مفردات الراغب الإصفهاني مع ملاحظات العاملي - الطبعة الثانية
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 1 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بسم الله الرحمن الرحيم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 2 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 3 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مفردات الراغب الإصفهاني
مع ملاحظات العاملي
الطبعة الثانية - منقحة ومزيدة
1439 - 2018
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 4 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مفردات الراغب الإصفهاني مع ملاحظات العاملي
الشيخ علي الكوراني العاملي
جميع الحقوق محفوظة ومسجلة للمؤلف
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 5 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 6 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 7 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مقدمة
بسـم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا ونبينا محمد
وآله الطيبين الطاهرين ، أفصح من نطق بالضاد ، وتكلم بجوامع الكلم .
ميزات مفردات الراغب
نال كتاب مفردات الراغب الأصفهاني إعجاب المعاهد العلمية ، وصار في القرون الأخيرة مرجعاً للطلبة والعلماء والباحثين ، لما يتصف به من ميزات ، وإن كان فيه نقاط ضعف كثيرة .
فأهم ميزاته : أنه الكتاب اللغوي الوحيد الذي وصل الينا ، مقتصراً على ألفاظ القرآن ، وقد استوعب أكثرها .
ومن ميزاته : أنه يصوغ المادة بتسلسل ، ويحاول استيفاء فروعها ، وقد يفوته بعضها ، أو بعض أوجه استعمالها .
ومن ميزاته : قوة ذهن مؤلفه ، فهو يتعمق ويجيد أحياناً ، كما يتكلف أحياناً ، ويغفل أحياناً .
ومن ميزاته : أنه يهتم بتجذير الكلمات وإرجاعها الى أصل واحد ، وقد يحالفه التوفيق ، وقد يوقعه في أخطاء .
ومن ميزاته : أنه اعتمد على كتب أئمة اللغة الكبار قبله ، فأخذ كثيراً من كتاب العين للخليل الفراهيدي « توفي سنة 160 » والصحاح للجوهري « توفي سنة 381 » ومقاييس اللغة لأحمد بن فارس الرازي « توفي سنة 385 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 8 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد انتقده بعضهم بأنه فاته كثيرٌ من الألفاظ ، لكن هذا إشكال عامٌّ يَرِدُ على المؤلفات في مفردات القرآن ، أو مفردات اللغة العربية . كما انتقدوه بأخطائه في ترتيب المفردات داخل الحرف الواحد ، وهو إشكال عام كسابقه .
وأكبر نقاط ضعف الراغب : أنه عاش في أصفهان ، ولم يسافر إلا الى الري ، ولم يعايش العرب ويدقق في كلامهم ليتكون له حس المعرفة بلغتهم . ولذلك وقع في أخطاء ذريعة !
ونقصد بالحس اللغوي : مَلَكة الخبرة باللغة ، بحيث يُميز صاحبها أن هذه الكلمة تشبه ألفاظ العربية أو لا تشبهها ، وتستعمل عند أهل العربية بهذا المعنى أو لا تستعمل ، وتتضمن هذا البعد من المعنى أو لا تتضمنه ، وترتبط بتلك الكلمة أو لاترتبط . . الخ . وسترى في الكتاب أنواع ذلك .
ومن نقاط ضعفه وقوته معاً : أن اللغة العربية ليست اللغة الأم لمؤلفه ، فهذا نقطة قوة أيضاً ، لأن ابن اللغة قد يَتَلَبَّدُ حِسُّهُ بحكم الأُلفة فلا يلتفت الى بعض خصائص ألفاظها والربط بينها ، بينما يلتفت الى ذلك من لم تكن لغته الأم .
ومن نقاط ضعفه وقوته معاً : اتجاهه دائماً الى رد ألفاظ المادة الى أصل واحد ، وقد يوفق أحياناً ، وقد يَشُذُّ ويتكلف !
ومن نقاط ضعفه : أنه قد لا يذكر الآية في المادة ، أو لايستوفي آياتها ومعانيها في القرآن ، وقد اهتممنا باستيفاء ذلك .
ومن نقاط ضعفه : أنه مغرم بإضافة قيود على معنى الكلمة ، يردُها استعمال الكلمة وكلام اللغويين ! فكلما وجدته وضع قيداً أوشرطاً لمعنى الكلمة ، فاحتملْ أنه أضافه من عنده ، تأثراً ببعض موارد استعمالها ، أو حُبّاً بالتفذلك !
ولم يرتض هذه الملاحظة الدكتورحسن الشافعي رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة ، فكتب لي في رسالة ، تعليقاً على قولي عن الراغب : « كأنه مغرم بإضافة قيود على الكلمة » فقال : « فهو يراعي فيما يؤثره من معنى السياق القرآني في غالب الأمر ، وليس ما جاء عن نقلة اللغة بوجه عام . . فالقيود مستمدة من السياق القرآني لا مما نقله رواة اللغة » .
وهذا تعصب للراغب بدون علم ، لأن استعمال القرآن يرد قيود الراغب ، فقد قال مثلاً : « وآتيناهم : يقال
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 9 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فيمن كان منه قبول » لكن فاته قوله تعالى : الَّذِينَ آتَيْنَـاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإن فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ . فقد آتاهم الكتاب فحرفوه ولم يقبلوه ! فالسياق القرآني يخالف رأي الراغب وما صح من اللغة .
ومن نقاط ضعفه : أنه لايراعي في الألفاظ التي يوردها في المادة أن تكون كثيرة الإستعمال ، أو معروفة للناطقين بالعربية ، فتراه يذكر ألفاظاً نادرة الإستعمال أو مهجورة ! وضررها أن القارئ يتصورأنها الكلمات المشهورة المتداولة من المادة !
ومن نقاط ضعفه : أن أسلوبه في العربية ضعيف ، فيه عُجمة غليظة أحياناً تصل الى حد الإغلاق بحيث يصعب فهمها إلا على من تعلم فهم الأعْوَج .
وهو مدمن الخطأ في المذكَّر والمؤنث ، حتى أنه يُذَكِّر المؤنثات الحقيقية كالفرس ، كما أنه يستعمل أفعالاً بدون حروف تعدية ، فيقول : دلَّ كذا ، ونَبَّهَ كذا ، وتنبيهاً كذا . وقد راجعت نسخاً مخطوطة ، فوجدته يستعمل مادة نَبَّهَ وغيرها بدون حرف تعدية إلا نادراً ، فأضفت اليها [على] بين قوسين .
ومن نقاط ضعفه : أنه فَسَّرَعدداً من الآيات ، وتضمن تفسيره أخطاء لغويةً أو فكريةً . كما تَعَرَّضَ الى مسائل كلامية خارجة عن كتاب لغة ، وفي كلامه نظر أو عليه إشكال ، وقد اقتصرنا على مناقشة الضروري من ذلك .
ولو أردنا مناقشة كافة أخطائه لبلغت ملاحظاتنا أضعاف ما دوناه .
إفراط البعض في تقليد الراغب
بسبب ميزات مفردات الراغب أُعْجِبَ به البعض الى حَدِّ التقليد ، كما ترى في تفسير الميزان ، وقد بلغني عن بعض الفقهاء حفظهم الله أنه يعتمد على رأيه ويُفتي بموجبه ، بدون أن يراجع رأي غيره من اللغويين !
وقد ذكرتُ لأحد كبار الفقهاء أني أكتب نقداً لمفردات الراغب ، فقال متعجباً : لمفردات الراغب ! فقلتُ : نعم ، ولماذا التعجب؟ قال : كان صاحب تفسير الميزان رحمه الله يقول : كما أن القرآن معجزة النبي صلى الله عليه وآله فإن مفردات الراغب معجزة القرآن ! فقلت له : إن إعجابه به ليس حجةً علينا ، لأنه على جلالة قدره رحمه الله ليس متخصصاً في اللغة العربية ! وقد فاته أن الراغب عايش العربية في الكتب والنصوص ، وليس مع أهلها ليتكوَّنَ له حِسٌّ لغويٌّ سليم !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 10 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولصاحب الميزان رأيٌ آخر لا يمكننا الأخذ به أيضاً ، فهو يرى أن اللغة التركية أصل اللغات ، لأن جَرْسَها يتناسب مع معاني الكلمات ، ويظهر أن صاحب كل لغة ألفها وعايشها ، قد يرى ذلك فيها .
وقد قال بعضهم إن أهم إشكال على تفسير الميزان ضعف خبرة مؤلفه بالعربية وتقليده للراغب في أكثر من خمس مئة مورد نص عليها . والإشكال الثاني مشربه الفلسفي الذي أوقعه في أخطاء كبيرة أيضاً ، تحتاج الى كتاب خاص .
وينبغي الشهادة هنا أني وجدت في حوزة قم المشرفة نقاطاً إيجابية كبيرة من حقنا أن تفتخر بها على حوزات العالم ، كما وجدت نقاط ضعف صغيرة كإعجابهم بأشخاص وإعطائهم مكانة علمية لا يستحقونها ، كالراغب الأصفهاني ، والفخر الرازي ، والغزالي ، وابن عربي ، والحلاج . وقد كتبت في المجلد الثالث من كتاب ألف سؤال وإشكال ، عن الفخر الرازي واعترافه بأنه يستعمل المهارة الذهنية للتلبيس والتزوير « تاريخ الذهبي : 43/219 » واستخرجت من تفسيره نحو ثلاثين تلبيسة ، وكتبت عن اعتراف الغزالي بأن الغاية عنده تبرر الوسيلة ، ولو كانت خيانة وقتلاً ! وأنه ألَّف كتابه سِرُّالعالمَيَنْ لابن تومرت يعلمه ذلك ! فهو مؤسس الميكافيلة قبل ميكافيلي الإيطالي . « راجع المجلد الثالث من ألف سؤال وإشكال » .
أكثر كلامهم في الوضع وتجذير اللغة ظنون واحتمالات !
ونشير هنا الى مسألة الإشتقاق ، لأنا سنتعامل فيها مع الراغب كثيراً : فاعلم أن اللغات عوائل كأبناء آدم ، وهذا من آيات الله فينا ، وقد جعل سبحانه اختلاف ألسنتنا آيةً كبرى تلي خلق السماوات والأرض ، وتتقدم على آية ألوان البشر ! فقال تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ « الروم : 22 » .
كما جعل في عوائل بني آدم وأفرادهم ، وفي عوائل اللغة ومفرداتها ، مشتركاتٍ إذا مشيت معها فقد تصل الى ما وصل اليه صديقنا البروفوسور رشيد بن عيسى الجزائري ، في نظريته « الإشتقاق الأكبر » التي تقول إن كل لغات العالم متفرعة من اللغة السريانية القديمة ، أم اللغة العربية ، وأن العربية أكبرخزان لأصول كلمات لغات العالم . وما زال يعمل منذ عشرين سنة في جمع الأدلة من عشر لغات لإثبات نظريته ، وقد توصل الى نتائج مهمة ، ونرجو أن ينشركتابه .
ومن جهة أخرى ، جعل الله في مفردات اللغات ميزاتٍ ، إذا مشيتَ معها تأكدتَ أنه لايوجد ترادفٌ في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 11 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
اللغة ، لأن كل لفظ تتناول المعنى من زاويةٍ غير الآخر . فلفظ منزل مثلاً ، يلحظ النزول من سفرأو الإستقرار بعد بحث ، ولفظة بيت تلحظ المبيت ليلاً ، ولفظة مسكن تلحظ السكون والهدوء من الحركة .
ولمـَّا واجه اللغويون مسألة الإشتقاق رأوا أن النحويين سَمَّوْا لفظاً من العائلة مصدراً ، فقالوا إنه أصل فروع الكلمة . لكنهم اصطدموا بواقع الألفاظ الذي يخالفه ، فتركوا هذه المقولة ، ووسعوا الإشتقاق الى الأسماء ، بل الى الحروف ، فصار المصدر مصدراً بالمعنى النحوي وليس اللغوي .
قال الزركشي في البحر المحيط « 1/459 » : « لايدخل الإشتقاق في سبعة أشياء وهي : الأسماء العجمية كإسماعيل ، والأصوات ، كغاق ، والحروف وما أشبهها من المتوغلة في البناء ، نحو مَن ومَا ، والأسماء النادرة ، نحو طوبى له ، إسمٌ للنعمة . واللغات المتداخلة ، نحو الهُون للأسود والأبيض ، والأسماء الخماسية ، كسفرجل . ويدخل فيما عدا ذلك . وأثبت ابن جني الإشتقاق في الحروف » .
وعندما فتحوا باب الإشتقاق حتى من الحروف كما هو الحال في اللغة الألمانية ، اتسع أمامهم باب الإفتراض وهم يبحثون عن مناسبة لاشتقاق الفرع من أصله ، وكثرت اجتهاداتهم ، وأكثرها ظنونٌ وبعضها احتمال لا يصل الى الظن .
وسترى اختلافاً كثيراً بين الراغب وابن فارس ، فالراغب يميل الى جعل الألفاظ أصلاً واحداً ، وقد يتكلف لذلك . وابن فارس أقل تعصباً ، فعندما يرى أن مفردات المادة لا يمكن إرجاعها الى أصل واحد ، يجعلها أصلين أو أكثر . وسترى أن الحق يوافق ابن فارس غالباً .
أما الخليل فلم يتبنَّ منهج الراغب ولا ابن فارس في إرجاع فروع الكلمة الى جذر واحد ، بل اختار أن يذكرمعاني الكلمة واستعمالاتها ، وقلَّما ذكر مصدر اشتقاقها . فمن وَفْرَة عقله أنه نأى بنفسه عن التخمين والظنون ، لأن الله وحده يعلم خريطة نشوء اللغة وتكونها ، وكيف وضع الإنسان ألفاظها بإلهام ربه عبر مئات السنين ، وأي كلمة وضعها أولاً ، ثم وضع الثانية في ضوئها ، أو وضعها مستقلة ، فجاءت تُشبه الأولى في حروفها . . الخ .
ونعرف قيمة منهج الخليل رحمه الله في التحفظ عن الحكم في تجذير الألفاظ ، عندما نواجه أودية الظنون التي وقع فيها علماء اللغة وعلماء الأصول ! يقول الآخوند الخراساني رحمه الله وهو قمة في مباحث الأصول اللفظية ، في كتابه الكفاية :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 12 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
« الوضع هو نحوُ اختصاصٍ لِلَّفظ بالمعنى وارتباطٍ خاصٍّ بينهما ، ناشئٍ من تخصيصه به تارة ، ومن كثرة استعماله فيه أخرى . وبهذا المعنى صح تقسيمه إلى التعييني والتعيني ، كما لا يخفى .
ثم إن الملحوظ حال الوضع إما يكون معنى عاماً فيوضع اللفظ له تارةً ولأفراده ومصاديقه أخرى ، وإما يكون معنى خاصاً لا يكاد يصح إلا وضع اللفظ له دون العام ، فتكون الأقسام ثلاثة . وذلك لأن العام يصلح لأن يكون آلة للحاظ أفراده ومصاديقه بما هو كذلك فإنه من وجوهها ، ومعرفة وجه الشئ معرفته بوجه ، بخلاف الخاص فإنه بما هو خاص لايكون وجهاً للعام ولا لسائر الأفراد ، فلا يكون معرفته وتصوره معرفة له ولا لها أصلاً ولو بوجه ، نعم ربما يوجب تصوره تصور العام بنفسه فيوضع له اللفظ فيكون الوضع عاماً كما كان الموضوع له عاماً » . انتهى .
لكن عن أي وضعٍ يتحدث هذا المرجع الجليل ، وهل الموضوع شخصٌ مكلفٌ بوضع لغة وكيف سيعمل؟ إن الموضوع : كيف تم الوضع ، من يوم عَلَّمَ الله اللغة لآدم وحواء عليهما السلام ، وأنزل بها صحائف يقرآنها ويورثانها لأبنائهما ، ثم تكامل الوضع مع العصور الى يومنا هذا ؟ !
وإذا عجزنا عن تكوين تصور علمي لولادة اللغة ، فلا يبقى لنا من مسائل وضع ألفاظها إلا أقل القليل ! إن لُبَّ المسألة في : عَلَّمَهُ الْبَيَان . و : اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ . فكيف يصح أن نفترض صيغة ظنية لولادة الكلمة ، ونجعلها محوراً لبحثنا !
إني كلما تأملت في ألفاظ اللغة ، وعلاقتها بمعانيها وببعضها ، كلما أكبرت عقلية المرجع االميرزا حسين النائيني قدس سره فهو الوحيد الذي اكتشف حقيقة وضع ألفاظ اللغات .
قال رحمه الله في أجود التقريرات « 1/12 » : « اختلف العلماء في أن دلالة الألفاظ هل هي ذاتية محضة ، أم جعلية صرفة ، أو بهما معاً؟ والحق هو الثالث ، فإنا نقطع بحسب التواريخ التي بأيدينا أنه ليس هناك شخص أو جماعة وضعوا الألفاظ المتكثرة في لغة واحدة لمعانيها التي تدل عليها ، فضلاً عن سائر اللغات .
كما أنا نرى وجداناً عدم الدلالة الذاتية بحيث يفهم كل شخص من كل لفظ معناه المختص به ، بل الله تبارك وتعالى هو الواضع الحكيم ، جعل لكل معنى لفظاً مخصوصاً ، باعتبار مناسبة بينهما ، مجهولة عندنا . وَجَعْلُهُ تبارك وتعالى هذا واسطةٌ بين جعل الأحكام الشرعية المحتاج إيصالها إلى إرسال رسل وإنزال كتب ، وجعل الأمور التكوينية التي جبل الإنسان على إدراكها كحدوث العطش عند احتياج المعدة إلى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 13 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الماء ، ونحو ذلك . فالوضع جعلٌ متوسطٌ بينهما ، لا تكويني محض حتى لا يحتاج إلى أمر آخر ، ولا تشريعي صرف حتى يحتاج إلى تبليغ نبي أو وصي ، بل يلهم الله تبارك وتعالى عباده على اختلافهم كل طائفة بالتكلم بلفظ مخصوص عند إرادة معنى خاص .
ومما يؤكد المطلب أنا لو فرضنا جماعة أرادوا إحداث ألفاظ جديدة بقدر ألفاظ أي لغة ، لما قدروا عليه ، فما ظنك بشخص واحد . مضافاً إلى كثرة المعاني التي يتعذر تصورها من شخص ، أو أشخاص متعددة . ومنه ظهر أن حقيقة الوضع هو التخصيص والجعل الإلهي ، والتعبير عنه بالتعهد والإلتزام ، مما لا محصل له » .
ورحم الله الخليل ما أوفر عقله ، وغفرالله للغويين والأصوليين الذين بنوا صروحاً في نظريات الوضع على افتراضات أوظنون !
اللغويون عيالٌ على الخليل الفراهيدي
جعل علي عليه السلام جميع علماء النحو عيالاً على أبي الأسود الدؤلي الكناني ، عندما كتب أصول علم النحو في صحيفة وأعطاه إياها ، وعلمه أن يُفَرِّع عليها ، وقال له : أُنْحُ هذا النحو ، فسُمِّيَ علم النحو .
وكان في الصحيفة : « الكلام ثلاثة أشياء : إسمٌ وفعلٌ وحرفٌ جاء لمعنى ، فالإسم ما أنبأ عن المسمى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى ، والحرف ما أوجد معنى في غيره » . وكان أبو الأسود يُفَرِّعُ عليها ويراجع أمير المؤمنين عليه السلام فيوجهه ، حتى استكمل وضع علم النحو . قال الزجاج : أخذه عنه عتبة ، ثم ابن أبي إسحق ، ثم عيسى ، ثم الخليل ، ثم سيبويه ، ثم الأخفش ، ثم المازني ، ثم المبرد ، ثم أبو بكر بن السراج ، ثم أبو علي الفارسي ، ثم علي بن عيسى ، ثم الحسن بن حمدان ، ثم أحمد بن يعقوب . « راجع : سبب وضع علم العربية/34 ، وتاريخ الخلفاء /141 ، للسيوطي » .
ثم جاء الإمام محمد الباقر عليه السلام فجعل علماء اللغة عيالاً على الخليل بن أحمد ، فهو نابغة عصره ، ومَن جاء بعده عيالٌ عليه ، فهو أستاذ سيبويه ، وواضع علم العروض ، ومؤلف كتاب العين ، أول كتب اللغة وأهمها .
روى في مناقب آل أبي طالب « 1/326 » عن تاريخ البلاذري ، أن علم العروض خرج من دار علي عليه السلام قال : « ومنهم العروضيون ومن داره خرجت العروض . رويَ أن الخليل بن أحمد أخذ رسم العروض عن رجل من أصحاب محمد الباقر ، أو علي بن الحسين عليهم السلام ، فوضع لذلك أصولاً » . ورواه في شرح إحقاق
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 14 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الحق « 12/169 » عن الحافظ أبي حاتم أحمد بن حمدان الرازي ، في كتابه : الزينة في الكلمات الإسلامية العربية/80 ، طبعة القاهرة . قال : « كان الخليل بن أحمد أول من استخرج العروض ، فاستنبط منها ومن علل النحو ما لم يستخرجه أحد ولم يسبق إلى مثله سابق . وسمعت بعض أهل العلم يذكر أن الخليل بن أحمد أخذ رسم العروض عن رجل من أصحاب محمد بن علي ، أو من أصحاب علي بن الحسين ، فوضع له أصولاً ، وقسَّم الشعر ضروباً وسمَّاه بها ، وجعل لتلك الأقسام دوائر وأسطراً ، وبناه على الساكن والمتحرك من أحرف الكلمة والخفيف والثقيل . فكل كلمة فيها حرف متحرك وحرف ساكن سماه سبباً . . إلخ » .
وقال في صبح الأعشى « 1/478 » : « أول من عمل العروض الخليل بن أحمد ، وهو أول من ضبط اللغة مرتبة على حروف المعجم ، صنف كتابه : العين » .
وقال في معجم الأدباء « 3/300 » : « وكان سفيان الثوري يقول : من أحب أن ينظر إلى رجل خُلق من الذهب والمسك ، فلينظر إلى الخليل بن أحمد ! ويروى عن النضر بن شُمَّيْل أنه قال : ما رأيت رجلاً أعلم بالسنة بعد ابن عون من الخليل بن أحمد . أكلتُ الدنيا بعلم الخليل وكتبه ، وهو في خُصٍّ لا يشعر به » .
وتدل شهادة سفيان الثوري على أن الخليل ملك إعجابه بدرجة عالية . ويدل قول تلميذه ابن شُمَّيل على أنه كان يأخذ كتب الخليل ويبيعها إلى الخليفة والوزراء ، والخليل يعيش في كوخ في البصرة ، ولايعرف ما يفعل ابن شميل !
لكن الخليل كان يعرف ، وكان يريد نشركتبه بواسطة الخليفة والمسؤولين ، ولو قبض ثمنها ابن شميل ، وكان يريد أن يبقى بعيداً عن تناول أموالهم ، يتنعم بعيش الفقراء ، ويملأ الدنيا بعلمه !
وفي أعيان الشيعة « 6/337 » : « إن الخليل كان من أزهد الناس وأرفعهم نفساً ، وكان الملوك يقصدونه ويبذلون له فلا يقبل » . وكان الخليل يداري في تشيعه ، ويروي عن أيوب السختياني ، وسفيان الثوري تلميذي الإمام الصادق عليه السلام ، فقد كانا يعيشان معه في البصرة . وقد روى عنه علماء السنة ، عن سفيان ، عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، حديث فلسفة الحج ، وسبب جعل الموقف وراء الحرم . « تهذيب الكمال : 5/93 » .
وفي الذريعة « 15/364 » : « ذكر في العين عدد أبنية كلام العرب المهمل والمستعمل على مراتبها الأربع ، من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي ، من غير تكرار ، في اثني عشر ألف ألف وثلاث مأة وخمسة آلاف وأربع مأة وستة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 15 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فالثنائي سبع مأة وستة وخمسون . والثلاثي تسعة عشر ألف وست مأة وخمسون . والرباعي أربع مأة ألف وأحد وتسعون ألف وأربع مأة . والخماسي أحد عشرألف ألف وسبع مأة وثلاثة وتسعون ألف وست مأة » .
و قال العلامة الحلي في الخلاصة/140 : « كان أفضل الناس في الأدب ، وقوله حجة فيه . واخترع علم العروض . وفضله أشهر من أن يذكر . وكان إماميَّ المذهب » .
أقول : استفاد الراغب من كتاب العين ، ومن كتب الخليل الأخرى ، ونسب اليه أقواله في نحو ثلاثين مورداً فقط ، فلا يردُ عليه كبير إشكال . لكن أخذ كثيراً من ابن فارس ، ثم من الجوهري ، ولم ينسب اليهما ، وهذا يوجب اتهامه بنقص أمانته العلمية .
نَمَّى الله اللغة العربية ليخاطب بها الناس
من آيات الله تعالى التي يخشع لها الباحث المنصف : أنه جعل العرب لقرونٍ طويلة يعشقون لغتهم عشقاً عجيباً ، فنَضَّجُوها وطوَّروها ، حتى صارت صالحة لأن يُنزل بها كتابه عز وجل ، ويكلم بها عباده .
إن اللغة تتكون تلبيةً لحاجة مجتمعها فيضعون اللفظ عند حاجتهم الى التعبير عن معنى ، فهناك تناسب بين ألفاظ اللغة وحاجة ذلك المجتمع ، إلا في اللغة العربية فهي استثناءٌ ، لأن العرب لم يكن له حاجات بحجم هذه الثروة من الألفاظ ، فهم مجتمع صحراوي أو زراعي أو تجاري ، لكن لغتهم شجرةٌ عملاقةٌ بين لغات العالم !
وهذا يعني أن الإرادة الغيبية تدخلت وأعدت اللغة العربية لينزل بها القرآن ! وقد دهش المستشرقون لشدة اهتمام العرب بلغتهم ، فقال فيليب حِتِّي « مجلة البيان : 204/9 » : « والعرب لم يبدعوا أن ينشئوا فناً عظيماً خاصاً بهم ، من الفنون المعروفة ، ولكنهم عبروا عن الغريزة الفنية بصورة واحدة هي الكلام . فإن فاخَرَ الإغريقي بما عنده من تماثيل الفن ومنشآت هندسة البناء ، فالعربي يرى قصيدته أفضل ما يعبر عن خلجاته الداخلية » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 16 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تأصيل النبي صلى الله عليه وآله قومية اللغة بدل قومية النسب !
بعد انتصاره على قريش ودخوله مكة أعلن النبي صلى الله عليه وآله أن العروبة باللغة العربية وليس بالنسب !
قال الإمام محمد الباقر عليه السلام « الكافي : 8/246 » : « صعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر يوم فتح مكة فقال : أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها ، ألا إنكم من آدم وآدم من طين ، ألا إن خير عباد الله عبدٌ اتقاه ، إن العربية ليست بأبٍ والد ، ولكنها لسانٌ ناطقٌ ، فمن قصر به عمله لم يبلغه حسبه . ألا إن كان دم كان في الجاهلية أو إحنة ، فهي تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة » .
وفي رواية تفسير القمي « 2/94 » : « إن العربية ليست بأب وجد ، وإنما هي لسان ناطق ، فمن تكلم به فهو عربي » .
ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وآله كل مسلم عربياً ، وحصر المولى بالمحارب الذي أخذ أسيراً .
قال الإمام الباقر عليه السلام : « من ولد في الاسلام فهو عربي ، ومن دخل فيه طوعاً أفضل ممن دخل فيه كرهاً ، والمولى هو الذي يؤخذ أسيراً من أرضه ويسلم ، فذلك المولى » . « معاني الأخبار للصدوق/44 » .
وقد تبنى أهل البيت عليهم السلام هذا المبدأ النبوي ، لكن الحكومات القرشية غيبته إلا في النادر كالذي رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق « 21 /407 » عن الزهري ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « يا أيها الناس إن الرب واحد والأب واحد ، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم ، وإنما هي اللسان ، فمن تكلم بالعربية فهو عربي » .
وهذا التشريع لا يلغي أحكام الأنساب والأرحام ، بل يلغي التعصب القومي الذي عانت منه المجتمعات ، ويضع العصبة للغة العربية بدل العصبة للقومية ، فهو مبدأٌ يحل مشكلة التعصبات و يكرم اللغة العربية وثقافتها تكريماً عظيماً !
قال الإمام الصادق عليه السلام « الخصال/258 » : « تعلموا العربية ، فإنها كلام الله الذي يكلم به خلقه » .
وقوله عليه السلام : « يُكلم به خلقه » يدل على استمرار تكليمه تعالى للخلق بالقرآن . وهذا خارج موضوعنا .
أمثلة من أخطاء الراغب
سترى في الكتاب المئات من أخطائه ، وهذا فهرس لعدد منها :
1 . قال في مادة أتى : « الإتيان : مجئٌ بسهولة » ولم يقله لغوي ، ولا عليه شاهد من كلام العرب . فالسهولة أو العنف قد تُفهم من نفس الآتي ، أو الآتي به ، أو المأتي به ، أو الظرف ، كما فهم في قوله تعـالى : مَا تَذَرُ مِنْ شَيْئٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيم ، من الريح ، وليس من نفس الإتيان .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 17 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 . قال إن تعبير : آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ، يدل على أنهم قبلوه وآمنوا به . لكن الصحيح أنه استعمل فيمن لم يقبلوه ولم يؤمنوا به وحرفوه ، في قوله تعالى : الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ أَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ .
3 . فسر الماء الأُجَاج بأنه شديد الحرارة ، من قولهم أجيج النار ، مع أنه المالح المر !
4 . جعل أرَبَّ الرجلُ مالَه ، من الإرْبَة ، بمعنى صار له به حاجة ، بينما هو من : ربَّه وأربَّه ، أي رَبَّاه ونَمَّاه .
5 . خلط بين الإدام وآدم ، وفسر يؤدم في حديث : لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ، بأنه من الأدمة ، مع أن معناه : يوفق بينكما كما وُفِّق بين الخبز والإدام ، فهو من الإدام ليس من الأدمة .
هذا وكنا أوردنا أكثر من 200 مورد من أخطائه لكن رجحنا في هذه الطبعة حذفها حتى لايتضخم الكتاب .
الراغب الأصفهاني وابن فارس
ابن فارس أكثر من أخذ الراغب من كتبه ، لكن لا يُعلم أنه أدركه . قال الحموي في معجم الأدباء « 4/80 » عن ابن فارس : « كان الصاحب بن عباد يكرمه ويتتلمذ له ويقول : شيخنا أبو الحسين ممن رزق حسن التصنيف وأُمِنَ فيه في التصحيف . وله من التصانيف : كتاب المجمل ، وكتاب متخير الألفاظ ، كتاب فقه اللغة ، كتاب غريب إعراب القرآن . . كتاب مقاييس اللغة ، وهو كتاب جليل لم يصنف مثله » .
وروى عنه الصدوق « كمال الدين : 2/453 » وذكر أنه استبصر في آخر عمره . وترجم له الطوسي . « الفهرست/83 » .
وكان أهم مرجعين في اللغة الى عصر ابن فارس : العين للخليل ، والجمهرة لابن دريد ، ثم رجع العلماء الى مجمل اللغة لابن فارس بعد ظهوره ، ودرَّسوه لتلاميذهم ، واستجازوا روايته من مؤلفه ، كما ترى في إجازة العلامة لآل زهرة .
ولم يكن لمفردات الراغب ذكرٌ طول هذه القرون ، حتى جاء الفيروزآبادي صاحب القاموس فشهره في القرن الحادي عشر . لاحظ : مجموع النووي : 9/98 ، وأنساب السمعاني : 2/406 ، والسرائر لابن إدريس : 3/92 .
قال الداودي في مقدمة المفردات : « اعتمد الراغب على مؤلفات العلماء قبله ، فبحث فيها وناقش أصحابها ، وارتضى أقوالاًورد أخرى ، وأهم هذه المصادر : كتاب المجمل في اللغة لابن فارس . ويبدو أن الراغب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 18 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قد اعتمد عليه كثيراً ، مع أنه لم يذكره باسمه ، ويتضح ذلك من نفس ترتيب الكتاب ، والتشابه الكبير في العبارة ، وربما ينقل عنه حرفياً ، والموافقة في الأبيات الشعرية . . أنظر مثلاً مادة : أبَّ ، أسَّ ، جَنَفَ ، خَصَفَ ، رَكَزَ ، سَجَلَ ، صَفَدَ ، تجد تقارباً تاماً في العبارات ، إلا أن الراغب اختصر ، وقلل الأبيات الشعرية » .
ثم ذكر الداودي عشرين مصدراً أخذ منها الراغب ، وفاتَهُ أن الراغب ألقى بكَلِّهِ على كتابي ابن فارس : المجمل والمقاييس ، وكتاب العين للخليل ، والصحاح للجوهري ، فأخذ منها فقرات وعبارات تامة ، ولم يذكر مصدرها ، فصار من المؤلفين الذين لا ينسبون جهد غيرهم الى صاحبه !
الهوية الشخصية للراغب الأصفهاني
هو الحسين بن محمد بن المفضل ، المعروف بالراغب الأصفهاني . ولد في أصفهان وتوفي فيها . ولم أجد نصاً معتمداً يدل على أنه خرج من إيران حتى الى الحج ، فقد غلب عليه حب العزلة والتصوف .
وهو لغوي موسوعي ، اشتهر بمؤلفه مفردات ألفاظ القرآن ، ثم بكتابه المحاضرات ، في بضعة عشرمجلداً .
وَعَدَّهُ بعض علمائنا شيعياً ، كالسيد الأمين ، قال في أعيان الشيعة « 6/160 » : « الشيخ الإمام الراغب أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل بن محمد الأصفهاني ، العالم الفاضل الأديب المفسراللغوي المتكلم الحكيم الصوفي ، المعروف بالراغب الأصفهاني ، كان من مشاهير حكماء الإسلام . .
اختلف في كونه شيعياً فالعامة صرحوا بكونه معتزلياً ، وبعض الخاصة صرح بذلك ، ولكن الشيخ حسن بن علي الطبرسي قد صرح في آخر كتاب أسرار الإمامة بأنه كان من حكماء الشيعة . ثم استشهد السيد الأمين على تشيعه بكثرة روايته في كتبه عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وتعبيره عن علي دون غيره بأمير المؤمنين ، وروايته عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله قال : إن خليلي ووزيري وخليفتي ، وخير من أترك من بعدي ، يقضي ديني وينجز موعدي ، علي بن أبي طالب » . ثم استشهد برواية الراغب لعدد من نصوص الوصية لعلي عليه السلام ، وأن غيره لايستحق الخلافة . « راجع : اليقين لابن طاووس/523 ، ومحاضرات الراغب : 2/213 » .
لكن السيوطي قال في بغية الوعاة « 2/297 » : « الراغب صاحب المصنفات ، كان في أوائل المائة الخامسة . له : مفردات القرآن وأفانين البلاغة والمحاضرات . وقفت على الثلاثة . وقد كان في ظني أن الراغب معتزلي حتى رأيت بخط الشيخ بدر الدين الزركشي على ظهر نسخة من القواعد الصغرى لابن عبد السلام ما نصه : ذكر الإمام فخر الدين الرازي في تأسيس التقديس في الأصول أن أبا القاسم الراغب من أئمة السنة ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 19 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقرنه بالغزالي . قال : وهي فائدة حسنة ، فإن كثيراً من الناس يظنون أنه معتزلي » .
ونقل الداودي في مقدمة المفردات عن رسالة الراغب في الإعتقاد/52 ، أنه مدح فيها الشيخين ، ونص على ضلال فرقة الشيعة لأنها حسب تعبيره : « تظهر موالاة أمير المؤمنين ، وبها إضلال المؤمنين ، يتوصلون بمدحه وإظهار محبته إلى ذم الصحابة وأزواج النبي رضي الله عنهم . . الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة ، الذين اقتدوا بالصحابة » .
فتبين أن الراغب سنيٌّ منفتحٌ على التشيع ، والظاهر أنه صوفيٌّ يعيش حالات تسنن وحالات تشيع ، وأنه كان يراعي أهل عصره حيث عاش في أواخر الدولة البويهية ، وأدرك الوزير الشيعي الأديب واللغوي المشهور الصاحب بن عَبَّاد لكنه كان صغيراً فلم يدرس عنده ودرس عند تلاميذه ، ومنهم علماء كبارٌ .
قال الحموي في معجم الأدباء « 6/171 » : « والصاحب : مع شهرته بالعلوم وأخذه من كل فن منها بالنصيب الوافر والحظ الزائد الظاهر ، وما أوتيه من الفصاحة ، ووفق لحسن السياسة والرجاحة ، مستغنٍ عن الوصف ، مكتفٍ عن الإخبار عنه والرصف . . فذكره الثعالبي قال : واحتفَّ به من نجوم الأرض ، وأفراد العصر ، وأبناء الفضل ، وفرسان الشعر ، من يَرْبَى عددهم على شعراء الرشيد ، ولايقصرون عنهم في الأخذ برقاب القوافي ، وملك رِقَّ المعاني » .
ثم اتصل الراغب بالوزير الشيعي الضبي ، الذي قال عنه في الوافي « 6/129 » : « الوزير أحمد بن إبراهيم الوزير الضبي أبو العباس ، الملقب بالكافي الأوحد ، الوزير بعد الصاحب بن عباد لفخر الدولة بن أبي الحسن علي بن ركن الدولة بُويَه ، توفي في صفر سنة تسع وتسعين وثلاث مائة . ذكره الثعالبي قال : هو جذوة من نار الصاحب أبي القاسم ، ونهر من بحره ، وخليفته النائب منابه في حياته ، القائم مقامه بعد وفاته » .
وقال الذهبي في تاريخه « 20/295 » : « إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن المدبر ، الوزير أبو إسحاق الضَّبِّي ، الكاتب الأديب الشاعر . كان أحد من جمع بين الرياسة والأدب والبلاغة . كان جليلاً عالماً ، ليس في الكُتَّاب من يدانيه » .
وقد ألف الراغب للوزير الضبي كتاباً ، سماه كما في مقدمة المفردات للداودي/9 : تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين . وقد طبع مرات منها طبعة دار الغرب الإسلامي بمصر ، بتحقيق الدكتور عبد المجيد النجار .
وقال الداودي : « ذكر في كتاب مراتب العلوم ما نصه : لكن طال تعجبي في ذلك من الشيخ الفاضل حرسه الله ، لأمور رأيتها منه طريفة : أحدها إنكاره عليَّ التفوه بلفظ القوة ، اعتلالاً بأن هذه اللفظة يستعملها ذووا الفلسفة ، وأن أقول بدله : القدرة ، كأنه لم يعلم ما بينهما من الفرق في تعارف عوام الناس
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 20 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فضلاً عن خواصهم . ثم ما كان من إبهاماته وتعريضاته بل تصريحاته ، تنفق منه على أشياعه وأتباعه بالوضع مني والغض مني ، وازدياده بعد المقال مقالاً لما رأى مني في مجاوبته جملاً ثقالاً ، ولم أكن أرى بأساً وضيراً في احتمال شيخ كريم عليَّ بما لا يعود بمعاب في الحقيقة عليَّ !
وكلامه هذا يوحي بأنه اختلف مع الوزير ، وأن أتباع الوزير آذوه ، ولم يسكت له ، فلعل هذا أدى إلى سجنه » .
أقول : رأيت كتابه تفصيل النشأتين ، وهو مختصر في الأخلاق والعقائد ، على نمط كتب الفلاسفة . وهو يستشهد فيه كثيراً بكلام منسوب الى أمير المؤمنين عليه السلام لأنه ألفه لرئيس وزراء شيعي . ومعناه أنه كان مؤلِّفاً في حياة الضبي ، ثم اختلف معه ، وقد توفي الضبي سنة 399 . وهذا يضعِّف قولهم إن الراغب مات سنة 502 ، فالمرجح أنه مات سنة أربع مئة وكسراً . ولم نعرف سبب سجن الوزير له ، وما ذكره من اعتراض الوزير عليه لتعابيره الفلسفية ليس سبباً كافياً لسجنه ، فلعل السبب سلوكه مع الوزير وجماعته ، أو سلوكه الشخصي .
أستاذ الراغب أبو منصور الجبَّان
يظهرأن أستاذ الراغب الأساسي : أبو منصور الجبان ، محمد بن علي بن عمر . فقد ذكروا في ترجمته أنه إمام مشهور في الحديث واللغة ، وأنه كان حياً سنة 416 .
قال الداودي في مقدمة المفردات : « والظاهرأن المؤلف كان مغموراً يحبُّ الخمول كما يتضح لنا من شعره . لكن الذي يغلب على ظني ويترجح عندي أنه قرأ العربية على أبي منصور الجبان ، وإسمه محمد بن علي بن عمر ، قال عنه ياقوت : أحد حسنات الري وعلمائها الأعيان ، جيد المعرفة باللغة ، باقِعَةُ الوقت ، وفَرد الدَّهر ، وبحر العلم . . صنف كتاب الشامل في اللغة ، كثَّر فيه الألفاظ اللغوية ، قليل الشواهد ، فهو في غاية الإفادة من حيث الكثرة . وله أيضاً كتاب كبير سماه لسان العرب ، استوفى فيه اللغة غاية إمكانه ، لكنه مات قبل إخراجه من المسودة » .
وقال القفطي في إنباه الرواة « 4/176 » : « وهو إمام في اللغة مبرز في زمانه . وقد كان الصاحب كافي الكفاة يُعزه ويُجِلَّه ، ويعلم مقداره ويقرب داره . وحضر أبو منصور الجبان في مجلس علاء الدولة بن فخر الدولة ابن بويه ، وفي المجلس أبو علي بن سينا الرئيس ، وهو يومئذ وزير لعلاء الدولة ، وجرى فصل من اللغة ، تكلم فيه الرئيس ابن سينا ، فقال له أبو منصور : أنت منطيقي ما نعارضك ، وكلامك في لغة العرب ما نرضاه ! فسكت أبو علي خجلاً ، وبعد انفصاله من المجلس نظر في اللغة وتبحر فيها ، وعمل رسائل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 21 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أودعها نوعاً متوفراً من اللغة . وسأل علاء الدولة ابن الجبان عما تضمنه من الغريب ، فعلِمَ بعضه وأنكر بعضاً ، فقال أبو علي : الكلمة الفلانية معناها كذا ، وهي مذكورة في الكتاب الفلاني . . وشرح جميعها ، وأحال على الأصول ، فخجل أبو منصور بن الجبان وفطن لما فعله ابن سينا ، واعتذر إليه اعتذاراً طويلاً » .
وقال في الوافي « 4/128 » : محمد بن علي بن عمر بن الجبان أبو منصور اللغوي ، من أهل الري ، سكن بأصبهان وكان إماماً في اللغة ، وله مصنفات حسنة في الأدب . قدم بغداد سنة إحدى وتسعين وثلاث مائة ، وروى بها كتاب انتهاز الفرص في تبيين المقلوب من كلام العرب ، من تصنيفه ، قرأه عليه عبد الواحد بن علي بن برهان الأسدي ورواه عنه ، وقرئ عليه مسند الروياني ، وتكلموا فيه من قبل مذهبه ، كذا قاله ابن النجار . قلت : لعله كان معتزلياً . وكان ينخرط في سلك ندماء الصاحب بن عباد ، ثم استوحش من خدمته ، وتمادت به أحوال شتى حتى علق غلاماً من الديلم يقال له البركاني ، واتفق للغلام أنه أحرم بالحج ولم يجد هو بداً من موافقته ومرافقته ، حتى بلغا الميقات ، فلما أخذ في التلبية قال : لبيك اللهم لبيك ، والبركاني ساقني إليك ! وكان يواصل إنشاد هذين البيتين :
يا مليحُ الدَّلِّ والغَنَجِ لكَ سُلْطَانٌ على المُهَجِ
إن بيتاً أنتَ ساكنُهُ غيرُ محتــاجٍ إلى السُّـرُجِ
وقال في الوافي « 8/5 » : قال الصاحب ابن عباد : فاز بالعلم من أصبهان ثلاثة : حائك ، وحلاج ، وإسكاف ! فالحائك هو المرزوقي ، والحلاج أبو منصور بن ماشذه « يقصد ابن الجبان » ، والإسكاف أبو عبد الله الخطيب بالري ، صاحب التصانيف في اللغة ، كان معلم أولاد بني بويه بأصبهان .
ولعل الصاحب أبعد ابن الجبان لافتضاحه !
سبب كتابة هذه الملاحظات النقدية
1 . سألني بعض الأصدقاء : لماذا تُنفق من وقتك على اللغة ، أليست بحوث سيرة المعصومين عليهم السلام أولى بوقتك؟ فذكَّرته بأهمية اللغة في عقائدنا ، وأن مشكلة المسلمين في اختلافاتهم : التعسف في مفردات اللغة !
وأحمد الله تعالى أن النقد اللغوي لا يأخذ مني جهداً كبيراً ، فقد أحببت اللغة العربية من نشأتي في قريتنا وكانت فيها أجواء أدبية ، ثم من دراستي عند أستاذي آية الله الشيخ إبراهيم سليمان رحمه الله وكانت أجواؤه فيها أدب وشعر ، و قد بدأت فيها بنظم الشعر صغيراً ، ثم هاجرت الى النجف ، واشتغلت باللغة العربية دراسةً وتدريساً وبحثاً ، ومشاركات في محافلها ، فأنا أعايش اللغة العربية من صغري وأتأمل فيها .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 22 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 . أذكر أني عندما كنت وكيل المرجعية الدينية في الكويت تعرفت على الدكتور عبد السلام هارون ، اللغوي المصـري المعروف ، وكان يزورنا في مكتبة المسجد ، ونتحدث في الأدب واللغة ، فيبدي إعجابه بخبرتي وآرائي فيها ، بل يسألني عن معنى بعض المفردات وأصولها . قال لي ذات يوم إنه تكلم مع أصدقائه في كلمة بَدْري ، وقال لهم : إن الذي يُطَلِّع أصل هذه الكلمة هو الشيخ علي ، قال : من أين جاءتنا في مصر؟ قلت له : من رواح الفلاحين الى الحقل مبكراً قبل الفجر والبدر موجود . قال : هذا هو .
3 . رأيت العلماء والطلاب في الحوزة العلمية بقم المشرفة يحترمون شخصيات علمية أكثر من حقهم ، وهم : الفخر الرازي ، والغزالي ، والراغب ، وابن عربي ، والحلاج . وبعضهم يبالغ في احترامهم ! فأحببت أن أصحح هذا الغلو ، فكتبت في الرازي والغزالي ، ثم كتبت نقد مفردات الراغب ، وقدرت أن نشره سيُغضب الذين تربوا على تجليله ، لكني رجوت أن يوجد من يعرفون قيمة عملي ، والحمد لله أني سمعت نقداً قليلاً وإعجاباً كثيراً ، وقد أوصل صديق بعض نسخه الى القاهرة فأعجبوا بها ، واتصل بي رئيس مجمع اللغة العربية الشيخ حسن الشافعي ، والدكتور عبد الرزاق شوشة ، وأبديا إعجابهما بالكتاب . قال الدكتور شوشة : شكراً لك يا أستاذ عاملي على هذا الأثر النفيس ، حفظك الله مصوباً للغة العربية . فأجبته : حفظ الله مصر وعلماءها ، وحفظ بهم اللغة العربية .
وكلمني الشيخ حسن الشافعي بالتلفون مادحاً الكتاب ، وهو أخ السياسي الناصري المعروف حسين الشافعي ، وطلب منه صديقنا أن يكتب مقدمة للطبعة الثانية فرحَّبَ ، ولما قرأت مقدمته المطولة فُجعت بها لأنها تدل على جهله باللغة العربية وأبعاد مفرداتها ، ولما عاتبت صديقي على تكليفه بكتابة مقدمة قال لي : نعم ، لك الحق ، وقد غرني منصبه « رئيس المجمع العلم العربي » والآن عرفت صحة ما يقال إنهم أعطوه هذا المنصب ترضيةً لأخيه وليس لكفاءته !
وقد حشر في مقدمته أحاديث عن شخصه وبعض أصدقائه ، فرأيتها لا تصلح للنشر في هذا الكتاب !
وقد بلغني إعجاب عدد من المثقفين المصريين بالكتاب كالدكتور شوشة ، وعدد من علماء النجف ، وأن المرجع السيد علي الحسيني السيستاني أبدى إعجابه به ومدحه ، وقال إن الراغب تنقصه الدقة ، وهذا من تعمقه في الفتوى واللغة .
وقد طلب مني بعض الإخوة توسيع الملاحظات في الطبعة الثانية ، وقد توفقت لتحقيق رغبتهم والحمد لله ، فنقحت الكتاب ، وأضفت فيه أكثر من مئة ملاحظة ، وتحقيقات جديدة عديدة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 23 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من لا يكون متخصصا في العربيةً لا يكون فقيهاً
ذلك أن العربية لغة الإسلام ، فلا بد للباحث والفقيه من معرفة قواعدها ، وفهم معانيها ، والخبرة بتراكيبها ، ليستطيع القول إن مقصود الله تعالى أو النبي صلى الله عليه وآله هو هذا ، فيبني عليه ويفتي به . فالإجتهاد يتوقف على استظهار المعنى من النص ، ولا يمكن الإستظهار إلا بفهم المقصود من النص فهماً يقينياً لا ظنياً .
وليس هذا انتقاصاً من الباحث والفقيه غير العربي ، لكن المسألة ليست بالبساطة التي يتصورها بعضهم ، فما لم تصبح اللغة الثانية أماً لك كلغتك ، أو خالةً ، فلا تعتبر نفسك متخصصاً فيها ، لأنك قد تعطي رأياً في لفظ وأبعاد معناه ، ثم يُلفتك بعض أبنائها الى أنك شطحتَ بعيداً ، وقد يكون شطحك مضحكاً !
لقد عشتُ في إيران نحو عشرين سنة ، واختلطت بالفرس وتكلمت بالفارسية وترجمت منها ، لكني لم أعش بين أهلها محضاً ، ولذلك لا أعدُّ نفسي صاحب خبيراً ، لأجزم دائماً بمداليل نصوصها .
إن كثيرين من غير العرب عاشوا في بلاد العرب ، فصارت العربية لغتهم الأم أو أمهم الثانية ، وصاروا مرجعاً في العربية للعرب ، كسيبويه والكسائي والزجاج والمبرد والفارسي ، وأكثر اللغويين والنحويين .
أما في عصرنا فقلَّ من علمائهم من عايش العربية بين أهلها ، ومنهم منصفون يرجعون الى الخبير بها فيسألونه عن معنى هذه العبارة ، وهذه الكلمة عند العرب ، يسألونك مثلاً عن اليوم هل هو من طلوع الشمس أو من طلوع الفجر الى غروب الشمس؟ وتترتب عليه أحكام في الصوم ، وعدة الطلاق ، وأحكام السفر ، والعقود الموقتة بالأيام .
ويسألون مثلاً عن قوله تعالى : وَأَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِي . هل المقصود : أقم الصلاة لأجل ذكر الله تعالى ، أو أقم الصلاة التي نِمْتَ عنها أو نسيتها عندما تذكرها . أو أنها تشمل المعنيين؟ وتترتب عليه أحكام كذلك .
لكنَّ المشكلة فيمن يرى أنه أخبرُ بالعربية من أهلها ، فتراه يأخذ بأول معنى يَعِنُّ له ، ويجادلك فيه ، ولايقنع بفهمك لمعنى اللفظ ، ولا باستعمال العرب له ، كأنه هو واضع اللغة ووليها !
لهذا ، كان من الضروري لمن أراد التخصص بالعربية أن يعيش فترة كافية بين أهلها ، وقد رأيتُ أن الراغب لم يستوف هذا الشرط فكثرت أخطاؤه ، فرجوت أن يكون تصحيح مفرداته ، قربةً الى الله تعالى ، وخدمةً لدينه وكتابه .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 24 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
نقاط حول عملنا في الكتاب
1 . نستطيع القول إن هذه النسخة أصح نسخ مفردات الراغب ، لأنا رجعنا الى المخطوطات والى مصادر اللغة التي أخذ منها الراغب . وقد ذكرنا ذلك أحياناً في محله .
2 . بعد العنوان الذي وضعه الراغب للمفردة ، أضفنا أهم عائلتها ، لتضئ على معناها ، فصار عنوان المفردة ثنائياً أو أكثر ، والكلمة الأولى المميزة بلونها للراغب والباقي أضفناه ، واكتفينا بهذا التنبيه عن وضعه بين قوسين .
3 . ذكرنا رقم الآية وسورتها في متن الراغب ، ولم نذكره في الملاحظات ، لئلا يتضخم حجم الكتاب .
4 . أضفنا الى النسخة عدد مفردات الراغب الأصلية في كل باب ، وعدد الملاحظات .
5 . لم يستوف الراغب في موارد عديدة استعمال المفردة في القرآن ، فاستوفينا ما فاته .
6 . أضفنا الآل أحياناً في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله ، والسلام على أئمة العترة النبوية عليهم السلام .
كتبه : العاملي في السادس من شهر ربيع المولد 1437
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 25 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مفردات ألفاظ القرآن
للشيخ أبي القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب الأصفهاني رحمه الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 26 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 27 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مقدمة الراغب الأصفهاني
بسـم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلواته على نبيه محمد وآله أجمعين .
قال الشيخ أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب رحمه الله : أسأل الله أن يجعل لنا من أنواره نوراً ، يرينا الخير والشر بصورتيهما ، ويعرفنا الحق والباطل بحقيقتيهما ، حتى نكون ممن يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ، ومن الموصوفين بقوله تعالى : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ، وبقوله : أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ . كنت قد ذكرت في الرسالة المنبهة على فوائد القرآن ، أن الله تعالى كما جعل النبوة بنبينا صلى الله عليه وآله مختتمة ، وجعل شرائعهم بشريعته من وجه منتسخة ، ومن وجه مكملة متممة ، كما قال تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً ، جعل كتابه المنزل عليه متضمناً ثمرة كتبه التي أولاها أوائل الأمم ، كما نبه عليه بقوله تعالى : يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً ، فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ . وجعل من معجزة هذا الكتاب أنه مع قلة الحجم متضمن للمعنى الجم ، بحيث تقصر الألباب البشرية عن إحصائه ، والآلات الدنيوية عن استيفائه ، كما نبه عليه بقوله تعالى : وَلَوْ أنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إن اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، وأشرت في كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة [الى] أن القرآن وإن كان لا يخلو الناظر فيه من نورٍ مّا يريه ، ونفعٍ مّا يوليه ، فإنه :
كالبـدر من حيثُ التفـتَّ رأيتَــهُ يُهـدي إلى عينيـك نوراً ثاقبـــا
كالشمس في كبد السماء وضوئها يَغشى البلادَ مَشارقاً ومغاربــا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 28 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لكن محاسن أنواره لا يثقفها إلا البصائر الجلية ، وأطايب ثمره لا يقطفها إلا الأيدي الزكية ، ومنافع شفائه لاينالها إلا النفوس النقية ، كما صرح تعالى به فقال في وصف متناوليه : إنهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ، لايَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ . وقال في وصف سامعيه : قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لايُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً .
وذكرتُ أنه كما لا تدخل الملائكة الحاملة للبركات بيتاً فيه صورةٌ أو كلبٌ ، كذلك لا تدخل السكينات الجالبة للبينات قلباً فيه كبرٌ وحِرْصٌ ، فالخبيثات للخبيثين ، والخبيثون للخبيثات ، والطيبات للطيبين ، والطيبون للطيبات .
ودللت في تلك الرسالة على كيفية اكتساب الزاد ، الذي يرقى كاسبه في درجات المعارف ، حتى يبلغ من معرفته أقصى ما في قوة البشر أن يدركه ، من الأحكام والحكم ، فيطلع من كتاب الله على ملكوت السماوات والأرض ، ويتحقق أن كلامه كما وصفه بقوله : مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَئٍْ .
جعلنا الله ممن تولى هدايته حتى يبلغه هذه المنزلة ، ويخوله هذه المكرمة ، فلن يهديه البشر من لم يهده الله كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله : إنكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ .
وذكرتُ أن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية . ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة ، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المُعاون لمن يريد أن يدرك معانيه ، كتحصيل اللِّبْن في كونه من أول المُعاون في بناء ما يريد أن يبنيه ، ليس ذلك نافعاً في علم القرآن فقط ، بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع ، فألفاظ القرآن هي لُبُّ كلام العرب وزُبدته ، وواسطته وكرائمه ، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم ، وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم . وما عداها وعدا الألفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها ، هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى ، بالإضافة إلى أطايب الثمرة ، وكالحثالة والتبن بالإضافة إلى لبوب الحنطة .
وقد استخرت الله تعالى في إملاء كتاب مستوفى ، فيه مفردات ألفاظ القرآن على حروف التهجي ، فنقدم ما أوله الألف ثم الباء ، على ترتيب حروف المعجم ، معتبراً فيه أوائل حروفه الأصلية دون الزوائد ، والإشارة فيه إلى المناسبات التي بين الألفاظ المستعارات منها والمشتقات ، حسبما يحتمل التوسع في هذا الكتاب ، وأحيل بالقوانين الدالة على تحقيق مناسبات الألفاظ على الرسالة التي عملتها مختصة بهذا الباب ، ففي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 29 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
اعتماد ما حررته من هذا النحو استغناء في بابه من [عن] المثبطات عن المسارعة في سبيل الخيرات ، وعن المسابقة إلى ما حثنا عليه بقوله تعالى : سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ، سهل الله علينا الطريق إليها .
وأُتْبِعُ هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ونسأ في الأجل ، بكتاب ينبئ عن تحقيق الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد ، وما بينها من الفروق الغامضة ، فبذلك يعرف اختصاص كل خبر بلفظ من الألفاظ المترادفة ، دون غيره من أخواته نحو ذكره القلب مرة ، والفؤاد مرة ، والصدر مرة . ونحو ذكره تعالى في عقب قصة : إن فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُــونَ ، وفي أخرى : لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ، وفي أخرى : لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ، وفي أخرى : لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ، وفي أخرى : لأُولِي الأَبْصَارِ ، وفي أخرى : لِذِي حِجْرٍ ، وفي أخرى : لأُولِي النُّهَى . ونحو ذلك مما يعده من لا يُحق الحق ويُبطل الباطل أنه باب واحد ، فيُقدر أنه إذا فسر الحمد لله بقوله الشكر لله ، لاريب فيه ، ولا شك فيه ، قد فسر القرآن ووفاه التبيان .
جعل الله لنا التوفيق رائداً ، والتقوى سائقاً ، ونفعنا بما أولانا ، وجعله لنا من معاون تحصيل الزاد ، المأمور به في قوله تعالى : وَتَزَوَّدُوا فَإن خَيْرَ الزَّادِ التقْوَى .
ملاحظات
تدل مقدمة الراغب على أن المفردات آخر مؤلفاته أو من أواخرها ، لأنه لم يؤلف ما وعد به إن نسئ في أجله . وهذا حُسْنٌ في الكتاب ، لأن أواخر مؤلفات العالم تتضمن خبرات عمره العلمية .
أما قوله في وصف العارف : « فيطلع من كتاب الله على ملكوت السماوات والأرض » فيدل على مذهبه العرفاني الفلسفي ، وهو مذهب مفرط يعطي للمتصوف درجات الأنبياء عليهم السلام ، ولايوافقه عليه علماء المسلمين .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 30 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كتاب الألف
أ
يشمل 77 مفردة و 74 ملاحظة
أبَا - أب - آباء - أبوة - أبوته - آبوه - أبتي - بابا- أبَوَا الأمة - أبوالأضياف
الأب : الوالد ، ويسمى كل من كان سبباً في إيجاد شئ أو إصلاحه أو ظهوره أباً ، ولذلك يسمى النبي صلى الله عليه وآله أبا المؤمنين ، قال الله تعـالى : النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ، وفي بعض القراءات : وهو أبٌ لهم . ورويَ أنه قال لعلي : أنا وأنت أبَوَا هذه الأمة . [وإلى هذا أشار بقوله : كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي] .
وقيل : أبو الأضياف لتفقده إياهم ، وأبو الحرب لمهيجها ، وأبو عذرتها لمفتضها . ويسمى العم مع الأب أبوين ، وكذلك الأم مع الأب ، وكذلك الجد مع الأب ، قال تعالى في قصة يعقوب : مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِداً . وإسماعيل لم يكن من آبائهم وإنما كان عمهم .
وسمي معلم الإنسان أباه لما تقدم ذكره ، وقد حمل قوله تعالى : وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ على ذلك ، أي علماءنا الذين ربَّوْنا بالعلم ، بدلالة قوله تعالى : رَبَّنَا إنا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا .
وقيل في قوله : أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ، إنه عنى الأب الذي ولده ، والمعلم الذي علمه . وقوله تعالى : مَا كَأن مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ، إنما هو نفي الولادة ، وتنبيهٌ [على] أن التبني لا يجرى مجرى البنوة الحقيقية .
وجمع الأب : آباء وأُبُوَّةٌ ، نحو بُعُولَةٌ وخَؤُولَة . وأصل أب : فَعَلَ ، وقد أجري مجرى قَفَا في قول الشاعر :
إن أباها وأباأباها
ويقال : أبَوْتُ القومَ أأبوهم : كنتُ لهم أباً ، وفلان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 31 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يأبو بُهْمَهُ ، أي يتفقدها تفقد الأب . وزادوا في النداء فيه تاء فقالوا : يا أبت . وقولهم : بأبأ الصبي ، فهو حكاية صوت الصبي إذا قال : بابا .
ملاحظات
1 . الوالد : الذي منه نطفة الولد ، والأب : أعم من الوالد والمربي والأستاذ ، وقد يعبرعنه بالوالد مجازاً . وآزر في قوله تعالى : وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَر ، هو عم إبراهيم عليه السلام ومربيه ، لأن إسم والده تارخ . ويدل على ذلك قوله تعالى : وَمَا كَأن اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِـدَةٍ وَعَدَهَـا إِيَّاهُ فَلما تَبَيَّنَ لَهُ إنهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ . فقـد كان استغفاره له في بابل ثم لم يستغفر له . ثم استغفر لوالديه غندما بنى الكعبة ، وليس لأبيه فقال : الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ . ربَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ . فالمتبرأ منه في بابل أبوه آزر ، والمستغفر له في أواخر عمره والده تارخ . « راجع الخصال : 318 » .
وقد استعمل القرآن أب ومشتقاتها في أكثر من مئة مورد ، وكلها تقصد المربي وقد يكون هو الوالد ، إلا إذا ثُنِّيت ودخلت معها الأم فتكون بمعنى الوالدين لاغير ، كقوله تعالى : وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ .
واستعمل القرآن الوالد مفرداً وجمعاً ثلاثاً وعشرين مرة . وقوله تعالى : أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ، لايشمل المعلم والمربي كما تصور بعضهم ، لأنه ليس والداً ، وإن لزم شكره بملاك آخر . ولعله لذلك قال الراغب : وقيل .
2 . قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : أنا وأنت أبوا هذه الأمة ، لأن النبي صلى الله عليه وآله مؤسس الأمة ، وعلي عليه السلام وزيره وعضده في جهاده ، وولي الأمة بعده . رواه الصدوق في أماليه بأسانيد/65 و411 و755 . وفي معاني الأخبار/118 : « قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : أنا وأنت أبوا هذه الأمة ، فلعن الله من عقنا . قل آمين ، فقلت : آمين » . وهي أبوة معنوية من نوع أبوة إبراهيم عليه السلام لأمتنا : مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ . وهي أعلى رتبةً من الأبوة الحقيقية .
وقد وضعنا قول الراغب : [وإلى هذا أشار بقوله : كل سبب ونسب ] بين قوسين ، لأنه لامعنى له هنا . فالنسب في أبوة النبي وعلي صلى الله عليهما للأمة مجازي ، وفي الحديث حقيقي ، وقد استشهد به عمر بن الخطاب لما خطب ابنة فاطمة الزهراء عليها السلام ، فاعتذر له علي عليه السلام بأنها لابن أخيه جعفر .
3 . قال الخليل في العين « 8419 » : « أبوت الرجل آبوه ، إذا كنت له أباً . ويقال في المثل : لا أباً لك كأنه يمدحه . والأبوة : الفعل من الأب كقولك : تأبيت أباً ، وتبنيت إبناً ، وتأممت أماً » .
أبَيَ - إباءً - تأبى - آبي - أبواء
الإباء : شدة الإمتناع ، فكل إباء امتناع وليس كل امتناع إباء . قـال تعالى : وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ، وقال : وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ ، وقال : أَبَى وَاسْتَكْبَرَ ، وقوله : إِلا إِبْلِيسَ أَبَى . ورويَ : كلكم في الجنة إلا من أبى . ومنه رجل أبيٌّ : ممتنع من تحمُّل الضيم . وأبيت الضَّيْرَ تأبى . وتيس آبي ، وعنز أبواء ، إذا أخذها من شرب ماء فيه بول الأروى داءٌ يمنعها من شرب الماء .
ملاحظات .
الإباء : مطلق الإمتناع ، وتفرد الراغب بتقييده بالشدة ، ولا يصح ، لأن العرب تقول : أبى إباءً شديداً ، فأصل الإباء أعم من الشديد . كما جعل الراغب الإمتناع أعم منه وقال : فكل إباء امتناع وليس كل امتناع إباء . ولا يصح ، لأن كل امتناع إباءٌ ، لكن الإمتناع يكون عند مقتضي الفعل من طلب أو استحقاق ، فيقال امتنع ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 32 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والإباء أعم من ذلك فقد يكون ابتداءً . كما أن الإمتناع فيه معنى الإستعصام ، والإباء ليس فيه معنى الرفض .
2 . قال الخليل « 8/419 » : « أبى فلان يأبى إباءً : أي ترك الطاعة ومال إلى المعصية ، قال الله عز وجل : فكذب وأبى . ووجهٌ آخر : كل من ترك أمراً ورده فقد أبى . ورجل أبيٌّ ذو إِبَاء ، وقوم أبِيُّونَ وأُباة » . وقال ابن فارس « 1/45 » : « تدل على الإمتناع . أبيت الشئ آباه . والإباء أن تعرض على الرجل الشئ فيأبى قبوله فتقول : ماهذا الإباء؟ بالضم والكسر . والأبية من الإبل : الصعبة » .
والصحيح : أن أبى بمعنى رفض ، سواء عُرض عليه الأمر أم لا . أما امتنع فلا يقال إلا في جواب العرض عليه . ومعنى : أبيت اللعن : أنه لا موضوع له عندك ولا سبب . وليس معناه أنه عرض عليه .
3 . وقول العرب : تَيْسٌ أبيٌّ ، من الوباء وليس من الإباء بمعنى الإمتناع ، ومعناه أصابه الوباء فصار أبياً أي وبياً . فالإباء لفظ مشترك بين الإمتناع وبين الإصابة بالوباء من شرب بول الأروى أي العنزة البرية ، أو شمه . قال الجوهري « 6/2259 » : « تيس آبى بيِّن الإباء ، إذا شم بول الأروى فمرض منه » .
4 . معنى حديث : كلكم في الجنة إلا من أبى ، أي عصى وعَمِلَ عَمَلَ من يأبى دخولها ، فهو إباء بالمآل . رواه أحمد « 2/361 » وغيره وصححوه . ورواه من علمائنا الصدوق في كمال الدين/250 من حديث قدسي فيه : « يا محمد لأدخلن جميع أمتك الجنة إلا من أبى فقلت : إلهي وأحدٌ يأبى من دخول الجنة؟ فأوحى الله عز وجل إلي : بلى فقلت : وكيف يأبى؟ فأوحى الله إلي : يا محمد اخترتك من خلقي ، واخترت لك وصياً من بعدك ، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدك ، وألقيت محبته في قلبك ، وجعلته أبالولدك ، فحقه بعدك على أمتك كحقك عليهم في حياتك ، فمن جحد حقه فقد جحد حقك ، ومن أبى أن يواليه فقد أبى أن يواليك ، ومن أبى أن يواليك فقد أبى أن يدخل الجنة ، فخررت لله عز وجل ساجداً شكراً لما أنعم علي . . الخ . » .
4 . استعمل القرآن مادة أبى بضع عشرة مرة ، في أن الله تعالى يأبى إلا أن يتم نوره ، وفي إباء السماوات والأرض والجبال أن يحملن الأمانة ، وفي إباء إبليس واستكباره عن السجود لآدم عليه السلام . وفي إباء الظالمين وأكثر الناس إلا كفوراً . وفي إباء أهل القرية تضييف الخضر وموسى عليهما السلام ، وفي وصف المشركين : يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ . وفي إباء فرعون : وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى .
أبَّ - أبّاً - إباباً - إبَّانَ
قوله تعالى : وَفَاكِهَةً وَأَبًّا . الأبُّ : المرعى المتهئ للرعي والجزّ ، من قولهم أبَّ لكذا أي تهيأ ، أبّاً وإبابةً وإباباً . وأبَّ إلى وطنه : إذا نزع إلى وطنه نزوعاً تهيأَ لقصده ، وكذا أبَّ لسيفه إذا تهيأ لِسَلِّه . وإبَّانَ ذلك : فِعْلانَ ، منه ، وهو الزمان المهيأ لفعله ومجيئه .
ملاحظات
الأبُّ : النبات الذي ترعاه الأنعام ، قال تعالى : وَفَاكِهَةً وَأَبّاً مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ . والمرعى : مكان الرعي ويطلق على نباته مجازاً ، فيصح تفسير الراغب للأب بالمرعى ، لكنه أعم من المتهئ للرعي وغيره . وقولهم : أبَّ الى وطنه ، وأبَّ الى سيفه كقولهم آب اليه ، بمعنى رجع اليه ، أو هب اليه بمعنى نهض مسرعاً .
قال ابن فارس « 1/6 » : « قال أبو إسحاق الزجاج : الأب جميع الكلأ الذي تعتلفه الماشية . . قال الخليل وابن دريد :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 33 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الأب مصدر أبَّ فلان إلى سيفه ، إذا رد يده إليه ليستله . . وقال الخليل وحده : أبَّ هذا الشئ إذا تهيأ واستقامت طريقته إبابةً . . والأب : القصد ، يقال أببت أبَّهُ وأممت أمه » . وقال ابن حجر في فتح الباري « 6/212 » : « وروى ابن جرير من طريق إبراهيم التيمي ، أن أبابكر الصديق سئل عن الأب فقال : أيُّ سماء تُظلني وأي أرض تُقلني إذا قلت في كتاب الله بغير علم . وعن عمر أنه قال : عرفنا الفاكهة فما الأب؟ ثم قال : إن هذا لهو التكلف » . وقال ابن حزم « 1/61 » : « ثبت عن الصديق أنه قال : أي أرض تقلني أو أي سماء تظلني » .
وروى المفيد في الإرشاد : 1/200 ، قول علي عليه السلام : « يا سبحان الله ، أما علم أن الأبَّ هو الكلأ والمرعى ، وأن قوله عز اسمه : وفاكهةً وأباً ، اعتدادٌ من الله سبحانه بإنعامه على خلقه فيما غذاهم به وخلقه لهم ولأنعامهم » .
أبَدٌ - آبد - أَبِيدٌ - آبدة - أوابد
قال تعالى : خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً . الأبد : عبارة عن مدة الزمان الممتد الذي لايتجزأ كما يتجزأ الزمان ، وذلك أنه يقال : زمانُ كذا ، ولا يقال أبدُ كذا . وكان حقه أن لا يثنى ولا يجمع ، إذ لا يتصورحصول أبدٍ آخر يُضم إليه فيثنى به ، لكن قيل آباد ، وذلك على حسب تخصيصه في بعض ما يتناوله ، كتخصيص إسم الجنس في بعضه ، ثم يثنى ويجمع . على أنه ذكر بعض الناس أن آباداً مولَّد ، وليس من كلام العرب العرباء .
وقيل : أبدٌ آبدٌ وأبيد ، أي دائمٌ ، وذلك على التأكيد . وتأبد الشئ : بقي أبداً ، ويعبر به عما يبقى مدة طويلة . والآبدة : البقرة الوحشية . والأوابد الوحشيات . وتأبَّد البعير : توحش فصار كالأوابد . وتأبد وجه فلان : توحَّشَ . وأبَّدَ كذلك ، وقد فسر بالغضب .
ملاحظات
1 . لا يصح تعريف الراغب للأبد ، بل هو الزمن الذي له بداية ، وله أربعة معان :
الأول : ما له بداية ويمتد مدة طويلة بدون خلود ، فيصح أن تشترط فيه فتقول : لن أفعل ذلك أبداً حتى كذا ، أو إلا إذا حدث كذا . قال الله تعالى : وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ .
أما الخلود في مثل قوله تعالى : خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ، فيفهم من خالدين وليس من التأبيد ، ولذلك لاتقول : خالدين حتى كذا ، نعم يصح شرطه بمشيئة الله تعالى وبقاء الكون ، كقوله تعالى : خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرض إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ .
الثاني : ما له بداية ويمتد الى ما لانهاية ، فهو كالأزل للماضي الممتد الى ابتداء الكون ، أو الى ما لانهاية . وبهذا المعنى تقول : إن الله تعالى أزلي أبدي ، أي لاحدَّ لأوليته ولامنتهى لآخريته ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « لم يخلق الأشـياء من أصول أزليـة ولا أوائل أبـــدية » . « نهج البلاغة : 2/66 » .
الثالث : بمعنى آباد الدهر الماضية ، فيقال للشئ القديم أبدي .
الرابع : بمعانٍ أخر ، فيقال للحيوان : أبَدَ وتأبَّدَ أي تَوَحَّشَ ، وتأبَّدَت الدار : خَلَت . وقَوَافٍ أوابد وشوارد : أي نادرة . « العين : 8/85 » .
2 . قال الخليل « 8/85 » : « آباد الدهر : طوال الدهر ، والأبيد مثل الآباد . والآبدة : الغريبة من الكلام والجميع أوابد . والأوابد : الوحش . وتأبد فلان : طالت غربته . وتأبدت الدار : خلت من أهلها » .
أبَقَ - إباق - أُبَّاق
قال الله تعالى : إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ . يقال أبَقَ العبد يأبَق إباقاً ، وأبِق يأبق إذا هرب . وعبدٌ آبق وجمعه أُبَّاق ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 34 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وتأبَّق الرجل : تشبه به في الإستتار ، وقول الشاعر :
قد أُحْكِمَتْ حَكَمَات القَدِّ والأبَقا
قيل : هو القُنَّب .
ملاحظات
جعل الراغب الإباق مطلق الهرب ، وجعله الخليل الهرب : « من غير خوف ولا كد عمل » . وقال ابن فارس « 1/39 » : « تقول : أبق به : أخذه ، وأبق الى كذا : هرب اليه » . لكن ليس كل هرب إباقاً ، بل هو هروب خاص .
واستعمله الله تعالى لنبيه يونس عليه السلام : إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ » . ومعناه أنه هرب من عمله في نينوى ، وسمى ذهابه الى نبي الله داود عليه السلام هروباً لأنه لم يستأذن ربه في ترك قومه : وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ، أي نضيق عليه . فسمى تركه لقومه إباقاً ، وهو مجاز .
إبِلٌ - مؤبلة - آبل - إبالة - أبابيل - إبِّيل
قال الله تعـالى : وَمِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ . الإبل : يقع على البعران الكثيرة ، ولا واحد له من لفظه . وقوله تعالى : أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ، قيل أريد بها السحاب ، فإن يكن ذلك صحيحاً فعلى تشبيه السحاب بالإبل وأحواله بأحوالها .
وأبَلَ الوحشيُّ يأبَلُ أبُولاًوأبَل أبْلاً : اجتزأ عن الماء ، تشبهاً بالإبل في صبرها عن الماء . وكذلك تأبَّلَ الرجل عن امرأته ، إذا ترك مقاربتها . وأبَّلَ الرجل : كثرت إبله . وفلان لا يأبل ، أي لا يثبت على الإبل إذا ركبها .
ورجل آبِلٌ وَابِل : حسن القيام على إبله . وإبل مؤبَّلة : مجموعة . والإبالة : الحزمة من الحطب تشبيهاً به .
وقوله تعالى : وَأَرْسَلَ عَلَيْهِـمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ، أي متفرقة كقطعات إبل ، الواحد أَبِيل .
ملاحظات
الإبِل بكسر الباء ، وقد تسكَّن : إسم جنس للأباعر والجمال والنوق لامفرد له ، وقد ذكر الله عز وجل خلقتها المميزة وتسخيرها للإنسان فقال : أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَت . وقال : وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ . وقال : وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِـير . وقد توسع العرب في الإشتقاق منها فقالوا لمجموعة الخيل المغيرة : خيلٌ أبابيل . « العين : 8/343 » .
واختار الراغب أن مفردها أَبيل ، والصحيح أنه لامفرد لها ، حيث لم يسمع من العرب إلا إِبِّيل بالتشديد ، وهو كلمة سريانية بمعنى المتبتل ، وسمي عيسى عليه السلام إبِّيل الإبِّيلين . ومعنى : طيراً أبابيل : مجموعات متتابعة ، وصفوها أنها كطير السنونو ، مع كل طائر : « ثلاثة أحجار في منقاره ويديه ، يقتل بكل حصاة منها واحداً من القوم » . « لسان العرب : 11/7 » .
وكان عبد المطلب ينتظرها ، فدعا ابنه عبدالله والد النبي صلى الله عليه وآله وإنه لغلام حين أيفع وعليه ذؤابه تضرب إلى عجزه ، فقال له : « إذهب فداك أبي وأمي فاعلُ أباقبيس وانظر ماذا ترى يجئ من البحر؟ فنزل مسرعاً فقال : يا سيد النادي ، رأيت سحاباً من قِبل البحر مُقبلاً ، يُسْفِلُ تارةً ويرتفع أخرى ! إن قلت غيماً قلتُه ، وإن قلت جِهاماً خلتُه ، يرتفع تارةً وينحدر أخرى ! فنادى عبد المطلب : يا معشر قريش ، أدخلوا منازلكم فقد أتاكم الله بالنصر من عنده ، فأقبلت الطير الأبابيل في منقار كل طير حجر وفي رجليه حجران ، فكان الطائرالواحد يقتل ثلاثة من أصحاب أبرهة » . « كنز الفوائد/81 » .
أتَيَ - إتياناً - أتِيٌ - أتاوي -أتوةً - مأتياً - آتاه - إيتاء
الإتيان : مجئٌ بسهولة ، ومنه قيل للسيل المارِّ على وجهه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 35 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أتِيٌّ وأتاوِيٌّ ، وبه سمي الغريب فقيل : أتاويٌّ . والإتيان : يقال للمجئ بالذات ، وبالأمر وبالتدبير . ويقال في الخير ، وفي الشر ، وفي الأعيان ، والأعراض ، نحو قوله تعالى : إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ . وقوله تعالى : أَتَى أَمْرُ اللهِ . وقولـه : فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ ، أي بالأمر والتدبير ، نحو : جَاءَ رَبُّكَ . وعلى هذا النحو قول الشاعر :
أتيت المروءة من بابها
فَلَنَاتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا .
وقوله : وَلا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى ، أي لا يتعاطون . وقوله : يَأتِينَ الْفَاحِشَةَ ، وفي قراءة عبد الله : تأتي الفاحشة ، فاستعمال الإتيان منها كاستعمال المجئ في قوله : لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا .
يقال : أتيته وأتوتُه . ويقال للسقاء إذا مُخض وجاء زِبْدُه : أتْوَةً ، وتحقيقه : جاء ما من شأنه أن يأتي منه ، فهو مصدر في معنى الفاعل . وهذه أرض كثيرة الإتاء ، أي الريْع .
وقوله تعالى : كَان وَعْدُهُ مَأْتِيّـاً ، مفعول من أتيته . قال بعضهم : معناه آتياً فجعل المفعول فاعلاً وليس كذلك ، بل يقال أتيت الأمر وأتاني الأمر . ويقال أتيته بكذا وآتيته كذا ، قال تعالى : وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ، وقال : فَلَنَاتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا ، وقال : وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا .
وكل موضع ذكر في وصف الكتاب : آتَيْنَا ، فهو أبلغ من كل موضع ذكر فيه : أُوتُوا ، لأن أوتوا قد يقال إذا أوليَ من لم يكن منه قبول ، وآتيناهم يقال فيمن كان منه قبول .
وقوله : آتُونِي زُبَرَ الْحَـدِيدِ « الكهف : 96 » وقرأها حمزة موصولة ، أي جيئوني . والإِيتاء : الإعطاء .
وخُصَّ دفع الصدقة في القرآن بالإيتاء نحو : وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ « البقـرة : 277 » وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ « الأنبياء : 73 » وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً « البقرة : 229 » وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ « البقرة : 247 » .
ملاحظات
1 . الإتيان : المجئ مطلقاً ، بسهولةٍ كان أو صعوبة ، فلم يشترط أحدٌ معنى السهولة في الإتيان فهو أعم . ولا يصح تعليل تسمية السيل بالأتيٍّ بأنه يأتي بسهولة . نعم قد تفهم السهولة والصعوبة من نفس الآتي ، أو الآتي به ، أو المأتي به ، أو ظرف الإتيان ، والعنف والشدة في مثـل قولــه تعـالى : مَا تَذَرُ مِـنْ شَئٍْ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيم . فُهِمَ من الريح وليس من الإتيان .
2 . يتغير معنى الإتيان بحروف التعدية أو حروف المعاني ، وتختلف قاعدته بين : يأتي ويُؤتي ، ويغلط بعضهم فيستعمل إتيان المرأة كناية عن مقاربتها ، للزكاة فيقول : يجب إتيان الزكاة ! ولا يصح إلا بحرف تعدية ، أو يقول إيتاء الزكاة .
قال تعـالى : قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الآنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لايَأْتُونَ بِمِثْلِهِ . وقال : وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ .
3 . يقال أتاه وأتى به وَأُتِيَ به : مثل جاءه وجاء به وجئ به . وأوتي وأُتيَ ، وأوتوا وأتوا : مثل أُعْطِيَ وأعْطُوا . قال تعالى : فَلما أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى . أَنَا آتِيكَ بِهِ .
4 . ورد الإتيان للمجئ المجازي بالإغراء والإغواء كقول إبليس : ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ .
5 . تقول : يؤتى على يده : أي تغلبه نفسه على الخطأ . وكتب علي عليه السلام الى حاكم مصـر يأمره بالصفح عن الناس لأنهم : « يؤتى على أيديهم في العمد والخطأ » . « نهج البلاغة : 3/84 » . ولا يصح تفسيره بأنهـم يُجبرون من غيرهم كما قال البعض « شرح النهج : 17/33 » لأن سياقه الصفح ، وإن أجبرهم غيرهم فلا عقوبة عليهم ليكون صفح ، بينما
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 36 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال عليه السلام بعده : « فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه ، فإنك فوقهم ، ووالي الأمر عليك فوقك ، والله فوق من ولاك » .
6 . آتينا وأوتوا : يستعملان في المُؤْتَوْنَ الممدوحين والمذمومين ، ولا يصح قول الراغب إن معنى آتيناهم الكتاب : قبلوه ، فقد أوتوه ولم يقبلوه كما قال تعالى : الَّذِينَ آتَيْنَـاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإن فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ . وقد يقال إن المبني للمعلوم فيه اهتمام أكثر ، والمبني للمجهول يستعمل في ذم الذين لم يستفيدوا منه كقوله تعالى : وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ . وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ . لكنه استعمله للمدح في قوله تعالى : يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات .
7 . قول الراغب صحيح : وخُصَّ دفع الصدقة في القرآن بالإيتاء ، بمعنى أن أكثر ما يعبر به عن إعطائها بالإيتاء ، وقد يعبر بالإعطاء كقوله تعالى : فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى . فهو يشمل الزكاة .
أما استشهاده بإيتاء المهور والسعة من المال ، فهما من موارد استعمال مطلق الإيتاء ، ولاعلاقة لهما بإيتاء الزكاة .
أثَّ - أثاثاً - تأثث
الأثاث : متاع البيت الكثير ، وأصله من أثَّ أي كثر وتكاثف ، وقيل للمال كله إذا كثر : أثاث . ولا واحد له كالمتاع ، وجمعه أثاث . ونساء أثائث : كثيرات اللحم كأن عليهن أثاث . وتأثث فلان : أصاب أثاثاً .
ملاحظات
لا يشترط في المتاع الكثرة ، ومنه متاع البيت لأنه يقال أثاث قليل ، بل معناه المتراكم اللين وليس الكثير ، كما نص ابن فارس « 1/8 » ولم يذكر الراغب اللين مع أنه دخيل في أثَّ .
وقد وُصف الأثاث بالمتاع ، قال تعالى : وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلى حِينٍ . لأنه قد لا يتمتـع به ، وليس في مفهومه وقت . وقال تعالى : وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ . « النساء : 102 » . فلم يعبر بالأثاث لأن فيه معنى الليونة والنعومة ، وهي قليلة في أدوات السفر للحرب .
ولذا قال ابن منظور « 2/110 » : « أثث الشئ : وطأه ووثَّره » . وقال الخليل « 8/253 » : « يوصف به الشَّعر الكثير والنبات الملتفّ » . والشرط فيه ليس الكثرة بل التراكم واللين .
أثَرْ - أثارة - أَثْرَة - أثارة - أثارَ - مأثور - إيثار-استئثار
أَثَرُ الشئ : حصول ما يدل على وجوده . يقال : أثَرٌ وأثِرٌ ، والجمع الآثار . قـال الله تعـالى : ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا « الحديد : 27 » وَآثاراً فِي الْأَرْضِ « غافر : 21 » وقوله : فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ الله . « الروم : 50 » .
ومن هذا يقال للطريق المستدل به على من تقدم : آثار ، نحو قوله تعالى : فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ « الصافات : 70 » وقوله : هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي « طه : 84 » .
ومنه : سمنت الإبل على أثارةٍ ، أي على أثر من شحم . وأَثَرْتُ البعير : جعلت على خُفِّهِ أُثْرَةً ، أي علامة تؤثر في الأرض ليستدل بها على أثره ، وتسمى الحديدة التي يعمل بها ذلك المئثرة .
وأَثْرُ السيف : جوهره ، وأثر جودته وهو الفِرَنْد ، وسيف مأثور . وأَثَرْتُ العلم : رويته ، آثُرُهُ أَثْراً وأَثَارَةً وأُثْرَةً ، وأصله : تتبعت أثره . أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ . « الأحقاف : 4 » وقرئ : أثَرَةٌ ، وهو ما يروى أو يكتب فيبقى له أثر . والمآثر : ما يروى من مكارم الإنسان .
ويستعار الأثر للفضل ، والإيثار للتفضل ، ومنه : آثرته .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 37 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقوله تعالى : وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ « الحشر : 9 » وقال : تَالله لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا « يوسف : 91 » بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا . « الأعلى : 16 » .
وفي الحديث : سيكون بعدي أثرة . أي يستأثر بعضكم على بعض . والإستئثار : التفرُّد بالشيئ من دون غيره ، وقولهم : استأثر الله بفلان ، كناية عن موته ، تنبيهٌ على أنه ممن اصطفاه وتفرد تعالى به من دون الورى تشريفاً له .
ورجل أَثِرٌ : يستأثر على أصحابه . وحكى اللحياني : خذه آثراً ما ، وإثراً ما ، وأثر ذي أثير .
ملاحظات
1 . أثَرُ الشئ : ما ينتج عن وجوده ، وجمعه آثار ، قال تعالى : فَأنظر إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ الله . أو ما ينتج عن فعله : سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُود .
2 . أكثر ما ورد الأثر في آثار السابقين : وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ . أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُـوَةً وَآثَارًا فِي الأرض . وقد يتضمن المكـان : فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً . والزمـان والمكان : قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَري . واستعمل للزمان بعد الأنبيــاء عليهم السلام : وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ . ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا . وبمعنى دِين الآباء والمعلمين : فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ . وَإنا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ . وبمعنى الموقف : فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا .
وأثَرَ فلانٌ العِلْمَ : أي تَتَبَّعَهُ وتعلمه ورواه ، فهو آثرٌ ، والعلم مأثور ، وواحده أثَرٌ وأثَـارَةٌ : ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ .
3 . قال الراغب : ويستعار الأثر للفضل والإيثار للتفضل ، ومنه آثرته . لكن آثر الشئ ، ليس استعارةً ، بل معناه : اتَّبَعَ أثَرَه ، قال تعالى : فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . ومعنى آثره على نفسه : أعطاه الأثر وحرم منه نفسه ، فهو من الأثر أيضاً وليس استعارة ، وإن صار يتضمن معنى التفضيل . ومنه قوله تعالى : قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ . أي أعطاك الأثر دوننا وفضلك .
4 . جعل الراغب مادة أَثَرَ أصلاً واحداً ، ولم يستوف استعمالها في القرآن . وأخطأ في تعريف الأثر فجعله : حصول ما يدل على وجود الشئ ، ثم جعل الأثر الطريق ، من قوله تعالى : على آثارهم ! وهو هنا طريق معنوي .
وقد أصاب الخليل في تعريفه « 8/236 » : « الأثر : بقية ما ترى من كل شئ . وما لا يرى بعدما يُبْقِي عُلْقَة » . أي علامة .
وجعله ابن فارس ثلاثة أصول ، قال « 1/53 » : « ثلاثة أصول : تقديم الشئ ، وذكر الشئ ، ورسم الشئ الباقي » . لكن يصعب إرجاع فروع المادة الى هذه الأصول .
5 . أما ثار وأثار ، فهي من ثَوَرَ لا من أَثَرَ . قال تعالى : وَأَثَارُوا الأرض وَعَمَرُوهَا . وقال تعالى : فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً . وستأتي في ثَوَر .
6 . قال الخليل « 8/236 » : « ذهبت في إثْر فلان أي استقفيته ، لا يشتق منه فعل . والمأثرة : المكرمة ، لأنها يأثرها قرن عن قرن . ومآثر كل قوم : مساعي آبائهم . والأثير : الكريم ، تؤثره بفضلك على غيره . له عندنا إثرة . والميثرةخفيفة : شبه مرفقة تتخذ للسرج » .
7 . قال ابن فارس « 1/53 » : « والأثير : من الدواب العظيم الأثر في الأرض بخفه أو حافره . ويقولون تدع العين وتطلب الأثر ! يضرب لمن يترك السهولة إلى الصعوبة » .
أَثَلَ- تأثَّلَ - أثَلَتُه
قال تعـالى : ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَئْ ٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ . الأثْل : شجر ثابت الأصل ، وشجر متأثل : ثابت ثبوته . وتأثل كذا : ثبت ثبوته . وقوله صلى الله عليه وآله في الوصي : غير متأثل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 38 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مالاً ، أي غير مقتنٍ له ومدخر ، فاستعار التأثل له ، ومنه استعير : نحتُّ أثلته إذا اغتبته .
ملاحظات
1 . فسر الراغب التأثل بالثبوت ، لأنه تخيل أن الأثل الشجر ثابت الأصل ، ولم يذكر ذلك أحد ! بل أصل تأثل مالاً بمعنى : ملك بستاناً محاطاً بالأثل ، لأنهم يستعملون الأثل سياجاً بدل الحائط ، ثم استعمل للتملك والحيازة . روي عن النبي صلى الله عليه وآله وقـد سـأله بعضهم : « في حجري يتيم وله مال ، أفآكل من ماله؟ قال : نعم بالمعروف غير متأثل مالاً ، ولا واق مالك بماله » . « تفسير عبد الرزاق : 1/148 » . فمعنى غير متأثل : غير متملك من مال اليتيم . ومعنى ولا واقٍ مالك بماله : أي تجعل الخسارة عليه لتحفظ مالك .
2 . ورد الأثل في آية واحدة : فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَئٍْ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ . وسياقها التقليل من شأن الجنتين البديلتين ، وليس فيها مدح للأثل بالثبوت ، ولا في لفظه دلالة على الثبوت ! والأثل : شجرعادي يشبه السَّرْو ، وما تزال بقية الجنتين من سدر وأثلٍ قليل في سهل مأرب باليمن ، وقد رأيتها .
3 . الأثَلة : إسم للبستان وللمكان الذي يكثر فيه الأثل ، يقال أثلة المدينة ، وأثلة الكوفة وجمعها أثلات ، وأثلة الرجل بستانه ، لأنه عادةً يحاط بالأثل . ويستعار لعِرْضِه . فلا يصح قول الراغب : « ومنه استعير : نحتُّ أثلته ، إذا اغتبته » بل هو مستعار من اجتثثت بستانه ، وقالوا : هو لا تُنْحَتُ أثلته ، أي لايمكن الإنتقاص منه . « تعاريف المناوي/34 » . وفي مقامات الزمخشري/37 : « وحاشا لمثلك أن يتولى مُثْلَتَهْ ، ويَنْحَتَ بفأسه أثْلَتَهْ » .
أثِمَ إثماً وآثاماً - تأثم - أثاماً - أثمٌ - أثيمٌ - آثمٌ
الإثم والآثام : إسم للأفعال المُبَطئة عن الثواب ، وجمعه آثام ، ولتضمُّنه لمعنى البطء قال الشاعر :
جماليةٌ تغتلي بالروادف
إذا كـذَّبَ الآثـماتُ الهَجِيرَا
وقوله تعالى : فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ : أي في تناولهما إبطاء عن الخيرات .
وقد أثم إثماً وأثاماً ، فهو آثمٌ وأثِمٌ وأثيم .
وتأثَّمَ : خرج من إثمه ، كقولهم تحوَّبَ خرج من حُوبه وحَرَجه ، أي ضيقه .
وتسمية الكذب إثماً : لكون الكذب من جملة الإثم ، وذلك كتسمية الإنسان حيواناً لكونه من جملته . وقوله تعالى : أَخَذَتْهُ الْعزةُ بِالإثْمِ ، أي حملته عزته على فعل ما يؤثمه . وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً : أي عذاباً ، فسماه أثاماً لما كان منه ، وذلك كتسمية النبات والشحم ندىً ، لما كانا منه في قول الشاعر :
تَعَلَّى الندى في مَتنه وتَحَدَّرَا
وقيل معنى يلق أثاماً : أي يحمله ذلك على ارتكاب آثام ، وذلك لاستدعاء الأمور الصغيرة إلى الكبيرة . وعلى الوجهين حمل قوله تعالى : فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً .
والأَثِم : المتحمل الإثم ، قال تعالى : آثمٌ قلبه . وقوبل الإثم بالبر فقال صلى الله عليه وآله : البرُّ ما اطمأنت إليه النفس ، والإثم ما حاك في صدرك . وهذا القول منه حكم البر والإثم لا تفسيرهما . وقوله تعالى : مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ، أي آثم .
وقوله : يُسَارِعُونَ فِي الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ ، قيل أشار بالإثم إلى نحو قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ، وبالعدوان إلى قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . فالإثم : أعم من العدوان .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 39 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
1 . أصل الإثم في العربية : البطؤ عن السير ، ومنه الناقة الآثمة كما في « مقاييس اللغة : 1/60 » واستعمله القرآن للذنب الذي يُبَطِّئُ الإنسان عن تكامله وكأنه ذَنَب ، واستعمله وصفاً للإنسان : وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً . إنا إِذاً لَمِنَ الآثِمِين . ووصفاً للقلب : وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإنهُ آثِمٌ قَلْبُهُ . وسمى به ارتكاب محرمات عقدية وسلوكية ، فجعل الشـرك إثماً مبيناً « النساء : 50 » وظلم الناس وإخراجهم من بيوتهم « البقرة : 85 » وأكل اللحم الحرام : « البقرة : 173 » وأكل أموال الناس بالباطل « البقرة : 188 » والتكبر : « البقرة : 206 » والفاحشة العلنية والخفية : ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ . « الأنعام : 120 » .
2 . الأثيم والأثوم : الذي يرتكب الإثم كثيراً ، وهوخَوَّانٌ أَثِيم « النساء : 107 » وأفَّاكٌ أًثِيم « الشعراء : 222 » وكَفَّارٌ أَثِيم « البقرة : 276 » ومُعْتَدٍ أَثِيم « القلم : 12 » .
3 . قسَّم القرآن الإثم الى كبائر وصغائر ، وأخرج منه اللمم ، قال تعالى : الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلأ اللَّمَمَ . ورويَ تفسير الفواحش بالزنا والسرقة ، وكبائر الإثم بالشـرك بالله ، والإياس من روح الله ، والأمن من مكر الله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس التي حرم الله ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، والفرار من الزحف ، وأكل الربا . . الخ . « الكافي : 2/285 » .
واللمَم : الذنب يُلم به الرجل بين الفينة والفينة ، وليس من طبيعته . « الكافي : 2/442 » .
4 . أصل الحديث الذي ذكره الراغب : أن النبي صلى الله عليه وآله قال لأحدهم : « جئتَ تسأل عن البر والإثم . قال : نعم . فضرب بيده على صدره ثم قال : يا وابصة البر ما أطمأن به الصدر ، والإثم ما تردد في الصدر وجال في القلب ، وإن أفتاك الناس » . « قرب الإسناد/322 » .
« ونحوه مسند أحمد : 4/227 » فجعل الإثم مقابل البر ، وجعل الفطرة دليلاً على المشتبه منه .
5 . الأثام : عقوبة الإثم ونتيجته ، قال تعالى : وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . وآثَمَـهُ : أوقعــه في الإثم وأثَّمَــهُ : قال له أثِمْتَ . « الصحاح : 5/1857 » .
6 . كل إثم ذنب وبالعكس ، فهما يُبَطِّئَان حركة تكامل الإنسان ، لكن الإثم يجعل في قلبه ما يبطؤه ، والذنب يضيف اليه ما يبطؤه كأنه ذنَب . « العين : 8/190 » .
7 . ويسمى الإثم الحَرج والحُوب ، والآثم حارجاً وحَابَاً . وأحرجه : آثمَهُ . وتَأثَّمَ وتَحَرَّجَ وتحوَّبَ : خاف الوقوع في إثم ، أو امتنع من شئ أو قام به مخافة الإثم . أو خرج من إثمه وجبر خطأه ، وقد فسره الراغب بجزء معناه ! ومنه قالوا : رجل متأثم ومتحرج ومتحوِّب ، أي كافٌّ عن الإثم .
وأصل الحرَج والحرْج : الضيق ، وأصل الحُوب الحاجة التي تدعو الى الإثم ، ولايصح قولهم إن الحوب الإثم الكبير ، لأن وصفه به يقتضـي التغاير ، قال تعـــالى : وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُـمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إنهُ كَأن حُوباً كَبِيراً . « العين : 3/763 » .
8 . الوِزْر : الحمل الثقيل من الإثم « العين : 7/380 » لكن المقصود بقوله تعالى : أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ، وَوَضَعْنَـا عَنْكَ وِزْرَكَ . هو التفكير والهم ، لأن الإثم منفي عن النبي صلى الله عليه وآله قبل البعثة وبعدها . والمَعَرَّة : الإثم « الصحاح : 2/742 » . والوَكَف : الإثم في عيب ، يقال : ما عليك وكَفٌ « إصلاح المنطق/402 » وسميت اليمين الكاذبة : الغَمُوس لأنها تغمس صاحبها في الإثم « الصحاح : 3/956 » . وسميت الخمر الإثم ، لأنها تجرُّ اليه « الصحاح : 5/1857 » وسميت جُماع الآثام . « الفقيه : 4/377 » .
9 . قال ابن الأثير « 1/52 » إن الإصْر هو الإثم . والصحيح
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 40 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أنه الثقل الحاصل من الإثم شبيهاً بالوزر ، قال تعالى : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَأنتْ عَلَيْهِمْ . رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً . ومعنى لاجناح عليك : لا إثمَ عليك .
أَجَّ - أجاجاً - ائتج - أجيج- يأجوج ومأجوج
قال تعالى : هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ، شديد الملوحة والحرارة ، من قولهم أجيج النار وأُجَّتُها ، وقد أجَّت ، وائتجَّ النهار . ويأجوج ومأجوج منه ، شُبهوا بالنار المضطرمة والمياه المتموجة ، لكثرة اضطرابهم .
وأجَّ الظليم : إذا عدا أجيجاً ، تشبيهاً بأجيج النار .
ملاحظات
1 . تقول : أججتُ النار فهي مؤججة ، أي مضطرمة . وتقول : أجن الماء فهو آجن ، وأجَّ الماء فهو أُجاج ، أي صار مُرّاً مالحاً غير صالح للشرب . فأجج بمعنى شدة الحرارة ، وأج بمعنى شدة المرارة ، وقد خلطهما الراغب فقال إن الأجاج شديد الملوحة والحرارة من أجيج النار . ولو صح كلامه لكانت المحيطات المالحة حارة ! وقد وقع في الخطأ لعدم فهمه كلام ابن فارس « 1/9 » ، قال : « والماء الأجاج الملح . وقال قوم الأجاج الحار المشتعل المتوهج وهو من تأججت النار » . فتصور الراغب أن الأجاج الثاني هو الأول . وقد يكون قرأ المرارة حرارة وفي كل نسخه بالحاء ، قال الخليل « 6/198 » : « الأجاج : الماء المر المالح ، قال الله تعالى : وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ، وهو الشديد الملوحة والمرارة ، مثل ماء البحر » .
2 . يوجد أصل ثالث هو : الإجَّة بكسر الهمزة ، التي يجمع فيها المال ، واشتهرت في إجة الأطفال . وهي غير الأَجَّة بفتح الهمزة وهي أجة النار ، قال ابن منظور « 2/206 » : « والأَجَّةُ : شدة الحرِّ وتَوَهُّجه ، والجمع إِجاجٌ ، مثل جَفْنَةٍ وجِفَانٍ » . وهي بالكسر مستعارة منها لأنها مجمع الشئ ، كما استعير منها : أجَّ أَجَّة الظليم ، أي أسرع أوج سرعته .
3 . أما أجن الماء بمعنى تغير ، فلا علاقة له بالأجاج ، والظاهر أنه نفس أسن بإبدال السين جيماً . قال ابن فارس « 1/66 » : « أجن الماء يأجن ويأجن ، إذا تغير » .
4 . وردت كلمة الأُجاج في آيتين وصفاً للماء غير الصالح للشرب ، أي المالح المُرّ ، مقابل العذب الفرات السائغ شرابه . وقد بالغ الثعالبي في فقه اللغة/37 ، فقال : « لا يُقالُ للماءِ المِلْحُ أُجاج إلاّ إذا كانَ مَعَ مُلوحَتِهِ مُرًّا » مع ان الله تعالى وصف به البحار وليست كلها مرة . وزاد عليه في القاموس « 2/24 » فقال : « الخمجر . . الماء الملح ، أو الذي لا يبلغ الأجاج ، وتشربه الدواب » .
والصحيح قول الزبيدي « 4/213 » : « ماءٌ أُجَاجٌ ، وقُعَاعٌ ، وزُعَاقٌ ، وحُرَاقٌ ، وماءٌ يَفْقَأُ عينَ الطّائر ، وهو الماءُ المالِحُ » .
5 . قال الخليل « 6/198 » : « يأجوج ومأجوج يقرأ بالهمز وبغير الهمز ، ومن لم يهمز قال : هو مأخوذ من يج ومج على بناء فاعول » . وقد ذكرتهــم آيتـان : قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إن يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرض . حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ . والظاهر أنهما إسمان سريانيان ، لاعلاقة لهما بأج وأجج . واللغويون يجعلون كل كلمة من أصل عربي ! راجع : فَتَح ، حَدَب ، نَسَل .
أَجْرٌ - أجرة - آجره - آجره الله - أجَّره - أجير- استئجار
الأجر : ما يعود من ثواب لعمل ، دنيوياً كان أو أخروياً ، نحو قوله تعالى : إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللهِ . وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَـا وَإنهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ . وَلأجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا . والأجرة : في الثواب الدنيوي . وجمع الأجر أجور . وقوله : فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ، كناية عن المهور .
والأجر والأجرة : يقال فيما كان عن عقد وما يجرى مجرى العقد ، ولا يقال إلا في النفع دون الضر ، نحو قوله : فَلَهُمْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 41 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ، وقوله تعالى : فَأجْرُهُ عَلَى الله .
والجزاء : يقال فيما كان عن عقد وغير عقد ، ويقال في النافع والضــار ، نحو قولـه : وَجَزَاهُمْ بِمَــا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً . وقوله : فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ . يقال أجَّر زيد عمراً يأجره أجراً : أعطاه الشئ بأجرة . وأجَّر عمرو زيداً : أعطاه الأجرة ، قــال تعـالى : عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ، وآجر كذلك . والفرق بينهما أن أجَّرْتُه يقال إذا اعتبر فعل أحدهما ، وآجَرْتُه يقال إذا اعتبر فعلاهما . وكلاهما يرجعان إلى معنى واحد .
ويقال آجره الله وأجَره الله . والأجير : فعيل بمعنى فاعل أو مفاعل . والإستئجار : طلب الشئ بالأجرة ، ثم يعبر به عن تناوله بالأجرة ، نحو الإستيجاب في استعارته الإيجاب ، وعلى هذا قوله : اسْتَأْجِرْهُ إن خَيْرَ مَنِ اسْتَاجَرْتَ الْقَوِىُّ الأَمِينُ .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن الأجر والأجرة بمعناهما اللغوي العادي كقوله تعالى : فَلما جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإن لَنَا لأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِين . واستعمله بشكل واســـع في أجر الله تعالى للإنسان على إيمانه وعمله ، وأجر الرسول صلى الله عليه وآله من أمته على تبليغ الرسالة .
2 . سمى الله مهور النساء صدقاتٍ فقال : وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً . وفرق بينه وبين مهـر المتمتع بها لوقت ، فسماه أجرة : فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً . وكلاهما مهر وصداق وكأنه علامة صدق الزوج ، لكن سماه أجرة لتسهيل حركة التعامل به .
3 . لا دليل على ما ذكره الراغب من دخالة العقد في تسمية الأجرة والجزاء ، فالأجر هو الجزاء كما في لسان العرب ، وقد سمى الله الجزاء أجراً فقال : أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ، الى قوله : وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ .
والأجر يكون بالحسنة فقط ، والجزاء يكون بها وبالسيئة ، كما ذكر الراغب ، لكن لا يشترط أن يكون محدداً ، وإن كان غالباً كذلك . كما لادليل على قول الراغب إنَّ أجَّر تستعمل لطرف الإجارة ، وآجَرَ لطرفيها ! كما أن قول الراغب : أجَّر بمعنى أعطاه الأجرة ، من تخيله ولا وجود له في اللغة العربية !
4 . قال تعالى عن نوح عليه السلام : فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلا عَلَى اللهِ . وقال : لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللهِ . وقال : وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ أَلْعَالَمِينَ . وقال عن هود عليه السلام : لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْريَ إِلا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي . إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ . وقال عن صالح ولوط وشعيب عليهم السلام : وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ . وقال عن ثلاثة رسل : اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ .
واستعمله في أجر نبينا صلى الله عليه وآله في عشر آيات فقال إنه كبقية الأنبياء عليهم السلام لايطلب الأجر : قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ . قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْـهِ أَجْرًا . أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ . وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ . وقـال عن أجره في الآخرة : وَإن لَكَ لأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ .
ثم جعل الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله أجراً على الأمة لا يؤديه إلا خاصة المسلمين : قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً . وجعل هذا الأجر ولاية عترة نبيه عليهم السلام : قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى .
ثم قال إن نفع مودتهم يعود الى الأمة لا إلي النبي صلى الله عليه وآله : قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللهِ .
5 . أكثر ما استعمل الأجر في أجر الآخرة ، أي ثوابها بالنعيم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 42 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والخلود ، فقال عنه تعالى : وَلأجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَأنوا يَعْلَمُونَ . وقال : وَلأجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا . وجعله نفس الجزاء فقال : أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ .
ووصفه بأنه : أَجْرٌ عَظِيمٌ : آل عمران : 172 ، و179 ، المائدة : 9 ، الأنفال : 28 ، التوبة : 22 ، النساء : 40 ، و67 و74 و95 و114و146 ، و162 ، الأحزاب : 29و35 ، الفتح : 10و29 ، الطلاق : 5 ، المزمل : 20 ، الحجرات : 3 ، التغابن : 15 .
وأَجْرٌ كَبِيرٌ : هـــود : 11 ، الإســراء : 9 ، فاطـــر : 7 ، الحـــديــد : 7 ، الملك : 12 .
وَأَجْرٍ كَرِيمٍ : يس : 11 ، الحديد : 11 ، و18 ، الأحزاب : 44 .
وأَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ : فُصِّلَتْ : 8 ، والإنشقاق : 25 ، والتين : 6 .
وأجْرٌ حَسَنٌ : الكهف : 2 ، والفتح : 16 .
أَجَلْ - أجَّلَ - آجل
الأجَل : المدة المضروبة للشئ . قال تعالى : وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى . أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ . ويقـال : دَيْنُه مؤجل . وقد أجَّلته : جعلت له أجلاً . ويقال للمدة المضروبة لحياة الإنسان : أجل ، فيقال : دنا أجله ، عبارةٌ عن دنو الموت . وأصله استيفاء الأجل ، أي مدة الحياة .
وقوله تعالى : وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ، أي حد الموت ، وقيل حد الهرم ، وهما واحد في التحقيق .
وقولـه : ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ، فالأول هو البقاء في الدنيا ، والثاني البقاء في الآخرة ، وقيل الأول هو البقاء في الدنيا ، والثاني مدة ما بين الموت إلى النشور ، عن الحسن . وقيل الأول للنوم ، والثاني للموت ، إشارة إلى قوله : اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ، عن ابن عباس . وقيل : الأجلان جميعاً للموت ، فمنهم من أجلُه بعارض كالسيف والحرق والغرق وكل شئ غير موافق ، وغير ذلك من الأسباب المؤدية إلى قطع الحياة . ومنهم من يوقى ويعافي حتى يأتيه الموت حتف أنفه ، وهذان هما المشار إليهما بقوله : من أخطأته سهم الرزية لم تُخْطِهِ سهم المنية . وقيل : للناس أجلان ، منهم من يموت عَبْطَةً ، ومنهم من يبلغ حداً لم يجعل الله في طبيعة الدنيا أن يبقى أحد أكثر منه فيها . وإليها أشار بقوله تعالى : وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ، وقصدهما الشاعر بقوله :
رأيتُ المنايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ تُصِبْ
تُمِتْهُ وقول الآخر : من لم يمت عَبْطةً هَرِماً
والآجل : ضد العاجل . والأجْل : الجناية التي يخاف منها آجلاً ، فكل أجْلٍ جناية وليس كل جنايةٍ أجْلاً . يقال : فعلت كذا من أجْلِهِ ، قال تعالى : مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَـا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، أي من جرَّاء ، وقرئ من إِجْلِ ذلك بالكسر ، أي من جناية ذلك . ويقال : أَجَلْ ، في تحقيق خبر سمعته .
وبلوغ الأجَل في قوله تعالى : وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ هو المدة المضروبة بين الطلاق وبين انقضاء العدة . وقوله : وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ ، إشـارة إلى حين انقضاء العدة ، وحينئذ : فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ .
ملاحظات
1 . الأجَل : قطعة من الزمان طويلة أو قصيرة . والتأجيل : تمديد الأجل أو تعيينه ، قال تعالى : وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا . ولم يرد في القرآن بمعنى تمديد الأجل بل ورد بمعنى تأخير الأجل ، قال تعالى : لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيب . إن أَجَلَ اللهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّـر . وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 43 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا .
2 . والأجَل : التوقيت ، وهو قانونٌ في خلق الله تعالى وأفعاله : مَا خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحق وَأَجَلٍ مُسَمًّى . وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كل يَجْرِى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى .
وتكوين الإنسان تمَّ بأجَل : وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى .
ونفسه وروحه بأجَل : اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الآخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى .
والأمم والحضارات لها أجَل : وَلِكل أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَاخِرُونَ سَاعَةً .
وإرسال الأنبياء عليهم السلام وإنزال الآيات بأجل : وَمَا كَأن لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ لِكل أَجَلٍ كِتَابٌ .
والقيــامة لها أجل معدود عداً : وَمَـا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأَجَلٍ مَعْدُودٍ .
3 . الأجَلُ محددٌ في علمه سبحانه : ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ، ومكتوب عنده : لِكل أَجَلٍ كِتَابٌ . وسماه أجل الله تعالى : فَإن أَجَلَ اللهِ لآتٍ . إن أَجَلَ اللهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ .
4 . أطال المفسرون بدون طائل في تفسير الأجلين في قوله تعالى : ثُمَّ قَضَى أجلاً وَأجل مُسَمّىً عِنْدَهُ . وقال الإمـام الباقر عليه السلام : « هما أجلان : أجل محتـوم وأجل موقوف » . « الكافي : 1/147 » . وقال الإمام الصادق عليه السلام : « الأجل الأول : هو الذي نبذه إلى الملائكة والرسل والأنبياء عليهم السلام . والأجل المسمى عنده : هو الذي ستره عن الخلائق » . « الفصول المهمة : 1/268 » .
5 . أمرَ الله الناس باعتماد التوقيت والأجل حتى في ديونهم الصغيرة ، فقال في أطول آية في القرآن : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَـلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ . . وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ .
6 . أغْرَبَ الراغب فجعل أجَل التي بمعنى نعم ، مشتقةً من الأجَل بمعنى الزمن ! والصحيح أنها حرف جواب ، أما أجَل الزمنية فإسم . وقد قلد في ذلك الزَّجَّاج . وأغْرَبَ الزجاج فجعل أجْل في آية : مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أنهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسـاً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرض فَكَانمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيـعاً ، بمعنى الجناية لأنها تتضمن الجــزاء على جريمة ! وتبعــه الراغب فقال : « والأجْل : الجناية التي يخاف منهــا آجلاً ، فكل أجْلٍ جناية وليس كل جناية أجْلاً ، يقال : فعلت كذا من أجله . قال تعالى : مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ . أي من جراء » ! قال في التبيان « 3/501 » : « معنى من أجْل ذلك : من جراء ذلك وجريرته . وقال الزجاج : معناه من جناية ذلك » . ونحوه القرطبي « 6/145 » .
والصحيح : أن أجْل كلمة مستقلة لاعلاقة لها بالأجَل ، وهي للتعليل والتفريع ، ولا مدح فيها ولا ذم ولا جناية ، ومعناها : بسبب ذلك . ومعنى الجريمة في الآية فُهِمَ من جريمة قابيل ، وقد شُبِّهَ به بنو إسرائيل لاشتراكهم في الحسد . ويدل عليه أنه ورد في الحديث القدسي في الصائم لأنه : ترك شهوته من أجلي . « المحاسن : 1/15 ، والبخارى : 2/226 » فأي جريمة فيه ! ومثله حديث النبي صلى الله عليه وآله مع المخزومي : أرأيت لو فعلت هذا ، أكنتُ من أجل هذا نبياً ؟ « الإحتجاج : 1/33 » ولا جريمة في ذلك !
أَحَدٌ - يوم الأحد
أحَدٌ : يستعمل على ضربين ، أحدهما في النفي فقط ، والثاني في الإثبات . فأما المختص بالنفي فلاستغراق جنس الناطقين ، ويتناول القليل والكثير على طريق
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 44 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الإجتماع والإفتراق ، نحو : ما في الدار أحدٌ ، أي واحد ، ولا اثنان فصاعداً لا مجتمعين ولا مفترقين . ولهذا المعنى لم يصح استعماله في الإثبات ، لأن نفي المتضادين يصح ، ولا يصح إثباتهما ، فلو قيل في الدار واحد ، لكان فيه إثبات واحد منفرد مع إثبات ما فوق الواحد مجتمعين ومفترقين ، وذلك ظاهر لا محالة . ولتناول ذلك ما فوق الواحد يصح أن يقال : ما من أحد فاضِلينَ ، كقوله تعالى : فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ . « الحاقة : 47 » .
وأما المستعمل في الإثبات فعلى ثلاثة أوجه : الأول : في الواحد المضموم إلى العشرات نحو : أحد عشر وأحد وعشرين .
والثاني : أن يستعمل مضافاً أو مضافاً إليه بمعنى الأول ، كقوله تعـالى : أما أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً « يوسف : 41 » . وقولهم : يوم الأحد ، أي يوم الأول ، ويوم الإثنين .
والثالث : أن يستعمل مطلقاً وصفاً ، وليس ذلك إلا في وصف الله تعالى بقولـه : قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ « الإخـلاص : 1 » وأصله : وحد ، ولكن وحد يستعمل في غيره نحو قول النابغة :
كأن رَحلي وقد زالَ النهارُ بنا بذي الجليل على مستأنسٍ وَحَدِ
ملاحظات
1 . رأى الراغب أن ما النافية مع أحَدٍ تدل على نفي الجنس ، فتخيل أن أحداً هي التي تدل على النفي ، فقال : « أحَدٌ : يستعمل على ضربين : أحدهما في النفي فقط ، والثاني في الإثبات » . ولم يلتفت الى أن النفي جاء من ما والتنكير ، وليس من أحد !
2 . لم يستوف الراغب استعمالات أحَد في القرآن ، فاهتم باستعمالها بعد ما النافية ، وذكر آيتين لاستعمالها بغير نفي . وقد وردت في القرآن في أكثر من مئة مورد ، منها تسعة موارد في نفي الجنس ، ستة بعد النفي بما ، كقوله تعالى : مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ . وواحــد بالنفي بـإن : وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ . وموردان بالإستفهام بهل : هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَد . هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ .
وتستعمل أحدٌ في صيغة التسوية ويحذف أحد طرفيها كقوله تعالى : لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ، أي بين أحد وأحد من رسله .
وتأتي بصيغة المذكر للمؤنث كقوله تعالى : يَا نِسَاءَ النَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ . أي كواحدة .
وبمعنى كل كقوله تعالى : يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سنة .
وقوله تعالى : وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ . بمعنى واحدة منهما : القافلة أو الجيش .
وقوله تعالى : إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ . أي كانوا من خوفهـم ورُعبهـم لايلتفتون الى من يناديهم .
3 . استعملت أحدٌ بمعنى من لاثاني له ، مقابل واحد الذي له ثان . قال تعالى : قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ . وجاء في تفسيره في التوحيد للصدوق/83 : « أن أعرابياً قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين أتقول : إن الله واحد؟ قال : فحمل الناس عليه قالوا : يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : دعوه فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم ، ثم قال : يا أعرابي إن القول في أن الله واحدعلى أربعة أقسام : فوجهان منها لا يجوزان على الله عز وجل ، ووجهان يثبتان فيه . فأما اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل : واحد يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 45 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أنه كفَّر من قال : ثالث ثلاثة . وقول القائل : هو واحد من الناس ، يريد به النوع من الجنس ، فبهذا ما لا يجوز عليه لأنه تشبيه ، وجل ربنا عن ذلك وتعالى .
وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شِبْهٌ ، كذلك ربنا ، وقول القائل : إنه عز وجل أحديُّ المعنى يعني به أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم . كذلك ربنا عز وجل » .
ومعني : « دعوه ، فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم » : أن هدفنا من حربنا مع أصحاب الجمل ، أن نصحح توحيدهم لأنه مثلوم ، لأنهم نصبوا لهم أنداداً من دون الله ودعوا الى طاعتها !
أَخَذَ- أخذاً - أخيذ - مأخوذ - إخاذة - اتخاذ
أخذ أخذهم
الأَخْذُ : حَوْزُ الشئ وتحصيله ، وذلك تارةً بالتناول نحو : مَعاذَ الله أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ « يوسف : 79 » وتارةً بالقهر نحو قوله تعالى : لا تَأْخُذُهُ سنة وَلا نَوْمٌ . « البقرة : 255 » .
ويقال : أخذته الحمَّى . وقال تعالى : وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ « هود : 67 » فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِـرَةِ وَالْأُولى . « النازعات : 25 » . وقال : وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى . « هود : 102 » .
ويُعبر عن الأسير بالأَخِيذِ والمأخوذ . والإتخاذ : افتعال منه ، ويُعدَّى إلى مفعولين ويجري مجرى الجعل ، نحو قوله تعالى : لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ . « المائدة : 51 » أَمِ اتَّخَـذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ « الشوري : 9 » فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا « المؤمنون : 110 » أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ : اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ الله « المائدة : 116 » .
وقوله تعالى : وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ . « النحل : 61 » فتخصيص لفظ المؤاخذة تنبيهٌ على معنى المجازاة والمقابلة لما أخذوه من النعم ، فلم يقابلوه بالشكر .
ويقال : فلان مأخوذٌ ، وبه أَخْذَةٌ من الجن ، وفلان يأخذ مَأْخَذَ فلان ، أي يفعل فعله ويسلك مسلكه ، ورجل أَخِيذٌ ، وبه أُخُذٌ كناية عن الرَّمَد . والإخاذة والإخاذ : أرض يأخذها الرجل لنفسه . وذهبوا ومن أخذ أَخْذَهُمْ وإِخْذَهُمْ .
ملاحظات
1 . الأخذ أوسع من « حوْز الشئ وتحصيله » الذي عرَّفه به الراغب ، فقد استعملت أخَذَ واتخذ وآخذ في القرآن في أكثر من 200 آية ، كفعل مساعد لعديد من الأفعال والأوصاف ، ومنها ما لا ينتظم تحت الحيازة والتناول .
فالأخذ في قوله تعالى : حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ ، ليس فيه حيازة واستيلاء ، وهو بمعنى استكملت زخرفها وتجللت به كأنها لبسته . وكذا قوله تعالى : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ . وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ . فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبـاً . فَمَنْ شَـاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً .
2 . ذكر الراغب أن وصف العقوبة بالمؤاخذة في آية : وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ . لأنه أخذٌ مقابل ما أخذ العاصي من النعم ولم يشكرها . والأصح تفسيره بأن الظلم أخْذٌ من حق الله أو حق الناس ، فالجزاء به أخذٌ عليه .
أَخٌ - إخوة - أخت - تأخيت - أخيَّةٌ
الأصل أَخَوٌ ، وهو المشارك آخرَ في الولادة من الطرفين أو من أحدهما ، أو من الرضاع . ويستعار في كل مشارك لغيره في القبيلة ، أو في الدين ، أو في صنعة ، أو في معاملة ، أو في مودة ، وفي غير ذلك من المناسبات .
قوله تعالى : لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ « آل عمران : 156 » أي لمشاركيهم في الكفر . وقال تعالى : إنمَا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 46 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ « الحجرات : 10 » أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً « الحجرات : 12 » .
وقوله : فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ « النساء : 11 » أي إخوانٌ وأخوات . وقوله تعالى : إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ « الحجــر : 47 » تنبيهٌ على انتفاء المخالفة من بينهم .
والأخت : تأنيث الأخ ، وجعل التاء فيه كالعوض من المحذوف منه . وقوله تعالى : يا أُخْتَ هارُونَ « مريم : 28 » يعني : أخته في الصلاح لا في النسبة ، وذلك كقولهم : يا أخا تميم .
وقوله تعـالى : أَخَا عَادٍ « الأحقاف : 21 » سماه أخاً تنبيهاً على إشفاقه عليهم شفقة الأخ على أخيه .
وعلى هذا قوله تعالى : وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ « الأعراف : 73 » وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ « الأعراف : 65 » وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ « الأعراف : 85 » . وقوله : وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهــا « الزخرف : 48 » أي من الآية التي تقدمتها ، وسماها أختاً لها لاشتراكهما في الصحة والإبانة والصدق .
وقوله تعالى : كلما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها « الأعراف : 38 » فإشارة إلى أوليائهم المذكورين في نحو قوله تعالى : أَوْلِياؤُهُمُ الطاغُوتُ « البقرة : 257 » .
وتأخَّيْت : أي تحريت تحري الأخ للأخ . واعتُبِرَ من الأخُوَّة معنى الملازمة فقيل : أخِيَّةُ الدابة .
ملاحظات
1 . التاء في أخت للتأنيث ، وليس فيها محذوف لتكون التاء بدله ، وعلى القول بأن أصل أخ أخوٌ ، فأصل أخت أخَوَةٌ وحذفت واوها .
2 . سمى القرآن الرسول أخاً لقومه في ثلاث عشـرة آية . وقرر الأخوة بين المؤمنين في آيات مثل قوله تعالى : فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً . إنمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُـوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ . وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً . فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ . رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولإ خْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ .
وحكم بالأخوة بين المنـافقيـن في آيات : الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا . وَ إِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ .
واستعمل الأخوة بمعنى أخوة النسب كقوله تعالى : وَإِنْ كَأن رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكل وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ . أما قولهم لمريم عليها السلام : يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَأن أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ ، فلم تكن مريم أخته ، لكن أخت هارون كانت مضـرب المثل في العفة .
3 . قال الخليل : 4/319 : « أخ وأخوان وإخوة وإخوان . وبيني وبينه أُخُوَّةٌ وإخَاءٌ . وتقول : آخيته . ولغة طئ : واخيته . والأخية : عود يعرض في الحائط ، تشد إليه الدابة ، وتجمع على الأواخي . وكذلك قالوا : إخوان ، وهم الإخوة إذا كانوا لأب ، وهم الإخوان إذا لم يكونوا لأب . وفي القرآن : فأصْلِحُوا بينَ أخَوَيْكم .
والأخت : كان حدها أَخَهْ والإعراب على الهاء والخاء في موضع الرفع ، ولكنها انفتحت لحال هاء التأنيث ، لأنها لاتعتمد إلا على حرف متحرك بالفتحة ، وأسكنت الخاء فحول صرفها على الألف ، وصارت الهاء تاء كأنها من أصل الكلمة ، ووقع الإعراب على التاء ، وألزمت الضمة التي كانت في الخاء الألف » .
4 . فسر الراغب تأخيت بأنه : تحري الأخ لأخيه ، والظاهر أنه من توخَّى الشئ بمعنى قَصَدَه . قال ابن منظور « 15/383 » : « التَّوَخِّي بمعنى التَّحَري للحق . . وربما قلبت الواو أَلفاً فقيل : تأَخَّيْت » . ففيه معنى القصد والتحري ، وليس فيه معنى الأخوة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 47 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
آخِر- آخرة - أُخَر- أخَّرَ - تأخيراً - أَخِرَة
آخِر : يقابل به الأول وآخَر يقابل به الواحد . ويعبَّر بالدار الآخرة عن النشأة الثانية ، كما يعبَّر بالدار الدنيا عن النشأة الأولى ، نحو : وَإن الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ . « العنكبوت : 64 » . وربما تُرك ذكر الدار نحو قوله تعالى : أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ « هود : 16 » .
وقد توصف الدار بالآخرة تارةً ، وتضاف إليها تارةً نحو قوله تعالى : وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ « الأنعام : 32 » وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا « يوسف : 109 » . وتقدير الإضافة : دار الحياة الآخرة .
وأُخَر : معدولٌ عن تقدير ما فيه الألف واللام وليس له نظير في كلامهم ، فإن أفعل من كذا إما أن يذكر معه مِنْ لفظاً أو تقديراً ، فلا يثنى ولايجمع ولا يؤنث . وإما أن تحذف منه مِنْ فيدخل عليه الألف واللام فيثنى ويجمع . وهذه اللفظة من بين أخواتها جُوَّز فيها ذلك من غير الألف واللام .
والتأخير : مقابل للتقديم ، قال تعالى : بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ « القيامة : 13 » ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ « الفتح : 2 » إنما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ « إبراهيم : 42 » رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ « إبراهيم : 44 » .
وبعته بِأَخِرَةٍ . أي بتأخير أجل ، كقوله : بِنَظِرَة . وقولهم : أبعد الله الأَخِرَ ، أي المتأخر عن الفضيلة وعن تحرِّي الحق .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 48 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
1 . استعمل القرآن تأخَّرَ بالمعنى الحقيقي : وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْه . والمجازي للتأخر في الإيمان : لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ .
2 . واستعمل وصْف النشأة الأولى والآخرى والآخرة : وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأولى . وَإن عَلَيْهِ النَّشْـأَةَ الأُخْرَى ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ . واستعمل وصْـــف الأولى والآخـرة : لَهُ الْحَمْـدُ فِي الأولى وَالآخِرَةِ . وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولى .
3 . والأوَّلِين والآخرين لأمم الأنبياء عليهم السلام : وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِىٍّ فِي الأولينَ . ثُلَّةٌ مِنَ الأولينَ . وَقَلِيــلٌ مِنَ الآخِـرِينَ . وَاجْعَلْ لِي لِسَـــانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ . والمستقــدمين والمستأخرين : وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ .
4 . والآخــرون : مفهومهــا نسـبي : أَلَمْ نُهْلِكِ الأولينَ . ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ . كَذَلِكَ نَفْعَــلُ بِالْمُجْرِمِينَ . مَا سَـمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ .
5 . واستعمل الأخرى بمعنى آخر الهاربين في أحد : وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ .
6 . واستعمل وعد الأولى والآخرة ، لعقوبة بني إسرائيل : فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَـا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا . فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ .
7 . ووصف الآخرة بأوصاف عديدة وسمى الدنيا الحياة الدنيا ، ولم يعبر عن الآخرة بالحياة أبداً ، بل بالدار : وَإن الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ، إشارة الى أنها أكبر من الحياة التي نعرفها .
8 . استعمل الإمام الهادي عليه السلام في الزيارة الجامعة الآخرة والأولى مقابل الدنيا ، فقال : « السلام على أئمة الهدى . وحجج الله على أهل الدنيا ، والآخرة والأولى » . لأن العوالم ثلاثة ، أولها عالم الذر ، وعبر عنه بالأولى ، ثم الدنيا ثم الآخرة .
أدَّ - إدّاً - أديداً
قال تعالى : لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا « مريم : 89 » أي أمراً منكراً يقع فيه جَلَبَة ، من قولهم : أدَّت الناقة تئدُّ ، أي رجَّعت حنينها ترجيعاً شديداً . والأديد : الجلبة ، وأدَّ قيل : من الود ، أو من : أدَّت الناقة .
ملاحظات
1 . فسر اللغويون الإدَّ بالأمر الفظيع ، ولم يذكر أحدالجَلَبَة التي أدخلها الراغب في معناه ، كما أنه أخذ أديد الناقة من الجوهري « 2/440 » لكن أضاف اليه الشدة ! وقد يستوجب الأدُّ الجَلَبة والضجة ويكون شديداً ، لكنهما ليسا جزءً من معناه . قال الخليل « 8/101 » : « لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا ، أي أمراً فظيعاً » . وقال ابن فارس « 1/12 » : « فالإدّ هو الأمر العظيم . قال الله تعالى : لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا ، أي عظيماً من الكفر » .
2 . يبدو أن آدَهُ يؤوده ، وأدَّهُ يئدُّه من أصل واحد بمعنى أثقله ، والعجيب أن الراغب وغيره لم يذكروا ذلك . قال ابن منظور : « 3/74 » : « أود : آدَه الأَمرُ أَوْداً وأُوُوداً : بلغ منه المجهود والمشقة ، وفي التنزيل العزيز : ولا يؤُوده حفظهما؛ قال أَهل التفسير وأَهل اللغة معاً : معناه ولا يكرثه ولا يثقله ولا يشق عليه مِن آده يؤُوده أَوْداً » .
وقال : « 2/71 » : « أَدّه الأَمر يؤُدّه ويئدّه إِذا دهاه . . وفي حديث عليّ رضي الله تعالى عنه ، قال : رأَيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت : ما لقيت بعدك من الإِدَدِ والأَوَدِ؛ الإِدد بكسر الهمزة : الدواهي العظام واحدتها إِدّة بالكسر والتشديد . والأَوَدُ : العوج . . وأَدُّ الناقة : حنينها ومدّها لصوتها . وأَدّ البعيرُ يؤدّ أَدّاً : هَدَرَ » .
فيكون معنى أدت الناقت : حَنَّت لما دهاها .
أدَاء - استأدى
الأداء : دفع الحق دفعةً وتوفيته ، كأداء الخراج والجزية ، ورد الأمانة قال تعالى : فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ . إن اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا . وقال : وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ . وأصل ذلك من الأداة ، يقال أدَوْتَ تفعل كذا أي احتلت ، وأصله تناولت الأداة التي بها يتوصل إليه . واسْتَأْدَيْتُ على فلان : نحو استعديت .
ملاحظات
1 . الأداء مطلق دفع الحق ، سواء أدَّاه دفعةً أو دفعات ، وسواء كان أداؤه ناقصاً أو كاملاً ، والأداء الناقص نوعٌ من الأداء .
2 . جعل الراغب الأداء مشتقاً من الأداة ، قال : « وأصل ذلك من الأداة ، يقال : أدَوْتَ تفعل كذا أي احتلت » . والصحيح أن الأداة من أدَوَ ، ومعناها الوسيلة والحيلة . والأداء من أدَيَ ، ومعناه الإيصال ، فهما أصلان لا أصلٌ واحد .
قال ابن فارس « 1/73 » : « الأدْوُ : كالختل والمراوغة ، يقال أدَى يأدُو أدْوَاً . وهذا شئ مشتق من الأداة لأنها تعمل أعمالاً حتى يوصل بها إلى ما يراد . ومن هذا الباب استأديت على فلان بمعنى استعديت ، كأنك طلبت به أداة تمكنك من خصمك . وآدَيْتُ فلاناً أي أعنته » . ثم قال ابن فارس : « أَدَيَ . إيصال الشئ إلى الشئ ، أو من تلقاء نفسه . قال الخليل أدَّى فلانٌ يؤدي ما عليه أداءً وتأدية . وتقول : فلان آدى للأمانة منك » .
لكن الراغب خلطهما فجعل أداء الأمانة من الأداة ! ولعله وقع في الخطأ من عبارة الخليل التي فيها انتقال موهم من أدَيَ الى أدَوَ ! قال « 8/98 » : « وأدَّى فلان ما عليه أداء وتأدية ، وفلان آدَى للأمانة من فلان . وألف الأداة هي الواو ، لأنك تقول أدوات » .
واستأدَيْتُ على فلان : التي جعلها ابن فارس من أَدَوَ ، لا تستعمل إلا نادراً ، وهي غير استأديْتُ فلاناً ، من أديَ ، وهي السائدة .
3 . لم أجد : أدوت تفعل كذا في لغة العرب ، وأظنه من مخترعات الراغب !
4 . لم يستعمل القرآن الأداة أبداً ، واستعمل الأداء ست
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 49 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مرات ، أربع منها في أداء الأمانة ، كقوله تعالى : إن اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَـا . فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ . وواحدة في الدية : فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ . وواحدة في مطالبة موسى عليه السلام بأداء بني إسرائيل اليه : أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللهِ .
آدَمُ - أديم - إدام - يؤدم
آدم : أبو البشر ، قيل سُمِّي بذلك لكون جسده من أديم الأرض . وقيل لسمرةٍ في لونه ، يقال رجل آدم نحو أسمر . وقيل سمي بذلك لكونه من عناصر مختلفة وقوى متفرقة ، كما قال تعالى : مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ « الإنسان : 2 » . ويقال : جعلت فلاناً أَدَمَة أهلي ، أي خلطته بهم . وقيل سُمي بذلك لما طُيِّبَ به من الروح المنفوخ فيه ، المذكور في قوله تعالى : وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي « الحجر : 29 » وجعل له العقل والفهم والرَّوِيَّة التي فُضِّل بها على غيره ، كما قال تعالى : وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا « الإسراء : 70 » وذلك من قولهم : الإدام ، وهو ما يُطَيَّبُ به الطعام ، وفي الحديث : لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما . أي يؤلف ويطيب .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن إسم آدم أبي البشر عليه السلام خمساً وعشرين مرة . وذكر اللغويون وجهين في اشتقاقه : من أديم الأرض ، أو من الأدمة بمعنى الإتفاق . قال الخليل « 8/88 » : « الأدم : الإتفاق ، وأدَمَ الله بينهما يأدم أدماً ، وآدم بينهما إيداماً . ويقال بينهما أدمة وملحة أي خلطة . وأديم كل شئ ظاهرٌ جلده ، وأدمة الأرض وجهها ، وقيل سمي آدم لأنه خلق من أدمة الأرض . والإدام والأدم : مايؤتدم به مع الخبز » .
والمعروف أن آدم عليه السلام سمي به لأنه خلق من أديم الأرض أي وجهها ، وهو المروي عن الإمام الصادق عليه السلام « علل الشرائع : 1/15 » . وقد يكون توافق الجسد والروح وائتدامهما ملحوظاً في إسمه ، بل لعله ملحوظٌ في تسمية أديم الأرض الذي خلق منه آدم عليه السلام .
2 . قال ابن فارس « 1/71 » : « أدم : أصل واحد وهو الموافقة والملاءمة ، وذلك قول النبي صلى الله عليه وآله للمغيرة بن شعبة وخطب امرأة : لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما . قال أبو عبيد : ولا أرى هذا إلا من أدم الطعام لأن صلاحه وطيبه إنما يكون بالإدام . وكذلك يقال طعام مأدوم . آدم الله بينهما يؤدم إيداماً ، فهو مؤدم بينهما » . فمعنى الحديث « الوسائل : 14/61 ، وأحمد : 4/245 » : يوفق بينكما كما وُفِّق بين الخبز والإدام . فهو من الإدام وليس الأدمة . كما تخيل الراغب .
3 . جعل الراغب الإدام ما يُطَيِّبُ الطعام ، وهو الطعام نفسه ، الذي يؤتدم به مع الخبز , ليس ما يطيبه .
أُذُنً - إذَن - أذن - أذان - مؤذن - استئذان - إذَن
الأذُن : الجارحة ، وشُبِّه به من حيث الحلقة أذن القدر وغيرها ، ويستعار لمن كثر استماعه وقوله لما يسمع ، قال تعالى : وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ « التوبة : 61 » أي استماعه لما يعود بخيرٍ لكم .
وقوله تعالى : وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً « الأنعام : 25 » إشارة إلى جهلهم ، لا إلى عدم سمعهم .
وأَذِنَ : استمع ، نحو قوله : وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحقتْ « الإنشقاق : 2 » ويستعمل ذلك في العلم الذي يتوصل إليه بالسماع ، نحو قوله : فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ الله وَرَسُولِهِ . « البقرة : 279 » .
والأُذن والأذان : لما يسمع . ويعبر بذلك عن العلم ، إذ هو مبدأ كثيرٍ من العلم فينا ، قال الله تعـالى : ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي « التـوبة : 49 » وقـال : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ « إبراهيـم : 7 » . وأذنته بكذا وآذنته بمعنى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 50 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والمُؤَذِّن : كل من يُعْلِم بشئ نداءً ، قال تعالى : ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ « يوسف : 70 » فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ « الأعراف : 44 » وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ . « الحج : 27 » . والأَذِين : المكان الذي يأتيه الأذان .
والإِذنُ في الشئ : إعلام بإجازته والرخصة فيه ، نحو : وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ الله « النساء : 64 » أي بإرادته وأمره .
وقوله : وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ الله « آل عمران : 166 » وقوله : وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ الله « البقرة : 102 » وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ الله « المجادلة : 10 » قيل : معناه بعلمه ، لكن بين العلم والإذن فرقٌ ، فإن الإذن أخص ولا يكاد يستعمل إلا فيما فيه مشيئة به ، راضياً منه الفعل أم لم يرض به ، فإن قوله : وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ الله « يونس : 100 » فمعلوم أن فيه مشيئته وأمره .
وقوله : وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ الله « البقرة : 102 » ففيه مشيئته من وجهٍ ، وهو أنه لاخلاف أن الله تعالى أوجد في الإنسان قوة فيها إمكان قبول الضرب من جهة من يظلمه فيضرُّه ، ولم يجعله كالحجر الذي لا يوجعه الضرب ، ولا خلاف أن إيجاد هذا الإمكان من فعل الله ، فمن هذا الوجه يصح أن يقال : إنه بإذن الله ومشيئته يلحق الضرر من جهة الظالم ، ولبسط هذا الكلام كتاب غير هذا .
والإستئذان : طلب الإذن ، قال تعالى : إنما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالله « التوبة : 45 » فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ « النور : 62 » .
وإِذَنْ : جواب وجزاء ، ومعنى ذلك إنه يقتضي جواباً أو تقدير جواب ، ويتضمن ما يصحبه من الكلام جزاءً .
ومتى صُدِّرَ به الكلام وتعقَّبه فعلٌ مضارعٌ ينصبه لا محالة ، نحو : إذن أخرجَ . ومتى تقدمه كلام ثم تبعه فعلٌ مضارعٌ يجوز نصبه ورفعه نحو : أنا إذن أخرجَ وأخرجُ . ومتى تأخر عن الفعل أو لم يكن معه الفعل المضارع لم يعمل ، نحو : أنا أخرجُ إذن ، قال تعالى : إنكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ . « النساء : 140 » .
ملاحظات
1 . جعل الراغب مادة أَذِنَ مشتقة من الأُذن الجارحة ، فاضطر أن يدخل فيها معنى السمع أو العلم الناتج عن السمع ، فجعل قوله تعالى : وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحقتْ ، بمعنى سمعت . وجعـل : إئْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي ، يتضمن معنى السـماع والعلم ، أي أعلمني .
والصحيح قول ابن فارس « 1/75 » : « أصلان . . أحدهما : أذُن كلِّ ذي أُذُن . ويقال للرجل السامع من كل أحد : أذُن . والأصل الآخر : العلم والإعلام . تقول العرب : قد أُذِنْتُ بهذا الأمر أي عَلِمت . وآذنني فلانٌ : أعلمني . والمصدر : الإذن والإيذان » .
فقد رأى ابن فارس أنه لا يمكن إرجاع مشتقات أذن الى الأذن الجارحة ، ولا الى السماع بها ، فجعلها أصلين : بمعنى الإذن والعلم . وهو كلامٌ قويٌّ . ويفهم ذلك من كلام الخليل أيضاً « 8/200 » .
2 . معنى قوله تعالى : إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحقتْ ، أنها انصاعت بالحق الذي لربها عليه ، ففي تفسير القمي « 2/413 » : « أي أطاعت ربها وحُقت ، وحَقَّ لها أن تطيع ربها » . ومعنى قوله تعالى : إئْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي : لا تجبرني على الذهاب الى الحرب فأفتتن وأكفر . فالإذن فيها بمعنى الإجازة ، وليس فيه معنى السماع . وقوله تعالى : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ ، وقوله : فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ . بمعنى الإعلان والإعلام ، وليس فيه سماع .
3 . استعمل الإذن في القرآن بمعانٍ :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 51 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
منها : إذن الله بوقوع الشئ تكويناً كقوله تعالى : فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ . وَمَا كَأن لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللهِ . يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ . تُؤْتِي أُكُلَهَا كل حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا .
ومنها : إذنٌ بمعنى الإجازة ، كقوله : شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الله فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ . أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ . حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي . لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ .
ومنهــا : بمعنى الأمر به : فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ .
ومنها : تأذَّنَ به بمعنى تعهَّد وأعلن : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ . وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
ومنها : آذنه ، بمعنى أقرَّ له : وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ .
أذَى - إيذاءً - تأذى - أذيَّة - مؤذٍ -آذي
الأذَى : ما يصل إلى الحيوان من الضرر ، إما في نفسه أو جسمه أو تبعاته ، دنيوياً كان أو أخروياً ، قال تعالى : لاتُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى « البقرة : 264 » .
قوله تعالى : فَآذُوهُما « النساء : 16 » إشارة إلى الضرب . ونحو ذلك في سورة التوبة : وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ « التوبة : 61 » ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى « الأحزاب : 69 » وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا . « الأنعام : 34 » . وقال : لِمَ تُؤْذُونَنِي « الصف : 5 » . وقوله : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً . « البقرة : 222 » فسمَّى ذلك أذىً باعتبار الشرع ، وباعتبار الطب على حسب ما يذكره أصحاب هذه الصناعة .
يقال : آذَيْتُهُ أو أَذَيْتُهُ إِيذاءً وأذيَّةً وأذىً . ومنه الآذيّ ، وهو الموج المؤذي لركاب البحر .
ملاحظات
1 . يشمل الأذى كل ما يؤذي إنساناً أو غيره ، قال الخليل « 3/50و : 8/206 » : « وكل شئ نحيته عن شئ ، فقد نقحته من أذى . وهو الشئ تتكرهه » . وقال ابن فارس « 1/78 » : « الأذى كل ما تأذيت به ، ورجل أذيٌّ أي شديد التأذي » .
2 . ذكر القرآن الُمؤْذِينَ لله ورسـوله صلى الله عليه وآله : إن الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ . وَمَا كَأن لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ . والمؤذين للمؤمنين والمؤمنات ، قال تعالى : وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا . وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً .
وذكر أذى من يعطي الصـدقـة : لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى . خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً .
وأذى المرض : أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِه . إِنْ كَان بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ . وأذى المحيض : وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً .
وأذى العقوبة : وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا .
إِذَا - إذ
إذا : يعبر به عن كل زمان مستقبل ، وقد يُضَمَّن معنى الشرط فيجزم به وذلك في الشعر أكثر .
وإذْ : يعبر به عن الزمان الماضي ، ولا يجازى به إلا إذا ضُمَّ إليه ما نحو : إذْمَا أتيت على الرسول فقل له .
ملاحظات
1 . معنى كلام الراغب أن إذا الفجائية أكثر استعمالاً من الشرطية ، لكن الشرطية أكثر استعمالاً ، وكلاهما أصل .
2 . ذكر الراغب « إِذَنْ » في فعل أذِنَ ، ومكانها هنا ، وقد استعملها القرآن بشكل واسع ، وكذلك إذَا وإذْ .
3 . فيما يلي خلاصة عن إذا وأخواتها من المغني لابن هشام
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 52 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
« 1/87 » : إذا الفجائية : تختص بالجمل الإسمية ولا تحتاج إلى جواب ، ومعناها الحال لا الإستقبال نحو : خرجت فإذا الأسد بالباب .
ولم يقع الخبر معها في التنزيل إلا مصرحاً به نحو : فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى . فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ . فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ . فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ . فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ .
إذا الشـرطية : ظرفٌ للمستقبل ، وتختص بالجملة الفعلية عكس الفجائية ، وقد اجتمعا في قوله تعالى : ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُـمْ تَخْرُجُـونَ . وقوله تعالى : فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ . ويكون الفعل بعدها ماضياً ، ومضارعاً .
وقد تجئ للماضي كقوله تعــالى : وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُــمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْـهِ تَوَلَّوا . وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا . أو للحال بعد القسم نحو : وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى . وقد يقرن جوابها بإذا الفجائية نحو : ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ . وقيل إنَّها في قوله تعالى : وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ . وقوله : وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ . ظرف لخبر المبتدأ بعدها ، ولو كانت شرطية لاقترنت بالفاء مثل : وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَئ قَدِيرٌ .
إِذَنْ : قال الجمهور إنها حرف ، حذفت بعده الجملة وعوض عنها بالتنوين كقـولـه تعالى : وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا . فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا .
إذْ : تأتي إسماً للزمن الماضي ، فتكون ظرفاً ، نحو : فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّـهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا . أو مفعولاً به ، نحو : وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا . وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ . أو مضافاً إليها إسـم زمان نحو : يَوْمَئِذٍ ، بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا .
وتأتي إذْ للتعليل ، نحو : وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ . وتأتي مضافة إلى جملة نحو : وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ . وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ . وقد تحذف الجملة ويعوض عنها التنوين نحو : وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . « المغني : 1/80 » .
أَرَبَ - إرْباً - أريب - أرَّبَ - أرَبَّ - آراب
الأرَب : فَرْطُ الحاجة المقتضي للإحتيال في دفعه ، فكل أربٍ حاجة وليس كل حاجة أرباً . ثم يستعمل تارة في الحاجة المفردة ، وتارة في الإحتيال وإن لم يكن حاجة ، كقولهم : فلان ذو أربٍ ، وأريب ، أي ذو احتيال ، وقد أَرِبَ إلى كذا ، أي احتاج إليه حاجةً شديدة . وقد أَرِبَ إلى كذا أَرَباً وأُرْبَةً وإِرْبَةً ومَأْرَبَةً .
قال تعـالى : وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى . « طه : 18 » . ولا أَرَبَ لي في كذا ، أي ليس بي شدة حاجة إليه ، وقوله : أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ « النور : 31 » كناية عن الحاجـة إلى النكاح . وهي الأُرْبَى ، للداهية المقتضية للإحتيال .
وتسمَّى الأعضاء التي تشتد الحاجة إليها آراباً الواحد : إِرْب ، وذلك أن الإعضاء ضربان : ضربٌ أوجد لحاجة الحيوان إليه كاليد والرجل والعين . وضربٌ للزينة ، كالحاجب واللحية . ثم التي للحاجة ضربان : ضرب لا تشتد الحاجة إليه . وضرب تشتد الحاجة إليه ، حتى لو تُوُهِّمَ مرتفعاً لاختل البدن به اختلالًا عظيماً وهي التي تسمى آراباً . وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال : إذا سجد العبد سجد معه سبعة آرابٍ : وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه .
ويقال : أَرَّبَ نصيبه أي عَظَّمه ، وذلك إذا جعله قَدْراً يكون له فيه أرَب . ومنه : أرَّبَ ماله أي كثَّر . وأرَّبت العقدة : أحكمتها .
ملاحظات
1 . تبعَ الراغب بعض اللغويين الذين تكلفوا في معاني الإربة فجعل أرَبَ أصلاً واحداً ، وحاول تضمين فروعها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 53 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
معنى الحاجة الشديدة والحيلة ، وأفرط في ذلك حتى جعل أرَبَّ الرجل ماله ، من الإربة والحاجة ، وهو من ربَّه وأربَّه بمعنى ربَّاه ونمَّاه . وكذلك فعل في واربتُ العقدة أي أحكمتها ، وهو من وَارَبَ ، والعقدة المَوْرُوبة : المُحكمة .
فالإربة : من أرَب أصل . ورَبَّ المالَ وأربَّه : من ربَّى وأربَّ أصل . ووَارَبَ : بمعنى استعمل الحيلة للإربة أصل ، والآراب : بمعنى قطع البدن أصل . وقد وحدها الراغب فأفسد معناها ، وأجاد ابن فارس فقال « 1/89 » : « أرب : لها أربعة أصول إليها ترجع الفروع وهي : الحاجة ، والعقل ، والنصيب ، والعقد » .
2 . مما يدل على خطإ إدخال الحيلة في معنى الإِرْبَة ، أن الأريب العاقل ، قال الخليل « 8/289 » : « والإرْب : الحاجة المهمة ، الأريب : العاقل . وأرب الرجل يأرب إرباً . والمؤاربة : مداهاة الرجل ومخاتلته ، وفي الحديث : مؤاربة الأريب جهل وعناء ، لأن الأريب لا يخدع عن عقله » .
3 . لا أصل لحديث : السجود على سبعة آراب في مصادرالمسلمين . بل هو : على سبعة أعظم ، أو أعضاء . والآراب : كما نص الخليل قطع اللحم ، نعم شاع استعمال : قَطَّعَهُ إرباً إرباً ، بمعنى عضواً عضواً ، لكنه باعتبار تقطيع اللحم . وذكر ابن منظور أن الإرب العضو الكامل من البدن وليس كل قطعة ، وفسر حديث : أُتِيَ النبي صلى الله عليه وآله بكتف مُوَرَّب ، بكتف كامل ، ولعل تسميته بالإرب ، لأن قطعه يحتاج الى مواربة .
4 . يظهر من استعمال الإربة أن معناها الحاجة الملحة وليس المهمة . وسميت الشهوة الجنسية إربة ، كما في الصحيح عن زرارة قال : « سألت أباجعفر عليه السلام عن قول الله عز وجـل : أَوِ التابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ ؟ قال : الأحمق الذي لا يأتي النساء » . « الكافي : 5/523 » . وفي « نهج البلاغة : 2/184 » قال أمير المؤمنين عليه السلام : « و الله ما كانت لي في الخلافة رغبة ، ولا في الولاية إربة . ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها » . فاستعمل الإربة مقابل الرغبة ، وكأنها رغبة مع شهوة .
5 . قال الخليل « 8/289 » : « قطعت اللحم آراباً ، أي قطعاً . والإرْب : الحاجة المهمة » . وقال ابن فارس « 1/89 » : « الإرب العقل . قال ابن الإعرابي : يقال للعقل أيضاً إرب وإربة ، كما يقال للحاجة إربة وإرب . والنعت من الإرب : أريب ، والفعل أَرُبَ بضم الراء . ومن هذا الباب الفوز والمهارة بالشئ يقال : أربت بالشئ ، أي صرت به ماهراً . ومن هذا الباب المؤاربة وهي المداهاة ، كذا قال الخليل » . وبهذا تعرف كم ابتعد الراغب عن الجادة في هذه المادة .
أرَضَ - أرضون - تأرَّض - أريضة - أرََضة
الأرض : الجُرم المقابل للسماء ، وجمعه أرضون ولم تجئ مجموعةً في القرآن ، ويعبر بها عن أسفل الشئ كما يعبر بالسماء عن أعلاه . قال الشاعر في صفة فرس :
وأحمرُ كالديباج أما سماؤُه فَرَيَّا
وأمَّا أرْضُهُ فمُحُولُ وقوله تعالى : إعْلَمُوا إن الله يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهـا « الحديد : 17 » عبارة عن كل تكوين بعد إفساد ، وعودٍ بعد بدء ، ولذلك قال بعض المفسرين : يعني به تليين القلوب بعد قساوتها .
ويقال : أرضٌ أريضة ، أي حسنة النبت . وتأرَّضَ النَّبْتُ : تمكَّن على الأرض فكثر ، وتأرَّض الجَدْيُ : إذا تناول نبت الأرض .
والأَرَضَة : الدودة التي تقع في الخشب من الأرض . يقال : أُرِضَتِ الخشبة فهي مأروضة .
ملاحظات
1 . تعريف الراغب للأرض ركيك ، فكل كوكب ونجم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 54 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جرم يقابل السماء ، وأجاد الخليل فترك تعريفها لوضوحه ، قال « 7/55 » : « أرض : أرض وجمعها أرضون » . وقال ابن فارس فقال « 1/80 » : « والأرض التي نحن عليها ، وتجمع أرضين . ولم تجئ في كتاب الله مجموعة » .
2 . استعملت الأرض في القرآن ثلاث مئة وإحدى وستين مرة ، في موضوعات عن خلق السماوات والأرض ، وإسكان الإنسان وحياته ومستقبله فيها . فقد خلقها الله بالحق بقوانين صحيحة وهدف صحيح : خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض بِالْحق . ولم يخلقها عبثاً بدون قصد : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ . ولا باطلاً بدون هدف : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرض وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً .
وخلقها في ست مراحل ، اثنتان منها لتكوينها العام ، وأربع لإعدادها لحياة الإنسان : قُلْ أَإنكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُــونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ . وَجَعَلَ فِيهَـــا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ .
ورتب فيها نظام الزمن السنوي والشهري : إن عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض .
وأنظمة الإمطار والإنبات والإنهار : وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كل دَابَّةٍ .
وجعلها مهداً ، وسلك فيها سبلاً ، وجعلها كفاتاً وبساطاً وفراشاً ومهاداً وذلولاً ، ووضعها للأنام . وجعل فيها معايش ، وسخر ذلك للانسان . وجعل فيها أنواع الأمم من الدواب والطيور ، وتكفل رزق جميع من عليها .
فانتظمت قوانينها وفق إرادته ومشيئته : يُدَبِّرُ الأمر مِنَ السَّمَــاءِ إِلَى الأرض ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَأن مِقْدَارُهُ أَلْفَ سنة مِمَّا تَعُدُّونَ .
وهي في كل ذلك طائعة راضية ، لأنها وجود حي على خلاف ما نتصور ، وفي كل ذرة منها حياة وروح : تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَـاوَاتُ السَّــبْعُ وَالأرض وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ .
وقد دعاها الله عز وجل هي والسماء فأجابتا وأعلنتا خضوعهما : قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ .
وهي موحدة لله تعالى تمقت الشرك ، وتكاد تنشق من ادعاء المشركين وتَخِرُّ جبالها هداً . وبذلك استحقت أن تسمى الأرض المباركة .
وخلق الله الإنسان من ترابها ، ونطف ذرياته من غذائها ، وجعل حياتنا فيها تشبه دورة حياة النبات : وَ اللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرض نَبَاتاً ، فالعناصر الستة عشر التي يتركب منها جسم الانسان ، يتركب منها تراب الأرض . وأسكن آدم وأبناءه فيها : هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرض وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا .
والهدف منها الإعداد للحياة الآخرة : وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ : وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإن الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ . والطريق الى نيلها عبادة الله تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ .
وأراد تعالى أن تبقى معادلة الصراع بين الحق والباطل في الأرض قائمة ، فلم يسمح أن يعمها الفساد : وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْض .
وسمح أن يتداول حكمها الأبرار والفجار : أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَــا . حتى يحين وعده فيورثها للمؤمنين ويمكن لهم .
2 . وضع القرآن خمسة عشـر مصطلحاً تتعلق بالأرض ، هي : الخلافة في الأرض ، والباغون في الأرض ، والفرحون في الأرض ، والماشون في الأرض مرحاً وهوناً ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 55 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والمستكبرون والمستضعفون والعالون في الأرض ، والمثَّاقلون الى الأرض ، والتمكين في الأرض ، والإستقرار في الأرض ، والهجرة في الأرض ، والوارثون للأرض ، والأرض المباركة والمقدسة ، وأدنى الأرض وأقصاها ، والسير في الأرض ، والضرب والإنتشار في الأرض ، والإسكان والإستعمار في الأرض .
3 . الأرض الأريضة : الأرض الحسنة بنبتها أو بغيره . والأرضة : حشرة في الأرض ، والجدران ، والخشب ، والكتب ، وغيرها .
أَرِيك - أريكة - أرائك - أراك
الأريكة : حَجَلَة على سرير ، جمعها أرائك . وتسميتها بذلك إما لكونها في الأرض متخذة من أراك وهو شجرة ، أو لكونها مكاناً للإقامة من قولهم : أَرَكَ بالمكان أروكاً ، وأصل الأروك الإقامة على رعي الأراك ، ثم تجوز به في غيره من الإقامات .
ملاحظات
1 . الأريكة : السرير أو الكرسي الموضوع في حجلة أو مقصورة ، وقد جعلهما الخليل أريكة ، قال « 5/404 » : « الأريكة : سرير في حجلة ، فالحجلة والسرير أريكة » . ولايصح قولهم إنها سميت أريكة لأنها صنعت من شجر الأراك . والصحيح أنها من الأروك وهو المقام المريح ، وقد استعملت في القرآن لكراسٍ ذات جلسة مريحة ، في قوله تعـالى : مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْســـاً وَلا زَمْهَرِيرا . عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ .
2 . عبَّر النبي صلى الله عليه وآله بالأريكة عن كرسي الحكم بعده فقال : « لا ألفينَّ أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر مما أمرتُ به أو نهيتُ عنه ، فيقول : لا أدري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه » ! وقد صححه النقاد ، وهو من إخباره بالمغيبات بما حدث بعده ، حيث منعوا تدوين سنته صلى الله عليه وآله ! راجع : كتابألف سؤال وإشكال : 2/42 .
إِرَم- إرَّم - آرام - أريم
الإرَم : عَلَمٌ يبنى من الحجارة ، وجمعه آرَام . وقيل للحجارة إرمٌ ، ومنه قيل للمتغيظ يُحرِّق الإرَّم ، وقوله تعالى : إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ « الفجر : 7 » إشارة إلى أعمدة مرفوعة مزخرفة . وما بها إرمٌ وأريمٌ ، أي أحَدٌ ، وأصله اللازم للإرم .
وخص به النفي كقولهم : ما بها ديَّار ، وأصله للمقيم في الدار .
ملاحظات
1 . الآرامي : نسبة الى حضارة إرَم القديمة . واللغة الآرامية من اللغات المدونة المعروفة الى اليوم ، وكان يتكلم بها المسيح عليه السلام ، وبها نزل الإنجيل « قاموس الكتاب المقدس/44 » .
ويرى الباحث سعيد اللحام أنها مطورة عن النبطية والسـريانية ، وأنها هي العرمية التي تطورت الى العربية القديمة ثم الجديدة . « ابن أبي شيبة : 7/156 » .
وذكر في معجم المطبوعات العربية « 1/497 » كتاب الأصول الجليلة في نحو اللغة الأرامية ، تأليف : يعقوب أوجين الكلداني- 1896م . وترجم في الأعلام « 8/100 » لهنريك صموئيل نيبرغ S H Nyberg : من كبار المستشرقين من السويد أستاذ اللغات السامية ، وأتقن منها الآرامية والفهلوية ، وغيرها .
والذي يدخل في غرضنا كلمة « إرَم » التي وردت في قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ . إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ . الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ . ويظهر أنهــا إسم لعاصمة قبيلة عاد ، وأنها وصفت بذات العماد لأساطين قصورها الرخامية ، فجعلوا إسمها بمعنى الأعمدة أو الأعلام ، ورووا عنها أساطير . وروى الصدوق في كمال
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 56 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الدين/552 ، أثراً عن أبي وائل ، بعنوان : « حديث شداد بن عاد بن أرم ، وصفة إرم ذات العماد » . والمشهور أنها الأحقاف قرب حضرموت . وروي أنها دمشق . « معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام : 5/255 » .
2 . المؤكد أن إرم لفظة غير عربية ، فهي تعني الآراميين . وأقوال اللغويين فيها وتفريعاتهم عليها كلها احتمالات ، فقد جعلها الراغب العَلَم ، وجعلها الخليل ملتقى قبائل الرأس ، وجعل الأرمي العَلَمَ العادي نسبة الى عاد « العين : 8/296 » وجعلها الأصمعي الأصابع « غريب ابن قتيبة : 1/359 » وجعلها الجوهري « 5/1860 » الأضراس ، ومنه قولهم يحرَّق عليه الإرَّمَ ! وجعل ابن منظور « 12/13 » أرَّمَ بمعنى أكل . الخ . وقد تكون هوه الكلمات متأثرة بها . فلا يصح قول الراغب : وقيل للحجارة إرم ، ومنه قيل للمتغيظ يحرق عليه الإرم . بل هو من تحريق الأضراس من الغيظ !
أَزَّ - أزَّاً - أزيزاً
قال تعالى : تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ، أي ترجعهم إرجاع القدر إذا أزَّتْ ، أي اشتد غليانها . وروى أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي ولجَوْفِهِ أزيزٌ كأزيز المرجل . وأزَّهُ أبلغ من هَزَّهُ .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن أزَّ في آية واحدة : أَلَمْ تَرَ إنا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا . أي تدفعهم الى الكفر والشر دفعاً ، لا أنها تُفَوِّرُهم كغلي المرجل ، كما تخيل الراغب . قال الخليل في العين : 7/397 : « الأز ُّ : أن تَؤُزَّ إنساناً ، أي أن تحمله على أمر برفق واحتيال حتى يفعله ، كأنه يزين له » . ونحوه الصحاح : 3/854 ، ومقاييس اللغة : 1/13 .
وفي تفسير القمي : 2/55 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « مد لهم في طغيانهم وضلالهم ، وأرسل عليهم شياطين الإنس والجن تؤزهم أزاً ، أي تنخسهم نخساً ، وتحضُّهم على طاعتهم وعبادتهم » .
2 . فالأ زَّ : الدفع بحيلة ، ولا علاقة له بالأزيز الذي هو صوت غلْي القدر ، وصوت الرعد . فهما أصلان ، لا أصل واحد .
3 . لعل دزَّهُ ، لغة في أزَّهُ ، ويستعمله العراقيون فيقولون : دزَّ فلاناً أي دفعه الى عمل ، شر أو خير .
أزَرَ- إزار- مئزر- أزْرُه - آزره - تأزَّر - آزر
أصل الأزْر : الإزار الذي هو اللباس ، يقال : إزار وإزارة ومئزر . ويكنى بالإزار عن المرأة قال الشاعر :
ألا بلغ أباحفص رسولاً
فدىً لك من أخي ثقةٍ إزاري
وتسميتها بذلك لما قال تعالى : هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ « البقرة : 187 » . وقوله تعالى : أُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي « طه : 31 » أي أتقوى به .
والأزر : القوة الشديدة ، وآزره : أعانه وقوَّاه ، وأصله من شد الإزار ، قال تعالى : كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ « الفتح : 29 » يقال : آزرته فتأزّر ، أي شددت أزره ، وهو حسن الإزرة .
وأزرت البناء وآزرته : قوَّيت أسافله ، وتأزَّر النَّبْتُ : طال وقوي . وآزرته ووازرته : صرت وزيره ، وأصله الواو . وفرس آزر : انتهى بياض قوائمه إلى موضع شد الإزار . قال تعالى : وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ « الأنعام : 74 » قيل : كان إسم أبيه تارخ فعُرِّب فجعل آزر ، وقيل : آزر معناه الضال في كلامهم .
ملاحظات
1 . وردت مادة أزَرَ في آيتين ، في طلب موسى من ربه أن يشد أزره بأخيه : هَارُونَ أَخِي أشْدُدْ بِهِ أَزْرِي . أي قوِّ به ظهري .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 57 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي وصف أئمة العترة عليهم السلام بأبناء الزرع الذي يشد أزر أصله صلى الله عليه وآله : وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ .
وقد تفاوت كلام الراغب في أزَرَ ، فقال هنا إن أصله الإزار ، وفرع عليه مواده ، وقال في أواخر كتابه : « الوزَر الملجأ الذي يُلْتَجَأُ إليه من الجبل . والوِزْر الثقل تشبيهاً بوَزَر الجبل » وفرَّعَ عليه مواده !
والصحيح ما ذكره الخليل من أن الأزر الظهر ، ومنه الإزار والمئزر لأنه يشده ، ومنه الوزير لأنه يشد الأزر . ومنه الوِزْر بمعنى الإثم كأنه ثقل على الظهر .
أما آزر ، فلا علاقة له بالأزر ، لأنه ليس عربياً وتقدم أن آزر عمُّ إبراهيم عليه السلام ووالده تارخ ، لأنه استغفر له في أواخر عمره .
والأصح تفسير قول الشاعر :
فدىً لك من أخي ثقةٍ إزاري
بأنه قصد نفسه وأهله
لأن العرب لا تفدي بالزوجة
أَزِفَ - أزِفَةً - آزفة
قال تعالى : أَزِفَتِ الْآزِفَةُ « النجم : 57 » أي دَنَت القيامة . وأزِفَ وأفِدَ يتقاربان ، لكن أزف يقال اعتباراً بضيق وقتها ، ويقال : أزف الشخوص .
والأَزَفُ : ضيق الوقت ، وسميت به لقرب كونها ، وعلى ذلك عبَّر عنها بالسـاعة . وقيل : أَتى أَمْرُ الله « النحل : 1 » فعبر عنها بالماضي لقربها وضيق وقتها ، قال تعالى : وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ . « غافر : 18 » .
ملاحظات .
استعملت مادة أزَفَ في آيتين : أَزِفَتِ الآزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ . ومعنى أَزِفَ : قَرُبَ أن يقع . وسميَ يوم القيامة يوم الأزفة ، قال تعالى : وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الأَزِفَةِ . أما الآزفة : بالمد فهي التي ستأزف ، ومعناه أن وقوعها أو قرب وقوعها قطعي .
أَسَّ - أساس - آساس - أُسُس
أَسَّسَ بنيانه : جعل له أُسّاً ، وهو قاعدته التي يبتنى عليها ، يقال : أُسٌّ وأَسَاسٌ . وجمع الأس : إِسَاسٌ ، وجمع الإساس : أُسُس ، يقال : كان ذلك على أُسِّ الدهر كقولهم : على وجه الدهر .
ملاحظات
استعمل الأساس في قوله تعالى : لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التقْوَى . في النية والهدف من البناء ، وهو أعمق من الأساس المادي .
أَسِفَ - أسفاً - أسيف
الأَسَفُ : الحزن والغضب معاً ، وقد يقال لكل واحدٍ منهما على الإنفراد . وحقيقته : ثوران دم القلب من شهوة الإنتقام ، فمتى كان ذلك على من دونه انتشـر فصار غضباً ، ومتى كان على من فوقه انقبض فصار حزناً . ولذلك سئل ابن عباس عن الحزن والغضب فقال : مخرجهما واحد واللفظ مختلف ، فمن نازع من يقوى عليه أظهره غيظاً وغضباً ، ومن نازع من لا يقوى عليه أظهره حزناً وجزعاً . وبهذا النظر قال الشاعر :
فَحُزْنُ كل أخي حُزْنٍ أخو الغَضَبِ
وقوله تعالى : فَلما آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ . « الزخرف : 55 » أي أغضبونا . قال أبو عبد الله ابن الرضا : إن الله لا يأسف كأسفنا ، ولكن له أولياء يأسفون ويرضون ، فجعل رضاهم رضاه وغضبهم غضبه ، قال : وعلى ذلك قال : من أهان لي وليّاً فقد بارزني بالمحاربة . وقال تعالى : مَنْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 58 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله .
وقوله تعالى : غَضْبانَ أَسِفاً . « الأعراف : 150 » . والأسيف : الغضبان ، ويستعار للمستخدم المسخَّر ، ولمن لا يكاد يسمى فيقال : هو أسيف .
ملاحظات
فسر كثير من اللغويين الأسف بالغضب مع أنهما غير متلازمين ، ولذا تقول : أسف فغضب ، قال تعالى : وَلما رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً . أي غاضباً متحسراً لما حدث . ومعنى : فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَـذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا : هل تقتل نفسك بتأسفك عليهم لعدم إيمانهم؟ ! « تفسير القمي : 2 : 31 » .
وسبب نسبة الحكومات الأسف والغضب الى الله تعالى أن وهب بن منبه وهو حاخام أو قسيس مقرب من السلطة ، غضب على شخص : « فضربه على قرنه بعصاً فإذا دماؤه تشخب . فقال وهب : وما لي لا أغضب وقد غضب خالق الأحلام ! إن الله تعالى يقـول : فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ ، يقول أغضبونا » . « تهذيب الكمال : 20/33 » . وقد ردَّ ذلك أهل البيت عليهم السلام .
وما ذكره الراغب عن الإمام الرضا فهو عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام رواه في الكافي : 1/144 ، قال : « إن الله عز وجل لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون ، وهم مخلوقون مربوبون ، فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه ، لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه . ولو كان يصل إلى الله الأسف والضجر وهو الذي خلقهما وأنشأهما لجاز لقائل هذا أن يقول : إن الخالق يبيد يوماً ما ، لأنه إذا دخله الغضب والضجر دخله التغيير ، وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة ، ثم لم يعرف المكوِّن من المكوَّن ولا القادر من المقدور عليه ، ولا الخالق من المخلوق ، تعالى الله عن هذا القول علواً كبيراً ، بل هو الخالق للأشياء لا لحاجة ، فإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه » .
وقصده بهؤلاء الأولياء : النبي صلى الله عليه وآله وعترته الأئمة عليهم السلام .
أسَرَ- أسراً - أسير - مأسور
الأسْر : الشدُّ بالقيد من قولهم أسَرْتُ القَتَب ، وسمي الأسير بذلك ، ثم قيل لكل مأخوذ ومقيد وإن لم يكن مشدوداً ذلك . وقيل في جمعه أُسَارى وأَسَارى وأسْرى . وقال : وَيَتِيماً وَأَسِيراً . ويتجوز به فيقال أنا أسير نعمتك . وأسرة الرجل : من يتقوى به . قال تعالى : وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ . « الإنسان : 28 » إشارة إلى حكمته تعالى في تراكيب الإنسان ، المأمور بتأملها وتدبرها في قوله تعالى : وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ « الذاريات : 21 » . يقال : أراد الخلق ، ويقال : بل أراد مجري ما يخرج من السبيلين .
والأَسْر : احتباس البول ، ورجل مَأْسُور : أصابه أسرٌ ، كأنه سد منفذ بوله . والأسر في البول كالحصر في الغائط .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن لفظ الأسير : وَيُطْعِمُونَ الطعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . والأسارى : وَإِنْ يَاتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ . والمضارع من أسر : فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً .
2 . لا يصح القول إن شددنا أسرهم مأخوذ من الأسير وأسر البول . فالأسر هنا بمعنى الخلق ، قال ابن منظور : 4/19 : « الأسر : في كلام العرب : الخلق . قال الفراء : أسْرُ فلان أحسن الأسر أي أحسن الخلق ، وأسره الله أي خلقه ، وهذا الشئ لك بأسره أي بقده ، يعني كما يقال برمته » . والعين : 7/32 ، وإصلاح المنطق/185 . فالمعنى شددنا خلقهم وبناءهم ، شبيهاً بقولك شددنا أزرهم . وقد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 59 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ساوى الراغب بين القولين فقال : « وشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ، يقال أراد الخلق ، ويقال بل أراد مجرى مايخرج من السبيلين » . ولعله رجح الثاني ، وهو ركيك !
أسَنَ - آسن
يقال أسِنَ الماءُ يَأْسَنُ ، وأسن يأسن : إذا تغير ريحه تغيراً منكراً . وماءٌ آسن . قال تعالى : مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ . « محمد : 15 » . وأَسِنَ الرجل : مرض . من أسن الماء ، إذا غشيَ عليه . قال الشاعر :
يَمِيدُ في الرُّمْحِ مَيْدَ المائحِ الأسِنِ
وقيل تأسن الرجل : إذا اعتل ، تشبيهاً به .
ملاحظات
أَسِنَ الماء : تغير طَعمه « العين : 7/307 » ولا يشترط فيه شدة التغير ولا تغير رائحته . قال الله تعالى لنبيه عزير عليه السلام : فَأنظر إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ . ومعنى قوله تعالى : فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُه : أن مـاءها ولبنها لايقبـل التغير ذاتاً .
أسَوَ - أُسوةً - أسى - آسى - أسوان - أسَوَ
الأسوة : كالقدوة ، والقدوة هي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره ، إن حَسَناً وإن قبيحاً ، وإن سارَّاً وإن ضارَّاً ، ولهذا قـال تعالى : لَقَدْ كَأن لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسنة ، فوصفها بالحسنة ، ويقال : تأسيت به .
والأسى : الحزن ، وحقيقته إتْباع الفائت بالغم ، يقال : أسَيْتُ عليه أسَىً وأسيت له . قال تعالى : فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ . « المائدة : 68 » وقال الشاعر :
أَسِيتُ لأخوالي ربيعة
وأصله من الواو ، لقولهم : رجل أسوان ، أي حزين . والأَسْوُ : إصلاح الجرح ، وأصله إزالة الأسى نحو : كربت النخل : أزلت الكرب عنه ، وقد أسوْته أسْوُوهُ أسْوَاً . والآسي : طبيب الجرح جمعه أُساة وإِساة . والمجروح مَأسِيٌّ وأسِيٌّ مَعاً . ويقال أسَيْتُ بين القوم أي أصلحت وآسيت ، قال الشاعر :
آسَى أخَاه بنفسه
وقال آخر :
فآسى وآدَاه فكان كمَنْ جَنَى
وآسي : هو فاعل من قولهم يواسي .
وقول الشاعر :
يكفون أثقالَ ثَأَى المسْتَأسِي
فهو مستفعل من ذلك . فأما الإساءة ، فليست من هذا الباب ، وإنما هي منقولة عن ساء .
ملاحظات
1 . الأُسْوَة بضم الهمزة وكسرها : يعني السواسية . قال الله تعالى : لَقَدْ كَأن لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسنة . . قَدْ كَأنتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسنة فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ . وقال النبي صلى الله عليه وآله : الناسُ فيَّ أُسْوَةٌ سواء . « الكافي : 7/267 » .
وفي رسالة علي عليه السلام الى طلحة والزبير جواباً لاعتراضهما على تسويته في العطاء : « أما ما ذكرتما من أمر الأسوة ، فإن ذلك أمرٌ لم أحكم أنا فيه برأيي ولا وليته هوى مني ، بل وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله قد فرغ منه ، فلم أحتج إليكما فيما فرغ الله من قسمه ، وأمضى فيه حكمه » . « نهج البلاغة : 2/185 » .
2 . جعل الراغب وغيره الأسوة كالقدوة ، ولم يذكر الفرق بينهما ، ولم يذكر في كتابه مادة : قَدَوَ ! والفرق بينهما أن الأسوة تعني الأمر بمساواة نفسك في هذا الأمر بفلان . بينما القدوة تعني أن تتخذ شخصيته وسلوكه قدوة لك في كل شئ . فالتأسي اقتداء جزئي . قال ابن فارس « 5/66 » : « قَدَوَ : أصل صحيح يدل على اقتباس بالشئ واهتداء . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 60 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فلانٌ قدوةٌ يقتدى به ، ويقولون إن القَدْو الأصل الذي يتشعب منه الفروع » .
كما لم يبين الراغب تعدد أصول المادة ، فالأسوة بمعنى القدوة ، من أسَوَ . والأسى بمعنى الحزن ، من أسَيَ . والمواساة بمعنى المشاركة من وَاسى . راجع العين « 7/333 » والمقاييس « 1/105 » .
3 . اسـتعمل القـرآن آسَى : فكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ . والمضـارع : فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَـوْمِ الْكَافِرِينَ . فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ . لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ . ولم يسـتعمل أسَوَ بمعنى عالج جرحه . كما استعمل الإقتداء في قوله تعالى : أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ . إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ .
أما : واساه مواساةً ، فتستعمل في الحزن والمرض والمصيبة ، ونحوها .
أشَرَ- أَشَراً - أشَّر
الأَشَرُ : شدة البطر ، وقد أَشِرَ يَأْشَرُ أَشَراً . قال تعالى : سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ . « القمر : 26 » فالأشَر أبلغ من البطر ، والبطر أبلغ من الفرح ، فإن الفرح وإن كان في أغلب أحواله مذموماً لقوله تعـالى : إن الله لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ . « القصص : 76 » فقـد يحمــد تارة إذا كـان على قدر ما يجب ، وفي الموضع الذي يجب ، كما قال تعالى : فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا « يونس : 58 » . وذلك أن الفرح قد يكون من سرور بحسب قضية العقل . والأَشَرُ لا يكون إلا فرحاً بحسب قضية الهوى ، ويقال : ناقة مِئْشِير ، أي نشيطة على طريق التشبيه ، أو ضامر من قولهم : أشرت الخشبة .
ملاحظات
1 . لا يصح تفسير الأشَر بأنه شدة البطر ، بل البطر أشد منه ، بدليل قول الإمام الحسين عليه السلام وهو من أفصح من نطق بالضاد : « وإني لم أخرج أشراً ، ولا بطراً ، ولا مفسداً ، ولا ظالماً ، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله » « كلمات الإمام الحسين/254 » .
لم أخرج أشراً : أي متكبراً ، ولا بطراً : أي طاغياً ، فهو أشد من الأشر . ووصف الكفار لنبيهم بأنه كذاب أشر يعني أنه يريد أن يتكبر عليهم ويحكمهم . وقوله تعالى : كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا ، أي تكبراً وطغياناً . وتفسير اللغويين للأشر بأنه نوعٌ من الفخر والغرور ، وأن أشْرَانٌ وأُشَارَى ، مثل سكران وسكارى « الصحاح : 2/579 » . صحيح لكنه تفسير باللوازم .
ويتضمن الأشر الفخر ، قال الرضا عليه السلام : « ما أدفع عباد الله عن التحدث بنعم الله عليَّ ، وإن كنت لا أبغي أشراً ، ولا بطراً » . « عيون أخبار الرضا : 1/182 » .
والفرق بين الأشر والفرح أن الأشر والبطر باطل والفرح منه باطل ، قال تعالى : ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الْحق .
ومنه ممدوح ، قال تعالى : قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا . وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ .
2 . ورد الأشر في القرآن صفة للمفرد فقط ، قال تعالى : بَلْ هُوَكَذَّابٌ أَشِرٌ . أي كذاب مغرور بنفسه ، وهو غير الفرِح .
3 . تصور بعضهم أن تأشير الأسنان بمعنى تحزيزها وتحديد أطرافها ، وتأشير الخشبة بالمئشار وهو شبه المنشار ، مشتقة من أشِرَ .
و الصحيح أنها من أشَّرَ ، أي جعل فيه إشارة ، ومنه التأشيرة للدخول الى بلد ، ونحوها .
أَصَرَ - إصْراً - آصاراً - مأصور - إصار
الأَصْرُ : عقد الشيئ وحبسه بقهره ، يقال : أَصَرْتُهُ فهو
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 61 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مَأْصُورٌ ، والمَأْصَرُ والمَأْصِرُ : محبس السفينة . قال الله تعالى : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ . « الأعراف : 157 » أي الأمور التي تثبطهم وتقيدهم عن الخيرات ، وعن الوصول إلى الثـواب . وعـلى ذلك : وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً « البقرة : 286 » وقيل : ثقلاً . وتحقيقه ما ذكرت .
والإِصْرُ : العهد المؤكد الذي يثبط ناقضه عن الثواب والخيرات ، قال تعالى : أَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي . « آل عمران : 81 » . والإصار : الطنب والأوتاد التي بها يعمد البيت .
وما يَأْصِرُنِي عنك شئ أي ما يحبسني . والأَيْصَرُ : كساء يشد فيه الحشيش فيثنى على السنام ليمكن ركوبه .
ملاحظات
1 . ورد الإصْر في ثلاث آيات ، قال تعالى : أأقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا . أي هل قبلتــم على ذلك عهدي .
وقـال تعالى : وَيَضَعُ عَنْهُــمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَأنتْ عَلَيْهِمْ . أي ثقل ذنوبهم وقيودهم . رَبَّنَــا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَـا حَمَلْتَـهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا : أي عبئاً يحبس عن الخير . « الكشاف : 1/110 » .
2 . وردت كلمة آصار في حديث النبي صلى الله عليه وآله . وقال الإمام الرضا عليه السلام لكبير النصارى كما في توحيد الصدوق/428 : « وفي الإنجيل مكتوب : إن ابن البَرَّة ذاهبٌ والفارقليطا جائي من بعده ، وهو الذي يخفف الآصار ، ويفسر لكم كل شئ ، ويشهد لي كما شهدت له ، أنا جئتكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل » . وتفسير الطبري : 3/383 .
3 . قال الخليل « 7/146 » : « الوَصْرة ، معربة : الصك . . روي عن شريح أن رجلين احتكما إليه فقال أحدهما : إن هذا اشترى مني داراً وقبض مني وصْرها ، فلا هو يعطيني الثمن ولا هو يرد علي الوصْر .
الإصر : الثقل . والأصر : الحبس . . ويقال : ليس بيني وبينه آصِرة رحم تأصرني عليه ، وما يأصرني عليه حق أي يعطفني » .
أقول : بذلك تفرد الخليل بذكر جذر لمادة أصر هو أنها معربة عن الصك وأصلها الوصرة . وقد فات الراغب أنه يمكن إرجاع كل فروعها الى الصك والوصرة ، حتى الإصر بمعنى العهد وبمعنى الذنب .
إصْبَع
الإصبع : إسم يقع على السُّلَامَى والظفر والأنملة والأطرة والبرجمة معاً . ويستعار للأثر الحسي فيقال : لك على فلان إصبع ، كقولك لك عليه يدٌ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 62 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
قال تعالى : كلمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ . فضربه مثلاً لمن لايريد اتباع الحق .
وضربه مثلاً للمنافقين : يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ .
واستعمل البنان في آيتين ، فقال تعالى : بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّىَ بَنَانَهُ . وقال للملائكة : وَاضْرِبوُا مِنْهُمْ كل بَنَانٍ .
أصَلَ - أصْل - أصيل - آصال
بالغدو والآصال : أي العشايا . يقال للعشية : أصيل وأصيلة . فجمع الأصيل أُصُل وآصَال ، وجمع الأصيلة أصائل . قال تعالى : بُكْرَةً وَأَصِيلاً . « الفتح : 9 » .
وأصل الشئ : قاعدته التي لو توهمت مرتفعة لارتفع بارتفاعه سائره لذلك ، قال تعالى : أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ . « إبراهيم : 24 » . وقد تَأَصَّلَ كذا ، وأَصَّلَهُ ، ومجد أصيل ، وفلان لا أصل له ولا فصل .
ملاحظات
1 . قال الله تعالى : يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ . والغدو أوائل النهار والآصال أواخره . وجعل الراغب الأصيل والعشية واحداً ، ومثله ابن منظور « 11/16 » . وقال الجوهري « 4/1623 » : « الأصيل : الوقت بعد العصـر إلى المغرب » .
وقال تعالى : وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا . أي في أول النهار وآخره . وقال ابن فارس « 1/110 » : « الأصيل بعد العشي » .
وتستعمل العشية لأول الليل من بعد صلاة المغرب الى العتمة ، قالوا : « الغَدَوات في القَيْظ أَطْوَلُ وأَطْيَبُ ، والعَشِيَّاتُ في الشِّتاءِ أَطولُ وأَطيبُ » . « لسان العرب : 15/61 » .
2 . استعمل القرآن كلمة أصل لشجرة إبراهيم عليه السلام : أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ . واستعمل كلمة : أصول للنخلة : مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ . « الكافي : 6/376 » .
وقال عن منبت شجرة الزقـوم : إنهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ . واستعمل الآصال ثلاث مرات ، وأصيل أربع مرات .
أُفٍّ - أفف - تأفف
أصل الأُفِّ : كل مستقذر من وسخ وقلامة ظفر ، وما يجري مجراها . ويقال ذلك لكل مُسْتَخَفٍّ به استقذاراً له نحو : أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله « الأنبياء : 67 » .
وقد أَفَّفْتُ لكذا : إذا قلت ذلك استقذاراً له ، ومنه قيل للضجر من استقذار شئ : أفَّفَ فلان .
ملاحظات
1 . جعل الراغب الأف المستقذر ، لكنه التضجر وقد يكون من القذر . ولعله تأثر بمعناها بالفارسية ! « راجع : العين : 8/410 ، والصحاح : 4/1331 ، ولسان العرب : 9/6 » .
2 . في أفٍّ وجوهٌ ، أفصحها استعمالها بالجر والتنوين ، كما وردت في القرآن في التضجر من شئ : أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُون من دون الله . وقوله تعالى : فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَـا . وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ . وقال علي عليه السلام : أفٍّ لكم لقد سئمت عتابكم . أفٍّ لكم لقد لقيت منكم برحاً . « نهج البلاغة : 1/82 » .
أُفُقٌ - آفاق - أفِقَ
قــال تعالى : سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ « فصلت : 53 » أي في النواحي ، الواحد أفُق وأفْق . ويقال في النسبة إليه أفُقي . وقد أفِق فلان : إذا ذهب في الآفاق . وقيل الآفق الذي يبلغ النهاية في الكرم ، تشبيهاً بالآفق الذاهب في الآفاق .
ملاحظات
الآفاق : النواحي ، وتشمل آفاق الأرض وآفاق السماء . قال الخليل « 5/227 » : « وواحد الآفاق : أُفُق ، وهي النواحي من الأرض ، وكذلك آفاق السماء نواحيها » .
وقوله تعالى : سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ : وعدٌ من الله تعالى ، روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه سيتحقق عند ظهور المهدي عليه السلام قال : « يريهم في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم فيرون قدرة الله عز وجل في أنفسهم وفي الآفاق . قلت له : حتى يتبين لهم أنه الحق ، قال : خروج القائم هو الحق من عند الله عز وجل » . الكافي « 8/381 » . فهو هنا بمعنى آفاق الأرض .
وفي آية المعراج : ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأفُقِ الأعلى ، بمعنى أفق السماوات العلى .
وفي آية بدء الوحي : وَلَقَدْ رَآهُ بِالآفُقِ الْمُبِينِ . أي رآه بوضوح ويقين في أفق السماء الدنيا .
أفِكَ - مؤتفكة - يؤفك - مأفوك العقل
الإفك : كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 63 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عليه ، ومنه قيل للرياح العادلة عن المهابّ : مُؤْتَفِكَة . قال تعالى : وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ . « الحاقة : 9 » . وقال تعالى : وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى « النجم : 53 » .
وقوله تعالى : قاتَلَهُمُ اللهُ إنى يُؤْفَكُونَ « التوبة : 30 » أي يصرفون عن الحق في الإعتقاد إلى الباطل ، ومن الصدق في المقال إلى الكذب ، ومن الجميل في الفعل إلى القبيح ، ومنه قوله تعالى : يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ « الذاريات : 9 » فَأنى تُؤْفَكُونَ « الأنعام : 95 » وقوله تعالى : أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا « الأحقاف : 22 » فاستعملوا الإفك في ذلك لما اعتقدوا أن ذلك صرفٌ من الحق إلى الباطل ، فاستعمل ذلك في الكذب لما قلنا .
وقال تعالى : إن الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ « النور : 11 » وقال : لِكل أَفَّاكٍ أَثِيمٍ « الجاثية : 7 » . وقوله : أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ الله تُرِيدُونَ « الصافات : 86 » فيصح أن يجعل تقديره : أتريدون آلهة من الإفك ، ويصح أن يجعل إفكاً مفعول تريدون ويجعل آلهة بدلاً منه ، ويكون قد سماهم إفكاً .
ورجل مَأْفُوك : مصروف عن الحق إلى الباطل ، قال الشاعر :
فإن تكُ عن أحسن المروءة مأفو
كاً ففــي آخريــن قد أُفكــوا
وأُفِكَ يُؤْفَكُ : صرف عقله . ورجل مَأْفُوكُ العقل .
ملاحظات
1 . أفِكَ فلانٌ الكلامَ والأمر والشئَ : قَلَبَهُ ، ومنه : أفكْتُهُ عن الأمر : صرفته عنه بالكذب والباطل « العين : 5/416 » « يدل على قلب الشئ وصرفه عن جهته » . « المقاييس : 1/118 » .
وهو أشد من الكذب ، قال الله تعالى : أَلا إنهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللهُ وَإنهُمْ لَكَاذِبُونَ . وقال : هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ اَلشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كل أَفَّاكٍ أَثِيمٍ . قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا . أي لتقلبنا عنها الى التوحيد .
2 . سمى الله عبادتهم للأصنام إفكاً وافتراءً فقال : إنمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا . وسمى ردهم الإسلام ائتفاكاً عن الحق فقال : إنكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ ، يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ . وسمى المشركون الإسلام إفكاً ، قال تعالى : وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُوَ . وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ .
3 . وسمى فعل السحَرة إفكاً ، لأنه تزوير للحقائق ، قال : فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ .
وسمى اتهام زوجـــة النبي صلى الله عليه وآله إفكاً : إن الَّذِينَ جَاءُوا بِالآفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ .
وسمى المدائن المخسوفة مؤتفكة ، أي منقلبة بإفكها ، فقال : وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى . وَجَـاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ .
فالمؤتفكات إسم لأمكنة منقلبة ، وليس للرياح العادلة عن المهابّ التي أفكتها ، كما تصور الراغب .
أفَلَ - آفل - أفال - أفيل
الأفول : غيبوبة النَّيِّرات كالقمر والنجوم ، قال تعالى : فَلما أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ، وقال : فَلما أَفَلَتْ . والأفَال : صغار الغنم ، والأفِيل : الفصيل الضئيل .
ملاحظات
الأفول : هو غياب الشيئ ولا يختص بالنيرات كما تصور الراغب ، قال الخليل « 8/337 » : « وكل شئ غاب فقد أفل ، وهو آفل » . وذكر ابن فارس « 1/119 » أن الأفيل « أصلان : أحدهما الغيبة ، والثاني الصغار من الإبل » .
والظاهر أن قولهم : سيفٌ أفِل ، أي في حده كسرٌ أو كلل ، مستعار من أفول الشمس والشئ . راجع ابن منظور : « 11/530 »
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 64 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أكَلَ - أكلاً - آكل - أكيل - أكيلة - أكال - أكول - أكال - إكال
الأكْل : تناول المطعم ، وعلى طريق التشبيه قيل أكلت النار الحطب . والأُكُل : لما يؤكل بضم الكاف وسكونه ، قال تعـالى : أكُلُهَا دَائِمٌ . والأَكْلة للمرة ، والأُكْلة كاللقمة . وأكيلة الأسد : فريسته التي يأكلها . والأكولة من الغنم : ما يؤكل . والأكيل المؤاكل . وفلان مُؤْكِل ومُطْعِم : استعارة للمرزوق . وثوب ذو أكُل : كثير الغزل كذلك . والتمر مأكلة للفم . قال تعالى : ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ . « سبأ : 16 » .
ويُعبر به عن النصيب فيقال : فلان ذو أُكُلٍ من الدنيا ، وفلان استوفى أُكُلَهُ ، كناية عن انقضاء الأجل ، وأَكَلَ فلانٌ فلاناً : اغتابه ، وكذا أكل لحمه . قال تعالى : أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً « الحجرات : 12 » وقال الشاعر :
فإن كنتُ مأكولاً فكُنْ أنتَ آكلي
وما ذقت أَكَالًا ، أي شيئاً يؤكل . وعبَّر بالأكل عن إنفاق المال لما كان الأكل أعظم ما يحتاج فيه إلى المال ، نحو : وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ « البقرة : 188 » وقال : إن الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْمـــاً « النساء : 10 » فأكـل المال بالباطل صرفه إلى ما ينافيه الحق .
وقوله تعالى : إنما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً « النساء : 10 » تنبيهاً [على] أن تناولهم لذلك يؤدي بهم إلى النار .
والأَكُول والأَكَّال : الكثير الأكل ، قال تعالى : أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ « المائدة : 42 » .
والأَكَلَة : جمع آكِل ، وقولهم : هم أَكَلَةُ رأس ، عبارة عن ناس من قلتهم يشبعهم رأس .
وقد يُعَبَّر بالأَكْلِ عن الفساد ، نحو : كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ « الفيل : 5 » وتَأَكَّلَ كذا : فسد . وأصابه إِكَالٌ في رأسه وفي أسنانه أي تأكَّل . وأكلني رأسي . وميكائيل : ليس بعربي .
ملاحظات
1 . الأكولة : الشاة تُرعى للأكل . والمأكلة : الطعمة . وأكائل النخل : المحبوسة للأكل . وائتكل الرجل : اشتد غضبه . وأصابه أَكَالٌ في رأسه : حِكاك . « العين : 5/409 » .
2 . استعمل القرآن الأكْل بمعناه المعروف ، وأمر بأكل الحلال ، وإطعام المحتاج : فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً . فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير . ونهى عن أكل اللحـم غير المذكي : وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ .
وذم الذيـن همُّهـم الأكـل : وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ .
ونهـى عن أكل السحت : سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ . والربـا : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّـيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ . وفي الحديث : لعن الله آكل الربا ومؤكله .
وعبَّر بأكل التراث : وَتَأْكُلُونَ الترَاثَ أَكْلاً لما . وبأكل السنين لما يُدَّخر : سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ .
وقال في أكل أهل جهنـم : طَلْعُهَا كَأنهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ ، لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِئُونَ .
واستعمله في أكل النحل الرحيق : ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ . واستعمل الأُكُل بضم الكاف لثمار الجنة : أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا .
واستعمله لثمر شجرة ذرية إبراهيم عليهم السلام : تُؤْتِي أُكُلَهَا كل حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا . ولجنائن الأرض : كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً .
2 . استعمل النبي صلى الله عليه وآله المأكول بمعنى المحكوم فقال : « الإيمان يمان ، إلى لخم وجذام وعاملة ، ومأكول حِمْيَر خير من آكلها » . « مسند أحمد : 4/378 » . أي محكوم حمير خير من حاكمها .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 65 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إلُّ - أَلَّ- آلة - إيل - مؤللة - إلال
الإلُّ : كل حالة ظاهرة من عهد حِلف وقرابة تَؤلُّ [أي] تَلمعُ ، فلا يمكن إنكارها . قال تعالى : لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاً وَلا ذِمَّةً . وأَلَّ الفرس : أي أسرع . حقيقتــه لمعَ ، وذلك استعارة في باب الإسراع نحو برق وطار .
والآلة : الحربة اللامعة . وألَّ بها : ضَرَبَ . وقيل إلٌّ وإيلٌ إسم الله تعالى ، وليس ذلك بصحيح .
وأذن مؤللة . والإلال : صفحتا السكين .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن الإلَّ ، بمعنى العهد : لايَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاً وَلا ذِمَّةً .
والإيلاء : الحلف على هجر الزوجة : لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ .
واستعمل الآل بمعنى الأهل في 29 مورداً . واستعمل إيلَ جزءً من إسماعيل وإسرائيل وجبرائيل ، في عدة آيات .
ولا يبعد أن تكون كلمة الآل بمعنى أهل البيت ، مشتقة من الإيل المستعملة في اللغات القديمة بمعنى الرب والجد والقبيلة . قال الجوهري « 41626 » : « الإل بالكسر ، هو الله عز وجل . والإل أيضاً : العهد والقرابة » .
2 . أخطأ الراغب في نفيه أن يكون إيل إسماً لله تعالى ، فقد وردت به الرواية ، ونص عليه اللغويون ، ففي علل الشرائع « 1/43 » عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « ويعقوب هو إسرائيل ، ومعنى إسرائيل عبد الله ، لأن إسرا هو عبد وإيل هو الله عز وجل » . وقال الخليل « 8/357 » : « إيل : إسم من أسماء الله عز وجل بالعبرانية » . « قاموس الكتاب المقدس/111 » . ولعلها جاءت الى العبرية من البابلية التي هي أصل العربية أيضاً . وتستعمل في التركية والفارسية بمعنى الجد والقبيلة . وترجع اليه بعض مفردات العربية التي تتناسب مع الرب والجد والقبيلة .
3 . اختار الراغب أن ألَّ بمعنى لمع « لسان العرب : 11/25 » فجعل اللمعان أصل المادة ، لكن اللمعان ليس مطرداً في مفرداتها ، فاختياره استنسابٌ لا دليل عليه من كلام العرب ! وصيغ هذه المادة متعددة ، فمنها ألَّ يئلُّ بمعنى لمع وأسرع . وآل يؤول ، بمعنى انتهى اليه ، وآلى يؤلي بمعنى حلف ، ومنه إلٌّ مكسور الهمزة .
ولا يبعد أن يكون الإلُّ والإيلاءُ بمعنى العهد والحلف ، مشتقاً من الإيل ، فيكون معنى آلَّ وآلى : عاهد وحلَف بالإيل عز وجل .
ومنه قوله تعالى : لايَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاً وَلا ذِمَّةً . أي لا يرقبون يميناً ولا جواراً . وسيأتي ذكر الإيلاء .
أما ألَّ الفرس ، والآلة ، وألَّ بها بمعنى ضرب ، وأذنٌ مؤَّللة بمعنى محددة ، والإلال بمعنى صفحتي السكين ، وغيرها من المفردات ، فلا بد أن تكون من أصول أخرى لأنها لا يمكن إرجاعها الى أصل واحد . « راجع : العين : 8/360 ، وإصلاح المنطق/57 والصحاح : 4/1626 » .
الألِفَ - أَلَّفَ - ألفة - إلْف - مؤلف- إيلاف -
أَوَالف - ألْف - آلف
الأَلِفُ : من حروف التهجي . والإِلْفُ : اجتماع مع التئام ، يقال : أَلَّفْتُ بينهم . ومنه : الأُلْفَة ، ويقال للمألوف : إِلْفٌ وأَلِيفٌ . قال تعالى : إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُــوبِكُمْ . « آل عمران : 103 » وقـال : لَوْ أَنْفَقْتَ مـا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِـمْ . « الأنفال : 63 » .
والمُؤَلَّف : ما جمع من أجزاء مختلفة ورُتِّبَ ترتيباً قُدِّمَ فيه ما حقه أن يقدم ، وأُخِّر فيه ما حقه أن يؤخر .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 66 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولِإِيلافِ قُرَيْشٍ : مصدر من أَلِفَ .
والمؤلَّفة قلوبهم : هم الذين يتحرى فيهم بتفقدهم أن يصيروا من جملة من وصفهم الله ، لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ « الأنفال : 63 » . وأَوَالِفُ الطير : ما أَلِفَتِ الدار .
والأَلْفُ : العدد المخصوص ، وسمي بذلك لكون الأعداد فيه مؤتلفة ، فإن الأعداد أربعة : آحاد وعشرات ومئات وألوف ، فإذا بلغت الألف فقد ائتلفت ، وما بعده يكون مكرراً . قال بعضهم : الأَلْفُ من ذلك ، لأنه مبدأ النظام ، وقيل : آلَفْتُ الدراهم ، أي بلغت بها الألف ، نحو ماءيت ، وآلفتُ هي نحو أمأتُ .
ملاحظات
جعل الراغب العنوان حرف الألف ، وأورد مادة ألِفَ يَألف وألَّف ويُؤلف ، ولا علاقة بينها وبين الألف ، فالأولى جعل العنوان فعل أَلِفَ ، فيكون العنوان بدون ألف ولام .
والإلْفُ بالكسر ، والأُلْفَة بالضم : حالة التئام ومودة بين أشخاص . والمؤلَّفة قلوبهم : الكفار الذين يُستمالون إلى الجهاد . « الحدائق : 12/176 » . ويشمل الذين يستمالون الى الإسلام .
واستعمل القرآن التأليف بين القلوب : وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، وبين الناس : وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ .
وتأليف السحاب : يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ . والتأليف : يكون بين شخصين ، أو شيئين .
والإيلاف : إيناسٌ بعمل أوشئ . وإيلاف قريش : رحلة الصيف التي رتبها هاشم الى فارس والشام ومصر . ورحلة الشتاء التي رتبها هاشم وعبد المطلب رضي الله عنهما الى اليمن والحبشة . ومعنى إيلافهم إياها أنه جعلها مألوفة لهم مأنوسة .
ألَكَ - يألك - مألكة - ملائكة
مَلَك : أصله مَأْلَك ، وقيل هو مقلوب عن مَلْأك . والمألك والمألكة والألوك : الرسالة ، ومنه أَلَكْنِي ، أي أبلغه رسالتي .
والملائكة : تقع على الواحد والجمع ، قال تعالى : اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا « الحج : 75 » .
قال الخليل : المألكة : الرسالة ، لأنها تؤلك في الفم ، من قولهم فرس يألك اللجام ويعلك .
ملاحظات
قال اللغويون : الملأك : حامل الرسالة ، وقدخُفِّفَ الى مَلك . وقالوا إن المألكة والألوكة مشتقة من ألكَ بمعنى علك ، لأنها توضع أو تعلك في الفم ، أو تنطق منه ،
وقال ابن منظور « 10/394 » : « قال أَبو منصور : أَلِكْني أَلِكْ لي ، وقال ابن الأَنباري : أَلِكْني إِليه أَي كُنْ رسولي إِليه . وقال أَبو عبيد : والمَلَكُ مشتق منه وأَصله مَأْلَك ، ثم قلبت الهمزة إِلى موضع اللام فقيل مَلأَك ، ثم خففت الهمزة بأَن أُلقيت حركتها على الساكن الذي قبلها فقيل مَلَك . والجمع ملائكة ، دخلت فيها الهاء لا لعجمة ولا لنسب ، ولكن على حد دخولها في القَشاعِمَة والصيَّاقلة ، وقد قالوا المَلائك » .
فهذا غاية ما ذكره اللغويون ، وهو غير مقنع خاصة في تسمية الملائكة عليهم السلام لأن الرسل منهم قلة قليلة . ولا أستبعد أن يكون إسم الملائكة غير عربي فحاولوا جعل أصله عربياً . « راجع : العين : 5/409 ، إصلاح المنطق/365 ، شرح الشافية : 4/287 ، القاموس : 3/293 » .
ألَمَ - ألماً - آلم - أليم
الأَلَمُ : الوجع الشديد ، يقال : أَلَمَ يَأْلَمُ أَلَماً فهو آلِمٌ . قال تعالى : فَإنهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ « النساء : 104 » وقد آلمتُ فلاناً .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 67 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وعذابٌ أليم ، أي مؤلم . وقوله : ألَمْ يَأْتِكُمْ « الأنعام : 130 » فهو ألف الإستفهام ، وقد دخل على لم .
ملاحظات
1 . جعل الراغب الألم الوجع الشديد ، لكن الألم أخف من الوجع ، قال أبو هلال في الفروق/569 : « الوجع أعم من الألم ، تقول : آلمني زيد بضـربته إياي ، وأوجعني بذلك » . بل الألم أخف مما قاله أبو هلال ، فالتألم يشمل كل انزعاج ، قال ابن فارس « 1/126 » : « والعرب تقول الحر يعطي والعبد يألم قلبه » وعرف المتكلمون اللذة بأنها رفع الألم ، ولهذا قال الله تعالى عن عقابه : إن أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ . فالأليم ليس بالضرورة شديداً ، بل قد يكون أليماً خفيفاً . لكن ورد في وصف الإمام زين العابدين عليه السلام للنار قوله : « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ نَارٍ . . نُورُهَا ظُلْمَةٌ ، وهَيِّنُهَا أَلِيمٌ ، وبَعِيدُهَا قَرِيبٌ » .
2 . استعمل الأليم في القرآن صفةً للعذاب الأخروي والدنيوي في عشـرات الآيات ، ويدل استعماله على أنه أمر نسبي .
3 . نبه الراغب على أن « أَلَمْ » همزة إستفهام دخلت على لَم النافية ، فهي غير الألم ، وكذا « أ . ل . م » في افتتاح ست سور .
الله - آلهة - تألَّهَ - يأله - اللهم
الله : قيل : أصله إِلَهٌ فحذفت همزته ، وأدخل عليها الألف واللام ، فخصَّ بالباري تعالى . ولتخصصه به قال تعالى : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمياً « مريم : 65 » .
وإلهٌ : جعلوه إسماً لكل معبود لهم ، وكذا اللات ، وسمَّوْا الشمس إِلَاهَة ، لاتخاذهم إياها معبوداً .
وأَلَهَ فلان يَأْلُهُ الآلهة : عَبَدَ . وقيل تَأَلَّهَ . فالإله على هذا هو المعبود . وقيل هو من : أَلِهَ ، أي تحيَّر ، وتسميته بذلك إشارة إلى ما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام : كل دون صفاته تحبير الصفات ، وضلَّ هناك تصاريف اللغات . وذلك أن العبد إذا تفكر في صفاته تحيَّر فيها ، ولهذا روي : تفكروا في آلاء الله ، ولا تفكروا في الله .
وقيل أصله : وَلَاه ، فأبدل من الواو همزة ، وتسميته بذلك لكون كل مخلوق والهاً نحوه ، إما بالتسخير فقط كالجمادات والحيوانات ، وإما بالتسخير والإرادة معاً كبعض الناس ، ومن هذا الوجه قال بعض الحكماء : الله محبوب الأشياء كلها ، وعليه دل قوله تعالى : وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ . « الإسراء : 44 » .
وقيل أصله من لاهَ يلوهُ لِيَاهاً ، أي احتجب . قالوا : وذلك إشــارة إلى ما قال تعالى : لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ . « الأنعام : 103 » والمشار إليه بالباطن في قوله : وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ « الحديد : 3 » .
وإِلَهٌ : حقه ألا يجمع إذ لا معبود سواه ، لكن العرب لاعتقادهم أن هاهنا معبودات ، جمعوه فقالوا : الآلهة . قال تعالى : أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا « الأنبياء : 43 » وقال : وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ . « الأعراف : 127 » وقرئ : وإلاهتك ، أي عبادتك . ولاهِ أنت ، أي لله ، وحذف إحدى اللامين .
اللهم : قيل معناه يا الله ، فأبدل من الياء في أوله الميمان في آخره ، وخُص بدعاء الله . وقيل تقديره : يا الله أُمَّنَا بخير ، مركب تركيب حيَّهلا .
ملاحظات
1 . لفظ الجلالة « الله » مشتق من أَلَهَ ووًلًهً بمعنى تَعَلَّقَ وتَوَلَّع ، فقد صح عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله : الله معناه المعبود الذي يأله فيه الخلق ويؤله إليه . « توحيدالصدوق/89 » . وورد في الحديث « متأله » بمعنى متعبد . والظاهر أن توله وتأله وتولع وتعله بمعنى واحد ، قال الخليل « 4/88 » :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 68 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
« الوله : ذهاب العقل والفؤاد من فقدان حبيب . . وفي الحديث : لا توله والدة عن ولدها » . وقال ابن فارس « 4/111 » في عَلَهَ : « ويمكن أن يكون من باب إبدال الهمزة عيناً لأنه يجرى مجرى الإله والوله ، وهؤلاء الكلمات الثلاث من واد واحد ، يشتمل على حيرة وتلدد . . يقال علهت إلى الشئ إذا تاقت نفسك إليه » .
2 . يستعمل ألَهَ متعدياً مباشرة فيقال : ألهَهَ ، أي أجاره « توحيدالصدوق/196 » ومتعدياً بفي وإلى ، يقال : أَلِهَ اليه يأله ، أي اشتاق اليه ، أو فزع إليه من أمر نزل به . ومتعدياً بعن بمعنى عجز عن معرفته وتحير فيه .
3 . لايصح قول بعضهم إن معنى اللهم : « يا ألله أُمَّ بخير ، أو أُمَّنا بخير . والصحيح قول الخليل وسيبويه وغيرهما : اللهم : بمعنى يا ألله ، والميم المشددة عوض من يا » . « لسان العرب : 13/470 » .
أَلَيّ - آلَى - ألَى - ألوَ- ائتلى - إيلاء - آلاء - أولاء
إلى : حرف يُحَدُّ به النهاية من الجوانب الست . وأَلَوْتُ في الأمر : قصَّرت فيه ، هو منه ، كأنه رأى فيه الإنتهاء .
وأَلَوْتُ فلاناً : أي أوليته تقصيراً ، نحو كسبته أي أوليته كسباً . وما ألوته جهداً ، أي ما أوليته تقصيراً بحسب الجهد ، فقولك : جهداً تمييز ، وكذلك : ما ألوته نصحاً . وقوله تعالى : لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا « آل عمران : 118 » منـه أي لايقصرون في جلب الخبال .
وقال تعالى : وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ . « النور : 22 » قيل هو يفتعل من ألوتُ . وقيل هو من آليت : حلفت . وقيل : نزل ذلك في أبي بكر ، وكان قد حلف على مسطح أن يزوي عنه فضله . وردَّ هذا بعضهم بأن افتعل قلما يبنى من أفعل إنما يبنى من فعل ، وذلك مثل كسبت واكتسبت ، وصنعت واصطنعت ، ورأيت وارتأيت . وروي : لادريت ولا ائتليت وذلك : افتعلت من قولك : ما ألوته شيئاً ، كأنه قيل : ولا استطعت .
وحقيقة الإيلاء والأَلِيَّة : الحلف المقتضي لتقصير في الأمر الذي يحلف عليه . وجُعل الإيلاء في الشرع للحلف المانع من جماع المرأة . وكيفيته وأحكامه مختصة بكتب الفقه .
فَاذْكُرُوا آلاءَ الله « الأعراف : 69 » أي نعمه ، الواحد ألاً وإِلىً ، نحو أناً وإنىً لواحد الآناء .
وقال بعضهم في قوله تعـالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ « القيامة : 22 » إن معناه إلى نعمة ربها منتظرة ، وفي هذا تعسف من حيث البلاغة .
وأَلَا : للإستفتاح ، وإِلَّا : للإستثناء ، وأُولَاءِ ، في قوله تعالى : ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ . وقوله : أولئك : إسم مبهم موضوع للإشارة إلى جمع المذكر والمؤنث ، ولا واحد له من لفظه ، وقد يقصر نحو قول الأعشى :
هؤلا ثم هؤلا كلاً أعطـيْــتَ نوالاً محذوَّةً بِمِثَالِ
ملاحظات
1 . جعل الراغب ألَوَ مشتقة من حرف الجر : الى ، ولو صح الإشتقاق من الحرف فلا يصح هنا لأنه لا يوجد معنى انتهاء في فعل : ألَوَ بمعنى قصَّر ، وليس فيه معنى الإنهاء !
2 . كما دمج الراغب عدة أصول وجعلها مادةً واحدةً ! ونسجل ما يلي :
أ . ألَوَ أو آلى ، تقول : أَلَوْتُ في الأمر أليّاً بمعنى قصَّرت فيه ، وأكثر ما يستعمل مع النفي تقول : ما آلاه وما يألوه ألواً ، بمعنى ما استطاعه ، لا آلو ، وما ألوتُ ، أي لم أقصر فيه ، بل بذلت جهدي ، ومنه قوله تعالى : لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً . وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى . ويستعمل بعكسه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 69 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بمعنى عجزت عنه ، تقول : ألوتُهُ ألواً وائتليتُ ائتلاءً ، أي عجزتُ عنه . وعده ابن فارس « 1/127 » أصلاً مستقلاً ، قال : « أصلان متباعدان أحدهما الإجتهاد والمبالغة والآخر التقصير » . لكن الكلمات المستعملة في عكسها في العربية كثيرة ، كالسليم والبصير .
ب . آليتُ بمعنى حلفتُ وعاهدتُ تقول : آلى على نفسه فهو مؤلٍ ومؤالٍ . وائتلى فهو مؤتل . وآليتُ ألوةً وإليةً وألاياً ، وآلى يولي يؤلى ويأتلي ويتألى ، وائتلى يأتلي ، وتألى يتألى ، ومنه قوله تعالى : لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ . أي يحلفون على هجرهن ، ومصدره الإيلاء والإئتلاء والتألي ، وهو من ملحقات باب الطلاق ، وهو أصل مستقل ، لكن الراغب اخترع له معنى التقصير ، وجعله من ألوْتُ بمعنى قصَّرْتُ !
ج . إلى حرف جر يدل على الحد ونوع من الإنتهاء ، ولايشير الى الشـروع والإبتداء كما تخيل البعض ، فقوله تعالى : فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِق ِ ، يدل على حد الغَسل بقطع النظر عن البدء من أعلى أو أسفل ، كقولك : إصبغ الجدار الى عُلُوِّ ذراع ، فليس فيه شرط الإبتداء من أسفل أو أعلى ، بل يعرف البدء إذا كان مطلوباً ، من غيره .
د . إلى بمعنى النعمة ، وجمعها إلىً وآلاء ، قال تعالى : فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَـوْا فِي الأرض مُفْسـِدِينَ . فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى . فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . وقد وردت آلاء في سورة الرحمن 31 مرة .
هـ . إلْيَةٌ : عجز الحيوان ، أو ما ينبت عليه من لحم وشحم ، تقول : شاة ألِيَّة وكبش ألَيَان ونعجة ألَيَانة ، بفتح اللام ، أي ذات إلْيَة .
3 . جعل الراغب جهداً في قولك : لا آلوك جهداً ، تمييزاً ، والأقوى قول ابن هشام في المغني « 2/525 » : « عُدِّيَ ألوتُ بقصـر الهمزة بمعنى قَصَّرتُ إلى مفعولين بعدما كان قاصراً ، وذلك في قولهم : لا آلوك نصحاً ولا آلوك جهداً ، لما ضمن معنى لا أمنعك » . ونحوه التفتازاني في المختصر/16 . راجع : العين : 8/356 ، والصحاح : 6/2270 ، والمقاييس : 1/127 ، ولسان العرب : 14/39 ، والقاموس : 4/300 .
4 . اختار الراغب أن يكون معنى قوله تعالى : إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ، أنها تنظر الى ذاته تعالى ، وقال إن تفسيرها بأنها : « إلى نعمة ربها منتظرة ، تعسف من حيث البلاغة » وهذا يدل على أن الراغب ليس شيعياً ، لأن مذهبنا أن الله تعالى يُرى بالعقل والبصيرة ، ولا يرى بالعين لا في الدنيا ولا في الآخرة . والتعسف إنما هو في جعل الله تعالى جسماً ينعكس عليه الضوء ، ورد قوله تعالى : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئْ . والصحيح أن ناظـرة هنا من نوع : وَإني مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ، أي منتظرة . ويدل عليه أن سياق الآية في مشاهد الحشر حيث يأمل المؤمنون الدخول الى الجنة ، ويخشى الكفار أن تحل بهم فاقـرة : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَة ٌ . وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ . تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ . قال الإمام الرضا عليه السلام : يعني مشرفة ٌتنتظر ثواب ربها . « التوحيد /116 » . وبهذا يتضح خطأ الراغب في تفسير قوله تعالى : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ ، بأنهم ينظرون إلى ذات الله ، تعالى عن ذلك .
أَمَّ - أمَمَ - أمْ - أمَّه - أَمَّا - إمام - أُمة - أئمة - أُمِّيٌّ
الأم : بإزاء الأب ، وهي الوالدة القريبة التي ولدته ، والبعيدة التي ولدت من ولدته . ولهذا قيل لحواء هي أمنا ، وإن كان بيننا وبينها وسائط . ويقال لكل ما كان أصلاً لوجود شئ أو تربيته أو إصلاحه أو مبدئه : أم .
قال الخليل : كل شئ ضم إليه سائر ما يليه يسمى أماً .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 70 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال تعالى : وَإنهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ « الزخرف : 4 » أي اللوح المحفوظ ، وذلك لكون العلوم كلها منسوبة إليه ومتولدة منه . وقيل لمكة أم القرى ، وذلك لما رويَ أن الدنيا دحيت من تحتها ، وقال تعالى : لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها « الأنعام : 92 » . وأم النجوم : المجرة ، قال الشاعر :
حيثُ اهتدَتْ أمُّ النُّجُومِ الشَّوَابِكِ
وقيل أم الأضياف وأم المساكين ، كقولهم أبو الأضياف . ويقال للرئيس أم الجيش كقول الشاعر :
وأم عيالٍ قد شهدتُ نفوسهم
وقيل لفاتحة الكتاب أم الكتاب ، لكونها مبدأ الكتاب .
وقوله تعالى : فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ « القارعة : 9 » أي مثواه النار فجعلها أماً له ، قال وهو نحو : مَأْواكُمُ النَّارُ « الحديد : 15 » . وسمى الله تعالى أزواج النبي أمهات المؤمنين فقال : وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ « الأحزاب : 6 » لما تقدم في الأب . وقال : يَا ابْنَ أُمَّ ، وكذا قوله : وَيْلُ امِّهِ ، وكذا : هَوَتْ أُمُّهُ .
والأم : قيل أصله أمهة ، لقولهم جمعاً أمهات وأميهة ، وقيل أصله من المضاعف لقولهم أُمَّات وأُمَيْمَة . قال بعضهم أكثر ما يقال أمات في البهائم ونحوها ، وأمهات في الإنسان .
والأمَّة : كل جماعة يجمعهم أمرٌ ما ، إما دين واحد ، أو زمان واحد ، أو مكان واحد ، سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيراً أو اختياراً . وجمعها أُمَمٌ .
وقوله تعالى : وَمـا مِنْ دَابَّـةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ « الأنعام : 38 » أي كل نوع منها على طريقة قد سخرها الله عليها بالطبع ، فهي من بين ناسجة كالعنكبوت ، وبانية كالسُّـرْفة بالضم والتشديد ، ومدخرة كالنمل ، ومعتمدة على قوت وقته كالعصفور والحمام ، إلى غير ذلك من الطبائع التي تخصص بها كل نوع .
وقوله تعالى : كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً . « البقرة : 213 » أي صنفاً واحداً وعلى طريقة واحدة في الضلال والكفر . وقوله : وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً . « هود : 118 » أي في الإيمان .
وقوله : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ . « آل عمــران : 104 » أي جماعة يتخيرون العلم والعمل الصالح ، يكونون أسوة لغيرهم . وقوله : إنا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ . « الزخرف : 22 » أي على دين مجتمع ، قال الشاعر :
وهل يأثَمَنْ ذو أمَّةٍ وَهْوَ طَائِعُ
وقوله تعالى : وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ « يوسف : 45 » أي حين . وقرئ بعد أمَهٍ أي بعد نسيان . وحقيقة ذلك بعد انقضاء أهل عصر أو أهل دين .
وقوله : إن إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِله « النحل : 120 » أي قائماً مقام جماعة في عبادة الله ، نحو قولهم فلان في نفسه قبيلة . ورويَ أنه يحشر زيد بن عمرو بن نفيل أمة وحده .
وقوله تعالى : لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ « آل عمــران : 113 » أي جماعة وجعلهـــا الزجَّاج هاهنا للإستقامة وقال : تقديره ذو طريقة واحدة فترك الإضمار .
والأمِّيُّ : هو الذي لايكتب ولا يقرأ من كتاب وعليه حمـل : هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُميينَ رَسُولًا مِنْهُمْ « الجمعـــة : 2 » . قال قطرب : الأُمِّيَّة الغفلة والجهالة فالأميُّ منه ، وذلك هو قلة المعرفة . ومنه قوله تعالى : وَمِنْهُمْ أُميونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ « البقرة : 78 » أي إلا أن يتلى عليهم . قـال الفراء : هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب .
و : النَّبِيَّ الْأُمي الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ « الأعراف : 157 » قيل منسوب إلى الأمة الذين لم يكتبوا لكونه على عادتهم ، كقولك عامي لكونه على عادة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 71 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العامة . وقيل سميَ بذلك لأنه لم يكن يكتب ولا يقرأ من كتاب ، وذلك فضيلة له لاستغنائه بحفظه واعتماده على ضمان الله منه بقوله : سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى « الأعلى : 6 » . وقيل سميَ بذلك لنسبته إلى أم القرى .
والإِمام : المؤتمُّ به ، إنساناً كأن يقتدى بقوله أو فعله ، أو كتاباً ، أو غير ذلك محقاً كان أو مبطلاً ، وجمعه : أئمة .
وقوله تعالى : يَوْمَ نَدْعُوا كل أُناسٍ بِإِمامِهِمْ « الإسراء : 71 » أي بالذي يقتدون به . وقيل بكتابهم . وقوله : وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً « الفرقان : 74 » . قال أبو الحسن : جمع آمَ ، وقال غيره : هو من باب دِرْعٌ دلاصٌ ودروع دلاص .
وقوله : وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً « القصص : 5 » . وقال : وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ « القصص : 41 » جمع إمام . وقوله تعالى : وَكل شَئٍْ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ « يس : 12 » فقـد قيـل إشــارةٌ إلى اللوح المحفوظ .
والأَمُّ : القصد المستقيم وهو التوجه نحو مقصود ، وعلى ذلك : وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ . « المائدة : 2 » .
وقولهـم : أَمَّهُ : شجَّه ، فحقيقته إنما هو أن يصيب أُمَُ دماغه ، وذلك على حد ما يبنون من إصابة الجارحة لفظ فَعَلْتَ منه ، وذلك نحو رَأَسْتُهُ ورَجَلْتُه وكَبَدْته وبَطَنته ، إذا أصيبت هذه الجوارح .
وأَمْ : إذا قوبل به ألف الإستفهام فمعناه أي ، نحو : أزيد في الدار أمْ عمرو ، أي أيهما؟وإذا جُرد عن ألف الإستفهام فمعناه بل نحو : أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ « صاد : 63 » أي بل زاغت .
وأمَّا : حرفٌ تقتضي معنى أحد الشيئين . وتُكرر ، نحو : أما أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وأما الْآخَرُ فَيُصْلَبُ . « يوسف : 41 » . ويبتدأ بها الكلام ، نحو : أما بعد فإنه كذا .
ملاحظات
1 . تبع الراغب البخاري « 5/146 » في أن الفاتحة سميت أم الكتاب لأنها مبدأ الكتاب . وهي مبدأ الكتاب الآن ، لكن الوحي بدأ بسورة إقرأ ، وسميت الفاتحة أم الكتاب لمركزيتها ، وجمعها كل ما فيه « إعانة الطالبين : 1/10 » .
2 . روي أن مكة سميت أم القرى ، لأن الأرض دحيت من تحتها ، وروي أنها سميت بذلك ، لأنها أم القرى حقيقة ، قال تعالى : وَمَا كَأن رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً . وقال : لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا . وفي معاني الأخبار/54 : « وإنما سمي الأمي لأنه كان من أهل مكة . ومكة من أمهات القرى وذلك قول الله عز وجل : لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى » .
3 . أم المساكين : لقب لزينب الهلالية زوجة النبي صلى الله عليه وآله « الطبقات : 8/219 » . وقد وصفوا الراية بأنها أم الجيش « مسند الشافعي : 1/48 » . لكن لم أجد وصف قائد الجيش بذلك .
4 . فسر الراغب قوله تعالى : فأمُّهُ هاوية ، بأن النار أمه التي يهوي فيها ، فتكون النار أمه مجازاً . والصحيح أن المعنى أن أم رأسه هاوية في النار يقال : هوت به أمه ، وهوت أمه ، وهوت أم رأسه ، فيكون الضمير في مَاهِيَهْ راجعاً الى النار المهوي اليها ، وليس الى أمه . قال علي عليه السلام لما بلغه قتل رئيس بني ناجية : هوت أمه ، ما كان أنقص عقله وأجرأه على ربه » . « الغارات : 1/371 » .
وقـال تعالى : وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى . وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى . فقوله تعــالى : فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ، من هذا النوع . « راجع : الكشاف : 4/280 ، والقمي : 2/440 ، ومجمع البيان : 10/429 ، والطبري : 3/361 » .
5 . قوله : رويَ أن زيد بن عمرو بن نفيل يحشر أمة وحده .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 72 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد غالى رواة السلطة في زيد هذا لأنه ابن عم عمر بن الخطاب ، وزعم البخاري أنه أفضل من نبينا صلى الله عليه وآله لأنه كان لا يأكل ما ذبح للنصب وكان النبي يأكل منه ! راجع : ألف سؤال وإشكال : 1/140 .
6 . فسر الراغب وغيره الأمة المعدودة في قوله تعالى : وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ . بالمدة المعدودة ، لكن أمة لم تأت في استعمال العرب بمعنى مدة . والصحيح تفسير أهل البيت عليهم السلام لهم بأنهم أصحاب المهدي الموعود عليه السلام . « الكافي : 8/313 » .
أمَد - أبد
قال تعالى : تَوَدُّ لَوْ إن بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيداً « آل عمران : 30 » . الأمد والأبَد : يتقاربان ، لكن الأبَد عبارة عن مدة الزمان التي ليس لها حد محدود ولا تتقيد ، لايقال أبَدُ كذا .
والأمد مدةٌ لها حدٌّ مجهول إذا أطلق ، وقد ينحصر نحو أن يقال : أمَدُ كذا ، كما يقال زَمَانُ كذا .
والفرق بين الزمان والأمد : أن الأمد يقال باعتبار الغاية ، والزمان عام في المبدأ والغاية . ولذلك قال بعضهم : المدى والأمد يتقاربان .
ملاحظات
1 . قال الخليل « 8/89 » : « الأمد : منتهى كل شئ وآخره » . وقال ابن فارس « 1/137 » : « الأمد : الغاية . كلمة واحدة لا يقاس عليها » . وقال الراغب : « الأمد : مدةٌ لها حدٌّ مجهول إذا أطلق ، وقد ينحصر » . فانظر الى ركة تعريفه ! وكيف ترك التعاريف العلمية الواضحة واختار المبهم والخطأ ! فالأمد ليس مدة ، بل انتهاء مدة ، أو انتهاء شئ .
وكذلك أخطأ أبو هلال/71 ، فقال : « يكون الأمد ظرفاً من الزمان والمكان ، فالزمان قوله تعالى : فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ . والمكان قوله تعالى : تَوَدُّ لَوْ إن بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيداً » . لأن الأمد أمد الشئ أي شئ ، وليس الظرف فقط !
2 . كل شئ له أمد إلا الله تعالى ، وما هو خالدٌ بأمره عز وجل . قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصف الله تعالى : « أنت الأبد لا أمد لك . . لا يقال له متى ، ولا يضرب له أمد بحتى » . « النهج : 1/210 ، و : 265 » الممتنعة من الصفات ذاته ، ومن الابصار رؤيته ومن الأوهان الإحاطة به ، لا أمد لكونه ، ولا غاية لبقائه ، لا تشمله » . « الكافي : 1/139 » . « الحمد لله الذي لم يكن له أول معلوم ، ولا آخر متناه ، ولا قبل مدرك ، ولا بعد محدود ، ولا أمد بحتى ، ولا شخص فيتجزأ » . « التوحيد للصدوق/45 »
وقال عليه السلام في صفة الجنة : « لا ينقطع نعيمها ، ولا يظعن مقيمها . ولا يهرم خالدها . ولا يبأس ساكنها » . « النهج : 1/149 » .
وللإمام زين العابدين عليه السلام عبارة بليغة عميقة في وصف الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله ، قال : « رَبِّ صَلِّ عَلَيْه وعَلَيْهِمْ صَلَاةً لَا أَمَدَ فِي أَوَّلِهَا ، ولَا غَايَةَ لأَمَدِهَا ، ولَا نِهَايَةَ لِآخِرِهَا » .
3 . ورد الأمد في ثلاث آيات أخرى لم يذكرها الراغب : أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا . قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَاتُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً . وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ . ومعنى : طال عليهم الأمد : أي في الفترةٍ بين الرسل .
أمَرَ - أمور - أمَّر - أَمِرَ - ائتمر- آمرون
الأَمْرُ : الشأن وجمعه أُمُور . ومصدر أمرته : إذا كلفته أن يفعل شيئاً . وهو لفظ عام للأفعال والأقوال كلها ، وعلى ذلك قوله تعالى : إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كلهُ « هود : 123 » . وقال : قُلْ إن الْأَمْرَ كلهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ ، يَقُولُونَ : لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَئٌ « آل عمران : 154 »
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 73 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أَمْرُهُ إِلَى الله « البقرة : 275 » ويقال للإبداع أمر ، نحو : أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ « الأعراف : 54 » . ويختص ذلك بالله تعالى دون الخلائق . وقد حمل على ذلك قوله تعالى : وَأَوْحَى فِي كل سَماءٍ أَمْرَها . « فصلت : 12 » وعلى ذلك حمل الحكماء قوله : قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي « الإسراء : 85 » أي من إبداعه .
وقوله : إنما قَوْلُنا لِشَئْ ٍإِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ « النحل : 40 » فإشارة إلى إبداعه ، وعُبر عنه بأقصر لفظة وأبلغ ما يتقدم فيه فيما بيننا بفعل الشئ . وعلى ذلك قوله : وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ « القمر : 50 » فعبر عن سـرعة إيجاده بأسرع ما يدركه وهمنا .
والأمر : التقدم بالشئ سواء كان ذلك بقولهم : إفعل وليفعل ، أو كان ذلك بلفظ خبر نحو : وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ « البقرة : 228 » أو كان بإشارة أو غير ذلك . ألا ترى أنه قد سمَّى ما رأى إبراهيم في المنام من ذبح ابنه أمراً ، حيث قــال : إني أَرى فِي الْمَنامِ إني أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ « الصافات : 102 » فسمى ما رآه في المنام من تعاطي الذبح أمراً .
وقوله تعالى : وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ « هود : 97 » فعامٌّ في أقواله وأفعاله .
وقوله : أَتى أَمْرُ الله « النحل : 1 » إشارة إلى القيامة ، فذكره بأعم الألفاظ .
وقولـه : بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً « يوسف : 18 » أي ماتأمر النفس الأمارة بالسوء .
وقيل : أَمِرَ القومُ : كثروا ، وذلك لأن القوم إذا كثروا صاروا ذا أمير من حيث إنهم لا بد لهم من سائس يسوسهم ، ولذلك قال الشاعر :
لا يصلح الناس فَوْضَى لا سُرَاةَ لهمْ
وقوله تعالى : أَمَرْنا مُتْرَفِيها « الإسراء : 16 » أي أمرناهم بالطاعة ، وقيل معناه كثرناهم .
وقال أبو عمرو : لا يقال أمَرْتُ بالتخفيف في معنى كثرت ، وإنما يقال : أمَّرت وآمرت . وقال أبو عبيدة قد يقال : أمرت بالتخفيف نحو : خير المال مهرة مأمورة وسكة مأبورة . وفعله : أمرت . وقرئ : أَمَّرْنَا ، أي جعلناهم أمراء ، وكثرة الأمراء في القرية الواحدة سبب لوقوع هلاكهم ، ولذلك قيل : لا خير في كثرة الأمراء ، وعلى هذا حمل قوله تعالى : وَكَذلِكَ جَعَلْنـا فِي كل قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها « الأنعام : 123 » وقرئ : آمَرْنَا ، بمعنى : أكثرنا .
والائْتِمَارُ : قبول الأمر ، ويقال للتشاور : ائتمار ، لقبول بعضهم أمر بعض فيما أشار به .
قال تعالى : إن الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ « القصص : 20 » قال الشاعر :
وآمرت نفسي أيَّ أمْرَيَّ أفعلُ
وقوله تعالى : لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً « الكهف : 71 » . أي منكراً ، من قولهم : أَمِرَ الأَمْرُ ، أي كَبُرَ وكَثُرَ كقولهم : استفحل الأمر .
وقولـه : وَأُولِي الْأَمْر « النساء : 59 » قيل عَنَى الأمراء في زمن النبي عليه الصلاة والسلام ، وقيل الأئمة من أهل البيت . وقيل : الآمرون بالمعروف . وقال ابن عباس : هم الفقهاء وأهل الدين المطيعون لله . وكل هذه الأقوال صحيحة ، ووجه ذلك أن أولي الأمر الذين بهم يرتدع الناس أربعة : الأنبياء : وحكمهم على ظاهر العامة والخاصة وعلى بواطنهم . والولاة : وحكمهم على ظاهر الكافة دون باطنهم . والحكماء : وحكمهم على باطن الخاصة دون الظاهر . والوَعَظَة : وحكمهم على بواطن العامة دون ظواهرهم .
ملاحظات
1 . الأمر : مصطلح نبوي بمعنى ولاية الأمر بعده ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 74 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أي الخلافة . فقد كان يعرض نفسه على القبائل فيقولون له : إن نصرناك أتجعل الأمر لنا بعدك؟ فيقول : كلا إن الأمر لله يجعله حيث شاء . ثم كان يأخذ البيعة من المسلمين على أن لا ينازعوا الأمر أهله . لكن علماء الســـلطة أبهموا الأمر ليقولوا إن النبي صلى الله عليه وآله لم يعين أحداً للأمر بعده ! وتبعهم الراغب فوسع أولي الأمر في الآية لتشمل مع أهل البيت عليهم السلام أنواع الناس حتى وعاظ المساجد والتكايا والقصاصين ! ومحالٌ أن يأمر الله تعالى بطاعة أناس مختلفين ، وقد تقاتلوا على الحكم ، وقتل بعضهم بعضاً !
قال ابن هشام « 2/289 » : « أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه ، فقال له رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس . أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ، ثم أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال : الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء . قال فقال له : أفنهدف نحورنا للعرب دونك ، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا ! لا حاجة لنا بأمرك . فأبوا عليه » .
وورد في بيعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وآله قبل الهجرة : « قال : تبايعوني على أن تشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة ، والسمع والطاعة ، وأن لا تنازعوا الأمر أهله ، وأن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم » . « مجمع الزوائد : 6/49 » .
وروى البخاري : 8/122 ، في بيعة الشجرة : « عن عبادة بن الصامت قال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله على السمع والطاعة في المنشط والمكره ، وأن لا ننازع الأمر أهله » . ومسلم : 6/16 ، والنسائي : 7 /137 ، وابن ماجة : 2/957 . وأحمد : 5/316 .
فهذا يفسر قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ . ويضاف اليه تأكيده صلى الله عليه وآله على أن علياً وليكم من بعدي ، وعلى التمسك بالقرآن وعترته عليهم السلام وأنهما باقيان الى يوم القيامة . « مسند أحمد : 3/17 » .
ويضاف اليه أن الأمر بالطاعة مطلقاً يوجب العصمة ، قال الفخر الرازي في تفسيره « 10/144 » : « أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لابد وأن يكون معصوماً عن الخطأ ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته ، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ ، والخطأ لكونه خطأ منهي عنه ، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد ، بالإعتبار الواحد ، وإنه محالٌ » .
2 . يستعمل الأمر في كل أمر ، وقد ورد في القرآن بمعان منها :
أ . أمر الخلق والتكوين والإدارة : قال تعالى : أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمر تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِين .
ب . بمعنى قضاء الله : وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً .
ج . بمعنى خططه في المجتمع البشري : وَ اللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ .
د . بمعنى الروح : وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي .
د . الأمر مقابـل النهي : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ .
أمَنَ - أمناً - آمَنَ - إيمان - أمِنَ - أمانة - أمَّنَ - آمين
أصل الأَمْن : طمأنينة النفس وزوال الخوف . والأَمْنُ والأَمَانَةُ والأَمَانُ في الأصل مصادر ، ويجعل الأمان تارة إسماً للحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن ، وتارة إسماً لما يؤمن عليه الإنسان ، نحو قوله تعالى : وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ « الأنفال : 27 » أي ما ائتمنتم عليه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 75 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقوله : إنا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « الأحزاب : 72 » قيل : هي كلمة التوحيد ، وقيل العدالة ، وقيل حروف التهجي ، وقيل العقل ، وهو صحيح فإن العقل هو الذي بحصوله يتحصل معرفة التوحيد ، وتجري العدالة ، وتُعلم حروف التهجي ، بل بحصوله تُعلم كل ما في طوق البشر تعلُّمه ، وفعل ما في طوقهم من الجميل فعله ، وبه فُضِّلَ على كثير ممن خلقه .
وقوله : وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً « آل عمران : 97 » أي آمناً من النار . وقيل من بلايا الدنيا التي تصيب من قال فيهم : إنما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا . « التوبة : 55 » . ومنهم من قال : لفظه خبر ومعناه أمر . وقيل يأمن الإصطلام . وقيل آمنٌ في حكم الله وذلك كقولك : هذا حلال وهذا حرام ، أي في حكم الله ، والمعنى : لايجب أن يقتص منه ولا يقتل فيه إلا أن يخرج .
وعلى هذه الوجـــوه : أَوَلَمْ يَرَوْا إنا جَعَلْنــــــا حَرَماً آمِناً « العنكبوت : 67 » . وقال تعــــــالى : وَإِذْ جَعَلْنَــــــــا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً « البقــرة : 125 » . وقولـــــه : أَمَنَةً نُعاساً « آل عمــران : 154 » أي أمناً ، وقيل : هي جمع كالكَتَبَة وفي حديث نزول المسيح : وتقع الأمنة في الأرض . وقوله تعالى : ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ « التـــوبة : 6 » أي منزله الذي فيه أمنه .
وآمَنَ : إنما يقال على وجهين ، أحدهما : متعدياً بنفسه يقال : آمنته ، أي جعلت له الأمن ، ومنه قيل لله : مؤمن .
والثاني : غير متعدٍّ ، ومعناه : صار ذا أمن .
والإِيمان : يستعمل تارة إسماً للشريعة التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام ، وعلى ذلك : الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ « المائدة : 69 » ويوصف به كل من دخل في شريعته مقراً بالله وبنبوته . قيل : وعلى هذا قال تعالى : وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ . « يوسف : 106 » .
وتارة يستعمل على سبيل المدح ، ويراد به إذعان النفس للحق على سبيل التصديق ، وذلك باجتماع ثلاثة أشياء : تحقيق بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بحسب ذلك بالجوارح . وعلى هذا قوله تعالى : وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ « الحديد : 19 » .
ويقال لكل واحد من الإعتقاد والقول الصدق والعمل الصالح : إيمان . قال تعالى : وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ « البقرة : 143 » أي صلاتكم ، وجعل الحياء وإماطة الأذى من الإيمان . قال تعالى : وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ . « يوسف : 17 » قيل معناه : بمصدق لنا ، إلا أن الإيمان هو التصديق الذي معه أمْن .
وقوله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطاغُوتِ « النساء : 51 » فذلك مذكور على سبيل الذم لهم ، وأنه قد حصل لهم الأمن بما لا يقع به الأمن ، إذ ليس من شأن القلب ، ما لم يكن مطبوعاً عليه ، أن يطمئن إلى الباطل ، وإنما ذلك كقوله : مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ الله وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ « النحل : 106 » وهذا كما يقال : إيمانه الكفر ، وتحيته الضرب ، ونحو ذلك .
وجعل النبي صلى الله عليه وآله أصل الإيمان ستة أشياء في خبر جبريل حيث سأله فقال : ما الإيمان؟ والخبر معروف .
ويقال : رجل أَمْنَةٌ وأَمَنَةٌ ، يثق بكل أحد ، وأَمِينٌ وأَمَانٌ يؤمن به . والأَمُون : الناقة يؤمن فتورها وعثورها .
آمين : يقال بالمد والقصر ، وهو إسم للفعل نحو : صه ومه . قال الحسن : معناه : إستجب . وأَمَّنَ فلان : إذا قال : آمين . وقيل : آمين إسم من أسماء الله تعالى . وقال أبو علي الفسوي : أراد هذا القائل أن في آمين ضميراً لله تعالى ، لأن معناه : إستجب .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 76 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقوله تعالى : أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ « الزمر : 9 » تقديره أم من . وقرئ أمَنْ . وليسا من هذا الباب .
ملاحظات
1 . أصل الأمن بمعنى طمأنينة النفس من الخوف والقلق ، وسمي التصديق بالله تعالى ورسوله إيماناً ، لأن النفس تطمئن به وتخرج من الشك والقلق .
2 . استعمل الإيمان ، والمؤمنون ، والذين آمنوا ، في القرآن ، في درجات متفاوتة من أدنى درجات الإيمان الى أعلاه ، كما قال تعالى : وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ .
وأدناها من ادعى الإيمان ، قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً . وَإن مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً . قال الإمام الصادق عليه السلام : لو أن هذه الكلمة قالها أهل المشـرق وأهل المغرب لكانوا بها خارجين من الإيمان ، ولكن قد سماهم الله مؤمنين بإقرارهم » . « تفسير القمي : 1/30 » .
وذكر القمي في تفسيرها أن الإيمان في كتاب الله على أربعة وجوه : بمعنى الإقرار باللسان . والتصديق بالقلب . والأداء . والتأييد المكتوب في قلوب المؤمنين . ولذلك قال الله تعالى : قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلما يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ . وقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ .
والحديث الذي أشار اليه الراغب رواه البخاري « 1/18 » : « قال : الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث . قال : ما الإسلام؟ قال : الإسلام أن تعبد الله ولاتشرك به وتقيم الصلاة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان » .
3 . الإيمان والمؤمن في مصطلح مذهبنا : الشيعي الموالي للنبي والأئمة عليهم السلام . ويوجد في المذاهب الأخرى مصطلحات مشابهة للمؤمن ، ولا مشاحة في الإصطلاح .
4 . سميت الوديعة أمانة ، لأنها جعلت في مكان يُؤْمَنُ عليها . أما الأمانة في قوله تعالى : إن اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ، فهي أمانـة الحكم ، وأن يؤدي الحاكم السابق الأمانة الى الحاكم بعده . قال ابن أبي شيبة « 7/571 » : أنزلت في ولاة الأمر . ونحوه الطبري في تفسيره : 5/200 . وقال الإمام الصادق عليه السلام : إيانا عنى ، أن يؤدي الأول إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلاح .
وقال الإمام الرضا عليه السلام : هم الأئمة يؤدي الإمام إلى الإمام من بعده ، ولا يخص بها غيره ولا يزويها عنه . « الكافي : 1/276 » .
وقال العيني في عمدة القاري : 12/227 ، إن أكثر المفسـرين قالوا إنها نزلت في مفتاح الكعبة عندما أخذه النبي صلى الله عليه وآله في فتح مكة ، فأمره الله تعالى أن يرده الى بني شيبة !
أقول : هذا من عمل السلطة ورواتها ، فقد زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام ليس لهم حق في سدانة الكعبة ، مع أن الكعبة إنما رفع الله قواعدها لهم ، وهم دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام : رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ .
وقد اختار الراغب أن تكون الأمانة المعروضة على السماوات هي العقل ، فقال : وقيل : العقل ، وهو صحيح . . الخ . ولا يصح ذلك لأن معناه أن السماوات والأرض لم تقبل العقل ، وأنه لا يوجد عاقل في الكون إلا الإنسان !
5 . اختار الراغب أول الأمر في تفسير : وَمَنْ دَخَلَـهُ كَأن آمِناً ، أن معناها الأمن في الآخرة ، قال : « أي آمناً من النار »
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 77 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثم تردد فذكر وجوهاً أخرى ولم يختر منها شيئاً : أنه آمنٌ من عذاب الله في الحياة الدنيا ، أو آمنٌ من الإصطلام والإهلاك ، أو آمنٌ من القصاص حتى يخرج . والصحيح تفسير أهل البيت عليهم السلام وأنه لا يمكن تفسيرها بالأمن الدنيوي ، فهي مثل الطيبات للطيبين ، وقد فسروها :
أ . « من أمَّ هذا البيت وهو يعلم أنه البيت الذي أمره الله عز وجل به ، وعرفنا أهل البيت حق معرفتنا ، كان آمناً » . « الكافي : 4/545 » .
ب . « من دخل الحرم من الناس مستجيراً به فهو آمنٌ من سَخَط الله ، ومن دخله من الوحش والطير كان آمناً من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم . إن سرق سارق بغير مكة أو جنى جناية ففرَّ إلى مكة لم يؤخذ مادام في الحرم . وإن أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه » . « الكافي : 4/226 » .
ج . قال الإمام الصادق عليه السلام لأبي حنيفة : « أنت فقيه أهل العراق؟ قال نعم ، قال : بما تفتيهم؟ قال : بكتاب الله وسنة نبيه . قال : يا أباحنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال : نعم ، قال : يا أباحنيفة لقد ادعيت علماً ، ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم ، ويلك ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا صلى الله عليه وآله ، ما ورَّثك الله من كتابه حرفاً ، فإن كنت كما تقول ولستَ كما تقول ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ، أين ذلك من الأرض؟ قال : أحسـبه ما بين مكة والمدينـة ، فالتفت أبو عبد الله عليه السلام إلى أصحابه فقال : تعلمون أن الناس يُقطع عليهم بين المدينة ومكة فتؤخذ أموالهم ولا يؤمنون على أنفسهم ، ويقتلون؟ قالوا نعم ! قال : فسكت أبو حنيفة ! فقال : يا أباحنيفة أخبرني عن قول الله عز وجل : وَمَنْ دَخَلَهُ كَأن آمِنًا ، أين ذلك من الأرض؟ قال : الكعبة . قال : أفتعلم أن الحجاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله ، كان آمناً فيها؟ قال : فسكت . فقال أبوبكر الحضرمي : جعلت فداك ، الجواب في المســألتين؟ فقال : يا أبابكر ، سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ، مع قائمنا أهل البيت . وأما قوله : وَمَنْ دَخَلَهُ كَأن آمِنًا ، فمن بايعه ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقد أصحابه كان آمناً » . « الكافي : 8/312 » .
6 . آمين : ليست مشتقة من أمِن ، بل معربة من الآرامية ، وأصل معناها « حقاً أقول لكم » واستعملت في العربية بمعنى : اللهم استجب . ففي الإنجيل طبعــة دار الكتاب المقدس/548 : « آمين » « حقــاً » كلمة من الكلمات الآرامية الأربع التي حفظت في النص اليوناني ، في صيغ العهد الجديد الطقسية . إنها تؤكد على أمانة الرب وإيمان الإنسان ، خلافاً لما كان يفعل الربانيون ، كان يسوع يستهل أقواله بقوله : آمين أقول لكم » . وقد أضافها الحكام في الصلاة ونسبوها الى النبي صلى الله عليه وآله . لكن أهل البيت عليهم السلام قالوا إنها بدعة . « المقنعة/105 ، والمعتبر : 2/185 ، وشرائع الإسلام : 1/66 ، وتدوين القرآن/455 » .
إِنَّ - أَنَّ - أنْ
إنَّ وأنَّ ينصبان الإسم ويرفعان الخبر ، والفرق بينهما أنَّ إنَّ يكون ما بعده جملة مستقلة ، وأنَّ يكون ما بعده في حكم مفرد ، يقع موقع مرفوع ومنصوب ومجرور ، نحو : أعجبني أنكَ تخرج ، وعلمت أنكَ تخرج ، وتعجبت من أنك تخرج .
وإذا أدخل عليه « ما » يبطل عمله ، ويقتضي إثبات الحكم للمذكور وصرفه عما عداه ، نحو : إنمَا الْمُشْرِكُونَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 78 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
نَجَسٌ « التـــوبة : 28 » تنبيهاً [على] أن النجاسة التامة هي حاصلة للمختص بالشرك . وقوله عز وجل : إنما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ . « البقرة : 173 « أي : ما حرم ذلك إلا تنبيهاً [على] أن أعظم المحرمات من المطعومات في أصل الشرع هو هذه المذكورات .
وأَنْ : على أربعة أوجه : الداخلة على المعدومين من الفعل الماضي أو المستقبل ، ويكون ما بعده في تقدير مصدر ، وينصب المستقبل نحو : أعجبني أن تخرج ، وأن خرجت .
والمخففة من الثقيلة : نحو : أعجبني أنْ زيداً منطلق . والمؤكدة للما نحو : فَلما أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ . « يوسف : 96 » . والمفسرة لما يكون بمعنى القول ، نحو : وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا « صاد : 6 » أي قالوا إمشوا .
وكذلك إِنْ على أربعة أوجه : للشرط نحو : إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإنهُمْ عِبادُكَ « المائدة : 118 » .
والمخفّفة من الثقيلة : ويلزمها اللام نحو : إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا . « الفرقان : 42 » .
والنافية : وأكثر ما يجئ يتعقّبه إلا ، نحو : إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا . « الجاثية : 32 » إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ « المدثـر : 25 » إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ . « هود : 54 » .
والمؤكدة لما النافية : نحو : ما إن يخرج زيد .
ملاحظات
استعمال أنَّ وأخواتها في القرآن أوسع مما ذكره الراغب ، وفيها بحوثٌ مفصلة ، تجدها في كتب النحو ، مثل مغني اللبيب : 1/21 .
أنَثَ - أنثى - أنيث - تأنيث
الأنثى : خلاف الذكر ، ويقالان في الأصل اعتباراً بالفرجين ، قال عز وجل : وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى . « النساء : 124 » . ولما كان الأنثى في جميع الحيوان تضعف عن الذكَر اعتبر فيها الضعف ، فقيل لما يضعف عمله : أنثى ، ومنه قيل حديد أنيث ، قال الشاعر :
عندي جَرازٌ لا أَفَلُّ ولا أنِيثُ .
وقيل : أرض أنيث سهل ، اعتباراً بالسهولة التي في الأنثى ، أو يقال ذلك اعتباراً بجودة إنباتها تشبيهاً بالأنثى ، ولذا قال : أرض حرَّة وولودة .
ولما شُبِّهَ في حكم اللفظ بعض الأشياء بالذكَر فذُكِّر أحكامه ، وبعضها بالأنثى فأنثَ أحكامها ، نحو : اليد والأذن والخصية ، سميت الخصية لتأنيث لفظ الأنثيين ، وكذلك الأذن . قال الشاعر :
ضربناهُ تحت الأنثيينِ على الكَرْدِ
وقـال آخـر : وَمَا ذَكَرٌ وإن يَسْمَنْ فأنثى
يعني : القراد فإنه يقال له إذا كبر : حَلَمَة ، فيؤنَّث .
وقوله تعالى : إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً . « النساء : 117 » فمن المفسرين من اعتبرحكم اللفظ فقال : لما كانت أسماء معبوداتهم مؤنثة نحو : اللَّات وَالْعزى وَمَناة ، قال ذلك .
ومنهم ، وهو أصح ، من اعتبر حكم المعنى ، وقال : المنفعل يقال له : أنيث ، ومنه قيل للحديد الليِّن : أنيث ، فقال : ولما كانت الموجودات بإضافة بعضها إلى بعض ثلاثة أضرب : فاعلاً غير منفعل ، وذلك هو الباري عز وجل فقط ، ومنفعلاً غير فاعل ، وذلك هو الجمادات . ومنفعلاً من وجه كالملائكة والإنس والجن ، وهم بالإضافة إلى الله تعالى منفعلة ، وبالإضافة إلى مصنوعاتهم فاعلة . ولما كانت معبوداتهم من جملة الجمادات التي هي منفعلة غير فاعلة ، سماها الله تعالى أنثى وبكَّتَهُمْ بها ، ونبَّههم على جهلهم في اعتقاداتهم فيها أنها آلهة ، مع أنها لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر ، بل لا تفعل فعلاً بوجه . وعلى هذا قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام : يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 79 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً . « مريم : 42 » . وأما قوله عز وجل : وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً « الزخرف : 19 » فلزعم الذين قالوا : إن الملائكة بنات الله .
ملاحظات
1 . أصل التأنيث في اللغة العربية للمؤنث الحقيقي كالمرأة . وتوسع العرب فيه فقسموا الموجودات والأمور الى مذكر ومؤنث .
ثم حاول اللغويون استخراج الملاك في ذلك فاختلفوا . ولا يصح قول الراغب إن الملاك في التأنيث والتذكير الفعل والإنفعال أوالقوة والضعف ، لأنه في العربية أوسع من ذلك ، فلابد من القول إن التذكير والتأنيث سماعيان يقل فيهما القياسي . وهما آخر ما يجيده من يتعلم العربية ، ولذا تكثر أخطاؤهم ويؤنثون المذكر ويذكرون المؤنث حتى الحقيقي ، كما يفعل الراغب الأصفهاني !
والتذكير والتأنيث أقسامٌ ، ولها أحكامٌ ذكرتها كتب النحو .
2 . استعملت مادة أَنِثَ في بضع وعشرين مورداً في القرآن ، في موضوعات متعددة ، أهمها :
أ . أن الله تعالى بنى المجتمع على نظام الزوجية : ثُمَّ كَأن عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَى . فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالآنْثَى . . يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى . وأشار الى مُوَرِّثَات الذكورة والأنوثة بقوله : وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالآنْثَى .
ب . في تنظيم خلق الذكر والأنثى وتحقيق التوازن بينهما : اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كل أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكل شَئٍْ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ .
ج . قانون المساواة عند الله تعالى بين الذكر والأنثى : لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ .
هـ . إدانة نظرة الجاهلية السلبية الى الأنثى : وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالآنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَكَظِيمٌ .
و . فرض توريث النساء ، مع أن نفقتهن على الرجــال : يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الآنْثَيَيْنِ .
إنْسٌ - أُنْس - أنَِس - إيناس - إنسان - إنسي - أُناسي - إيناس
الإِنْس : خلاف الجن . والأُنْس : خلاف النفور . والإنسـيُّ : منسوب إلى الإنس ، يقال ذلك لمن كثر أنْسُه ، ولكل ما يؤنس به ، ولهذا قيل إنسـيُّ الدابة للجانب الذي يلي الراكب ، وإنسِيُّ القوس للجانب الذي يقبل على الرامي . والإنسي من كل شئ ما يلي الإنسان ، والوحشي ما يلي الجانب الآخر له .
وجمع الإنس أناسـي ، قال الله تعالى : وَأَناسِيَّ كَثِيراً « الفرقان : 49 » . وقيل أَبِنْ أُنْسَك للنفس . وقوله عز وجل : فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً « النساء : 6 » أي أبصرتم أنساً به . وآنَسْتُ ناراً « طه : 10 » . وقوله : حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا « النور : 27 » أي تجدوا إيناساً .
والإنسان : قيل سمي بذلك لأنه خلق خلقة لا قوام له إلا بأنس بعضهم ببعض ، ولهذا قيل الإنسان مدني بالطبع ، من حيث لاقوام لبعضهم إلا ببعض ، ولا يمكنه أن يقوم بجميع أسبابه .
وقيل سمي بذلك لأنه يأنس بكل ما يألفه . وقيل هو إفعلان وأصله إنْسِيَان ، سمي بذلك لأنه عُهد إليه فنسي .
ملاحظات
1 . قيل إن الإنسان مشتق من الأنس ، في مقابل الوحشـي أو مقابل الجن المخفي ، ومنه استأنس لشئ ، قال تعالى : وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ . لكن روى في علل الشرائع « 1/15 » عن الإمام الصادق عليه السلام أنه مشتق من النسيان ، قال : « سمي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 80 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الإنسان إنساناً لأنه ينسى ، وقال الله عز وجل : وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ » . ونحوه مجمع الزوائد « 7/67 » . واختاره الخليل « 7/304 » وقال : « أصله إنْسِيَانٌ لأن جماعته أناسي وتصغيره أُنَيْسِيَانٌ » .
2 . ورد الإنسان في القرآن محوراً لموضوعات عديدة ، من أهمها :
أ . خلق الإنسان : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ .
ب . تكريم الله تعالى له : خَلَقَ الإنْسَانَ ، عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ . وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ .
ج . عداوة الشيطان للإنسان : إن الشَّيْطَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ .
د . ضعف الإنسان في تكوينه وسلوكه : وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا . إنهُ كَان ظَلُومًا جَهُولاً .
أنَفَ- أنفَ - أنفةً - استأنف - آنفاً
أصل الأنْف : الجارحة ، ثم يسمى به طرف الشئ وأشرفه ، فيقال : أنف الجبل ، وأنف اللحية . ونُسب الحمية والغضب والعزة والذلة إلى الأنف ، حتى قال الشاعر :
إذا غضبتْ تلك الأنوفُ لم أرضها
ولم أطلبِ العُتبى ولكن أزيدُهَا
وقيل شمخ فلان بأنفه للمتكبر ، وتَرِبَ أنفه للذليل ، وأنِفَ فلانٌ من كذا ، بمعنى استَنْكَفَ .
وأَنِفْتُهُ : أصبت أنفه ، وقيل الأنَفَة الحمية . واستأنفت الشئ : أخذت أنفه أي مبدأه . ومنه قوله عز وجل : مَاذَا قَالَ آنِفاً . « محمد : 16 » أي مُبْتَدَأً .
ملاحظات
تقول : جاء آنفاً ، أي قبل قليل ، قال تعالى : قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا . وهو من استأنف الأمر أي بدأه من أوله . ولا يصح تفسير : أنفته بأصبت أنفه ، بل معناه بكسر النون شمخت بأنفي عنه ، من الأنفة والحمية . والراغب يقصد بفتح النون ، ولم أجد استعماله عند العرب .
والبيت الذي استشهد به في وزنه خلل ، إلا أن تقول فأرضها بدل لم أرضها ، لكن المعنى يتغير ، ويبدو لي أنه من نظم الراغب ، ففيه عجمة ولم يروه غيره . وقد استشهد به في رغم أيضاً .
أنْمُل - أنملة - نَمِل
قال الله تعالى : عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ « آل عمران : 119 » الأنامل : جمع الأنملة وهي المفصل الأعلى من الأصابع التي فيها الظفر ، وفلان مؤنمل الأصابع ، أي غليظ أطرافها في قصر ، والهمزة فيها زائدة ، بدليل قولهم هو نَمِلُ الأصابع ، وذكَّرَها هنا للفظه .
ملاحظات
1 . وردت الأنامل في آية واحدة : وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ . وقد خلط الراغب بين الأنامل والنَّمْل ، فنَمِلُ الأصابع ونَمِلُ القوائم ، أي كأن عليها النمل . وهي غير النَّمَل بفتح الميم ، قال الخليل « 8/330 » : « رجل نمل الأصابع : لايكاد يكف عن العبث بأصابعه ، وكذلك يقال للفرس الذي لا يكاد يستقر : إنه لنمل القوائم . والنمَل : الخدَر ، تقول : نملت يده نملاً » . أي أصابعه تنمل وتحكه كأن عليها النمل .
أما البنـان فورد في آيتيــن : بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّىَ بَنَانَه . فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعنَاقِ وَاضْرِبوُا مِنْهُمْ كل بَنَانٍ . قال ابن فارس « 1/191 » : « قال الخليل البنان أطراف
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 81 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الأصابع في اليدين . والبنان في قوله تعالى : وَاضْرِبوُا مِنْهُمْ كل بَنَانٍ ، يعني الشِّوى وهي الأيدي والأرجل » . وقد عمم اللغويون والمفسرون البنان في الآية الى كل الأطراف ، وكأنهم استقلوا ضرب الملائكة على الأصابع فقط ، لكنا لا نعرف نوع ضرب الملائكة ولا تأثيره ، فلا موجب لترك الظهور . كما ذكروا أن البنان مشتق من الإبنان وهو الإقامة واللزوم ، وهو بعيد فلا ربط للأصابع بالإقامة . وذكر الخليل أن البِنَّة رائحة أرباض البقر والغنم والظباء ، وقد يستعمل في الطيب ، والروضة المعشبة .
أَنَّى - اين - كيف
أَنَّى : للبحث عن الحال والمكان ، ولذلك قيل هو بمعنى أين وكيف ، لتضمنه معناهما ، قال الله عز وجل : أَنَّى لَكِ هَذَا . « آل عمران : 37 » أي من أين وكيف .
ملاحظات
وردت أنَّى في القرآن بضعاً وعشرين مرة بمعنى كيف « العين : 8/399 » سؤالاً عن الحال والمكان وعن أصل إمكان الفعل ، وغير ذلك ، وقد يتضمن معناها الإستنكار والتعجب . فقوله تعالى : أنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتي عَاقِراً : إستفهام عن الحَمْل مع فقد شروطه .
وقولـه : فَاسْـتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأنى يُبْصِرُونَ : سؤال عن الرؤية مع فقد شروطها .
وقوله : أنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ : سؤال عن الإهتداء بغير النبي والوحي .
وقوله : أنى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا : سؤال عن اسـتحقاق طالوت عليه السلام للملك مع قلة ماله .
وهكذا قولـه : سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ فَأنَّى تُسْـحَرُونَ . فَأنَّى يُؤْفَكُونَ . أنَّى يُصْرَفُونَ . وَأنَّى لَهُمُ التنَاوُشُ . فمصبُّ أنَّى في هذه الآيات أوسع من البحث عن الحال والمكان كما قال الراغب .
أنَا - إنىً -إِناه - آناء - إناء
أَنَا : ضمير المخبر عن نفسه ، وتحذف ألفه في الوصل في لغة ، وتثبت في لغة . وقوله عز وجل : لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي « الكهف : 38 » فقد قيل : تقديره : لكن أنا هو الله ربي ، فحذف الهمزة من أوله وأدغم النون في النون . وقرئ : لكنَّ هو الله ربي ، فحذف الألف أيضاً من آخره .
ويقال : إِنِّيَّة الشئ وأَنِيَّتُه ، كما يقال ذاته ، وذلك إشارة إلى وجود الشئ ، وهو لفظ محدث ليس من كلام العرب .
وآناء الليل : ساعاته ، الواحد : إِنْيٌ وإِنىً وأَناً ، قال عز وجل : يَتْلُونَ آياتِ الله آناءَ اللَّيْلِ . « آل عمران : 113 » وقال تعالى : وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ . « طه : 130 » وقوله تعالى : غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ « الأحزاب : 53 » أي وقته .
والإنا : إذا كُسر أوله قُصِر ، وإذا فُتح مُدَّ ، نحو قول الحطيئة :
وآنيتُ العشاءَ إلى سهيلٍ أو الشِّعرى فطالَ بيَ الأناءُ
ملاحظات
الإنية والمائية والكيفية والهوية ، تعابير عربية استعملها النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام ولم يطلع عليها الراغب ، ففي التوحيد للصدوق/80 : « خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس في مسجد الكوفة ، فقال : الحمد لله الذي لا من شئ كان ، ولا من شئ كون ما قد كان ، مستشهد بحدوث الأشياء على أزليته ، وبما وسمها به من العجز على قدرته ، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه ، لم يخل منه مكان فيدرك بأينية ، ولا له شبه مثال فيوصف بكيفية ، ولم يغب عن علمه شئ فيعلم بحيثية ، مبائن لجميع ما أحدث في الصفات ، وممتنع عن الإدراك بما ابتدع من تصريف الذوات ، وخارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرف الحالات » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 82 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي الكافي « 1/85 » في حديث الزنديق مع الإمام الصادق عليه السلام قال له : « فله إنية ومائية؟ قال : نعم لا يثبت الشئ إلا بإنية ومائية . قال له السائل : فله كيفية؟ قال : لا ، لأن الكيفية جهة الصفة والإحاطة ، ولكن لا بد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه ، لأن من نفاه فقد أنكره ، ودفع ربوبيته وأبطله » .
أَنَى - َآنٍ - أناة - تأنى - استأنيته - إناء - أواني
آن الشئ : قرب إناه . وحَمِيمٍ آنٍ « الرحمن : 44 » بلغ إناه من شدة الحر ، ومنه قوله تعالى : مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ « الغاشية : 5 » . وقوله تعالى : أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا « الحديد : 16 » أي : ألم يقرب إناه . ويقال : آنَيْتُ الشئ أُنِيّاً ، أي أخرته عن أوانه .
وتَأنيْتُ : تأخرت . والأَنَاة التؤدة . وتَأنى فلان تَأنياً ، وأَنَى يَأْنِي فهو آنٍ ، أي وقور .
واستأنيته : انتظرت أوانه ، ويجوز في معنى استبطأته . واستأنيت الطعام كذلك .
والإِنَاء : ما يوضع فيه الشئ وجمعه آنِيَة ، نحو كساء وأكسية ، والأَوَانِي : جمع الجمع .
أيْنَ - الآن - يئينُ - إناه - الأين
أيْنَ : لفظ يبحث به عن المكان ، كما أن متى يبحث به عن الزمان . والآن : كل زمان مقدر بين زمانين ماض ومستقبل نحو : أنَا الآن أفعل كذا . وخص الآن بالألف واللام المعرف بهما ولزماه . وأفعلُ كذا آونةً : أي وقتاً بعد وقت . وهو من قولهم الآن . وقولهم : هذا أوان ذلك ، أي زمانه المختص به وبفعله ، قال سيبويه : يقال الآنَ آنُك : أي هذا الوقت وقتك . وآن يؤون : قال أبو العباس رحمه الله : ليس من الأول وإنما هو فعل على حدته . والأين : الإعياء ، يقال آن يئين أيناً ، وكذلك أنَى يأني أنياً : إذا حان . وأما بلغ إناه ، فقد قيل هو مقلوب من أنى وقد تقدم . قال أبو العباس : قال قوم : آنَ يئين أيناً ، الهمزة مقلوبة فيه عن الحاء ، وأصله حان يحين حيناً ، قال : وأصل الكلمة من الحين .
ملاحظات
1 . أجاد ابن فارس بقوله « 1/141 » : « أنَى . له أصول أربعة : البطء ، وما أشبهه من الحلم وغيره ، وساعة من الزمان ، وإدراك الشئ ، وظرف من الظروف » . ثم ذكر الأناة بمعنى الحلم ، والإنَى والأنَى : وهي من ساعات الليل جمعها آناء . واستأنيتُ الطعام أي انتظرت إدراكه ، وأنَى لك يأني أنياً أي حان ، وأتيت فلاناً آينةً بعد آينة ، أي أحياناً أو تارةً . وتقول إناء من الآنية ، والأواني جمع جمع . « راجع العين : 8/400 » .
2 . استَعْمَل القرآن كلمة الآن ست مرات بدون همزة إسـتفهام ، ومرتين معهــا ، قال تعـالى : الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ . أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُـمْ بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنْتُـمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ . آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ .
3 . أنَى الشئ يأني إنىً : بلغ نضجه وإدراكه وأوْجَهُ . ومنه قوله تعالى : لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ . أي منتظرين نضجه . وقوله تعالى : يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ : أي ماءٌ بلغ إناه في الحرارة . تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ : حارة .
4 . واستعمل القرآن أيَّانَ ست مرات للسؤال عن القيامة : يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا .
5 . واستعمل أيْن سبع مرات ، خمسة منها في السؤال عن الشركاء : وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ . واثنان في التعجب من موقف المكذبين : فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ . . وسؤال الإنسان يوم القيامة : أَيْنَ الْمَفَرُّ .
6 . واستعمل أينما اثنتي عشر مرة . إحداها مع ما الموصولة وليس فيها معنى الشرط ، قال تعالى : وَقِيلَ لَهُمْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 83 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ .
7 . قوله تعالى : وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ ، أي ظروف فضية ، وقد تكون سميت آنية لأنه يوضع فيها طعامٌ نضج وبلغ إناه .
أهْل - أهلَّ الرجل - أهِلَ به - أهلي - أهل - أهلاً - أهلون - أهلات
أهل الرجل : من يجمعه وإياهم نسب أو دين ، أو ما يجرى مجراهما من صناعة وبيت وبلد . فأهل الرجل : في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد ، ثم تُجُوِّز به فقيل أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب . وتُعُورف في أسرة النبي عليه الصلاة والسلام مطلقاً إذا قيل أهل البيت ، لقوله عز وجل : إنما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ . « الأحزاب : 33 » .
وعبَّر بأهل الرجل عن امرأته . وأهل الإسلام : من يجمعهم . ولما كانت الشريعة حَكمت برفع حكم النسب في كثير من الأحكام بين المسلم والكافر ، قال تعالى : إنهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إنهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ . « هود : 46 » وقال تعالى : وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ « هود : 40 » .
وقيل : أَهَلَ الرجل يَأْهَلُ أُهُولًا ، وقيل : مكان مأهول : فيه أهله . وأُهِلَ به : إذا صار ذا ناس وأهل . وكل دابة ألف مكاناً يقال : أَهِلٌ وأَهْلِيٌّ . وتأهَّلَ : إذا تزوج ، ومنه قيل أهَّلك الله في الجنة ، أي زوجك فيها ، وجعل لك فيها أهلاً يجمعك وإياهم . ويقال فلان أهل لكذا ، أي خليق به . ومرحباً وأهلاً : في التحية للنازل بالإنسان ، أي وجدت سعة مكان عندنا ، ومن هو أهل بيت لك في الشفقة . وجمع الأهل أهلون ، وأهال ، وأهلات .
الآل - أُهَيْل - أُوَيْل - إيل - آلٌ - آلَ - يؤول
الآلُ : مقلوب من الأهل ، ويُصَغَّر على أُهَيْل ، إلا أنه خُصَّ بالإضافة إلى الأعلام الناطقين دون النكرات ، ودون الأزمنة والأمكنة ، يقال : آلُ فلان ، ولا يقال : آلُ رجل ، ولا آلُ زمان كذا ، أو موضع كذا ، ولا يقال : آلُ الخياط ، بل يضاف إلى الأشرف الأفضل ، يقال : آلُ الله ، وآلُ السلطان . والأهل : يضاف إلى الكل يقال : أهل الله ، وأهل الخياط ، كما يقال : أهل زمن كذا ، وبلد كذا . وقيل : هو في الأصل إسم الشخص ، ويُصَغَّر أُوَيْلًا ، ويستعمل فيمن يختص بالإنسان اختصاصاً ذاتياً إما بقرابة قريبة أو بموالاة ، قال الله عز وجل : وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ « آل عمران : 33 » وقال : أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ « غافر : 46 » .
قيل : آل النبي : أقاربه . وقيل المختصون به من حيث العلم ، وذلك أن أهل الدين ضربان : ضرب متخصص بالعلم المتقن والعمل المحكم ، فيقال لهم : آل النبي وأمته . وضرب يختصون بالعلم على سبيل التقليد ، يقال لهم أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، ولا يقال لهم آله ، فكل آل للنبي أمته ، وليس كل أمة له آله .
وقيل لجعفر الصادق عليه السلام : الناس يقولون : المسلمون كلهم آل النبي ، فقال : كذبوا وصدقوا ، فقيل له : ما معنى ذلك؟ فقال : كذبوا في أن الأمة كافتهم آله ، وصدقوا في أنهم إذا قاموا بشرائط شريعته آله .
وقوله تعالى : رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ « غافر : 28 » أي من المختصين به وبشريعته ، وجعله منهم من حيث النسب ، أو المسكن ، لا من حيث تقدير القوم أنه على شريعتهم .
وقيل في جبرائيل وميكائيل : إن إيل إسم الله تعالى ، وهذا لا يصح بحسب كلام العرب ، لأنه كان يقتضي أن يضاف إليه فيجرَّ إيل ، فيقال : جَبْرُإيلٍ . وآل الشخص : شخصه المتردد . قال الشاعر :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 84 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولم يبق إلا آل خيمٍ منضَّدِ
والآل أيضاً : الحال التي يؤول إليها أمره ، قال الشاعر :
سَأَحْمِلُ نَفْسِي عَلَى آلةٍ
فَإمَّا عَلَيْهَا وإمَّا لهَـا
وقيل لما يبدو من السراب : آلٌ ، وذلك لشخص يبدو من حيث المنظر وإن كان كاذباً ، أو لتردد هواء وتموُّج ، فيكون من آل يؤول . وآلَ اللبن يَؤُولُ : إذا خَثُرَ ، كأنه رجوع إلى نقصان ، كقولهم في الشئ الناقص .
ملاحظات
1 . معنى أهل بيت الرجل : أسرته ، وهو موجود في كل لغات العالم ، وقد يتسع ليشمل عشيرته ، فأهل بيت هرقل ، أو كسـرى ، أو إبراهيم ، أو إسماعيل ، أو امرئ القيس ، بمعنى أسرهم ، وقد يستعمل بمعنى عشيرتهم ! لكن عندما يصل الأمر الى النبي صلى الله عليه وآله يفاجؤك العلماء (الأتقياء) أتباع السلطان بتوسيع معنى أهل بيته وآله ، ليشمل كل قبائل قريش ، بل كل أمة الإسلام !
لذلك ينبغي الحذر من تحريفهم الكلم عن مواضعه ، وإلباسهم إياه ثوباً علمياً ! ومنه قول الراغب : « أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين » ! فكلمة « أو دين » تحريف لمصادرة حق أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وإعطائه الى قبائل قريش والأمة ، ليصيروا كلهم : آل النبي صلى الله عليه وآله ! ويكفي لرد ذلك : صحة سلب إسم الآل وأهل البيت عن غير أسرته وعشيرته ، فتقول : الروم ليسوا كلهم آل هرقل وأهل بيته ، والفرس ليسوا كلهم أهل بيت كسرى ، والعرب ليسوا كلهم آل النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله . وكفى بصحة السلب دليلاً .
2 . روى الجميع أن النبي صلى الله عليه وآله وضع مصطلحاً إسلامياً لأهل بيت عليهم السلام فأدار عليهم كساء وقال : اللهم هؤلاء آل محمد ، هؤلاء أهل بيتي . وأرادت زوجته أن تدخل معهم فجذب منها الكساء وقال : لا ، إنك الى خير ، ولكن هؤلاء أهل بيتي !
ومع ذلك قفز خدام السلطة على هذا المصطلح الصريح وقالوا آل النبي زوجاته ، وكل قريش ، والعلماء ، والأمة !
لقد نسي الراغب هنا أن الآل غير الأمة ! ونسي آيات القرآن ومنها آية التطهير وأن الأمة كلها لا يمكن أن تكون مطهرة ، وفيها القتلة والمجرمون ! ثم حاول أن يقنعك أن أهل العلم من أمثاله من آل النبي صلى الله عليه وآله !
إن اليهود لم يفعلوا مع آل أنبيائهم عليهم السلام ما فعلته هذه الأمة مع آل نبيها صلى الله عليه وآله ! فلم يَدَّعِ اليهود أنهم كلهم من آل موسى ، أو آل هارون !
ولكي يبرر علماء السلطة تحريفهم نسبوا ذلك الى إمام العترة جعفر الصادق عليه السلام أنه قال : « كل من قام بشرائط شريعته هم آله » ! وقد قام بشرائطها بنو أمية وبنو العباس والعثمانيون والوهابية ، وحكام المسلمين ، فكلهم آل النبي وأهل بيته ! ومعناه : لايوجد شئ إسمه « أهل البيت النبوي » !
3 . قال بعض علماء السلطة إن « أهل البيت » وردت في القرآن بالمعنى اللغوي في قوله تعالى : قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إنهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ . فزوجة إبراهيم عليه السلام من أهل بيته لغةً ، وكذلك زوجات النبي صلى الله عليه وآله من أهل بيته لغةً .
وجوابه : هذا يصح قبل قول النبي صلى الله عليه وآله إن أهل بيتي مصطلح ، أما بعده فلا يصح الإستدراك على النبي صلى الله عليه وآله وتفسيرهم بالمعنى اللغوي . وكيف نضع المصطلح النبوي وراء ظهورنا ، وقدخصص أهل بيته وآل محمد بمن أدار عليهم الكساء ! فهل هذا إلا كمن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 85 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يقول : الصلاةُ في اللغة الدعاء فأنا أدعو ، ولا أصلي بالمعنى الإصطلاحي !
روى أحمد بن حنبل : 6/323 : « عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لفاطمة : إئتيني بزوجك وابنيك فجاءت بهم ، فألقى عليهم كساء فدكياً ، قال ثم وضع يده عليهم ، ثم قال : اللهم إن هؤلاء آل محمد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد مجيد . قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال : إنك على خير » . وروى في : 1/185 : « ثم تلا هذه الآية : إنما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ، وقال : اللهــم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق » .
4 . العترة في اللغة أخص من الآل فهم الأقارب القريبون خاصة ، وهم الذين حددهم النبي صلى الله عليه وآله وجعلهم وصيته في أمته مع القرآن في الحديث المتواتر عند الجميع : « قال إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عز وجل وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروني بمَ تخلفوني فيهما » . « مسند أحمد : 3/17 » . وصح عندنا أنه صلى الله عليه وآله قال : وتسعة من ذرية الحسين آخرهم المهدي عليهم السلام .
5 . استعمل القرآن كلمة « آل » ستاً وعشرين مرة ، في آل إبراهيم وعمران ويعقوب وموسى وهارون عليهم السلام . وفي آل فرعون . وقال تعالى : سَلامٌ عَلَى إِلْيَاسِينَ ، وقرئ : سَلامٌ عَلَى آل يَاسِين ، أي آل محمد صلى الله عليه وآله ، وهو الصحيح . وفي صحيح بخاري : 4 /138 ، في قوله تعالى : إن اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحـاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ : « قال ابن عباس . . وآل عمـران وآل ياسين وآل محمد » .
6 . ورد تعبير « أهل الكتاب » في القرآن ثلاثين مرة ، وأهل الإنجيل مرة واحدة : وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيه ، ولم يستعمل « أهل التوراة » !
وورد تعبير أهل النار : إن ذَلِكَ لَحق تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ، ولم يرد تعبير « أهل الجنة » بل ورد التعبير بأصحاب الجنة وأصحاب النار ! كما ورد في القرآن أهل المدينة ، وأهل يثرب ، وأهل القرى ، وأهل مدين ، وأهل قرية ، وفي صفات الله تعالى : أَهْلُ التقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ . وورد تعبير « أهلك » لنبينا ونوح وموسى ولوط وأيوب وصالح ويوسف عليهم السلام . وعزيز مصر .
واستعمل القرآن تعبير : أهل الأمانات ، وأهل السفينة ، وأهل الفتيات : فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ . وأهلونا في آية ، وأهليكم في آيتين ، وأهل الذكر مرتين : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ .
أوَبَ - أوباً - أوْبٌ - إياب - مآب- أواب - تأويب - آب - أؤوب
الأَوْبُ : ضربٌ من الرجوع ، وذلك أن الأوب لا يقال إلا في الحيوان الذي له إرادة . والرجوع : يقال فيه وفي غيره ، يقال : آب أَوْباً وإِيَاباً ومَآباً . قال الله تعالى : إن إِلَيْنا إِيابَهُمْ « الغاشية : 25 » وقال : فَمَنْ شاءَ اتَّخَــذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً « النبـــأ : 39 » . والمآب : المصدر منه ، وإسم الزمان ، والمكان ، قال الله تعالى : وَ اللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ « آل عمــران : 14 » .
والأوَّاب : كالتواب ، وهو الراجع إلى الله تعالى بترك المعاصي وفعل الطاعات . قال تعالى : أَوَّابٍ حَفِيظٍ « ق : 32 » وقال : إنهُ أَوَّابٌ « صاد : 30 » ومنه قيل للتوبة : أَوْبَة .
والتأويب : يقال في سير النهار . وقيل : آبت يد الرامي إلى السهم ، وذلك فعل الرامي في الحقيقة ، وإن كان منسوباً
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 86 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إلى اليد . ولا ينقض ما قدمناه من أن ذلك رجوع بإرادة واختيار . وكذا ناقة أَؤُوب : سريعة رجع اليدين .
ملاحظات
1 . لاوجه لحصر الأوْب في الحيوان الذي له إرادة . فكل شئ رجع إلى مكانه فقد آب يؤوب أوباً وإياباً . وفي الحديث النبوي : حتى آبت الشمس . « لسان العرب : 1/219 » . وقال الكميت : أنَّى ومن أين آبكَ الطرب . « المقاييس : 1/152 » . والشمس والطرب جامدان .
2 . استعمل القرآن أوَّاب خمس مرات ، منها : وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إنهُ أَوَابٌ ، أي سريع الرجوع أو كثير الرجوع الى الله ، وذلك إذا ارتكب خلاف الأولى ، لأنه لايصح نسبة المعصية الى الأنبياء عليهم السلام . واستعمل القرآن الأوابين للتائبين فقال : فَإنهُ كَأن للأَوَابِينَ غَفُــورًا . والأواب لرجوع الطيــور الى داود عليه السلام : وَالطيْرَ مَحْشُورَةً كل لَهُ أَوَابٌ .
واستعمل مآب ، بمعنى الرجوع والمرجع ، تسع مرات ، قال تعالى : وَ اللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ . فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً . وَإن لِلطاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ . وقــال : إن إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ، أي رجوعهم . وقــال : يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطيْرَ ، أي رَجِّعِي تسبيحهُ .
3 . آب الغائب يؤوب مآباً وأوبةً : رجع . وفي الحديث : كان صلى الله عليه وآله إذا أقبل من سفر قال : آيبون تائبون ، لربنا حامدون .
4 . جمع آيب : أُوَّبٌ وُأوَّابٌ وأُيَّابٌ ، بضم الألف وتشديد الواو . والمتأوب سريع الرجوع وأوَّبت الشمس في مآبها : غابت في مغيبها . وجاءوا من كل أوْب : من كل ناحية . وأبْتُ الى بني فلان : جئتهم بالليل . وتأوَّبتهم : جئتهم أول الليل . وآب إلى سيفه : أي رد يده ليسلَّه .
5 . التأويب : السير نهاراً والنزول ليلاً . والإسآد السير ليلاً . يقال : أوَّب القوم تأويباً ، أي ساروا بالنهار ، وأسأدوا إذا ساروا بالليل .
6 . لم أجد تفريقاً مقنعاً بين آب ورجع ، وكلاهما يشتركان في أنهما رجوع الى المرجع المفترض أساساً ، وكأن الأوب رجوع اختياري والرجوع أعم من الإختياري وغيره .
7 . آب : من أسماء الشهور ، عجمي معرب . ومآب : إســم بلد بالبلقــاء . وأيوب عليه السلام : من آب يؤوب . « معاني الأخبار/50 » . وبنو أيوب : قبيلة . وفي الزيارة الجامعة : مؤمن بإيابكم ، مصدق برجعتكم . « التهذيب : 6/99 » .
أيَدَ - أيْد - تأييد - إياد - آده - يؤوده
قال الله عز وجل : أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ « المائدة : 110 » فَعَلْتُ ، من الأيْد ، أي القوة الشديدة . وقال تعالى : وَاللَّه يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ « آل عمــران : 13 » أي يكثر تأييده . ويقال : إِدْتُهُ أَئِيدُهُ أَيْداً نحو : بعته أبيعه بيعاً ، وأيدته على التكثير .
قال عز وجل : وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ . « الذاريات : 47 » ويقال : له أيْدٌ ، ومنه قيل للأمر العظيم مؤيد . وإِيَاد الشئ ما يقيه ، وقرئ : أَأْيَدْتُكَ ، وهو أفعلت من ذلك . قال الزجاج : يجوز أن يكون فاعلت نحو : عاونت ، وقوله عز وجل : وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما « البقرة : 255 » أي لا يثقله .
وأصله من الأود ، آد يؤود أوداً وإياداً : إذا أثقله ، نحو : قال يقول قولاً ، وفي الحكاية عن نفسك : أُدْتُ مثل قُلْتُ ، فتحقيق آدَهُ : عوجه من ثقله [في ممرِّه ] .
ملاحظات
1 . وردت مادة أيَّدَ في القرآن تسع مرات . وورد الأَيْد بمعنى القوة مرتين : هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ . فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِه ِ . وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإنا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 87 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لَمُوسِعُون . وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إنهُ أَوَّابٌ .
ووردت مادة أوَدَ مرة واحدة : وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأرض وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا ، أي لايثقله ولايشـق عليه . تقول : آدني هذا الأمر يؤودني ، أي شق عليَّ . ومنه التأوُّد بمعنى الإعوجاج من الثقل تقول : تأود الغصن والعود . قال ابن منظور « 1/154 » : « هو العطف والإنثناء ، أُدْتُ الشئ : عطفته ، وتأوَّد النبت مثل تعطف وتعوج » . « راجع : العين : 8/97 » .
وقد وضعنا قوله « في ممره » بين قوسين لأنها لا معنى لها ، ونشك في صحة النسخة .
2 . آده بمعنى أثقله وهي من أوَدَ . وأيده بمعنى قواه ، وهي من أَيَدَ . فهما أصلان مختلفان ، ولا يصح جعلهما واحداً كما فعل الراغب وابن فارس .
أَيْك - أيكة
الأيك : شجرٌ مُلْتَفٌّ . وأصحاب الأيكة : قيل نسبوا إلى غيضة كانوا يسكنونها ، وقيل هي إسم بلد .
ملاحظات
الأيكة : الواحة ذات الشجر المثمر . « العين : 1/423 » وقد ورد ذكر أصحاب الأيكة في أربع آيات ، قال تعالى : كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ أَلْمُرْسَلِينَ . وَإِنْ كَأن أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ . وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُولَئِكَ الأَحْزَابُ . وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ .
وقيل هم أهل تبوك . « معجم البلدان : 1/291 ، ومجمع البيان : 6/127 » . وقيل هم أهل مَدْيَن الذين قال الله فيهـم : وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً . لكن العذاب المذكور لهم الصيحة ، ولأصحاب الأيكةعذاب يوم الظلة . وقد يكون رسولهم شعيباً آخر .
أوَلَ - تأويل - آلَ - أوَّلاً - أولى - يؤول
التأويل : من الأوْل أي الرجوع إلى الأصل ، ومنه المَوْئِلُ للموضع الذي يرجع إليه ، وذلك هو رد الشئ إلى الغاية المرادة منه ، عِلْماً كان أو فعلاً ، ففي العلم نحو : وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ « آل عمران : 7 » وفي الفعل كقول الشاعر :
وللنَّوى قبل يوم البين تأويلُ
وقولـه تعالى : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ « الأعراف : 53 » أي بيانه الذي [هو] غايته المقصودة منه . وقوله تعالى : ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا « النساء : 59 » قيل : أحسن معنى ترجمةً ، وقيل : أحسن ثواباً في الآخرة . والأَوْلُ : السياسة التي تراعي مآلها يقال : أُلْنَا وإِيلَ علينا .
وأوَّلُ : قال الخليل : تأسيسه من همزة وواو ولام ، فيكون فَعَّل ، وقد قيل من واوين ولام فيكون أفعل ، والأول أفصح لقلة وجود ما فاؤه وعينه حرف واحد ، كددن ، فعلى الأول يكون من : آل يؤول ، وأصله : آول فأدغمت المدة لكثرة الكلمة . وهو في الأصل صفة لقولهم في مؤنثه : أُولى ، نحو : أُخرى .
فالأول : هو الذي يترتب عليه غيره ، ويستعمل على أوجه : أحدها : المتقدم بالزمان كقولك : عبد الملك أولاً ، ثم المنصور .
الثاني : المتقدم بالرئاسة في الشئ ، وكون غيره محتذياً به ، نحو : الأمير أولاً ، ثم الوزير .
الثالث : المتقدم بالوضع والنسبة ، كقولك للخارج من العراق : القادسية أولاً ، ثم فيد ، وتقول للخارج من مكة : فيد ، أولاً ، ثم القادسية . الرابع : المتقدم بالنظام الصناعي ، نحو أن يقال : الأساس أولاً ، ثم البناء .
وإذا قيل في صفة الله : هوالأول فمعناه : أنه الذي لم يسبقه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 88 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في الوجود شئ ، وإلى هذا يرجع قول من قال : هو الذي لا يحتاج إلى غيره ، ومن قال : هو المستغني بنفسه .
وقوله تعالى : وَأَنَا أول الْمُسْلِمِينَ « الأنعام : 163 » وَأَنَا أول الْمُؤْمِنِينَ « الأعراف : 143 » فمعناه : أنا المقتدَى بي في الإسلام والإيمان ، وقال تعالى : وَلا تَكُونُوا أول كافِرٍ بِهِ « البقرة : 41 » أي لاتكونوا ممن يُقتدى بكم في الكفر .
ويستعمل أولُ ظرفاً فيبنى على الضم نحو جئتك أَوَّلُ ، ويقال : بمعنى قديم نحو : جئتك أولاً وآخراً ، أي قديماً وحديثاً .
وقوله تعالى : أَوْلى لَكَ فَأَوْلى « القيامة : 34 » كلمــة تهديد وتخويف يخاطب بها من أشرف على هلاك فيحثُّ بها على التحرز . أو يخاطب بها من نجا ذليلاً منه فيُنهى عن مثله ثانياً . وأكثر ما يستعمل مكرراً وكأنه حثٌّ على تأمُّل ما يؤول إليه أمره ليتنبَّه للتحرز منه .
ملاحظات
1 . التفسير : بيان معنى ألفاظ الكلام . والتأويل : بيان ما يقصد منه ويؤول اليه . تقول : أوَّلتُه وتأولته تأوُّلاً وتأويلاً . وتقول : مآل الكلام وموئله . قال الله تعالى : وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحق وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا . وقال عن القرآن : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأوِيلَهُ إِلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ .
وقال عن يوسف عليه السلام : وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ . يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاىَ مِنْ قَبْلُ .
وقال في الخضر : سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا .
والتأويل في هذه الآيات تأويلُ حَدَثٍ أو كلامٍ مضى ، وقد يكون تأويل شئ سيأتي ، كقوله عن يوسف : لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي .
وقال عن البيع والتعامل : وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً .
وقال عن رد الأخبار الهامة الى أولي الأمــر : ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَاوِيلاً .
2 . استعمل لفظ الأوَّل في القرآن بضعاً وستين مرة ، منها ثلاثون مرة مفرداً ، والباقي جمعاً . واستعمل أولاهم مرتين ، وأولاهما مرة . وكلها بمعنى السبق والأولية في الشئ ، وليس فيها معنى الإقتداء الذي ذكره الراغب .
3 . أولى لك : أي أحق لك أو أحْرَى بك ، وهي من وَلِيَ وليست من أول ، وقد ذكرها الراغب في وليَ .
4 . تقول : رأيته عاماً أولَ وعامَ أول . والجمع أولون ، وجمع أُولى : أولَيَات ، وجمع أخرى أخْرَيات . ومُثَنَّى أوْلى أوْلَيان ، وجمعه أوْلَوْن . « العين : 8/368 » .
أيَمَ - آمَ- تأيمَ - أيِّم - أيامى
الأيامى : جمع الأيِّم ، وهي المرأة التي لا بعل لها ، وقد قيل للرجل الذي لا زوج له ، وذلك على طريق التشبيه بالمرأة فيمن لا غناء عنه ، لاعلى التحقيق ، والمصدر الأيِّمَة . وقد آم الرجل وآمت المرأة وتأيَّم وتأيَّمت . وامرأة أيِّمة ورجل أيِّم . والحرب مأيَمَة ، أي تفرق بين الزوج والزوجة ، والأيْمُ : الحيَّة .
ملاحظات
1 . لم ترد كلمة أيِّم في القــرآن ، وورد جمعهـا في قوله تعــالى : وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ .
2 . جعل الراغب الأيْم أي الحية من نفس مادة أيَمَ ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 89 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لكن الصحيح ما ذكره صاحب المقاييس : 1/165 ، من أن أَيَمَ ثلاثة أصول متباينة : الدخان ، والحية ، والمرأة لازوج لها ، أو الرجل لازوجة له . وذكر الخليل أن الأيِّم مشتقة من الدخان ، ومعناها الذي ما زال فيه دخان زواج . « راجع : العين : 8/425 ، والصحاح : 5/1868 ، ولسان العرب : 12/39 » .
وقدجعل الراغب الأيم في الأصل للمرأة ، وللرجل تشبيهاً بها ، لكن مقتضى الآية واستعمال العرب تساويهما في التسمية به .
أوَهَ - أَوَّاهٌ - إيهاً - ويهاً- واهاً
الأوَّاه : الذي يكثر التأوُّه وهو أن يقول : أُوهْ ، وكل كلام يدل على حزن يقال له : التأوه . ويعبر بالأوَّاه عمن يُظهر خشية الله تعالى ، وقيل في قوله تعالى : أوَّاهٌ مُنِيبْ ، أي المؤمن الداعي . وأصله راجع إلى ما تقدم .
قال أبو العباس رحمه الله : يقال إيهاً إذا كففته ، ووَيْهاً إذا أغريته ، ووَاهاً إذا تعجبت منه .
ملاحظات
قال تعالى : إن إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ . وقال : إن إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ . وورد في تفسيره أنه عليه السلام كان دَعَّاءً أي كثير الدعاء والتضرع ، وكان يسمع له في صلاته أزيز كأزيز المِرْجَل . وورد ذلك في وصف عبادة النبي صلى الله عليه وآله « تفسير العياشي : 2/154 ، وعدةالداعي/138 » . وورد في وصف عبادة فاطمة الزهراء عليها السلام أنها كانت تَنْهَجُ من خيفة الله . « مستدرك الوسائل : 4/100 » .
وسمى الله إبراهيم عليه السلام أوَّاهاً ، لكثرة تحزُّنه في دعائه ومناجاته . فالمتأوه المتضرع كثيرُ الحزن . وقد يكون التأوه من الشكاية ، كما في قول النبي صلى الله عليه وآله لمعاذ بن جبل : « واهاً لفراخ آل محمد من خليفة يقتل خلفي وخلف الخلف » . « الطبراني الكبير : 20/38 » .
وقد يقلبون الواو ألفاً فيقولون : آهٍ من كذا ، وأوَّهْ منه . وروي الحديث المتقدم : « أوَّهْ لفراخ آل محمد » . « نهاية ابن الأثير : 1/82 ، ولسان العرب : 9/232 » . وفي تاج العروس « 19/10 » : « أُوَّهْ لفراخ محمد . ضبطوه بتشديد الواو وسكون الهاء » . وفي حديث علي عليه السلام : « أُوَّهْ على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه » . « مجمع البحرين : 1/136 » .
وتقول : آهٍ وأُوهٍ بكسر الهاء وتنوينها ، وتأوَّهَ فلان آهاً وآهةً كآهةِ المجروح . وتقول : آهْ وآو وأوتاه . وتقول متلهفاً : واهاً . ومستزيداً من حديث أو عمل : إيهٍ . وفي التحريض والإغراء : ويهاً ، وويهُ فلان . « الصحــاح : 6/2257 ، والعيــن : 4/104 ، وإصلاح المنطق/71 ، والمقاييس : 6/80 » .
أيٌّ - أيُّما
أي : في الإستخبار موضوعٌ للبحث عن بعض الجنس والنوع ، وعن تعيينه ، ويستعمل ذلك في الخبر والجزاء ، نحـو : أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسماء الْحُسْنَى . أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ .
آية - آيات - آيٌ
والآية : هي العلامة الظاهرة ، وحقيقته لكل شئ ظاهر ، وهو ملازم لشئ لا يظهر ظهوره . فمتى أدرك مدركٌ الظاهر منهما ، علم أنه أدرك الآخر الذي لم يدركه بذاته ، إذ كان حكمهما سواء . وذلك ظاهر في المحسوسات والمعقولات ، فمن علم ملازمة العَلَم للطريق المنهج ، ثم وجد العَلم ، علم أنه وجد الطريق . وكذا إذا علم شيئاً مصنوعاً علم أنه لا بد له من صانع .
واشتقاق الآية إما من أيٍّ فإنها هي التي تبين أيّاً من أي ، أو من قولهم : أوى إليه . والصحيح أنها مشتقة من التأيِّي الذي هو التثبت والإقامة على الشئ . يقال : تأيَّ ، أي إرفق ، أو من قولهم : أوى إليه . وقيل للبناء العالي :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 90 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
آية ، نحو : أَتَبْنُونَ بِكل رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ . « الشعراء : 128 » . وكل جملة من القرآن دالة على حكم ، آية ، سورةً كانت أو فصولاً أو فصلاً من سورة . وقد يقال لكل كلام منه منفصل بفصل لفظي : آية . وعلى هذا اعتبار السور التي تعدُّ بها السورة .
وقوله تعالى : إن فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ . « الجاثية : 3 » فهي من الآيات المعقولة التي تتفاوت بها المعرفة بحسب تفاوت منازل الناس في العلم . وكذلك قوله : بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ . « العنكبوت : 49 » وكذا قوله تعالى : وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ . « يوسف : 105 » .
وذكر في مواضع آية ، وفي مواضع آيات ، وذلك لمعنى مخصوص ، ليس هذا الكتاب موضع ذكره . وإنما قال : وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً « المؤمنون : 50 » ولم يقل : آيتين ، لأن كل واحد صار آية بالآخر .
وقوله عز وجل : وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً . « الإسراء : 59 » فالآيات هاهنا قيل : إشارة إلى الجراد والقُمَّل والضفادع ، ونحوها من الآيات التي أرسلت إلى الأمم المتقدمة ، فنبَّه [على] أن ذلك إنما يفعل بمن يفعله تخويفاً ، وذلك أخسُّ المنازل للمأمورين ، فإن الإنسان يتحرى فعل الخير لأحد ثلاثة أشياء : إما أن يتحراه لرغبة أو رهبة ، وهو أدنى منزلة . وإما أن يتحراه لطلب محمدة ، وإما أن يتحراه للفضيلة ، وهو أن يكون ذلك الشئ فاضلاً في نفسه ، وذلك أشرف المنازل . فلما كانت هذه الأمة خير أمة كما قال تعالى : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ، « آل عمــران : 110 » رفعهم عن هذه المنزلة ، ونبه [على] أنه لا يعمهم بالعذاب ، وإن كانت الجهلة منهم كانوا يقولون : فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ . « الأنفال : 32 » .
وقيل : الآيات إشارة إلى الأدلة ، ونبه [على] أنه يقتصرمعهم على الأدلة ، ويصانون عن العذاب الذي يستعجلون به في قوله عز وجل : يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ « العنكبوت : 54 » .
وفي بناء آية ثلاثة أقوال ، قيل : هي فَعْلَة ، وحق مثلها أن يكون لامه معلّا دون عينه ، نحو حياة ونواة ، لكن صُحِّحَ لامُهُ لوقوع الياء قبلها ، نحو : راية . وقيل : هي فَعْلَة إلا أنها قُلِبَتْ كراهة التضعيف ، كطائي في طيئ . وقيل : هي فاعلة وأصلها : آيِيَة فخففت فصار آية . وذلك ضعيف لقولهم في تصغيرها : أُيَيَّة ، ولو كانت فاعلة لقيل : أوية .
ملاحظات
1 . جمع الآية : آيٌ وآياتٌ وآيايٌ وآياءٌ . وعرَّفها الراغب بأنها العَلاَمة ، ثم قال : « واشتقاق الآية إما من أيٍّ فإنها هي التي تبين أيّاً من أي ، أو من قولهم أوى إليه . والصحيح أنها مشتقة من التأيِّي ، الذي هو التثبت والإقامة على الشئ » . وهو شبيه بقول ابن فارس « 1/167 » إنها مشتقة من تأيَّى يتأيَّى تأيِّيَاً ، أي تَمَهَّل وتمكَّث ، أو تأمَّل ونظر ، وكأنها سميت آية لأنها توجب التأمل والنظر .
لكن لا يصح اشتقاقها من المكث والتثبت ، لأنه لا يوجد في معناها مكث وتثبت . فنحن نجهل مصدر اشتقاقها .
و أصلها عند الخليل : أَأْية ، قلبت ألفها ياء فصارت أيِيَّة ، ثم حذفت فصارت آية كراية وغاية . « العين : 8/440 »
وأصلها عند سيبويه أوِيَّة . وقال البغدادي في خزانة الأدب « 6/469 » : « اختلف في أصلها على ستة أقوال : أحدها ، أن أصلها أيية كقصبة فالقياس في إعلالها أياة فتصح العين وتعل اللام . . وهذا قول الخليل .
الثاني : أن أصلها أيية بسكون العين كحية ، فأعلت بقلب الياء الأولى . . قاله الفراء ، وعزي لسيبويه ، واختاره ابن مالك .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 91 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الثالث : أن أصلها آيية كضاربة حذفت العين استثقالاً لتوالي ياءين . .
الرابع : أن أصلها أيُية بضم الياء الأولى كسمرة فقلبت العين ألفاً . .
الخامس : أن أصلها أيِية بكسر الياء الأولى كنبقة فقلبت الياء الأولى ألفاً . .
السادس : أن أصلها أيَية كقصبة كالأول إلا أنه أعلت الثانية على القياس . .
أقول : لا دليل عندهم على هذه الأقوال إلا الإستحسان . والمهم معناها ولا يضر أنا لم نطمئن بأصلها واشتقاقها .
2 . استعملت آية : في القرآن مفردةً أربعاً وثمانين مرة . وآيات : مئة وثمانية وأربعين مرة ، وآياتنا : اثنين وتسعين مرة . وآياته : سبعاً وثلاثين مرة . . الخ . وهذا الإستعمال الواسع للمادة يدل على سعة مصاديقها .
وقد وردت في حديث الإسراء ، في قوله صلى الله عليه وآله : « وآية ذلك أني مررت بعير لأبي سفيان على ماء لبني فلان وقد أضلوا جملاً » . « الكافي : 8/364 » . وفي وصف الخوارج : « آية ذلك أن فيهم رجلاً أسود مُخَدَّج اليد » . « أحمد : 1/88 » .
أيَّانَ - أيُّ - إيَّا - إي - آ - أيا
وأَيَّانَ : عبارة عن وقت الشئ ، ويقارب معنى متى ، قال تعالى : أَيَّانَ مُرْسَاهَا « الأعراف : 187 » أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ « الذاريات : 12 » من قولهم : أي . وقيل أصله : أيُّ أوان ، أي أيُّ وقت ، فحذف الألف ثم جعل الواو ياء ، فأدغم فصار أيَّان .
وإيَّا : لفظ موضوع ليتوصل به إلى ضمير المنصوب إذا انقطع عما يتصل به ، وذلك يستعمل إذا تقدم الضمير نحو : إيَّاكَ نَعْبُدُ ، أو فصل بينهما بمعطوف عليه أو بإلا ، نحو : نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ . ونحو : وَقَضَى رَبُّكَ ألاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ .
وإي : كلمــة موضوعة لتحقيق كلام متقدم نحو : إِي وَرَبِّي إنهُ لَحق .
وأي ، وآ ، وأيا : من حروف النداء ، تقول : أي زيد ، وأيا زيد ، وآزيد . وأيٌّ : كلمة ينبه بها أن ما يذكر بعدها شرح وتفسير لما قبلها .
ملاحظات
وضع الراغب هذه الكلمات تحت عنوان « أي » لكن أصولها متعددة ، ويبدو أن أيّاً الإستفهامية والتفسيرية وأيَّانَ أصلٌ ، وإيَّاكَ وأخواتها أصل ، وإِي بمعنى بلى أصل ، وأَيْ للنداء وأخواتها أصل .
وقد استعملت أيَّانَ في القرآن ست مرات ، وكلها للسؤال عن القيامة ، كقوله تعالى : يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا . أما إيَّا ، فقد جاءت متصلة بكاف الخطاب للمفرد والجمع « إياك ، إياكم » وبضمير المفرد الغائب والجمع « إياه ، إياهم » والمفرد المتكلم وجمعه « إياي ، إيانا » .
وقد استعمل القرآن هذه الضمائر في إسناد الفعل لله بصيغة المفرد والجمع ، للمتكلم والغائب ، وهذا يكشف عن فاعليات الله تعالى بواسطة الملائكة والنبي وآله صلى الله عليه وآله .
وأما إي ، بمعنى نعم ، فقال ابن منظور : 14/59 : « توصل باليمين فيقال : إي و الله ، وتبدل منها هاء فيقال : هِي » .
وأما أيٌّ التي للنداء ، فوردت في القرآن مئة وخمسين مرةً مع حرف النداء مضافاً اليها الهاء والألف « يا أيها » ومرة واحدة فقط بدونه . وصح دخول حرف النداء عليها لأنها إسم . قال الجوهري : 6/2275 : « يا أيها الرجل ويا أيتها المرأة ، فأي : إسم مبهم مفرد معرفة بالنداء مبني على الضمير ، وها : حرف تنبيه وهي عوض مما كانت أيٌّ تضاف إليه » .
وقال ابن هشام في المغني « 1/77 » : « أي : بفتح الهمزة وتشديد الياء : إسم يأتي على خمسة أوجه : شرطاً ، نحو :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 92 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسماء الْحُسْنَى . أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ . وإستفهامـاً نحو : أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً . فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُون . وموصولاً نحو : ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كل شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ . والخامس : أن تكون وصلة إلى نداء ما فيه أل نحو : يا أيها الرجل » .
وقال ابن منظور « 14/56 » : « أيْ : حرف إستفهام عما يعقل وما لا يعقل . ويقول لك قائل : رأيت ظبياً فتجيبه : أيّاً . ويقول : رأيت ظبيين فتقول : أيَّيْن ، ويقول : رأيت ظباء فتقول : أَيَّات . ويقول : رأيت ظبية ، فتقول : أيَّةَ . تقول يا أيها الرجل أقبل ولا يجوز يا الرجل . وقال الكوفيون : لأن أياً وما ومن والذي أسماء ناقصة ، لا تتم إلا بالصلات » .
هذا ، وقد زادت نداءات القرآن على مئة نداء . وهي موضوع غني في أدواته ، وأغراضه ، وأنواع المنادَيْن ، ومواضيع النداء .
أوَى -إيواءً - مأوى - آواه - مأوية
المَأْوَى : مصدر أَوَى يَأْوِي أَوِيّاً ومَأْوًى . تقول : أوَى إلى كذا : انضم إليه يأوي أويّاً ومأوى ، وآوَاهُ غيره يُؤْوِيهِ إِيوَاءً . قال عز وجل : إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ « الكهف : 10 » وقال : سَآوِي إِلى جَبَلٍ « هود : 43 » وقال تعالى : آوى إِلَيْهِ أَخاهُ « يوسف : 69 » وقال : تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ « الأحزاب : 51 » وقال : وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ « المعارج : 13 » وقوله تعالى : جَنَّةُ الْمَأْوى « النجم : 15 » كقوله : دارُ الْخُلْدِ « فصلت : 28 » في كون الدار مضافة إلى المصدر ، وقوله تعالى : مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ . « آل عمــران : 197 » إسم للمكان الذي يأوي إليه .
وأَوَيْتُ له : رحمته ، أَوِيّاً وأَيَّةً ومَأْوِيَةً ، ومَأْوَاةً . وتحقيقه : رجعت إليه بقلبي . وآوَى إِلَيْهِ أَخاهُ . « يوسف : 69 » أي ضمه إلى نفسه . يقال : أواه وآواه . والماوية : في قول حاتم طيئ : أماويُّ إن المال غادٍ ورائحُ .
مأويَّة ، فقد قيل : هي من هذا الباب ، فكأنها سميت بذلك لكونها مأوى الصورة . وقيل : هي منسوبة للماء ، وأصلها مائية ، فجعلت الهمزة واواً .
ملاحظات
استعمل القرآن من هذه المادة بضع عشرة مفردة هي زبدة كلماتها : المأوى ، جنة المأوى ، مأواه ، مأواهم ، مأواكم ، آواكم ، آوينا ، أوينا . . الخ . وجعلها صاحب المقاييس « 1/151 » أصلين قال : « أحدهما التجمع ، والثاني الإشفاق . وهو رأي قوي ، والتجمع أعم من المأوى المادي والمعنوي ، والإشفاق مأوى أو إيواء معنوي .
الألِفَات
الألِفَاتُ : التي تدخل لمعنى ، على ثلاثة أنواع : نوع في صدر الكلام ، ونوع في وسطه ، ونوع في آخره . فالذي في صدر الكلام أضرب : الأول : ألف الإستخبار ، وتفسيره بالإستخبار أولى من تفسيره بالإستفهام ، إذ كان ذلك يعمُّه وغيره نحو : الإنكار ، والتبكيت ، والنفي ، والتسوية . فالإستفهام نحو قوله تعالى : أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها « البقرة : 30 » . والتبكيت إما للمخاطب أو لغيره نحو : أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُم « الأحقاف : 20 » أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ الله عَهْداً « البـقرة : 80 » آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ « يونس : 91 » أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ « آل عمــران : 144 » أَفَإِنْ مِتَّ فَهُــمُ الْخـالِدُونَ « الأنبيـــاء : 34 » أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً « يونس : 2 » آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ . « الأنعام : 144 » . والتسوية نحو : سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا « إبراهيم : 21 » سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ « البقرة : 6 » .
وهذه الألف متى دخلت على الإثبات تجعله نفياً ، نحو : أَخَرَجَ . هذا اللفظ ينفي الخروج ، فلهذا سأل عن إثباته نحو ما تقدم . وإذا دخلت على نفي تجعله إثباتاً ، لأنه يصير معها نفياً يحصل منهما إثبات ، نحو : أَلَسْتُ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 93 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بِرَبِّكُمْ « الأعراف : 172 » أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ « التين : 8 » أَوَلَمْ يَرَوْا أنا نَأْتِي الْأَرْضَ « الرعد : 41 » أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ « طه : 133 » أَوَلا يَرَوْنَ « التوبة : 126 » أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ « فاطر : 37 » .
الثاني : ألف المخبر عن نفسه نحو : أسمعُ وأبصرُ . الثالث : ألف الأمر ، قطعاً كان أو وصلاً ، نحو : أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ « المائدة : 114 » ابْنِ لِي عِنْدَك َ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ « التحريم : 11 » ونحوهما .
الرابع : الألف مع لام التعريف ، نحو : العالمين . الخامس : ألف النداء نحو : أَزَيْدُ ، أي يا زيد .
والنوع الذي في الوسط : الألف التي للتثنية ، والألف في بعض الجموع في نحو مسلمات ، ونحو مساكين .
والنوع الذي في آخره : ألف التأنيث في حبلى وبيضاء ، وألف الضمير في التثنية ، نحو إذهبا .
والذي في أواخر الآيات الجارية مجرى أواخر الأبيات ، نحو : وَتَظُنُّونَ بِالله الظُّنُونَا « الأحزاب : 10 » فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا « الأحزاب : 67 » لكن هذه الألف لاتثبت معنى ، وإنما ذلك لإصلاح اللفظ .
ملاحظات
وضع الراغب هذا العنوان في ختام الباب اتباعاً لغيره من اللغويين . ويقصد بالألِفَات : المهموزة ، واللينة ، وفيها بحوث لايتسع لها الكتاب ، فنكتفي ببعض كلمات اللغويين فيها :
قال الجوهري : 6/2542 : « الألف على ضربين : ليِّنَة ومتحركة . فاللينة تسمى ألفاً ، والمتحركة تسمى همزة » .
وقال ابن منظور : 1/17 : « الهمزة لا هجاء لها ، إنما تكتب مرة ألفاً ومرة ياء ومرة واواً ، والألف اللينة لاحرف لها ، إنما هي جزء من مَدة بعد فَتحة . والحروف ثمانية وعشرون حرفاً مع الواو والألف والياء ، وتتم بالهمزة تسعة وعشرين حرفاً » .
وفي مختار الصحاح /9 : « الألف من حروف المد واللين والزيادات . وحروف الزيادات عشرة يجمعها قولك : اليوم تنساه . وقد تكون الألف في الأفعال ضمير الإثنين نحو فَعَلا ويفعلان ، وقد تكون في الأسماء علامة للإثنين ودليلاً على الرفع نحو : رجلان ، فإذا تحركت فهي همزة » .
وفي المغني « 1/13 » ملخصاً : « الألف المفردة : تكون حرفاً ينادى به القريب . وتكون للإستفهام وهي أصل أدواته ، ولهذا خصت بأحكام : أحدها : جواز حذفها ، سواء تقدمت على أم ، أم لم تتقدمها .
تدخل على النفي : ألم نشرح لك صدرك . أو لما أصابتكم مصيبة . تأتي للإنكار الإبطالي ، وتقتضي أن ما بعدها غير واقع ومدعيه كاذب نحو : أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ . وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا . فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ . أَفَسِحْرٌ هَـذَا . أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ . أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ . وللإنكار التوبيخي ، فيقتضي أن ما بعدها واقع ، وأن فاعله ملوم نحو : أتعبدون مــا تنحتون : أَغَيْرَ اللَّـهِ تَدْعُونَ . أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّـهِ تُرِيدُونَ . أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ . أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا . وللتقرير ، ومعناه حملك المخاطب على الإقرار والإعتراف بأمر قد استقر عنده ثبوته أو نفيه ، كقوله تعالى : أَأَنتَ فَعَلْتَ هَـذَا ، وهو يحتمل إرادة الإستفهام الحقيقي .
وللتهكم : أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا . وللأمر : أأسلمتم ، أي : أسلموا . وللتعجب : أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ . وللإستبطاء ، نحو : أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا » . « راجع : لسان العرب : 15/427 ، وتاج العروس : 20/361 » .
تمَّ كتاب الألف .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 94 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كتاب الباء وما يتصل بها
ب
يشمل 89 مفردة و 87 ملاحظة
بَتْك - بَشَك - بَشْكى - بَتَّ - بَتَّةٌ - بَتاتاً - بَتْلةٌ
البَتْكُ : يقارب البتّ ، لكن البتك يستعمل في قطع الأعضاء والشعر ، يقال بتك شعره وأذنه ، قال الله تعالى : فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ « النساء : 119 » ومنه : سيف باتك ، قاطع للأعضاء . وبتكت الشعر : تناولت قطعة منه .
والبتكة : القطعة المنجذبة جمعها بتك ، قال الشاعر :
طارت وفي يدها من ريشها بَتْكُ
وأما البتُّ : فيقال في قطع الحبل والوصل ، ويقال طلقت المرأة بتةً وبتلةً ، وبَتَتُّ الحكم بينهما . وروي : لاصيام لمن لم يَبُتَّ الصوم من الليل .
والبَشْكُ : مثله ، يقال في قطع الثوب ، ويستعمل في الناقة السريعة : ناقة بشكى ، وذلك لتشبيه يدها في السرعة بيد الناسجة ، في نحو قول الشاعر :
فِعْلُ السريعة بادرتْ حدَّادَها قبل المســـاء تَهِمُّ بالإسراعِ
ملاحظات
1 . استعمل القرآن هذه المادة في آية واحدة ، فقال تعالى عن لسان إبليس : وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلامَنِّيَنَّهُمْ وَلامُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ . والبتك قطع يترك المبتوك مشوهاً ، ولم أجد استعماله عند المتقدمين إلا في قطع أذن الحيوان وقطع ريشه . والبتر قطع يترك المبتور ناقصاً ، وقد استعمل في بتر الذنب وبتر العمر وبتر العقب الوارثين . أما البت فهو قطع باتٌّ نهائي مادي أو معنوي . وأما البتل فهو بمعنى الفصل عن الشيئ « فالتبتل الانقطاع إلى الله تعالى ، أي أخلص إليه إخلاصاً . والبتول : كل امرأة تنقبض عن الرجال فلا حاجة لها فيهم ولا شهوة . . البتيل : فسيل النخل يبتل عنه أي يقطع عنه ويعزل » « العين : 8/124 » .
وبهذا تتضح الحكمة في استعمال البتك في القرآن ، لأن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 95 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إبليس يأمرهم فيشوهون آذان الأنعام . وفي استعمال الأبتر في مقطوع الذرية في قوله تعالى : إنَّ شانِئَكَ هُوَ الأبتر . لأنه هو في الحقيقة مقطوع الذرية وليس النبي صلى الله عليه وآله .
2 . ذكر ابن فارس أن أصل البتك قطع الشعر ونحوه باليد ، فهو نوع من النتف ، ولا يصح ذلك بل يقال سيف باتك أي قاطع ، وقال الثعلبي في تفسيره « 3/192 » : ما يقطع بالسكين ، ومنه الآية : فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ . ومثله المتْك . أما البتُّ فهو القطع ، قطع العلاقة ، وقطع الشئ ، وقطع الأمر عن الرجوع فيه ، ومنه اليمين الباتُّ ، والرأي الباتُّ ، والبَتُّ .
بَتَرَ - أبتر - بتراء
البتر : يقارب ما تقدم لكن يستعمل في قطع الذنَب ، ثم أجرى قطع العقب مجراه فقيل : فلان أبتر ، إذا لم يكن له عقب يخلفه ، ورجل أبتر وأباتر : انقطع ذِكْرُهُ عن الخير ، ورجل أباتر : يقطع رحمه .
وقيل على طريق التشبيه : خطبة بتراء ، لما لم يذكر فيها اسم الله تعالى ، وذلك لقوله عليه السلام : كل أمر لايبدأ فيه بذكر الله فهو أبتر . وقوله تعالى : إن شَانِئَكَ هُوَالأَبْتَرُ . « الكوثر : 3 » أي المقطوع الذِّكْر ، وذلك أنهم زعموا أن محمداً ينقطع ذكره إذا انقطع عمره لفقدان نسله ، فنبه تعالى أن الذي ينقطع ذكره هو الذي يشنؤه ، فأما هو فكما وصفه الله تعالى بقوله : وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ « الشرح : 4 » وذلك لجعله أباً للمؤمنين ، وتقييض من يراعيه ويراعى دينه الحق ، وإلى هذا المعنى أشار أميرالمؤمنين عليه السلام بقوله : العلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة . هذا في العلماء الذين هم أتباع النبي صلى الله عليه وآله فكيف هو وقد رفع الله عز وجل ذكره ، وجعله خاتم الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام .
ملاحظات
1 . حاول رواة السلطة أن يُبعدوا الأبتر والكوثر عن الذرية ، لإخفاء فضيلة لذرية النبي صلى الله عليه وآله ! مع أن قوله تعالى : إن شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ، جواب لقول العاص بن وائل دعوا محمداً صلى الله عليه وآله فإنه أبتر لا عقب له . فأجابهم الله تعالى بأنه أعطاه الكوثر من الذرية ، وحوض الكوثر في المحشر ، ونهر الكوثر في الجنة . وقال له : لست أبتر ، بل عدوك العاص الأبتر مقطوع العقب ، ولذلك قال بعضهم إن العاص أبتر ونفى أبوَّته لعمرو . ومن الملفت أن علياً عليه السلام لم ينسب عمرواً الى العاص أبداً ، بل كان يسميه : ابن النابغة !
2 . تبع الراغب علماء السلطة وتخبط في تفسير الأبتر والكوثر ! فجعله خاصاً ببتر الذنب وأبعده عن النسب ! ثم جعل الكوثر رفع الذكر ، ثم جعله الذرية ، لكن جعله كل الأمة لأنهم بمثابة أولاد النبي صلى الله عليه وآله ثم جعله علماء أمة النبي صلى الله عليه وآله لأنهم يرفعون ذكره ولم يجعله نسل النبي صلى الله عليه وآله من فاطمة الزهراء عليها السلام كما هو ظاهر اللفظ ! ولا جعلهم جزءً من الكوثر . وهذا من عجيب تعصبهم .
بَتَلَ - تبتلَ - بتول - نخلةٌ بَتلةٌ ومُبتل
قال تعالى : وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا « المزمل : 8 » أي انقطع في العبادة وإخلاص النية انقطاعاً يختص به . وإلى هذا المعنى أشار بقوله عز وجل : قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ « الأنعام : 91 » وليس هذا منافياً لقوله عليه الصلاة والسلام : لا رهبانية ولا تَبَتُّلَ في الإسلام ، فإن التبتل هاهنا هو الإنقطاع عن النكاح ، ومنه قيل لمريم : العذراء البَتُول ، أي المنقطعة عن الرجال .
والإنقطاع عن النكاح والرغبة عنه محظور لقوله عز وجل : وأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ . « النور : 32 » وقوله عليه الصلاة والسلام : تناكحوا تكاثروا ، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 96 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ونخلة مُبْتِل : إذا انفرد عنها صغيرة معها . ومثله البَتْل .
ملاحظات
البتل : كما عرفه ابن فارس « 1/195 » : « إبانة الشئ من غيره ، يقال بتلت الشئ إذا أبنته من غيره » . فهو نوع من القطع ، يعرف معناه من القرائن وحرف التعدية ، ويأتي بمعنى الإنقطاع الى الله ، قال تعالى : وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً . ومنه البتول المنقطعة الى ربها كالزهراء عليها السلام ، أو المنقطعة عن الزواج كمريم عليها السلام . ولعل عدم استعمال القرآن لفعل بَتَلَ ، واستبداله بفعل تبتل بمعنى انقطع الى الله تعالى ، إشارة الى تعدد البتل ، وأن المتبتل يحتاج الى أن يجدد انقطاعه الى الله تعالى .
بَثَّ - بثّاً - بثثتُ - أبثَّه - مبثوث
أصل البَثِّ : التفريق وإثارة الشئ كبث الريح التراب ، وبثُّ النفس ما انطوت عليه من الغم والسر ، يقال : بَثَثْتُهُ فَانْبَثَّ ، ومنه قوله عز وجل : فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا « الواقعة : 6 » .
وقوله عز وجل : وَبَثَّ فِيها مِنْ كل دَابَّةٍ « البقرة : 164 » إشارة إلى إيجاده تعالى ما لم يكن موجوداً وإظهاره إياه .
وقوله عز وجل : كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ « القارعة : 4 » أي المهيَّج بعد ركونه وخفائه .
وقوله عز وجل : إنما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي « يوسف : 86 » أي غمِّي الذي أبثُّه عن كتمان ، فهو مصدر في تقدير مفعول ، أو بمعنى : غمي الذي بثَّ فكري ، نحو : توزَّعني الفكر . فيكون في معنى الفاعل .
ملاحظات
البث : توزيعٌ غير منظم مقابل ما هو مجتمع أو مصفوف ، وقوله تعالى : وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ، وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ، أي مقاعد مصفوفة بانتظام ، ومتكآت منثورة بشكل جميل غير منظم . واستعمل البث في القرآن مضافاً الى ما تقدم في خلق نسل آدم وحواء عليهما السلام ونشـره في الأرض : وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً .
وفي نشر الحيوانات في الأرض والسماوات : وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ .
وفي بث هباء الجبال بعد بسها وتفتيتها ، قال تعالى : وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا . فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا . أي فُتتت ونُثر غبارها . « الفائق : 2/4114 » .
بَجَسَ - انبجس - انبجاس - فجَّر الماء
يقال : بَجَسَ الماء وانْبَجَسَ : انفجر ، لكن الإنبجاس أكثر ما يقال فيما يخرج من شئ ضيق ، والإنفجار يستعمل فيه ، وفيما يخرج من شئ واسع ، ولذلك قال عز وجل : فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً « الأعراف : 160 » وقال في موضع آخر : فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً « البقرة : 60 » فاستعمل حيث ضاق المخرج اللفظان .
قال تعالى : وَفَجَّرْنا خِلالهما نَهَراً « الكهف : 33 » وقال : وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً « القمر : 12 » ولم يقل : بجسنا .
ملاحظات
ربط الراغب معنى الإنبجاس بمكان خروج الماء . والصحيح أنه صفة لخروج الماء بقطع النظرعن مكان خروجه ، ويستعمل له : انبثق لأول خروجه ، وانبجس لخروجه متواصلاً ، وانفجر وانثجر لقوة خروجه ، وأفعال أخرى لا علاقة لها بمكان خروجه . قال الله تعــالى : وَإن مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ ، وَإن مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ . فجعل تفجر الماء غير خروجه .
وعبَّر عن العيون التي فجرها النبي موسى عليه السلام بانفجر وانبجس ، حسب الغرض في وصف حركة الماء في أول انبجاسه ، أو في تفجره بقوة واستمرار ، ولم يميز اللغويون بدقة بين الإنبجاس والإنفجار .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 97 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفَجَر الينبوع : جعله يتفجر ، قال تعالى : حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً . ومنه التفجير ، قال تعالى : عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا .
وفَجَرَ الشخص فُجوراً : أصر على الباطل ، كأنه انفجر منه الكذب فخرج عن حدود الشرع والأدب . قال تعالى : بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ . أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ . وسمي فَجْر النهار فجراً ، لأنه نور ينفجر من الظلام ويطلع منه ، قال تعالى : سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ .
بَحَثَ - بحثاً - بحوث - بحاثة
البحث : الكشف والطلب ، يقال بحثت عن الأمر وبحثت كذا ، قال الله تعالى : فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ . وقيل : بحثت الناقة الأرض برجلها في السير إذا شدَّدَت الوطأ ، تشبيهاً بذلك .
ملاحظات
قال الخليل « 3/207 » : « البحث : طلبك شيئاً في التراب . وسؤالك مستخبراً . تقول : أستبحث عنه وأبحث ، وهو يبحث بحثاً . والبَحُوث من الإبل التي إذا سارت بحثت التراب بأيديها آخراً آخراً ، ترمي به إلى خلفها » . أي تحثو التراب بيديها الى خلفها ، تفعل ذلك باستمرار . فليس في البحث معنى الكشف كما تخيل الراغب ، بل هو استكشاف بهدف الكشف . ولم ترد في القرآن إلا في قوله تعالى : بَعَثَ اللهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأرض . وذكر اللغويون أن أصله البحث في التراب ، ثم استعمل بمعنى التفتيش والإستكشاف .
بَحْر - تَبَحَّر - بحِيرة - بحرة - بنات بحر
أصل البحر : كل مكان واسع جامع للماء الكثير ، هذا هو الأصل ، ثم اعتبر تارة سعته المكانية فيقال بحرت كذا ، أوسعته سعة البحر تشبيهاً به . ومنه بَحَرْتُ البعير شققت أذنه شقاً واسعاً ، ومنه سميت البَحِيرَة ، قال تعالى : مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ ، وذلك ما كانوا يجعلونه بالناقة إذا ولدت عشرة أبطن ، شقوا أذنها فيُسِيِّبُوها ، فلا تُركب ولا يحُمل عليها .
وسموا كل متوسع في شئ بحراً ، حتى قالوا فرسٌ بحر باعتبار سعة جريه . وقال صلى الله عليه وآله في فرس ركبه : وجدته بحراً . وللمتوسع في علمه : بحر ، وقد تَبَحَّرَ : أي توسع في كذا ، والتبحر في العلم : التوسع . واعتبر من البحر تارة ملوحته ، فقيل ماء بحراني أي مالح ، وقد أبحر الماء ، قال الشاعر :
وقد عادَ ماءُ الأرضِ بَحْرَاً فَزَادَنِي
إلى مَرَضي أن أُبْحِرَ المَشْـرَبَ العَذْبَا
وقال بعضهم : البحر يقال في الأصل للماء المالح دون العذب ، وقوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ، إنما سمى العذب بحراً لكونه مع الملح ، كما يقال للشمس والقمر : قمران .
وقيل للسحاب الذي كثر ماؤه : بنات بحر . وقوله تعالى : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، قيل أراد في البوادي والأرياف لافيما بين الماء . وقولهم : لقيته صَحْرَةً بَحْرَة ، أي ظاهراً حيث لا بناء يستره .
ملاحظات
اختلفوا في سبب تسمية البحر والبحِيرة . وجعله الجوهري « 2/585 » من السعة والعمق . وجعل الخليل « 3/219 » اليَمَّ البحر الذي لا يدرك قعره ولا شطاه . « 8/431 » . وأخذ به الراغب .
والأسباب التي ذكروها غير مقنعة لأن في لفظ البحر عناصر أخرى ، فقد قالت العرب للأحمق والكذاب : البـاحـر ، لأنه إذا تكـلــم بُحِرَ وبقي كالمبهـوت « القاموس : 1/368 » . وقد يكون من البَهَر ، بإبدال الهاء جيماً .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 98 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والعنصر المؤكد في أصل تسميته : الماء والسعة ، وهي سعة نسبية ، لأن العرب يسمون النهر بحراً ، قال تعالى : وَمَا يَسْتَوِى الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ . مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ . فعبر عن العذب بالبحر وهو قليل . وقال تعـالى : حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِىَ حُقُبـاً . ومعناه حتى أبلغَ ملتقى البحرين المالحين ، أو العذبين ، أو المالح والعذب .
كما عبر عن البحر المحيط بالبحر أيضاً ، فقال تعالى : وَلَوْ أن مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ . وقال عن كل مياه الأرض : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ .
واستعمل البحر في القرآن نحو أربعين مرة ، وسمى السفن : الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعلامِ . وقال تعالى : وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إنهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ وفسر بعضهم رهواً بأنها صفة حال البحر . وفسرها الخليل « 4/83 » وجماعة بأنها صفة مشي موسى بمعنى سيراً سهلاً ، وهو الصحيح . وجمع ابن فارس « 2/446 » بين القولين فجعل الرهو أصلين : نعتاً للمشي ، ومنه نعت للبحر .
وقال تعالى يصف عمل الكفار : أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّىٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ . واللجة : وسط البحر ، حيث لاتُرى أرض . « العين : 6/19 » . وأبحر القوم إذا ركبوا البحر ، وأبروا أخذوا في البر . وبحرت الإبل أكلت شجر البحر ، كما سموا الروضة البحرة .
وقالوا لنوع من السحاب : بنات بحر ، وبنات بَخَر من البخار ، وقال بعضهم : بنات مَخَر بالميم . وتصور الداودي أن الراغب أخطأ فسماها بنات بحر وهي بالخاء ، لكن الخليل وغيره أوردوها بالحاء المهملة . « 3/220 » .
بَخْس - باخس - مبخوس - تباخسوا
البَخْسُ : نقص الشئ على سبيل الظلم ، قال تعالى : وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ « هود : 15 » وقال تعالى : وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ « الأعراف : 85 » .
والبَخْسُ والبَاخِسُ : الشئ الطفيف الناقص . وقوله تعالى : وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ « يوسف : 20 » قيل : معنــاه : بَاخِس ، أي ناقص ، وقيل مَبْخُوس أي منقوص . ويقال : تَبَاخَسُوا أي تناقصوا وتغابنوا فبخس بعضهم بعضاً .
ملاحظات
أجاد الراغب في تعميمه البخس ليشمل ظلم الناس . قال ابن السكيت /74 : « البخس النقصان من الحق » . وقال الخليل « 4/203 » : « البخس : الظلم ، تبخس أخاك حقه فتنقصه » . ويؤيده قوله تعــالى : فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ .
وذكر الفقهاء أن البخس قد يكون أيضاً بأن يزيد في السلعة ما لا يرغب فيه المشتري ، كما لو زاد على الباب قفلاً لا يريده المشتري .
وأشار عزّ وجل بقوله : وَلا تَبْخَسُـوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ، الى أن البخس يكون في الحق المادي والمعنوي ، بينما استعمل التطفيف في الأعم فقال تعالى : وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ . فشمل الكيل لهم وكيلهم أنفسهم .
أما البخص بالصاد فهو لحْمَةُ العين ، ويقال بَخَص عينه إذا ضربه عليها ، أو فقأها . « المقاييس : 1/206 » . ويستعار للتطفيف فيقال بخصه حقه ، أي نقصه وطففه .
بَخَعَ - بُخوعاً - باخع
البَخْعُ : قتل النفس غمّاً ، قال تعالى : فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ « الكهف : 6 » حثٌّ على ترك التأسـف ، نحو : فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ « فاطر : 8 » قال الشاعر :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 99 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ألا أيُّ هَذا البَاخِعُ الوَجْدِ نفسَه
لشئ نَحَتْهُ عن يَدَيْكَ المقَادِرُ
وبخع فلان بالطاعة ، وبما عليه من الحق ، إذا أقرَّ به وأذعن ، مع كراهة شديدة تجري مجرى بخع نفسه في شدته .
ملاحظات
أجاد الراغب في تدوين المادة لكن البخوع قد يكون عن رضا بدون كراهة ، وقد جاء في وصف أهل اليمن : هم أبخع طاعة . فالبخوع : مطلق الخضوع . وبخع نفسه : قتلها أسفاً على كذا . وجعلهما ابن فارس وغيره من أصل واحد فقال « 1/206 » : « أصل واحد وهو القتل وما داناه ، من إذلال وقهر » .
ولم يذكر الخليل أصلهما على عادته ، قال « 1/123 » : « بخع نفسه : قتلها غيظاً من شدة الوجد . بخعتُ به بخوعاً : أي أقررتُ به على نفسي . وبخع بالطاعة : أي أذعن وانقاد وسلس » .
لكن يصعب القول بوحدة أصل بخع بمعنى أقر وأطاع وخضع وبمعنى قتل نفسه ، فلا بد من اعتبارهما أصلين !
وفي تفسير القمي « 2/31 » : « عن أبي جعفر عليه السلام قوله : فلعلك باخع نفسك ، يقول : قاتل نفسك على آثارهم . أما أسفاً يقول حزناً » .
وفي الزيارة الجامعة « طأطأ كل شريف لشرفكم وبخع كل متكبر لطاعتكم » . « الفقيه : 2/615 »
وقال ابن منظور « 8/5 » : « بَخَعَ نفْسَه يَبْخَعُها بَخْعاً وبُخوعاً : قتلَها غيْظاً أَو غَمّاً . وفي التنزيل : فلعلَّك باخعٌ نفْسَك على آثارِهم ، قال الفرّاء : أَي مُخْرِجٌ نفسَك وقاتلٌ نفسَك . . وبخَعَ له بحقّه يَبْخَعُ بُخوعاً وبَخاعةً : أَقرَّ به وخضَع له . . وبَخَعْت له : تذَلَّلْت وأَطَعت وأَقرَرْت . . وفي حديث عُقْبة بن عامر أَن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : أَتاكُم أَهلُ اليَمنِ هم أَرَقُّ قُلوباً وأَلْيَنُ أَفئدةً وأَبْخَعُ طاعةً . أَي أَنْصَحُ وأَبْلَغُ في الطاعةِ من غيرهم ، كأَنهم بالَغُوا في بَخْعِ أَنفسهم أَي قَهرِها وإِذْلالِها بالطاعةِ » .
وفي الدر المنثور « 4/211 » : « عن ابن عباس قال : اجتمع عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، والنضر بن الحارث وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب ، وأبو البختري ، في نفر من قريش وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه وإنكارهم ما جاء به من النصيحة ، فأحزنه حزناً شديداً فأنزل الله : فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ . . الآية . ثم نقل السيوطي تفسير باخع نفسك بقاتل نفسك .
بَخِلَ - بُخلاً - بخيل - باخل - بَخَّله
البُخْل : إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه ، ويقابله الجود . يقال بخل فهو باخل ، وأما البخيل فالذي يكثر منه البخل كالرحيم من الراحم . والبخل ضربان : بخلٌ بقُنْيَاتِ نفسه ، وبخلٌ بقنيات غيره ، وهو أكثرهما ذماً . دليلنا على ذلك قوله تعالى : الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ .
ملاحظات
1 . قال الشريف المرتضى كما في مجموعة رسائله : 2/265 : « البخل : منع المحتاج حقه الواجب من ماله » . وأيده أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف/125 ، فقال : « ولو كان إسماً لمن منع نفعاً خالصاً لوجب وصف كافة العقلاء به حتى الأنبياء والأوصياء عليهم السلام والفضلاء ، لأنه لا أحد منهم إلا وهو مانع ماله هذه الصفة ، وإنما هو مختص بمانع الواجب عليه لغيره » .
لكن البخل لاينحصر بمنع العطاء الواجب شرعاً ، فالغني الذي يمتنع عن إعطاء أقاربه ما هو لازمٌ عرفاً ، يصح تسميته بخيلاً . فقد روى الصدوق في معاني الأخبار/245 ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « البخيل حق البخيل :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 100 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الذي يمنع الزكاة المفروضة من ماله ويمنع البائنة في قومه ، وهو في ما سوى ذلك يُبَذِّر » . والبائنة : العطية اللازمة عرفاً ، لأنها تَبِينُ من ماله .
أما الشح فهو شدة البخل مع حرص . « الصحاح : 1/378 » .
2 . لا يختص البخل بالمال ، قال تعالى : وَلايَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَخَيْرًا لَهُمْ . وما آتاهم أعم من المال .
3 . ذم القرآن الأغنياء الذين يبخلون فقال تعالى : وأما مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وقال في الأغنياء بعد الفقر : فَلما آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ .
وقال في تخفيف الله على الناس : إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ .
وكشف عن أن البخيل يبخل عن نفسه : وَمَنْ يَبْخَلْ فَإنمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ .
وذم الباخلين المبخلين لغيرهم : الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ .
وقال في جزاء البخلاء : بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
بدَرَ- بِداراً - بادرّ- مُبادرة - بدرة - بيدر
قال تعالى : وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً « النساء : 6 » أي مسارعةً ، يقال بَدَرْتُ إليه وبَادَرْتُ ، ويعبر عن الخطأ الذي يقع عن حدة : بَادِرَة . يقال : كانت من فلان بَوَادِر في هذا الأمر .
والبَدْرُ : قيل سمي بذلك لمبادرته الشمس بالطلوع ، وقيل : لامتلائه تشبيهاً بالبَدْرَةِ ، فعلى ما قيل يكون مصدراً في معنى الفاعل . والأقرب عندي أن يجعل البدر أصلاً في الباب ثم تعتبر معانيه التي تظهر منه ، فيقال تارة : بَدَرَ كذا ، أي طلع طلوع البدر ، ويعتبر امتلاؤه تارة فشبه البدرة به .
والبَيْدَرُ : المكان المرشح لجمع الغِلَّة فيه وملئه منه ، لامتلائه من الطعام .
وقال تعالى : وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ « آل عمــران : 123 » وهو موضع مخصوص بين مكة والمدينة .
ملاحظات
الصحيح ما ذكره الخليل « 8/34 » من أنه سمي بدراً لأنه بادر بالطلوع عند غروب الشمس . وقد جعله ابن فارس « 1/28 » أصلين ، والثاني الإسراع في الشيء ، وهو ضعيف .
ويقول المصريون : بدري ، لمن يذهب الي الحقل مبكراً ، كأنه ذهب علي ضوء البدر قبل الفجر .
بَدَعَ - بدعاً - أبدع - إبداعاً - بَديع - مبدع - بِدْع - بِدعةٌ - إبداع
الإِبْدَاع : إنشاء صنعة بلا احتذاء واقتداء ، ومنه قيل : رَكِيَّةٌ بَدِيع أي جديدة الحفر ، وإذا استعمل في الله تعالى فهو إيجاد الشئ بغير آلة ولا مادة ولا زمان ولا مكان ، وليس ذلك إلا لله . والبديع : يقال للمُبْدِعِ ، نحو قوله تعالى : بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « البقرة : 117 » ويقـال للمُبْدَع نحو : ركية بديع .
وكذلك البِدْعُ يقال لهما جميعاً بمعنى الفاعل والمفعول . وقوله تعالى : قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ « الأحقاف : 9 » قيل : معناه : مبدعاً لم يتقدمني رسول ، وقيل : مبدعاً فيما أقوله .
والبِدْعةُ في المذهب : إيراد قول لم يستن قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة وأماثلها المتقدمة وأصولها المتقنة ، وروي : كل مُحْدَثَةٍ بِدعة ، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
والإِبْدَاع بالرجل : انقطاع الظهر به ، من كلال راحلته وهزالها .
ملاحظات
قال ابن فارس في المجمل : « أبدعت الشئ : لا عن مثال . و الله عـز وجل : بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ . وابتدع فلان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 101 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الركيَّ : استنبطهُ . وفلان بدعٌ في هذا الأمر . وأبدعتِ الراحلة : كَلَّتْ . وسميت البدعة ، لأن قائلها ابتدعها من غير مقال إمام » .
وجعله ابن فارس في المقاييس « 1/210 » أصلين فقال : « والآخر الانقطاع والكلال . . قولهم أبدعت الراحلة إذا كلت وعطبت . . وفي الحديث : أن رجلاً أتاه فقال يا رسول الله إني أبدع بي فاحملني » .
لكن الظاهر أنه استعارة من أبدع ، لأن الإنقطاع والكلال فيه حالة غير مسبوقة .
وقال الراغب في قوله تعالى : قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ : مبدعاً لم يتقدمني رسول ، وقيل : مبدعاً فيما أقوله . والصحيح الأول ، قال الخليل « 3/56 » : « البِدْع : الشئ الذي يكون أولاً في كل أمر ، كما قال الله عز وجل : قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ ، أي : لست بأول مرسل . . والبدعة : ما استحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله من أهواء وأعمال ، ويجمع على البدع » .
بَدَلَ - تبدَّل - تبديلاً- استبدل - أبدال - بأدلة - بادل
الإبدال والتبديل والتبَدُّل والإستبدال : جعل شئ مكان آخر ، وهو أعمُّ من العوض ، فإن العوض هو أن يصيرلك الثاني بإعطاء الأول ، والتبديل قد يقال للتغيير مطلقاً وإن لم يأت ببدله . قال تعالى : فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيـلَ لَهُمْ « البقرة : 59 » وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً « النور : 55 » . وقال تعالى : فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ . « الفرقان : 70 » قيل : أن يعملوا أعمالاً صالحة تبطل ما قدموه من الإساءة . وقيل : هو أن يعفو تعالى عن سيئاتهم ويحتسب بحسناتهم .
وقال تعالى : فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ « البقرة : 181 » . وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ « النحل : 101 » وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ « سبأ : 16 » ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسنة « الأعراف : 95 » . يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ « إبراهيم : 48 » أي تَغَيـَّرُ عن حالها . أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ « غافر : 26 » وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ « البقرة : 108 » وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ « محمد : 38 » .
وقوله : ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ « ق : 29 » أي لا يغير ما سبق في اللوح المحفوظ ، تنبيهاً على أن ما علمه أن سيكون يكون على ما قد علمه ، لا يتغيرعن حاله . وقيل : لايقع في قوله خلف . وعلى الوجهين قوله تعالى : لَاتَبْدِيلَ لِكَلِماتِ الله « يونس : 64 » لاتَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله « الروم : 30 » قيل : معناه أمرٌ وهو نهيٌ عن الخصاء .
والأَبْدَال : قوم صالحون يجعلهم الله مكان آخرين مثلهم ماضين . وحقيقته : هم الذين بدلوا أحوالهم الذميمة بأحوالهم الحميدة ، وهم المشار إليهم بقوله تعالى : فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ « الفرقان : 70 » .
والبَأْدَلَة : ما بين العنق إلى الترقوة ، والجمع البَآدِل . قال الشاعر : ولا رَهِلٌ لَبَّاتُهُ وبآدلُهْ
ملاحظات
1 . جعل الراغب التبديل والإبدال واحداً ، لكن اللغويين قالوا إن معنى بَدَّلَه غَيَّره ولا يلزم أن يكون أتى له ببدل ، أما أبدله فيعني أنه أتى له ببدل ، قال ابن فارس « 1/210 » : » يقولون بدلت الشئ إذا غيرته وإن لم تأت له ببدل . قال الله تعالى : قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسٍي . وأبدلته إذا أتيت له ببدل » .
وقال الجوهري « 4 /1632 » : « وتبديل الشئ أيضاً تغييره وإن لم يأت ببدل » . لكن الخليل أجمل ولم يبين رأيه ، قال في « 8 /45 » : « البدل : خلف من الشئ ، والتبديل : التغيير . واستبدلت ثوباً مكان ثوب ، وأخاً مكان أخ ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 102 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ونحو ذلك المبادلة » .
2 . الفرق بين بَدَّلَ وَاسْتَبْدَلَ وتَبَدَّلَ : أن التركيز في بدَّل على فعل التبديل ، وفي استبدل على طلب التبديل ، وفي تَبَدَّل على نتيجة الإستبدال . قال تعالى : وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالآيمَانِ . وقال تعالى : وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ . وقال تعالى : أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ للَّظَّالِمِينَ بَدَلاً . وقال تعالى : قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَأَدْنَى بِالَّذِي هُوَخَيْرُ .
3 . فسر الراغب قوله تعالى : فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهسَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ . بالأبدال الذين يبدلون أحوالهم الى الأحسن . ولا يصح ذلك لأن الآية تنص على استبدال نفس سيئاتهم وليس حال صاحبها . وقال أهل البيت عليهم السلام : « يبدل الله سيئات شيعتنا حسنات ، ويبدل الله حسنات أعدائنا سيئات » . « علل الشرائع : 2/610 » .
ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسنة ، وقد عَدَّى الفعل فيها مباشرة بدون حرف فهو يحول نفس سيئاتهم الى حسنات !
4 . روى الطرفان في الأبدال ، أنهم جماعة إذا مات منهم شخص أبدله الله بآخر . ورووا : « لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم خليل الرحمن ، بهم تُغاثون وبهم تُرزقون وبهم تُمطرون » . « الجامع الصغير : 2 /422 » .
وروينا أنهم أصحاب الإمام المهدي عليه السلام في غيبته ، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة ، ولابد له في غيبته من عزلة ، ونعم المنزل طيبة ، وما بثلاثين من وحشة » . « الكافي : 1/340 » .
5 . لم يستوف الراغب موارد التبديل والإبدال في القرآن ، وهي كثيرة ، وفيها حقائق ودقائق . فقد استعمل القرآن التبديل لازماً ومتعدياً ، وحذف المُبَدَّل منه أحياناً كقوله تعالى : وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ، ولم يقل يستبدل بكم . واستعمل : بدل ، وأبدل ، واستبدل ، وتبديل ، ومبدل ، وبدل .
فمنها : في نفي تبديل قول الله ، وكلام الله ، وكلمات الله ، وسنة الله ، وخلق الله .
ومنها : تهديد الأمة باستبدالها بغيرها ، أو بخير منها .
ومنها : تهديد نساء النبي صلى الله عليه وآله بأن الله يبدله خيراً منهن : عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ .
ومنها : حكم استبدال الزوجة بغيرها : وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ .
ومنها : تبديل الله تعالى للأرض والسماوات : يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ .
ومنها : مَدْح الثابتين : وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً .
ومدح الذين يبدلون السيئة بالحسنة : إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ .
ومنها : في ذم الذين استبدلوا بالإيمان : وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ .
والذين استبدلوا ولاية الله بولاية إبليس : بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً .
والحكام الذين : بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا .
والذين تبدلوا الخبيث بالطيـب : وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطيِّبِ .
والذين فضلوا الثوم على المن والسلوى : أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَأَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرُ .
ومنهـا : تبديــل خوف المؤمنيـن بالأمن في دولـة المهدي عليه السلام : وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا .
بَدِنَ - بَدَناً - بَدْنة - بُدْن
البَدَنُ : الجسد ، لكن البدن يقال اعتباراً بعظم الجثة ، والجسد يقال اعتباراً باللون ، ومنه قيل : ثوب مجسَّد ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 103 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومنه قيل : امرأة بَادِنٌ وبَدِينٌ : عظيمة البدن . وسميت البُدنة بذلك لسمنها . يقال : بَدَنَ إذا سمن ، وبَدَّنَ كذلك . وقيل : بل بَدَّنَ إذا أسنَّ ، وأنشد : وكنت خِلْتُ الشيبَ والتَّبْدِينَا
وعلى ذلك ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام : لا تبادروني بالركوع والسجود فإني قد بَدِنْتُ ، أي كبرت وأسننت . وقوله تعالى : فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ « يونس : 92 » أي بجسدك ، وقيل : يعني بدرعك ، فقد يسمى الدرع بَدَنَةً لكونها على البدن ، كما يسمى موضع اليد من القميص يداً ، وموضع الظهر والبطن ظهراً وبطناً .
وقوله تعالى : وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ الله « الحج : 36 » هو جمع البَدَنَة التي تُهْدَى .
ملاحظات
1 . أخطأ الراغب في قوله إن البدن سميَ جسداً باعتبار اللون . فإن وصفه بالمجسد مأخوذ من الجِسَاد الذي هو الزعفران ولا علاقة له بالبدن ! قال الخليل « 6/49 » : « والجساد : الزعفران ونحوه من الصبغ الأحمر والأصفر الشديد الصفرة . وثوب مجسد مشبع عصفراً أو زعفراناً ، وجمعه مجاسد » .
ومن العجيب أن الراغب نفسه قال في مادة جسد : وباعتبار اللون قيل للزعفران : جِسَاد . وثوب مِجْسَد : مصبوغ بالجِسَاد .
2 . روى في علل الشرائع « 1/59 » عن الإمام الرضا عليه السلام في تفسير : فَالْيَوْمَ نُنَجّيِكَ بِبَدَنِكَ : « كان فرعون من قرنه إلى قدمه في الحديد وقد لبسه على بدنه ، فلما أغرقه ألقاه الله على نجوةٍ من الأرض ببدنه ، ليكون لمن بعده علامة فيرونه مع تثقله بالحديد على مرتفع من الأرض ، وسبيل التثقيل أن يرسب ولا يرتفع ، فكان ذلك آية » .
بَدَا - بدواً - بِدَاء - بَدُوَّاً - بادٍ - بادونَ
بَدَا الشئ بُدُوّاً وبَدَاءً : أي ظهر ظهوراً بيِّناً ، قال الله تعالى : وَبَدا لَهُمْ مِنَ الله ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ « الزمر : 47 » وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا « الزمر : 48 » فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما . « طه : 121 » .
والبَدْوُ : خلاف الحضر ، قال تعالى : وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ « يوسف : 100 » أي البادية وهي كل مكان يبدو ما يعنُّ فيه ، أي يُعْرَض . ويقال للمقيم بالبادية : بَادٍ ، كقوله تعالى : سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبـادِ « الحج : 25 » . لَوْ أَنهُمْ بادُونَ فِي الإعرابِ « الأحزاب : 20 » .
ملاحظات
1 . حسناً فعل الراغب إذ فسر بدا الشئ وبدا له الشئ ، بأنه مطلق الظهور ، ولم يشترط أن يكون ظهوره بعد خفائه ، فقد استعمله القرآن فيما لم يكن خافياً عليهم ، قال : بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَأنوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ . بل يستعمل البُدُوُّ فيما لا ظهور فيه أبداً ، كقوله تعالى : ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ . فلم يكن سجن يوسف خافياً عليهم ثم ظهر ، ولا كانوا يخفونه ثم أظهروه ، بل معناه : ثم قرروا سجنه رغم الآيات . فليس فيه عنصـر ظهور ولا إظهار ! وكذلك قوله تعالى : وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ . ومعنـاه : قررنا أن نعاديكم ونبغضكم حتى تؤمنوا . وليس الإخبار عن العداوة .
وقوله تعـالى : وَمَانَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ الرَّأْىِ . فيه معنى الظهور ، لكن الأولية فيه أقوى لاشتقاقه من البِدء . وكذلك قول العرب : إفعـل ما بدا لك ، لايعني ما ظهر لك ، بل ما أحببت .
2 . اتضح أن البِدَاء لا يعني أن الشئ لم يكن ظاهراً
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 104 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فظهر ، فلا يصح الإشكال على من يقول : بدا لله تعالى ، بأنه ينسب اليه تعالى أنه لم يكن عالماً بالشئ ثم علمه ، معاذ الله ، بل معنى بدا لله أنه عز وجل قرر ذلك . ، وليس معناه ظهر له بعد خفاء .
وقد اشتهرت تهمة المخالفين للشيعة وتشنيعهم علينا لقولنا بالبداء ، وهو اتهام مغرضٌ ، أو ناتجٌ عن عدم فهم معنى البداء ! قال الإمام الصادق عليه السلام : « ما بدا لله في شئ ، إلا كان في علمه قبل أن يبدو له » . « الكافي : 1/148 » .
وحقيقة البداء : أن يكون الأمر جارياً في مسار ، فيقرر الله تعالى ما لم يكن في حسبان الناظر . وقد روى البخاري « 4/146 » عن النبي صلى الله عليه وآله نفس هذا المعنى ، قال : « إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأعمى وأقرع ، بدا لله عز وجل أن يبتليهم ، فبعث إليهم ملكاً » . وفي مصنف عبد الرزاق « 4/125 » : « فصالح النبي اليهود على أنكم تكفونا العمل ، ولكن شطر الثمر على أن أقركم ما بدا لله ورسوله » . وفي مجمع الزوائد « 8/8 » : « حتى إذا بدا لله أن تطلع من مغربها فعلت » .
بَدَأَ - ابتدأ - أبدأ - مبدأ - مُبدئ - بديئ - بُدْْأة
يقال : بَدَأْتُ بكذا وأَبْدَأْتُ وابْتَدَأْتُ : أي قدَّمت . والبَدْءُ والإبتداء : تقديم الشئ على غيره ضرباً من التقديم . قال تعالى : وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ « السجدة : 7 » وقال تعالى : كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ « العنكبوت : 20 » اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ « يونس : 34 » كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ « الأعراف : 29 » .
ومَبْدَأُ الشئ : هو الذي منه يتركب أو منه يكون . فالحروف مبدأ الكلام ، والخشب مبدأ الباب والسرير ، والنواة مبدأ النخل . يقال للسيد الذي يبدأ به إذا عُدَّ السادات : بَدْءٌ . و الله هو المُبْدِئُ المُعِيد : أي هو السبب في المبدأ والنهاية . ويقال : رجع عَوْدُه على بدئه ، وفعل ذلك عائداً وبادئاً ، ومعيداً ومبدئاً .
وأَبْدَأْتُ من أرض كذا ، أي ابتدأت منها بالخروج . وقوله تعالى : بَادِئَ الرَّأْي « هود : 27 » أي ما يبدأ من الرأي ، وهو الرأي الفطير ، وقرئ : بادِيَ بغير همزة ، أي الذي يَظْهَر من الرأي ولم يُرَوَّ فيه . وشئ بَدِئ : لم يعهد من قبل ، كالبديع في كونه غير معمول قبل . والبُدْأَةُ : النصيب المبدأ به في القسمة ، ومنه قيل لكل قطعة من اللحم عظيمة بُدْءٌ .
ملاحظات
معنى باديَ الرأي : ما يبدو بالنظرة الأولى ، وقد يكون صحيحاً ، أو فطيراً . ومعنى المُبْدِئُ المُعِيد : الخالق الباعث . وما يُبْدئُ الباطِلُ وما يُعِيدُ : الباطل لا يخلق شيئاً ، ولا يبعث .
ولم يذكر الراغب الفرق بين بَدَأَ وأَبْدَأَ . وجعلهما الخليل واحداً وهو بعيد ، قال : « و الله بدأ الخلق وأبدأ واحد » . « العين : 8/83 » .
وجعل الراغب البُدْأة بضم الباء أول سهم في تقسيم اللحم ، وجعلها ابن منظور بمعنى النصيب من الجزور ، « لسان العرب : 1/26 » . وقال : « وفي الحديث : إن النبي صلى الله عليه وآله نَفَّلَ في البَدْأَةِ الرُّبُعَ وفي الرَّجْعَةِ الثُلثَ ، أَرادَ بالبَدْأَةِ ابتِداءَ سَفَرِ الغزو وبالرَّجْعةِ القُفُولَ منه » .
ولم يذكر الراغب البِدَاء ، وقال الخليل : « البداء يكني عنه الفعل : أبدى يبدي » « العين : 8/83 » .
وقال ابن فارس « 1/212 » : « تقول : بدا لي في هذا الأمر بِدَاءً ، أي تغير رأيي عما كان عليه » . وتقدم أن معنى بدا لله : قضـى وأظهر وليس ظهر له كما يتوهم . أما الإنسان فقد يكون جاهلاً ثم يبدو له أي يظهر .
بَذَرَ - تبذيراً - مُبَذِّر
التبذير : التفريق . وأصله إلقاء البذر وطرحه ، فاستعير
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 105 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لكل مضيع لماله ، فتبذير البذر : تضييع في الظاهر لمن لم يعرف مآل ما يلقيه . قال الله تعالى : إن الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ « الإسراء : 27 » وقال تعالى : وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً « الإسراء : 26 » .
ملاحظات
روي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله : « إن التبذير من الإسراف » . « الكافي : 3/501 » .
وقال الخليل « 8/182 » : « والتبذير : إفساد المال وإنفاقه في السرف » .
وقال ابن فارس « 1/216 » : « البُذْرُ : القوم لايكتمون حديثاً ولايحفظون ألسنتهم . قال علي عليه السلام : أولئك مصابيح الدجى ليسوا بالمساييح ولا المذاييع البُذْر » . وقال ابن منظور « 4/51 » : « بَذَرْتُ الكلام بين الناس كما تُبْذَرُ الحبُوبُ أَي أَفشيته » .
ولا يقال في العربية تبذير البذر بمعنى بذره ، كما تخيل الراغب ، بل يقال بَذْرُ البذر .
بَرَّ -بِرٌّ - بارٌّ- بُر- مبرور- بُريْر - أبرار -بررة - بَرِير
البَرُّ : خلاف البحر ، وتُصُوِّرَ منه التوسع فاشتق منه البِرُّ ، أي التوسع في فعل الخير ، وينسب ذلك إلى الله تعالى تارة نحو : إنهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ . « الطور : 28 » وإلى العبد تارة ، فيقال : بَرَّ العبد ربه ، أي توسَّع في طاعته . فمن الله تعالى الثواب ، ومن العبد الطاعة . وذلك ضربان : ضرب في الإعتقاد وضرب في الأعمال ، وقد اشتمل عليه قوله تعالى : لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ « البقرة : 177 » وعلى هذا ما روي أنه سئل عليه الصلاة والسلام عن البِرِّ فتلى هذه الآية ، فإن الآية متضمنة للإعتقاد والأعمال الفرائض والنوافل .
وبِرُّ الوالدين : التوسع في الإحسان إليهما ، وضده العقوق ، قال تعالى : لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ « الممتحنة : 8 » .
ويستعمل البِرُّ في الصدق لكونه بعض الخير المتوسع فيه ، يقال : بَرَّ في قوله ، وبرَّ في يمينه ، وقول الشاعر :
أكُونُ مَكَانَ البّرِّ مِنْهُ [ودونه
وأجعل مالي دونه وأؤامره]
قيل أراد به الفؤاد ، وليس كذلك ، بل أراد ما تقدم ، أي يحبني محبة البر . ويقال : بَرَّ أباه فهو بَارٌّ وبَرٌّ ، مثل صائف وصيف ، وطائف وطيف . وعلى ذلك قوله تعالى : وَبَرًّا بِوالِدَتِي « مريــم : 32 » . وبَرَّ في يمينه فهو بَارٌّ ، وأَبْرَرْتُهُ ، وبَرَّتْ يميني . وحجٌّ مَبْرُور أي مقبول ، وجمع البار : أَبْرَار وبَرَرَة ، قـال تعالى : إن الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ « الإنفطار : 13 » وقال : كلا إن كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ « المطففين : 18 » . وقال في صفة الملائكة : كِرامٍ بَرَرَةٍ « عبس : 16 » . فَبَرَرَةٌ خصَّ بها الملائكة في القرآن من حيث إنه أبلغ من أبرار ، فإنه جمع برٍّ ، وأبرار جمع بار . وبَرٌّ أبلغ من بَارٍّ ، كما أن عدلاً أبلغ من عادل . والبُرُّ : معروف ، وتسميته بذلك لكونه أوسع ما يحتاج إليه في الغذاء .
والبَرِيرُ : خُصَّ بثمر الأراك ونحوه . وقولهم : لا يعرف الهِرَّ من البِرّ ، من هذا . وقيل : هما حكايتا الصوت ، والصحيح أن معناه لا يعرف من يبره ومن يسئ إليه . والبَرْبَرَةُ : كثرة الكلام ، وذلك حكاية صوته .
ملاحظات
1 . تفرد الراغب بجعل البِرَّ مشتقاً من البَرِّ ، وجعله التوسع بالخير ، لأن البَرَّ واسعٌ . والأقرب أنه أصل مستقل كما قال ابن فارس « ا/177 » : « أربعة أصول : الصدق ، وحكاية صوت ، وخلاف البحر ، ونبت . فأما الصدق فقولهم : صدق فلان وبرَّ . ومن ذلك قولهم يَبِرُّ ربَّهُ أي يطيعه ، وهو من الصدق . وأما حكاية الصوت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 106 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فالعرب تقول : لا يعرف هَرَّاً من بِر ، فالهَرُّ دعاء الغنم ، والبَرُّ الصوت بها إذا سيقت . والأصل الثالث : خلاف البحر ، وأبَرَّ الرجل : صار في البر وأبْحَرَ صار في البحر . وأما النبت : فمنه البُرّ وهي الحنطة ، الواحدة بُرَّة . أبرَّت الأرض إذا كثر بُرُّها » .
2 . البِرُّ : عمل الخير لنفع الآخرين ، قال تعالى : وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى . ولايشترط أن يكون محتاجاً . « الفروق اللغوية/312 » .
3 . والبِر : يشمل أنواع الإنفاق والصلة ، قال الإمام زين العابدين عليه السلام : « ووَجِّه فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ إِنْفَاقِي » « الصحيفة /188 » . ويشمل حسن التعامل ، قال أمير المؤمنين عليه السلام « نهج البلاغة : 4/89 » « ثلاث من أبواب البر : سخاء النفس ، وطيب الكلام ، والصبر على الأذى » .
4 . وقد وسعه النبي صلى الله عليه وآله لكل خير يطمئن به القلب فقال : « يا وابصة : البِرُّ ما اطمأن به الصدر ، والإثم ما تردد في الصدر وجال في القلب ، وإن أفتاك الناس وأفتوك » . « قرب الاسناد/321 »
5 . ووصفوا الله تعالى بالبَرِّ اللطيف ، قال الإمام زين العــابدين عليه السلام : « فَغَذَوْتَنِي بِفَضْلِكَ غِـذَاءَ الْبَرِّ اللَّطِيفِ . إِلَى غَايَتِي هَذِه لَا أَعْدَمُ بِرَّكَ » . « الصحيفة السجادية/152 » .
بَرَجَ - بُرْج - بروج - مبرج - تبرجت - بَرَجُ العين
البُرُوج : القصور ، الواحد : بُرْج ، وبه سمِّي بروج السماء لمنازلها المختصة بها ، قال تعالى : وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ « البروج : 1 » وقال تعالى : تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً « الفرقان : 61 » .
وقوله تعالى : وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ « النساء : 78 » يصح أن يراد بها بروج في الأرض ، وأن يراد بها بروج النجم ، ويكون استعمال لفظ المشيدة فيها على سبيل الإستعارة ، وتكون الإشارة بالمعنى إلى نحو ما قال زهير :
ومن هابَ أسبابَ المنايا يَنلنَهُ
ولو نالَ أسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ
وأن تكون البروج في الأرض ، وتكون الإشارة إلى ما قال الآخر :
ولو كنتُ في غَمْدَانَ يَحْرُسُ بابُه
أراجيــل أحبوشٍ وأسودُ آلفُ
إذاً لأتتنــــي حَيْثُ كُنْتُ مَنِيَّتِي
يَخِبُّ بها هـــــادٍ لِإثْريَ قَائِفُ
وثوب مُبَرَّج : صُوِّرت عليه بروج واعتبر حسنه . فقيل : تَبَرَّجَتِ المرأة ، أي تشبهت به في إظهار المحاسن ، وقيل : ظهرت من برجها أي قصـرها . ويدل على ذلك قوله تعالى : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الأولى « الأحزاب : 33 » وقوله : غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ « النور : 60 » .
والبَرَجُ : سعة العين وحسنها ، تشبيهاً بالبرج في الأمرين .
ملاحظات
1 . قوله تعالى : وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ، أي بروج مبنية للمحافظة على حياة ساكنيها . فلا علاقة له ببروج السماء .
2 . جعل الراغب تبرج المرأة مشتقاً من البرج لشبهها به في الظهور ، أو لشبهها بمن ظهر من البرج ، وذلك لأنه جعل مادة بَرَجَ أصلاً واحداً ، والصحيح قول ابن فارس « لمقاييس : 1/238 » : « أصلان : أحدهما البروز والظهور ، والآخر الوَزَر والملجأ . فمن الأول البَرَج ، وهو سعة العين في شدة سواد سوادها وشدة بياض بياضها . ومنه التبرج وهو إظهار المرأة محاسنها . والأصل الثاني البُرْج » .
بَرَحَ - براح - بارح - البارحة - برَّحَ به - تباريح - مبرح - برحاء
البَرَاح : المكان المتسع الظاهر الذي لا بناء فيه ولا شجر ، فيعتبر تارة ظهوره فيقال : فعل كذا بَرَاحاً ، أي صراحاً لا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 107 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يستره شئ . وبَرِحَ الخفاء : ظهر ، كأنه حصل في براح يرى ومنه : بَرَاحُ الدار .
وبَرِحَ : ذهب في البراح ، ومنه : البَارِحُ للريح الشديدة . والبَارِحُ من الظباء والطير ، لكن خُصَّ البارح بما ينحرف عن الرامي إلى جهة لا يمكنه فيها الرمي فيتشاءم به ، وجمعه بَوَارِح . وخُصَّ السانِح بالمقبل من جهة يمكن رميه ، ويُتَيَمَّن به . والبَارِحَة : الليلة الماضية .
وما بَرِحَ : ثبت في البراح ، ومنه قوله عز وجل : لا أَبْرَحُ . « الكهف : 60 » . وخُصَّ بالإثبات كقولهم : لا أزال ، لأن برح وزال اقتضيا معنى النفي ، ولا للنفي ، والنفيان يحصل من اجتماعهما إثبات ، وعلى ذلك قوله عز وجل : لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ « طه : 91 » وقال تعالى : لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ . « الكهف : 60 » .
ولما تُصُوِّرَ من البارح معنى التشاؤم ، اشتق منه التبْرِيح والتبَارِيح فقيل : بَرَّح بي الأمر ، وبَرَّح بي فلان في التقاضي ، وضربه ضرباً مُبَرِّحاً ، وجاء فلان بالبَرَح ، وأَبْرَحْتَ ربّاً وأبرحت جاراً ، أي أكرمت . وقيل للرامي إذا أخطأ : بَرْحَى ، دعاءً عليه ، وإذا أصاب : مَرْحَى ، دعاءً له . ولقيت منه البرَحِينَ والبُرَحَاء ، أي الشدائد . وبُرَحَاء الحمّى : شدتها .
بَرَدَ - برداً - برَّده - برد بدنه - بوارد - الأبردان - بردي - مبرد - برادة - بريد
أصل البَرْد : خلاف الحر ، فتارة يعتبر ذاته فيقال : بَرَدَ كذا ، أي اكتسب برداً ، وبَرَدَ الماء كذا ، أي أكسبه برداً ، نحو :
ستُبْرِدُ أكباداً وتُبْكي بَوَاكِياً
ويقال : بَرَّدَهُ أيضاً . وقيل : قد جاء أَبْرَدَ ، وليس بصحيح . ومنه البَرَّادَة لما يُبَرِّدُ الماء ، ويقال : بَرَدَ كذا ، إذا ثبت ثبوت البرد ، واختصاص الثبوت بالبرد كاختصاص الحرارة بالحر ، فيقال : بَرَدَ كذا ، أي ثبت كما يقال : بَرَدَ عليه دين . قال الشاعر :
اليوم يومٌ باردٌ سَمُومُهُ
وقال الآخر : قد بَرَدَ الموتُ على مُصْطَلَاهُ .
أي ثبت . يقال : لم يَبْرُدْ بيدي شئ ، أي لم يثبت .
وبَرَدَ الإنسان : مات . وبَرَّدَه : قتله ، ومنه : السيوف البَوَارِد ، وذلك لما يعرض للميت من عدم الحرارة بفقدان الروح ، أو لما يعرض له من السكون . وقولهم للنوم بَرْد : إما لما يعرض عليه من البرد في ظاهر جلده ، أو لما يعرض له من السكون . وقد علم أن النوم من جنس الموت لقوله عز وجل : اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها « الزمر : 42 » وقال : لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً « النبأ : 24 » أي نوماً . وعيش بارد : أي طيب ، اعتباراً بما يجد الإنسان في اللذة في الحر من البرد ، أو بما يجد من السكون .
والأبردان : الغداة والعشي ، لكونهما أبرد الأوقات في النهار . والبَرَدُ : ما يَبْرُدُ من المطر في الهواء فيَصْلُبُ . وبَرَد السحاب : اختص بالبَرَد ، وسحاب أَبْرَد وبَرِد : ذو بَرَد ، قال الله تعالى : وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ . « النور : 43 » .
والبَرْدِيُّ : نبت ينسب إلى البرد لكونه نابتاً به ، وقيل : أصل كل داء البَرَدَة ، أي التخمة ، وسميت بذلك لكونها عارضة من البرودة الطبيعية التي تعجز عن الهضم .
والبَرُود : يقال لما يُبَرَّدُ به ، ولما يُبَرَّدُ ، فيكون تارة فعولاً في معنى فاعل ، وتارة في معنى مفعول ، نحو : ماء برود ، وثغر برود ، كقولهم للكحل : برود . وبَرَدْتُ الحديد : سحلته ، من قولهم : بَرَّدْتُهُ ، أي قتلته . والبُرَادَة : ما يسقط ، والمِبْرَدُ : الآلة التي يبرد بها . والبُرُد في الطرق : جمع البَرِيد ، وهم الذين يلزم كل واحد منهم موضعاً منه معلوماً ، ثم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 108 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
اعتبر فعله في تصرفه في المكان المخصوص به ، فقيل لكل سريع : هو يَبْرُد ، وقيل لجناحي الطائر : بَرِيدَاه ، اعتباراً بأن ذلك منه يجري مجرى البريد من الناس في كونه متصرفاً في طريقه ، وذلك فرع على فرع ، حسب ما يبين في أصول الإشتقاق .
ملاحظات
استعمل القرآن ثلاث كلمات من هذه المادة « بَرَد وبَرْد وبَارد » في خمس آيات . وجعل الراغب مادة بَرَدَ أصلاً واحداً ، بمعنى خلاف الحر ، وفرَّعَ منها حتى البريد ، والمبرد ، والبردي ، وبريدي الطائر بمعنى جناحيه . وذكر وجه اشتقاق بعضها دون بعض .
وقول ابن فارس أقوى « 1/241 » : « بَرَدَ : أصول أربعة ، أحدها : خلاف الحر . والآخر : السكون والثبوت . والثالث : الملبوس . والرابع : الإضطراب والحركة . وإليها ترجع الفروع » . وقد استعملت بَرَدَ مجازاً بمعنى مات .
وفسر الراغب وغيره البرد في قول تعالى : لايَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَرابا ، بالنوم ، لكن لا يصح ذلك لمقابلته بالحميم والغساق ، فقال : لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا . إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا . والحميم : الحار ، والغساق : الماء الصديد . فيكون المعنى : لا يذوقون فيها حياة باردة ولا شراباً عادياً .
بَرَزَ - بارزةُ - بارزَ - مبارزةً - بُرِّزت - برْزةٌ
البَرَاز : الفضاء ، وبَرَزَ : حصل في براز ، وذلك إما أن يظهر بذاته نحو : وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً « الكهف : 47 » تنبيهاً [على] أنه تبطل فيها الأبنية وسكانها .
ومنه : المبارزة للقتال ، وهي الظهور من الصف ، قال تعالى : لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ « آل عمران : 154 » وقال عز وجل : وَلما بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ « البقرة : 250 » . وإما أن يظهر بفضله ، وهو أن يسبق في فعل محمود . وإما أن ينكشف عنه ما كان مستوراً منه ، ومنه قوله تعالى : وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ « إبراهيم : 48 » وقال تعالى : يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ « غافر : : 16 » وقوله عز وجل : وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ « الشعراء : 91 » تنبيهاً على أنهم يعرضون عليها .
ويقال : تَبَرَّزَ فلان كناية عن التغوُّط . وامرأة بَرْزَة : عفيفة ، لأن رفعتها بالعفة ، لا أن اللفظة اقتضت ذلك .
ملاحظات
استعملت هذه المادة في القرآن في تسع آيات ، ذكر الراغب منها ستة . والتي لم يذكرها قوله تعالى : وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ . وقوله تعالى : وَبَرَزُوا للهِ جَمِيعاً . وقوله تعالى : وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى . « النازعات : 36 » . وكلها يتسق تفسيرها بالظهور ، ولا يتسق بالفضاء ، كما قال الراغب .
وعبَّرَ القرآن : وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ، أي قُرِّبَتْ منهم وزينت ليدخلوها . وبُرِّزت الجحيم ، أي أظهرت ليروها ولو من بعيد .
بَرْزَخ
البَرْزَخ : الحاجز والحد بين الشيئين ، وقيل أصله بَرْزَهْ فعُرِّب ، وقوله تعالى : بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ « الرحمن : 20 »
والبرزخ في القيامة : الحائل بين الإنسان وبين بلوغ المنازل الرفيعة في الآخرة ، وذلك إشارة إلى العقبة المذكورة في قوله عز وجل : فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ « البلد : 11 » . قال تعالى : وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَـوْمِ يُبْعَثُونَ « المؤمنون /100 » وتلك العقبة موانع من أحوال لا يصل إليها إلا الصالحون . وقيل : البرزخ ما بين الموت إلى القيامة .
ملاحظات
1 . قال الخليل « 4/238 » : « البرزخ : ما بين كل شيئين ، والميت في البرزخ لأنه بين الدنيا والآخرة . وبرازخ الإيمان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 109 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ما بين الشك واليقين . وما بين الظل والشمس برزخ » .
وقد نصت الأحاديث على أن البرزخ يبدأ من حين الموت الى القيامة ، ففي الكافي « 3/242 » عن الإمام الصادق عليه السلام : « أما في القيامة فكلكم في الجنة بشفاعة النبي المطاع أو وصي النبي صلى الله عليه وآله ولكني و الله أتخوف عليكم في البرزخ . قلت : وما البرزخ؟ قال : القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة » . وقال أمير المؤمنين عليه السلام « نهج البلاغة : 2/206و212 » : سلكوا في بطون البرزخ سبيلاً » .
2 . ذكر الراغب قولاً بأن برزخ من كلمة برزه الفارسية ، والصحيح أنه مُعَرَّبَ منها ، ويكثر في الفارسية ما آخره خاء قبلها مفتوح ، مثل كلمة فرسخ المعربة عن كلمة فرسنگ . وقرأت بحثاً بعنوان : « المفردات الدخيلة/36 ، و139 » لعالم لغة إيراني هو عادل أشكبوس ، رجَّح فيه أن كلمة برزخ بالفارسية : بمعنى العالم الحسن ، مقابل دوزخ : بمعنى جهنم والعالم السيئ . وبهشت : بمعنى العالم الأعلى :
http : //www . ashkbooscom/post/359
بَرَصَ - أبرص - بريص
البَرَصُ : معروف ، وقيل للقمر : أَبْرَص للنكتة التي عليه .
وسامٌّ أَبْرَص : سميَ بذلك تشبيهاً بالبرص .
والبَرِيصُ : الذي يلمع لمعان الأبرص ، ويقارب البصيص ، بصَّ يبصُّ : إذا برق .
ملاحظات
قال الله تعــالى : وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ . وقال : تُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي .
بَرَقَ -بُرَاق - إبريق - أبرقَ - بارق - بروقة - بارقة
البَرْقُ : لمعان السحاب ، قال تعالى : فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ « البقرة : 19 » يقال : بَرِقَ وأَبْرَقَ وبَرَقَ ، يقال في كل ما يلمع ، نحو : سيف بَارِقٌ ، وبَرَقَ وبَرِقَ يقال في العين إذا اضطربت وجالت من خوف ، قال عز وجل : فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ « القيامة : 7 » وقرئ : بَرَقَ .
وتُصُوِّر منه تارة اختلاف اللون فقيل البُرْقَة للأرض ذات حجارة مختلفة الألوان . والأبرق : الجبل فيه سواد وبياض . وسموا العين بَرْقَاء لذلك . وناقة بَرُوق : تلمع بذنبها . والبَرُوقَة : شجرة تخضرُّ إذا رأت السحاب ، وهي التي يقال فيها : أشْكَرُ من بَروقة .
وبَرَقَ طعامه بزيت : إذا جعل فيه قليلاً يلمع منه . والبارقة والأُبَيْرِق : السيف لِلَمَعَانِه .
والبُرَاق : قيل هو دابة ركبها النبي صلى الله عليه وآله لما عُرج به ، والله أعلم بكيفيته .
والإِبْريق : معروف ، وتُصُوِّرَ من البرق ما يظهر من تجويفه . وقيل بَرَقَ فلان ورعد ، وأَبْرَقَ وأرعد : إذا تهدد .
ملاحظات
يقصد الراغب أن الإبريق سمي إبريقاً لأنهم تصوروا أن الماء الذي يخرج منه يبرق ، لكنه معرب من الفارسية ، وأصله آب ريز ، أو آب ريخت . أي ما يصب منه الماء . والعجب من الراغب وابن فارس كيف يحاولان إثبات أصول كلمات من العربية وهما فارسيان يريان أنها فارسية معربة . لكن يظهر أن الجو السائد كان يرفض أن يكون في القرآن كلمات معربة ، لتخيل الحكام أنه ينافي كونه قرآناً عربياً ، ولعلهم كانوا يعاقبون من يقول بذلك ، فخاف منهم اللغويون !
بَرَكَ - بروكاً - بَارَكَ مباركة - ابترك -
براكاء - بركة - مبارك - تبارك
أصل البَرْك : صدر البعير وإن استعمل في غيره . ويقال له بَرَكَة . وبَرَكَ البعير : ألقى بَرْكَهُ . واعتُبِر منه معنى اللزوم فقيل ابْتَرَكُوا في الحرب ، أي ثبتوا ولازموا موضع الحرب .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 110 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وبَرَاكَاء الحرب وبَرُوكَاؤُها ، للمكان الذي يلزمه الأبطال .
وابْتَرَكَتِ الدابة : وقفت وقوفاً كالبروك . وسمِّي محبس الماء : بِرْكَة .
والبَرَكَةُ : ثبوت الخير الإلهي في الشئ ، قال تعالى : لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ « الأعراف : 96 » وسمي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة .
والمُبَارَك : ما فيه ذلك الخير ، على ذلك : وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ « الأنبياء : 50 » تنبيهـاً على ما يفيـض عليــه من الخيرات الإلهية . وقال : كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ « الأنعام : 155 » وقوله تعالى : وَجَعَلَنِي مُبارَكاً « مريم : 31 » أي موضع الخيرات الإلهية . وقوله تعالى : إنا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ . « الدخان : 3 » رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً « المؤمنـون : 29 » أي حيث يوجد الخير الإلهي .
وقوله تعالى : وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً « قاف : 9 » فبركة ماء السماء هي ما نبه عليه بقوله : أَلَمْ تَرَ إن الله أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيـعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ « الزمر : 21 » وبقوله تعالى : وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ « المؤمنون : 18 »
ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لايُحَسُّ ، وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر ، قيل لكل ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة : هو مُبَارَكٌ وفيه بركة . وإلى هذه الزيادة أشير بما روي أنه : لا ينقص مال من صدقة . لا إلى النقصان المحسوس حسب ما قال بعض الخاسرين حيث قيل له ذلك فقال : بيني وبينك الميزان .
وقوله تعالى : تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً . « الفرقان : 61 » فتنبيهٌ على ما يفيضه علينا من نعمه بواسطة هذه البروج والنيرات المذكورة في هذه الآية .
وكل موضع ذكر فيه لفظ تَبَارَكَ ، فهو تنبيه على اختصاصه تعالى بالخيرات المذكورة مع ذكر تبارك . وقوله تعالى : فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ . « المؤمنون : 14 » تَبارَك َ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ . « الفرقان : 1 » تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ . « الفرقـان : 10 » فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ . « غافر : 64 » تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ « الملك : 1 » . كل ذلك تنبيهٌ على اختصاصه تعالى بالخيرات المذكورة مع ذكر تبارك .
ملاحظات
1 . لم أجد عند اللغويين كلاماً مقنعاً في اشتقاق البَرَكة ، ولعلها كلمة سريانية قديمة في الأديان . وجعل الراغب معناها الثبوت من جلوس البعيرعلى بَرْكِهِ أي صدره ، وقريب منه كلام ابن فارس . « 1/227 » . وجعلها بعضهم من بركة الماء . وأضاف بعضهم اليها معنى النمو وهو صحيح ، لأنه ظاهرٌ في استعمالها . فالبرَكة في الشئ تتضمن معنى نموه وزيادته ، وثباته وعدم نقصانه . والمفهوم من نصوص الإسلام وغيره من الأديان : أن البركة سرٌّ وعطاء رباني غيبي ، يمنحه للشخص أو الشئ أو العمل . وهو نوع من النمو والثبات .
لكن تعبير : « تبارك الله ، وتبارك إسمه » لاتقبل التفسير بالنمو ، فلا بد من تفسيرها بالتمجيد والتقديس ، وقالوا : معناها : تمجَّدَ وتقدس وتطهر بذاته ، ولو لم يمجده أحد .
قال الطوسي في التبيان « 7/470 » : « معنى تبارك : تقدس وجل ، بما لم يزل عليه من الصفات ولا يزال كذلك ولا يشاركه فيها غيره . وأصله من بروك الطير على الماء ، فكأنه قال : ثبت فيما لم يزل ولا يزال الذي نزل الفرقان على عبده . وقال الحسن : معناه الذي تجئ البركة من قبله ، والبركة الخير الكثير » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 111 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 . استعمل القرآن مادة بَرَكَ في أكثر من ثلاثين مورداً ، منها بارك ، وتبارك ، وبورك ، ومبارك ، وبركات .
والبركة : عالم واسع له أصوله وقوانينه ، وقد بينتها أحاديث النبي وآله صلى الله عليه وآله . وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول : « لا تأكلوا من رأس الثريد ، فإن البركة تأتي من رأس الثريد » . « المحاسن : 2/450 » . ويقول : « إياكم والحلف فإنه ينفق السلعة ويمحق البركة » . « الكافي : 6/162 » . وعن الصادق عليه السلام : « إن النبي أتي بطعام حار جداً فقال : ما كان الله عز وجل ليطعمنا النار ، أقروه حتى يبرد ويمكن ، فإنه طعام ممحوق البركة للشيطان فيه نصيب » . « الكافي : 6/322 » . وعنه عليه السلام : « إن مع الإسراف قلة البركة » . « الكافي : 4/55 » . وعنه عليه السلام قال : « دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على أم سلمة فقال لها : ما لي لا أرى في بيتك البركة ! قالت : بلى والحمد لله إن البركة لفي بيتي ، فقال : إن الله عز وجل أنزل ثلاث بركات : الماء والنار والشاة » . « الكافي : 6/545 » .
وعن الإمام الكاظم عليه السلام : « إياك والزنا فإنه يمحق البركة ويهلك الدين » . « الكافي : 5/542 » .
بَرَمَ - إبرام - بريم - مُبرم - بَرِم - بُرْمَةٌ
الإِبْرَام : إحكام الأمر ، قال تعالى : أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإنا مُبْرِمُونَ « الزخرف : 79 » . وأصله من إبرام الحبل وهو ترديد فتله ، قال الشاعر :
على كل حالٍ من سَحِيلٍ ومُبْرَمِ .
والبَرِيمُ : المُبْرَم : أي المفتول فتلاً محكماً ، يقال : أَبْرَمْتُهُ فبَرِمَ ، ولهذا قيل للبخيل الذي لا يدخل في الميسر : بَرِم ، كما يقال للبخيل : مغلول اليد . والمُبْرِم : الذي يُلح ويُشدد في الأمر تشبيهاً بمُبرم الحبل . والبَرِم : كذلك . ويقال لمن يأكل تمرتين تمرتين : بَرِمٌ ، لشدة ما يتناوله بعضه على بعض .
ولما كان البريم من الحبل قد يكون ذا لونين ، سمي كل ذي لونين به من جيش مختلط أسود وأبيض ، ولغنم مختلط ، وغير ذلك .
والبُرْمَةُ : في الأصل هي القدر المبرمة ، وجمعها بِرَامٌ ، نحو حفرة وحفار ، وجعل على بناء المفعول ، نحو : ضحكة وهزأة .
ملاحظات .
استعمل القرآن هذه المادة في آية واحدة ، بمعنى إحكام الأمر ، كما ذكر الراغب . وقد فصَّل اللغويون في أصل أبرم ومشتقاته ، وجعلها ابن فارس « 1/231 » أربعة أصول : « إحكام الشئ ، والغرض به ، واختلاف اللونين ، وجنس من النبات » .
بَرَهَ - بُرهة - أبْره - بَرهاء - بَرْهَنَ - بُرهاناً
البُرْهَان : بيان للحجة ، وهو فُعْلان مثل : الرُّجحان والثُّنْيَان ، وقال بعضهم : هو مصدر بَرِهَ يَبْرَهُ : إذا ابيضَّ ، ورجل أَبْرَهُ ، وامرأة بَرْهَاءُ ، وقوم بُرْهٌ . وبَرَهْرَهَة : شابة بيضاء .
والبُرْهَة : مدة من الزمان . والبُرْهَان : أوكد الأدلة ، وهو الذي يقتضي الصدق أبداً لامحالة ، وذلك أن الأدلة خمسة أضرب : دلالة تقتضي الصدق أبداً . ودلالةٌ تقتضي الكذب أبداً . ودلالةٌ إلى الصدق أقرب . ودلالةٌ إلى الكذب أقرب . ودلالةٌ هي إليهما سواء . قال تعالى : قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صـادِقِينَ « البقرة : 111 » قُلْ هاتُــوا بُرْهانَكُمْ هـذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ « الأنبياء : 24 » قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ « النساء : 174 » .
ملاحظات
قال الخليل : « البرهان : بيان الحجة وإيضاحها » . « العين : 4/49 » لكن هذه البرهنة ، أما البرهان فهو نفس الحجة ، وليس بيانها ، وهو الدليل القوي . واستعمله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 112 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
القرآن بضع مرات بهذا المعنى .
بَرَأَ - بُرْءً - براء - تبري -برئ - تبرأ - البارئ - البرية
أصل البُرْءِ والبَرَاءِ والتَبَرِّي : التفصِّي مما يُكره مجاورته ، ولذلك قيل : بَرَئْتُ من المرض ، وبَرِئْتُ من فلان وتَبَرَّأْتُ ، وأَبْرَأْتُهُ من كذا وبَرَّأْتُهُ ، ورجل بَرِئ وقوم بُرَآء وبَرِيئُون . قال عز وجــل : بَراءَةٌ مِنَ الله وَرَسُولِهِ « التوبة : 1 » إن الله بَرِئ مِنَ الْمُشْرِكِيـنَ وَرَسُولُهُ « التوبة : 3 » وقـال : أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِئ مِمَّا تَعْمَلُونَ « يونس : 41 » إنا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله « الممتحنة : 4 » وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إننِي بَراءٌ مِمَّــا تَعْبُدُونَ « الزخـرف : 26 » فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا « الأحزاب : 69 » وقال : إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا « البقرة : 166 » .
والبارئ : خُصَّ بوصف الله تعالى ، نحو قوله : الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ « الحشر : 24 » . وقوله تعالى : فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ « البقرة : 54 » . والبَرِيَّة : الخلق ، قيل أصله الهمز فترك . وقيل بل ذلك من قولهم : بَرَيْتُ العود ، وسميت برية لكونها مَبْرِيَّة من البَرَا ، أي التراب ، بدلالة قوله تعالى : خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ « غافر : 67 » وقوله تعــالى : أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ « البينة : 7 » وقال : شَرُّ الْبَرِيَّةِ . « البينة : 6 » .
ملاحظات
1 . وردت مادة بَرَأَ في القرآن أكثر من ثلاثين مرة ، فمنها : البرئ ، والمبرؤون ، والتبرؤ ، والبارئ سبحانه ، والبرية . وجعل الراغب أصلها التبرؤ من العيب ، وسماه البُعدعما يُكره ، وجعل البرية مشتقة من البرا ، وهو التراب .
والصحيح ما ذكره الخليل « 8/298 » وابن فارس « 1/236 » أن برأ أصلان : أحدهما : الخلق ، يقال برأ الله الخلق يبرؤهم بَرْءً ، والبارئ : الله جل ثناؤه . والثاني : التباعد من الشئ ومزايلته ، ومنه السلامة من السقم ، يقال : برئتُ وبَرَّأتُ . ومنه بارأتُ الرجل ، أي برئت إليه وبرئ إلي . ومنه بُرَآء : على قياس فعلاء جمع برئ ، ومن ترك الهمز قال : بُراء . وبَرْآء على قياس فعلاء : جمع البرئ ، ومن ترك الهمز قال : براء .
2 . قال أبو هلال في الفروق/95 : « الفرق بين البَرْأ والخلق : أن البَرْأ هو تمييز الصورة ، وقولهم برأ الله الخلق : أي ميز صورهم » . واشتهر قسم أمير المؤمنين عليه السلام : « فوالذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة » . وفي المقنعة/324 ، في دعاء رمضان : « سبحان الله بارئ النسم ، سبحان الله المصور ، سبحان الله خالق الأزواج كلها » .
بَزَغَ - بازغ - بازغة
قال تعالى : فَلما رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً . « الأنعام : 78 » فَلما رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً . « الأنعام : 77 » أي طالعــاً منتشر الضـوء . وبَزَغَ النَّابُ تشبيهاً به ، وأصله من بَزَغَ البيطارُ الدَّابَّةَ ، أسال دمها فبزغ هو ، أي سال .
ملاحظات
اتفق اللغويون على أن البزوغ مأخوذ من تشريط البيطار للدابة بمبزغ حديد حتى يبزغ دمها . ففي أساس البلاغة/45 : « بزغ البيطار الدابة بزغاً وبزغها تبزيغاً ، إذا شق أشعرها بمبزغه . وبزغ النابُ : إذا شق اللحم فخرج » .
فبزوغ الشمس : شقُّها للأفق حتى يبدو طلوعها ، كما قال الخليل « العين : 4/ 385 » . لكن اشتقاق بزوغ الشمس من بزوغ الدم غير مقنع ، وقد أجاد ابن منظور « 8/418 » فجعل الأمر بالعكس ، فإن تعامل الإنسان مع الشمس قبل تعامله مع مبزغ البيطار . قال : « بَزَغَتِ الشمسُ تَبْزُغُ بَزْغاً وبُزُوغاً : بدا منها طُلوعٌ أَو طَلَعَت وشَرَقَتْ . وفي التنزيل : فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا . ومن هذا يقال : بَزَغَ البَيْطارُ أَشاعِرَ الدابة وبضعها ، إِذا شق ذلك المكان » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 113 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بَسَّ - بَساً - بَسوساً - بسست - بسيسةً - إبساس
قال الله تعالى : وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسّاً « الواقعة : 5 » أي فُتِّتَتْ ، من قولهم : بَسَسْتُ الحنطة والسويق بالماء : فَتَتُّهُ به ، وهي بَسِيسَةٌ . وقيل : معناه سُقْتُ سوقاً سريعاً ، من قولهم : انْبَسَّتِ الحَيَّاتُ : انسابت انسياباً سريعاً ، فيكون كقوله عز وجل : وَيَوْمَ نُسَـيِّرُ الْجِبالَ « الكهف : 47 » وكقوله : وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ « النمل : 88 » .
وبَسَسْتُ الإبلَ : زجرتها عند السوق ، وأَبْسَسْتُ بها عند الحلب : أي رققت لها كلاماً تسكن إليه .
وناقةٌ بَسُوسٌ : لاتدرُّ إلا على الإِبْسَاس ، وفي الحديث : جاء أهل اليمن يَبُسُّونَ عيالهم . أي كانوا يسوقونهم .
ملاحظات
قال ابن فارس « 1/181 » : « الباء والسين : أصلان أحدهما السَّوْق ، والآخر فتُّ الشئ وخلطه » . وقد استعمل البسُّ في آية واحدة هي قوله تعالى : إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّـا . وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا . فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا . وهي صريحة في أن الجبال تُذرى حتى تكون هباءً ، وهي غير حركة الجبال في قوله تعالى : وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ . وغير تسييرها يوم القيامة : وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ .
بَسَرَ - بَسراً - بُسر - باسرة
البَسْرُ : الإستعجال بالشئ قبل أوانه ، نحو : بَسَرَ الرجل الحاجة : طلبها في غير أوانها ، وبَسَرَ الفحل الناقة : ضربها قبل الضبعة . وماء بَسْر : متناول من غديره قبل سكونه . وقيل للقرح الذي ينكأ قبل النضج : بَسْر, ومنه قيل لما لم يدرك من التمر : بُسْر . وقوله عز وجل : ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ « المدثر : 22 » أي أظهرالعبوس قبل أوانه وفي غير وقته . فإن قيل : فقـوله : وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ « القيـامة : 24 » ليس يفعلون ذلك قبل الوقت ، وقد قلت : إن ذلك يقال فيما كان قبل الوقت !
قيل : إن ذلك إشارة إلى حالهم قبل الإنتهاء بهم إلى النار ، فخُصَّ لفظ البَسْر تنبيهاً على أن ذلك مع ما ينالهم من بعد يجري مجرى التكلف ومجرى ما يفعل قبل وقته ، ويدل على ذلك قوله عز وجل : تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ « القيامة : 25 » .
ملاحظات
استعملت مادة بَسَـرَ في الآيتين المذكورتين فقط ، واتفق اللغويون على أن العجلة عنصـر في معناها . « العين : 7/250 ، والمقاييس : 1/249 » . وكأن التمر سميَ بُسْراً لأنهم يعجلون في قطفه قبل نضجه . فمعنى : ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَـرَ ، أنـه عبس واستعجل فغضب . ومعنى : وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ . تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ . أنها قبل الجنة والنار مستعجلة لخوفها حلول الغضب ودخول النار . ومعنى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ، إِلَى رَبِّهَـا نَاظِرَةٌ . أنها في المحشـر تستشرف ثواب ربها ، لا أنها تنظر الى ذات الله ، كما زعمت المجسمة .
بَسَطَ - بساطاً - بسطة - مبسوط
بَسْطُ الشئ : نَشْرُهُ وتوسيعه ، فتارة يُتصور منه الأمران ، وتارة يتصور منه أحدهما . ويقال : بَسَطَ الثوب : نشره ، ومنه : البِسَاط ، وذلك اسم لكل مَبْسُوط ، قال الله تعالى : وَ اللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً « نوح : 19 » . والبِسَاط : الأرض المتسعة . وبَسِيط الأرض : مبسوطه .
واســتعار قوم البســط لكل شئ لا يتصــور فيه تركيب وتأليف ونظم . قال الله تعالى : وَ اللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ « البقرة : 245 » . وقال تعالى : وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ « الشوري : 27 » أي لو وسَّعه . وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ « البقرة : 247 » أي سَعَةً . قال بعضهم : بَسْطَتُهُ في العلم : هو أن انتفع هو به ونفع غيره ، فصار له به بسطة ، أي جوداً . وبَسْطُ اليد : مدها ، قال عز وجل : وَكَلْبُهُمْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 114 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ « الكهف : 18 » .
وبَسْطُ الكف : يستعمل تارة للطلب نحو : كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ « الرعد : 14 » وتارة للأخذ نحو : وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ « الأنعام : 93 » . وتارة للصولة والضرب ، قال تعالى : وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ « الممتحنة : 2 » وتارة للبذل والإعطاء : بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ « المائدة : 64 » .
والبَسْطُ : الناقة تترك مع ولدها ، كأنها المبسوط . نحو النكث والنقض في معنى المنكوث والمنقوض ، وقد أَبْسَطَ ناقَتَه أي تركها مع ولدها .
ملاحظات
أجاد الراغب في تدوين هذه المادة ، ولم أجد ما ينبغي إضافته ، ولعلها أدق ما كتبه في كتابه .
بَسَقَ - باسقات - بُساق
قال الله عز وجل : وَالنَّخْـلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ « ق : 10 » أي طويلات . والباسق : هو الذاهب طولاً من جهة الإرتفاع ومنه : بَسَقَ فلان على أصحابه : علاهم .
وبَسَقَ وبصق أصله بزق . وبَسَقَتِ الناقة : وقع في ضرعها لِبَاء قليل كالبساق ، وليس من الأول .
ملاحظات
تصور بعضهم أن بسقت المرأة والناقة والشاة بمعنى حملت ، فقال إن معنى باسقات حاملات ، وهو اشتباه لأن الباسق المرتفع في السماء طولاً باستقامة . وقد يقال : بَسَقَتِ الأنثى : بمعنى درَّت لبناً قبل الولادة ، كأنها بصقت . قال ابن فارس « 1/247 » : « المبساق التي تدر قبل نتاجها » . ومن الشائع في لغة العرب إبدال الحروف المتقاربة ، ومنه إبدال بزق وبصق ببسق ، لكن باسقات ليست منه .
بَسَلَ - بسْلاً - تُُبْسَل - أبسلوا - بسالة - بسلة -
بسْل - بسَّلت
البَسْلُ : ضم الشئ ومنعه . ولتضمنه لمعنى الضم استعير لتقطيب الوجه ، فقيل هو بَاسِل ومُبْتَسِل الوجه . ولتضمنه لمعنى المنع قيل للمحرم والمرتهن : بَسْلٌ . وقوله تعالى : وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ « الأنعام : 70 » أي تحرم الثواب . والفرق بين الحرام والبَسْل : أن الحرام عامٌّ فيما كان ممنوعاً منه بالحكم والقهر ، والبسل هو الممنوع منه بالقهر ، قال عـز وجل : أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا « الأنعام : 70 » أي حرموا الثواب . وفسر بالإرتهان لقوله : كل نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ « المدثر : 38 » . قال الشاعر :
وإبْسَالي بَنِيَّ بغير جُرْمٍ
وقال آخر : فإن تَقْوَيَا منهم فَإنَّهُمُ بُسْلُ
أقوى المكان : إذا خلا . وقيل للشجاعة : البَسالة إما لما يوصف به الشجاع من عبوس وجهه ، أو لكون نفسه محرماً على أقرانه لشجاعته ، أو لمنعه لما تحت يده عن أعدائه . وأَبْسَلْتُ المكان : حفظته وجعلته بسلاً على من يريده .
والبُسْلَةُ : أجرة الراقي ، وذلك لفظ مشتق من قول الراقي : أَبْسَلْتُ فلاناً ، أي جعلته بَسَلاً ، أي شجاعاً قوياً على مدافعة الشيطان أو الحيات والهوام ، أو جعلته مُبْسَلاً ، أي محرماً عليها .
وحكي : بَسَّلْتُ الحنظل : طيبته ، فإن يكن ذلك صحيحاً فمعناه : أزلت بَسَالَتَه ، أي شدته ، أو بَسْلَهُ أي تحريمه ، وهو ما فيه من المرارة الجارية مجرى كونه محرماً . وبَسَلْ : في معنى أجَلْ ، وبَسَّ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 115 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
استعمل القرآن البَسْل في الآيتين المذكورتين فقط . والرهين : محبوس بما كسب . والمُبْسَل محبوسٌ بما كسب أيضاً ، والفرق بينهما أن المحبوس المبسل ممنوع من التقدم لأن الإبسال منع من خير أو تقدُّم ، والرهينة محبوس عن الحركة . والمحبوس المبسل لا استثناء فيه ، والمحبوس الرهينة يستثنى منه أصحاب اليمين ، قال تعالى : كل نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ . وهـو استثناء ملفتٌ ، فكيف تكون هذه الفئة ذات أعمال سيئة لكنها لا ترتهن بها ! وقد تحير فيهم المفسرون وقال بعضهم إنهم أطفال المسلمين « الحاكم : 2/507 » لكن أطفـال المسـلمين لاذنوب لهم ليستحقوا أن يُبسلوا بها ! وفسرهم بعضهم بقوم صالحين . وقال بعضهم الملائكة ! « الطبري : 29/206 » . وقال الإمام الباقر عليه السلام : « نحن وشيعتنا أصحاب اليمين » . « الكافي : 1/434 ، وشرح الأخبار : 3/455 » . وصدق عليه السلام لأنه لا يمكن تفسيرهم بغير أولئك .
بَسَمَ
قال تعالى : فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها . « النمل : 19 » .
بَشَرَ - بشرة - أبشار - بشرٌ - بَشَرَه -مباشرة - مُبْشَر -استبشر - بشير- بشَّرَه - أبشر - تباشير - بشرى
البَشَرَة : ظاهر الجلد ، والأَدَمة : باطنه . كذا قال عامة الأدباء ، وقال أبو زيد بعكس ذلك ، وغلَّطه أبو العباس وغيره . وجمعها بَشَرٌ وأَبْشَارٌ . وعُبِّر عن الإنسان بالبَشَر اعتباراً بظهور جلده من الشعر ، بخلاف الحيوانات التي عليها الصوف أو الشعر أو الوبر . واستوى في لفظ البشر الواحد والجمع . وثُنِّيَ فقال تعالى : أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ « المؤمنون : 47 » .
وخصَّ في القرآن كل موضع اعتبر من الإنسان جثته وظاهره ، بلفظ البشر ، نحو : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَـراً « الفرقان : 54 » وقـال عز وجل : إني خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ « صاد : 71 » .
ولما أراد الكفار الغض من الأنبياء اعتبروا ذلك فقالوا : إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ « المـدثر : 25 » وقال تعالى : أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ « القمر : 24 » ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا « يس : 15 » أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا « المؤمنون47 » فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنـا « التغابن : 6 » وعلى هذا قـال : إنما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ « الكهف : 110 » تنبيهاً على أن الناس يتساوون في البشرية ، وإنما يتفاضلون بما يختصون به من المعارف الجليلة والأعمال الجميلة ، ولذلك قـــال بعده : يُوحى إِلَيَّ « الكهف : 110 » تنبيهاً [على] أني بذلك تميزت عنكم .
وقال تعالى : لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ « مريم : 20 « فخصَّ لفـــظ البشـر . وقوله : فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا « مريم : 17 » فعبارة عن الملائكة ، ونبه [على] أنه تشبه لها وتراءى لها بصورة بشر .
وقوله تعالى : مَا هَذَا بَشَراً « يوسف : 31 » فإعظام له وإجلال ، وأنه أشرف وأكرم من أن يكون جوهره جوهر البشر .
وبَشَرْتُ الأديم : أصبت بشرته ، نحو أنِفْتُهُ ورَجَلْتُهُ ، ومنه : بَشَرَ الجرادُ الأرضَ إذا أكلها .
والمباشرة : الإفضاء بالبشرتين ، وكنيَ بها عن الجماع في قوله : وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ « البقرة : 187 » وقال تعالى : فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ « البقرة : 187 » .
وفلان مُؤْدَم مُبْشَر : أصله من قولهم : أَبْشَرَهُ الله وآدمه ، أي جعل له بشرة وأدمة محمودة ، ثم عبر بذلك عن الكامل الذي يجمع بين الفضيلتين الظاهرة والباطنة . وقيل معناه : جمع لين الأدمة وخشونة البشرة .
وأَبْشَرْتُ الرجل وبَشَّرْتُهُ وبَشَرْتُهُ : أخبرته بسارٍّ بسط بشرة وجهه ، وذلك أن النفس إذا سُرَّتْ انتشر الدم فيها انتشار
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 116 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الماء في الشجر ، وبين هذه الألفاظ فروق ، فإن بشرته عام ، وأبشرته نحو : أحمدته ، وبشرته على التكثير .
وأبَشَـرَ : يكون لازماً ومتعدياً ، يقال : بَشَرْتُهُ فَأَبْشَـرَ ، أي اسْتَبْشَرَ ، وأَبْشَـرْتُهُ . وقـرئ : يُبَشِّرُكَ « آل عمـران : 39 » ويُبْشِرُكَ ويَبْشُرُكَ ، قـال الله عز وجل : لا تَوْجَلْ إنا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ . وقالَ : أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّــنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحق « الحجر : 53 » .
واستبشر : إذا وجد ما يبشره من الفرح ، قال تعالى : وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ « آل عمران : 170 » يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ « آل عمران : 171 » وقـال تعالى : وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُون « الحجر : 67 » .
ويقال للخبر السار : البِشارة والبُشْرَى ، قال تعالى : لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ « يونس : 64 » وقال تعالى : لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ « الفرقان : 22 » وَلما جاءَتْ رُسُلُنـا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى « هود : 69 » يا بُشْرى هذا غُلامٌ « يوسف : 19 » وَما جَعَلَهُ الله إِلَّا بُشْرى « الأنفال : 10 » .
والبشير : المُبَشِّر ، قال تعالى : فَلما أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً « يوسف : 96 » فَبَشِّرْ عِبادِ « الزمر : 17 » وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ « الروم : 46 » أي تبشر بالمطر .
وقال صلى الله عليه وآله : انقطع الوحي ولم يبق إلا المُبَشِّرَات وهي الرؤيا الصالحة ، يراها المؤمن أو ترى له .
وقال تعالى : فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ « يس : 11 » وقال : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ « آل عمــران : 21 » بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأن لَهُمْ « النساء : 138 » وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ « التوبة : 3 » فاسـتعارة ذلك تنبيهٌ [على] أن أسرَّ ما يسمعونه الخبر بما ينالهم من العذاب ، وذلك نحو قول الشاعر :
تحيَّةُ بينِهم ضربٌ وجيعُ
ويصح أن يكون على ذلك قوله تعالى : قُلْ تَمَتَّعُوا فَإن مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ « إبراهيم : 30 » .
وقال عز وجل : وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ « الزخرف : 17 » .
ويقال : أَبْشِرَ ، أي وجد بشارة ، نحو : أبقـلَ وأمحلَ ، وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ « فصلت : 30 » .
وأبشرت الأرض : حَسُنَ طلوع نبتها ، ومنه قول ابن مسعود : من أحبَّ القرآن فليَبْشُر . أي فليُسَرَّ . قال الفرّاء : إذا ثُقِّل فمن البشرى ، وإذا خُفِّف فمن السرور . يقال : بَشَرْتُهُ فَبَشَرَ ، نحو : جبرته فجبر ، وقال سيبويه : فَأَبْشَر ، قال ابن قتيبة : هو من بشرت الأديم ، إذا رققت وجهه ، قال : ومعناه فليضمِّر نفسه ، كما روي : إن وراءنا عقبة لا يقطعها إلا الضُّمَّر من الرجال . وعلى الأول قول الشاعر :
فَأَعِنْهُمُ وأَبْشِرْ بما بَشَرُوا
به وإذا هُمْ نَزَلُوا بِضَنْكٍ فانزلِ
وتَبَاشِير الوجه وبِشْرُهُ : ما يبدو من سروره ، وتباشير الصبح : ما يبدو من أوائله . وتباشير النخيل : ما يبدو من رطبه ، ويسمى ما يعطى المبشر : بُشْرَى وبشَارَة .
ملاحظات
1 . جعل اللغويون البشارة مشتقة من البشرة ، لأنها توجب السرور الذي يظهر على الوجه والبشرة . « المقاييس : 1/251 » وهذا من ميلهم الى توحيد جذره . وقد تكون من أصلين : البشرة والبشارة . وقد استعملهما القرآن بشكل واسع في عشرات الآيات فعبر بالبَشَرعن آدم والرسل والإنسان ، وبالبشارة عن بشارات الله تعالى ، وسمى الأنبياء عليهم السلام مبشرين ، ووصف رسوله صلى الله عليه وآله بأنه بشيرٌ للناس .
وبشر المحسنين والمؤمنين والمسلمين ، ووصفهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 117 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بالمستبشرين بنعم الله تعالى في الدنيا ، وبالجنة . وجعل لهم البشـرى لنجاتهم من عبادة الطاغوت . ووصف الرياح بأنها مبشرات بالمطر والخير . . الخ .
2 . في نسخ المفردات : بَشَرَ الجَرَادُ الأرضَ ، إذا أكلته ، والصحيح أكلها . قال ابن منظور : « 4/60 » : « بَشَرَ الجرادُ الأَرضَ يَبْشُرُها ، بَشراً : قَشَرَها وأَكل ما عليها ، كأَن ظاهر الأَرض بَشَرَتُها » .
بَصَرَ- أبصار - بصائر - بصيرة -باصرة - استبصار -
البصرة
البَصَر : يقال للجارحة الناظرة نحو قوله تعالى : كَلَمْحِ الْبَصَرِ « النحل : 77 » وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ « الأحزاب : 10 » وللقوة التي فيها . ويقال لقوة القلب المدركة : بَصِيرَة وبَصَر ، نحو قوله تعالى : فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ « ق : 22 » . وقال : ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى « النجم : 17 » .
وجمع البصر : أَبْصَار ، وجمع البصيرة : بَصَائِر ، قال تعالى : فَمَا أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ « الأحقاف : 26 » .
ولايكاد يقال للجارحة بصيرة ، ويقال من الأول : أبصرتُ ، ومن الثاني : أبصرتُه وبصرتُ به .
وقلما يقال بصرتُ في الحاسة ، إذا لم تضامَّهُ رؤية القلب .
وقال تعالى في الأبصار : لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ « مريم : 42 » وقال : رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا « السجدة : 12 » وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ « يونس : 43 » وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ « الصافات : 179 » بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ « طه : 96 » ومنه : أَدْعُوا إِلَى الله عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي « يوسف : 108 » أي على معرفة وتحقق .
وقوله : بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ . « القيامة : 14 » أي بصيرة تبصره ، فتشهد له وعليه يوم القيامة ، كما قال تعالى : تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ « النور : 24 » .
والضرير : يقال له بصير على سبيل العكس ، والأولى أن ذلك يقال لما له من قوة بصيرة القلب لا لما قالوه ، ولهذا لا يقال له : مبصر وباصر .
وقوله عز وجل : لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِك ُ الْأَبْصارَ « الأنعام : 103 » حمله كثير من المفسرين على الجارحة .
وقيل : ذلك إشارة إلى ذلك وإلى الأوهام والأفهام ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : التوحيد أن لا تتوهمه . وقال : كل ما أدركته فهو غيره .
والبَاصِرَة : عبارة عن الجارحة الناظرة ، يقال : رأيته لمحاً باصراً ، أي نظراً بتحديق ، قال عز وجل : فَلما اءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً « النمل : 13 » وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً « الإسراء : 12 » أي مضيئة للأبصار . وكذلك قوله عز وجل : وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً « الإسراء : 59 » .
وقيل : معناه صار أهله بُصَراء نحو قولهم : رجل مخبث ومضعف ، أي أهله خبثاء وضعفاء . وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ « القصص : 43 » أي جعلناها عبرة لهم .
وقوله : وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ « الصافات : 179 » أي أنظر حتى ترى ويرون .
وقوله عز وجل : وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ « العنكبوت : 38 » أي طالبين للبصيرة .
ويصح أن يستعار الإسْتِبْصَار للإِبْصَار ، نحو استعارة الإستجابة للإجابة . وقوله عز وجل : وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كل زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً « ق : 7 » أي تبصيراً وتبياناً . يقال : بَصَّرْتُهُ تبصيراً وتبصرةً ، كما يقال : قدمته تقديماً وتقدمة ، وذكرته تذكيراً وتذكرة ، قال تعالى : وَلا يَسْئَلُ حَمِيـمٌ حَمِيمـاً يُبَصَّرُونَهُمْ « المعارج : 10 » أي يجعلون بصراء بآثارهم . يقال : بصَّرَ الجرو : تعرض للإبصار لفتحه العين .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 118 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والبَصْرَة : حجارة رَخْوَةٌ تلمع كأنها تبصر ، أو سميت بذلك لأن لها ضوءً تُبْصَرُ به من بعد . ويقال له بِصْرٌ .
والبَصِيرَة : قطعة من الدم تلمع . والترس اللامع . والبُصْرُ : الناحية . والبَصِيرَةُ ما بين شقتي الثوب والمزادة ونحوها التي يبصر منها . ثم يقال : بصرتُ الثوبَ والأديمَ : إذا خطت ذلك الموضع منه .
ملاحظات
1 . جعل الراغب بَصَرَ أربعة أصول . بمعنى العين الباصرة ، والقوة الباصرة ، والحجارة الرخوة ، وقطعة الدم . وجعلها ابن فارس أصلين ، بمعنى العِلْم الناتج من البصر المادي أو المعنوي ، وقطعة الدم التي تقع فتستدير . وقال الخليل : « البصـرة : أرض حجارتها جص ، وهكذا أرض البصرة » . « العين : 7/119 » .
2 . استعمل القرآن البصر بالمعنيين المادي والمعنوي في عشرات الآيات . لبصر العين مقابل العمى ، ولبصر القلب والعقـــل ، ومقابله العمى أيضاً : فَإنهَـا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ .
وذكَّر الناس بنعمة البصر : وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ .
وذكَّرَ بمسؤولية الإنســان عن البصر : إن السَّـمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كل أُولَئِكَ كَأن عَنْهُ مَسْئُولاً .
وأمر المؤمنين والمؤمنات بالغض من أبصارهم لئلا يقعوا في الفتنة . وذكر آفات البصر ، وأن الإنسان قد يستحق أن يُذهب الله بصـره ويعميه ، أو يجعل عليه غشاوة ، أو يُقَلِّبُه ، أو يطبع عليه .
وذكر إصابة العين وأن المشركين حاولوا أن يصيبوا النبي صلى الله عليه وآله بها فيزلقونه بأبصارهم . وذكر أن البرق يكاد يذهب بالبصـر . وأن البصر يزيغ عند الخوف . ويبرق عند الموت . وأنه بعد الموت يحيا فيكون نافذاً حديداً . وفي مشاهد يوم القيامة شاخصاً خاشعاً . ويومها يشهد على صاحبه . واستعمل البصر بصيغة الأمر وأفعل التعجب : أبْصِرْ به وأسْمِع . أسْمِعَ بهم ْوأبصِرْ . وأَبْصِرْهُمْ .
والبصير : من أسماء الله الحسنى ، فهو عز وجل بصير بما تعملون ، وبصير بالعباد ، وسميع بصير ، وخبير بصير ، وبكل شئ بصير ، وبذنوب عباده خبيراً بصيراً .
وبصر العين عاجز عن رؤية الله عز وجل ، لأنه يدرك الجسم الذي ينعكس عليه الضوء ، و الله تعالى فوق المادة وإنما تراه العقول والقلوب . لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ .
والنبي صلى الله عليه وآله ومن معه على بصيرة من ربهم ، والأنبياء عليهم السلام أولوا الأيدي والأبصار : وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِى وَالأَبْصَارِ .
ونظم الخلق ونعمة إنبات النبات فيه تبصرة لكل عبد منيب . والدين والوحي بصائر . والإنسان على نفسه بصيرة ، أي خبيرٌ بها . والنهار مبصرٌ ، وآيةٌ مبصرة . وآية الناقة لثمود وآيات موسى لفرعون ، كلها مبصرة .
ومدح القرآن أولي الأبصار ، أي العقول التي تعتبر ، فقال عن معركـــة بدر : وَ اللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إن فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ . وقال عن معركة بني قريظة : فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ .
وبَيَّنَ عز وجل سرعة البصر : وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ .
بَصَل
البَصَلُ : معروف في قوله عز وجل : وَعَدَسِها وَبَصَلِها « البقرة : 61 » . وبيضة الحديد بصلٌ ، تشبيهاً به لقول الشاعر :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 119 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وتركاً كالبصل
ملاحظات
البيت الذي استشهد به الراغب ، للشاعر لبيد ، يصف كتيبة مدرعة فيقول :
فَخْمَةٌ دَفْرَاءُ تُرْتَى بِالْعُرَى
قَرْدَمَانِيًاً وَتَرْكاً كَالْبَصَلْ
أي : يغيثون المستغيث بهم بكتيبة فخمة ، على خيول نجيبة ، يشد فرسانها ذيول دروعهم القردمانية الخشنة الطويلة ، بالعرى الى أوساطهم ، وعلى رؤوسهم خوذ كبيض النعام وكالبصل . « العين : 5/338 ، وشرح أدب الكاتب/340 » .
بَضَعَ - بضاعة - مِبْضع - بِضْعة - باضعة
البِضَاعَة : قطعة وافرة من المال تقتنى للتجارة يقال : أَبْضَعَ بِضَاعَة وابْتَضَعَهَا . قال تعالى : هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا « يوسف : 65 » وقال تعالى : بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ « يوسف : 88 » .
والأصل في هذه الكلمة : البَضْعُ وهو جملة من اللحم تُبْضَعُ ، أي تقطع ، يقال : بَضَعْتُهُ فَابْتَضَعَ وتَبَضَّعَ ، كقولك : قطعته وقطعته فانقطع وتقطع . والمِبْضَع : مايبضع به نحو المقطع .
وكُنِّيَ بالبِضْعِ عن الفرج فقيل : ملكتُ بضعها ، أي تزوجتها . وبَاضَعَهَا بِضَاعاً ، أي باشرها ، وفلان : حَسَنُ البَضْع والبَضِيعِ والبَضْعَة .
والبضاعة : عبارة عن الثَّمن . وقيل للجزيرة المنقطعة عن البر : بَضِيع .
وفلان بَضْعَة مني ، أي جارٍ مجرى بعض جسدي لقربه مني .
والبَاضِعَة : الشجَّة التي تبضع اللحم . والبِضع بالكسر : المنقطع من العشرة ، ويقال ذلك لما بين الثلاث إلى العشرة وقيل : بل هو فوق الخمس ودون العشرة . قال تعالى : بِضْعَ سِنِينَ « الروم : 4 » .
ملاحظات
لا يشترط في البضاعة أن تكون : « قطعة وافرة من المال ، تُقْتَنى للتجارة » بل هي كما قال الخليل « 1/286 » : « ما أبضعت للبيع كائناً ما كان » . ويؤيده قوله تعالى : وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَـاةٍ . أي غير مرغوبة ، أو قليلة « التبيان : 6/186 » . وقد يقتني الشئ للتملك أو الإستهلاك ، ثم يتاجر به .
بَطََرَ- بطراً - بَيْطَر- بيطرة
البَطَر : دَهَشٌ يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها ، وصرفها إلى غير وجهها . قال عز وجـل : بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ « الأنفال : 47 » وقال : بَطِرَتْ مَعِيشَتَها « القصص : 58 » أصله بطرت معيشتُها ، فصُرِف عنه الفعل ونُصِبَ .
ويقارب البطر الطرب : وهو خفةٌ أكثر ما تعتري من الفرح ، وقد يقال ذلك في الترح . والبيطرة : معالجة الدابة .
ملاحظات
1 . تبع الراغب الخليل فلم يبين مصدر اشتقاق البطر ، وجعله إسماً لحالة الدهش من النعمة . وكان الخليل أدق منه حيث قال : « 7/422 » : « البطر : في معنى كالحيرة والدهش ، يقال : لايبطرن جهل فلان حلمك أي لا يدهشك . وفي معنى كالأشَر وغمط النعمة ، يقال : بطر فلان نعمة الله ، أي كأنه مرح حتى جاوز الشكر فتركه وراءه » .
فهو حالة سكر وهوج من النعمة ، تشبه الدَّهَش ، وليست نفس الدهش .
وجعله ابن فارس « 1/262 » : « تجاوُزُ الحد في المرح » ومال الى أنه مشتق من البيطرة بمعنى الشق ! لكنه بعيد ، فالظاهر أنها أصلٌ مستقلٌّ .
2 . ورد البطر في آيتين : وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 120 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ ، فوصف به قريشاً لما خرجت الى حرب النبي صلى الله عليه وآله بطراً للسمعة . وقال تعالى : وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا . أي بطر أهلها . قال الراغب : « أصله : بطرت معيشتُها فصُرِف عنه الفعل ونُصِبَ » وقال نحوه في سَفِه . فهو يتصور أن بَطِر وسَفَه فعلان لازمان ، لكنهما في القرآن متعديان .
بَطَشَ - بطشاً - بطشتم - نبطش
البَطْشُ : تناول الشئ بصولة ، قال تعالى : وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ « الشعراء : 130 » يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى « الدخان : 16 » وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا « القمر : 36 » إن بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ « البروج : 12 » يقال : يد بَاطِشَة .
ملاحظات
1 . يظهر أن الراغب أخذ تعريف البطش من الخليل ، لكن عبارة الخليل أدق ، قال « 6/240 » : « البطش : التناول عند الصولة . والأخذ الشديد في كل شئ بطشٌ به . و الله ذو البطش الشديد ، أي ذو البأس والأخذ لأعدائه » .
أما ابن فارس فقال : « 1/262 » : « وهو أخذ الشئ بقهر وغلبة وقوة »
2 . البطش يكون خفيفاً وشديداً ، ولذا قال تعالى : إن بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ . أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً . ويكون بطشاً بالحق كبطش الله تعالى ، وبطش بغير حق كبطش الجبارين : وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ . فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأَوَلِينَ .
وقد استعمل القرآن مادة بطش في تسع آيات . منها ما تقدم ، ومنها في أن اليد مظهر البطش : أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا . ومنها في بطش الله وعذابه لأعدائه في الدنيا : وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ .
ومنها قوله تعالى : يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إنا مُنْتَقِمُونَ . وقد فسرها غير أهل البيت عليهم السلام بأنها في البطشة الكبرى في القيامة ، وفسرها غيرهم بأنها كانت في بدر .
ومنها في بطش موسى عليه السلام : فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَعَدُوٌّ لَهُمَا .
بَطَلَ - باطل - بطولة - مبطلون
البَاطِل : نقيض الحق ، وهو ما لاثبات له عند الفحص عنه ، قال تعالى : ذلِكَ بأن الله هُوَ الْحق وَأَن ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ « الحج : 62 » وقد يقال ذلك في الإعتبار إلى المقال والفعال ، يقال : بَطَلَ بُطُولًا وبُطْلًا وبُطْلَاناً وأَبْطَلَهُ غيره . قال عز وجل : وَبَطَلَ ماكانُوا يَعْمَلُونَ « الأعراف : 118 » وقال تعالى : لِمَ تَلْبِسُونَ الْحق بِالْباطِلِ « آل عمــران : 71 » .
ويقال للمستقل عما يعود بنفع دنيوي أو أخروي : بَطَّال ، وهو ذو بِطَالَةٍ بالكسر . وبَطَلَ دمه : إذا قتل ولم يحصل له ثأر ولا دية . وقيل للشجاع المتعرض للموت : بَطَل ، تصوراً لبطلان دمه ، كما قال الشاعر :
فقلت لها لا تَنْكَحِيهِ فإنهُ
لأولِ بُطْلٍ إن يلاقي مُجَمَّعَا
فيكون فُعْلاً بمعنى مفعول ، أو لأنه يُبطل دم المتعرض له بسوء ، والأول أقرب .
وقد بَطُلَ الرجل بُطُولَة : صار بَطَلًا ، وبُطِلَ : نسب إلى البَطَالة ، ويقال : ذهب دمه بُطْلاً أي هدراً . والإِبطال : يقال في إفساد الشئ وإزالته حقاً كان ذلك الشئ أو باطلاً ، قال الله تعالى : لِيُحق الْحق وَيُبْطِلَ الْباطِلَ « الأنفال : 8 » .
وقد يقال فيمن يقول شيئاً لاحقيقة له ، نحو : وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ « الروم : 58 » . وقوله تعـالى : وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ « غافر : 78 » أي الذين يبطلون الحق .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 121 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
1 . أخذ الراغب تعريف الباطل من الخليل « 7/431 » وجعلاه أمراً عدمياً لكن تعريف ابن فارس أدق ، قال : « 1/259 » : « وهو ذهاب الشئ وقلة مكثه ولبثه . يقال بطل الشئ يبطل بطلاً وبطولاً . وسُمِّيَ الشيطان الباطل لأنه لاحقيقة لأفعاله ، وكل شئ منه فلا مرجوع له ولا معول عليه » . وقد جعل الباطل أمراً وجودياً ، والصحيح أنه أعم ، تقول : هذا باطل لا وجود له . وقــال زهيــر بن أبي سلمى : ألَا كُلُّ شئٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ فغير الله موجود لكنه زائل ، قليل مكثه .
2 . قال اللغويون إن البَطَل مشتق من الباطل لأنه يُبطل جراحه ولا يكترث بها ، أو لأنه يعرض نفسه للتلف والبطلان ، أو لأنه يُبطل دم غيره . وربما كانت تسميته لأنه يريد أن يُبطل دَمَ غيره . وقد يكون البطل والبطولة أصلاً مستقلاً ، غير البطالة .
3 . استعمل القرآن مفردات بَطَلَ في أكثر من ثلاثين آية ، ولم يستعملها بمعنى الرجل البطل . وأبرز المعاني التي استعملها فيها : أن ما يدعوه الناس من دون الله ، من آلهة ، أو شركاء ، أو زعماء ، باطلٌ ليس لها وجـود حقيقي : ذَلِكَ بِأن اللهَ هُوَالْحق وَأن مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأن اللهَ هُوَالْعَلِي الْكَبِيرُ . وأن ما يعادي الإسلام باطل : قُلْ جَـاءَ الْحق وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ .
وأن خلق الله تعالى حق ليس فيه باطل ، لا في تكوينه ولا في هدفه : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا . والقرآن حق كلـه : لا يَأْتِيهِ الْبَـاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ .
ومن يكفر بنعم الله تعالى يؤمن بالباطل : أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ .
والباطل ضعيفٌ مهما بدا قوياً : وَقُلْ جَاءَ الْحق وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إن الْبَاطِلَ كَأن زَهُوقًا .
وأتباع الباطل مثله ضعفــاء وخاســرون : وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ .
وحذر الله تعالى من خلط الحق بالبـاطل : وَلا تَلْبِسُوا الْحق بِالْبَاطِلِ .
ونهى عن الحيل المالية لأكل المال بالباطل : وَلا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ .
وحذر من الأعمال التي تبطل العمل : لاتُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى .
وقــال في عمل السَحَرَة : قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إن اللهَ سَيُبْطِلُهُ .
وتعجب من وصف الكفار آيات الله بالباطل : وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ .
بَطَنَ - بَطين - بَطِْن - بِطْنَة - بِطَانة -
بطان - استبطن - باطن
أصل البَطْن : الجارحة ، وجمعه بُطُون ، قال تعالى : وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ « النجم : 32 » وقد بَطَنْتُهُ : أصبت بطنه .
والبَطْن : خلاف الظهر في كل شئ ، ويقال للجهة السفلى بَطْنٌ وللجهة العليا ظهر ، وبه شُبِّهَ بطن الأمر ، وبطن الوادي .
والبطن من العرب : اعتباراً بأنهم كشخص واحد ، وأن كل قبيلة منهم كعضو : بطنٌ وفخذٌ وكاهلٌ . وعلى هذا الإعتبار قال الشاعر :
النّاس جِسْمٌ وإمامُ الهُدَى
رأسٌ وأنتَ العينُ في الرأسِ
ويقال لكل غامض بطن ، ولكل ظاهر ظهر . ومنه : بُطْنَانُ القِدْرِ وظَهْرَانُها .
ويقال لما تدركه الحاسة : ظاهر ، ولما يخفى عنها : باطن .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 122 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال عز وجل : وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ « الأنعام : 120 » ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ « الأنعام : 151 » .
والبَطِين : العظيم البطن . ، والبَطِنُ : الكثير الأكل ، والمِبْطَان : الذي يكثر الأكل حتى يعظم بطنه .
والبِطْنَة : كثرة الأكل ، وقيل : البطنة تُذهب الفطنة . وقد بَطِنَ الرجل بَطَناً : إذا أَشِرَ من الشبع ومن كثرة الأكل . وقد بَطِنَ الرجل : عظم بطنه ، ومُبَطن : خميص البطن ، وبَطَنَ الإنسان : أصيب بطنه ، ومنه : رجل مَبْطُون : عليل البطن .
والبِطانَة : خلاف الظهارة ، وبَطنْتُ ثوبي بآخر : جعلته تحته . وقد بَطَنَ فلان بفلان بُطُوناً .
وتستعار البِطَانَةُ لمن تختصه بالإطلاع على باطن أمرك ، قال عـز وجل : لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ « آل عمــران : 118 » أي مختصاً بكم يستبطن أموركم ، وذلك استعارة من بطانة الثوب ، بدلالة قولهم : لبست فلاناً إذا اختصصته ، وفلان شعاري ودثاري . وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال : ما بعث الله من نبيٍّ ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان : بطانة تأمره بالخير وتحضُّه عليه ، وبطانة تأمره بالشرِّ وتحثُّه عليه .
والبِطان : حِزَامٌ يشد على البطن ، وجمعه : أَبْطِنَة وبُطُن . والأَبْطَنَان : عرقان يمرَّان على البطن . والبُطين : نجم هو بطن الحمل . والتَبَطن : دخول في باطن الأمر .
والظاهر والباطن في صفات الله تعالى لايقالان إلا مزدوجين ، كالأول والآخر ، فالظاهر قيل : إشارة إلى معرفتنا البديهية ، فإن الفطرة تقتضي في كل ما نظر إليه الإنسان أنه تعالى موجود ، كما قال : وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ « الزخرف : 84 » ولذلك قال بعض الحكماء : مثل طالب معرفته مثل من طوف في الآفاق في طلب ما هو معه .
والبَاطِن : إشارة إلى معرفته الحقيقية ، وهي التي أشار إليها أبوبكر 2 بقوله : يا من غاية معرفته القصور عن معرفته .
وقيل : ظاهر بآياته باطن بذاته ، وقيل : ظاهر بأنه محيط بالأشياء مدرك لها ، باطن من أن يحاط به ، كما قـــال عز وجل : لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ « الأنعام : 103 » .
وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام ما دل على تفسير اللفظتين حيث قال : تجلى لعباده من غير أن رأوه ، وأراهم نفسه من غير أن تجلى لهم . ومعرفة ذلك تحتاج إلى فهم ثاقب وعقل وافر .
وقوله تعالى : وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً « لقمان : 20 » قيل الظاهرة النبوة الباطنة بالعقل ، وقيل الظاهرة المحسوسات والباطنة المعقولات . وقيل الظاهرة النصرة على الأعداء بالناس ، والباطنة النصرة بالملائكة . وكل ذلك يدخل في عموم الآية .
ملاحظات
1 . أطال الراغب في تفسير الظاهر والباطن بسبب مشربه الصوفي . ولم يستوفِ استعمالاته في القرآن . وليته نقل تعريف الخليل له « 1/241 » أو ابن فارس « 1/259 » فهو أحسن من كلامه . قال الخليل : « البطن في كل شئ خلاف الظهر ، كبطن الأرض وظهرها ، و كالباطن والظاهر ، و كالبطانة والظهارة ، يعني باطن الثوب وظاهره ، قال الله عز وجل : متكئين على فرش بطائنها من إستبرق ، وبطانة الرجل : وليجته من القوم الذين يداخلهم ويداخلونه في دخلة أمرهم . . والنعمة الباطنة : التي قد خصت ، والظاهرة التي عمت ، قال الله عز وجل : وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة و باطنة » .
2 . استعمل القرآن مادة بَطَنَ أكثر من عشرين مرة ، منها : أنه سبحانه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 123 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
هو الظاهر والباطن : هُوَالأَوَلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَئٍْ عَلِيمٌ . وفسره ابن فارس بعلمه عز وجل بالظاهر والباطن . ولم يفسره بذاته أو أفعاله .
ومنها : التذكير بنعم الله تعالى على الناس وتغذيتهم من بطون الأنعام والنحل : نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا . نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ . ومنها : النعم . وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً .
ومنها : الحُجج الظاهرة والباطنة . قال الإمام الكاظم عليه السلام : « يا هشام ، إن لله على الناس حجتين : حجة ظاهرة وحجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام ، وأما الباطنة فالعقول » . « الكافي : 1/16 » .
ومنها : الفواحش الظاهرة والباطنة : وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ . وَذَرُوا ظَاهِرَ الإثْمِ وَبَاطِنَهُ .
ومنها : نعمته علينا بخلقنا في بطون أمهاتنا : يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتُكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ .
والحيوانات التي تمشي على بطونها : فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِى عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِى عَلَى رِجْلَيْنِ .
وانتقد الذين يشرعون في الأنعام من عندهم : وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا .
ووصف الذين يأكلون النار في بطونهـم : إِنَّ الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا . أُولَئِكَ مَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلا النَّارَ .
وأخبرعن نوع من أهل النار : لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ . فَإِنَّهُمْ لاكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ .
وقال عن يونس عليه السلام : فَلَوْلا أَنَّهُ كَأن مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ .
بِطْؤٌ - بُطأً - بُطْؤٌ- استبطأ - تباطأ - أبطأ
البُطْؤُ : تأخر الإنبعاث في السير ، يقال : بَطُؤَ وتَبَاطَأَ واسْتَبْطَأَ وأَبْطَأَ . فَبَطُؤَ إذا تخصص بالبطؤ ، وتَبَاطَأَ : تحرى وتكلف ذلك ، واستبطأ : طلبه ، وأَبْطَأَ : صار ذا بُطْؤٍ . ويقال : بَطأَهُ وأَبْطَأَهُ .
وقوله تعالى : وَإن مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ « النساء : 72 » أي يثبط غيره . وقيل : يكثرهو التثبط في نفسه . والمقصد من ذلك إن منكم من يتأخر ويؤخر غيره .
ملاحظات
1 . معنى استبطأه : رأى أنه تأخر ، وليس طلبه أو طلب بطأه ، كما تخيل الراغب . كما أن تمييزه بين أبطأ وبطؤ لا يصح ، قال الجوهري « 1/36 » : « ما أبطأ بك ، وما بطؤ بك ، بمعنى » . كما أن التبطيئ تثبيط الآخرين ، ويلزم منه عادة تباطؤ المثبط .
2 . وردت هذه المادة في آية واحدة : وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَـالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً . قال الإمام الصادق عليه السلام : « لو أن هذه الكلمة قالها أهل المشرق وأهل المغرب لكانوا بها خارجين من الإيمان ، ولكن قد سماهم الله مؤمنين بإقرارهم » ! « تفسير القمي : 1/30 » . فبَطَّأَ في الآية فعلٌ متعدٍّ ، بمعنى ثبَّط غيره .
بِظْر
قرئ في بعض القراءات : و الله أخرجكم من بُظُور أمّهاتكم . وذلك جمع البَظَارَة ، وهي اللحمة المتدلية من ضرع الشاة ، والهنة الناتئة من الشفة العليا ، فعبر بها عن الهن ، كما عبر عنه بالبضع .
ملاحظات
العجب من الراغب كيف قبل قراءة شاذة لم يقبلها أحد ، وجعلها عنواناً . وفي المقابل ترك عدداً من ألفاظ القرآن ، أو فاتته !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 124 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بَعْث - بعثاً - انبعث - انبعاثاً - يوم البعث
أصل البَعْث : إثارة الشئ وتوجيهه ، يقال : بَعَثْتُهُ فَانْبَعَثَ . ويختلف البعث بحسب اختلاف ما عُلِّق به ، فَبَعَثْتُ البعير : أثرته وسيَّرته ، وقوله عز وجل : وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ « الأنعام : 36 » أي يخرجهم ويسيرهم إلى القيامة . يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً « المجادلة : 6 » زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ « التغابن : 7 » ما خَلْقكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ « لقمان : 28 » .
فالبعث ضربان : بشريٌّ كبعث البعير ، وبعث الإنسان في حاجة . وإلهيٌّ وذلك ضربان : أحدهما : إيجاد الأعيان والأجناس والأنواع لا عن ليس ، وذلك يختص به الباري تعالى ولا يقدر عليه أحد . والثاني : إحياء الموتى ، وقد خص بذلك بعض أوليائه كعيسى عليه السلام وأمثاله ، ومنه قوله عز وجل : فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ « الروم : 56 » يعني يوم الحشر .
وقوله عز وجل : فَبَعَثَ الله غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ « المائدة : 31 » أي قيَّضه . وَلَقَـدْ بَعَثْنا فِي كل أُمَّةٍ رَسُولًا « النحل : 36 » نحو : أَرْسَلْنا رُسُلَنا « المؤمنون : 44 » . وقوله تعالى : ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً « الكهف : 12 » وذلك إثارة بلا توجيه إلى مكان .
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كل أُمَّةٍ شَهِيداً « النحل : 84 » قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ « الأنعـام : 65 » وقال عز وجل : فَأَماتَهُ الله مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ « البقرة : 259 » . وعلى هذا قوله عز وجل : وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ « الأنعام : 60 » . والنوم من جنس الموت فجعل التوفي فيهما ، والبعث منهما سواء . وقوله عز وجل : وَلكِنْ كَرِهَ الله انْبِعاثَهُمْ « التوبة : 46 » أي تَوَجَّهَهُم ومُضِيَّهُم .
ملاحظات
1 . اختار الراغب قول ابن فارس « 1/266 » : بأن أصل البعث الإثارة كبعث الناقة وإنهاضها . وأضاف الراغب الى الإنهاض التوجيه الى مكان فقال : وتوجيهه ، ثم تراجع عنه وقال في آية أهل الكهف : ذلك إثارة بلا توجيه إلى مكان . وما دام البعث قد يخلو من عنصر التوجيه ، فلا يصح إدخاله في تعريفه !
2 . ورد البعث بمعنى الإحياء في الدنيا ، في أصحاب موسى عليه السلام : فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ . ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . وقال عن عزير : فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ .
وعن أهل الكهف : ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَىُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا .
وعن بعث الناس من النـوم : وَهُوَالَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ .
وعن إحياء أنصار المهدي عليه السلام : وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْـدًا عَلَيْهِ حقا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ . فهو بعث بحضور مسلمين يحلفون بالله تعالى جهد أيمانهم : لايبعث الله في الدنيا من يموت .
3 . ورد البعث بمعنى إرسال غير الأنبياء عليهم السلام كإرسال طالوت ملكــاً لبني إسـرائيل : إِذْ قَالُوا لِنَبِىٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ . وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً . وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَىْ عَشَرَ نَقِيباً . فَبَعَثَ اللهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ . لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ . فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا . وعبر عز وجل عن عاقر ناقة ثمود بانبعث من نفسه : إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 125 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بَعْثَرَ- بعثرةً - مبعثر
قال الله تعالى : وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ « الإنفطار : 4 » أي قلب ترابها وأثير ما فيها . ومن رأى تركيب الرباعي والخماسي من ثلاثيين نحو : تهلل وبسمل ، إذا قال : لا إله إلا الله وبسم الله . يقول : إن بعثر مركب من : بعث وأثير ، وهذا لا يبعد في هذا الحرف ، فإن البعثرة تتضمن معنى بعث وأثير .
ملاحظات
يصعب قبوب قول الراغب أن بَعْثَرَ مركبة من بعث وأثار ، لأنه لا دليل عليه والتركيب خلاف الأصل ، ولأن بعثر لا تتضمن معنى الإثارة مباشرة بل قد يلزمها الإثارة ، ومعناها : نقض نظم الشيئ ، تقول : بعثرت أثاث البيت ، وليس فيه إثارة . وقد تكون البعثرة بقلب الشئ على بعضه ، تقول بعثر الحوض أي خربه ، وفيه نوع إثارة . قال الجوهري في الصحاح « 2/586 » : « بعثره ، إذا فرقه وقلب بعضه على بعض » . ونحوه ابن منظور « 4/72 » فالبعثرة أمر نسبي وليس فيها إثارة دائماً . وسميت سورة براءة : الفاضحة والمبعثرة والبعثرة « تفسير القرطبي : 8 /61 » لأنها فضحت المنافقين وبعثرت أحوالهم .
واستعملت البعثرة في آيتين بصيغة الماضي المبني للمجهول : وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ . أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ . فنسب البعثرة الى القبر تارة والى ما فيه أخرى ، والمقصود نقض نظم القبور وإحياء ما فيها . والإثارة في البعثرة أحياناً من لوازمها وليست من حاق معناها .
بَعُدَ - بعداً - بعيداً - بَعْْدُ
البُعْد : ضد القرب ، وليس لهما حد محدود ، وإنما ذلك بحسب اعتبار المكان بغيره . يقال ذلك في المحسوس وهو الأكثر ، وفي المعقول نحو قولـه تعالى : ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً « النساء : 167 » وقوله عز وجل : أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ « فصلت : 44 » يقال بَعُدَ إذا تباعد ، وهو بعيد . وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ « هود : 83 » .
وبَعِدَ : مات . والبُعْد أكثر ما يقال في الهلاك ، نحو : بَعِدَتْ ثَمُودُ « هود : 95 » . وقد قال النابغة :
[فضـــلاً عـــلى النـاس]
فــي الأدنـــى وفي البَعَــدِ
والبُعْدُ : يقال فيه وفي ضد القرب ، قال تعالى : فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ « المؤمنون : 41 » فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ « المؤمنون : 44 » .
وقوله تعالى : بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ « سبأ : 8 » أي الضلال الذي يصعب الرجوع منه إلى الهدى ، تشبيهاً بمن ضل عن محجة الطريق بعداً متناهياً ، فلا يكاد يرجى له العود إليها .
وقوله عز وجل : وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ « هود : 89 » أي تقاربونهم في الضلال ، فلا يبعد أن يأتيكم ما أتاهم من العذاب . بَعْدُ : يقال في مقابلة قبلُ . ونستوفي أنواعه في باب قبلُ إن شاء الله تعالى .
ملاحظات
ورد البُعد في القرآن للبعد المكاني : فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ . والزماني : وَإِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ . والمشترك بينهمـــا : يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيداً . وبمعنى المحال : يَرَوْنَهُ بَعِيداً . لمن لا يؤمنون به .
والأمد : في الأصل ظرف زمان ، لكنه هنا يشمل المكان بقرينة مُحْضَراً . « الفروق اللغوية/71 » .
واستعمل البعد لما هو بعيد التحقق : أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ .
وللدعاء بالهلاك : أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ . وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ . أَلا بُعْدًا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 126 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لِثَمُودَ . فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ .
واستعمل الضلال البعيد للطغيان : مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَأن فِي ضَلالٍ بَعِيد .
وللتحاكم الى الطاغوت : يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً .
وللشرك : وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا .
ولبعض أنواع الكفـر : وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيـدًا . إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيدًا . . يَدْعُواْ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَالضَّلالُ الْبَعِيدُ . بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ . أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ .
ووصف به الشِّقَاق وهو الخلاف الحاد : وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ . وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ .
ويظهر بما ذكرناه ما اشتبه فيه الراغب ، ولا نطيل بتفصيله . وسترى شطحه فيما وعد به من استيفاء قَبْل الذي يقابل بعد ، أنه أرجع أكثر مواده الى قُبُل المرأة !
بَعَرَ - بعراً - بعير - مِبْعَر - مِبْعار
قال تعالى : وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ « يوسف : 72 »
البَعِير : معروف ، ويقع على الذكر والأنثى كالإنسان في وقوعه عليهما ، وجمعه أَبْعِرَة وأَبَاعِر وبُعْرَان .
والبَعْرُ : لما يسقط منه . والمِبْعَر : موضع البعر ، والمِبْعَار من البَعْر : الكثير البعر .
ملاحظات
1 . تقدم ذكر الإبل ، وقد ورد ذكرها في آيتين . ولم يرد في القرآن ذكر الجِمَال .
2 . قال الخليل « 2/132 » : « البَعْرُ : للإبل ولكل ذي ظلف ، إلا للبقر الأهلي » .
وتعريف الراغب له بما يسقط من البعير ، خطأ ، فإنه يشمل بوله ووبره وأسنانه ، بل ما يسقط عنه من حمله !
بَعْضٌ - بعوض
بَعْضُ الشئ : جزءٌ منه ، ويقال ذلك بمراعاة كل ، ولذلك يقابل به كل فيقال بعضه وكله ، وجمعه أَبْعَاض . قال عز وجل : بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ « البقرة : 36 » وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً « الأنعام : 129 » وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً « العنكبوت : 25 » . وقد بَعَّضْتُ كذا : جعلته أبعاضاً نحو جَزَّأته . قال أبو عبيدة : وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ « الزخرف : 63 » أي كل الذي كقول الشاعر[لبيد] :
[تَرَّاكُ أَمكِنَةٍ إذا لَمْ أَرْضها]
أو يَرْتَبِطْ بَعْضُ النُّفوسِ حِمَامُهَا
وفي قوله هذا قصور نظر منه ، وذلك أن الأشياء على أربعة أضرب : ضربٌ في بيانه مفسدة فلا يجوز لصاحب الشريعة أن يبينه ، كوقت القيامة ووقت الموت . وضربٌ معقول يمكن للناس إدراكه من غير نبي ، كمعرفة الله ومعرفته في خلق السموات والأرض ، فلا يلزم صاحب الشرع أن يُبينه ، ألا ترى أنه كيف أحال معرفته على العقول في نحو قوله : قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « يونس : 101 » وبقولـه : أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا « الأعراف : 184 » وغير ذلك من الآيات . وضربٌ يجب عليه بيانه ، كأصول الشرعيات المختصة بشرعه . وضربٌ يمكن الوقوف عليه بما بينه صاحب الشرع ، كفروع الأحكام .
وإذا اختلف الناس في أمر غير الذي يختص بالمنهي بيانه ، فهو مخير بين أن يُبين وبين ألا يُبين ، حسب ما يقتضي اجتهاده وحكمته . فإذاً قوله تعالى : وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ « الزخرف : 63 » لم يرد به كل ذلك ، وهذا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 127 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ظاهـر لمن ألقى العصبية عن نفسه .
أما قول الشاعر :
أو يرتبط بعض النفوس حمامها
فإنه يعني به نفسه والمعنى : إلا أن يتداركني الموت ، لكن عَرَّضَ ولم يصرح حسب ما بُنيت عليه جِبِلَّةُ الإنسان في الإبتعاد عن ذكر موته .
قال الخليل : يقال : رأيت غرباناً تَتَبَعَّضُ ، أي يتناول بعضها بعضاً .
والبَعُوض : بُنِيَ لفظه من بعض ، وذلك لصغر جسمها بالإضافة إلى سائر الحيوانات .
ملاحظات
1 . أطال الراغب بلا موجب ، فنقل عن أبي عبيدة وهو من كبار أئمة اللغة توفي209 « الإعلام : 7/272 » أن بعض تستعمل بمعنى كل كقوله تعـالى : وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ . واستشهد ببيت لبيد المتقدم ، وهو من معلقة لبيد الطويلة « جمهرة أشعار العرب للقرشي/129 » يخاطب فيه زوجته نوار ، ومطلعها :
عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّها فَمُقَامُها
بِمنىً تَأَبّدَ غَوْلُها فَرِجَامُهَا
أَوَلَمْ تَكُنْ تَدري نَوارُ بِأَنّني
وَصَّالُ عَقْدِ حَبَائلٍ جَذَّامُهَا
تَرَّاكُ أَمكِنَةٍ إذا لَمْ أَرْضَهَا
أَو يَرْتَبِطْ بَعْضُ النُّفُوسِ حِمَامُهَا
ومعناه : ألا تعلم نوار أني أترك المكان الذي لا يرضيني ، إلا أن يربط بعض الأنفس أجلها فيمنعني من الرحيل . فاعترض الراغب على أبي عبيدة وقال إن بعض في الآية ليست بمعنى كل ، لأن النبي صلى الله عليه وآله لايجب عليه بيان الكل . وكذلك قول لبيد ، فقد قصد به أن الحمام قد يرتبط البعض ، وعنى نفسه ولم يقصد الكل . وكلام الراغب قوي لأن النبي صلى الله عليه وآله لا يجب عليه أن يبين كل ما يختلف فيه ، فقد يكون بيانه موجباً لاختلافٍ أشد . وكذلك قول لبيد فقد قصد ببعض نفسه ، ولم يقصد أن كل نفس يرتبطها أجلها وحمامها .
2 . قال الراغب : « فهو مخير بين أن يُبين وبين ألا يُبين ، حسب ما يقتضي اجتهاده وحكمته » فإن كان يقصد به الله فلا يصح نسبة الإجتهاد اليه تعالى بإجماع المسلمين ، بل عمله عن علم وحكم . وإن كان يقصد النبي صلى الله عليه وآله فلا يصح نسبة الإجتهاد اليه حسب مذهب أهل البيت عليهم السلام ، لأن الله تعالى وصفه بأنه لا ينطق عن الهوى ، وأمره أن يحكم بينهم بما أراه من الحق .
3 . زعم الراغب أن البعوضة مشتقة من بعض ، وقَوَّاه الرازي في تفسيره « 2/136 » وقال البغوي في تفسيره « 1/58 » : « سميت بعوضة لأنها كانت بعض البق » . وهو مجرد استحسان ، فيبقى البعوض أصلاً مستقلاً حتى يدل دليل على خلافه .
بَعْلٌ - بعولة - بِعَال - استبعل
البَعْلُ : هو الذكر من الزوجين ، قال الله عز وجل : وَهذا بَعْلِي شَيْخاً « هود : 72 » . وجمعه بُعُولَة ، نحو فحل وفحولة . قال تعالى : وَبُعُولَتُهُنَّ أَحق بِرَدِّهِنَّ « البقرة : 228 » . ولما تُصُوِّرَ من الرجل الإستعلاء على المرأة فجُعل سائسها والقائم عليها كما قال تعالى : الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ « النساء : 34 » سُمِّيَ باسمه كل مُسْتَعْلٍ على غيره ، فسمى العرب معبودهم الذي يتقربون به إلى الله بَعْلاً ، لاعتقادهم ذلك فيه في نحو قوله تعالى : أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ « الصافات : 125 » ويقال : أتانا بَعْلُ هذه الدابة أي المستعلي عليها . وقيل للأرض المستعلية
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 128 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
على غيرها بَعْلٌ ، ولفحل النخل بَعْلٌ تشبيهاً بالبعل من الرجال ، ولِما عظم حتى يشرب بعروقه بعلٌ لاستعلائه ، قال صلى الله عليه وآله : فيما سقي بَعْلاً ، العشر .
ولما كانت وطأة العالي على المستولى عليه مستثقلة في النفس ، قيل : أصبح فلان بَعْلًا على أهله ، أي ثقيلاً لعلوِّه عليهم .
وبُنِيَ من لفظ البعل المُبَاعَلَة والبِعَال كناية عن الجماع ، وبَعَلَ الرجل يَبْعَلُ بُعُولَةً ، واسْتَبْعَلَ فهو بَعْلٌ ومُسْتَبْعِلٌ : إذا صار بعلاً ، واستبعل النخل : عَظُم . وتُصُوِّرَ من البعل الذي هو النخل قيامه في مكانه ، فقيل : بَعِلَ فلانٌ بأمره : إذا أدهش وثبت مكانه ثبوت النخل في مقرِّه ، وذلك كقولهم : ما هو إلا شجر ، فيمن لا يبرح .
ملاحظات
1 . وردت مادة بعل في آيتين مضافاً الى الثلاث التي ذكرها الراغب : وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا . وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ .
2 . جعل الراغب « بعل » أصلاً واحداً بمعنى الإستعلاء وحاول إرجاع الفروع اليه ، مع أنه لفظ غير عربي ومعناه الرب والرئيس . قال في قاموس الكتاب المقدس/207 : « بيل : إسم أكادي لفظه بيلو وهو يقابل الإسم العبري : بعل ، وهو الإله الرئيس في بابل ، وكان يعرف أيضاً باسم مردوخ « اش46 : 1وإرميا50 : 2 و51 : 44 » وكان إله الشمس ، وإله الربيع » .
كما أخطأ الراغب ففسر : بَعِل الرجل باستعلى . وفسره في الفائق « 1/107 » : « العاجز الذي لا يهتدي لأمره » . وفي تاج العروس « 14/57 » : « دُهِشَ وفَرِقَ وبَرِمَ وعَيِىَ . والبَعِلَةُ : التي لاتُحْسِنُ لُبسَ الثِّيابِ ولا إصلاحَ شَأنِ النَّفْسِ ، وهي البَلْهاءُ » . فأي استعلاء في الجبن والعيِّ والبلَه والخبال !
كما فسر الراغب قول العرب : أتانا بَعْلُ هذه الدابة بمعنى المستعلي عليها . وفسره اللغويون بمعنى ربها وصاحبها . وفسر قولهم : أصبح بَعْلًا على أهله بالمستعلي ، وفسره اللغويون بالثقيل الكَلِّ على أهله !
3 . قال ابن فارس « 1/264 » : « بَعَلَ : أصول ثلاثة ، فالأول : الصاحب يقال للزوج بعل . وكانوا يسمون بعض الأصنام بعلاً . والأصل الثاني : جنس من الحيرة والدهش يقال : بعل الرجل إذا دُهش . والأصل الثالث : البعل من الأرض المرتفعة التي لا يصيبها المطر في السنة إلا مرة واحدة » . راجع : العين « 2/249 » .
بَغْتٌ - بغتَ - بغتةً - باغته - مباغتة
البَغْت : مفاجأة الشئ من حيث لايحتسب . قال تعالى : لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً « الأعراف : 187 » وقــال : بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً « الأنبياء : 40 » وقال : تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً « يوسف : 107 » ويقال : بَغَتَ كذا فهو بَاغِتٌ . قال الشاعر :
إذا بَغَتَتْ أشياءُ قد كان مثلُها
قديماً فلا تَعْتَدَّها بَغَتَاتِ
ملاحظات
1 . قال ابن فارس « 1/272 » : « بَغَتَ ، أصلٌ واحد لا يقاس عليه » أي لايفرع عليه إلا ما سمع . وقال ابن منظور « 2/11 » : « ويقال : لَسْتُ آمَنُ من بَغَتَاتِ العَدُوِّ أَي فَجَآتِه » .
2 . استعملت البغتة في القرآن لمجئ القيامة : بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ . وللعذاب : مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً . واستعملت لظهـــور المهـدي عليه السلام قال النبي صلى الله عليه وآله : « مثل القائم من ولدي مثل الساعة ، قال الله تعالى : يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّـاعَةِ . . لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً » . « كفاية الأثر/277 » . وفسر بها الإمام الباقر عليه السلام الآية : أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ : يعني
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 129 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قيام القائم » . « البصائر/78 » . وتستعمل كثيراً لمجئ الموت ، قال الإمام الصادق عليه السلام : « إنكم في آجال مقبوضة وأيام معدودة ، والموت يأتي بغتة » . « الكافى : 2/458 » .
ويستعمل الناس وصف المبغوت ، أي المذهول من مفاجأة المصيبة ، والدعاء عليه بأن يبغته الله ، أي يفجأه بعقوبة .
بُغْضٌ - بغضاً - بغضاء
البُغْض : نِفَارُ النفس عن الشئ الذي ترغب عنه ، وهو ضد الحُب ، فإن الحُب انجذاب النفس إلى الشئ الذي ترغب فيه . يقال : بَغُضَ الشئ بُغْضاً ، وبَغَضْتُه بَغْضَاء . قال الله عز وجل : وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ . « المائدة : 64 » وقال : إنما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ « المائدة : 91 » وقوله عليه السلام : إن الله تعالى يبغض الفاحش المتفحّش . فذكر بغضه له تنبيه على بعد فيضه وتوفيق إحسانه منه .
ملاحظات
1 . قال الخليل « 4/369 » : « البِغضة والبغضاء : شدة البغض . وقد بَغُضَ بُغاضةً فهو بغيض ، وبغض إليَّ بِغضةً وبُغاضة » . وقد وردت البغضاء في بطانة السوء : وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ .
والبغضاء بين اليهود : وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وبين النصارى : أَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وبغضاء الخمر والميسر : أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ .
وبغضاء إبراهيم ومن معه لكفار قومهم : إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ .
2 . الفرق بين البغض والمقت والشنآن ، أن البغض : نفرة من الشئ ، والمقت : بغض للشخص بسبب أمر قبيح ، والشنآن : بغض مع شناءة أي حساسية وطلب عيبه .
قال الخليل « 5/132 » : « المقت بغض عن أمر قبيح ركبه ، فهو مقيت » .
وقال ابن منظور « 2/90 » : « المَقْتُ بُغْضٌ عن أَمر قبيح رَكِبَه فهو مَقِيتٌ . . قوله تعالى : ولا تَنْكِحُوا ما نَكح آباؤُكم من النساء إِلَّا ما قد سَلَف إِنه كان فاحشةً ومَقْتاً وساءَ سبيلَّا . . . وقال قتادة في قوله : لمَقْتُ الله أَكْبر من مَقْتِكم أَنْفُسَكم؛ قال : يقول لمَقْتُ الله إِياكم حين دُعِيتُم إِلى الإِيمان فلم تؤْمنوا ، أَكبرُ من مَقْتكْم أَنفسَكم حين رأَيتم العذاب » .
وقال ابن منظور « 12/92 » : « وقوله عز وجل : ولا يَجْرِمَنَّكم شنَآنُ قوم : ولا يَحْمِلَنَّكم بُغْضُ قوم أن تَعْتَدُوا »
وقال أبو هلال/352 : « الشنآن . . طلب العيب على فعل الغير لما سبق من عداوته » .
بَغْل - تبغَّلَ
قال الله تعالى : وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ « النحل : 8 » والبَغْل : المتولد من بين الحمار والفرس .
وتَبَغَّلَ البعير : تشبه به في سعة مشيه ، وتُصُوِّرَ منه عرامته وخبثه ، فقيل في صفة النذل : هو بغل .
ملاحظات
قال ابن فارس « 1/271 » : « والذي نذهب إليه أن التبغيل مشتق من سير البغل » . وفي أساس البلاغة/56 : « فلانة أعقر من بغلة » .
وفي الخرائج « 1/243 » أن ابن عباس قال لعائشة لما ركبت على بغل لتمنع دفن الإمام الحسن عليه السلام عند
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 130 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جده صلى الله عليه وآله : « يوماً تجملت ، ويوماً تَبَغَّلْت ، وإن عشت تَفَيَّلْتِ » .
بَغْيٌ - بغياً - ابتغى - ابتغاء - أبغاهُ - بغت - ينبغي
البَغْي : طلب تجاوز الإقتصاد فيما يتحرَّى ، تجاوزه أم لم يتجاوزه . فتارةً يعتبر في القدر الذي هو الكمية ، وتارة يعتبر في الوصف الذي هو الكيفية ، يقال : بَغَيْتُ الشئ إذا طلبت أكثر ما يجب ، وابْتَغَيْتُ كذلك .
قال الله عز وجل : لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ « التوبة : 48 « وقال تعالى : يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ « التوبة : 47 » .
والبَغْيُ على ضربين : أحدهما محمود ، وهو تجاوز العدل إلى الإحسان ، والفرض إلى التطوع .
والثاني مذموم ، وهو تجاوز الحق إلى الباطل ، أو تجاوزه إلى الشَّبه ، كما قال عليه الصلاة والسلام : الحق بَيِّنٌ والباطل بَيِّنٌ ، وبين ذلك أمور مشتبهات ، ومن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه .
ولأن البغي قد يكون محموداً ومذموماً ، قال تعالى : إنمَا السَّبِيـلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحق « الشوري : 42 » فخصَّ العقوبة ببغيه بغير الحق .
وأَبْغَيْتُك : أعنتك على طلبه ، وبَغَى الجرح : تجاوز الحد في فساده . وبَغَتِ المرأة بِغَاءً : إذا فجرت ، وذلك لتجاوزها إلى ما ليس لها . قال عز وجل : وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً « النور : 33 » .
وبَغَتِ السماء : تجاوزت في المطر حد المحتاج إليه . وبَغَى : تكبَّر ، وذلك لتجاوزه منزلته إلى ما ليس له ، ويستعمل ذلك في أي أمر كـان . قـــال تعــالى : يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحق « الشوري : 42 » وقال تعالى : إنما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ « يونس : 23 » ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ الله « الحج : 60 » إن قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ « القصص : 76 » وقـــال : فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي « الحجرات : 9 » . فالبغي في أكثر المواضع مذموم .
وقولـه : غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ « البقرة : 173 » أي غير طالب ما ليس له طلبه ولا متجاوز لما رسم له . قال الحسن : غير متناول للذة ولا متجاوز سد الجوعة . وقال مجاهد : غير باغ على إمام ، ولا عاد في المعصية طريق الحق .
وأما الإبتغاء : فقد خُصَّ بالإجتهاد في الطلب فمتى كان الطلب لشئ محمود فالإبتغاء فيه محمود نحو : ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ « الإسراء : 28 » وابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى « الليل : 20 » .
وقولهم : يَنْبغي مطاوع بغى ، فإذا قيل : ينبغي أن يكون كذا فيقال على وجهين : أحدهما ما يكون مسخراً للفعل نحو : النار ينبغي أن تحرق الثوب . والثاني : على معنى الإستئهال نحو : فلان ينبغي أن يعطى لكرمه . وقوله تعالى : وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ « يس : 69 » على الأول ، فإن معناه لا يتسخر ولا يستأهل له ، ألا ترى إن لسانه لم يكن يجري به . وقوله تعالى : وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي . « صاد : 35 » .
ملاحظات
1 . جعل الراغب بَغَى كلها بمعنى التجاوز ، ثم جعل منها بغياً محموداً ! ثم أرجع إليها بعض فروعها وعجز عن الباقي ! وأجاد ابن فارس بقوله « 1/271 » : « بغى : أصلان : أحدهما طلب الشئ ، والثاني جنسٌ من الفساد . فمن الأول : بغيت الشئ أبغيه إذا طلبته . وأبغيتك الشئ إذا أعنتك على طلبه . والبُغْيَة والبَغْيَة : الحاجة . والأصل الثاني : قولهم بغى الجرح ، إذا ترامى إلى فساد ، ثم يشتق من هذا ما بعده . فالبغِيُّ : الفاجرة ، تقول : بغت تبغي بِغَاءً وهي بغي . ومنه أن يبغي الإنسان على آخر . ومنه بَغْيُ المطر وهو شدته ومعظمه . وإذا كان ذا بغي فلا بد أن يقع
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 131 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
منه فساد . والبغي الظلم » .
وقال الخليل : « 4/453 » : « بغى بغاء ، أي فجر . والبَغْيَة : نقيض الرَّشْدَة في الولد ، يقال : هو ابن بَغْيَة . والبُغْيَة : مصدر الإبتغاء » .
2 . أما ما فهمه الراغب من وجود بغي بحق لقوله تعالى : وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحق . فهو بغيٌ مجازاً مثل الإعتداء المجازي في قوله تعالى : فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ . وقد يكون كلاماً لامفهوم له مثل قوله تعالى : وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَق . لأنه لايوجد قتل نبيين بحق !
3 . استعمل القرآن بغى ومشتقاتها بشكل واسع بمعنى طلب وتحرى ، وليس فيها مذمة ، إلا إذا تعدت بحرف على وشبهه فصارت بغى عليهم فتصير بمعنى اعتدى وظلم . فبغى فعل مشترك بين الطلب والعدوان ، أما ابتغى فهو متمحض بالطلب ولا يتضمن العدوان .
4 . ابتكر القرآن فعلاً للبغي عن حسد ، واستعمله لبغي الصحابة والناس بعد الأنبياء خاصة ، فقال تعالى : كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ .
وقال : وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ .
وقال : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الآسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ .
وقال : وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ . فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ .
وقال : أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا .
ولم أجد تعبير بغياً بينهم قبل الإسلام ، وهو يشير الى تعدد أطرافه والى أن سببه التحاسد .
5 . ورد البغي في القرآن بمعنى الطلب ، وبمعنى الظلم . ومن أبرز استعمالاته :
التشديد في تحريم البغي : قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحق .
والبغي يعود على أصحابه : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ .
ومنه بغيُ الأثريــاء : إِنَّ قَارُونَ كَأن مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ .
ومنه بغيُ الناس : وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ .
وبغي الصحابة بعد كل رسول : تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ . . وَلَوْ شَـــاءَ اللهُ مَا اقْتَتَــلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ .
وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ .
وَمَا تَفَرَّقُـوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ .
وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ .
وبغي الحسد لرسول الله صلى الله عليه وآله : بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَــهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِــهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ .
وقد تعهد الله بنصر أهل البيت عليهم السلام لأنهم بُغِيَ عليهم : وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْىُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ . .
وهي مفسرة بالمهدي عليه السلام وكذا آية : ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 132 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِىَ عَلَيهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ .
وقال تعالى في وجوب مساعدة المبغي عليهم : وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُـوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الآخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِى حَتَّى تَفِئَ إِلَى أَمْرِ اللهِ .
وبَيَّنَ أن سد أبواب الحلال يدفع الى البغي : وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا .
واستعمل الإبتغاء : بمعنى الهدف من العمل ، وقد يكون ممدوحاً : و إما تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورًا . وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَ اللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ . وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ . وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ . وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا . وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلا ابْتِغَـاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى . وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ الله . وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ . إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي .
وقد يكون الإبتغاء مذموماً : فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأوِيلِهِ .
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ .
بَقَرَ - بَقْراً - باقر - بَيْقَر - بَقِّيرَى
البَقَر : واحدته بَقَرَة . قال الله تعالى : إن الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا « البقرة : 70 » وقال : بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ « البقرة : 68 » بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها « البقرة : 69 » .
ويقال في جمعه : بَاقِر كحامل . وبَقِير كحكيم . وقيل : بَيْقُور ، وقيل للذكر : ثور ، وذلك نحو : جمل وناقة ، ورجل وامرأة . واشتق من لفظه لفظٌ لفعله فقيل : بَقَرَ الأرض أي شق ، ولما كان شقه واسعاً استعمل في كل شق واسع . يقال : بَقَرْتُ بطنه إذا شققته شقاً واسعاً .
وسمي محمد بن علي رضي الله عنه بَاقِراً لتوسعه في دقائق العلوم وبَقْرِه بواطنها .
وبَيْقَرَ الرجل في المال وفي غيره : اتسع فيه ، وبَيْقَرَ في سفره ، إذا شقّ أرضاً إلى أرض متوسعاً في سيره ، قال الشاعر :
ألا هل أتاها والحوادثُ جَمَّةٌ
بأنَّ امرئِ القيسِ بنِ تَمْلِكَ بَيْقَرَا
وبَقَّرَ الصبيان : إذا لعبوا البقِّيرى ، وذلك إذا بقَّروا حولهم حفائر . والبَيْقَرَان : نبت ، قيل إنه يشق الأرض لخروجه ويشقه بعروقه .
ملاحظات
1 . جعل الراغب أصل هذه المادة البقرة ، وتكلف في افتراض مناسبات لاشتقاق فروعها منها ! والصحيح ما ذهب اليه عدد من اللغويين من أن أصلها بَقَرَ بمعنى شَقَّ ، وهي تناسب اشتقاق فروعها منها . وقد أصاب ابن فارس حيث جعله أصلين : البقر بمعنى الشق ، والتبقر بمعنى التوسع ، قال « 1/277 » : « وربما جمع ناس بينهما وزعموا أنه أصل واحد . ومن جمع بينهما ذهب إلى أن البَقَر سميت لأنها تبقر الأرض ، وليس بشئ » . وقال الجوهري « 2/594 » : « التبقر : التوسع في العلم والمال . وكان يقال لمحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام الباقر ، لتبقره في العلم » .
وقال الزبيدي « 6/105 » : « وفي اللسان : لأنه بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه . قلت : وقد ورد في بعض الآثار عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وآله قال له : يوشك أن تبقى حتى تلقى ولداً لي من الحسين يقال له محمد ، يبقر العلم بقراً ، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 133 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خرَّجه أئمة النسب » .
2 . ذُكر البَقَر في القرآن بضع مرات ، أهمها بقرة بني إسرائيل التي سميت بها أطول سورة في القرآن ، وهي مثلٌ لمجادلة البشـر في الأمر الإلهي : وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَامُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُـوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً . . الآيات .
وذكر البقرات السبع في منام فرعـون : وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَاكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ . . الى آخر الآيات .
بَقَلَ - بقْل - بقلاً - أبقلَ - مَبْقَل - مَبقلة
قوله تعالى : بَقْلِها وَقِثَّائِها « البقرة : 61 » : البَقْلُ : ما لا ينبت أصله وفرعه في الشتاء . وقد اشتق من لفظه لفظُ الفعل فقيل : بَقَل ، أي نبت ، وبَقَل وجه الصبي تشبيهاً به ، وكذا بَقَلَ ناب البعير ، قاله ابن السكِّيت . وأَبْقَلَ المكان : صار ذا بقل فهو مُبْقِلٌ ، وبَقَلْتُ البقل جززته ، والمَبْقَلَة موضعه .
ملاحظات
1 . ورد البقل في آية واحدة : فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا . 2 . لايصح تعريف الراغب للبقل ، وقد ذكر علماء النبات أن العائلة البقولية من أكبر العائلات النباتية ، فهي تضم نحو690جنساً وحوالي 1800 نوعاً . وعَرَّفَ الخليل البقل « 5/170 » بأنه : « ما ليس بشجر دَقَّ ولا جَلَّ . وفرق ما بين البقل ودق الشجر أن البقل إذا رعي لم يبق له ساق ، والشجر تبقى له سوق وإن دقت . وابتقل القوم إذا رعوا البقل . وأبقلت الأرض فهي مبقلة ، أي أنبتت البقل . ويقال للأمرد إذا خرج وجهه : قد بقل وجهه . وباقل : إسم رجل يوصف بالعَيِّ » .
وتمييزه للبقل عن الشجر بأنه إذا رعي لم يبق منه شئ ، لا يصح ، فقد يبقى شئ من البقل بعد الرعي . ومن جهة أخرى فقد سمى الله تعالى اليقطين شجراً فقال : وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ، مع أنه في ظاهره بقل .
بَقِيَ - بقاءً - باقٍ - باقية
البَقَاء : ثبات الشئ على حاله الأولى وهو يضاد الفناء ، وقد بَقِيَ بَقَاءً . وقيل بَقَى في الماضي موضع بَقِيَ ، وفي الحديث : بَقَيْنَا رسول الله ، أي انتظرناه وترصدنا له مدة كثيرة .
والباقي ضربان : باقٍ بنفسه لا إلى مدة وهو الباري تعالى ، ولا يصح عليه الفناء .
وباقٍ بغيره وهو ما عداه ، ويصح عليه الفناء .
والباقي بالله ضربان : باق بشخصه إلى أن يشاء الله أن يفنيه ، كبقاء الأجرام السماوية . وباق بنوعه وجنسه دون شخصه وجزئه كالإنسان والحيوان . وكذا في الآخرة ، باق بشخصه كأهل الجنة ، فإنهم يبقون على التأبيد لا إلى مدة كما قال عز وجل : خالِدِينَ فِيها « البقرة : 162 » . والآخر : بنوعه وجنسه كما روي عن النبي : إن ثمار أهل الجنة يقطفها أهلها ويأكلونها ثم تخلف مكانها مثلها .
ولكون ما في الآخرة دائماً قال الله عز وجل : وَما عِنْدَ الله خَيْرٌ وَأَبْقى « القصص : 60 » .
وقولـه تعالى : وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ « الكهف : 46 » أي ما يبقى ثوابه للإنسان من الأعمال ، وقد فُسِّربأنها الصلوات الخمس ، وقيل : سبحان الله والحمد لله ، والصحيح أنها كل عبادة يقصد بها وجه الله تعالى ، وعلى هذا قوله : بَقِيَّتُ الله خَيْرٌ لَكُمْ « هود : 86 » وأضافهــا إلى الله تعالى تعظيماً له نحو : بيت الله . وقيل : أشار إلى ثوابه وما أعد لصالحي عباده مما لا يلحقه الفناء ، وهو المشار إليه بقوله تعالى : وَإن الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ « العنكبوت : 64 » .
وقوله تعالى : فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ « الحاقة : 8 » أي جماعةٍ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 134 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
باقية أو فَعْلَةٍ لهم باقية . وقيل معناه بقية ، قال : وقد جاء من المصادر ما هو على فاعل ، وما هو على بناء مفعول . والأول أصح .
ملاحظات
1 . قال شيخنا المرجع الصافي مد ظله : سقط من عبارة الراغب هنا : تعظيماً له . . الخ . وأضيفت الى عبارته في تسمية والدي البكر ، وليس محلها هناك ، بل هنا . لذلك وضعناها بين معقوفين .
2 . قال الخليل « 5/230 » : « بقي الشئ يبقى بقاءً وهو ضد الفناء ، يقال : ما بقيت منه بقية . وبَقَا يَبْقَى : لغة طئ ، وكل ياء مكسورة في الفعل يجعلونها ألفاً . واستبقيت فلاناً ، إذا أوجبت عليه قتلاً وعفوت عنه . في معنى عفوت عن زللـه واستبقيت مودته » . وقال ابن فارس « 1/276 » : « يقول العرب نشدتك الله والبُقْيَا ، وربما قالوا البَقْوَى . قال ابن السكيت : بَقَّيْتُ فلاناً أبقِّيه إذا رعيته وانتظرته . ومن ذلك حديث معاذ : بَقَّيْنَا رسول الله صلى الله عليه وآله يريد انتظرناه » .
3 . ما ذكره الراغب عن أنواع البقاء وبقاء الله تعالى والبقاء بالله ، خارج عن مفردات القرآن . وقد ورد البقاء في القرآن لبقاء المخلوقات من الأشخاص والأفعال والأشياء ، وليس فيها عن بقاء الله تعالى ، إلا قول السحرة الآتي على تفسير له .
وقد ورد لبقاء عطاء الله : مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ . وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى . وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى . ولبيان شدة عذاب الآخرة : وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى .
ولبقاء كلمة التوحيد في الأئمة من ذرية إبراهيم عليه السلام : وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ .
وللأعمال الباقية : وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً .
ولما بقي من الربا : وَذَرُوا مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .
ولقوم عاد : فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ . وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأولى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى . والباقية غير البقية ، لأن عاداً بقيت منهم بقية ، وروي عن علي عليه السلام أن جرهم بقايا عاد ، وثقيفاً بقايا ثمود .
كما استعملت البقية لمواريث موسى وهارون : وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ .
ولأصحاب العقل : أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ .
أما قول السحرة : وَ اللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى . فالظاهـر أن المقصود به كقوله تعالى : وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى .
وكذا قوله تعالى : كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالآكْرَامِ . فالمقصود بوجهه ليس ذاته عز وجل بل حججه وأولياؤه . وهم النبي وآله صلى الله عليه وآله فهم المستثنون من الهلاك بدليل قوله تعالى : كُلُّ شَئٍْ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ . لأنه لايصح جعل معناها إن ذات الله تعالى تهلك إلا وجهه ، كما زعم الوهابية !
4 . استعمل نبي الله شعيب عليه السلام تعبير بقية الله ، لما بقي مـن ربـح حلال : بَقِيّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُـمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . وهي قاعـدة عامة تعني : أن كل ما أبقاه الله تعالى للإنسان بعد ذهاب غيره خيرٌ له . وعُبِّرَ بها عمن بقي من الأئمة بعد ذهاب الماضين منهم عليهم السلام ، فقال الإمام الكاظم عن ولده الإمام الرضا عليهما السلام عندما وُلد : « هنيئاً لك يا نجمةُ كرامة ربك . . خذيه فإنه بقيةُ الله تعالى في أرضه » . « عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1/30 » .
كما سُمِّيَ بها الإمام المهدي عليه السلام لأنه آخر من أبقاه الله من الأئمة والحجج عليهم السلام ، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع عنده ثلاث مائة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 135 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وثلاثة عشر رجلاً ، وأول ما ينطق به هذه الآية : بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، ثم يقول : أنا بقية الله وحجته وخليفته عليكم . فلا يسلم عليه مسلم إلا قال : السلام عليك يا بقية الله في أرضه » .
بَكَّ - بكَّهُ - تَبَاكٌّوا
بَكَّةُ : هي مكة عن مجاهد ، وجعله نحو : سَبَدَ رأسَهُ وسَمَدَهُ ، وضَرْبَةُ لازبٍ ولازم ، في كون الباء بدلاً من الميم . قال عز وجل : إن أول بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً « آل عمران : 96 » . وقيل : بطن مكة .
وقيل هي إسم المسجد . وقيل هي البيت . وقيل : هي حيث الطواف .
وسُمِّيَ بذلك من التَّبَاكّ أي الإزدحام ، لأن الناس يزدحمون فيه للطواف . وقيل : سميت مكّة بَكَّة لأنها تبكُّ أعناق الجبابرة إذا ألحدوا فيها بظلم .
ملاحظات
قال أكثر اللغويين إن بَكَّة مرادفة لمكة ، وقال بعضهم : بكة موضع البيت ، ومكة البلد . واتفقوا على أن سبب تسميتها ببكة أن الناس يزدحمون فيها فيدفع بعضهم بعضاً . قال ابن فارس « 1/186 » : « بكة : أصل يجمع التزاحم والمغالبة . قال ابن الإعرابي : تباكَّت الإبل ، إذا ازدحمت على الماء فشربت » .
وسأل معاوية بن عمار الصادق عليه السلام : « أقوم أصلي بمكة والمرأة بين يديَّ جالسة أو مارة؟ فقال : لا بأس إنما سميت بكة . لأن الناس يبكُّ بعضهم بعضاً بالأيدي . وكانت تسمى بكة لأنها تَبُكُّ أعناق الباغين إذا بغوا فيها ، وتسمى بَسَّاسَة كانوا إذا ظلموا فيها بَسَّتْهم ، وأهلكتهم » . « الكافي : 4/211و526 » .
ويشير قوله عليه السلام الأخير الى أن عقوبة الباغين فيها كانت في الماضي فورية لا تأخير فيها .
بَكَرَ - بُكرةً - بكوراً - بِكْر - بَكَرَة
أصل الكلمة : هي البُكْرَة التي هي أول النهار فاشتق من لفظه لفظ الفعل ، فقيل : بَكَرَ فلان بُكُوراً ، إذا خرج بُكْرَةً .
والبَكُور : المبالغ في البكرة . وبَكَّر في حاجته وابْتَكَر وبَاكَرَ مُبَاكَرَةً . وتُصُوِّر منها معنى التعجيل لتقدمها على سائر أوقات النهار ، فقيل لكل متعجل في أمر : بِكْر ، قال الشاعر :
بَكَرَتْ تَلُومُك بعدَ وَهْنٍ في النَّدى
بَسَلٌ عليك ملامتي وعتابي
وسمي أول الولد بِكْراً ، وكذلك أبواه في ولادته إياه [تعظيماً له ، نحو : بيت الله . وقيل : أشار إلى ثوابه وما أعد لصالحي عباده مما لا يلحقه الفناء ، وهو المشار إليه بقوله تعـالى : وَإن الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ] « العنكبوت : 64 »
قال الشاعر :
يا بِكرُ بِكريْنِ وَيَا خُلَّبَ الكَبدِ
فبِكر في قوله تعالى : لاَ فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ « البقرة : 68 » هي التي لم تلد . وسميت التي لم تفتض بكراً اعتباراً بالثيب ، لتقدمها عليها فيما يراد له النساء ، وجمع البِكر أبكار ، قال تعالى : إنا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً « الواقعة : 35 » . والبَكَرَة : المحالة الصغيرة لتصوُّرِ السرعة فيها .
ملاحظات
1 . معنى البيت الذي استشهد به : إن فلانة بكَّرت عليك في اللوم على نداك وكرمك ، وأنت الكريم ، فحرام عليَّ أن ألومك .
2 . قول الراغب : وكذلك أبواه في ولادته إياه تعظيماً له . أن الوالدين يسميان بِكرَيْن أيضاً تعظيماً لابنهم كما عُظِّمَ البيت فسمي بيت الله . وتقدم قول شيخنا المرجع الصافي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 136 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مد ظله : إن قوله تعظيماً . . الخ . زائد هنا ، وقد سقط من مادة بقي . ويدل عليه أن عبارته هناك تتم به . ولذا جعلناه في المكانين .
3 . جعل الراغب هذه المادة من أصل واحد هو البُكْرة أول النهار ، ولايمكن إرجاع فروعها اليها ، فكيف نربط بها بَكَرَة البئر بالإبن البكر ، والبنت الباكر ! وقد حاول ابن فارس « 1/187 » توسيع البُكْرَة عن النهار لتشمل فروع المادة فلم يحالفه التوفيق .
بُكْمٌ - أبكم- بَكِم
قال عز وجل : صُمٌّ بُكْمٌ « البقرة : 18 » جمع أَبْكَم ، وهو الذي يولد أخرس ، فكل أبكم أخرس وليس كل أخرس أبكم ، قال تعالى : وَضَرَبَ الله مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَئ « النحل : 76 » ويقال : بَكِمَ عن الكلام : إذا ضعف عنه لضعف عقله ، فصار كالأبكم .
ملاحظات
استعمل القرآن مادة بكم ، في ست آيات : للمنافقين الذين اشتـــروا الضلالة بالهدى : إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ . صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ .
وللكافرين الذين لايسمعون كلام النبي صلى الله عليه وآله ولايريدون فهمه : مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُـمْ لا يَعْقِلُونَ . وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ .
ولنوع من الكفار أنكروا الآخرة : وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا .
ولمقارنة المؤمن المهتـدي بالأبكم العاجز : وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَئٍْ وَهُوَكَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِى هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ .
كما استعمل القرآن البكم مع الصم ، واستعملهما مفرديْن .
بَكَى - بكاء - باكون - بُكِيٌّ
بَكَى يَبْكِي بُكىً وبُكَاءً ، فالبكاء بالمد : سَيَلان الدمع عن حزن وعويل ، يقال إذا كان الصوت أغلب كالرُّغاء والثُّغاء ، وسائر هذه الأبنية الموضوعة للصوت . وبالقصر يقال إذا كان الحزن أغلب . وجمع البَاكِي بَاكُون وبُكِيٌّ ، قال الله تعالى : خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا « مريم : 58 » . وأصل بُكِيٍّ فُعُولٌ كقولهم : ساجد وسجود ، وراكع وركوع ، وقاعد وقعود ، لكن قلب الواو ياء فأدغم نحو : جاثٍ وجثيٌّ وعاتٍ وعتيٌّ .
وبكى : يقال في الحزن وإسالة الدمع معاً ، ويقال في كل واحد منهما منفرداً عن الآخر ، وقوله عز وجل : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً « التوبة : 82 » إشارة إلى الفرح والترح ، وإن لم تكن مع الضحك قهقهة ، ولامع البكاء إسالة دمع . وكذلك قوله تعالى : فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ « الدخان : 29 » .
وقد قيل : إن ذلك على الحقيقة ، وذلك قول من يجعل لهما حياة وعلماً ، وقيل : ذلك على المجاز ، وتقديره : فما بكت عليهم أهل السماء .
ملاحظات
1 . معنى قول الراغب : وبالقصر يقال إذا كان الحزن أغلب : أن البكاء بالألف الممدود يقال للبكاء الذي يغلب فيه الصوت ، لأنه من نوع أسماء الأصوات كالثغاء والرغاء . فإن لم يغلب فيه الصوت فهو بكا بدون همزة . لكنه تقسيم لايلتزم به العرب فتراهم يسمون البكاء الذي لا صوت فيه : بكاء ، بالمد . وقد أخذه الراغب من قول ابن فارس « 1/285 » : « قال النحويون : من قَصَرَهُ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 137 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أجراه مجرى الأدواء والأمراض ، ومن مَدَّه أجراه مجرى الأصوات كالثغاء والرغاء والدعاء » .
2 . ورد البكاء في سبع آيات ، ومواضيعها : أن الله خص الإنسان بالقدرة على الضحك والبكاء : وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى . وأن المؤمنين يبكون خشـوعاً : إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا .
وأن الفجار يضحكون : أَفَمِنْ هَذَا الحدِيثِ تَعْجَبُونَ . وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ .
وأن المنافقين سيبكون كثيراً : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَأنوا يَكْسِبُونَ .
وأن الأرض والسماء لا تبكيان على المجرمين : فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَأنوا مُنْظَرِينَ .
وفي بكاء إخوة يوسف كذباً : وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ .
بَلْ
بَلْ : كلمةٌ للتدارك ، وهو ضربان : ضرب يناقض ما بعده ما قبله ، لكن ربما يقصد به لتصحيح الحكم الذي بعده وإبطال ما قبله ، وربما يقصد تصحيح الذي قبله وإبطال الثاني . فمما قصد به تصحيح الثاني وإبطال الأول ، قوله تعالى : إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَسـاطِيرُ الأولينَ كلا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ « المطففين : 13 » أي ليس الأمر كما قالوا بل جهلوا ، فنبَّه بقوله رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ، على جهلهم . وعلى هذا قوله في قصة إبراهيم : قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ . « الأنبياء : 62 » .
وممّا قصد به تصحيح الأول وإبطال الثاني قوله تعالى : فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وإما إِذا مَـا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ كلا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ . « الفجر : 15 » أي ليس إعطاؤهم المال من الإكرام ، ولا منعهـم من الإهانة ، لكن جهلوا ذلك لوضعهم المال في غير موضعه . وعلى ذلك قولـه تعالى : صَ . وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عزةٍ وَشِقاقٍ . فإنه دلَّ بقوله : وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [على] أن القرآن مقرٌّ للتذكر ، وأن ليس امتناع الكفار من الإصغاء إليه أن ليس موضعاً للذكر بل لتعززهم ومشاقتهم .
وعلى هذا : قَ . وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا ، أي ليس امتناعهم من الإيمان بالقرآن أن لا مجد للقرآن ، ولكن لجهلهم . ونبَّه بقوله : بَلْ عَجِبُوا ، على جهلهم ، لأن التعجب من الشئ يقتضي الجهل بسببه . وعلى هذا قوله عز وجل : مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ كلا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ . « الإنفطـار : 6 » كأنه قيل : ليس هاهنا ما يقتضي أن يغرَّهم به تعالى ، ولكن تكذيبهم هو الذي حملهم على ما ارتكبوه .
والضرب الثاني من بل : هو أن يكون مُبَيِّناً للحكم الأول وزائداً عليه بما بعد بل ، نحو قوله تعالى : بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ « الأنبياء : 5 » فإنه نبه أنهم يقولـون : أَضْغـاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ ، يزيدون على ذلك أن الذي أتى به مفترى افتراه ، بل يزيدون فيدعون أنه كذاب فإن الشاعر في القرآن عبارة عن الكاذب بالطبع .
وعلى هذا قوله تعالى : لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ . « الأنبياء : 39 » أي لو يعلمون ما هو زائد عن الأول وأعظم منه ، وهو أن تأتيهم بغتة .
وجميع ما في القرآن من لفظ بل لايخرج من أحد هذين الوجهين ، وإن دقَّ الكلام في بعضه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 138 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
1 . أخذ الراغب شيئاً من النحاة واللغويين في بل ، وحصرها في قسمين ، وتصور أنه استوعبها !
2 . قال ابن هشام « 1/112 » : « بل : حرف إضراب فإن تلاها بجملة كان معنى الإضراب إما الإبطال نحو : وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ . أي بل هم عباد ، ونحو : أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحق .
وإما الإنتقال من غرض إلى آخر . ووهم ابن مالك إذ زعم في شرح كافيته أنها لا تقع في التنزيل إلا على هذا الوجه ، ومثاله : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّ . بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . ونحو : وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحق وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ . بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ . وهي في ذلك كله حرف ابتداء ، لا عاطفة على الصحيح » .
وقال الشهيد الثاني في مسالك الأفهام « 11/19 » في حكم من قال : له عليَّ ألف بل ألفان : « إعلم أن بل حرف إضراب بما بعدها عما قبلها وعدول عنه . ثم إن تقدمها إيجاب وتلاها مفرد ، جعلت ما قبلها كالمسكوت عنه فلا يحكم عليه بشئ ، وأثبتت الحكم لما بعدها . وحيث كان الأول إقراراً صحيحاً استقر حكمه بالإضراب عنه ، وثبت ما بعده أيضاً .
ثم إن كانا مختلفين أو معينين لم يقبل إضرابه ، لأنه إنكار للاقرار الأول وهو غير مسموع .
وإن كانا مطلقين ، أو أحدهما ، لزمه واحد ، إن اتحد مقدار ما قبل بل وما بعدها ، وإن اختلفا كمية ، لزمه الأكثر . وإن تقدمها نفي فهي لتقرير ما قبلها على حكمه ، وجعل ضده لما بعدها . . الخ » .
وقال المظفر في أصول الفقه « 1/179 » : « تستعمل في وجوه ثلاثة ، الأول : للدلالة على أن المضرب عنه وقع عن غفلة أو على نحو الغلط . ولا دلالة لها حينئذ على الحصر ، وهو واضح . الثاني : للدلالة على تأكيد المضرب عنه وتقريره ، نحو زيد عالم بل شاعر .
ولا دلالة لها أيضاً حينئذ على الحصر
الثالث : للدلالة على الردع وإبطال ما ثبت أولاً ، نحو : أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ ، بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ ، فتدل على الحصـر ، فيكون لها مفهوم ، وهذه الآية الكريمة تدل على انتفاء مجيئه بغير الحق » .
ثم وجد الفقهاء أن هذه الأقسام لا تستوعب استعمالات « بل » في القرآن والعربية فقال في المغني « 2/653 » : « قولهم : بل حرف إضراب . والصواب : حرف استدراك وإضراب فإنها بعد النفي والنهى بمنزلة لكن » .
وقال الشيخ الأنصاري في مطارح الأنظار/217 : « وكلمة بل في قوله : بل المقيد ، ليست للإضراب كما زعمه بعض الأجلة ، بل هي للترقي » .
3 . ومعنى قولهم : بل حرف إضراب أو استدراك أو ترقٍّ : أنها ناظرة الى لفظ ما قبلها ، ثم تستدرك عليه أو تضيف عليه وترتقي درجة . وهذا صحيح في استعمالها في القرآن ، لكن ما قبلها الذي تنظر اليه ، ليس اللفظ بالضـرورة ، فقد يكون أمراً مفهوماً من اللفظ ، أو مفهوماً من الحال ، وقد يكون قريباً من مضمون اللفظ أو بعيداً عنه . فهي تشبه قول المؤلفين « أقول ، أوقال المؤلف » الذي هو ناظر الى ما قبله ، لكن قد يُفَرِّع عليه أو ينفي ، وقد يثبت ، وقد يترقى ، وقد يستدرك أمراً ، أو يكشف جديداً . وقد يتناول الموضوع من زاوية جديدة . . الخ .
وهي تشبه تعبير « حقاً أقول » في الخطاب الإلهي في الأديان السابقة في السريانية . فقد رويَ في الحديث القدسي قول الله تعالى لعيسى عليه السلام « الكافي : 8/132 » : « يا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 139 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عيسى حقاً أقول : ما آمنت بي خليقة إلا خشعت لي ، ولا خشعت لي إلا رجت ثوابي » . كما روي قول الله تعالى لنبينا صلى الله عليه وآله : « حقاً أقول : يا محمد لأدخلن جميع أمتك الجنة ، إلا من أبى من خلقي » . « كمال الدين/250 » .
وفي قاموس الكتاب المقدس/7 : « وردت هذه العبارة : الحق أقول لكم ، مرات كثيرة في الأناجيل وهي في الأصل : آمين أقول لكم ، أو آمين آمين أقول لكم » . وآمين بالسريانية : حقاً .
4 . استعملت بل في القرآن : لنفي ما قبلها وإثبات ما بعدها محضاً ، كقوله تعالى : أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَالْحق .
ولرد ما قبلها وإثبات جديد : وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ .
ولإثبات ما قبلها وبيانه : إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ .
ولإثبات ما قبلها وإصدار الحكم عليه : إِنَّكُمْ لَتَاتُونَ الرِّجَـالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ .
وللترقي مع إثبات ما قبلها : يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ .
وللترقي بدون إثبات ما قبلها أو نفيه : وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ .
أو لإثبات ما قبلها ثم الترقي عنه : بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ . أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ .
وقد تثبت أمراً جديداً كقوله تعالى : أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأول بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ . كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ . أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ .
أو تكون ناظرة الى قضية تتعلق بمعنى ماقبلها : أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لايُوقِنُونَ .
أو ناظرة الى قضية مفهومة من الحال كقوله تعـالى : بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ . بَلْ هُوَقُرْآنٌ مَجِيدٌ .
أو استئنافاً لا علاقة لها بما قبلها إلا بقرائن الحال : بَلْ يُرِيدُ الآنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ . يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ .
وقد لايكون فيها إضراب ولا ترقٍّ بل تكون لتعليل ما قبلها : أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ .
ولتقرير حقيقة جديدة تتعلق بنحو ما بما قبلها : وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحق وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ . بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا . الى آخر استعمالاتها ، وهي أوسع مما ذكره الراغب .
بَلَد - بَلُدَ - بُلدان - بَلْدة - بُلْدة - أبلد - أبلدُ
البَلَد : المكان المحيط المحدود المتأثر باجتماع قطانه وإقامتهم فيه ، وجمعه : بِلَاد وبُلْدَان ، قال عز وجل : لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ « البلد : 1 » قيل يعني به مكة .
قال تعـالى : بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ « سبأ : 15 » فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً « الزخرف : 11 » وقال عـز وجل : فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ ميتٍ « الأعراف : 57 » رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً « البقرة : 126 » يعني مكة .
وتخصيص ذلك في أحد الموضعين وتنكيره في الموضع الآخر ، له موضع غير هذا الكتاب .
وسميت المفازة بلداً لكونها موطن الوحشيات . والمقبرة بلداً ، لكونها موطناً للأموات . والبَلْدَة : منزل من منازل القمر . والبُلْدَة : البلجة ما بين الحاجبين تشبيهاً بالبلد لتمددها . وسميت الكركرة بلدة لذلك . وربما استعير ذلك لصدر الإنسان ، ولاعتبار الأثر قيل : بجلده بَلَدٌ ، أي أثر ، وجمعه أَبْلَاد ، قال الشاعر :
وفي النُّحُورِ كُلُومٌ ذَاتُ أَبْلَادِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 140 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأَبْلَدَ الرجل : صار ذا بلد نحو : أنجد وأتهم . وبَلِدَ : لزم البلد . ولما كان اللازم لموطنه كثيراً ما يتحير إذا حصل في غير موطنه قيل للمتحير : بَلُدَ في أمره وأَبْلَدَ وتَبَلَّدَ ، قال الشاعر :
لا بدَّ للمحزونِ أنْ يتَبَلَّدَا
ولكثرة وجود البلادة فيمن كان جلف البدن قيل : رجل أبلد ، عبارة عن عظيم الخلق .
وقوله تعالى : وَالْبَلَدُ الطيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً . « الأعراف : 58 » كنايتان عن النفوس الطاهرة والنجسة فيما قيل .
ملاحظات
1 . لاحظ ضعف تعريف الراغب للبَلَد : « المكان المحيط المحدود المتأثر باجتماع قطانه وإقامتهم فيه » . وقوة تعريف الخليل « 8/42 » : « كل موضع متحيز من الأرض ، عامر أو غيرعامر ، خالٍ أو مسكون » .
2 . استعمل البلد في القرآن بمعنى القرية ، والبلدة ، والمدينة ، والدولة . واستعملت القرية بمعناها المعروف ، وبمعنى المدينـة ، والدولة ، والحضـــارة ، وأهلها . قال تعالى في المفسدين في البـــلاد : وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ . الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ . « الفجر : 7 » . لَايَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ .
وقال تعالى في نظام التبخير والإمطـار : وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ ميتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ .
وقال في تسخير الحيوانات : وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ .
وقال عن البلد الأمين مكة : وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا . لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ .
3 . تفريعات الراغب الأخيرة على البلد ضعيفة ولا تصح ، والله يعلم من أين أخذ قوله : وسميت المفازة بلداً لكونها موطن الوحشيات . والمقبرة بلداً ، لكونها موطناً للأموات . وقوله : والبُلْدَة : البلجة ما بين الحاجبين ، تشبيهاً بالبلد لتمددها . وسميت الكركرة بلدة لذلك . . الخ . . وهذا من الرجم بالظن ، لأن بلجة الحاجبين : » نقاوة ما بين الحاجبين ، يقال : رجل أبلج بيِّنُ البلج ، إذا لم يكن مقروناً . وفى حديث أم معبد في صفة النبي صلى الله عليه وآله : أبلج الوجه ، أي مشرقه » . « الصحاح : 1/300 » . فهي من إبدال الجيم دالاً . كما لم أجد أحداً سمى الكركرة بلدة ، بل : « الكركرة : رحى زور البعير ، والكراكر جمعها . والكركرة في الضحك فوق القرقرة » . « العين : 5/278 » .
بَلَسَ - أبلسَ - مبلاس - بلاس
الإِبْلَاس : الحزن المعترض من شدة اليأس ، يقال : أَبْلَسَ ، ومنه اشتق إبليس فيما قيل . قال عز وجل : وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ . « الروم : 12 » وقال تعالى : أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ « الأنعام : 44 » وقال تعالى : وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ . « الروم : 49 » .
ولما كان المبلس كثيراً ما يلزم السكوت وينسى ما يعنيه قيل : أَبْلَسَ فلان ، إذا سكت وإذا انقطعت حجته ، وأَبْلَسَتِ الناقة فهي مِبْلَاس ، إذالم ترع من شدة الضبعة . وأما البِلَاس : للمِسْح « البساط » ففارسيٌّ مُعَرَّب .
ملاحظات
1 . جعل الراغب الإبلاس ناتجاً من اليأس . وجعله الخليل سبباً لليأس فقال « 7/262 » : « المبلس : الكئيب الحزين المتندم » .
وجعله الجوهري مرادفاً للحزن والإنكسار ، قال « 3/909 » : « أبلس من رحمة الله : أي يئس ، ومنه سمى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 141 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إبليس ، وكان إسمه عزازيل . والإبلاس أيضاً : الإنكسار والحزن . يقال : أبلس فلان ، إذا سكت غماً » .
وجعله ابن فارس نفس اليأس ، قال « 1/299 » : « يقال : أبلس إذا يئس ، قال الله تعالى : فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ . قالوا : ومن ذلك اشتق إسم إبليس كأنه يئس من رحمة الله » . ونحن نأخذ بقول الخليل رحمه الله لدقته وخبرته ، وهو يشير الى أن إبلاس إبليس ناتج عن ندمه وكآبته وحزنه وتعقيده النفسي ، وهي كآبته لتفضيل آدم عليه السلام عليه !
2 . في معاني الأخبار / 138 ، عن الإمام الرضا عليه السلام : « إن إسم إبليس الحارث ، وإنما قول الله عز وجل : يا إبليس يا عاصي . وسمي إبليس ، لأنه أبلس من رحمة الله عز وجل » . وفي دعاء الإمام السجاد عليه السلام : « ولَا تَرُعْنِي رَوْعَةً أُبْلِسُ بِهَا ، ولَاخِيفَةً أُوجِسُ دُونَهَا » . « الصحيفة السجادية/230 » . فإبليس والشيطان صفتان كالإسمين ، وهما من شاط عن أمر ربه ، وأبلس من رحمة ربه . ولا شك في اشتقاقه من أبلس بمعنى يئس ، لأنه ورد على لسان النبي وآله صلى الله عليه وآله وهم أفصح من نطق بالضاد .
3 . في الكافي « 1/58 » : « أول من قاس إبليس حين قال : أَنَا خَيْرٌ مِنْه خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ، فقـــاس ما بين النار والطين . ولو قاس نورية آدم بنورية النار ، عرف فضل ما بين النورين » .
وفي نهج البلاغة « 2/138 » : « اعترضته الحمية فافتخر على آدم بخلقه وتعصب عليه لأصله . فعدو الله إمام المتعصبين وسلف المستكبرين ، الذي وضع أساس العصبية ونازع الله رداء الجبرية . ولو أراد الله أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه ، ويبهر العقول رواؤه ، وطيبٍ يأخذ الأنفاس عُرْفُهُ لفعل . ولو فعل لظلت له الأعناق خاضعة ، ولخفت البلوى فيه على الملائكة . ولكن الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله ، تمييزاً بالإختبار لهم ، ونفياً للإستكبار عنهم » .
بَلَعَ - ابتلع - بالوعة - بلَّع
قال عز وجل : يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ . « هود : 44 » من قولهم : بَلَعْتُ الشئ وابْتَلَعْتُه . ومنه : البَالُوعة . وسَعْدُ بُلَع : نجمٌ . وبَلَّعَ الشيب في رأسه : أول ما يظهر .
ملاحظات
وردت هذه المادة في آية واحدة ، في طوفان نوح عليه السلام . وذكر اللغويون أن البلع هو الإبتلاع والإزدراد . وقال الخليل « 2/156 » : « ابتلع الطعام أي لم يمضغه » . وجعله ابن فارس « 1/301 » بمعنى الإزدراد . والظاهر أن البلع والإبتلاع أعم مما كان عن مضغ أو بدونه ، أما الإزدراد فهو بلع دفعةً بدون مضغ ، فيكون معنى : يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ : إبلعيه دفعةً واحدة .
بَلَغَ - بلاغةً - بلاغاً - بلوغاً - بلَّغ- تبليغاً
البُلُوغ والبَلَاغ : الإنتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى ، مكاناً كان أو زماناً أو أمراً من الأمور المقدرة . وربما يعبر به عن المشارفة عليه وإن لم ينته إليه . فمن الإنتهاء : بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سنة . « الأحقاف : 15 » .
وقوله عز وجل : فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ « البقرة : 232 » وَمَا هُمْ بِبالِغِيهِ « غافر : 56 » فَلما بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ « الصافات : 102 » لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ « غافر : 36 » أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ « القلم : 39 » . أي منتهية في التوكيد .
والبَلَاغ : التبليغ ، نحو قولـــه عز وجــل : هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ « إبراهيـم : 52 » وقولـــه عز وجــل : بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ « الأحقاف : 35 » وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ « يس : 17 » فَإنما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ « الرعد : 40 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 142 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والبَلَاغ : الكفاية نحو قوله عز وجل : إن فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ « الأنبياء : 106 » وقوله عز وجل : وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ « المائدة : 67 » أي إن لم تبلغ هذا أو شيئاً مما حُمِّلْت تكن في حكم من لم يبلغ شيئاً من رسالته ، وذلك أن حكم الأنبياء وتكليفاتهم أشد ، وليس حكمهم كحكم سائر الناس الذين يُتَجَافى عنهم إذا خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً .
وأما قوله عز وجل : فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ « الطلاق : 2 » فللمشارفة ، فإنها إذا انتهت إلى أقصـى الأجل لا يصح للزوج مراجعتها وإمساكها .
ويقال : بَلَّغْتُهُ الخبر وأَبْلَغْتُهُ مثله ، وبلغته أكثر قال تعالى : أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي « الأعراف : 62 » وقال : يا أَيُّهَــا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ « المائدة : 67 » وقال عز وجل : فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ . « هود : 57 » وقال تعالى : بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ « آل عمــران : 40 » وفي موضع : وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا . « مريم : 8 » . وذلك نحو : أدركني الجهد وأدركت الجهد . ولا يصح : بَلَغَنِي المكان وأدركني .
والبلاغة : تقال على وجهين ، أحدهما : أن يكون بذاته بليغاً ، وذلك بأن يجمع ثلاثة أوصاف : صوباً في موضوع لغته ، وطبقاً للمعنى المقصود به ، وصدقاً في نفسه . ومتى اخترم وصف من ذلك كان ناقصاً في البلاغة .
والثاني : أن يكون بليغاً باعتبار القائل والمقول له ، وهو أن يقصد القائل أمراً فيورده على وجه حقيق أن يقبله المقول له ، وقوله تعالى : وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً « النساء : 63 » يصح حمله على المعنيين . وقول من قال : معناه قل لهم : إن أظهرتم ما في أنفسكم قتلتم . وقول من قال : خوفهم بمكاره تنزل بهم ، فإشارة إلى بعض ما يقتضيه عموم اللفظ . والبلغة : ما يُتَبَلَّغُ به من العيش .
ملاحظات
1 . ذكر اللغويون أن بَلَغَ أصلٌ واحد ، وهو الوصول الى الشئ ، كما قال ابن فارس . وهو أحسن من تعريف الراغب له : « الإنتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى » . وقال ابن فارس « 1/301 » : « وقد تسمى المشارفة بلوغاً . وكذلك البلاغة التي يمدح بها الفصيح اللسان لأنه يبلغ بها ما يريده » . أقول : فروعها المشهورة أربعة : التبليغ ، والبُلوغ ، والبَلاغة ، والبُلْغة . والكفاية التي ذكرها الراغب من البُلغة .
2 . استعمل القرآن بَلَّغَ ومشتقاته لإيصال الرسالات ، قال تعـالى : الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللهَ .
والبلاغ قانون عام للأنبياء عليهم السلام : فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ . فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ . فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ . وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ . ولم يسـتعمل التبليغ أبداً .
3 . استعمل القرآن بَلَغَ بمعنى وصل الى غايته وهدفه . وفي من بلغه القرآن ، وبلوغ الأطفال الحلم ، وبلوغهم سن الزواج ، وبلوغ الإنسان أشده ، وبلوغه أربعين سنة ، وبلوغ ذي القرنين مطلع الشمس ومغربها ، وبين السدين . وبلوغ موسى مجمع البحرين ، وبلوغ الإنسان الكبر ، وبلوغ القلوب الحناجر ، وبلوغ الروح الحلقوم والتراقي ، وبلوغ النساء أجل الطلاق ، وبلوغ الإنس والجن أجلهم في الحياة ، وبلوغ الهَدْيِ مَحِلَّه ، وبلوغ الكتاب أجلَه ، وبلوغ المأمن . . الخ .
4 . استعمل القرآن كلمة بليغ فقط في قوله تعالى : وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغــاً . وقـال علي عليه السلام : « لا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 143 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تجعلن ذرب لسانك على من أنطقك ، وبلاغة قولك على من ســددك » « نهج البلاغة : 4/96 » . وقال الإمام السجاد عليه السلام : « فأسألك ببلاغة حكمتك ونفاذ مشيتك » . « الصحيفة/404 » .
5 . تعريف الراغب للبلاغة فيه إشكال ، وقد اختلفوا فيه وأطالوا حتى خرجوا عن البلاغة . وتعريفها المشهور بين الطلبة : مطابقةُ الكلام لمقتضى الحال . وهو على اختصاره وبلاغته مجمل ، وأضاف له بعضهم : مع الفصاحة .
وقال التفتازاني في مختصر المعاني « 1/24 » : « البلاغة في المتكلم ملكة يَقتدر بها على تأليف كلام بليغ . . ليس كل فصيح بليغاً لجواز أن يكون كلامٌ فصيح غير مطابق لمقتضى الحال » . فالمتفق عليه : أن البلاغة كلامٌ مميز في ألفاظه ومعانيه ، يشهد له العارفون باللغة .
6 . قال الراغب : والبَلَاغ : الكفاية ، نحو قوله عز وجل : إن فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ . لكنه في الآية أعم من التبليغ والكفاية . ثم فسر آية : وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ، بقوله : إن لم تبلغ هذا أو شيئاً مما حُمِّلْت ، تكن في حكم من لم يبلغ شيئاً من رسالته ، وذلك أن حكم الأنبياء وتكليفاتهم أشد ، وليس حكمهم كحكم سائر الناس الذين يُتَجَافى عنهم إذا خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً .
لكن الصحيح أنه لا يكون مبلغاً للرسالة حقيقةً وليس في حكمه ، قال البيضاوي « 2/136 » : « فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَه ، فما أديت شيئاً منها » . وقال ابن جزي في التسهيل « 1/238 » : « إن تركت منه شيئاً فكأنك لم تبلغ شيئاً ، وصار مابلغت لايعتد به » .
أما قوله : إن لم تبلغ هذا أو شيئاً مما حملت ، فغرضه أن يعمم الحكم الى غير ولاية علي عليه السلام ولا يجعل لها خصوصية ! مع أنه صلى الله عليه وآله أُمِر بتبليغ أمرٍ مهم يعادل الرسالة وهو إعلان ولاية علي عليه السلام وقد استوفينا بحثه في كتاب : آيات الغدير .
بَلِيَ - بلىً - أبلاه - بَلَوْتُه
يقال : بَلِيَ الثوب بِلًى وبَلَاءً ، أي خَلِقَ . ومنه قيل لمن سافر : بِلْوُ سفر وبِلْيُ سفر ، أي أبلاه السفر . وبَلَوْتُهُ : اختبرته كأني أخلقته من كثرة اختباري له ، وقرئ : هُنالِكَ تَبْلُو كل نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ . « يونس : 30 » أي تعرف حقيقة ما عملت ، ولذلك قيل : بلوت فلاناً إذا اختبرته .
وسميَ الغم بلاءً من حيث إنه يُبلي الجسم ، قال تعالى : وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ « البقرة : 49 » وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَئ مِنَ الْخَوْفِ . . الآية . « البقرة : 155 » وقال عز وجل : إن هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ « الصافات : 106 » .
وسمي التكليف بلاءً من أوجه ، أحدها : أن التكاليف كلها مشاق على الأبدان ، فصارت من هذا الوجه بلاء . والثاني : أنها اختبارات ، ولهذا قال الله عز وجل : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ « محمد : 31 » .
والثالث : إن اختبار الله تعالى للعباد تارةً بالمسَارِّ ليشكروا ، وتارة بالمضارِّ ليصبروا ، فصارت المحنة والمنحة جميعاً بلاء ، فالمحنة مقتضية للصبر والمنحة مقتضية للشكر . والقيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر ، فصارت المنحة أعظم البلاءين . وبهذا النظر قال عمر : بلينا بالضراء فصبرنا ، وبلينا بالسراء فلم نشكر . ولهذا قال أمير المؤمنين : من وسع عليه دنياه فلم يعلم أنه قد مكر به ، فهو مخدوع عن عقله .
وقال تعالى : وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً « الأنبياء : 35 » وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً « الأنفـال : 17 » وقوله عز وجل : وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ « البقرة : 49 » راجع إلى الأمرين ، إلى المحنة التي في قوله عز وجل : يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 144 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ « البقرة : 49 » وإلى المنحة التي أنجاهم .
وكذلك قوله تعالى : وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ « الدخان : 33 » راجع إلى الأمرين ، كما وصف كتابه بقوله : قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى . « فصلت : 44 » .
وإذا قيل : ابْتَلَى فلان كذا وأَبْلَاهُ ، فذلك يتضمن أمرين ، أحدهما : تَعَرُّفُ حاله والوقوف على ما يُجهل من أمره . والثاني : ظهور جودته ورداءته . وربما قصد به الأمران ، وربما يقصد به أحدهما .
فإذا قيل في الله تعالى : بلى كذا وأبلاه ، فليس المراد منه إلا ظهور جودته ورداءته ، دون التعرف لحاله والوقوف على ما يجهل من أمره ، إذ كان الله علَّام الغيوب . وعلى هذا قوله عز وجل : وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ . « البقرة : 124 » . ويقال : أَبْلَيْتُ فلاناً يميناً : إذا عرضت عليه اليمين لتبلوه بها .
ملاحظات
1 . جعل الراغب كل فروع بَلِيَ وابْتَلَى أصلاً واحداً من بَلِيَ الثوب ، وجعل بَلَوته أي اختبرته بمعنى أخلقته ، وهذا تكلف في إرجاع الفروع الى بلى الثوب ! كما فسر قولهم : بِلْوُ سفر بأبلاه السفر ، وهم يقصدون أنه قويٌّ على السفر مختبر فيه ! وجعله الراغب للإنسان وهو للناقة ، يقولون : نِضْوُ سفر ، وبِلو سفر .
أما ابن فارس فجعل بَلِيَ وبَلَوَ أصلين لكن المادة أوسع من ذلك . قال « 1/192 » : « أصلان ، أحدهما : إخلاق الشئ . والثاني : نوع من الإختبار ، ويحمل عليه الإخبار أيضاً ، يقول العرب : أبلِني كذا ، أي أخبرني فيقول الآخر : لاأبليك . ومنه حديث أم سلمة حين ذكرت قول النبي صلى الله عليه وآله : إن من أصحابي من لا يراني بعد أن أفارقه ، فسألها عمر أمنهم أنا ! فقالت لا ، ولن أبلي أحداً بعدك . أي لن أخبر » .
2 . لم يَستعمل القرآن بَلِيَ للثوب ، واستعمله ضد الخلود : وَمُلْكٍ لا يَبْلَى . واستعمل ابتلى وبَلَى وأَبْلَى بشكل واسع بمعنى الإختبار والإمتحان .
واستعمل بَلَوْنا ونَبْلُو ويَبْلُو ، متعدياً بالباء : وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً . ومتعــدياً بفي : لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ . ومجرداً : لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً .
واستعمل ابْتَلَى ويَبتلي ونَبتلي وابْتُلِيَ ، متعدياً بفي : لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ . وبالباء : وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ . ومجرداً : هُنَالِكَ ابْتُلِي الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا .
واستعمل أبلى مـرة واحـدة : وَلِيُبْليَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا .
واستعمل تُبْلى في آية واحدة للسرائر : يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ . أي يوم تظهر فيها نتيجة الإبتلاء .
وكذا تَبْلُو في آية واحدة للنفس : هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ . أي ترى نتيجته .
واستعمل الإبتلاء للنوايا ، والتمحيص لنتائج الأعمال في القلوب ، فقال عز وجـل : وَلِيَبْتَلِي اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ ، وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَ اللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّـدُورِ .
3 . يفهم من تتبع موارد البلاء والإبتلاء ، أن البلاء قانون إلهي عام قامت عليه الحياة على الأرض ، قال تعـالى : الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَوةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً . إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً . وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً .
ويكون البلاء بالشـر وبالخيــر : وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْر . لِيَبْلُوَنِى أشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ .
ومنه البلاء بالرزق : لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ . وبلاء
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 145 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العقوبة : نَبْلُوهُمْ بِمَا كَأنوا يَفْسُقُونَ . وبلاء الصراع بين أولياء الله وأعدائه : وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ .
ومنه ابتلاء الناس بأزمة أمنية واقتصادية قبل ظهور المهدي عليه السلام : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَئٍْ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُـوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ .
أما الإبتلاء فهو فعل إلهي خاص ، أخص من قانون البلاء العام . ويكون تكوينياً محضاً : إِنَّا خَلَقْنَا الآنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا . أو عقوبة على ذنب : ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ . « آل عمران : 152 » هُنَالِكَ ابْتُلِي الْمُؤْمِنُونَ .
أو اختباراً لرفع درجة : وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ . إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ . وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ .
بَلَى
ردٌّ للنفي ، نحو قوله تعالى : وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ الله عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ الله عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى الله ما لا تَعْلَمُونَ . بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً . « البقرة : 80 » . أو جوابٌ لاستفهام مقترن بنفي نحو : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا : بَلى . « الأعراف : 172 » . ونعم : يقال في الإستفهام المجرد نحو : فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حقا قالُوا : نَعَمْ . « الأعراف : 44 » ولا يقال هاهنا : بلى . فإذا قيل : ما عندي شئ ، فقلت : بلى ، فهو ردٌّ لكلامه ، وإذا قلت نعم ، فإقرار منك . قال تعالى : فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إن الله عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . « النحل : 28 » وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ « سبأ : 3 » . وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى « الزمر : 71 » قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى . « غافر : 50 » .
ملاحظات
قال ابن هشام في المغني « 1/113 » : « بلى : حرف جواب . وتختص بالنفي وتفيد إبطاله ، سواء كان مجرداً نحو : الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا ، قُلْ بَلَى وَرَبِّي . أم مقروناً بالإسـتفهام ، حقيقياً كان نحو : أليس زيد بقائم فتقول : بلى ، أو توبيخياً نحـو : أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ، بَلَى . أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ بَلى . أو تقريرياً نحـو : أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ، قَالُوا بَلَى . أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، قَالُوا بَلَى . أجـروا النفي مع التقرير مجرى النفي المجـرد في رده ببلى » .
وقال ابن هشام « 2/346 » : « واعلم أنه إذا قيل : قام زيد ، فتصديقه نعم وتكذيبه لا ، ويمتنع دخول بلى لعدم النفي . وإذا قيل : ما قام زيد ، فتصديقه نعم وتكذيبه بلى ، ومنه : زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا ، قُلْ بَلَى وَرَبِّي . ويمتنع دخول لا ، لأنها لنفي الإثبات لا لنفي النفي . وإذا قيل : أقام زيد ، فهو مثل قام زيد ، أعني أنك تقول إن أثبتَّ القيام : نعم ، وإن نفيته : لا ، ويمتنع دخول بلى . وإذا قيل : ألم يقم زيد ، فهو مثل لم يقم زيد ، فتقول إذا أثبت القيام : بلى ، ويمنع دخول لا . وإن نفيته قلت : نعم ، قال الله تعـالى : أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ . قَالُوا بَلَى . أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى . أَوَلَمْ تُؤْمِن ، قَالَ بَلَى . وعــن ابن عباس أنه لو قيل نعم في جواب : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، لكان كفراً .
والحاصل : أن بلى لا تأتي إلا بعد نفي . وأن لا لا تأتي إلا بعد إيجاب ، وأن نعم تأتي بعدهما . وإنما جاز : بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ ، مع أنه لم يتقدم أداة نفي لأن : لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي ، يدل على نفي هدايته ومعنى الجواب حينئذ : بلى قد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 146 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
هديتك بمجئ الآيات ، أي قد أرشدتك لذلك ، مثل : وإما ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ » .
أقول : يقصد ابن هشام أن قاعدتهم بأنه لا تجئ بلى إلا بعد نفي ، ينقضها قوله تعالى : بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا . فإنه لا يوجد قبلها نفي ، ثم أجاب بأنه يوجد نفي في المعنى وإن لم يصرح به .
والصحيح : أن اشتراط النحويين النفي قبل بلى غير دقيق ، نعم تحتاج لأن يتقدم عليها سؤال ، إما ظاهر بالإستفهام أو النفي ، أو مقدر بقرينة المقال أو الحال . وكذا استعملها أهل البيت عليهم السلام وهم أفصح من نطق بالضاد . قال علي عليه السلام « فو الله ما كنزت من دنياكم تبراً ، ولا ادخرت من غنائمها وفراً ، ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً . بلى ، كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء ، فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين » . « نهج البلاغة : 3/71 » .
وقال عليه السلام : « إن هاهنا لعلماً جماً ، وأشار إلى صدره ، لو أصبت له حَمَلَة . بلى ، أصبت لَقِناً غير مأمونٍ عليه ، مستعملاً آلة الدين للدنيا . اللهم بلى ، لاتخلو الأرض من قائم لله بحجة » . « نهج البلاغة : 4/37 »
وفي الكافي « 1/90 » في جواب سؤال يهودي : « متى كان ربنا؟ قال له : يا يهودي إنما يقال متى كان لمن لم يكن فكان ، هو كائن بلا كينونية ، كائن كان بلا كيف يكون . بلى يا يهودي ثم بلى يا يهودي ، كيف يكون له قبل ! هو قَبْلَ القبل بلا غاية ، ولا منتهى غاية لتنتهي غايته . انقطعت الغايات عنده ، هو غاية كل غاية . فقال : أشهد أن دينك الحق ، وأن ما خالفه باطل » !
فَبَلَى في هذه الموارد جوابٌ سؤال مقدر من السياق ، أو مفترض من المتكلم . وإن خلا الكلام من النفي والإستفهام .
بَنَن - بنَّ - بنان
البَنَان : الأصابع ، قيل سميت بذلك لأن بها صلاح الأحوال التي يمكن للإنسان أن يُبِنَّ بها ، يريد : أن يقيم بها . ويقال : أَبَنَّ بالمكان يُبِنُّ ، ولذلك خص في قوله تعالى : بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ . « القيامة : 4 » . وقوله تعالى : وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كل بَنانٍ « الأنفال : 12 » خصه لأجل أنها بها تقاتل وتدافع . والبَنَّة : الرائحة التي تبنُّ بما تعلقت به .
ملاحظات
1 . لا دليل على ما ذكره الراغب وغيره من أن البنان مشتقة من بَنَنَ بمعنى أقام لتسمين شياهه ، وأن مناسبة اشتقاقها أنها تمكن الإنسان من الإقامة بالمكان ، فلا يوجد ارتباطٌ معقولٌ بينهما . ثم إن الأصابع من أعضاء البدن فكيف تأخرت تسميتها حتى أخذوها من الإقامة في مكان لتسمين الشياه ! قال الخليل « 8/373 » : « البنان : أطراف الأصابع من اليدين والرجلين . ويجئ في الشِّعر البنانة » .
وقال ابن فارس « 1/191 » : : « بنن الرجل فهو مبنن : وذلك أن يرتبط الشاة ليسمنها . . والبنان في قوله تعالى : واضربوا منهم كل بنان ، يعني الشوى وهي الأيدي والأرجل . . وإنما اشتقاق البنان من قولهم : أَبَنَّ بالمكان إذا قام ، فالبنان به يعتمد كل ما يكون للإقامة والحياة . قال الخليل : والبنة الريح من أرباض البقر والغنم والظباء ، وقد يستعمل في الطيب فيقال أجد في هذا الثوب بنة طيبة من عرف تفاح أو سفرجل » .
وقال ابن منظور « 13/58 » : « البَنانُ في قوله تعالى : بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ . يعني شَوَاه « الأيدي والأرجل » ويقال : بنانٌ مُخَضَّبٌ ، لأن كل جمع بينه وبين واحده الهاءُ ، فإِنه يُوَحِّد ويذكَّرُ . وقوله عز وجل : فَاضْرِبُوا فَوْقَ الإعناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كل بَنانٍ ، قال أَبو إسحق : البَنانُ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 147 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
هاهنا جميعُ أَعضاء البدن » .
أقول : الصحيح حمل البنان والأعناق على ظاهرها ، وأن الملائكة كانوا مساعدين فضربوا المشركين فوق الأعناق ، ولم يضـربوا نفس الأعناق ، وضربوا أصابعهم وليس فوقها ، ولا نعرف كيفية ضربهم ولا قوانين حربهم .
ولا موجب لتوسيع معنى البنان الى كل البدن لكي نصور عمل الملائكة حسب فهمنا .
بَنَيَ - يبني - بناءً - بنياناً - ابن - بنوَ - بنون - ابنة - بنت
يقال : بَنَيْتُ أَبْنِي بِنَاءً وبِنْيَةً وبِنًى . قال عز وجل : وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً « النبأ : 12 » . والبِنَاء إسم لما يبنى بناءً ، قال تعالى : لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ . « الزمر : 20 » . والبَنِيَّة : يعبر بها عن بيت الله تعالى .
قال تعالى : وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ . « الذاريات : 47 » وَالسَّماءِ وَما بَناها . « الشمس : 5 » .
والبُنيان : واحد لا جمع له ، لقوله تعالى : لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ . « التوبة : 110 » .
وقال : كَأنهم بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ « الصف : 4 » قالُوا : ابْنُوا لَهُ بُنْياناً « الصافات : 97 » .
وقال بعضهم : بُنْيَانٌ جمع بُنْيَانَة ، فهو مثل شعير وشعيرة ، وتمر وتمرة ، ونخل ونخلة . وهذا النحو من الجمع يصح تذكيره وتأنيثه .
وابْنُ : أصله بَنَوَ ، لقولهم في الجمع أَبْنَاء ، وفي التصغير بُنَيّ . قال تعـالى : يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ . « يوسف : 5 » . يا بُنَيَّ إني أَرى فِي الْمَنامِ إني أَذْبَحُكَ . « الصافات : 102 » يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ « لقمان : 13 » . يا بنيَّ لاتعبد الشيطان . وسماه بذلك لكونه بناءً للأب ، فإن الأب هو الذي بناه وجعله الله بَنَّاءً في إيجاده . ويقال لكل ما يحصل من جهة شئ أو من تربيته ، أو بتفقده أو كثرة خدمته له ، أو قيامه بأمره : هو ابنه ، نحو : فلان ابن الحرب ، وابن السبيل للمسافر ، وابن الليل ، وابن العلم ، قال الشاعر :
أولاك بنو خير وشرّ كليهما
وفلان ابن بطنه ، وابن فرجه ، إذا كان همه مصروفاً إليهما . وابن يومه : إذا لم يتفكر في غده . قال تعالى : وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ الله وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ الله « التوبة : 30 » . وقال تعالى : إن ابْنِي مِنْ أَهْلِي « هود : 45 » . إن ابْنَكَ سَرَقَ « يوسف : 81 » .
وجمع ابْن : أَبْنَاء وبَنُون ، قال عز وجـل : وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَــدَةً . « النحل : 72 » . وقال عز وجـل : يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ . « يوسف : 67 » يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْـدَ كل مَسْجِدٍ « الأعراف : 31 » . يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ . « الأعراف : 27 » .
ويقال في مؤنث ابن : ابْنَة وبِنْت . وقوله تعالى : هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ . « هود : 78 » . وقولـه : لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حق . « هود : 79 » . فقد قيل : خاطب بذلك أكابر القوم وعرض عليهم بناته لا أهل قريته كلهم ، فإنه محال أن يعرض بنات له قليلة على الجم الغفير . وقيل : بل أشار بالبنات إلى نساء أمته وسماهن بنات له ، لكون كل نبي بمنزلة الأب لأمته ، بل لكونه أكبر وأجل الأبوين لهم ، كما تقدم في ذكر الأب ، وقوله تعالى : وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ . « النحل : 57 « هو قولهم عن الله : إن الملائكة بنات الله .
ملاحظات
1 . قال ابن فارس « 1/302 » في بَنَيَ : « وأصل بنائه : بَنَوَ ، والنسبة إليه بنوي ، وكذلك النسبة إلى بنت ، وإلى بُنَيَّاتِ الطريق . ثم تُفرع العرب فتُسمى أشياء كثيرة بابن كذا ، وأشياء غيرها ببنت كذا ، فيقولون ابن ذكاء الصبح وذكاء الشمس ، لأنها تذكو كما تذكو النار . ويقولون هو ابن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 148 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مدينة ، إذا كان عالماً بها ، وابن بَجْدَتِها أي عالم بها ، وبجدة الأمر دخلته » .
2 . استعمل القرآن بناء السماء ، فقال تعالى : ءَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا . رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَاهَا .
وأقسَمَ بالسماء وبالقوى التي بنتها بأمره فقال : وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا . وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا . أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ . وكشف توسيعها المستمر : وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ .
وذكر صَرْحَ نبي الله سليمان عليه السلام : قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ . والشياطين المسخرين له : وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَاصٍ .
وذكر آيات عاد ومصانعهم : أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ . وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ .
وبيوت ثمـــود وقصورها : تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا .
والصرح الذي طلب فرعون أن يبنوه له : وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ .
وبنيان نمرود لإحراق إبراهيـم عليه السلام : قَالُوا ابْنُـوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ .
وبنيان المسجد على كهف أهل الكهف : فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ .
وبنيان مسجد قباء ومسجد الضرار : أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَـانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ .
وقصور الجنة وغرفها : لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ . قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ .
وبنيان أعداء الأنبياء عليه السلام : قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ .
3 . ذكر القرآن ابني آدم ، وبني آدم ، وابن نوح والمسيح عيسى بن مريم ، وبني ابراهيم ، وبني يعقوب ، وبني اسرائيل ، وابن لقمان ، وابن السبيل ، وابنة عمران ، وبنات شعيب ، وبنات لوط ، وتذبيح فرعون لأبناء المؤمنين . وذكر بنات النبي صلى الله عليه وآله وأبناءه ، وأمره أن يباهل بهم ، وبنات أعمـام النبي صلى الله عليه وآله وبنات عمـاته ، وأخوالـه وخالاته . والأبناء والبنات بالتبني .
وذكر زعْم اليهود أنهم أبناء الله ، وأن عزيراً ابن الله ، وزعم النصارى أن المسيح ابن الله ، وزعم المشركين أن الملائكة بنات الله . . الخ .
بَهَتَ - بهتهُ - بهتان - بهيتة
قال الله عـز وجل : فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ . « البقرة : 258 » أي دُهِشَ وتحير ، وقد بَهَتَهُ . قال عز وجل : هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ . « النور : 16 » أي كذبٌ يبهت سامعه لفظاعته . قال تعالى : وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ . « الممتحنة : 12 « كناية عن الزنا . وقيل بل ذلك لكل فعل مستبشع تعاطينه باليد والرجل من تناول ما لا يجوز ، والمشي إلى ما يقبح . ويقال : جاء بالبَهِيتَةِ ، أي بالكذب .
ملاحظات
1 . اشترط الخليل في تحقق البهتان ثلاثة شروط فقال « 4/36 » : « بهته فلان ، أي استقبله بأمر قذفه به ، وهو برئ منه ، لا يعلمه . والإسم : البُهتان . وبُهِتَ الرجل يُبْهَتُ بُهْتاً إذا حار . يقال : رأى شيئاً فبُهِتَ » . لكن شرط عدم علمه لا يصح .
2 . وذكر القرآن هذه المادة في ثمان آيات ، وليس في كل منها شروط الخليل . فقد وصف بها تهمة اليهود لمريم عليها السلام : وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا . وأكل المهر ظلماً : أَتَاخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا . وفعل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 149 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من يرمي غيره بما هو فيه : وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا . ومن يرمي غيره مطلقاً : وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا . ووصف اتهام المنافقين لمارية عليها السلام : : سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ .
وجعله من شروط بيعة النساء للنبي صلى الله عليه وآله : وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ .
ووصف إفحام إبراهيم عليه السلام لنمرود : فَإِنَّ اللهَ يَأتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأتِ بِهَـا مِنَ الْمَغْـرِبِ فَبُهِـتَ الَّذِي كَفَــرَ . ومباغتة القيامة : بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ .
بَهَجَ - بهجةً - بهيج - ابتهج - أبهجه
البَهْجَة : حسن اللون وظهور السرور ، وفيه قال عز وجل : حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ « النمل : 60 » . وقد بَهُجَ فهو بَهِيج . قال : وَأَنْبَتْنا فِيهَا مِنْ كل زَوْجٍ بَهِيجٍ « ق : 7 » . ويقال : بَهِجٍ ، كقول الشاعر :
ذات خُلْـــقٍ بَهــــِجِ
ولا يجــــئ منه بَهُـــوج
وقد ابْتَهَجَ بكذا : أي سُرَّ به سروراً بانَ أثره على وجهه ، وأَبْهَجَهُ كذا .
ملاحظات
وردت هذه المادة في ثلاث آيات . وصفت الحدائق بأنها ذات بهجة ، لأن ألوانها ونضرتها تبعث البهجة في النفس ، وكذلك النبات .
ولكي يصح قوله ظهور السرور ، لا بد أن يقصد به أن البهجة نفس السرور الظاهر .
بَهَلَ - بهْل - أبهل - ابتهل - ابتهالاً
أصل البَهْل : كون الشئ غير مراعى ، والباهل : البعير المخلى عن قيده أو عن سِمَة ، أو المخلَّى ضرعها عن صِرَار . قالت امرأة : أتيتك باهلاً غير ذات صِرار ، أي أبَحْتُ لك جميع ما كنت أملكه ، لم أستأثر بشئ من دونه .
وأَبْهَلْتُ فلاناً : خليته وإرادته ، تشبيهاً بالبعير الباهل .
والبَهْل والإبتهال في الدعاء : الإسترسال فيه والتضرع ، نحو قوله عز وجل : ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ الله عَلَى الْكاذِبِينَ « آل عمران : 61 » . ومن فسَّر الإبتهال باللعن فلأجل أن الإسترسال في هذا المكان لأجل اللعن ، قال الشاعر :
نَظَرَ الدَّهرُ إليهمْ فابتهلْ
أي : استرسل فيهم فأفناهم
ملاحظات
ورد استعمال مادة بَهَلَ في آية واحدة من القرآن ، أمر الله فيها رسوله صلى الله عليه وآله أن يباهل علماء النصارى ، قال تعالى : إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ . الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ . فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ . « آل عمران : 59-61 » . فأحضر النبي صلى الله عليه وآله عترته علياً وفاطمة والحسنين عليهم السلام وطلب من وفد النصارى أن يدعو كل طرف على الآخر لينزل العذاب على المبطل ، فخاف النصارى وطلبوا الصلح على الجزية . فالمباهلة بمعنى الدعاء والملاعنة . وقد شذ الراغب عن اللغويين فجعل الإبتهال مأخوذاً من الناقة الباهل غير ذات الصرار ، أي ليس على ضرعها كيسٌ يمنع من حلبها ، فزعم أن الإبتهال تخلية واسترسال في الدعاء . وذلك على عادته في ربط ألفاظ اللغة العربية بالصحراء وحياة البدو والجمال !
والربط الذي ذكره بالناقة الباهل ضعيف ، والمعاني التي نسبها الى اللغة العربية غير ثابتة !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 150 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والصحيح قول ابن فارس إن المادة ثلاثة أصول ، قال « 1/311 » : « أحدهما : التخلية ، والثاني : جنس من الدعاء ، والثالث : قلة في الماء . فأما الأول فيقولون بهلته إذا خليته وإرادته . وأما الآخر : فالإبتهال والتضرع في الدعاء . والمباهلة ترجع إلى هذا فإن المتباهلين يدعو كل واحد منهما على صاحبه . قال الله تعالى : ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ الله عَلَى الْكاذِبِينَ . والثالث : البَهْل : وهو الماء القليل » .
وقال الخليل « 4/55 » : « باهلت فلاناً ، أي دعونا على الظالم منا . وبهلته : لعنته . وابتهل إلى الله في الدعاء ، أي جد واجتهد . ورجل بهلول : حيي كريم ، وامرأة بهلول » .
بَهُمَ - بُهمةً - بهيمةً - أبهمتُ - بهيم
البُهْمَة : الحجر الصلب ، وقيل للشجاع بُهْمة تشبيهاً به ، وقيل لكل ما يصعب على الحاسة إدراكه إن كان محسوساً ، وعلى الفهم إن كان معقولاً : مُبْهَم . ويقال : أَبْهَمْتُ كذا فَاسْتَبْهَمَ ، وأَبْهَمْتُ الباب : أغلقته إغلاقاً لا يهتدى لفتحه .
والبَهيمةُ : ما لا نُطق له ، وذلك لما في صوته من الإبهام ، لكن خُصَّ في التعارف بما عدا السباع والطير ، فقال تعالى : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ « المائدة : 1 » .
وليل بَهِيم : فعيل بمعنى مُفْعَل قد أبهم أمره للظلمة ، أو في معنى مُفْعِل ، لأنه يبهم ما يعنُّ فيه فلا يدرك .
وفرس بَهِيم : إذا كان على لون واحد ، لا يكاد تميزه العين غاية التمييز ، ومنه ما روي أنه يحشر الناس يوم القيامة بُهْماً ، أي عراة . وقيل : معرَّون مما يتوسمون به في الدنيا ويتزينون به ، و الله أعلم .
والبَهْم : صغار الغنم . والبُهْمَى : نبات يستبهم منبته لشوكه .
وقد أبهمت الأرض : كثر بهمها ، نحو أعشبت وأبقلت ، أي كثر عشبها .
ملاحظات
1 . وردت بهيمة الأنعام في ثلاث آيات : في وجوب ذكر إسم الله عليها ، كقوله تعالى : وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ .
وجعل الراغب أصل المادة البُهْمَة ، أي الحجر الصلب ، لكن قول ابن فارس أقوى « 1/312 » فقد جعله الشئ المبهم الذي لايعرف المدخل اليه ، قال : « أن يبقى الشئ لا يُعرف المَأْتَى إليه ، يقال هذا أمر مبهم . وأبهمتُ الباب أغلقتُه . ومما شذ عن هذا الباب الإبهام من الأصابع » .
والصحيح أنه لم يشذ ، فقد سمي إبهاماً لأنه يُبْهِم الكف إذ يُطْبِقُ عليه فلا يعرف مافيه . « لسان العرب : 12/59 » .
وسمي البطل : بُهْمَة ، لأنه مغلق عن قرنه أن ينال منه ، فهو صفة مدح . وكذا قول الإمام الكاظم عليه السلام : « إن الله خلق قلوب المؤمنين مطوية مبهمة على الإيمان ، فإذا أراد استنارة ما فيها نضحها بالحكمة ، وزرعها بالعلم » . « الكافي : 2/421 » .
أما ما رويَ عن النبي صلى الله عليه وآله : « يحشر الناس يوم القيامة عُرَاةَ حُفَاةَ بُهْماً » . « ابن الأثير : 1/167 » . فمعناه أنهم يكونون بصفة آدم وحواء عليهما السلام في الجنة فهم مع عُرْيهم مبهمون لا تظهر عوراتهم .
وسمي الليل بُهمة ، لأن ظلمته إغلاق ، قال الإمام زين العابدين عليه السلام في وصف القمر : « آمنت بمن نَوَّرَ بك الظلم ، وأوضح بك البُهَم » . « الصحيفة السجادية/209 » .
وقد بَيَّنَ الإمام الصادق أن السبب في تسمية البهائم أن الكلام أبهم عليها ، قال عليه السلام : « مهما أُبْهِمَ على البهائم من شئ ، فلا يُبهم عليها أربعة خصال : معرفة أن لها خالقاً ، ومعرفة طلب الرزق ، ومعرفة الذكر من الأنثى ، ومخافة الموت » . « الكافي : 6/539 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 151 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 . قال الله تعالى في مطلع سورة المائدة : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ . ولم يعرف المفسرون وجه الربط بين الوفاء بالعقود وتحليل الأنعام . والظاهر أن تحليل الأنعام مشروط بوفاء الإنسان بعقده وعهده وميثاقه مع الله تعالى ، فمن لم يفِ بذلك لا يحل له أن يطعم منها . « تفسير القمي : 1/160 » . فهو من الشروط العامة لتحليل لحوم الحيوانات للإنسان ، من نوع قول النبي صلى الله عليه وآله إن الله جعل الأرض مهراً لفاطمة عليها السلام فمن أبغضها فحرامٌ عليه أن يمشي عليها . « مسند الإمام علي عليه السلام : 8/36 » .
3 . قوله : ومنه ما روي أنه يحشـر الناس يوم القيامة بُهْماً أي عراة . وقد روت ذلك عامة المصادر ، ومن مصادرنا الكافي « 8/104 » « عن علي عليه السلام قال : « إذا كان يوم القيامة بَعث الله تبارك وتعالى الناس من حُفَرهم غُرْلاً بُهْماً جُرْداً مُرْداً ، في صعيد واحد ، يسوقهم النور وتجمعهم الظلمة حتى يقفوا على عقبة المحشر » . وفي بعض رواياته : « فقالت أم سلمة أو غيرها : وا سوأتاه أتنظر الرجال إلى عورات النساء والنساء إلى عورات الرجال؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وآله : إن لهم في ذلك اليوم شغلاً ، لا يعرف الرجل أنه رجل ولا المرأة أنها امرأة » . فدل ذلك على أن معنى العري غير ما نعرفه ، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وآله : يسوقهم النور وتجمعهم الظلمة . ويبدو أنه من نوع عري آدم وحواء عليهما السلام قبل أن يأكلا من الشجرة ، فلم تكن تبدو سوآتهما حتى أكلا منها .
بَابٌ - أبواب - بواب - تبوبَ - بابةٌ
البَاب : يقال لمدخل الشئ ، وأصل ذلك مداخل الأمكنة كباب المدينة والدار والبيت ، وجمعه : أَبْوَاب . قال تعالى : وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ « يوسف : 25 » وقال تعالى : لاتَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ « يوسف : 67 » . ومنه يقال في العلم : باب كذا ، وهذا العلم باب إلى علم كذا ، أي به يتوصل إليه . وقال صلى الله عليه وآله : أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها ، أي به يتوصَّل . قال الشاعر :
أتيتَ المَرُوءَةَ منْ بَابِهَا
وقال تعالى : فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كل شَئ « الأنعام : 44 » وقال عز وجل : بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ . « الحديد : 13 » .
وقد يقال : أبواب الجنة وأبواب جهنم ، للأشياء التي بها يتوصل إليهما . قال تعالى : فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ . « النحل : 29 » وقال تعالى : حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ « الزمر : 73 » .
وربما قيل : هذا من بَابَة كذا ، أي مما يصلح له وجمعه : بابات . وقال الخليل : بابة في الحدود ، وبَوَّبْتُ باباً ، أي عملتُ . وأبوابٌ مُبَوَّبَة . والبَوَّاب : حافظ البيت . وتَبَوَّبْتُ بواباً : اتخذته . وأصل باب : بَوْبٌ .
ملاحظات
وردت كلمة باب في القرآن في عدة آيات : منها : الأمر بدخول البيوت من أبوابها : وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَاتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا . وهي أمرٌ بطلب الأمور من طريقها الطبيعي ، كمعرفة الدين من النبي صلى الله عليه وآله وأوصيائه عليهم السلام ، وهو تعبير آخر عن قوله صلى الله عليه وآله : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأت الباب . « الحاكم : 3 /126 » وفي نهج البلاغة « 2/44 » : « لا تؤتى البيوت إلا من أبوابها فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقاً » .
ومنها : أبواب السماء : وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا . إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَــا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَـا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ . فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 152 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومنها : أبواب الجنة والنار : جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ . وقوله : إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا . وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ . لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ .
ومنها : الباب بين الجنة والنار : فَضُـرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُـورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَــةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِــهِ الْعَذَابُ .
ومنها : أبواب العذاب : حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ .
ومنها : أبواب النعمة : فَتَحْنَا عَلَيْهِـمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَئٍْ .
ومنها : أبواب قصور الكافرين : وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ .
ومنها : باب حطة : وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ .
ومنهـا : وصية يعقوب عليه السلام : يَا بَنِي لاتَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ .
ومنها : في قصة يوسف عليه السلام : وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ .
بَيْتٌ -باتَ - بيات - تبييت
أصل البيت : مأوى الإنسان بالليل ، لأنه يقال : بَاتَ ، أقام بالليل كما يقال : ظل بالنهار . ثم قد يقال للمسكن بيت من غير اعتبار الليل فيه ، وجمعه أَبْيَات وبُيُوت ، لكن البيوت بالمسكن أخص ، والأبيات بالشعر . قال عز وجل : فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا « النمل : 52 » وقال تعالى : وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً « يونس : 78 » لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ « النور : 27 » . ويقع ذلك على المتخذ من حَجَرٍ ومَدَرٍ وصوف وَوَبَر ، وبه شُبه بيت الشِّعْر ، وعُبر عن مكان الشئ بأنه بيته .
وصار أهلُ البيتِ متعارفاً في آل النبي عليه الصلاة والسلام ، ونبه النبي صلى الله عليه وآله بقوله : سلمان منا أهل البيت [على] أن مولى القوم يصح نسبته إليهم . كما قال : مولى القوم منهم ، وابنه من أنفسهم .
وبيت الله ، والبيت العتيق : مكة ، قال الله عز وجل : وَلْيَطوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ « الحج : 29 » إن أول بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ « آل عمران : 96 » وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ « البقرة : 127 » يعني : بيت الله .
وقوله عز وجل : وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى « البقرة : 189 » . إنمــا نزل في قوم كانـــوا يتحاشون أن يستقبلوا بيوتهم بعد إحرامهم ، فنبه تعالى [علي] أن ذلك منافٍ للبر .
وقوله عز وجل : وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كل بابٍ سَلامٌ « الرعد : 23 « معناه : بكل نوع من المسار .
وقوله تعالى : فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ « النور : 36 » قيل : بيوت النبي صلى الله عليه وآله نحو : لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ . « الأحزاب : 53 » وقيل : أشـير بقوله : فِي بُيُوتٍ إلى أهل بيته وقومه . وقيل : أشير به إلى القلب .
وقال بعض الحكماء في قول النبي صلى الله عليه وآله : لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة : إنه أريد به القلب وعنى بالكلب الحِرْص ، بدلالة أنه يقال : كَلِبَ فلانٌ إذا أفرط في الحرص ، وقولهم : هو أحرص من كلب .
وقوله تعالى : وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ . « الحج : 26 » يعني مكة .
وقالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتــاً فِي الْجَنَّةِ « التحريم : 11 » أي سهِّل لي فيها مقرّاً .
وَأَوْحَيْنــا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً . « يونس : 87 » يعني : المسجد الأقصى .
وقوله عز وجل : فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 153 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
« الذاريات : 36 « فقد قيل : إشارة إلى جماعة البيت فسماهم بيتاً ، كتسمية نازل القرية : قرية .
والبَيَاتُ والتبْيِيتُ : قصد العدو ليلاً . قال تعالى : أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ . « الأعراف : 97 » بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ « الأعراف : 4 » .
والبَيُّوت : ما يفعل بالليل ، قال تعالى : بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ . « النساء : 81 » . يقال لكل فعل دُبِّر فيه بالليل : بُيِّتَ ، قال تعالى : إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ . « النساء : 108 » وعلى ذلك قوله عليه السلام : لا صيام لمن لم يُبيت الصيام من الليل . وبَاتَ فلان يفعل كذا : عبارة موضوعة لما يفعل بالليل ، كظلٍّ لما يفعل بالنهار ، وهما من باب العبارات .
ملاحظات
1 . البيت في القرآن دائماً فيه عنصر المبيت ، والمسكن عنصر السكن ، والمنزل عنصر النزول من سفر ونحوه . قال تعالى : فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ . وقال : يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ . وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنيى مُنْزَلاً مُبَارَكاً . لَقَدْ كَأن لِسَـبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ .
قال الراغب : « ثم قد يقال للمسكن بيت من غير اعتبار الليل فيه » واستدل بقوله تعالى : فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً . وهو اشتباه ، لأن جعل الخواء لبيوتهم التي باتوا فيها ، أبلغ من خواء مساكنهم أو منازلهم .
2 . قال الراغب : « وصار أهلُ البيتِ متعارفاً في آل النبيِّ عليه الصلاة والسلام ، ونبه النبي صلى الله عليه وآله بقوله : سلمان منا أهل البيت [على] أن مولى القوم يصح نسبته إليهم ، كما قال : مولى القوم منهم ، وابنه من أنفسهم » .
يقصد أن اختصاص آل النبي صلى الله عليه وآله بأنهم أهل البيت مجرد عُرف عند المسلمين ، وإلا فهو يشمل حتى مواليهم مثل سلمان الفارسي رحمه الله ! لكن عرفت في « آل وأهل » أنه مهما كان معنى أهل البيت واسعاً في اللغة فقد صح عند الجميع أن النبي صلى الله عليه وآله جعل آله وأهل بيته مصطلحاً بمن أدار عليهم الكساء وحصر أهل بيته فيهم ، ومنع أم سلمة من الدخول معهم ، وهم : علي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام ، فلا يجوز الزيادة ولا النقيصة فيهم . لكن رواة السلطة وأسيادهم دأبوا على ظلم أهل البيت النبوي عليهم السلام والهرب من المصطلح الذي حدده النبي صلى الله عليه وآله وتوسيع أهل بيته ليشملوا الأمة كلها !
بَادَ - يبيد - بيداء - بِيد
قال عز وجل : ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً . « الكهف : 35 » يقال : بَادَ الشئ يَبِيدُ بَيَاداً ، إذا تفرق وتوزع في البَيْدَاء ، أي المفازة . وجمع البيداء : بِيد . وأتان بَيْدَانَة : تسكن البادية البيداء .
ملاحظات
استعمل القرآن بادَ بمعنى فنيَ في هذه الآية فقط . واستعملها بمعنى كانوا في البادية في قوله تعالى : يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعرَابِ . وبمعنى ساكن البادية : سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ .
قال الخليل « 8/85 » : « البيد من قولك : باد يبيد ، وأباده الله . والبيداء : مفازة لا شئ فيها . . وبيد بمعنى غير ، ويقال : بمعنى على ، وميد لغة فيها . . وآباد الدهر : طوال الدهر ، والأبيد مثل الآباد . والآبدة : الغريبة من الكلام ، والجميع أوابد ، والأوابد : الوحش . وتأبد فلان : طالت غربته . وتأبدت الدار : خلت من أهلها » .
أقول : يمكن القول إن البدو والبادية من الظهور ، وباد بمعنى هلك مأخوذ من البادية كأنه ذهب في مهلكة . لكن بَيْدَ بمعنى غير ، لا علاقة لها بذلك . وكذا أَبَدَ وأوابد ، فلا بد أن تكون من أصول أخرى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 154 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بَوَرَ- بوَّر - بارَ - بوار - قوم بور
البَوَار : فَرْطُ الكساد ، ولما كان فرط الكساد يؤدي إلى الفساد كما قيل : كَسَدَ حتى فَسَدَ . عُبر بالبوار عن الهلاك ، يقال : بَارَ الشئ يَبُورُ بَوَاراً وبَوْراً . قال عز وجل : تِجارَةً لَنْ تَبُورَ « فاطر : 29 » وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ . « فاطر : 10 » وروي : نعوذ بالله من بَوَار الأيِّم .
وقال عز وجل : وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ . « إبراهيم : 28 » ويقال : رجل حائر بَائِر ، وقوم حُور بُور . وقال عز وجل : حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً . « الفرقان : 18 » أي هلكى ، جمع : بَائِر .
وقيل : بل هو مصدر يوصف به الواحد والجمع ، فيقال : رجل بور وقوم بور ، وقال الشاعر :
يا رسولَ المليك إنَّ لساني
راتقٌ ما فتقتُ إذْ أنا بُورُ
وبَارَ الفحل الناقة : إذا تشمَّمها اللاقح هي أم لا . ثم يستعار ذلك للإختبار فيقال : بُرْتُ كذا ، أي اختبرته .
ملاحظات
1 . فسر بعض اللغويين البوار بالهلاك ، وأجاد الراغب ففسره بفرط الكساد فهو أعم من الهلاك والكساد . على أن من فسرها بالهلاك لا يقصد الفناء أيضاً ، لأن الآية نصت على أنه بمعنى دخول النار ، قال تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ . جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ . وكذلك الآيات الأربع الأخرى التي ورد فيها : وَكَانُوا قَوْمًا بُوراً . وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً . وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ . يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ .
2 . جعل الراغب بَوَرَ أصلاً واحداً ، ولم يستطع أن يُرجع اليها : بَارَ الفحل الناقة بمعنى شمها واختبرها ، فكأنه جعله أصلاً بنفسه ، ثم استعارة منه بارَ وبَوَرَ بمعنى اختبر ، والصحيح أنه أصل مستقل . قال ابن منظور « 6/118 » : « بارَهُ يَبُورُه بَوْراً : جَرَّبَه واختبَرَه ، ومنه الحديث : كُنَّا نَبُوِّرُ أوْلادَنا بحُبِّ عليِّ رضيَ اللهُ عنه » . أي نختبر أنهم أولاد حلال بحبهم لعلي عليه السلام .
بِئْرٌ - بأر - بؤرة
قال عز وجل : وَبِئْرٍ مُعَطلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ . « الحج : 45 » وأصله الهمز ، يقال : بَأَرْتُ بِئْراً وبَأَرْتُ بُؤْرَة ، أي حفيرة .
ومنه اشتق المِئْبَر ، وهو في الأصل حفيرة يستر رأسها ليقع فيها من مرَّ عليها ، ويقال لها : المغواة . وعُبِّرَ بها عن النميمة الموقعة في البلية ، والجمع : المآبر .
ملاحظات
خلط الراغب بين بَأَرَ ، وأَبَرَ ، وهما مادتان معناهما مختلف . فبأر منه البئر والبؤرة ، وأبر منه الإبرة ، والتأبير ، والمئبر ، والمآبر . ولم يرد أبر في القرآن ، لذا لا نطيل في فروعه .
بَؤُسَ -بأساء - بؤس - بئس - بئيس
البُؤْسُ والبَأْسُ والبَأْسَاءُ : الشدة والمكروه ، إلا أن البؤس في الفقر والحرب أكثر ، والبأس والبأساء في النكاية ، نحو : وَاللَّه أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا . « النساء : 84 » فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ « الأنعام : 42 » وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ . « البقرة : 177 » . وقال تعالى : بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ « الحشر : 14 » .
وقد بَؤُسَ يَبْؤُسُ ، وبِعَذابٍ بَئِيسٍ . « الأعراف : 165 » فعيل من البأس أو من البؤس : فَلا تَبْتَئِسْ « هـود : 36 » أي لاتلزم البؤس ولا تحزن . وفي الخبر أنه عليه السلام : كان يكره البُؤْسَ والتبَاؤُسَ والتبَؤُّسَ . أي الضراعة للفقر ، أو أن يجعل نفسه ذليلاً ، ويتكلف ذلك جميعاً .
وبِئْسَ : كلمة تستعمل في جميع المذام ، كما أن نِعْمَ تستعمل في جميع الممادح . ويرفعان ما فيه الألف واللام ، أو
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 155 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مضافاً إلى ما فيه الألف واللام ، نحو : بئس الرجل زيد ، وبئس غلام الرجل زيد . وينصبان النكرة نحو : بئس رجلاً . ولَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ . « المائدة : 79 » أي شيئاً يفعلونه . قال تعالى : وَبِئْسَ الْقَرارُ « إبراهيم : 29 » فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ « النحل : 29 » بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا « الكهف : 50 » لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ . « المائدة : 63 » . وأصل : بِئْسَ : بَئِسَ ، وهو من البؤس .
ملاحظات
1 . قال الله تعــالى : وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا . والبأساء من البُؤس وهو الفقر . والضراء من الضُّرّ كالمرض . وحين البأس كالحرب . فهي ثلاثة أحوال ، لكن الراغب وبعض اللغويين خلط البؤس والبأس والبأساء ، فقال : « البُؤْسُ والبَأْسُ والبَأْسَاءُ : الشدة والمكروه ، إلا أن البؤس في الفقر والحرب أكثر ، والبأس والبأساء في النكاية » .
فكيف يكون البؤس والبأساء في الحرب أكثر وهو الفقر ، وأين الشاهد عليه من كلام العرب ، أو قول اللغويين؟
ولعل اشتباه الراغب جاء من عبارة ابن فارس « 1/328 » قال : « الباء والهمزة والسين ، أصلٌ واحد : الشدة وما ضارعها . فالبأس الشدة في الحرب ، ورجل ذو بأس وبئيس أي شجاع ، وقد بأَسَ بأْساً ، فإن نعته بالبؤس قلت بؤوس . والبؤس : الشدة في العيش . والمبتئس : المفتعل من الكراهة والحزن » .
فلم يخلط ابن فارس البؤس والبأساء وهما الفقر ، بالبأس وهو الشجاعة والشدة في الحرب ، كما فعل الراغب . بل لم يذكر ابن فارس البأساء أبداً في كل كتابه ! ولعل الراغب اعتمد على قول الخليل « 7/316 » : « البأس : الحرب . ورجل بَئِسٌ قد بَؤُسَ بَأسُهُ ، أي شجاع . والبأساء : إسم للحرب والمشقة والضرر » .
لكن لايمكن قبول أن البأساء إسم للحرب لأنها من البؤس وهو الفقر وليست من البأس ، بل هي في الآية قسيم البأس التي هي الحرب . ويظهر أن الصحيح في نسخة العين البأس فصحفت عنها بالبأساء .
ولم أجد استعمال البأساء في الحرب أبداً ، ففي تفسير القمي « 1/64 » : « في الجوع والعطش والخوف والمرض . وحين البأس : قال : عند القتال » . وفي مجمع البيان « 1/488 » : « يريد بالبأساء : البؤس والفقر ، وبالضـراء : الوجع والعلة ، عن ابن مسعود وقتادة وجماعة من المفسرين . وحين البأس : يريد وقت القتال » . ونحوه عبد الرزاق « 1/66 » وتفسير الطبري « 2/135 » ، وغيره .
والنتيجة أن البأس تعني الحرب ، لكن البأساء لا تعني الحرب ، بل الفقر .
بَيَضَ - بياض - أبيض - تَبْيَضُّ - بيضاء –
باض - بيضة
البَيَاضُ في الألوان : ضد السواد ، يقال : ابْيَضَّ يَبْيَضُّ ابْيِضَاضاً وبَيَاضاً ، فهو مُبْيَضٌّ وأَبْيَضُ . قال عز وجل : يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْـوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وأما الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ الله « آل عمران : 106 » .
والأَبْيَض : عِرْقٌ ، سُمِّيَ به لكونه أبيض « وهو عصب النخاع » ولما كان البياض أفضل لون عندهم كما قيل : البياض أفضل ، والسواد أهول ، والحمرة أجمل ، والصفرة أشكل . عبَّر به عن الفضل والكرم بالبياض ، حتى قيل لمن لم يتدنس بمعاب : هو أبيض اللون . وقوله تعالى : يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ . « آل عمران : 106 » فابيضاض الوجوه عبارة عن المسرَّة واسودادها عن الغم ، وعلى ذلك : وَإِذا بُشِّرَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 156 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا . « النحل : 58 » .
وعلى نحو الإبيضاض قوله تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ . « القيامة : 22 » وقوله : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ . « عبس : 38 » .
وقيل : أمُّك بيضاء من قضاعة . وعلى ذلك قوله تعالى : بَيْضـاءَ لَذَّةٍ لِلشَّـارِبِينَ . « الصافات : 46 » . وسُــمِّيَ البَيْض لبياضه ، الواحدة بَيْضَة ، وكُنِّيَ عن المرأة بالبيضة تشبيهاً بها في اللون وكونها مصونة تحت الجناح .
وبيضة البلد : يقال في المدح والذم ، أما المدح فلمن كان مصوناً من بين أهل البلد ورئيساً فيهم ، وعلى ذلك قول الشاعر :
كانت قريشٌ بيضةً فَتَفَلَّقَتْ
فالمحُّ خالصُهُ لعبد منافِ
وأما الذم فلمن كان ذليلاً معرَّضاً لمن يتناوله كبيضة متروكة بالبلد ، أي العراء والمفازة .
وبَيْضَتَا الرجل : سُمِّيتَا بذلك تشبيهاً بها في الهيئة والبياض .
يقال : بَاضَتِ الدجاجة ، وباض كذا ، أي تمكن . قال الشاعر :
بداءٍ من ذواتِ الضِّغْنِ يأوي
صدورَهم فَعَشَّشَ ثم باضَا
وبَاضَ الحَرُّ : تمكن ، وبَاضَتْ يد المرأة : إذا ورمت ورماً على هيئة البيض ، ويقال : دجاجة بَيُوض ، ودجاج بُيُض .
ملاحظات
1 . قال الراغب : « وبيضة البلد يقال في المدح والذم » لكن الظاهر صحة قول الشريف المرتضى بأنها لا تستعمل للذم إلا بقرينة من باب الضد . قال في الأمالي « 3/96 » : « معنى البيضة كله يعود إلى التفخيم والتعظيم » . ورووا قول أخت عمرو بن ود « المستدرك : 3/34 » :
لو كان قاتلُ عمرو غيرُ قاتلهِ * بكيتُهُ ما أقامَ الروحُ في جسدي
لكن قاتلَه من لا يُعَاب به * أبوهُ يُدْعَى قديماً بيضةَ البلد
وقال الخليل « 7/68 » : « وبَيْضَةُ الإسلام : جماعاتهم . وبيضة البلد : تريكة النعامة . والأبيضان : الشحم واللبن . والبيضة : الخصية » .
وقال : « 8/42 » : « ويقال : هو أذلُّ من بيضة البلد » . وقال ابن فارس « 1/326 » : « فإذا عبروا عن الذليل المستضعف بأنه بيضة البلد ، يريدون أنه متروك مفرد كالبيضة المتروكة بالعراء . ولذلك تسمى التريكة » .
2 . استعمل القرآن البياض لوجوه المؤمنين في الآخرة : يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ . وأما الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ . « آل عمران : 106 » . ولكأس المعين : بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ . « الصافات : 45 » .
وللحور العين : قَاصِرَاتُ الطرْفِ عِينٌ . كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ . « الصافات : 48 » .
ولبياض الفجر : حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ . « البقرة : 187 » .
ويد موسى عليه السلام : وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ . « طه : 22 » .
وعيني يعقوب عليه السلام : وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَكَظِيمٌ . « يوسف : 84 » .
والجبال البيض : وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا . « فاطر : 27 » .
بَيَعَ - مبايعة - بايع - باع
البَيْع : إعطاء المثمن وأخذ الثمن . والشراء : إعطاء الثمن وأخذ المثمن . ويقال للبيع الشراء وللشراء البيع ، وذلك بحسب ما يتصور من الثمن والمثمن ، وعلى ذلك قوله عز وجل : وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ . « يوسف : 20 » . وقال عليه السلام :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 157 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لايبيعنَّ أحدكم على بيع أخيه . أي لا يشتري على شرائه . وأَبَعْتُ الشئ : عرضته ، نحو قول الشاعر :
فرساً فليس جوادُنا بِمُبَاعِ
والمُبَايَعَة والمشاراة : تقالان فيهما ، قال الله تعالى : وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا . « البقرة : 275 » وقـال : وَذَرُوا الْبَيْعَ « الجمعة : 9 » وقـال عز وجـل : لابَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ . « إبراهيم : 31 » لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ . « البقرة : 254 » .
وبَايَعَ السلطان : إذا تَضَمَّنَ بذل الطاعة له بما رضخ له ، ويقال لذلك : بَيْعَة ومُبَايَعَة .
وقوله عز وجل : فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ . « التوبة : 111 » إشارة إلى بيعة الرضوان المذكورة في قوله تعالى : لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ « الفتح : 18 » وإلى ما ذكر في قوله تعالى : إن الله اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ الآية . « التوبة : 111 » .
وأما البَاعُ ، فمن الواو بدلالة قولهم باع في السير يبوع : إذا مدَّ باعه .
ملاحظات
1 . أمر القرآن المسلمين بالإشهاد على البيع : وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ .
وردَّ قول المرابين : ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا .
ونهى عن البيع وقت صلاة الظهر يوم الجمعة : فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ .
ووصف أهل البيت عليهم السلام بأنهم : رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ .
ووصف يوم القيامة بأنه : يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ .
2 . قال ابن منظور « 8/23 » : « البيعُ : ضدُّ الشراء والبَيْع الشراء أَيضاً ، وهو من الأَضْداد » . وأكثر ما استعمل القرآن منه مادة المبايعة . فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله : إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ . واعتبر إيمان المؤمنين بيعاً لأنفسهم لله تعالى : إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ . . . فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ .
وأمر نبيه صلى الله عليه وآله أن يأخذ من المسلمين البيعة في الحديبية ، وقال : لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ . وكان النبي صلى الله عليه وآله يشرط على المسلمين في البيعة الإيمان والطاعة ، وأن لايفروا في الحرب ، وأن لاينازعوا الأمر أهله ، أي أهل بيته بعده . وأمره الله أن يقبل البيعة من النساء ويشرط عليهن فقال : يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ .
وكانت البيعة في زمن النبي صلى الله عليه وآله اختيارية تحترم فيها إرادة المبايع . وبموته صارت إجبارية فهددوا علياً وأهل البيت عليهم السلام بإحراق بيتهم وقتلهم إن لم يبايعوا أبابكر !
ولا يصح قول الراغب : إن قوله عز وجل : فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ . إشــارة إلى بيعـة الرضــوان المذكورة في قوله تعالى : لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ . لأنهم بايعوا تحت الشجرة على أن لا يفروا في الحرب ثم فروا بعدها في معركة خيبر وحنين ، ولأن في المبايعين من شهد له بالنار كقاتل عمار بن ياسر .
3 . ذكر القرآن بِيَعَ النصارى أي كنائسهم فقال : وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِـدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً . قــال الخليل « 2/266 » : « البِيعَة : كنيسة النصارى وجمعها بِيَع » .
وأفتى فقهاؤنا باحترامها وجواز الصلاة فيها « جواهر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 158 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الكلام : 14/137 » . وقال ابن منظور « 8/23 » : « البِيعةُ بالكسر : كَنِيسةُ النصارى ، وقيل كنيسة اليهود ، والجمع بِيَعٌ وهو قوله تعالى : وبِيَعٌ وصلواتٌ ومساجدُ . فبدأَ بذكر البِيَعِ على المساجد لأن صلوات من تقدَّم من أَنبياء بني إِسرائيل وأُممهم كانت فيها قبل نزول الفُرقان » .
البَالٌ - بالى - بالُهُ
البَال : الحال التي يكترث بها ، ولذلك يقال : ما باليتُ بكذا بالةً ، أي ما اكترثت به . قال تعالى : كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ « محمد : 2 » وقال : فَما بالُ الْقُرُونِ الأولى « طه : 51 » أي فما حالهم وخبرهم .
ويعبَّر بالبال عن الحال الذي ينطوي عليه الإنسان ، فيقال : خطر كذا ببالي .
ملاحظات
1 . يظهر أن البال أوسع من الحال ، والشأن ، والأمر ، ويشمل كل مقومات الهداية والقوة والعزة والرفاهية . يقال : ناعم البال ، رَخِيَّ البالِ ، راخي البال ، فارِه البالِ ، فارغ البال ، خلي البال ، خالي البال ، مطمئن البال ، سعيد البال ، صالح البال ، طويل البال ، مرتاح البال . ويقال : ما خطر على بالي وفي بالي وببالي ، وحضر على بالي ، وغاب عن بالي ، واختلج في البال ، ومرَّ بالبال . كقولك : وقع في خَلَدي ورَوْعِي وقلبي ونفسي .
ويقال : كاسف البال ، أي سئ الحظ ، منكسف البال ، كئيب البال ، مكدر البال ، مشتت البال ، مبلبل البال ، قلق البال ، مشوش البال ، موزع البال ، مشغول البال .
2 . استعمل القرآن البال أربع مرات : في قول يوسف عليه السلام : قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطعْنَ أَيْدِيَهُنَّ « يوسف : 50 » أي إسـأله عن النساء اللواتي شهدن على زليخة لمصلحتي .
وفي قول فرعون لموسى عليه السلام : قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأولى . قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي .
وفي حال المؤمنين : كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ .
وفي حال الشهداء من هؤلاء المؤمنين : وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ . سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ . وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ . وهذه الآية وعدٌ عجيبٌ بهداية الشهداء في المستقبل وإصلاح بالهم وإدخالهم الجنة ! والجنة ليس فيها تكليف ، وقد فسروه بأنه سيثيبهم في الآخرة ، وهو غير مقنع لأنه خلاف الظاهر . وقد يكون وعداً لهم بإعادتهم الى الدنيا في الرجعة ليهديهم ويصلح بالهم ، ثم يدخلهم الجنة !
ولايصح قوله إن الله وعد بأنه سيصلح بال الشهداء في الدنيا ، فقد أصلح بالهم وقتلوا في سبيله !
3 . قال ابن منظور « 11/74 » ملخصاً : « البَالُ : الحال والشأْن . وفي الحديث : كل أَمر ذي بال لا يُبْدأُ فيه بحمد الله فهو أَبتر . أَي شريفٌ يُحْتَفل له ويُهْتَمُّ به . والبَالُ : القَلْبُ والخاطر . وقوله عز وجل : سَيَهْديهم ويُصْلح بالَهم ، أَي حالهم في الدنيا . وفي الحديث : هؤلاء في الجنة ولا أُبالي وهؤلاء في النار ولا أُبالي . أَي لا أَكره . البالُ : جمع بالة ، وهي الجِرَاب الضَّخْم . قال الجوهري : أَصله بالفارسية بَلّه » .
بَيْنَ - بانَ - ذات البين
بَيْن : موضوع للخلالة بين الشيئين ووسطِهما . قال تعالى : وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً . « الكهف : 32 » يقال : بَانَ كذا أي انفصل وظهر ما كان مستتراً منه . ولماَّ اعتبر فيه معنى الإنفصال والظهور ، استعمل في كل واحد منفرداً فقيل للبئر البعيدة القعر : بَيُون ، لبعد ما بين الشفير والقعر ، لانفصال حبلها من يد صاحبها .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 159 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وبانَ الصبح : ظهر ، وقوله تعالى : لَقَدْ تَقَطعَ بَيْنَكُمْ . « الأنعام : 194 » أي وَصْلُكُمْ . وتحقيقه : أنه ضاع عنكم الأموال والعشيرة والأعمال التي كنتم تعتمدونها ، إشارة إلى قوله سبحانه : يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ . « الشعراء : 88 » . وعلى ذلك قوله : لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى الآية . « الأنعام : 94 » .
وبَيْنَ : يستعمل تارة إسماً وتارةً ظرفاً ، فمن قرأ : بينُكم جعله إسماً ، ومن قرأ : بَيْنَكُمْ جعله ظرفاً غير متمكن وتركه مفتوحاً . فمن الظرف قوله : لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ . « الحجرات : 1 » وقوله : فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً . « المجادلة : 12 » فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحق . « صاد : 22 »
وقوله تعالى : فَلما بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما « الكهف : 61 » فيجوز أن يكون مصدراً ، أي موضع المفترق .
وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ . « النساء : 92 » ولا يستعمل بين إلا فيما كان له مسافة ، نحو : بين البلدين ، أو له عددٌ مّا ، اثنان فصاعداً نحو : الرجلين ، وبين القوم . ولا يضاف إلى ما يقتضي معنى الوحدة إلا إذا كُرِّر نحو : وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجـابٌ « فصلت : 5 » فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً . « طه : 58 »
ويقال : هذا الشئ بين يديك ، أي متقدماً لك . ويقال : هو بين يديك ، أي قريب منك . وعلى هذا قوله : ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ . « الأعراف : 17 » ولَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا . « مريم : 64 » وَجَعَلْنا مِـنْ بَيْنِ أَيْدِيهِـمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِــمْ سَدًّا « يس : 9 » مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوْراةِ . « المائدة : 46 » أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا . « صاد : 8 » أي من جملتنا .
وقوله : وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ . « سبأ : 31 » أي متقدِّماً له من الإنجيل ونحوه . وقوله : فَاتَّقُوا الله وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ . « الأنفال : 1 » أي راعوا الأحوال التي تجمعكم ، من القرابة والوصلة والمودة . ويزاد في بين ما أو الألف ، فيجعل بمنزلة حين ، نحو : بَيْنَمَا زيد يفعل كذا ، وبَيْنَا يفعل كذا ، قال الشاعر :
بينَا يُعَنِّقُه الكُمَاةُ ورَوْغُهُ
يوماً أتيحَ له جَرئٌ سَلْفَعُ
ملاحظات
عَرَّفَ الراغب بَيْنَ ، بأنها للوسط بين الشيئين ، والصحيح أنها استعملت في القرآن للوسط بين شيئين وغيره ، قال تعالى : وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ . وقوله تعالى : وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ . تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ . وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا . مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ . وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ . نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ .
واستعملت لما تقدم زمنياً على الشئ ، كقوله تعالى : مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ .
أو تقدماً مكانياً كقوله تعالى : لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ .
كما استعملت بمعان لا علاقة لها بالوسطية والزمان والمكان ، كقوله تعالى : وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ . أي يعمل بأمره . كما يمكن النقاش في دلالتها على الوسطية في عدد من الآيات .
قال الخليل « 8/381 » : « البينونة : مصدر بانَ يَبين بَيْناً وبَينونةً ، أي قَطَع . والبينُ : الفُرْقة ، والإسم : البَيْنُ أيضاً . والبين : الوصل ، قال عز من قائل : لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ . أي وصلكم » .
وقال ابن منظور « 13/61 » : « البَيْنُ في كلام العرب جاء على
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 160 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وجْهَين : يكون البَينُ الفُرْقةَ ، ويكون الوَصْلَ وهو من الأَضداد . ويكون البَينُ إسماً وظَرْفاً مُتمكِّناً . وفي التنزيل العزيز : لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ » .
أقول : فسرها الراغب بتقطع وصلكم ، وهي هنا ظرف ، والمتقطع ما بينهم وليس نفس بينهم .
بَيَنَ- تبين - استبان - مُبِين - مُبَيَّن - بيان
يقال : بَانَ ، واسْتَبَانَ ، وتَبَيَّنَ : نحو عَجَّلَ واستعجل وتعجَّل ، وقد بَيَّنْتُهُ . قال الله سـبحانه : وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسـاكِنِهِمْ « العنكبوت : 38 » وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ . « إبراهيم : 45 » ولِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ « الأنعام : 55 » قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ « البقرة : 256 » قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ . « آل عمران : 118 » وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيـهِ . « الزخرف : 63 » وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ . « النحل : 44 » لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُـونَ فِيهِ . « النحل : 39 » فِيــهِ آياتٌ بَيِّناتٌ . « آل عمران : 97 » .
وقال : شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيّناتٍ . « البقرة : 185 » .
ويقال : آية مُبَيَّنَة اعتباراً بمن بيَّنها ، وآية مُبَيِّنَة اعتباراَ بنفسها ، وآيات مبيَّنات ومبيِّنات . والبَيِّنَة : الدلالة الواضحة ، عقلية كانت أو محسوسة . وسميَ الشاهدان بينة لقوله عليه السلام : البينة على المدعي واليمين على من أنكر .
وقال سـبحانه : أَفَمَـنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ « هود : 17 » وقال : لِيَهْلِـكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ . « الأنفال : 42 » جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ . « الروم : 9 » .
والبَيَان : الكشف عن الشئ ، وهو أعمُّ من النطق ، لأن النطق مختص بالإنسان . ويسمى ما بَيَّنَ به بياناً . قال بعضهم : البيان يكون على ضربين : أحدهما بالتسخير ، وهو الأشياء التي تدل على حال من الأحوال من آثار الصنعة . والثاني بالإختبار ، وذلك إما يكون نطقاً أو كتابةً أو إشارةً . فمما هو بيان بالحال قوله : وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إنهُ لَكُمْ عَـدُوٌّ مُبِينٌ . « الزخرف : 62 » أي كونــه عدوّاً بَيِّن في الحال . تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ . « إبراهيم : 10 » . وما هو بيان بالإختبار : فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ . « النحل : 43 »
وسُمِّيَ الكلام بياناً لكشفه عن المعنى المقصود إظهاره نحو : هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ . « آل عمران : 138 » .
وسمي ما يشرح به المجمل والمبهم من الكلام بياناً ، نحو قوله : ثُمَّ إن عَلَيْنا بَيانَهُ . « القيامة : 19 »
ويقال : بَيَّنْتُهُ وأَبَنْتُهُ : إذا جعلت له بياناً تكشفه ، نحو : لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ . « النحل : 44 » .
وقال : نَذِيرٌ مُبِينٌ . « صاد : 70 » وإنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ . « الصافات : 106 » وَلا يَكادُ يُبِينُ . « الزخرف : 52 » أي يبيّن . وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ . « الزخرف : 18 » .
ملاحظات
1 . البيان في القرآن : الإبلاغ بوضوح ، ويشمل الإبلاغ والتوضيح . وهو قانون جعله الله تعالى على نفسه : وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَ اللهُ عَلِيمٌ حَكِيـمٌ . كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ . تَعْقِلُونَ . تَهْتدُونَ . تَشْكُرُونَ . لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ . يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَ اللهُ بِكُلِّ شَئٍْ عَلِيمٌ .
وقال تعالى : وَمَا كَأن اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ . وفســرها الإمام الصادق عليه السلام : « حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه » . « الكافي : 1/163 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 161 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
واستدل العلماء بالآية على قاعدة براءة ذمة الإنسان حتى يصل اليه البيان .
2 . قانون البيان ملازمٌ لبعثة الأنبياء عليهم السلام : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ .
والبيان النبوي لا يجب أن يكون شاملاً لكل المواضيع : قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ . « الزخرف : 63 » قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ .
وبعضه يؤخره الله تعالى الى يوم القيامة : وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ .
وبعضه يؤخره الله الى إقامة دولة العدل الإلهي على يد المهدي الموعود عليه السلام ، قال تعالى : سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحق .
3 . الميزان في استحقاق العقاب الإلهي هو بيان الأنبياء والرسل عليهم السلام : لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ . وقد شرع الله قتال الذين يمنعون رسله من البيان والتبليغ ، أما بعـد البيان فـ : لاإِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ .
ولم يكن اختلاف الأمم بعد الرسل لنقص البيان ، لكن من أجل السلطة : وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ . وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ .
وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ .
4 . وسمى الله القرآن مُبِيناً : الرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ . ونوراً مبيناً : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا . وتبياناً : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَئٍْ .
ووصف التوراة بأنها كتاب مستبين : وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ .
وتكفل الله تعالى بأن يبعث للقرآن في كل عصر إماماً مُفَسِّراً ومُبَيِّناً : فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ . وجعل هذا الإمام الذي يملك اليقين والبيان الرباني ، شاهداً على الأمة بعد الرسول : أَفَمَنْ كَأن عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ .
5 . وأمر الله رسوله أن يبين للناس فبين وبلغ وأوضح . قال تعالى : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ . قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ . وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ . وكان صلى الله عليه وآله يُشهد المسلمين على أنه بَلَّغَ : « ألاهل بلغت؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد » « الكافي : 7/273 » .
6 . وسمى نبيه صلى الله عليه وآله رسولاً مبيناً : حَتَّى جَاءَهُمُ الْحق وَرَسُولٌ مُبِينٌ . ونذيراً مبيناً : وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ . وسمى القـرآن والوحي آيات بينات : وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ . وآيات مُبَيِّنات : وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ .
7 . ومن المسلمين من كان يجادل الرسول صلى الله عليه وآله حتى بعد البيان ، كالصحابة الخوافين في طريق بدر : يُجَادِلُونَكَ فِي الْحق بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأنمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ .
ومنهم من ارتد بعد البيــان والتوضيح : إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ .
8 . واستعمل القرآن لفظ المُبِين بمعنى البَيِّن الواضح في آيات عديدة ومواضيع عديدة ، فالضلال والخسران : منه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 162 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مُبِينٌ ، وغير مبين ، والعدو : منه مبين وغير مبين ، والظالم لنفسه ، والسحر ، والخصيم ، والحق ، والفتح ، والفاحشة منها مُبَيِّنَة وغير مبينه . . الخ .
9 . وأمـر الله المسلمين بالتبين والتحقق : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُـوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ . وَكُلُواوَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ .
10 . قال ابن منظور « 13/67 » : « بانَ الشئُ بَياناً : اتَّضَح فهو بَيِّنٌ ، والجمع أَبْيِناءُ ، مثل هَيِّنٍ وأَهْيِناء . وكذلك أَبانَ الشئُ فهو مُبينٌ . وأَبَنْتُه أَي أَوْضَحْتُه . واستَبانَ الشئُ : ظهَر . واستَبَنْتُه أَنا : عرَفتُه . وتَبَيَّنَ الشئُ : ظَهَر ، وتَبيَّنْته أَنا . تتعدَّى هذه الثلاثةُ ولا تتعدَّى .
وقوله عز وجل : وهو في الخِصام غيرُ مُبين ، يريد الأُنثى لا تكاد تَسْتَو في الحجةَ ولا تُبينُ .
وقوله عز وجل : لا تُخْرِجوهُنَّ من بيوتهنّ ولا يَخْرُجْنَ إلا أَن يأْتِين بفاحِشةٍ مُبَيِّنة . أَي ظاهرة .
وقوله عز وجل : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَئٍ . أَي بُيِّنَ لك فيه كلُّ ما تحتاج إليه أَنت وأُمتُك من أَمر الدِّين ، وهذا من اللفظ العامِّ الذي أُريد به الخاصُّ ، والعرب تقول : بَيَّنْت الشئَ تَبْييناً وتِبْياناً بكسر التاء .
وقال الزجاج في قوله تعالى : خَلَق الإِنْسان علَّمَه البيانَ . قيل إنه عنى بالإِنسان هاهنا النبي صلى الله عليه وآله علَّمَه البيان أَي علَّمه القرآنَ . ويجوز في اللغة أَن يكون الإِنسانُ إسماً لجنس الناس جميعاً » .
وقد أجاد ابن منظور حيث جعل المخاطب بأن القرآن فيه تبيان كل شئ هو النبي صلى الله عليه وآله لأنه هو الذي عنده علم الكتاب . أما الأمة فلا تفهم من القرآن تبيان كل شئ ، ولا تبيان أكثر الأشياء والأمور . فلا يفهمه حق فهمه إلا من أوتي علمه . وهذا معنى قول أهل البيت عليهم السلام إنما يعرف القرآن من خوطب به . « الكافي : 8/312 » .
بَوَّأَ - تبوأ - بَوَاء
أصل البَوَاء : مساواة الأجزاء في المكان ، خلاف النَّبْو الذي هو منافاة الأجزاء . يقال : مكان بَوَاء : إذا لم يكن نابياً بنازله ، وبَوَّأْتُ له مكاناً : سوَّيته فَتَبَوَّأَ ، وبَاءَ فلان بدم فلان يَبُوءُ به أي ساواه ، قال تعالى : وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً . « يونس : 87 » وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ . « يونس : 93 » تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ . « آل عمران : 121 » يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ « يوسف : 56 » .
وروي أنه عليه السلام كان يتبوَّأ لبوله كما يتبوَّأ لمنزله . وبَوَّأْتُ الرمح : هيأت له مكاناً ، ثم قصدت الطعن به . وقال : من كذب عليَّ متعمداً فليتبوَّأ مقعده من النار . وقال الراعي في صفة إبل :
لها أمرُها حتى إذا ما تَبَوَّأتْ
بأخفافها مأوىً تبوأَ مضجعا
أي يتركها الراعي حتى إذا وجدت مكاناً موافقاً للرعي طلب الراعي لنفسه متبوأً لمضجعه .
ويقال : تَبَوَّأَ فلان ، كناية عن التزوج كما يعبر عنه بالبناء فيقال : بنى بأهله .
ويستعمل البَوَاء في مراعاة التكافؤ في المصاهرة والقصاص ، فيقال : فلان بُوَاءٌ لفلان إذا ساواه وقوله عز وجل : باءَ بِغَضَبٍ مِنَ الله . « الأنفال : 16 » أي حلَّ مُبَوّأً ومعه غضب الله ، أي عقوبته . وقوله : بِغَضَبٍ في موضع حال ، كخرج بسيفه أي رجع ، لامفعول نحو : مرَّ بزيد .
واستعمال بَاءَ تنبيهاً على أن مكانه الموافق يلزمه فيه غضب الله ، فكيف غيره من الأمكنة ، وذلك على حد ما
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 163 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ذكر في قوله : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ . « آل عمران : 21 »
وقوله : إني أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ . « المائدة : 29 » أي تقيــم بهذه الحالة . قال : أنكرتَ باطلَهَا وبُؤْتَ بحقِّها . وقول من قال : أقررت بحقها ، فليس تفسيره بحسب مقتضى اللفظ . والبَاءَة كناية عن الجماع .
وحكي عن خلف الأحمر أنه قال في قولهم حَيَّاك الله وبَيَّاك : إن أصله : بَوَّأك مَنْزِلاً ، فغُيِّر لازدواج الكلمة ، كما غير جمع الغداة في قولهم : آتيه الغدايا والعشايا .
ملاحظات
1 . فسر الراغب « بَاءَ » بأنه تساوت أجزاء بدنه في المكان وجلس فيه براحة . وجعله مقابل : نَبَا به المكان وفسره بتفاوت أجزاء بدنه فيه . لكن ذلك لم يرد في العربية للنزول والسكن والجلوس .
وقد أخذه من ابن فارس حيث جعله أصلين فقال : « 1/312 » : « الرجوع إلى الشئ ، والآخر تساوي الشيئين » . وقصد ابن فارس تساويهما في القصاص والدية ، تقول : فلان بواءٌ بفلان ، أي كفؤٌ له إن قتل به .
والصحيح أن باءَ من البيئة ، تقول العرب : إِنه لَحَسَنُ البِيئةِ أَي هيئة التبَوُّءِ ، وتسمي المنزل : البيئة والباءَة والمباءَة . قال ابن منظور « 1/36 » : « وأَباءَه مَنْزِلاً وبَوَّأَه إيَّاه وبَوَّأَه له وبَوَّأَه فيه ، يعني هَيَّأَه له وأَنْزَلَه ومَكَّنَ له فيه . والإسم : البِيئةُ . وإِنه لَحَسَنُ البِيئةِ أَي هيئة التبَوُّءِ . وباءَتْ بِبيئةِ سُوءٍ ، أَي بحالِ سُوءٍ . وفي الحديث : مَن كَذَبَ عَليَّ مُتَعَمِّداً ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه من النار : لِيَنْزِلْ مَنْزِله مِن النار » . وقال : « وسُمي النكاحُ باءَةً وباءً من المَباءَةِ لأَن الرجل يَتَبَوَّأُ من أَهله أَي يَسْتَمْكِنُ من أَهله ، كما يَتَبَوَّأُ من دارِه . والهاء في الباءة زائدة ، والناسُ يقولون : الباه » .
ويؤيد ما قلناه : أن كل موارد المادة في القرآن يصح تفسيرها بالبيئة والجو المادي والمعنوي ، ولا يصح تفسيرها بالرجوع والمساواة .
فمعنى قوله تعالى : تَبَوَآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً : اختارا بيوتاً في بيئة مناسبة . ومعنى : باءَ بسخط من اللَّه : تحمل الجو المعنوي من السخط . ومعنى : إِذْ بَوَأْنَا لآبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ : جعلنا بيئة البيت مناسبة ، وأعطيناه لإبراهيم وذريته .
ومعنى : وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ : أورثنا الأرض ، لكنا نختار لسكننا الجنة .
ومعنى : وَبَوَأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا : جعلناكم في بيئة مناسبة من الأرض .
فعنصر البيئة والجو المادي أو المعنوي داخل في كل استعمالات المادة .
أما معنى المساواة في باءَ ، فليس من البيئة بل من قولهم : باوَأْتُ بين القَتْلى : أَي ساوَيْتُ . وقولهم : هم بَواءٌ أَي أَكْفاءٌ . وفي الحديث : الجِراحاتُ بَواءٌ ، أي مُتَساويةٌ في القِصاص ، فلا يُؤْخَذُ إلا مِثْلُ جِراحَتِه سَواءً ، وذلك البَواءُ .
وكذلك معنى الرجوع في قولك باءَ به ، فهو رجوع معنوي بمعنى تحمل نتيجة عمله وصار عليه وليس رجوعاً حقيقياً .
2 . ذكر الراغب أربع آيات وردت فيها مادة : بَاءَ ، من بضع عشرة آية . ومنها : قوله تعالى عمن فرَّ من القتال الى الصفوف الخلفية في بدر : وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ .
ومنها : لمن سرق من الغنائم أو اتهم النبي صلى الله عليه وآله بأنه سرق ! أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ .
ومنها : ثلاث آيات في بَوْء اليهود بغضب الله : وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 164 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومنها : على لسان هابيل لأخيه قابيل : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ .
ومنها : عن قوم هود : خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَـادٍ وَبَوَأَكُمْ فِي الأَرْضِ .
ومنها : تبويئ إبراهيم عليه السلام مكان البيت : إِذْ بَوَأْنَا لآبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ .
ومنها : تبويئ بني إسرائيــل : وَلَقَدْ بَوَانَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَأَ صِدْقٍ .
ومنها : تبويئ المقاتلين أمكنتَهم : وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ .
ومنها : وعدٌ للمهاجرين الذين فقدوا بيوتهم : وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُـوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسنة .
ومنها : وعدٌ للمؤمنين في الآخرة : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَـاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًـا . نَتَبَوَأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ . وروي أنها في المهدي وأصحابه .
ومنها : مدحٌ للأنصار : وَالَّذِينَ تَبَوَءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ .
ومنها : في يوسف عليه السلام : مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ .
ومنها : عن موسى وهارون عليهما السلام : وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا .
البَاء
الباء : يجئ إما متعلِّقا بفعل ظاهر معه ، أو متعلِّقاً بمضمر . فالمتعلق بفعل ظاهر معه ضربان : أحدهما : لتعدية الفعل ، وهو جارٍ مجرى الألف الداخل على الفعل للتعدية نحو : ذهبت به وأذهبته . قال تعالى : وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً . « الفرقان : 72 » . والثاني : للآلة نحو : قطعه بالسكين .
والمتعلِّق بمضمر : يكون في موضع الحال نحو : خرج بسلاحه ، أي وعليه السلاح أو معه السلاح . وربما قالوا تكون زائدة نحو : وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا . « يوسف : 17 » وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ . « الشعراء : 114 » وَكَفى بِنا حاسِبِينَ « الأنبياء : 47 » .
وفي كل ذلك لا ينفك عن معنىً ربما يدقُّ ، فيتصور أن حصوله وحذفه سواء ، وهما في التحقيق مختلفان ، سيما في كلام من لا يقع عليه اللغو . فقوله : وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا . « يوسف : 17 » فبينه وبين قولك : ما أنت مؤمناً لنا فرق ، فالمتصوَّر من الكلام إذا نصبتَ ذاتٌ واحدة ، كقولك : زيد خارج ، والمتصور منه إذا قيل : ما أنت بمؤمن لنا ، ذاتان ، كقولك : لقيت بزيد رجلاً فاضلاً ، فإن قوله رجلاً فاضلاً وإن أريد به زيد ، فقد أخرج في معرض يتصور منه إنسان آخر ، فكأنه قال : رأيت برؤيتي لك آخر هو رجل فاضل . وعلى هذا : رأيت بك حاتماً في السخاء .
وعلى هذا : وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ . « الشعراء : 114 » وقوله تعالى : أَلَيْسَ الله بِكافٍ عَبْدَهُ . « الزمر : 36 »
وقوله : تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ . « المؤمنون : 20 » قيل معناه : تنبت الدهن ، وليس ذلك بالمقصود بل المقصود أنها تنبت النبات ومعه الدهن ، أي والدهن فيه موجود بالقوة . ونبه بلفظة بِالدُّهْنِ على ما أنعم به على عباده وهداهم إلى استنباطه . وقيل : الباء هاهنا للحال ، أي حاله أن فيه الدهن . والسبب فيه أن الهمزة والباء اللتين للتعدية لا يجتمعان .
وقوله : وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً « الفتح : 28 » فقيل : كفى الله شهيداً ، نحو : وَكَفَى الله الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ . « الأحزاب : 25 » الباء زائدة ، ولو كان ذلك كما قيل لصح أن يقال : كفى بالله المؤمنين القتال ، وذلك غير سائغ ، وإنما يجئ ذلك حيث يذكر بعده منصوب في موضع الحال ، كما تقدم ذكره . والصحيح أن كفى هاهنا موضوع موضع إِكْتَفِ ، كما أن قولهم : أحسن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 165 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بزيد موضوع موضع ما أحسن ، ومعناه : إِكْتَفِ بالله شهيداً . وعلى هذا : وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً . « الفرقـان : 31 » وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا . « النساء : 132 » وقوله : أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ إنهُ عَلى كل شَئ شَهِيدٌ . « فصلت : 53 » وعلى هذا قوله : حُبَّ إليَّ بفلان ، أي أحْبِبْ إليَّ به .
ومما ادُّعي فيه الزيادة : الباء في قوله : وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهْلُكَةِ . « البقرة : 195 » قيـل تقديره : لاتلقوا أيديكم ، والصحيح أن معناه لاتلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة ، إلا أنه حذف المفعول استغناء عنه وقصداً إلى العموم ، فإنه لايجوز إلقاء أنفسهم ولا إلقاء غيرهم بأيديهم إلى التهلكة .
وقال بعضهم : الباء بمعنى من في قوله : عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ . « المطففين : 28 » عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ الله . « الإنسان : 6 » والوجه ألا يصرف ذلك عما عليه ، وأن العين هاهنا إشارة إلى المكان الذي ينبع منه الماء لا إلى الماء بعينه ، نحو : نزلت بعين ، فصار كقولك : مكاناً يشرب به ، وعلى هذا قوله تعالى : فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ . « آل عمران : 188 » أي بموضع الفوز . و الله تعالى أعلم .
ملاحظات
1 . في الباء بحوث ، نكتفي منها بخلاصة ما قاله ابن هشام في المغني « 1/101 » :
« الباء المفردة : حرف جر ، لأربعة عشر معنى :
أولها : الإلصاق ، قيل وهو معنى لا يفارقها ، فلهذا اقتصر عليه سيبويه .
الثاني : التعدية ، وهي المعاقبة للهمزة في تصيير الفاعل مفعولاً ، وأكثر ما تُعَدِّي الفعل القاصر ، تقول في ذهب زيد : ذهبت بزيد ، وأذهبته ، ومنه : ذهب الله بنورهم .
الثالث : الإستعانة ، وهي الداخلة على آلة الفعل نحو : كتبت بالقلم . ونجرت بالقدوم . وقيل : ومنه باء البسملة .
الرابع : السببية نحو : إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ . فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ .
الخامس : المصاحبة ، نحو : اهْبِطْ بِسَلَامٍ . أي معه . وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ . الآية . وقد اختلف في الباء من قوله تعالى : فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ، فقيل : للمصاحبة والحمد مضاف إلى المفعول أي فسبحه حامداً له ، أي نزهه عما لا يليق به .
والسادس : الظرفية نحو : وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ بِبَدْرٍ . نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ .
والسابع : البدل ، كقول الحماسي :
فليتَ لي بهمُ قوماً إذا ركبوا
شَنُّوا الإغارة فرساناً وركباناً
والثامن : المقابلة وهي الداخلة على الأعواض ، ومنه : ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ .
والتاسع : المجاوزة كعن ، فقيل تختص بالسؤال نحو : فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا .
العاشر : الإستعلاء نحو : مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ . .
الثاني عشر : القسم ، وهو أصل أحرفه ، نحو : أقسم بالله لتفعلن .
الثالث عشر : الغاية نحو وَقَدْ أَحْسَنَ بِي ، أي إليَّ .
الرابع عشر : التوكيد ، نحو : كَفَى بِاللَّـهِ شَهِيدًا .
2 . الصحيح ما قاله الراغب من عدم زيادة الباء في هذه الموارد ، بل عدم وجود زيادة في ألفاظ في القرآن ، ولا في كلام المعصومين عليهم السلام ، ولا في اللغة العربية . وينبغي التنبيه الى أن النحاة يؤكدون على وصف الزيادة باللفظية ، لكنهم يجعلونها زيادة في المعنى !
تمَّ كتاب الباء .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 166 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كتاب التاء وما يتصل بها
ت
يشمل 27 مفردة و 25 ملاحظة
تَبَّ - تباب - استتبَّ
التَبُّ والتبَابُ : الإستمرار في الخسران ، يقال : تَبّاً له وتَبٌّ له ، وتَبَبْتُهُ : إذا قلت له ذلك ، ولتضمن الإستمرار قيل : اسْتَتَبَّ لفلان كذا ، أي استمر . وتَبَّتْ يَدا أَبي لَهَبٍ « المسد : 1 » أي استمر في خسرانه ، نحو : ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ « الزمر : 15 » وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ « هود : 101 « أيتخسير . وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ . « غافر : 37 » .
ملاحظات
1 . جمع الراغب بين التب والتباب ، وفسره بالخسران المستمر ، لكن الخليل فسر التب بالخسران والتباب بالهلاك ، ولم يذكر الإستمرار ، وهو أدق من الراغب « 8/111 » ، وقال : وتببت القوم أي قلت لهم : تباً لكم . . واستتبَّ له الأمر أي تهيأ » .
وجمع بينهما الجوهري فقال « 1/90 » : « التباب : الخسران والهلاك . . وتقول : تباً لفلان ، تنصبه على المصدر بإضمار فعل ، أي ألزمه الله هلاكاً وخسراناً . . واستتب الأمر : تهيأ واستقام » . وتفريقهما أصح لقول الإمام الحسين عليه السلام في خطبته : تباً لكم أيتها الجماعة وتَرَحاً . « الإحتجاج « 2/24 » . فلو كان التب الهلاك لما أضاف اليه الترح . والترَح ضد الفرح .
2 . شك ابن فارس « 1/341 » في صحة اسْتِتَبَّ فقال : « يقولون : اسْتَتَبَّ الأمرُ إذا تهيأ ، فإن كانت صحيحة ، فللباب إذاً وجهان : الخسران والإستقامة » . وهي صحيحة ، فقد ذكرها الخليل ، ووردت في دعاء الإمام السجاد عليه السلام وهو من أفصح من نطق بالضاد ، قال في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله : « حَتَّى اسْتَتَبَّ لَه مَا حَاوَلَ فِي أَعْدَائِكَ ، واسْتَتَمَّ لَه مَا دَبَّرَ فِي أَوْلِيَائِكَ . « الصحيفة السجادية/34 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 167 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولا يبعد أن يكون أصل استتب : استتم ، لأنه لا علاقة له بالتب ، والعرب تبدل حرفاً بحرف . وبهذا تعرف تعرف خطأ الراغب في معنى استتب .
تَابُوت
التابُوت : فيما بيننا معروف . أَنْ يَأْتِيَكُمُ التابُوتُ . « البقرة : 248 » قيل كان شيئاً منحوتاً من الخشب فيه حكمة ، وقيل عبارة عن القلب والسكينة عما فيه من العلم ، وسمي القلب سفط العلم ، وبيت الحكمة وتابوته ، ووعاؤه وصندوقه ، وعلى هذا قيل : إجعل سرَّك في وعاءٍ غير سَرِب . وعلى تسميته بالتابوت قال عمر لابن مسعود رضي الله عنهما : كنيف ملئ علماً .
ملاحظات
1 . التابوت : كما في قاموس الكتاب المقدس/209 : « صندوق صنعه موسى بأمره تعالى ، طوله ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف وارتفاعه ذراع ونصف . وكان مصنوعاً من خشب السنط « شجر صحراوي » ومُغَشَّى بصفائح ذهب نقي ، من داخل ومن خارج ، ويحيط برأسه إكليل من ذهب ، فوقه غطاء من ذهب نقي . وفوق كل طرف من الغطاء كَرُّوبٌ « صورة ملك » من ذهب يظلل الغطاء . وعلى كل من جانبي التابوت حلقتان من ذهب لعصوي التابوت المصفحتين بالذهب لحمل التابوت . وكان المنوط بحراسته وحمله بنو فهات من اللاويين . « عد3 : 29 » .
وفي معاني الأخبار/284 : « سألته « الإمام الرضا عليه السلام » فقلت : جعلت فداك ما كان تابوت موسى وكم كان سعته؟ قال : ثلاثة أذرع في ذراعين . قلت : ما كان فيه؟ قال : عصى موسى والسكينة . قلت : وما السكينة؟ قال : روح الله يتكلم . كانوا إذا اختلفوا في شئ كلمهم وأخبرهم ببيان مايريدون » .
2 . ورد التابوت في آيتين : في قوله تعالى : أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ . وقوله تعالى : إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَاتِيَكُمُ التابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ .
وفي تفسير القمي « 2/135 » في تفسير قوله تعالى : « وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَاتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ : وكان التابوت الذي أنزل الله على موسى عليه السلام فوضعته فيه أمه وألقته في اليم ، فكان في بني إسرائيل معظماً يتبركون به ، فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح وما كان عنده من آيات النبوة ، وأودعه يوشع وصيه ، فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به . . فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم . فلما سألوا النبي بعث الله طالوت عليهم يقاتل معهم ، رد الله عليهم التابوت » . وبهذا تعرف أن النتابوت صنعه الله لموسى عليه السلام وهو طفل ، ولم يصنعه موسى كما في قاموس الكتاب المقدس .
وفي الكافي « 1/238 » عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « إنما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل ، كانت بنو إسرائيل أيُّ أهل بيتٍ وُجد التابوت على بابهم أوتوا النبوة ، فمن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة » .
تَبَرَ - تتبيراً - مُتَبَّر
التبْر : الكسر والإهلاك ، يقال : تَبَرَهُ وتَبَّرَهُ . قال تعالى : إن هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ « الأعراف : 139 » وقال : وَكلا تَبَّرْنا تَتْبِيراً . « الفرقان : 39 » وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً « الإسراء : 7 » وقوله تعالى : وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَاراً . « نوح : 28 « أي هلاكاً .
ملاحظات
1 . يسمي الناس الذهب قبل تصفيته التبر وتراب الذهب . قال الخليل « 8/117 » : « التبر : الذهب والفضة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 168 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قبل أن يعملا . ويقال : كل جوهر قبل أن يستعمل تبر من النحاس والصفر » . وقال ابن فارس « 1/362 » : « أصلان متباعدٌ ما بينهما : أحدهما الهلاك ، والآخر جوهر من جواهر الأرض . . فالأول قولهم تبر الله عمل الكافر ، أي أهلكه وأبطله . قال الله تعالى : إنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . والأصل الآخر التبر ، وهو ما كان من الذهب والفضة غير مصوغ » .
وقد جعلهما الراغب أصلاً واحداً وفسره بالكسر والإهلاك ، ولا يصح ذلك لأن تتبير الشئ بمعنى سحقه وإهلاكه يجعله متبراً ، وهو غير التبر المسحوق بنفسه ، تقول : تبرته فصار متبراً ، ولا تقول : صار تبراً . فالأقرب أنهما أصلان .
2 . ورد في القرآن تتبير علو اليهود في حرب المسلمين الموعودة معهم : وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً . أي ليسحقوا بنيانهم وطغيانهم سحقاً .
وفي إهلاك الأمم الكافرة في قوله تعالى : وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا . وَكُلاً ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلاً تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا . « الفرقان : 38-39 » .
وفي جواب موسى عليه السلام لطلب اليهود : قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ . إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . أي أن عبادتهم للأصنام وعكوفهم عليها ، متبرة هالكة .
تَبِعَ - اتَّبع - تبيع - أتْبَعَه - تُبَّع
يقال : تَبِعَهُ واتَّبَعَهُ : قفا أثره ، وذلك تارةً بالجسم وتارةً بالإرتسام والإئتمار . وعلى ذلك قوله تعالى : فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِـمْ وَلاهُمْ يَحْزَنُونَ « البقرة : 38 » قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً . « يس : 20 » فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ « طه : 123 » إِتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ « الأعراف : 3 « وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ . « الشعراء : 111 » وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي . « يوسف : 38 » ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ « الجاثية : 18 » وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ . « البقرة : 102 » وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّـيْطانِ . « البقرة : 168 » إنكُمْ مُتَّبَعُونَ . « الدخان : 23 » وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيــلِ الله . « صـاد : 26 » هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِي . « الكهف : 66 » وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ . « لقمان : 15 » .
ويقال : أَتْبَعَه إذا لحقه ، قال تعالى : فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ . « الشعراء : 60 » ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً « الكهف : 89 » وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً « القصص : 42 » فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ « الأعراف : 175 » فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً . « المؤمنون : 44 » .
يقال أَتْبَعْتُ عليه ، أي أحلت عليه . ويقال أُتْبِعَ فلان بمال ، أي أحيل عليه .
والتبِيع : خُصَّ بولد البقر إذا تبع أمه . والتبَعُ : رِجْلُ الدابة وتسميته بذلك كما قال :
كأنما اليدانِ والرجلان طالِبتَا وِتْرٍ وهَاربانِ
والمُتْبِعُ من البهائم : التي يتبعها ولدها . وتُبَّعٌ : كانوا رؤساء سَمُّوا بذلك لاتِّباع بعضهم بعضاً في الرياسة والسياسة . وقيل : تُبَّع ملكٌ يتبعه قومه ، والجمع التبَابِعَة ، قال تعالى : أَهُـمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ « الدخان : 37 » . والتَّبَّعُ : الظل .
ملاحظات
1 . أخذ الراغب تعريف تَبِعَ من الخليل . كما وافق ابنَ فارس فجعل تَبِعَهُ واتَّبَعَهُ بمعنى واحد ، مع أن تَبِعَ أعم من اتَّبع وأقل مؤونة ، واتَّبع أشد في الإقتفاء .
والإتِّباع في القرآن أنواع ، فمن ذلك : ما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وآله باتباعه : مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ . مَا يُوحَى إِلَيْكَ . مِلَّةَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 169 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إِبْرَاهِيمَ . سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ . فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ . شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ .
وما نهى رسوله صلى الله عليه وآله عن اتباعه : وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ . أهواء قوم قد ضلوا من قبل . أهواء الذين كذبوا بآياتنا . أهواء الذين لايعلمون . سبيل المفسدين . ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله .
وما أمر الله الناس باتباعه : مَا أَنزَلَ اللَّهُ . أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم . يَسْـتَمِعُونَ الْقوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ . فَاتَّبِعُونِي . وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْـتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ . كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ . فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُـولِهِ . وَاتَّبِعُوهُ . يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ . إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ . مِّلَّةِ إِبْرَاهِيـمَ . لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ . وَاتَّبَعُـوا رِضْوَانَ اللَّهِ . وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ . كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ . وكذا اتباع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار .
وما نهى الناس عن اتباعه ، مثل : الهوى . أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا . مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ . خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ . وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ . وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ . . إن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ . قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا . وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ . وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ .
ومن موارد الإتباع : العلاقة بين حب الله تعالى واتباع الرسول صلى الله عليه وآله : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِى .
وأن المتبعين للنبي صلى الله عليه وآله كانــوا بعض المسلمين وليس كلهم : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .
ومقابلة اتباع الرسول صلى الله عليه وآله بالإنقلاب : وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ .
2 . استعمل الله تعالى أفعالاً لطلب الإستجابة لرسله عليهم السلام ، منها : إستجيبوا ، أطيعوا ، آمنوا ، اتبعوا ، الخ . ولكل منها أبعاد وخصائص ، ولعل أوسعها الإتباع الذي يعني أن الرسول عليه السلام يسير أمام الناس ، وعليهم أن يتبعوه ، لأنه يوصلهم الى الهدف ويجنبهم الضلال . كما أن القرآن ميز بين تبع واتبع ، فعبر بكل منهما في موارد ، والفرق بينهما في شدة الإتباع ، وقد يكون في نوع الإتباع ، أو المتبوع ، وبينهما فروق .
3 . ذكر القرآن التبابعة في آيتين : أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَأنوا مُجْرِمِينَ . . وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ . وقال المسعودي في مروج الذهب « 2/88 » : « كان لليمن ملوك لايُدْعَوْنَ بالتبابعة ممن تقدم وتأخر منهم ، حتى ينقاد الى ملكه أهل الشِّحْر وحضرموت ، فحينئذ يستحق أن يسمى تُبَّعاً ، ومن تخلف عن ملكه ممن ذكرنا سمي ملكاً ، ولم يطلق عليه اسم تُبَّع » . وأهل الشَّحْر : ما بين عدن وعمان .
وقال ابن خلدون « 1/358 » : « فالفرسُ طالت مدتهم آلافاً من السنين ، وكذلك القبط والنبط والروم ، وكذلك العرب الأولى من عاد وثمود والعمالقة والتبابعة » .
تَتْرَى - مواترةً
تَتْرَى على فَعْلَى ، من المواترة ، أي المتابعة وتراً وتراً ، وأصلها واو فأبدلت ، نحو تُراث وتِجاه . فمن صرَفَه جعل الألف زائدة لا للتأنيث ، ومن لم يَصْرِفْهُ جعل ألفه للتأنيث . قال تعالى : ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا . « المؤمنون : 44 » أي متواترين . قال الفرَّاء : يقال تترى في الرفع ، وتترى في الجر وتترى في النصب . والألف فيه بدل من التنوين وقال ثعلب : هي تفعل .
ملاحظات
فسر الراغب تترى بالتتابع ، لكن اللغويين فسروها بالتتابع مع فاصلة . قال ابن منظور « 5/276 » : « قوله تعالى : ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا ، من تتابع الأَشياء وبينها فَجَواتٌ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 170 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفَتَراتٌ ، لأَن بين كل رسولين فَتْرَةً . . قال محمد بن سلام : سأَلت يونس عن قوله تعالى : ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا ، قال : مُتَقَطِّعَةً مُتَفاوِتَةً . وجاءت الخيل تَتْرى إِذا جاءت متقطعة ، وكذلك الأَنبياء : بين كل نبيين دهر طويل » .
ويؤيده قول أمير المؤمنين عليه السلام في وصف الطاووس « نهج : 2/74 » : « وقد يتَحَسَّرُ من ريشه ، ويَعْرَى من لباسه ، فيسقط تترى ، وينبت تِبَاعاً » . فجعل سقوط ريشه تترى ، في مقابل نباته المتتابع .
ويؤيده أن الخليل تحفظ من اتصال التتابع فقال : « 8/133 » : « وقيل : تترى ، أي رسولاً بعد رسول » .
تَجِرَ - يتَّجر - تجارة - تاجر
التجَارَة : التصرف في رأس المال طلباً للربح ، يقال : تَجَرَ يَتْجُرُ ، وتَاجِر وتَجْر ، كصاحب وصحب ، قال : وليس في كلامهم تاء بعدها جيم غير هذا اللفظ ، فأما تجاه : فأصله وجاه ، وتجوب : التاء للمضارعة . وقوله تعالى : هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ « الصف : 10 » فقد فسَّر هذه التجارة بقوله : تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ « الصف : 11 » إلى آخر الآية . وقال : اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ « البقرة : 16 » إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجــارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ . « النســاء : 29 » تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ . « البقرة : 282 » .
قال ابن الإعرابي : فلان تاجرٌ بكذا ، أي حاذقٌ به عارف لوجه المكتسب منه .
ملاحظات
استعمل القرآن التجارة ، بالمعنى المادي في آيتين بَيَّنَ فيهما بعض أحكامهـا : إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجـارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ . تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ .
واستعملها في ست آيات في التجارة مع الله تعالى ، وأنها أفضل من التجارة المادية : هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ . رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ . يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ . مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَـارَةِ . الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ . وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَـارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا .
واستعمال التجارة للإيمان والعمل الصالح من ابتكارات الإسلام ، وقد سمى أمير المؤمنين عليه السلام كل الحياة تجارة فقال : » صبروا أياماً قصيرة ، أعقبتهم راحة طويلة ، تجارة مربحة ، يسرها لهم ربهم » . « نهج البلاغة : 2/161 » .
تَحْتَ - تُحوت
تَحْت : مقابل لفوق ، قال تعالى : لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ . « المائدة : 66 » . وقوله تعالى : جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ « الحج : 23 » تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ . « يونس : 9 » . فَناداها مِنْ تَحْتِها . « مريم : 24 » يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ . « العنكبوت : 55 » .
وتحت : تستعمل في المنفصل ، وأسفل في المتصل ، يقال : المال تحته ، وأسفله أغلظ من أعلاه ، وفي الحديث : لاتقوم الساعة حتى يظهر التحُوت أي الأراذل من الناس . وقيل : بل ذلك إشارة إلى ما قال سبحانه : وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ . « الإنشقاق : 3 » .
ملاحظات
1 . قوله إن تحت تستعمل في المنفصل ، صحيح ، لأن معنى كونه تحته أنه غيره . أما قوله إن أسفل للمتصل فلا يصح ، إلا إذا قلت أسفل الشئ بمعنى آخره السفلي ، . أما إذا قلت أسفل منه فمعناه أنه غيره ، كقوله تعالى : وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ . إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ . فلا اتصال هنا . وكذلك قوله : ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ، فلا اتصال بل تغيُّرٌ الى الأسفل .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 171 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 . لم أجد كلمة التحوت جمع تحت إلا عند أبي هريرة ، فقد زعم أن النبي صلى الله عليه وآله ذكر علامات الساعة وقال : « تظهر التحوت على الوعول » . « الصحاح : 5/1843 » . ورواه في مجمع الزوائد « 7/324 » وصححه . لكنه بعيد عن تعبير النبي صلى الله عليه وآله .
3 . وردت تحت في وصف الجنات التي تجري من تحتها الأنهار أكثر من ثلاثين مرة . وفي آية واحدة منها : أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ . وفي آيتين : لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ . لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ . وفي آية واحدة للذين اتبعوهم بإحسان : وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى تَحْتَهَا الأَنْهَارُ . بدون من . وبحث فروقها خارج عن غرضنا .
كما أن التحتية في الدنيا نسبية كقول فرعون : أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِى مِنْ تَحْتِى . أما في الآخرة فقد تكون تحتية حقيقية ، وتكون الأنهار والمياه جارية تحت كل الجنة أو تحت القصر ، كما في صرح سليمان : قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ ، فقد كان قاعة أرضها زجاجية تحتها الماء .
تَخِذَ - اتَّخذ
تَخِذَ : بمعنى أخذ ، قال : وقد تَخِذَتْ رِجلي إلى جَنْبِ غِرْزِهَا * نَسِيفاً كأُفحوص القَطاةِ المُطَرَّقِ واتّخذ : افتعل منه ، أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي « الكهف : 50 » قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ الله عَهْداً « البقرة : 80 » وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ الله آلِهَةً « مريم : 81 » وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى « البقرة : 125 » لا تَتَّخِـذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ « الممتحنة : 1 » لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً « الكهف : 77 » .
ملاحظات
إتَّخَذَ : أشد من تَخِذَ في التبني ، كما أن اتَّبَع أشد من تَبِعَ في الإقتداء . وتخذ في البيت الذي استشهد به بالتخفيف ، ولم يستعمل القرآن فعل تَخِذَ بالتخفيف أبداً ! ومعنى البيت : أن هذا البدوي العنيف ركب ناقته وكان ينخسها لتسرع ، فأثَّرَ عقب رجله في جنبها كمبيض القطاة ، وعبر عنه بأن رجله تَخِذت نسيفاً في جنب ناقته ، أي حفرة .
ومن ضعف سليقة الراغب أنه استشهد ببيت عامي غير بليغ ، ولا وجود لمادته في القرآن !
تَرِبَ - تراب - أَتْرَبَ - أتراب- تَرْبَاء
الترَاب : معروف ، قال تعالى : أَإِذا كُنَّا تُراباً . « الرعد : 5 » وقال تعالى : خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ . « فاطر : 11 » يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً . « النبأ : 40 » . وتَرِبَ : افتقر ، كأنه لصق بالتراب ، قال تعالى : أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ . « البلد : 16 » أي ذا لصوق بالتراب لفقره . وأَتْرَبَ : استغنى ، كأنه صار له المال بقدر التراب .
والترْبَاء : الأرض نفسها . والتيْرَب واحد التيَارب . والتوْرَب والتوْرَاب : التراب .
وريح تَرِبَة : تأتي بالتراب ، ومنه قوله عليه السلام : عليك بذات الدين تَرِبَتْ يداك . تنبيهاً على أنه لا يفوتنك ذات الدين ، فلا يحصل لك ما ترومه فتفتقر من حيث لا تشعر . وبارح تَرِبٌ : ريح فيها تراب .
والترائب : ضلوع الصدر ، الواحدة : تَرِيبَة . قال تعالى : يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالترائِبِ . « الطارق : 7 » .
وقوله : أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً . « الواقعة : 36 » وَكَواعِبَ أَتْراباً « النبأ : 33 » وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطرْفِ أَتْرابٌ « صاد : 52 » أي لِدَاتٌ تنشأن معاً تشبيهاً في التساوي والتماثل بالترائب التي هي ضلوع الصدر . أو لوقوعهن معاً على الأرض . وقيل لأنهن في حال الصبا يلعبن بالتراب معاً .
ملاحظات
قال ابن فارس « 1/346 » : « أصلان ، أحدهما : التراب وما يشتق منه ، والآخر : تساوي الشيئين . فالتِّرْبُ : الخِدْنُ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 172 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والجمع أتراب ، ومنه التريب وهو الصدر عند تساوي رؤوس العظام » .
وقال ابن منظور « 1/327 » : « وقوله عز وجل : خُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍ يَخْرُج من بينِ الصُّلْب والترائبِ . قال أَهل اللغة أَجمعون : الترائبُ موضع القِلادةِ من الصَّدْرِ » .
وقد جعل الراغب وأكثر اللغويين مادة ترب أصلاً واحداً ، فيكون معنى الأتراب الذين كانوا يلعبون معاً بالتراب ، وهو رأي قوي .
وأضاف اليها الخليل « 8/117 » معنى النشاط فقال : « الترب والتريب : اللدة ، وهما تربان ، وقوله عز وجل : عُرُبَا أتراباً ، أي نشاطاً أمثالاً . والتريبة : ما فوق الثندوتين إلى الترقوتين ، وتجمع الترائب » .
تَرِثَ - تراث
وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ . « الفجر : 19 » أصله : وُرَاثٌ ، وهو من باب الواو .
تَفَثَ - تَفَثَاً
قال تعالى : ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ . « الحج : 29 » أي يزيلوا وسخهم . يقال : قضى الشئ يقضي : إذا قطعه وأزاله . وأصل التفْث وسخ الظفر وغير ذلك مما شابه أن يزال عن البدن . قال أعرابي : ما أَتْفَثَكَ وأدْرَنَك .
ملاحظات
ورد التفث في آية واحدة في مناسك الحج ، قال تعالى : ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ . والمعروف في معناه أنه يشمل الوسخ المادي والمعنوي ، أي ليزيلوا تفثهم ، لكن ورد في مناقب ابن سليمان « 2/253 » عن علي عليه السلام قال : « دخلت على النبي صلى الله عليه وآله ذات يوم وعيناه تفيضان ، قلت : يا رسول الله أغْضَبَك أحد ما شأن عينيك تَفِثَة؟ قال : بلى ، قام عندي جبرئيل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات » . فعبر عن تغير العين من البكاء بالتفث .
وفي حديث أحمد « 4/15 » : عن النبي صلى الله عليه وآله : « فقد تم حجه ، وقضى تفثه » . بمعنى مناسكه . قال ابن فارس « 1/350 » : « قال أبو عبيدة : هو قص الأظافر وأخذ الشارب وشم الطيب ، وكل ما يحرم على المحرم إلا النكاح . قال : ولم يجئ فيه شعر يحتج به » .
وقال ابن منظور « 2/120 » : « قال الزجاج : لا يَعْرِفُ أَهلُ اللغة التفَثَ إِلَّا من التفسير . وعن ابن عباس قال : التفَثُ الحَلْق والتقْصير والأَخْذُ من اللحية والشارب والإِبط ، والذبحُ والرَّمْيُ . ورجل تَفِثٌ : أَي متغير شَعِثٌ ، لم يَدَّهِنْ ، ولم يَسْتَحِد . وقال ابن الأَعرابي : ثم ليَقْضُوا تَفَثَهم . قال : قَضاءُ حَوائجهمِ من الحَلْق والتنْظِيفِ » . وهذا يدل على شمول التفث لجميع المناسك .
وفي الكافي « 4/549 » عن عبد الله بن سنان أنه سأل الإمام الصادق عليه السلام عن الآية فقال : « أخذ الشارب وقص الأظفار وما أشبه ذلك ، قال قلت : جعلت فداك إن ذريح المحاربي حدثني عنك بأنك قلت له : ليقضوا تفثهم : لقاء الإمام وليوفوا نذورهم تلك المناسك؟ فقال : صدق ذريح وصدقت ، إن للقرآن ظاهراً وباطناً . ومن يحتمل ما يحتمل ذريح » ! فجعل التفث بمعنى المناسك يشمل الطواف بالبيت والتنظف والتطيب ، ولقاء الإمام عليه السلام .
تَرِفَ - ترفاً - مترف - تُرف
الترْفَةُ : التوسع في النعمة ، يقال : أُتْرِفَ فلانٌ فهو مُتْرَف . أَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا « المؤمنون : 33 » وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ « هود : 116 » وقال : إرْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ « الأنبياء : 13 » . وأَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ « المؤمنون : 64 » وهم الموصوفون بقوله سبحانه : فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ . « الفجر : 15 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 173 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
1 . الترف حالة في الشخصية ، تكون في الأغنياء والفقراء على السواء ، وهي حب التنعم والتأنق والدعة ، في مأكله وملبسه وكل أموره . وقد ورد الترف في القرآن في ثمان آيات ، كلها للذم ، أورد منها الراغب أربعة . وقال تعالى : وَإِذَا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا . وقال : قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ . وقال : قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ . وقـال : إِنَّهُمْ كَأنوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ .
تَرَقَ - تراقي- ترقوة
قال تعالى : كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التراقِيَ وَقِيلَ مَنْ راقٍ . « القيامة : 26 » جمع تَرْقُوَة ، وهي عظم وصل ما بين ثغرة النحر والعاتق .
ملاحظات
جعل الترقوة هنا من تَرَقَ . وجعلها في حرف الراء من رَقَيَ ، وهو الصحيح . وقد وردت التراقي في آية واحدة .
وهي جمع الترقوة ، وقد أخذ الراغب تعريفها من الخليل « 5/126 » فهي أعلى عظام الصدر من الجانبين ، قبل النحر والجوزة . والترائب دونها ، قال الجوهري « 1/91 » : « والتريبة : واحدة الترائب ، وهي عظام الصدر ، ما بين الترقوة إلى الثندوة » . أي أول الثدي . قال الإمام زين العابدين عليه السلام في دعائه « الصحيفة/204 » : « وهَوِّنْ بِالْقُرْآنِ عِنْدَ الْمَوْتِ عَلَى أَنْفُسِنَا كَرْبَ السِّيَاقِ ، وجَهْدَ الأَنِينِ ، وتَرَادُفَ الْحَشَارِجِ ، إِذَا بَلَغَتِ النُّفُوسُ التَّراقِيَ ، وقِيلَ مَنْ راقٍ ، وتَجَلَّى مَلَكُ الْمَوْتِ لِقَبْضِهَا مِنْ حُجُبِ الْغُيُوبِ » .
وقال ابن منظور « 10/32 » : « وفي حديث الخوارج : يقرؤون القرآن لا يُجاوز حَناجِرهم وتَراقِيَهم . والمعنى أَن قراءَتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها ، فكأنها لم تُجاوز حُلوقهم » .
تَرَكَ - تركاً - تركة - تريكة
تَرَكُ الشئ : رفَضَه ، قصداً واختياراً ، أو قهراً واضطراراً . فمن الأول : وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ . « الكهف : 99 » وقوله : وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً . « الدخان : 24 » . ومن الثاني : كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ « الدخان : 25 » ومنه : تَرِكَة فلان لما يخلفه بعد موته .
وقد يقال في كل فعل ينتهي به إلى حالة ما : تركته كذا ، أو يجري مجرى جعلته كذا ، نحو : تركت فلاناً وحيداً .
والترِيكَة : أصله البيض المتروك في مفازة . وتسمى بيضة الحديد بها كتسميتهم إياها بالبيضة .
ملاحظات
التَّرك : انصرافٌ عن الشئ ، وقد يكون عن رفض له ، أو بغير رفض . قال الخليل « 5/337 » : « الترك : وَدَعُكَ الشئ . والترك : الجعل في بعض الكلام . تركت الحبل شديداً ، أي جعلته . والتريكة : ماء يمضي عنه السيل ويتركه ناقعاً . وسمي الغدير ، لأن السيل غادره » .
وقال ابن فارس « 1/345 » : « الترك : التخلية عن الشئ . وفي الكتاب المنسوب إلى الخليل : يقال تركت الحبل شديداً ، أي جعلته شديداً . وما أحسب هذا من كلام الخليل » .
أقول : بل ما نسب إلي الخليل صحيح ، ولم يطلع ابن فارس على استعمال العرب لترك بمعنى جعل ، تقول : كسَّرَهُ ودقه حتى تركه كالطحين ، أي جعله . وأكرم عدوه حتى تركه صديقاً ، أي جعله . وفي حديث عمار في أيام السقيفة : « فلُبِّبَ وَوُجِئَ في عنقه حتى تُرِكَتْ كالسِّلْعة » . « الإختصاص : 1/10 » . ومنه قوله تعالى : فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا . وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً . وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ . وغيرها .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 174 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تِسْعَة
التسْعَةُ : في العدد معروفة وكذا التسْعُون ، قال تعالى : تِسْعَةُ رَهْطٍ . « النمل : 48 » تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً . « صاد : 23 » ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً . « الكهف : 25 » عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ . « المدثر : 30 » . والتسْع : من أظماء الإبل . والتسْع : جزءٌ من تسعة . والتسَعُ : ثلاث ليال من الشهر آخرها التاسعة .
وتَسَّعْتُ القوم : أخذت تِسْعَ أموالهم ، أو كنت لهم تاسعاً .
ملاحظات
الإبل التَّوَاسِعُ : أي تُظمأ ثمانية أيام ، وتسقى في التاسع . وقال الخليل « 1/325 » : « تَسِعْتُ القوم : أي صرت تاسعهم . وأَتْسَعْتُ الشئ إذا كان ثمانية وأتممته تسعة » .
وقال ابن منظور « 8/34 » : « التاسُوعاء : اليوم التاسع من المحرم . وحبْلٌ مَتْسُوع : على تِسْع قُوىً . وقوله تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ . قيل في التفسير إِنها أَخْذُ آلِ فِرعون بالسِّنِينَ ، وهو الجَدْب حتى ذهبت ثِمارُهم ، وذهب من أَهل البوادي مَواشِيهم . ومنها إِخراج موسى عليه السلام يدَه بيضاء للناظرين . ومنها إِلقاؤه عصاه فإِذا هي ثُعبان مبين . ومنها إِرسال الله تعالى عليهم الطوفان والجَراد والقُمَّلَ والضَّفادِعَ والدَّمَ . وانْفِلاقُ البحر . ومن آياته : انفجار الحجر » .
تَعِسَ - تعساً - تعسةً
التَّعْسُ : أن لا ينتعش من العثرة ، وأن ينكسر في سفال ، وتَعِسَ تَعْساً وتَعْسَةً . قال تعالى : فَتَعْساً لَهُمْ . « محمد : 8 » .
ملاحظات
أصل تَعِسَ : بمعنى عثر ووقع على وجهه ، وأكثر ما يستعمل للدابة . ويستعمل في الدعاء على أحد ، تقول : تَعِسَ عبد الدينار والدرهم ، وتَعْساً ونَكْساً . والنكس أن يقوم من تعسته ثم يَتْعَس . « المصباح المنير/75 » . قال الله تعالى : وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ . « محمّد : 8 » .
تَقْوَى
تاء تقوى مقلوب من الواو ، وذلك مذكور في بابه . « وقي » .
تَكَأ - تُكأة - متكأ - متكئين
المُتَّكَأ : المكان الذي يتكأ عليه ، والمخدَّة المتكأ عليها . وقوله تعالى : وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً « يوسف : 31 » أي أُتْرُجاً ، وقيل طعاماً متناولاً ، من قولك : إتكأ على كذا فأكله . قال تعالى : قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْها . « طه : 18 » مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ « الطـور : 20 » عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ . « يس : 56 » مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ . « الواقعة : 16 » .
ملاحظات
التاء في تَكَأَ ليست أصلية ، فموضعها في وَكَأ . وقد عنون الراغب وَكَأ ، لكن اختصرها . ولا يصح تفسيره للمتكأ بالطعام ، بل معنى الآية : هيأت لهن مجلساً ، وقدمت لهن فاكهة تقطع بالسكين ، ثم قالت ليوسف عليه السلام : أخرج عليهن .
تَلَّ - تَلَّهُ - مِتَلٌّ
أصل التلِّ : المكان المرتفع . والتلِيل : العنق . وَتَلَّـهُ لِلْجَبِين . « الصافات : 103 » : أسقطه على التل ، كقولك : تَرَّبَه : أسقطه على التراب . وقيل : أسقطه على تليله ، والمِتَّل : الرمح الذي يُتَلُّ به .
ملاحظات
خلط الراغب بين التل بمعنى الشد ، والتل بمعنى الربوة ، فتصور أن تله بمعنى أسقطه على التل ! بينما معناه : شده وجذبه وأسقطه على وجهه . قال ابن فارس « 1/339 » : « التلتلة : الإقلاق . . وأما ضده : فَتَلَّهُ أي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 175 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
صرعه ، وهذا جنس من المقابلة . والمُتِلُّ : الرمح الذي يُصْرَعُ به . قال الله تعالى : وَتَلَّهُ لِلْجَبِينْ » .
فتَلَّهُ بمعنى : شَدَّهُ شداً سريعاً ، وهو قريب من نَتَلَهُ . ولا علاقة له بالتل والربوة . قال الخليل « 8/107 » : « تلَّ فلانٌ فلاناً : أي صرعه ، وما أسوأ تلته أي صَرْعَتَه . والتلتلة مثل الترترة في التحريك » . وروى البخاري « 3/100 » « قال : فَتَلَّهُ رسول الله في يده » .
تَلَوَ -تِلْواً - تلى - تلاوةً
تَلَاهُ : تبعه متابعة ليس بينها ما ليس منها ، وذلك يكون تارة بالجسم ، وتارة بالإقتداء في الحكم . ومصدره : تُلُوٌّ وتُلْوٌ . وتارة بالقراءة وتدبر المعنى ومصدره : تِلَاوَة .
وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها . « الشمس : 2 » أراد به هاهنا الإتباع على سبيل الإقتداء والمرتبة ، وذلك أنه يقال : إن القمر هو يقتبس النور من الشمس ، وهو لها بمنزلة الخليفة ، وقيل : وعلى هذا نبه قوله : وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَـراً مُنِيراً . « الفرقان : 61 » فأخبر أن الشمس بمنزلة السراج ، والقمر بمنزلة النور المقتبس منه . وعلى هذا قوله تعالى : جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً « يونس : 5 » والضياء أعلى مرتبة من النور ، إذ كل ضياء نور ، وليس كل نور ضياء . وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ . « هود : 17 » أي يقتدي به ويعمل بموجب قوله .
يَتْلُونَ آياتِ الله « آل عمران : 113 » والتلاوة : تختص باتباع كتب الله المنزلة ، تارة بالقراءة ، وتارة بالإرتسام لما فيها من أمر ونهي وترغيب وترهيب ، أو ما يتوهم فيه ذلك ، وهو أخصُّ من القراءة ، فكل تلاوة قراءة ، وليس كل قراءة تلاوة . لايقال : تلوت رقعتك ، وإنما يقال في القرآن في شئ إذا قرأته وجب عليك اتباعه .
هنالك تتلو كل نفس ما أسلفت « يونس : 30 » وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا « الأنفال : 31 » أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ إنا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ . « العنكبوت : 51 » قُلْ لَوْ شاءَ الله ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ . « يونس : 16 » وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً . « الأنفال : 2 » . فهذا بالقراءة ، وكذلك : وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ « الكهف : 27 » وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحق « المائدة : 27 » فَالتالِياتِ ذِكْراً « الصافات : 3 » .
وأما قوله : يَتْلُونَهُ حق تِلاوَتِهِ « البقرة : 121 » فاتباع له بالعلم والعمل . ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ . « آل عمران : 58 » أي ننزله .
وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ . « البقرة : 102 » واستعمل فيه لفظ التلاوة لما كان يزعم الشيطان إن ما يتلونه من كتب الله .
والتلَاوَة والتلِيَّة : بقية مما يتلى ، أي يتبع . وأَتليته أي أبقيت منه تلاوة ، أي تركته قادراً على أن يتلوه . وأَتْلَيْتُ فلاناً على فلان بحق ، أي أحلته عليه .
ويقال : فلان يَتْلُو على فلان ويقول عليه ، أي يكذب عليه . قال : وَيَقُولُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ « آل عمران : 75 » ويقال : لا دَرَى ولا تَلَا ، ولا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ . وأصله ولا تلوت ، فقلب للمزاوجة كما قيل : مأزورات غير مأجورات وإنما هو موزورات .
ملاحظات
1 . اشتبه الراغب فجعل تتلو بدل تبلو ، في قوله تعالى : هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ « يونس : 30 » . وأصرَّ على اشتباهه في مادة بَلِيَ فزعم أن تبلو قراءة ، والأصل تتلو ! قال : وقرئ : هُنالِكَ تَبْلُوا كل نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ . لكنه ذكر الآية بشكل صحيح في مادة : هُنَا . أما قوله : فلان يَتْلُو على فلان أي يكذب عليه ! فهو في ذهنه وخياله ، ولا يوجد في العربية .
2 . تلاوة القرآن : قراءته ، وهي مصطلح لقراءة القرآن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 176 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بطريقة تمييزها عن قراءة غيره ، وسُميت تلاوةً لأن الكلمة أو الآية منها تتلو ما قبلها . فيقال قرأ الرسالة ، وتلا القرآن . وليس فيها دلالة على اتباع الذي يتلو للقرآن ، ولا علي تدبره فيه وفهمه إياه ! فالعجب من الراغب وبعض اللغويين كيف جعلوا تلاوة القرآن بمعنى اتباعه ! وهم يقرؤون قوله تعالى لبني إسرائيــل : أَتَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ . وقال تعالى : وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَئٍْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ . فوبخهم لعدم اتباعهم الكتاب مع أنهم يتلونه ! نعم تلاوة الكتاب حق التلاوة تعني اتباعه ، قال تعالى : يَتْلُونَهُ حق تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ .
ولعل الراغب أحس بخطأ اشتراط الإتباع في التلاوة فتهرب منه فقال : « والتلاوة تختص باتباع كتب الله المنزلة ، تارة بالقراءة ، وتارة بالإرتسام لما فيها من أمر ونهي وترغيب وترهيب » . فجعل القراءة بدون ارتسام نوعاً من الإتباع ! والصحيح أنها لا تتضمن اتَّباعاً .
3 . سبب تصورهم أن تلاوة القرآن تتضمن اتباعه ، أن التلاوة فيها تتابع الكلام ، فخلطوا بينه وبين اتباع القرآن . وبعض عباراتهم موهمة كقول ابن فارس « 1/351 » : « التاء واللام والواو : أصل واحد وهو الإتْبَاع . يقال تلوته إذا تَبِعْتَه . ومنه تلاوة القرآن لأنه يُتْبِعُ آيةً بعد آية » . وكان يجب عليه أن يقول : أتْبَعْتُهُ لا تَبِعْتُهُ ، لأن الإتباع بسكون التاء غير الإتباع بتشديدها .
4 . التلاوة بمعنى قراءة القرآن ابتكار إسلامي ، فلم أجدها في نص قبل الإسلام إلا في البشارة بالنبي صلى الله عليه وآله بأنه ستظهر على يديه التلاوة !
فقد رووا عن سطيح الكاهن قوله : « إذا غاضت بحيرة ساوة ، وظهرت بأرض تهامة التلاوة ، وظهر صاحب الهراوة ، فليست الشام لسطيح شاماً » . « الفائق : 2/19 » . والظاهر أن النص موضوع ومأخوذ من المصطلح الإسلامي !
تَمَّ - تماماً - تام - متم
تَمَام الشئ : انتهاؤه إلى حدٍّ لا يحتاج إلى شئ خارج عنه . والناقص : ما يحتاج إلى شئ خارج عنه ، ويقال ذلك للمعدود والممسوح . تقول : عدد تَامٌّ وليلٌ تام ، قال : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ . « الأنعام : 115 » وَاللَّه مُتِمُّ نُورِهِ . « الصف : 8 » وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ . « الأعراف : 142 » .
ملاحظات
1 . تعريفه للتمام بأنه ما يحتاج الى مكمل ، ضعيف . ولا فرق فيه بين المعدود وغيره . ولا يصح تعريفه الآتي للكمال بأنه حصول الغرض ، فالتمام كذلك .
ومن المسائل الدقيقة التمييز بين الإتمام والإكمال ، وقد ذكر اللغويون أنهما مترادفان ، قال الخليل « 5/378 » : « الكمال : التمام الذي يجزأ منه أجزاؤه ، تقول : لك نصفه وبعضه وكماله . وأكملت الشئ : أجملته وأتممته » . ومثله الصحاح « 5 /1813 »
وقال ابن فارس : « 5/139 » : « يقال كمل الشئ وكمل فهو كامل ، أي تام » .
وقال ابن منظور « 11/598 » : « الكَمَال : التَّمام ، وقيل : التَّمام الذي تَجَزَّأَ منه أَجزاؤه » .
وقد ذكرنا في مادة تمَّ أنه لايصح القول بترادفهما ، لأن الله تعالى قال : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى . وقال تعالى : وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ . فالإكمال غير الإتمام ، لكن التفريق بينهما مشكل .
وقد يقال إن الكمال يوصف به المركب الذي ينتفي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 177 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وجوده بانتفاء جزئه ، كتبليغ الرسالة الذي ينتفي بعدم تبليغ رسالة واحدة منه : وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ . والتمام يوصف به المركب الذي لا ينتفي بانتفاء جزئه ، كالرضاعة ، فالتام منها حولان وإن نقصت يوماً لم تتم ، لكنها تسمى رضاعة غير تامة . ولعل تعبير ابن منظور : التَّمام الذي تَجَزَّأَ منه أَجزاؤه ، ناظر الى ذلك .
لكن يُنْقَضُ عليه بقوله تعالى : ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ، فإن الصيام مركب ينتفي بانتفاء جزء منه .
والظاهر أن الفرق بينهما في موضوعهما ، فالكمال لنوع من الموضوعات ، والتمام لنوع آخر ، ولم أصل الى نتيجة مقنعة في الفرق الدقيق بينهما .
2 . استعمل القرآن التمام : في كلمات الله عز وجل : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً . وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ . وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ .
واستعمل التمام في إتمام نعمته على الناس : كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ .
وفي امتحان إبراهيــم عليه السلام : وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ .
وفي نور المؤمنين : يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا .
ووعدَ أن يتم نوره في الأرض : وَ اللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .
وفي إتمام النعمة على يوسف عليه السلام : وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ .
وفي إتمام ميقات موسى عليه السلام : فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِيـنَ لَيْلَةً .
وفي عقد موسى مع شعيب : فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ .
وفي إيتاء موسى الكتـاب : ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ .
وفي إتمام النعمة على المسلمين : وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ . وَلأُتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ .
وفي النعمة على نبينا صلى الله عليه وآله : وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ .
وفي الرضاعة : حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ .
وفي إتمام الصيام والحج : ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ . وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمَرَةَ للهِ .
وفي إتمام العهد : فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ .
تَوْرَاة
التوراة : التاء فيه مقلوب ، وأصله من الورى وبناؤها عند الكوفيين : وَوْرَاة ، تَفْعِلَة ، وقال بعضهم : هي تَفْعَلَة ، نحو تَنْفَلَة . وليس في كلامهم تفعلة إسماً . وعند البصريين وَوْرَاة ، هي فَوْعَلة نحو حَوْصَلَة . قال تعالى : إنا أَنْزَلْنَا التوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ « المائدة : 44 » ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التوْراةِ ، وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ . « الفتح : 29 » .
ملاحظات
1 . العجب من اللغويين كيف يحاولون إشتقاق كلمات غير عربية كالتوراة من أصل عربي ، ثم يتنازعون فيما يفترضونه من خيالهم ! قال ابن منظور « 15/398 » : « والتوْرَاةُ عند أَبي العباس تَفْعِلةٌ . وعند الفارسي فَوْعلة ، قال : لقلة تَفْعِلة في الأسماء وكثرة فَوْعلة » . وقد أجاد ابن فارس حيث لم يعتبرها أصلاً عربياً ، فقال « 1/358 » : « التاء والواو والراء ليس أصلاً يعمل عليه . . وذكر ابن دريد كلمة لو أعرض عنها كان أحسن ، قال : التُّور الرسول بين القوم عربي صحيح » .
وارتضى الجوهري قول ابن دريد « 2/602 » لكن ابن فارس خالفهما في أن التور بمعنى الرسول عربي . لذلك لا نطمئن باشتقاق التوراة منه . والأقرب أنها عبرية أو بابلية ، وقيل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 178 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إن التوْرَا بالعبرية تعني الشـريعة وجمعها التوراة ، وقيل معناها : الإراءة والتعليم والتوجيه . والذي أرجحه أن تكون مشتقة من معنى التلاوة ، لأن تلاوة الكتاب الإلهي مَرَّةً ومَثْنَاةً من أصول ثقافتهم الدينية . وسيأتي في التين والطور ما ينفع في ذلك . وهو بحث تاريخي لغوي مهم .
تَارَةً
أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى . « الإسراء : 69 » وقال تعالى : وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى . « طه : 55 » أي مرَّة وكرَّة أخرى ، هو فيما قيل من تار الجرح : التأم .
ملاحظات
جعله الراغب من تار الجرح ، وجعلها الخليل « 7/446 » من طورٍ بعد طور . وقد تكون من إبدال الطاء تاء . وقال ابن منظور « 4/96 » إنها بمعني الحين ، وهو المعنى السائد لها في العربية ، ويمكن أن يكون الحين بمعنى المرة .
تِينٌ
قال تعالى : وَالتينِ وَالزَّيْتُونِ . « التين : 1 » قيل : هما جبلان ، وقيل هما المأكولان . وتحقيق موردهما واختصاصهما يتعلق بما بعد هذا الكتاب .
ملاحظات
يقصد الراغب الكتاب الذي وعد بتأليفه في مقدمته قال : « وأُتْبِعُ هذا الكتاب . . بكتاب ينبئ عن تحقيق الألفاظ المترادفة » لكن الأجل لم يمهله لتأليفه . وقد ورد التين في القرآن في هذه الآية فقط ، وسميت به السورة . والمعنى : أقسم لكم ببلاد التين والزيتون وطور سيناء ومكة ، وجهود الأنبياء عليهم السلام فيها لهداية الإنسان ، أنا خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ، وجاهد أنبياؤنا الكبار لهدايته ، فاهتدى قسم وكذب آخرون ، فرددنا المكذبين أسفل سافلين .
فالمقصود فيها بلاد التين والزيتون وليس ثمرهما ، بقرينة المعطوف عليه والمقسم عليه ، وبدليل ما رواه الإمام الكاظم عليه السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله تبارك وتعالى اختار من كل شئ أربعة : اختار من الملائكة جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام . واختار من الأنبياء أربعة للسيف إبراهيم وداود وموسى وأنا . واختار من البيوتات أربعة فقال : إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيـمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَـالَمِينَ . واختـار من البلــدان أربعة فقـال عز وجـــل : وَالتينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ . فالتيــن المدينة ، والزيتون بيت المقدس ، وطور سينين الكوفة ، وهذا البلد الأمين مكة » . « الخصال/225 » .
ونصت أحاديث أهل البيت عليهم السلام على أن إسم طور سينين أصله للكوفة . ومعناه أن إبراهيم وبنيه عليهم السلام سموا به طور سيناء في مهجرهم ، كما يسمي المهاجرون بأسماء مدن بلدهم الأصلي . والى الآن توجد منطقة قرب النجف تسمى الطارات . ويساعدعليه أن إبراهيم عليه السلام رجع مع إسماعيل بعد هلاك نمرود وتجديد الكعبة الى العراق وكانا في الكوفة .
وقد تكون الطارات والطور لها علاقة بالتلاوة ، وتكون سميت التوراة ، لأنها تستحق أن تتلى ، كما سمي القرآن ، لأنه يستحق أن يقرأ . وللبحث في ذلك مجال آخر .
تَوَبَ - تاب - توبة - توباً - تائب - متاب
التوْبُ : ترك الذنب على أجمل الوجوه وهو أبلغ وجوه الإعتذار ، فإن الإعتذار على ثلاثة أوجه : إما أن يقول المعتذر : لم أفعل ، أو يقول : فعلت لأجل كذا ، أو فعلت وأسأت وقد أقلعت ، ولارابع لذلك . وهذا الأخيرهو التوبة .
والتوْبَةُ في الشرع : ترك الذنب لقبحه والندم على ما فرط
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 179 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
منه ، والعزيمة على ترك المعاودة ، وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالأعمال بالإعادة ، فمتى اجتمعت هذه الأربع ، فقد كملت شرائط التوبة .
وتاب إلى الله : فَذِكْرُ إلى الله يقتضي الإنابة نحو : فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ . « البقرة : 54 » وَتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعاً . « النور : 31 » أَفَـلا يَتُوبُونَ إِلَى الله . « المائدة : 74 »
وتَابَ الله عليـه ، أي قبـل توبته ، منه : لَقَدْ تابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ . « التوبة : 117 » ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا . « التوبة : 118 » فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفاعَنْكُمْ . « البقرة : 187 » .
والتائب : يقال لباذل التوبة ولقابل التوبة ، فالعبد تائب إلى الله ، و الله تائب على عبده .
والتوَّاب : العبد الكثير التوبة ، وذلك بتركه كل وقت بعض الذنوب على الترتيب حتى يصير تاركاً لجميعه . وقد يقال ذلك لله تعالى ، لكثرة قبوله توبة العباد حالاً بعد حال .
وقوله : وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإنهُ يَتُوبُ إِلَى الله مَتاباً . « الفرقان : 71 » أي التوبة التامة ، وهو الجمع بين ترك القبيح وتحري الجميل . عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ . « الرعد : 30 » إنهُ هُوَ التوَّابُ الرَّحِيمُ . « البقرة : 54 » .
ملاحظات
1 . قال ابن منظور « 1/233 » : « رَجل تَوَّابٌ : تائِبٌ إلى اللَّه . واللَّه تَوّابٌ : يَتُوبُ علَى عَبْدِه . وقوله تعالى : غافِرِ الذَّنْبِ وقابِلِ التوْب . يجوز أَن يكون عَنَى به المَصْدَرَ كالقَول ، وأَن يكون جمع تَوْبةٍ كَلَوْزةٍ ولَوْزٍ ، وهو مذهب المبرد . وقوله تعالى : وتُوبُوا إلى اللَّه جَمِيعاً . أَي عُودُوا إلى طَاعتِه وأَنيبُوا إليه . و اللهُ التوَّابُ : يَتُوبُ على عَبْدِه بفَضْله إذا تابَ إليه من ذَنْبه . واسْتَتَبْتُ فُلاناً : عَرَضْتُ عليه التوْبَةَ مما اقْتَرَف ، أَي الرُّجُوعَ والنَّدَمَ » .
2 . التوبة في القرآن موضوع مهم ، لأن القرآن كتاب دعوة الى الله تعالى ، والتوبة هي الرجوع الى الله تعالى من الكفر ، أو من المعصية .
وقد استعملها القرآن أكثر من ثمانين مرة ، شملت : أصول نظام التوبة . والدعوة اليها . ووجوبها . وكيفيتها . وشروطها . وأنواع التائبين وحالاتهم . وتعامل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله والمؤمنين معهم . ونتائج التوبة .
3 . يظهر من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام أن التوبة فعلٌ نفسـي ، وإن ترتب عليه فعل بدني . فقد روى الصدوق في التوحيد/408 قول النبي صلى الله عليه وآله : « كفى بالندم توبة . وقال صلى الله عليه وآله : من سرته حسنته وساءته سيئة فهو مؤمن ، فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ، ولم تجب له الشفاعة ، وكان ظالماً » .
وعليه ، فكل ما ورد من شروط للتوبة غير الندم ، فهو يعود الى شروط قبولها ، أو الى نوع التائب .
التِّيهُ - تاهَ - تيهاء - توهه
يقال : تَاهَ يَتِيهُ : إذا تحيَّر ، وتاه يَتُوهُ لغةٌ في تاهَ يتيه . وفي قصة بني إسرائيل : أَرْبَعِينَ سنة يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ . « المائدة : 26 » . وتَوَّهَهُ وتَيَّهَهُ : إذا حيَّره وطرحه . ووقع في التيهِ والتوه ، أي في مواضع الحيرة . ومفازة تَيْهَاء : تحيَّر سالكوها .
ملاحظات
استعمل القرآن كلمة يتيهون مرة واحدة ، في تيه بني إسرائيل في سيناء ، فقال : قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سنة يَتِيهونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَاسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ .
ورويَ عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال : « فلما أبَوْا أن يدخلوها حرمها الله عليهم ، فتاهوا في أربع فراسخ ، أربعين سنة يتيهون في الأرض . ونَزَّل عليهم المن والسلوى . وكان معهم حَجَرٌ إذا نزلوا ضربه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 180 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
موسى عليه السلام بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً ، لكل سبط عين . فإذا ارتحلوا رجع الماء إلى الحجر ، ووضع الحجر على الدابة . . وكانوا إذا أمسوا نادى مناديهم أمسيتم ، الرحيل . فيرتحلون بالحداء والزجر حتى إذا أسحروا ، أمر الله الأرض فدارت بهم ، فيصبحوا في منزلهم الذي ارتحلوا منه فيقولون : قد أخطأتم الطريق ! فمكثوا بهذا أربعين سنة » ! « الإختصاص/265 » .
التاءَات
التاء في أول الكلمة : للقسم ، نحو : تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ . « الأنبياء : 57 » وللمخاطب في الفعل المستقبل نحو : تُكْرِهُ النَّاسَ . « يونس : 99 » وللتأنيث نحو : تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ . « فصلت : 30 » .
وفي آخر الكلمة تكون : إما زائدة للتأنيث ، فتصير في الوقف هاء نحو : قائمهْ . أو تكون ثابتة في الوقف والوصل ، وذلك في أخت وبنت . أو تكون في الجمع مع الألف ، نحو مسلمات ومؤمنات .
وفي آخر الفعل الماضي لضمير المتكلم ، نحو قوله تعالى : وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً « المدثر : 12 » أو للمخاطب مفتوحاً نحو : أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ . « الفاتحة : 7 » ولضمير المخاطبة مكسوراً ، نحو : لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا . « مريم : 27 » . و الله أعلم .
ملاحظات
قال ابن هشام في المغني « 1/115 » : « التاء المفردة : محركةٌ في أوائل الأسماء ومحركةٌ في أواخرها ، ومحركةٌ في أواخر الأفعال ، ومسكنةٌ في أواخرها . فالمحركة في أوائل الأسماء : حرف جر ، معناه القسم ، وتختص بالتعجب وباسم الله تعالى .
والمحركة في أواخرها : حرف خطاب نحو أنتَ وأنتِ .
والمحركة في أواخر الأفعال : ضمير نحو قمتُ وقمتَ وقمتِ .
والتاء الساكنة في أواخر الأفعال : حرف وضع علامة للتأنيث كقامت ، وربما وصلت هذه التاء بثم ورب ، والأكثر تحريكها معهما بالفتح » .
تمَّ كتاب التاء .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 181 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 182 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كتاب الثاء وما يتصل بها
ث
يشمل 21 مفردة و 19 ملاحظة
ثَبَتَ - ثباتاً - ثبوتاً - ثبَّت - تثبيتاً - أثبت - إثباتاً
الثَّبَات : ضد الزوال ، يقال : ثَبَتَ يَثْبُتُ ثَبَاتاً ، قال الله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا . « الأنفال : 45 » ورجل ثَبْتٌ وثَبِيتٌ في الحرب . وأَثْبَتَهُ السقم . ويقال ذلك للموجود بالبصر أو البصيرة ، فيقال : فلان ثَابِت عندي . ونُبُوَّةُ النبي صلى الله عليه وآله ثابتة .
والإثبات والتثْبِيت : تارة يقال بالفعل ، فيقال لما يخرج من العدم إلى الوجود ، نحو : أثبت الله كذا . وتارة لما يثبت بالحكم فيقال : أثبت الحاكم على فلان كذا وثبَّته . وتارة لما يكون بالقول ، سواء كان ذلك صدقاً منه أو كذباً ، فيقال : أثبت التوحيد وصدق النبوة ، وفلان أثبت مع الله إلهاً آخر .
وقوله تعالى : لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ . « الأنفال : 30 » أي يُثَبِّطُوكَ ويحيروك .
وقوله تعالى : يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا « إبراهيم : 27 » أي يقويهم بالحجج القوية .
وقوله تعالى : وَلَوْ أنهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً « النساء : 66 « أي أشد لتحصيل علمهم . وقيل : أثبت لأعمالهم واجتناء ثمرة أفعالهم ، وأن يكونوا بخلاف من قال فيهم : وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً .
يقال : ثبَّتُّهُ ، أي قوَّيته ، قال الله تعالى : وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ . « الإسراء : 74 » . وقال : فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا . « الأنفال : 12 » وقال : وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ . « البقرة : 265 » وقال : وَثَبِّتْ أَقْدامَنا . « البقرة : 250 » .
ملاحظات
1 . تعريفه الثبات بأنه ضد الزوال ، ضعيف . وليته أبقى تعريف ابن فارس بأنه : الدوام .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 183 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 . تفسيره ليثبتوك في الآية بيُثَبِّطُوكَ ويحيروك ، خطأ ، بل معناه ليُثْبِتُوكَ جريحاً ، فإن أثبته إذا أطلقت كانت بمعنى جَرَحَهُ وَأَقْعَدَهُ ، إلا بقرينة صارفة ، كقولك : أثبته وثاقاً . وكذلك قولك همَّ بزيد أي أراد أن يبطش به ، إلا بقرينة صارفة ، كقوله تعالى : وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ فمعناه هنا : أرادته لنفسها بقرينة المقام . أما : وَهَمَّ بِها ، فتبقى بمعنى البطش لعدم وجود قرينة تصرفها عن معناها .
قال الجوهري « 1/245 » : « لِيُثْبِتُوكَ ، أي يجرحوك جراحة لا تقوم معها » .
3 . لايصح تفسير الراغب قوله تعالى : وَلَوْ أنهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً . بأن معناه : أشد لتحصيل علمهم . وقد تحير فيه المفسرون ، وذكر الطبري عدداً من أقوالهم في تفسيره « 3/96 » فأخذ الراغب منها ما رآه أنسب ، وكلها غير مقنع ! ويظهر أن تركيب : تَثْبِيتاً من أَنفسهم ، في قوله تعالى : وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، جديدٌ على علماء اللغة خاصة غير العرب ، وهو يتوقف على تعيين متعلق الجار والمجرور . والصحيح أن مِن هنا بمعنى اللام ، والمعنى : ينفقون لتثبيت أنفسهم على الإيمان ، لأن الإنفاق دليل على صدق الإيمان ، فالجار والمجرور متعلق بتثبيتاً . وقد احتمله العكبري في تفسيره « 1/113 » فقال : يجوز أن تكون من بمعنى اللام : أي تثبيتاً لأنفسهم ، كما تقول : فعلت ذلك كسراً من شهوتي » .
لكنه بقي قوله احتمالاً أعرض عنه المفسرون لعجمتهم .
ومثلها قول تعالى : يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ . « البقرة : 265 » . أي لأنفسهم .
وذكر ابن هشام في المغني « 1/321 » مجئ مِن بمعنى الباء ، وفي ، وعند ، لكنه لم يذكر مجيئها بمعنى اللام . ولا عجب فإن النحويين لم يستقرئوا اللغة استقراءً تاماً ، فهذا فعل بَقِيَ فيه كل صفات كان النحوية ، ولم يذكروه في أخواتها !
4 . وقد ورد الثبات في القرآن في خمس آيات : في الشجرة الطيبة : كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ .
وفي المحو والإثبات : يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ .
وفي الثبات في الحرب : إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا .
وفي ثبات القدم في الإيمان : فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا .
واستعمل التثبيت في ثلاث عشرة آية :
منهـــا : في تثبيت الله تعـالى لرســوله صلى الله عليه وآله : وَكُلاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ .
ومنها : في تثبيت الله عز وجل للمؤمنين : يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُـوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ . وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ . إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا .
ومنها الأعمال التي توجب تثبيت الإيمان : يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ . لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا .
ثَبَرَ- ثبوراً - مثبور - مثابر
الثُّبُور : الهلاك والفساد . المُثَابِر على الإتيان : أي المواظب ، من قولهم : ثَابَرْتُ . قال تعالى : دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً « الفرقان : 13 » . وقوله تعالى : وَإِنِّي لاظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا . « الإسراء : 102 » قال ابن عباس : يعني ناقص العقل ، ونقصان العقل أعظم هُلْكٍ . وثَبِيرٌ جبل بمكة .
ملاحظات
1 . ليت الراغب أكمل نقل قول ابن فارس ، قال في ثَبَر « 1/400 » : « أصول ثلاثة : الأول السهولة . والثاني الهلاك . والثالث المواظبة على الشئ . فالأرض السهلة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 184 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
هي الثبرة . قال ابن دريد : والثَّبْرَةُ تراب شبيه بالنورة ، إذا بلغ عرق النخلة إليه وقف ، فيقولون بلغت النخلة ثَبْرَةً من الأرض . وثبير : جبل معروف . ورجل مثبور هالك . وفي كتاب الله تعالى : دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا » .
2 . من المسائل اللغوية والتفسيرية المهمة في مادة ثَبَر : تعدد الثبورات في قوله تعالى : وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُورًا . لاتَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا . « الفرقان : 13-14 » فلماذا صار الثبور جمعاً والمصادر لا تجمع ! قال الطبري في تفسيره « 18/249 » : « وإنما قيل : لاتَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا ، لأن الثبور مصدر والمصادر لا تجمع ، وإنما توصف بامتداد وقتها وكثرتها ، كما يقال : قعد قعوداً طويلاً ، وأكل أكلاً كثيراً » . لكن قوله لا يرفع الإشكال بل يؤكده : فإن الآية قالت : ثبوراً كثيراً أي متعدداً مقابل الثبور الواحد ، ولم تقل ثبوراً طويلاً . فما معنى هذه الثبورات؟
والجواب : أن قوله تعالى : لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا : معناه لا تقولوا واثبوراه مرة بل مرات ، فكلما رأيتم عقوبة وخسارة قولوا واثبوراه ، وكلما ناديتم إماماً تزعمونه قولوا واثبوراه ! فتعدد الدعاء بالثبور إما لتعدد الخسارات ، أو لتعدد المدعوين بالثبور ، لأن واثبوراه تشبه واخسارتاه !
وقد وردت عدة آيات في نداء الكفار لشركائهم يوم القيامة ، قال تعالى : وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِىَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا . وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ . .
قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ .
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً .
ويؤيد هذا المعنى ما روي عن زيد بن علي عليه السلام أنه قال إن معنى واثبوراه : وا إماماه ! كما في أمالي الطوسي/57 ، عن كثير بن طارق ، قال : سألت زيد بن علي بن الحسين عن قول الله تعالى : لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا؟ فقال : يا كثير إنك رجل صالح ولست بمتهم ، وإني أخاف عليك أن تهلك ، إن كل إمام جائر فإن أتباعه إذا أمر بهم إلى النار نادوا باسمه فقالوا يا فلان ، يا من أهلكنا ، هلم فخلصنا مما نحن فيه ، ثم يدعون بالويل والثبور ، فعندها يقال لهم : لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً » .
ثَبَطَ - تثبيطاً - أثبطه - ثَبِطٌ
قال الله تعالى : فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ . « التوبة : 46 » حبسهم وشغلهم ، يقال : ثَبَّطَه المرض وأَثْبَطَه : إذا حبسه ومنعه ، ولم يكد يفارقه .
ملاحظات
لم يُعَرِّفِ الراغب التثبيط ، وذكر منه ثبَّطه المرض بمعنى حبسه ومنعه ، وكأنه يرى أن التثبيط المنع . وعرفه الخليل « 7/412 » وغيره بأنه إشغال الإنسان عن فعل . وفسروا التعويق بالتثبيط . « لسان العرب : 10/280 » وهو الصحيح لأن التثبيط يكون بأساليب كالإشغال والحبس والمنع . قال ابن منظور « 7/267 » : « وفي الحديث : كانت سَوْدةُ امرأَةً ثَبِطةً أَي ثقِيلة بَطِيئةً ، من التثْبِيطِ وهو التعْوِيقُ والشَّغْلُ عن المُراد » . ومن خيال الراغب أنه جعل المرض المثبط ملازماً ، مع أنه قد لايلازمه ، وقد يكون شخصاً يثبط بكلمة ويذهب !
ثُبَا - ثُباتٍ - ثبين
قال تعالى : فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً . « النساء : 71 » هي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 185 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جمَعْ ُثُبَة ، أي جماعة منفردة ، قال الشاعر :
وقد أَغدو على ثُبَةٍ كرامِ
ومنه : ثَبَّيْتُ على فلان ، أي ذكرت متفرَّق محاسنه . ويصغَّر ثُبَيَّة ، ويجمع على ثُبَاتٍ وثُبِين ، والمحذوف منه اللام .
وأما ثُبَةُ الحوض فوسطه الذي يثوب إليه الماء ، والمحذوف منه عينه لا لامه .
ملاحظات
وردت هذه المادة في القرآن مرة واحدة ، واتفق المفسرون على أن معناها جماعات متفرقة . قال ابن منظور « 1/244 » : « الثُّباتُ جَماعاتٌ في تَفْرِقةٍ ، وكلُّ فِرْقةٍ ثُبةٌ ، وهذا من ثابَ » .
أما قول الراغب : ثَبَّيْتُ على فلان ، أي ذكرت متفرَّق محاسنه ، فقد ذكره بعض اللغويين ، وهو تعبير نادر الإستعمال غير معروف ، ولم أجد عليه شاهداً من شعر العرب .
ثَجَّ - ثجيجاً - ثجاجأً - ثَجَّاجاً
يقال : ثَجَّ الماء ، وأتى الوادي بِثَجِيجِه . قال الله تعالى : وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَـاءً ثَجَّاجًا . « النبأ : 14 « وفي الحديث : أفضل الحج العَجُّ والثَّجُّ . أي رفع الصوت بالتلبية ، وإسالة دم الهدي .
ملاحظات
فسر الثج بإسالة الدم ، لكنه شدة انصبابه كما فسره أكثر اللغويين ، قال الخليل « 6/13 » : « الثج : شدة انصباب المطر والدم ، ومطر ثجاج » . وكذا فسره ابن فارس « 1/367 » وابن منظور « 2/221 » ، وأخذه الراغب من الجوهري حيث قال : « 1/302 » : « ثججت الماء والدم أثجه ثجا ، إذا سيلته » وقول الخليل مقدم على غيره ، فشدة الإنصباب شرط فيه .
ثَخَنَ- أثخن - ثخين
يقال ثَخُنَ الشئ فهو ثَخِين : إذا غلظ فلم يسل ، ولم يستمر في ذهابه . ومنه استعير قولهم : أَثْخَنْتُهُ ضرباً واستخفافاً . قـال الله تعالى : ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ . « الأنفال : 67 » حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ . « محمد : 4 » .
ملاحظات
وردت هذه المادة في آيتين ، وتخبط عدد من اللغويين والفقهاء في معنى الإثخان ، لأنها ارتبطت بأسرى بدر القرشيين الذين أخذهم النبي صلى الله عليه وآله فزعموا أنه أخطأ وأنه أخذهم قبل أن يثخن في الأرض ، وزعموا أن عمر أصاب لأنه نهى عن أخذهم ، فنزل الوحي مؤيداً له ومخطئاً للنبي صلى الله عليه وآله ! وقد فسر الراغب الإثخان وتبعه صاحب الميزان « 9/134 » بأن يصير الدين قوياً ثخيناً جامداً ، بعد أن كان ضعيفاً سائلاً ! وهو قول ركيك ويستلزم الطعن في النبي صلى الله عليه وآله لأنه أخذ أسرى قبل أن يَثْخُنَ الدين وينتصر المسلمون في الأحزاب أو بعدها ! والتفسير الصحيح للآية : أن الإثخان يعني مواصلة الحرب والقتل ، لكن لما انهزمت قريش في بدر ، تبعهم صحابةٌ وأكثرهم كانوا في الصف الخلفي في المعركة فأخذوا يأسرون منهم بدون أمر النبي صلى الله عليه وآله ليربحوا فديتهم ! فالخطأ منهم وليس من النبي صلى الله عليه وآله .
قال المفيد في المسائل العكبرية/109 : « ولم يكن منه صلى الله عليه وآله في الأسرى ذنب عوتب عليه ، وإنما كان ذلك من أصحابه الذين أسروا بغير علمه ، وكفوا عن القتال طمعاً في الفداء » . راجع : ألف سؤال وإشكال « 2/221 » .
ثَرِبَ - ثَرْباً - تثريب
التثْرِيب : التقريع والتقرير بالذنب . قال تعالى : لاتَثْرِيبَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 186 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ « يوسف : 92 » . وروي : إذا زنت أمَةُ أحدكم فليجلدها ولايثرِّبها . ولا يعرف من لفظه إلا قولهم : الثَّرْبُ ، وهو شحمة رقيقة . وقوله تعالى : يا أَهْلَ يَثْرِبَ . « الأحزاب : 13 » أي أهل المدينة ، يصح أن يكون أصله من هذا الباب . والياء تكون فيه زائدة .
ملاحظات
قال ابن فارس « 1/375 » : « كلمتان متباينتا الأصل لا فروع لهما . فالتثريب اللوم والأخذ على الذنب . . والآخر : الثَّرْب وهو شحم قدغشي الكرش والأمعاء رقيق ، والجمع ثُرُوب » . وهذا هو الصحيح ، فلا علاقة للتثريب بالثرب الذي هو الشحم .
كما لا علاقة لمدينة يثرب بهما ، فهي إسم غير عربي ويحتمل أن يكون إسم علم ، قال الحموي في معجم البلدان « 5/430 » : « سميت بذلك لأن أول من سكنها عند التفرق : يثرب بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن عبيل بن عوض بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام » .
ثَعَبَ - ثُعبةٌ - مِثْعَباً
قال عز وجل : فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ . « الأعراف : 107 » يجوز أن يكون سمي بذلك من قوله : ثَعَبْتُ الماء فَانْثَعَبَ ، أي فجَّرته وأَسَلْتُهُ فسال ، ومنه : ثَعَبَ المطر . والثُّعْبَة : ضربٌ من الوزغ وجمعها ثُعَبٌ ، كأنه شُبِّه بالثعبان في هيئته فاختصرلفظه من لفظه ، لكونه مختصراً منه في الهيئة .
ملاحظات
تبع الراغب ابن فارس « 1/378 » فاحتمل أن يكون أصلها من ثَعَب الماء أي جرى لأنه ينساب كالماء . قال ابن منظور « 1/136 » : « وفي الحديث : يجئُ الشَّهيدُ يومَ القيامةِ وجُرْحُه يَثْعَبُ دَماً ، أَي يَجْري . والمَثْعَبُ : بالفتح واحد مَثاعِبِ الحِياضِ . والثُّعْبانُ : الحَيَّةُ الضَّخْمُ الطويلُ الذكرُ خاصّةً . وقوله تعالى : فأَلْقَى عَصاه فإذا هي ثُعْبانٌ مُبِينٌ . وفي موضع آخـر : تَهْتَزُّ كأَنها جانٌّ . والجانُّ الصغيرُ من الحيَّات » . وقال أمير المؤمنين عليه السلام كما في الخصال/624 : « حوضنا مترعٌ ، فيه مثعبان يَنْصَبَّانِ من الجنة : أحدهما من تسنيم ، والآخر من معين ، على حافتيه الزعفران ، وحصاه اللؤلؤ والياقوت . وهو الكوثر » .
ثَقَبَ - ثَقبًا - ثاقب - ثقبة - مِثقب
الثَّاقِب : المضئ الذي يثقب بنوره وإضاءته ما يقع عليه . قال الله تعالى : فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ . « الصافات : 10 » وقال تعالى : وَما أَدْراكَ مَا الطارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ ، وأصله من الثُّقْبَة . والمَثْقَبُ : الطريق في الجبل ، كأنه قد ثقب . وقال أبو عمرو : والصحيح المِثْقَب . وقالوا : ثَقَبْتُ النار ، أي ذكَيتها .
ملاحظات
ورد لفظ الثاقب في آيتين : صفةً للنجم ، وصفةً للشهاب الذي يُرمى به الجن . ونص اللغويون على أنه إسم فاعل من ثَقَبَ أي خَرَقَ ، فالثاقب يثقب بنوره كما قال الراغب ، وقد يثقب بنفسه . وكذا الشهاب الذي يرمى به الجن .
ثَقِفَ - ثقفه - ثِقافةً - مثاقفة
الثَّقْفُ : الحذق في إدراك الشئ وفعله ، ومنه قيل : رجل ثَقِفٌ ، أي حاذق في إدراك الشئ وفعله . ومنه استعير المُثَاقَفَة . ورمح مُثَقَّف : أي مقوَّم . وما يُثَقَّفُ به : الثِّقَاف . ويقال : ثَقِفْتُ كذا : إذا أدركته ببصرك لحذق في النظر . ثم يُتَجَوَّز به فيستعمل في الإدراك وإن لم تكن معه ثِقَافَة . قال الله تعالى : وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ « البقرة : 19 » وقال عز وجل : فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ « الأنفال : 57 » وقال عـز وجل : مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِـذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا . « الأحزاب : 61 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 187 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
قال الخليل « 5/139 » : « قال أعرابي : إني لَثَقِفٌ لَقِفٌ رَاوٍ رَامٍ شاعر . وثَقَفْتُ فلاناً في موضع كذا : أي أخذناه ثقفاً . وقَلْبٌ ثَقِفٌ : أي سريع التعلم والتفهم » .
وقال ابن فارس « 1/382 » : « يقال ثقفت به : إذا ظفرت به . فإن قيل : فما وجه قرب هذا من الأول؟ قيل له : أليس إذا ثقفه فقد أمسكه . وكذلك الظافر بالشئ يمسكه ، فالقياس بأخذهما مأخذاً واحداً » .
فأصل الثقافة : المهارة وتعديل العِوَج . واستعملت في مهارة الإمساك بالعدو ، فمعنى قوله تعالى : فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ، حيث تمكنتم بمهارتكم من الإمساك بهم . وفي عصرنا استعملت الثقافة بمعنى المهارات وكافة العناصر التعليمية والفنية والأخلاقية ، للمجتمع ، أو لشخص . بل صارت بمعنى معالم المدنية والحضارة .
ثَقُلَ - ثقلاً - إثَّاقَلَ - مثقال - ثقيل - أثقال - مثقال
الثِّقْلُ والخِفَّةُ متقابلان ، فكل ما يترجح على ما يوزن به أو يقدَّر به يقال : هو ثَقِيل . وأصله في الأجسام ، ثم يقال في المعاني نحو : أَثْقَلَه الغرم والوزر . قال الله تعالى : أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ . « الطور : 40 » .
والثقيل في الإنسان يستعمل تارة في الذم ، وهو أكثر في التعارف وتارة في المدح نحو قول الشاعر :
تخفُّ الأرضُ إذْ ما زلتَ عنها
وتبقى ما بقيتَ بها ثقيلا
حللتَ بمستقرِّ العِزِّ منها
فتمنعُ جانبيها أن تميلا
ويقال : في أذنه ثِقل : إذا لم يَجُد سمعه ، كما يقال في أذنه خفة : إذا جَادَ سمعه ، كأنه يثقل عن قبول ما يلقى إليه . وقد يقال : ثَقُلَ القول إذا لم يطب سماعه ، ولذلك قال في صفة يوم القيامة : ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ . « الأعراف : 187 » . وقوله تعالى : وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها . « الزلزلة : 2 » قيــل كنوزها ، وقيل ما تضمنته من أجساد البشر عند الحشر والبعث .
وقال تعـالى : وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ . « النحل : 7 » أي أحمالكم الثقيلة . وقال عز وجل : وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ « العنكبوت : 13 » أي آثامهم التي تثقلهم وتثبطهم عن الثواب كقوله تعالى : لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سـاءَ ما يَزِرُونَ . « النحل : 25 » . وقوله عز وجل : إنْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا . « التوبة : 41 » قيل : شُبَّاناً وشيوخاً . وقيل فقراء وأغنياء ، وقيل غرباء ومستوطنين ، وقيل نُشُّاطاً وكسالى .
وكل ذلك يدخل في عمومها ، فإن القصد بالآية الحثُّ على النفر على كل حال ، تَصْعُبُ أو تَسْهُل .
والمِثْقَال : ما يوزن به وهو من الثقل ، وذلك إسم لكل سَنْج « حجر الميزان » قال تعالى : وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ . « الأنبياء : 47 » وقال تعالى : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقــالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقـالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ . « الزلزلة : 7 » . وقوله تعالى : فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ . « القارعة : 6 » فإشارة إلى كثرة الخيرات . وقوله تعالى : وأما مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ . « القارعة : 8 » فإشارة إلى قلة الخيرات .
والثقيل والخفيف يستعمل على وجهين : أحدهما : على سبيل المضايفة ، وهو أن لا يقال لشئ ثقيل أو خفيف إلا باعتباره بغيره ، ولهذا يصح للشئ الواحد أن يقال خفيف إذا اعتبرته بما هو أثقل منه ، وثقيل إذا اعتبرته بما هو أخف منه ، وعلى هذه الآية المتقدمة آنفاً . والثاني : أن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 188 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يستعمل الثقيل في الأجسام المرجَّحة إلى أسفل كالحجر والمدر ، والخفيف يقال في الأجسام المائلة إلى الصعود كالنار والدخان ، ومن هذا الثقل قوله تعالى : إثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ . « التوبة : 38 » .
ملاحظات
استعمل القرآن زبدة ألفاظ هذه المادة كعادته ، فاسـتعمل للقيـامـة : ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ . وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلاً . ولحساب يوم القيامة : مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ . و : مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ . وللوحي المنزل على رسوله عليه السلام : إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً . ووصفاً للسحاب : وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ . ووصفاً للمقصرين في النفر للجهاد : مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيــلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ . إنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا .
ووصفاً للذنوب : وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ .
ووصفاً للنفس المثقلة بالذنوب : وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَئٌ .
وللمُثقلين من الضريبة المالية : أَمْ تَسْئلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ .
واستعمل الثقلين للإنس والجن : سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ .
والأثقال لأسباب المعيشــة : وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ .
ولأجساد الموتى : وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا .
واستعمل المثقال لدقة علم الله تعالى : وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ .
وللوزن يوم القيــامة : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ .
وأشهر استعمالات هذه المادة في السنة وصية النبي صلى الله عليه وآله لأمته بالثقلين : إني تاركٌ فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي : أي الثقيلين في قدرهما ، ومسؤوليتهما .
ثَلَثَ - ثلاثة - ثلاثاء
الثَّلَاثَة والثَّلَاثُون ، والثَّلَاث ، والثَّلَاثُ مِائَة ، وثَلَاثَة آلاف ، والثُّلُثُ والثُّلُثَان . قال عز وجل : فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ . « النساء : 11 » أي أحد أجزائه الثلاثة ، والجمع أَثْلَاث ، قال تعالى : وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً . « الأعراف : 142 » . وقال عز وجل : ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ . « المجادلة : 7 » .
وقال تعالى : ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ « النور : 58 » أي ثلاثة أوقات العورة . وقـــال عز وجل : وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ « الكهف : 25 » . وقال تعالى : بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ . « آل عمران : 124 » . وقال تعالى : إن رَبَّكَ يَعْلَمُ إنكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ . « المزمل : 20 » . وقال عز وجل : مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ . « فاطر : 1 » أي اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة .
وثَلَّثْتُ الشئ : جزَّأته أثلاثاً . وثَلَّثْتُ القوم : أخذت ثلث أموالهم . وأَثْلَثْتُهُمْ : صرت ثالثهم أو ثلثهم . وأَثْلَثْتُ الدراهم فأثلثت هي ، وأَثْلَثَ القوم : صاروا ثلاثة . وحبل مَثْلُوث : مفتول على ثلاثة قوى . ورجل مَثْلُوث : أخذ ثلث ماله . وثَلَّثَ الفرس وربَّع جاء ثالثاً ورابعاً في السباق .
ويقال : أَثَلَاثَةٌ وثلاثون عندك أو ثلاث وثلاثون؟ كناية عن الرجال والنساء ، وجاؤوا ثُلَاثَ ومَثْلَثَ ، أي ثلاثة ثلاثة . وناقة ثَلُوث : تحلب من ثلاثة أخلاف .
والثَّلَاثَاء والأربعاء من الأيام ، جعل الألف فيهما بدلاً من الهاء ، نحو : حسنة وحسناء ، فخصَّ اللفظ باليوم . وحكي : ثَلَّثْتُ الشئ تَثْلِيثاً : جعلته على ثلاثة أجزاء .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 189 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وثَلَّثَ البُسْر : إذا بلغ الرطب ثلثيه . وثَلَّثَ العنب : أدرك ثلثاه . وثوب ثُلَاثِيٌّ : طوله ثلاثة أذرع .
ثَلَّ - ثُلَّةٌ - ثلََّله - ثَلَّه
الثَّلَّة : قطعةٌ مجتمعة من الصوف ، ولذلك قيل للمقيم ثَلَّة . ولاعتبار الإجتماع قيل : ثُلَّةٌ مِنَ الأولينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ . « الواقعة : 39 » أي جماعة . وثَلَّلْتُ كذا : تناولتُ ثُلَّةً منه . وثَلَّ عرشه : أسقط ثُلَّةً منه . والثَّلَل : قِصَرُ الأسنان لسقوط ثلة منها . وأثلَّ فمه : سقطت أسنانه . وتثللت الركية : أي تهدَّمت .
ملاحظات
لم يذكر الراغب اشتقاق ثَلَّ لأنه غير معلوم ، وقال ابن فارس « 1/368 » : « أصلان متباينان : أحدهما ، التجمع . والآخر ، السقوط والهدم والذل » . وقال الخليل « 8/115 » : « والثُّلَّة : قطيع من الغنم غير كثير . والثُّلَّة : جماعة من الناس كثيرة » .
أقول : لاتدل الثُّلَّة بذاتها على كثرة أو قلة ، فهي مثل قسم ، وبعض ، وجماعة ، يعرف كبرها وصغرها من غيرها . ومعنى قوله تعالى : وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ . فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ . ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَلِينَ . وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ . أن السابقين من الأمم السابقة أكثر منهم من أمة النبي صلى الله عليه وآله . ومعنى قوله تعالى : لأَصْحَابِ الْيَمِينِ . ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَلِينَ . وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ . أن أصحاب اليمين من الأمة الآخرة بقدرهم من الأمم السابقة .
ثَمَدَ - ثمدٌ - ثماد - ثمود
ثَمُود : قيل هو أعجمي ، وقيل هو عربي وتُرك صرفه لكونه إسم قبيلة أو أرض . ومن صرفه جعله إسم حيٍّ أو أب ، لأنه يذكر فعول من الثَّمَد ، وهو الماء القليل الذي لا مادة له . ومنه قيل : فلان مَثْمُود ، ثَمَدَتْهُ النساء : أي قطعن مادة مائه لكثرة غشيانه لهن . ومَثْمُود : إذا كثر عليه السُّؤال حتى فقد مادة ماله .
ملاحظات
1 . الثَّمَد : الماء القليل والوشْل . وقد جعله ابن فارس يشمل غير الماء أيضاً . « 1/388 » . والثماد : الرمل أو التراب الذي فيه الثمد . قال الإمام الباقر عليه السلام يصف علماء السلطة « الكافي : 1/ 122 » : « يَمُصُّونَ الثَّماد ويَدَعُونَ النهر العظيم ! قيل له : وما النهر العظيم؟ قال : رسول الله صلى الله عليه وآله والعلم الذي أعطاه الله . إن الله عز وجل جمع لمحمد صلى الله عليه وآله سنن النبيين من آدم وهلمَّ جَرّاً إلى محمد صلى الله عليه وآله . قيل له : وما تلك السنن؟ قال : علم النبيين عليهم السلام بأسره ، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله صَيَّرَ ذلك كله عند أمير المؤمنين عليه السلام » .
2 . ذُكرت ثمود في القرآن بضعاً وعشرين مرة . « وهم قبيلة من العرب الأولى ، وهم قوم صالح » « الصحاح : 2 /451 » . وقال بعض النسابة : ثمودٌ من عاد . « الصحاح : 2/636 » ومنازلهم في الحِجْر ، وتقع بين الشام والحجاز عند وادي القرى . « الصحاح : 2/624 » .
وأحمر ثمود : لقب قدار بن سالف ، عاقر ناقة صالح عليه السلام « الصحاح : 2/636 » . وكانت العرب تتداول معلومات عن عاد وثمود ، وأنهما حضارتان طغتا فأهلكهما الله تعالى ، فكان تهديد القرآن للعرب بعقوبة ثمود مؤثراً فيهم . رويَ أن الوليد بن المغيرة جاء الى النبي صلى الله عليه وآله وقال له : « يا محمد أنشدني من شعرك ، قال : ما هو شعر ولكنه كلام الله الذي ارتضاه لملائكته وأنبيائه . فقال : أُتْلُ عليَّ منه شيئاً ، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله : حم السجدة ، فلما بلغ قوله : فَإِنْ أَعْرَضُوا ، يا محمد أعني قريشاً ، فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 190 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال : فاقشعر الوليد وقامت كل شعرة في رأسه ولحيته ، ومر إلى بيته ولم يرجع إلى قريش » . « تفسيرالقمي : 2/394 » .
ثَمَرٌ - ثمار - ثمرات - أثمر - ثمَّرَ - ثمرة
الثَّمَرُ : إسم لكل ما يُتطعم من أحمال الشجر ، الواحدة ثَمَرَة ، والجمع : ثِمَار وثَمَرَات ، كقوله تعالى : أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ « البقرة : 22 » وقوله تعالى : وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالإعنابِ . « النحل : 67 » وقولــه تعالى : أنْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ . « الأنعام : 99 » وقوله تعالى : وَمِنْ كل الثَّمَراتِ « الرعد : 3 » .
والثَّمَر : قيل هو الثِّمَار ، وقيل هو جمعه . ويكنَّى به عن المال المستفاد . وعلى ذلك حمل ابن عباس : وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ « الكهف : 34 » . ويقال : ثَمَّرَ الله ماله ، ويقال لكل نفع يصدر عن شئ : ثَمَرَة ، كقولك : ثمرة العلم العمل الصالح ، وثمرة العمل الصالح الجنة . وثمرة السوط : عُقدة أطرافها ، تشبيهاً بالثمر في الهيئة ، والتدلي عنه كتدلي الثمر عن الشجر .
والثَّمِيرَة من اللبن : ما تحبب من الزُّبد تشبيهاً بالثمر في الهيئة ، وفي التحصيل من اللبن .
ملاحظات
عَرَّفَ الخليل الثمر « 8/223 » بأنه : حِمْل الشجر ، وعرفه الراغب بأنه ما يتطعم من أحمال الشجر . لكنه أعم منهما لأنه يوجد ثمر لا يؤكل ، وثمر على غير الشجر ، وقد سمى الله رحيق الزهور ثمراً فقال للنحل : ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ .
وقول الراغب : كل ما يتطعم ، يقصد به كل ما يؤكل ، وتعبيره غير فصيح أو غير صحيح ، لأن تطعم به أو منه أو فيه ، بمعنى ذاق طعمه ، واستعملها الراغب بمعنى أكله .
ثُُمَّ - ثَمَّ - ثُمامة - ثُمة
ثُمَّ : حرف عطف يقتضي تأخر ما بعده عما قبله ، إما تأخيراً بالذات أو بالمرتبة أو بالوضع ، حسبما ذكر في قبل وفي أول . قال تعالى : أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا . « يونس : 51 » وقال عز وجل : ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ . « البقرة : 52 » وأشباهه .
وثُمَامَة : شجر . وثَمَّتِ الشاةُ :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 191 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إذا رعتها ، نحو شَجَّرَت إذا رعت الشجر . ثم يقال في غيرها من النبات .
وثَمَمْتُ الشئ : جمعته ، ومنه قيل : كنا أَهْلَ ثَمِّهِ ورَمِّهِ . والثُّمَّة : جَمْعَةٌ من حشيش .
وثَمَّ : إشارة إلى المتبعِّد من المكان ، وهنالك للمتقرب ، وهما ظرفان في الأصل ، وقوله تعالى : وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ . « الإنسان : 20 » فهو في موضع المفعول .
ملاحظات
1 . قال ابن هشام في المغني « 1/117 » : « ثُمَّ : ويقال فيها فُمَّ ، كقولهم في جدث جدف : حرفُ عطفٍ يقتضي ثلاثة أمور : التشـريك في الحكم ، والترتيب ، والمهلة ، وفى كل منها خلاف » .
ثم ردَّ الإشكالات على دلالتها على الترتيب والتراخي . ورد قولَ الطبري بأنها بمعنى هنالك في قوله تعالى : أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ . وقال : « هذا وهم . اشتبه عليه ثُم المضمومة الثاء بالمفتوحة » .
وقال عن ثَمَّ بالفتح : « إسم يشار به إلى المكان البعيد نحو : وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ . وهو ظرف لا يتصرف ، فلذلك غُلِّط من أعربه مفعولاً لرأيت في قوله تعالى : وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ . ولا يتقدمه حرف التنبيه ، ولا يتأخر عنه كاف الخطاب » .
2 . لا يصح قول الراغب : « وثُمَامَة : شجر . وثَمَّتِ الشاةُ : إذا رعتها ، نحو شَجَّرَت إذا رعت الشجر . ثم يقال في غيرها من النبات » .
فلم أجد ثَمَّتِ الشاة ولا شَجَرَتْ بمعنى رعت ، بل وجدت ثَمَّ بمعنى جمع وأصلح . وثمت الشاة النبت بفيها بمعنى قلعته . قال الخليل « 8 /218 » : « الثمام : ما كسر من أغصان الشجر فوضع نضداً للثياب ونحوه ، وإذا يبس فهو الثمام . وقيل بل هو شجر إسمه الثمام ، الواحدة ثمامة . وثممت الشئ أثمه ثماً : أصلحته وأحكمته » .
وقال ابن فارس « 1/369 » : « يقال ثممت الشئ ثماً إذا جمعته . وأكثر ما يستعمل في الحشيش . ويقال : ثممت الشئ أثمه ثماً إذا جمعته ورممته . . وثمت الشاة النبت بفيها قلعته . ومنه الحديث : كنا أَهْلَ ثَمِّهِ ورَمِّهِ . أي كنا نثمه ثماً ، أي نجمعه جمعاً » .
وقال الجوهري « 5/1881 » : « وثممت الشئ أثُمه بالضم ثما ، إذا أصلحته ورممته بالثمام . ومنه قيل ثممت أموري إذا أصلحتها ورممتها . ومنه قولهم : كنا أَهْلَ ثَمِّهِ ورَمِّهِ . وثمت الشاة النبت بفيها ، أي قلعته فهي شاة ثموم » .
أقول : يظهر لك بذلك أن الراغب اجتزأ المعاني ، واجتهد حيث لا يصح الإجتهاد . ولا نطيل في بيان خطئه لأنها ألفاظ لم ترد في القرآن .
ثَمَنٌ - ثمَّن - أثمنَ - مثمن - أثمان
قوله تعالى : وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ . « يوسف : 20 » الثَّمَنُ : إسم لما يأخذه البائع في مقابلة البيع ، عيناً كان أو سلعة . وكل ما يحصل عوضاً عن شئ فهو ثمنه . قال تعالى : إن الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً . « آل عمران : 77 » . وقال تعالى : وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ الله ثَمَناً قَلِيلًا . « النحل : 95 » . وقال : وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً . « البقرة : 41 » . وأَثْمَنْتُ الرجل بمتاعه وأَثْمَنْتُ لَهُ : أكثرت له الثمن . وشئ ثَمِين : كثير الثمن .
والثَّمَانِيَة والثَّمَانُون ، والثُّمُن في العدد ، معروف . ويقال ثَمَّنْتُهُ : كنت له ثامناً ، أو أخذت ثمن ماله ، وقال عز وجل : سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ . « الكهف : 22 » وقال تعالى : عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ . « القصص : 27 » .
والثَّمِين : الثُّمْن ، قال الشاعر :
فما صَار لي في القَسْمِ إلا ثَمِينُهَا
وقوله تعالى : فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ . « النساء : 12 » .
ثَنَيَ - أثنى - إثنان - ثنيٌ - ثنَاه - ثنَّاه - ثنيةٌ -ثنوية - استثنى
الثَّنْي والإثنان : أصل لمتصرفات هذه الكلمة ، ويقال ذلك باعتبار العدد ، أو باعتبار التكرير الموجود فيه ، أو باعتبارهما معاً . قال الله تعالى : ثانِيَ اثْنَيْنِ . « التوبة : 40 » اثْنَتا عَشْـرَةَ عَيْنـاً . « البقرة : 60 » . وقـال : مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ . « النساء : 3 » . فيقال ثَنَّيْتُهُ تَثْنِيَة : كنت له ثانياً ، أو أخذت نصف ماله ، أو ضممت إليه ما صار به اثنين .
والثِّنْيُ : مايعاد مرتين ، قال عليه السلام : لاثِنْيَ في الصدقة ، أي لاتؤخذ في السنة مرتين . قال الشاعر :
لقد كانت مَلامَتُهَا ثنِيَّا
وامرأة ثِنْيٌ : ولدت اثنين ، والولد يقال له : ثِنْيٌ . وحلف يميناً فيها ثُنْيَا وثَنْوَى وثَنِيَّة ومَثْنَوِيَّة . ويقال لِلَاوِي الشئ : قد ثَناه ، نحو قوله تعالى : أَلا إنهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ « هود : 5 » وقراءة ابن عباس : يَثْنَوْنَى صدورهم ، من : اثْنَوْنَيْتُ .
وقوله عـز وجل : ثانِيَ عِطْفِهِ . « الحج : 9 » وذلك عبارة عن التنكر والإعراض ، نحو : لوى شدقه . وَنَأى بِجانِبِهِ . « الإسراء : 83 » . والثَّنِيُّ من الشاة : ما دخل في السنة الثانية ، وما سقطت ثنيته من البعير . وقد أَثْنَى .
وثَنَيْتُ الشئ أَثْنِيهِ : عقدته بثنايين غير مهموز ، قيل وإنما لم يهمز لأنه بنى الكلمة على التثنية ، ولم يبن عليه لفظ الواحد .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 192 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والمُثَنَّاة : ما ثني من طرف الزمام . والثُّنْيَان الذي يثنى به إذا عُدَّ السادات . وفلان ثَنِيَّة أهل بيته : كناية عن قصور منزلته فيهم . والثَّنِيَّة من الجبل : ما يحتاج في قطعه وسلوكه إلى صعود وحدور ، فكأنه يثني السير .
والثَّنِية من السن : تشبيهاً بالثنية من الجبل في الهيئة والصلابة .
والثُّنْيَا من الجزور : ما يثنيه جازره إلى ثنيه من الرأس والصلب ، وقيل : الثُّنْوَي .
والثَّنَاء : ما يذكر في محامد الناس ، فيثنى حالاً فحالاً ذكره ، يقال : أثنى عليه . وتَثَنَّى في مشيته : نحو تبختر .
وسميت سور القرآن مثاني في قوله عز وجل : وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي « الحجر : 87 » لأنها تُثَنَّى على مرور الأوقات وتُكَرَّر ، فلا تدرس ولا تنقطع دروس سائر الأشياء التي تضمحل وتبطل على مرور الأيام .
وعلى ذلك قوله تعالى : الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ . « الزمر : 23 » ويصح أنه قيل للقرآن : مثاني ، لما يثنى ويتجدد حالاً فحالاً من فوائده ، كما روي في الخبر في صفته : لايَعْوَجُّ فَيُقَوَّم ولا يَزيغ فيُستعتب ، ولاتنقضي عجائبه . ويصح أن يكون ذلك من الثناء ، تنبيهاً على أنه أبداً يظهر منه ما يدعو إلى الثناء عليه ، وعلى من يتلوه ويعلمه ويعمل به . وعلى هذا الوجه وصفه بالكرم في قوله تعالى : إنهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ . « الواقعة : 77 » وبالمجد في قوله : بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ . « البروج : 21 » .
والإستثناء : إيراد لفظ يقتضي رفع بعض ما يوجبه عموم لفظ متقدم ، أو يقتضي رفع حكم اللفظ عما هو .
فمما يقتضي رفع بعض ما يوجبه عموم اللفظ قوله تعالى : قُلْ لا أَجِدُ فِي مـا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُـهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً . . الآية « الأنعام : 145 » .
وما يقتضي رفع ما يوجبه اللفظ ، فنحو قوله : و الله لأفعلنَّ كذا إن شاء الله ، وامرأته طالق إن شاء الله ، وعبده عتيق إن شاء الله ، وعلى هذا قوله تعالى : إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ . « القلم : 17 » .
ملاحظات
1 . أطال الراغب في تفسير المثاني بلا محصل ، قال : « وسميت سور القرآن مثاني في قوله عز وجل : وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي لأنها تُثَنَّى على مرور الأوقات وتُكَرَّر . . الخ . » . ثم عاد وصحح وجهين لتسميتها ، أحدهما : أنه مثاني لأنه يتجدد . وأنه مثاني بمعنى يُثنى عليه ، فهو مشتق من الثناء ، لأنه أثنى على القرآن بالكرم والمجد . وكلاهما ضعيف !
2 . الصحيح أن المثاني صفةٌ لكل القرآن ، وصفةٌ لسورة الحمد فهي السبع المثاني ، وصفةٌ للسور المثاني التي هي أقل من مئة آية . ومعنى المثاني أنه يقرأ وتعاد قراءته ليفهم أكثر . قال ابن منظور « 14/11 » : « سَمَّى الله عز وجل القرآن كله مثانيَ في قوله عز وجل : اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ . وسَمَّى فاتحـةَ الكتاب مثاني في قولـه عز وجل : وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ » . أقول : أطلق الله تعالى هذا الوصف على القرآن مقابل النص التوراتي الذي يقرأ مثنى مثنى ، فقد وضع اليهود كتباً سموها المثناة « مشنا » شبهوها بالتوراة بأنها تستحق أن تُقرأ مَثْنى . فقال لهم الله تعالى ليس تلمودكم وما كتبتموه مثاني ولا حتى التوراة بعد اليوم ، بل هذا القرآن ، وكله مثاني ، يستحق أن يقرأ مثنى مثنى ، وفي كل قراءة يفهم القارئ منه أكثر ، وتنفتح له أبعادٌ ومعانٍ جديدة .
3 . السبع المثاني : سورة الحمد ، والبسملة أول آياتها ، وسميت مثاني أيضاً لأنها تثنى في الصلاة ، وبهذا أفتى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 193 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقهاؤنا وأكثر فقهاء المذاهب . قال أمير المؤمنين كما في عيون أخبار الرضا عليه السلام « 1/270 » : « إن بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب ، وهي سبع آيات تمامها بسم الله الرحمن الرحيم . سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن الله عز وجل قال لي : يا محمد : ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم ، فأفرد الإمتنان عليَّ بفاتحة الكتاب ، وجعلها بإزاء القرآن العظيم » .
4 . تصور بعضهم أن كلمة اثنين في قوله تعالى : وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ، للتأكيـد ، لكن المعنى : اثنين من كل زوجين . قال الخليل « 6/167 » : « يقال : لفلان زوجان من الحمام ، أي ذكر وأنثى . قال سبحانه : فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ » .
5 . قوله عز وجل : فانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَـاعَ . وقــولــــه : جَاعِــــلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ . قال في جامع المقاصد « 12/374 » : « الواو للتخيير لا للجمع ، وإلا لجاز نكاح ثماني عشرة ، لأن معنى قوله مثنى : اثنتين اثنتين ، وكذا قوله : وثلاث : معناه ثلاثاً ثلاثاً ، وقوله ورباع : معناه أربعاً أربعاً » .
6 . قوله تعالى : إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا . معناه : إن لم تنصروه فقد نصره الله عندما كان وحيداً فاراً من قومه ليس معه إلا شخص واحد غير مقاتل ، فأنزل عليه السكينة وجنوداً لم يرها رفقاؤه . فليس في الآية إلا إشارة إلى شخص كان معه ، بقطع النظر عن نوعه ومن هُوَ . وفي لسان العرب « 14/116 » والصحاح « 6/2295 » والمغني « 1/84 » « تقول هو ثاني اثنين : أي أحد اثنين . واحدٌ من اثنين » . فمصب الآية على وحدة النبي صلى الله عليه وآله ولذا أفرد ضميره في قوله : إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ولم يقل أخرجهما ، وأفرده في نزول السكينة فقال : فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا . ولم يقل عليهما . وهذا يعني عدم وجود دور لمرافقه في صلب الهجرة ، بل المعنى أنه صلى الله عليه وآله كان وحده ولم يكن معه إلا نفر واحد لا ينفعه . وليس المعنى : أن النبي صلى الله عليه وآله أول وأبابكر ثانٍ كما قال المغالون في أبي بكر . فالثاني في اللفظ هو النبي صلى الله عليه وآله والأول أبوبكر ، فالترتيب الرتبي والترتيب العددي لا يصحان .
ثََوََبََ - ثَيِّب - تثوي