وغنموا أسلحة تلك السرية، فتمكنوا بها من احتلال البطيحة، وذلك سنة 617 هـ أو 618 وعاد جميع بني معروف والمنتفق الى البطائح وقوي أمرهم فيها)). (التحفة النبهانية:392 مختصرا، الفتح:1/304)

المنتفق بعد سقوط بغداد

وفي سنة 656 هـ سقطت بغداد بأيدي المغول بقيادة هولاكو، فقسم المغول العراق الى خمسة مناطق إدارية سميت بالأعمال، أحدها الأعمال الواسطية والبصرية وكانت البطائح وبلاد المنتفق من ضمنها، ونصبوا سراج الدين ابن البجلي واليا عليها. (البصرة في العصور المظلمة: د/سوادي عبد محمد ص6)
ولم يرد للمنتفق ذكر في ظل الفوضى التي اجتاحت العراق بعد الاحتلال المغولي، وتركوا البطائح متوغلين في الصحراء الى الجنوب، خصوصا بعد الحملات العسكرية التي شنها المغول على القبائل المتمردة في البطائح سنة 693 هـ، وسنة 698 حيث سيَّر غازان عسكرا الى البطائح فحصروا القبائل، وأكثروا القتل والنهب والسبي فيهم وغنموا أموالهم (العراق بين احتلالين:1 /357 و383)
ولم يعد بنو المنتفق الى العراق إلا بعد تفكك حكومة المغول
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 31 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الأليخانية وبدايات قيام الدولة الجلائرية، وظهر اسم بني مالك القبيلة المعروفة في العراق حاليا لأول مرة، قال الفتح:1/365: ((صارت قبيلة مالك (بن المنتفق) بن عقيل التي كانت في أرض تيماء من نجد الى جهات البصرة، بينها وبين الكوفة في الآجام المعروفة بالبطائح، والإمارة منهم في بني معروف بعد موت ملك التتار سنة 735هـ)).

حكومة عرب العراق في الحلة

فوض أبو سعيد بهادر ثامن سلاطين الدولة الأليخانية المغولية (716- 737 هـ) أمر عرب العراق الى الشريف أحمد بن رميثة بن أبي نما الحسني، وبعثه مرة على رأس الحج العراقي، وبعد وفاة السلطان المذكور أعلن الشريف أحمد استقلاله بالحلة وطرد منها حاكمها علي بن طالب الدلقندي، فقامت بذلك حكومة عراقية كانت الأولى منذ سقوط الدولة العباسية، وامتد نفوذه الى البصرة، وكان يجبي الأموال باسم حكومته، ودانت له القبائل العراقية، بما فيهم المنتفق، وعبر عنه العزاوي في العراق بين احتلالين:2/35 بأمراء المنتفق.
لكن هذه التجربة فشلت باستيلاء حسن الجلائري على العراق،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 32 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فجهز حملة كبيرة سنة 740هـ للقضاء على هذه الدولة الفتية، فلم يتمكن رجال القبائل من مواجهة عسكر الجلائري فتفرقوا، والقي القبض على الشريف أحمد، وانتهت حكومته. (العراق بين سقوط الدولة وسقوط الدولة العثمانية:عبد الأمير الرفيعي:1/181 مختصرا)2

المنتفق يحكمون البصرة

في أواخر إمارة أويس بن أحمد الجلائري، في حدود سنة 784 هـ تمكنت عشائر الجنوب من الاستيلاء على البصرة، وأقام رؤساء المنتفق فيها حكومة عربية، استمرت في إدارة شؤون جنوب العراق طيلة عهود حكومات التركمان-القرة قوينلو والآق قوينلو- وكانت حكومة المنتفق في البصرة مستقلة في الخطبة، وتسك النقود باسم الأمير مثل ما كان وضع الدول المستقلة في تلك الأيام.
واستمرت هذه الحكومة حتى سنة 814هـ عندما سقطت حكومة الجلائريين في بغداد فانسحبوا الى الجنوب، وبعد معركة دامية مع القبائل العربية تمكن الجلائريون من انتزاع البصرة، لكن القبائل بقيادة رؤساء المنتفق استعادوا السيطرة على المدينة مرة أخرى، فاستمر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 33 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المنتفق في حكم البصرة حتى سلم حاكم البصرة راشد مفاتيح قلعتها الى السلطان العثماني سليمان القانوني سنة 945هـ. (المصدر السابق:2/64- 65 مختصرا)

رؤساء المنتفق

تضاربت آراء المؤرخين حول أسرة آل راشد التي تزعمت تحالف المنتفق في هذه الفترة حتى الاحتلال العثماني، على أقوال:
الأول: زعم علي ظريف الأعظمي في مختصر تاريخ البصرة ص127: ((أن راشدا كان فارسيا))، وسيأتي توجيه قوله.
الثاني: ذهب النبهاني في التحفة ص393، الى أنهم من السادة الأشراف، وأنهم أسلاف آل الشبيب، وآل السعدون زعماء المنتفق في العصور الأخيرة، واحتمل العزاوي ذلك. (العراق بين احتلالين:4 /47)
الثالث: أنهم قوم من ربيعة، وكانوا يعرفون بالطوال، أو آل طوَّال (إمارة المنتفق:41)، قال سليمان فائق في عشائر المنتفق ص15: ((كان حكام البصرة في القرن العاشر للهجرة قوم من ربيعة يعرفون بالطوال، يقال لهم آل راشد، وكانت الإمارة في خمسة منهم: غانم بن بدر، ومهنا ابن رحمة، ومغامس بن محمد، ومغامس الثاني، وراشد بن مغامس، وراشد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 34 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
هذا هو الذي سلم مفاتيح البصرة الى السلطان العثماني سليمان القانوني))، وتبعه على هذا الرأي العديد من الأكاديميين كالجوراني في تاريخ المنتفق الوطني ص84، ومحمد هليل الجابري في البصرة في العهد العثماني الأول ص4.
الرابع: نقل الفتح في الإيجاز:1/434، عن ابن فهد في نيل المنى نسبة حاكم البصرة راشد الى آل فضل، وعبر عنهم بآل مغامس، وعن حكومتهم بالدولة المغامسية. قال: هو ((راشد بن مغامس بن صقر بن محمد بن فضل، انتزع البصرة من الفرس سنة 931 هـ)) ولقب ابن فهد راشدا، تارة: المنتفعي، وأخرى: المسعفي. ورأى الأستاذ الفتح أن هذا اللقب تصحيف للمنتفقي.
والأحداث التاريخية والسياسية التي ذكرها الفتح في الإيجاز عن ابن فهد حول ما أسماه بالدولة المغامسية، متطابقة مع المعلومات الواردة في الوثائق والمصادر العثمانية. (انظر: الدولة العثمانية في المجال العربي: ص264 وما بعدها).
وآل فضل المعنيون هنا هم بطن من ربيعة طيء، وقد أفرد القلقشندي في نهاية الأرب ص 100 على غير عادته بحثا طويلا لآل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 35 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ربيعة الطائيين، ومما قال فيه: ((وهم بنو: ربيعة بن حازم بن علي بن مفرج ابن دغفل بن الجراح الطائي، كانت لهم إمارة في الشام والرئاسة لآل عيسى بن مهنا بن فضل، وهم سادات العرب ووجوهها ولهم عند السلاطين حرمة كبيرة، وبيت عظيم)). وقال ص110 عن آل فضل: ((هم بنو: فضل بن ربيعة بن حازم...كانت منازلهم من حمص الى الرحبة، آخذين على شقي الفرات وأطراف العراق، حتى ينتهي حدهم من الشرق بالبصرة، ومن الغرب بالوشم)).
وكان مهنا بن فضل قد دخل العراق بعشائره في عهد السلطان الاليخاني محمد خدا بندة فأقطعه الكوفة والحلة، وفي سنة 718هـ اعطاه أبو سعيد ابن خدابندة البصرة إقطاعية له. (البدو: أوبنهايم:1/516، تاريخ أبي الفدا:4 /83) ومن هنا نميل الى صحة ما ورد في الإيجاز من كون راشد آل مغامس الذي سلم البصرة للعثمانيين من آل فضل من آل ربيعة من طيء، ولم يكن من المنتفق وإنما لحقه اللقب لكون العشائر التي كانت واقعة تحت سلطته كلها من المنتفق. لكن الملاحظة الجديرة بالاهتمام: أن آل مغامس انتزعوا البصرة من الفرس على حد تعبير الفتح قبل عشر سنوات من الاحتلال العثماني للعراق 931هـ، وأن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 36 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المنتفق كانوا يحكمون البصرة منذ سنة 784هـ كما مر.
وعند الجمع بين هذه المعلومات نخرج بنتيجة مفادها: أن آل راشد هم غير آل مغامس، والذي أوقع المؤرخين في الخلط والاشتباه هو اسم راشد بن مغامس المطابق لاسم آل راشد.
فآل راشد الطوال: قوم من ربيعة بن نزار كانوا زعماء تحالف المنتفق بعد آل معروف، ومن القريب جدا أنهم كانوا من العشيرة المعروفة اليوم بالإمارة، وهم الذين حكموا البصرة من سنة 784هـ، تزول إمارتهم عليها تارة وتعود لهم أخرى، فاتنزعها منهم الجلائريون كما مر ثم استعادوها، وانتزعها منهم المولى محسن المشعشعي بعد قتل زعيم المنتفق محمد بن يحيى في المعركة (البدو:3/592)، وكان إمارتهم في أواخر أيامها تابعة شكليا للدولة الصفوية (انظر: الدولة العثمانية في المجال العربي:264)، ومن هنا عبر الأعظمي بأنهم قوم من الفرس حتى انتزعها منهم آل مغامس الطائيين سنة 931.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 37 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الرابع : زعامة آل شبيب للمنتفق

ونبحث في هذا الفصل

أولا: تزعم آل الشبيب للمنتفق

في ظل التطورات السياسية التي أفرزها الاحتلال العثماني للعراق لجأ الى عشيرة بني مالك التي كانت تسكن بادية السماوة، رجل يدعى مانع (العشائر العراقية: الطاهر:61)، وقيل: شبيب بن مانع (التحفة النبهانية:393) وقيل: حسن بن إبراهيم بن سعدون (موسوعة العشائر العراقية:4/13)، وقال: سليمان فائق في تاريخ بغداد ص158، والحيدري في عنوان المجد ص108: أن اسمه كان مهنا، وزعم أنه من السادة الأشراف من الحجاز، وأنه هاجر بسبب خلافات عائلية، فأجاره شيخ بني مالك شيحان بن خصيفة على عادة العرب بإجارة المستجير، وزوجوه بأحد بناتهم فولدت له حسب حميد السعدون في إمارة المنتفق ص33 : محمد، وعبد الله، وشبيب .
لكن هذا الغريب أثار شكوك عشيرة الأجود، ((فأدى هذا الزواج
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 38 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الى نشوب خلافات، واضرام نيران الخصومات بين عشيرة بني مالك والأجود، فانتصرت عشيرة الأجود، وتكبد بنو مالك خسائر عظيمة في الأرواح وذهب ضحيتها مانع نفسه، واضطر بنو مالك للهجرة الى نجد حاملين معهم ابن مانع (شبيب).
وتروي الأساطير أن شبيبا بعدما شب وكبر جاء يتجسس المواقع التي أقامت عندها عشيرة الأجود قرب صفوان، وعاد بمعلومات دقيقة عنهم لأخواله، وعندها شنَّ بنو مالك غارة عنيفة على الأجود حتى أفنوهم ولم يبق من الأجود إلا عدد قليل من الرجال وأربعين امرأة، فرضخت عشيرة الأجود إمام هذه الهزيمة، وطلبوا الصلح، فاشترط شبيب أن يجعلوه رئيسا عليهم فوافقوا على طلبه، وبذلك تشكل تحالف المنتفق، ثم انضم إليه بنو سعيد وأصبح الجميع في ظل زعامة شبيب، ومن بعده أولاده الذين عرفوا فيما بعد بآل السعدون)). (عشائر العراق: الطاهر:62- 63 مختصرا، تاريخ العراق: لونكريك:103، تاريخ بغداد: سليمان فائق:158)

ثانيا: نسب آل السعدون

قال العزاوي في عشائر العراق: 4/17: ((اتفق الكل على أن آل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 39 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
شبيب من الشرفاء))، إلا أنه لم يذكر واحدا من أولئك الذين اتفقوا على ذلك، فهذا البسام في عشائره ذكرهم ص83 ولم ينسبهم الى قبيلة، وكال لهم الحيدري في عنوان المجد ص108 المدائح حتى كلَّ لسانه، إلا أنه نفى أن يكونوا من السادة الأشراف، ولم يورد القزويني في أنساب العشائر العراقية لهم ذكرا، ولا السويدي المتوفى سنة 1246 هـ في سبائك الذهب.
ثم ذكر العزاوي الخلاف في كونهم من السادة الحسنيين، أم هم من السادة الحسينيين؟ ولا حاجة للإطالة في هذا الخلاف بعد الشك في أصل كونهم من السادة الأشراف.

ثالثا: علاقة آل شبيب بآل مغامس

أقرت السلطات العثمانية راشد آل مغامس حاكما على ولاية البصرة بعد خضوعه الطوعي لهم، وعملت معه بنظام الالتزام، وتعد البصرة أول ولاية عثمانية طبق فيها هذا النظام (الدولة العثمانية في المجال العربي:117)، والالتزام يعني: ((قيام شخص بتولي جمع الضرائب للدولة لقاء بدل سنوي يحدد مسبقا)) (المصدر السابق:110)، فكان الولاة يفرضون ضرائب متنوعة على المواطنين لجمع المال الكافي وتسديده لخزينة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 40 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الدولة العثمانية، ويتصرف هو بما يفضل منه.
وبالرغم من التزام حاكم البصرة بالتبعية للعثمانيين، وسك النقود في البصرة باسم السلطان العثماني، والدعاء له في خطبة الجمعة، إلا أن العثمانيين كانوا يستهدفون الوصول الى سواحل الخليج والمحيط الهندي، وكانوا يرون وجود كيان عربي في جنوب العراق مانعا عن تحقيق طموحاتهم، فانتظروا الفرصة المناسبة للاجهاز على هذا الكيان واستبدال الحاكم بآخر تركي لتكون البصرة تحت إشرافهم المباشر.
((وكان لراشد آل مغامس حاكم البصرة جباة يجبون له الأموال من بني مالك وغيرهم، فرفض بنو مالك تسليم أموال الجباية وطردوا جباته، فجهز راشد جيشا كبيرا لمقاتلة بني مالك، إلا أن محمد بن شبيب توسط بين الطرفين لحل الخلاف، وبعد سقوط حكومة آل مغامس في البصرة سنة 953هـ، أسرع محمد بن شبيب لتسديد أموال الالتزام للوالي العثماني إياس باشا، فعينه إياس باشا رئيسا لعشائر المنتفق، وبذلك أصبح آل الشبيب زعماء المنتفق رسميا)). (إمارة المنتفق:38- 39 باختصار)
وتستوقفنا في كيفية وصول آل الشبيب على رأس هرم الزعامة لقبائل المنتفق عدة أمور:
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 41 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الأول: أن جدهم الأعلى الذي لجأ الى بني مالك ادعى أنه من السادة الأشراف مستغلا حب هذه العشيرة لذرية النبي صلى الله عليه وآله .
الثاني: أن وجوده وزواجه من بني مالك أثار حفيظة عشيرة الأجود، فنشب بين الطرفين صراع دام انتهى برضوخ الأجود لزعامة ابن الشبيب.
الثالث: أن آل راشد حكام البصرة كانوا زعماء للمنتفق كما مر عن سليمان فائق، بل نص النبهاني في التحفة ص393 بأن آل راشد هم أسلاف آل الشبيب وآل السعدون، وهي حكومة عربية وطنية، فما الذي دعى بني مالك الى طرد جباتها والامتناع عن دفع مبلغ الالتزام لها، حتى اضطر راشد الى تجهيز جيش لمقاتلتهم، وأخذ المبلغ منهم بالقوة؟ ولماذا أسرع محمد بن شبيب الجد الأعلى لآل السعدون بعد سقوط البصرة وزوال إمارة راشد الوطنية الى تسليم أموال الجباية لإياس باشا العثماني؟ وهل كان لمحمد بن شبيب يد في تمرد بني مالك على والي البصرة؟ وهل كان يسعى مع العثمانيين لتحقيق أهدافهم في إزالة الحكومة الوطنية في البصرة؟ إن مثل هذه التساؤلات يمكن الإجابة عليها بعد معرفة:
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 42 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

سياسة العثمانيين تجاه العشائر العراقية

كانت يغلب على معظم أجزاء العراق والبلاد العربية عموما في العهد العثماني الطابع العشائري، وكانت أغلب هذه العشائر بدوية لا تستقر في مكان معين، بل تجوب البوادي بحثا عن الماء والكلأ، ولا تتردد في الإغارة على القوافل أو على بعضها البعض، أو على الثكنات العسكرية العثمانية، فضلا عن الثورات التي تقوم بها بين الحين والآخر، لعدم رغبة هذه العشائر في الرضوخ لسلطة تفرض عليها من الخارج. فانتهج العثمانيون سياسات متنوعة لاحتواء العشائر وبسط الأمن بما يضمن مصالحها، بعض هذه السياسات كانت عامة تشمل كل العشائر، وبعضها خاصة بمنطقة معينة أو بعشيرة دون غيرها.
ولا يهمنا استقصاء كل الأساليب السياسية التي انتهجها العثمانيون تجاه العشائر العراقية إلا بقدر ما يرتبط بعشائر المنتفق وجنوب العراق، فقد ((قامت الدولة العثمانية بتنظيم العشائر الكبيرة بتنظيم خاص، أطلق عليه اسم مير عشيرتلك (أي إمارة العشيرة)، وسمي من تولى الإمارة فيها مير عشيرت (أمير العشيرة)، ووجهت هذه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 43 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الإمارة الى بعض الشيوخ مقابل خضوعهم الدولة العثمانية، وللخدمات التي أسدوها لها)) (العثمانيون في المجال العربي:99) ((وكان تفضيل المسلمين السنة ركنا أساسيا من أركان السياسة التركية في العراق)) (البدو: أوبنهايم:3/510)، ومن هذا المنطلق سعت السلطات العثمانية لاستبدال القيادات العشائرية الشيعية في الجنوب بأخرى سنية، وسعت الى تكبير وتضخيم بعض العوائل السنية في البصرة كآل باشا عيان، وآل النقيب وغيرهم، بل ((واستوردت بعض البيوتات السنية من الحجاز وزرعتهم في المجتمع العراقي، كآل العمري المنسوبين الى عمر بن الخطاب في الموصل؛ وذلك لدعم جهود الحكم الجديد في السيطرة على سكان العراق، والعمل على نشر المذهب الحنفي، المذهب الرسمي للدولة)). (العراق: الرفيعي:3/179مختصرا)
وكانت قاعدة تحالف المنتفق تحت زعامة آل راشد حكام البصرة من أتباع مذهب آل البيت عليهم السلام ، فارتأت السلطات العثمانية استبدال هذه القيادة بقيادة جديدة موافقه لمذهبها، مستغلة طيبة شيعة آل البيت، وغياب البعد الطائفي عن تفكيرهم، قال الحيدري في عنوان المجد ص9: ((وبيت السعدون من أجل العرب في نواحي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 44 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بغداد... وشيوخهم من أهل السنة والجماعة، وقبائلهم رافضة))، فجعل العثمانيون محمد بن شبيب الذي ادعى السيادة أميرا على قبائل المنتفق، لقاء أسراعه بتقديم مبلغ الالتزام لإياس باشا العثماني بعد أن خنق العثمانيون ثورة العشائر العربية في المدَينة شمال البصرة، واسقطت حكومة راشد بن مغامس الوطنية، وربما كان امتناع بني مالك من تسديد مبلغ الالتزام لراشد مؤامرة دبرت بين السلطات العثمانية وبين محمد بن شبيب.
وانتهج آل السعدون بعد توليهم زعامة المنتفق بالشكل الذي وصفناه السياسة ذاتها تجاه عشائر المنضوية تحت زعامتهم، فقاموا باستبدال زعماء بعض عشائر المنتفق بآخرين موالين لهم، قال الدكتور الطاهر في العشائر العراقية ص65مختصرا: ((وقد عيَّن السعدون آل منَّاع: وهم من عرب الحجاز يرجعون في النسب الى نفس الأصل، الذين يقال عنهم من آل حرب، رؤساء على الأجود تابعين له، بدلا من آل وثال زعماء الأجود الحقيقيين، وقد تنبه بنو الأجود لهذا التغيير المتعمد لزعامة العشيرة، فليس لآل مناع سلطة تنفيذية ولا سلطة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 45 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قضائية على العشيرة، أما آل وثال فلهم نفوذ واسع))3.
وإمعانا في تكريس سلطة هؤلاء الأمراء اتبع العثمانيون سياسة أخرى تمثلت في توزيع الأراضي لتوطين العشائر، لتسهل السيطرة عليها من جهة، ولنفخ جيوب الأمراء الموالين لها من جهة أخرى، فسجلت أراض شاسعة باسماء الأمراء من آل السعدون، وكأمثلة على ذلك: ((سجلت باسم فهد آل علي السعدون نصف مليون دونم من أراضي البسروقية والتساعين وغيرها الى الغراف)) (تاريخ الديوانية:253)، ((وسن مدحت باشا قانونا جعل أراضي الناصرية وسوق الشيوخ ملكا لناصر باشا السعدون وأقاربه، وجعلهم أصحاب الأرض الشرعيين، وتم تسجيلها باسمائهم بعد أن كانوا شيوخا يجمعون الخراج المفروض على الأراضي فقط، ونتيجة للتواطؤ الذي تم بين الولاة العثمانيين وآل السعدون، فقدت العشائر حقها في الأراضي التي كان أفرادها هم أصحابها الشرعيون، ومالكوها الحقيقيون، وأصبحت العشائر تستأجر تلك الأراضي من أصحابها الجدد آل السعدون)). (العشائر العراقية: الطاهر:75، الأوضاع القبلية في البصرة: خالد السعدون:30)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 46 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وسجلت أراضي جنوب البصرة حتى الفاو والتي يقدر طولها بمائة وخمسين كم تقريبا باسم راشد السعدون (التحفة النبهانية:235)، وزعم الحيدري في عنوان المجد ص188: أن ((راشدا اشتراها من بيت المال))، وثمة رأيا أن سعيد باشا سجل هذه الأراضي باسم حمود الثامر جزاءا لخدماته له كما سيأتي.
ثم بخل آل السعدون على قاعدتهم من عشائر المنتفق حتى بالاسم، فصار ((المنتفق في العراق علما لأسرة آل السعدون وعبيدها، ولا يمكن أن يدعو فرد من أفراد عشائر تحالف المنتفق نفسه منتفقي (منتفجي) حتى لو كان هذا الاستعمال إشارة لمدينة الناصرية التي كانت تسمى لواء المنتفق)). (العشائر العراقية: الطاهر:67مختصرا)
وبالرغم من ذلك فإن هناك من آل السعدون ممن تأثر بأجواء أبناء العراق واتجاهاتهم الدينية والوطنية، فأخلص في وطنيته لهذا البلد، كالشيخ سعدون نفسه الذي قضى ثائرا على القوات العثمانية في جريمة بشعة، والشيخ ثويني السعدون الذي اغتيل غدرا عند قيادته لقوات المنتفق لمحاربة الوهابية، وسيأتي ذلك مفصلا في فصل لاحق.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 47 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الخامس : عشائر المنتفق

تنقسم عشائر المنتفق الى ثلاث مجموعات، وهم:
أولا: بنو مالك
جزم العلامة القزويني في أنساب القبائل العراقية على كون بني مالك هي العشيرة الوحيدة ضمن تحالف المنتفق التي تعود في نسبها الى المنتفق بن عامر، قال ص74: ((المنتفق: هم بنو مالك دون أحلافهم من الأجود، وبني سعيد))
وقال الدكتور كحالة في معجم قبائل العرب المستدرك:5/174: ((وينسب بنو مالك الى مالك بن المنتفق، وقد انضمت إليهم عشائر كثيرة، كما ألحقت بهم عشائر أخرى)).
وعشائر تحالف بني مالك كثيرة ومتعددة؛ لذا سنكتفي بذكر الأصول منها حسب تقسيم العزاوي:
1- آلبو صالح: ويسكنون ناحية آلبو صالح (الإصلاح) وفيهم بيت الرئاسة لكل بني مالك.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 48 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2- العليات: ويسكنون في ناحية العكيكة التابعة لقضاء سوق الشيوخ.
3- آل حسن: ويسكنون في ناحية گرمة بني سعيد التابعة لقضاء سوق الشيوخ.
4- آل إبراهيم: ويسكنون ناحية المشخاب
5- حچام (حكام): من عشائر بني مالك الكبيرة، ويسكنون سوق الشيوخ.
6- كوت جار الله. 7- كوت ابن محينة. 8- الشواليش. 9- عشيرة الحساوية. 10- آل إسماعيل. 11- الدجين. 12- آل زياد. 13- آل جويبر. 14- بنو حطيط. 15- الحماحمة. 16- البو شعيرة. 17- القوام (الگوام). 18- المطيرات. 19- بنو أسد. 20- عبادة.
21- آل علي. 22- العوابد. 23- بنو تميم. 24- بنو معروف.
ومن العشائر الملحقة ببني مالك:
1- بنو خيقان (خيگان). 2- الصيامر. 3- بير حميد (السعد). 4- بنو منصور. 5- الحلاف. 6- أهل الشرش. 7- أهل القلعة (الجلعة). 8- أهالي الشلهة. 9- عشائر السويب. 10- عشائر مزيرعة. (أنظر: عشائر العراق: العزاوي:ج4 من ص30- ص69، وأنظر: العشائر العراقية: الطاهر: من ص92- 160)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 49 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

بنو سعيد

يرى سليمان فائق وعلى خلاف رأي العلامة القزويني أن عشائر بني سعيد وبعض القبائل الأخرى في تحالف المنتفق، هي التي تمت في النسب الى المنتفق بن عامر، قال في عشائر المنتفق ص11: ((إن بني مالك والأجود ليسوا من صميم بني المنتفق، وذكرت كتب الأنساب أن بني مالك أخوة بني المنتفق، وأن آل أجود حلفاء بني المنتفق، وعليه: فيظهر أن بقية المنتفق اليوم: إما أن يكونوا الجوارين، والشريفات والصبحة، وهم بدو في بادية البصرة. أو أنهم بنو سعيد أهل قرى حطامان، وسعيد هذا أب ثان اشتهر في بني المنتفق فانتسبوا له)).
وعشائر بني سعيد الرئيسية حسب تقسيم الطاهر في العشائر العراقية ص224 وما بعدها، هي:
1- البزون. 2- الدريع. 3- الفهد. 4- الغشيم. 5- العيسى. 6- الكوامل. 7- المعيوف. 8- المريان. 9- الشمس. 10- البو طويل.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 50 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الأجود

اتفق العزاوي في عشائر العراق:4/76، وثامر العامري في موسوعة العشائر العراقية:4/47، والناصري في القاموس العشائري:1/26: على أن الأجود من بني عقيل بن عامر، فهم أخوة المنتفق أو أبناء عمومتهم، ونسبهم العزاوي الى: الأمير أجود بن زامل العقيلي، أمير الأحساء من سنة 874- 902 هـ. (السلطنة الجبرية:31، وراجع كتاب بني عقيل من هذه السلسلة)، إلا أن صاحب تاريخ الناصرية ص127 نسبهم الى المنتفق، قال: ((أجود ومالك هم أبناء عمومة من صلب المنتفق بن عامر)).
ويسكن آل أجود في ذي قار وسوق الشيوخ والغراف، ومن عشائر ثلث الأجود التي ذكرها العزاوي:
1- غزية. 2- خفاجة. 3- الشريفات. 4- البدور. 5- الزهيرية. 6- الحسينات. 7- العصوم. 8- المارد. وعدَّ منهم: عبودة، لكن الدكتور الطاهر جعل اسم عبودة مرادفا لاسم الأجود. (عشائر العراق:4/ص76-106، العشائر العراقية:162 وما بعدها).
أما الحيدري في عنوان المجد ص108 فقد عدَّ معظم قبائل جنوب العراق ضمن تحالف المنتفق، قال: ((عشيرة المنتفق، وهي ذات كثرة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 51 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وتتفرع الى عدة قبائل، فمن قبائلها: بنو مالك، والأجود، وبنو سعيد، وبنو ركاب، وخفاجة، والطوينات، والجميعات، والشويلات، والطوبكة، والبدور، والشريفات، والماجد، وآل صالح، والزهيرية، وزوبع، والعبيدات، وبنو سكين، وبنو تميم، والسليمات، والعياشية، والبراجقة، والعيونات، والفضيلة، وبنو نهد، وعبودة، والمجارعة، والخرسان، والإمارة من ربيعة، وگريش، والسراج، وآل دراج، وغير ذلك من القبائل الكثيرة التي يطول بيانها))
وما ذكرناه في هذا الفصل نقلا عن كتب الأنساب القصد منه التعريف بالعشائر التي كانت منضوية في تحالف المنتفق، وليس الهدف منه الاستقصاء، فنعتذر لكل من فاتنا ذكره، وهم أهل لقبول العذر.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 52 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل السادس : نبذة من تاريخ المنتفق في طوره الثاني

نشأ تحالف المنتفق رسميا في حدود سنة (1546م- 953هـ) بتعيين العثمانيين محمد بن شبيب زعيما للمنتفق بعد دفعه أموال الخراج لإياس باشا، فكان هذا التعيين مكافأة له على تعاونه مع السلطات العثمانية، وكان هذا الحلف يزداد سعة بانضمام قبائل جديدة فيه، وبطبيعة الحال تزداد مكاسبه السياسية ورقعته الجغرافية، وبقي هذا الحلف مستمرا حتى تفكك بعد الاحتلال البريطاني للعراق، وفيما يلي موجز لتاريخ ما اصطلح عليه بإمارة المنتفق منذ الاحتلال العثماني للعراق حتى زوالها بعد الاحتلال البريطاني للعراق.

المنتفق في العهد العثماني الأول

يمتد العهد العثماني الأول في العراق من سنة (1534- 941) عندما احتل سليمان القانوني بغداد، الى سنة (1623- 1033) حيث انتهى هذا العهد بتمرد بكر صوباشي رئيس الإنكشارية الأتراك، ثم احتلال الشاه عباس الصفوي بغداد في السنة المذكورة.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 53 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وسلك آل الشبيب وتبعا لهم بعض عشائر المنتفق منحا سلميا مع الدولة العثمانية في هذا العهد (إمارة المنتفق:44، تاريخ الناصرية:130) إلا أن ابن الغملاس في ولاة البصرة ومتسلموها ص57 ذكر بأن عشائر المنتفق اشتركوا في ثورة ابن عليان الطائي الثانية عام 975هـ.
أقول: ربما كان مرد ذلك الى أن آل الشبيب لم يفرضوا طاعتهم على عشائر المنتفق بشكل تام في هذه المرحلة، فقد انضمت مجموعة منهم الى جانب محمد بن عثمان آل مغامس آخر حكام آل مغامس في البصرة، إذ بعد أن سحق العثمانيون ثورته وثورة ابن عليان الأولى سنة 953 فر محمد بن عثمان الى الأحساء، ثم ظهر له نشاط عام (986- 1587) حيث ثار في بادية البصرة ومعه قبائل المنتفق معلنا أحقيته بحكم البصرة والأحساء (الفتح:1/462). ولما كان آل مغامس فرعا من الفضول من طيء، فاشتراكهم في ثورة ابن عليان الطائي يبدو أمرا محتملا، كما أن عدائه للعثمانيين لسلبهم ملك آبائه كان حافزا كافيا للثورة عليهم، فالمنتفق الذين اشتركوا في ثورة ابن عليان الثانية، كانوا من أولئك الذين انحازوا الى جانب محمد بن عثمان المغامسي.
وزعم حسن علي خلف في تاريخ الناصرية ص131، وحميد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 54 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
السعدون في إمارة المنتفق ص45: بأن المنتفق شهدوا ثورة ابن عليان بزعامة شبيب الأول بن حسن، وأشارا أن مصدر المعلومة هو العراق بين احتلالين:4/106، وعند مراجعتي للكتاب المذكور لم أجد فيه ذكرا للمنتفق ولا لشبيب في هذه الثورة.
وفي سنة 1005هـ خضعت البصرة لحكومة محلية أسسها رجل يدعى أفراسياب الديري، وكان أفرسياب اشترى ولاية البصرة من الوالي العثماني علي باشا، الذي تململ من حكمها بسبب ثورات العشائر المتلاحقة، وتبرم أبناء المدينة من التسلط الأجنبي فباع الولاية بثمانية أكياس رومية. (لونكريك ص126)، ((وراعى أفراسياب رغبة الأهلين في الأمور النافعة، ونشر العدل والعلم فقوي سلطانه، وزادت شوكته فحبب نفسه من الأهلين)) (العراق بين احتلالين:4/140)، ((وكانت قدرته على جمع القوة تدل على مؤازرة القبائل له)) (لونكريك:128)، واستطاع أن يضم بعض المناطق المجاورة الى نفوذه، ((ففتح القبان شرق البصرة، والجزائر شمالا، وتقدم الى الشمال الغربي باتجاه تجمعات قبائل المنتفق، فأخذ كوت الزكية، وكوت معمر قرب سوق الشيوخ)). (زاد المسافر: فتح الكعبي:28 مختصرا، مختصر تاريخ البصرة:130)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 55 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وكان آل الشبيب قد اتخذوا موقفا فاترا من حكومة أفراسياب الوطنية والتي عبر عنها العزاوي:4/140: ((بأن الافتخار ببصريته أولى من إلصاقه بالآخرين))، فصعدوا بعشائرهم شمالا واتخذوا العرجة شمال الناصرية مقرا لإمارتهم، ((ولم يقطعوا صلاتهم بولاة بغداد العثمانيين، من خلال ارسال الضرائب والرسوم السنوية لها)) (إمارة المنتفق:45)

المنتفق في العهد العثماني الثاني

يبدأ هذا العهد من سنة 1638 الى 1704م، ففي سنة (1638- 1048) احتل السلطان العثماني مراد الرابع بغداد مرة أخرى، بعد أن أقام فيها مجزرة رهيبة قتل فيها ثلاثين ألفا من شيعة آل البيت، لم يفرق فيها بين العرب منهم والزوار الفرس وجنود الشاه الصفوي (لونكريك:98)، ثم عين فيها حكومة عسكرية من رؤساء الإنكشارية، وخلف فيها قوة عسكرية كبيرة تقدر بواحد وعشرين ألف مقاتل من الإنكشارية وبطاريات المدفعية والسباه لسحق أي تمرد تقوم به العشائر العراقية. (الرفيعي:2/198).
ولم تتأثر حكومة أفرسياب في البصرة بالأحداث السياسية التي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 56 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ضربت بغداد، لكنها واجهت حصارا من الجيش الصفوي، ((فانتهزت عشائر المنتفق الفرصة لاستعادة المناطق الزراعية التي استولت عليها حكومة أفرسياب، وبعد تراجع القوات الصفوية عن البصرة، بدأت عملية تصفية الحساب، فتحرك علي أفراسياب سنة (1639- 1049) لاحتلال العرجة، مستغلا سوء الأوضاع السياسية في بغداد، ووفاة زعيم المنتفق)). (المصدر السابق:2/247 مختصرا)
لكن زعيم المنتفق الجديد ((مانع بن شبيب طلب الانضمام الى باشوية بغداد)) (إمارة المنتفق:58)، مفضلا التبعية للأتراك على التبعية لحكومة أفراسياب الوطنية، ((فارسل والي بغداد درويش محمد جيشا قويا، وبعث به نحو الجنوب للاستيلاء على العرجة، وارسل مع الجيش فريقا من الموظفين على رأسهم محافظ ليتولوا إدارة المنطقة)) (الرفيعي:2/247) ((ووضعت في العرجة حامية بإمرة حاكم تركي، كذلك تم استرجاع قلعة زكية التي لم تكن تبعد عن البصرة كثيرا)). (تاريخ الناصرية:135)
وفي سنة (1654- 1064) هاجم العثمانيون حاكم البصرة حسين أفراسياب على إثر شكوى للسلطان العثماني قدمت من أعمامه، فانهزم حسين باشا ودخل مرتضى باشا قائد الجيش العثماني البصرة، فأساء
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 57 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
السيرة في أهلها، فقامت ثورة عامة اشتركت فيها عشائر المنتفق، وكعب، وبني لام، وقشعم، والخزاعل، وفر مرتضى باشا من المدينة، واستدعى أهلها حسين أفراسياب لحكم البصرة مرة أخرى.
وفي سنة (1665- 1076) رأت حكومة اسطنبول أن الفرصة مؤاتية للقضاء على حكومة حسين أفراسياب نهائيا، بعد اتساع نفوذها وضم حسين أفراسياب الأحساء الى إمارته، ((فأوعزت الدولة العثمانية لوالي بغداد إبراهيم باشا الطويل بالقضاء على حسين أفراسياب، فجمع خمسين ألف مقاتل، وانحدر بهم نحو البصرة، ونشب قتال عنيف بين الفريقين في القرنة جرت فيه عدة وقعات صمدت فيها قوات ابن أفراسياب للقوة المهاجمة)) (العراق بين احتلالين:5/78 وما بعدها مختصرا)، ووقفت عشائر المنتفق الى جانب حسين أفراسياب بعد أن تحسنت العلاقة بين الطرفين بسبب المصاهرة التي تمت بين آل الشبيب وحسين أفرسياب (البدو:أونهايم:4/594)، فقاتلت قوة منهم الى جانبه في القرنة، وبقيت قوة أخرى لحماية ديار المنتفق، ((وفي غياب حسين أفراسياب أرسل آل باشا أعيان وبعض تجار البصرة كتابا الى إبراهيم باشا الطويل يخبرونه أن البصرة أصبحت في حالة فوضى،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 58 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ورجوه أن يرسل حاكما عنه، ثم تولوا إدارة أمور البصرة بانفسهم)) (لونكريك:144 مختصرا). وبلغ أمر خيانة الوجهاء حسين أفراسياب ((وهو يومئذ محاصر في القرنة، فأرسل ثلاثة آلاف مقاتل من المنتفق وأهل الجزائر للتنكيل بالبصريين، فهجموا عليهم ليلا من جهة شط العرب، فدخلوها ونهبوا دور آل باشا أعيان، وقتلوا اثنين منهم، ودارت الدائرة على التجار والمشايخ)). (مختصر تاريخ البصرة:133 ، الرفيعي:2/251)
((وعندما تعثر زحف الجيش التركي في القرنة، أرسل والي بغداد 900 رجل من بدو الموالي لنجدة الجيش، فمروا في طريقهم بكوت معمر فواجهتهم قوة من المنتفق والحقت بهم الهزيمة)). (البدو:4/594)
((وبعد فشل الحملة العسكرية عزلت الدولة إبراهيم باشا وعينت مكانه قرة مصطفى، وأوكلت إليه مهمة اسقاط حكومة أفراسياب سنة (1667- 1078)، فجمع الجيوش من الانكشارية وغيرهم وسار من بغداد الى الحلة، ثم مر في النجف وانحدر الى العرجة حيث تجمعت الجيوش هناك، ثم سار الى قرية كوت معمر بين الناصرية وسوق الشيوخ، حيث جاء شيخ المنتفق ومعه ألف من الرجالة ما بين فارس وراجل والتحق بتلك الحملة العسكرية)). (الرفيعي:2/252و253مختصرا)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 59 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وبذلك يكون شيخ المنتفق قد انقلب على حليف الأمس حسين أفراسياب، لكن القوة التي خرجت معه لم تكن تمثل كل عشائر المنتفق، فعدد ألف مقاتل قليل مقارنة بالعدد الكبير لأفراد اتحاد المنتفق.

قبائل المنتفج تستولي على البصرة

بعد سقوط حكومة آل أفرسياب دخلت البصرة تحت الاحتلال العثماني المباشر، وتولى الإمارة فيها عدد من الباشوات الأتراك، ((ومع حلول العقد الأخير من القرن السابع عشر (1690- 1101) كانت الأوضاع السياسية والإدارية والاقتصادية قد ساءت كثيرا، وزاد الأمور قسوة انتشار مرض الطاعون في البصرة ففتك بالكثير من أبنائها، ونتيجة لهذه الكارثة عجز أبناء البصرة عن تسديد الرسوم والضرائب للسلطات العثمانية التي كانت تلح في جمعها، فقام الأهالي بثورة داخل المدينة، شجعت هذه الثورة القبائل القاطنة شمال البصرة للتحرك للاستيلاء على المدينة، فاجتمعت عشائر الجزائر والمنتفق بزعامة مانع بن مغامس آل شبيب في قوة قوامها ثلاثة آلاف مقاتل، ووصلت أنباء تحرك القبائل لوالي البصرة أحمد باشا، فجهز عسكره
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 60 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأسرع للتصدي للجموع الزاحفة من القبائل، فالتقى الجمعان في الدير شمال البصرة، وبعد سلسلة معارك دامية انهزمت جيوش العثمانيين وقتل الوالي أحمد باشا، واستولى مانع بن المغامس والمنتفق على البصرة)). (المصدر السابق:2 /265 وما بعدها مختصرا)
وفي سنة (1692- 1104) أرسلت الدولة العثمانية قوة من بغداد لاستخلاص البصرة من أيدي المنتفق فالتقى الطرفان في الجزائر شمال البصرة، وانتهت المعركة بهزيمة العثمانيين واستيلاء المنتفق على أسلحة الجيش العثماني ومعداته. (العراق بين احتلالين:5/135 مختصرا)

المولى فرج الله والبصرة

استغل المولى فرج الله المشعشعي أمير الحويزة ضعف الدولة العثمانية والصفوية فسعى لبسط نفوذه على البصرة، وقدم لوالي بغداد الهدايا ليضمن صمت العثمانيين عن خطوته هذه (الرفيعي:2/268)، ثم دخل في حرب مع المنتفق سنة 1109هـ فاندحر المنتفقيون واستولى المولى على البصرة، لكنها عادت تحت سلطة العثمانيين بعد عدة شهور. (لونكريك:151)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 61 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

ثورة المنتفق عام 1117 هـ

في سنة (1715- 1117) ((ثارت عشائر المنتفق بزعامة مغامس بن مانع، وكانت الأسباب المباشرة للثورة أمور تتعلق بحقوق الأرض في جزر الفرات، ونزاعات بسبب الضرائب، والمنح التي كانت تطالب بها القبائل، وقبل أن يتولى خليل باشا منصبه في البصرة تنازع نائبه مع رؤساء المنتفق، فقابل خليل باشا قوات المنتفق أربع مرات وتغلب عليهم، ثم عزل العثمانيون مغامسا من زعامة المنتفق وعين الشيخ ناصر بدلا عنه، غير أن مغامسا جمع الأكثرين من أبناء القبيلة حوله، وشن هجوما مفاجئا على البصرة، فتمكن من الاستيلاء على المدينة)). (لونكريك:156 و157 مختصرا)
((لكن الدولة العثمانية حشدت في سنة (1708- 1120) جيشا عرمرما لاستعادة البصرة بقيادة حسن باشا، وسار الى ديار المنتفق أولا، فهاجم جماعات من المنتفق في موضع يدعى عين الذهب، ثم مضى الى منطقة أم التمن فوجد هناك بعضا من المنتفق، فهاجمهم وشتت شملهم واستولى على غنائم وافرة، ثم سار الى البصرة قاصدا مركز تجمع المنتفق)). (العراق بين احتلالين:5/176) ((وهبت العشائر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 62 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العراقية للدفاع عن المدينة ونصرة لأبناء جلدتهم، فانضم الى المدافعين الخزاعل، وزبيد، وبني خالد، والسراج والمياح من ربيعة، وغزية، وشمر، وجاءت قبائل أخرى من الأحساء والحويزة، فملئت جموع المقاتلين السهول والوديان وجاوز عددهم المائة ألف مقاتل)). (الرفيعي:3/55)

المعركة الفاصلة

((تركز حشد القبائل العربية في منطقة تدعى الدكاكين، أما جيش حسن باشا فقد استحكم في نهر عنتر، وأمر بسد النهر ثم شرع بالحرب. ودامت الحرب سجالا بين الطرفين لعدة أيام، أبدى أبطال العشائر فيها ضروبا من البسالة والشجاعة وهم يواجهون أسلحة الجيش العثماني بالسيوف والخناجر.
وتكررت عمليات الكر والفر وقاد حسن باشا في تلك المعركة سبع هجمات كبيرة، وكانت القبائل تستميت في الدفاع عن مواقعها، وكان فرسان المنتفق يمثلون قلب المقاومة، وبالأخص عشيرة الأجود منهم، حتى استشهد شيخ الأجود تركي، فأحدث مقتله ارتباكا في جيش العشائر العراقية. وأمر حسن باشا بتعقب رجال العشائر الفارين من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 63 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أرض المعركة، فكان الجنود الأتراك يقطعون رأس من عثروا عليه من العرب ليقبضوا ثمنه ذهبا وفضة، ولما كانت المسافات تبتعد اكتفى حسن باشا منهم باحضار قلوب المقاتلين العراقيين، فكان الجنود الأتراك يشقون صدور العراقيين ليستخرجوا منها القلوب ويقدمونها هدية لحسن باشا)). (الرفيعي:3/56 وما بعدها مختصرا، العراق بين احتلالين:5/175 وما بعدها)
وعمد مغامس الى التعويض السلبي عن هذه الخسارة فتحالف مع غزية، وهاجم الحسكة (الديوانية) وانتهب بيادرها، ونهب الرماحية وسائر نواحيها وأحرق الزروع، فأرسل حسن باشا حملة لتأديبه فتفرق أتباعه، وفر مغامس الى الحويزة، ولم يكن الشيخ إسماعيل شيخ بني مالك راضيا عما فعله مغامس من الفساد. (العراق بين احتلالين:5/182)

ثورة المنتفق عام 1151 هـ

وهي الثورة التي قامت بها عشائر المنتفق بقيادة الشيخ سعدون الذي اشتهر آل السعدون باسمه بعد ذلك، قال الرفيعي عن سبب قيام المنتفق بهذه الثورة:3/147 مختصرا: ((أن الوزير أحمد باشا وصهره الكهية سلمان افتتحا حكمهما في بغداد بحملة شعواء على
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 64 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العشائر العراقية، فغزا الوزير بني لام، وعشائر بلباس الكردية، وعشائر ربيعة، ثم سار من منطقة الفرات الأوسط وتوجه الى مناطق المنتفق، وهاجمت عساكره عشائر المنتفق على حين غرة، وألقوا القبض على الشيخ سعدون وعدد من رجاله، وجاؤوا بهم مكبلين الى بغداد، وأودعوا في سجن الثكنة العسكرية وعوملوا معاملة قاسية، وإثر وساطات عديدة تم اطلاق سراح المعتقلين.
وفي سنة (1738- 1151) حاصر سعدون بعشائره البصرة، ثم زحف بجموع كبيرة تجاوزت العشرة آلاف مقاتل ونزل بين الكوفة والنجف، واستولى على مناطق واسعة من الفرات الأوسط، وشرع بجباية الأموال لنفسه، وأصبح يدعو نفسه سلطان العرب، وأعلن نيته بتشكيل حكومة مستقلة جنوب العراق.
وشعر أحمد باشا بخطورة الموقف فقرر التحرك ضد المنتفق قبل أن تهدد هذه العشائر الوجود العثماني في العراق، فجهز حملة عسكرية للقضاء على الشيخ سعدون وعلى قوة المنتفق، ضمت إضافة الى الجيوش العثمانية قوات كبيرة من الأكراد. وكان سعدون قد وزع مقاتليه على مختلف مناطق الأهوار، ولما دخل جيش الباشا وفي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 65 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مقدمتهم الأكراد في الأهوار، خرج لهم فرسان المنتفق بعد أن كسروا السدود، فعزلوا المقاتلين الأكراد عن بقية الجيش، وقاموا بعدة هجمات كاد أن يقتل فيها الأكراد جميعا لولا مدافع الباشا ونيرانه الحامية.
ثم جهز أحمد باشا حملة ثانية قادها صهره الكهية سليمان وبعث به الى البصرة لمواصلة القتال، فقام سليمان بعدة هجمات متتالية تمكن فيها مملوك من الكرج في أحد المعارك من قتل الشيخ سعدون، وقطع سليمان باشا رأسه وأرسله الى بغداد، فأمر أحمد باشا بسلخ جلد رأسه وحشاه تبنا، وأرسله في صندوق الى السلطان العثماني في اسطنبول)).

ثورة عام 1161هـ

قال العزاوي في العراق بين احتلالين:5/293 مختصرا: ((استغلت عشائر المنتفق موت أحمد باشا في هذه السنة، فاختارت بندر أميرا لها، وأعلنت مع بني لام وعشائر الأهوار الثورة على العثمانيين، فقام الوزير الجديد بحملة لاستعادة الجنوب، فجهز حملة كبيرة وسار الى العرجة، ومنها عبر الفرات وهاجم بني مالك فقتل منهم ما يتجاوز الألف، ونهب ما عندهم من مواشي وممتلكات))
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 66 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

المنتفق في العهد العثماني الثالث

ويبدأ هذا العهد من سنة (1749- 1162) حيث تولى سليمان أبو ليلة الوزارة في بغداد، وينتهي بعزل داود باشا سنة (1831- 1247) وتولي علي رضا اللاز الوزارة في بغداد.
ويعبر عنها بحكومة المماليك الكرج، لأن أصل هؤلاء الولاة من الماليك الذين اشتراهم حسن باشا من جورجيا، وشكل منهم قوة عسكرية لتحجيم دور العسكر الانكشاري المرابط ببغداد، لكن جيش الماليك الكرج قويت سطوته، فتمكن قادته من الانفراد بالحكم ببغداد، وغدا السلطان العثماني في اسطنبول مرغما على توجيه أوامر الولاية لهم.
وفي ظل هذه التحولات السياسية الجديدة ((اتصل مصطفى باشا القبطان قائد الاسطول البحري العثماني في شط العرب، بزعيم المنتفق وشجعه على الاستيلاء على البصرة، وكان الاستيلاء على البصرة يمثل ضربة بالصميم لحكومة المماليك الكرج الفتية؛ لأن خروج البصرة من عهدتهم كان يشكل خطرا كبيرا يهدد مستقبلهم، إذ يمكن لحكومة اسطنبول تحريك حكومة البصرة وعشائرها ضدهم)). (الرفيعي:4/23)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 67 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
((وكتب متسلم البصرة للوزير يعلمه خبر التمرد، فسير الوزير جيشا الى البصرة مر في طريقه بالعرجة، فهرب شيخ المنتفق منيخر السعدون الى البادية، فعين قائد الجيش بندر رئيسا لعشائر المنتفق وسار الى البصرة، وكانت المنتفق قد سدت المعابر والمنافذ الى البصرة، وجمعت جموعا كثيرة وتأهبوا للقتال، ولما ورد الجيش علموا أن لا طاقة لهم به فتفرقوا في الأهوار وطلبوا العفو)) (العراق بين احتلالين:6/23 مختصرا، لونكريك:205)
وفي سنة (1768- 1182) ((حدثت أزمة شديدة بين متسلم البصرة سليمان آغا، ورئيس المنتفق عبد الله السعدون بخصوص عدد من مقاطعات البصرة التي وضع شيخ المنتفق يده عليها، ولتلافي نزاع مسلح أرسل الوالي عمر باشا شيخ عشيرة العبيد عبد الله الشاوي للتوسط بين الطرفين وحل النزاع، وتم عقد الصلح بين الطرفين، إلا أن عمر باشا جهز حملة عسكرية بحجة إخلال المنتفق بالشروط، وجاء بعسكره فحل في منطقة تسمى أم الحنطة، وعلم المنتفق أن لا طاقة لهم بجيش مدجج بالسلاح فتواروا في أعماق الصحراء)). (الرفيعي:4/59 مختصرا، العراق بين احتلالين:6/40)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 68 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

احتلال كريم خان البصرة

((في عام (1775- 1189) بعث كريم خان الزند الوصي على عرش إيران، حملة عسكرية بقيادة أخيه صادق خان لاحتلال البصرة، وجدَّ والي البصرة سليمان آغا في بناء سور المدينة ووضع الاستحكمات وتقسيم المدافعين عن المدينة على المناطق المختلفة، وفي آذار من تلك السنة وصلت جيوش الخان الى ضفاف شط العرب جنوب القرنة، وكانت قبائل المنتفق هي المسؤولة عن حماية هذه المنطقة، لكن القوة الإيرانية وصلت بعد انسحاب المنتفق من المنطقة بسبب طول مدة الانتظار، فعبرت جيوش الخان الى ضفة النهر الغربية دون مقاومة تذكر، ثم حاصرت البصرة، وجرت محاولات للمقاومة من قبل بعض عشائر المنتفق في منطقة العشار، وساهم قسم آخر منهم في إيصال القوافل والمؤن الى المدينة المحاصرة، إلا أن الحصار كان محكما، ولم تصل إمدادات للمدافعين من بغداد، فسلم الوالي العثماني المدينة لصادق خان سلما بعد حصار دام أربعة عشر شهرا، وبعد أن نفذت المؤن وضعف الأهالي عن المقاومة)). (أنظر: لونكريك:227- 231، ومطالع السعود:82)
وانسحبت عشائر المنتفق الى الزبير، ثم توغلوا جنوبا الى الأحساء
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 69 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
للتعويض عما فقدوه من أراض زراعية في البصرة، وهناك اصطدموا ببني خالد في معركة عرفت بالرضيمة، ثم اصطلح الفريقان فعادت المنتفق الى الزبير. (الإيجاز:2/35) وكانت بلدة الزبير قد حافظت على استقلالها بضعة أشهر بفضل دفاع المنتفق عنها، حتى شن عليها علي محمد خان نائب صادق خان على البصرة هجوما عاصفا عام 1192هـ، فسقطت البلدة بيده وقتل الكثير من أبناء عشائر المنتفق في المعركة. (أنظر: لونكريك:227- 231)

وقعة الفضيلية

قال العزاوي في حوادث سنة (1779- 1193) ((أن علي محمد خان كلف ثامرا السعدون شيخ المنتفق بالإذعان والطاعة، وأن يرضخ له إلا أن تكاليفه كانت شاقة فلم يمتثلها، فعزم على التنكيل بثامر))، ((فخرج من البصرة على رأس جيش كبير قوامه ستة آلاف مقاتل، وعدد مماثل من المشاة، وثمانية عشر زورقا تحمل المدافع وتوغل بذلك الجيش لاحتلال مناطق المنتفق.
وجمع الشيخ ثامر زهاء ثلاثين ألفا من عشائر المنتفق واعتصم في منطقة تدعى الفضيلية بين الناصرية وسوق الشيوخ، واتخذ خطة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 70 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
دفاعية تهدف الى استدراج قوات علي محمد خان الى داخل الأهوار، وأخذ رجال العشائر بالتراجع حسب الخطة، بينما كانت قوات الخان تتعقبهم، حتى وصلت الى أرض منبسطة يحيطها نهر الفرات من جانب والهور من جانب آخر، ففتحت قبائل المنتفق منافذ المياه على الجيش الإيراني، فتوحلت الأرض بالطين وتعسرت الحركة على الجنود، فهموا بالرجوع الى الجنوب، فتلقاهم رجال أشداء من المنتفق فقتلوا منهم الكثير، ومات آخرون غرقا ولم ينج من جنود الخان سوى ثلاثة أنفار، فروا راجعين الى البصرة)) (لونكريك:232، مطالع السعود:87، الرفيعي:4/90)

معركة أبي حلانة

((طرقت أخبار الهزيمة مسامع صادق خان فخف راجعا من شيراز، وتجهز لمواجهة المنتفق، ويبدو أن عشائر المنتفق قد تشجعت بعد الانتصار الذي حققته في الفضيلية، فأخذت تتقدم نحو البصرة ببطئ وحذر، حتى التقى الفريقان في منطقة أبي حلانة التي تبعد عن البصرة 27 كم شمالا، وراعت كثرة جيوش الخان المنتفقيين فطلبوا الصلح، لكن شروط الخان كانت مجحفة ففضلوا الموت على الذل،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 71 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وجرت بين الطرفين معركة دموية قتل فيها علي محمد خان وأخوه، وفر صادق خان بمن بقي معه الى البصرة. وأقبلت عشائر المنتفق حتى أحاطت بأسوار المدينة، واتفق وصول خبر وفاة كريم خان الى البصرة، فانصرف صادق خان بمن معه من الجنود، ودخلت عشائر المنتفق البصرة، ثم كاتبت والي بغداد بإرسال متسلم ليضبط المدينة)). (مطالع السعود:88، مختصر تاريخ البصرة:145 و146مختصرا)

وقعة التنومة

تعزز موقع عشائر المنتفق وقوتهم بسبب الانتصار الساحق على جيوش كريم خان، ففكر ثويني السعدون بتوسيع رقعة بلاده ((فغزا نجدا سنة (1785- 1201) وتوغل بجيوشه الجرارة من عشائر المنتفق حتى وصل الى بلدة التنومة في القصيم، فواقع أهلها وتفوق عليهم، ثم غزا بريدة، لكن أخبارا وصلته من البصرة تفيد بسوء معاملة الوالي العثماني لأهلها فقفل راجعا)). (التحفة النبهانية:405)

ثورة سنة 1202 هـ

وحال وروده الى البصرة ألقى القبض على متسلمها إبراهيم بك، وأرسل قسما من الخيالة المنتفق فاستولوا على السراي الحكومي،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 72 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأقيمت حكومة عربية قبلية في البصرة. أما الوزير سليمان باشا الكبير فقد جمع الأكراد والانكشارية وانحاز إليه حمود الثامر خصم ثويني، واجتمعت جيوشه في أم العباس قرب سوق الشيوخ، ثم التقى الطرفان في أم الحنطة فوقعت وقعة حامية دامية، قتل فيها نحو ثلاثة آلاف من خيالة العرب ومن المشاة ما لا يحصى، واسترجع العثمانيون البصرة، وعين حمود رئيسا للمنتفق بدلا من ثويني)). (لونكريك ص244 و245مختصرا، العراق بين احتلالين:6/102)

المنتفق في مواجهة الوهابية

في سنة 1205هـ أغار الوهابيون من أتباع آل سعود على أطراف العراق الغربية، فاحتلوا مراعي المنتفق والظفير والشامية. (لونكريك:256)، وفي سنة 1211 استولوا على الأحساء التي كانت تابعة لولاية البصرة، وكانت قد سبقتها غارات على البصرة والزبير، فاستدعى ذلك أن تقف الحكومة العثمانية في بغداد موقفا حازما من هذه التجاوزات، فأعادت ثويني السعدون لمشيخة المنتفق لخبرته بأراض نجد وعشائرها وعدائه للحركة الوهابية، وأناطت به وبعشائره مهمة مواجهة الخطر الوهابي، ((فخرج ثويني بعشائر المنتفق
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 73 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سنة 1212هـ، وانضم إليه بنو خالد والظفير وعشائر الزبير وقوات حكومية أخرى، وسار حتى نزل بتلك الجموع في الجهراء قرب الكويت لوضع الخطط العسكرية، فسير قسما من الجيش عن طريق البر الى الأحساء، وأرسل قسما منه عن طريق البحر الى القطيف، ثم توغل جنوبا حتى وصل الى ماء الشباك في ديرة بني خالد، وفي تلك الساعات العصيبة هجم رجل من عبيد الجبور على ثويني بحربة أصابت مقتله، فتفرق الجيش وعاد أدراجه)). (الرفيعي:4/142 مختصرا)
((وفي رمضان من سنة 1212 شن الوهابيون غارة انتقامية غادرة على قرية أم العباس قرب سوق الشيوخ مركز المنتفق يومذاك، فقتلوا الكثير من الرجال والنساء والأطفال، وحرقوا البيوت، ومات آخرون غرقا وهم يجتازون الفرات فرارا الى الضفة الأخرى)) (العراق بين احتلالين:6/125، مطالع السعود:223باختصار)
((وفي سنة 1213أرسل والي بغداد حملة أخرى لمحاربة الوهابيين يقودها علي باشا الكهية، اشترك فيها خمسة آلاف انكشاري، وانضم إليهم عشرة آلاف مقاتل من القبائل العربية: المنتفق بزعامة حمود الثامر، وعقيل، وشمر، والعبيد وغيرهم من القبائل، إلا أن هذه الحملة لم تحقق أهدافها المرجوة، لبعد المسافة وقلة الماء، وهبوب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 74 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عواصف ترابية هوجاء فعادت هذه القوات أدراجها)). (لونكريك:259، مطالع السعود:227 باختصار)
((وفي سنة (1803- 1218 ) أغار سعود بن عبد العزيز على البصرة، فوافق في طريقه كتيبة من خيالة المنتفق رئيسهم منصور بن ثامر السعدون، فقتل منهم قتلى، وأخذ منصور أسيرا)). (العراق بين احتلالين:6/160 مختصرا)
((وفي 1220هجم بجموعه على البصرة، ودافع المتسلم دفاعا شديدا حتى ضاق الحال بأهلها، فاستغاثوا بالمنتفقيين فجاءهم حمود بجموعه نجدة، فاضطر سعود للانسحاب، لكنه أحرق في طريقه بعض القرى ونهب وخرب)). (مختصر تاريخ البصرة:149، مطالع السعود:245 لكنه ذكرها في حوادث سنة 1219)
وكانت آخر المعارك التي اشترك فيها المنتفقيون في هذا العهد ضد الوهابية ((في أثناء حملة إبراهيم بن محمد علي باشا والي مصر على حكومة آل سعود سنة 1232هـ، حيث اضطر الوهابيون الى تقليص قواتهم في الأحساء والهفوف والتوجه غربا لمواجهة إبراهيم باشا، ودارت معركة بين المنتفق وبقايا الوهابيين استمرت يوما كاملا، قتل فيها خالد السعدون أخو حمود، وتمكنت عشائر المنتفق وبني خالد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 75 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بعدها من الاستيلاء على الأحساء)). (الإيجاز:2/108، العراق بين احتلالين: 6/158 حوادث سنة 1233)

المنتفق وسعيد باشا

وملخص القصة كما أوردها الرفيعي:4/180 وما بعدها: ((أن فتنة وقعت بين أحد أغوات الانكشارية ووالي بغداد سليمان باشا الصغير، فأرسلت الحكومة العثمانية في اسطنبول فيلقا مع حالت محمد كان ظاهر البعثة تقصي الحقائق، لكن القصد منها كان صرف سليمان عن ولاية بغداد، واصطدم الطرفان في معركة قصيرة فر على أثرها سليمان الى ديالى فقتل هناك، وولى حالت محمد على العراق رجلا يدعى عبد الله باشا، إلا أن سعيد بن سليمان باشا الكبير ثار على عبد الله والتجأ الى عشائر المنتفق، وجهز عبد الله باشا حملة كبيرة لغزو المنتفق والقبض على سعيد، ووقعت بين الفريقين معركة دامية في منطقة تدعى غليوين قرب سوق الشيوخ، كان النصر في أولها لعبد الله باشا، لكن انضمام ضباط جيشه الكرج مع ألفين من المقاتلين الى جانب سعيد والمنتفق رجح كفة الأخير، فقتل عبد الله باشا ورمي برأسه تحت أقدام سعيد باشا، ورحل حمود السعدون مع الوالي الجديد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 76 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الى بغداد لتنصيبه رسميا)).
قال ابن سند في مطالع السعود:280ملخصا: ((ولما حصل ذلك قويت شوكة حمود، ولم يبق عنده لأمير أو وزير حرمة، وصار أمر سعيد بيده، ولهذا أعطاه وأخونه ما في جنوبي البصرة من قرى فضحك لهم الزمان))، وانحرفت مسيرة آل السعدون بشكل واضح بالعمل ضد مصالح أبناء العشائر التي جعلتهم زعماء عليها، طمعا في جوائز وهبات العثمانيين المجانية.

حملة سعيد باشا على الخزاعل

وكانت أولى الخطوات المشبوهة ((طلب سعيد باشا من حمود بن ثامر شيخ المنتفق بإخماد ثورة الخزاعل سنة (1816- 1231)، فجهز حمود جيشا عظيما وسار الى الخزاعل، وتقابل الفريقان في لملوم، فكانت الغلبة لمناصري سعيد باشا، وقتل من الخزاعل خلق كثير)). (العراق بين احتلالين:6/227 و228 مختصرا)

المنتفق في أتون حروب جديدة

قال العزاوي في حوادث سنة 1231هـ:6/232 ما ملخصه: ((أن سعيد باشا اتبع سياسة تقريب العرب على المماليك الكرج، فأثار ذلك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 77 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
غضب المماليك، فثار عليه أحد قادتهم المدعو داود، فرحل الى السليمانية وجمع هناك جيشا كبيرا، ونال عطف السلطان فوجهت إليه ولاية العراق، فزحف بذلك الجيش على بغداد، واستنجد سعيد بحليفه حمود الثامر الذي جاءه بألف وخمسائة من مقاتلي المنتفق، لكن قلة الأرزاق والقحط الذي أصاب بغداد أجبر سعيد باشا على صرف حمود واتباعه الى ديارهم)).
وقال: 6/289 وما بعدها باختصار: ((وفي سنة 1241 عين داود باشا الذي تولى وزارة العراق براك بن ثويني شيخا للمنتفق بدلا من حمود بن ثامر، فأقنع حمود بعض العشائر بالثورة وهاجم الحلة لكنه انهزم وانهزم أتباعه. وأراد الوزير أن يختبر مقدرة براك على الإدارة فأمره أن يغزو آل الشبيب، فتحصن هؤلاء بالأهوار ودارت معركة بين الطرفين قتل فيها عدد من أكابر آل الشبيب)).
وفي حوادث سنة 1242 من الكتاب المذكور: ((أن الوزير عزل براكا عن مشيخة المنتفق، ووجهها الى عجيل السعدون وأعطاه كمية من الأسلحة لحماية البصرة، فجمع حمود بن ثامر اتباعه وجعل عليهم ولديه ماجدا وفيصلا وأمرهما بالزحف على البصرة لاحتلالها، وقام
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 78 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
متسلم البصرة ومن معه بالدفاع عن المدينة، فقتل من العرب ما يقرب الألفين في هذه الحرب العبثية)).
((وفي سنة (1831- 1247) وهي سنة سقوط دولة المماليك في العراق، وقعت حرب بين قبيلة كعب والمنتفق بقيادة عجيل، فجمع عجيل أربعا وعشرين ألف مقاتل من العساكر العثمانية، وأهل نجد والزبير والكويت وعبر الى المحمرة، فصمد الكعبيون، ولم تحقق الحملة أهدافها)) (الفتح:2/134)

المنتفق في العهد العثماني الرابع

اتسم هذا العصر فيما يخص المنتفق بالصراع على الزعامة بين أجنحة آل السعدون، وسفكت من أجل ذلك دماء كثيرة، وتمزقت العشائر وعادا بعضها بعضا انحيازا الى هذا الطرف أو ذاك، ووصل الحال الى إعلان المزايدة العلنية بين الشيوخ للزعامة، ونال آل السعدون مكاسب مادية كبيرة بسبب تسجيل الأراضي بأسمائهم، واشتد ظلمهم للناس، فكرهتهم العشائر ونفرت منهم. (انظر: العراق بين احتلالين:6/234، لونكريك:370)، وفيما يلي موجز لتاريخ المنتفق في هذا العهد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 79 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

صراعات آل السعدون على المشيخة

استعادة أبناء حمود للمشيخة

تمكن الولاة العثمانيون من إيقاع الفتنة بين العشائر العراقية، وضرب بعضها ببعض بتقريب بعض العشائر وإبعاد أخرى، وتحريض شيوخ القبائل ضد بعضهم البعض، ((فقد كان شيخ شمر صفوگ الجربا معاديا لحكومة المماليك، وعجيل السعدون مقربا منها، وكان حمود الثامر وأولاده مبعدين الى المحمرة، فعمل الوالي الجديد علي رضا العكس، فجهز جيشا ضم أولاد حمود الثامر وصفوگ سنة 1247، فخرج عجيل في ألف وخمسمائة من خيالة المنتفق، وجرت بينهم مواجهة قتل فيها الشيخ عجيل رئيس المنتفق، وتولى ماجد بن حمود مشيخة المنتفق مدعوما من الوزير الجديد)). (المصدر السابق:7 /19 مختصرا، وإمارة المنتفق:179)

حصار الزبير

((وفي السنة المذكورة هاجم عيسى بن محمد رئيس المنتفق بلدة الزبير، وكان السبب في ذلك أن الخصومات والأحقاد لا تكاد تنقطع بينه وبين عمه راشد بن ثامر على الرئاسة، فلما تمت الغلبة لعيسى هرب راشد الى الزبير عند آل الزهير، فجمع عيسى خمسة آلاف
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 80 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مقاتل ونزل عند ماء الدريهمية، وحصر البلدة من جهاتها الأربع ستة أشهر، كانت تجري خلالها مناوشات بين الطرفين حتى استعان عيسى بشيخ الكويت وبعض أهالي نجد فاستسلمت البلدة، بعد أن قتل الكثير من الطرفين)). (تاريخ الزبير ص109ملخصا)

الحرب بين أبناء راشد

((وفي سنة 1269 وقع اختلاف بين أبناء راشد بن ثامر السعدون، وأبناء عجيل بن محمد بن ثامر وأتباعهم في طلب الرئاسة على المنتفق، وانقسمت عشائر المنتفق عليهم، وكان منصور بن راشد أقنع الوزير رشيد الكوزلكي على توليه مشيخة المنتفق، مقابل إفراز السماوة عن ديرة المنتفق، فأمده بالجيوش العثمانية وبعض العشائر، فحصلت بينهم وقعة شديدة قرب سوق الشيوخ وقيل قرب الشطرة، فصارت الهزيمة على أبناء عجيل وأبناء عيسى بن محمد بن ثامر، وقتل من الفريقين خلائق كثيرة، وصارت الرئاسة لمنصور بن راشد، وألقي القبض على فارس العجيل وأودع في السجن)). (الفتح:2/182 مختصرا، إمارة المنتفق:188)
وفي سنة 1272استغل الوزير الكوزلكي فرصة لهف منصور على السلطة، فاقام ثكنة عسكرية في سوق الشيوخ وعين أحد الضباط
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 81 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العثمانيين قائم مقاما هناك (إمارة المنتفق:190)، ويبدو أن تواجد القوة العثمانية قد أثار حفيظة العشائر ((فنشبت حرب بين عشائر المنتفق والجنود العثمانية، انهزم فيها العثمانيون وقتل قائدهم بلمز)).
((وفي سنة 1271هـ جرى نزاع بين أبناء راشد بن ثامر بمساندة بعض العشائر النجدية، وبين محمد بن عيسى بن راشد، فالتقى الفريقان عند نهر الفاضلية، واقتتلوا قتالا شديدا قتل فيه محمد بن عيسى وسارعت الهزيمة في أصحابه، وقتل من الفريقين قتلى كثيرة، وصارت الرئاسة لمنصور بن راشد.
ولما كان شهر رمضان حصل اختلاف بين منصور بن راشد وأخوه ناصر في طلب الرئاسة، وانقسم المنتفق تبعا لهم الى فريقين، واقتتلوا قتالا شديدا انهزم فيه منصور، وصار ناصر بن راشد شيخا للمنتفق)). (الفتح:2/183)

مشيخة المنتفق في المزاد العلني

في سنة 1277هـ أيام ولاية توفيق باشا، جرت مزايدة علنية على مشيخة المنتفق بين الشيخ منصور والشيخ بندر، فأسندت الى الأخير ببدل سنوي قدره (4900) كيس، والكيس (500) قرش. (العراق بين
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 82 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
احتلالين:7/132)، ((واستشاط ناصر ومنصور غضبا من هذا التعيين فحشدا على الشيخ بندر وجرت بينهما وقعت الطينة، حيث انهزم الأخوان، فوقع ناصر في الأسر، وفر منصور الى الصحراء)). (إمارة المنتفق:197)

من شيخ الى محافظ

((وفي سنة 1280في ظل ولاية محمد نامق، ألغيت المشيخة ونصب منصور الذي كان من أعضاء المجلس الكبير ببغداد، قائممقاما (متصرف، محافظ)، لكن عشائر المنتفق ثارت ضد هذا القرار بزعامة ناصر أخو منصور، فسادت الفوضى من الحلة الى البصرة، مما اضطر نامق باشا الى التراجع عن قراره، وتعيين فهد السعدون شيخا للمنتفق)). (العراق بين احتلالين:7/145)
ثم أعيدت المشيخة الى ناصر السعدون في السنة التالية، حيث بقي في المشيخة حتى أسندت ولاية العراق لمدحت باشا، حيث أقنعه بإسكان عشائره فبنيت مدينة الناصرية. (إمارة المنتفق:19، 102). ((ويعتبر قيام ناصر باشا بهذا العمل خيانة صريحة لعشائر المنتفق، وتسليمها لقمة سائغة للأتراك...وقد نجحت محاولة وضع قانون تركي لتسجيل الأراضي في تقديم الرشاوى لآل السعدون لقبول ذلك التغيير
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 83 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وجعلهم أصحاب الأرض الشرعيين، ونتيجة لهذا التواطؤ مع العثمانيين فقدت العشائر حقها في الأرض حيث غدت ملكا صرفا لآل السعدون)). (العشائر العراقية:74،75 مختصرا، إمارة المنتفق:204)

ثورة الدغارة

((قامت مجموعة من عشائر عفك والدغارة وجليحة بإعلان ثورة عام (1869- 1286) احتجاجا على سياسة مدحت باشا الضرائبية، وقد تمكنت هذه العشائر من قتل متصرف الحلة وهو ابن اخت مدحت باشا، فطلب الأخير المساعدة من شيخ المنتفق لإخماد الثورة، فجاء فهد السعدون بأربعة آلاف مقاتل، وأخمدت الثورة وتم تعيين فهد متصرفا في الديوانية لبضعة شهور)). (العراق بين احتلالين:7/207 وما بعدها مختصرا)
وفي سنة 1291 طلب مدحت باشا من ناصر السعدون المساعدة في تخليص الأحساء من يد الوهابية، فأمده برجال كثيرة من عشائر المنتفق، فراج سوقه عند العثمانيين وعين متصرفا على البصرة، ونال أرفع الرتب على حساب تضحيات أبناء العشائر. (راجع إمارة المنتفق:209 وما بعدها)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 84 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

ثورة سنة 1298هـ

في سنة 1298 أعلنت عشائر المنتفق العصيان وطردت الموظفين العثمانيين، واستغل منصور السعدون وفالح الثورة فركبوا الموجة، إلا أن الوالي أرسل جيشا كثيفا بقيادة عزت باشا، فالتقى الطرفان في منطقة أم الشعير قرب قضاء الحي، ولما عرفت القبائل اضمحلال أمر آل السعدون عطفوا عليهم فنهبوا أموالهم. (إمارة المنتفق:214 وما بعدها مختصرا).
((وانقسم ولاء عشائر المنتفق بين سعدون بن منصور وفالح بن ناصر الذي قبل الاستمرار على تنفيذ السياسة العثمانية التي اتبعها أبوه، وخالفه سعدون في ذلك فتحول الى معارض عنيد لفالح، وتحالف مع شيخ الكويت في حربه ضد آل رشيد أمراء حائل)) (العشائر العراقية:77مختصرا)، ((فتحول سعدون الى قاطع طريق يغير على شمر مرة وعلى عشائر العراق أخرى، وإن طاردته القوات التركية فر الى صديقه شيخ الكويت، وكان هذا دأبه من 1900 حتى سنة 1905 حيث صدر العفو عنه)). (دليل الخليج: القسم التاريخي:4/2221 وما بعدها مختصرا)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 85 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

وقعة تل اللحم

وفي سنة (1899- 1317) ((زحف عبدالعزيز بن متعب الرشيد نحو سعدون وهاجمه عند تل اللحم غرب سوق الشيوخ، وجرت بينهما معركة دموية انكسر فيها سعدون، واحتل ابن رشيد بلدة الخميسية. ثم جمع سعدون اتباعه وهاجم ابن رشيد في موضع يقال له تليل جبارة، ودارت رحى الحرب ثلاثة أيام استعاد فيها سعدون الخميسية)). (الفتح:2/272 مختصرا)

موقف المنتفق من الاحتلال البريطاني

كانت عشائر المنتفق أول من تصدى للغزو البريطاني للعراق عام 1914م، ((فجرت بين الطرفين وقعتان قبل وصول البريطانيين الى البصرة، جرت الأولى في شط اللعرب مقابل قرية المعامر حيث كانت بعض عشائر المنتفق تسكن هناك، إما الثانية فقد جرت في كوت الزين قادها عجمي السعدون، لكن قوة العشائر لم تكن كافية فتركت المنطقة منسحبة الى الزبير)). (فصول من تاريخ العراق: المس بيل:7و8 مختصرا)
كما شهد المنتفقيون وقعة الشعيبة وكان لهم فيها دور كبير، وقد فصلنا الحديث عن هذه المعركة في كتابنا قبيلة شمر ص83 وما بعدها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 86 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فراجع .كما قام المنتفقيون بإعلان الثورة سنة 1920 أسوة بأخوتهم من أبناء العشائر في سائر المحافظات العراقية، فثارت عشائر بني مالك بقيادة بدر الرميض في سوق الشيوخ، وأخرى في قلعة سكر وثالثة في الشطرة، قدم فيها أبناء عشائر المنتفق التضحيات الجسيمة خدمة لوطننا العراق العزيز.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 87 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل السابع : مشاهير أعلام المنتفق

1- الأسود بن عبد الله بن حاجب المنتفقي: من رواة الحديث، يعد في أهل الحجاز، يروي عن لقيط بن عامر، وروى عنه ابنه دلهم. (الثقات: ابن حبان:4/32)
2- الأصفر أو الأصيفر: من أعلام القرن الرابع، كان زعيما لبني المنتفق، تولى قتال القرامطة بأمر من شرف الدولة البويهي سنة 387 هـ كما قدمنا في ص21 من الكتاب.
3- أنس بن قيس ابن المنتفق: صحابي، قدم في وفد بني عقيل على النبي صلى الله عليه وآله ، قال ابن سعد في الطبقات:1/302: ((وفد من بني عقيل على رسول الله صلى الله عليه وآله : ربيع بن معاوية بن خفاجة بن عمرو بن عقيل، ومطرف بن عبد الله بن الأعلم بن عمرو بن ربيعة بن عقيل، وأنس بن قيس بن المنتفق بن عامر بن عقيل فبايعوا وأسلموا، وبايعوه على من وراءهم من قومهم، فأعطاهم النبي صلى الله عليه وآله العقيق، عقيق بني عقيل وهي أرض فيها عيون ونخل وكتب لهم بذلك كتابا في أديم أحمر: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ربيعا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 88 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومطرفا وأنسا أعطاهم العقيق، ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وسمعوا وأطاعوا، ولم يعطهم حقا لمسلم" فكان الكتاب في يد مطرف))
4- الشيخ باقر بن علي بن حيدر المنتفقي: قال السيد الأمين في أعيان الشيعة: 3/536 مختصرا: ((ولد في النجف، وفيها نشأ، وقيل: أنه نشأ في سوق الشيوخ، وتوفي في الشعيبة أثناء الحرب العامة سنة 1333هـ، وحمل إلى النجف فدفن فيها، والمنتفقي نسبه إلى المنتفق قبيلة عربية عراقية مشهورة. أخذ عن علماء النجف، وكان من أفاضل تلامذة الشيخ ملا كاظم الخراساني، ثم خرج إلى سامراء فأخذ عن الميرزا الشيرازي، وبعد وفاته عاد إلى النجف فأقام فيها مدة، وحضر درس الشيخ الخراساني في الأصول فعرضت مسالة من مسائل الحكمة العقلية تكلم فيها المترجم، فقال له الشيخ ملا كاظم: هذا ليس من شغلك! فغضب، وقام من حلقة الدرس ولم يعد اليه، ثم عاد إلى سوق الشيوخ فأقام فيها، وتصدر ونفذت كلمته في السواد، وأطاعه خلق، وقد استنفر في الحرب التركية الإنكليزية جماعة من العرب خرج بهم إلى الشعيبة، ومرض في أثناء ذلك فمات.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 89 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وكان معروفا بالفضيلة، وكان السيد علي ابن السيد محمود يثني على فضله. ومن شعره قوله من قصيدة:
يا رسولي إلى الرسول مغذا * فوق كوماء مثل قصر مشيد
قف بها في البقيع لوث إزار * مستفزا بني نزار الرقود
يا أسود العرين شم العرانين * وعز الذليل غيظ الحسود
إن حربا شنت عليكم حروبا * شاب منها أو كاد رأس الوليد
ثم قال: خلف ولديه الفاضلين: الشيخ جعفر، والشيخ محمد حسن))
5- الشيخ الشهيد تركي: شيخ عشيرة الأجود، بطل من أبطال العشائر العراقية، شهد الوقعة بين عشائر المنتفق والوزير حسن باشا والي بغداد، وكان يلازم مغامس زعيم المنتفق، وكان أشد بأسا منه، وكان يقاتل في قلب الجيش، وفي عنفوان الهجوم العثماني السابع على العشائر في تلك المعركة اندفع الشيخ تركي على رأس فرسان الأجود لصد الهجوم، لكنه أصيب إصابة بليغة خر على أثرها صريعا، وقد أحدث استشهاده ارتباكا كبيرا في جبهة القتال، فلما رآه مغامس آل شبيب صريعا استولى عليه الخوف، فهرب من أرض المعركة. (الرفيعي:3/57)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 90 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
6- جراد بن المنتفق: صحابي، روى عن النبي صلى الله عليه وآله ، ويروي عنه ابنه عبد الله بن جراد. (الإصابة:1/577)
7- دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق: يروي عن أبيه، ذكره ابن حبان في الثقات:6/291.
8- عاصم بن لقيط: وثقه الكثير من العلماء بخلاف أبيه، منهم: العجلي في الثقات:2/10، وابن حبان في ثقاته:5/234 وغيرهم.
9- عبد الله بن جراد: عده ابن عبد البر في الاستيعاب:3/880 في الصحابة، وقال: ((روى عنه يعلى بن الأشدق، وهو عمّه، ولا يعرف بغير رواية يعلى بن الأشدق عنه، ويعلى بن الأشدق ليس عندهم بالقويّ)).
10- عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق: من رواة الحديث، وعده الذهبي في ميزان الاعتدال:2/405 في المجاهيل.
11- عبد المهدي المنتفقي: وزير المعارف، عبر عنه العلامة الأميني في الغد ير: 8/6: ((صاحب المعالي، الشريف الشهم البطل سيدنا المبجل السيد عبد المهدي المنتفكي المشغل منصة وزارة المعارف، والاقتصاد والأشغال والمواصلات، دورا بعد دور)).
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 91 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وكان الأستاذ عبد المهدي قد بعث رسالة تقريض وأعجاب للعلامة الأميني على كتابه الغدير، منها: ((تخرج المطابع في كل يوم مئات من الكتب فلا يجد المطالع إلا في القليل النادر منها بغيته، وما يطمن رغبته من كافة النواحي وجميع الجهات، ولذلك فإن تقدير قيمة الكتاب لا تكون إلا بمقدار ما يتركه في نفس المطالع من الأثر الصالح النافع، وإن خير ما جادت به علينا القرائح، وما أتحفتنا به المطابع، فكان له في النفوس الأثر الصالح البليغ، هو كتاب "الغدير" الذي جاء سفرا جليلا جمع فأوعى، فغدا نبرا سا منيرا ودليلا هاديا، سمى أن يحدد بالقيم أو يقيد بالمقاييس....))
12- الشيخ علي بن محمد بن علي بن حيدر بن خليفة بن كرم الله المنتفكي، النجفي: ((من تلامذة العلامة الأنصاري، صنف في الفقه والأصول وكتبت تقريرات بحث شيخه المرتضى، وكان أحد علماء العرب المدرسين في النجف ولما غصبت املاكه في المنتفك لم يستطع المكث في النجف فسكن المنتفك في سوق الشيوخ. له من المؤلفات: أرجوزة في المنطق، وأرجوزة في علم التجويد، وتفسير غريب القرآن، وشرح على متن الحاشية في المنطق، وشرح القسم الثاني في الكلام، وله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 92 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في الأصول: حاشية على القوانين، وحاشية على الرسائل، وله كتابات أخرى خطية في الأصول والفقه)). (أعيان الشيعة:8/235، موسوعة طبقات الفقهاء:14 ق1 ص450)
13- عوف بن المنتفق: شاعر وفارس جاهلي، وهو الذي قتل لقيط بن زرارة الدارمي التميمي يوم شعب جبلة، وفيه يقول:
ظلت تلوم لما لها عرسي * لومي، وأنت حليمة أمس
من لائم بكري وصاحبه * فلقيت شفيت بسيفه نفسي
فقتلته بالشعب أول فارس * في الشرق، قبل ترجل الشمس
(معجم الشعراء: المرزباني:163)
14- أبو رزين العقيلي: اختلف في اسمه، فقيل: لقيط بن عامر بن المنتفق، وقيل: لقيط بن عامر بن صبرة بن عبد الله بن المنتفق، وقيل: لقيط بن صبره، وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله . (الإصابة:5/509).
أقول: ويعد أبو رزين من الكذابين، وقد خرق لنفسه الكثير من المناقب على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقد أورد سماحة الشيخ علي الكوراني العاملي في كتابه الانتصار:2/243، ترجمة طويلة له، ونقل أقوال العلماء وقدحهم فيه.
15- كامل المنتفقي: أحد زعماء المنتفق، من العرب البادين
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 93 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بعسفان، ذكر الباخرزي في دمية القصر:1/81 قصة دخوله على عميد الحضرة محمد بن منصور، عامل طغرلبك على البصرة، وشكواه القحط وقلة الأمطار في بلاد المنتفق، وأورد له شعرا منه:
إنسانة الحي أم أدمانة السمر * بالنهي رقصها لحن من الوتر
يا ما أميلح غزلانا شدن لنا * من هؤليائكن الضال والسمر
بالله يا ظبيات القاع قلن لنا * ليلاي منكن أم ليلى من البشر
16- نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق: صحابي، وفد على النبي صلى الله عليه وآله مع لقيط بن عامر (الاستيعاب:3/1313).
17- وكيع بن عدس: وقيل: وكيع بن حدس: تابعي، وهو ابن أخي لقيط بن عامر، كنيته أبو مصعب، وهو غير وكيع بن عدس بن زرارة التميمي. (الإصابة:6/479) ، روى عنه عمه، ويروي عنه يعلى بن عطاء، قال الذهبي في ميزان الاعتدال:4/335: لا يعرف. لكن ابن حبان ذكره في الثقات:5/496.
-----------------------------------
1 ) سنكتفي في الإشارة الى هذا المصدر فيما بعد بلقب المؤلف (الفتح).
2 ) سنكتفي في الإشارة الى هذا المصدر بلقب المؤلف (الرفيعي).
3 ) مع تقديرنا واعتذارنا لآل مناع، إلا أن هذه حقائق تاريخ.