ألف سؤال وإشكال المجلد الثالث

--------------------------- الغلاف 1 ---------------------------
الف سؤال وإشكال
على المخالفين لأهل البيت الطاهرين
بقلم
علي الكوراني العاملي
المجلد الثالث
--------------------------- 1 ---------------------------
ألف سؤال وإشكال
على المخالفين لأهل البيت الطاهرين
المجلد الثالث
الطبعة الأولى 1430 - 2009
--------------------------- 2 ---------------------------
الطبعة الأولى : 1430 هجرية - 2009 ميلادية
دار السيرة
بيروت - لبنان
ص . ب : 49 / 25 الغبيري
--------------------------- 3 ---------------------------
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين .
وبعد ، فقد نشط المخالفون لمذهب أهل البيت الطاهرين ( عليهم السلام ) في نشر شبهاتهم على مذهبنا وكرروها في خطبهم وكتبهم ، ونشروها في الأسواق ، ووزعوها مجاناً بملايين النسخ في مواسم الحج ، وفي كافة بلاد المسلمين ومهجرهم !
وهذه أسئلة وإشكالات علمية ، كتبناها لتكون جواباً على ما يثيرونه علينا ، وتنبيهاً إلى أن الأولى لهم أن يعالجوا مشكلاتهم التي امتلأت بها مصادرهم ، وقامت عليها أفكارهم وعقائدهم ، وفقههم وتفسيرهم ، فإن إصلاح الدار أوْجبُ من انتقاد الجار !
وقد اعتمدنا في هذه المسائل على مصادرهم الأساسية في الحديث والتفسير والفقه والعقائد ، وأقوال كبار أئمتهم من القدماء والمتأخرين .
وقد جاء المجلد الأول ستة عشر فصلاً ، تضمنت أهم مسائل التوحيد والصفات ، ومشروعية التوسل والاستشفاع والاستغاثة ، بالنبي وآله الطاهرين ( صلى الله عليه وآله ) ، وإشكالات على المخالفين لأهل البيت ( عليهم السلام ) في مسائل شفاعة نبينا ( صلى الله عليه وآله ) .
--------------------------- 4 ---------------------------
ثم بينا كثرة مكذوباتهم في جمع القرآن والمحافظة عليه ، وسبب رفض إمامهم نسخة القرآن الشرعية ، واضطهاده قراء القرآن ، وقوله بتحريفه ، وتحريمه السؤال عن تفسير آياته ، وحذفه البسملة والمعوذتين ، وتغييره عدداً من آياته ، ثم فتواه وفتوى فقهاء مذاهب السلطة تبعاً له بجواز تحريف القرآن !
وأخيراً : زعمه أن القرآن سيرفع ، وأن الكعبة ستهدم ، ومكة ستخرب فلا تعمر بعد ذلك أبداً !
وجاء المجلد الثاني في ثمانية فصول ، تضمنت قرار الشيخين أبي بكر وعمر بتغييب سنة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وموقف الذين تسموا أهل السنة من السنة .
ثم بيَّنا تهوك المخالفين لأهل بيت النبوة ( عليهم السلام ) ، ثم أوردنا نماذج من قرشيات البخاري في الطعن برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والأنبياء ( عليهم السلام ) ، وهي أسوأ من الإسرائيليات ! ومجموعة مسائل من طعونهم في عصمة نبينا ( صلى الله عليه وآله ) وتفضيل بعض أصحابه عليه !
ثم كشفنا منهج مفسري الحكومات في الانتقاص من شخصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وروينا صوراً من قسوة الحكام وتعذيبهم للمسلمين ، التي أرادوا تغطيتها وتبريرها ، بنسبة القسوة إلى نبينا ( صلى الله عليه وآله ) !
ثم بينا تأسيس أئمتهم دين الظنون والاستحسانات المزاجية ، بسبب قلة نفقتهم من العلم ! واتهامهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه كان يعمل بالظن ويخطئ !
وقد بلغت مسائل المجلدين 167 مسألة ، ومجموع أسئلتهما 745 سؤالاً .
وفي هذا المجلد الثالث ، استكملنا بقية المسائل فجاء في تسعة فصول ، تضمن الفصل الأول منها بيان حقوق أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) من القرآن والسنة ، وكيف خالفها القرشيون وحكوماتهم ومذاهبهم ، وحرفوها وضيعوها !
--------------------------- 5 ---------------------------
ثم عقدنا بقية الفصول لبيان حال الشخصيات التي نصبوها في مقابل أهل بيت النبوة ( عليهم السلام ) ، وحررنا فيها مسائل ، ووجهنا حولها أسئلة .
فكان منها فصل للأسئلة المشتركة حول أبي بكر وعمر ، وفصول تتعلق بعمل الحكومات لفرض ولايتهما بالحديد والنار !
ثم فصلان في تعصب الفخر الرازي ، وما قيل عن تشيع الغزالي .
ثم فصل في مسائل تتعلق بعائشة وحفصة ، وفصل لمسائل تختص بأبي بكر بن أبي قحافة ، وآخر لمسائل تختص بعمر بن الخطاب .
وقد بلغت الأسئلة التي وجهناها في هذه المسائل أكثر من خمس مئة سؤال ، فبلغت الإشكالات والأسئلة أكثر من ألف ومئتين ، وكلها قليل من كثير من الأسئلة والإشكالات التي ترد على آرائهم ، وتبلغ ألوفاً مؤلفة !
أسأل الله تعالى أن ينفع المسلمين بهذا العمل ، ويكتبه في ميزان الدفاع عن نبيه المظلوم ( صلى الله عليه وآله ) ، وأهل بيته الطاهرين المضطهدين ( عليهم السلام ) ، ويحشر كاتبه معهم ، يوم يدعو كل أناس بإمامهم ، إنه سميع مجيب .
حرره : علي الكوراني العاملي عامله الله بلطفه
الحوزة العلمية بقم المشرفة - شعبان المعظم 1430
--------------------------- 6 ---------------------------
.
--------------------------- 7 ---------------------------

الفصل الخامس والعشرون: حقوق أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) وماذا صنعوا بها ؟

( المسألة : 167 ) مشكلة المسلمين التقصير في حق أهل البيت ( عليهم السلام ) !

يَدَّعِي بعضهم أن المشكلة في قضية أهل البيت ( عليهم السلام ) هي الغلو ، مع أن الغلو محصورٌ في حفنة من الناس غَلَوْا في بعض أهل البيت ( عليهم السلام ) فألَّهُوهُمْ مع الله تعالى والعياذ بالله ! وقد حسم المسلمون موقفهم منهم ، وأجمعوا على كفر كل من ألَّهَ مخلوقاً ، أو أشركه مع الله تعالى .
والصحيح أن المشكلة هي تقصير المسلمين في أداء ما فرض الله عليهم لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، من وجوب ولايتهم ومحبتهم ومعرفتهم والتلقي منهم والاهتداء بهديهم ! فقد أعرض أكثر المسلمين عن عمد أو عادة عن أهل بيت نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) وابتعدوا عنهم ، وأحبوا مخالفيهم وظالميهم وأعداءهم وقاتليهم !
ثم تراهم يصفون المسلم الذين يؤدون فريضة ربهم في حق أهل بيت نبيه ( عليهم السلام ) بالضلال والغلو ، ويحكمون عليهم بالكفر ، ويضطهدونهم !
لقد اتهموا الشيعة بالغلو وأنهم يُخرجون أهل البيت ( عليهم السلام ) عن البشرية التي أكد عليها الله تعالى بقوله : قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ .
وكان الأولى بهم أن يتهموا فهمهم وسطحيتهم ، حيث أخذوا الجزء الأدنى من الآية ، وتركوا جزءَها الأعلى ! أخذوا : بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ، وتركوا : يُوحَى إِلَيَّ ! فالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وبعده أهل بيته ( عليهم السلام ) ، بشرٌ مثلنا تجري عليه القوانين البشرية إلا ما شاء الله ، لكن ذلك جَنْبَةٌ من شخصيته فقط ، والجَنبة الأخرى أن له قدرةً على
--------------------------- 8 ---------------------------
تلقي الوحي من رب العالمين سبحانه ! وأنَّى لجميع أهل الأرض أن تكون لهم نافذة على خالق الكون عز وجل ، يتلقون بها العلم والتوجيه ؟ !
ومن الملفت أن هذه التهم بدأت من زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) من قبل أشخاص مشركين أو مسلمين تعاملوا مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) تعاملاً سياسياً مادياً ، فكانوا ينتقدون المسلمين لتقيدهم بنص النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويسمونهم « عُبَّاد محمد » !
وقد استمرت هذه التهمة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى شيعة أهل بيته ( عليهم السلام ) ! ووصف الشاعر الكميت ( رحمه الله ) اتهامهم بقوله :
وطائفةٌ قد كفرتْني بحُبِّكُمْ * وطائفةٌ قالوا مسئٌ ومذنبُ
فما ساءني تكفيرُ هاتيكَ منهمُ * ولا عيبُ هاتيكَ التي هي أعْيَبُ
يَعيبونني من خِبِّهم وضلالهمْ * على حبكم ، بل يسخرون وأعجبُ
وقالوا تُرَابيٌّ هواهُ ورأيُهُ * بذلك أدعى فيهم وألَقَّبُ
فلا زلتُ منهم حيث يتهمونني * ولا زلت في أشياعكم أتقلب
وأحمل أحقادَ الأقارب فيكم * ويُنصب لي في الأبعدين فأنصب
بخاتمكم غصباً تجوز أمورهم * فلم أر غصباً مثله حين يغصب
فقل للذي في ظل عمياءَ جونةٍ * ترى الجور عدلاً أين لا أينَ تذهب
بأي كتاب أم بأية سنة * ترى حبهم عاراً عليَّ وتحسب
فما ليَ إلا آلَ أحمد شيعةٌ * وما ليَ إلا مذهبَ الحق مذهب
أسئلة :
س 1 : هل طبقت الأمة وصية نبيها ( صلى الله عليه وآله ) في قوله : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي أم قصرت في حقهم ؟ !
س 2 : هل قرأتم شيئاً عن كربلاء وقتل الإمام الحسين وآل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ؟
--------------------------- 9 ---------------------------
وهل قرأتم شيئاً عن ظلامة الحكومات لأهل البيت النبوي ( عليهم السلام ) في التاريخ ؟
س 3 : هل قرأتم شعر شيعة أهل البيت ( عليهم السلام ) في ظلامتهم ومأساتهم ، من وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وما تلاها من عصور ؟

( م 168 ) الحقوق التي فرضها الله تعالى لأهل البيت ( عليهم السلام )

لا تقدم ثقافة المذاهب الرسمية إلى أتباعها من حقوق أهل البيت ( عليهم السلام ) ، إلا وجوب مودتهم التي يفرضها عليهم قوله تعالى : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ، ووصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) بهم المتواترة في مصادرهم بقوله ( صلى الله عليه وآله ) : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي .
ثم يفسرون وجوب مودتهم بأنها حبهم كما تحب أشخاصاً محترمين ، ويفسرون وصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) بهم بنحو ذلك ! لكنك عندما ترجع إلى القرآن والسنة عندهم ، تجد الأمر مختلفاً جذرياً ، فحقوق العترة أكثر ، ومعانيها أعمق ! وقد تعمدت السلطة تغييبها وتنقيصها وتحريفها ، لإبعاد المسلمين عنهم ( عليهم السلام ) ، وربطتهم بشخصيات نصبتهم مقابلهم ، ما أنزل الله بهم من سلطان !
فالعناوين الأساسية لحقوق أهل البيت ( عليهم السلام ) أكثر من عشرة عناوين ، وفروعها عشرات ، وكلها مهمة أصولاً وفروعاً ، ومصيرية في فكر المسلم وحياته .
ونكتفي هنا بذكر بعضها ، لأن استيفاءها ، ورد محاولاتهم لإنكارها وتحريفها ، يحتاج إلى مجلد كامل !
--------------------------- 10 ---------------------------

( م 169 ) الحق الأول : الاعتراف بأنهم ( عليهم السلام ) ورثة الكتاب الإلهي

روى ابن شعبة الحراني في تحف العقول / 425 : « لما حضر علي بن موسى ( عليه السلام ) مجلس المأمون وقد اجتمع فيه جماعة علماء أهل العراق وخراسان ، فقال المأمون : أخبروني عن معنى هذه الآية : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا . . الآية . . فقالت العلماء : أراد الله الأمة كلها ، فقال المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال الرضا ( عليه السلام ) : لا أقول كما قالوا ، ولكن أقول : أراد الله تبارك وتعالى بذلك العترة الطاهرة . فقال المأمون : وكيف عنى العترة دون الأمة ؟ فقال الرضا لنفسه : فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ . ، ثم جعلهم كلهم في الجنة فقال عز وجل : جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا . ، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم !
ثم قال الرضا ( عليه السلام ) : هم الذين وصفهم الله في كتابه فقال : إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً ، وهم الذين قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، يا أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم !
قالت العلماء : أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة هم الآل أو غير الآل ؟ فقال الرضا ( عليه السلام ) : هم الآل . فقالت العلماء : فهذا رسول الله يؤثر عنه أنه قال : أمتي آلي وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفيض الذي لا يمكن دفعه : آل محمد أمته !
--------------------------- 11 ---------------------------
فقال الرضا ( عليه السلام ) : أخبروني هل تحرم الصدقة على آل محمد ؟ قالوا : نعم ، قال ( عليه السلام ) : فتحرم على الأمة ؟ قالوا : لا . قال ( عليه السلام ) : هذا فرق بين الآل وبين الأمة ، ويحكم أين يذهب بكم ، أصرفتم عن الذكر صفحاً أم أنتم قوم مسرفون ! أما علمتم أنما وقعت الرواية في الظاهر على المصطفين المهتدين دون سائرهم !
قالوا : من أين قلت يا أبا الحسن ؟ قال ( عليه السلام ) : من قول الله : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ، فصارت وراثة النبوة والكتاب في المهتدين دون الفاسقين ! أما علمتم أن نوحاً سأل ربه ، فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ، وذلك أن الله وعده أن ينجيه وأهله فقال له ربه تبارك وتعالى : يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ !
فقال المأمون : فهل فضل الله العترة على سائر الناس ؟ فقال الرضا ( عليه السلام ) : إن الله العزيز الجبار فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه . قال المأمون : أين ذلك من كتاب الله ؟ قال الرضا ( عليه السلام ) : في قوله تعالى : إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ . ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ، وقال الله في موضع آخر : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ، ثم رد المخاطبة في أثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ ، يعني الذين أورثهم الكتاب والحكمة وحسدوهم عليهما بقوله : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ
--------------------------- 12 ---------------------------
فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ، يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين ، والملك هاهنا الطاعة لهم .
قالت العلماء : هل فسر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب ؟ فقال الرضا ( عليه السلام ) : فسر الله الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعاً ، فأول ذلك قول الله : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، وهذه منزلة رفيعة وفضل عظيم وشرف عال ، حين عنى الله عز وجل بذلك الآل . فهذه واحدة .
والآية الثانية في الاصطفاء قول الله : إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً ، وهذا الفضل الذي لا يجحده معاند ، لأنه فضل بيِّن .
والآية الثالثة حين ميز الله الطاهرين مَن خلقه ، أمر نبيه في آية الابتهال فقال : فَقُلْ ( يا محمد ) تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ، فأبرز النبي ( صلى الله عليه وآله ) علياً والحسن والحسين وفاطمة ( عليهم السلام ) فقرن أنفسهم بنفسه ، فهل تدرون ما معنى قوله : وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ؟ قالت العلماء : عنى به نفسه . قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : غلطتم ، إنما عنى به علياً ( عليه السلام ) ومما يدل على ذلك قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) حين قال : لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلاً كنفسي يعني علياً ( عليه السلام ) ! فهذه خصوصية لا يتقدمها أحد ، وفضل لا يختلف فيه بشر ، وشرف لا يسبقه إليه خلق ، إذ جعل نفس علي ( عليه السلام ) كنفسه ، فهذه الثالثة .
وأما الرابعة : فإخراجه الناس من مسجده ما خلا العترة ، حين تكلم الناس في ذلك وتكلم العباس فقال : يا رسول الله تركت علياً وأخرجتنا ؟ ! فقال رسول
--------------------------- 13 ---------------------------
الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما أنا تركته وأخرجتكم ، ولكن الله تركه وأخرجكم ! وفي هذا بيان قوله لعلي ( عليه السلام ) : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ! قالت العلماء : فأين هذا من القرآن ؟ قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : أُوجدكم في ذلك قرآناً أقرؤه عليكم ؟ قالوا : هات . قال ( عليه السلام ) : قول الله عز وجل : وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ، ففي هذه الآية منزلة هارون من موسى ، وفيها أيضاً منزلة علي من رسول الله ، ومع هذا دليل ظاهر في قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين قال : إن هذا المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض إلا لمحمد وآل محمد .
فقالت العلماء : هذا الشرح وهذا البيان لا يوجد إلا عندكم معشر أهل بيت رسول الله ! قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : ومن ينكر لنا ذلك ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها فمن أراد مدينة العلم فليأتها من بابها ، ففيما أوضحنا وشرحنا من الفضل والشرف والتقدمة والاصطفاء والطهارة ما لا ينكره إلا معاند ، ولله عز وجل الحمد على ذلك ، فهذه الرابعة .
وأما الخامسة فقول الله عز وجل : وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ، خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها واصطفاهم على الأمة ، فلما نزلت هذه الآية على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : ادعوا لي فاطمة ، فدعوها له فقال : يا فاطمة ، قالت : لبيك يا رسول الله ، فقال : إن فدكاً لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وهي لي خاصة دون المسلمين ، وقد جعلتها لك لما أمرني الله به ، فخذيها لك ولولدك ، فهذه الخامسة .
--------------------------- 14 ---------------------------
وأما السادسة : فقول الله عز وجل : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ، فهذه خصوصية للنبي ( صلى الله عليه وآله ) دون الأنبياء وخصوصية للآل دون غيرهم . وذلك أن الله حكى عن الأنبياء ( عليهم السلام ) في ذكر نوح : وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ، وحكى عن هود قال : يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِىَ إِلا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ ، وقال لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ، ولم يفرض الله مودتهم إلا وقد علم أنهم لا يرتدون عن الدين أبداً ، ولا يرجعون إلى ضلالة أبداً . وأخرى أن يكون الرجل وادَّاً للرجل فيكون بعض أهل بيته عدواً له ، فلا يسلم قلبه ، فأحب الله أن لا يكون في قلب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على المؤمنين شئ ، إذ فرض عليهم مودة ذي القربى ، فمن أخذ بها وأحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأحب أهل بيته ( عليهم السلام ) لم يستطع رسول الله أن يبغضه ، ومن تركها ولم يأخذ بها وأبغض أهل بيت نبيه ( صلى الله عليه وآله ) فعلى رسول الله أن يبغضه لأنه قد ترك فريضة من فرائض الله ! وأي فضيلة وأي شرف يتقدم هذا ؟ !
ولما أنزل الله هذه الآية على نبيه ( صلى الله عليه وآله ) : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى قام رسول الله في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه وقال : أيها الناس إن الله قد فرض عليكم فرضاً فهل أنتم مؤدوه ؟ فلم يجبه أحد ! فقام فيهم يوماً ثانياً فقال مثل ذلك ، فلم يجبه أحد ! فقام فيهم يوم الثالث فقال : أيها الناس إن الله قد فرض عليكم فرضاً فهل أنتم مؤدوه ؟ فلم يجبه أحد ، فقال : أيها الناس إنه ليس
--------------------------- 15 ---------------------------
ذهباً ولا فضة ولا مأكولاً ولا مشروباً ! قالوا : فهات إذا ؟ فتلا عليهم هذه الآية ، فقالوا : أما هذا فنعم . فما وفى به أكثرهم !
ثم قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : حدثني أبي ، عن جدي ، عن آبائه ، عن الحسين بن علي ( عليهم السلام ) قال : اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالوا : إن لك يا رسول الله مؤونة في نفقتك وفيمن يأتيك من الوفود ، وهذه أموالنا مع دمائنا فاحكم فيها باراً مأجوراً ، أعط ما شئت وأمسك ما شئت ، من غير حرج ! فأنزل الله عز وجل عليه الروح الأمين فقال : يا محمد : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ، لا تؤذوا قرابتي من بعدي !
فخرجوا فقال أناس منهم : ما حمل رسول الله على ترك ما عرضنا عليه إلا ليحثنا على قرابته من بعده ، إن هو إلا شئ افتراه في مجلسه ! وكان ذلك من قولهم عظيماً ! فأنزل الله هذه الآية : أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ! فبعث إليهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : هل من حدث ؟ فقالوا : إي والله يا رسول الله ، لقد تكلم بعضنا كلاماً عظيما فكرهناه ، فتلا عليهم رسول الله فبكوا واشتد بكاؤهم فأنزل الله تعالى : وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ! فهذه السادسة .
وأما السابعة فيقول الله : إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما ، وقد علم المعاندون أنه لما نزلت هذه الآية قيل : يا رسول الله
--------------------------- 16 ---------------------------
قد عرفنا التسليم عليك فكيف الصلاة عليك ؟ فقال : تقولون : اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد .
وهل بينكم معاشر الناس في هذا اختلاف ؟ قالوا : لا . فقال المأمون : هذا ما لا اختلاف فيه وعليه الإجماع ، فهل عندك في الآل شئ أوضح من هذا في القرآن ؟
قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : أخبروني عن قول الله : يس . وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ . إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ . عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . فمن عنى بقوله : يس ؟
قال العلماء : يس محمد ليس فيه شك . قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : أعطى الله محمداً وآل محمد من ذلك فضلاً لم يبلغ أحد كنه وصفه لمن عقله ، وذلك أن الله لم يسلم على أحد إلا على الأنبياء صلوات الله عليهم فقال تبارك وتعالى : سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ، وقال : سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، وقال : سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ، ولم يقل سلام على آل نوح ، ولم يقل سلام على آل إبراهيم ، ولا قال : سلام على آل موسى وهارون ، وقال عز وجل : سلام على آل يس ، يعني آل محمد .
فقال المأمون : لقد علمت أن في معدن النبوة شرح هذا وبيانه .
قال ( عليه السلام ) : فهذه السابعة ، وأما الثامنة فقول الله عز وجل : وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَئٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ، فقرن سهم ذي القربى مع سهمه وسهم رسوله ( صلى الله عليه وآله ) فهذا فصل بين الآل والأمة ، لأن الله جعلهم في حيز وجعل الناس كلهم في حيز دون ذلك ، ورضي لهم ما رضي لنفسه واصطفاهم فيه ، وابتدأ بنفسه ثم ثنى برسوله ( صلى الله عليه وآله ) ثم بذي القربى في الفئ والغنيمة وغير ذلك مما رضيه
--------------------------- 17 ---------------------------
عز وجل لنفسه ورضيه لهم فقال وقوله الحق : وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَئٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ، فهذا توكيد مؤكد وأمر دائم لهم إلى يوم القيامة في كتاب الله الناطق الذي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ .
وأما قوله : وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ، فإن اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من المغانم ولم يكن له نصيب ، وكذلك المسكين إذا انقطعت مسكنته لم يكن له نصيب في المغنم ولا يحل له أخذه ، وسهم ذي القربى إلى يوم القيامة قائم فيهم للغني والفقير ، لأنه لا أحد أغنى من الله ولا من رسوله ( صلى الله عليه وآله ) فجعل لنفسه منها سهماً ولرسوله ( صلى الله عليه وآله ) سهماً ، فما رضي لنفسه ولرسوله رضيه لهم . وكذلك الفئ ما رضيه لنفسه ولنبيه ( صلى الله عليه وآله ) رضيه لذي القربى كما جاز لهم في الغنيمة ، فبدأ بنفسه ثم برسوله ( صلى الله عليه وآله ) ثم بهم وقرن سهمهم بسهم الله وسهم رسوله ( صلى الله عليه وآله ) .
وكذلك في الطاعة قال عز وجل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ ، فبدأ بنفسه ثم برسوله ( صلى الله عليه وآله ) ثم بأهل بيته . وكذلك آية الولاية : إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ، فجعل ولايتهم مع طاعة الرسول مقرونة بطاعته ، كما جعل سهمه مع سهم الرسول مقروناً بأسهمهم في الغنيمة والفيئ ، فتبارك الله ما أعظم نعمته على أهل هذا البيت ، فلما جاءت قصة الصدقة نزه نفسه عز ذكره ونزه رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ونزه أهل بيته عنها فقال : إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ ، فهل تجد في شئ من ذلك أنه جعل لنفسه سهماً أو لرسوله أو لذي القربى لأنه لما نزههم عن الصدقة نزه نفسه ونزه رسوله ونزه أهل بيته ،
--------------------------- 18 ---------------------------
لا بل حرمها عليهم ، لأن الصدقة محرمة على محمد وأهل بيته ( صلى الله عليه وآله ) ، وهي أوساخ الناس لا تحل لهم ، لأنهم طهروا من كل دنس ووسخ ، فلما طهرهم واصطفاهم رضي لهم ما رضي لنفسه ، وكره لهم ما كره لنفسه !
وأما التاسعة ، فنحن أهل الذكر الذين قال الله في محكم كتابه : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ . فقال العلماء : إنما عنى بذلك اليهود والنصارى !
قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : وهل يجوز ذلك ؟ ! إذا يدعونا إلى دينهم ويقولون : إنهم أفضل من دين الإسلام !
فقال المأمون : فهل عندك في ذلك شرح يخالف ما قالوا يا أبا الحسن ؟ قال ( عليه السلام ) : نعم الذكر رسول الله ونحن أهله ، وذلك بيِّنٌ في كتاب الله بقوله في سورة الطلاق : فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا . رَسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ فالذكر رسول الله ونحن أهله ، فهذه التاسعة .
وأما العاشرة فقول الله عز وجل في آية التحريم : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأخْتِ . . إلى آخرها . . أخبروني هل تصلح ابنتي أو ابنة ابني أو ما تناسل من صلبي لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يتزوجها لو كان حياً ؟ قالوا : لا . قال ( عليه السلام ) : فأخبروني هل كانت ابنة أحدكم تصلح له أن يتزوجها ؟ قالوا : بلى . قال فقال : ففي هذا بيان أنا من آله ولستم من آله ، ولو كنتم من آله لحرمت عليه بناتكم كما حرمت عليه بناتي ، لأنا من آله وأنتم من
--------------------------- 19 ---------------------------
أمته ، فهذا فرق بين الآل والأمة ، لان الآل منه والأمة إذا لم تكن الآل فليست منه ، فهذا العاشرة
وأما الحادية عشرة ، فقوله في سورة المؤمن حكاية عن قول رجل : وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّىَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ . . الآية . . وكان ابن خال فرعون فنسبه إلى فرعون بنسبه ولم يضفه إليه بدينه ، وكذلك خصصنا نحن إذ كنا من آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بولادتنا منه ، وعممنا الناس بدينه ، فهذا فرق ما بين الآل والأمة . فهذه الحادية عشر .
وأما الثانية عشر فقوله : وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ، فخصنا بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع أمره ، ثم خصنا دون الأمة ، فكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يجئ إلى باب علي وفاطمة ( عليهما السلام ) بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر في كل يوم ، عند حضور كل صلاة خمس مرات فيقول : الصلاة يرحمكم الله ! وما أكرم الله أحداً من ذراري الأنبياء بهذه الكرامة التي أكرمنا الله بها وخصنا من جميع أهل بيته .
فهذا فرق ما بين الآل والأمة . فقال المأمون والعلماء : جزاكم الله أهل بيت نبيكم عن الأمة خيراً فما نجد الشرح والبيان فيما اشتبه علينا إلا عندكم » وأمالي الصدوق / 615 ، وعيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 207 ، وبشارة المصطفى / 228 والبحار : 25 / 220

  • *
    --------------------------- 20 ---------------------------

( م 170 ) الحق الثاني : فريضة مودتهم ( عليهم السلام )

فقد جعل الله تعالى مودتهم فريضة على الأمة ، أجراً للنبي ( صلى الله عليه وآله ) على تبليغ الرسالة ، فقال تعالى : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ . ( الشورى : 23 ) .
وتقدم في حديث الإمام الرضا ( عليه السلام ) أن هذه الفريضة ميزةٌ لآل النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن جميع آل الأنبياء وذرياتهم ( عليهم السلام ) ، فقد ذكر الله تعالى قول هود ( عليه السلام ) لقومه : يا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ ، وكذا قول عدد من الأنبياء ( عليهم السلام ) . وأمر نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن يقول للناس : قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ . وقال له : أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ؟ ! وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ .
ثم أمره أن يسألهم أجرأً على عمله هو مودة عترته ( عليهم السلام ) فقال : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ، ثم بينَّ الله لهم أن هذا الأجر هو الطريق إلى الله تعالى فقال : قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً .
ثم بيَّن لهم أن فائدة هذا الأجر لا تعود إلى الله والرسول ( صلى الله عليه وآله ) بل تعود لهم ، لأنها سبب هدايتهم في الدنيا ونجاتهم في الآخرة ، فقال تعالى : قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِىَ إِلا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَئٍ شَهِيدٌ .
فمودة أهل البيت ( عليهم السلام ) أجر على تبليغ النبي ( صلى الله عليه وآله ) لرسالة ربه ، وهي من جنس الرسالة لأنها ضمانةٌ للأمة من الانحراف عن رسالة ربها ، وضمانةٌ لتحقيق أهدافها . أما إذا لم يودَّ المسلمون العترة ( عليهم السلام ) ولم يطيعوهم ، فلا ضمان لهم من الضلال والانحراف ! وهذا نفس قوله ( صلى الله عليه وآله ) عن القرآن والعترة : ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً !
--------------------------- 21 ---------------------------
قال القاضي عياض في الشفا جزء 2 / 47 : « ومن توقيره ( ص ) وبرِّه ، برُّ آله وذريته وأمهات المؤمنين أزواجه ، كما حض عليه وسلكه السلف الصالح ، قال الله تعالى : إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ، الآية . وقال تعالى : وأزواجُهُ أمَّهَاتُهُمْ . عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله ( ص ) : أنشدكم الله أهل بيتي ، ثلاثاً ، قلنا لزيد : من أهل بيته ؟ قال آل علي ، وآل جعفر وآل عقيل ، وآل العباس . وقال ( ص ) : إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما . وقال ( ص ) : معرفة آل محمد براءة من النار ، وحب آل محمد جواز على الصراط . والولاية لآل محمد أمانٌ من العذاب » !
وفي الغدير : 2 / 307 : « أخرج الحافظ أبو عبد الله الملا في سيرته أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : إن الله جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي ، وإني سائلكم غداً عنهم .
ورواه محب الدين الطبري في الذخائر / 25 ، وابن حجر في الصواعق ص 102 و 136 والسمهودي في جواهر العقدين . قال جابر بن عبد الله : جاء أعرابي إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال : يا محمد أعرض عليَّ الإسلام . فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله . قال : تسألني عليه أجراً قال : لا ، إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ، قال : قرابتي أو قرابتك ! قال : قرابتي . قال : هات أبايعك ، فعلى من لا يحبك ولا يحب قرابتك لعنة الله . فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : آمين !
وأخرج الحافظ الكنجي في الكفاية / 31 ، عن الحافظ ابن أبي شيبة بإسناده . وأخرج الحافظ الطبري ، وابن عساكر ، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ، بعدة طرق عن أبي أمامة الباهلي ، قال قال رسول الله ( ص ) : إن الله خلق الأنبياء من أشجار شتى ، وخلقني من شجرة واحدة ، فأنا أصلها وعلي
--------------------------- 22 ---------------------------
فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمرها ، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا ، ومن زاغ عنها هوى ، ولو أن عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام ، ثم لم يدرك محبتنا ، أكبه الله على منخريه في النار . ثم تلا : قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى » .
أسئلة :
س 1 : كيف تفسرون الربط بين هذه الآيات الثلاث في مودة أهل البيت ( عليهم السلام ) : قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى . وقوله تعالى : قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ، وقوله تعالى : قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ؟ ! وهل أن مودة العترة توازي عمل النبي ( صلى الله عليه وآله ) في تبليغ الرسالة حتى جعلها الله أجراً عليه ؟ وهل يصل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) نفعٌ منه ؟ ! أم هو نفع للأمة يرتبط بتبليغ الرسالة ؟ !
س 2 : هل معنى قوله تعالى : إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ، أن السبيل إلى محصور بمودة أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ !
س 3 : إذا أمرك الله تعالى بمودة إنسان فحاربته لتقتله ، فهل تكون ممتثلاً لأمر الله تعالى بمودته ، أو مخالفاً ؟ ! وهل الذين نصبوا العداء لأهل البيت ( عليهم السلام ) وحاربوا علياً والحسن والحسين ، ممتثلون لأمر الله تعالى بمودة قربى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ !
س 4 : هل كانت السقيفة عمل مودة لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، وأي مودة عند من استغلوا انشغالهم بجنازة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وذهبوا خفية وصفقوا على يد شخص وأعلنوه خليفة ؟ !
س 5 : ألا يعني وجوب مودتهم ، أن الذين حاربوهم منحرفون عن الإسلام ؟ !
س 6 : إذا كان الذين هاجموا بيت فاطمة وعلي ( عليهما السلام ) وحاربوهم كعائشة ومعاوية ويزيد ، محبين لهم ، فهل كان المشركون الذين قاتلوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) كانوا محبين له ؟ !
--------------------------- 23 ---------------------------

( م 171 ) الحق الثالث : فرض الله طاعتهم بعد النبي ( صلى الله عليه وآله )

قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَئٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تأوِيلاً . ( النساء : 59 ) .
قال الرازي في تفسيره ( 10 / 144 ) : « إعلم أن قوله : وأولي الأمر منكم ، يدل عندنا على أن إجماع الأمة حجة ، والدليل على ذلك أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصوماً عن الخطأ ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته ، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ . والخطأ لكونه خطأ منهيٌّ عنه ، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد ، وإنه محال ، فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم ، وثبت أن كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم ، وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ ، فثبت قطعاً أن أولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بد وأن يكون معصوماً » .
أقول : جعل الرازي المعصوم الواجب الطاعة الأمة كلها في حالة إجماعها التام ، وهذا لا يتحقق إذا خالف منها مجموعة واحدة ، بل فرد واحد !
ولهذا الرأي لوازم باطلة عديدة :
منها : أن يكون أولو الأمر نفس المأمورين بالطاعة !
ومنها : أن شرط طاعتهم لا يتحقق في أي مسألة مختلف فيها !
ومنها : أن طاعتهم لا ترفع الخلاف ، ولا تحقق الغرض من فرضها !
--------------------------- 24 ---------------------------
لذلك ، لا بد أن يكون المعصومون الذين فرض الله طاعتهم أشخاصاً ، وقد سماهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وهم عترته الذين أوصى بهم ( عليهم السلام ) مع القرآن .
فالصحيح ما رواه في المناقب : 1 / 242 : « عن جابر بن عبد الله قال : لما نزل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ ، قلت : يا رسول الله ، فمن أولوا الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعته ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) : هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين بعدي ، أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن والحسين ثم عد تسعة من ولد الحسين » . راجع المسلك في أصول الدين للمحقق الحلي / 275 .
وفي كفاية الأثر / 100 : « عن زيد بن أرقم قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قول لعلي : أنت الإمام والخليفة بعدي ، وابناك سبطاي ، وهما سيدا شباب أهل الجنة ، وتسعة من صلب الحسين أئمة معصومون ، ومنهم قائمنا أهل البيت » .
وقال سليم بن قيس : « سمعت علياً صلوات الله عليه يقول ، وأتاه رجل فقال له : ما أدنى ما يكون به العبد مؤمناً وأدنى ما يكون به العبد كافراً ، وأدنى ما يكون به العبد ضالاً ؟ فقال له : وأدنى ما يكون به العبد ضالاً أن لا يعرف حجة الله تبارك وتعالى وشاهده على عباده الذي أمر الله عز وجل بطاعته وفرض ولايته . قلت : يا أمير المؤمنين صفهم لي ، فقال : الذين قرنهم الله عز وجل بنفسه ونبيه فقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْر مِنْكُمْ . قلت : يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك أوضح لي فقال : الذين قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في آخر خطبته يوم قبضه الله عز وجل إليه : إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما إن تمسكتم بهما : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي
--------------------------- 25 ---------------------------
أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين ، وجمع بين مسبحتيه ، ولا أقول كهاتين وجمع بين المسبحة والوسطى ، فتسبق إحداهما الأخرى ، فتمسكوا بهما لا تزلوا ولا تضلوا ولا تقدموهم فتضلوا » ( الكافي : 2 / 414 ) .
وفي الكافي : 2 / 513 : « عن أبي مسروق عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قلت : إنا نكلم الناس فنحتج عليهم بقول الله عز وجل : أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ ، فيقولون : نزلت في أمراء السرايا ، فنحتج عليهم بقوله عز وجل : إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا إلى آخر الآية ، فيقولون : نزلت في المؤمنين ، ونحتج عليهم بقول الله عز وجل : قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ، فيقولون : نزلت في قربى المسلمين ! قال : فلم أدع شيئاً مما حضرني ذكره من هذه وشبهه إلا ذكرته ، فقال لي إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة ، قلت : وكيف أصنع ؟ قال : أصلح نفسك ثلاثاً وأظنه قال : وصم واغتسل وابرز أنت وهو إلى الجبَّان ، فشبك أصابعك من يدك اليمنى في أصابعه ، ثم أنصفه وابدأ بنفسك وقل : اللهم رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع ، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، إن كان أبو مسروق جحد حقاً وادعى باطلاً فأنزل عليه حسباناً من السماء أو عذاباً أليماً ثم رد الدعوة عليه فقل : وإن كان فلان جحد حقاً وادعى باطلاً فأنزل عليه حسباناً من السماء أو عذاباً أليماً ! ثم قال لي : فإنك لا تلبث أن ترى ذلك فيه . فوالله ما وجدت خلقاً يجيبني إليه » ! !
أسئلة :
س 1 : ما رأيكم في تفسير الإمام الباقر ( عليه السلام ) ، فقد قال بريد العجلي « سألت أبا
--------------------------- 26 ---------------------------
جعفر ( عليه السلام ) عن قول الله عز وجل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ ، فكان جوابه : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً . يقولون لائمة الضلالة والدعاة إلى النار : هؤلاء أهدى من آل محمد سبيلا ! أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ : يعني الإمامة والخلافة . فَإِذَا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا : نحن الناس الذين عنى الله ، والنقير النقطة التي في وسط النواة . أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ نحن الناس المحسودون على ما آتانا الله من الإمامة دون خلق الله أجمعين . فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا . يقول : جعلنا منهم الرسل والأنبياء والأئمة ، فكيف يُقِرُّون به في آل إبراهيم ( عليه السلام ) وينكرونه في آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ! فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا » ( الكافي : 1 / 205 ) .
س 2 : ما رأيكم في اعتراف الفخر الرازي بأن آية : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ ، تدل على عصمة من أمر الله بطاعتهم بدون شرط ولا قيد ، لأنهم لو كانوا يذنبون أو يخطئون لما جاز الأمر بطاعتهم !
وهل يصح أن نقول إنهم مجموع الأمة ، فيكون الأمر لكل الأمة بطاعة نفسها فيما لم تختلف فيه وتجمع عليه ؟ !

( م 172 ) الحق الرابع : فرض الله الصلاة عليهم مع نبيه ( صلى الله عليه وآله )

قال الله تعالى : إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا . وأمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمته أن يقرنوهم به ولا يصلوا عليه بدونهم ! ( صحيح بخاري : 4 / 118 ) .
--------------------------- 27 ---------------------------
وروى أحاديثها مجمع الزوائد : 10 / 163 ، وأولها « عن بريدة قال : قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : قولوا : اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وآل محمد ، كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد » .
وسميت الصلاة الإبراهيمية لأنها تجعل آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) كآل إبراهيم ( عليه السلام ) راجع : موطأ مالك : 1 / 165 ، ومسنده / 349 ، وكتاب الأم : 1 / 140 ، وصحيح بخاري : 4 / 118 9 و : 6 / 27 و : 7 / 156 ، ومسلم : 2 / 16 ، وابن ماجة : 1 / 293 ، وأبي داود : 1 / 221 ، والترمذي : 5 / 38 ، والنسائي : 3 / 45 ، وأحمد : 4 / 118 و 244 و : 5 / 353 و 424 ، والدارمي : 1 / 165 و 309 ، والحاكم : 1 / 268 ، والبيهقي : 2 / 146 و 378 ، وكنز العمال : 2 / 266 . وأورد المفسرون عدداً كبيراً منها كالدر المنثور : 5 / 215 ، والفقهاء كالنووي في المجموع : 3 / 466 ، وابن قدامة في المغني : 1 / 580 ، وابن حزم في المحلى : 3 / 272 .
لكن أتباع السلطة لا يطبقون ذلك إلا في صلاتهم ، وفي غير الصلاة يحذفون آل محمد من الصلاة عليه ( صلى الله عليه وآله ) ، ويضعون بدلهم أصحابه ، أو يضيفونهم لهم ! مع أنهم رووا كما في الشفا : 2 / 64 : « عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : الدعاء والصلاة معلق بين السماء والأرض فلا يصعد إلى الله منه شئ حتى يصلى على النبي ( ص ) » .
أسئلة :
س 1 : اتفقت مصادركم على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) علَّمَ المسلمين صيغة الصلاة عليه وفيها الصلاة على آله معه ( صلى الله عليه وآله ) ، وتسمونها ( الصلاة الإبراهيمية ) فهل يجوز إضافة الصحابة في الصلاة على النبي ، سواء في الصلاة أو في غيرها ؟
س 2 : الصلاة على شخص دعاء له بأن يبارك الله عليه ، ونوع من الشهادة بصلاحه فلا تجوز على الكافر ولا على المنافق ، ولا على الناصب المبغض لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، ولا على الغالي الذي يزعم أن لمخلوق شيئاً من الشراكة مع الله تعالى ! فمن هم أهل البيت الذين يجب تعظيمهم عندكم ، والذين تقرنونهم في الصلاة بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟
--------------------------- 28 ---------------------------
فإن جعلتموهم كل بني هاشم إلى يوم القيامة ، ففيهم أعداء لله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ! فكيف يجوز أن تصلوا عليهم في صلاتكم وتقرنوهم بسيد المرسلين ( صلى الله عليه وآله ) ؟ !
س 3 : هل توافقونا على أن أهل البيت وآل محمد ( صلى الله عليه وآله ) مصطلح إسلامي حدده النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالأسماء والكساء ، بعلي وفاطمة والحسن والحسين ، وتسعة من ذرية الحسين ( عليهم السلام ) . أم تصرون على أنهم بالمعنى اللغوي وهم كل الذرية والأزواج والعشيرة وتصلون عليهم جميعاً في صلاتكم ؟ !
س 4 : نحن نصلي على آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) بالمصطلح الذي حدده النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنتم توسعون آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) الذين تصلون عليهم ، وذلك يسبب لكم مشكلة عويصة ! لأن فيهم أعداء لله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، وفيهم قتلة وأشرار ، وملحدون !
س 5 : ألا يعني فرض الصلاة على عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنهم الأفضل ( عليهم السلام ) ! إذ لا يعقل أن يأمر الله على المسلمين إلى يوم القيامة بضم أحد إلى الصلاة على رسوله ، ولا يقبل صلاةَ المسلمين على نبيه إلا بالصلاة عليهم ، ثم لا يكونوا معصومين ؟ !
. س 6 : هل يعقل أن يقرن الله العترة بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) في صلاة المسلمين ، ويكون غيرهم المرجع في الشريعة والحاكم للأمة ؟ !

( م 173 ) الحق الخامس : فرض الله الخمس لبني هاشم

وهي ميزانية خاصة في ميزانية الدولة الإسلامية ، ومع ذلك حرموهم منه !
قال ابن قدامة في المغني : 2 / 519 : « لا نعلم خلافاً في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة ، وقد قال النبي ( ص ) : إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد ( ص ) إنما هي أوساخ الناس . أخرجه مسلم . وعن أبي هريرة قال : أخذ الحسن تمرة من
--------------------------- 29 ---------------------------
تمر الصدقة فقال النبي ( ص ) : كخ كخ ، ليطرحها ، وقال : أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة ! متفق عليه . قال : ولا لمواليهم : يعني أن موالي بني هاشم ، وهم من أعتقهم هاشمي . لا يعطون من الزكاة .
وقال أكثر العلماء يجوز لأنهم ليسوا بقرابة النبي ( ص ) فلم يمنعوا الصدقة كسائر الناس ، ولأنهم لم يعوضوا عنها بخمس الخمس ، فإنهم لا يعطون منه ، فلم يجز أن يحرموها كسائر الناس . لنا : ما روى أبو رافع أن رسول الله ( ص ) بعث رجلاً من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع : إصحبني كيما تصيب منها ، فقال : لا ، حتى آتى رسول الله ( ص ) فأسأله ، فانطلق إلى النبي ( ص ) فسأله فقال : إنا لا تحل لنا الصدقة وإن موالي القوم منهم » أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وقال : حديث حسن صحيح . ولأنهم ممن يرثهم بنو هاشم بالتعصيب ، فلم يجز دفع الصدقة إليهم كبني هاشم .
وقولهم إنهم ليسوا بقرابة . قلنا : هم بمنزلة القرابة بدليل قول النبي ( ص ) : الولاء لحمة كلحمة النسب . وقوله : موالي القوم منهم . وثبت فيهم حكم القرابة من الإرث والعقل والنفقة ، فلا يمتنع ثبوت حكم تحريم الصدقة فيهم » راجع : فتاوى اللجنة الدائمة الوهابية . جمع الدويش : 10 / 69
ونكتفي من مصادرنا برواية الكافي : 1 / 540 ، عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قال : « وإنما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم ، دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم ، عوضاً لهم من صدقات الناس ، تنزيهاً من الله لقرابتهم برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكرامةً من الله لهم عن أوساخ الناس ، فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل والمسكنة . ولا بأس بصدقات بعضهم على بعض .
وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس ، هم قرابة النبي ( صلى الله عليه وآله ) الذين ذكرهم الله
--------------------------- 30 ---------------------------
فقال : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، وهم بنو عبد المطلب الذكر منهم والأنثى ، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ، ولا من العرب أحد ، ولا فيهم ولا منهم في هذا الخمس من مواليهم » .
وهذا التكريم من الله تعالى لعترة رسوله ( صلى الله عليه وآله ) وعشيرته بني هاشم . لا يشمل نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا حق لهن في الخمس لأنهن لا تحرم عليهن الصدقة !
قال ابن حجر في فتح الباري : 3 / 281 : « قال ابن المنير في الحاشية : إنما أورد البخاري هذه الترجمة ليحقق أن الأزواج لا يدخل مواليهن في الخلاف ، ولا يحرم عليهن الصدقة قولاً واحداً . لئلا يظن الظان أنه لما قال بعض الناس بدخول الأزواج في الآل أنه يطرد في مواليهن ، فبين أنه لا يطرد ثم أورد المصنف في الباب حديثين . . . وقال الجمهور يجوز لهم ( موالي نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) ) لأنهم ليسوا منهم حقيقة ، ولذلك لم يعوضوا بخمس الخمس ومنشأ الخلاف قوله منهم أو من أنفسهم هل يتناول المساواة في حكم تحريم الصدقة أو لا ؟ وحجة الجمهور أنه لا يتناول جميع الأحكام فلا دليل فيه على تحريم الصدقة ، لكنه ورد على سبب الصدقة وقد اتفقوا على أنه لا يخرج السبب وإن اختلفوا هل يخص به أو لا ويمكن أن يستدل لهم بحديث الباب ، لأنه يدل على جوازها لموالي الأزواج وقد تقدم أن الأزواج ليسوا في ذلك من جملة الآل فمواليهم أحرى بذلك » !
وقال الشوكاني في نيل الأوطار : 4 / 243 : « عن أم عطية قالت : بعث إلي رسول الله بشاة من الصدقة فبعثت إلى عائشة منها بشئ ، فلما جاء رسول الله قال : هل عندكم من شئ ؟ فقالت : لا ، إلا أن نسيبة بعثت إلينا من الشاة التي بعثتم بها إليها ، فقال : إنها قد بلغت محلها ! متفق عليه . . وذكر ابن المنير أنها لا تحرم
--------------------------- 31 ---------------------------
الصدقة على الأزواج ، قولا واحداً » . انتهى .
وقد حبست الحكومات الخمس عن بني هاشم ، ففي جامع أحاديث الشيعة ( 8 / 622 ) ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « لما وليَ أبو بكر قال له عمر : إن الناس عبيد هذه الدنيا لا يريدون غيرها ، فامنع عن علي الخمس والفئ وفدكاً ، فإن شيعته إذا علموا ذلك تركوا علياً رغبة في الدنيا .
وفيه : أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) سأل أحدهم : « ما تقول قريش في الخمس ؟ قال قلت تزعم أنه لها . قال ( عليه السلام ) : ما أنصفونا والله ! لو كان مباهلة لتباهلن بنا ولئن كان مبارزة لتبارزن بنا ، ثم يكونوا هم وعليٌّ سواء » !
أسئلة :
س 1 : كيف تفسرون هذا التمييز للعترة وكل بني هاشم بمالية خاصة ، تبلغ في عصرنا الملايين بل المليارات ، ويكفي أن نأخذ منها خمس النفط والمعادن !
فهل يعقل أن الله ميز قوماً بميزانية دون أن يكون عليهم واجب هداية الأمة وإدارتها وتحقيق توازن الثروة في المجتمع الإسلامي ، فهو نوع من الملكية ، غير الملكية الفردية لعامة المسلمين ، وغير الملكية العامة لكل المسلمين ؟ !
س 2 : أليس في هذا الحكم الفقهي المجمع عليه عند أتباع المذاهب السنية دليلاً على أن نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) لسن من أهل بيته ، لأن الصدقة لا تحرم عليهن !
وكيف تفسرون أن يقول الله تعالى : هذه الأوساخ حرام على آل محمد ، لكن فلتأكل منها عائشة وأبوها ، وحفصة وأبوها ، فكيف يكونون أفضل من آل محمد ؟ !
س 3 : إذا سألك شخص غير مسلم : أليس من الطبقية أن يجعل الله مالية خاصة لعترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكل عشيرته ( بني هاشم ) ثم يصرح النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأن مالية الدولة من
--------------------------- 32 ---------------------------
الزكوات وغيرها أوساخ الناس وأن الله نزهه وعشيرته عنها !
وبماذا تجيب عن أخذه ( صلى الله عليه وآله ) التمرة من فم حفيده الإمام الحسن ( عليه السلام ) وقوله : ( كخ كخ ) ! فهل ترفض ذلك لأنه طبقية ، أم تقبل أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وآله ( عليهم السلام ) طبقة فوق الناس وتعتقد أن ذلك ضرورة للناس ؟ !
س 4 : لماذا منع الحكام بني هاشم من الخمس الذي فرضه الله لهم ؟ ففي مسند أبي يعلى : 4 / 423 : « كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى لمن هو ؟ وعن قتل الولدان ، ويذكر في كتابه أن العالم صاحب موسى قد قتل الغلام ، وعن النساء هل كن يحضرن الحرب مع رسول الله ( ص ) وهل كان يضرب لهن بسهم ؟ قال يزيد فكتب إليه كتبت تسألني عن سهم ذي القربى لمن هو ، هو لنا أهل البيت ، وقد كان عمر بن الخطاب دعانا إلى أن ينكح منه أيمنا ويخدم منه عائلنا ويقضي منه عن غارمنا فأبينا إلا أن يسلمه إلينا وأبى ذلك فتركناه » !
وفي كتاب الأم : 4 / 272 ، عن ابن عباس : « هو لنا ، فأبى ذلك علينا قومنا فصبرنا عليه » ومسند الشافعي / 319 ، وسنن البيهقي : 9 / 22 ، وتفسير العياشي : 2 / 61 .

( م 174 ) الحق السادس : جعلهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وصيته في أمته كالقرآن

فقد جعلهم عدلاء القرآن ! إذ قال ( صلى الله عليه وآله ) في الحديث المتواتر عند الجميع : « إني مخلف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما . أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم » ( أمالي الصدوق / 616 ، ومسند أحمد : 3 / 17 ) .
وهذه الوصية لا تعم كل بني هاشم كحق الخمس ، بل تخص العترة أو الآل أو أهل البيت بالمعنى الخاص ، وهم مصطلحٌ إسلامي لأقارب النبي القريبين ،
--------------------------- 33 ---------------------------
الذين حددهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) تحديداً حسياً بالكساء والأسماء ، فعرفوا باسم ( أهل الكساء ) وهم : علي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين ( عليهم السلام ) .
فقد روى أحمد في مسنده ( 6 / 323 ) عن أم سلمة أن رسول الله ( ص ) قال لفاطمة : إئتيني بزوجك وابنيك فجاءت بهم ، فألقى عليهم كساءً فدكياً ، قال ثم وضع يده عليهم ثم قال : اللهم إن هؤلاء آل محمد ! فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد ، إنك حميد مجيد . قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه من يدي وقال : إنك على خير » !
ولهذه الوصية النبوية لوازم عديدة ، ودلالات بليغة ، لا يتسع المجال لاستيفائها ، وتأييد كل واحدة منها بالقرآن والسنة .
نذكر منها : أن القرآن معصوم : لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ( فُصِّلَتْ : 42 ) فكذلك العترة معصومون ، لأنهم عدلاء القرآن .
ومنها : وجوب أخذ القرآن والسنة من العترة ( عليهم السلام ) ، لأن أي وصية بعلماء وكتاب ، تعني أنهم الأمناء على الكتاب ، فيجب أخذ نصه وتفسيره منهم .
ومنها : أن العترة ( عليهم السلام ) أفضل الأمة وأعلمها ، فلو كان في الأمة أفضل منهم أو أعلم منهم ، أو كان سيوجد فيها أعلم منهم ، لما صح الأمر بالرجوع إليهم .
ج
ومنها : أنهم ( عليهم السلام ) أئمة الأمة والحكام عليها ، فلا يجوز لمن أمره الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) بطاعتهم ، أن يتأمر عليهم .
ومنها : أنهم الأئمة الإثنا عشر الربانيين الذين بشر بهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) في أحاديثه . فلو كان المبشر بهم غيرهم لما تركهم وأوصى بهؤلاء !
ومنها : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) سيسأل المسلم عن عمله بوصيته ، فإن لم يعمل بها لم
--------------------------- 34 ---------------------------
يقبله في أمته ! فقد قال ( صلى الله عليه وآله ) : « وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما » . ( كفاية الأثر / 91 )
أسئلة :
س 1 : هل توافقون على دلالات حديث الثقلين التي ذكرناها ؟ !
س 2 : أين صارت وصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعترته من وفاته إلى اليوم ؟ وما بال الحكومات عزلتهم وأبعدتهم وعزلتهم بدل أن تطيعهم وتتبعهم ، وأعرضت عنهم ولم تتلق منهم القرآن والإسلام ، بل أخذته من صحابة ورواة يتبعون السلطة ، وليس عندهم علمهم ولا تقواهم ؟ !
س 3 : أجمعت الأمة على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أوصى أمته بالقرآن والعترة ، وبشرها باثني عشر إماماً ، فهل يعقل أن يكون هؤلاء الأئمة من غير عترته الذين أوصى بهم ؟ !
س 4 : لم يصح حديث في أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أوصى بالقرآن والسنة ، ولو صح لكان حديث وصيته بالعترة حاكماً عليه ، لأن معناه : خذوا القرآن والسنة من العترة !

( م 175 ) ظلامة أهل البيت ( عليهم السلام ) أعظم ظلامة في تاريخ الأرض !

1 - روى الجميع أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) طلب من الصحابة في مرض وفاته ، أن يكتب لأمته عهداً يؤمِّنها من الضلال ويجعلها سيدة العالم !
وعرف الطلقاء أنه سيأمرهم بطاعة علي وعترته ( عليهم السلام ) ! فوقف في وجهه عمر بن الخطاب وصاح : حسبنا كتاب الله ! وصاح خلفه الطلقاء : القول ما قاله عمر ! القول ما قاله عمر ! وقالوا إن نبيكم يهجر ! !
--------------------------- 35 ---------------------------
روى ذلك البخاري في ست مواضع ، منها : 1 / 36 : « عن ابن عباس قال : لما اشتد بالنبي وجعه قال : إئتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده . قال عمر : إن النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا ! فاختلفوا وكثر اللغط ! قال ( ص ) : قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع ! ! فخرج ابن عباس يقول : إن الرزيئة كل الرزيئة ما حال بين رسول الله وبين كتابه » . « فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله ( ص ) : قوموا » !
وفي مسلم : 5 / 75 : « عن ابن عباس أنه قال : يوم الخميس وما يوم الخميس ! ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ ! قال : قال رسول الله ( ص ) : إئتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ، فقالوا : إن رسول الله يهجر ! وفي رواية أخرى : فقال عمر : إن رسول الله قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله » .
وفي مسند أحمد : 3 / 346 : « دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلون بعده قال فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها » !
وفي مجمع الزوائد : 9 / 33 : « عن عمر بن الخطاب قال : لما مرض النبي قال : ادعوا لي بصحيفة ودواة أكتب كتاباً لا تضلون بعدي أبداً ، فكرهنا ذلك أشد الكراهة ! ثم قال : ادعوا لي بصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده أبداً ! فقال النسوة من وراء الستر : ألا تسمعون ما يقول رسول الله ؟ فقلت : إنكن صواحبات يوسف إذا مرض رسول الله عصرتن أعينكن ، وإذا صح ركبتن رقبته ! فقال رسول الله ( ص ) : دعوهن فإنهن خير منكم » !
وهذه شهادة من النبي ( صلى الله عليه وآله ) برواية عمر بأن نساءه اللواتي طالبنَ بإطاعته في أن يكتب عهده ، خير من صحابته الذين رفضوا ذلك !
--------------------------- 36 ---------------------------
2 - روى الجميع أن أول محكمة تقام يوم القيامة ، تكون لمحاكمة خصوم علي ( عليه السلام ) والأخذ بحقه ! ففي صحيح بخاري ( 5 / 6 ) : « عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة » !
وفي رواية الحاكم ( 2 / 386 ) : « يجثو للخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة » . وقال رواة السلطة إن خصومته تكون مع من قتلهم في بدر ! لكن لا يصح ذلك ، لأن مبارزة المشركين لا خصومة فيها حتى تحتاج إلى محكمة .
وفي أمالي المفيد / 289 ، أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لعلي ( عليه السلام ) في حديثه عن المستقبل : « فكيف صبرك إذا خضبت هذه من هذا ، وأومى إلى رأسي ولحيتي ؟ ! فقلت : يا رسول الله ، أما إذ بينت لي ما بينت ، فليس بموطن صبر ، لكنه موطن بشرى وشكر ! فقال : أجل فأعدَّ للخصومة فإنك مخاصمٌ أمتي ! قلت : يا رسول الله أرشدني الفلج ، قال : إذا رأيت قوماً قد عدلوا عن الهدى إلى الضلال فخاصمهم ، فإن الهدى من الله والضلال من الشيطان . يا علي إن الهدى هو اتباع أمر الله دون الهوى والرأي . وكأنك بقوم قد تأولوا القرآن وأخذوا بالشبهات ، واستحلوا الخمر بالنبيذ ، والبخس بالزكاة والسحت بالهدية . قلت : يا رسول الله فما هم إذا فعلوا ذلك ، أهم أهل ردة أم أهل فتنة ؟ قال : هم أهل فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل . فقلت : يا رسول الله العدل منا أم من غيرنا ؟ فقال : بل منا بنا يفتح الله ، وبنا يختم ، وبنا ألف الله بين القلوب بعد الشرك ، وبنا يؤلف الله بين القلوب بعد الفتنة . فقلت : الحمد لله على ما وهب لنا من فضله » .
3 - روى الجميع إخبار النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن مأساة عترته وأهل بيته ( عليهم السلام ) بعده ، وبكاءه لذلك مراراً ، بدموع غزيرة ! فعن عبد الله بن مسعود : « أتينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فخرج إلينا مستبشراً يعرف السرور في وجهه فما سألناه عن شئ إلا أخبرنا به ،
--------------------------- 37 ---------------------------
ولا سكتنا إلا ابتدأنا ، حتى مرت فتية من بني هاشم ، فيهم الحسن والحسين ، فلما رآهم التزمهم وانهملت عيناه ، فقلنا : يا رسول الله ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه ! ( أي عندما ترى الحسنين ) قال : إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وإن أهل بيتي هؤلاء سيلقون بعدي بلاء وتطريداً وتشريداً ، حتى يأتي قوم من ها هنا من نحو المشرق أصحاب رايات سود ، يسألون الحق فلا يعطونه مرتين أو ثلاثاً ، فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلوه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي ، فيملؤها عدلا كما ملؤوها ظلماً » . رواه ابن حماد والحاكم ( 4 / 464 ) وصححه ، وابن حبان وصححه ، وابن شيبة ، وغيرهم . راجع مصادره وطرقه وألفاظه في معجم أحاديث الإمام المهدي : 1 / 381 .
وفي أمالي الصدوق / 175 : « عن ابن عباس قال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن ، فلما رآه بكى ثم قال : إليَّ يا بني ، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى ، ثم أقبل الحسين فلما رآه بكى ، ثم قال : إلي يا بني ، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى . ثم أقبلت فاطمة فلما رآها بكى ثم قال : إليَّ يا بنية فأجلسها بين يديه . ثم أقبل أمير المؤمنين فلما رآه بكى ثم قال : إليَّ يا أخي ، فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن فقال له أصحابه : يا رسول الله ، ما ترى واحداً من هؤلاء إلا بكيت أوَما فيهم من تُسَرُّ برؤيته ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية ، إني وإياهم لأكرم الخلق على الله عز وجل ، وما على وجه الأرض نسمة أحب إلي منهم !
أما علي بن أبي طالب فإنه أخي وشقيقي وصاحب الأمر بعدي ، وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة ، وصاحب حوضي وشفاعتي ، وهو مولى كل مسلم ، وإمام كل مؤمن ، وقائد كل تقي ، وهو وصيي وخليفتي على أهلي وأمتي في
--------------------------- 38 ---------------------------
حياتي وبعد مماتي . محبه محبي ومبغضه مبغضي ، وبولايته صارت أمتي مرحومة وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة ! وإني بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الأمة به بعدي ، حتى إنه ليزال عن مقعدي وقد جعله الله له بعدي ، ثم لا يزال الأمر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور شهر رمضان ، الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان .
وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، وهي بضعة مني ، وهي نور عيني ، وهي ثمرة فؤادي ، وهي روحي التي بين جنبيّ . وهي الحوراء الإنسية ، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله ، زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض ، ويقول الله عز وجل لملائكته : يا ملائكتي أنظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي ، قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي ، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي ، أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار !
وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي ! كأني بها وقد دخل الذل بيتها ، وانتهكت حرمتها ، وغصبت حقها ، ومنعت إرثها ، وكسر جنبها ، وأسقطت جنينها وهي تنادي : يا محمداه فلا تجاب ، وتستغيث فلا تغاث ! فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية ، تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة ، وتتذكر فراقي أخرى ، وتستوحش إذا جنها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن ، ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة ، فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة ، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران ، فتقول : يا فاطمة : إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ . يا فاطمة : اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ .
--------------------------- 39 ---------------------------
ثم يبتدئ بها الوجع فتمرض ، فيبعث الله عز وجل إليها مريم بنت عمران تمرضها وتؤنسها في علتها ، فتقول عند ذلك : يا رب إني قد سئمت الحياة وتبرمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي ، فيلحقها الله عز وجل بي ، فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي ، فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة ، فأقول عند ذلك : اللهم العن من ظلمها ، وعاقب من غصبها ، وأذلَّ من أذلها وخلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها ، فتقول الملائكة عند ذلك : آمين .
وأما الحسن فإنه ابني وولدي ، ومني ، وقرة عيني ، وضياء قلبي ، وثمرة فؤادي ، وهو سيد شباب أهل الجنة وحجة الله على الأمة ، أمره أمري ، وقوله قولي ، من تبعه فإنه مني ومن عصاه فليس مني ، وإني لما نظرت إليه تذكرت ما يجرى عليه من الذل بعدي ، فلا يزال الأمر به حتى يقتل بالسم ظلماً وعدواناً فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد لموته ، ويبكيه كل شئ حتى الطير في جو السماء والحيتان في جوف الماء ، فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمي العيون ، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب ، ومن زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام .
وأما الحسين فإنه مني ، وهو ابني وولدي ، وخير الخلق بعد أخيه ، وهو إمام المسلمين ومولى المؤمنين ، وخليفة رب العالمين ، وغياث المستغيثين ، وكهف المستجيرين وحجة الله على خلقه أجمعين ، وهو سيد شباب أهل الجنة ، وباب نجاة الأمة ، أمره أمري وطاعته طاعتي ، من تبعه فإنه مني ومن عصاه فليس مني ، وإني لما رأيته تذكرت ما يصنع به بعدي ، كأني به وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار ، فأضمه في منامه إلى صدري ، وآمره بالرحلة على دار هجرتي
--------------------------- 40 ---------------------------
وأبشره بالشهادة ، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله ، وموضع مصرعه ، أرض كرب وبلاء وقتل وفناء ، تنصره عصابة من المسلمين ، أولئك من سادة شهداء أمتي يوم القيامة ، كأني أنظر إليه وقد رميَ بسهم فخرَّ عن فرسه صريعاً ، ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوماً !
ثم بكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبكى من حوله وارتفعت أصواتهم بالضجيج ، ثم قام وهو يقول : اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي ، ثم دخل منزله » !
وفي الروضة / 140 ، عن سليم بن قيس قال : « لما قتل الحسين ( عليه السلام ) بكى ابن عباس بكاء شديداً ثم قال : ما لقيت عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) من هذه الأمة بعد نبيها ؟ ! اللهم إني أشهدك أني لعلي وليٌّ ولولده وليٌّ ، ولأعدائهم عدو ، وأني مسلِّم لأمرهم .
ولقد دخلت على ابن عم رسول الله بذي قار ، قال : فأخرج لي صحيفة أملاها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وخطها بيده فقلت : يا أمير المؤمنين إقرأها عليَّ ، فقرأها وإذا فيها كل شئ ، منذ قبض رسول الله إلى يوم قتل الحسين ، ومن يقتله ومن ينصره ومن يستشهد معه ، وبكى بكاء شديداً وأبكاني ، وكان فيما قرأه : كيف يصنع به وكيف تستشهد معه فاطمة ، وكيف يستشهد الحسن ، وكيف تغدر به الأمة . ! فلما قرأ مقتل الحسين ومن يقتله ، أكثر البكاء وأدرج الصحيفة وفيها ما كان أو يكون إلى يوم القيامة !
وكان فيما قرأه أمر أبي بكر وعمر وعثمان ، وكم يملك كل انسان منهم ، وكيف بويع علي بن أبي طالب ، ووقعة الجمل ومسير طلحة وعائشة والزبير ، ووقعة صفين ومن يقتل بها ، ووقعة النهروان وأمر الحكمين ، وملك معاوية ومن يقتل من الشيعة وما يصنع الناس بالحسن ، وأمر يزيد بن معاوية ، حتى
--------------------------- 41 ---------------------------
انتهى إلى مقتل الحسين ، فسمعت ذلك !
ثم كان كلما قرأ لم يزد ولم ينقص ، ورأيت خطه في الصحيفة لم يتغير ولم يظفر ، فلما أدرج الصحيفة قلت : يا أمير المؤمنين ، لو كنت قرأت عليَّ بقية هذه الصحيفة ، قال : لا ، ولكني محدثك بما يسعني ، فيها ما يلقى أهل بيتي من أهل بيتك وولدك من أمر فظيع ، من قتلهم لنا وعداوتهم ، وسوء ملكهم وقدرتهم ، أكره أن تسمعه فتغتم !
ولكني أحدثك بأن رسول الله عند موته أخذ بيدي ففتح لي ألف باب من العلم ، وفتح لكل باب ألف باب ، وأبو بكر وعمر ينظرون بما قال لي ، فحركا أيديهما ثم حكيا قولي ، ثم ولَّيا يرددان قولي ويخطران بأيديهما !
فقال : يا بن عباس إن ملك بني أمية إذا زال ، أول ما يملك من بني هاشم وُلْدك فيفعلون الأفاعيل ! فقال ابن عباس : يكون نسخي ذلك الكتاب أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس » .
5 - لم تلق عترة نبي من أمته طول التاريخ ما لقيت عترة نبينا ( صلى الله عليه وآله ) !
ففي دعاء الندبة لهم ولغياب الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) : « اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك ، الذين استخلصتهم لنفسك ودينك ، إذا اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم ، الذي لا زوال له ولا اضمحلال بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها ، فشرطوا لك ذلك ، وعلمت منهم الوفاء به فقبلتهم وقربتهم ، وقدمت لهم الذكر العلي والثناء الجلي ، وأهبطت عليهم ملائكتك ، وأكرمتهم بوحيك ، ورفدتهم بعلمك ، وجعلتهم الذرائع إليك ، والوسيلة إلى رضوانك .
--------------------------- 42 ---------------------------
فبعض أسكنته جنتك إلى أن أخرجته منها . وبعض حملته في فلكك ونجيته ومن آمن معه من الهلكة برحمتك . وبعض اتخذته خليلاً ، وسألك لسان صدق في الآخرين فأجبته وجعلت ذلك علياً . وبعض كلمته من شجرة تكليماً وجعلت له من أخيه ردءاً ووزيراً .
وبعض أولدته من غير أب ، وآتيته البينات ، وأيدته بروح القدس . وكلاً شرعت له شريعة ونهجت له منهاجاً ، وتخيرت له أوصياء مستحفظاً بعد مستحفظ ، من مدة إلى مدة ، إقامةً لدينك وحجة على عبادك ، ولئلا يزول الحق عن مقره ويغلب الباطل على أهله ، ولا يقول أحد : لولا أرسلت إلينا رسولا منذراً ، وأقمت لنا علماً هادياً ، فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى .
إلى أن انتهيت بالأمر إلى حبيبك ونجيبك محمد ( صلى الله عليه وآله ) فكان كما انتجبته ، سيد من خلقته ، وصفوة من اصطفيته ، وأفضل من اجتبيته وأكرم من اعتمدته ، قدمته على أنبيائك ، وبعثته إلى الثقلين من عبادك ، وأوطأته مشارقك ومغاربك وسخرت له البراق وعرجت به إلى سمائك ، وأودعته علم ما كان وما يكون إلى انقضاء خلقك .
فعلى الأطائب من أهل بيت محمد وعليٍّ صلى الله عليهما وآلهما ، فليبك الباكون وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم فلتذرف الدموع ، وليصرخ الصارخون ، ويضج الضاجون ، ويعج العاجون !
أين الحسن ، أين الحسين ، أين أبناء الحسين ، صالحٌ بعد صالح ، وصادقٌ بعد صادق . أين السبيل بعد السبيل ، أين الخيرة بعد الخيرة ، أين الشموس الطالعة ، أين الأقمار المنيرة ، أين الأنجم الزاهرة ، أين أعلام الدين ، وقواعد العلم !
--------------------------- 43 ---------------------------
أين بقية الله التي لا تخلو من العترة الطاهرة ، أين المعد لقطع دابر الظلمة ، أين المنتظر لإقامة الأمْتِ والعِوج ، أين المرتجى لإزالة الجور والعدوان ، أين المدخر لتجديد الفرائض والسنن ، أين المتخيَّر لإعادة الملة والشريعة ، أين المؤمل لإحياء الكتاب وحدوده ، أين محيي معالم الدين وأهله ، أين قاصم شوكة المعتدين ، أين هادم أبنية الشرك والنفاق . . . اللهم أقم به الحق ، وادحض به الباطل ، وأدلْ به أولياءك ، وأذلل به أعداءك » . ( إقبال الأعمال : 1 / 504 ) .
أسئلة :
س 1 : معنى أول قضية تعرض في محكمة الله تعالى يوم القيامة ، أنها مميزة في موضوعها أو صاحبها أو كليهما ! فما هي الميزة التي أوجبت أن تكون قضية علي ( عليه السلام ) عند الله تعالى أهم ظلامة وقعت في تاريخ الأرض ؟
س 2 : روت مصادركم أحاديث صحيحة في إخبار النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن ظلامة أهل بيته بعده كقوله : « إن أهل بيتي هؤلاء سيلقون بعدي بلاء وتطريداً وتشريداً . . إنكم ستبتلون في أهل بيتي . . الله الله في أهل بيتي » ! كما رويتم أنه ( صلى الله عليه وآله ) أخبر عن قتل ولده الحسين ( عليه السلام ) وبكى ، فهل كان ذلك مجرد إخبار بما يحدث ، أم تحذيراً للأمة من الانحراف وظلم العترة ؟ !
س 3 : من الذي ارتكب ظلم عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وما هو الموقف الواجب تجاهه ؟ ! وما معنى لعن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لمن استحل حرمة عترته ؟ !
س 4 : ألا تكفي ظاهرة تقتيل عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة من أهل بيته ( عليهم السلام ) ، دليلاً على انحراف الأمة عن الخط النبوي ؟ !
س 5 : ما قولكم في شهادة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بقوله : « قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) متعمدين لخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيرين لسنته ! ولو
--------------------------- 44 ---------------------------
حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم ( عليه السلام ) فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله ؟ ورددت فدك إلى ورثة فاطمة ؟ ورددت صاع رسول كما كان ؟ وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ ؟ ! ما لقيتُ من هذه الأمة من الفرقة ، وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار . . . وأعطيت من ذلك سهم ذي القربى الذي قال الله عز وجل : إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ . فنحن والله عنى بذي القربى الذي قرننا الله بنفسه وبرسوله ( صلى الله عليه وآله ) فقال تعالى : فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ( فينا خاصة ) كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ . وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ . وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ ( في ظلم آل محمد ) إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ لمن ظلمهم . رحمة منه لنا وغنى أغنانا الله به ووصى به نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيباً . أكرم الله رسوله وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس ، فكذبوا الله وكذبوا رسوله وجحدوا كتاب الله الناطق بحقنا ومنعونا فرضاً فرضه الله لنا ! ما لقي أهل بيت نبي من أمته ما لقينا بعد نبينا ( صلى الله عليه وآله ) والله المستعان على من ظلمنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم » . ( الكافي : 8 / 59 ) ؟ !

  • *
    --------------------------- 45 ---------------------------

( م 176 ) أصدر النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعنته على الذين سيظلمون عترته !

1 - فقد روى الجميع هذا الحكم النبوي ، كالحاكم ( 1 / 36 و : 4 / 90 ) وصححه على شرط بخاري ، عن عائشة قالت : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ستة لعنتهم لعنهم الله وكل نبي مجاب : المكذب بقدر الله ، والزائد في كتاب الله ، والمتسلط بالجبروت يذل من أعز الله ويعز من أذل الله ، والمستحل لحرم الله ، والمستحل من عترتي ما حرم الله ، والتارك لسنتي » وفي : 2 / 525 ، بلفظ آخر ، وابن حبان ( 13 / 60 ) والطبراني في الأوسط ( 2 / 186 ، والكبير : 3 / 127 ، و : 17 / 578 . ورووه بلفظ : سبعة لعنتهم وكل نبي مجاب وفيه : والمستأثر بالفئ ( السنة لابن أبي عاصم / 149 ، والزوائد : 1 / 176 ، وصححه ) .
وفسر المناوي في فيض القدير ( 4 / 121 و 127 ) من استحل ظلم العترة بقوله : « يعني من فعل بأقاربي ما لا يجوز فعله من إيذائهم أو ترك تعظيمهم ، فإن اعتقد حله فكافر ، وإلا فمذنب » .
وفي تخريج الأحاديث ( 3 / 336 ) : « حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي . ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها إذا لقيني يوم القيامة » والثعلبي : 8 / 312 والقرطبي : 16 / 22 والكشاف : 4 / 219
وروته مصادرنا ، كالكافي ( 2 / 293 ) عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : خمسة لعنتهم وكل نبي مجاب : الزائد في كتاب الله ، والتارك لسنتي ، والمكذب بقدر الله ، والمستحل من عترتي ما حرم الله ، والمستأثر بالفئ المستحل له » .
ورواه في المحاسن : 1 / 11 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) وزاد فيه : « والمتسلط بالجبروت ليعز من أذل الله ويذل من أعز الله ، والمحرم ما أحل الله » . والخصال / 349 .
--------------------------- 46 ---------------------------
وفي كتاب سُليم / 485 : « لما ثقل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دخلنا عليه فقال للناس : أخلوا لي عن أهل البيت . فقام الناس وقمت معهم ، فقال : أقعد يا سلمان إنك منا أهل البيت . فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا بني عبد مناف ، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً فإنه لو قد أذن لي بالسجود ( للشفاعة يوم القيامة ) لم أوثر عليكم أحداً .
إني رأيت على منبري هذا اثني عشر كلهم من قريش ، رجلين من ولد حرب بن أمية وعشرة من ولد العاص بن أمية ، كلهم ضال مضل ، يردُّون أمتي عن الصراط القهقرى . ثم قال للعباس : أما إن هلكتهم على يدي ولدك . ثم قال : فاتقوا الله في عترتي أهل بيتي ، فإن الدنيا لم تدم لأحد قبلنا ولا تبقى لنا ولا تدوم لأحد بعدنا . ثم قال لعلي ( عليه السلام ) : دولة الحق أبرُّ الدول ، أما إنكم ستملكون بعدهم باليوم يومين وبالشهر شهرين وبالسنة سنتين ! ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : ستة لعنهم الله في كتابه : الزائد في كتاب الله ، والمكذب بقدر الله ، والمستحل من عترتي ما حرم الله ، والتارك لسنتي ، والمستأثر على المسلمين بفيئهم ، والمتسلط بالجبروت ليذل من أعز الله ويعز من أذل الله » . ومناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان : 2 / 171 .
وفي أمالي الطوسي / 164 : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وقاتلهم وعلى المعترض عليهم والساب لهم ، أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ » .
وفي كمال الدين / 520 ، من أجوبة الإمام المهدي ( عليه السلام ) : « فقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : المستحل من عترتي ما حرم الله ملعون على لساني ولسان كل نبي . فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين ، وكانت لعنة الله عليه لقوله تعالى : أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ » .
--------------------------- 47 ---------------------------
وفي كامل الزيارات / 332 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) في زيارة عاشوراء : « اللهم خُصَّ أنت أول ظالم ظلم آل نبيك باللعن ، ثم العن أعداء آل محمد من الأولين والآخرين » . ومصباح المتهجد / 774 ، ومزار الشهيد الأول / 180 ، ومصباح الكفعمي / 483
وروته مصادر السنة ، ففي المعرفة / 96 للحاكم ، عن ابن عمر قال : « قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا عبد الله أتاني ملك فقال : يا محمد وأسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على مَ بعثوا ؟ قال قلت : على مَ بعثوا ؟ قال على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب » ! وقال الحاكم : ولم نكتبه إلا عن بن مظفر ، وهو عندنا حافظ ثقة مأمون » .
أقول : لعل تفاوت عدد الملعونين ، حسب المناسبة التي قاله النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيها .
أما لعن الأنبياء السابقين ( عليهم السلام ) لظالمي عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فيدل على أن الله تعالى عرَّفهم ما يجري عليهم ، عندما أخذ ميثاقهم على ولاية نبينا ( صلى الله عليه وآله ) وولايتهم ( عليهم السلام ) .
وقد روت مصادرهم عن أبي هريرة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « لما أسري بي ليلة المعراج اجتمع عليَّ الأنبياء في السماء فأوحى الله إلي : سلهم يا محمد بماذا بعثتم ؟ قالوا : بعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله ، وعلى الإقرار بنبوتك والولاية لعلي بن أبي طالب » . وخصائص الوحي المبين / 170 عن الإستيعاب وأبي نعيم . والطرائف / 101 ، عن أبي نعيم وينابيع المودة : 2 / 246 ، عن أبي هريرة . ونهج الحق / 183 ، عن ابن عبد البر . والصراط المستقيم : 1 / 181 عن الثعلبي ، والكشاف : 4 / 94 والكنجي في كفاية الطالب / 136 . ونفحات الأزهار : 5 / 260 ، و : 16 / 366 ، وبحث روايته وسنده عندهم ، وردَّ في : 20 / 392 ، و 396 ، على ابن تيمية حيث أنكر وجوده !
أسئلة :
س 1 : بماذا تفسرون مظلومية علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وأهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟
س 2 : صحح علماء السنة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعن : « المستحل من عترتي ما حرم الله » فَعَلى
--------------------------- 48 ---------------------------
مَ يدل ذلك ؟
س 3 : ما علاقة الأنبياء السابقين ( عليهم السلام ) بعترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى يلعنوا من استحل منهم ما حرم الله ؟ !
س 4 : هل توافق على تعريف المناوي للفعل الذي يُدخل صاحبه في لعنة الأنبياء ( عليهم السلام ) : « من إيذائهم أو ترك تعظيمهم ، فإن اعتقد حله فكافر ، وإلا فمذنب » . فهل يستحق من آذى أحداً من بني هاشم هذا اللعن ؟ أم هو حكم خاص بالعترة ، وهم عندنا أصحاب الكساء وتسعة من ذرية الحسين ( عليهم السلام ) ؟
س 5 : ما معنى من اعتقد حلية إيذائهم فهو كافر ، وإلا فهو مذنب ؟
س 6 : ما معنى ترك تعظيم أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وهل يعتبر ذكرهم بدون الترضي عليهم كمن يقول علي وفاطمة وحسن وحسين ، تركاً لتعظيمهم يستحق صاحبه لعنة الأنبياء ( عليهم السلام ) ؟
س 7 : هل تشمل لعنة الزائد في كتاب الله تعالى كل من زاد فيه أو نقص حروفاً أو كلمات ، وهل تشمل قراءات عمر بن الخطاب التي رواها البخاري : غير المغضوب عليهم وغير الضالين . . فامضوا إلى ذكر الله . . الحي القيام ؟ ( البخاري : 6 / 63 و 73 ، وفتح الباري : 8 / 122 ) وهل تشمل من نقص البسملة ، أو المعوذتين ، فأنكر أنها من القرآن ؟
س 8 : ورد في نصوص الحديث : « حُرِّمَت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي » . فهل تطبقون عليهم قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينا ( الأحزاب : 57 ) على كل من آذى أهل بيت النبي ؟ وما رأيكم بمن يحب ظالمي العترة ، ويتخذهم أولياء وقادة وسادة وأئمة ؟ !
س 9 : يعترض بعضهم على لعن الشيعة لظالمي أهل البت ( عليهم السلام ) بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يكن لعاناً وقد نهانا عن اللعن ! لكنهم يروون أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعن كثيرين حتى في صلاته
--------------------------- 49 ---------------------------
ولعن بشكل خاص من استحل حرمة عترته وأهل بيته ( عليهم السلام ) ! ثم يروون أنه ( صلى الله عليه وآله ) في آخر ساعة من حياته لعن اليهود والنصارى لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد !
والصحيح في المسألة : أن اللعن قرار من الله تعالى بطرد الملعون من رحمته ، وأنه لا يصدر إلا بالحق لمن يستحقه ، فلعنتنا للملعونين إقرارٌ باللعن ، ودعاء على الملعون والذي نهى عنه النبي ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة ( عليهم السلام ) أن يكون المسلم لعاناً كثير اللعن ، كالذين يلعنون في كلامهم أي شخص لأدنى سبب .
أما الملعونون بحق فيجب اعتقاد اللعن فيهم ، وأما لعنتنا لهم فقد يحرم كلعن المؤمن وقد يكره ، أو يباح ، وقد يجب ولو في العمر مرة كلعن الشيطان .
وأما حديث أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعن اليهود والنصارى لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، فهو مكذوب لعدم وجود ذلك في تاريخهم ، وقد مدح الله الذين اتخذوا على قبر أهل الكف مسجداً فقال : قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا . وسبب وضعهم الحديث خوفهم من أن يستجير بنو هاشم بقبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويطالبوا بالخلافة ، فبادروا بعد دفن النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى السيطرة على القبر بحجة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) نهى عن الصلاة عنده ! فما رأيكم بهذا التحليل لمفهوم اللعن وأحاديثه ؟ !

( م 177 ) تأكيدات النبي ( صلى الله عليه وآله ) على حقوق أهل بيته ( عليهم السلام )

قال السيد شرف الدين في المراجعات / 254 : « قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله ( ص ) من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب . وقال ابن عباس : ما نزل في أحد في كتاب الله ما نزل في علي . وقال مرة أخرى : نزل في علي ثلاث مئة آية من كتاب الله عز وجل . وقال مرة ثالثة : ما أنزل الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، إلا وعليٌّ أميرها وشريفها ، ولقد عاتب الله
--------------------------- 50 ---------------------------
أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) في غير مكان من كتابه العزيز وما ذكر علياً إلا بخير .
وقال عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة : كان لعلي ما شئت من ضرس قاطع في العلم ، وكان له القدم في الإسلام ، والصهر من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، والفقه في السنة ، والنجدة في الحرب ، والجود في المال .
وسئل الإمام أحمد بن حنبل عن علي ومعاوية ، فقال : إن علياً كان كثير الأعداء ففتش أعداؤه عن شئ يعيبونه به فلم يجدوه ، فجاؤوا إلى رجل قد حاربه وقاتله ، فأطروه كيداً منهم به !
وقال القاضي إسماعيل والنسائي وأبو علي النيسابوري وغيرهم : لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي » وآخره في فتح الباري : 7 / 57 .
وفي أمالي الطوسي / 587 : « عن صالح بن كيسان ، قال : سمع عامر بن عبد الله بن الزبير ، وكان من عقلاء قريش ، ابناً له ينتقص علي بن أبي طالب فقال له : يا بنيَّ لا تنتقص علياً ، فإن الدين لم يبن شيئاً فاستطاعت الدنيا أن تهدمه ، وإن الدنيا لم تبن شيئاً إلا هدمه الدين ! يا بني إن بني أمية لهجوا بسب علي بن أبي طالب في مجالسهم ، ولعنوه على منابرهم ، فكأنما يأخذون والله بضبعيه إلى السماء مداً ، وإنهم لهجوا بتقريظ ذويهم وأوائلهم من قومهم ، فكأنما يكشفون منهم عن أنتن من بطون الجيف ! فأنهاك عن سبه » !
ورواه ابن عبد البر في الإستيعاب : 3 / 1118 والجاحظ في العثمانية / 284 ، وقال : « كان دعيٌّ لبنى أمية يقال له خالد بن عبد الله لا يزال يشتم علياً ، فلما كان يوم جمعة وهو يخطب الناس قال : والله إن كان رسول الله ليستعمله وإنه ليعلم ما هو ولكنه كان ختنه ، وقد نعس سعيد بن المسيب ففتح عينيه ، ثم قال : ويحكم ما قال
--------------------------- 51 ---------------------------
هذا الخبيث ! رأيت القبر انصدع ورسول الله ( ص ) يقول : كذبت يا عدو الله » !
وفي مناقب الخوارزمي / 62 ، أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لعلي ( عليه السلام ) يوم غدير خم : « إن الله تعالى أوحى إلي بأن أقوم بفضلك ، فقمت به في الناس وبلغتهم ما أمرني الله بتبليغه . وقال له : إتق الضغائن التي لك في صدور من لا يظهرها إلا بعد موتي ! أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون . ثم بكى ( صلى الله عليه وآله ) فقيل : ممَّ بكاؤك يا رسول الله ؟ فقال أخبرني جبرئيل أنهم يظلمونه ويمنعونه حقه ويقاتلونه ويقتلون ولده ويظلمونهم بعده ! وأخبرني جبرئيل عن الله عز وجل أن ذلك الظلم يزول إذا قام قائمهم ، وعلت كلمتهم ، واجتمعت الأمة على محبتهم ، وكان الشاني لهم قليلاً ، والكاره لهم ذليلاً ، وكثر المادح لهم ، وذلك حين تغير البلاد وضعف العباد ، واليأس من الفرج ، فعند ذلك يظهر القائم فيهم » .
وروى الحاكم ( 3 / 142 ) قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعليً ( عليه السلام ) : « إن الأمة ستغدر بك بعدي وأنت تعيش على ملتي ، وتقتل على سنتي . من أحبك أحبني ، ومن أبغضك أبغضني . وإن هذه ستخضب من هذا يعني لحيته من رأسه » . وصححه هو والذهبي !
قال السيد الميلاني في محاضراته ( 2 / 430 ) : « ومن رواة هذا الحديث أيضاً : ابن أبي شيبة ، والبزار ، والدارقطني ، والخطيب البغدادي ، والبيهقي ، وغيرهم . أخرج أبو يعلى والبزار بسند صححه الحاكم والذهبي وابن حبان وغيرهم ، عن علي قال : بينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) آخذ بيدي ونحن نمشي في بعض سكك المدينة إذ أتينا على حديقة ، فقلت : يا رسول الله ما أحسنها من حديقة ! فقال : إن لك في الجنة أحسن منها ، ثم مررنا بأخرى فقلت : يا رسول الله ما أحسنها من حديقة ! قال : لك في الجنة أحسن منها ، حتى مررنا بسبع حدائق كل ذلك
--------------------------- 52 ---------------------------
أقول ما أحسنها ويقول : لك في الجنة أحسن منها ، فلما خلا لي الطريق اعتنقني ثم أجهش باكياً ! قلت : يا رسول الله ما يبكيك ؟ قال : ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي ! قال : قلت يا رسول الله في سلامة من ديني ؟ قال : في سلامة من دينك . هذا اللفظ في مجمع الزوائد عن أبي يعلى والبزار . ونفس السند موجود في المستدرك ، وقد صححه الحاكم والذهبي ، فيكون سنده صحيحاً يقيناً ، لكن اللفظ في المستدرك مختصر ، وذيله غير مذكور ! والله أعلم ممن هذا التصرف هل من الحاكم أو من الناسخين أو من الناشرين ؟ فراجعوا ، السند نفس السند عند أبي يعلى وعند البزار وعند الحاكم ، والحاكم يصححه والذهبي يوافقه ، إلا أن الحديث في المستدرك أبتر مقطوع الذيل ، لأنه إلى حد : إن لك في الجنة أحسن منها ، لا أكثر . وهناك أحاديث أيضاً صريحة في أن الأقوام المراد منهم في هذا الحديث هم قريش » .
وأضاف السيد الميلاني : « وهنا ننقل بعض الشواهد على أحقاد قريش وبني أمية بالخصوص وضغائنهم على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأهل البيت ( عليهم السلام ) ، حتى أنهم كانت تصدر منهم أشياء في حياة النبي ، ولما لم يتمكنوا من الانتقام من النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالذات ، انتقموا من أهل بيته لينتقموا منه . قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : اللهم إني أستعديك على قريش ، فإنهم أضمروا لرسولك ( صلى الله عليه وآله ) ضروباً من الشر والغدر فعجزوا عنها ، وحلت بينهم وبينها ، فكانت الوجبة بي والدائرة علي ! اللهم احفظ حسناً وحسيناً ، ولا تمكن فجرة قريش منهما ما دمت حياً ، فإذا توفيتني فأنت الرقيب عليهم ، وأنت على كل شئ شهيد ( شرح النهج : 20 / 298 ) .
وفي كتاب له ( عليه السلام ) إلى عقيل : فدع عنك قريشاً وتركاضهم في الضلال ، وتجوالهم في الشقاق ، وجماحهم في التيه ، فإنهم قد أجمعوا على حربي إجماعهم
--------------------------- 53 ---------------------------
على حرب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبلي ، فجزت قريشاً عني الجوازي ، فقد قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن أمي ! هذه هي الأحقاد والضغائن ، ولم يتمكنوا من الانتقام من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فانتقموا من أهل بيته كما أخبر هو ( صلى الله عليه وآله ) ! وهكذا توالت القضايا ، فانتقموا من الزهراء وأمير المؤمنين ، وانتقموا ، وانتقموا ، إلى يوم الحسين ( عليه السلام ) وبعد يوم الحسين ، وإلى اليوم » !
وفي كتاب : عقيل ابن أبي طالب ، للشيخ الأحمدي / 78 ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) : « إن الأمة ستغدر بك من بعدي وتنقض فيك عهدي ! يتبع ذلك برها وفاجرها . وأنت تعيش على ملتي ، وتقتل على سنتي . من أحبك أحبني ، ومن أبغضك أبغضني ، وإن هذه ستخضب من هذا . يعني لحيته من رأسه .
عن أنس بن مالك : دخلت مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) على علي بن أبي طالب يعوده وهو مريض ، وعنده أبو بكر وعمر فتحولا حتى جلس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال أحدهما لصاحبه : ما أراه إلا هالك ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إنه لن يموت إلا مقتولاً ، ولن يموت حتى يملأ غيظاً » !
أسئلة :
س 1 : من هي الأمة التي غدرت بعلي ( عليه السلام ) في قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « إن الأمة ستغدر بك بعدي » ؟ فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك » ؟ فمن ظلم علياً ( عليه السلام ) من قريش بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟
س 2 : هل نفهم من قوله ( صلى الله عليه وآله ) « وأنت تعيش على ملتي ، وتقتل على سنتي » أن المخالفين لعلي ( عليه السلام ) لا يعيشون على ملة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا يموتون على سنته ؟ !
س 3 : صرح النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأن بغض قريش لعلي ( عليه السلام ) إنما هو بسبب أنه بطل الإسلام
--------------------------- 54 ---------------------------
وقاتل صنديد قريش « ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي ! أحقاد بدر وترات أحد . . » ! فهي أحقاد ضد الإسلام ، فكيف يحملنها من يدعي الإسلام ؟ !
س 4 : ما هو واجب ( الخليفة ) الحاكم تجاه هذه الأحقاد ، ألا يجب عليه ردع أهلها ؟ وما حكمه إذا خضع لها وقال لعلي ( عليه السلام ) : إن قريشاً لا تقبل بك خليفة لأنها تحملك مسؤولية من قتلت من صناديدها الكفرة ؟ !
س 5 : ما العلاقة بين هذه الأحاديث ، وما رواه البخاري ( 5 / 6 ) عن علي ( عليه السلام ) : « أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة » ؟
س 6 : ما دامت مشكلة ظلم قريش لعلي ( عليه السلام ) بهذه الأهمية عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى أنه كان يبكي منها قبل وقوعها ، لأنها قضية مهمة على مستوى أمته ؟ فهل قصر ( صلى الله عليه وآله ) فيها ولم يتخذ إجراء لمعالجتها ؟ أم قام بكل ما استطاع ، لكن قريشاً غلبته ومنعته من كتابة عهده ، وكانت تهدده بإعلان الردة ؟ !

( م 178 ) ظلامة علي ( عليه السلام ) أصل ظلامات أهل البيت ( عليهم السلام ) !

كان زعماء بطون قريش يبغضون علياً ( عليه السلام ) بغضاً عادياً لكونه من بني هاشم !
ثم أبغضوه لأنه لازم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكان أول من آمن به .
ثم أبغضوه لما أمر الله رسوله ( صلى الله عليه وآله ) : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، فأنذرهم واختار علياً منهم وزيراً ووصياً ، فكانوا يقولون : « هذا صفي محمد من بين أهله ، ويتغامزون بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) » . ( مناقب آل أبي طالب : 3 / 8 ) .
ثم زاد بغضهم له عندما كانوا يوجهون أولادهم لأذى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الطريق فيشتمونه أو يرمونه بأحجار ، فجاء بعلي ( عليه السلام ) : « فتعرض الصبيان لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كعادتهم فحمل عليهم أمير المؤمنين وكان يقضمهم في وجوههم وآنافهم
--------------------------- 55 ---------------------------
وآذانهم ! فكانوا يرجعون باكين إلى آبائهم ويقولون : قضمنا عليٌّ قضمنا عليٌّ ! فسمي لذلك القضيم » . ( تفسير القمي : 1 / 114 )
وفي نهاية ابن الأثير : 1 / 402 ، و : 4 / 78 : « ومنه حديث علي : كانت قريش إذا رأته قالت : إحذروا الحطم ، إحذروا القضم ! أي الذي يقضم الناس فيهلكهم » .
ثم زاد بغضهم له كلما تشدد النبي ( صلى الله عليه وآله ) في موقفه منهم ، وتشددت حماية أبيه أبي طالب وبنيه ( عليهم السلام ) ودفاعهم عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
ثم زاد بغضهم عندما هاجر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتركه ليؤدي أماناته ، ويهاجر بعائلته إليه ، فأكمل علي ( عليه السلام ) مهمته وتحداهم وهاجر علناً فأتبعوه بفوارس ، فقتل أحدهم وهرب الباقون !
ثم زاد بغضهم لعلي ( عليه السلام ) وصار حقداً بعد معركة بدر ! قال له عثمان : « ما أصنع إن كانت قريش لا تحبكم وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين كأن وجوههم شنوف الذهب ، تشرب أنوفهم قبل شفاههم » ! ( نثر الدرر / 259 ، وابن حمدون / 1567 ، وشرح النهج : 9 / 22 ) . أي أنوفهم طويلة ووجوههم جميلة ، كأقراط الذهب .
ثم زاد بغضهم لعلي ( عليه السلام ) لما زوجه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ابنته العزيزة الزهراء ( عليها السلام ) دونهم .
ثم زاد بغضهم لما ثبت مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في أحُد ، وفرَّ غيره !
ثم زاد بغضهم له عندما رزقه الله الحسن والحسين فسماهما النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأمر ربه وأخبر أنهما ولداه وأنهما سيدا شباب أهل الجنة ، وأن أمهما سيدة نساء العالمين ، وأطلق في علي ( عليه السلام ) مدائحه ، فرفعه فوق كل صحابته .
ثم سطع اسم علي ( عليه السلام ) في حروب النبي ( صلى الله عليه وآله ) بقتله فارس العرب عمرو بن ود ودوى اسمه في الجزيرة قاهراً لصناديد العرب ، وبطلاً لا يبارى !
--------------------------- 56 ---------------------------
ثم في معارك النبي ( صلى الله عليه وآله ) مع اليهود : بني النضير وبني قريظة وقينقاع ، فبرز فيها علي ( عليه السلام ) وقهر فرسانهم ، وأجبرهم على الخضوع للنبي ( صلى الله عليه وآله ) .
ثم فتح المسلمون قسماً من خيبر ببطولته ( عليه السلام ) ، ثم حاصروا حصن خيبر شهراً فلم يستطيعوا فتحه لأن علياً لم يكن معهم ، فجاء به النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقتل فارس اليهود ودحا باب خيبر وفتحها ، فصار اسمه أسطورياً فزاد حسد حاسديه له !
ثم كانت غزوة بني سليم ( ذات السلاسل ) فبعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبا بكر فرجع بالمسلمين مهزوماً ، فبعث عمر ، ثم عمرو بن العاص فرجعا كذلك !
فبعث علياً ( عليه السلام ) فباغتهم ونزلت سورة العاديات في وقت المعركة ، فتلاها النبي ( صلى الله عليه وآله ) عليهم ووصف لهم المعركة ! فزاد حسدهم وغيظهم من علي ( عليه السلام ) !
ثم كان فتح مكة ومعركة حنين ففر جميع المسلمين ما عدا بني هاشم ، فثبتوا وحموا النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وتفرد علي ( عليه السلام ) بالقتال في تلك المعركة ، فقصد حملة راياتهم وفرسانهم وقتلهم واحداً بعد آخر ، حتى هزمهم الله بيده !
ثم أرسله النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى ضواحي الطائف ليَفِلَّ تجمعاتها ويهدم أصنامها ، ونجح في مهمته ، وحاصر المسلمون الطائف بدونه فلم يفتحوها ، فزاد حسد حاسديه وغيظهم !
ثم أرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) خالد بن الوليد إلى منطقة زبيد في اليمن ، فاستعصت عليه ستة أشهر ، فبعث علياً ( عليه السلام ) ففتحها في أيام !
وبعد فتح مكة سكن كثير من الطلقاء في المدينة ، فكان يطفح بغضهم لبني هاشم وحسدهم لعلي ( عليه السلام ) في كلامهم وأفعالهم ! وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يدفع ذلك ويلقمهم أحجاراً ، ويطلق تصريحاته النبوية في مقام علي ( عليه السلام ) عند الله تعالى .
--------------------------- 57 ---------------------------
ولما توجه النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى تبوك لغزو الروم استخلف علياً على المدينة ، فأشاع المنافقون أنه لا يحبه ولذلك لم يصحبه !
فأعلن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه وصيه وأنه منه كهارون من موسى ما عدا النبوة ! فتضاعف غيظ حاسديه ، وحاولوا اغتيال النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليلاً في ممر العقبة ، في رجوعه من تبوك ، ليبكوا عليه ويعلنوا خليفته منهم ، ففشلت محاولتهم ! وحاولوا في المدينة اغتيال علي ( عليه السلام ) ففشلوا ، وحفظه الله .
وفي حجة الوداع وما أدراك ما حجة الوداع ، أعلن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في خطبه الستة مكانة علي والعترة ( عليهم السلام ) بعده ، وأنهم أمانة الله في الأمة كالقرآن بلا فرق !
ولم يكتف بذلك حتى أوقف الحجيج في رجوعه في غدير خم وخطب خطبة خاصة في فضل عترته وأولهم علي ( عليه السلام ) ، وأصعده معه على المنبر ورفع بيده وأعلنه خليفته ووصيه بأمر الله تعالى ، وأمر أن تنصب له خيمة وأن يهنئه المسلمون ويبايعونه ، وأرسل نساءه لتهنئته وبيعته ! فأسقط في أيدي حاسدي علي ( عليه السلام ) واضطروا أن يهنؤوه ويبايعوه ، لكنهم حاولوا مرة أخرى اغتيال النبي ( صلى الله عليه وآله ) في عقبة هرشي ، ففشلت محاولتهم !
ولما مرض النبي ( صلى الله عليه وآله ) مرض الوفاة ، جمع كل مخالفي علي ( عليه السلام ) وكتب أسماءهم في جيش أسامة بن زيد ، وأمره أن يتحرك إلى مؤتة لحرب الروم ، فتعللوا واعترضوا على تأمير الشاب الأسود أسامة عليهم ، وتلوَّموا وتخلفوا لمدة أسبوعين حتى توفي النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وقبل وفاته بأيام دعاهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأمرهم أن يأتوه بورق ليكتب لهم كتاباً يؤمنهم من الضلال ، ويجعلهم سادة العالم إلى يوم القيامة ، فرفضوا ذلك
--------------------------- 58 ---------------------------
واتهموا النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه يهجر ، ويريد تأسيس ملك لبني هاشم كملك كسرى وقيصر ! فأمره جبرئيل ( عليه السلام ) أن يطردهم ولا يكتب شيئاً فقال لهم « قوموا عني فما أنا فيه خير مما تدعوني إليه » ! أي تدعوني لأصر على الكتاب فترتدوا !
وما أن أغمض النبي ( صلى الله عليه وآله ) عينيه حتى صفقوا على يد أبي بكر ، وخرج الطلقاء مسلحين فأجبروا الناس على بيعته ، وهاجموا بيت علي وفاطمة ( عليهما السلام ) ، وكان فيه صحابة معترضون ، فهددوهم بإحراق البيت عليهم إن لم يبايعوا ! ونفذ علي ( عليه السلام ) وصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) فلم يقاتلهم ، فقادوه بحمائل سيفه ليجبروه على البيعة ، وهو ينادي يا : ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي !
ثم تواصلت ظلامته ( عليه السلام ) إلى يوم شهادته في محرابه .
أسئلة :
س 1 : هل كان علي ( عليه السلام ) محسوداً ، ومن كان يحسده ؟
س 3 : هل كان قتل علي ( عليه السلام ) صناديد قريش طاعة لله تعالى أم معصية ؟ وما حكم بغض قريش له بسبب طاعته لربه ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ؟
س 4 : ما رأيكم فيمن خرج على علي ( عليه السلام ) وقاتله ؟ وهل كانت عائشة ومعاوية وطلحة والزبير يبغضون علياً ( عليه السلام ) أم يحبونه ؟
س 5 : هل ثبت عندكم أن الله تعالى جعل حب علي ( عليه السلام ) إيماناً وبغضه نفاقاً وكفراً ؟ وما هو سبب ذلك وحكمته ؟ !
س 6 : ما رأيكم في قول الشعبي : « ماذا لقينا من علي ! إن أحببناه ذهبت دنيانا ، وإن أبغضناه ذهب ديننا » ! ( العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل / 48 ) ؟ !
--------------------------- 59 ---------------------------

( م 179 ) من كلمات أمير المؤمنين في ظلامته ( عليه السلام )

في الغارات للثقفي : 2 / 267 : « وقد قال قائل : إنك على هذا الأمر يا ابن أبي طالب لحريص ! فقلت : بل أنتم والله لأحرص وأبعد ، وأنا أخص وأقرب ، وإنما طلبت حقاً لي وأنتم تحولون بيني وبينه وتضربون وجهي دونه ، فلما قرعته بالحجة في الملأ الحاضرين ، هبَّ كأنه بهت لا يدري ما يجيبني به !
اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم ، فإنهم قطعوا رحمي ، وصغروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي ، ثم قالوا : ألا إن في الحق أن تأخذه ، وفي الحق أن تتركه . . ما زلت مظلوماً منذ قبض الله رسوله حتى يوم الناس هذا . . اللهم أجز قريشاً ، فإنها منعتني حقي وغصبتني أمري .
فجزى قريشاً عني الجوازي ، فإنهم ظلموني حقي ، واغتصبوني سلطان ابن أمي . . أصْغَيَا بإنائنا ، وحملا الناس على رقابنا . . إن لنا حقاً إن نعطه نأخذه ، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل ، وإن طال السرى » .
وفي المسترشد / 370 : « سأله الأشعث بن قيس فقال : يا أمير المؤمنين إني سمعتك تقول : ما زلت مظلوماً ، فما منعك من طلب ظلامتك والضرب دونها بسيفك ؟ فقال : يا أشعث منعني من ذلك ما منع هارون ( عليه السلام ) إذا قال لأخيه موسى ( عليه السلام ) : إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ! وكان معنى ذلك أنه قال له موسى حين مضى لميقات ربه : إن رأيت قومي ضلوا واتبعوا غيري فنابذهم وجاهدهم ، فإن لم تجد أعواناً فاحقن دمك وكف يدك ! وكذلك قال لي أخي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنا فلا أخالف أمره . وما ضننت بنفسي عن الموت فماذا أقول له إذا لقيته وقال : ألم آمرك بحقن دمك وكف يدك ؟ ! فهذا عذري » .
--------------------------- 60 ---------------------------
في مناقب آل أبي طالب : 1 / 381 : « اللهم إني أستعديك على قريش ، فإنهم ظلموني في الحجر والمدر . . ما زلت مظلوماً منذ قبض الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) إلى يومي هذا . . . بينما علي يخطب وأعرابي يقول وا مظلمتاه ! فقال ( عليه السلام ) : أدن ، فدنا ، فقال : لقد ظلمت عدد المدر والمطر والوبر » .
وفي إعتقادات الصدوق / 105 : « قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما زلت مظلوماً منذ ولدتني أمي ، حتى إن عقيلاً كان يصيبه الرمد فيقول : لا تذرُّوني حتى تذرُّوا علياً ، فيذرُّوني وما بي رمد » .
وقال ( عليه السلام ) : « اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم ، فإنهم قد قطعوا رحمي . . . فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي فضننت بهم عن المنية ، فأغضيت على القذى وجرعت ريقي على الشجى ، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم وآلم للقلب من وخز الشفار » ( نهج البلاغة / خطبة 217 )
قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة / 30 : « إن أبا بكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي ، فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار علي ، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها ، فقيل له : يا أبا حفص إن فيها فاطمة ؟ فقال : وإن . فخرجوا فبايعوا إلا علياً فإنه زعم أنه قال : حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن . فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها ، فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم ، تركتم رسول الله جنازة بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ولم تروا لنا حقاً . فأتى عمر أبا بكر فقال له : ألا تأخذ هذا
--------------------------- 61 ---------------------------
المتخلف عنك بالبيعة ؟ فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له : اذهب فادع لي علياً . قال : فذهب إلى علي فقال له : ما حاجتك ؟ فقال : يدعوك خليفة رسول الله ، فقال علي : لسريع ما كذبتم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فرجع فأبلغ الرسالة ، قال : فبكى أبو بكر طويلاً فقال عمر ثانية : لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة ، فقال أبو بكر لقنفذ : عد إليه فقل له : خليفة رسول الله يدعوك لتبايع ، فجاءه قنفذ فأدى ما أمر به ، فرفع علي صوته فقال : سبحان الله ؟ لقد ادعى ما ليس له ! فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة فبكى أبو بكر طويلاً ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب ، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافةً فلما سمع القوم صوتها وبكائها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع وأكبادهم تنفطر ، وبقي عمر ومعه قوم ، فأخرجوا علياً فمضوا به إلى أبي بكر فقالوا له : بايع ، فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك . فقال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله ! قال عمر : أما عبد الله فنعم ، وأما أخو رسوله فلا ! وأبو بكر ساكت لا يتكلم فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك ؟ فقال : لا أكرهه على شئ ما كانت فاطمة إلى جنبه ! فلحق علي بقبر رسول الله ( ص ) يصيح ويبكي وينادي : يا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي » . والاحتجاج : 1 / 202 .
--------------------------- 62 ---------------------------
ومن خطبة له ( عليه السلام ) وهي المعروفة بالشقشقية ، قال ابن عباس : « ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال : أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة ، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا ، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير ، فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً ، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه ! فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى ، أرى تراثي نهبا !
حتى مضى الأول لسبيله ، فأدلى بها إلى فلان بعده ! ثم تمثل بقول الأعشى :
شتانَ ما يومي على كورها ويوم حيَّانَ أخي جابر
فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته ، إذ عقدها لآخر بعد وفاته ! لشد ما تَشَطَّرا ضرعيها ! فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كَلْمُهَا ويخشن مَسُّها ، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة ، إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحم ! فمُنِيَ الناس لعمر الله بخبط وشماس وتلون واعتراض ، فصبرت على طول المدة ، وشدة المحنة .
حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم . فيا لله وللشورى ! متى اعترض الريب في مع الأول منهم ، حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر ، لكني أسففت إذ أسفُّوا ، وطرت إذ طاروا ، فصغى رجل منهم لضغنه ، ومال الآخر لصهره ، مع هن وهن . إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه ، بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع .
--------------------------- 63 ---------------------------
إلى أن انتكث عليه فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته ! فما راعني إلا والناس كعُرْف الضبع إلي ، ينثالون عليَّ من كل جانب ، حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطفاي ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم ، فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ، ومرقت أخرى ، وقسط آخرون ، كأنهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول : تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ .
بلى والله لقد سمعوها ووعوها ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها !
أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجة بوجود الناصر ، وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ، ولا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز !
قالوا : وقام إليه رجل من أهل السواد عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته ، فناوله كتاباً ، فأقبل ينظر فيه ، قال له ابن عباس : يا أمير المؤمنين لو اطردت خطبتك من حيث أفضيت ! فقال : هيهات يا بن عباس ! تلك شقشقة هدرت ثم قرت ! قال ابن عباس : فوالله ما أسفت على كلام قط كأسفي على هذا الكلام ألا يكون أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بلغ منه حيث أراد » . ( نهج البلاغة / خطبة 3 ) .
وقال ( عليه السلام ) : « أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً عليناً أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ! بنا يستعطى
--------------------------- 64 ---------------------------
الهدى ، ويستجلى العمى ! إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم » . ( نهج البلاغة - الخطبة 144 ) .
ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى أخيه عقيل : « فدع ابن أبي سرح وقريشاً وتركاضهم في الضلال ، فإن قريشاً قد اجتمعت على حرب أخيك ، اجتماعها على رسول الله قبل اليوم ، وجهلوا حقي وجحدوا فضلي ، ونصبوا لي الحرب ، وجدوا في إطفاء نور الله ، اللهم فأجز قريشاً عني بفعالها ، فقد قطعت رحمي وظاهرت علي ، وسلبتني سلطان ابن عمي ، وسلمت ذلك لمن ليس في قرابتي وحقي في الإسلام ، وسابقتي التي لا يدعي مثلها مدع إلا أن يدعي ما لا أعرف ، ولا أظن الله يعرفه ، والحمد لله على ذلك كثيراً » . ( الإمامة والسياسة / 75 ) .
وروى الواحدي عن أبي هريرة قال : « اجتمع عدة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منهم : أبو بكر ، وعمر وعثمان وطلحة والزبير والفضل بن عباس وعمار وعبد الرحمن بن عوف وأبو ذر والمقداد وسلمان وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين ، فجلسوا وأخذوا في مناقبهم فدخل عليهم علي فسألهم : فيم أنتم ؟ قالوا : نتذاكر مناقبنا مما سمعنا من رسول الله ، فقال علي : إسمعوا مني ثم أنشأ :
لقد علم الأناس بأن سهمي * من الإسلام يفضل كل سهم
وأحمد النبي أخي وصهري * عليه الله صلى ، وابن عمي
وإني قائد للناس طراً * إلى الإسلام من عرب وعجم
وقاتل كل صنديد رئيس * وجبار من الكفار ضخم
وفي القرآن ألزمهم ولائي * وأوجب طاعتي فرضاً بعزم
--------------------------- 65 ---------------------------
كما هارون من موسى أخوه * كذاك أنا أخوه وذاك اسمي
لذاك أقامني لهم إماماً * وأخبرهم به بغدير خم
فمن منكم يعادلني بسهمي * وإسلامي وسابقتي ورحمي
فويل ثم ويل ثم ويل * لمن يلقى الإله غداً بظلمي
وويل ثم ويل ثم ويل * لجاحد طاعتي ومريد هضمي
وويل للذي يشقى سفاهاً * يريد عداوتي من غير جرمي »
( الغدير : 2 / 32 ، وينابيع المودة / 78 ) .
« عن أبي الطفيل قال : جمع علي رضي الله تعالى عنه الناس في الرحبة ثم قال لهم : انشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله ( ص ) يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام . فقام ثلاثون من الناس ، وقال أبو نعيم : فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذه بيده فقال للناس : أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه . قال : فخرجت وكأن في نفسي شيئاً فلقيت زيد بن أرقم فقلت له إني سمعت علياً رضي الله تعالى عنه يقول كذا وكذا ، قال : فما تنكر قد سمعت رسول الله ( ص ) يقول ذلك » ( مسند أحمد : 4 / 370 ) .
وقال ( عليه السلام ) في جوابه لأحد أحبار اليهود : « وأما الثانية يا أخا اليهود ، فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمرني في حياته على جميع أمته ، وأخذ على جميع من حضره منهم البيعة والسمع والطاعة لأمري ، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ذلك ، فكنت المؤدي إليهم عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمره إذا حضرته والأمير على من حضرني منهم إذا
--------------------------- 66 ---------------------------
فارقته ، لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شئ من الأمر في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا بعد وفاته » . ( الخصال للصدوق / 371 ) .
وعن أبي الحسن الرضا عن آبائه ( عليهم السلام ) : « لما أتى أبو بكر وعمر إلى منزل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وخاطباه في البيعة وخرجا من عنده ، خرج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى المسجد ، فحمد الله وأثنى عليه بما اصطنع عندهم أهل البيت إذ بعث فيهم رسولاً منهم ، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، ثم قال : إن فلاناً وفلاناً أتياني وطالباني بالبيعة لمن سبيله أن يبايعني ! أنا ابن عم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، والصديق الأكبر ، وأخو رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، لا يقولها أحد غيري إلا كاذب ! أسلمت وصليت قبل الناس ، وأنا وصيه ، وزوج ابنته سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد ( عليها السلام ) ، وأبو حسن وحسين سبطي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ونحن أهل بيت الرحمة ، بنا هداكم الله ، وبنا استنقذكم من الضلالة ، وأنا صاحب يوم الدوح ، وفيَّ نزلت سورة من القرآن ، وأنا الوصي على الأموات من أهل بيته ، وأنا بقيته على الأحياء من أمته ، فاتقوا الله يثبت أقدامكم ويتم نعمته عليكم ! ثم رجع إلى بيته » . ( أمالي الطوسي / 568 ) .
ومن كلام له ( عليه السلام ) في الرد على السقيفة : « واعجباه ! أتكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالصحابة والقرابة ؟ قال الرضي : وروي له شعر في هذا المعنى :
فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم * فكيف بهذا والمشيرون غيب ؟ !
وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم * فغيرك أولى بالنبي وأقرب »
( نهج البلاغة / الحكمة 181
--------------------------- 67 ---------------------------
. وقال ( عليه السلام ) : « وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عهد إلي عهداً فقال : يا بن أبي طالب لك ولاء أمتي ، فإن ولوك في عافية وأجمعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم ، وإن اختلفوا عليك فدعهم وما هم فيه ، فإن الله سيجعل لك مخرجاً !
فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا معي مساعد إلا أهل بيتي ، فضننت بهم عن الهلاك ، ولو كان لي بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عمي حمزة وأخي جعفر لم أبايع كرهاً ، ولكني بليت برجلين حديثي عهد بالإسلام ، العباس وعقيل ، فضننت بأهل بيتي عن الهلاك ، فأغضيت عيني على القذى ، وتجرعت ريقي على الشجا وصبرت على أمر من العلقم ، وآلم للقلب من حز الشفار » ! ( كشف المحجة / 248 ) .
وقال من خطبة له ( عليه السلام ) : « والله لقد بايع الناس أبا بكر وأنا أولى الناس بهم مني بقميصي هذا ، فكظمت غيظي وانتظرت أمر ربي ، وألصقت كلكلي بالأرض !
ثم إن أبا بكر هلك واستخلف عمر وقد علم والله أني أولى الناس بهم مني بقميصي هذا ، فكظمت غيضي وانتظرت أمر ربي ! ثم إن عمر هلك وقد جعلها شورى فجعلني سادس ستة كسهم الجدة ، وقال : أقتلوا الأقل وما أراد غيري ، فكظمت غيظي وانتظرت أمر ربي وألصقت كلكلي بالأرض ! ثم كان من أمر القوم بعد بيعتهم لي ما كان ، ثم لم أجد إلا قتالهم أو الكفر بالله » ( أمالي المفيد / 154 ) .
أسئلة :
س 1 : ما رأيكم في كلمات أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن ظلامته ، وهو عندكم إمام وخليفة رابع ، صادق غير متهم ؟
--------------------------- 68 ---------------------------
س 2 : ما دام حديث : « إن الأمة ستغدر بك بعدي ، وأنت تعيش على ملتي ، وتقتل على سنتي . من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني » . صحيحاً عند أئمة الجرح والتعديل ومنهم الذهبي المتشدد ، فما معناه ؟
ومن الذي غدر بعلي ( عليه السلام ) ، أي أخذ حقه غيلة ؟
وهل يقصد النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنهم لم يكونوا على ملته ، ولا ماتوا على سنته ؟ ! وهل تحكمون بأن معاوية ومن خالف علياً ( عليه السلام ) وحاربه يبغضون النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟
س 3 : ما معنى أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخبر الأمة أن علياً ( عليه السلام ) سيقاتل على تأويل القرآن كما قاتل هو على تنزيله ، وأنه سيقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ؟ !
س 4 : كيف يصح الحكم على المسلمين بأنهم مغالون في أهل البيت ( عليهم السلام ) بدون أن نبحث حقوق أهل البيت ( عليهم السلام ) الثابتة بالقرآن والسنة ؟

  • *
    --------------------------- 69 ---------------------------

الفصل السادس والعشرون: أسئلة وإشكالات حول أبي بكر وعمر

( م 180 ) رأى أبو بكر كاهناً فبشره بالخلافة فأسلم !

نورد في هذا الفصل الأسئلة والإشكالات المشتركة حول أهم شخصيتين من الرجال نصبوهما أئمة مقابل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ثم نورد في الفصول التالية أسئلة مشتركة على أهم شخصيتين من النساء نصبوهما مقابل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ثم نورد الإشكالات والأسئلة الخاصة ببعضهم .
وأول ما نلاحظه أن سبب إسلام أبي بكر وعمر متشابه ! ففي تاريخ دمشق : 30 / 31 : « قال أبو بكر الصديق إنه خرج إلى اليمن قبل أن يبعث النبي ( ص ) قال : فنزلت على شيخ من الأزد عالم ، قد قرأ الكتب وعلم من علم الناس علماً كبيراً وأتت عليه أربعمائة سنة إلا عشر سنين ، فلما رآني قال لي : أحسبك حرمياً ؟ قال أبو بكر قلت : نعم أنا من أهل الحرم . قال : وأحسبك قرشياً ؟ قال قلت : نعم أنا من قريش . قال : وأحسبك تيمياً ؟ قال قلت : نعم أنا من تيم بن مرة ، أنا عبد الله بن عثمان بن كعب بن ضمضم بن مرة .
قال : بقيت لي منك واحدة . قلت : ما هي ؟ قال : تكشف لي عن بطنك . قلت : لا أفعل إلا أن تخبرني لم ذاك ؟ قال : أجد في العلم الصحيح الزكي الصادق أن نبياً يبعث في الحرم ، يعاونه على أمره فتى وكهل ، فأما الفتى فخواض غمرات ودفاع معضلات ، وأما الكهل فأبيض نحيف على بطنه شامة ، وعلى فخذه اليسرى علامة ، وما عليك أن تريني ما سألتك ، فقد تكاملت لي فيك الصفة إلا
--------------------------- 70 ---------------------------
ما خفي علي . قال أبو بكر : فكشفت له عن بطني فرأى شامة سوداء فوق سرتي فقال : أنت هو ورب الكعبة ، وإني متقدم إليك في أمر فاحذره . قال أبو بكر : قلت وما هو ؟ قال : إياك والميل عن الهدى ، وتمسك بالطريقة الوسطى ، وخف الله فيما خولك وأعطاك » .
ثم ذكر أبو بكر أن الكاهن بعث معه سلامه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فرجع إلى مكة وذهب إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال له : « إني رسول الله إليك وإلى الناس كلهم فآمن بالله فقلت وما دليلك على ذلك قال الشيخ الذي لقيته باليمن ! قلت مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنت رسول الله » والحلبية : 1 / 443 ، وسبل الهدى : 10 / 279 ، ووفيات الأعيان : 3 / 65 ، والثعالبي : 1 / 319 ، وخصائص السيوطي : 1 / 30 ، و 95 ، والصواعق / 247

( م 181 ) ورأى عمر كاهناً فبشره بالخلافة فأسلم !

قال ابن جزي في التسهيل : 1 / 323 : « ومن حديث زيد بن أسلم عن أبيه ، وهو عندنا بالإسناد ، أن عمر بن الخطاب خرج زمان الجاهلية مع ناس من قريش في التجارة إلى الشام . . . إلى أن قال : فانتهيت إلى دير فاستظللت فناءه ، فخرج إلي رجل منه فقال لي : يا عبد الله ما يقعدك هنا ؟ فقلت أضللت أصحابي فقال لي ما أنت على طريق وإنك لتنظر بعيني خائف ، فادخل فأصب من الطعام واسترح ، فدخلت فأتاني بطعام وشراب وأطعمني ، ثم صَعَّد فيَّ النظر وصَوَّبه ، فقال قد علم والله أهل الكتاب أنه ما على الأرض أعلم بالكتاب مني ، وإني لأرى صفتك الصفة التي تخرجنا من هذا الدير وتغلبنا عليه ، فقلت يا هذا لقد ذهبت بي في غير مذهب ، فقال لي ما اسمك فقلت عمر بن الخطاب ، فقال أنت والله صاحبنا فاكتب لي على ديري هذا وما فيه ، فقلت يا هذا إنك قد صنعت إلي
--------------------------- 71 ---------------------------
صنيعة فلا تكررها ، فقال إنما هو كتاب في رق ، فإن كنت صاحبنا فذلك ، وإلا لم يضرك شيء . فكتب له على ديره وما فيه ، فأتاني بثياب ودراهم فدفعها إلي ثم أوكف أتاناً فقال لي أتراها ؟ فقلت نعم ، قال سر عليها فإنك لا تمر بقوم إلا سقوها وعلفوها وأضافوك ، فإذا بلغت مأمنك فاضرب وجهها مدبرةً فإنهم يفعلون بها كذلك حتى ترجع إليَّ ! قال فركبتها فكان كما قال حتى لحقت بأصحابي وهم متوجهون إلى الحجاز ، فضربتها مدبرة وانطلقت معهم ! فلما وافى عمر الشام في زمان خلافته جاءه ذلك الراهب بالكتاب وهو صاحب دير العرس فلما رآه عرفه فقال قد جاء ما لا مذهب لعمر عنه ، ثم أقبل على أصحابه فحدثهم بحديثه فلما فرغ منه أقبل على الراهب فقال هل عندكم من نفع للمسلمين ، قال نعم يا أمير المؤمنين ، قال إن أضفتم المسلمين ومرضتموهم وأرشدتموهم فعلنا ذلك ، قال نعم يا أمير المؤمنين فوفى له عمر » ! انتهى .
أقول : حسب كلام عمر لا بد أن تكون حمارة الراهب من الملائكة ! أما الراهب نفسه فينبغي أن يكون من ملائكة العرش !
ومعنى قوله : فوفى له : أي كتب له عمر مرسوماً بالدير وما حوله !
ونحوه الطبري : 1 / 323 ، وكنز العمال : 12 / 596 ، وروى فيه أن أهل نجران رأوا على فخذ عمر شامة سوداء فقالوا : هذا الذي نجده في كتابنا أنه يخرجنا من أرضنا » .
وزعم عمر أنه سمع صوت عجل ذبحوه قرباناً لصنم ! وقال إن ذلك كان : « قبل أن يسلم بشهر أو سنة ، يقول : يا آل ذريح ، أمر نجيح ، رجل يصيح ، يقول لا إله إلا الله » ! رواه الطبري : 2 / 45
وفي كنز العمال : 12 / 552 ، عن أبي نعيم في الدلائل وصححه ، أن عمر سمع معه هاتفاً يأمره بأن يسلم من صنم اسمه الضمار يقول :
--------------------------- 72 ---------------------------
« فاصبر أبا حفص فإنك آمن * يأتيك عزٌّ غير عز بني عدي
لا تعجلنَّ فأنت ناصر دينه * حقاً يقيناً باللسان وباليد
فوالله لقد علمت أنه أرادني ! فجئت حتى دخلت على أختي ، فإذا خباب بن الإرث عندها وزوجها ! فقال خباب : ويحك يا عمر أسلم ، فدعوت بالماء فتوضأت ثم خرجت إلى النبي فقال لي : قد استجيب لي فيك يا عمر ، أسلم ، فأسلمت وكنت رابع أربعين رجلاً ممن أسلم ونزلت : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . ( الأنفال : 64 ) » !
أسئلة :
1 - هل تقبلون مثل هذه الروايات في إسلام أبي بكر وعمر ، وهل يدل ذلك على أنهما أسلماً بأمل أن تتحقق لهما نبوءة الكهان ، كما نصت روايتنا ؟ !
2 - متى رأى أبو بكر هذا الكاهن فأسلم ؟ فقد كان إسلامه حسب قول سعد بن أبي وقاص في الخامسة قال ابنه محمد : « قلت لأبي : أكان أبو بكر أولكم إسلاماً ؟ فقال : لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين ، ولكن كان أفضلنا إسلاماً » ؟ ( الطبري : 2 / 60 ) .
3 - هل تقبلون المعجزة التي نقلها عمر للصنم والعجل الذي ذبحوه له ، وأنهما كلما عمر ونصحاه بالدخول في الإسلام ؟ ! وهل تقبلون نزول آية : حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ يوم إسلام عمر ، مع أنها نزلت في سورة الأنفال بعد بدر ؟ !
4 - ما رأيكم فيما رويناه عن أهل البيت ( عليهم السلام ) من أن الأحبار والرهبان أخبروا أبا بكر وعمر بملك النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأسلما ؟
ففي الإحتجاج ( 2 / 532 ) من جواب الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) : « وأما ما قال لك الخصم بأنهما أسلما طوعاً أو كرهاً ، لمَ لم تقل بل إنهما أسلما طمعاً ، وذلك إنهما يخالطان اليهود ويُخبران بخروج محمد ( صلى الله عليه وآله ) واستيلائه على العرب من التوراة والكتب المقدسة وملاحم
--------------------------- 73 ---------------------------
قصة محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، ويقولون لهما : يكون استيلاؤه على العرب كاستيلاء بخت نصر على بني إسرائيل ، إلا أنه يدعي النبوة ولا يكون من النبوة في شئ ، فساعدا معه على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله طمعاً أن يجدا من جهته ولاية بلد إذا انتظم أمره وحسن باله ، واستقامت ولايته . . الخ . » ؟

( م 182 ) صفة أبي بكر وعمر ليست كما في الأذهان

« نظرت ( عائشة ) إلى رجل من العرب مرَّ وهي في هودجها ، فقالت : ما رأيت رجلاً أشبه بأبي بكر من هذا ! فقلنا لها : صفي أبا بكر ، فقالت : رجل أبيض تخالطه صفرة ، نحيف ، خفيف العارضين ، أجنأ ، لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه ، معروق الوجه ، غائر العينين ناتئ الجبهة ، عاري الأشاجع » . ( تاريخ الطبري : 3 / 424 ) . الأجنأ : الأحدب قليلاً ( لسان العرب : 1 / 51 ) عاري الأشاجع : ليس على أصابعه شعر . ( لسان العرب : 8 / 174 ) . ومعنى قولها أن إزار أبي بكر لا يستمسك على حقويه : أن عظام أعلى فخذيه ( حقويه ) صغيرة فإذا شد إزاره لا يثبت ، فيحاج إلى أن يرفعه دائماً حتى لا يسقط إلى الأسفل وتظهر عورته .
وكان أبو بكر حزيناً كئيباً غضوباً ! ودافع الرازي في تفسيره ( 15 / 10 ) عن شخصية جده الغضوبة الكئيبة ! قال : « وفي حديث عائشة أنها قالت : إن أبا بكر رجل أسيف ، أي حزين . قال الواحدي : والقولان متقاربان ، لأن الغضب من الحزن والحزن من الغضب . » .

  • *
    أما عمر فكان أصلع ، أعسر ، أيسر ، طوالاً ، شديد الأدمة ، أي شديد السمرة يضرب إلى السواد . شديد حمرة العينين . ( تهذيب التهذيب : 7 / 385 ) .
    --------------------------- 74 ---------------------------
    وقال عمر إن السمرة الشديدة جاءته من أخواله ( الطبقات 2 / 235 ) .
    وقال المؤرخ ابن حبيب في المنمق / 400 : « أبناء الحبشيات من قريش : ونفيل بن عبد العزي العدوي أمه صهاك أيضاً ، وعمرو بن ربيعة بن حبيب من بني عامر بن لؤي أمه أيضاً صهاك هذه ، والخطاب بن نفيل العدوي أمه حبشية » .
    وكان عمر أحول كلتا العينين ( المنمق / 405 ) . شديد الصلع ( تاج العروس : 2 / 7 )
    وفي مجمع الأمثال : 1 / 234 : « أجردُ من صخرة . قالته امرأة دخلت على عمر بن الخطاب فكان حاسر الرأس وكان أصلع ، فدهشت المرأة فقالت : أبا غفر حفص الله لك ، أرادت أن تقول : أبا حفص غفر الله لك » !
    وكانت شواربه كبيرة ، وإذا غضب نفخ ، وفتل شاربه ! ( المجموع : 15 / 234 ) .
    وكان لا يلبس وينهى المسلمين عن لبس الخف والسروال ! ( مسند أحمد : 1 / 43 ) .
    « رأيت عمر بن الخطاب يمشي إلى العيد حافياً » ( كنز العمال : 12 / 655 ) .
    « وخطب أم أبان بنت عتبة بن شيبة فكرهته وقالت : يغلق بابه ، ويمنع خيره ، ويدخل عابساً ، ويخرج عابساً » ! ( النهاية : 7 / 157 ) .
    لكنهم رووا أنه ضحك يوماً حتى استغرق عندما نفت هند عن نفسها الزنا ! « فلما فرغ رسول الله ( ص ) من بيعة الرجال بايع النساء واجتمع إليه نساء من نساء قريش فيهن هند بنت عتبة متنقبة متنكرة لحدثها وما كان من صنيعها بحمزة ، فهي تخاف أن يأخذها رسول الله ( ص ) بحدثها ذلك ، فلما دنون منه ليبايعنه قال رسول الله ( ص ) فيما بلغني : تبايعنني على ألا تشركن بالله شيئاً . فقالت هند : والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما تأخذه على الرجال وسنؤتيكه ! قال ولا تسرقن ! قالت : والله إن كنت لأصيب من مال أبي سفيان الهنة والهنة ، وما أدري أكان ذلك حلاً
    --------------------------- 75 ---------------------------
    لي أم لا ؟ فقال أبو سفيان وكان شاهداً لما تقول : أما ما أصبت فيما مضى فأنت منه في حل ! فقال رسول الله ( ص ) : وإنك لهند بنت عتبة ؟ فقالت : أنا هند بنت عتبة فاعف عما سلف عفا الله عنك ! قال : ولا تزنين . قالت : يا رسول الله هل تزني الحرة ؟ فضحك عمر بن الخطاب من قولها حتى استغرق ؟ ! قال : ولا تقتلن أولادكن ! قالت : قد ربيناهم صغاراً وقتلتهم يوم بدر كباراً فأنت وهم أعلم ! » ! ( الطبري : 2 / 338 ، ونهاية ابن كثير : 4 / 365 . وفي رواية أن عمر ضحك حتى استلقى على قفاه . وفي رواية أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) نظر إلى عمر وتبسم فضحك عمر !

( م 183 ) قبيلتا أبي بكر وعمر ليستا كما في الأذهان

اسم أبي بكر عتيق بن أبي قحافة ، وقبيلته بنو تيم بن مرة . وقبيلة عمر بنو عَدِيّ وهما من القبائل الصغيرة ، ولعل عدد تيم عند بعثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثلاث مئة نفر ، وأقل منها قبيلة عدي . ولم يكن لهما موقع بين قبائل مكة ، ولذا تفاجأ أبو سفيان ببيعة أبي بكر وقال ، كما في الطبري : 2 / 449 : « ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش ؟ ! والله لئن شئت لأملأنها عليه خيلاً ورجالاً » !
وقال ابن حبيب في المنمق / 129 ، إن بني عدي لقلتهم لم يكن لهم رئيس : « ولم يكن من قريش قبيلة إلا وفيها سيد يقوم بأمرها ويطلب بثأرها ، إلا عدي بن كعب » .
وكان مسكنهم خارج مكة عند صخرات الحثمات السوداء ! لأنهم سرقوا ناقة من بني عبد شمس فطردوهم من مكة ، فأعطاهم هذا المكان بنو سهم وهو خارج مكة ( المنمق / 80 ) قال البكري : 2 / 425 : « الحثمة بفتح أوله وإسكان ثانيه : صخرات بأسفل مكة بها رَبْعُ عمر بن الخطاب » ومعجم البلدان : 2 / 218 ، ولسان العرب : 12 / 115 .
أسئلة :
--------------------------- 76 ---------------------------
س 1 : هل هذه الصورة عن شكل أبي بكر وعمر هي نفس الصورة التي تحملها في ذهنك لهما ؟ وبماذا تفسر قول ابن كثير في النهاية ( 7 / 156 ) : « آدم اللون وقيل : كان أبيض شديد البياض تعلوه حمرة » !
س 2 : عندما رأى أبو سفيان عمر بزي فارس في جيش النبي ( صلى الله عليه وآله ) في فتح مكة قال للعباس : يا أبا الفضل من هذا المتكلم ؟ قال عمر بن الخطاب قال : أمَرَ أمْرُ بني عدي بعد والله قلة وذلة ! ! » . ( كنز العمال : 10 / 511 ) . فبماذا تفسر مكذوبات السلطة عن قبيلتي أبي بكر وعمر ، ومكانتهما في قريش في الجاهلية والإسلام ؟

( م 184 ) من لقَّبَ أبا بكر بالصديق وعمر بالفاروق ؟ !

قال رواة السلطة إنه سمي بالصديق لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخبر المشركين بمعراجه فكذبوه ، وصدقه أبو بكر ، فسمي الصديق . ( تفسير الطبري : 15 / 12 ) .
وقال صاحب الصحيح من السيرة ( 3 / 288 ، و 6 / 14 ، و 4 / 45 ) إن تسميته بالصديق كانت بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وإن الروايات الصحيحة تنص على أن الصديق لقب لعلي ( عليه السلام ) دون أبي بكر . فعن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « الصديقون ثلاثة : حزقيل مؤمن آل فرعون ، وحبيب النجار صاحب آل ياسين ، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم » . فقد حصر النبي ( صلى الله عليه وآله ) الصديقين بالثلاثة وهو ينافي تسمية أبي بكر بالصديق . وعن معاذة قالت : سمعت علياً وهو يخطب على منبر البصرة يقول : أنا الصديق الأكبر ، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر ! ينفي بذلك تسميتهم لأبي بكر . وتدل رواية ابن سعد ( 3 / 120 ) على أن الناس سموه به وليس النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، قال عبد الله عمرو بن العاص : « سميتموه الصديق وأصبتم اسمه » .
--------------------------- 77 ---------------------------
أقول : وقد صححوا هم أحاديث تسمية النبي ( صلى الله عليه وآله ) علياً بالصديق الأكبر والفاروق بين الحق والباطل !
ففي كبير الطبراني : 6 / 269 ، ومجمع الزوائد : 9 / 101 : « عن أبي ذر وسلمان قالا : أخذ النبي ( ص ) بيد علي فقال : إن هذا أول من آمن بي ، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصديق الأكبر ، وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين » والاستيعاب : 4 / 1744 ، وكنز العمال : 11 / 616 ، و : 13 / 122 ، عن مصادر عديدة ، وقال في الكشف الحثيث / 144 ، عن راوي الحديث عباد بن عبد الله الأسدي : « واعلم أن ابن حبان ذكر عباداً في ثقاته ، روى له في الخصائص هذا الحديث » .
وقال الذهبي في سيره : 23 / 79 : « إسناده واه » وقال في ميزان الإعتدال : 2 / 416 : « قال ابن عدي : عامة ما يرويه في فضائل علي ، وهو متهم في ذلك . قلت : قد أغنى الله علياً عن أن تقرر مناقبه بالأكاذيب والأباطيل » .
ثم رواه الذهبي في ميزان الإعتدال : 3 / 101 ، عن النسائي في الخصائص ولم يضعفه .
ورواه ابن حجر في الإصابة : 7 / 293 ، ولم يضعفه .
أقول : لا حجة لهم في تضعيف راويه ، وهم بذلك يحاولون نفي اللقب عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لأنه يكشف أن تسميتهم لأبي بكر به إنما هي منافسة لعلي ( عليه السلام ) !
وأقوى منه حديث لا يستطيعون تضعيفه ، رواه ابن ماجة ( 1 / 44 ) ، عن علي ( عليه السلام ) ، قال : « أنا عبد الله ، وأخو رسوله ( صلى الله عليه وآله ) وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب ! صليت قبل الناس لسبع سنين . في الزوائد : هذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات ، رواه الحاكم في المستدرك عن المنهال ، وقال : صحيح على شرط الشيخين » والحاكم : 3 / 112 ، ومجمع الزوائد : 9 / 101 ، ومصنف ابن أبي شيبة : 7 / 498 ، والآحاد والمثاني للضحاك : 1 / 148 ، و 151 ، وكتاب السنة لعمرو بن أبي عاصم / 584 ، وسنن النسائي : 5 / 106 ، وخصائص أمير
--------------------------- 78 ---------------------------
المؤمنين للنسائي / 46 ، وتاريخ دمشق : 42 / 32 ، والتاريخ الكبير للبخاري : 4 / 23 ، وتفسير الثعلبي : 5 / 85 ، وتهذيب التهذيب : 4 / 179 ، عن النسائي ، وقال عن راويه سليمان بن عبد الله : قال ابن عدي لا أعرف له غيره ولا يتابع عليه كما قال البخاري ، وذكره ابن حبان في الثقات .
وقال في شرح النهج : 4 / 122 : « واعلم أن أمير المؤمنين ما زال يَدَّعِي ذلك لنفسه ويفتخر به ويجعله في أفضليته على غيره ويصرح بذلك ، وقد قال غير مرة : أنا الصديق الأكبر والفاروق الأول ، أسلمت قبل إسلام أبي بكر وصليت قبل صلاته . وروى عنه هذا الكلام بعينه أبو محمد بن قتيبة في كتاب المعارف ( 1 / 167 ) وهو غير متهم في أمره . ومن الشعر المروي عنه في هذا المعنى الأبيات التي أولها :
محمدٌ النبيُّ أخي وصهري * وحمزةُ سيدُ الشهداء عمي
سبقتكم إلى الإسلام طراً * غلاماً ما بلغت أوان حلمي » .

  • *
    أما تسمية عمر بالفاروق فقالوا سماه به الله تعالى لأنه قتل منافقاً ففرق بين الحق والباطل على لسانه ، فسمي الفاروق ( السير الكبير : 1 / 270 ، والدر المنثور : 2 / 181 ) .
    ولا يصح ذلك ، لأن قصة قتل المنافق لم تثبت فلم يسمح النبي ( صلى الله عليه وآله ) بقتل أحد من المنافقين . وإن ثبتت لا تستحق هذا الاسم !
    والصحيح ما قاله الزهري : « بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر : الفاروق وكان المسلمون يؤثرون ذلك من قولهم ، ولم يبلغنا أن رسول الله ذكر من ذلك شيئاً » ! ( تاريخ المدينة : 2 / 662 ) . وهذا يرد ما رواه ابن ذكوان قال : « قلت لعائشة : من سمى عمر الفاروق ؟ قالت : النبي » ! ( تاريخ المدينة : 2 / 662 ) .
    والصحيح أن الفاروق لقب من النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) ، وصادروه منه لعمر !
    --------------------------- 79 ---------------------------
    ففي لسان الميزان : 1 / 357 ، عن ابن أبي ليلي الغفاري أنه سمع النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ستكون فتنة بعدي فالزموا علياً ، فإنه أول من يراني وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو معي في السماء العليا ، وهو الفارق بين الحق والباطل » .
    أسئلة :
    س 1 : كانت كل الدواعي متوفرة لمدح أبي بكر وعمر وكذب الأحاديث في مدحهما ، ولذم علي ( عليه السلام ) ووضع الأحاديث ضده ؟ ! ومع ذلك لاحظتَ أن رواة السلطة رووا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) سمى أبا بكر بالصديق وعمر بالفاروق ، ثم رووا بأصح منه أن الناس سموهما بذلك ! بينما رووا أنفسهم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) سمى علياً بالصديق والفاروق وأمير المؤمنين ! ألا يدل ذلك على تناقضهم ، ويكشف عن أنها ألقاب نبوية لعلي ( عليه السلام ) ؟ !
    س 2 : ما رأيكم في قول أبي الفتح الكراجكي ، وهو من علماء القرن الخامس ، في كتابه : التعجب من أغلاط العامة / 97 :
    « ومن عجيب أمرهم وظاهر عصبيتهم وعنادهم : تسميتهم أبا بكر عتيق بن أبي قحافة بالصديق ، ولم يرووا عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) خبراً يقطع العذر بأنه نحله هذا الاسم . ولا يقولون إن أمير المؤمنين الصديق وقد ثبت أنه أول من أجاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وصدق به ، وأنه يوم الدار كان الذي قام بين يدي الجماعة ، فبايعه على الإقرار بما جاء به ، وشهد له النبي ( صلى الله عليه وآله ) بذلك في أقوال كثيرة مأثورة : منها : عليٌّ أول من آمن بي وصدقني . و : أول من يصافحني يوم القيامة . و : هو الصديق الأكبر . وقوله لفاطمة ( عليها السلام ) : زوجك أقدم أمتي إسلاماً . وقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بين الملأ : اللهم إني لا أعرف أحداً من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيها . وكان يقول على المنبر مفتخراً : أنا الصديق
    --------------------------- 80 ---------------------------
    الأكبر ، لا يقولها بعدي إلا مفتر ! أسلمت قبل أن يسلم أبو بكر ، وصدقت قبل أن يصدق . . . فكيف لا يكون علي بن أبي طالب هو الصديق ويكون مختصاً بأبي بكر لولا العصبية الغالبة للعقل ؟
    بل من العجب : أن تجتمع الأمة بأسرها على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، ولا يسمى أبو ذر مع ذلك صديقاً ويسمون أبا بكر صديقاً ولم يرو فيه قط مثل هذا » ؟ !

( م 185 ) دور أبي بكر وعمر في حروب النبي ( صلى الله عليه وآله )

ادعى رواة السلطة الشجاعة والبطولة لأبي بكر وعمر ، لكن الواقع يشهد بأن دورهما في حروب النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان في الصف الخلفي أو في أول المنهزمين !
وقد اعترفوا بأنهما فرَّا من المعركة مراراً ! ووصفت الزهراء ( عليها السلام ) دور علي ( عليه السلام ) ودورهم في حروب النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقالت : « لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ . فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون آبائكم ، وأني ابنته دون نسائكم ، وأخوه ابن عمي دون رجالكم . . .
وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ، نهزة الطامع ، ومذقة الشارب ، وقبسة العجلان ، وموطأ الأقدام ، تشربون الطَّرَق ، وتقتاتون القِدّ ، أذلة خاسئين ، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم ، حتى استنقذكم الله برسوله بعد اللتيا والتي ، وبعد أن مُنِيَ بِبُهْم الرجال ، وذؤبان العرب ، ومردة أهل الكتاب ، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ، أو نجم قرن الشيطان ، أو فغرت فاغرة من المشركين ، قذف أخاه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه
--------------------------- 81 ---------------------------
ويطفئ عادية لهبها بسيفه ، مكدوداً في ذات الله ، وأنتم في رفاهية فكهون آمنون وادعون ، حتى إذا اختار الله لنبيه دار أنبيائه ، أطلع الشيطان رأسه فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين » ! ( الطرائف / 264 ) .
فقد كان علي ( عليه السلام ) عضد النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الشدائد ، ومعه نفر قليل من الصحابة ، أما غيرهم فكان يهرب أو يحفظ نفسه في الصفوف الخلفية ، ثم يتصدر لقطف ثمار جهودهم وجهادهم ! فكيف تفسرون هذه الحقيقة ؟ !
س 1 : بماذا تفسرون أن أبا بكر وعمر لم يشتركا في أي معركة من معارك النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبداً ، ولم يضربا بسيف ولا طعنا برمح ؟ !
وماذا كانا يفعلان عندما تبرز الأبطال ويشتبك الصفان ، وتستعر الحرب بالضرب والطعان ؟ فهل كانا يوليان ويهربان ، أم خلف المسلمين يختبئان ؟ !

( م 186 ) أبو بكر وعمر تحت إمرة ابن العاص

ذكر ابن هشام ( 4 / 1040 ) والطبري ( 2 / 315 ) أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أرسل ابن العاص في غزوة ذات السلاسل فخاف عمرو فطلب من النبي ( صلى الله عليه وآله ) المدد ، فبعث إليه ابن الجراح في جماعة فيهم أبو بكر وعمر . والحاكم : 3 / 42 ، ومجمع الزوائد : 9 / 42 ، والاستيعاب : 3 / 1186
وفي الإصابة ( 3 / 477 ، وتاريخ دمشق ( 46 / 130 ) : « فأمده بجيش فيهم أبو بكر وعمر وأميرهم أبو عبيدة بن الجراح ، فقال عمرو : أنا أميركم . فقال أبو عبيدة : أنت أمير من معك وأنا أمير من معي . فقال عمرو : إنما أنتم مددي فأنا أميركم . فقال له أبو عبيدة : تعلم يا عمرو أن رسول الله عهد إلي فقال إذا قدمت على عمرو
--------------------------- 82 ---------------------------
فتطاوعا ولا تختلفا ، فإن خالفتني أطعتك . قال : فإني أخالفك فسلم له أبو عبيدة وصلى خلفه » .
أسئلة :
س 1 : ألا ترون أن المتعصبين للشيخين استعظموا تأمير النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعمرو بن العاص عليهما فوضعوا على لسانه أنهما أفضل منه ومن جميع الصحابة ؟ ! فزعموا أن عمرواً قال : « فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على قوم فيهم أبو بكر وعمر إلا لمنزلة لي عنده ، فأتيته حتى قعدت بين يديه فقلت : يا رسول الله من أحب الناس إليك ؟ قال : عائشة . قلت : إني لم أسألك عن أهلك . قال : فأبوها قلت : ثم من قال : عمر قلت : ثم من حتى عد رهطاً ، قال : قلت في نفسي : لا أعود أسأل عن هذا » ! ( فتح الباري ( 8 / 60 ) .
س 2 : لا بد أن يكون الأمير في الحرب أفضل من المأمور بميزة مهمة تؤهله لأن يكون أميراً عليه ، فما هي الميزة التي جعلت عمرو بن العاص الذي أسلم في تلك السنة أميراً عل أبي بكر وعمر ، وقد أسلما قبله ؟
س 3 : بماذا تفسرون أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) جعلهما قبيل وفاته تحت إمرة أسامة بن زيد ، وهو غلام أسود ابن ثمانية عشر عاماً !

( م 187 ) نصح أبو بكر شخصاً أن يكون تقياً ويبتعد عن الإمارة

رووا عن رافع الطائي ووثقوه ( الزوائد : 5 / 200 ) أنه صحب أبا بكر في غزوة ذات السلاسل ، وذبح جزوراً لقوم وأخذ منهم أجرته لحماً وأطعم منه أبا بكر وعمر فلما عرفا إستنكرا لأنه حرام ! فتقيئا ما أكلا وقالا : أتطعمنا مثل هذا » ! ( الروض الأنف : 4 / 252 ، وابن هشام : 4 / 1041 ، وتاريخ دمشق : 18 / 10 ) . فلما رأى تقواهما طلب من أبي بكر أن ينصحه ويعظه ، فقال له : « لا تأمَّر على رجلين » .
--------------------------- 83 ---------------------------
وبعد سنة سمع أن أبا بكر صار خليفة فجاءه : « قال وسألته عما قيل في بيعتهم قال وهو يحدثه عما تكلمت به الأنصار وما كلمهم وما كلم به عمر بن الخطاب الأنصار ، وما ذكرهم به من إمامة من أمهم بأمر رسول الله ( ص ) في مرضه فبايعوني لذلك وقبلتها منهم ، وتخوفت أن تكون فتنة تكون بعدها ردة » !
وفي الطبراني في الكبير : 5 / 21 : « قلت كنت نهيتني عن الأمارة ثم ركبت بأعظم من ذلك أمة محمد ! قال : نعم ، فمن لم يقم فيهم بكتاب الله فعليه لعنة الله » .
أسئلة :
س 1 : هل تفهم من هذا النص أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان نصح أبا بكر أن لا يتأمر على أحد كل عمره ، فأخذ أبو بكر ينصح بها الناس ؟ !
س 2 : يصور النص أن الأنصار كانوا حاضرين في السقيفة مع أنه لم يكن أي اجتماع ولا دعوة إلى اجتماع ، وإنما كان سعد مريضاً فقصده أبو بكر وعمر وأبو عبيدة واثنان من خصومه الأوس ، وصفقوا على يد أبي بكر هناك ! فما قولكم ؟ !

( م 188 ) كان أبو بكر وعمر في بدر في الصفوف الخلفية

اخترع أتباع أبي بكر دوراً له في بدر فزعموا أنه لم يقاتل لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) استبقاه معه في العريش أي في الخيمة ليستشيره في إدارة المعركة !
قال ابن هشام ( 2 / 457 ) : « ثم عدَّل رسول الله ( ص ) الصفوف ورجع إلى العريش ، فدخله ومعه فيه أبو بكر الصديق ، ليس معه فيه غيره » .
--------------------------- 84 ---------------------------
لكنهم رووا أن سعداً كان يحرسون النبي ( صلى الله عليه وآله ) . قال ابن هشام ( 2 / 458 ) : « وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله ( ص ) متوشحٌ السيف ، في نفر من الأنصار ، يحرسون رسول الله يخافون عليه كرة العدو » .
ومن جهة أخرى رووا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قاتل في بدر قتالاً شديداً ولم يكن معه أبو بكر ولا عمر ، فأين كانا ؟ ! قال علي ( عليه السلام ) : « لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو أقربنا إلى العدو ، وكان من أشد الناس يومئذ بأساً » ! ( مجمع الزوائد : 9 / 12 ، بطرق ، وحسنه ، وابن أبي شيبة : 7 / 578 ، وتاريخ دمشق : 4 / 14 ، وكنز العمال : 10 / 397 ، عن عدة مصادر وقال إن الطبري صححه .
إذن لا بد من القول إن أبا بكر كان كعمر يحفظ نفسه في الصفوف الخلفية ، فقد حدَّثَ عمر عن نفسه بأنه كان في أطراف المعركة فرأى العاص بن أبي أحيحة فهابه وهرب منه ! قال لابنه سعيد بن العاص : « مالي أراك معرضاً كأني قتلت أباك ؟ إني لم أقتله ولكن قتله أبو حسن ! رأيته يبحث للقتال كما يبحث الثور بقرنه فإذا شدقاه قد أزبدا كالوزغ فهبته وزِغْتُ عنه فقال إليَّ أين يا ابن الخطاب ! وصمد له عليٌّ فتناوله ، فما رمت من مكاني حتى قتله !
فقال له علي : اللهم غفراً ذهب الشرك بما فيه ومحى الإسلام ما تقدم فما لك تهيِّج الناس عليَّ ؟ فكفَّ عمر وقال سعيد : أما إنه ما كان يسرني أن يكون قاتل أبي غير ابن عمه علي » . ( ابن هشام : 2 / 464 ، والصحيح من السيرة : 5 / 62 ) .
ومع ذلك ادعوا أن عمر كان في العريش ! وغرضهم تفضيلهما على علي ( عليه السلام ) الذي تحمل نصف أعباء المعركة وجندل بسيفه نصف قتلى بدر من طغاة قريش !
وقد أجاب علماؤنا على ذلك ، فقال الشريف المرتضى في الفصول المختارة / 34 : « إن المعتزلة والحشوية يدعون أن جلوس أبي بكر وعمر مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في
--------------------------- 85 ---------------------------
العريش أفضل من جهاد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بالسيف لأنهما كانا مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مستقره يدبران الأمر معه ، ولولا أنهما أفضل الخلق عنده لما اختصهما بالجلوس معه . . إلى أن قال : فأما ما توهموه من أنه حبسهما للاستعانة برأيهما ، فقد ثبت أنه كان كاملاً وأنهما كانا ناقصين عن كماله ، وكان معصوماً وكانا غير معصومين ، وكان مؤيداً بالملائكة وكانا غير مؤيدين ، وكان يوحى إليه وينزل القرآن عليه ، ولم يكونا كذلك ، فأي فقر يحصل له مع ما وصفناه إليهما » انتهى .
أسئلة :
س 1 : هل أن رواية العريش أو خيمة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في بدر صحيحة ؟ وهل كان فيها أبو بكر ، ولما قاتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) لماذا بقي أبو بكر في الخيمة ولم يقاتل معه ؟ !
س 2 : قال الله تعالى في الصحابة أهل بدر : كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ . يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ . وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ . فمن هم هؤلاء الذين كأنما يساقون إلى الموت ؟ !
س 3 : قال مسلم في صحيحه : 5 / 170 : « شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان ، قال فتكلم أبو بكر فأعرض عنه ، ثم تكلم عمر فأعرض عنه » . وفي الدر المنثور : 3 / 165 : « فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، إنها قريش وعزها ! والله ما ذلت منذ عزت ، ولا آمنت منذ كفرت ، والله لتقاتلنك ، فتأهب لذلك أهبته واعدد له عدته » .
وروى البخاري ( 5 / 187 ) قول المقداد : « يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ، ولكن إمض ونحن
--------------------------- 86 ---------------------------
معك ! فكأنه سُرِّيَ عن رسول الله » . فلماذا أعرض النبي ( صلى الله عليه وآله ) عنهما ، وهل المقداد أفضل منهما وأشجع ؟ !
س 4 : هل تعتبرون عمر من الفارين في بدر ، لأنه قال إنه رأى العاص بن العاص في معركة بدر فهرب منه : « رأيته يبحث للقتال كما يبحث الثور بقرنه فإذا شدقاه قد أزبدا كالوزغ فهبته وزغت عنه ! فقال : إلى أين يا ابن الخطاب » ! ( ابن هشام : 2 / 464 )
س 5 : مهما فرضتم دور الشيخين في بدر ، فهل يصح قياسه بدور علي ( عليه السلام ) ؟
س 6 : ما رأيكم في مناقشة المأمون لفقهاء عصره لما جمعهم وناظرهم في أفضلية علي ( عليه السلام ) ، فقال لإسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن حماد بن زيد : « أي الأعمال كانت أفضل بعد السبق إلى الإسلام ؟ قلت : الجهاد في سبيل الله ، قال : صدقت ، فهل تجد لأحد من أصحاب رسول الله ما تجد لعلي في الجهاد ؟
قلت : في أي وقت ؟ قال في أي الأوقات شئت ! قلت : بدر قال : لا أريد غيرها فهل تجد لأحد إلا دون ما تجد لعلي يوم بدر ؟ أخبرني كم قتلى بدر ؟ قلت : نيف وستون رجلاً من المشركين قال : فكم قتل علي وحده ؟ . قلت : لا أدري ، قال : ثلاثة وعشرين ، أو اثنين وعشرين ، والأربعون لسائر الناس . قلت : يا أمير المؤمنين : كان أبو بكر مع رسول الله ( ص ) في عريشه ، قال ماذا يصنع ؟ قلت : يدبر ، قال : ويحك يدبر دون رسول الله ، أو معه شريكاً ، أم افتقاراً من رسول الله إلى رأيه ؟ أي الثلاث أحب إليك ؟ قلت : أعوذ بالله أن يدبر أبو بكر دون رسول الله أو يكون معه شريكاً ، أو أن يكون برسول الله ( ص ) افتقار إلى رأيه !
قال : فما الفضيلة بالعريش إذا كان الأمر كذلك ؟ أليس من ضرب بسيفه بين يدي رسول الله أفضل ممن هو جالس ؟ قلت : يا أمير المؤمنين كل الجيش كان مجاهداً ، قال : صدقت كل مجاهد ، ولكن الضارب بالسيف المحامي عن رسول الله ( ص ) وعن الجالس
--------------------------- 87 ---------------------------
أفضل من الجالس ، أما قرأت كتاب الله : لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا . قلت : وكان أبو بكر وعمر مجاهدين ، قال : فهل كان لأبي بكر وعمر فضل على من لم يشهد ذلك المشهد ؟ قلت : نعم ، قال : فكذلك سبق الباذل نفسه فضل أبي بكر وعمر . قلت : أجل » . أبو بكر بن أبي قحافة للخليلي / 178 ، ونفحات الأزهار للميلاني : 13 / 175 ، عن العقد الفريد لابن عبد ربه : 5 / 349 .

( م 189 ) فرار أبي بكر وعمر في معركة أحُد

زعموا أن أبا بكر ثبت في أحد ولم يهرب ، فقال ابن سعد في الطبقات : 2 / 42 : « وثبت معه عصابة من أصحابه أربعة عشر رجلاً ، سبعة من المهاجرين فيهم أبو بكر الصديق . وسبعة من الأنصار » لكنهم كذبوا أنفسهم فزعموا أنه كان من أول الراجعين من الهزيمة ! ففي الطبقات ( 3 / 155 ) : « عن عائشة قالت : حدثني أبو بكر قال : كنت في أول من فاء إلى رسول الله ( ص ) يوم أحد » .
وقال الطبري في تفسيره : 4 / 193 : « خطب عمر يوم الجمعة فقرأ آل عمران . . قال : لما كان يوم أحد . . ففررت حتى صعدت الجبل ، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى والناس يقولون : قتل محمد » !
وفي سيرة ابن إسحاق : 3 / 309 ، وغيرها ، أن أنس بن النضر : « انتهى إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم ( انهاروا ) فقال : ما يجلسكم ؟ ! قالوا : قتل رسول الله ! قال : فما تظنون بالحياة بعده ؟ ! قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله ! ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل ( رحمه الله ) » .
--------------------------- 88 ---------------------------
وفي الصحيح من السيرة ( 6 / 183 ) : « ويدل على فراره : جميع ما تقدم في ثبات أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وما تقدم في فرار سعد . . . عن عائشة : كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد بكى وقال : كنت أول من فاء يوم أحد » !
أسئلة :
س 1 : قال الله تعالى في وصف الصحابة يوم أحد : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إذا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمر وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ . .
فهل هم قسم واحد جمعوا الصفات الثلاث : الفشل والجبن ومنازعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في القيادة ، وعصيانه ، أم هم ثلاثة أقسام ؟
س 2 : وقال تعالى في وصفهم : ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمر مِنْ شَئٍ قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ للهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شَئٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ . . فمن هم الذين أنزل الله عليهم النعاس وكانوا مؤمنين لكن ضعفوا وانهزموا ؟ ومن هم الذين ظلت عيونهم تبحلق ، واعترضوا على قيادة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأرادوا أن يكونوا شركاءه في القيادة ، وكانوا منافقين يخفون ذلك عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟
س 3 : هل توافقون على قولهم إن سبب الهزيمة في أحُد هو أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخطأ في قيادته ولو أطاعهم لما انهزموا : لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شَئٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا !
وأنه أخطأ في بدر بأخذه الفداء من القرشيين ! قال عمر : « فلما كان عام أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون ، وفرَّ أصحاب رسول الله عن النبي ، فكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على
--------------------------- 89 ---------------------------
وجهه وأنزل الله : أَوَلَمّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَمِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ بأخذكم الفداء » ! ( مجمع الزوائد : 6 / 115 ) .
س 4 : من هو الصحابي القرشي الذي فرَّ يوم أحد ، وقال : « والذي نفسي بيده لئن كان قتل النبي لنعطينهم بأيدينا ! إنهم لعشائرنا وإخواننا ! وقالوا : لو أن محمداً كان نبياً لم يهزم ولكنه قد قتل ! فترخصوا في الفرار حينئذ » ! ( الدر المنثور : 2 / 80 )
ومن هم مرضى القلوب : « قال أهل المرض والارتياب والنفاق حين فرَّ الناس عن النبي : قد قتل محمد ، فالحقوا بدينكم الأول » ! ( تفسير الطبري : 4 / 151 ) .
س 5 : روينا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر علياً ( عليه السلام ) أن يجيب أبا سفيان يوم أحد عندما قال : أعلُ هبل ! فأجابه : الله أعلى وأجل ! وزعم رواة السلطة أن عمر أجابه ، مع أن عمر كان على الجبل وكان أبو سفيان في الوادي ، فأين كان عمر عندما أجابه ؟ !
. س 6 : هل عندكم نص على أن أبا بكر وعمر قاتلا يوم أحد ، أو رجعا من الفرار قبل دفن النبي ( صلى الله عليه وآله ) للشهداء ؟ !
س 7 : قال ابن هشام : 2 / 282 : « وكان ضرار لحق عمر بن الخطاب يوم أحد فجعل يضربه بعرض الرمح ويقول : أنج يا بن الخطاب ، لا أقتلك ، فكان عمر يعرفها له بعد إسلامه » . فمتى كانت هذه الحادثة ، ولماذا قررت قريش أن لا تقتل عمر ؟ !

( م 190 ) فرار أبي بكر وعمر في غزوة الخندق

كتبنا في السيرة النبوية عند أهل البيت ( عليهم السلام ) عن معركة الخندق : « وأكثر ما أضعف المسلمين أن بعضهم أخذ يستأذنون النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليتفقدوا بيوتهم فيذهبون ولا يعودون ! وبعضهم يطلب الإذن لحماية بيته بحجة أنه قريب من قريظة ! وبعضهم هرب بدون استئذان ! هذه هي الصورة الصحيحة للصحابة في غزوة
--------------------------- 90 ---------------------------
الأحزاب ، لكن رواة قريش أخفوا الصحابة مرضى القلوب والفارين ، الذين عصوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكذبوا عليه في سبب الاستئذان ، أو تأخروا عن المدة المجازة ، وهو فرار مخفي لكنه فرار كامل جامع للشروط الشرعية ، وقد فضحه في آيات الأحزاب بقوله : وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُولاً ، فسماه بأشد أسماء الفرار ! وفضحته أحاديثهم الصحيحة ، أولها : حديث ابن عمر قال : « بعثني خالي عثمان بن مظعون لآتيه بلحاف فأتيت النبي فاستأذنته وهو بالخندق فأذن لي وقال : من لقيت فقل لهم إن رسول الله يأمركم أن ترجعوا ، وكان ذلك في برد شديد ، فخرجت ولقيت الناس فقلت لهم إن رسول الله يأمركم أن ترجعوا . قال : فلا والله ما عطف عليَّ منهم اثنان أو واحد » ! ( رواه الطبراني في الأوسط : 5 / 275 ، وصححه في مجمع الزوائد : 6 / 135 ) .
وثانيها : حديث حذيفة ، رواه الحاكم ( 3 / 31 ) وصححه ، ووثقه في الزوائد ( 6 / 136 ) : « إن الناس تفرقوا عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليلة الأحزاب فلم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً ! فأتاني رسول الله وأنا جاثم من البرد وقال : يا ابن اليمان قم فانطلق إلى عسكر الأحزاب فانظر إلى حالهم . قلت : يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما قمت إليك إلا حياء منك من البرد . » .
وثالثها : حديث عائشة الذي رواه أحمد ( 6 / 141 ) ومصادر السيرة والزوائد ( 6 / 138 ) وحسَّنه وقد وصفت فيه اختباء جماعة من الصحابة في حديقة ، منهم عمر وطلحة ، وذكرت أن عمر كان يتخوف من الهزيمة والفرار العام !
روى محمد بن سليمان في مناقب علي ( عليه السلام ) : 1 / 222 ، بسنده عن ربيعة السعدي ، وروته مصادر الطرفين ، قال ربيعة : « أتيت حذيفة بن اليمان فقلت : يا أبا عبد الله إنا نتحدث في علي وفي مناقبه فيقول لنا أهل البصرة إنكم لتفرطون في علي وفي مناقبه ، فهل أنت
--------------------------- 91 ---------------------------
تحدثني في علي بحديث ؟ فقال حذيفة : يا ربيعة إنك لتسألني عن رجل والذي نفسي بيده لو وضع عمل جميع أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) في كفة الميزان من يوم بعث الله محمداً إلى يوم الناس هذا ووضع عمل علي يوماً واحداً في الكفة الأخرى لرجح عمله على جميع أعمالهم ! فقال ربيعة : هذا الذي لا يقام له ولا يقعد !
فقال حذيفة : وكيف لا يُحتمل هذا يا ملكعان ( يا أحمق ) ! أين كان أبو بكر وعمر وحذيفة ثكلتك أمك ، وجميع أصحاب محمد يوم عمرو بن عبد ود ينادي للمبارزة ؟ فأحجم الناس كلهم ما خلا علياً فقتله الله على يديه ؟ ! والذي نفسي بيده لعمله ذلك اليوم أعظم عند الله من جميع أعمال أمة محمد إلى يوم القيامة » !
أسئلة :
س 1 : روى أحمد ( 6 / 141 ) ومصادر السيرة وحسنه في الزوائد ( 6 / 138 ) ، وصف عائشة لإختباء جماعة من الصحابة في حديقة ، منهم عمر وطلحة ، وأن عمر كان يتخوف من الفرار العام ! ففي أي حديقة كان أبو بكر يومها ؟ !
س 2 : بعد أن قتل علي ( عليه السلام ) عمرو بن ود ، أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) عمر بن الخطاب أن يبرز إلى ضرار بن الخطاب فنكص عنه ! هل تعرفون لماذا ؟ !
س 3 : كيف تقبلون رواية بخاري ( 1 / 147 ) « أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش ! قال : يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب ؟ قال النبي ( ص ) : والله ما صليتها ، فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب » !
وهي لا تنطبق على أحداث يوم الخندق ، ولا تتفق مع مقام النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعصمته ؟ راجع ما كتبناه في السيرة ، وفي هذا الكتاب : 1 / 171 .
--------------------------- 92 ---------------------------
س 4 : رويتم مدح النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) بمثل قوله : « لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة » ( الحاكم : 3 / 32 ) وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : « مبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة » . ( تاريخ دمشق : 50 / 333 ) ! فهل رويتم مدحاً مشابهاً لغيره ؟ !

( م 191 ) فرار أبي بكر وعمر في غزوة خيبر !

عندما فتح النبي ( صلى الله عليه وآله ) حصون النطاة والشق : « انهزم من سلم من يهود تلك الحصون إلى حصون الكتيبة ، وهي ثلاثة حصون : القموص والوطيح وسلالم وكان أعظم حصون خيبر القموص » ( عون المعبود : 8 / 172 ) . « فتحصنوا معهم في القموص أشد التحصين ، مغلقين عليهم لا يبرزون » . ( الواقدي : 2 / 670 ) .
وحاصرهم بضعاً وعشرين يوماً ( تاريخ خليفة / 49 ) . وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يصلي بالمسلمين كل يوم صلاة الفجر ثم يصطفُّون ثم يذهبون لمهاجمة الحصن ، وقد أعطى أبا بكر قيادة الحملة ثم أعطاها لعمر ، فرجعا منهزمين !
ففي أمالي المفيد / 56 ، عن سعد بن أبي وقاص قال : « بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) برايته إلى خيبر مع أبي بكر فردها ، فبعث بها مع عمر فردها ، فغضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ، كراراً غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه » !
واعترفوا أن محاصرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لخيبر طالت نحو شهر وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يعطي الراية كل يوم لأحد الصحابة ، فيحملون على الحصن ويرجعون فاشلين !
--------------------------- 93 ---------------------------
واعترفوا بفرار الشيخين بالمسلمين ! وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) غضب وأحضر علياً ( عليه السلام ) ولعله كان في منطقة النطاة من خيبر ، وقال : لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، كرار غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه !
« دعا أبا بكر فعقد له لواءً ثم بعثه فسار بالناس فانهزم حتى إذا بلغ ورجع ، فدعا عمر فعقد له لواءً فسار ثم رجع منهزماً بالناس ! فقال رسول الله : لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله له ليس بفرار . » ( سنن النسائي : 5 / 108 ، وصححه في الزوائد : 9 / 124 ) .
« بعث أبا بكر فسار بالناس فانهزم حتى رجع إليه ، وبعث عمر فانهزم بالناس حتى انتهى إليه ، فقال رسول الله ( ص ) : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، يفتح الله له ليس بفرار ) ( مصنف ابن أبي شيبة : 8 / 522 ) .
« بعث رسول الله ( ص ) أبا بكر بن أبي قحافة برايته إلى بعض حصون خيبر ، فقاتل ، فرجع ولم يك فتحاً وقد جهد ، ثم بعث عمر بن الخطاب الغد ، فقاتل ، ثم رجع ولم يك فتحاً وقد جهد ، فقال رسول الله : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ليس بفرار » ! ( الحارث / 218 ، والطبراني الكبير : 7 / 35 ) .
وفي الدرر لابن عبد البر / 198 : « ووقف إلى بعض حصونهم فامتنع عليهم فتحه ولقوا فيه شدة ، فأعطى رايته أبا بكر الصديق فنهض بها وقاتل واجتهد ولم يفتح عليه ، ثم أعطى الراية عمر فقاتل ثم رجع ولم يفتح له وقد جهد ، فحينئذ قال رسول الله ( ص ) : لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ليس بفرار ، يفتح الله عز وجل على يديه » .
وفي تفسير الثعلبي : 9 / 50 : « فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة ، ثم إن الله تعالى فتحها علينا ، وذلك أن رسول الله ( ص ) أعطى اللواء عمر بن الخطاب ،
--------------------------- 94 ---------------------------
ونهض من نهض معه من الناس فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه ، فرجعوا إلى رسول الله ( ص ) يُجَبِّنُهُ أصحابه ويجبنهم ، وكان رسول الله قد أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس ، فأخذ أبو بكر راية رسول الله ، ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً ثم رجع ، فأخذها عمر ، فقاتل قتالاً شديداً ، وهو أشد من القتال الأول ، ثم رجع ، فأخبر بذلك رسول الله فقال : أما والله لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله . . . » .
أسئلة :
س 1 : ماذا تفهم من قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد هزيمة أبي بكر وعمر يومين متتالين : أما والله لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، كرار غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ؟ !
س 2 : هل يفهم من هزيمة أبي بكر وعمر في خيبر وانتصار علي ( عليه السلام ) ، أن اليهود لا يحقق النصر عليهم إلا علي ( عليه السلام ) وشيعته ؟
س 3 : أراد البخاري أن يغطي على فرار أبي بكر وعمر فطعن بعلي ( عليه السلام ) وقال إنه تخلف عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في خيبر لأنه كان أرمد ، ثم تاب والتحق به !
قال بخاري ( 4 / 12 ) : « كان علي رضي الله عنه تخلف عن النبي ( ص ) خيبر وكان به رمد ، فقال : أنا أتخلف عن رسول الله ! فخرج علي فلحق بالنبي ( ص ) ، فلما كان مساء الليلة التي فتحها في صباحها فقال رسول الله ( ص ) : لأعطين الراية أو قال ليأخذن غداً رجل يحبه الله ورسوله أو قال يحب الله ورسوله يفتح الله عليه ، فإذا نحن بعلي وما نرجوه ، فقالوا هذا علي فأعطاه رسول الله الراية ، ففتح الله عليه » .
وأحس ابن حجر بالفضيحة فقال في شرحه ( 7 / 365 ) : « وقع في هذه الرواية اختصار وهو عند أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم من حديث بريدة بن الخصيب ، قال : لما
--------------------------- 95 ---------------------------
كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء فرجع ولم يفتح له ، فلما كان الغد أخذه عمر فرجع ولم يفتح له ، وقتل محمود بن مسلمة ، فقال النبي ( ص ) : لأدفعن لوائي غداً إلى رجل . . . وفي الباب عن أكثر من عشرة من الصحابة سردهم الحاكم في الإكليل ، وأبو نعيم ، والبيهقي في الدلائل » . ونحوه عمدة القاري ( 14 ، 213 ) . فما رأيكم في ذلك ؟
س 4 : فسروا لنا الحديث الذي رواه أحمد ، ووثقه في الزوائد ( 6 / 151 ، و : 9 / 124 ) : عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ( ص ) أخذ الراية فهزها ثم قال : من يأخذها بحقها ؟ فجاء فلان فقال : أمِطْ ( إذهب عني ! ) . ثم جاء رجل آخر فقال : أمط ! ثم قال النبي ( ص ) : والذي كرم وجه محمد لأعطينها رجلاً لا يفر ، هاك يا علي ! فانطلق حتى فتح الله عليه » وأبو يعلى : 2 / 499 وأحمد : 3 / 16 ، وتاريخ دمشق : 1 / 194 ، والنهاية : 4 / 381 .

( م 192 ) فرار أبي بكر وعمر في غزوة ذات السلاسل الأولى

أثبتنا في السيرة النبوية عند أهل البيت ( عليهم السلام ) أن رواة السلطة أخفوا غزوة ذات السلاسل التي نزلت فيها سورة العاديات ، وجعلوا بدلها ذات السلاسل التي كان أميرها ابن العاص وتحت إمرته أبو بكر وعمر وأبو عبيدة .
والسبب أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أرسل أبا بكر فرجع منهزماً ، ثم أرسل ابن العاص ومعه أبو بكر وعمر فرجع منهزماً ، فأرسل علياً ( عليه السلام ) ومعه أبو بكر وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد ، فسلك طريقاً جبلياً وصعد إلى عدوه من واد قريب ، فباغتهم وانتصر عليهم ، فنزلت على النبي ( صلى الله عليه وآله ) سورة العاديات وقت المعركة قبل طلوع الشمس ، فقرأها على المسلمين وأخبرهم بالنصر ، ثم أخبرهم بمجئ علي ( عليه السلام ) وخرج معهم لاستقباله ، ومدحه .
--------------------------- 96 ---------------------------
ويؤيد ما قلناه أنك تلمس اضطراب رواة السلطة وتناقضهم في سبب نزول سورة العاديات ، فراجع ذلك في السيرة النبوية عند أهل البيت ( عليهم السلام ) !
قال المفيد في الإرشاد ( 1 / 150 ) : « ثم كانت غزاة السلسلة وذلك أن أعرابياً جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فجثا بين يديه وقال له : جئتك لأنصح لك قال : وما نصيحتك ؟ قال قوم من العرب قد اجتمعوا بوادي الرمل وعملوا على أن يبيتوك بالمدينة ، ووصفهم له فأمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن ينادى بالصلاة جامعة ، فاجتمع المسلمون وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إن هذا عدو الله وعدوكم قد عمل على أن يبيتكم فمن لهم ؟ فقام جماعة من أهل الصفة فقالوا نحن نخرج إليهم يا رسول الله فول علينا من شئت ، فأقرع بينهم فخرجت القرعة على ثمانين رجلاً منهم ومن غيرهم . ، فاستدعى أبا بكر فقال له : خذا للواء وامض إلى بني سليم فإنهم قريب من الحرة ، فمضى ومعه القوم حتى قارب أرضهم ، وكانت كثيرة الحجارة وهم ببطن الوادي والمنحدر إليه صعب ، فلما صار أبو بكر إلى الوادي وأراد الإنحدار خرجوا إليه فهزموه ، وقتلوا من المسلمين جمعاً كثيراً وانهزم أبو بكر من القوم . . ومكث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أياماً يدعو عليهم ، ثم دعا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فعقد له ثم قال : أرسلته كراراً غير فرار ، ثم رفع يديه إلى السماء وقال : اللهم إن كنت تعلم أني رسولك فاحفظني فيه . . . وخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لتشييعه وبلغ معه إلى مسجد الأحزاب ، وعلي ( عليه السلام ) على فرس أشقر مهلوب ، عليه بردان يمانيان وفي يده قناة خطية ، فشيعه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ودعا له وأنفذ معه فيمن أنفذ أبا بكر وعمرو بن العاص ، فسار بهم نحو العراق متنكباً الطريق حتى ظنوا أنه يريد بهم غير ذلك الوجه ، ثم أخذ بهم على محجة غامضة . ، استقبل
--------------------------- 97 ---------------------------
الوادي من فمه وكان يسير الليل ويكمن النهار ، فلما قرب من الوادي أمر أصحابه أن يكعموا الخيل » .
وفي إعلام الورى ( 1 / 382 ) : « خرج ومعه لواء النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد أن خرج غيره إليهم ورجع عنهم خائباً ، ثم خرج صاحبه وعاد بما عاد به الأول ، فمضى علي ( عليه السلام ) حتى وافى القوم بسحر ، وصلى بأصحابه صلاة الغداة وصفهم صفوفاً واتكأ على سيفه مقبلاً على العدو وقال : يا هؤلاء أنا رسول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن تقولوا : لا إله إلا الله محمد رسول الله وإلا ضربتكم بالسيف ! فقالوا له : إرجع كما رجع صاحباك ! قال : أنا أرجع ! لا والله حتى تسلموا أو لأضربنكم بسيفي هذا أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ! فاضطرب القوم ! وواقعهم فانهزموا ، وظفر المسلمون وحازوا الغنائم » .
أسئلة :
س 1 : ما رأيكم في روايتنا بأن سورة العاديات نزلت في هذه الغزوة : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً ، أي تضبح لاهثة من سرعة ركضها وتقدح الحجارة بحوافرها ؟ وفي تخبط رواة السلطة في سبب نزولها ، لأنهم أنكروا غزوة السلاسل التي قادها علي ( عليه السلام ) وانتصر فيها ، واستبدلوها بغزوة سموها ذات السلاسل قادها عمرو بن العاص ! . راجع ما كتبناه في السيرة .
س 2 - كيف يصح في اللغة أنَّ الموريات قدحاً هي الإبل ؟ ! ( فتح الباري : 8 / 559 ) .
--------------------------- 98 ---------------------------

( م 193 ) فرار أبي بكر وعمر في غزوة حنين

قال عروة بن مسعود للنبي ( صلى الله عليه وآله ) في الحديبية ، كما في صحيح بخاري : 3 / 179 : « فإني والله لا أرى وجوهاً ، وإني لأرى أشواباً من الناس ، خليقاً أن يفروا ويَدَعوك ! فقال له أبو بكر : أمصص ببظر اللات ! أنحن نفر عنه وندعه » !
ويومها : « دعا رسول الله إلى البيعة فبايعوه تحت الشجرة على أن لا يفروا » . ( فتح الباري : 5 / 253 ) « على السمع والطاعة وأن لا ننازع الأمر أهله » ( أحمد : 5 / 321 )
وما دارت السنة حتى كانت حرب حنين فكان أبو بكر وعمر في أول الفارين وتركوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لسيوف عشرين ألف مقاتل من هوازن ، وثبت معه بنو هاشم فقط ! قال الله تعالى : لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ . ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ . .
وفي سيرة ابن كثير ( 3 / 610 ) : « وقال أبو بكر الصديق : لن نغلب اليوم من قلة ، فانهزموا فكان أول من أنهزم بنو سليم ، ثم أهل مكة ، ثم بقية الناس » .
وفي الطبقات ( 2 / 150 ) : « سار رسول الله ( ص ) من مكة لست خلون من شوال ، في اثني عشر ألفاً فقال أبو بكر : لا نغلب اليوم من قلة » ! وتاريخ الذهبي ( 2 / 574 ) .
وغطى عليه ابن حجر فقال في فتح الباري ( 8 / 21 ) : « قال رجل يوم حنين : لن نغلب اليوم من قلة ، فشق ذلك على النبي ( ص ) فكانت الهزيمة » !
وقال المفيد في الإفصاح / 68 : « وكان أبو بكر هو الذي أعجبته في ذلك اليوم كثرة الناس ، فقال : لم نغلب اليوم من قلة . ثم كان أول المنهزمين ومن ولى من القوم الدبر فقال الله تعالى : وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ . فاختص من التوبيخ به لمقاله بما لم يتوجه إلى غيره ، وشارك الباقين في الذم على نقض العهد والميثاق »
--------------------------- 99 ---------------------------
وقال في الإرشاد ( 1 / 140 ) : « وفي ذلك يقول مالك بن عبادة الغافقي :
لم يواس النبي غير بني * هاشم عند السيوف يوم حنين
هرب الناس غير تسعة رهط * فهم يهتفون بالناس أين
ثم قاموا مع النبي على الموت * فآبوا زينا لنا غير شين
وثوى أيمن الأمين من القوم * شهيدا فاعتاض قرة عين
وقال العباس بن عبد المطلب في هذا المقام :
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة * وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا
وقولي إذا ما الفضل شد بسيفه * على القوم أخرى يا بني ليرجعوا
وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه * لما ناله في الله لا يتوجع
يعني به أيمن بن أم أيمن » .
وفي الروضة المختارة في شرح القصائد العلويات السبع لابن أبي الحديد / 107 :
« وأعجب إنساناً من القوم كثرةٌ * فلم يُغْنَ شيئاً ثم هرول مدبرا
وضاقت عليه الأرض من بعد رحبها * وللنص حكم لا يدافع بالمِرا
وليس بنكر في حنينٍ فراره * ففي أحدٍ قد فر خوفاً وخيبرا
رويدك إن المجد حلو لطاعمٍ * غريب فإن مارسته ذقت ممقرا
وما كل من رام المعالي تحملت * مناكبه منها الركام الكنهورا
تَنَحَّ عن العلياء يسحبُ ذيلَهَا * هُمام تردى بالعلى وتأزرا
فتى لم تُعَرِّقْ فيه تَيْمُ بن مرة * ولا عَبَدَ اللاتَ الخبيثة أعصرا
ولا كان معزولاً غداة براءة * ولا عن صلاة أمَّ فيها مؤخرا
ولا كان في بعث ابن زيد مؤمراً * عليه فأضحى لابن زيد مؤمرا
ولا كان يوم الغار يهفو جنانه * حذاراً ولا يوم العريش تسترا
إمام هدى بالقرص آثر فاقتضى * له القرص رد القرص أبيض أزهرا »
--------------------------- 100 ---------------------------
وفي منهاج الكرامة / 168 : « وفي غزاة حنين خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) متوجهاً إليهم في عشرة آلاف من المسلمين ، فعانهم ( أصابهم بالعين ) أبو بكر وقال : لن نغلب اليوم من كثرة ، فانهزموا ولم يبق مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) غير تسعة من بني هاشم ، وأيمن بن أم أيمن ، وكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بين يديه يضرب بالسيف ، وقتل من المشركين أربعين نفراً فانهزموا » .
أسئلة :
س 1 : روى بعض رواتكم أن أبا بكر وعمر لم يفرَّا في حنين ، فهل تستطيعون إثبات وجودهما إلى جانب النبي ( صلى الله عليه وآله ) عندما هرب الجميع ما عدا بني هاشم ؟
س 2 : هل توافق على نسبة عمر معصية الفرار إلى الله تعالى ؟ فقد روى بخاري : ( 4 / 57 ) : قال أبو قتادة : « فلحقت عمر بن الخطاب فقلت : ما بال الناس ؟ قال : أمر الله » !
س 3 : ما رأيكم في مناظرة المأمون مع فقهاء عصره ، قال : « وخبرني عن قوله تعالى فأنزل الله سكينته عليه على من ؟ قال إسحاق : فقلت على أبي بكر لأن النبي ( ص ) كان مستغنياً عن السكينة . قال : فخبرني عن قوله عز وجل : وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ . ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ . أتدري من المؤمنون الذين أراد الله تعالى في هذا الموضع ؟ قال : فقلت لا ، فقال : إن الناس انهزموا يوم حنين فلم يبق مع النبي إلا سبعة من بني هاشم . ، عنى بالمؤمنين في هذا الموضع علياً ومن حضر من بني هاشم ، فمن كان أفضل أمن كان مع النبي نزلت السكينة على النبي وعليه أم من كان في الغار مع النبي ( ص ) ولم يكن أهلاً لنزولها عليه ؟ ! » ( عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1 / 207 )
يشير إلى قوله تعالى : فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ . . ولم يقل : عليهما .
--------------------------- 101 ---------------------------

( م 194 ) اخترعوا مناقب لأبي بكر وعمر في تبوك !

لما توجه النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى تبوك واستخلف علياً ( عليه السلام ) على المدينة ، وقال له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي . رأى حساد علي ( عليه السلام ) أنه يجب أن يخترعوا لغيره فضائل توازيها ! ورأو أن الأمر أسهل في غزوة تبوك لأنه لم يكن فيها قتال ، فقالوا إن أبا بكر كان حامل لوائها ، وإن النبي ( صلى الله عليه وآله ) استخلفه للصلاة على الجيش وصلى خلفه وخلف ابن عوف . . وإنه وإنه !
ففي تاريخ دمشق ( 2 / 36 ) : « لما رحل رسول الله ( ص ) من ثنية الوداع إلى تبوك وعقد الألوية والرايات فدفع لواءه الأعظم إلى أبي بكر ورايته العظمى إلى الزبير ودفع راية الأوس إلى أسيد بن الحضير ولواء الخزرج إلى أبي دجانة » . والحلبية : 3 / 102 .
وفي السيرة الحلبية ( 2 / 136 ) : « وكان رسول الله ( ص ) يستخلف على عسكره أبا بكر الصديق يصلي بالناس » !
وفي مغازي الواقدي ( 2 / 1040 ) أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) نزل في جيشه بمكان غير مناسب فناموا عن صلاة الصبح ، فصلى بهم بعد طلوع الشمس : « فلما انصرف من الصلاة قال : أما إنهم لو أطاعوا أبا بكر وعمر لرشدوا ، وذلك أن أبا بكر وعمر أرادا أن ينزلا بالجيش على الماء » !
ورووا أن راية النبي ( صلى الله عليه وآله ) في تبوك كانت مع الزبير وبعثه النبي ( صلى الله عليه وآله ) في لأسر ملك دومة الجندل ، وسيأتي تكذيب زعمهم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) استخلفه على الصلاة أو صلى خلفه أو خلف غيره !
ولا يمكن تصديق زعمهم بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) نام عن صلاة الصبح فلم يستيقظ لا هو ولا أحد من جيشه الذي كان عدده ثلاثون ألفاً ، ولا أنه ( صلى الله عليه وآله ) أخطأ في اختيار
--------------------------- 102 ---------------------------
المكان وأصاب أبو بكر وعمر ، ولا أنه ( صلى الله عليه وآله ) أخطأ بأمره بذبح الجمال ، فنهاه عن ذلك أبو بكر وعمر ، وأمراه أن يجمع ما بقي من زاد المسلمين ويدعو ففعل !
وقد طبل بها بخاري في صحيحه ( 3 / 109 و : 4 / 13 ) وقال مسلم ( 1 / 42 ) : « لما كان غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة ، قالوا : يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا ، فقال رسول الله ( ص ) : افعلوا ! قال فجاء عمر فقال : يا رسول الله إن فعلت قلَّ الظهر ، ولكن أدعهم بفضل أزوادهم ثم ادع الله لهم عليها بالبركة ، لعل الله أن يجعل البركة في ذلك ؟ فقال رسول الله : نعم . قال فدعا بنطع فبسطه ثم دعا بفضل أزوادهم قال فجعل الرجل يجئ بكف ذرة ، قال ويجئ الآخر بكف تمر ، قال ويجئ الآخر بكسرة ، حتى اجتمع على النطع من ذلك شئ يسير قال فدعا رسول الله عليه بالبركة ثم قال : خذوا في أوعيتكم قال : فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأوه » ! راجع من هذا الكتاب : 2 / 269 .
س 1 : ألا ترون أن هذه الفضائل المزعومة بعضها يطعن في النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وبعضها لم يروها إلا واحد مع أنها كانت على ملأ كبير من المسلمين ، ولو صحت لكثر رواتها !

( م 195 ) هل يجوز تطبيق آيات الجهاد والقتال على أبي بكر وعمر ؟

قال المفيد ( رحمه الله ) في الافصاح / 151 ، ما خلاصته : « وقد تعلق هؤلاء بقوله تعالى : لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ . فزعموا بجهلهم أن هذه الآية دالة على أن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعداً وسعيداً وعبد الرحمن وأبا عبيدة بن الجراح من أهل الجنة على القطع ، إذ كانوا ممن أسلم
--------------------------- 103 ---------------------------
قبل الفتح وأنفقوا وقاتلوا الكفار ، وقد وعدهم الله الحسنى وهي الجنة وما فيها من الثواب .
فيقال لهم : أما قولكم إن أبا بكر وعمر قد أنفقا قبل الفتح فهذا ما لا حجة فيه بخبر صادق ولا كتاب ، وهو محل خلاف والبرهان على كذبه مشهود . وأما قولكم إنهما قاتلا الكفار فهذه مجمع على بطلانها غير مختلف في فسادها ، إذ لا ينسب إليهما قتل كافر معروف ، ولا جراحة مشرك موصوف ولا مبارزة قرن ولا منازلة كفؤ . وأما هزيمتهما من الزحف فهي أشهر وأظهر من أن يحتاج فيه إلى الاستشهاد ، وإذا خرج الرجلان من الصفات التي تعلق الوعد بمستحقها من جملة الناس ، فقد بطل ما بنيتم على كلامكم ، لأن الاعتبار بمجموع الأمرين يعني القتال والإنفاق ، ومعلوم أن أبا بكر لم يقاتل قبل الفتح ولا بعده ، وهذا القدر يخرجه من تناول الآية » .
وقال في الافصاح / 133 ، في قوله تعالى : أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ : « وهذا وصف لا يمكن أحداً دفع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن استحقاقه بظاهر ما كان عليه من شدته على الكافرين ، ونكايته في المشركين وغلظته على الفاسقين ، ومقاماته المشهورة في تشييد الملة ونصرة الدين ، ورأفته بالمؤمنين ، ورحمته للصالحين . ولا يمكن أحداً ادعاؤه لأبي بكر إلا بالعصبية ، أو الظن دون اليقين ، لأنه لم يعرف له قتيل في الإسلام ، ولا بارز قرناً ، ولم ير له موقف عني فيه بين يدي النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا نازل بطلاً ، ولا سفك بيده لأحد المشركين دماً ، ولا كان له فيهم جريح ، ولم يزل من قتالهم هارباً ، ومن حربهم ناكلاً . وكان على المؤمنين غليظاً ولم يكن بهم رحيماً . ألا ترى ما فعله بفاطمة سيدة نساء العالمين ( عليها السلام ) وما أدخله من الذل على ولدها » !
--------------------------- 104 ---------------------------
أسئلة :
س 1 : كيف تطبقون آيات الجهاد والقتال على أبي بكر أو عمر ، ولم يقاتلا أبداً ؟ !
س 2 : قال الله تعالى عن بدر : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ .
وقال بعدها عن الخندق : وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُولاً . فهل تعترفون باستحقاق أبي بكر وعمر هذه العقوبة ؟ !
س 3 : هل يصح وصف أبي بكر وعمر بأنهما أذلة على المؤمنين ، وقد أجبرا المؤمنين على بيعتهما ، وهددا علياً وفاطمة ( عليهما السلام ) بإحراق بيتهما إن لم يبايعا ؟ !
س 4 : من هم الملعونون الذين أخفوا أسماءهم رغم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعنهم أمام الناس : « وقد كان في حَرَّة فمشى ، فقال : إن الماء قليل فلا يسبقني إليه أحد ، فوجد قوماً قد سبقوه ، فلعنهم يومئذ » ( صحيح مسلم : 8 / 123 ) .

( م 196 ) ادعى ابن تيمية أن أبا بكر وعمر أشجع من علي ( عليه السلام ) ؟

جعل ابن تيمية أبا بكر وعمر أشجع من علي ( عليه السلام ) ! وأغمض كل عيونه عن فرارهما في أحد وخيبر وحنين وغيرها ! قال في منهاجه : 8 / 86 ، و 78 : « فمعلوم أن الجهاد منه ما يكون بالقتال باليد ومنه ما يكون بالحجة والبيان والدعوة . . . وأبو بكر وعمر مقدمان في أنواع الجهاد غير قتال البدن ! قال أبو محمد بن حزم : وجدناهم يحتجون بأن علياً كان أكثر الصحابة جهاداً وطعناً في الكفار وضرباً ، والجهاد أفضل الأعمال . قال : وهذا خطأ لأن الجهاد ينقسم أقساماً ثلاثة : أحدها الدعاء إلى الله تعالى باللسان ، والثاني الجهاد عند الحرب بالرأي والتدبير ،
--------------------------- 105 ---------------------------
والجهاد باليد في الطعن والضرب أقل مراتب الجهاد . . ! ثم قال ابن تيمية : « وإذا كانت الشجاعة المطلوبة من الأئمة بشجاعة القلب ، فلا ريب أن أبا بكر كان أشجع من عمر وعمر أشجع من عثمان وعلي وطلحة والزبير وهذا يعرفه من يعرف سيرهم وأخبارهم ، فإن أبا بكر باشر الأهوال التي كان يباشرها النبي من أول الإسلام إلى آخره ولم يجبن ولم يحرج ولم يفشل ، وكان يقدم على المخاوف يقي النبي ( ص ) بنفسه يجاهد المشركين تارة بيده وتارة بلسانه وتارة بماله ، وهو في ذلك كله مقدم ! وكان يوم بدر مع النبي ( ص ) في العريش مع علمه بأن العدو يقصدون مكان رسول الله ، وهو ثابت القلب ربيط الجأش يظاهر النبي ويعاونه . ولما قام النبي ( ص ) يدعو ربه ويستغيث ويقول : اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذا العصابة لا تعبد اللهم اللهم . . جعل أبو بكر يقول له : يا رسول الله هكذا مناشدتك ربك إنه سينجز لك ما وعدك ! وهذا يدل على كمال يقين الصديق وثقته بوعد الله وثباته وشجاعته » ! وكرره في مجموع فتاواه : 28 / 257 .
وقد ردَّ علماء الشيعة المعاصرون أكذوبة ابن تيمية وابن حزم ! راجع الغدير : 7 / 200 ، ومحاضرات في الإعتقادات : 1 / 324 ، ودراسات في منهاج السنة / 214 ، كلاهما للسيد الميلاني ، والصحيح من السيرة : 5 / 41 ، وقد شكك في وجود العريش .
أسئلة :
س 1 : هل توافقون ابن تيمية بأن الشجاعة في القلب والنية ، وليس في العمل ؟ !
س 2 : إذا صح قول ابن تيمية إن الشجاعة من صفات النية وقوة القلب ، فكيف عرف أن قلب الشيخين لثباتهما في العريش مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في بدر ، أقوى من قلب علي ( عليه السلام ) الذي غاص في وطيس العركة وجندل نصف عتاة قريش ؟ !
--------------------------- 106 ---------------------------

( م 197 ) ثروة أبي بكر الهائلة وشجاعة عمر الفائقة !

جعلوا لأبي بكر دوراً عظيماً في نصرة الإسلام في مكة ، فاخترعوا له ثروة عظيمة زعموا أنه أنفقها على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! فرووا عن ابنته أسماء وصححوه ( مسند أحمد : 6 / 350 ) : قالت : « لما خرج رسول الله وخرج معه أبو بكر ، احتمل أبو بكر ماله كله معه ، خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم ، قالت : وانطلق بها معه ، قالت : فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره ، فقال : والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه ! قالت قلت : كلا يا أبت إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً ، قالت فأخذت أحجاراً فتركتها فوضعتها في كوة لبيت كان أبي يضع فيها ماله ، ثم وضعت عليها ثوباً ثم أخذت بيده فقلت : يا أبت ضع يدك على هذا المال ! قالت : فوضع يده عليه فقال : لا بأس ، إن كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن ، وفي هذا لكم بلاغ . قالت : ولا والله ما ترك لنا شيئاً ولكني قد أردت أن أسكِّن الشيخ بذلك » ! والحاكم ( 3 / 5 ) وصححه والزوائد ( 6 / 59 ) واعتمده أئمتهم كالشاطبي ، فقال في الإعتصام ( 2 / 201 ) : « فإنه هاجر بجميع ماله وكان خمسة آلاف » .
أما عائشة فرفعت سقف ثرة أبيها وجعلتها ثروة خيالية ، حتى تحير فيها علماء السلطة ! قالت كما في سنن النسائي ( 5 / 358 ) : « فخرتُ بمال أبي في الجاهلية ، وكان قد ألف ألف أوقية ! فقال النبي ( ص ) : أسكتي يا عائشة فإني كنت لك كأبي زرع لأم زرع ! ثم أنشأ رسول الله ( ص ) يحدث أن إحدى عشرة امرأة اجتمعن في الجاهلية ، فتعاهدن لتخبرن كل امرأة بما في زوجها ولا تكذب . . . » .
فتحدثت كل منهن بمدح أو ذم ، وكانت آخرهم أم زرع فمدحته ، وذكرت أنه تزوج عليها ثم طلقها فتزوجت شاباً وأعطاها كثيراً ، لكنها بقيت تمدح أبا
--------------------------- 107 ---------------------------
زرع وتفضله عليه ، فقالت عائشة في آخر الحديث : « قلت : يا رسول الله بل أنت خير من أبي زرع » . وروته مصادرهم ووثقه علماؤهم أو صححوه ، كتهذيب الكمال : 23 / 392 ، وميزان الإعتدال : 3 / 375 ، ومجمع الزوائد : 4 / 317 ، وأمثال الحديث للرامهرمزي / 131 ، وفتح الباري : 9 / 222 ، وتاريخ بخاري الكبير : 1 / 224 ، وتهذيب الكمال : 21 / 416 ، وتهذيب التهذيب : 8 / 325 ، وسنة ا بن أبي عاصم / 225 وإعانة الطالبين : 4 / 199 / والطبراني الكبير : 23 / 174 .
وتبلغ الأوقية في ذلك الوقت أربعين درهماً ، وفي زمن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ألف درهم ( الأوزان والمقادير / 16 ) . فتكون ثروة أبي بكر حسب قول عائشة ألف مليون درهم ، وهو أمرٌ غير معقول ! ولهذا اضطر الذهبي رغم تعصبه المفرط أن يجعل المبلغ ألف أوقية ، بدل مليون أوقية !
قال في سيره ( 2 / 185 ) : « وأعتقد لفظة ألف الواحدة باطلة ، فإنه يكون أربعين ألف درهم ، وفي ذلك مفخر لرجل تاجر ، وقد أنفق ماله في ذات الله ، ولما هاجر كان قد بقي معه ستة آلاف درهم ، فأخذها صحبته . أما ألف ألف أوقية ، فلا تجتمع إلا لسلطان كبير » .
لكن لا تصح دعوى الذهبي بأن الألف الأولى زائدة ، لأن علماءهم تلقوا الخبر وصححوه برواية : ألف ألف أوقية !
كما لا يصح ما افترضه الذهبي من عنده أن أبا بكر أنفق المليون درهم على النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مكة ، لأن ذلك لم يظهر ولم يروه أحد حتى في صاع حنطة أوصله إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في سنوات حصارهم ! ولا بدراهم يسيرة أعطاها لمستضعف من المسلمين ، إلا ما زعموه من شرائه لبلال ، ولم يثبت ، أما ما زعموه من إنفاقه على ابن خالته مسطح فقد كان يعمل معه .
--------------------------- 108 ---------------------------
قال الأميني ( رحمه الله ) في الغدير ( 8 / 50 ) : « ونضدت له ( عائشة ) ثلاثمأة وستين كرسياً في داره ، وأسدلت على كل كرسي حلة بألف دينار ، كما سمعته عن الشيخ محمد زين العابدين البكري ، وأنت تعلم ما يستتبع هذا التجمل من لوازم وآثار وأثاث ورياش ، ومناضد وأواني وفرش ، لا تقصر عنها في القيمة ! وما يلزم من خدم وحشم ، وقصور شاهقة وغرف مشيدة ، وما يلازم هذه البسطة في المال من خيل وركاب وأغنام ومواش وضيع وعقار ، إلى غيرها من توابع !
من أي حرفة أو مهنة أو صنعة أو ضياع حصل الرجل على مليون أوقية من النقود ؟ وكان يومئذ يوم فاقة لقريش ، وكانوا كما وصفتهم الصديقة الطاهرة في خطبتها مخاطبة أبا بكر والقوم معه : كنتم تشربون الطَّرَق ، وتقتالون الوَرق ، أذلة خاسئين ، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله برسوله ( صلى الله عليه وآله ) » !
وقال العلامة الحلي ( رحمه الله ) في منهاج الكرامة / 187 :
« وأما إنفاقه على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فكذب ، لأنه لم يكن ذا مال ، فإن أباه كان فقيراً في الغاية ، وكان ينادي على مائدة عبد الله بن جدعان بمُدٍّ في كل يوم يقتات به ! فلو كان أبو بكر غنياً لكفى أباه ! وكان معلماً للصبيان في الجاهلية ، وصار في الإسلام خياطاً ، ولما ولي أمر المسلمين منعه الناس من الخياطة فقال : إني أحتاج إلى القوت ، فجعلوا له في كل يوم ثلاثة دراهم من بيت المال ! والنبي ( صلى الله عليه وآله ) كان قبل الهجرة غنياً بمال خديجة ( عليها السلام ) ولم يحتج إلى الحرب وتجهيز الجيوش ، وبعد الهجرة لم يكن لأبي بكر شئ البتة » .
وعندما صار أبو بكر خليفة قال : « إن حرفتي لم تكن لتعجز عن مؤونة أهلي ، وقد شغلت بأمر المسلمين ، وسأحترف للمسلمين في مالهم ، وسيأكل آل أبي بكر
--------------------------- 109 ---------------------------
من هذا المال » ( الطبقات : 3 / 184 ) فجعل له الصحابة كل يوم درهمين ونصف شاة . ( المغني : 11 / 377 ، وفتح الباري : 4 / 258 ) .
ثم جعلوا له ألفي درهم في السنة : « فقال : زيدوني فإن لي عيالاً وقد شغلتموني عن التجارة ، فزادوه خمسمائة . وكان يقيم يوم الجمعة في صدر النهار بالسنح يصبغ رأسه ولحيته ، ثم يروح لقدر الجمعة فيجمع بالناس . وكان رجلاً تاجراً فكان يغدو كل يوم السوق فيبيع ويبتاع ، وكانت له قطعة غنم تروح عليه ، وربما خرج هو نفسه فيها » ! ( الطبقات : 3 / 184 ) راجع الصحيح من السيرة : 4 / 56 و 96 .
أسئلة :
س 1 : هل تقبلون أن ثروة أبي بكر كانت ألف ألف أوقية ذهب ، أم تحذفون صفراً من رواية عائشة كما فعل الذهبي ؟ وهل عندكم نص على إنفاق أبي بكر في مكة ؟ !
س 2 : كيف تصدقون عائشة أن أباها كان مليونرياً في مكة ، وغنياً عندما هاجر ، وقد رويتم في صحيح مسلم ( 6 / 117 ) : « بينا أبو بكر قاعد وعمر معه إذ أتاهما رسول الله ( ص ) فقال : ما أقعدكما هاهنا ؟ قالا : أخرجنا الجوع من بيوتنا »
وفي الترغيب والترهيب : 3 / 148 : « فانطلقوا حتى أتوا باب أبي أيوب الأنصاري فأطعمهم » ! وقال الرازي في تفسيره : ( 4 / 169 ) : « وأما الجوع فقد أصابهم في أول مهاجرة النبي ( ص ) إلى المدينة لقلة أموالهم » .
س 3 : هل يمكنكم إثبات شجاعة عمر في مكة ، وأين كان وماذا فعل في أوقات الشدة التي مرت على النبي ( صلى الله عليه وآله ) : عندما أصر المشركون على أن يقتلوه ، وعندما حاصروه في الشعب ، وعندما كان يتخفى بعد وفاة أبي طالب ، وعندما ذهب إلى الطائف ، وعندما هاجر من مكة خائفاً يترقب فوجد أبا بكر فأخذه معه ؟ !
--------------------------- 110 ---------------------------

( م 198 ) اخترعوا لعمر أنه كان سفير قريش إلى العالم !

أما عمر فقد اعترف أنه كان فقيراً مدقعاً ، يرعى بعير أبيه ولا يعطيه قوته !
فقد قال كما في تاريخ المدينة لعمر بن شبة : 2 / 655 : « لقد رأيتني وإني لأرعى على الخطاب في هذا المكان ، وكان والله ما علمت فظاً غليظاً . وأنا في إبل للخطاب أحتطب عليها مرة وأختبط عليها أخرى » ! أي آتي بالخَبْط وهو ورق الشجر .
وفي كنز العمال : 4 / 589 : « أخذ عمر يحدث عن نفسه فقال : لقد رأيتني وأختاً لي نرعى على أبوينا ناضحنا قد ألبستنا أمنا نقبتها ، وزودتنا من الهينة ، فنخرج بناضحنا فإذا طلعت الشمس ألقيت النقبة إلى أختي ، وخرجت أسعى عرياناً ، فنرجع إلى أمنا وقد جعلت لنا لفيتة من ذلك الهبيد ، فيا خصباه » !
أي صنعت لهم طعاماً عصيدة من حب الحنظل على شكل هينة ، وهي الزنمة المدلاة تحت فم الماعز كالأصابع ( الفائق : 3 / 405 ، وشرح النهج : 12 / 20 ) .
وعندما كبر عمر صار مبرطشاً . والمبرطش كما في النهاية لابن الأثير : 1 / 119 : « الدلال أو الساعي بين البائع والمشتري ، وورد في الحديث كان عمر في الجاهلية مبرطشاً أي كان يكتري للناس الإبل والحمير ويأخذ عليه جعلاً . أو هو بالسين المهملة كما ذهب إليه ابن دريد » . وتاج العروس : 9 / 58 ، ولسان العرب : 6 / 26 .
وقال المفيد ( رحمه الله ) في الإفصاح / 229 ، ما خلاصته : « لو كان للرجلين فضل حسب ما ادعيتموه لوجب أن تأتي به الأخبار وترويه نقلة السير والآثار ، بل وجب أن يظهر على حد يوجب علم اليقين ، لأن جميع الدواعي إلى انتشار فضائل الرجلين متوفرة ! ألا ترى أنهما كانا أميري الناس ، وكان المُظهر لولايتهما من زمانهما إلى هذه الحال هو الظاهر على عدوه ، والمظهر لعداوتهما مهدور الدم أو خائفاً
--------------------------- 111 ---------------------------
مطروداً عن البلاد ! حتى صار القتل مسنوناً لمن أظهر ولاية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وإن كان مظهراً لمحبة أبي بكر وعمر ! ومن تبرأ من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حكموا له باعتقاد السنة ، وولاية أبي بكر وعمر وعثمان ، ونال القضاء والشهادات والإمارات ، وقربت منازلهم من خلفاء بني أمية وبني العباس بالعصبيه لهؤلاء والدعاء إلى إمامتهم ، والتخرص بما يضيفونه إليهم من الفضل الذي يخالف القرآن وتنفيه بالسنة ، ويستحيل في العقول » !
أسئلة :
1 : كيف يكون شخصية اجتماعية ، وسفير قريش في الجاهلية ، كما زعموا ، وهذه النصوص الثابتة تدل على فقره في نشأته وشبابه ، وأن شغله كان دلال حمير ؟ !
2 : لماذا لا يوجد أي نص عن دور أبي بكر وعمر في الشدائد التي مرت على النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مكة ؟ ! فقد زعمتم أنهما كانا مسلمين ، لكن السيرة والتاريخ لم يرويا شيئاً من نصرتهما للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بفعل ولا قول ، ولا بصاع حنطة في سنوات المحاصرة ؟ !

( م 199 ) موقف أبي بكر وعمر من بيعة الغدير

اشتهرت تهنئة عمر لعلي ( عليه السلام ) يوم الغدير بقوله : « بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم »
ورووا أن أبا بكر كان مع عمر وقال نفس الكلام ! ففي شرح إحقاق الحق ( 2 / 473 ) عن كتاب حبيب السير ( 3 / 144 ) : « ثم جلس أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) في خيمة مخصوصة تزوره الناس ويهنئونه وفهيم أبو بكر وعمر فقال عمر : بخ بخ لك يا
--------------------------- 112 ---------------------------
ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ثم أمر أمهات المؤمنين أن يدخلن عليه ويهنئنه » .
وفي نفحات الأزهار ( 6 / 13 ) : « وطفق القوم يهنئون أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعد خطبة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويبايعونه بالإمامة ، وقد كان في مقدمهم الشيخان أبو بكر وعمر ، كل يقول : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة » !
وروى الموفق الخوارزمي في المناقب / 88 ، موقفاً مشابهاً لأبي بكر ، عن الحارث الهمداني قال : « بلغنا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان في جمع من أصحابه فقال : يأتيكم آدم في علمه ونوحاً في فهمه وإبراهيم في حكمته ، فلم يكن بأسرع من أن طلع علي ! فقال أبو بكر : يا رسول الله أقست رجلاً بثلاثة من الرسل ؟ بخ بخ لهذا الرجل ، من هو يا رسول الله ؟ قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ألا تعرفه يا أبا بكر ؟ قال : الله ورسوله أعلم ، قال : أبو الحسن علي بن أبي طالب ، فقال أبو بكر : بخ بخ لك يا أبا الحسن وأين مثلك يا أبا الحسن » .
أسئلة :
س 1 : ما رأيكم في قول الغزالي في كتابه سر العالمين : « لكن أسفرت الحجة وجهها وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خم باتفاق الجميع وهو يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه . فقال عمر : بخ بخ يا أبا الحسن ، لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، فهذا تسليم ورضى وتحكيم ! ثم بعد هذا غلب الهوى بحب الرياسة ، وحمل عمود الخلافة ، وعقد البنود وخفقان الهوى ، في قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول ، وفتح الأمصار ، وسقاهم كأس الهوى ، فعادوا إلى الخلاف الأول : فنبذوه وراء ظهورهم ، واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون » !
--------------------------- 113 ---------------------------
س 1 : ماذا تصنعون بحديث أبي هريرة الصحيح المتقدم ، الذي لا يستطيع أحد الطعن في سنده ؟ وماذا يترتب على اعترافكم بالغدير وآيته وتهنئة أبي بكر وعمر لعلي ( عليه السلام ) ؟ ! وسيأتي أن عمر اعترف بعيد الغدير ، وزعم أنه اصطدم بعيد آخر !

( م 200 ) حفلة خمر شارك فيها الشيخان قبيل وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) !

نسف رواة السلطة كل ما بنوه من مناقب لأبي بكر وعمر ، فرووا أنهما شربا الخمر وغنيا بشعر ينوح على قتلى المشركين في بدر ، فجاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) غاضباً وبيده سعفة أو مكنسة ، ليضربهما بها !
وتتفاجأ بأن الحديث صحيح عندهم ، فقد رواه تمام الرازي المتوفى 414 ، في كتابه الفوائد : 2 / 228 ، برقم : 1593 ، وفي طبعة : 3 / 481 : « بسنده صحيح عن أبي القموص قال : « شرب أبو بكر الخمر قبل أن تحرم فأخذت فيه ، فأنشأ يقول :
تَحَيَّيْ بالسلامة أمَّ بكرٍ * وهل لك بعد رهطك من سلامِ
ذريني أصطبح يا بكر أني * رأيت الموت نقَّبَ عن هشام
فودَّ بنو المغيرة أن فدوْهُ * بألف من رجال أو سوام
فكائن بالطويِّ طويِّ بدر * من القينات والخيل الكرام
فكائن بالطويِّ طويِّ بدر * من الشيزى تُكلل بالسنام
فبلغ ذلك النبي ( ص ) فقام معه جريدة يجر إزاره حتى دخل عليه ، فلما نظر إليه قال : أعوذ من سخط الله ومن سخط رسوله ، والله لا يلج لي رأساً أبداً ! فذهب عن رسول الله ما كان فيه وخرج ونزل عليه : فَهَلْ أنتمْ مُنْتَهُون ؟ ! فقال عمر : انتهينا والله » .
--------------------------- 114 ---------------------------
أقول : معنى قوله : « فبلغ ذلك النبي ( ص ) فقام معه جريدة يجر إزاره » أنه ( صلى الله عليه وآله ) خرج غاضباً مسرعاً ولم يسو رداءه ، وبيده سعفة ليضرب بها وجوههم ، وقد تكون مكنسة !
ورواه الثعلبي في تفسيره : 2 / 142 ، دون أن يسميهما قال : « وكان قوم يشربونها ويجلسون في بيوتهم ، وكانوا يتركونها أوقات الصلاة ويشربونها في غير حين الصلاة ، إلى أن شربها رجل من المسلمين فجعل ينوح على قتلى بدر ، ويقول . . . فبلغ ذلك رسول الله فخرج مسرعاً يجر رداءه حتى انتهى إليه ، ورفع شيئاً كان بيده ( سعفة أو خشبة أو مكنسة ) ليضربه ، فلما عاينه الرجل قال : أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسول الله والله لا أطعمها أبداً » .
ورواها ابن هشام : 2 / 549 ، بتفصيل ، وفيها أبيات أبي بكر في إنكار الآخرة قال :
« يخبرنا الرسول بأن سنحيا * وكيف حياة أصداءٍ وهامِ » !
وفي الصحيح من السيرة : 5 / 301 :
أيوعدني ابن كبشة أن سنحيا * وكيف حياة أصداء وهام
أيعجز أن يرد الموت عني * وينشرني إذا بليت عظامي
ألا من مبلغ الرحمان عني * بأني تارك شهر الصيام
فقل لله يمنعني شرابي * وقل لله يمنعني طعامي »
ورواه ابن حجر في الإصابة : 7 / 39 ، عن الفاكهي في كتاب مكة ، أن الرجل كان أبا بكر ! وفيه : « شرب أبو بكر الخمر فأنشأ يقول : فذكر الأبيات فبلغ ذلك رسول الله ( ص ) فقام يجر إزاره حتى دخل فتلقاه عمر وكان مع أبي بكر ، فلما نظر إلى وجهه محمراً قال : نعوذ بالله من غضب رسول الله ! والله لا يلج لنا رأسا أبداً ! فكان أول من حرمها على نفسه ! واعتمد نفطويه على هذه الرواية فقال : شرب أبو بكر الخمر قبل أن تحرم ، ورثى قتلى بدر من المشركين » !
--------------------------- 115 ---------------------------
وذكر ابن حجر في فتح الباري : 10 / 31 ، أن تلك الجلسة كانت حفلة خمر في بيت أبي طلحة ، وكانوا عشرة صحابة أو أكثر ، وكان ساقيهم أنس بن مالك !
ثم قال : « ولأحمد عن يحيى القطان عن حميد عن أنس : كنت أسقي أبا عبيدة وأبي بن كعب وسهيل بن بيضاء ، ونفراً من الصحابة عند أبي طلحة . ووقع عند عبد الرزاق عن معمر بن ثابت وقتادة وغيرهما عن أنس ، أن القوم كانوا أحد عشر رجلاً ، وقد حصل من الطرق التي أوردتها تسمية سبعة منهم ، وأبهمهم في رواية سليمان التيمي عن أنس . . . ومن المستغربات ما أورده ابن مردويه في تفسيره من طريق عيسى بن طهمان عن أنس ، أن أبا بكر وعمر كانا فيهم ! وهو منكر ، مع نظافة سنده ، وما أظنه إلا غلطاً » !
يقصد ابن حجر أن حديث شرب أبي بكر وعمر للخمر صحيح السند ، لكن معناه مستنكر ! مع أنه إذا صح سند الحديث فلا قيمة لاستغراب معناه !
والأدهى من ذلك أن القصة كانت عند نزول سورة المائدة ، أي قبل وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بشهر أو شهرين ! لأن آية : فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ( المائدة : 91 ) من سورة المائدة وهي آخر سورة نزلت من القرآن ، قبيل وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
وقد انتشرت القصة بين المسلمين وأن القصيدة كانت من نظم أبي بكر ! فاهتمت عائشة بنفي نظمه لها ، لكنها لم تنف مشاركته في الحفلة وإنشاده لها !
فقد روى بخاري في صحيحه : 4 / 263 ، دفاعها فقال : « عن عائشة أن أبا بكر تزوج امرأة من كلب يقال لها أم بكر ، فلما هاجر أبو بكر طلقها فتزوجها ابن عمها هذا الشاعر ، الذي قال هذه القصيدة ورثى كفار قريش :
--------------------------- 116 ---------------------------
وماذا بالقليب قليب بدر * من الشيزى تزين بالسنام
وماذا بالقليب قليب بدر * من القينات والشرب الكرام
تحييْ بالسلامة أم بكر * وهل لي بعد قومي من سلام
يحدثنا الرسول بأن سنحيا * وكيف حياة أصداء وهام »
لكن عائشة لم تحل المشكلة ، لأنهما نفت أن أباها نظم القصيدة ولم تنف إنشاده لها ! وكأن المهم عندها نفي نظمها ، لأنها تثبت كفر ناظمها بإنكاره النبوة والآخرة ! أما إنشادها فهو أقل مصيبةً !
فقد روى ابن حجر في الإصابة : 7 / 39 ، أنها كانت غاضبة لأن الناس يومها لم يصدقوها ! « كانت تدعو على من يقول إن أبا بكر الصديق قال هذه القصيدة ثم تقول : والله ما قال أبو بكر بيت شعر في الجاهلية ولا في الإسلام ولكن تزوج امرأة من بني كنانة ثم بني عوف فلما هاجر طلقها فتزوجها ابن عمها هذا الشاعر ، فقال هذه القصيدة يرثي كفار قريش الذين قتلوا ببدر ، فتحامى الناس أبا بكر من أجل المرأة التي طلقها وإنما هو أبو بكر بن شعوب » .
تقصد عائشة أن أم بكر المخاطبة بالقصيدة هي زوجة أبيها لكنه طلقها عندما هاجر ، وتزوجها ابن شعوب ، وتسمى بأبي بكر من أجلها ، وهو الذي نظم القصيدة ! راجع في الموضوع : أمالي الطوسي / 737 ، ورواها بسبعة أبيات ، وابن هشام : 2 / 549 ، رواها بتسعة أبيات ، والغدير : 6 / 251 ، و 7 / 96 و : 7 / 95 ، وفتح الباري : 10 / 30 ، وقد توسع في الموضوع ودافع بما يستطيع ، لكن كلامه يشي بتعجبه وتحيره ، وسيرة ابن كثير : 2 / 535 ، ومستدرك الوسائل : 17 / 83 ، والسقيفة أم الفتن / 74 ، وفيض القدير : 1 / 117 ، والإصابة : 7 / 38 ، والصحيح من السيرة : 5 / 301 و 304 ، والزوائد : 5 / 51 ، والهداية الكبرى / 106 ، وأمالي المرتضى : 2 / 18 ، والنص والاجتهاد / 311 ، وأحاديث الشعر للمقدسي / 57 ، والنهاية : 3 / 412 ، والثعلبي : 2 / 142 ، والإصابة : 7 / 38 .
أسئلة :
س 1 : ما تقولون في حفلة الخمر المذكورة ، وحديثها صحيح لا يمكن رده ؟ !
--------------------------- 117 ---------------------------
س 2 : ذكرنا أن الحديث يدل على أن هذه الحفلة كانت قبيل وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بشهر أو نحوه فكيف تفسرون أنهم لم يتركوا الخمر بعد صحبتهم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) تلك المدة الطويلة وهل ترون أنهم تركوها في الشهر الأخير من حياته ( صلى الله عليه وآله ) ، أم واصلوا شربها سراً ؟ !
س 3 : هل تعرفون شيئاً عن أم بكر ، وهل رزق منها أبو بكر أولاداً ، وما سبب طلاقه لها ، فإن القصيدة تدل على أنه كان يحبها ويشرب معها ؟ !

( م 201 ) أكذوبة أن الله تعالى اختار لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) صحابته !

قال ابن راهويه في مسنده : 1 / 26 : « روى أحمد بسند صحيح ( 3 / 134 ) عن قتادة قال : أحق من صدقتم أصحاب رسول الله ( ص ) الذين اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه » والسنة لابن أبي عاصم / 394 ، وجامع بيان العلم : 2 / 97 ، عن البصري ، وتفسير البغوي : 2 / 453 ، عن ابن عباس
فهو من أقوال التابعين في العهد الأموي ، وأكاذيب السلطة بأن الله تعالى اختار أبا بكر وعمر لصحبة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فمن لا يقبل خلافتهما يرد اختيار الله تعالى !
وهذا يخالف القرآن الذي يقول في أصحاب الرسل : تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ . . وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ . ( البقرة : 253 ) .
بل يخالف بدائه الأمور التي تقضي بأن الله تعالى أمر الأنبياء ( عليهم السلام ) أن يدعوا الناس إلى دينه فاستجاب لهم جماعة فيهم المؤمنون المخلصون وفيهم المنافقون . وقد اشتهر أمر يهوذا الإسخريوطي الذي كفر وخان المسيح ( عليه السلام ) ! فلو كان الله تعالى اختاره لصحبة عيسى ( عليه السلام ) لما كفر !
--------------------------- 118 ---------------------------
بل يخالف ما روته صحاحهم عن الصحابة الذين يدخلون النار لأنهم ينقلبون بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويرتدون على أعقابهم القهقرى ! فلو كانوا مختارين من الله تعالى لصحبة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما دخلوا النار !
أسئلة :
س 1 - هل توافقون على الجبرية التي تبنتها السلطة للدفاع عن الخليفة ، وأن الله قد آتاه الملك ، فيجب الرضا بقدر الله تعالى ، واستعملتها للدفاع عن الفارين في الحرب وأن الفرار أمر الله تعالى فيجب عدم لوم من ارتكبه ، كما قال عمر في حنين !
واستعملوها للدفاع عن الصحابة وأن الله اختارهم لصحبة رسوله ( صلى الله عليه وآله ) فيجب الحكم بأنهم عدول ، لأنهم مختارون من الله تعالى ؟ ! واستعملوها للدفاع عن نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأن الله اختارهن لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) فيجب الحكم بأنهن من أهل الجنة ؟ !
س 2 - هل يصح لأي مجرم أن ينسب معصيته إلى الله تعالى ؟ أو لقاتل أن يقول للقاضي : إنه برئ لأن قتله لمسلم هو أمر الله تعالى وقدره وقضاؤه ، فيحرم معاقبته ؟ وهل يصح عندكم نسبة معاصي الناس إلى الله تعالى ؟ !

( م 202 ) زعموا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان محتاجاً إلى رأي أبي بكر وعمر !

« أتاني جبريل فقال : إن الله أمرك أن تستشير أبا بكر ، ونزل فيه وفي عمر : وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر ، فكان أبو بكر بمنزلة الوزير من رسول الله » . ( تاريخ دمشق : 30 / 129 ، والسيرة الحلبية : 1 / 442 ) .
« عن معاذ بن جبل أن رسول الله ( ص ) لما أراد أن يسرح معاذاً إلى اليمن استشار ناساً من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وأسيد بن حضير فاستشارهم فقال أبو بكر : لولا أنك استشرتنا ما تكلمنا ، فقال إني فيما لم
--------------------------- 119 ---------------------------
يوح إليَّ كأحدكم ! قال فتكلم القوم ، فتكلم كل إنسان برأيه ، فقال ما ترى يا معاذ ؟ قال : أرى ما قال أبو بكر ، فقال رسول الله ( ص ) : إن الله عز وجل يكره فوق سمائه أن يخطئ أبو بكر » . ( كبير الطبراني : 20 / 67 ، والزوائد : 1 / 178 ) .
أقول : هذا من افتراءاتهم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليقولوا إنه كان يعمل بظنه ويخطئ ، ويبرروا مخالفتهم له ، وليبرروا عمل خلفائهم بالظن وأخطائهم !
وقد رد ذلك علماؤنا كما في الفصول المختارة : 2 / 31 : « ومن كلام الشيخ أدام الله عزه أيضاً ( يقصد المفيد ( قدس سره ) ) : حضر في دار الشريف أبي عبد الله محمد بن محمد بن طاهر ( رحمه الله ) وحضر رجل من المتفقهة يعرف بالورثاني وهو من فقهائهم فقال له الورثاني : أليس من مذهبك أن رسول الله ( ص ) كان معصوماً من الخطأ مبرأ من الزلل ، مأموناً عليه من السهو والغلط ، كاملاً بنفسه ، غنياً عن رعيته ؟
فقال له الشيخ أيده الله : بلى ، كذلك كان ( صلى الله عليه وآله ) . قال له : فما تصنع في قول الله جل جلاله : وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ، أليس قد أمره الله بالاستعانة بهم في الرأي ، وأفقره إليهم ، فكيف يصح لك ما ادعيت مع ظاهر القرآن وما فعله النبي ( ص ) ؟ !
فقال له الشيخ أدام الله عزه : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يشاور أصحابه لفقر منه إلى آرائهم ولحاجة دعته إلى مشورتهم من حيث ظننت وتوهمت ، بل لأمر آخر أنا أذكره لك بعد الإيضاح عما أخبرتك به ، وذلك أنا قد علمنا أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان معصوماً من الكبائر والصغائر وإن خالفت أنت في عصمته من الصغائر ، وكان أكمل الخلق باتفاق أهل الملة ، وأحسنهم رأياً وأوفرهم عقلاً وأكملهم تدبيراً ، وكانت المواد بينه وبين الله سبحانه متصلة ، والملائكة تتواتر عليه بالتوفيق من الله عز وجل والتهذيب ، والإنباء له عن المصالح ، وإذا كان بهذه الصفات لم يصح أن يدعوه داع إلى اقتباس الرأي من رعيته ، لأنه ليس أحد منهم إلا وهو دونه في سائر ما عددناه ، وإنما يستشير الحكيم غيره على طريق الاستفادة والاستعانة برأيه ، إذا تيقن أنه أحسن رأياً منه وأجود تدبيراً وأكمل عقلاً ، أو ظن ذلك ، فأما إذا أحاط علماً بأنه دونه فيما وصفناه ، لم يكن للاستعانة في تدبيره برأيه معنى لأن الكامل لا يفتقر إلى
--------------------------- 120 ---------------------------
الناقص فيما يحتاج فيه إلى الكمال ، كما لا يفتقر العالم إلى الجاهل فيما يحتاج فيه إلى العلم . والآية بينة يدل متضمنها على ذلك . ألا ترى إلى قوله تعالى : وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ، فعلق وقوع الفعل بعزمه دون رأيهم ومشورتهم ، ولو كان إنما أمره بمشورتهم للاستعانة برأيهم لقال له : فإذا أشاروا عليك فاعمل وإذا اجتمع رأيهم على شئ فامضه ، فكان تعلق فعله بالمشورة دون العزم الذي يختص به ، فإذا جاء الذكر بما تلوناه سقط ما توهمته !
فأما وجه دعائهم إلى المشورة عليه ( صلى الله عليه وآله ) ، فإن الله أمره أن يتألفهم بمشورتهم ويعلمهم بما يصنعونه عند عزماتهم ، ليتأدبوا بآداب الله عز وجل ، فاستشارهم لذلك لا للحاجة إلى آرائهم . على أن هاهنا وجهاً آخر بيناً وهو أن الله سبحانه أعلمه أن في أمته من يبتغي له الغوائل ويتربص به الدوائر ويسر خلافه ويبطن مقته ويسعى في هدم أمره ويناقضه في دينه ولم يعرفه بأعيانهم ولا دله عليهم بأسمائهم ، فقال عز اسمه : ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم . وقال جل اسمه : وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون . وقال تبارك اسمه : يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا منهم فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين . وقال : ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون وقال عز من قائل : وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ، وقال جل جلاله : وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلَوةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ . ثم قال سبحانه بعد أن أنبأه عنهم في الجملة : وَلَوْ نَشَاءُ لأرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ، فدله عليهم بمقالهم وجعل الطريق إلى معرفتهم ما يظهر من نفاقهم في لحن قولهم ، ثم أمره بمشورتهم ليصل بما يظهر منهم إلى علم باطنهم ، فإن الناصح تبدو نصيحته في مشورته ، والغاش المنافق يظهر ذلك في مقاله ، فاستشارهم ( صلى الله عليه وآله ) لذلك ، ولأن الله جل جلاله جعل مشورتهم الطريق إلى معرفتهم ! ألا ترى أنهم لما أشاروا ببدر عليه في الأسرى فصدرت مشورتهم عن نيات
--------------------------- 121 ---------------------------
مشوبة في نصيحته ، كشف الله تعالى ذلك له وذمهم عليه وأبان عن إدغالهم فيه فقال جل وتعالى : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . فوجه التوبيخ إليهم والتعنيف على رأيهم وأبان لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) عن حالهم فيعلم أن المشورة لهم لم تكن للفقر إلى آرائهم وإنما كانت لما ذكرناه .
فقال شيخ من القوم يعرف بالجراحي وكان حاضراً : يا سبحان الله أترى أن أبا بكر وعمر كانا من أهل النفاق ؟ كلا ما نظن أنك أيدك الله تطلق هذا وما رأينا أن النبي ( ص ) استشار ببدر غيرهما ، فإن كانا هما من المنافقين فهذا ما لا نصبر عليه ولا نقوى على استماعه ، وإن لم يكونا من جملة أهل النفاق فاعتمد على الوجه الأول ، وهو أن النبي ( ص ) أراد أن يتألفهم بالمشورة ويعلمهم كيف يصنعون في أمورهم .
فقال له الشيخ أدام الله عزه : ليس هذا من الحجاج أيها الشيخ في شئ ، وإنما هو استكبار واستعظام ، معدول به عن الحجة والبرهان ، ولم نذكر إنساناً بعينه وإنما أتينا بمجمل من القول ، ففصله الشيخ وكان غنياً عن تفصيله . فصاح الورثاني وأعلى صوته بالصياح يقول : الصحابة أجل قدراً من أن يكونوا من أهل النفاق وسيما الصديق والفاروق ! وأخذ في كلام نحو هذا من كلام السوقة والعامة وأهل الشغب والفتن ! فقال له الشيخ أدام الله عزه : دع عنك الضجيج وتخلص مما أوردته عليك من البرهان ، واحتل لنفسك وللقوم ، فقد بان الحق وزهق الباطل بأهون سعي ، والحمد لله » !
أسئلة :
س 1 : هل تقبلون الروايات التي تزعم أن الله تعالى أوجب على النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يستشير أبا بكر وعمر ، فهما شريكان في نبوته بمعنى من المعاني ؟ !
س 2 : هل كان مستوى فكر أبي بكر وعمر وعقلهما أعلى من فكر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعقله ، أو مساوياً له ، أو قريباً منه ، وهل هو محتاج إلى مشورتهما ؟ !
--------------------------- 122 ---------------------------
س 3 : هل تقبلون الروايات التي تذكر أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخطأ وأصاب الشيخان ، أو انه لم يعرف أمراً وعرفاه ، أو نزل الوحي مخطِّئاً للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ومؤيداً لرأي أبي بكر أو عمر ؟ ! أليس ذلك تنقيصاً للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وتفضيلاً لأبي بكر وعمر عليه ؟ !

( م 203 ) هل كان أبو بكر وعمر في مؤامرة العقبة ؟

روت مصادر الجميع حصول هذه المؤامرة ، وتُعرف بليلة العقبة ، ويُعرف منفذوها بأصحاب العقبة ! لكنهم اتفقوا على إخفاء أسماء ( أبطالها ) !
روى مسلم في صحيحه : 8 / 123 ، عن أبي الطفيل قال : « كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس ، فقال : أنشدك بالله كم كان أصحاب العقبة ؟ قال فقال له القوم : أخبره إذْ سألك ! قال : كنا نُخبر أنهم أربعة عشر ، فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر ! وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حربٌ لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ! وعَذَرَ ثلاثة قالوا : ما سمعناه منادي رسول الله ( ص ) ولا علمنا بما أراد القوم ! وقد كان في حَرَّة فمشى فقال : إن الماء قليل فلا يسبقني إليه أحد ، فوجد قوماً قد سبقوه فلعنهم يومئذ » .
وتدل هذه الرواية الرسمية على أن المتآمرين كانوا بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بين المسلمين وكان حذيفة يعرفهم وكذا عمار ، وكذا أهل البيت ( عليهم السلام ) ! وقد أبهمت الرواية الموضوع ، وذكرت أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عَذَر ثلاثة منهم غير الأربعة عشر ، لأنهم قالوا إنهم كانوا في محل الجريمة صدفةً ، ولم يكونوا مع المتآمرين ، حيث لم يسمعوا منادي النبي ( صلى الله عليه وآله ) يطلب من المسلمين أن يمروا من الوادي ، ولا يصعدوا العقبة !
قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ . يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ
--------------------------- 123 ---------------------------
يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ .
قال البيضاوي : 3 / 158 : « وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ، من الفتك بالرسول وهو أن خمسة عشر منهم توافقوا عند مرجعه من تبوك أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذ تسنم العقبة بالليل ! فأخذ عمار بن ياسر بخطام راحلته يقودها وحذيفة خلفها يسوقها ، فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع أخفاف الإبل وقعقعة السلاح فقال : إليكم إليكم يا أعداء الله ، فهربوا » .
أما قصة الماء ونهي النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يشربوا منه إذا وصلوا إليه قبله ، فهي منفصلة عن مؤامرة العقبة ، وهي في وادي المشقق ، وكان الماء قليلاً وأراد النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يباركه ويجريه بما يكفي للجيش والمنطقة ، فنهاهم عن الشرب قبله ، فوصل إليه جماعة قبله وعصوا وشربوا منه ! فلعنهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثانية بعد لعنة العقبة !
أسئلة :
س 1 : ما هو هدف المتآمرين لقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) في العقبة ؟ وهل كان لأبي بكر وعمر علاقة بهم ؟
س 2 : ما رأيكم فيما رواه الوليد بن جميع عن حذيفة ؟ قال ابن حزم في المحلى : 11 / 224 : « وأما حديث حذيفة فساقط لأنه من طريق الوليد بن جميع وهو هالك ، ولا نراه يعلم من وضع الحديث ؟ فإنه قد روى أخباراً فيها : إن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم أرادوا قتل النبي وإلقائه من العقبة في تبوك . وهذا هو الكذب الموضوع الذي يطعن الله واضعه فسقط التعلق به » .
أقول : قال ابن حجر عن ابن جميع في الإصابة ( 2 / 286 ) : « صدوق ويَهِمُ ( يقع في التوهم ) يرمى بالتشيع . روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي »
--------------------------- 124 ---------------------------
وقال الذهبي : وثقه ابن معين والعجلي . وقال أحمد وأبو زرعة : ليس به بأس . وقال أبو حاتم : صالح الحديث . وقال المزي حدث عنه ابن معين ، وذكره ابن حبان في الثقات . وقال الرازي : كان يحيى بن سعيد لا يحدثنا عن الوليد بن جميع فلما كان قبل موته حدثنا عنه وقال عبد الله بن أحمد : قال أبي : الوليد بن جميع ليس به بأس . صالح الحديث . وقال يحيى بن معين : ثقة . حدثنا عبد الرحمن قال : سألت أبا زرعة عن الوليد بن جميع فقال : لا بأس به » راجع : والجرح والتعديل : 9 / 8 ، وميزان الإعتدال : 4 / 337
س 3 : هل شرب أبو بكر وعمر من الماء الذي لعن النبي ( صلى الله عليه وآله ) من يشرب منه قبله ؟

( م 204 ) دور أبي بكر وعمر في منع النبي ( صلى الله عليه وآله ) من كتابة عهده لأمته !

روت كل المصادر حديث الانقلاب على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، الذي قاده عمر بن الخطاب بمناصرة طلقاء قريش ، فقد وقف في وجه النبي ( عليهما السلام ) في مرضه وردَّ عليه ومنعه أن يكتب لأمته عهداً يُؤمِّنُها من الضلال ويجعلها سيدة العالم !
فبمجرد أن أمر النبي ( عليهما السلام ) أصحابه أن يأتوه بدواة ليكتب لهم كتاباً لا يضلون بعده ، ويعلنوا التزامهم به ، حتى رفض عمر ذلك ، وصاح : حسبنا كتاب الله . . . وصاح خلفه القرشيون الطلقاء : القول ما قاله عمر !
وقد رواه البخاري في ست مواضع ، منها : 1 / 36 : « عن ابن عباس قال : لما اشتد بالنبي ( ص ) وجعه قال : إئتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده . قال عمر : إن النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا ! فاختلفوا : وكثر اللغط ! قال ( ص ) : قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع . فخرج ابن عباس يقول : إن الرزيئة كل الرزيئة ما حال بين رسول الله ( ص ) وبين كتابه » . « فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله : قوموا » . .
--------------------------- 125 ---------------------------
وفي مسلم : 5 / 75 : « عن ابن عباس أنه قال : يوم الخميس وما يوم الخميس ! ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ ! قال : قال رسول الله ( ص ) : إئتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ، فقالوا : إن رسول الله يهجر ! وفي رواية أخرى : فقال عمر : إن رسول الله قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله » .
وفي مسند أحمد : 3 / 346 : « دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلون بعده قال فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها » !
راجع ما كتبناه في هذا الحدث الخطير في هذا الكتاب ( 2 / 369 مسألة 159 ) تحت عنوان : انقلاب الأمة على نبيها ( صلى الله عليه وآله ) في حياته ! وقد قاد العملية عمر بن الخطاب وكان أبو بكر معه والى جانبه ، فهو شريكه في العملية ، وكان المستفيد الأول منها .

( م 205 ) طعن أبي بكر وعمر في تأمير أسامة !

قال المحامي يعقوب في كتابه : أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها / 275 : « ويتجلى موقف عمر من سنة الرسول بأوضح صورة في جيش أسامة ، فقد عبأ الرسول هذا الجيش بنفسه وعبأ به أبا بكر وعمر وبقية ذلك النفر من أصحاب الخطر ، وأمَّر أسامة على هذا الجيش وأعطاه الراية بنفسه ، وطلب من الجيش الخروج سريعاً ، وكرر ذلك مرات متعددة ، لكن عمر خاصة وذلك النفر عامة لم يرق لهم تأمير الرسول لأسامة وهو حديث السن على شيوخ الأنصار والمهاجرين ، فطعنوا علناً بتأمير الرسول لأسامة وأخذوا يثبطون الناس عن الخروج في جيش أسامة !
ومع أن الرسول كان مريضاً وعلى فراش الموت ، فقد اضطروه للنهوض معصوب الرأس ومحموماً فصعد المنبر ودافع عن قراره بتأميره لأسامة قائلاً : أيها
--------------------------- 126 ---------------------------
الناس ما مقالة بلغتني في تأميري أسامة ، ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أباه من قبل ، وأيم الله إنه كان لخليق بالإمارة ( الطبقات : 4 / 67 2 )
وحثهم على الخروج ثم قال : لعن الله من تخلف عن بعث أسامة ( الملل والنحل : 1 / 22 )
ومع هذا لم يخرجوا وضغطوا على أسامة فراجع الرسول ، فقال له الرسول : أخرج وسر على بركة الله ، فراجعه أسامة ثانية ، فقال له الرسول : سر على النصر والعافية ، وراجع أسامة ثالثة فقال له الرسول : أنفذ لما أمرتك به .
ومع هذا لم يخرجوا ومات الرسول وهم متثاقلون ! وبعد موت الرسول أصر عمر بأن تأمير الرسول لأسامة غير مناسب ، وطالب الخليفة الأول بنزع أسامة من إمارة الجيش ! فأخذ أبو بكر بلحية عمر وقال له : ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب ! استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه .
لو تمكن عمر لنزع أسامة من إمارة الجيش التي ولاها رسول الله له ، لأن عمر كان ما زال يعتقد أن تأمير الرسول لأسامة على ذلك الجيش ليس مناسباً ولا صحيحاً وأنه كان الأجدر بالرسول أن يولي قيادة ذلك الجيش لأبي بكر ، أو لعمر ، أو لواحد يرضون عنه ! هذه طبيعة نظرة عمر لقول الرسول ولعمل الرسول أو بتعبير أدق هذه طبيعة نظرته لسنة رسول الله » !
أسئلة :
س 1 : بما أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لا ينطق عن الهوى ، فهل توافقون على أن هدفه تفريغ المدينة قرب وفاته ، وإرسال كل من يحتمل أن يعارض استخلافه لعلي ( عليه السلام ) إلى منطقة بعيدة ؟
س 2 : ماذا تفهمون من أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأن يكون أبو بكر وعمر وجميع القرشيين الطلقاء وعددهم سبع مئة ، في جيش أسامة ؟ !
--------------------------- 127 ---------------------------
س 3 : ألا ترون أن تأمير النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأسامة على شيوخ قريش والأنصار ، وهو شاب أسود ابن ثماني عشرة سنة ، وإصراره على ذلك ، كان جواباً لهم على أن علياً ( عليه السلام ) ما زال شاباً لم يبلغ الأربعين ، وأن خليفة النبي ( صلى الله عليه وآله ) يجب أن يكون كبير السن كأبي بكر ؟

( م 206 ) تسلل أبي بكر وعمر من معسكر أسامة إلى المدينة

أراد النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن تفرغ المدينة من دعاة الفتنة وأرسلهم جميعاً في جيش أسامة إلى فلسطين ، وفيهم سبع مئة رجل من قريش ! وأمره بالتحرك ولعن من تخلف عن جيش أسامة ! فافتعلوا المشاكل والأعذار حتى سوفوا الوقت وأفشلوا برنامج النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وتسللوا من معسكره من الجرف لواذاً عائدين إلى المدينة !
ففي سيرة ابن هشام : 4 / 1025 ، و 1064 : « استبطأ الناس في بعث أسامة بن زيد وهو في وجعه فخرج عاصباً رأسه حتى جلس على المنبر ، وقد كان الناس قالوا في إمرة أسامة : أمَّر غلاماً حدثاً على جلة المهاجرين والأنصار ! فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال : أيها الناس ، أنفذوا بعث أسامة ، فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله وإنه لخليق للإمارة وإن كان أبوه لخليقاً لها !
قال : ثم نزل رسول الله ( ص ) وانكمش الناس في جهازهم ، واستعز برسول الله ( ص ) وجعه ، فخرج أسامة وخرج جيشه معه حتى نزلوا الجرف من المدينة على فرسخ ) ( نحو 6 كلم ) فضرب به عسكره ، وتتامَّ إليه الناس ، وثقل رسول الله ( ص ) فأقام أسامة والناس ، لينظروا ما الله قاض في رسول الله ( ص ) » .
وفي روايتنا : « واشتدت علة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فدعت عائشة صهيباً فقالت : إمض إلى أبي بكر وأعلمه أن محمداً في حال لا ترجى ، فهلموا إلينا أنت وعمر وأبو عبيدة ومن رأيتم أن يدخل معكم ، وليكن دخولكم المدينة بالليل سراً . . . فدخل
--------------------------- 128 ---------------------------
أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ليلاً المدينة ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد ثقل . قال : فأفاق بعض الإفاقة فقال : لقد طرق ليلتنا هذه المدينة شر عظيم ! فقيل له وما هو يا رسول الله ؟ قال فقال : إن الذين كانوا في جيش أسامة قد رجع منهم نفر يخالفون أمري ألا إني إلى الله منهم برئ ! ويحكم نفذوا جيش أسامة ! فلم يزل يقول ذلك حتى قالها مرات كثيرة » . ( إرشاد القلوب : 2 / 237 ، والدرجات الرفيعة / 290 ) .
أسئلة :
س 1 : كانت السرايا تنطلق لتنفيذ أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) فوراً أو في اليوم التالي ، وكانت حركة الجيش تحتاج إلى يومين أو ثلاثة لينطلق ، فكيف تفسرون أن جيش أسامة راوح مكانه أسبوعين ولم يتحرك ، رغم تأكيدات النبي ( صلى الله عليه وآله ) المتكررة على حركته ؟ !
س 2 : لم يرو أحد أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعن من تخلف عن غير جيش أسامة ، ألا تدل هذه الخصوصية على وجود عمل أو مؤامرة ضد النبي ( صلى الله عليه وآله ) لتأخير حركته الجيش ؟ !

( م 207 ) غاب أبو بكر وعمر وبنتاهما عن جنازة النبي ( صلى الله عليه وآله )

وقد اعترفوا بغيابهم ! ففي الطبقات : 2 / 262 : « عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن كعب الأحبار قام زمن عمر فقال ونحن جلوس عند عمر أمير المؤمنين : ما كان آخر ما تكلم به رسول الله ؟ فقال عمر : سل علياً . قال : أين هو ؟ قال هو هنا ، فسأله فقال علي : أسندته إلى صدري ، فوضع رأسه على منكبي فقال : الصلاة الصلاة . فقال كعب كذلك آخر عهد الأنبياء وبه أمروا وعليه يبعثون . قال : فمن غسله يا أمير المؤمنين ؟ قال : سل علياً قال فسأله فقال : كنت أغسله وكان العباس جالساً وكان أسامة وشقران يختلفان إليَّ بالماء » .
وفي رواية النسائي في كتاب الوفاة / 75 : « ثم قال أبو بكر عندكم صاحبكم ، وخرج » !
--------------------------- 129 ---------------------------
وفي سنن البيهقي : 8 / 145 : « دونكم صاحبكم ، لبني عم رسول الله ( ص ) يعني في غسله وما يكون من أمره ، ثم خرج » !
وفي مصنف ابن أبي شيبة : 8 / 572 : « عن عروة : « إن أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن النبي »

( م 208 ) سارع أبو بكر وعمر إلى السقيفة

في سنن الدارمي : 1 / 39 : « فقام عمر فقال : إن رسول الله لم يمت ، ولكن عرج بروحه كما عرج بروح موسى ، والله لا يموت رسول الله حتى يقطع أيدي أقوام وألسنتهم ! فلم يزل عمر يتكلم حتى أزبد شدقاه مما يتوعد ويقول ! فقام العباس فقال : إن رسول الله قد مات وإنه لبشر » . ومسند أحمد : 3 / 196 . .
وقد فعل عمر ذلك لأنه خاف أن يبادر بنو هاشم لبيعة علي ( عليه السلام ) حيث دعا العباس إلى ذلك وقال لعلي ( عليه السلام ) : « أبسط يدك أبايعك فيقال : عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله » ( الإمامة لابن قتيبة : 1 / 12 ) فأراد عمر أن كسب الوقت حتى يحضر أبو بكر ، فلما اطمأن إلى أن علياً ( عليه السلام ) لا يقبل البيعة قبل دفن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وجاء أبو بكر ، قبل عمر أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) مات !
وبقي عندهما الخوف من الأنصار أن يبادروا إلى بيعة سعد بن عبادة ، وكان مريضاً في سقيفته التي تسمى سقيفة بني ساعدة ، فركضا مسرعين ليصفقا على يد أبي بكر في بيت سعد بمساعدة اثنين من خصومه الأوس ، وجمهور الطلقاء !
قال ابن كثير في سيرته : 4 / 491 : « فانطلق أبو بكر وعمر يتعاديان حتى أتوهم ، فتكلم أبو بكر . . » .
--------------------------- 130 ---------------------------
أسئلة :
س 1 : كيف يصح تفسير غيابهما عن مراسم جنازة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنهما سمعا بدعوة الأنصار لبحث الخلافة ، ولم يرو أحدٌ وجود مثل هذه الدعوة ؟
س 2 : ولماذا لم يدعوا غيرهما إلى تلك الجلسة ، لا من أهل البيت ( عليهم السلام ) كالعباس مثلاً ، ولا من بقية الصحابة المهاجرين والأنصار ؟
س 3 : كيف يصح أن نفسر غيابهما بأنه كان لحفظ الإسلام بالتعجيل بنصب خليفة ، وقد شهد عمر بأن بيعة أبي بكر كانت فلتة بدون مشورة ومن عاد لمثلها فاقتلوه ! فهل يحفظ الإسلام بالفلتة المحرمة التي يستحق من فعلها القتل ؟ !
س 4 : لو سلمنا أن غيابهما كان ضرورياً ، فلماذا غابت معهما بنتاهما عائشة وحفصة وكسرتا الحداد الواجب عليهما . ، ونشطتا بزيارة منازل الأنصار لإقناعهم ببيعته ؟ !
س 5 : ما رأيكم في تفسيرنا لغياب أبي بكر وعمر بأنهما كانا يعملان لأخذ الخلافة ويتخوفان من بيعة بني هاشم لعلي ( عليه السلام ) بعد دفن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ !

( م 209 ) قرر أبو بكر وعمر أخذ البيعة بحدِّ السيف

قال الجوهري في كتابه السقيفة / 48 : « سمعت البراء بن عازب ، يقول : لم أزل لبني هاشم محباً ، فلما قبض رسول الله خفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عنهم ، فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول ، مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فكنت أتردد إلى بني هاشم وهم عند النبي في الحجرة وأتفقد وجوه قريش . فإني كذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر وعثمان ، وإذ قائل يقول : القوم في سقيفة بني ساعدة ، وإذ قائل آخر يقول : قد بويع أبو بكر ! فلم ألبث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة ، وهم
--------------------------- 131 ---------------------------
محتجزون بالأزر الصنعانية ، لا يمرون بأحد إلا خبطوه وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه ، شاء ذلك أو أبى » . !
أسئلة :
س 1 : اعترف عمر بأن بيعة أبي بكر كانت فلتة من غير مشورة للمسلمين ، واعترف الجميع بأن جماعتهم أجبروا المسلمين على البيعة ، وهددوا علياً وأهل البيت ( عليهم السلام ) بحرق الدار عليهم إن لم يخرجوا ويبايعوا ! وبذلك تفقد هذه البيعة حرية المبايع فكيف تكون شرعية ؟ !
س 2 : ماذا يقول فقه المذاهب فيما إذا أجبرك شخص على بيع كتابك أو بيتك أو سيارتك تحت التهديد ، فهل يكون البيع صحيحاً ويملك السلعة ، أو يكون البيع باطلاً ، وكل تصرفات المشتري غصبية ؟
س 3 : ألا تلاحظون أن الخليفة الوحيد الذي لم يجبر المسلمين على بيعته ولا على الحرب معه ، هو علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فقد أرادوا إحضار ابن عمر وابن أبي وقاص لأنهما تخلفا عن بيعته فلم يقبل وأمر بتركهما !
ألا يدلنا ذلك على أن علياً ( عليه السلام ) هو الوحيد الذي طبق سنة النبي ( صلى الله عليه وآله ) واحترم حرية الإنسان المسلم وإرادته الحرة في تقرير مصيره ؟
س 4 : تقول القاعدة الفقهية إن كل تصرف بالمغصوب عمل غصبي ، وما نتج عن الباطل باطل ! فهل تلتزمون بأن كل ما بني على خلافة أبي بكر من تصرفات ومنه وصيته بالحكم لعمر ، ثم وصية عمر بالحكم لعثمان ، أعمال غصبية باطلة لا تقرها شريعة الإسلام ؟ !
أم تقولون إن الرضا المتأخر من المسلمين ولو كان بالقوة وبفرض الأمر الواقع يرفع الصفة الغصبية للحكم ؟ ولو صح ذلك فكيف يعرف هذا الرضا ؟ !
--------------------------- 132 ---------------------------

( م 210 ) مهاجمة أبي بكر وعمر بيت فاطمة وعلي ( عليهما السلام ) !

قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : 1 / 18 : « وإن أبا بكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه ، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي ، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها ، فقيل له يا أبا حفص إن فيها فاطمة ؟ فقال وإن ، فخرجوا فبايعوا إلا علياً فإنه زعم أنه قال : حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن ، فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها ، فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضراً منكم ! تركتم رسول الله ( ص ) جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقاً !
فأتى عمر أبا بكر ، فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة ؟ فقال أبو بكر لقنفد وهو مولى له : إذهب فادع لي علياً ، قال فذهب إلى علي فقال له : ما حاجتك ؟ فقال يدعوك خليفة رسول الله ، فقال علي : لسريع ما كذبتم على رسول الله ! فرجع فأبلغ الرسالة ، قال : فبكى أبو بكر طويلا . فقال عمر الثانية : لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة ، فقال أبو بكر لقنفد : عد إليه فقل له : خليفة رسول الله يدعوك لتبايع ، فجاءه قنفد ، فأدى ما أمر به ، فرفع علي صوته فقال سبحان الله ؟ لقد ادعى ما ليس له ، فرجع قنفد ، فأبلغ الرسالة ، فبكى أبو بكر طويلاً ، ثم قام عمر فمشى معه جماعة ، حتى أتوا باب فاطمة ، فدقوا الباب ، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ، فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين ، وكادت قلوبهم تنصدع ، وأكبادهم تنفطر ، وبقي عمر ومعه قوم ، فأخرجوا
--------------------------- 133 ---------------------------
علياً ، فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع ، فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك ، فقال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله ، قال عمر : أما عبد الله فنعم ، وأما أخو رسوله فلا ، وأبو بكر ساكت لا يتكلم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك ؟ فقال : لا أكرهه على شئ ما كانت فاطمة إلى جنبه ، فلحق علي بقبر رسول الله ( ص ) يصيح ويبكي وينادي : ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي » .
أسئلة :
س 1 : اعترف أبو بكر بأنه أمر بمهاجمة بيت علي وفاطمة ( عليهما السلام ) وتهديدهم بحرق البيت عليهم إن لم يبايعوه ، ثم أعلن ندمه على ذلك قبيل موته !
فقد روى الطبري في تاريخه : 2 / 619 ، عن أبي بكر قوله : « لا آسى على شئ من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت أنى تركتهن وثلاث تركتهن وددت أنى فعلتهن وثلاث وددت أنى سألت عنهن رسول الله . . فأما الثلاث اللاتي وددت أني تركتهن ، فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شئ وإن كانوا غلقوه على حرب »
قال الخطيب التبريزي في الإكمال / 21 : « وأخرج ابن جرير الطبري والطبراني عن عبد الرحمن بن عوف . . والخبر صحيح . وقال الطرابلسي في فضائل الصحابة إنه حديث حسن ، كذا في منتخب كنز العمال : 2 / 172 » ورواه الطبراني في الكبير : 1 / 62 وأبو نعيم في حلية الأولياء : 1 / 34 ، وأبو عبيد في الأموال : 1 / 387 ، والضياء المقدسي في المختارة : 1 / 88 ، وقد شرط في كتابه الصحة كما في تدريب الراوي للسيوطي : 1 / 144 ، ونقل تحسينه عن سعيد بن منصور .
ومع ذلك كابر ابن تيمية وزعم أنه لا يصح إسناده ولا متنه ! قال في منهاج السنة : 8 / 290 : « قال الرافضي : ( يقصد العلامة الحلي ( قدس سره ) في منهاج الكرامة : 1 / 181 ) : الثامن : قوله في مرض موته : ليتني كنت تركت بيت فاطمة لم أكبسه ، وليتني كنت في ظلة بني ساعدة ضربت
--------------------------- 134 ---------------------------
على يد أحد الرجلين وكان هو الأمير وكنت الوزير ! وهذا يدل على إقدامه على بيت فاطمة عند اجتماع أمير المؤمنين والزبير وغيرهما فيه !
والجواب : أن القدح لا يقبل حتى يثبت اللفظ بإسناد صحيح ، ويكون دالاً دلالة ظاهرة على القدح ، فإذا انتفت إحداهما انتفى القدح ، فكيف إذا انتفى كل منهما ، ونحن نعلم يقيناً أن أبا بكر لم يقدم على علي والزبير بشئ من الأذى ، بل ولا على سعد بن عبادة المتخلف عن بيعته أولاً وآخراً ، وغاية ما يقال إنه كبس البيت لينظر هل فيه شئ من مال الله الذي يقسمه وأن يعطيه لمستحقه ! ثم رأى أنه لو تركه لهم لجاز ، فإنه يجوز أن يعطيهم من مال الفئ !
وأما إقدامه عليهم أنفسهم بأذى ، فهذا ما وقع فيه قط باتفاق أهل العلم والدين ، وإنما ينقل مثل هذا جهال الكذابين ويصدقه حمقى العالمين الذين يقولون إن الصحابة هدموا بيت فاطمة وضربوا بطنها حتى أسقطت ، وهذا كله دعوى مختلق وإفك مفترى ، باتفاق أهل الإسلام ، ولا يروج إلا على من هو من جنس الأنعام » !
أقول : لاحظ أنه أنكر وثار ، ولف ودار ، وسب وشتم ، وابتكر عذراً أقبح من ذنب فزعم أن أبا بكر وعمر هاجما بيت فاطمة ( عليهما السلام ) يبحثان عن أموال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) التي ربما خباها علي وفاطمة ( عليهما السلام ) ! ليعطوها إلى مستحقيها ! فهل تقبلون هذا الهذيان ؟
س 2 : كيف تفسرون قول عمر وأبي بكر « فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك ؟ فقال : لا أكرهه على شئ ما كانت فاطمة إلى جنبه » !
وهل تقبلون تفسيره بأن عمر أراد من أبي بكر أن يأمر بقتل علي ( عليه السلام ) ، فقال له لا أقتله ما دامت فاطمة عنده ! وبما أن فاطمة ( عليها السلام ) كانت شابة ولم تكن مريضة ، فمعناه : أقتلوا فاطمة أولاً ، تمهيداً لقتل علي ( عليهما السلام ) !
س 3 : ألا ترون غرابة هذا الوضع الذي حدث مباشرة بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) كل الغرابة عن الإسلام الذي جاء به النبي ( صلى الله عليه وآله ) من احترام الإنسان وحقوقه وإدارة الأمور ،
--------------------------- 135 ---------------------------
وكشف عن قرار قريش المسبق برفض عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وحتى كتابته لعهده ، وغصب خلافته ومصادرة حريات المسلمين وإجبارهم على بيعة ( خليفتها ) والعودة إلى جبروت القبيلة والملوك والطغاة ؟ !
س 4 : ما هو الوجه الفقهي عندكم لمهاجمة بيت عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وإجبارهم على البيعة ؟ ! وتهديدهم بالقتل إن لم يبايعوا ؟ !

( م 211 ) مصادرتهما أموال النبي ( صلى الله عليه وآله ) وحرمانهما فاطمة ( عليها السلام ) من إرثها !

في مستدرك الوسائل ( 7 / 290 ) ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « لما ولي أبو بكر قال له عمر : إن الناس عبيد هذه الدنيا لا يريدون غيرها ، فامنع عن علي الخمس والفئ وفدكاً ، فإن شيعته إذا علموا ذلك تركوا علياً رغبة في الدنيا ، وإيثاراً ومحاباةً عليها ، ففعل ذلك وصرف عنهم جميع ذلك » .
وفي صحيح بخاري ( 4 / 42 ) : « فقال لها أبو بكر إن رسول الله قال : لا نورث ، ما تركنا صدقة ! فغضبت فاطمة بنت رسول الله ، فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر » !
وقد تحجج أبو بكر بأن كل أموال النبي ( صلى الله عليه وآله ) طعمة أطعمه الله إياها في حياته ، وهي بعد لولي الأمر ! ففي شرح معاني الآثار : 3 / 308 ، « فإنما كان من طعمة أطعمها الله إياه وملكه إياها حياته ، وقطعها عن ذوي قرابته بموته » .
وفي التمهيد : 8 / 171 : « إن ذلك كان طعمة لرسول الله ما كان حياً فلما توفي صار لأولي الأمر بعده » . وتفسير الطبري : 10 / 9 ، و 11 .
وقال المحامي الأردني أحمد حسين يعقوب في كتابه : الخطط السياسية لتوحيد الأمة الإسلامية / 315 ، ما خلاصته :
--------------------------- 136 ---------------------------
« قرارات اقتصادية لتركيع أهل البيت نهائياً :
عرفنا أن بطون قريش حاصرت بني هاشم ثلاث سنين في شعب أبي طالب وقاطعتهم ، فلم تبعهم ولم تشتر منهم وعزلتهم عزلاً كاملاً ، ولكن في عهد الشرك لم تصادر حقوق بني هاشم الاقتصادية ولم تؤخذ أموالهم .
وأمام إصرار عميد أهل البيت والسيدة الزهراء وبني هاشم على تحدي السلطة بعدم مبايعتهم لها ، وحرصاً من السلطة على تقليم أظافرهم وإجبارهم على الركوع والاستسلام ، اتخذت مجموعة من القرارات الاقتصادية الهامة ، لتجبرهم على التفاوض معها ، والاحتكام إليها طمعاً بتخليص ما أمكن استخلاصه من حقوقهم !
القرار الأول حرمان أهل البيت من إرث النبي حرماناً كاملاً ، بعد تهديد الإمام علي بالقتل ، ومحاولة حرق بيته على من فيه !
والغطاء الشرعي لقرارهم جاء في سنن الترمذي ( 7 / 111 ) أن فاطمة جاءت إلى أبي بكر وعمر تسألهما ميراثها ، فقالا سمعنا رسول الله يقول : إني لا أورث !
قصة حديث ما تركناه صدقة :
جاء في كنز العمال ( 14 / 130 ) برواية عائشة قالت : واختلفوا في ميراثه فما وجدوا عند أحد من ذلك علماً ، فقال أبو بكر : سمعت رسول الله يقول : إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة !
ولم يرو حديث نفي الإرث إلا أبو بكر وحده ! حتى أن الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجاتهم في الخبر برواية الصحابي الواحد !
ومع هذا وضعوا أحاديث أسندوا فيها إلى غير أبي بكر أنه روى ذلك ! ( كنز العمال : 5 / 365 ، وطبقات ابن سعد : 2 / 315 ) .
--------------------------- 137 ---------------------------
إذا كان أهل البيت وأولاد النبي لا يرثونه فمن يرثه ؟ !
جاء في مسند أحمد ( 1 / 4 ) أن أبا بكر قال سمعت رسول الله يقول : إن الله عز وجل إذا أطعم نبياً طعمة ثم قبضه جعلها للذي يقوم من بعده ، فرأيت أن إرثه على المسلمين ! وما الذي يمنع من ذلك أليس هو صاحبه في الغار وأخوه في الدين ، وخليفته الفعلي على المسلمين !
استثناء من نفي إرث النبي تحقيقاً للعدالة ورحمة بأهل البيت الكرام !
فقد تفضل أبو بكر فقال : لقد دفعت آلة رسول الله ودابته وحذاءه إلى علي ! وما سوى ذلك ينطبق عليه الحديث !
قال الكميت بن زيد الأسدي الطائي من شعراء القرن الأول ، يصف هذا المنطق :
يقولون لم يورث ولولا تراثه * لقد شركت فيه بكيل وأرحب
وعك ولخم والسكون وحمير * وكندة والحيان بكر وتغلب
قرار حرمان أهل البيت من ميراث النبي قطعي :
لا يجوز استئنافه ولا الرجوع عنه مهما تعدد المحامون ، وكثرت المرافعات ، وتواترت النصوص ، فالقرار قد صدر لينفذ وقد نفذ بالفعل ، وقد تلطفت تلطفت السلطة بالاستثناء فأعطت علياً دابة الرسول وآلته وحذاءه !
قرار حرمان أهل البيت من مِنَح الرسول ومصادرة هذه المنح :
أثناء حياة الرسول الكريم منح منحاً كثيرة للناس ، ومنح أهل البيت منحاً كغيرهم من الناس ، فترك أبو بكر وعمر ما منحه الرسول للناس ولم يتعرضا لهم احتراماً لمشيئة رسول الله ، وتقديراً للناس الذين دخلوا بالطاعة والتزموا الجماعة ! أما المنح التي منحها رسول الله لأي فرد من أهل البيت ، فقد قررا
--------------------------- 138 ---------------------------
مصادرتهما وحرمان أهل البيت منها ، حرصاً على مصلحة المسلمين ، وكانت فاطمة بنت محمد هي أول من حرمت من منحتها وصودرت منها هذه المنحة !
منحة فدك :
بعد نزول آية : وآت ذا القربى حقه ، منح الرسول ابنته فاطمة فدكاً جاء في فتوح البلدان ( 2 / 34 ) أن فاطمة قالت لأبي بكر : أعطني فدكاً فقد جعلها رسول الله لي ، فسألها البينة فجاءت بأم أيمن ورباح مولى رسول الله ، فشهدا لها بذلك فقال لها أبو بكر : إن هذا الأمر لا تجوز فيه إلا شهادة رجل وامرأتين ، وفي رواية أخرى شهد لها علي بن أبي طالب فسألها شاهد آخر لها !
ولأن وضع اليد وحده لا يكفي في مثل هذه الأمور ، فقد أغلقت الخصومة رسمياً وتم تنفيذ قرار السلطة بمصادرة منح الرسول لأهل بيته وحرمانهم منها ! وتركت كل المنح التي منحها الرسول للمسلمين بأيديهم ولم يطلب منهم لا شاهد ولا شاهدان ، لأن وضع اليد على المنحة يكفي ! ولله عاقبة الأمور .
قرار حرمان أهل البيت من الخمس الوارد في القرآن الكريم :
جاء في شرح النهج ( 4 / 81 ) نقلاً عن الجوهري ، وفي تاريخ الإسلام للذهبي ( 1 / 347 ) وفي كنز العمال ( 5 / 367 ) ثلاث روايات : لما منعوا ابنة الرسول من إرث أبيها طالبتهم بسهم ذوي القربى فقالت : لقد ظلمتنا أهل البيت من الصدقات وما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى ، ثم قرأت عليه قوله تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه ولذي القربى .
وعن عروة قال : أرادت فاطمة أبا بكر على فدك وسهم ذوي القربى فأبى عليها ، وجعلها في مال الله تعالى ! وفي كنز العمال ( 5 / 367 ) عن أم هاني أنها قالت
--------------------------- 139 ---------------------------
: إن فاطمة أتت أبا بكر تسأله سهم ذوي القربى فقال لها أبو بكر : سمعت رسول الله يقول : سهم ذوي القربى لهم في حياتي وليس لهم بعد موتي .
من أين يأكلون بحق السماء ؟ !
مشكلة الآل الكرام الحقيقية أنه محظور عليهم أن يأخذوا الصدقة فهي محرمة عليهم ، لذلك خصهم الله تعالى بسهم ذوي القربى لتغطية هذه الناحية .
فهل يعيش الآل الكرام وأهل البيت عيش السوقة ؟ هل يتسولون الناس ، من أين يأكلون ؟ عن أن أنس بن مالك أن أبا بكر قال لفاطمة عندما سألته عن سهم ذوي القربى : أفلك هو ولأقربائك ؟ قال : لا ، أنفق عليكم منه !
وقال مرة : السهم لكم في حال حياة النبي وبعد موته ليس لكم . !
وفي سنن الترمذي ( 7 / 111 ) أن أبا بكر قال : إني أعول من كان يعول رسول الله ، وأنفق على من كان رسول الله ينفق عليه !
فالدولة إذا هي تنفق على أهل بيت محمد ، بدليل قول أبي بكر : إن رسول الله قال لا نورث ما تركناه فهو صدقة ، أن يأكل آل محمد من هذا المال ليس لهم أن يزيدوا على المأكل ! راجع صحيح البخاري ( 2 / 200 ) باب مناقب قرابة الرسول !
فطوال التاريخ يجب على أهل البيت أن يرتبطوا بالحاكم الذي يقدم لهم المأكل ، ومن الحشمة وحسن الخلق أن يطيع الإنسان من يطعمه !
تركة رسول الله من الضياع :
1 - ترك رسول الله الحوائط السبعة اللاتي وهبهن له مخيريق اليهودي رئيس بني النظير ، والذي أسلم واستشهد في أحُد ( رحمه الله ) .
2 - ما وهبه الأنصار إياه ، وهو كل ما ارتفع من أراضيهم الزراعية .
3 - أراضي بني النضير الزراعية ونخيلها .
--------------------------- 140 ---------------------------
4 - 8 أسهم من مجموع 36 سهماً من أراضي خيبر .
5 - أراضي وادي القرى الزراعية .
وبعد وفاة الرسول ، استولى عليها أبو بكر
حتى تحزوا رقابنا بالمناشير :
جاء في مجمع الزوائد ( 9 / 39 ) عن عمر ، أنه لما قبض رسول الله جئت أنا وأبو بكر إلى علي فقلنا : ما تقول في ما ترك رسول الله ؟ قال : نحن أحق الناس برسول الله ! قال فقلت : والذي بخيبر ؟ قال : والذي بخيبر . قلت : والذي بفدك ؟ قال : والذي بفدك ! فقلت : أما والله حتى تحزوا رقابنا بالمناشير !
قرارات اقتصادية لا بد منها :
وذلك لإجبار الآل الكرام على الاحتكام للسلطة ، وتجريد هم من سلاح خطير هو المال ، حتى لا يستعملوه ويؤلفون به قلوب المسلمين ويستميلونهم لصالح قضيتهم ! وربط هم بالسلطة الحاكمة حتى برغيفهم ، لتضمن السيطرة الكاملة عليهم ، وعزلهم شعبياً وإلغاء دورهم كقيادة سياسية شرعية حتى تميل عنهم أعين الناس ولا يطالبوا بالجمع بين النبوة والخلافة .
تحقيق السلطة لأهدافها :
فقد فاوض الآل الكرام واحتكموا إلى السلطة ، فحكمت بتنفيذ قراراتها الاقتصادية وحرمانهم من التركة ، ومن المنح ، ومن سهم ذوي القربى !
وبموت فاطمة انصرف الناس عن علي ، فشق بنفسه طريق المصالحة وبايع هو وبنو هاشم وسلموا بالأمر الواقع ! فعساه أن يتمكن يوماً من اطلاع الأمة على الحقيقة المرة ، وأن يُبَصِّر الناس بالتقاطيع الأساسية للمنظومة السياسية الإلهية ، فيقارنوا بينها وبين ما حدث في التاريخ !
--------------------------- 141 ---------------------------
احتجاج الزهراء على القرارات الاقتصادية :
لما قرر أبو بكر وعمر حرمان أهل البيت الكرام من ميراث النبي ومصادرة المنح التي منحها لهم حال حياته ، وتجريدهم من حقهم في كل ممتلكات النبي ، وحرمانهم حقهم في الخمس الوارد في آية محكمة : ( لاثت الزهراء خمارها على رأسها ، واشتملت بجلبابها ، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها ، تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى دخلت على أبي بكر ، وهو في حشد من المهاجرين والأنصار ، فنيطت دونها ملاءة فجلست ، ثم أنت أنة أجهش القوم لها بالبكاء فارتج المجلس ، حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم قالت : : وأورد خطبة الزهراء ( عليها السلام ) وذكر بعض مصادرها .
وذكر فيه خطبة فاطمة الزهراء ( عليه السلام ) في المسجد النبوي ! وهي طويلة وقد أجابها أبو بكر وأجابته ، وجاء فيها : « يا ابن أبي قحافة ، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ؟ ! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ، ونبذتموه وراء ظهوركم ، إذ يقول الله تبارك وتعالى : وورث سليمان داود ، وقال الله عز وجل في ما قص من خبر يحيى بن زكريا : رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب وقال عز وجل : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، وقال : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين . وقال : إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين ! وزعمتم أن لا حظوة ولا إرث لي من أبي ، ولا رحم بيننا ، أفخصكم الله بآية أخرج منها نبيه . أم لعلكم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، أفحكم الجاهلية تبغون !
وفيها قولها ( عليها السلام ) : « فدونكها مخطومة مرحولة ، تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ، وعند الساعة يخسر المبطلون » .
--------------------------- 142 ---------------------------
أقول : وروت مصادرنا عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قال : « إن الله تبارك وتعالى لما فتح على نبيه ( صلى الله عليه وآله ) فدك وما والاها ، لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، فأنزل الله على نبيه وآت ذا القربى حقه ، فلم يدر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من هم فراجع في ذلك جبرئيل وراجع جبرئيل ربه فأوحى الله إليه أن ادفع فدك إلى فاطمة ، فدعاها رسول الله فقال لها : يا فاطمة إن الله أمرني أن أدفع إليك فدك ، فقالت : قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك . فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلما ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها فأتته فسألته أن يردها عليها فقال لها : ائتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك ، فجاءت بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأم أيمن فشهدا لها ، فكتب لها بترك التعرض ، فخرجت والكتاب معها فلقيها عمر فقال : ما هذا معك يا بنت محمد ؟ قالت كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة ، قال : أرينيه فأبت ، فانتزعه من يدها ونظر فيه ، ثم تفل فيه ومحاه وخرقه ، فقال لها : هذا لم يوجف عليه أبوك بخيل ولا ركاب ؟ فضعي الحبال في رقابنا » ! ( الكافي : 1 / 543 ) .
أسئلة :
س 1 : هل يعقل أن يكون النبي ( صلى الله عليه وآله ) مستثنى من حكم الإرث الإسلامي ، ولا يقول لورثته ، ولا لأحد من المسلمين إلا لأبي بكر ! فقد اعترف علماؤكم في كتب أصول الفقه بأن حديث : لا نورث وما تركناه صدقة ، انفرد بروايته أبو بكر ولم يروه غيره ، فهو خبر واحد ، فكيف تخصصون به محكم القرآن ؟ !
س 2 : ما رأيكم في قول الطبري الشيعي في المسترشد / 503 : « ولعمري لقد كان عمر بن عبد العزيز أعرف بحقها حين رد إلى محمد بن علي ( عليه السلام ) فدكاً ، فقيل له : طعنت على الشيخين ؟ ! فقال : هما طعنا على أنفسهما » .
--------------------------- 143 ---------------------------
س 3 : ما رأيكم فيما كتبه المحامي الأردني عن قرارات أبي بكر وعمر لإفقار أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟
س 4 : هل قرأتم خطبة الزهراء ( عليها السلام ) في احتجاجها على أبي بكر وعمر ؟ وما رأيكم في نفيها شرعية بيعة السقيفة ، ودعوتها الأنصار لمجاهدة أصحابها ؟
س 5 : ما رأيكم فيما رواه الذهبي في تاريخه ( 3 / 24 ) عن ابن عباس قال : « كان عمر عرض علينا أن يعطينا من الفئ ما يرى أنه لنا من الحق ! فرغبنا عن ذلك وقلنا : لنا ما سمى الله من حق ذي القربى ، وهو خمس الخمس ، فقال عمر : ليس لكم ما تدعون أنه لكم حق ، إنما جعل الله الخمس لأصناف سماهم ، فأسعدهم فيه حظا أشدهم فاقة وأكثرهم عيالاً ، قال : فكان عمر يعطي من قبل منا من الخمس والفئ نحو ما يرى أنه لنا ، فأخذ ذلك منا ناس وتركه ناس » .

( م 212 ) قرار الشيخين تغييب سنة النبي ( صلى الله عليه وآله ) !

كتبنا في أوائل المجلد الثاني من هذا الكتاب بعض المسائل حول المراسيم الخلافية ، التي أصدرها أبو بكر وعمر بمنع تدوين سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنهما جمعا ما كتبه المسلمون منها وأحرقاه ، ومنعا الصحابة من تدوين السنة كلياً ، بل من مطلق التحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، تحت طائلة العقوبة والسجن !
وقد كانا شريكين في هذه المراسيم في حياة أبي بكر ، ثم واصلها عمر بعد وفاته !
قالت عائشة : « جمع أبي الحديث عن رسول الله وكانت خمس مائة حديث ، فبات ليلته يتقلب كثيراً ! قالت : فغمني فقلت : أتتقلب لشكوى أو لشئ بلغك ؟ فلما أصبح قال : أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك ، فجئته بها فدعا بنار فحرقها ، فقلت لم أحرقتها ؟ قال : خشيت أن أموت وهي عندي ، فيكون فيها أحاديث
--------------------------- 144 ---------------------------
عن رجل قد ائتمنته ووثقت ولم يكن كما حدثني ، فأكون قد نقلت ذاك » ! ( تذكرة الحفاظ : 1 / 5 ) وغرض عائشة تبرير فعل أبيها ! ولذلك لم تذكر أنه طلب من الناس أن يأتوه بما كتبوه من حديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) فتصوروا أنه يريد تدوينه ، فأتوه به فأحرقه ، وادعت أن الأحاديث كانت خمس مائة فقط ، ولا بد أنها كانت أكثر !
أما عمر فأحرق السنة ولم يتأرق أبداً ! قال ابن سعد في الطبقات : 5 / 140 : « فأنشد الناس أن يأتوه بها ، فلما أتوه بها أمر بتحريقها » !
وقالوا إنه طلب المهلة شهراً عندما ضغط الصحابة عليه لكتابتها ، ثم قال إنه استخار الله فأمره أن يحرقها ولا يسمح حتى بالتحديث بها ! ( كنز العمال : 10 / 291 ) .
وقد كتبنا فصلاً في تدوين القرآن عن قرار الشيخين بتغييب سنة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأوضحنا هدفهما من ذلك ! وكتب علماء الشيعة في منع تدوين السنة كالسيد الجلالي ، والسيد الشهرستاني ، ومن أفضل من استوعب الموضوع المحامي الأردني أحمد حسين يعقوب في كتابه : أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها ؟ !
وعقد فيه ثمانية أبواب في كل منها فصول مهمة :
الباب الأول : مكانة سنة الرسول في دين الإسلام .
والثاني : من يؤدي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، من يبين القرآن ومن يبلغ السنة بعد موته ؟
والثالث : مخططاتهم لنسف الإسلام وتدمير سنة الرسول بعد موته ( صلى الله عليه وآله ) !
والرابع : سنة الرسول بعد موت النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
والخامس : منع كتابة سنة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) قبل وبعد استيلائهم على الخلافة
والسادس : استبدال سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بسنة الخلفاء !
والسابع : إباحة كتابة ورواية سنة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بعد مائة عام من تحريمها !
والثامن : أهل بيت النبوة وسنة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) .
--------------------------- 145 ---------------------------
وقال السيد شرف الدين في كتابه النص والاجتهاد / 138 : « المورد ( 14 ) : في منع كتابة العلم عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . وذلك أن الحاكم أخرج في تاريخه بالإسناد إلى أبي بكر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من كتب عليَّ علماً أو حديثاً لم يزل يكتب له الأجر ما بقي ذلك العلم أو الحديث ، ومع ذلك لم يدون أيام أبي بكر وعمر شئ من السنن ! وقد كان أبو بكر أجمع أيام خلافته على تدوين الحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فجمع خمس مائة حديث فبات ليلته يتقلب كثيراً فأحرقها ! وعن الزهري عن عروة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن فاستفتى أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأشاروا عليه أن يكتبها ، فطفق عمر يستخير الله فيها شهراً . . فقال : إني كنت أريد أن أكتب السنن ، وإني ذكرت قوماً قبلكم كتبوا كتباً فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله . . . ثم كتب في الأمصار : من كان عنده شئ فليمحه . . . فأنشد الناس أن يأتوه بها فلما أتوه بها أمر بتحريقها . . . والأخبار متواترة في منعه الناس عن تدوين العلم ، وردعه إياهم عن جمع السنن والآثار ، وربما حظر عليهم الحديث عن رسول الله مطلقاً وحبس أعلامهم في المدينة الطيبة لكيلا يذيعوا الأحاديث في الآفاق . .
ولا يخفى ما قد ترتب على هذا من المفاسد التي لا تتلافى أبداً ! فليت الخليفتين صبرا نفسيهما مع علي بن أبي طالب وسائر الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه من آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) والخيرة من أصحابه ، فيحبساهم على جمع السنن والآثار النبوية وتدوينها في كتاب خاص يرثه عنهم من جاء بعدهم من التابعين فتابعيهم في كل خلف من هذه الأمة ، شأن الذكر الحكيم والفرقان العظيم ، فإن في السنة ما يوضح متشابه القرآن ، ويبين مجمله ، ويخصص عامه ويقيد مطلقه ، ويوقف أولي الألباب على كنهه ، فبحفظها حفظه ، وبضياعها
--------------------------- 146 ---------------------------
ضياع كثير من أحكامه ، فما كان أولاها بعناية الخليفتين واستفراغ وسعهما في ضبطها وتدوينها ، ولو فعلا ذلك لعصمة الأمة والسنة من معرة الكاذبين ، بما افتأتوه على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! إذ لو كانت السنن مدونة من ذلك العصر في كتاب تقدسه الأمة لارتج على الكذابين باب الوضع ، وحيث فاتهما ذلك كثرت الكذابة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولعبت في الحديث أيدي السياسة ، وعاثت به السنة الدعاية الكاذبة ، ولا سيما على عهد معاوية وفئته الباغية ، حيث سادت فوضى الدجاجيل وراج سوق الأباطيل .
وقد كان في وسع الخليفتين وأوليائهما أن يكفوا الأمة شر هؤلاء بتدوين السنن على نحو ما ذكرناه ، وما كان ليخفى عليهم رجحان ذلك ، ولعلك تعلم أنهم كانوا أعرف منا بلزومه ، لكن مطامعهم التي تأهبوا وأعدوا وتعبأوا لها ، لا تتفق مع كثير من النصوص الصريحة المتوافرة ، التي لا بد من تدوينها لو أبيح التدوين لكونها مما لا يجحد صدوره » .
وقال في الصحيح من السيرة : 1 / 59 : « فلقد بلغ من تشدد الخليفة في هذا الأمر أنهم يذكرون في ترجمة أبي هريرة أنهم ما كانوا يستطيعون أن يقولوا : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى قبض عمر ! وبالمناسبة فإننا نشير إلى جريمة نكراء ارتكبها الصليبيون الحاقدون ضد التراث العلمي للبشرية ، حيث يذكر موندي في تاريخه أن ما أحرقه الأسبان من كتب قرطبة قد بلغ مليوناً وخمسين ألف مجلد ، عدا ما أتلفوه مما عثروا عليه في أقاليم الأندلس . أما ويلس فيرى أنهم قد أحرقوا مليون وخمسة آلاف مجلد فقط !
--------------------------- 147 ---------------------------
وفي وفيات الأسلاف : أن أسقف طليطلة قد أحرق من الكتب الإسلامية ما ينوف على ثمانين ألف كتاب . وأن الإفرنج لما تغلبوا على غرناطة قد أحرقوا من الكتب النفيسة ما يتجاوز مليون كتاب .
وقال بعض المؤرخين المصريين : إن الباقي من الكتب التي ألفها المسلمون ليس إلا نقطة من بحر مما أحرقه الصليبيون ، والتتر ، والأسبان .
ولما فتح الإفرنج طرابلس في أثناء الحروب الصليبية أحرقوا مكتبتها بأمر الكونت برترام سنت جيل ، ويقال إنها كانت تحتوي على ثلاثة ملايين مجلد . وأضاف جرجي زيدان : وفعل الأسبان نحو ذلك بمكتبات الأندلس لما استخرجوها من أيدي المسلمين في أواخر القرن الخامس عشر » .
وقال المحامي يعقوب في أين سنة الرسول / 269 : « كان لعمر بن الخطاب مفهومه الخاص به عن سنة الرسول بأنواعها الثلاثة القولية والفعلية والتقريرية . وبقي عمر وفياً لهذا المفهوم في صحة النبي وفي مرضه ، وقبل أن يتولى عمر الخلافة وبعد أن تولاها . والظاهر من أقوال عمر ومن تصرفاته أنه كان لا يعتقد بأن كل ما يقوله الرسول أو يفعله صحيحا أو من عند الله !
لقد أقنع نفسه بأن له الحق بإبداء مطالعاته على ما يقوله الرسول أو يفعله ! خاصة في الفترة التي سبقت وفاة الرسول ! وقد وَسِع الرسول الأعظم الرجل بحلمه العظيم ، لكونه من أصحابه ولكونه من أصهاره ، ولأنه يعرف مفاتيح شخصيته ، وطبيعة النفس الإنسانية ، وقدر الرسول أن عمر بوقت يطول أو يقصر سيعود لوضعه الطبيعي وسيستقر نفسياً ! ثم إن الرسول الأعظم ليس
--------------------------- 148 ---------------------------
مخولاً بأن يعاقب الناس على نواياهم ، ما لم تخرج هذه النوايا إلى حيز الوجود الخارجي وتأخذ شكل فعل كامل التكوين ومحظور . . .
قال عبد الله بن عمرو بن العاص : كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله أريد حفظه فنهتني قريش . . فعمر بن الخطاب كما سيتضح جلياً فيما بعد كان على رأس قريش التي نهت عبد الله بن عمرو عن كتابة كل شئ يسمعه من رسول الله بدعوى أن الرسول يتكلم في الغضب والرضا كما يتضح في نهاية الخبر !
وحسب هذا الخبر الصحيح ، فإن عمر كان يعتقد بأنه ليس كل ما يقوله الرسول صحيحاً ، وجديراً بالكتابة . . .
إن عمر لم يكن بعيداً عن المرسوم الذي أصدره الخليفة الأول ، والذي أمر فيه المسلمين بأن لا يحدثوا شيئاً عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! لأنه كان شريكه في أمره وولي عهده كذلك فإن عمر لم يكن بعيداً عن قيام الخليفة بإحراق ما سمعه بنفسه من رسول الله ، وما كتب بيده من سنة رسول الله !
هذه ملامح من موقف عمر بن الخطاب من سنة الرسول قبل أن يتولى الخلافة ونلقي الآن الضوء على موقفه من سنة الرسول بعد أن تولى الخلافة . . » .
راجع أسئلة المسألة 110 و 111 ، في المجلد الثاني من هذا الكتاب .

( م 213 ) اعترافهم بالفلتة التي أقاموا عليها نظام الحكم بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) !

اعترف عمر قبل وفاته بأن ركضهم إلى السقيفة ، وصفقهم على يد أبي بكر كان معصية كبيرة تستحق القتل ! لأنها غصب لأمر المسلمين بدون مشورتهم ، فمن عاد لمثلها فاقتلوه ، لأنه يخون الله ورسوله والمسلمين !
--------------------------- 149 ---------------------------
ففي صحيح البخاري : 8 / 25 : « عن ابن عباس قال كنت أقرئ رجالاً من المهاجرين ، منهم عبد الرحمن بن عوف ، فبينما أنا في منزله بمنى ، وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها ، إذ رجع إليَّ عبد الرحمن فقال : لو رأيت رجلاً أتى أمير المؤمنين اليوم فقال : يا أمير المؤمنين هل لك في فلان ( الزبير ) يقول : لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً ، ( علياً ) فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت !
فغضب عمر ثم قال : إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذي يريدون أن يغصبوهم أمورهم ! قال عبد الرحمن فقلت : يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم ، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس ، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير ، وأن لا يعوها وأن لا يضعوها على مواضعها ، فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس ، فتقول ما قلت متمكناً ، فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها . فقال عمر : أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة .
قال ابن عباس فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة ، فلما كان يوم الجمعة عجلنا الرواح حين زاغت الشمس ، حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالساً إلى ركن المنبر فجلست حوله تمس ركبتي ركبته ، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب ، فلما رأيته مقبلاً قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل : ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف ! فأنكر علي وقال : ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله ؟ ! فجلس عمر على المنبر ، فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها ، لا أدري لعلها بين
--------------------------- 150 ---------------------------
يدي أجلي ، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي !
إن الله بعث محمداً ( ص ) بالحق وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها فلذا رجم رسول الله ( ص ) ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ! والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء ، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف .
ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، أو إن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم . ثم إن رسول الله ( ص ) قال : لا تطروني كما أطرى عيسى بن مريم ، وقولوا عبد الله ورسوله !
ثم إنه بلغني أن قائلاً منكم يقول : والله لو مات عمر بايعت فلاناً ، فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ! ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها ، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ! من بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه ، تَغِرَّةَ أن يقتلا ! وإنه قد كان من خبرنا حين توفي الله نبيه ( ص ) أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة ، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ، فقلت لأبي بكر : يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار ، فانطلقنا نريدهم فلما دنونا منهم لقينا رجلان منهم صالحان فذكرا ما تمالى عليه القوم فقالا : أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلنا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار . فقالا : لا عليكم أن لا تقربوهم إقضوا أمركم فقلت : والله لنأتينهم ، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة ، فإذا رجل
--------------------------- 151 ---------------------------
مزمل بين ظهرانيهم فقلت : من هذا ؟ قالوا : هذا سعد بن عبادة ، فقلت : ماله قالوا : يوعك ، فلما جلسنا قليلاً تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام ، وأنتم معشر المهاجرين رهطه ، وقد دفت دافة من قومكم فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ، وأن يحضنونا من الأمر . فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر ، وكنت أداري منه بعض الحد ، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر : على رسلك فكرهت أن أغضبه ، فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل ، حتى سكت ، فقال : ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولم يعرف هذا الأمر ألا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسباً وداراً وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم ، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا فلم أكره مما قال غيرها ، كان والله أن اقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم ، أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر . اللهم إلا أن تسول إلي نفسي عند الموت شيئاً لا أجده الآن ! فقال قائل الأنصار : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش !
فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف فقلت : أبسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ، ثم بايعته الأنصار ، ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم : قتلتم سعد بن عبادة ! فقلت : قتل الله سعد بن عبادة ! قال عمر : وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر ، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا ، فإما
--------------------------- 152 ---------------------------
بايعناهم على ما لا نرضى ، وإما نخالفهم فيكون فساد ! فمن بايع رجلاً على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه ، تَغِرَّة ( مخافة ) أن يقتلا » .
أسئلة :
س 1 : ما رأيكم في قول القاضي النعمان المغربي في دعائم الإسلام : 1 / 85 : « كانت بيعة أبى بكر فلتة وقى الله شرها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ! فأوجب بهذا القول قتل نفسه وجميع من عقد بيعة أبي بكر معه على رؤوس الناس ، وأوجب به خلعه عنهم لأنه باستخلاف أبي بكر جلس ذلك المجلس لا عن رأي منهم » !
س 2 : ما قولكم فيما رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1 / 255 ، قال : « كان المأمون في باطنه يحب سقطات الرضا ( عليه السلام ) وأن يعلوه المحتج وإن أظهر غير ذلك ، فاجتمع عنده الفقهاء والمتكلمون ، فدس إليهم أن ناظروه في الإمامة ، فقال لهم الرضا ( عليه السلام ) : اقتصروا على واحد منكم يلزمكم ما يلزمه ، فرضوا برجل يعرف بيحيى بن الضحاك السمرقندي ، ولم يكن بخراسان مثله ، فقال له الرضا ( عليه السلام ) : يا يحيى سل عما شئت ، فقال : نتكلم في الإمامة ، كيف ادعيت لمن لم يؤم وتركت من أم ووقع الرضا به ؟ ! فقال له : يا يحيى أخبرني عمن صدق كاذباً على نفسه أو كذب صادقاً على نفسه ، أيكون محقاً مصيباً أم مبطلاً مخطياً ؟
فسكت يحيى ، فقال له المأمون : أجبه فقال : يعفيني أمير المؤمنين من جوابه فقال المأمون : يا أبا الحسن عرفنا الغرض في هذه المسألة فقال : لا بد ليحيى من أن يخبر عن أئمته أنهم كذبوا على أنفسهم أو صدقوا ؟ فإن زعم أنهم كذبوا فلا أمانة لكذاب ، وإن زعم أنهم صدقوا فقد قال أولهم : وليتكم ولست بخيركم وقال تاليه : كانت بيعته فلتة ، فمن عاد لمثلها فاقتلوه ، فوالله ما رضي لمن فعل
--------------------------- 153 ---------------------------
مثل فعلهم إلا بالقتل ! فمن لم يكن بخير الناس والخيرية لا تقع إلا بنعوت منها العلم ومنها الجهاد ومنها سائر الفضائل وليست فيه ، ومن كانت بيعته فلتة يجب القتل على من فعل مثلها كيف يقبل عهده غيره إلى غيره وهذه صورته ؟ !
ثم يقول على المنبر : إن لي شيطاناً يعتريني فإذا مال بي فقوموني وإذا أخطأت فأرشدوني فليسوا أئمة بقولهم إن صدقوا أو كذبوا ، فما عند يحيى في هذا جواب فعجب المأمون من كلامه ، وقال : يا أبا الحسن ما في الأرض من يحسن هذا سواك » ! والاحتجاج : 2 / 235 ، ومناقب آل أبي طالب : 3 / 461
س 3 : ما معنى قول علي ( عليه السلام ) : لم تكن بيعتي فلتة ! ففي الإرشاد : 1 / 243 ، عن الشعبي أن أمير المؤمنين ( عليهما السلام ) خطب بعد بيعته ، ثم قال : « أيها الناس ، إنكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي ، وإنما الخيار إلى الناس قبل أن يبايعوا ، فإذا بايعوا فلا خيار لهم ، وإن على الإمام الاستقامة ، وعلى الرعية التسليم ، وهذه بيعة عامة ، من رغب عنها رغب عن دين الإسلام واتبع غير سبيل أهله ، ولم تكن بيعتكم إياي فلتة ، وليس أمري وأمركم واحداً ، وإني أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم ، وأيم الله لأنصحن للخصم ولأنصفن المظلوم . وقد بلغني عن سعد وابن مسلمة وأسامة وعبد الله وحسان بن ثابت أمور كرهتها ، والحق بيني وبينهم » .
س 4 : هل كان قول عمر موجهاً ضد أبي بكر ؟ فقد « رويتم عن المعتمر بن سليمان عن يونس عن الحسن البصري أنه سئل عن قول عمر : كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها ، فمن عاد لمثلها فاقتلوه ، ما أراد عمر بذلك ؟
قال : شئ كان في صدر عمر أحب أن يظهره ! فقال السائل : أمن موجدة كانت من عمر على أبي بكر ؟ قال الحسن : فما تراه إذا ؟ مع أنه قد كانت بين قوم حركة هي التي دعت عمر
--------------------------- 154 ---------------------------
إلى ذلك الموقف بهذا الكلام فقال له الرجل : فما تلك الحركة ؟ فقال الحسن : أعرض عما فات فإن الله حسيب ما هناك » ! ( الإيضاح / 134 )
أم تقولون بقول الكرابيسي كما في فتح الباري : 12 / 132 : « قال الداودي : معنى قوله كانت فلتة : أنها وقعت من غير مشورة مع جميع من كان ينبغي أن يشاور ، وأنكر هذه الكرابيسي صاحب الشافعي ، وقال : بل المراد أن أبا بكر ومن معه تفلتوا في ذهابهم إلى الأنصار ، فبايعوا أبا بكر بحضرتهم وفيهم من لا يعرف ما يجب عليه من بيعته فقال : منا أمير ومنكم أمير ، فالمراد بالفلتة ما وقع من مخالفة الأنصار ، وما أرادوه من مبايعة سعد بن عبادة !
وقال ابن حبان : معنى قوله كانت فلتة : أن ابتدائها كان عن غير ملأ كثير ، والشئ إذا كان كذلك يقال له الفلتة فيتوقع فيه ما لعله يحدث من الشر بمخالفة من يخالف في ذلك عادة ، فكفى الله المسلمين الشر المتوقع في ذلك عادة ، لا أن بيعة أبي بكر كان فيها شر » .
س 5 : ما قولكم فيم روي عن هذا الإمام السني ، كما في الإحتجاج : 2 / 151 : « حكي عن أبي الهذيل العلاف قال : دخلت الرقة فذكر لي أن بديْر زكن رجلاً مجنوناً حسن الكلام ، فأتيته فإذا أنا بشيخ حسن الهيئة جالس على وسادة يسرح رأسه ولحيته ، فسلمت عليه فرد السلام وقال : ممن يكون الرجل ؟ قال : قلت : من أهل العراق . قال : نعم ، أهل الظرف والأدب . قال : من أيها أنت ؟ قلت : من أهل البصرة . قال : أهل التجارب والعلم . قال : فمن أيهم أنت ؟ قلت : أبو الهذيل العلاف . قال : المتكلم ؟ قلت : بلى . فوثب عن وسادته وأجلسني عليها ، ثم قال بعد كلام جرى بيننا : ما تقولون في الإمامة ؟ قلت : أي الإمامة تريد ؟ قال : من تقدمون بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قلت : من قدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . قال : ومن هو ؟ قلت : أبا بكر . قال لي : يا أبا الهذيل ولم قدمتم أبا بكر ؟ قال قلت : لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : قدموا خيركم وولوا أفضلكم . وتراضى الناس
--------------------------- 155 ---------------------------
به جميعاً . قال : يا أبا الهذيل هاهنا وقعت ! أما قولك أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : قدموا خيركم وولوا أفضلكم فإني أوجدك أن أبا بكر صعد المنبر وقال : وليتكم ولست بخيركم وعلي فيكم ! فإن كانوا كذبوا عليه فقد خالفوا أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وإن كان هو الكاذب على نفسه فمنبر رسول الله لا يصعده الكاذبون ! وأما قولك : إن الناس تراضوا به ، فإن أكثر الأنصار قالوا منا أمير ومنكم أمير ، وأما المهاجرون فإن الزبير بن العوام قال : لا أبايع إلا علياً فأمر به فكسر سيفه ، وجاء أبو سفيان بن حرب وقال : يا أبا الحسن لو شئت لأملأنها خيلا ورجالا يعني : المدينة ، وخرج سلمان فقال بالفارسي : كرديد ونكرديد ، وندانيد كه چه كرديد ! والمقداد وأبو ذر ، فهؤلاء المهاجرون والأنصار .
أخبرني يا أبا الهذيل عن قيام أبي بكر على المنبر وقوله : إن لي شيطاناً يعتريني ، فإذا رأيتموني مغضباً فاحذروني ، لا أقع في أشعاركم وأبشاركم ، فهو يخبركم على المنبر أني مجنون ، وكيف يحل لكم أن تولوا مجنوناً ؟ !
وأخبرني يا أبا الهذيل عن قيام عمر وقوله : وددت أني شعرة في صدر أبي بكر ، ثم قام بعدها بجمعة فقال : أن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه ! فبينما هو يود أن يكون شعرة في صدره ، وبينما هو يأمر بقتل من بايع مثله ! فأخبرني يا أبا الهذيل عن الذي زعم أن النبي لم يستخلف وأن أبا بكر استخلف عمر وأن عمر لم يستخلف ! فأرى أمركم بينكم متناقضاً !
وأخبرني يا أبا الهذيل عن عمر حين صيرها شورى بين ستة وزعم : أنهم من أهل الجنة فقال : إن خالف اثنان لأربعة فاقتلوا الاثنين ، وإن خالف ثلاثة لثلاثة ، فاقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن بن عوف ! فهذه ديانة أن يأمر بقتل أهل الجنة ؟ ! وأخبرني يا أبا الهذيل عن عمر لما طعن دخل عليه عبد الله بن عباس قال : فرأيته جزعا فقلت : يا أمير المؤمنين ما هذا الجزع ؟ قال : يا بن عباس ما جزعي لأجلي ولكن جزعي لهذا الأمر من يليه بعدي ! قال : قلت : ولها طلحة بن عبيد الله ، قال : رجل له حدة ،
--------------------------- 156 ---------------------------
كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يعرفه فلا أولي أمر المسلمين حديداً ! قال : قلت : ولها زبير بن العوام . قال : رجل بخيل رأيته يماكس امرأته في كبة من غزل ، فلا أولي أمور المسلمين بخيلاً . قال : قلت : ولها سعد بن أبي وقاص . قال : رجل صاحب فرس وقوس ، وليس من أحلاس الخلافة ! قال قلت : ولها عبد الرحمن بن عوف . قال : رجل ليس يحسن أن يكفي عياله ! قال قلت : ولها عبد الله بن عمر . فاستوى جالساً ثم قال : يا بن عباس ! ما الله أردت بهذا أولي رجلاً لم يحسن أن يطلق امرأته ؟ ! قال قلت : ولها عثمان بن عفان . قال : والله لئن وليته ليحملن بني أبي معيط على رقاب المسلمين ويوشك أن يقتلوه ! قالها ثلاثاً . قال : ثم سكتُّ لما أعرف من مغائرته لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فقال : يا بن عباس أذكر صاحبك ، قال قلت : فولها علياً . قال : فوالله ما جزعي إلا لما أخذنا الحق من أربابه ، والله لئن وليته ليحملنهم على المحجة العظمى ، وإن يطيعوه يدخلهم الجنة !
فهو يقول هذا ، ثم صيرها شورى بين الستة فويل له من ربه » !
س 6 : هل تقبلون ما رويناه من ندم عمر عند وفاته ، كما في الخصال للصدوق / 171 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « لما حضر عمر الموت قال : أتوب إلى الله من رجوعي عن جيش أسامة بعد أن أمره رسول الله علينا ، وأتوب إلى الله من عتقي سبي اليمن وأتوب إلى الله من شئ كنا أشعرناه قلوبنا نسأل الله أن يكفينا ضره ، وأن بيعة أبي بكر كانت فلتة ، ومن تعاقدنا على أهل هذا البيت إن قبض الله رسوله لا نولي منهم أحداً » !
وفي الخصال للصدوق / 170 ، عن يحيى بن عبد الله بن الحسن المثنى قال : « قال عمر حين حضره الموت : أتوب إلى الله من ثلاث : اغتصابي هذا الأمر أنا وأبو بكر من دون الناس واستخلافي عليهم ، وتفضيلي المسلمين بعضهم على بعض » !
--------------------------- 157 ---------------------------

( م 214 ) نسبت عائشة القسوة إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) لتبرر قسوة الشيخين !

عقدنا في هذا الكتاب ( 2 / 218 ) فصلاً لتبريرهم أخطاء الحكام بطعنهم في عصمة نبينا ( صلى الله عليه وآله ) وتفضيل أبي بكر وعمر عليه ، وأنه كان يخطئ ويصححان له !
وعقدنا في ( 2 / 455 ) فصلاً لتبريرهم قسوة الحكام بنسبة القسوة والمُثلة إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وذكرنا من قسوة أبي بكر أنه أحرق شخصاً أو اثنين بالنار !
قال ابن كثير في النهاية : 6 / 352 : « وقد كان الصديق حرق الفجاءة بالبقيع في المدينة وكان سببه أنه قدم عليه فزعم أنه أسلم وسأل منه أن يجهز معه جيشاً يقاتل به أهل الردة ، فجهز معه جيشاً ، فلما سار جعل لا يمر بمسلم ولا مرتد إلا قتله وأخذ ماله ، فلما سمع الصديق بعث وراءه جيشاً فرده ، فلما أمكنه بعث به إلى البقيع ، فجمعت يداه إلى قفاه وألقي في النار ، فحرقه وهو مقموط » !
ولا يغرك قول ابن كثير ( فجهز معه جيشاً ) فهذا الجيش بعير وسيف !
قال الطبري : 2 / 492 : « فحمله أبو بكر على ظهر وأعطاه سلاحاً » !
وفي فتح الباري : 12 / 243 : « وفي رواية الطبراني التي أشرت إليها : فأتى بحطب فألهب فيه النار ، فكتفه وطرحه فيها » !
وروى الطبري الشيعي في المسترشد / 513 ، عن الواقدي . أن أبا بكر كتب إلى عامله طريفة بن حاجزة : بلغني أن الفجاءة ارتد عن الإسلام ، فسر إليه بمن معك من المسلمين حتى تقتله أو تأسره فتأتيني به في وثاق والسلام . فسار بمن معه فلما التقيا قال : يا طريفة ما كفرت وإني لمسلم ! فأوثقه طريفة وبعث به إلى أبي بكر فأرسل به إلى ابن جثم فحرقه بالنار وهو يقول : أنا مسلم » .
وقال اليعقوبي ( 2 / 134 ) : « وحرق أيضاً رجلاً من بني أسد ، يقال له شجاع بن ورقاء »
--------------------------- 158 ---------------------------

( م 215 ) وزادت فقالت إن أباها أبا بكر وعمر كانا أرحم من النبي ( صلى الله عليه وآله )

ففي مصنف ابن أبي شيبة ( 3 / 267 ) : « قالت : حضر رسول الله ( ص ) وأبو بكر وعمر ، يعني وفاة سعد بن معاذ ، فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وإني لفي حجرتي ! قالت وكانوا كما قال الله : رحماء بينهم قال علقمة : أي أماه كيف كان يصنع رسول الله ؟ قالت : كانت عينه لا تدمع على أحد ، ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته » !
راجع أسئلة المسألة 164 و 165 في المجلد الثاني من هذا الكتاب .

( م 216 ) زعموا أنهما أتقى من النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأكثر هيبةً !

فقد زعموا أنه كان في بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) رقص وغناء فدخلا فخجل منهما ! قالت عائشة كما في البخاري ( 2 / 2 ) : « دخل عليَّ رسول الله ( ص ) عندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه ، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال : مزمارة الشيطان عند رسول الله ( ص ) فأقبل عليه رسول الله فقال : دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا ، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب فإما سألت النبي ( ص ) وإما قال أتشتهين تنظرين قلت نعم فأقامني وراءه خدي على خده وهو يقول دونكم يا بني أرفدة حتى إذا مللت قال حسبك قلت نعم قال فاذهبي » . ومسلم : 3 / 22 ، والبيهقي : 10 / 218 .
وقال العلامة ( قدس سره ) في نهج الحق / 153 : « وفي الصحيحين قال : بينما الحبشة يلعبون عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) بحرابهم دخل عمر فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : دعهم يا عمر ! وروى الغزالي في إحياء علوم الدين أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان جالساً وعنده جوار يغنين ويلعبن ، فجاء عمر فاستأذن فقال النبي للجواري :
--------------------------- 159 ---------------------------
أسكتن فسكتن ، فدخل عمر وقضى حاجته ثم خرج ، فقال لهن : عدن فعدن إلى الغناء . فقلن : يا رسول الله ، من هذا الذي كلما دخل قلت اسكتن وكلما خرج قلت عدن إلى الغناء ؟ قال هذا رجل لا يؤثر سماع الباطل !
كيف يحل لهؤلاء القوم رواية مثل ذلك عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ أيرى عمر أشرف من النبي ( صلى الله عليه وآله ) حيث لا يؤثر سماع الباطل والنبي يؤثره ؟ ! » .
وروى النسائي : 5 / 309 : « عن عائشة قالت ثم كان رسول الله ( ص ) جالساً فسمعنا لغطاً فقام رسول الله ( ص ) فإذا حبشية تزفن والصبيان حولها فقال يا عائشة تعالي فانظري فجئت فوضعت ذقني على منكب رسول الله ( ص ) فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه فقال لي أما شبعت فجعلت أقول لا لأنظر منزلتي عنده إذ طلع عمر فارفض الناس عنها فقال رسول الله ( ص ) إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر قالت فرجعت » ! راجع الصحيح من السيرة : 4 / 114 ، و 126
أسئلة :
س 1 : هل تقبلون أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) يسمع الباطل ، ويتنزه عنه أبو بكر وعمر ! ثم كيف يرتكب النبي ( صلى الله عليه وآله ) أعمالاً قبيحة أو غير لائقة ، ويتستر بها عنهما ؟ !
س 2 : هل تقبلون زعمهم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) يدعو عائشة لتنظر إلى لعب السودان بالدرق والحراب وخده على خدها ؟ وأين ما رويتم عن متانة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وحيائه ؟ !
س 3 : من أين عرف أبو بكر أنها مزمارة الشيطان ، وهل كان أفقه من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ ! وهل كان عمر أفقه منه عندما نهاهم عن المنكر وحصبهم ؟ !
--------------------------- 160 ---------------------------

( م 217 ) طعنوا بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ليبرروا جهل أبي بكر وعمر !

خصص العلامة الأميني ( رحمه الله ) أكثر المجلد السادس من الغدير / 86 ، لعلم عمر تحت عنوان : نوادر الأثر في علم عمر . . وسجل فيه مئة مورد مما رواه محبو عمر عنه من فظائع علمه وعمله ! وأولها شطبه على آية التيمم جهاراً نهاراً قربةً إلى الله !
وعقد في المجلد السابع / 184 ، عنواناً لعلم أبي بكر !
وعقدنا في هذا الكتاب ( 2 / 483 ) فصلاً لتأسيسهم دين الظنون والاحتمالات لإفتقادهم العلم بالشريعة والعقيدة ، وتبريرهم أخطاءهم الفظيعة بأن اتهموا النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه كان يعمل بظنونه ويخطئ ! وسنذكر المزيد عن علم عمر .
راجع أسئلة الفصل الرابع والعشرين من هذا الكتاب في تأسيسهم دين الظنون !

( م 218 ) الحسن ثم الحسين ( عليهما السلام ) يتحديان أبا بكر وعمر !

روت مصادر السنة بسند صحيح أن أبا بكر كان على المنبر فصعد إليه الإمام الحسن ( عليه السلام ) وكان صبياً فقال له : « إنزل عن منبر أبي واجلس على منبر أبيك ! فقال له أبو بكر : نعم إنه منبر أبيك وأبي لا منبر له ، وإن كل ما عندنا منكم ، فهل أنبت الشعر على رؤوسنا إلا الله وأنتم » ! « أن أبا بكر خطب يوماً فجاء الحسن فصعد إليه المنبر فقال : إنزل عن منبر أبي ! فقال علي : إن هذا لشئ عن غير ملامنا » ( تاريخ دمشق : 30 / 307 ، وكنز العمال : 5 / 616 ، عن طبقات ابن سعد ) .
وفي تهذيب التهذيب لابن حجر الهيثمي ( بالثاء ) : 2 / 300 : « الحسين بن علي قال : أتيت على عمر وهو يخطب على المنبر فصعدت إليه فقلت له : إنزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك ! فقال عمر : لم يكن لأبي منبر ! وأخذني فأجلسني معه
--------------------------- 161 ---------------------------
أقلب حصى بيدي ، فلما نزل انطلق بي إلى منزله فقال لي : من علمك ؟ فقلت : والله ما علمني أحد ! قال : يا بني لو جعلت تغشانا ، قال فأتيته يوماً وهو خال بمعاوية ، وابن عمر بالباب فرجع ابن عمر ورجعت معه ، فلقيني بعدُ فقال لي : لم أرك ! فقلت : يا أمير المؤمنين إني جئت وأنت خال بمعاوية ، وابن عمر بالباب فرجع ورجعت معه ! فقال : أنت أحق بالإذن من ابن عمر ، وإنما أنبت ما ترى في رؤوسنا الله ثم أنتم » !
وقال ابن حجر الهيتمي ( بالتاء ) في الصواعق المحرقة : 2 / 515 : « وأخرج الدارقطني أن الحسن جاء لأبي بكر وهو على منبر رسول الله فقال : إنزل عن مجلس أبي ! فقال : صدقت والله إنه لمجلس أبيك ! ثم أخذه وأجلسه في حجره وبكى ، فقال علي : أما والله ما كان عن رأيي ! فقال صدقت والله ما اتهمتك . فانظر لعظم محبة أبي بكر وتعظيمه وتوقيره للحسن ، حيث أجلسه على حجره وبكى . ووقع للحسين نحو ذلك مع عمر وهو على المنبر فقال له : منبر أبيك والله لا منبر أبي ! فقال علي : والله ما أمرت بذلك ! فقال عمر : والله ما اتهمناك . زاد ابن سعد أنه أخذه فأقعده إلى جنبه وقال : وهل أنبت الشعر على رؤوسنا إلا أبوك ! أي إن الرفعة ما نلناها إلا به » .
ورواه الذهبي في سيره : 3 / 285 ، وفيه : « قال : أي بني ! وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إلا الله ثم أنتم ! ووضع يده على رأسه ، وقال : أي بني ! لو جعلت تأتينا وتغشانا . إسناده صحيح » . راجع المسانيد للأنصاري : 2 / 88 ، والرياض النضرة : 1 / 561 ، والإصابة : 2 / 69 ، والمراجعات / 396 ، وشرح النهج : 6 / 42 ، وكنز العمال : 13 / 654 ، ومعرفة الثقات : 1 / 302 ، وتاريخ بغداد : 1 / 151 ، وتاريخ دمشق : 14 / 175 ، وتاريخ المدينة : 3 / 799 ، ومناقب محمد بن سليمان : 2 / 255 ومن مصادرنا : علل الشرائع : / 186 ، والغدير : 7 / 126 ، ومستدرك الوسائل : 15 / 165 ،
--------------------------- 162 ---------------------------
وفي أمالي الطوسي / 703 : « أتى عمر بن الخطاب وهو على المنبر يوم الجمعة فقال له : إنزل عن منبر أبي ، فبكى عمر ثم قال : صدقت يا بني منبر أبيك لا منبر أبي ! فقال علي : ما هو والله عن رأيي قال : صدقت والله ما اتهمتك يا أبا الحسن . ثم نزل عن المنبر ، فأخذه فأجلسه إلى جانبه على المنبر ، فخطب الناس وهو جالس معه على المنبر ، ثم قال : أيها الناس ، سمعت نبيكم يقول : احفظوني في عترتي وذريتي ، فمن حفظني فيهم حفظه الله ، ألا لعنة الله على من آذاني فيهم ! ثلاثاً » .
ورواه الإحتجاج : 2 / 13 ، وفيه : « فقال له الحسين ( عليه السلام ) من ناحية المسجد : إنزل أيها الكذاب عن منبر أبي رسول الله لا منبر أبيك ! فقال له عمر : فمنبر أبيك لعمري يا حسين لا منبر أبي ! من علمك هذا أبوك علي بن أبي طالب ؟
فقال له الحسين : إن أطع أبي فيما أمرني ، فلعمري إنه لها وأنا مهتد به ، وله في رقاب الناس البيعة على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، نزل بها جبرئيل من عند الله تعالى لا ينكرها إلا جاحد بالكتاب ، قد عرفها الناس بقلوبهم وأنكروها بألسنتهم وويل للمنكرين حقنا أهل البيت ، ماذا يلقاهم به محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، من الغضب وشدة العذاب !
فقال عمر : يا حسين من أنكر حق أبيك فعليه لعنة الله ، أمرنا الناس فتأمرنا ، ولو أمروا أباك لأطعنا ! فقال له الحسين : يا ابن الخطاب فأي الناس أمرك على نفسه قبل أن تؤمر أبا بكر على نفسك ليؤمرك على الناس ، بلا حجة من نبي ولا رضا من آل محمد ، فرضاكم كان لمحمد رضا ؟ أو رضا أهله كان له سخطاً ؟ أما والله لو أن للسان مقالاً يطول تصديقه ، وفعلاً يعينه المؤمنون ، لما تخطيت رقاب آل محمد ، ترقى منبرهم ، وصرت الحاكم عليهم بكتاب نزل فيهم ، لا
--------------------------- 163 ---------------------------
تعرف معجمه ، ولا تدري تأويله ، إلا سماع الآذان ، المخطئ والمصيب عندك سواء ، فجزاك الله جزاك ، وسألك عما أحدثت سؤالا حفياً !
قال فنزل عمر مغضباً ، فمشى معه أناس من أصحابه حتى أتى باب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فاستأذن عليه فأذن له فدخل فقال : يا أبا الحسن ما لقيت اليوم من ابنك الحسين ، يجهرنا بصوت في مسجد رسول الله ويحرض علي الطغام وأهل المدينة ، فقال له الحسن : على مثل الحسين ابن النبي ( صلى الله عليه وآله ) يشخب بمن لا حكم له أو يقول بالطغام على أهل دينه ؟ أما والله ما نلت إلا بالطغام ، فلعن الله من حرض الطغام !
فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : مهلاً يا أبا محمد فإنك لن تكون قريب الغضب ولا لئيم الحسب ، ولا فيك عروق من السودان ، إسمع كلامي ولا تعجل بالكلام .
فقال له عمر : يا أبا الحسن إنهما ليهمان في أنفسهما بما لا يرى بغير الخلافة !
فقال أمير المؤمنين : هما أقرب نسباً برسول الله من أن يَهِمَّا ، أمَا فارضهما يا ابن الخطاب بحقهما يرض عنك من بعدهما . قال : وما رضاهما يا أبا الحسن ؟ قال : رضاهما الرجعة عن الخطيئة ، والتقية عن المعصية بالتوبة . فقال له عمر : أدب يا أبا الحسن ابنك أن لا يتعاطى السلاطين الذين هم الحكام في الأرض !
فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أنا أؤدب أهل المعاصي على معاصيهم ، ومن أخاف عليه الزلة والهلكة ، فأما من والده رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ونَحَله أدبه ، فإنه لا ينتقل إلى أدب خير له منه ، أما فارضهما يا بن الخطاب ! قال : فخرج عمر فاستقبله عثمان بن عفان وعبد الرحمان بن عوف ، فقال له عبد الرحمن : يا أبا حفص ما صنعت فقد طالت بكما الحجة ؟ فقال له عمر : وهل حجة مع ابن أبي طالب وشبليه ؟ ! فقال له عثمان : يا ابن الخطاب ، هم بنو عبد مناف الأسمنون والناس عجاف !
--------------------------- 164 ---------------------------
فقال له عمر : ما أعدُّ ما صرت إليه فخراً ، فخرت به بحمقك ! فقبض عثمان على مجامع ثيابه ثم نبذ به ورده ، ثم قال له : يا ابن الخطاب ، كأنك تنكر ما أقول فدخل بينهما عبد الرحمن وفرق بينهما ، وافترق القوم » .
أسئلة :
س 1 : هل يدل هذا الحديث على أن الحسن والحسين وأباهما ( عليهم السلام ) كانوا يرون أن أبا بكر وعمر لاحق لهما في صعود منبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولماذا ؟ !
س 2 : ما هو سبب سكوت الشيخين على فعل الحسنين ( عليهما السلام ) ، وهل هو بسبب ليونتهما مع المعارضين ، أم لأن الجو العام لا يسمح لهم بموقف سلبي ؟
س 3 : ما معنى قول أبي بكر وعمر في رواية ابن حجر : وإنما أنبت ما ترى في رؤوسنا الله ثم أنتم ! وهل أنبت الشعر على رؤوسنا إلا أبوك ! وفي رواية الذهبي التي صححها : وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إلا الله ثم أنتم ؟ !
وهل أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) شريك في نعم الله تعالى على الناس أو على المسلمين ؟ !
س 4 : ما معنى قوله تعالى : وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ؟ ! وهل ينسجم ذلك مع دين الوهابية الذي يجعل الإعتقاد بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو الأئمة ( عليهم السلام ) واسطة في الرزق والنعم ، شركاً أكبر يخرج عن الملة ؟ !

( م 219 ) اختلف أبو بكر وعمر على ما ليس لهما وتصايحا !

لم تكن علاقة أبي بكر وعمر صافية ، وقد اتفقت المصادر على أنهما اختلفا وتصايحا بمحضر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ورفعا صوتيهما على صوته فنزلت سورة الحجرات : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا
--------------------------- 165 ---------------------------
لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ . إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ . إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ . وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . ( الحجرات : 1 - 5 )
وقد حوَّل رواة السلطة هذه الآيات إلى مدح لهما ، وأخفوا مخالفتهما للأحكام والآداب التي تضمنتها ! فقد روى بخاري في صحيحه : ( 6 / 47 ) : « قدم ركب من بني تميم على النبي ( ص ) فقال أبو بكر : أمِّر القعقاع بن معبد . وقال عمر : أمِّر الأقرع بن حابس . فقال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي ! فقال عمر : ما أردت خلافك ! فتماريا ، حتى ارتفعت أصواتهما ، فنزل في ذلك : لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ » .
وروى في صحيحه ( 6 / 46 ، و : 8 / 145 ) : « عن ابن أبي مليكة قال : كاد الخيِّران أن يهلكا أبا بكر وعمر رفعا أصواتهما عند النبي ( ص ) حين قدم عليه ركب بني تميم ، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع ، وأشار الآخر برجل آخر . قال نافع لا أحفظ اسمه . فقال أبو بكر لعمر : ما أردت إلا خلافي ! قال : ما أردت خلافك ! فارتفعت أصواتهما في ذلك فأنزل الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ ، الآية . قال ابن الزبير : فما كان عمر يُسمع رسول الله ( ص ) بعد هذه الآية حتى يستفهمه » .
لاحظ أن السورة بدأت بالنهي على التقديم بين يدي النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقد فعل ذلك أبو بكر وعمر فقالا له : إفعل كذا ولا تفعل كذا ! وكأنهما أصحاب الحق في تعيين الولاة ، كما قالا من قبل : لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شَيءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا !
كما نهت السورة عن الجدل عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ورفع الصوت فوق صوته ، وقد تجادلا بالمراء ، ورفعا صوتيهما فوق صوته !
--------------------------- 166 ---------------------------
كما جعلت عقوبة ذلك إحباط العمل ، فهي معصية كبيرة تستوجب التوبة والاستغفار ، ولم يرووا أنهما تابا واعتذرا من النبي ( صلى الله عليه وآله ) وطلبا أن يستغفر لهما !
كما أخفوا علاقة أبي بكر وعمر بقوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ! بل زعموا أن عمر كان يطبق حدود الله تعالى ويتأدب بأدب القرآن ، فكان يكلم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بصوت منخفض طول عمره كأخي السرار ، أي كمن يقول للآخر سراً ! وذلك ليغطوا أنه كان ينادي النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالصياح من وراء الحجرات ، كما فعل عندما تأخر النبي ( صلى الله عليه وآله ) عمداً عن صلاة العشاء فصاح عمر : نام النساء والصبيان ! وروى مسلم ( 2 / 115 ) فخرج النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال : « ما كان لكم أن تنزروا رسول الله على الصلاة ! وذاك حين صاح عمر بن الخطاب » !
كما غطوا صياح عمر وأصحابه في وجه النبي ( صلى الله عليه وآله ) عندما قال لأصحابه في مرض وفاته : إيتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً ، فصاح عمر : حسبنا كتاب الله ، إن النبي ليهجر ! وصاح أنصاره : القول ما قال عمر ! حتى طردهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال قوموا عني !
وزعم رواة السلطة أن النداء من وراء الحجرات لم يكن من أبي بكر وعمر ، وقالوا إن المنادين وفد بني تميم الذين تصايح أبو بكر وعمر من أجل ترئيس فلان أو فلان عليهم ! ( فتح الباري : 8 / 453 ) !
أسئلة :
س 1 : ما معنى مطلع سورة الحجرات : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ، وما حكم من ارتكب ذلك كأبي بكر وعمر ؟
س 2 : ما قولكم في فضول أبي بكر وعمر وتقديمها بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكأنهما شريكان في نبوته أو وليان عليه ، وكل منهما يريد تزعيم صديقه على قبيلته !
--------------------------- 167 ---------------------------
وهكذا كان دأبهما مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فعندما رجعا من فرارهما في حنين ، أخذا يتدخلان في الغنائم ! « وقال أبو قتادة : يا رسول الله إني ضربت رجلاً على جبل العاتق وعليه درع له قد تحصفت عنه فأعجلت عنه قال فانظر من أخذها ، فقام رجل فقال : أنا أخذتها فأرضه عنها فلو أعطيتنيها ؟ وكان رسول الله ( ص ) لا يسأل شيئاً إلا أعطاه أو سكت ، فسكت رسول الله فقال عمر : لا والله لا يفيؤها الله على أسد من أسده ، ويعطيكها ! فضحك رسول الله » . ( كنز العمال : 10 / 552 ) ورواها أبو داود ( 1 / 616 ) عن أبي بكر قال : « فقال أبو بكر الصديق : لاها الله ، إذا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه ! فقال رسول الله ( ص ) : صدق فأعطه إياه » !
وحذف منه البخاري ( 3 / 16 ) ذكر أبي بكر وعمر !
وروى بخاري عن عمر شكاية أم سلمة من فضوله ، قال ( 6 / 69 ) : « فقالت أم سلمة : عجباً لك يا ابن الخطاب دخلت في كل شئ حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله ( ص ) وأزواجه » !
س 3 : هل ثبت عندكم توبة أبي بكر وعمر من رفع صوتيهما على صوت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟
س 4 : هل وجدتم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) استغفر في يوم من الأيام لأبي بكر أو عمر ؟ !

( م 220 ) كان أبو بكر وعمر صديقين لدودين !

وقد واجه أبو بكر عمر برأيه فيه ، بأنه جبارٌ في الجاهلية خَوَّاٌر في الإسلام ! وقد تقدم ذلك من الدر المنثور ( 3 / 241 ) عن البيهقي وابن عساكر .
لكن عمر لم يظهر رأيه الواقعي في أبي بكر إلا بعد موته ، فوصفه بأنه تقدم عليه ظالماً ، وأنه أحسد قريش ، وأحيمق تيم ، وضئيل تيم !
--------------------------- 168 ---------------------------
ولعل أول ما قاله عمر في أبي بكر كان في قصة الحطيئة الشاعر ، قال الشريف المرتضى ( رحمه الله ) في الشافي : 4 / 126 : « مع أنه قد كان يبدر منه أعني عمر في وقت بعد آخر ما يدل على ما ذكرناه ، وقد روى الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش الهمداني عن سعيد بن جبير قال : ذكر أبو بكر وعمر عند عبد الله بن عمر فقال رجل : كانا والله شمسي هذه الأمة ونوريها ، فقال له ابن عمر : وما يدريك ؟ فقال له الرجل : أوليس قد إئتلفا ؟ فقال ابن عمر : بل اختلفا لو كنتم تعلمون ، وأشهد أني عند أبي يوماً وقد أمرني أن أحبس الناس عنه ، فاستأذن عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقال عمر : دويبة سوء ولهو خير من أبيه ، فأوحشني ذلك منه ، فقلت : يا أبه عبد الرحمن خير من أبيه ! فقال : ومن ليس خيراً من أبيه لا أم لك ! إئذن لعبد الرحمن ، فدخل عليه فكلمه في الحطيئة الشاعر أن يرضى عنه ، وكان عمر قد حبسه في شعر قاله ، فقال عمر : إن الحطيئة لبذي فدعني أقوِّمه بطول الحبس فألح عليه عبد الرحمن وأبى عمر ! وخرج عبد الرحمن فأقبل عليَّ أبي وقال : أفي غفلة أنت إلى يومك هذا على ما كان من تقدم أحيمق بني تيم علي وظلمه لي ؟ فقلت : يا أبه لا علم لي بما كان من ذلك ! فقال : يا بني وما عسيت أن تعلم ! فقلت : والله لهو أحب إلى الناس من ضياء أبصارهم ! قال : إن ذلك لكذلك على رغم أبيك وسخطه ! فقلت : يا أبه أفلا تحكي عن فعله بموقف في الناس تبين ذلك لهم ، قال : وكيف لي بذلك مع ما ذكرت أنه أحب إلى الناس من ضياء أبصارهم ، إذن يرضخ رأس أبيك بالجندل ! قال ابن عمر : ثم تجاسر والله فجسر فما دارت الجمعة حتى قام خطيباً في الناس فقال : يا أيها الناس إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه ! .
--------------------------- 169 ---------------------------
وقال الشريف المرتضى في الشافي : 4 / 1286 : « وروى الهيثم بن عدي أيضاً عن مجالد بن سعيد قال : غدوت يوماً إلى الشعبي وإنما أريد أن أسأله عن شئ بلغني عن ابن مسعود أنه كان يقوله ، فأتيته في مسجد حيه ، وفي المسجد قوم ينتظرونه فخرج فتعرفت إليه وقلت : أصلحك الله كان ابن مسعود يقول : ما كنت محدثاً قوماً حديثاً لا يبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ، قال : نعم ، قد كان ابن مسعود يقول ذلك ، وكان ابن عباس يقوله أيضاً ، وكان عند ابن عباس دفائن علم يعطيها أهلها ويصرفها عن غيرهم ، فبينا نحن كذلك إذ أقبل رجل من الأزد فجلس إلينا ، فأخذنا في ذكر أبي بكر وعمر ، فضحك الشعبي وقال : لقد كان في صدر عمر ضب ( أي حقد ) على أبي بكر ، فقال الأزدي : والله ما رأينا ولا سمعنا برجل قط كان أسلس قيادا لرجل ولا أقوله بالجميل فيه من عمر في أبي بكر ! فأقبل على عامر الشعبي فقال : هذا مما سألت عنه ، ثم أقبل على الرجل فقال يا أخا الأزد كيف تصنع بالفلتة التي وقى الله شرها أترى عدواً يقول في عدو ويريد أن يهدم ما بنى لنفسه في الناس أكثر من قول عمر في أبي بكر ؟ ! فقال الرجل : سبحان الله يا أبا عمرو أنت تقول ذلك ؟ ! فقال الشعبي : أنا أقوله ! قاله عمر بن الخطاب على رؤوس الأشهاد فلمه أودعه ! فنهض الرجل مغضباً وهو يهمهم بشئ لم أفهمه في الكلام ، فقال مجالد : فقلت للشعبي : ما أحسب هذا الرجل إلا سينقل عنك هذا الكلام إلى الناس ويبثه فيهم ، قال : إذا والله لا أحفل بذلك شيئاً لم يحفل به ابن الخطاب حين قام على رؤوس المهاجرين والأنصار ! وأنتم أيضاً فأذيعوه عني ما بدا لكم » !
وقال في الشافي : 4 / 1286 ، ونحوه ابن أبي الحديد في شرح النهج : 2 / 30 : « وقد روى شريك بن عبد الله النخعي ، عن محمد بن عمرو بن مرة عن أبيه عن عبد الله بن
--------------------------- 170 ---------------------------
سلمة عن أبي موسى الأشعري قال : حججت مع عمر بن الخطاب ، فلما نزلنا وعظم الناس خرجت من رحلي وأنا أريد عمر ، فلقيني المغيرة بن شعبة فرافقني ثم قال : أين تريد ؟ فقلت : أمير المؤمنين ، فهل لك ؟ قال : نعم ، فانطلقنا نريد رحل عمر ، فإنا لفي طريقنا إذ ذكرنا تولي عمر وقيادته بما هو فيه ، وحياطته على الإسلام ، ونهوضه بما قبله من ذلك ، ثم خرجنا إلى ذكر أبي بكر ، ثم قال : فقلت للمغيرة : يا لك الخير ، لقد كان أبو بكر مسدداً في عمر كأنه ينظر إلى قيامه من بعده ، وجده واجتهاده وعنائه في الإسلام ! فقال المغيرة : لقد كان ذلك ، وإن كان قوم كرهوا ولاية عمر ليزووها عنه ، وما كان لهم في ذلك من حظ ! فقلت له : لا أبا لك ! ما نرى القوم الذين كرهوا ذلك من عمر ، فقال لي المغيرة : لله أنت كأنك في غفلة لا تعرف هذا الحي من قريش ، وما قد خصوا به من الحسد ! فوالله لو كان هذا الحسد يدرك بحساب ، لكان لقريش تسعة أعشار الحسد وللناس عشر بينهم ، فقلت : مه يا مغيرة ! فإن قريشاً قد بانت بفضلها على الناس ! ولم نزل في ذلك حتى انتهينا إلى عمر بن الخطاب أو إلى رحله فلم نجده ، فسألنا عنه فقيل خرج آنفا ، فمضينا نقفو أثره حتى دخلنا المسجد فإذا عمر يطوف بالبيت فطفنا معه ، فلما فرغ دخل بيني وبين المغيرة فتوكأ على المغيرة ثم قال من أين جئتما ؟ فقلنا : يا أمير المؤمنين خرجنا نريدك فأتينا رحلك فقيل لها : خرج يريد المسجد فاتبعناك ، قال : تبعكما الخير ، ثم إن المغيرة نظر إلي فتبسم فنظر إليه عمر فقال : مم تبسمت أيها العبد ! فقال : من حديث كنت أنا وأبو موسى فيه آنفا في طريقنا إليك ، فقال : وما ذاك الحديث فقصصنا عليه الخبر حتى بلغنا ذكر حسد قريش وذكر من أراد صرف أبي بكر عن ولاية عمر ، فتنفس عمر الصعداء ثم قال : ثكلتك أمك يا مغيرة وما تسعة أعشار الحسد ، إن
--------------------------- 171 ---------------------------
فيها لتسعة أعشار الحسد ، وتسعة أعشار العشر ، وفي الناس عشر العشر ! وقريش شركاؤهم في عشر العشر أيضاً ، ثم سكت ملياً وهو يتهادى بيننا ، ثم قال : ألا أخبركما بأحسد قريش كلها ؟ قلنا : بلى يا أمير المؤمنين ، قال : وعليكما ثيابكما ، قلنا نعم ، قال : وكيف بذلك وأنتما ملبسان ثيابكما ؟ قلنا له : يا أمير المؤمنين وما بال الثياب ؟ قال : خوف الإذاعة من الثياب فقلت له : أتخاف الإذاعة من الثياب فأنت والله من ملبسي الثياب أخوف وما الثياب أردت ! قال : هو ذاك فانطلق وانطلقنا معه حتى انتهينا إلى رحله فخلى أيدينا من يده ثم قال : لا تريما ثم دخل فقلت للمغيرة : لا أبا لك لقد عثرنا بكلامنا وما كنا فيه ، وما أراه حبسنا إلا ليذاكرنا إياها قال : فإنا لكذلك إذ خرج علينا آذنه فقال : أدخلا فدخلنا ، فإذا عمر مستلق على برذعة الرحل فلما دخلنا أنشأ يتمثل بيت كعب بن زهير :
لا تفش سرك إلا عند ذي ثقة * أولى وأفضل ما استودعت أسرارا
صدراً رحيباً وقلباً واسعاً صمِتاً * لا تخش منه إذا أودعت إظهارا
فلما سمعناه يتمثل بالشعر علمنا أنه يريد أن نضمن له كتمان حديثه ، فقلنا له : يا أمير المؤمنين أكرمنا وخصنا ووصلنا قال : بماذا يا أخا الأشعريين ؟ قلنا : بإفشاء سرك إلينا وأشركنا في همك فنعم المستسران نحن لك ، فقال : إنكما لكذلك ، فاسألا عما بدا لكما . ، قال : فقام إلى الباب ليغلقه فإذا آذنه الذي أذن لنا عليه في الحجرة ، فقال : امض عنا لا أم لك ، فخرج وأغلق الباب خلفه ، ثم أقبل إلينا فجلس معنا ، فقال : سلا تخبرا قلنا : نريد أن تخبرنا بأحسد قريش الذي لم تأمن ثيابنا عليه أن تذكره لنا ، فقال : سألتما عن معضلة ، وسأخبركما فلتكن عندكما في ذمة منيعة ، وحرز ما بقيت ، فإذا مت فشأنكما وما أحببتما من إظهار أو كتمان !
--------------------------- 172 ---------------------------
قلنا : فإن لك عندنا ذلك . قال أبو موسى : وأنا أقول في نفسي ما أظنه يريد إلا الذين كرهوا من أبي بكر استخلافه عمر ، وكان طلحة أحدهم فأشاروا عليه ألا يستخلفه لأنه فظ غليظ ، ثم قلت في نفسي : قد عرفنا هؤلاء القوم بأسمائهم وعشائرهم ، وعرفهم الناس ، وإذا هو يريد غير ما نذهب إليه منهم ، فعاد عمر إلى النفس ثم قال : من تريانه ؟ قلنا : والله ما ندري إلا ظناً ، قال : ومن تظنان ؟ قلنا : نراك تريد القوم الذين أرادوا أبا بكر على صرف هذا الأمر عنك . قال : كلا ، بل كان أبو بكر أعق وأظلم ، هو الذي سألتما عنه كان والله أحسد قريش كلها ! ثم أطرق طويلاً فنظر إلي المغيرة ونظرت إليه ، وأطرقنا لإطراقه ، وطال السكوت منا ومنه حتى ظننا أنه قد ندم على ما بدا منه ، ثم قال : وا لهفاه على ضئيل بني تيم بن مرة ! لقد تقدمني ظالماً وخرج إلي منها آثماً ، فقال له المغيرة : هذا يقدمك ظالماً قد عرفنا فكيف خرج إليك منها آثماً ؟ قال : ذاك لأنه لم يخرج إلي منها إلا بعد يأس منها ، وأما والله لو كنت أطعت زيد بن الخطاب وأصحابه لم يتلمظ من حلاوتها بشئ أبداً ، ولكني قدمت وأخرت وصعدت وصوبت ونقضت وأبرمت ، فلم أجد إلا الإغضاء على ما نشبت منه فيها ، والتلهف على نفسي ، وأمَّلت إنابته ورجوعه ، فوالله ما فعل حتى فغر بها بشماً ، فقال له المغيرة بن شعبة : فما منعك منها وقد عرضها عليك يوم السقيفة بدعائك إليها ؟ ثم أنت الآن تنقم بالتأسف عليه ! فقال له : ثكلتك أمك يا مغيرة إن كنت لأعدك من دهاة العرب كأنك كنت غائباً عما هناك ، إن الرجل كادني فكدته وماكرني فماكرته ، وألفاني أحذر من قطاة ، إنه لما رأى شغف الناس به ، وإقبالهم بوجوههم عليه أيقن أن لا يريدوا به بدلاً ، فأحب لما رأى من حرص الناس عليه وشغفهم به أن يعلم ما عندي وهل تنازع إليها نفسي ، وأحب أن يبلوني
--------------------------- 173 ---------------------------
بإطماعي فيها والتعريض لي بها ، وقد علم وعلمت لو قبلت ما عرض علي منها لم يجبه الناس إلى ذلك ، فألقاني قائماً على أخمصي متشوزاً حذراً ! ولو أجبته إلى قبولها لم يسلم الناس إلى ذلك واختبأها ضغناً علي في قلبه ، ولم آمن غائلته ولو بعد حين ، مع ما بدا لي من كراهية الناس ، أما سمعت نداءهم من كل ناحية عند عرضها علي لا نريد سواك يا أبا بكر أنت لها ! فرددتها عليه فعند ذلك رأيته وقد التمع وجهه لذلك سروراً .
ولقد عاتبني مرة على شئ بلغه عني وذلك لما قدم بالأشعث بن قيس أسيراً فمنَّ عليه وأطلقه وزوجه أخته أم فروة بنت أبي قحافة ، فقلت للأشعث وهو بين يدي أبي بكر : يا عدو الله أكفرت بعد إسلامك ! وارتددت كافراً ناكصاً على عقبيك ؟ فنظر إلى الأشعث نظراً شزراً علمت له أنه يريد كلاماً يكلمني به ، ثم سكت فلقيني بعد ذلك في بعض سكك المدينة فرافقني ثم قال لي : أنت صاحب الكلام يا ابن الخطاب ؟ قلت : نعم يا عدو الله ، ولك عندي شر من ذلك ، فقال : بئس الجزاء هذا لي منك ؟ فقلت : على م تريد مني حسن الجزاء ؟ قال : لا نفتي لك من اتباع هذا الرجل يريد أبا بكر ، وما جرأني على الخلاف عليه إلا بقدمه عليك وتخلفك عنها ، ولو كنت صاحبها ما رأيت مني خلافاً عليك ! قلت : قد كان ذلك فما تأمر الآن ؟ قال : ما هذا وقت أمر إنما هو وقت صبر ، حتى يأتي الله بفرج ومخرج ! فمضى ومضيت . ولقي الأشعث بن قيس الزبرقان بن بدر السعدي ، فذكر له ما جرى بيني وبينه ، فنقل الزبرقان إلى أبي بكر الكلام فأرسل إلي فأتيته فذكر لي ذلك ثم قال : إنك لمتشوف إليها يا ابن الخطاب ، فقلت : وما يمنعني من التشوف لذلك ، فذكر أحق به فمن غلبني عليه ، أما والله لتكفن أو لأقولن كلمة بالغة بي وبك في الناس يحملها الركبان حيث ساروا
--------------------------- 174 ---------------------------
، وإن شئت استدمنا ما نحن فيه عفواً ، فقال : إذا نستديمها على أنها صائرة إليك إلى أيام ، فما ظننت أنه يأتي عليه جمعة حتى يردها عليَّ فتغافل والله ، فما ذكر لي والله بعد ذلك المجلس حرفاً حتى هلك ولقد مد في أمدها عاضا على نواجذه حتى حضره الموت فأيس منها فكان منه ما رأيتما ، ثم قال : أكتما ما قلت لكما عن بني هاشم خاصة وليكن منكم حيث أمرتكما ! إذا شئتما على بركة الله . فمضينا ونحن نعجب من قوله ، ووالله ما أفشينا سره حتى هلك » ! !
وختم الشريف المرتضى ( قدس سره ) بقوله : « فكأني بهم عند سماع هذه الأخبار يستغرقون ضحكاً تعجباً واستبعاداً وإنكاراً ويقولون : كيف نصغي إلى هذه الأخبار ، ومعلوم ضرورة تعظيم عمر لأبي بكر ووفاقه له ، وتصويبه لإمامته ، وكيف يطعن عمر في إمامة أبي بكر وهي أصل لإمامته . . . وليس في طعن عمر على بيعة أبي بكر ما يؤدي إلى فساد إمامته ، لأنه يمكن أن يكون ذهب إلى أن إمامته لم تثبت إلا بالنص عليه ، وإنما ثبتت بالإجماع من الأمة والرضا ، فقد ذهب إلى ذلك جماعة من الناس ، ويرى أن إمامته أولى من حيث لم تقع بغتة ولا فجأة ، ولا اختلف الناس في أصلها وامتنع كثير منهم من الدخول فيها حتى أكرهوا وتهددوا وخوفوا » .
راجع في قصة حبس عمر للحطيئة العبسي : المحلى : 11 / 193 ، والإيضاح / 135 ، و 138 ، والإصابة : 2 / 150 ، والمسترشد / 245 و 253 وشرح النهج : 17 / 209 ، وكنز العمال : 3 / 843 .
أسئلة :
س 1 : هل يمكن القول إن اتفاق أبي بكر وعمر على العمل لأخذ الخلافة كان أمراً لله وبالله ، وأن بيعة عمر لأبي بكر ووصية أبي بكر له كانت بدون اتفاق على التقاسم ؟ !
س 2 : نلاحظ أن أبا بكر مات مسموماً ، وأنه كان يخاف ذلك فما أن بايعوه حتى استدعى طبيب السموم المعروف من الطائف الحارث بن بن كلدة فكان يراقب طعامه وكان لا يأكل إلا معه ، فقال له يوماً : إرفع يدك فإن الطعام مسموم وأموت أنا وأنت
--------------------------- 175 ---------------------------
معاً بعد ثلاثة أيام ! وفي رواية بعد سنة ! فمات أبو بكر وطبيبه ! ( الطبقات : 3 / 198 وتاريخ دمشق : 30 / 409 ، والإصابة : 4 / 149 ، والرياض النضرة : 2 / 243 ، ومسائل أحمد / 75 ، وتخريج الدلالات السمعية / 47 ، والصواعق : 1 / 253 ، وتاريخ الخلفاء / 61 ) .
وقد كتب أبو بكر وصيته لعمر وهو يغمى عليه فأكملها عثمان ، وأول عمل قام به عمر أنه منع إقامة مجلس النوح على أبي بكر ، وهاجم بيته وضرب ابنته لأنها كانت تنوح عليه ! ففي شرح النهج : 1 / 60 : إن أول من ضربها عمر بالدرة أم فروة بنت أبي قحافة حين مات أبو بكر فبكت عليه ! وذكر رد عائشة عليه بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم ينه عن البكاء على الميت . ( الحاكم : 1 / 381 ) .
ثم أغلق عمر ملف سم أبي بكر ولم يفتحه ، ولم يوجه التهمة إلى أحد ، مع أنه المستفيد الوحيد من موته ! فكيف تفسرون هذه الأحداث الغريبة ؟ !

( م 221 ) كشف علي ( عليه السلام ) وجود اتفاقية سرية بين أبي بكر وعمر !

كانت قريش في حجة الوداع مستنفرة خوفاً من فرض النبي ( صلى الله عليه وآله ) خلافة عترته عليها ! وكان المتآمرون لقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) في طريق تبوك موجودين معه في حجة الوداع ! وقد فرحوا لأنه ( صلى الله عليه وآله ) لم يستطع أن يكشف أسماءهم ، ولا أن يعاقبهم على مؤامرة تبوك ! واعتبروا ذلك انتصاراً بالحد الأدنى عليه ( صلى الله عليه وآله ) !
وكانوا يرون أنه ماضٍ في تركيز خلافة علي ( عليه السلام ) ، فقد أشاد به في طريق تبوك ، وفي المدينة بعد عودته ، وسحب سورة براءة من أبي بكر وبعث علياً بدله بها ، لأن جبرئيل أمره بأنه لا يبلغ عنه إلا هو أو رجل منه !
--------------------------- 176 ---------------------------
ثم أشركه في أضاحيه لأنهما من ولد عبد المطلب ، وجعلها مئة ناقة على عدد نذر عبد المطلب عن أبيه عبد الله . ثم خص ابنته فاطمة بأضحية وقال لها قومي فاشهدي أضحيتك ( المغني : 1 / 156 ) بينما ذبح لكل نسائه بقرة ( المغني : 3 / 501 ) .
وتواصلت أحاديثه عن مكانة علي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ، فقال إن فاطمة سيدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وإنهما إمامان قاما أو قعدا ، وإن علياً أسد الله وأسد رسوله وولي المؤمنين بعده .
ثم كان يؤكد على ميزانية ( الخمس ) التي جعلها الله لبني هاشم لينزههم عن الزكوات التي هي أوساخ الناس ، وهذا أقصى الرفعة لهم !
ثم لم يرض بذلك حتى قرن عترته بالقرآن وأوصى بهما الأمة ، ثم بشر باثني عشر إماماً ربانيين من عترته ، أي أن إمامتهم من الله ! فماذا بقي لقبائل قريش ؟ !
ثم رأته قريش يتعمد الحديث عن ظلمهم ومحاصرتهم له ولبني هاشم سنين في شعب أبي طالب ، فقد أعلن يوم التروية : « منزلنا غداً إن شاء الله تعالى بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر » . ( صحيح بخاري : 2 / 158 ) ثم كررها بعد عرفات ( بخاري : 4 / 247 ) . وكان أكد عليها يوم فتح مكة !
فلم يكن عند قريش حل لمشكلتهم إلا بمواصلة العمل لقتل محمد ! وبالحيلولة عملياً بكل وسيلة بينه وبين إعلانه علياً ( عليه السلام ) خليفة ، حتى بالتشويش على كلامه ( صلى الله عليه وآله ) وبالقول للناس إنه لم يقل ، وبالتهديد بالردة عندما يلزم ذلك ! وهو الأمر الذي يخاف من النبي ( صلى الله عليه وآله ) كثيراً !
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « إن العرب كرهت أمر محمد ( صلى الله عليه وآله ) وحسدته على ما آتاه الله من فضله واستطالت أيامه ! حتى قذفت زوجته ونفرت به ناقته ، مع عظيم
--------------------------- 177 ---------------------------
إحسانه إليها وجسيم مننه عندها ! وأجمعت مذ كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته » ! ( شرح النهج : 20 / 298 ) .
ولم يكتف الناشطون لأخذ الخلافة حتى كتبوا بينهم معاهدة ! قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : « كنت دخلت مع أبي الكعبة فصلى على الرخامة الحمراء بين العمودين فقال : في هذا الموضع تعاقد القوم إن مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أو قتل ألا يردوا هذا الأمر في أحد من أهل بيته أبداً ! قال قلت : ومن كان ؟ قال : كان الأول والثاني وأبو عبيدة بن الجراح وسالم ابن الحبيبة » ! ( الكافي : 4 / 545 ) .
وفي الاستغاثة : 2 / 66 : « وأما أبو عبيدة الجراح فالرواية عن أهل البيت ( عليهم السلام ) أنه كان أمين القوم الذين تحالفوا في الكعبة الشريفة أنه إن مات محمد أو قتل لا يصيروا هذا الأمر إلى أهل بيته من بعده ، وكتبوا بينهم صحيفة بذلك ، ثم جعلوا أبا عبيدة بينهم أميناً على تلك الصحيفة ، وهي الصحيفة التي روت العامة أن أمير المؤمنين دخل على عمر وهو مسجى فقال : ما أبالي أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجى ، وكان عمر كاتب الصحيفة فلما أودعوه الصحيفة خرجوا من الكعبة الشريفة ودخلوا المسجد ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيه جالساً فنظر إلى أبي عبيدة فقال : هذا أمين هذه الأمة على باطلها ! يعني أمين النفر الذين كتبوا الصحيفة ! فروت العامة أن رسول الله قال : أبو عبيدة أمين هذه الأمة » !
أقول : كان أبيَّ بن كعب ( رحمه الله ) كان يسميهم أصحاب العقدة ويقول كما في رواية عبد الرزاق : 8 / 620 ، والحاكم : 4 / 527 : « هلك أهل هذه العقدة ورب الكعبة ! هلكوا وأهلكوا كثيراً ! أما والله ما عليهم آسى ولكن على من يهلكون من أمة محمد ( صلى الله عليه وآله ) » !
وروت مصادر السنيين قول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لأبي بكر وعمر عندما أرادوا إجباره على بيعتهما ، فقال لهما كما روى ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ( 1 / 18 ) : « احتججتم به
--------------------------- 178 ---------------------------
على الأنصار . . نحن أولى برسول الله حياً وميتاً فأنصفونا إن كنتم تؤمنون ، وإلا فبوؤوا بالظلم وأنتم تعلمون ! فقال له عمر : إنك لست متروكاً حتى تبايع ، فقال له علي : إحلب حلباً لك شطره ، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غداً ! ثم قال : والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه . فقال له أبو بكر : فإن لم تبايع فلا أكرهك » وشرح النهج : 6 / 11 ، والسقيفة للجوهري / 62 .
وعندما أوصى أبو بكر لعمر قال له علي ( عليه السلام ) : « حلبت حلباً لك شطره ! بايعته عام أول وبايع لك العام » ( أنساب الأشراف للبلاذري : 10 / 375 ) .
أسئلة :
س 1 : ما معنى قول علي ( عليه السلام ) « لَشَدَّ مَا تَشَطَّرا ضَرْعَيْهَا » فهل يقصد أن تنازعهما فيها كان شديداً ، أو يقصد أنهما طالما حلما بها ؟ !
س 2 : نحن نقول إن اتفاقاً رباعياً مكتوباً تم في حجة الوداع بين الشيخين وأبي عبيدة وسلم الفارسي مولى حذيفة . ولذلك كان عمر يقول عندما طُعن : لو كان أبو عبيدة حياً لوليته ، ولو كان سالم حياً لوليته ! وإلا فما تفسير كلامه ؟ !
س 3 : ما معنى قول علي ( عليه السلام ) الذي رواه ابن قتيبة : « احتججتم به على الأنصار . . نحن أولى برسول الله حياً وميتاً ، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون ، وإلا فبوؤوا بالظلم وأنتم تعلمون » ؟ !
س 4 : لماذا لم تكشفوا عن المنافقين الذين أرادوا قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) في ليلة العقبة ؟
وما معنى قول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الذي تقدم برواية ابن أبي الحديد المعتزلي : « إن العرب كرهت أمر محمد ( صلى الله عليه وآله ) وحسدته على ما آتاه الله من فضله واستطالت أيامه ! حتى قذفت زوجته ونفرت به ناقته ، مع عظيم إحسانه إليها وجسيم مننه عندها ! وأجمعت مذ كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته » ؟ !
--------------------------- 179 ---------------------------

( م 222 ) تناقض أبي بكر وعمر في الفقه الدستوري !

ما رأيكم فيما قاله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كما في كتاب سليم بن قيس / 241 : « ثم أقبل علي ( عليه السلام ) على القوم فقال : سبحان الله ، مما أشربت قلوب هذه الأمة من بليتهما وفتنتهما من عجلها وسامريها ! إنهم أقروا وادعوا أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يستخلف أحداً ، وأنه أمر بالشورى ! وإن نبي الله قال : إن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت بين النبوة والخلافة ! ، وقد قال لأولئك الثمانين رجلاً : سلموا على علي بإمرة المؤمنين ، وأشهدهم على ما أشهدهم عليه !
والعجب أنهم أقروا ثم ادعوا أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يستخلف أحداً وأنهم أمروا بالشورى ، ثم أقروا أنهم لم يشاوروا في أبي بكر وأن بيعته كانت فلتة ! وأي ذنب أعظم من الفلتة ؟ ! ثم استخلف أبو بكر عمر ولم يقتد برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيدعهم بغير استخلاف فقيل له في ذلك ، فقال : أدع أمة محمد كالنعل الخلق أدعهم بغير أحد أستخلف عليهم ؟ ! طعناً منه على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ورغبة عن رأيه ! ثم صنع عمر شيئاً ثالثاً ! لم يدعهم على ما ادعى أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يستخلف ولا استخلف كما استخلف أبو بكر ، وجاء بشئ ثالث وجعلها شورى بين ستة نفر وأخرج منها جميع العرب ! ثم حظى بذلك عند العامة ، فجعلهم مع ما أشربت قلوبهم من الفتنة والضلالة أقراني ! ثم بايع ابن عوف عثمان فبايعوه ، وقد سمعوا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في عثمان ما قد سمعوا من لعنه إياه في غير موطن »
وفيما قاله محمد بن جرير الطبري الشيعي في المسترشد / 569 : « زعمتم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) جعل الأمر إلى الأمة فجاءت جماعة من الأمة ، فاختارت أبا بكر ! فينبغي إن كان الأمر على ما زعمتم أن يدع الأمر أبو بكر من بعده كما تركه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ولا
--------------------------- 180 ---------------------------
يولي عمر ! وكان يجب على عمر أن يدع ذلك كما تركه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ولا يجعل الأمر في ستة نفر ! بل يجعل الأمر إلى الأمة كلها ولا يحصره في ستة ! ثم لم يرض بذلك حتى أمر بضرب أعناقهم إن لم يبرموا أمرهم !
فأبو بكر لم يقتد برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في مذهبهم ! وعمر ، فلا برسول الله اقتدى ، ولا بصاحبه أبي بكر ! فهؤلاء كلهم قد خالفوا أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بزعمهم ، وقام بعد ذلك عثمان بالأمر ، وعقدوا له البيعة في أعناقهم ، ثم ادعوا عليه أنه قد غير وبدل ، ثم راودوه على خلعها وتوعدوه بالقتل إن لم يفعل ، فقال : ما كنت لأخلع سربالاً سربلينه الله ! فلما أبى عليهم قتلوه !
فلا أعلم تخليطاً أعجب من هذا التخليط الذي لا يشبه أوله آخره ، وكيف ادعوا واستجازوا لأنفسهم ، أن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أهمل أمرهم ووكلهم إلى أنفسهم وجعل الاختيار إليهم ، وهو عاقل يعرف سريرة القوم وعلانيتهم ، والقوم جهال لا يميزون بين الصالح والطالح ؟ ! وكيف يقدرون على استخراج الأفضل والأعلم مع تخلفهم ! ولا يعرف ذلك إلا العالم المستغنى بنفسه ، والمعلم الذي هو الرسول ( صلى الله عليه وآله ) » ؟ !

( م 223 ) هل أن مكان قبرهما في بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) مغصوب ؟

قال عمر لابنه وهو يحتضر ، كما في البخاري ( 4 / 205 ) : « انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل يقرأ عليك عمر السلام ، ولا تقل أمير ا لمؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً ، وقل : يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه ، فسلم واستأذن ، ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي ، فقال : يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام
--------------------------- 181 ---------------------------
ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه ؟ فقالت : كنت أريده لنفسي ولأؤثرنه به اليوم على نفسي ! فلما أقبل قيل هذا عبد الله بن عمر قد جاء . قال : إرفعوني فأسنده رجل إليه فقال : ما لديك ؟ قال : الذي تحب يا أمير المؤمنين ، أذنتْ . قال : الحمد لله ما كان من شئ أهم إليَّ من ذلك ، فإذا أنا قضيت فاحملوني ثم سلم ، فقل يستأذن عمر بن الخطاب ، فإن أذنت لي فأدخلوني ، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين » .
فقد جعل عمر مكان قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وما حوله ملكاً لعائشة ، مع أنه ملك للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ورثته فاطمة ( عليها السلام ) ، ولو ورثت منه عائشة فحفصة مثلها !
ولو كان للمسلمين وجعل أبو بكر عائشة ولية عليه فعزلها بيد عمر ، فكيف حصر التصرف بالمكان بها ، وقال : « فإن أذنت لي فأدخلوني وإن ردتني ردوني » ؟ !
أما أهل البيت ( عليهم السلام ) فردوا قول عمر وعائشة ، قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) كما في الكافي : 1 / 300 : « لما حضر الحسن بن علي ( عليه السلام ) الوفاة قال للحسين ( عليه السلام ) : يا أخي إني أوصيك بوصية فاحفظها ، إذا أنا مت فهيئني ثم وجهني إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأحدث به عهداً ثم اصرفني إلى أمي ( عليها السلام ) ، ثم ردني فادفني بالبقيع ، واعلم أنه سيصيبني من عائشة ما يعلم الله والناس صنيعها وعداوتها لله ولرسوله وعداوتها لنا أهل البيت !
فلما قبض الحسن ( عليه السلام ) وضع على السرير ثم انطلقوا به إلى مصلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذي كان يصلي فيه على الجنائز ، فصلى عليه الحسين وحمل وأدخل إلى المسجد ، فلما أوقف على قبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذهب ذو العوينين ( مروان بن الحكم ) إلى عائشة فقال لها : إنهم قد أقبلوا بالحسن ليدفنوه مع النبي فخرجت مبادرة على
--------------------------- 182 ---------------------------
بغل بسرج ، فكانت أول امرأة ركبت في الإسلام سرجاً فقالت : نحوا ابنكم عن بيتي ، فإنه لا يدفن في بيتي ويهتك على رسول الله حجابه ! فقال لها الحسين ( عليه السلام ) : قديماً هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأدخلت عليه ببيته من لا يحب قربه ، وإن الله سائلك عن ذلك يا عائشة » ! !
وفي الإحتجاج : 2 / 149 : « مر فضال بن الحسن بن فضال الكوفي بأبي حنيفة وهو في جمع كثير ، يملي عليهم شيئاً من فقهه وحديثه فقال لصاحب كان معه : والله لا أبرح حتى أخجل أبا حنيفة ! فقال صاحبه الذي كان معه : إن أبا حنيفة ممن قد علت حاله وظهرت حجته ! قال : صه ! هل رأيت حجة ضال علت علي حجة مؤمن ؟ ثم دنا منه فسلم عليه فرد ورد القوم السلام بأجمعهم ، فقال : يا أبا حنيفة أن أخاً لي يقول : أن خير الناس بعد رسول الله علي بن أبي طالب ، وأنا أقول أبو بكر خير الناس وبعده عمر ، فما تقول أنت رحمك الله ؟
فأطرق ملياً ثم رفع رأسه فقال : كفى بمكانهما من رسول الله ( ص ) كرماً وفخراً أما علمت أنهما ضجيعاه في قبره ، فأي حجة تريد أوضح من هذا ؟
فقال له فضال : إني قد قلت ذلك لأخي فقال : والله لئن كان الموضع لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما حق فيه ، وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لقد أساءا وما أحسنا إذ رجعا في هبتهما ونسيا عهدهما !
فأطرق أبو حنيفة ساعة ثم قال له : لم يكن له ولا لهما خاصة ، ولكنهما نظرا في حق عايشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما ! فقال له فضال : قد قلت له ذلك ، فقال : أنت تعلم أن النبي مات عن تسع نساء ، ونظرنا
--------------------------- 183 ---------------------------
فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن ، ثم نظرنا في تسع الثمن ، فإذا هو شبر في شبر فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك ؟ !
وبعد فما بال عائشة وحفصة ترثان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وفاطمة بنته تمنع الميراث ؟ ! فقال أبو حنيفة : يا قوم نحوه عني فإنه رافضي خبيث » !
أسئلة :
س 1 : هل تفهمون من كلام الحسين ( عليه السلام ) : « قديماً هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأدخلت عليه ببيته من لا يحب قربه » أن مكان قبريهما مغصوب ؟ !
س 2 : على أي وجه شرعي اعتمد عمر فجعل ملكية قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وما حوله لعائشة دون ابنته حفصة ، ودون فاطمة وورثتها ؟ !
س 3 : على أي وجه شرعي اعتمد أبو حنيفة فجعل دفن عمر في سهم ابنته حفصة ، بينما جعله عمر لعائشة خاصة وأخرج ابنته منه ؟ !
س 4 ماذا تقولون في جواب أبي حنيفة وتصرفه مع فضال عندما أفحمه ؟ !
س 5 : هل تفهمون من قول عمر لابنه : « ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً » أنه يحرم أن يقال له في احتضاره وبعد موته : أمير المؤمنين ؟ ! وما هو الوجه الشرعي عندكم لذلك ؟ !
س 6 : ثبت عندكم أن عائشة رضيت بدفن الإمام الحسن ( عليه السلام ) عند جده ( صلى الله عليه وآله ) ثم تراجعت ، فكيف تفسرون ذلك ؟
ففي تاريخ دمشق : 13 / 289 ، بعدة أسانيد ، منها عن « عبيد الله بن علي بن أبي رافع أخبره هو وغيره من مشيختهم أن حسن بن علي بن أبي طالب أصابه بَطَنٌ فلما عرف بنفسه
--------------------------- 184 ---------------------------
الموت أرسل إلى عائشة زوج النبي ( ص ) أن تأذن له أن يدفن مع النبي ( ص ) في بيتها ، فقالت : نعم ، بقي موضع قبر واحد قد كنت أحب أن أدفن فيه وأنا أؤثرك به ، فلما سمعت بنو أمية ذلك لبسوا السلاح » !
ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء : 3 / 277 قال : « ونقل ابن عبد البر : أنهم لما التمسوا من عائشة أن يدفن الحسن في الحجرة ، قالت : نعم وكرامة ، فردهم مروان ولبسوا السلاح ، فدفن عند أمه بالبقيع إلى جانبها » . انتهى . فما قولكم ؟ !

  • *
    --------------------------- 185 ---------------------------

الفصل السابع والعشرون: اعترافهم بسيل المكذوبات في فضائل أبي بكر وعمر !

( م 224 ) سياسة الغلو وإجبار الناس على إمامة الشيخين

تستطيع أن تكتب ثلاث مجلدات كاملة : أولها في أنواع غلوهم في أبي بكر وعمر بأحاديث غير معقولة ، وبعضها يوجب تفضيلهما على الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) !
والثاني ، في سياسة السلطة وصرفها الأموال لوضع الأحاديث في فضائلهما ، وتصريح نقاد الحديث ورواة السلطة ، بأنهم وضعوا أحاديث كثيرة في ذلك !
والثالث ، في سياسة حكومات الخلافة من وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى يومنا هذا ، في إجبار الناس على ولاية أبي بكر وعمر ، واضطهاد من لا يحبهما ، أو ينتقدهما ، أو يتبرأ منهما ، وتكفيرهم وتشريدهم وتقتيلهم ! وقد كتبنا فصلاً في كتاب : كيف رد الشيعة غزو المغول ، بعنوان : العامل المذهبي في صناعة التاريخ .
س 1 : قال الله تعالى : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ . فهل أن أبا بكر وعمر أعظم من الدين حتى تكرهوا الناس عليهم وتجبروهم على موالاتهم ؟ !

( م 225 ) نماذج من الأحاديث التي اعترفوا بأنها موضوعة !

1 - قال أبو بكر للأعمى : إقبض على لحيتي وتوسل بها !
« فنهض أبو بكر ووضع لحيته في يد الأعمى وقال : أمسك لحيتي في حب محمد ( ص ) وقل : يا رب أسألك بحرمة شيبة أبي بكر إلا رددت عليَّ بصري . !
--------------------------- 186 ---------------------------
قال فرد الله عليه بصره لوقته ! فنزل جبريل ( عليه السلام ) على النبي ( ص ) وقال : يا محمد ، السلام يقرؤك السلام ويخصك بالتحية والإكرام ، ويقول لك : وعزته وجلاله لو أقسم عليَّ كل أعمى بحرمة شيبة أبي بكر الصديق لرددت عليه بصره ، وما تركت على وجه الأرض أعمى » . ( الغدير : 7 / 239 ) .
2 شهادة أبي بكر مقدمة على شهادة جبرئيل ( عليه السلام ) !
« ذكر النسفي أن رجلاً مات بالمدينة فأراد النبي ( ص ) أن يصلي عليه فنزل جبريل وقال : يا محمد لا تصل عليه فامتنع ، فجاء أبو بكر فقال : يا نبي الله صل عليه فما علمت منه إلا خيراً ، فنزل جبريل وقال : يا محمد صلِّ عليه ، فإن شهادة أبي بكر مقدمة على شهادتي » ! مصباح الظلام للجرداني : 2 / 25 نزهة المجالس : 2 / 184 » . ( الغدير : 7 / 244 ) .
3 . جبرئيل يسجد لآدم مهابة لأبي بكر !
« حدث عالم الأمة الشيخ يوسف الفيشي المالكي قال : كان جبريل إذا قدم أبو بكر على النبي ( ص ) وهو يحادثه يقوم إجلالاً للصديق دون غيره ! فسأله النبي عن ذلك ؟ فقال جبريل : أبو بكر له علي مشيخة في الأزل وما ذاك إلا أن الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم حدثتني نفسي بما طرد به إبليس ، فحين قال الله تعال : اسجدوا ، رأيت قبة عظيمة عليها مكتوب أبو بكر أبو بكر مراراً وهو يقول : أسجد ، فسجدت من هيبة أبي بكر » ! ( الغدير : 7 / 251 ) .
4 . كلبة من الجن تعضُّ من يسب أبا بكر
زعموا أن أنس بن مالك قال : كنا جلوساً عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذ أقبل إليه رجل من أصحابه وساقاه تشخبان دماً ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما هذا ؟ قال : مررت
--------------------------- 187 ---------------------------
بكلبة فلان المنافق فنهشتني ! ثم أقبل إليه رجل آخر من أصحابه وساقاه تشخبان دماً ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما هذا ؟ فقال : إني مررت بكلبة فلان المنافق فنهشتني ! فنهض النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال لأصحابه : هلموا بنا إلى هذه الكلبة نقتلها ، فقاموا وأرادوا أن يضربوها فقالت الكلبة بلسان طلق ذلق : لا تقتلني يا رسول الله ، إني كلبة من الجن مأمورة أن أنهش من سب أبا بكر وعمر ! ( الغدير : 7 / 219 ، عن عمدة التحقيق للعبيدي / 105 ) .
5 . كان لا يصلي في الليل ولكن يفكر فيشوي كبده حتى يحترق !
« روى المحب الطبري في الرياض النضرة ( 1 / 133 ) أن عمر بن الخطاب أتى إلى زوجة أبي بكر بعد موته فسألها عن أعمال أبي بكر في بيته ما كانت ؟ فأخبرته بقيامه في الليل وأعمال كان يعملها . ثم قالت : ألا إنه كان في كل ليلة جمعة يتوضأ ويصلي ثم يجلس مستقبل القبلة رأسه على ركبتيه ، فإذا كان وقت السحر رفع رأسه وتنفس الصعداء فيشم في البيت روائح كبد مشوي ! فبكا عمر وقال : أنى لابن الخطاب بكبد مشوي » ! ( الغدير : 7 / 219 ) .
ثم ذكر صاحب الغدير ( رحمه الله ) مصادر أخرى لحديث الكبد المشوي ، ونقل تعليل علمائهم له بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « ما صُبَّ في صدري شئ إلا صببته في صدر أبي بكر ! ولو صبه جبريل في صدر أبي بكر ما أطاقه لعدم مجراه من المماثل ، لكن لما صب في صدر النبي ( ص ) وهو من جنس البشرية فجرى في قناة مماثلة للصديق ، فبواسطتها أطاق حمله ، ومع ذلك احترق قلبه » ! وقد وضعوا هذا الحديث تعويضاً لأبي بكر عن قلة صلاته بالليل ! ومثله حديث : « ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة ، بل بشئ وقر في صدره » ( فيض القدير : 4 / 190 ) !
كما وضعوا حديث العريش في بدر ، تعويضاً له عن فراره من القتال !
--------------------------- 188 ---------------------------
6 . الملائكة تلبس على زيِّ أبي بكر !
زعموا أن ابن عباس قال : « قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : هبط جبريل وعليه طنفسه وهو متخلل بها ، فقلت يا جبريل ما نزلت إلي في مثل هذا الزي ؟ ! قال : إن الله أمر الملائكة ان تخلل في السماء كتخلل أبي بكر في الأرض » ! ( تاريخ بغداد : 5 / 442 ) .
7 . أبو بكر خير أهل السماوات والأرض !
في الصواعق المحرقة لابن حجر / 251 : « عن أبي هريرة عن رسول الله ( ص ) : أبو بكر وعمر خير أهل السماء وخير أهل الأرض وخير الأولين وخير الآخرين » .
وفي تاريخ دمشق ( 30 / 395 ) عن أبي بكر بن عياش قال : « إني أريد أن أتكلم اليوم بكلام لا يخالفني فيه أحد إلا هجرته ثلاثاً ، قالوا قل يا أبا بكر ! قال : ما ولد لآدم مولود بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر الصديق . قالوا : صدقت يا أبا بكر ولا يوشع بن نون وصي موسى ؟ قال : ولا يوشع بن نون » .
8 . أبو بكر أفضل من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا يحاسب يوم القيامة !
« عن عائشة قالت : قال رسول الله ( ص ) الناس كلهم يحاسبون إلا أبا بكر » ! ( الصواعق المحرقة / 74 ) .
وفي تاريخ بغداد ( 2 / 118 ) : « عن أنس قال قال رسول الله ( ص ) قلت لجبرئيل حين أسرى بي إلى السماء يا جبرئيل أعلى أمتي حساب ؟ قال كل أمتك عليها حساب ، ما خلا أبا بكر الصديق فإذا كان يوم القيامة قيل يا أبا بكر أدخل الجنة ، قال : ما أدخل حتى أدخل معي من كان يحبني في الدنيا . » .
9 . أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى !
زعموا أن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « ما نفعني في الإسلام مال أحد ما نفعني مال أبي بكر ، منه أعتق بلالاً ، ومنه هاجر نبيه ، ولو كنت متخذاً
--------------------------- 189 ---------------------------
خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ولكنه أخي وصاحبي ، وأخوة الإسلام أفضل . أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » . ( تاريخ دمشق : 30 / 60 و 206 ، وتاريخ بغداد : 11 / 383 ) .
وقد وضعوه ليقابلوا به الحديث المتواتر : علي مني بمنزلة هارون من موسى ! لكن بعض أئمتهم استحى فشهد بأنه موضوع !
قال ابن حجر في لسان الميزان ( 2 / 23 ) : « قال الذهبي هذا كذب ، وهو من بشر ، قال ثم قال ابن عدي : ورواه مسلم بن إبراهيم عن قزعة . قال الذهبي : وقزعة ليس بشئ » .
وبعضهم لم يستح فاحتج به وكابر ، وزعم أنه يستوجب تفضيل أبا بكر على علي ( عليه السلام ) ! قال القرطبي في تفسيره ( 1 / 268 ) : « وروي عنه ( ص ) أنه قال : أبو بكر وعمر بمنزلة هارون من موسى ! وهذا الخبر ورد ابتداء ، وخبر علي ورد على سبب ، فوجب أن يكون أبو بكر أولى منه بالإمامة ! » .
وقال الباقلاني في التمهيد / 463 : « فإن قالوا هذا من أخبار الآحاد التي لا نعلمها ضرورة ولا بدليل ! قيل : إن جازت لكم هذه الدعوى جاز لخصمكم أن يزعم أن جميع ما رويتموه وتعلقتم به في النص والتفضيل من أخبار الآحاد التي لا نعلمها ضرورة ولا بدليل ، فلمَ يلزم القول بها ، ولا جواب لهم عن ذلك » .
أقول : جوابنا على ما ذكره البلائي اعتراف أئمتهم بكذب خبرهم ، وصحة أخبارنا ، ومعنى كلام القرطبي أن الحديث في حق علي ( عليه السلام ) له سبب هو أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يصحب علياً ( عليه السلام ) إلى تبوك ، وتركه والياً على المدينة ، فشكى إليه قول المنافقين ، فقال له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى . لكنه قال ذلك لأبي بكر وعمر بدون مناسبة ، فيكون في حقهما أقوى . وقد أخطأ القرطبي ، لأن مناسبات الحديث توثيقات له تدل على ظرف صدوره وتتضمن فوائد كثيرة في
--------------------------- 190 ---------------------------
بحثه ، بينما ادعاء المدعي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال كذا ، بدون أن يبين متى ولماذا ، أمر يضعف الحديث ، ولهذا تجد أن أحاديث الفضائل التي ادعوها لا مناسبة لها ، أو مناسبتها غير معقولة وقد تضع اليد على كذب الحديث ! ثم تحايل بعض أئمتهم فحذفوا من الحديث المكذوب فقرة منزلة هارون ، واحتجوا بباقيه !
قال الترمذي : 5 / 297 وأبو يعلى : 1 / 418 . : « عن علي قال قال رسول الله ( ص ) : رحم الله أبا بكر ، زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة ، وأعتق بلالاً من ماله . رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مراً ، تركه الحق وما له صديق ! رحم الله عثمان تستحييه الملائكة . رحم الله علياً : اللهم أدر الحق معه حيث دار » !
ويضحكك قول شارحه المباركفوري في تحفة الأحوذي ( 10 / 148 ) : « وحملني إلى دار الهجرة : أي المدينة على بعيره ، ولو على قبول ثمنه » !
وزاد عليه في فتح الباري ( 7 / 11 ) : « عن عائشة أنها قالت : أنفق أبو بكر على النبي ( ص ) أربعين ألف درهم » ! وتقدم ما يثبت فقر أبي بكر !
10 . وزنوا أبا بكر وعمر وعثمان ، وطار الميزان !
« عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال : وفدنا مع زياد على معاوية بن أبي سفيان ، وفينا أبو بكرة ، فلما قدمنا عليه لم يعجب بوفد ما أعجب بنا ، فقال : يا أبا بكرة حدثنا بشئ سمعته من رسول الله ( ص ) فقال كان رسول الله ( ص ) يعجبه الرؤيا الحسنة ويسأل عنها فقال ذات يوم أيكم رأى رؤيا ؟ فقال رجل : أنا ، رأيت كأن ميزاناً دُلِّيَ من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت بأبي بكر ، ثم وزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر بعمر ، ثم وزن عمر بعثمان فرجح عمر بعثمان ، ثم رفع الميزان ! فاستاء لها وقد قال حماد أيضاً فساءه ذاك ثم قال ( ص ) : خلافة نبوة ثم
--------------------------- 191 ---------------------------
يؤتي الله تبارك وتعالى من يشاء » . ( مسند أحمد : 5 / 50 ، وأبو داود : 2 / 398 ، والترمذي : 3 / 369 ، وصححه ، والنسائي في فضائل الصحابة / 12 ، والحاكم : 3 / 71 ، وصححه بشرط الشيخين ، والطيالسي / 116 ، وروى تكملته : فغضب معاوية فزخ في أقفائنا وأخرجنا ! فقال زياد لأبي بكرة : أما وجدت من حديث رسول الله حديثاً تحدثه غير هذا ؟ ! قال : والله لا أحدثه إلا به حتى أفارقه ! قال : فلم يزل زياد يطلب الإذن حتى أذن لنا فأدخلنا فقال معاوية يا أبا بكرة حدثنا بحديث عن رسول الله لعل الله أن ينفعنا به قال : فحدثه أيضاً بمثل حديثه الأول فقال له معاوية : لا أباً لك تخبرنا أنا ملوك فقد رضينا أن نكون ملوكاً » .
أقول : أبو بكرة بن أبي عبيد هو أخ زياد بن أبيه ، وكان يمثل الاتجاه المعادي لعلي ( عليه السلام ) غير المقتنع بمعاوية ، ولذا جعل خلافة النبوة تنتهي بعثمان ، وأخرج منها علياً ( عليه السلام ) ! بينما المعتمد عند السنة حديث سفينة مولى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأن خلافة النبوة ثلاثون سنة ، وهو برأينا أيضاً موضوع ، مفصل على مقاس آخرين .
أما أمر معاوية لشرطته أن يضربوا أدبار الوفد ويطردوهم ، فلأنه أراد شهادة من أبي بكرة بأن حكمه خلافة فشهد بعكسه ، فطرده وأهانه ! وقد لاحظت أن أبا بكرة زعم في حديثه المكذوب أن الميزان لما وصل إلى علي ( عليه السلام ) طار وارتفع !

( م 226 ) من ردود الأئمة ( عليهم السلام ) على أحاديث موضوعة

الإحتجاج : 2 / 477 : « روي : أن المأمون بعدما زوج ابنته أم الفضل أبا جعفر ( الإمام محمد الجواد ( عليه السلام ) ) كان في مجلس وعنده أبو جعفر ( عليه السلام ) ويحيى بن أكثم وجماعة كثيرة فقال له يحيى بن أكثم : ما تقول يا ابن رسول الله في الخبر الذي روي أنه نزل
--------------------------- 192 ---------------------------
جبرئيل ( عليه السلام ) على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال يا محمد إن الله عز وجل يقرؤك السلام ويقول لك : سل أبا بكر هل هو عني راض فإني عنه راض ؟
فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : لست بمنكر فضل أبي بكر ولكن يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حجة الوداع : قد كثرت عليَّ الكذابة وستكثر بعدي ! فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ، فإذا أتاكم الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله وسنتي ، فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به ، وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به ، وليس يوافق هذا الخبر كتاب الله ، قال الله تعالى : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ . فالله عز وجل خفي عليه رضاء أبي بكر من سخطه حتى سأل عن مكنون سره ! هذا مستحيل في العقول .
ثم قال يحيى بن أكثم : وقد روي أن مَثَل أبي بكر وعمر في الأرض كمثل جبرئيل وميكائيل في السماء ! فقال ( عليه السلام ) : وهذا أيضاً يجب أن ينظر فيه ، لأن جبرئيل وميكائيل ملكان لله مقربان لم يعصيا الله قط ، ولم يفارقا طاعته لحظة واحدة ، وهما قد أشركا بالله عز وجل وإن أسلما بعد الشرك ، فكان أكثر أيامهما الشرك بالله ، فمحال أن يشبههما بهما . !
قال يحيى : وقد روي أيضاً أنهما سيدا كهول أهل الجنة ، فما تقول فيه ؟ فقال ( عليه السلام ) : وهذا الخبر محال أيضاً لأن أهل الجنة كلهم يكونون شباباً ولا يكون فيهم كهل ، وهذا الخبر وضعه بنو أمية لمضادة الخبر الذي قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الحسن والحسن ( عليهما السلام ) بأنهما سيدا شباب أهل الجنة !
فقال يحيى بن أكثم : وروي أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة ؟ فقال ( عليه السلام ) : وهذا أيضاً محال لأن في الجنة ملائكة الله المقربين ، وآدم ومحمد ، وجميع الأنبياء
--------------------------- 193 ---------------------------
والمرسلين ، لا تضئ الجنة بأنوارهم حتى تضئ بنور عمر ! فقال يحيى : وقد روي أن السكينة تنطق على لسان عمر . فقال ( عليه السلام ) : لست بمنكر فضل عمر ، ولكن أبا بكر أفضل من عمر : فقال على رأس المنبر : إن لي شيطاناً يعتريني ، فإذا ملت فسددوني !
فقال يحيى : قد روي أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : لو لم أبعث لبعث عمر ! فقال ( عليه السلام ) : كتاب الله أصدق من هذا الحديث ، يقول الله في كتابه : وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ . فكيف يمكن أن يبدل ميثاقه ؟ ! وكل الأنبياء ( عليهم السلام ) لم يشركوا بالله طرفة عين ، فكيف يبعث بالنبوة من أشرك وكان أكثر أيامه مع الشرك بالله ! وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : نبئت وآدم بين الروح والجسد !
فقال يحيى بن أكثم : وقد روي أيضاً أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : ما احتبس عني الوحي قط إلا ظننته قد نزل على آل الخطاب ! فقال ( عليه السلام ) : وهذا محال أيضاً لأنه لا يجوز أن يشك النبي ( صلى الله عليه وآله ) في نبوته ! قال الله تعالى : الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس ، فكيف يمكن أن ينتقل النبوة ممن اصطفاه الله تعالى إلى من أشرك به !
قال يحيى : روي أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : لو نزل العذاب لما نجى منه إلا عمر ! فقال ( عليه السلام ) : وهذا محال أيضاً لأن الله تعالى يقول : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ، فأخبر سبحانه أنه لا يعذب أحداً ما دام فيهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وما داموا يستغفرون » .
س 1 : ما رأيكم بهذا المنطق الذي يكشف عدم معقولية هذه المكذوبات ؟ !
--------------------------- 194 ---------------------------

( م 227 ) لم يصح أي حديث فيه فضيلة لأبي بكر وعمر !

قال الأميني في الغدير ( 7 / 87 ) : « هل صح عن النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) فيه حديث فضيلة ؟ وهل صح ما رووه فيه من الثناء الكثير الحافل ؟ ! قال الفيروزآبادي في خاتمة كتابه سفر السعادة المطبوع في خاتمة الكتاب : في الإشارة إلى أبواب روي فيها أحاديث وليس منها شئ صحيح ، ولم يثبت منها عند جهابذة علماء الحديث شئ ! ثم عد أبواباً إلى أن قال : باب فضائل أبي بكر الصديق : أشهر المشهورات من الموضوعات : أن الله يتجلى للناس عامة ، ولأبي بكر خاصة . . الخ . » .
هذا ، وقد اعترف علماؤهم بكثرة المكذوبات في فضائل أبي بكر وعمر حتى المتعصب منهم ، فقد قال ابن القيم في المنار المنيف / 115 : « فصل : ومما وضعه جهلة المنتسبين إلى السنة في فضائل الصديق حديث : إن الله يتجلى للناس عامة يوم القيامة ولأبي بكر خاصة . وحديث : ما صب الله في صدري شيئاً إلا صببته في صدر أبي بكر ! وحديث : كان إذا اشتاق إلى الجنة قبل شيبة أبي بكر ! وحديث : أنا وأبو بكر كفرسي رهان ! وحديث : إن الله لما اختار الأرواح اختار روح أبي بكر ! وحديث عمر : كان رسول الله وأبو بكر يتحدثان وكنت كالزنجي بينهما ! وحديث : لو حدثتكم بفضائل عمر عمر نوح في قومه ما فنيت وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر ! وحديث : ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة إنما سبقكم بشئ وقر في صدره » !
وقال العجلوني في كشف الخفاء ( 2 / 419 ) : « وباب فضائل أبي بكر الصديق أشهر المشهورات من الموضوعات كحديث : إن الله يتجلى للناس عامة ولأبي بكر خاصة ! وحديث : ما صب الله في صدري شيئاً إلا وصببته في صدر أبو بكر !
--------------------------- 195 ---------------------------
وحديث : كان ( ص ) إذا اشتاق إلى الجنة قبل شيبة أبي بكر ! وحديث : أنا وأبو بكر كفرسي رهان . . وحديث : إن الله لما اختار الأرواح اختار روح أبي بكر وأمثال هذا من المفتريات المعلوم بطلانها ببديهة العقل » !
وقال السيد الميلاني في الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة / 69 : « يقول ابن الجوزي : وما أزال أسمع العوام يقولون عن رسول الله ( ص ) أنه قال : ما صب الله في صدري شيئاً إلا وصببته في صدر أبي بكر ! وإذا اشتقت إلى الجنة قبلت شيبة أبي بكر ! وكنت أنا وأبو بكر كفرسي رهان ، سبقته فاتبعني ولو سبقني لاتبعته ! في أشياء ما رأينا لها أثراً لا في الصحيح ولا في الموضوع ! ولا فائدة في الإطالة بمثل هذه الأشياء . . ويقول : المجد الفيروزآبادي : وأشهر الموضوعات في باب فضائل أبي بكر : حديث : إن الله يتجلى يوم القيامة للناس عامة ولأبي بكر خاصة ! وحديث : ما صب الله في صدري شيئاً إلا وصببته في صدر أبي بكر . وأمثالها من المفتريات الواضح بطلانها ببداهة العقل » !
وفي نهاية الدراية 315 : « قال الملا علي القاري الهروي الحنفي في كتابه المعروف بالموضوعات الكبرى ، المطبوع في دهلي ، في مطبعة المجتبائي في صفحة مائة وست ، فصل : ومما وضعه جهلة المنتسبين إلى السنة » ونقل عبارة ابن القيم المتقدمة !
وفي الصحيح من السيرة ( 1 / 238 ) : « وقال التهانوي : نحن نعلم : أنهم كذبوا في كثير مما يروونه في فضائل أبي بكر ، وعمر ، وعثمان . كما كذبوا في كثير مما يروونه في فضائل علي ، وليس في أهل الأهواء أكثر كذباً من الرافضة » !
أسئلة :
س 1 : ما قولكم في هذه الفضائل والمناقب المكذوبة لأبي بكر وعمر ، ألا توجب عندكم الشك في كل ما رووه من فضائلهما لأنها قد تكون مثلها ؟ !
--------------------------- 196 ---------------------------
س 2 : ألا تلاحظون أن علماءكم اعترفوا على أنفسهم وجماعتهم ، بأنهم وضعوا الأحاديث المكذوبة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم اتهموا الشيعة بذلك !
س 3 : ترون في عصرنا كثرة الكذب في الإعلام الحكومي ، فلماذا تبرئون الحكومات التاريخية المعادية لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، وتتهمون المعارضة ؟ !

( م 228 ) كان الوضاعون من قبل معاوية ، فوظفهم رسمياً وكثَّرهم !

أوردنا في هذا الكتاب ( 2 / 88 ) مراسيم معاوية التي رواها المؤرخ المدائني السني ، في كتابه : الأحداث ، قال : « كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة : أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته ، فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون علياً ويبرؤون ويقعون فيه وفي أهل بيته ، وكان أشد كل الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة !
وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق ألا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة ! وكتب إليهم : أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان محبيه وأهل ولايته ، والذين يروون فضائله ومناقبه ، فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته ، ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه ، لما كان يبعث إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع !
ثم كتب إلى عماله : إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية ، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب ، إلا
--------------------------- 197 ---------------------------
وتأتوني بمناقض له في الصحابة ، فإن هذا أحب إلي وأقر لعيني وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته ، وأشد إليهم من مناقب عثمان وفضله . فقرئت كتبه على الناس ، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها وجدَّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر ، وألقي إلى معلمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع ، حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن ، وحتى علموه بناتهم ونسائهم وخدمهم وحشمهم ، فلبثوا بذلك ما شاء الله
ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان : أنظروا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان ، وأسقطوا عطاءه ورزقه !
وشفع ذلك بنسخة أخرى : من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره ! فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة ، حتى أن الرجل من شيعة علي ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره ، ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه ، حتى يأخذ عليه الإيمان الغليظة ليكتمن عليه ! فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر ، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة ، وكان أعظم الناس في ذلك القراء المراءون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك ، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ، ويقربوا مجالسهم ويصيبوا بها الأموال والضياع والمنازل !
حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يتسلحون الكذب والبهتان ، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق ، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها . فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي ، فازداد البلاء والفتنة ، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا وهو خائف على دمه ، أو
--------------------------- 198 ---------------------------
طريد في الأرض ! ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين وولي عبد الملك بن مروان ، فاشتد على الشيعة وولى عليهم الحجاج بن يوسف ! وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم في تأريخه ما يناسب هذا الخبر وقال : إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية ، تقرباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم » . انتهى .
أسئلة :
س 1 : هل تلاحظون أنه اكتمل تأسيس الإسلام الحكومي وترسيخ أركانه في عهد معاوية ؟ كالتشبيه والتجسيم ، وعدالة الصحابة وتقديسهم ، وبغض علي وأهل البيت ( عليهم السلام ) ، والقول بالجبر ، وتفسير القرآن بالرأي ، والفتوى في الفقه بالرأي والظن ، ونشر الغناء وشرب الخمر . . الخ .
س 2 : هل تعرفون مقدار ما رويتم عن الرواة المتعصبين لبني أمية ، واعتمدت عليهم صحاحكم ومصادر فقهكم ؟ ! فكيف تقبلون روايتهم وقد ثبت نصبهم لأهل البيت ( عليهم السلام ) والناصب لهم فاسق ومنافق ، بحكم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ !

  • *
    --------------------------- 199 ---------------------------

الفصل الثامن والعشرون: المجازر التاريخية والمعاصرة من أجل أبي بكر وعمر !

( م 229 ) حتى العلمانيين المتشددين متعصبون للشيخين !

يتصور بعض المثقفين أن الخلاف بين السنة والشيعة بسبب أبي بكر وعمر وعلي ( عليه السلام ) قد انتهى ، لأن الدولة الدينية انتهت وحلت محلها الدولة العصرية !
لقد بدأ العالم في الغرب والشرق يتشكل في أوطان ومجموعات بشرية ، تتعايش وتتحد على أساس الحقوق الإنسانية في الحرية والديمقراطية والمساواة ، بعيداً عن الإنتماء القومي والديني والمذهبي !
لكن هذا التصور لا ينطبق على بلادنا ، فواقع ملايين الناس في الرباط والقاهرة وبيروت والرياض وبغداد وطهران وكراتشي وجاوة ، يناقض هذا التصور تماماً !
فالواقع هو ديكتاتورية الحكومات وأتباع المذاهب ، الذين يتبنون سياسة إجبار الشيعة على ولاية أبي بكر وعمر ! وإلا فجزاؤك القمع والقهر والحرمان من كل الحقوق المدنية ، بل من حق الحياة ! إن شيوخهم يُفْتُونَ بهدر دمك ووجوب قتلك ، وبأن أموالك غنائم شرعية لهم ، وعِرْضُكَ أي زوجتك وأختك وأمك ، إماءٌ مملوكات لمن يستولي عليهن منهم !
إن حرية المسلم في التفكير والاعتقاد ، ليست أكثر من كلام شاعري جميل ! فالذي يتحدث بها لم يطلع على ملفات محاكم بلادنا ، ومئات أحكام الإعدام التي أصدرها ( القضاة الشرعيون ) بتهمة المساس بأبي بكر وعمر !
ولا اطلع على فتاوى تكفير المسلمين وهدر دمائهم بسبب أنهم لا يعتقدون ما
--------------------------- 200 ---------------------------
يعتقده أصحاب الفتاوى في أبي بكر وعمر !
ولا اطلع على أن ألوف الشيعة سفك دمائهم الطالبان في أفغانستان ، وسبوا بناتهم ونسائهم واسْتَرَقُّوهن ، بسبب أبي بكر وعمر !
ولا عرف كيف طبق فتواهم الزرقاوي وحلفاؤه جماعة صدام ، فسفكوا الدماء الزكية لرجال ونساء وأطفال ، باسم أبي بكر وعمر !
يقولون لك : هذه مواقف المتعصبين من الوهابيين السلفيين ، فلا يقاس عليها الوضع في كافة بلاد المسلمين !
نقول : نسألكم لو أن إمام مسجد صغير في مصر ، وهي ألْيَنُ البلاد السنية وأكثرها مرونةً ، قال أنا لا أعتقد بإمامة أبي بكر وعمر ورأيي فيهما سلبي ، فماذا سيكون موقف الناس منه ثم موقف السلطة ؟ !
سيرفعون عليه قضية في المحكمة بأنه عدو لصحابة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وعدو لله تعالى ودينه ! وهل هذا إلا الإكراه والقمع الفكري ؟ !
هذا هو واقع تاريخنا البعيد والقريب والحاضر ! وهو نفسه واقع عصرنا ، وليس الكلام الجميل الذي يقوله المحبون للإنسان وحقه في الرأي والتعبير !
فهل اقتنعت بأن إجبار الناس على إمامة أبي بكر وعمر وتقديسهما ، كان عاملاً في صناعة التاريخ ، وما زال عاملاً في صناعة الأحداث وقتل المسلمين ؟ !
أسئلة :
س 1 : أليس معنى ذلك أن حزب أبي بكر وعمر لهم الحق في أن يفرضوا مزاجهم على عقلك وقلبك ، فهم يأمرونك أن تدخل في قلبك ولايتهما وإمامتهما ، وإلا فيا ويلك !
س 2 : لو سألتهم : لماذا تصادرون حريتي في أن أفكر وأعتقد ما اقتنع به ؟ فمن
--------------------------- 201 ---------------------------
أعطاكم هذا الحق والولاية عليَّ ؟ فيقولون لك : الله أعطانا ذلك !
س 3 : تقول لهم : إن القناعة الفكرية والحب القلبي ليس أمراً اختيارياً ، فكيف تطلبون مني غير المقدور ! فيقولون : لا ، نحن نأمرك أن تقنع نفسك وقلبك !
أليس معنى ذلك أنهم حزبُ : من لم يكن معنا فهو علينا ويجب قتله !
س 4 : أليس ذلك نفس منطق الذين هاجموا بيت علي وفاطمة ( عليهما السلام ) يوم وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقالوا : من لم يبايع أبا بكر فحكمه أن نحرق عليه بيته !
أليس معناه أن الله تعالى فَوَّض أبا بكر وعمر وأتباعهما ما لم يفوضه لنبي ولا وصي طوال التاريخ ! أن يفرضوا على هذه الأمة رأيهم ، ويحرِّموا عليها الرأي الآخر تحت طائلة العقوبة بالقتل ، ولهذا استحق أهل البيت ( عليهم السلام ) والسبعون صحابياً الذين امتنعوا عن بيعة أبي بكر القتل أو الحرق !
س 5 : أليس معناه أنه لا يجوز لأحد أن يطرح الرأي الآخر حتى لو كان حديثاً نبوياً عن وصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) بإمامة أهل بيته ( عليهم السلام ) ! ولا أن يتكلم بما يعتبرونه إساءةً للشيخين ، حتى لو كان كلامه آيةً قرآنيةً ، أو حديثاً نبويأً !
س 6 : أليس معناه أنك لتكون مسلماً يجب أن تقبل بمصادرة حريتك وفكرك ، وتدخل في أمة الرأي الواحد ، ودولة الحزب الواحد ، وتخضع للديكتاتورية ؟ !

( م 230 ) كانوا لا يكفرون من لا يحب الشيخين ثم كفروه !

في تاريخ بغداد ( 11 / 276 ) ، أن عائشة بلغها أن ناساً يتناولون أبا بكر وعمر ، فلم تُفْتِ بكفرهم ولا فسقهم !
وقال الشهيد التستري ( قدس سره ) في الصوارم المهرقة / 228 : « ذهب الشيخ الأشعري والغزالي والآمدي وفخر الدين الرازي وصاحب المواقف وصاحب المكاتيب المشهورة
--------------------------- 202 ---------------------------
وأمثالهم من أكابر أهل السنة إلى عدم تكفير من سب الشيخين من الشيعة والرافضة ، ولنذكر ما ذكره الغزالي في كتاب المستظهري وصاحب المكاتيب قطب الدين الأنصاري الشافعي في مكاتيبه ، لأن تحصيلهما ربما يتعسر أو يتعذر على سائر الناظرين . قال الغزالي ، بعد جملة من الكلام في تحقيق هذا المرام : فإن قيل : فلو اعتقد معتقد فسق أبي بكر وعمر وطائفة من الصحابة ولم يعتقد كفرهم فهل تحكمون بكفره ؟ قلت لا نحكم بكفره وإنما نحكم بفسقه وضلالته ومخالفته لإجماع الأمة ، ونحن نعلم أن الله تعالى لم يوجب على من قذف محصناً بالزنا إلا ثمانين جلدة ، وأن هذا الحكم يشمل كافة الخلق ويعمهم على وتيرة واحدة ، وأنه لو قذف قاذف أبا بكر وعمر بالزنا ، ما زادوا على إقامة حد الله المنصوص عليه في كتابه ولم يدعوا لأنفسهم التميز بخاصية في الخروج عن مقتضى العموم » .
ومال إلى هذا الرأي القاضي عياض في الشفا ( 2 / 276 ) وذكر اختلاف آرائهم واضطرابها ومما قاله : « ولمثل هذا ذهب أبو المعالي في أجوبته لأبي محمد عبد الحق وكان سأله عن المسألة فاعتذر له بأن الغلط فيها يصعب لأن إدخال كافر في الملة وإخراج مسلم عنها عظيم في الدين .
وقال غيرهما من المحققين : الذي يجب الاحتراز من التكفير في أهل التأويل فإن استباحة دماء المصلين الموحدين خطر والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم واحد ، وقد قال ( ص ) : فإذا قالوها يعنى الشهادة عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله .
فالعصمة مقطوع بها مع الشهادة ولا ترتفع ويستباح خلافها إلا بقاطع ، ولا قاطع من شرع ولا قياس عليه . وألفاظ الأحاديث الواردة في الباب معرضة
--------------------------- 203 ---------------------------
للتأويل . فما جاء منها في التصريح بكفر القدرية وقوله لا سهم لهم في الإسلام ، وتسميته الرافضة بالشرك وإطلاق اللعنة عليهم ، وكذلك في الخوارج وغيرهم من أهل الأهواء » .
ثم شددوا فتواهم ! كما في إمتاع الأسماع : 9 / 218 : « مذهب أبي حنيفة أن من أنكر خلافة الصديق ، فهو كافر ، وكذلك من أنكر خلافة عمر ! ومنهم من لم يحك في ذلك خلافاً ، ومنهم من ذكر في ذلك خلافاً ، وقال : الصحيح أنه كافر » !
وقال ابن نجيم في البحر الرائق : 1 / 611 : « والرافضي إن فضل علياً على غيره فهو مبتدع ، وإن أنكر خلافة الصديق فهو كافر » !
وفي الأنساب : 5 / 99 : « وأبو الوليد عبد الله بن محمد الكناني من أهل أصبهان ، وكان كتب الحديث الكثير ، ثم أنكر خلافة أبي بكر الصديق ، فأحضره عبد العزيز بن دلف وكان والي أصبهان وجمع مشايخ البلد وفيهم أبو مسعود الرازي ومحمد بن بكار ، وزيد بن خرشه وغيرهم ، فناظروه فأبى أن يرجع عن قوله ، فضربه أربعين سوطاً ، فباينه الناس وهجروه ، وبطل حديثه ، وصنف أبو مسعود الرازي كتاباً سماه : الرد على أبي الوليد الكناني » . ولسان الميزان : 3 / 347 ، وطبقات المحدثين بأصبهان : 2 / 329 راجع : نفحات الأزهار : 19 / 59 ، وحاشية المراقي : 2 / 299 .
ثم غابت الأحاديث والفتاوى التي فيها شئ من التخفيف ، فالمطبق عندهم أن إمامة أبي بكر وعمر أهم من جميع أصول الدين ! لأنهم يتسامحون في التوحيد والنبوة ، ولا يتسامحون فيما يتعلق بأبي بكر وعمر !
وهم يقرون بأن كثيراً من أحاديث فضائل أبي بكر وعمر موضوعة ، ولكنهم يعملون بها ويفتون بها ، ويقتلون المسلمين بها !
--------------------------- 204 ---------------------------
فقد روى في سبل الهدى ( 11 / 246 ) : « إن رسول الله قال : إني لأرجو لأمتي بحب أبي بكر وعمر كما أرجو لهم بقول لا إله إلا الله » ! وروى ابن حجر في الصواعق / 80 : « عن أنس مرفوعاً حب أبي بكر وعمر إيمان وبغضهما كفر » !
أسئلة :
س 1 : هل تعلمون أن الوهابيين يفتون في عصرنا بتكفير المسلمين وقتلهم لأقل سبب ويقومون بقتلهم في بلادهم وخارج بلادهم ؟ !
س 2 : هل تعلمون أنه يكفي في بلادهم أن يتهم أي وهابي أي مسلم بأنه أشرك بقوله : يا رسول الله إشفع لي ، أو بأنه سب الشيخين ، للحكم بقتله !
س 3 : ألا ترون أن رواة السلطة وضعوا أحاديث مقابل أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) في أهل البيت ( عليهم السلام ) ، في وجوب محبة الشيخين وعقوبة من أبغضهما ؟ !

  • *
    --------------------------- 205 ---------------------------

الفصل التاسع والعشرون: الوجه الآخر للفخر الرازي !

( م 231 ) عاش الفخر الرازي في ظل السلاطين الخوارزمية

عقدنا هذا الفصل لبيان تعصبات محمد بن عمر ، المعروف بالفخر الرازي ، وهو من ذرية أبي بكر ، وهو متعصب له أكثر من تعصبه لعمر !
قال الزركلي في الأعلام ( 6 / 313 ) : « الفخر الرازي ( 544 - 606 ) محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري ، أبو عبد الله ، فخر الدين الرازي : الإمام المفسر ، أوحد زمانه في المعقول والمنقول وعلوم الأوائل ، وهو قرشي النسب . أصله من طبرستان ، ومولده في الري وإليها نسبته ويقال له : ابن خطيب الري . رحل إلى خوارزم وما وراء النهر وخراسان ، وتوفي في هراة . أقبل الناس على كتبه في حياته يتدارسونها ، وكان يحسن الفارسية » .
وفي هامشه عن مختصر تاريخ الدول / 418 : « كان الفخر الرازي يركب وحوله السيوف المحدبة ، وله المماليك الكثيرة والمرتبة العالية عند السلاطين الخوارزمشاهية » .
وقال الذهبي في تاريخه ( 43 / 211 ) : « قصد ( الرازي ) خوارزم وقد تمهَّرَ في العلوم ، فجرى بينه وبين أهلها كلام فيما يرجع إلى المذهب والعقيدة ، فأخرج من البلد ، فقصد ما وراء النهر ، فجرى له أيضاً ما جرى بخوارزم فعاد إلى الري ، وكان بها طبيب حاذق ، له ثروة ونعمة ، وله بنتان ولفخر الدين ابنان ، فمرض الطبيب فزوج بنتيه بابني الفخر ، ومات الطبيب فاستولى الفخر على جميع أمواله
--------------------------- 206 ---------------------------
، ومن ثم كانت له النعمة . ولما وصل إلى السلطان شهاب الدين الغوري ، بالغ في إكرامه والإنعام عليه ، وحصلت له منه أموال عظيمة ، وعاد إلى خراسان واتصل خوارزم شاه محمد بن تكش وحظي عنده .
وكان شديد الحرص جداً في العلوم الشرعية والحكمية ، حاد الذهن كثير البراعة ، قوي النظر في صناعة الطب ، عارفاً بالأدب ، له شعر بالفارسي والعربي ، وكان عَبْل البدن ، ربع القامة ، كبير اللحية ، في صوته فخامة . . .
وتصانيفه في علم الكلام والمعقولات سائرة في الآفاق . . وصنف في الطب ، شرح الكليات للقانون ، وصنف في علم الفراسة . وله مصنف في مناقب الشافعي . وكل تصانيفه ممتعة . . وكان يلقب بهراة شيخ الإسلام . .
اعتنى الفخر الرازي بكتب ابن سينا وشرحها خلَّف من الذهب ثمانين ألف دينار ، سوى الدواب والعقار ، وغير ذلك » .
أقول : عُرف السلاطين الخوارزمية الذين تبنوا الرازي ، بتعصبهم ضد أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم ! واشتهروا بأنهم الذين كسروا دولة الخلافة العباسية بجبنهم وفرارهم أمام جنكيز خان وهولاكو ، حتى صار يضرب بجبنهم المثل !
فقد كان محمد خوارزم شاه ، سلطان سلاطين البلاد الإسلامية ، وكانت بيده إمكانات دول وجيوشها ، لكنه أصيب بالذعر من هلاكو فهرب أمامه من بلد إلى بلد ! وجيش هولاكو الصغير يجري وراءه حتى وصل إلى البحر أو الهند ، وركب سفينة صغيرة مع خاصته ، وانقطعت أخباره ! ( راجع : سير الذهبي : 22 / 224 ، وابن خلدون : 3 / 534 ، وكتابنا : كيف رد الشيعة غزو المغول )
--------------------------- 207 ---------------------------

( م 232 ) للرازي شخصيتان : عقلاني منطقي ومتعصب مُلَبِّس !

ألَّف الفخر الرازي في الفلسفة والمنطق وأصول الفقه وانتشرت كتبه ، وأشهرها شرح الإشارات لابن سينا ، فهو من كبار شراحه ، ويعبر عنه نصير الدين الطوسي ( قدس سره ) بالشارح الفاضل .
أما كتابه في التفسير فقد بالغ فجعل اسمه ( مفاتيح الغيب ) ! وقيل إنه أخذ الكثير من مطالبه من تفسير روح الجنان الفارسي ، لأبي الفتوح الرازي حسين بن علي الخزاعي الذي عاش قبله بقليل ( عوالي اللئالي : 4 / 154 ، ومعالم العلماء / 15 ) .
وله كتاب مناقب الشافعي ، قال فيه : « فثبت أن نسبة الشافعي إلى علم الشرع كنسبة أرسطاطاليس إلى علم العقل » ( مقدمة الرسالة للشافعي )
وله كتاب عصمة الأنبياء ( عليهم السلام ) أخذ الكثير فيه من كتاب تنزيه الأنبياء ( عليهم السلام ) للشريف المرتضى ( قدس سره ) الذي عاش قبله بأكثر من قرن ، بل إن كتاب عصمة الأنبياء ( عليهم السلام ) للرازي ، هو تنزيه الأنبياء ( عليهم السلام ) للشريف المرتضى ، مصوغاً بقلم سني !
لكن الأهم من إخفاء الرازي استفادته الواسعة من بعض المؤلفات ، تعصبه ضد أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم ، وقد راجعت ما قاله في تفسيره في جده أبي بكر ، فوجدته استعمل مهارته العقلية وتَفَنَّنَ وتَمَحَّل ، لإثبات فضائل مكذوبة له !
فقد اعتمد أحاديث شهد نقاد الحديث السنيون بأنها موضوعة في فضائل أبي بكر ، وأغمض عينيه عن شهادتهم بأنها مكذوبة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) !
لهذا لم نظلمه بحكمنا عليه بأن له وجهاً آخر ، هو وجه الاحتيال لأن قلمه يشهد عليه بذلك ، ولأنه هو اعترف به ! « وعظ مرة عند السلطان شهاب الدين
--------------------------- 208 ---------------------------
فقال : يا سلطان العالم لا سلطانك يبقى ، ولا تلبيس الرازي يبقى ! وأن مردنا إلى الله ، فأبكى السلطان » ! ( تاريخ الذهبي : 43 / 219 ) :
فقد اعترف بأن آراءه تضمنت تلبيسات باطلة ، ستفنى كما يفنى حكم الخوارزمية الزائل ! وهذا إقرارٌ بأنه استعمل مهارته العقلية أحياناً لرد الحق ونصرة الباطل ، بعيداً عن العقلانية والمنطقية !
ونورد فيما يلي نماذج من تلبيساته في التعصب لجده أبي بكر !

1 - إيمان أبي بكر أقوى من إيمان أهل الأرض !

اخترع الرازي مناسبة في تفسير قوله تعالى ( 15 / 118 ) : وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا ، ليقول إن إيمان جده أقوى من إيمان أهل الأرض بمن فيهم الأنبياء ! قال : « وإليه الإشارة بقوله ( عليه السلام ) : لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم ! يريد أن معرفته بالله أقوى » .
فقد لبَّس على الناس ونسب هذا الحديث إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) على نحو الجزم !
بينما هو قولٌ لعمر بن الخطاب ، ثم فسره بأن إيمانه أقوى من إيمان كل أهل الأرض ، ومعناه : حتى النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
وقد ضعفه ابن عدي ( الضعفاء : 4 / 201 ) والدار قطني ( العلل : 2 / 223 ) لكن الذهبي حاول تخفيفه بدون دليل فقال : « مراد عمر أهل أرض زمانه » !

2 - استدلاله على ما سماه إمامة أبي بكر

وقال في ( 1 / 260 ) : « قوله : إهدنا الصراط المستقيم . يدل على إمامة أبي بكر لأنا ذكرنا أن تقدير الآية : إهدنا صراط الذين أنعمت عليهم ، والله تعالى قد بين في آية
--------------------------- 209 ---------------------------
أخرى أن الذين أنعم الله عليهم من هم فقال : فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ . . الآية . ولا شك أن رأس الصديقين ورئيسهم أبو بكر الصديق ، فكان معنى الآية أن الله أمرنا أن نطلب الهداية التي كان عليها أبو بكر الصديق وسائر الصديقين ، ولو كان أبو بكر ظالماً لما جاز الاقتداء به ، فثبت بما ذكرناه دلالة هذه الآية على إمامة أبي بكر » .
أقول : ما سماه إمامة أبي بكر مصادرة على المطلوب لو ارتكبها غيره لشنع الرازي عليه ! فمن أين يثبت أن أبا بكر صدِيق وإمام بنص النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد بيناَّ في محله أنه هو سمى نفسه الصدِّيق أو سماه به أتباعه !
ثم إن طلب الهداية إلى صراط المنعم عليهم لا يعني الإئتمام بالصديقين منهم ، مع وجود الرسل والأنبياء ( عليهم السلام ) !

3 - تَلْبِيسَةٌ رَازِيَّةٌ لجعل ولاية الله تعالى لمن عبد الأصنام

قال الله تعالى : وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ . ( البقرة : 124 )
وقال الرازي في تفسيرها ( 4 / 45 ) : « الروافض احتجوا بهذه الآية على القدح في إمامة أبي بكر وعمر من ثلاثة أوجه . الأول : أن أبا بكر وعمر كانا كافرين ، فقد كانا حال كفرهما ظالمين ، فوجب أن يصدق عليهما في تلك الحالة أنهما لا ينالان عهد الإمامة البتة ، وإذا صدق عليهما في ذلك الوقت أنهما لا ينالان عهد الإمامة البتة ولا في شئ من الأوقات ثبت أنهما لا يصلحان للإمامة الثاني : أن من كان مذنباً في الباطن كان من الظالمين ، فإذن ما لم يعرف أن أبا بكر وعمر ما كانا من الظالمين المذنبين ظاهراً وباطناً ، وجب أن لا يحكم بإمامتهما وذلك إنما يثبت في
--------------------------- 210 ---------------------------
حق من تثبت عصمته ، ولما لم يكونا معصومين بالاتفاق وجب أن لا تتحقق إمامتهما البتة . الثالث : قالوا : كانا مشركين ، وكل مشرك ظالم والظالم لا يناله عهد الإمامة ، فيلزم أن لا ينالهما عهد الإمامة . أما أنهما كانا مشركين فبالاتفاق ، وأما أن المشرك ظالم فلقوله تعالى : إن الشرك لظلم عظيم .
وأما أن الظالم لا يناله عهد الإمامة فلهذه الآية ، لا يقال إنهما كانا ظالمين حال كفرهما ، فبعد زوال الكفر لا يبقى هذا الاسم لأنا نقول الظالم من وجد منه الظلم ، وقولنا : وجد منه الظلم أعم من قولنا وجد منه الظلم في الماضي أو في الحال بدليل أن هذا المفهوم يمكن تقسيمه إلى هذين القسمين ومورد التقسيم بالتقسيم بالقسمين مشترك بين القسمين ، وما كان مشتركاً بين القسمين لا يلزم انتفاؤه لانتفاء أحد القسمين ، فلا يلزم من نفي كونه ظالماً في الحال نفي كونه ظالماً . والذي يدل عليه نظراً إلى الدلائل الشرعية أن النائم يسمى مؤمناً ، والإيمان هو التصديق والتصديق غير حاصل حال كونه نائماً ، فدل على أنه يسمى مؤمناً لأن الإيمان كان حاصلاً قبل .
وإذا ثبت هذا وجب أن يكون ظالماً لظلم وجد من قبل ، وأيضاً فالكلام عبارة عن حروف متوالية ، والمشي عبارة عن حصولات متوالية في أحياز متعاقبة ، فمجموع تلك الأشياء البتة لا وجود لها ، فلو كان حصول المشتق منه شرطاً في كون الاسم المشتق حقيقة ، وجب أن يكون اسم المتكلم والماشي وأمثالهما حقيقة في شئ أصلاً ، وإنه باطل قطعاً . فدل هذا على أن حصول المشتق منه ليس شرطاً لكون الاسم المشتق حقيقة .
والجواب : كل ما ذكرتموه معارض ، بما أنه لو حلف لا يسلم على كافر فسلم على إنسان مؤمن في الحال إلا أنه كان كافراً قبل بسنين متطاولة ، فإنه لا يحنث ،
--------------------------- 211 ---------------------------
فدل على ما قلناه . ولأن التائب عن الكفر لا يسمى كافراً والتائب عن المعصية لا يسمى عاصياً ، فكذا القول في نظائره ، ألا ترى إلى قوله : وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ، فإنه نهيٌ عن الركون إليهم حال إقامتهم على الظلم ، وقوله : مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ، معناه : ما أقاموا على الإحسان . على أنا بينا أن المراد من الإمامة في هذه الآية : النبوة ، فمن كفر بالله طرفة عين فإنه لا يصلح للنبوة » .
أقول : معنى كلامه أن المشتق حقيقة في المتلبس بالصفة فعلاً ، فصفة الظالم لا تصدق على الظالم سابقاً لأنه ليس ظالماً فعلاً ، والآية إنما تنفي شمول عهد الله للظالم الفعلي ، أما الظالم سابقاً فيناله العهد ويكون إماماً للناس كأبي بكر وعمر اللذين كانا أكثر عمرهما عابدي صنم !
وهو كلام مردود ، لأن الآية نفت شمول العهد الإلهي لمطلق الظالم ، سواء كان ظالماً حدوثاً وبقاءً ، أو حدوثاً فقط ! وقد اعترف الرازي في آخر كلامه بأن مقصود الآية التلبس بالظلم ولو حدوثاً وأن الذي كفر بالله طرفة عين لا يصلح لعهد النبوة ، فهو بطريق أولى لا يصلح للإمامة ، التي أعطاها الله تعالى لإبراهيم ( عليه السلام ) بعد النبوة والرسالة ! وهذا ما قاله أهل البيت ( عليهم السلام ) ، قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « وقد كان إبراهيم ( عليه السلام ) نبياً وليس بإمام حتى قال الله : جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ، قال : ومن ذريتي ؟ فقال الله : قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ . من عبد صنماً أو وثناً لا يكون إماماً » . ( الكافي : 1 / 175 ) .
وفي / 199 ، عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) قال : « فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة ، وصارت في الصفوة ، ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال : وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ .
--------------------------- 212 ---------------------------
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ . فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتى ورثها الله تعالى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال جل وتعالى : إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِي الْمُؤْمِنِينَ . فكانت له خاصة فقلدها ( صلى الله عليه وآله ) علياً ( عليه السلام ) بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله ، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله تعالى : قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ . فهي في وُلْد علي ( عليه السلام ) خاصة إلى يوم القيامة ، إذ لا نبي بعد محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، فمن أين يختار هؤلاء الجهال ! » .

4 - تلبيسةٌ رازيَّة أخرى لإثبات إمامة جده أبي بكر !

في تفسير قوله تعالى : وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ .
ابتكر الرازي في تفسيره ( 10 / 172 ) مقدمات من ( عقلياته ) واستنتج منها أن أبا بكر كان قدوة الأمة في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فهو قدوتها بعده ، قال :
« كان أسبق الناس إسلاماً ، وثبت أن إسلامه صار سبباً لاقتداء أفاضل الصحابة في ذلك الإسلام ، فثبت أن أحق الأمة بهذه الصفة أبو بكر . . . هذا الذي ذكرناه يقتضي أنه كان أفضل الخلق بعد الرسول » !
ثم زعم أن أبا بكر جاهد ، فسبَّبَ جهاده أن يدخل أكابر الصحابة في الإسلام مثل عثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعثمان بن مظعون وعلي ( عليه السلام ) !
--------------------------- 213 ---------------------------
ثم قال : « وعليٌّ جاهد علي يوم أحد ويوم الأحزاب في قتل الكفار ، ولكن جهاد أبي بكر أفضى إلى حصول الإسلام لمثل الذين هم أعيان الصحابة ، وجهاد على أفضى إلى قتل الكفار ، ولا شك أن الأول أفضل » .
وأضاف : « وأيضاً فأبو بكر جاهد في أول الإسلام حين كان النبي ( ص ) في غاية الضعف ، وعليٌّ إنما جاهد يوم أحد ويوم الأحزاب وكان الإسلام قوياً في هذه الأيام ، ومعلوم أن الجهاد وقت الضعف أفضل من الجهاد وقت القوة ، ولهذا المعنى قال تعالى : لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ، أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا » .
ثم قال الرازي ( 10 / 173 ) : « وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ . فلم يجعل بينهما واسطة ، وكما دلت هذه الدلائل على نفي الواسطة فقد وفق الله هذه الأمة الموصوفة بأنها خير أمة ، حتى جعلوا الإمام بعد الرسول ( ص ) أبا بكر على سبيل الإجماع ، ولما توفي دفنوه إلى جنب رسول الله ( ص ) ، وما ذاك إلا أن الله تعالى رفع الواسطة بين النبيين والصديقين في هذه الآية » .
أقول : لاحظ ما ارتكبه هذا العالم الكبير ! من تزوير للسيرة وإسفاف في الإستدلال !
1 - فالآية التي جعلها أساساً لتلبيسه في مدح جده وتفضيله ! تتحدث عن مكانة المؤمنين بالرسل وأنهم الصديقون والشهداء ، في مقابل الذين كفروا وكذبوا : وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ
فهي تشمل كل المؤمنين ، ولا تدل على أفضلية الأسبق زماناً منهم ، ولا هي في مقام بيان التفاضل بينهم ، لا بالأسبقية الزمنية ولا بغيرها !
--------------------------- 214 ---------------------------
أما العقل فيحكم بأن الأسبقية الزمنية إلى الإيمان بذاتها فضيلة مّا ، لكنها لا توجب أن يكون صاحبها بالضرورة أفضل ممن أسلم بعده ! لكن رواة السلطة جعلوها أفضلية ربانية كأنها أرقام سيارات وتلفونات !
2 - بدأ الرازي استدلاله ( العلمي ) بالتزوير فقال : « الصديق اسم لمن سبق إلى تصديق الرسول ( ص ) فصار في ذلك قدوة لسائر الناس ، وإذا كان الأمر كذلك كان أبو بكر الصديق أولى الخلق بهذا الوصف » ! فجعل الأسبقية الزمنية بمعنى القدوة والإمامة ، ولا وجود لشئ منها في الآية ، ولا في أبي بكر !
3 - لم يكن أبو بكر أول من أسلم فقد شهد ابن وقاص بأنه أسلم بعد أكثر من خمسين ! قال ابنه : « قلت لأبي : أكان أبو بكر أولكم إسلاماً ؟ فقال : لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين ، ولكن كان أفضلنا إسلاماً » . ( الطبري : 2 / 60 ) .
واستدل الرازي بحديث : « ما عرضتُ الإسلام على أحد إلا وله كبوة غير أبي بكر فإنه لم يتلعثم » ولم أجده في مصادرهم ، ووجدته مرسلاً غير مسند في تاريخ دمشق ( 30 / 128 ) ولم يصححه أحد من علمائهم ! ولو صح لدل على أن أبا بكر استجاب للإسلام رأساً ، ولا يدل على أنه أول من أسلم ، ولا أنه قدوة وإمام !
4 - كيف يمكن قبول هذا ( الجهاد ) المزعوم لأبي بكر في مكة وأنه سبَّبَ دخول كثيرين في الإسلام ، وقد رووا أن شخصاً من قبيلة أسد عبد العزى كان يربطه مع طلحة بحبل ويحبسهما فسميا القرينين ( الحاكم : 3 / 369 ) ! ورووا أن شخصاً آخر كان يربطهما أيضاً بذلك الحبل أو بحبل آخر ! ( الإصابة : 6 / 77 ، راجع : الصحيح من السيرة : 3 / 96 ) ! ورووا أن أبا بكر هاجر بعد إسلامه إلى اليمن ، حتى أجاره شخص اسمه ابن الدغنة ، رئيس قبيلة الأحابيش الصغيرة في مكة !
--------------------------- 215 ---------------------------
وقد كرر بخاري قصته في صحيحه : ( 3 / 58 ، وابن هشام : 1 / 249 ) !
فالذي لا تستطيع عشيرته أن تحميه ، ولا يجد من غيرها من يحميه ، ولا يستطيع أن يفك رقبته من الحبل ، كيف ينسب إليه ما سماه جهاداً ؟ !
والذي لم يستطع إقناع أبيه وزوجته وابنه عبد الرحمن بالإسلام فظلوا كفاراً ، كيف ينسب إليه أنه أقنع كثيرين بالإسلام ، ومنهم كما زعم الرازي علي ( عليه السلام ) ؟ !
قال أحد أئمة المعتزلة رداً على الجاحظ المتعصب لأبي بكر : « فمن عجز عن ابنه وأبيه وامرأته ، فهو عن غيرهم من الغرماء أعجز ! ومن لم يقبل منه أبوه وابنه وامرأته لا برفق واحتجاج ، ولا خوفاً من قطع النفقة عنهم وإدخال المكروه عليهم ، فغيرهم أقل قبولاً منه ، وأكثر خلافاً عليه » ! ( شرح النهج : 13 / 270 ) .
5 - كيف زعم الرازي أن جده أبا بكر كان ( مجاهداً ) في مكة ، ولم نسمع له حساً ولا حركة ، لا عند إسلامه وربطه في الحبل ، ولا بعد عودته من اليمن بضمانة ابن الدغنة ، لا في الشدائد التي مرت على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا في حصارهم لبني هاشم في الشعب سنوات مديدة ! ولا رأينا له فعلاً يذكر ، إلا أنه رافق النبي ( صلى الله عليه وآله ) في هجرته ، واشترى منه جملاً ومات الجمل في الطريق ، ولما وصل إلى قباء ترك النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم لم نسمع له ذكراً حتى في بناء مسجد النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
6 - اخترع الرازي لجده أنه كان في مكة إماماً وقدوة ، ولم يكن ذلك مطروحاً في مكة ، بل المطروح من يكون وصي النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد أمره الله أن ينذر عشيرته الأقربين ويختاره منهم ! وقد فصلت ذلك أحاديث الجميع في تفسير قوله تعالى : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، فراجع ما كتبناه في السيرة .
--------------------------- 216 ---------------------------
7 - من تحايل الرازي وتلبيساته أنه افترض أن أبا بكر دعا إلى الإسلام في مكة وسمى دعوته جهاداً وهي تسمية لا تصح لغةً إلا بقرينة ، لأن المتبادر من آيات الجهاد ومدح المجاهدين هو القتال ، ثم افترض أن علياً لم يدع مثله إلى الإسلام في مكة وكأنه كان نائماً ! ثم فضل ( جهاد ) أبي بكر المزعوم على قتال علي المعلوم ، واستشهد بقوله تعالى : لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ، أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا والآية هو مفاضلة بين من أنفق وقاتل في سبيل الله قبل فتح مكة ومن أنفق وقاتل بعده ، لكنه جعلها مفاضلة بين قتال علي وما سماه جهاد أبي بكر ! ثم جعل التفضيل بالنتيجة ، وزعم أن نتيجة دخول عدد من الصحابة بدعوة أبي بكر أفضل من نتيجة قتل الكفار بجهاد علي ( عليه السلام ) !
ويكفي أن نسأله : أما كان علي ( عليه السلام ) يدعو إلى الإسلام في مكة و ( يجاهد ) كأبي بكر ؟ ! وعندما كأم علي ( عليه السلام ) يقاتل في سبيل الله في معارك النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، هل قاتل أبو بكر مثله ، أم كان يختبئ خلف الصفوف ويهرب إلى الجبال والثقوب ؟ !
8 - ومن تلبيسات الرازي مقايسته بين ظرف ( جهاد ) أبي بكر وظرف جهاد علي ( عليه السلام ) ، وتفضيله لأبي بكر لأنه ( جاهد ) دون علي في وقت ضعف الإسلام بينما قاتل علي ( عليه السلام ) في وقت قوة الإسلام وارتفاع الخوف ، وكأن أبا بكر كان مستيقظاً في معارك النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! على أن آيات وصف المسلمين في معارك النبي ( صلى الله عليه وآله ) ترد عليه ، كقوله تعالى : وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا !
9 - ومن تلبيسات الرازي استدلاله بقوله تعالى : وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ . ( الزمر : 33 ) على نفي الواسطة بين أبي بكر والنبي ( صلى الله عليه وآله ) فحصر المصدقين بأبي بكر ، ثم استدل بذكرهم بعد الذي جاء به ، على أن رتبة أبي بكر
--------------------------- 217 ---------------------------
تأتي بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! قال ( 26 / 279 ) : « فالذي جاء بالصدق محمد ، والذي صدق به هو أبو بكر ، وهذا القول مروي عن علي بن أبي طالب وجماعة من المفسرين . وسمعت بعض القاصين من الذي يروى عن النبي أنه قال : دعوا أبا بكر فإنه من تتمة النبوة ! واعلم أنا سواء قلنا المراد بالذي صدق به شخص معين ، أو قلنا المراد منه كل من كان موصوفاً بهذه الصفة ، فإن أبا بكر داخل فيه . أما على التقدير الأول : فدخول أبي بكر فيه ظاهر وذلك لأن هذا يتناول أسبق الناس إلى التصديق ، وأجمعوا على أن الأسبق الأفضل إما أبو بكر وإما علي ، وحمل هذا اللفظ على أبي بكر أولى ، لأن علياً كان وقت البعثة صغيراً ، فكان كالولد الصغير الذي يكون في البيت ، ومعلوم أن إقدامه على التصديق لا يفيد مزيد قوة وشوكة . أما أبو بكر فإنه كان رجلاً كبيراً في السن كبيراً في المنصب ، فإقدامه على التصديق يفيد مزيد قوة وشوكة في الإسلام ، فكان حمل هذا اللفظ على أبي بكر أولى . . وأما على التقدير الثاني : فهو أن يكون المراد كل من كان موصوفاً بهذه الصفة ، وعلى هذا التقدير يكون أبو بكر داخلاً فيه » .
أقول : إن المصدقين الممدوحين في الآية : وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ . جمع كما وصفتهم الآية . ولا يصح حصرهم بشخص ، إلا بنص نبوي ! فحصرهم بأبي بكر تحكُّمٌ بدون دليل ! وكل ما بناه على هذا القول الباطل باطل !

5 - تلبيسةٌ رازيَّة لحل مشكلة الفارين من الزحف !

في تفسير قوله تعالى ( 11 / 9 ) : وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيماً ، اخترع الرازي حلاً لعقدة أتباع جده أبي بكر ، بسبب فرار إمامهم في الحروب وعدم قتاله ولو لمرة واحدة ، ولا بضربة سيف !
--------------------------- 218 ---------------------------
قال : « قالت الشيعة : دلت هذه الآية على أن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أفضل من أبي بكر ، وذلك لأن علياً كان أكثر جهاداً ، فالقدر الذي فيه حصل التفاوت كان أبو بكر من القاعدين فيه ، وعلي من القائمين ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون علي أفضل منه لقوله تعالى : وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيماً .
فيقال لهم : إن مباشرة علي لقتل الكفار كانت أكثر من مباشرة الرسول لذلك ، فيلزمكم بحكم هذه الآية أن يكون علي أفضل من محمد ( ص ) ، وهذا لا يقوله عاقل ! فإن قلتم إن مجاهدة الرسول مع الكفار كانت أعظم من مجاهدة علي معهم لأن الرسول ( ص ) كان يجاهد الكفار بتقرير الدلائل والبينات وإزالة الشبهات والضلالات ، وهذا الجهاد أكمل من ذلك الجهاد ، فنقول : فاقبلوا منا مثله في حق أبي بكر . . وهذا النوع من الجهاد هو حرفة النبي ( ص ) ، وأما جهاد علي فإنما كان بالقتل ، ولا شك أن الأول أفضل » !
أقول : معنى كلامه أن أبا بكر كان مكلفاً بالدعوة وليس بالقتال ، وهي دعوى لا تصح حتى في النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنه لم يباشر القتل كثيراً للحفاظ على قبول نبوته !
ولو سلمنا أن أبا بكر كان مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في العريش في بدر ، فقد قاتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) يومها ، فلماذا لم يقاتل أبو بكر ! وكذا في أحد ؟ !
كما أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يهرب ولا مرة ، فما بال أبي بكر هرب مرات عديدة ؟ !

6 - تلبيسة في استدلاله على أن أبا بكر أفضل من علي ( عليه السلام )

اعترف الرازي بأن الله تعالى أنزل في مدح علي والزهراء والحسنين ( عليهم السلام ) : « وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ
--------------------------- 219 ---------------------------
جَزَاءً وَلا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ( الإنسان : 8 - 11 ) .
ثم زعم في ( 7 / 59 و 89 ) أن آيات : وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى . إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى نزلت في أبي بكر وقال : « فمن أنفق ماله في سبيل الله لم يحصل له اطمئنان القلب في مقام التجلي ، إلا إذا كان إنفاقه لمحض غرض العبودية ، ولهذا السبب حكى عن علي أنه قال في إنفاقه : إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ ووصف إنفاق أبي بكر : وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى » ! وقال ( 23 / 188 ) : « فعلي أعطى للخوف من العقاب وأبو بكر ما أعطى إلا لوجه ربه الأعلى ، فدرجة أبي بكر أعلى ، فكانت عطيته في الإفضال أتم وأكمل » !
كما استشهد الرازي بكلام ابن الباقلاني وارتضاه فقال في ( 31 / 206 ) : « ذكر القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب الإمامة ، فقال : الآية الواردة في حق علي :
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيرا ، والآية الواردة في حق أبي بكر : إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى ، فدلت الآيتان على أن كل واحد منهما إنما فعل ما فعل لوجه الله ، إلا أن آية علي تدل على أنه فعل ما فعل لوجه الله ، وللخوف من يوم القيامة على ما قال : إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرا ، وأما آية أبي بكر فإنها دلت على أنه فعل ما فعل لمحض وجه الله من غير أن يشوبه طمع فيما يرجع إلى رغبة في ثواب أو رهبة من عقاب ، فكان مقام أبي بكر أعلى وأجل » .
أقول : اعترف الرازي بنزول آيات سورة الدهر في مدح علي ( عليه السلام ) وأن ذلك من مجمع عليه بين المسلمين ، ثم زعم مقابلها آيات نزلت في أبي بكر ، وقال إن
--------------------------- 220 ---------------------------
الشيعة يطعنون في روايتها ، ثم بنى عليها وجوهاً وأطال في تلبيسه لتفضيل أبي بكر على علي ( عليه السلام ) ، وستعرف ما في كلامه .
وكرر الرازي استدلاله في ( 31 / 205 ) فقال في تفسير : وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى : « أجمع المفسرون منا على أن المراد منه أبو بكر . واعلم أن الشيعة بأسرهم ينكرون هذه الرواية ويقولون : إنها نزلت في حق علي بن أبي طالب ، والدليل عليه قوله تعالى : وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، فقوله : الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ، إشارة إلى ما في الآية من قوله : وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . ولما ذكر ذلك بعضهم في محضري قلت : أقيمُ الدلالة العقلية على أن المراد من هذه الآية أبو بكر وتقريرها : أن المراد من هذا الأتقى هو أفضل الخلق ، فإذا كان كذلك وجب أن يكون المراد هو أبو بكر ، فهاتان المقدمتان متى صحتا صح المقصود . وإنما قلنا : إن المراد من هذا الأتقى أفضل الخلق لقوله تعالى : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ، والأكرم هو الأفضل ، فدل على أن كل من كان أتقى وجب أن يكون أفضل . فإن قيل : الآية دلت على أن كل من كان أكرم كان أتقى ، وذلك لا يقتضي أن كل من كان أتقى كان أكرم ؟ قلنا : وصف كون الإنسان أتقى معلوم مشاهد ، ووصف كونه أفضل غير معلوم ولا مشاهد ، والإخبار عن المعلوم بغير المعلوم هو الطريق الحسن .
أما عكسه فغير مفيد ، فتقدير الآية كأنه وقعت الشبهة في أن الأكرم عند الله من هو ؟ فقيل هو الأتقى . وإذا كان كذلك كان التقدير أتقاكم أكرمكم عند الله ، فثبت أن الأتقى المذكور هاهنا لا بد وأن يكون أفضل الخلق عند الله .
--------------------------- 221 ---------------------------
فنقول لا بد وأن يكون المراد به أبا بكر ، لأن الأمة مجمعة على أن أفضل الخلق بعد رسول الله ، إما أبو بكر أو علي ، ولا يمكن حمل هذه الآية على علي بن أبي طالب فتعين حملها على أبي بكر !
وإنما قلنا إنه لا يمكن حملها على علي بن أبي طالب لأنه قال في صفة هذا الأتقى : وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى . ، وهذا الوصف لا يصدق على علي بن أبي طالب ، لأنه كان في تربية النبي لأنه أخذه من أبيه وكان يطعمه ويسقيه ويكسوه ويربيه ، وكان الرسول منعماً عليه نعمة يجب جزاؤها ، أما أبو بكر فلم يكن للنبي عليه نعمة دنيوية ، بل أبو بكر كان ينفق على الرسول ، بل كان للرسول عليه نعمة الهداية والإرشاد إلى الدين ، إلا أن هذا لا يجُزى ، لقوله تعالى : مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ . والمذكور هاهنا ليس مطلق النعمة بل نعمة تجزى ، فعلمنا أن هذه الآية لا تصلح لعلي بن أبي طالب ، وإذا ثبت أن المراد بهذه الآية من كان أفضل الخلق وثبت أن ذلك الأفضل من الأمة ، إما أبو بكر أو علي ، وثبت أن الآية غير صالحة لعلي ، تعين حملها على أبي بكر ، وثبت دلالة الآية أيضاً على أن أبا بكر أفضل الأمة » .
أقول : يقوم استدلاله على أن الأتقى في الآية بمعنى أفضل الأمة ، ومن صفته أنه لا نعمةَ عليه لا يَدَ لأحد من الخلق ، وهذه صفة أبي بكر ، أما علي فكانت عليه يدٌ للنبي ( صلى الله عليه وآله ) لأنه رباه ، فلا تنطبق الآية عليه ! وهذه فذلكة أقرب إلى الشيطنة !
أولاً ، لأن ( الأتقى ) الذي سيجنب النار ليس شخصاً واحداً ، بل كل من أعطى ماله يتزكى ، فأفعل التفضيل فيها نسبي وليس حقيقياً . فلا يصح حصرها بأبي بكر أو غيره . بل ولا تطبيقها عليه إلا بنص قطعي ، ولا وجود له !
--------------------------- 222 ---------------------------
ثانياً ، استند الشيعة إلى النص القطعي فقالوا إن أفضل الأمة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) هو علي ( عليه السلام ) ، لأن الله تعالى جعله الولي بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بآية : إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، وقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : من كنت مولاه فعلي مولاه . أما أبو بكر فلا نص في تفضيله ، ولكن الرازي لبَّس على الناس ورفعه إلى درجة علي ( عليه السلام ) وجعل الأفضل مردداً بينهما ؟ !
ثالثاً ، شذَّ الرازي في تفسير قوله تعالى : وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى ، فجعل من شروط الأتقى أن لا يكون لأحد من الخلق عليه نعمة تجزى أبداً ، وطبقها على أبي بكر ، ثم جعلها النعمة الدنيوية ونفى أن يكون للنبي ( صلى الله عليه وآله ) يد على أبي بكر ! ثم زاد في تلبيسه فجعل النعمة الدينية لا تجزى لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لا يطلب أجراً !
وكل هذا لا يصح ، لأن أصل المعنى : أن هذا المعطي يؤتي ماله لله تعالى وليس مقابل يد عليه لمن يعطيه ، فالنعمة المنفية لمن يعطيه وليست لكل الخلق ، وإلا فيلزم الرازي أن يُخرج منها أبا بكر أيضاً ، لأن والده له عليه نعمة تجزى !
كما أنه لا يصح حصر النعمة بالدنيوية لأنها مطلقة تشمل الدينية ، وهي أولى بالجزاء من النعمة الدنيوية ، وقد جعل الله جزاء نعمة النبي ( صلى الله عليه وآله ) على الأمة ولاية عترته ، فقال : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا . . فكيف نفى ما أثبته الله تعالى ، وحصر النعمة بالدنيوية ؟ !
ثم استدل الرازي برواية أن أبا بكر اشترى بلالاً وأعتقه ، فنزلت فيه آية : وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى . . واعترف أن الشيعة طعنوا في روايتها وقالوا إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) هو الذي اشترى بلالاً وهو من مواليه وهو الصحيح ! راجع الصحيح من السيرة : 3 / 90 .
--------------------------- 223 ---------------------------

7 - تلبيسات لمدح أبي بكر في معركة بدر

في تفسير قوله تعالى ( 15 / 126 و 129 ) في معركة بدر : كمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ . يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ . . لم يرو الرازي ما قاله الشيخان عندما استشارهما النبي ( صلى الله عليه وآله ) فخوفاه من قريش ! قال : « فقام عند غضب النبي ( ص ) أبو بكر وعمر فأحسنا ! ثم قام سعد بن عبادة فقال : إمض إلى ما أمرك الله به فإنا معك حيثما أردت . . ثم لطَّف الرازي اعتراض أبي بكر على النبي ( صلى الله عليه وآله ) لإطالته في دعائه ومناشدته لربه عز وجل ! ثم زعم أن جبرئيل ( عليه السلام ) نزل يومها : « في خمسمائة ملك على الميمنة وفيها أبو بكر ، وميكائيل في خمس مائة على الميسرة وفيها علي بن أبي طالب في صورة الرجال عليهم ثيابهم بيض » .
أقول : بحثنا في السيرة النبوية عند أهل البيت ( عليهم السلام ) مشورة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأبي بكر وعمر في طريقه إلى بدر ! وأوردنا رواية مسلم ( 5 / 170 ) : « شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان ، قال فتكلم أبو بكر فأعرض عنه ، ثم تكلم عمر فأعرض عنه » !
وفي الدر المنثور : 3 / 165 : « فقال عمر : يا رسول الله ، إنها قريش وعزها ! والله ما ذلت منذ عزت ، ولا آمنت منذ كفرت ، والله لتقاتلنك ، فتأهب لذلك أهبته واعدد له عدته » . والنهاية : 3 / 321 . لكنهم حذفوا الفقرة الحساسة وهي قوله للنبي ( صلى الله عليه وآله ) « ولم تخرج على هيئة الحرب » ! أي إرجع ولا تقاتل قريشاً لأنك لم تستعد ! أو حرفوها إلى : والله لتقاتلنك فتأهب لذلك واعدد له عدته ! أو نسبوها إلى شخص مجهول ! لكن موقفهما واضح وهو النهي عن مواجهة قريش !
--------------------------- 224 ---------------------------
وفي الكشاف : 2 / 143 ، وتخريج الأحاديث : 2 / 11 ، والسيرة الحلبية : 2 / 385 ، وغيرها : « فتغير وجه رسول الله ( ص ) : ثم ردد عليهم فقال : إن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل ! فقالوا : يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو » ! فهؤلاء هم الذين : يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ !
وفي تفسير قوله تعالى ( 15 / 197 ) : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . ( الأنفال : 67 - 68 ) . قلد الرازي مفسري السلطة ونسب إلى عمر أنه أصاب فنهى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأبا بكر عن أخذ الفداء من أسرى قريش ، فعصياه ! ونزلت الآية موافقة لقول عمر ، فجلس النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأبا بكر يبكيان على ذنبيهما وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : لو نزل العذاب ما نجا إلا ابن الخطاب ! وقال في ( 15 / 198 ) : « إن النبي وأبا بكر بكيا ، وصرح الرسول ( ص ) أنه إنما بكى لأجل أنه حكم بأخذ الفداء ، وذلك يدل على أنه ذنب » !
وقد أثبتنا في السيرة بطلان ما نسبوه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) من الذنب ، وما زعمه عمر من مخالفته أخذ الفداء ، وكذا زعمه أن هزيمة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في أحُد كانت عقاباً له لأخذه الفداء من القرشيين !

8 - تلبيسات لمدح أبي بكر في معركة أحد

ارتكب الرازي عدة تزويرات في تفسير آيات أحُد لأجل مدح جده أبي بكر ! فزعم في تفسير : إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ . ( 8 / 219 ) أن أبا بكر ثبت ولم يهرب وزعم أن العباس كان معه ! قال : « وشج وجه
--------------------------- 225 ---------------------------
الرسول ( ص ) وكسرت رباعيته وشلت يد طلحة دونه ، ولم يبق معه إلا أبو بكر وعلي والعباس وسعد ، ووقعت الصيحة في العسكر أن محمداً قد قتل » .
وزعم في ( 9 / 15 ) أن عمر كان مع الثابتين ، قال : « وروي أن أبا سفيان صعد الجبل يوم أحد ثم قال : أين ابن أبي كبشة ، أين ابن أبي قحافة ، أين ابن الخطاب ؟ فقال عمر : هذا رسول الله وهذا أبو بكر وها أنا عمر ! فقال أبو سفيان : يوم بيوم ، والأيام دول والحرب سجال . فقال عمر : لا سواء ، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار » .
وقال في ( 9 / 20 ) : « ولما شج ذلك الكافر وجه الرسول ( ص ) وكسر رباعيته ، احتمله طلحة بن عبيد الله ، ودافع عنه أبو بكر وعلي ، ونفر آخرون معهم .
ثم إن الرسول ( ص ) جعل ينادي ويقول : إليَّ عباد الله ، حتى انحازت إليه طائفة من أصحابه ، فلامهم على هزيمتهم ، فقالوا يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا أتانا خبر قتلك فاستولى الرعب على قلوبنا ، فولينا مدبرين » !
وقال في تفسير آية الانقلاب ( 9 / 22 ) : « عن علي أنه قال : المراد بقوله : وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ : أبو بكر وأصحابه ، وروي عنه أنه قال : أبو بكر من الشاكرين ، وهو من أحباء الله » !
وروى في ( 9 / 51 ) أن الذين ثبتوا في أحُد مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) أربعة عشر نفراً ، وأن ثمانية منهم بايعوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) على الموت ! وكل ما ذكره الرازي في ثبات غير علي ( عليه السلام ) وأبي دجانة ، يخالف ما اعترف به الصحابة وحققه الباحثون السنة في معركة أحُد . وقد وثقنا ذلك في السيرة النبوية عند أهل البيت ( عليهم السلام ) .
--------------------------- 226 ---------------------------
وقد اضطر الرازي ( 9 / 67 ) أن يضحي بمنقبة لأبي بكر ليثبت أنه لم يكن مع الفارين ، فأخرجه من آية المشاورة في أحد : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ( آل عمران : 159 )
قال الرازي : « لأن الذين أمر الله رسوله بمشاورتهم في هذه الآية هم الذين أمره بأن يعفو عنهم ويستغفر لهم ، وهم المنهزمون ، فهب أن عمر كان من المنهزمين فدخل تحت الآية ، إلا أن أبا بكر ما كان منهم فكيف يدخل تحت هذه الآية » !

9 - تلبيسات لجعل آية الردة مدحاً لأبي بكر

9 - تلبيسات لجعل آية الردة مدحاً لأبي بكر
أقول : الآية تخبر عن ارتداد سيقع في الأمة ، وأن الله تعالى سيأتي بقوم جدد لهم صفات يحلون محل المرتدين وينصر الله بهم الإسلام . وقد سارع أتباع السلطة إلى تفسير الإرتداد بردة بعض العرب بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وتفسير القوم الموعودين بأنهم أبو بكر وأصحابه ، ورووه عن بعض أنصار السقيفة ، ومفسري الخلافة الأموية ، وحتى عن علي ( عليه السلام ) !
وقال أهل البيت ( عليهم السلام ) إن الآية تتحدث عن الانقلاب الموعود بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بقوله تعالى : وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ
--------------------------- 227 ---------------------------
عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ . وإن القوم الموعودين هم أنصار علي ( عليه السلام ) وخطه في الأمة إلى المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) .
ففي تفسير العياشي ( 1 / 326 ) عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « ولو أن الناس كفروا جميعاً حتى لا يبقى أحد ، لجاء الله لهذا الأمر بأهل يكونون من أهله ، ثم قال : أما تسمع الله يقول : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ . . حتى فرغ من الآية وقال في آية أخرى : فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ . ثم قال : إن هذه الآية هم أهل تلك الآية » .
وفي تفسير القمي ( 1 / 170 ) : « وأما قوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ، قال : هو مخاطبة لأصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذين غصبوا آل محمد حقهم وارتدوا عن دين الله . فَسَوْفَ يَأتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ : نزلت في القائم ( عليه السلام ) وأصحابه : يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ » .
وفي مناقب آل أبي طالب ( 2 / 334 ) ، عن عمار ، وحذيفة ، وابن عباس ، والباقر والصادق ( عليهما السلام ) إنها نزلت في علي . وروي عن علي ( عليه السلام ) يوم البصرة : والله ما قوتل على هذه الآية حتى اليوم ، وتلا هذه الآية » .
وقال أبو الصلاح الحلبي ( قدس سره ) في تقريب المعارف / 379 : « قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ . . قالوا : ولا أحد قابل المرتدين غير أبي بكر ، فيجب توجه الخطاب إليه ، وذلك ينافي ما تقوله الشيعة فيه . والجواب : أن المأتي بهم لقتال المرتدين موصوفون في الآية بصفات تجب على من ادعي لشخص أو أشخاص أن تدل على تكاملها له أو لهم ، وهي
--------------------------- 228 ---------------------------
وصفهم بأنهم يحبون الله ويحبهم ، وهذا يقتضي القطع على إيمانهم وعلو منزلتهم عند الله تعالى . وكونهم ذوي ذلة ورفق بأهل الإيمان ، وعزة وشديد وطأ على الكفار ، مجاهدين في سبيل الله ، لا يخافون لومة لائم ، في شق مما وصفهم به سبحانه فليثبتوا تكامل هذه الصفات لأبي بكر ، ليسلم لهم كونه المقاتل للمرتدين ! وإن ثبت ذلك يغنهم عن الآية في المقصود وهيهات !
على أنا نتبرع ببيان خروج أبي بكر منها فنقول : معلوم انهزامه والثاني بخيبر ، وقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : لأعطين الراية غداً رجلاً كراراً غير فرار يحب الله ورسوله والله ورسوله يحبانه ، فأعطاها علياً ( عليه السلام ) فاقتضى ذلك ثبوت محبته لله تعالى ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ومحبتهما له ، والحكم له بالكر ، وانتفاء ذلك عنهما ، فخرجا عن مقتضى الآية ! وبعد ، فإنه وصاحبه لم يكونوا من أهل الذلة على المؤمنين ، لغلظتهم على أهل بيت نبيهم ( عليهم السلام ) وعلى سعد بن عبادة والزبير وسلمان وبلال . وقد صرح أبو بكر بذلك فقال : وإذا غضبت فاجتنبوني لا أمثل في أشعاركم وأبشاركم ! مع ما صنعه ببني حنيفة من غير استحقاق على ما بيناه . ووصف الصحابة عمر بالغلظة وثبوتها له بظاهر أفعاله . وحال عثمان بذلك وإقدامه بالضرر القبيح والاستخفاف بأهل الإيمان ظاهرة . ولا من أهل العزة على الكفار ولا المجاهدين باتفاق على خلو ذكرهم من نكاية في كافر أو عناء في شئ من مواقف الجهاد ، وثبوت ذلك أجمع لعلي ( عليه السلام ) وشيعته . فيجب خروجهم من مقتضاها وتوجهها إليه ( عليه السلام ) وإلى من اتبعه مخلصاً في قتال المرتدين » ؟
وقال الشريف المرتضى في الشافي ( 2 / 246 ) : « وقد ادعى قوم من أهل الغباوة والعناد أن قوله تعالى : فَسَوْفَ يَأتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ . . المراد به أبو بكر من حيث قاتل أهل الردة . ولسنا نعرف قولاً أبعد من الصواب من هذا القول حتى أنه ليكاد أن
--------------------------- 229 ---------------------------
يعلم بطلانه ضرورة ، لأن الله تعالى إذا كان قد وصف من أراده بالآية بالعزة على الكافرين ، وبالجهاد في سبيله مع اطراح خوف اللوم ! وكيف يجوز أن يظن عاقل توجه الآية إلى من لم يكن له حظ من ذلك الوصف ! لأن المعلوم أن أبا بكر لم يكن له نكاية في المشركين ، ولا قتيل في الإسلام ولا وقف في شئ من حروب النبي ( صلى الله عليه وآله ) موقف أهل البأس والعناء ، بل كان الفرار سنته ، والهرب ديدنه ، وقد انهزم عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في جملة المنهزمين في مقام بعد مقام !
وكيف يوصف بالجهاد في سبيل الله على الوجه المذكور في الآية من لا جهاد له جملة ، وهل العدول بالآية عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مع العلم الحاصل لكل أحد بموافقة أوصافه بها ، إلى أبي بكر إلا عصبية ظاهرة وانحراف شديد !
وقد روي نزولها في قتال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أهل البصرة عنه ( عليه السلام ) نفسه ، وعن عبد الله بن عباس ، وعمار بن ياسر ، وإذا عضد ما ذكرناه من مقتضى الآية الرواية زالت الشبهة ، وقويت الحجة » .
وفي تفسير الميزان ( 5 / 387 ) : « وهذا صريح في أن القوم المأتي بهم جماعة من المؤمنين غير الجماعة الموجودين في أوان النزول ، والمقاتلون أهل الردة بعيد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) كانوا موجودين حين النزول مخاطبين بقوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، فهم غير مقصودين بقوله : فَسَوْفَ يَأتِي اللهُ بِقَوْمٍ والآية جارية مجرى قوله تعالى : وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ . ويؤيد ذلك أيضاً إنذار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قريشاً بقتال علي ( عليه السلام ) لهم من بعده ، حيث جاء سهيل بن عمرو في جماعة منهم فقالوا : يا محمد إن أرقائنا لحقوا بك فارددهم إلينا ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لتنتهن يا معاشر قريش أو ليبعثن الله عليكم رجلاً يضربكم على تأويل القرآن كما ضربتكم على تنزيله ! فقال له بعض أصحابه : من هو يا رسول الله أبو بكر ؟
--------------------------- 230 ---------------------------
قال : لا ، ولكنه خاصف النعل في الحجرة ، وكان علي ( عليه السلام ) يخصف نعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » .
وقد حاول الرازي أن يقوي رأيه بأن الآية مدح لأبي بكر فقال في ( 12 / 23 ) : « أما قول الروافض لعنهم الله : إن هذه الآية في حق علي بدليل أنه ( ص ) قال يوم خيبر : لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، وكان ذلك هو علي ( عليه السلام ) ، فنقول : هذا الخبر من باب الآحاد ، وعندهم لا يجوز التمسك به في العمل ، فكيف يجوز التمسك به في العلم !
وأيضاً إن إثبات هذه الصفة لعلي لا يوجب انتفاءها عن أبي بكر وبتقدير أن يدل على ذلك لكنه لا يدل على انتفاء ذلك المجموع عن أبي بكر ، ومن جملة تلك الصفات كونه كراراً غير فرار ، فلما انتفى ذلك عن أبي بكر لم يحصل مجموع تلك الصفات له ، فكفى هذا في العمل بدليل الخطاب ، فأما انتفاء جميع تلك الصفات فلا دلالة في اللفظ عليه ، فهو تعالى إنما أثبت هذه الصفة المذكورة في هذه الآية حال اشتغاله بمحاربة المرتدين بعد ذلك ، فهب أن تلك الصفة ما كانت حاصلة في ذلك الوقت ، فلم يمنع ذلك من حصولها في الزمان المستقبل !
ولأن ما ذكرناه تمسك بظاهر القرآن ، وما ذكروه تمسك بالخبر المذكور المنقول بالآحاد ، ولأنه معارض بالأحاديث الدالة على كون أبي بكر محباً لله ولرسوله . وكون الله محباً له وراضيا عنه . قال تعالى في حق أبي بكر : ولسوف يرضى . وقال ( ص ) : إن الله يتجلى للناس عامة ويتجلى لأبي بكر خاصة . وقال : ما صب الله شيئاً في صدري إلا وصبه في صدر أبي بكر ! وكل ذلك يدل على أنه كان يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله » . انتهى .
--------------------------- 231 ---------------------------
أقول : محاولته تقوية رأيه يعني أنه غير مطمئن بتفسيره لآية : فَسَوْفَ يَأتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ، بأبي بكر وأصحابه ! ونلاحظ أنه اعترف ضمنياً بأن أبا بكر لم يكن فيه صفة الكرار غير الفرار ، ولا صفة القتال في سبيل الله . وغيرهما ، ولذا قال : « إنما أثبت هذه الصفة المذكورة في هذه الآية حال اشتغاله بمحاربة المرتدين بعد ذلك ، فهب أن تلك الصفة ما كانت حاصلة في ذلك الوقت ، فلم يمنع ذلك من حصولها في الزمان المستقبل » !
وتلاحظ أنه لبَّس فجعل قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله . . الخ . خبر آحاد مع أنه متواتر عندهم ! ثم جعل أحاديثهم التي أقروا بوضعها في أبي بكر كحديث التجلي ، أحاديث صحيحة !

10 - تلبيسات في آية الغار

استعمل الرازي مهارته العقلية وقبل التمحل ، في تفسير قوله تعالى ( 16 / 63 ) : إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . ( التوبة : 40 ) .
فاستخرج منها مناقب عديدة لأبي بكر وفضله على العالمين ! فزعم أن الله أمر نبيه ( صلى الله عليه وآله ) وأبا بكر بالهجرة ! فأمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) علياً أن يضطجع على فراشه ليمنعهم السواد من طلبه ، حتى يبلغ هو وصاحبه إلى ما أمر الله به .
ولم يذكر دليلاً على أن هجرة أبي بكر كانت بأمر الله تعالى ، كمبيت علي ( عليه السلام ) !
وذكر أن أبا بكر تفحص الغار من الحشرات ، ولما قرب الطلب منه بكى خوفاً على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وليس على نفسه ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا . ما
--------------------------- 232 ---------------------------
ظنك باثنين الله ثالثهما ! ويظهر أنهم رأوا أن : لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا ، أقرب إلى الذم ، فأضافوا لها : ما ظنك باثنين الله ثالثهما ، وكأنها مدح !
ثم ذكر الرازي أن صحبة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأبي بكر تدل على أنه من المؤمنين الصادقين الصديقين ، وإلا لما صحبه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! لكن الصحبة لا تدل على ذلك فقد يكون رآه في الطريق وصحبه ، لسبب وآخر !
ثم ذكر الرازي من فضائل جده أن كل المسلمين سواه فارقوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) بينما لازمه أبو بكر في الخوف الشديد !
وهذا لا يصح فكم مرة فرَّ أبو بكر وفارق النبي ( صلى الله عليه وآله ) أما في الهجرة فقد أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعض المسلمين بالهجرة قبله ، وأمر علياً بالمبيت مكانه والتعرض لخطر القتل ، وبقية المسلمين لم يعلموا بهجرته ( صلى الله عليه وآله ) !
ثم ذكر الرازي أن ثاني اثنين منصب ديني ، فالنبي ( صلى الله عليه وآله ) أول وأبو بكر ثانٍ : « فكان هو ثاني اثنين في الدعوة إلى الله ، وأيضاً كلما وقف رسول الله ( ص ) في غزوة كان أبو بكر يقف في خدمته ولا يفارقه ، فكان ثاني اثنين في مجلسه ، ولما مرض رسول الله ( ص ) قام مقامه في إمامة الناس في الصلاة ، فكان ثاني اثنين ، ولما توفي دفن بجنبه فكان ثاني اثنين هناك أيضاً » !
ثم قال الرازي : « وطعن بعض الحمقى من الروافض في هذا الوجه وقال : كونه ثاني اثنين للرسول لا يكون أعظم من كون الله تعالى رابعاً لكل ثلاث في قوله : مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ ، ثم إن هذا الحكم عام في حق الكافر والمؤمن ، فلما لم يكن هذا المعنى من الله تعالى دالاً على فضيلة لإنسان ، فلأن لا يدل من النبي على فضيلة الإنسان كان أولى .
--------------------------- 233 ---------------------------
والجواب : أن هذا تعسف بارد ، لأن المراد هناك كونه تعالى مع الكل بالعلم والتدبير ، وكونه مطلعاً على ضمير كل أحد ، أما هاهنا فالمراد بقوله تعالى : ثاني اثنين ، تخصيصه بهذه الصفة في معرض التعظيم » .
وقد غفل الرازي أو تغافل عن أن ثاني الاثنين في الآية هو النبي ( صلى الله عليه وآله ) والمعنى أن الله نصره عندما لم يكن معه في هجرته إلا شخص واحد كان هو ثانيه ! فإن اعتبرها الرازي رتبة فرتبة أبو بكر الأول والنبي ( صلى الله عليه وآله ) الثاني !
كما أن النقض عليه بآية أن الله تعالى رابعهم وسادسهم ، صحيح ، لأن العدد في الآيتين لا يدل على رتبة !
ثم قال الرازي : « واعلم أن الروافض في الري كانوا إذا حلفوا قالوا : وحق خمسة سادسهم جبريل ، وأرادوا به أن الرسول وعلياً وفاطمة والحسن والحسين ، كانوا قد احتجبوا تحت عباءة يوم المباهلة فجاء جبريل وجعل نفسه سادساً لهم ! فذكروا للشيخ الإمام الوالد أن القوم هكذا يقولون ، فقال : لكم ما هو خير منه بقوله : ما ظنك باثنين الله ثالثهما ! ومن المعلوم بالضرورة أن هذا أفضل وأكمل » .
أقول : قول الشيعة : وحق خمسة جبرئيل سادسهم ، صحيح ، لأن حديثها فيه عدد ورتبة ، فقد أضاف جبرئيل نفسه إليهم ( عليهم السلام ) ليحصل على رتبة ، بينما قوله تعالى : ثاني اثنين ، لا رتبة فيه وإلا كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثانياً وأبو بكر أولاً !
ثم ذكر الرازي أن وصف أبي بكر بصاحبه يدل على فضيلة ، وأن بعضهم ردَّ ذلك بأن الله تعالى وصف الكافر بكونه صاحباً للمؤمن ، فقال : قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ . .
--------------------------- 234 ---------------------------
قال الرازي : « والجواب : أن هناك وإن وصفه بكونه صاحباً له ذكراً ، إلا أنه أردفه بما يدل على الإهانة والإذلال ، وهو قوله : أكفرت ، أما هاهنا فبعد أن وصفه بكونه صاحباً له ذكر ما يدل على الإجلال والتعظيم وهو قوله : لا تحزن إن الله معنا ، فأي مناسبة بين البابين ، لولا فرط العداوة » ؟
أقول : اعترف الرازي بأن الصاحب لا تدل بذاتها على فضيلة ولا على إيمان إلا بقرينة ، ولذا قال إن ما بعدها مدح ، ولكن النهي عن الحزن ليس مدحاً !
ولكي يجعله الرازي مدحاً اختار أحسن معية وطبقها على أبي بكر وهي قوله تعالى : إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ . قال : « والمعنى : إن الله مع الذين اتقوا لا مع غيرهم ، وذلك يدل على أن أبا بكر من المتقين المحسنين » !
لكن معية الله تعالى عامة لكل الناس ! قال تعالى : وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( الحديد : 4 ) .
ثم حاول الرازي أن يجعل معية الله مع أبي بكر من نوع معيته مع الرسول ( صلى الله عليه وآله ) فقال : « فالرسول ( ص ) شرك بين نفسه وبين أبي بكر في هذه المعية ، فإن حملوا هذه المعية على وجه فاسد لزمهم إدخال الرسول فيه ، وإن حملوها على محمل رفيع شريف لزمهم إدخال أبي بكر فيه » .
وهذا لا يصح لأن معية الله تعالى للرسل ليست كمعيته لغيرهم ، ألا ترى أنه يصح للنبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يقول لفرعون مثلاً إن الله معي ومعك ، فيذكره بالله تعالى . ولا يدل ذلك على أن معيته له من نوع معيته ، ورتبته كرتبته أو تليها !
--------------------------- 235 ---------------------------
ثم قال الرازي : « ولا شك أن المراد من هذه المعية ، المعية بالحفظ والنصرة والحراسة والمعونة » . وهذه معية الله مع رسوله ( صلى الله عليه وآله ) دون أبي بكر ، فكأنه ( صلى الله عليه وآله ) قال : لا تخف إن الله معي ! ألا ترى أنه لو لم يكن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لاختلف معنى المعية !
ومن تلبيس الرازي : أنه جعل النهي في قوله تعالى ( لا تحزن ) بمعنى نفي الحزن عنه تكويناً ! قال : « نهيٌ عن الحزن مطلقاً والنهي يوجب الدوام والتكرار وذلك يقتضي أن لا يحزن أبو بكر بعد ذلك البتة قبل الموت وعند الموت وبعد الموت » .
ولو صح ذلك لكان كل نهي عن الكفر والمعاصي ، نفياً تكوينياً لها عن المخاطب !
ثم ارتكب الرازي ما لم يقله أحد ، فجعل نزول السكينة على أبي بكر دون النبي ( صلى الله عليه وآله ) في قوله تعالى : فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ! واستدل بأن الذي كان خائفاً حزيناً هو أبو بكر ، فهو الذي يحتاج إلى السكينة ، أما النبي ( صلى الله عليه وآله ) فكان آمناً ساكن القلب بما وعده الله !
ثم لم يستطع الرازي أن يجعل التأييد بالجنود وما بعده لأبي بكر ، فاعترف أنها للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وبذلك فرق بين معطوفات متحدة السياق ، بدون قرينة !
قال في ( 9 / 38 ) إن الذي نزلت عليه السكينة هو أبو بكر وليس النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! وزعم في ( 22 / 42 ) أنه : « كان خائفاً فلما نزلت السكينة عليه . . . صار من الخلفاء » !
ثم ذكر الرازي إنفاق أبي بكر على النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الغار وأنه هيأ الرواحل ، وقد أثبتنا في السيرة أنه اشترى منه جملاً بثمنه نقداً ، وعندما وصلوا إلى قباء ترك أبو بكر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وذهب ، ولم يرد له ذكر حتى في بناء المسجد النبوي !
ثم ختم الرازي بقوله : « واعلم أن الروافض احتجوا بهذه الآية وبهذه الواقعة على الطعن في أبي بكر من وجوه ضعيفة حقيرة ، جارية مجرى إخفاء الشمس بكف
--------------------------- 236 ---------------------------
من الطين : فالأول : قالوا إنه ( ص ) قال لأبي بكر لا تحزن ، فذلك الحزن إن كان حقاً فكيف نهى الرسول عنه ؟ وإن كان خطأ لزم أن يكون أبو بكر مذنباً وعاصياً في ذلك الحزن .
والثاني : قالوا يحتمل أن يقال : إنه استخلصه لنفسه لأنه كان يخاف منه أنه لو تركه في مكة أن يدل الكفار عليه ، وأن يوقفهم على أسراره ومعانيه ، فأخذه مع نفسه دفعاً لهذا الشر .
والثالث : وإن دلت هذه الحالة على فضل أبي بكر إلا أنه أمر علياً بأن يضطجع على فراشه ، ومعلوم أن الاضطجاع على فراش رسول الله ( ص ) في مثل تلك الليلة الظلماء مع كون الكفار قاصدين قتل رسول الله ( ص ) تعريض النفس للفداء ، فهذا العمل من علي أعلى وأعظم من كون أبي بكر صاحباً للرسول . فهذه جملة ما ذكروه في ذلك الباب » .
ثم قال : « والجواب عن الأول : أن أبا علي الجبائي لما حكى عنهم تلك الشبهة قال : فيقال لهم يجب في قوله تعالى لموسى ( عليه السلام ) : لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى ، أن يدل على أنه كان عاصياً في خوفه وذلك طعن في الأنبياء ( عليهم السلام ) » .
أقول : الحزن والبكاء في تلك الحالة إن لم يكن معصية ، فهو يدل على قلة إيمان صاحبه بوعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالنجاة . ولو كان علي ( عليه السلام ) مكان أبي بكر لما بكى !
. . ثم قال الرازي : « والجواب عن الثاني : أن الذي قالوه أخس من شبهات السوفسطائية ، فإن أبا بكر لو كان قاصداً له لصالح الكفار عند وصولهم إلى باب الغار ، وقال لهم نحن هاهنا . » .
أقول : الاحتمالات أوسع مما ذكره ، وتناقض رواياتهم في سبب هجرة أبي بكر مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكيفيتها ، يفتح الباب لاحتمالات أخرى .
--------------------------- 237 ---------------------------
ثم أجاب عن الثالث فقال : « لا ننكر أن اضطجاع علي بن أبي طالب في تلك الليلة المظلمة على فراش رسول الله طاعة عظيمة ومنصب رفيع ، إلا أنا ندعي أن أبا بكر بمصاحبته كان حاضراً في خدمة الرسول ، وعلي كان غائباً ، والحاضر أعلى حالاً من الغائب » وهذا قياس عجيب في تفضيل الحاضر على الغائب ، فهل يفضل الرازي شيطانه الحاضر على أبيه الغائب ! !
ثم زعم الرازي أن الكفار تركوا علياً ( عليه السلام ) ولم يتعرضوا له ، لكن أبا بكر : « كان في أشد أسباب المحنة فكان بلاؤه أشد ! وكان يذب عن الرسول بالنفس والمال . . كان غضب الكفار على أبي بكر لا محالة أشد من غضبهم على علي ! فعلمنا أن خوف أبي بكر على نفسه في خدمة محمد ( ص ) أشد من خوف علي ، فكانت تلك الدرجة أفضل وأكمل » .
أقول : إن المنصف يرى أن مبيت علي ( عليه السلام ) على فراش النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتعريضه نفسه للإشتباك مع عتاة قريش ، أعظم من أبي بكر الذي قبل الهجرة مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو يعلم أنه محفوظ من ربه !
وكذلك زعمه أن غضب قريش من أبي بكر أشد من غضبها على علي ( عليه السلام ) فمن المعروف أن العرب تَعْصِبُ نقمتها من الشخص بعشيرته وعترته ، وأن أبا طالب وأولاده تحدوا قريشاً في مكة ، ثم قتل علي ( عليه السلام ) صناديدهم في معارك النبي ( صلى الله عليه وآله ) فكانوا يرونه ثأرهم في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبعده ، ولا علاقة لأبي بكر بذلك !

11 - تلبيسة لرد نص الآية بولاية علي ( عليه السلام )

قال الله تعالى : إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . ( المائدة : 55 ) . وقد روى المسلمون سنة وشيعة أن هذه الآية
--------------------------- 238 ---------------------------
نزلت في علي ( عليه السلام ) ، وهو واضح من واو الحالية فيها ، وأنها تتحدث عن حادثة وشخص تصدق في حال ركوعه ، ولم يروها أحد لغير علي ( عليه السلام ) .
لكن الرازي ابتكر الدفاع عن جده بالهجوم على الشيعة ، فقال ( 12 / 26 ) : « روى عطاء عن ابن عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب . روي أن عبد الله بن سلام قال : لما نزلت هذه الآية قلت : يا رسول أنا رأيت علياً تصدق بخاتمه على محتاج . الأول : إن كل من أثبت بهذه الآية إمامة شخص قال إن ذلك الشخص هو علي ، وقد ثبت بما قدمنا دلالة هذه الآية على إمامة شخص ، فوجب أن يكون ذلك الشخص هو علي ، ضرورة أنه لا قائل بالفرق .
والثاني : تظاهرت الروايات على أن هذه الآية نزلت في حق علي ، ولا يمكن المصير إلى قول من يقول إنها نزلت في أبي بكر لأنها لو نزلت في حقه لدلت على إمامته ، وأجمعت الأمة على أن هذه الآية لا تدل على إمامته ، فبطل هذا القول .
والثالث : أن قوله : وهم راكعون ، لا يجوز جعله عطفاً على ما تقدم ، لأن الصلاة قد تقدمت ، والصلاة مشتملة على الركوع ، فكانت إعادة ذكر الركوع تكراراً ، فوجب جعله حالاً ، أي يؤتون الزكاة حال كونهم راكعين ، وأجمعوا على أن إيتاء الزكاة حال الركوع لم يكن إلا في حق علي ، فكانت الآية مخصوصة به ودالة على إمامته من الوجه الذي قررناه ، وهذا حاصل استدلال القوم بهذه الآية على إمامة علي . . .
بَيَّنَّا بالبرهان البين أن الآية المتقدمة وهي قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ . . الخ . من أقوى الدلائل على صحة إمامة أبي بكر ، فلو دلت هذه الآية على صحة إمامة علي بعد الرسول ، لزم التناقض بين الآيتين وذلك باطل ، فوجب القطع بأن هذه الآية لا دلالة فيها على أن علياً هو الإمام بعد الرسول . .
--------------------------- 239 ---------------------------
إن علي بن أبي طالب كان أعرف بتفسير القرآن من هؤلاء الروافض ، فلو كانت هذه الآية دالة على إمامته لاحتج بها في محفل من المحافل ، وليس للقوم أن يقولوا : إنه تركه للتقية لإنهم ينقلون عنه أنه تمسك يوم الشورى بخبر الغدير وخبر المباهلة وجميع فضائله ومناقبه ، ولم يتمسك البتة بهذه الآية في إثبات إمامته ، وذلك يوجب القطع بسقوط قول هؤلاء الروافض لعنهم الله . . .
هب أنها دالة على إمامة علي ، لكنا توافقنا على أنها عند نزولها ما دلت على حصول الإمامة في الحال : لأن علياً ما كان نافذ التصرف في الأمة حال حياة الرسول ( ص ) فلم يبق إلا أن تحمل الآية على أنها تدل على أن علياً سيصير إماماً بعد ذلك ، ومتى قالوا ذلك فنحن نقول بموجبه ونحمله على إمامته بعد أبي بكر وعمر وعثمان ، إذ ليس في الآية ما يدل على تعيين الوقت .
فإن قالوا : الأمة في هذه الآية على قولين : منهم من قال : إنها لا تدل على إمامة علي ، ومنهم من قال : إنها تدل على إمامته ، وكل من قال بذلك قال : إنها تدل على إمامته بعد الرسول من غير فصل ، فالقول بدلالة الآية على إمامة علي لا على هذا الوجه قول ثالث ، وهو باطل .
لأنا نجيب عنه فنقول : ومن الذي أخبركم أنه ما كان أحد في الأمة قال هذا القول ، فإن من المحتمل ، بل من الظاهر أنه منذ استدل مستدل بهذه الآية على إمامة علي ، فإن السائل يورد على ذلك الإستدلال هذا السؤال » .
أقول : عمدة استدلاله : أن الآية التي قبلها بزعمه تدل على إمامة أبي بكر ، فإن دلت هذه على إمامة علي كان تناقضاً ، فيجب صرفها عن إمامة علي ( عليه السلام ) !
--------------------------- 240 ---------------------------
ولو كان غير متعصب لقال إن دلالة الآية في حادثة التصدق على ولاية علي قطعيه ، ودلالة الآية قبلها على ولاية أبي بكر ظنية للمناقشة فيه وعدم النص ، والظني لا يرد القطعي !
ثم نلاحظ أنه قال بدلالتها على إمامة علي ( عليه السلام ) ، لكنه أخَّر وقت إمامته إلى ما بعد أبي بكر وعمر وعثمان ، لشعوره بقوة دلالتها وتعيينها للولي ! وكأن المطلوب منه تطبيق القرآن على خلافة السقيفة ، مع أن الواجب وزن السقيفة بالقرآن !
ثم إن الموضوع ليس منصب الخلافة بل حصر الولاية والإمامة بمن تصدق بالخاتم في صلاته ( عليه السلام ) ، سواء أعطي منصب الخليفة أم لا !
وقد أحس الرازي بذلك فحاول الهروب من الحصر ، ومن معنى الولاية ، وهو آخر ما يحاوله المتعصبون عندما تحاصرهم آية : إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . ولو كان أهل السقيفة أصحاب الآية لتمسكوا بدلالة ( إنما ) على الحصر ، وتمسكوا بإطلاق الولاية !

12 - تلبيسات لإثبات أن أبا بكر رأس المهاجرين السابقين

قال الله تعالى : وَالسَّابِقُونَ الأَوَلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِىَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . ( التوبة : 100 ) وقد استمات الرازي في هذه الآية ( 16 / 169 ) ليصل إلى هذه النتيجة ، وهي قوله : « فثبت أن الرأس والرئيس في قوله : وَالسَّابِقُونَ الأَوَلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، ليس إلا أبا بكر . . فظهر أن هذه الآية دالة على فضل أبي بكر ، وعلى صحة القول بإمامته قطعاً » .
--------------------------- 241 ---------------------------
ويقوم استدلاله على أن الهجرة منصب ، وأن التقدم الزمني فيها منصب ، وأن الخلافة هي الإمامة ، وأنها تُستحق شرعاً بصفات من الفضيلة في الصحابي ، ولا دخل لله تعالى واختيار النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيها ! وأن أبا بكر جمع الفضائل كلها فاستحق إمامة المسلمين دون بقية الصحابة ، وبعده عمر وعثمان وعلي ( عليه السلام )
أما نص النبي ( صلى الله عليه وآله ) على خلافة علي ( عليه السلام ) مراراً وتكراراً فيهمله الرازي ، وإن واجهه النص وفرض نفسه عليه ، يؤوله ، وإن وجد شبهة نص في أبي بكر ، أو شيئاً يستخرج منه بالتمحل نصاً نبوياً ويرفعه علماً ويجول فيه بسيف من خشب !
وأما الإشكالات على جده أبي بكر ، فيتفنن في ردها حتى يجعل منها فضائل ومناقب ، وقد جعل غيابه عن الشدائد التي مرت على النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مكة جهاداً في سبيل الله ودعوة إلى الإسلام ، وجعل فراره من المعارك بطولة أفضل من مبارزة الأقران وقتل صناديد الكفر ! قال : « إن أسبق الناس إلى الهجرة هو أبو بكر ، لأنه كان في خدمة الرسول »
مع أنه سبقه مهاجرون إلى الحبشة قبل سنوات ، والى المدينة قبل أكثر من سنة !
فصحبته للنبي ( صلى الله عليه وآله ) لا يمكن أن تجعله أسبق المهاجرين زمنياً ، لكن الرازي يجعل الهجرة بمعنى السبق الزمني عندما يريد ، وبمعنى السبق الرتبي عندما يريد ، ويفضلها على السبق الزمني !
ثم يقول : « وإذا ثبت هذا وجب أن يكون إماماً حقاً بعد رسول الله ، إذ لو كانت إمامته باطلة لاستحق اللعن والمقت وذلك ينافي حصول مثل هذا التعظيم . » !
فما هو ربط الأسبقية إلى الهجرة باستحقاق الخلافة والإمامة ؟ !
وهل إذا نزل مقت الله سبحانه ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ولعنتهما على الذي إمامته باطلة يجب أن يعرف ذلك الفخر الرازي ؟ !
--------------------------- 242 ---------------------------
ثم قال الرازي : « قد بينا أن السبق في الإيمان إنما أوجب الفضل العظيم من حيث إنه يتقوى به قلب الرسول ( عليه السلام ) ويصير هو قدوة لغيره ، وهذا المعنى في حق أبي بكر أكمل ، وذلك لأنه حين أسلم كان رجلاً كبير السن مشهوراً فيما بين الناس واقتدى به جماعة من أكابر الصحابة ، فإنه نقل أنه لما أسلم ذهب إلى طلحة والزبير وعثمان بن عفان وعرض الإسلام عليهم ، ثم جاء بهم بعد أيام إلى الرسول ( عليه السلام ) وأسلموا على يد الرسول ، فظهر أنه دخل بسبب دخوله في الإسلام قوة في الإسلام ، وصار هذا قدوة لغيره ، وهذه المعاني ما حصلت في علي ، لأنه في ذلك الوقت كان صغير السن ، وكان جارياً مجرى صبي في داخل البيت ، فما كان يحصل بإسلامه في ذلك الوقت مزيد قوة للإسلام ، وما صار قدوة في ذلك الوقت لغيره ، فثبت أن الرأس والرئيس في قوله : والسابقون الأولون من المهاجرين ، ليس إلا أبا بكر » .
أقول : يفترض الرازي دوراً مكذوباً لأبي بكر في الدعوة إلى الإسلام في مكة ويضخمه حتى يوهم القارئ أنه هو سبب إسلام من سماهم كبار الصحابة ، ويقول إن الإسلام مديون لنشاطه في مكة و ( جهاده ) في الدعوة ! ثم لا يذكر على ادعائه نصاً واحداً ، ولا توقيتاً لإسلام أبي بكر ومن زعم أنهم أسلموا على يده !
والكلام بدون توثيق أسلوب عامي ! وهو من التلبيس الذي اعترف به الرازي وقال إنه سيفنى ! بينما الواقع أن أبا بكر أسلم بعد أكثر من خمسين كما تقدم في شهادة سعد بن أبي وقاص ، ولم يكن له أثر محسوس لا في إسلام أحد ، ولا في نصرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومواساته في الشدائد !
--------------------------- 243 ---------------------------
ثم وجد الرازي أنه يحتاج إلى تنقيص مقام علي ( عليه السلام ) ليثبت أفضلية أبي بكر ! فشن هجومه الظالم عليه بأنه كان صبياً صغيراً ، لم يدعُ أحداً إلى الإسلام ولم يكن له جهاد ولا تأثير في مكة ! فأبو بكر عنده مجاهد ، وعلي ( عليه السلام ) صبي قاعد !
ويتعمد الرازي أن يعبر عن جده أبي بكر بالإمام ، وعن الخلافة بالإمامة ، ويتحدث عنها وكأن أفضلية أبي بكر تجعلها استحقاقاً إلهياً له !
ولو كان الرازي عامياً لكان لعذره وجه ، ولو اقتصر على مدح أبي بكر لكان لعاطفته وجه ! لكن لا عذر له في تنقيصه لعلي ( عليه السلام ) إلا التعصب والخبث ، فهو يعلم أن علياً ( عليه السلام ) كان عند بعثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) مراهقاً للبلوغ كما شهدت أحاديثهم المستفيضة منها عن ابن مسعود يصف النبي ( صلى الله عليه وآله ) في أول بعثته : « كأنه القمر ليلة البدر ، يمشي عن يمينه غلام أمرد حسن الوجه مراهق أو محتلم ، ولما سأل العباس عنه قال : هذا ابن أخي محمد بن عبد الله ، والغلام علي بن أبي طالب ، والمرأة خديجة بنت خويلد . أما والله ما على ظهر الأرض أحد يعبد الله على هذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة » ( أحمد : 1 / 209 ومجمع الزوائد : 9 / 222 ، والطبراني الكبير : 10 / 183 ، وسير الذهبي : 1 / 463 ، وما نزل من القرآن في علي لابن مردويه / 49 ، والحاكم : 3 / 183 ، والاستيعاب : 3 / 1096 ، وشواهد التنزيل : 2 / 302 ، وتاريخ دمشق : 3 / 265 ، والفصول المختارة / 273 / والاستيعاب : 3 / 1242 ) .
وإن الرازي يعلم أن علياً ( عليه السلام ) كان يدافع عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) من صغره حتى سموه : القُضَم والُحطَم ، لأنه كان يؤدب أولاد المشركين الذين يؤذون النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويقضم آذانهم وأنوفهم ! ( نهاية ابن الأثير : 1 / 402 ، و : 4 / 78 ) .
ويعلم أنه لم يثبت إسلام من زعم في السنوات الثلاث الأولى من البعثة ، لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يصدع بدعوته حتى أهلك الله العتاة المستهزئين الخمسة ، وأن أبا ذر كان رابع المسلمين ، وقد روى قصة إسلامه البخاري ( 4 / 241 ) وكافة مصادرهم
--------------------------- 244 ---------------------------
وفيها : « قدم مكة فأتى المسجد فالتمس النبي ولا يعرفه وكره أن يسأل عنه حتى أدركه بعض الليل ، فرآه علي فعرف أنه غريب ، فلما رآه تبعه فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شئ حتى أصبح » إلى آخره .
ويعلم دور علي ( عليه السلام ) مع أبيه وأعمامه في حراسة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وما روته مصادرهم فيه من شعر !
ويعلم أن ثقل العمل وحراسة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في سنوات الحصار كانت على عاتق الشاب علي ( عليه السلام ) : « وهو المخصوص دون أبي بكر بالحصار في الشعب ، وصاحب الخلوات برسول الله في تلك الظلمات المتجرع لغصص المرار من أبي لهب وأبي جهل وغيرهما ، والمصطلي لكل مكروه ، والشريك لنبيه في كل أذى قد نهض بالحمل الثقيل وناء بالأمر الجليل » . ( من كلام أبي جعفر الإسكافي أحد كبار علماء المعتزلة في الرد على الجاحظ - شرح النهج : 13 / 254 ) .
ويعلم مدى الخطر الذي تحمله علي ( عليه السلام ) طوال سنوات البعثة في مكة ، وفي الهجرة ، وأنهم دبروا اغتياله في مكة بعد هجرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ففشلوا ، وأتبعوه بمجموعة فرسان ليردوه عن الهجرة فقتل فارسهم !
لقد أفرط الرازي في افترائه وتنقيصه من علي ( عليه السلام ) وقوله إن أبا بكر كان في مكة رجلاً يجاهد ، وعلياً ( عليه السلام ) كان صبياً قاعداً لا يجاهد ، وقد أبقى عليا ( عليه السلام ) صبياً حتى بلغ ستاً وعشرين سنة يوم هاجر ، ثم أبقاه صبياً في المدينة !
فهو يريد أن ينفي عن علي ( عليه السلام ) دعوة الناس إلى الإسلام ليخص به أبا بكر ، ويسميه الجهاد ، ثم يعترف لعلي ( عليه السلام ) على مضض بأنه قتل بعض المشركين ! ولا يسميه مجاهداً ، ويستهي ببطولاته ( عليه السلام ) في معارك الإسلام ، وقطفه النصر للإسلام ، ومدائح النبي ( صلى الله عليه وآله ) العظيمة له !
--------------------------- 245 ---------------------------
إن مشكلة هؤلاء أنهم يبغضون علياً ( عليه السلام ) فينتقصون من إيمانه وجهاده وجهوده المحسوسة الملموسة ، الظاهرة الباهرة !
ويحبون غيره ، فيدَّعون لهم أدواراً من مخيلتهم ، وهي لا تحس ولا تجس ، ولا يثبتها حديث صحيح ولا تاريخ ، ولا يقبلها عقل سليم ، ولا منطق قويم !

13 - تلبيسة في تزويره معتقد الشيعة في الإمامة

قال الرازي في تفسير قوله تعالى ( 15 / 213 ) : وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ ( الأنفال : 75 ) : « تمسك محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب في كتابه إلى أبي جعفر المنصور بهذه الآية في أن الإمام بعد رسول الله ( ص ) هو علي بن أبي طالب ، فقال : قوله تعالى : وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ، يدل على ثبوت الولاية ، وليس في الآية شئ معين في ثبوت هذه الأولوية ، فوجب حمله على الكل إلا ما خصه الدليل ، وحينئذ يندرج فيه الإمامة ، ولا يجوز أن يقال : إن أبا بكر كان من أولي الأرحام لما نقل أنه ( ص ) أعطاه سورة براءة ليبلغها إلى القوم ، ثم بعث علياً خلفه وأمر بأن يكون المبلغ هو علي وقال : لا يؤديها إلا رجل مني ، وذلك يدل على أن أبا بكر ما كان منه فهذا هو وجه الإستدلال بهذه الآية .
والجواب : إن صحت هذه الدلالة كان العباس أولى بالإمامة ، لأنه كان أقرب إلى رسول الله من علي . وبهذا الوجه أجاب أبو جعفر المنصور عنه » .
أقول : حرَّف الرازي ما نقله عن محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى ! فرسالته إلى المنصور مشهورة في مصادر التاريخ ! ومما جاء في رواية الطبري ( 1 / 196 ) : « فإن الحق حقنا ، وإنما ادعيتم هذا الأمر بنا ، وخرجتم له بشيعتنا وحظيتم بفضلنا ، وإن أبانا علياً كان الوصي وكان
--------------------------- 246 ---------------------------
الإمام ، فكيف ورثتم ولايته ووُلده أحياء ! ثم قد علمت أنه لم يطلب هذا الأمر أحد له مثل نسبنا وشرفنا وحالنا وشرف آبائنا . لسنا من أبناء اللعناء ولا الطرداء ولا الطلقاء ! وليس يمت أحد من بني هاشم بمثل الذي نمتُّ به من القرابة والسابقة والفضل » !
وهو استدلال بالنص والوصية ، ولا يخفى ذلك على الرازي لكنه يلبس ؟ !

14 - تزويره عزل النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبا بكر عن إبلاغ براءة

في تفسير قوله تعالى ( 15 / 218 ) : زوَّر الرازي عزل النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأبي بكر من إبلاغ سورة براءة ، فجعله منقبة لأبي بكر وانتقاصاً من علي ( عليه السلام ) !
قال : « وأمر رسول الله ( ص ) أبا بكر سنة تسع أن يكون على الموسم ، فلما نزلت هذه السورة أمر علياً أن يذهب إلى أهل الموسم ليقرأها عليهم ، فقيل له لو بعثت بها إلى أبي بكر ، فقال : لا يؤدي عني إلا رجل مني ، فلما دنا علي سمع أبو بكر الرغاء ، فوقف وقال : هذا رغاء ناقة رسول الله ( ص ) فلما لحقه قال : أمير أو مأمور ؟ قال : مأمور ، ثم ساروا » . ثم قال : « واختلفوا في السبب الذي لأجله أمر علياً بقراءة هذه السورة عليهم ، وتبليغ هذه الرسالة إليهم ، فقالوا السبب فيه أن عادة العرب أن لا يتولى تقرير العهد ونقضه ، إلا رجل من الأقارب فلو تولاه أبو بكر لجاز أن يقولوا هذا خلاف ما نعرف فينا من نقض العهود ، فربما لم يقبلوا فأزيحت علتهم بتولية ذلك علياً .
وقيل لما خص أبا بكر بتوليته أمير الموسم ، خص علياً بهذا التبليغ تطييباً للقلوب ورعاية للجوانب ! وقيل قرر أبا بكر علي الموسم وبعث علياً خلفه لتبليغ هذه الرسالة ، حتى يصلي على خلف أبي بكر ويكون ذلك جارياً مجرى التنبيه على إمامة أبي بكر والله أعلم ! وقرر الجاحظ هذا المعنى فقال : إن النبي ( ص )
--------------------------- 247 ---------------------------
بعث أبا بكر أميراً على الحاج وولاه الموسم وبعث علياً يقرأ على الناس آيات من سورة براءة فكان أبو بكر الإمام وعلي المؤتم ، وكان أبو بكر الخطيب وعلي المستمع ، وكان أبو بكر الرافع بالموسم والسابق لهم والأمر لهم ، ولم يكن ذلك لعلي ! وأما قوله ( ص ) : لا يبلغ عني إلا رجل مني ، فهذا لا يدل على تفضيل علي على أبي بكر ، ولكنه عامل العرب بما يتعارفونه فيما بينهم ، وكان السيد الكبير منهم إذا عقد لقوم حلفاً أو عاهد عهداً لم يحل ذلك العهد والعقد إلا هو أو رجل من أقاربه القريبين منه كأخ أو عم ، فلهذا المعنى قال النبي ذلك القول » .
أقول : لاحظ قوله : « وأمر رسول الله ( ص ) أبا بكر سنة تسع أن يكون على الموسم فلما نزلت هذه السورة أمر علياً أن يذهب إلى أهل الموسم ليقرأها عليهم » !
فقد ارتكب الرازي ثلاث تزويرات !
أولها : أوهم أن نزول السورة كان بعد حركة أبي بكر !
وثانيها : أخفى نزول جبرئيل وأمره للنبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يسحبها من أبي بكر ويعطيها علياً ( عليه السلام ) !
وثالثها : أخفى رجوع أبي بكر إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وسؤاله : هل نزل فيَّ شئ ؟ ! وقد رواه أحمد : 1 / 151 ، وفيه : « ورجع أبو بكر إلى النبي فقال : يا رسول الله نزل في شئ ؟ قال : لا ، ولكن جبريل جاءني فقال : لن يؤدى عنك إلا أنت أو رجل منك » . وفتح الباري : 8 / 241 ، وقال : والترمذي وحسنه ، وسعيد بن منصور والترمذي والنسائي والطبري وعمدة القاري : 4 / 78 ، والأحوذي : 8 / 386 .
وقد رأى الرازي ذلك ، لكن مرض التعصب المذموم ، دفعه إلى التزوير !
--------------------------- 248 ---------------------------

15 - محاولته التغطية على قول أبي بكر لن نغلب من قلة

في تفسير قوله تعالى ( 16 / 21 ) : وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ . ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، عالج الرازي ما استفاض عن جده أبي بكر من أنه عَانَ المسلمين يوم حنين ، أي أصابهم بالعين ، فقال : لن نغلب اليوم من قلة ، فساء ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) فوقعت الهزيمة !
ففي الطبقات ( 2 / 150 ) « فقال أبو بكر : لا نغلب اليوم من قلة » ! وتاريخ الذهبي ( 2 / 574 ) . وفي سيرة ابن كثير ( 3 / 610 ) : « قال أبو بكر الصديق : لن نغلب اليوم من قلة ! فانهزموا ، فكان أول من انهزم بنو سليم ، ثم أهل مكة ثم بقية الناس »
وفي نهج الحق / 251 ، وإحقاق الحق / 206 : « فخرج بعشرة آلاف من المسلمين فعانهم أبو بكر وقال لن نغلب اليوم من قلة فانهزموا بأجمعهم ولم يبق مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) سوى تسعة من بني هاشم » ! لكن الرازي جعلها مرددة بين النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأبي بكر ! قال : « فهذه الكلمة ساءت رسول الله وهي المراد من قوله : إذ أعجبتكم كثرتكم . وقيل إنه قالها رسول الله ، وقيل : قالها أبو بكر ، وإسناد هذه الكلمة إلى رسول الله بعيد ، لأنه كان في أكثر الأحوال متوكلاً على الله ، منقطع القلب عن الدنيا وأسبابها » !
أقول : لاحظ قوله : في أكثر الأحوال ، طعناً منه في عصمته على مذهب السلطة !

16 - استدلاله على إمامة الخلفاء الأربعة !

قال الله تعالى : وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ .
--------------------------- 249 ---------------------------
والآية وعد إلهي لأناس في الأمة بأن الله تعالى سيجعلهم خلفاءه في الأرض وحكام العالم ، ويمكن لهم دينهم بالآيات والمعجزات ، وأن الذين يكفرون بعد ذلك سيكون جزاؤهم شديداً ! وهذا ينطبق على البشارة بدولة العدل الإلهي على يد الإمام المهدي الموعود ( عليه السلام ) . لكن الرازي طبقها على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، مع أنهم لم يحكموا العالم ، ولا مكن الله لهم دينهم كما وعد في الآية .
قال في ( 24 / 25 ) : « دلت الآية على إمامة الأئمة الأربعة ، وذلك لأنه تعالى وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الحاضرين في زمان محمد ( ص ) وهو المراد بقوله : لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ . فثبت بهذا دلالة الآية على صحة خلافة هؤلاء . . . من مذهبنا أنه عليه الصلاة والسلام لم يستخلف أحداً بالتعيين ، ولكنه قد استخلف بذكر الوصف والأمر بالاختيار ، فلا يمتنع في هؤلاء الأئمة الأربعة أنه تعالى يستخلفهم ، وأن الرسول استخلفهم ، وعلى هذا الوجه قالوا في أبي بكر يا خليفة رسول الله ، فإذا قيل إنه لم يستخلف أريد به على وجه التعيين ، وإذا قيل استخلف فالمراد على طريقة الوصف والأمر . !
فثبت بهذا صحة إمامة الأئمة الأربعة ، وبطل قول الرافضة الطاعنين على أبي بكر وعمر وعثمان ، وعلى بطلان قول الخوارج الطاعنين على عثمان وعلي » .
أقول : لا يمكن تفسير الآية إلا بتحديد الموعودين بهذه الدولة ، وقد حددتهم الأحاديث الصحيحة بأنهم أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأن الدولة الموعودة لهم دولة العدل الإلهي العالمية على يد المهدي ( عليه السلام ) الذي ينزل المسيح لتأييده ويصلي خلفه !
وأحاديثه من الفريقين مستفيضة وبعضها متواتر ، ولا يتسع لها المجال .
--------------------------- 250 ---------------------------

17 - هل تنازل الرازي عن لقب الصدِّيق لجده ؟ !

قال الرازي ( 27 / 57 ) في تفسير قوله تعالى : وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ . ( غافر : 28 ) « وعن رسول الله أنه قال : الصديقون ثلاثة : حبيب النجار ومؤمن آل ياسين ، ومؤمن آل فرعون الذي قال أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ ، والثالث علي بن أبي طالب وهو أفضلهم . وعن جعفر بن محمد أنه قال : كان أبو بكر خيراً من مؤمن آل فرعون ، لأنه كان يكتم إيمانه وقال أبو بكر جهاراً أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ فكان ذلك سراً وهذا كان جهاراً » .
أقول : لاحظ أنه روى حديثاً نبوياً يحصر الصديق في هذه الأمة بعلي ( عليه السلام ) ، ثم جاء بعده بحديث ينقضه ، ونسبه إلى الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) يقول : إن أبا بكر أفضل من مؤمن آل فرعون ، أحد الصديقين الثلاثة بنص النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
وإذا صح الحديث النبوي فكيف ينقضه الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، وهذا الحديث صحيح رواه الجميع ، بلفظ : الصديقون ثلاثة ، أو السابقون ثلاثة ، ففي أمالي الصدوق / 563 : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الصديقون ثلاثة : حبيب النجار مؤمن آل ياسين ، الذي يقول : يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ . إتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ . وحزقيل مؤمن آل فرعون ، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم » .
ورواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ( 2 / 303 ) بعدة طرق ، والسيوطي في الدر المنثور ( 5 / 262 ) عن البخاري في تاريخه عن ابن عباس ، وأبو داود ، وأبو نعيم وابن عساكر والديلمي ، عن أبي ليلى ، وفتح القدير ( 5 / 151 ) ، وغيرهم .
--------------------------- 251 ---------------------------
وأما الحديث الثاني فأصله ما رواه القرطبي في تفسيره ( 15 / 308 ) عن الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن أبيه عن علي قال : « اجتمعت قريش بعد وفاة أبي طالب بثلاث ، فأرادوا قتل رسول الله ( ص ) فأقبل هذا يجؤه وهذا يتلتله ، فاستغاث النبي ( ص ) يومئذ فلم يغثه أحد إلا أبو بكر وله ضفيرتان ، فأقبل يجأ ذا ويتلتل ذا ويقول بأعلى صوته : ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ! والله إنه لرسول الله . فقطعت إحدى ضفيرتي أبي بكر يومئذ ! فقال علي : والله ليوم أبي بكر خير من مؤمن آل فرعون ، إن ذلك رجل كتم إيمانه فأثنى الله عليه في كتابه ، وهذا أبو بكر أظهر إيمانه وبذل مال ودمه لله عز وجل » ! وابن كثير في سيرته ( 2 / 410 ) والبزاز في البحر الزخار ( 3 / 44 ) عن محمد بن عقيل عن علي ( عليه السلام ) ، وليس عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) . ومجمع الزوائد : 9 / 46 ، ولم يوثقه ، وفتح القدير : 4 / 490 ، ونحوه مختصراً عن البخاري عن ابن عمرو العاص ، وليس عن علي ( عليه السلام ) .
لكن الرازي اختار رواية الحكيم الترمذي ، لينسب إلى الإمام الصادق ( عليه السلام ) أن أبا بكر أفضل من مؤمن آل فرعون ، ليكون كعلي الذي فضله رسول الله على مؤمن آل فرعون ! وقد أعرض الرازي عن بقية الحديث مع أنه منقبة لجده أبي بكر لأنها مكذوبة غير قابلة للتصديق ! فلا يعقل أن يكون هجوم قريش على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ناعماً ويكتفوا بالدفع والتلتلة والوجأ ، ثم يكون بنو هاشم ومنهم علي حاضرين ولا يدافعون ، والنبي ( صلى الله عليه وآله ) لا يدافع هو عن نفسه بل يستغيث ، فيأتي أبو بكر ويدافع عنه بالتلتلة فيشدونه بشعره ويقطعون ضفيرته ، وينتهي الأمر !
فالحديث الذي زعمه لا يصح من أصله ، ولا عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) .
وقال الرازي ( 29 / 231 ) في تفسير قوله تعالى : وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
--------------------------- 252 ---------------------------
أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ( الحديد : 19 ) : « الصديق نعت لمن كثر منه الصدق ، وجمع صدقاً إلى صدق في الإيمان بالله تعالى ورسله . وفي هذه الآية قولان : أحدهما أن الآية عامة في كل من آمن بالله ورسله وهو مذهب مجاهد قال : كل من آمن بالله ورسله فهو صديق ثم قرأ هذه الآية ، ويدل على هذا ما روي عن ابن عباس في قوله : هم الصديقون ، أي الموحدون الثاني : أن الآية خاصة ، وهو قول مقاتل : أن الصديقين هم الذين آمنوا بالرسل حين أتوهم ولم يكذبوا ساعة قط مثل آل ياسين ، ومثل مؤمن آل فرعون . وأما في ديننا فهم ثمانية سبقوا أهل الأرض إلى الإسلام : أبو بكر وعلي وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة ، وتاسعهم عمر ألحقه الله بهم لما عرف من صدق نيته » .
أقول : مع أن الرازي حريص على إفراد جده أبي بكر بلقب الصديق ، لكنه رأى أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) حصر الصديقين من الأمم بثلاثة ، وأفضلهم علي ( عليه السلام ) ، ورأى أن علياً ( عليه السلام ) كان يقول كما رواه ابن ماجة ( 1 / 44 ) : « أنا عبد الله ، وأخو رسوله ( صلى الله عليه وآله ) وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب ! صليت قبل الناس لسبع سنين . في الزوائد : هذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات ، رواه الحاكم في المستدرك عن المنهال وقال : صحيح على شرط الشيخين » . لذلك قبل الرازي هنا توسعة وصف الصديق ، وجعله لتسعة ، وزعم أن أولهم أبو بكر !

18 - تلبيسات بالجملة لإثبات إمامة أبي بكر ومناقبه

1 - في تفسير قوله تعالى : « يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » ( الأنفال : 64 ) : نسب الرازي ( 2 / 234 ، و : 21 / 87 ) إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) على نحو الجزم أنه قال :
--------------------------- 253 ---------------------------
« إن لي وزيرين في السماء ووزيرين في الأرض ، أما اللذان في السماء فجبريل وميكائيل ، وأما اللذان في الأرض فأبو بكر وعمر » .
أقول : أولاً : حكم علماء السنة على أحاديث وزيري النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنها مكذوبة من معلى بن هلال ومحمد بن مجيب ، وقد أورده صاحب الغدير ( 5 / 297 ) في سلسلة الأحاديث المكذوبات الطويلة ، في مدح أبي بكر وعمر وعثمان .
وثانياً : لو كان هذا الحديث صحيحاً لاحتج به أبو بكر وعمر على الأنصار في السقيفة !
وثالثاً : هل يمكن أن يختار الله تعالى لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) وزيرين يهربان عنه في الحروب ، ويتركانه لسيوف المشركين ؟ !
2 - وتحول الرازي إلى عامي مفرط فزعم في ( 1 / 169 ) : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أعطى أبا بكر خاتماً لينقش عليه لا إله إلا الله ، فأضاف لها : محمد رسول الله أبو بكر الصديق ! فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « يا أبا بكر ما هذه الزوائد ؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله ما رضيت أن أفرق اسمك عن اسم الله ، وأما الباقي فما قلته وخجل أبو بكر ! فجاء جبريل وقال : يا رسول الله أما اسم أبي بكر فكتبته أنا لأنه ما رضي أن يفرق اسمك عن اسم الله فما رضي الله أن يفرق اسمه عن اسمك ! والنكتة أن أبا بكر لما لم يرض بتفريق اسم محمد اسم الله عز وجل وجد هذه الكرامة ، فكيف إذا لم يفارق المرء ذكر الله تعالى » !
ولم يذكر هذا العالم ( الباحث الفيلسوف ) سند هذا الحديث ، لأنه مكذوب !
ولم يسأل نفسه : لو صح ذلك لما احتاج أبو بكر إلى احتجاج لخلافته بأنه من قريش وأن محمداً ( صلى الله عليه وآله ) قرشي ، فيجب أن ترث قريش سلطانه دون الأنصار !
3 - وفي ( 9 / 67 ) : تفرد الرازي بأن الله تعالى أمر نبيه ( صلى الله عليه وآله ) بمشورة أبي بكر وعمر !
--------------------------- 254 ---------------------------
4 - وفي ( 12 / 23 ) : أسند حديثين إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) على نحو الجزم ، مع أنهما مكذوبان بشهادة علماء مذهبه ، وهما : أن الله يتجلى لأبي بكر ، وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) صب علمه في صدر أبي بكر !
5 - وفي ( 16 / 67 ) : زعم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لو مات في هجرته لما كان وصيه على أمته إلا أبو بكر ! وهو فرض وتحكم لا دليل عليه ، بل الدليل على نفيه .
6 - وفي ( 3 / 147 ) : ذكر احتجاج أبي بكر على الأنصار في السقيفة بقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : الأئمة من قريش . وهي حجة لا تثبت خلافة أبي بكر ، وقد علق عليها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كما في نهج البلاغة ( 1 / 116 ) : « لما انتهت إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال ما قالت الأنصار ؟ قالوا قالت : منا أمير ومنكم أمير ! قال ( عليه السلام ) : فهلا احتججتم عليهم بأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وصى بأن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم ! قالوا وما في هذا من الحجة عليهم ؟ فقال ( عليه السلام ) : لو كانت الإمارة فيهم لم تكن الوصية بهم . ثم قال ( عليه السلام ) : فما ذا قالت قريش ؟ قالوا : احتجت بأنها شجرة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال ( عليه السلام ) : احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة » !
7 - وفي تفسير قوله تعالى ( 16 / 10 ) : إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَوةَ وَآتَى الزَّكَوةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ( التوبة : 18 ) . وهي في آخر سورة نزلت على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتشمل كل من عَمَرَ مسجداً في الدنيا ، لكن الرازي جعلها في مصلى زعم أن أبا بكر اتخذه في داره بمكة ! قال : « وفيه وجوه : الأول : أن أبا بكر بنى في أول الإسلام على باب داره مسجداً وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن ، والكفار يؤذونه بسببه ، فيحتمل أن يكون المراد هو تلك الحالة » ! فهل رأيت عالماً يستدل ب - : يحتمل !
--------------------------- 255 ---------------------------
وفي ( 4 / 11 ) : ذكر الرازي أن أبا بكر كان له محل أعده للصلاة في مكة ، فخربوه . ولم يذكر من خربه من المشركين ، وهل دافع عنه أبو بكر أو أبوه وأولاده وحاولوا منعهم من تخريبه أم لا ؟ !
8 - وفي ( 4 / 85 ) : اعتذر لجده أبي بكر ، لجهله حكم سهم الجدة في الإرث ، وتناقضه فيه !
وفي ( 9 / 221 ) ذكر اختلاف أبي بكر وعمر في معنى الكلالة في الإرث ، فزعم أن قول أبي بكر بأنها سوى الوالدين والولد ، هو القول الصحيح .
والصحيح أن أبا بكر وعمر تحيرا في الكلالة ولم يثبتا فيها على رأي ، وتحير تبعاً لهما رواة السلطة وعلماؤها ، ولهم فيها أقوال كثيرة ، وسيأتي أن عمر تحير فيها إلى آخر عمره ، وأوصى المسلمين عند وفاته بحلها !
أما أبو بكر فقال الرازي نفسه إنه كان يشك في الكلالة وقال : « أقول فيها برأيي فإن يك صواباً فمن الله ، وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان وما رووا عنه قد اختلفت فيه الرواية » . ( المحصول : 6 / 50 ، وأصول السرخسي : 2 / 133 ) .
9 - وفي ( 4 / 169 ) : نقض الرازي روايتهم عن ثروة أبي بكر فقال : « وأما الجوع فقد أصابهم في أول مهاجرة النبي ( ص ) إلى المدينة لقلة أموالهم ، حتى أنه كان يشد الحجر على بطنه ، وروى أبو الهيثم بن التيهان أنه لما خرج التقى مع أبي بكر قال : ما أخرجك ؟ قال : الجوع ! قال : أخرجني ما أخرجك » . وهذا يكذب ما رووه عن ثروته التي حملها إلى المدينة ، ويوجب الشك في أصل وجودها أيضاً !
10 - وزعم الرازي ( 9 / 211 ) « أن فاطمة ( عليها السلام ) رضيت بقول أبي بكر بعد هذه المناظرة ، وانعقد الاجماع على صحة ما ذهب إليه أبو بكر » !
--------------------------- 256 ---------------------------
يقصد أنها صدقته في ادعائه أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : لا نورث . ما تركناه صدقة ! مع أنهم رووا في أصح كتبهم أنها كذبته ! « فقال لها أبو بكر إن رسول الله قال : لا نورث ما تركنا صدقة فغضبت فاطمة بنت رسول الله ، فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر » ! ( صحيح بخاري : 4 / 42 ) .
11 - وفي ( 15 / 10 ) : دافع الرازي عن شخصية جده الغضوبة الكئيبة ! قال : « وفي حديث عائشة أنها قالت : إن أبا بكر رجل أسِيف ، أي حزين ! قال الواحدي : والقولان متقاربان ، لأن الغضب من الحزن والحزن من الغضب كان موسى غضبان على قومه لأجل عبادتهم العجل ، أسفاً حزيناً لأن الله تعالى فتنهم » .
12 - وفي تفسير قوله تعالى : ( 11 / 90 ) : لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ ، اعترف الرازي بأن أبا بكر تشاتم مع شخص بحضور النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقام عنهما النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولم ينصر أبا بكر ! قال « فقام النبي ( ص ) ! فقال أبو بكر : شتمني وأنت جالس فلما رددت عليه قمت ! قال : إن ملكاً كان يجيب عنك ، فلما رددت عليه ذهب ذلك الملك وجاء الشيطان ، فلم أجلس عند مجئ الشيطان » !
13 - وزعم الرازي في ( 9 / 117 و 128 ) أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أرسل أبا بكر إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى الإسلام وإيتاء الزكاة ، فقال فنحاص اليهودي : إن الله فقير يسألنا القرض ! فلطمه أبو بكر في وجهه وقال : لولا الذي بيننا وبينكم من العهد لضربت عنقك ، فشكاه إلى رسول الله ( ص ) وجحد ما قاله ، فنزلت هذه الآية تصديقاً لأبي بكر : لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقَ . ( آل عمران : 181 )
أقول : أكثروا من تهديد عمر وأبي بكر بضرب العنق ، تعويضاً لهما عن الجهاد !
--------------------------- 257 ---------------------------
14 - وفي تفسير آيات أهل الكهف ( 21 / 87 ) ، ذكر الرازي كرامات لأبي بكر ، منها : « لما حملت جنازته إلى باب قبر النبي ونودي : السلام عليك يا رسول الله ، هذا أبو بكر بالباب ! فإذا الباب قد انفتح ، وإذا بهاتف يهتف من القبر : أدخلوا الحبيب إلى الحبيب » !
أقول : لو صحت هذه الحادثة لرواها المسلمون بشكل واسع متواتر ! بينما لم يروها إلا رواة معروفون بالكذب !
قال الأميني ( رحمه الله ) في الغدير ( 7 / 250 ) : « هذه الكرامة المنحوتة المنحولة ذكرها الرازي ومن بعده مرسلين إياها إرسال المسلم ، محتجين بها عداد فضائل أبي بكر ، غير مكترثين لما في إسنادها من العلل أو جاهلين بها ، وإنما أخرجها ابن عساكر من طريق أبي طاهر موسى بن محمد بن عطاء المقدسي عن عبد الجليل المدني عن حبة العرني فقال : هذا منكر وأبو الطاهر كذاب ، وعبد الجليل مجهول . وفي لسان الميزان ( 3 / 391 ) خبر باطل انتهى . . وأبو الطاهر المقدسي كذبه أبو زرعة وأبو حاتم . وقال النسائي ليس بثقة . وقال ابن حبان : لا تحل الرواية عنه ، كان يضع الحديث ! وقال ابن عدي : كان يسرق الحديث ! وقال العقيلي : يحدث عن الثقات بالبواطيل والموضوعات ، منكر الحديث ! وقال منصور بن إسماعيل : كان يضع الحديث على مالك » !
وذكر الأميني ( رحمه الله ) أنهم اخترعوا ذلك ليحلوا مشكلة دفن أبي بكر في ملك غيره فإن الحجرة النبوية الشريفة عندنا ملك النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقد زعم أبو بكر أنها صدقة لكل المسلمين ، ولم يستأذن في دفنه منهم جميعاً ! وإن قيل إنه دفن في سهم ابنته عائشة فقد كذب نفسه بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لا يورث ، على أن سهمها تسع الثمن من حجرتها ، وهي لا تبلغ متراً ولا تكفي لدفن أحد !
--------------------------- 258 ---------------------------
15 - استدل بقول الناس لأبي بكر ( خليفة رسول الله ) على صحة خلافته لأنهم مؤمنون ، والمؤمنون هم الصادقون ! قال ( 29 / 286 ) في تفسير قوله تعالى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ . ( الحجرات : 15 ) : « وتمسك بعض العلماء بهذه الآية على إمامة أبي بكر فقال : هؤلاء الفقراء من المهاجرين والأنصار كانوا يقولون لأبي بكر : يا خليفة رسول الله ، والله يشهد على كونهم صادقين فوجب أن يكونوا صادقين في قولهم يا خليفة رسول الله ، ومتى كان الأمر كذلك وجب الجزم بصحة إمامته » .
أقول : لا يستطيع الرازي أن يثبت أن أصحاب هذه الآية قالوا لأبي بكر ( يا خليفة رسول الله ) حتى يكون قولهم شهادةً بصحة خلافته ، لأنهم غير محددين ولا معروفين ! وإذا أراد أن تعريفهم بصفتهم فهم مجاهدون بأنفسهم أي مقاتلون وقد استنكر سيد المقاتلين علي ( عليه السلام ) دعوى أبي بكر بأنه خليفة النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : 1 / 11 : « فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له : إذهب فادع لي علياً ، فذهب إلى علي فقال : ما حاجتك ؟ قال : يدعوك خليفة رسول الله فقال علي : لسريع ما كذبتم على رسول الله ، لا أعلم لرسول الله خليفة غيري ! فرجع فأبلغ الرسالة » .
وإن قصد الرازي بالصادقين كل الأمة كان استدلاله بإجماع الأمة ، فإن خالف فيها واحد بطل الإجماع ، وقد خالف أهل البيت ( عليهم السلام ) وعشرات الصحابة .
ملاحظة : لا يحتاج هذا الفصل إلى وضع أسئلة ، لأنها متضمنة فيه بشكل واضح .

  • *
    --------------------------- 259 ---------------------------

الفصل الثلاثون: الغزالي أكثر إنصافاً من الفخر الرازي !

( م 233 ) موجة البُوَيْهيين ثم موجة السلاجقة

حكم البويهيون بغداد لأكثر من قرن 322 - 456 ، فكان النفوذ في دولتهم للشيعة ، ولمجسمة الحنابلة المتعصبين .
ثم جاءت موجة السلاجقة وكانوا شافعية متعصبين ، قال الذهبي : « قبض السلطان ألب أرسلان على الوزير عميد الدولة ( البويهي ) ثم قتله بعد قليل ، وتفرد بوزارته نظام الملك فأبطل ما كان عمله عميد الملك من سب الأشعرية ، وانتصر للشافعية ، وأكرم إمام الحرمين ، وأبا القاسم القشيري » . ( تاريخ الذهبي : 30 / 284 ) .
وعندما دخل الجيش السلجوقي بغداد أعان الحنابلة فهاجموا مراكز الشيعة وأحرقوا مساجدهم ومكتباتهم ، واضطر مرجعهم الشيخ الطوسي ( قدس سره ) إلى الهجرة إلى النجف الأشرف ، وأسس فيها الحوزة العلمية .
وفي أول حكم السلاجقة بنى الوزير نظام الملك المدرسة النظامية ، وأراد أن ينقل قبر الشافعي من القاهرة إلى بغداد ، وبعث من حفر قبره لكن لم يتيسر له نقل جنازته ، وقالوا حدثت معجزة منعتهم من ذلك . ( المواعظ للمقريزي : 2 / 461 ) !
وقد برز من أئمة هذه المدرسة أبو المعالي الجويني ثم تلميذه الغزالي ، وهو أبو حامد محمد الغزالي نسبة إلى قرية غَزَالة من قرى طوس ( وفيات الأعيان ( 1 / 98 ) .
لكن الغزالي زهد في إمامة المذهب الشافعي ، ولم يستمر في التدريس في النظامية إلا أربع سنين ( 484 - 488 ) .
--------------------------- 260 ---------------------------
« خرج أبو حامد الغزالي من بغداد متوجهاً إلى بيت المقدس تاركاً لتدريس النظامية ، زاهداً في الدنيا ، لابساً خشن الثياب بعد ناعمها ، وناب عنه أخوه في التدريس ثم حج في السنة التالية ثم رجع إلى بلده » . ( النهاية : 12 / 183 ) .
« غلبت عليه الخلوة ، وترك التدريس ، ولبس الثياب الخشنة وتقلل في مطعومه . إلى أن قال : وجاور بالقدس ، وشرع في الإحياء هناك ، أعني بدمشق وحج وزار ، ورجع إلى بغداد ، وسمع منه كتابه الاحياء ، وغيره » ( سير الذهبي : 19 / 330 ) .
وزار مصر ، وسكن دمشق عشر سنسن ثم رجع إلى بلده . ( معجم المؤلفين ( 11 / 266 )
ويبدو أن الغزالي الذي كان إماماً سنياً ، كان يحمل بذور الشك منذ نشأته ودراسته ، وهذا ما يفسر رغبته في التصوف والعزلة ، ثم كتابه الذي أعلن فيه كفره بأبي بكر وعمر ، وهو كتاب سر العالميْن وكشف ما في الداريْن !
وقد ذكر ذلك الذهبي بتعجب ودهشة ، فنقل في سيره : ( 19 / 328 ) عن رياض الأفهام لابن الجوزي ، قال : « ذكر أبو حامد في كتابه سر العالمين وكشف ما في الدارين ، فقال في حديث : من كنت مولاه ، فعلي مولاه ، إن عمر قال لعلي : بخ بخ ، أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة ! قال أبو حامد : وهذا تسليم ورضىً ثم بعد هذا غلب عليهم الهوى حباً للرياسة وعقد البنود وأمر الخلافة ونهيها ، فحملهم على الخلاف فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون ! وسرد كثيراً من هذا الكلام الفسل ( الردئ ) الذي تزعمه الإمامية ، وما أدري ما عذره في هذا ؟ ! والظاهر أنه رجع عنه وتبع الحق ، فإن الرجل من بحور العلم ، والله أعلم » .
--------------------------- 261 ---------------------------
وحاول بعضهم إنكار نسبة الكتاب إلى الغزالي ، ورد عليهم السيد الميلاني في نفحات الأزهار ( 9 / 185 ) قال : « وقد عرفت من عبارة سبط ابن الجوزي ثبوت هذا الكتاب لأبي حامد الغزالي وصحة نسبته إلى مؤلفه ، وأيضاً يشهد بذلك عبارة الحافظ الذهبي حيث قال . . » وذكر قصة الحسن بن الصباح ، التي نقلها الذهبي في تاريخه ( 19 / 403 و : 34 / 31 ، وميزان الإعتدال : 1 / 500 )
ثم ذكر مدح كبار علمائهم للغزالي فنقل عن اليافعي قوله : « تميز عن المصنفين بكثرة المصنفات البديعات ، وغاص في بحار العلوم ، واستخرج عنها الجواهر النفيسات ، وسحر العقول بحسن العبارة وملاحة الأمثلة ، وبداعة الترتيب والتقسيمات والبراعة في الصناعة العجيبة مع جزالة الألفاظ وبلاغة المعاني الغريبة ، والجمع بين علوم الشريعة والحقيقة ، والفروع والأصول ، والمعقول والمنقول ، والتدقيق والتحقيق ، والعلم والعمل . . فهو سيد المصنفين عند المنصفين ، وحجة الإسلام عند هل الاستسلام لقبول الحق من المحققين في جميع الأقطار والجهات . ونقل أن السيوطي عده من المجددين وقال : « حتى قال بعض العلماء الأكابر الجامعين بين العلم الظاهر والباطن : لو كان بعد النبي ( ص ) نبي لكان الغزالي » .
ونقل الفخر الرازي كثيراً من آراء الغزالي في تفسيره مترحماً عليه ، من باب المثال : ( 1 / 152 و : 2 / 59 ، و : 21 / 45 ) . لكنه لم ينقل شيئاً من آرائه من كتابه سر العالميْن ! ولعله لم يطلع عليه لحرص الحكومات على إخفائه .

( م 234 ) ما هو كتاب سر العالمين للغزالي

« فاتحة الكتاب : الحمد لله الأول في ربوبيته ، والقديم في أزليته ، والحكيم في سلطنته ، والكريم في عزته ، لا شبيه له في ذاته وصنعته ، ولا نظير له في مملكته ، صانع كل شئ مصنوع بقدرته ، المتكلم بكلامه الأزلي ليس بخارج من صفته .
--------------------------- 262 ---------------------------
أحمده على نعمته ، وأستعين به على دفع نقمته ، هو الله ربي وحده لا شريك له الواحد في ربوبيته ، الذي يختص من يشاء برحمته ، ختم الأنبياء بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وعترته .
أما بعد ، فلما رأيت أهل الزمان همهم قاصرة على نيل المقاصد الباطنة والظاهرة وسألني جماعة من ملوك الأرض أن أضع لهم كتاباً معدوم المثل ، لنيل مقاصدهم واقتناص الممالك ، وما يعينهم على ذلك ، استخرت الله فوضعت لهم كتاباً وسميته بكتاب « سر العالمين وكشف ما في الدارين » وبوبته أبواباً ، ومقالات وأحزاباً ، وذكرت فيه مراتب صواباً ، وجعلته دالاً على طلب المملكة وحاثاً عليها وواضعاً لتحصيلها أساساً جامعاً لمعانيها .
وذكرت كيفية ترتيبها وتدريبها ، فهو يصلح للعالم الزاهد ، وشريك شرك المالك ، بتطييب قلوب الجند وجذبهم إليه بالمواعظ .
فأول من استحسنه وقرأه عليَّ بالمدرسة النظامية سراً من الناس ، في النوبة الثانية بعد رجوعي من السفر ، رجل من أرض المغرب يقال له محمد بن تومرت من أهل سلمية ، وتوسمت منه الملك .
وهو كتاب عزيز لا يجوز بذله ، لأن تحته أسراراً تفتقر إلى كشف ، إذ طباع العالم نافرة عنها ، وتحته علوم عزيزة وإشارات كثيرة دالة على غوامض أسرار لا يعرفها إلا فحول الحكماء . فالله يوفقك للعمل به فإنه دال على كل ما تريد إن شاء الله تعالى » .
أقول : يظهر من فاتحة كتابه أن الغزالي ألفه بعد تركه للتدريس في النظامية بمدة فقد أمضى في الشام والقدس ومصر سنوات طويلة ، وعاد مرات إلى بغداد ، وكان ينزل في المدرسة النظامية ، وذكر أنه قرأه عليه سراً في النظامية محمد بن
--------------------------- 263 ---------------------------
تومرت بعد عودته الثانية إلى بغداد ، وبذلك كشف علاقته مع المهدي ابن تومرت الذي هو صاحب ثورة المغرب ، وصدقت فراسته فيه بأنه سيكون صاحب دولة ، فقد بدأ ابن تومرت حركته وجمع أنصاره بعد وفاة الغزالي بنحو عشر سنين ، وهاجم مراكش في سنة 514 ، فتلقى هزيمة شديدة فرجع بأنصاره إلى الجبال ، وكان عمره تسع وعشرون سنة ، وعاش عشر سنوات في الجبال ، وأوصى لتلميذه عبد المؤمن ، الذي نجح بعده في تأسيس دولة الموحدين ، ولعله سمى شيخه ابن تومرت بالمهدي بعد موته ! ( وفيات الأعيان : 5 / 53 ) .
واختلف المؤرخون في نسب ابن تومرت ، فذكروا أنه حسني هاشمي ، ونفى بعضهم ذلك ، وتفرد الغزالي بنسبته إلى سلمية وهي مركز الإسماعيلية في سوريا لكن هذا لا يعني أن الغزالي تأثر بفكر الإسماعيلية ، لأنه هاجم ابن الصباح الملقب بالكيا ، مؤسس دولتهم في آلموت ، قال :
« وقد شاهدت حسن بن صباح إذ تزهد تحت حصن آلموت ، وكان أهل الحصون يشتهون أن يطلع إليهم فلم يفعل ، وهو يحصل المريدين ويعلم طريق الإرادة والتلمذة وشيئاً من الجدل ، ثم جعل يُمَهْذِر بكلام على قدر عقولهم من جملته : ما تقول في قائل لا إله إلا الله هل هو محق أو غير محق ، فإن قلت محق فيلزمونك باليهود والنصارى ، وإن قلت غير محق قالوا فلم تتعلق بها ؟ ثم جذب الناس وجعل يقول للمريدين : أما ترون الناس قد تركوا الشريعة ؟ فلما كبر الأمر خرج إليهم بطريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فصبا إليه خلق كثير ، وخرج صاحب القلعة إلى الصيد والتلامذة أكثرهم أهل القلعة ، ففتحوا الحصن ودخله وقتل الملك في الصيد وفشا أمره ومذهبه ، حتى صنفت في الرد عليهم كتاباً وسميته قواصم الباطنية ومنتظرهم ، فلا بد في آخر الزمان أن
--------------------------- 264 ---------------------------
يهجروا الشرائع ويبيحوا المحرمات ! فانظر هذه الطريق التي شرعنا لك أيها الملك ، وجعلناها إشارة وسلماً تنال بها مقاصدك » .
أقول : لاحظ أنه مع ذمه لابن الصباح ، أرشد مخاطبه إلى أسلوبه الناجح دنيوياً لنيل الدولة والدنيا ، فقال آخر الفقرة : فانظر هذه الطريق التي شرعنا لك . . الخ . !
فالغزالي هنا مهني حِرَفي يُعلم مخاطبه الذي ألف له كتابه كيف يستعمل الحيل لنيل الدولة ! وهذا هو الخط العام في كتابه ! وقد قال في مقدمته : « وسألني جماعة من ملوك الأرض أن أضع لهم كتاباً معدوم المثل ، لنيل مقاصدهم واقتناص الممالك وما يعينهم على ذلك ، واستخرت الله فوضعت لهم كتاباً وسميته . . » !
والسؤال هنا : أين التقوى إذن ، والتصوف والتشيع ؟ والجواب : أن ذلك محفوظ في تصور الغزالي ، فكل شئ في محله ومجاله ! فلا مانع عنده أن يكون صوفياً تقياً ، ويعلم الناس الحيل والتآمر على الناس لنيل الدنيا ! وأن يكون شيعياً ويعلم الناس أساليب معاوية ويقول عنه ( رضي الله عنه ) ! وقد يكون سبب قبوله بهذا التناقض أنه يؤمن بالجبر !
ففي الطرائف لابن طاووس / 339 : « ومن علماء المجبرة أبو حامد محمد بن محمد الغزالي وهو من أعظم علمائهم ومن الذين صنفوا لهم في علم الكلام وعلم الجدل وعلم أصول الفقه وفي الفقه ، وكان له ثلاثمائة تلميذ ، وعاد وصنف في الزهد ، فقال في أعظم كتاب صنفه في ذلك وسماه كتاب ( إحياء علوم الدين ) في كتاب قواعد العقائد وهو الكتاب الثاني من كتاب إحياء علوم الدين في الأصل الثالث منه ما هذا لفظه : ولا يجري في الملك والملكوت طرفة عين ولا لفتة خاطر ولا فلتة ناظر إلا بقضاء الله وقدره وبإرادته ومشيته ، ومنه الخير
--------------------------- 265 ---------------------------
والشر والنفع والضر والإسلام والكفر والعرفان والمنكر والفوز والخسران والغواية والرشد والطاعة والعصيان والشرك والإيمان ! هذا لفظ الغزالي » !
فيبدو أن الغزالي اختار العيش بهذه التناقضات من الفلسفة أو من أفكاره الصوفية . أما التشيع فلا يسمح له بذلك !
على أن تشيع الغزالي نظري محض ، والموجود في كتابه منه فقرتان : أولاهما سجل فيها رأيه بأن عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) أصحاب الحق في الحكم بعده . كتبها بعد المقدمة ، قال : « فصل ترجمة الأبواب وهي خمسة وعشرون مقالة :
إعلم أن الملك عظيم وعقيم ، عليه وقع الاشتباك والمناقشة بين الصالح والطالح والخاسر والرابح ، فمنه يتشعب الحسد وكل عرض وغرض مزعزع ، فلا بد من أصل ومرتبة وتحصيل وصبر ، وجمع أموال لبلوغ الآمالٍ .
وأم الغرر في تحصيله هو علو الهمة : كما قال معاوية رضي الله تعالى عنه : هموا بمعالي الأمور لتنالوها ، فإني لم أكن للخلافة أهلاً فهممت بها فنلتها .
وقد سردت لك قصص الأولين فانظر في أخبارهم وآثارهم ، فما بلغ أحد درجة الملك بأب وأم ، غير قليل ، وكم نزع الملك من يد وارث مستحق ، مثل بيت نبينا محمد ( ص ) » !
ثم عقد فصلاً لبيان الأحقية في الخلافة ، قال : « فصل : باب في ترتيب الخلافة والمملكة : اختلف العلماء في ترتيب الخلافة وتحصيلها لمن أمرها إليه . فمنهم من زعم أنها بالنص . ودليلهم قوله تعالى : قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا
--------------------------- 266 ---------------------------
تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيما . وقد دعاهم أبو بكر رضي الله عنه إلى الطاعة بعد رسول الله ( ص ) فأجابوه .
وقال بعض المفسرين في قوله تعالى : وإذ أسَرَّ النَبي إلى بَعضْ أزواجِهِ حَديثاً قال في الحديث : إن أباك هو الخليفة من بعدي . وقالت امرأة : إذا فقدناك فإلى من نرجع فأشار إلى أبي بكر رضي الله عنه ، ولأنه أمَّ بالمسلمين على بقاء رسول الله ( ص ) والإمامة عماد الدين . هذا جملة ما يتعلق به القائلون بالنصوص .
ثم تأولوا : لو كان عليٌّ أول الخلفاء لانسحب عليهم ذيل الفناء ، ولم يأتوا بفتوح ولا مناقب ، ولا يقدح في كونه رابعاً ، كما لا يقدح في نبوة رسول الله ( ص ) إذ كان آخراً . والذين عدلوا عن هذه الطريق زعموا أن هذا تعلق فاسد وتأويل بارد ، جاء على زعمكم وأهويتكم ، فقد وقع الميراث في الخلافة والأحكام ، مثل داود وسليمان وزكريا ويحيى . قالوا كان لأزواجه ثمن الخلافة . ، فبهذا تعلقوا ، وهذا باطل . ، ولو كأن ميراثاً لكان العباس أولى !
لكن أسفرت الحجة وجهها وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خم باتفاق الجميع وهو يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه . فقال عمر : بخ بخ يا أبا الحسن ، لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، فهذا تسليم ، ورضى وتحكيم ! ثم بعد هذا غلب الهوى بحب الرياسة ، وحمل عمود الخلافة ، وعقد البنود وخفقان الهوى ، في قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول ، وفتح الأمصار ، وسقاهم كأس الهوى ، فعادوا إلى الخلاف الأول : فنبذوه وراء ظهورهم ، واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون !
ولما مات رسول الله ( ص ) قال قبل وفاته : إيتوني بدواة وبياض لأزيل لكم إشكال الأمر وأذكر لكم من المستحق لها بعدي !
--------------------------- 267 ---------------------------
قال عمر رضي الله عنه : دعوا الرجل فإنه ليهجر . وقيل يهذي !
فإذا بطل تعلقكم بتأويل النصوص فعدتم إلى الإجماع وهذا منقوض أيضاً ، فإن العباس وأولاده وعلياً وزوجته وأولاده لم يحضروا حلقة البيعة ، وخالفكم أصحاب السقيفة في متابعة الخزرجي .
ودخل محمد بن أبي بكر على أبيه في مرض موته فقال : يا بني إئت بعمك عمر لأوصى له بالخلافة ! فقال : يا أبت أكنت على حق أو باطل ؟ فقال : على حق ! فقال : توصي بها لأولادك إن كانت حقاً أولى ! وإلا فقد مكنتها بك لسواك !
ثم خرج إلى علي فجرى ما جرى ! وقوله على منبر رسول الله ( ص ) : أقيلوني أقيلوني فلست بخيركم ! أفقال هزلاً أو جداً أو امتحاناً ؟ فإن كان هزلاً فالخلفاء منزهون عن الهزل ، وإن قاله جداً فهذا نقض للخلافة ، وإن قاله امتحاناً فالصحابة لا يليق بهم الامتحان : وَنَزَعنا ما في صَدورِهم مِن غِل !
فإذا ثبت هذا ، فقد صارت إجماعاً منهم وشورى بينهم !
هذا الكلام في الصدر الأول ، أما في زمن علي رضي الله عنه ، ومن نازعه ، فقد قطع المشرع ( ص ) طول كم الخلافة بقوله : إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما
والعجب كل العجب من حق واحد كيف ينقسم ضربين ، والخلافة ليست بجسم ينقسم ، ولا بعرَض يتفرق ، ولا بجوهر يحُد ، فكيف يوهب ويباع !
وفي حديث أبي حازم : أول حكومة تجري في المعاد : بين علي ومعاوية ، فيحكم الله لعليٍّ بالحق ، والباقون تحت المشيئة .
وقول المشرع ( ص ) لعمار بن ياسر : تقتلك الفئة الباغية ، فلا ينبغي للإمام أن يكون باغياً ! والإمامة ضيقة لا تليق لشخصين ، كما لا تليق الربوبية لاثنين !
--------------------------- 268 ---------------------------
أما الذين بعدهم فطائفة تزعم أن يزيد لم يكن راضياً بقتل الحسين ، فسأضرب لك مثلاً في ملكين اقتتلا فملك أحدهما ، أفتراه يقتله العسكر على غير اختيار صاحبه إلا غلطاً ! ومثل الحسين لا يحتمل حاله الغلط لما جرى من القتال والعطش وحمل الرأس إجماعاً من جماهير المسيرين ، وقتل الأمة المغنية حيث مدحت علياً في غنائها ! أفتراه قتلها بغضاً لعلي أم لها ! وقول يزيد بن معاوية لعلي بن الحسين زين العابدين : أنت ابن الذي قتله الله ؟ قال : أنا ابن الذي قتله الناس ثم تلا قوله تعالى : وَمن يَقتُل مُؤمناً مُتعَمداً . . فتراك يا يزيد تجعل لربك جزاء جهنم وتخلد فيها وتغضبه عليه وتلعنه وتُعِدُّ له عذاباً أليماً .
فإن قلت إن هذه البراهين معطلة لا يحكم بصحتها حاكم الشرع فنقول في حججكم مثل ما تقولون ! ثم إجماع الجماهير بشتم عليٍّ ألف شهر على المنابر أمركم به الكتاب أم السنة أم الرسول ؟ !
ثم الذين من بعدهم ، أخذوها من غيرهم نصاً أم سنة أم إجماعاً ، لكن قد أخذوها بسيف أبي مسلم الخراساني ! فانظروا إلى قطع أعمالكم بسيف المشرع حيث قال لكم : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم يتولى ملك جبروت !
وقوله للعباس رضي الله عنه يا أبا الأربعين ملكاً ولم يقل خليفة ، والملوك كثير والخليفة واحد في زمانه !
فيا أيها الطالب للملك حصل الآلة ، وحمل الآلة ، وذلَّ ، واصبر ، واحذر ، وأقرب ، وطوِّل ، واحتمل ، وصالح حتى تقدر ، والله تعالى أعلم » !
--------------------------- 269 ---------------------------
والملاحظات على كتاب الغزالي كثيرة ، نكتفي منها بأربع :
الأولى : أن في نسخة موقع الوراق وغيرها أخطاء كثيرة وسقط ، بل هي ناقصة لأنه نص في أولها على أن عدد المقالات خمساً وعشرين ، والموجود فيها ثلاث وعشرون . وقد صححنا الفقرة من نفحات الأزهار : 9 / 183 ، وشفاء الصدور للميرزا أبي الفضل الطهراني : 2 / 248 .
الثانية : أنه كتاب لخدمة الطامعين في الحكم ! يعلمهم أن كيف يطمحون ويستعملوا أساليب الطامعين قبلهم الذي وصلوا إلى الحكم بكل وسيلة محرمة !
والثالثة : أنه أعلن فيه تشيعه ، حيث اعترف بأن الخلافة لعلي وأهل البيت ( عليهم السلام ) بوصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) القطعية ، وأن الآخرين ظلموهم وابتزوها منهم بالحيلة والقهر طمعاً في الحكم ، عن سبق إصرار وتعمد ، كما ظلمهم معاوية وابتزها بغير حق ، ثم الذين من بعده .
ولكنه تشيع نظري كتشيع المأمون العباسي ، أو تشيع المستشرقين الغربيين !
والرابعة : ذكر بعض الفضلاء أن للغزالي كلاماً في كتابه : القسطاس المستقيم ، وكتابه : كيمياي سعادت ، بالفارسية ، شبيهاً بكلامه المتقدم في سر العالمين . ولو صح ذلك فهو لا يغير الرأي فيه ، خاصة أنهم ذكروا أن كتابه : إلجام العوام عن علم الكلام ، هو آخر ما ألفه ، وهو في التوحيد وهدفه إلجام العوام عن الخوض في صفات الله تعالى ، بل يجب عليهم قبولها كما هي بدون تأويل ولا تجسيم . وقد سمته بعض المخطوطات : كتاب الوظائف ، قال فيه : « إعلم أن الحق الصريح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف أعني مذهب الصحابة والتابعين ، وها أنا أورد بيانه وبيان برهانه ، فأقول : حقيقة مذهب السلف ،
--------------------------- 270 ---------------------------
وهو الحق عندنا ، أن كل من بلغه حديث من هذه الأحاديث من عوام الخلق يجب عليه فيه سبعة أمور : التقديس ، ثم التصديق ، ثم الاعتراف بالعجز ، ثم السكوت ، ثم الإمساك ، ثم الكف ، ثم التسليم لأهل المعرفة . »
وذكروا أن الغزالي كتبه في أوائل جمادي الآخرة سنة 505 للهجرة ، قبيل وفاته بنحو أسبوعين ، حيث توفي رحمه الله يوم الاثنين 14 جمادي الآخرة عام 505 للهجرة . راجع :
http : / / www . ghazali . org / biblio / AuthenticityofGhazaliWorks - AR . htm
أسئلة :
س 1 : بماذا تفسرون أن البويهيين الشيعة حكموا بغداد وبلاد الخلافة لأكثر من قرن ، فأعطوا الحرية للشيعة والسنة ، ثم حكمها السلاجقة فترة أخرى فاضطهدوا الشيعة ؟ !
س 2 : بماذا تفسرون موافقة الغزالي للشيعة في فهم حديث الغدير ، وتفسيره لبخبخة أبي بكر وعمر لعلي ( عليه السلام ) بولايته على المسلمين ؟
س 3 : ما رأيكم في شخصية الغزالي ، ومؤلفاته التي مدح فيها أبا بكر وعمر ؟

  • *
    --------------------------- 271 ---------------------------

الفصل الحادي والثلاثون: أسئلة وإشكالات على عائشة وحفصة

( م 235 ) زوجات الأنبياء ( عليهم السلام ) فيهم الصالحة والطالحة

كانت زوجات النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأجل مصلحة الرسالة ، فزواجه من قوم أو تزويجه لأحد لا يدل على اختيار الله تعالى للزوجة والصهر ، إلا أن ينص النبي ( صلى الله عليه وآله ) على ذلك وقد كان في زوجات الأنبياء ( عليهم السلام ) كافرات ، ذكرهن الله مثلاً لزوجات نبينا ( صلى الله عليه وآله ) محذراً لهن أن يكنونَّ مثلهن فقال تعالى : ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحِينِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ . وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ القَانِتِينَ . ( التحريم : 10 - 12 ) .
وقد أكثر أتباع السلطة من مديح عائشة وحفصة من زوجات النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد روتا في مدح نفسيهما أحاديث كثيرةً خاصة عائشة ، وادعت أن جبرئيل جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بصورتها على منديل حرير وقال له : « هذه زوجتك في الدنيا والآخرة » ( تاريخ بغداد : 11 / 221 ) وأن جبرئيل طبع صورتها على كف النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
وقال الشيخ أبو رية في كتابه أبو هريرة شيخ المضيرة / 135 : « أسرع أبو هريرة فتبرع بحديث من كيسه يقول فيه : إن طول تلك الخرقة ذراعان وعرضها شبر » !
--------------------------- 272 ---------------------------
ولا نعتمد على أحاديث عائشة وحفصة ، خاصة في مدح نفسيهما وأسرتيهما ! ونعتقد أنهما عصتا الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) بنص سورة التحريم ، ولم تثبت توبتهما ولا عفو النبي ( صلى الله عليه وآله ) عنهما ، وأن عائشة خرجت على إمامها ( عليه السلام ) ، وشقت عصا المسلمين ، وسببت قتل ألوف المسلمين ، ولم تثبت توبتها !
أسئلة :
س 1 : لماذا تُصِرُّون على أن نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) كلهن مؤمنات تقيات من أهل الجنة ، وأنتم تقرؤون قوله تعالى : ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحِينِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ؟ فهل هذا إلا مكابرة من أجل فلانة وفلانة ؟ !
وكذلك تفسيركم قوله تعالى : الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ، بأنه في الدنيا والآخرة ، مع أنه مختص بالآخرة ؟ !
س 2 : لو كان الأمر كما تقول عائشة أن الله تعالى أمر رسوله بالزواج منها ، فلماذا لم يقل ذلك الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ولا أحد غيرها ؟
ولو كان الأمر كما تقول وأن جبرئيل جاء بصورتها على فوطة حرير ، لقال ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! ولأظهرتها عائشة وافتخرت بها ورفعتها علماً ؟ !

( م 236 ) ما رووه في سنّ عائشة وأنها تزوجت قبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟

روت السلطة عن عائشة كثيراً من كلامها عن زواجها ، فقالت إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عقد زواجه عليها وعمرها ست سنين وتزوجها وعمرها تسع سنين .
واتهمت عائشة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه كان يستمتع بها وهي بنت ست سنين !
--------------------------- 273 ---------------------------
وقد صدقتها اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء لهيئة كبار العلماء الوهابية ، فأفتت بنسبة هذه التهمة إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وحاشاه !
وقالت في الفتوى رقم : 1809 ، تاريخ : 3 / 5 / 1421 : « أما من جهة مفاخذة رسول الله ( ص ) لخطيبته عائشة ، فقد كانت في سن السادسة من عمرها ولا يستطيع أن يجامعها لصغر سنها ، لذلك كان ( ص ) يضع إربه بين فخذيها ويدلكه دلكاً خفيفاً ، . كما أن رسول الله يملك إربه على عكس المؤمنين » !
وزعمت عائشة كما في صحيح بخاري ( 3 / 58 ) أن استمتاع النبي ( صلى الله عليه وآله ) بها وهي بنت ست سنين كان في بيتهم في مكة ! قالت : « لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله » !
وهذا مردود عليها لأنها قالت إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عقد عليها في المدينة ! ولأن حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مكة كانت في خطر بعد وفاة خديجة وأبي طالب ( عليهما السلام ) ، ولم يرووا في السيرة أنه ذهب إلى بيت أبي بكر إلا ما زعموه في الهجرة ، ولا يصح أيضاً !
أما في المدينة فكان بيت أبي بكر في السنح خارج المدينة ، ولم يسجل التاريخ ذهاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) اليه إلا ما زعمته عائشة عند عقدها عليه ، ولا يصح أيضاً .
بل هو مردود لأن عمرها عند الهجرة كان سبع عشرة سنة أو نحوها ، فهي أصغر من أختها أسماء بعشر سنين : « عن ابن أبي الزناد أن أسماء بنت أبي بكر كانت أكبر من عائشة بعشر سنين » . ( سنن البيهقي : 6 / 204 ، وسير الذهبي : 3 / 380 ، وتاريخ دمشق : 69 / 10 ، وسبل السلام : 1 / 39 ) وفي تهذيب الأسماء : 2 / 597 : « ولدت أسماء قبل هجرة رسول الله ( ص ) بسبع وعشرين سنة » .
--------------------------- 274 ---------------------------
وفي تاريخ دمشق : 69 / 9 : « كانت أسماء بنت أبي بكر أكبر من عائشة بعشر سنين ولدت قبل التاريخ بسبع وعشرين سنة وقبل مبعث النبي ( ص ) بعشر سنين . . توفيت أسماء سنة ثلاث وسبعين بمكة بعد قتل ابنها عبد الله بن الزبير بأيام ولها مائة سنة وقد ذهب بصرها » وسنن البيهقي : 6 / 204 ، وسبل السلام / 39 ، وتاريخ دمشق : 69 / 8 ، ومصادر كثيرة غيرها !
فيكون عمر عائشة سبع عشرة سنة ! لكن رواة السلطة يتناقضون ، وينسون !
ومما يؤيد ما قلناه سن أمها أم رومان ، فقد كانت في الجاهلية زوجة ابن سخبرة في الأردن وولدت له الطفيل وجاؤوا مع ابنهما وغلامهما ابن فهيرة ، وسكنوا مكة حتى مات زوجها ، فتزوجها أبو بكر وولدت له ولدين هما : عبد الرحمن وعائشة ، ولم تلد له بعدهما ، فيكون سن ولديها متقارباً ، ويبدو أنها بلغت سن اليأس بعد ولادتها لعائشة .
وكان عبد الرحمن أخ عائشة في بدر مع المشركين فطلب أن يبارزه أبوه أبو بكر فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « متعنا بنفسك يا أبا بكر » ( النهاية : 8 / 95 ، والحاكم : 3 / 474 ، والحلبية : 2 / 414 ، والبيهقي : 8 / 186 ، والاستيعاب : 2 / 824 ، وغيرها .
راجع : الطبقات : 8 / 276 ، والتعديل والتجريح : 3 / 1155 ، وتهذيب الكمال : 13 / 389 ، والإصابة : 3 / 421 ، و : 4 / 117 ، و : 8 / 391 ، وفيه : « وقدم من السراة ومعه امرأته وولده فحالف أبا بكر ومات بمكة »
فأخوها في بدر لا بد أن يكون في العشرينات ، وكان عمرها قريباً من عمره !

  • *
    كما ادعت عائشة أنها لم تتزوج قبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لكن روى ابن سعد ( 8 / 59 ) بسند صحيح عندهم عن عبد الله بن أبي ملكية قال : « خطب رسول الله ( ص ) عائشة بنت أبي بكر الصديق فقال : إني كنت أعطيتها مطعماً لابنه جبير ، فدعني حتى أسلها منهم ، فاستسلها منهم فطلقها فتزوجها رسول الله » .
    --------------------------- 275 ---------------------------
    وفي الطبراني الكبير : 23 / 26 : « وكان أبو بكر قد زوجها جبير بن مطعم فخلعها منه » .
    وفي صفة الصفوة : 2 / 15 ، والمنتظم : 5 / 302 : « دعني حتى أسلها من جبير سلاً رفيقاً » .
    يضاف إليه أنها كانت تكنى أم عبد الله ، فقد يكون لها ولد اسمه عبد الله ومات !
    ففي سنن البيهقي : 9 / 311 : « أنها قالت : يا رسول الله ألا تكنيني فكل نسائك لها كنية ؟ فقال : بلى إكتني بابنك عبد الله ، فكانت تكنى أم عبد الله » .
    وفسره بعضهم بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قصد ابن أختها عبد الله بن الزبير ! لكن لم يعهد أن امرأة من العرب تكنَّت بابن أختها !
    أسئلة :
    س 1 : هل تقبلون اتهام عائشة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه كان يفخذها وهي طفلة بنت ست سنين ؟ !
    س 2 : لو سلمنا جدلاً صحة ذلك ، فهل رأيتم زوجة مؤمنة تتكلم عن زوجها وعلاقتهما الجنسية ، كما تتكلم عائشة عنها وعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ !
    س 3 : على قول عائشة بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يلعب معها جنسياً وعمرها ست سنوات ، فيجب أن يكون زواجها بها في مكة قبل وفاة خديجة ( عليها السلام ) ! وقبل هجرته بسنتين أو ثلاث لأن خديجة توفيت قبل هجرته بأقل من ذلك ؟ !
    س 4 : لماذا تردون الرواية الصحيحة بأن عمر عائشة عندما تزوجها النبي ( صلى الله عليه وآله ) بضع عشرة سنة ، وتصرون على أن عمرها كان ست سنوات أو تسع سنوات ؟ !
    س 5 : ماذا تفعلون بروايات عائشة المتناقضة والصحيحة عندكم في سنها عندما تزوجها النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ست سنوات ، وسبع ، وتسع وغير ذلك ؟ !
    --------------------------- 276 ---------------------------

( م 237 ) فضائل عائشة ومناقبها من أقوالها هي !

يمكن أن يروي الصحابي أقوال النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حقه ، لكن في العادة أن يرويها معه صحابة آخرون ، كما هو الحال في فضائل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وغيره .
لكن يأخذك العجب عندما تجد أن الذي روى عامة فضائل عائشة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، هو عائشة وحدها ، وليس معها إلا عائشة !
ثم تجد في رواياتها التهافت والتناقض ، وأنها تفردت بروايات لم يصدقها أحد ، مثل رواية رضاع الكبير وآيته التي أكلتها السخلة فجعلت القرآن ناقصاً !
لذا صار من حقك أن تشك في الباقي وتقول إن أم المؤمنين تبالغ في نفسها وأقاربها فتحفظوا من قبول قولها ، فتأملوا في نماذج من مبالغاتها :
قالت كما في الطبقات ( 8 / 44 ) : « أعطيت خلالاً ما أعطيتها امرأة ! ملكني رسول الله ( ص ) وأنا بنت سبع سنين ، وأتاه الملك بصورتي في كفه فنظر إليها ، وبنى بي تسع سنين ، ورأيت جبريل ولم تره امرأة أخرى غيري ، وكنت أحب نسائه إليه ، وكان أبي أحب أصحابه إليه ، ومرض رسول الله في بيتي »
وقالت كما في تاريخ بغداد ( 14 / 35 ) : « كانت ليلتي من رسول الله ( ص ) فلما ضمني وإياه الفراش قلت : يا رسول الله ألست أكرم أزواجك عليك ؟ قال : بلى يا عائشة قلت : فحدثني عن أبي بفضيلة . قال : حدثني جبريل أن الله تعالى لما خلق الأرواح اختار روح أبي بكر الصديق من بين الأرواح وجعل ترابها من الجنة ، وماؤها من الحيوان ، وجعل له قصراً في الجنة من درة بيضاء ، مقاصيرها فيها من الذهب والفضة البيضاء » . وقالت . . وقالت . . الخ .
--------------------------- 277 ---------------------------
س 1 : هل رويتم شيئاً من مناقب عائشة وفضائلها عن غيرها من نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو الصحابة ؟ ! وإذا وضعنا جانباً ما روته هي فهل يبقى لها شئ ؟ !

( م 238 ) المرأة عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) ريحانة ، وعند البدوي أكلة ثريد

من أشهر ما روته عائشة في فضائلها أو رووه عنها ، ما في صحيح بخاري ( 4 / 131 ) أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) شبهها بأكلة ثريد ! فقال : « كَمُلَ من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران . وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام » ! وهذا لا ينسجم مع أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن المرأة وتشبيهاتها الراقية من عالم الجمال والعطر والريحان والقوارير ، وعالم القيم والأمانة ، بينما يجعلها هذا النص أكلة ، ويجعل الثريد أفضلها !
س 1 : إن وصف الرجل للمرأة بأنها أكلة ، يكشف عن شعوره الجنسي تجاهها ونظرته إليها كما ينظر البدوي لأكلة الثريد ! فلا بد أن عائشة سمعته من بدوي ، لأنه لا يوجد في حديث من أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) إطلاقاً إلا في حديثها ؟ !

( م 239 ) وزعمت أنها سابقت النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاستعمل الحيلة معها !

في مسند ، حمد ( 6 / 264 ) : « عن عائشة قالت : خرجت مع النبي ( ص ) في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ، ولم أبدن ، فقال للناس : تقدموا فتقدموا ، ثم قال لي : تعالي حتى أسابقك ، فسابقته فسبقته ، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت ، خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس : تقدموا فتقدموا ، ثم قال : تعاليْ حتى أسابقك ، فسابقته فسبقني ، فجعل يضحك وهو يقول هذه بتلك » ! ونحوه : 6 / 39 ، وابن ماجة ( 1 / 636 ) على شرط بخاري .
--------------------------- 278 ---------------------------
س 1 : لاحظوا أنها ذكرت سفرتين ولم تسمهما ، وهذا يوجب الشك في كلامها ! ويزيد الشك أن الحادثتين كانتا بحضور الصحابة ! لكن لم يروهما أحد إلا عائشة ؟ !

( م 240 ) وزعمت أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان عنده مغنيتان !

في صحيح بخاري ( 3 / 228 ) : « عن عائشة قالت : دخل علي رسول الله ( ص ) وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعَاث ( معركة بين الأوس والخزرج ) ، فاضطجع على الفراش وحول وجهه ، فدخل أبو بكر فانتهرني وقال : مزمارة الشيطان عند رسول الله ! فأقبل عليه رسول الله ( ص ) فقال : دعهما . فلما غفل غمزتهما فخرجتا . قالت : وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب ، فإما سألت رسول الله ( ص ) وإما قال : تشتهين تنظرين ؟ فقلت : نعم فأقامني وراءه خدي على خده ويقول : دونكم يا بني أرفدة ! ( اسم للأحباش يشجعهم بذلك ) حتى إذا مللت قال : حسبك ؟ قلت : نعم . قال فاذهبي » .
وفي الخطط السياسية لتوحيد الأمة الإسلامية / 480 : « وهو النبي الذي رفع عائشة على منكبه لتنظر إلى الحبشة الذين كانوا يلعبون في المسجد ، فاضطر عمر بن الخطاب أن ينهرهم » ! راجع صحيح مسلم كتاب صلاة العيدين الحديث 18 - 22 . والشياطين من الجن والإنس كانوا يلهون في جلسة مع رسول الله ، فعندما جاء عمر بن الخطاب فروا عندما رأوا عمر ، ومن قبل كانوا آمنين ويلهون ! فمعنى ذلك أن لعمر هيبة ورهبة وأهمية عند شياطين الجن والإنس أكثر من النبي ! راجع سنن الترمذي - أبواب المناقب ، باب مناقب عمر !
أسئلة :
س 1 : قال ابن طاووس في الطرائف / 221 : « كيف حسن من هؤلاء المسلمين نقل مثل هذه الأحوال لنبيهم وتصحيحهم لها ، وهم قد ذكروا عنه أنه أعقل العقلاء وأكمل
--------------------------- 279 ---------------------------
الأنبياء ( صلى الله عليه وآله ) ! وتالله إننا نحن نعلم أن نبيهم ما كان على صفة يرضى بمثل ما قد ذكرته عائشة عنه ، فإن كل عاقل يعلم أن مثل هذا اللعب واللهو والاشتغال عن الله لا يليق بمن يدعي صحبة نبي من الأنبياء ( عليهم السلام ) ، فكيف يروونه عمن يعتقد أنه أفضل الأنبياء ( صلى الله عليه وآله ) ! ومن أعجب ما تضمنه بعض هذه الأحاديث أنه كان يفرج زوجته على الذين يلعبون ويطلق لنسائه وحرمه الانبساط ، في مثل هذه الروايات التي تقدح في الأماثل والأفاضل ، ولا سيما وقد ذكر أنه كان أعظم الناس غيرة ! ومن طرائف ذلك أنهم ذكروا أن الحبشة كانوا يلعبون في المسجد ، وقد رووا أن نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) صان مسجده عن غير العبادات ، حتى أن رجلاً ضلت له ضالة فنادى عليها في المسجد فأنكر عليه » .
س 2 : أضف إلى ذلك تفاصيل قالتها عائشة تزيد الحادثة بعداً عن التصديق ، حيث يفهم من بعض الروايات أنها ركبت على ظهر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! قالت : « وكنت أنظر فيما بين أذنيه . . فقال لي : أما شبعت أما شبعت ؟ قالت : فجعلت أقول لا لأنظر منزلتي عنده ، إذ طلع عمر قال : فارفض الناس عنها ، قالت : فقال رسول الله : إني لأنظر إلى شياطين الإنس والجن قد فروا من عمر » ! ( أحاديث عائشة للعسكري : 2 / 211 ) .
وعلق عليه السيد شرف الدين في كتابه : إلى المجمع العلمي بدمشق / 88 : « من عذيرنا من هؤلاء ، يريدون ليثبتوا فضيلة لمن يوالون فيأتون بمثل هذه لعائشة ، غافلين عما يلزمها من اللوازم الباطلة المستحيلة على سيد رسل الله ( صلى الله عليه وآله ) وأكمل مخلوقاته !
كما رووا في خصائص عمر أنه ما انقطع الوحي عني مرة ، إلا خلته نزل في آل الخطاب ! ورووا أيضاً : لو نزل العذاب ما نجا منه إلا آل الخطاب ! ذهولاً عما وراء هذا الافتراء من الداهية الدهياء والطامة العمياء ! نعوذ بالله من سبات العقل » !
--------------------------- 280 ---------------------------

( م 241 ) شهادة عائشة المتناقضة في أحب الناس إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) !

وقعت عائشة في التناقض عندما شهدت بأن علياً وفاطمة ( عليهما السلام ) أحب الناس إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم زعمت أنها وأباها أحب الناس إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) !
روى أحمد ( 4 / 275 ) : « استأذن أبو بكر على رسول الله ( ص ) فسمع صوت عائشة عالياً وهي تقول : والله لقد عرفت أن عليا أحب إليك من أبي ومني ، مرتين أو ثلاثاً ، فاستأذن أبو بكر فدخل فأهوى إليها ( ضربها ) فقال : يا بنت فلانة ألا أسمعك ترفعين صوتك على رسول الله » ! والنسائي ( 5 / 139 ، و 365 ، وأبو داود : 2 / 477 ) .
وروى النسائي ( 5 / 139 ) : « عن جميع بن عمير قال دخلت مع أمي على عائشة فسمعتها تسألها من وراء الحجاب عن علي ( عليه السلام ) ؟ فقالت : تسأليني عن رجل ما أعلم أحداً كان أحب إلى رسول الله ( ص ) منه ، ولا أحب إليه من امرأته » . وخصائص أمير المؤمنين للنسائي / 109 .
وفي تناقضات الألباني الواضحات : 2 / 251 : « كان أحب النساء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فاطمة ومن الرجال علي . وقد كتم الألباني شاهداً صحيحاً رواه الإمام أحمد في مسنده ( 4 / 275 ) عن النعمان بن بشير قال : استأذن أبو بكر على رسول الله فسمع صوت عائشة عالياً . . . قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ( 7 / 27 ) : أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي بسند صحيح عن النعمان بن بشير » .
وفي تفسير ابن كثير ( 3 / 493 ) ، عن ابن حوشب : « دخلت مع أبي على عائشة فسألتها عن علي فقالت : تسألني عن رجل كان من أحب الناس إلى رسول الله وكانت تحته ابنته وأحب الناس إليه ؟ لقد رأيت رسول الله دعا علياً وفاطمة وحسن وحسيناً رضي الله عنهم فألقى عليهم ثوباً فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب
--------------------------- 281 ---------------------------
عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً قالت فدنوت منهم فقلت : يا رسول الله وأنا من أهل بيتك ؟ فقال : تنحي فإنك على خير » !
وروى عنها ابن أختها عروة قال : « قلت لعائشة : من كان أحب الناس إلى رسول الله ؟ قالت : علي بن أبي طالب . قلت : أي شئ كان سبب خروجك عليه ؟ قالت : لم تزوج أبوك أمك ؟ قلت : ذلك من قدر الله ، قالت : وكان ذلك من قدر الله » ! ( كنز العمال : 11 / 334 ،
ورواه ابن حجر في لسان الميزان : 5 / 154 ، ونقل رد الصابوني له ، وقال : « ثم وجدت الحديث في غرائب مالك للدارقطني أخرجه عن أبي سهل بن زياد وبسنده ، قال لم يروه عن مالك عن ابن أبي الخصيب وغيره أثبت منه . ووصف الصابوني فإنه محمد بن يوسف بن إسماعيل الصابوني أبو عبد الله الحافظ . وقد ذكره الخطيب فقال : روى عنه عباس التستري وإبراهيم الحربي ومحمد بن غالب تمتام وغيرهم وكان ثقة . ثم ساق من طريق ابن جامع قال : سنة ثمان عشرة ومائتين مات محمد بن الخصيب الأنطاكي . ثقة » .
أما بخاري ( 4 / 192 ) وأمثاله من المتشددين في نصرة السلطة ، فتعاموا عن اعتراف عائشة بأن علياً وفاطمة ( عليهما السلام ) أحب الناس إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجاؤوا بشهادة عمرو بن العاص بأن عائشة وأباها أحب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم عمر ثم أبو عبيدة ( أبو يعلى : 8 / 229 ) وقال عدَّدَ النبي ( صلى الله عليه وآله ) رجالاً من قريش ! وطبعاً ليس فيهم علي ( عليه السلام ) ! فروى بخاري عن عمرو بن العاص قال : « إن النبي ( ص ) بعثني على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة فقلت : من الرجال ؟ فقال : أبوها . فقلت : ثم مَن ؟ قال : ثم عمر بن الخطاب ، فعدَّ رجالاً » .
--------------------------- 282 ---------------------------
وتمسك النواصب برواية ابن العاص : « قال ابن حزم : فقد فضلها رسول الله على أبيها وعلى عمر وعلى علي وفاطمة تفضيلاً ظاهراً » ( أعلام النساء لكحالة : 2 / 128 ) .
وتعاموا عن حديث ابن عباس ، قال : « دخل رسول الله ( ص ) على عليٍّ وفاطمة وهما يضحكان ، فلما رأيا النبي سكتا فقال لهما النبي ( ص ) : ما لكما كنتما تضحكان فلما رأيتماني سكتما ؟ فبادرت فاطمة فقالت : بأبي أنت يا رسول الله قال هذا : أنا أحب إلى رسول الله منك ، فقلت : بل أنا أحب إلى رسول الله منك ! فتبسم رسول الله وقال : يا بنية لك رقة الولد وعلٌّي أعز عليَّ منك . رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح . وعن أبي هريرة قال : قال عليٌّ : يا رسول الله أيما أحب إليك ، أنا أم فاطمة ؟ قال فاطمة أحب إليَّ منك ، وأنت أعز عليَّ منها » . ( مجمع الزوائد : 9 / 202 ) .
وتمسكوا بأقوال عائشة التي ناقضت فيه نفسها ، فروى بخاري ( 3 / 132 ) عنها أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ميزها على نسائه ، ولم يسمع لشكواهن فيها ! قالت : « إن نساء رسول الله ( ص ) كن حزبين فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة ، والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله ، وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله عائشة ، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله ( ص ) أخرها حتى إذا كان رسول الله في بيت عائشة ، بعث صاحب الهدية إلى رسول الله في بيت عائشة ، فكلم حزب أم سلمة فقلن لها كلمي رسول الله يكلم الناس فيقول من أراد أن يهدى إلى رسول الله هدية فليهده حيث كان من نسائه ، فكلمته أم سلمة بما قلن فلم يقل لها شيئاً فسألنها فقالت : ما قال لي شيئاً ! فقلن لها : فكلميه قالت فكلمته حين دار إليها أيضاً فلم يقل لها شيئاً ! فسألنها فقالت ما قال لي شيئاً ! فقلن لها كلميه حتى يكلمك فدار إليها فكلمته ، فقال لها : لا تؤذيني في
--------------------------- 283 ---------------------------
عائشة فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة ألا عائشة ! قالت فقلت : أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله ! ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله ( ص ) فأرسلت إلى رسول الله تقول إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر ، فكلمته فقال : يا بنية ألا تحبين ما أحب ؟ قالت : بلى فرجعت إليهن فأخبرتهن ، فقلن : إرجعي إليه فأبت أن ترجع ، فأرسلن زينب بنت جحش فأتته فأغلظت وقالت : إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت ابن أبي قحافة ، فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبتها ، حتى أن رسول الله ( ص ) لينظر إلى عائشة هل تكلم ؟ فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها ! قالت فنظر النبي ( ص ) إلى عائشة وقال إنها بنت أبي بكر ! » ومسلم ( 7 / 135 ، وأحمد : 6 / 88 ، وغيرهما .
وفي صحيح ابن حبان ( 16 / 47 ) : « عن عائشة قالت : لما رأيت من النبي ( ص ) طيب نفس قلت : يا رسول الله أدع الله لي ، فقال : اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر ، ما أسرت وما أعلنت فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجرها من الضحك » ! ووثقه في الزوائد ( 9 / 243 ) .
وبهذا تحاول أن تجعل نفسها الوحيدة التي دعا لها النبي ( صلى الله عليه وآله ) بغفران كل ما ستفعله بعده ! لتغطي به ذنبها في سفك دماء ألوف المسلمين في حرب الجمل !
ولم يكتفوا بذلك فوضعوا على لسان أم سلمة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان من حبه لعائشة « لا يتمالك » ! ( الطبراني الكبير : 23 / 45 ) . وروى الذهبي في سيره ( 2 / 172 ) أن ابن عمرو بن العاص بعث شخصاً إلى أم سلمة قال : « سلها أكان رسول الله يقبل وهو صائم ؟ فإن قالت لا ، فقل : إن عائشة تخبر الناس أنه كان يقبل وهو صائم ، فقالت : لعله أنه لم يكن يتمالك عنها حباً ، أما إياي فلا » !
--------------------------- 284 ---------------------------
راجع في هذا الموضوع نفحات الأزهار لآية الله الميلاني : 14 / 258 ، فقد استوفى الموضوع ، وخصص ذا المجلد من كتابه لإثبات طرق وأسانيد حديث الطائر الذي أهداه الله لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) عندما كان بيته وليس عند أحد من نسائه ، فدعا الله تعالى أن يبعث له أحب خلقه إليه ليتغدى معه من ذلك الطائر ، فسمع دعاءه خادمه أنس بن مالك ، فجاء علي ( عليه السلام ) فأرجعه أنس مرات بأمل أن يأتي غيره فلم يأت ! وعاد علي ( عليه السلام ) فكبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وفرح وقال لأنس لم فعلت ذلك . ؟ !
أسئلة :
س 1 : إذا روي عن شخص بسند صحيح شهادته بأنه هو أحب الناس إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم روي عنه بسند صحيح أن أحب الناس إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خصمه الذي يبغضه ! فأي شهادتيه يجب قبولها ؟ !
س 2 : هل يصح القول إن عائشة ادعت أفضليتها وأباها أولاً وأنهما أحب الناس إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم تراجعت بعد هزيمة حرب الجمل ، لأنا نجد عنها بعدها أحاديث تعترف فيها بفضل علي والزهراء ( عليهما السلام ) وكأنها بذلك تكفر عن فعلتها وحربها الخاسرة ؟ !

( م 242 ) زعمت عائشة أن الخلافة لأبيها وأولاده بالنص !

أجمع أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أوصى بالخلافة لعلي والعترة ( عليهم السلام ) ، وأجمعت أتباع مذاهب الخلافة على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يوص إلى أحد .
ففي صحيح بخاري ( 8 / 126 ) : « قيل لعمر : ألا تستخلف ؟ قال : إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر ، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني ، رسول الله » ! لكن تفردت عائشة بالقول إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أوصى لأبي بكر وأراد أن يكتب بذلك عهداً ! قالت : « قال لي رسول الله في مرضه : أدعي لي أبا بكر أباك
--------------------------- 285 ---------------------------
وأخاك حتى أكتب كتاباً ، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أول » ! ( مسلم 7 / 110 ، وأحمد : 6 / 144 ، وغيرهما ) ورواه بخاري : 7 / 8 ، و : 8 / 126 ، بلفظ : « أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد ، أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون » .
وقال ابن حجر : 1 / 186 و : 13 / 177 : « أفرط المهلب فقال : فيه دليل قاطع في خلافة أبي بكر ، والعجب أنه قرر بعد ذلك أنه ثبت أن النبي ( ص ) لم يستخلف » !
وكان عبد الرحمن بن أبي بكر أكثر صراحة من أخته فقال : « قال رسول الله : إئتوني بكتاب وكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده أبداً » . ( مجمع الزوائد : 5 / 181 ) .
أي ليكتب الخلافة لأبي بكر وبنيه ! ولم يذكر لماذا لم يكتب النبي ( صلى الله عليه وآله ) الخلافة لهم ، فهل اتهمه أحدٌ بأنه يهجر وقال : حسبنا كتاب الله ؟ ! وهل لغطوا واختلفوا فطردهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : قوموا عني ؟ !
وقد عملت عائشة ليكون أخوها عبد الرحمن خليفة ، فقتله معاوية ، وكانت عملت ليكون الخليفة ابن عمها طلحة فقتله مروان في معركة الجمل ! ثم كانت تهئ ابنه موسى بن طلحة ، الذي ادعى أنه المهدي الموعود ، وسيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، ولكنه لم يصل إلى شئ ، ولم يملأ شبراً من الأرض عدلاً !
كما زعمت عائشة أن بني تيم أسرع العرب إلى الإسلام ! « قالت : دخل عليَّ رسول الله ( ص ) وهو يقول : يا عائشة ، قومك أسرع أمتي بي لحاقاً » ( حياة الصحابة : 2 / 365 ) .
أسئلة :
س 1 : ما دام النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر بإحضار أبي بكر وابنه ليكتب لهما عهده بالخلافة من بعده ، فما الذي منعه من ذلك ؟ وهل صاح أحد إن النبي ليهجر ، حسبنا كتاب الله ؟ !
س 2 : هل تصدقون بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يستخلف علياً ( عليه السلام ) ولا غيره ، أم تصدقون حديث عائشة بأنه أراد أن يستخلف أبا بكر وأولاده من بعده ؟ !
--------------------------- 286 ---------------------------
س 3 : هل خالف أبو بكر وصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) له ولأولاده بعده ، فلم يستخلف ابنه عبد الرحمن واستخلف عمر بن الخطاب ؟ !
س 4 : ما معنى : « يا عائشة قومك أسرع أمتي بي لحاقاً » ؟ وهل كان بنو تيم أسرع الناس لحاقاً بالإسلام ، أو أسرع الناس لحاقاً برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعد موته ؟ !

( م 243 ) وكانت معجبة بابن عشيرتها طلحة وابنه موسى

كان طلحة يأتيها فيجلس معها فنهاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأجابه طلحة بخشونة وجاهلية ! ثم قال : لئن مات محمد لأتزوجن عائشة !
« فقال النبي ( ص ) : لا تقومن هذا المقام بعد يومك هذا ! فقال : يا رسول الله إنها ابنة عمي والله ما قلت لها منكراً ولا قالت لي ! قال النبي : قد عرفت ذلك . إنه ليس أحد أغْيَرُ من الله وإنه ليس أحد أغْيَر مني ! فمضى ثم قال : يمنعني من كلام ابنة عمي لأتزوجنها من بعده ! فأنزل الله هذه الآية : وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمًا » ( سنن البيهقي : 7 / 69 )
وفي تفسير القمي : 2 / 195 : « لما أنزل الله : النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ، وحرم الله نساء النبي على المسلمين ، غضب طلحة فقال : يحرم محمد علينا نساءه ويتزوج هو نساءنا ! لئن أمات الله محمداً لنفعلن كذا وكذا » !
ثم عملت عائشة زمن عثمان ليكون طلحة الخليفة بعده ، لكنها تفاجأت ببيعة المسلمين لعلي ( عليه السلام ) ، فقالت : وددتُ أن السماء انطبقت على الأرض إن تم هذا ! وكانت في الطريق إلى المدينة فرجعت إلى مكة ، وضربت خيمتها في حجر إسماعيل وأخذت تُخذِّلُ الناس عن بيعة علي ( عليه السلام ) ، وأعلنت أن عثمان قتل مظلوماً
--------------------------- 287 ---------------------------
وأنها ستطلب بدمه ! وخرجت مع طلحة والزبير إلى البصرة فقتلا خارج المعركة وانهزمت عائشة وتبنت العمل لخلافة عبد الله بن الزبير ابن أختها !
أسئلة :
س 1 : ماذا تقولون في أحاديث نهي النبي ( صلى الله عليه وآله ) لطلحة أن يأتي إلى بيته ويجلس مع عائشة ، وفي أجوبة طلحة غير المؤدبة ؟
س 2 : ماذا كان موقف عائشة عندما غضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ونهى طلحة عن دخول بيته ؟ !
س 3 : هل كان تعصب عائشة لطلحة وابنه موسى وهما من عشيرتها بني تيم ، أقوى من علاقتها بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم أقوى من علاقتها بابن أختها عبد الله بن الزبير ؟

( م 244 ) عجز محبوا عائشة عن الدفاع عنها

عائشة أكثر نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) كلاماً وإثارة للجدل ! فقد سببت بأقوالها وأفعالها إشكالات وأسئلة عجز محبوها عن الجواب عنها ! وأكثر ما يعجزون عنده خروجها على الخليفة الشرعي ، وشقها عصا المسلمين ، وإشعالها حرب الجمل بدون سبب مقنع ، وقد قتل فيها ألوف المسلمين !
ثم يعجزون عن الجواب على إرضاعها الرجال ، بل يتفاجؤون بأنها أرسلت بضعة رجال أو بضعة عشر ، إلى أختها وزوجة أخيها ، فرضع الواحد خمس رضعات ، وربما خمس مصات ، وصار من محارمها يدخل عليها مع أنه أجنبي !
ثم يفاجؤهم مدحها المفرط لنفسها ، فقد تحدثت كثيراً عن ملبسها ومأكلها ونومها ويقظتها وجمالها وفضلها على نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! بل تحدثت عن أمورها الشخصية مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأسلوب ممجوج ، يستحي منه من عنده أقل حياء !
--------------------------- 288 ---------------------------
ونسبت إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) أحاديث في فضلها وفضل أبيها وعشيرتها بني تيم ، لم يصدقها فيها علماء السلطة ، ولكنهم سكتوا عنها لأنها أحاديث بنت الرئيس !
وعندما رأت عائشة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) اهتم بدفن فاطمة بنت أسد رضي الله عنها ، ونزل في قبرها ، قالت إنه نزل في قبر أمها أم رومان ! ( الإصابة : 8 / 392 )
ثم غالت عائشة في أمها وشطحت ، فمدحتها بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) دعا المسلمين إلى أن يتفرجوا عليها فقال : « من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم رومان » ( الطبقات : 8 / 277 ) !
وعندما رأى علماء السلطة أن هذا غير معقول تحايلوا على معناه فقالوا : « أي يتأملها بعين بصيرته لا ببصره ، فإنه إلى الأجنبية حرام » ( فيض القدير : 6 / 197 ) .
أسئلة :
س 1 : هل تدافعون عن أحاديث عائشة الجنسية وشبه الجنسية ، أم تنتقدونها ؟
س 2 : هل تصدقون ما زعمته عائشة من قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) في أمها ، وأبيها ؟ !

( م 245 ) كانت ترسل الرجل إلى قريباتها ليرضعنه !

في إرشاد الساري بشرح البخاري ( 6 / 265 ) : « كانت تأمر عائشة بنات إخوتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها أو يدخل عليها ، وأن كان كبيراً خمس رضعات » ! وقد أرضعت بهذه الطريقة عدة رجال ، وقد يكون الواحد منهم يرضع خمس مصات من ثدي بنت أختها أو بنت أخيها ، فيكون محرماً عليها كما زعمت ! ( راجع الحلى : 10 / 9 ) .
--------------------------- 289 ---------------------------
وقد استنكرت عليها هذا العمل نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) فزعمت أن رضاع الكبير نزلت في آية فأكلتها السخلة الملعونة ، وبقي القرآن ناقصاً إلى يوم الدين !
قالت : « كانت في صحيفة تحت سريري ، فلما مات رسول الله ( ص ) اشتغلنا بموته فدخل الداجن فأكلها » ! وسألوها عن الخمس رضعات ، فقالت : نزلت الآية أولاً عشر رضعات ، ثم نسخت بخمس رضعات !
وقد رووا ذلك في أصح كتبهم ، واعترفوا بفعل عائشة هذا ، وحاولوا الدفاع عنها دون جدوى ! روى مسلم : 4 / 167 ، عن عائشة أنها قالت : « كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله ( ص ) وهن فيما يقرأ من القرآن » ! ورواه الدارمي : 2 / 157 ، وابن ماجة : 1 / 625 ومسند الشافعي ص 416 ، وروى بعده قولها : لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ، ولقد كان في صحيفة تحت سريري ، فلما مات رسول الله ( ص ) وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها » .
راجع : تدوين القرآن / 128 ، وألف سؤال وإشكال ( 1 / 448 ) وقد وجهنا فيه الأسئلة التي تتعلق بتحريف القرآن ، وسخلة عائشة الملعونة التي أكلت آيات منه ! وغرضنا هنا ما يتعلق برضاع الكبير ، وغرفة عائشة .
أسئلة :
س 1 : زعمت عائشة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) دفن في غرفتها ، ثم قالت إنها كانت بعيدة عنها مشغولة بتمريض النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكانت فارغة ، فدخلت داجن أي سخلة وأكلت آية الرضاع وغيرها ، من تحت سريرها ! فأي قوليها تصدقون ؟ !
س 2 : كتبنا في سيرة الإمام الحسن ( صلى الله عليه وآله ) أن غرفة عائشة كان لها باب واحد ، والغرفة التي توفي فيها النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان لها بابان ، فقد دخل المسلمون من باب وصلوا على جنازته وخرجوا من باب آخر ، فلا يصح أنه توفي في غرفة عائشة ، فما قولكم ؟ !
--------------------------- 290 ---------------------------
س 3 : هل ترون أن عمل عائشة في إرضاع الكبير عمل طبيعي ، أم تشعرون بشئ من الخجل بسببه ؟ !
س 4 : هل أحصيتم عدد الرجال الذين أرسلتهم عائشة إلى أقاربها فأرضعنهم ، فقد ذكر بعضهم أنهم بضع عشرة رجلاً ؟ !
س 5 : هل يسمح أحدكم لزوجته أن ترضع رجلاً أجنبياً ، ليكون محرماً عليها ؟ !
س 6 : ما هو رأي فقهائكم المعاصرين في رضاع الكبير ، وهل سمعتم بفتواهم للموظفة التي تعمل وحدها مع زميل أن تعمل برأي عائشة وترضعه ليحرم عليها ؟ !
س 7 : تقول عائشة إن رضاع الكبير يكفي أن يكون خمس رضعات ، فهل أن المصة الواحدة تعتبر رضعة ؟ وهل إذا مص الرجل من ثدي امرأة أجنبية خمس مرات فقد صار محرماً عليها ؟ !
س 8 : هل يشترط في رضاع الكبير رضا زوج المرأة ، أم يجوز لها ولو لم يرض ؟ !

( م 246 ) اشتهرت بسلوكها غير المؤدب مع النبي ( صلى الله عليه وآله )

وقد اعترفت بذلك فقالت : « كنت أمد رجلي في قبلة النبي وهو يصلي ، فإذا سجد غمزني فرفعتها فإذا قام مددتها » ( البخاري : 2 / 109 ) .
. وقولها له ( صلى الله عليه وآله ) : « لا تشبع من أم سلمة » ! ( الطبقات : 8 / 80 ) .
وكانت تتفقد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليلاً ، وتعقبته عندما ذهب إلى زيارة البقيع !
وكانت تتعقبه إذا دخل إلى الخلاء ! « عن عائشة : كان النبي إذا دخل الغائط أدخل على أثره فلا أرى شيئاً ، فذكرت ذلك له فقال : يا عائشة أما علمت أن أجسادنا نبتت على أرواح أهل الجنة ، فما خرج منا من شيء ابتلعته الأرض » . ( تاريخ الذهبي : 14 / 109 ، وتاريخ بغداد : 8 / 62 )
--------------------------- 291 ---------------------------
أسئلة :
س 1 : ما قولكم في عمل عائشة ومد رجلها أمام النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو يصلي ؟ وفي اتهامها النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالنهم على أم سلمة ؟ !
س 2 : ما معنى قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) إن أجسادنا نبتت على أرواح أهل الجنة ؟

( م 247 ) قالت للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : أنت الذي تزعم أنك نبي !

كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) في سفر ومعه زوجتاه صفية وعائشة ، فأمر بوضع أسباب صفية على جمل عائشة ، « قالت عائشة : فلما رأيت ذلك قلت : يا لعباد الله غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله ! قالت فقال رسول الله : يا أم عبد الله إن متاعك كان فيه خف وكان متاع صفية فيه ثقل ، فأبطأ بالركب فحولنا متاعها على بعيرك ، وحولنا متاعك على بعيرها . قالت فقلت : ألست تزعم أنك رسول الله ! قالت : فتبسم قال أوفي شك أنت يا أم عبد الله ؟ قالت قلت : ألست تزعم أنك رسول الله أفلا عدلت ! وسمعني أبو بكر وكان فيه غرب أي حدة فأقبل عليَّ فلطم وجهي ، فقال رسول الله : مهلاً يا أبا بكر . فقال : يا رسول الله أما سمعت ما قالت ؟ ! فقال رسول الله : إن الغيراء لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه » . ( مجمع الزوائد : 4 / 322 ، ومسند أبي يعلى : 8 / 129 ، والسيرة الحلبية : 3 / 313 ، وفيض القدير : 3 / 661 . ) .
س 1 : إذا قال هذا الكلام لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) غير عائشة فهل يعتبر كفراً بنبوته ؟ !

( م 248 ) وقالت للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما أرى ربك إلا يسارع في هواك !

في مسند أحمد : 6 / 261 : « لما نزلت هذه الآيات : تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ قالت عائشة : يا رسول الله ، ما أرى ربك إلا يسارع في هواك » ! وصحيح بخاري : 6 / 24 .
--------------------------- 292 ---------------------------
س 1 : هل أن تهمة عائشة هذه خاصة بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) أم هي تهمة لله تعالى بأنه يميل عن الحق ، من أجل هوى نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ؟ !

( م 249 ) واتهمت النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه مسحور !

قال الله تعالى : وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إلا رجلاً مَسْحُوراً . وقالت عائشة لقد سُحِر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأثَّر عليه السحر ، فكان يتخيل أنه فعل الشئ ولم يفعله !
وزعمت أن يهودياً سَحَره ، فأخذ مشطه وبعض شَعره وجعل فيه سحراً ودفنه في بئر ! وأنه ( صلى الله عليه وآله ) فقد حواسه وذاكرته وبقي على تلك الحالة ستة أشهر ! حتى دلَّهُ رجلٌ على الشخص الذي سحره والبئر التي أودع فيها المشط والمشاطة من شعره ! فذهب إلى البئر واستخرج المشط منها وفكَّ عقد خيط الجلد الذي لفَّ به ، وأمر بدفن البئر ، ولم يقتل الذي سحره ، لأنه لم يُرِدْ أن يثير فتنة !
روى البخاري هذه الخرافة عن عائشة في خمسة مواضع ! منها في : 4 / 91 : « عن عائشة قالت : سُحِرَ النبي ( ص ) ! وقال الليث كتب إلى هشام أنه سمعه ووعاه عن أبيه ، عن عائشة قالت : سُحر النبي ( ص ) حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشئ وما يفعله ، حتى كان ذات يوم دعا ودعا ، ثم قال : أشْعِرتُ أن الله أفتاني فيما فيه شفائي . أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي ، والآخر عند رجلي فقال أحدهما للآخر : ما وجعُ الرجل ؟ قال : مَطْبُوب ! قال : ومن طَبَّهُ ؟ قال : لبيد بن الأعصم . قال : في ماذا ؟ قال : في مشط ومشاقة وجف طلعة ذكر ! قال : فأين هو ؟ قال : في بئر ذِروان ! فخرج إليها النبي ( ص ) ثم رجع فقال لعائشة حين رجع : نخلها كأنها رؤوس الشياطين ! فقلت : استخرجتهُ ؟ فقال : لا ، أما أنا فقد شفاني الله ، وخشيتُ أن يثير ذلك على الناس شراً ، ثم دُفِنَتْ البئر » !
--------------------------- 293 ---------------------------
وفي : 4 / 68 : « سُحر حتى كان يُخَيَّلُ إليه أنه صنع شيئاً ولم يصنعه » !
وفي : 7 / 88 : « مكث النبي كذا وكذا ، يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتي » !
وفي : 7 / 29 : « كان رسول الله سُحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن ! قال سفيان : وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا » !
وكرره بخاري ذلك بروايات متعددة ( 7 / 28 و 164 ) . وروته عامة مصادرهم !
وقال إمامهم الكبير ابن حجر في مدة بقاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) مسحوراً مجنوناً معاذ الله ! « ووقع في رواية أبي ضمرة عند الإسماعيلي : فأقام أربعين ليلة ، وفي رواية وهيب عن هشام عند أحمد : ستة أشهر ويمكن الجمع بأن تكون الستة أشهر من ابتداء تغير مزاجه ، والأربعين يوماً من استحكامه ! وقال السهيلي : لم أقف في شئ من الأحاديث المشهورة على قدر المدة التي مكث النبي فيها في السحر حتى ظفرت به في جامع معمر عن الزهري أنه لبث ستة أشهر ! كذا قال . وقد وجدناه موصولاً بإسناد الصحيح فهو المعتمد » ( فتح الباري : 10 / 192 ) .
ويقصد السهيلي ما في مسند أحمد : 6 / 63 : « عن عائشة قالت : لبث رسول الله ستة أشهر يرى أنه يأتي نساءه ، ولا يأتي » !
أسئلة :
س 1 : كيف صدقتم عائشة في افترائها على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأنه كان لستة أشهر مسحوراً ، وأنه مرض من السحر وانتثر شعر رأسه وصار أقرع ، وصار يذوب ولا يدري ما عراه ! وكان يتصور أنه يرى شيئاً وهو لا يراه ، وأنه أكل ولم يأكل ، وأنه نام مع زوجته ولم يفعل ؟ !
س 2 : هل رأيتم في افتراء بني إسرائيل على أنبيائهم ( عليهم السلام ) ما يصل إلى هذا الافتراء ؟ !
س 3 : ما هو الفرق بين قول الكفار الظالمين : إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلاً مَسْحُوراً ، وبين قول
--------------------------- 294 ---------------------------
عائشة : « حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشئ وما يفعله » ؟ ! أليس هذا الجنون بعينه ؟ !
س 4 : إن قبلتم قولها في النبي ( صلى الله عليه وآله ) فمن يضمن أن يكون الله تعالى أنزل عليه وحياً وأوامر ، فتصور أنه بلغها ولم يبلغها ؟ !
س 5 : متى كانت هذه الحادثة ؟ في السنة السادسة أو السابعة ؟ وكل حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وسنواتها وأيامها مشهودة ، وكيف لم يعرف ذلك إلا عائشة ؟ !
س 6 : كيف توافقون اعتقاد أهل الجاهلية بالقدرات الخارقة للساحر وتأثيره حتى على الأنبياء ( عليهم السلام ) ؟ ! ولو صح ذلك فلماذا لم يَصِر السَّحَرَة حكام الأرض ؟ !
س 7 : هل عرفتم سبب قوله ( صلى الله عليه وآله ) : « ما أوذي نبي مثل ما أوذيت » ؟ !

( م 250 ) اتهمت النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه قاسي القلب لا تدمع عينه على أحد !

في مصنف ابن أبي شيبة ( 3 / 267 ) : « قالت : حضر رسول الله ( ص ) وأبو بكر وعمر ، يعني وفاة سعد بن معاذ ، فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وإني لفي حجرتي ! قالت وكانوا كما قال الله : رحماء بينهم قال علقمة : أي أماه كيف كان يصنع رسول الله ؟ قالت : كانت عينه لا تدمع على أحد ، ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته » ! !
أسئلة :
س 1 : أليس في علمائكم رجل تثور غيرته لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) ويقول لعائشة : كفاك طعناً بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فمن يصدقك بأنه لم تدمع عينه رحمة لأحد !
وهل أنت إلا كمن ينفي الكرم عن حاتم الطائي ، ويثبتها لسوقة الناس !
--------------------------- 295 ---------------------------
س 2 : أليس في علمائكم رجل رشيد يقول لعائشة : كفاك غلواً في أبيك وعمر ، فقد فضلتيهما على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وهما المعروفان بغير ذلك ، خاصة عمر !

( م 251 ) واشتهرت بسوء خلقها مع نساء النبي ( صلى الله عليه وآله )

فقد شتمت أم سلمة وغيرها من نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأخذت برأس سودة وعاونتها حفصة ولطخت وجهها بالعصيدة ! ( أحاديث عائشة : 1 / 63 ) .
وشتمت صفية واتهمتها بتهمة قال عنها النبي ( صلى الله عليه وآله ) إنها لو مزجت بماء البحر لنتنته ! ( المصابيح : 3 / 329 ) .
س 1 : هل جمعتم أحاديث عراكات عائشة مع نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وظلمها لهن بلسانها ويدها وتصرفاتها ؟ !

( م 252 ) وكانت تُكَسِّر أوانيهن عندما يرسلن طعاماً له ولأصحابه !

وتكرر ذلك منها ، ففي صحيح بخاري ( 3 / 108 ) « فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام ، فضربت يده فكسرت القصعة ، فضمها وجعل فيها الطعام وقال : كلوا ، وحبس الرسول والقصعة حتى فرغوا ، فدفع القصعة الصحيحة وحبس المكسورة » والنسائي ( 7 / 70 ) .
وفي عمدة القاري ( 13 / 36 ) : « قال الطيبي : إنما أبهمت عائشة تفخيماً لشأنها »
ثم روى عن عائشة : « فأخذني إفكل يعني رعدة فكسرت الإناء ! وقال الشيخ يحتمل أنهما واقعتان وقعت لعائشة مرة مع زينب ومره مع صفية . . عن أنس أنهم كانوا عند رسول الله ( ص ) في بيت عائشة إذا أتي بصفحة خبز ولحم من بيت أم سلمة فوضعنا أيدينا وعائشة تصنع طعاماً عجلة ، فلما فرغنا جاءت به ورفعت
--------------------------- 296 ---------------------------
صحفة أم سلمة فكسرتها ! وقال الشيخ يحتمل أنهما واقعتان وقعت لعائشة مره مع زينب ومره مع صفية » ! وفي مسند أحمد ( 3 / 105 ) « عن أنس . . قال أظنها عائشة »
وفي تاريخ بغداد ( 4 / 132 ) عن عائشة قالت : « ولقد رأيتني يوماً بعثت صفيه إليه بإناء فيه طعام وهو عندي وفي يومي ، فما هو إلا أن بصرت بالإناء فلما وصل الإناء إلى حيث أنا له صدمته بيدي فكفأته على الأرض ، فرماني رسول الله ببصره فعرفت الغضب في طرفه » !
وفي فتح الباري ( 5 / 90 ) : « وفي رواية أم سلمة عند النسائي : فجاءت عائشة ومعها فهر ففلقت به الصحفة ! وفي رواية ابن علية فضربت التي في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت » !
س 1 : هل ترون تصرفات عائشة هذه مقبولة ولا تخدش في مقامها عندكم ؟ !

( م 253 ) وكانت وحفصة تؤذيان وتستعملان الكذب والحيلة !

واتفقت مع حفصة على الكذب واستعمال الحيلة لخداع إحدى زوجات النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! ففي الكافي : 5 / 421 : « تزوج النبي ( صلى الله عليه وآله ) امرأة من بني عامر بن صعصعة يقال لها سنى وكانت من أجمل أهل زمانها ، فلما نظرت إليها عائشة وحفصة قالتا : لتغلبنا هذه على رسول الله بجمالها فقالتا لها : لا يرى منك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حرصاً إن أردت أن تحظي عنده فتعوذي بالله إذا دخلت عليه ! فلما دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تناولها بيده فقالت : أعوذ بالله فانقبضت يد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عنها فقال : أمِنَ عائذُ الله ، فطلقها وألحقها بأهلها » والاستيعاب : 4 / 1786 ، والطبقات : 8 / 145 ، والمحبر / 94 ، واليعقوبي : 2 / 85 ، والحاكم : 4 / 37 ، وفيه : « فكانت تقول : أدعوني الشقية . . . قال ابن عمر . . إنها ماتت كمداً » . ومذيل الطبري / 106 .
--------------------------- 297 ---------------------------
أسئلة :
س 1 : هل يتناسب هذا العمل من عائشة وحفصة مع أقل درجات التقوى في المرأة المؤمنة العادية ، فضلاً عن زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ !
س 2 : لقد ارتكبتا معاصي الكذب والحيلة وأذى الغير ، فهل تابتا من ذلك ؟ !

( م 254 ) واتهمت مارية أم إبراهيم بالفاحشة !

وكانت تؤذي مارية القبطية ، وزاد أذاها لها عندما رزقها الله إبراهيم ، فافترت عليها واتهمتها برجل قبطي ، ونفت شبه إبراهيم بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ! فأنزل الله آيات الإفك في براءة مارية ، وهي قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . فزعمت عائشة أنها هي التي اتهموها وأن الآيات نزلت في برائتها ، مع أنها لم تكن ساذجة غافلة !
وقد فصلنا ذلك في كتاب السيرة النبوية عند أهل البيت ( عليهم السلام ) !
س 1 : كيف تقبل عقولكم قول عائشة إن آية التبرئة نزلت فيها ، وقد وصف الله المتهمة بأنها من الغافلات الساذجات ، وهو وصف ينطبق على مارية القبطية ولا ينطبق على عائشة : إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ . . ؟ !

( م 255 ) أشار النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى أنهما سَمَّتَاه في مرض وفاته !

عندما كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) مريضاً عرف أن عائشة وحفصة أعدتا له دواء تريدان أن تلداه به ، أي تجعلاه في فمه بالقوة عندما يغشى عليه ، فنهاهما لكنهما خالفتاه ولدَّتاه ، فغضب وأمرهما والحاضرين أن يشربوا منه ، فوجه إليهم التهمة بسمه !
--------------------------- 298 ---------------------------
قال البخاري : 7 / 17 : « قالت عائشة : لددناه في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني فقلنا كراهية المريض للدواء . فلما أفاق قال : ألم أنهكم أن تلدوني ؟ ! قلنا : كراهية المريض للدواء . فقال : لا يبقى في البيت أحد إلا لد وأنا أنظر ، إلا العباس فإنه لم يشهدكم » !
كما كان لها دور في مرض النبي ( صلى الله عليه وآله ) في تأخير حركة جيش أسامة ، فأرسلت إلى أبيها وعمر فجاؤوا ! ثم زعمت أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر أبا بكر أن يصلي بالناس ، فعرف النبي ( صلى الله عليه وآله ) فغضب وخرج يتهادى وهو مريض ، وأخر أبا بكر وصلى بالناس ! وما أن توفي النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى تركت عائشة وحفصة جنازته وكسرتا الحداد ، وذهبتا تدوران على بيوت الأنصار لإقناعهم ببيعة أبي بكر ولم يحضر أحد منهم جنازة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! راجع تفصيل ذلك في السيرة النبوية عند أهل البيت ( عليهم السلام ) .
س 1 : ما هي الحكمة من أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) كل الحاضرين أن يشربوا من ذلك الدواء ، إلا العباس وفي رواية إلا بني هاشم ، وهو يعلم أنهم قد يشربون غيره ؟ أليس هدفه أن يخبرنا بأنه مات مسموماً ويتهم بدمه الحاضرين غير بني هاشم ؟ !

( م 256 ) وكانت حفصة وعائشة حليفتين

وكان تحالفهما كتحالف أبويهما ، وكانت حفصة تقلد عائشة في كثير من الأمور وقد أخذت برأيها في رضاع الكبير ، فكانت ترسل الأجنبي إلى أختها لترضعه خمس رضعات ويدخل عليها ! ( الأم للشافعي : 7 / 236 ) .
وأرسلت عائشة إلى حفصة وغيرها من أمهات المؤمنين كما نص عليه غير واحد من أثبات أهل الأخبار ، تسألهن الخروج معها إلى البصرة ، فما أجابها إلى
--------------------------- 299 ---------------------------
ذلك منهن إلا حفصة لكن أخاها عبد الله أتاها فعزم عليها بترك الخروج ، فحطت رحلها بعد أن همت ! ( النص والاجتهاد / 432 ) .

( م 257 ) ونزلت فيها وفي عائشة آية النهي عن السخرية !

قال النووي في المجموع : 15 / 353 : « بلغ صفية أن حفصة قالت بنت يهودي فبكت فدخل عليها النبي ( ص ) وهي تبكي وقالت : قالت لي حفصة : أنت ابنة يهودي ! فقال النبي ( ص ) : إنك لابنة نبي وإن عمك لنبي وإنك لتحت نبي ، فبم تفتخر عليك ؟ ثم قال : إتقي الله يا حفصة » .
وروى الجميع أن آية : لا يسخر قوم من قوم ، نزلت في حفصة وعائشة ! لسخريتهما من صفية بنت حي ( ( الحاكم : 4 / 29 ، وعمدة القاري : / 122 ، والأحوذي : 10 / 267 ، وأوسط الطبراني : 8 / 236 ، تفسير القمي : 2 / 321 . )
وفي أسباب النزول للواحدي / 263 ، في تفسير قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الإسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . أن سبب نزول ها أن حفصة وعائشة سخرتا من أم سلمة : « وذلك أنها ربطت حقويها بسبيبة وهي ثوب أبيض ، وسدلت طرفه خلفها فكانت تجره ، فقالت عائشة لحفصة : أنظري ما تجر خلفها كأنه لسان كلب . » . !
--------------------------- 300 ---------------------------
أسئلة :
س 1 : صوروا لكم أن عائشة وحفصة تقيتان ، بينما كشفت آيات سورة الحجر أنهما ارتكبتا السخرية حتى ضاق بها حلم الله تعالى ذرعاً وأنزل فيها آيات النهي وأشار إلى أن من سخرتا منها خير منهما ؟ !
س 2 : هل تصدقون بأن سخريتهما من أم سلمة كانت من طرف ثوب أم سلمة ، ألا يحتمل أنها كانت أشد فخففها رواة السلطة ؟ !

( م 258 ) وقاطعت عائشة حفصة وهجرتها حتى ماتتا !

كانت حفصة وعائشة في حزب واحد ، قالت عائشة : « إن نساء رسول الله ( ص ) كنَّ حزبين ، فحزب عائشة وحفصة وصفية وسودة . والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله » . ( بخاري : 3 / 132 ) .
لكن تحالفهما لم يستمر ، ففي المعارف لابن قتيبة / 550 : « وعائشة كانت مهاجرة لحفصة حتى ماتتا ! وكان عثمان بن عفان مهاجراً لعبد الرحمن بن عوف حتى ماتا ! . وكان طاووس مهاجراً لوهب بن منبه إلى أن ماتا ! وجرى بين الحسن وابن سيرين شئ ، فمات الحسن ولم يشهد ابن سيرين جنازته » .
كما أن عائشة هاجرت ابن أختها عبد الله بن الزبير ، عندما كان حاكماً للحجاز ، لأنه اعتبر تصرفاتها المالية إسرافاً وسفهاً وأراد أن يحجر عليها ! وطال هجرها له سنين ! ( عمدة القاري : 22 / 142 ، وتحفة الأحوذي : 6 / 50 ، وكبير الطبراني : 20 / 21 ) .
وفي إرشاد الساري ( 9 / 52 ) : « فسخط ابن الزبير بيع تلك الدار فقال : أما والله لتنتهين عائشة عن بيع رباعها ( عقارها ) أو لأحجرن عليها ! فقالت عائشة : لله عليَّ نذرٌ أن لا أكلم ابن الزبير أبداً » ! ونحوه صحيح بخاري ( 4 / 156 ) .
--------------------------- 301 ---------------------------
س 1 : كيف تفسرون هجر عائشة لحفصة وابن الزبير أكثر من ثلاثة أيام ، وقد صح عندكم قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار » ! وفي المجموع : 16 / 446 : « رواه أبو داود على شرط البخاري ومسلم » .

( م 259 ) حكمت في دولة أبيها ودولة عمر وصارت صاحبة ثروة !

وأول ما قامت به أنها سيطرت على قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وادعت أنه أعطاها إياه ، وجعلت له قفلاً ! وأخذت امتيازات مالية فصارت من أثرياء الصحابة !
ففي الطبقات : 8 / 46 : « فرض عمر لأمهات المؤمنين عشرة آلاف ، وزاد عائشة ألفين وقال : إنها حبيبة رسول الله ( ص ) » .
وفي مسند أحمد : 2 / 22 ، أن عمر خيَّرَ حفصة وعائشة بين أرض من خيبر ، أو غلة سنوية ، فاختارتا الغلة » .
وفي مجمع الزوائد : 4 / 624 : « عن عائشة أن درجاً ( صندوق جواهر ) أتى عمر بن الخطاب فنظر إليه أصحابه فلم يعرفوا قيمته ، فقال : أتأذنون أن أبعث به إلى عائشة لحب رسول الله ( ص ) إياها ؟ قالوا : نعم ، فأتى به عائشة ففتحته ، فقيل هذا أرسل به إليك عمر » .
وفي عمدة القاري ( 11 / 28 ) : « بعث معاوية إلى عائشة بطوق من ذهب فيه جوهر قُوِّم بمائة ألف » .
وفي وفاء الوفا ( 2 / 464 ) : « اشترى معاوية من عائشة منزلها بمائة ألف وثمانين ألف درهم » . وقال ابن أختها عروة كما في الترغيب : 4 / 22 : « جائها يوماً من عند معاوية ثمانون ألفاً » .
--------------------------- 302 ---------------------------
س 1 : لماذا صورتم عائشة للعوام كأنها عابدة زاهدة تسكن في حجرتها قرب قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، مع أنها كانت صاحبة ثروة كبيرة ، ولها بيوت في أعالي المدينة ، باعت واحداً منها بمئة وثمانين ألف درهم ، وهي في ذلك الوقت ثمن قصر !
وكانت تسكن بعيداً عن المسجد ، فقد احتاجت إلى ركوب بغل لتجئ إلى المسجد وتمنع دفن الإمام الحسن ( عليه السلام ) عند جده ( صلى الله عليه وآله ) !

( م 260 ) حسدها المفرط لخديجة ( عليها السلام )

اشتهر حسد عائشة لخديجة ( عليها السلام ) وكانت تجهر به فتقول : « ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة » ! ( صحيح بخاري : 8 / 195 ) . وسببه مكانة خديجة ( عليها السلام ) عند الله تعالى ورسوله ومدح النبي ( صلى الله عليه وآله ) لها ليُعَرِّف المسلمين قدرها ! ففي سيرة ابن إسحاق : 5 / 234 : « حسبك من نساء العالمين بأربع : مريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة ابنة محمد » .
وفي السيرة الحلبية : 3 / 401 : « قالت له وقد مدح خديجة : ما تذكر من عجوز حمراء الشدقين قد أبدلك الله خيراً منها ! فغضب رسول الله ( ص ) وقال : والله ما أبدلني الله خيراً منها » !
وفي سيرة ابن إسحاق : 5 / 228 : قالت : « لكأنه ليس في الأرض امرأة إلا خديجة ! فقام رسول الله مغضباً فلبث ما شاء الله ، ثم رجع فإذا أم رومان فقالت : يا رسول الله ما لك ولعائشة إنها حَدَث ، وأنت أحق من تجاوز عنها ، فأخذ بشدق عائشة وقال : ألست القائلة كأنما ليس على الأرض امرأة إلا خديجة ! والله لقد آمنت بي إذ كفر قومك ، ورزقت مني الولد وحرمتموه » !
وفي فتح الباري : 7 / 102 ، أن أكثر حسدها لخديجة ( عليها السلام ) كان بسبب بشارة جبرئيل
--------------------------- 303 ---------------------------
لها ببيت في الجنة . قالت عائشة : « ما حسدت امرأة قط ما حسدت خديجة حين بشرها النبي ببيت » !
وقد روى عددٌ منهم حديث بيت خديجة ( عليها السلام ) بدون قصب ! ففي فضائل الصحابة / 75 ، للنسائي : « بشر رسول الله خديجة ببيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب » . والنسائي : 5 / 94 ، والجامع الصغير : 2 / 247 لكن عائشة جعلته كوخاً من قصب ! « بشر خديجة ببيت من الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب » ! ( بخاري : 2 / 203 ) .
أما لماذا من قصب ؟ فتقول عائشة : « توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة ، فقال رسول الله ( ص ) : أريتُ لخديجة بيتاً من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب » .
وفي فتح الباري : 1 / 27 : « ماتت خديجة قبل أن تفرض الصلاة فقال النبي : رأيت لخديجة بيتاً من قصب » ! فبيت خديجة ( عليها السلام ) بزعمها من قصب لأنها لم تصلَّ ، أما بيتها هي فهو من لؤلؤ لأنها صلَّت ! وهذا يسليها عن بشارة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لخديجة ببيت في الجنة ، وعن حبه لها وتفضيله إياها على عائشة !
أسئلة :
س 1 : القصب هو النبات المعروف ، فهل رأيتموه وصفاً لقصور الجنة ؟ !
س 2 - كيف تصدقون قول عائشة إن خديجة ( عليها السلام ) ماتت قبل أن تفرض الصلاة مع أن أحاديث السيرة مجمعة على أن الصلاة كانت من حين البعثة ، وكانت خديجة تصلي مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد صححوا رواية ابن عفيف الكندي ، ونحوها رواية ابن مسعود ، كما في مسند أحمد : 1 / 209 ، والحاكم وصححه : 3 / 183 ، ومجمع الزوائد : 9 / 222 ، قال : « كنت امرأ تاجراً فقدمت الحج فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة وكان امرأ تاجراً ، فوالله إني لعنده بمنى إذ خرج رجل من خباء قريب منه فنظر إلى الشمس فلما رآها مالت قام يصلي . قال : ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك
--------------------------- 304 ---------------------------
الرجل فقامت خلفه تصلي ، ثم خرج غلام حين راهق الحلم من ذلك الخباء فقام معه يصلي . قال فقلت للعباس : من هذا يا عباس ؟ قال : هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي . قال فقلت : من هذه المرأة ؟ قال : هذه امرأته خديجة ابنة خويلد . قال قلت : من هذا الفتى ؟ قال : هذا علي بن أبي طالب ابن عمه . قال فقلت : فما هذا الذي يصنع ؟ قال : يصلي وهو يزعم أنه نبي ، ولم يتبعه على أمره إلا امرأته وابن عمه هذا الفتى ، وهو يزعم أنه سيفتح عليه كنوز كسرى وقيصر ! قال فكان عفيف وهو ابن عم الأشعث بن قيس يقول وأسلم بعد ذلك فحسن إسلامه : لو كان الله رزقني الإسلام يومئذ فأكون ثالثاً مع علي بن أبي طالب » ! والطبراني الكبير : 10 / 183 ، وتاريخ دمشق : 3 / 265 ، وسير الذهبي : 1 / 463 ، وما نزل من القرآن في علي لابن مردويه / 49 ، والحاكم : 3 / 183 ، والاستيعاب : 3 / 1096 و 1242 ، والفصول المختارة / 273 ، وشرح النهج : 13 / 225 ، وشواهد التنزيل : 2 / 302 .
أما الفرائض الخمس فقد فرضت في الإسراء والمعراج ، وكان المعراج في السنة الثانية وليس بعد وفاة خديجة ( عليها السلام ) كما زعمت عائشة !
س 3 : ما دام حسد عائشة وصل إلى تحريفها حديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو حديث قدسي ، فأضافت له القصب ! ثم حرفت سيرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فجعلت معراجه بعد وفاة خديجة ( عليها السلام ) فما الذي يضمن لنا أنها لم تحرف بقية الأحاديث والأحداث ؟ !
س 4 : بماذا تصفون مستوى الأدب والأخلاق عند زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله ) التي تضطره مع حلمه وتسامحه لأن يطردها ، ويأخذ بشدقها حتى تسكت ؟ !

( م 261 ) حسدها لفاطمة ( عليها السلام ) وتوبيخ النبي ( صلى الله عليه وآله ) لها

قال ابن حجر في فتح الباري ( 9 / 222 ) : « دخل رسول الله ( ص ) على عائشة وفاطمة ، وقد جرى بينهما كلام فقال : ما أنت بمنتهية يا حميراء عن ابنتي ! إن مثلي ومثلك كأبي زرع مع أم زرع ! فقالت : يا رسول الله حدثنا عنهما . فقال : كانت قرية فيها
--------------------------- 305 ---------------------------
إحدى عشرة امرأة ، وكان الرجال خلوفاً ، فقلن تعالين نتذاكر أزواجنا بما فيهم ولا نكذب . . كان رجل يكنى أبا زرع وامرأته أم زرع فتقول أحسن لي أبو زرع وأعطاني أبو زرع وأكرمني أبو زرع وفعل بي أبو زرع » .
أقول : يظهر أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ضرب لعائشة مثل أبي ورع وأم زرع ، أكثر من مرة يحثها بذلك على أن تكون كأم زرع ، وتقدمت قصتها عن عائشة وأنها كانت تتحدث عن ثروة أبي بكر فقال لها النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أسكتي فأنا لك كأبي زرع !
ولعائشة قصص في حساسيتها من فاطمة ( عليها السلام ) ، لكن سلوك فاطمة فرض احترامها عليها حتى كانت عائشة تقول : « ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة ، إلا أن يكون الذي ولدها » . ( مجمع الزوائد : 9 / 201 )
ورواه أبو يعلى وصححه : 8 / 153 ، وفيه : « وكان بينهما شئ ، فقالت عائشة : يا رسول الله سلها فإنها لا تكذب » !
واستمر حسد عائشة لفاطمة ( عليها السلام ) بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فلم تزرها في مرضها !
وكانت تبغض أولادها ( عليهم السلام ) أيضاً ! فكانت تحتجب عن الحسن والحسين ( عليهما السلام ) مع أنهما من محارمها ، بينما كانت ترضع الرجال الكبار ، وتدخلهم عليها !
أسئلة :
س 1 : ما دامت عائشة تشهد في فاطمة ( عليها السلام ) وتقول : « ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلا أن يكون الذي ولدها » . « يا رسول الله سلها فإنها لا تكذب » فلماذا لم تقل لأبيها أبي بكر : إنها صادقة في أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) منحها فدكاً من حياته ؟ !
س 2 : هل تفهمون من قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « ما أنت بمنتهية يا حميراء عن ابنتي ! إن مثلي ومثلك كأبي زرع مع أم زرع ! » أنه مدح لعائشة أو ذم ؟ !
--------------------------- 306 ---------------------------

( م 262 ) سيطرت عائشة بالقوة على بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) !

فقد خرجت عند وفاة الإمام الحسن ( عليه السلام ) وركبت على بغل مروان لتمنع بني هاشم أن يدفنوه عند جده ( صلى الله عليه وآله ) ، مع أنها لا تملك شيئاً من المكان !
ففي الكافي ( 1 / 300 ) ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « لما حضر الحسن بن علي الوفاة قال للحسين : يا أخي إني أوصيك بوصية فاحفظها ، إذا أنا مت فهيئني ثم وجهني إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأحدث به عهداً ثم اصرفني إلى أمي ، ثم ردني فادفني بالبقيع .
واعلم أنه سيصيبني من عائشة ما يعلم الله والناس صنيعها وعداوتها لله ولرسوله ، وعداوتها لنا أهل البيت ، فلما قبض الحسن ( عليه السلام ) وضع على السرير ثم انطلقوا به إلى مصلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذي كان يصلي فيه على الجنائز ، فصلى عليها لحسين وحمل وادخل إلى المسجد فلما أوقف على قبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذهب ذو العوينين إلى عائشة فقال لها : إنهم قد أقبلوا بالحسن ليدفنوا مع النبي فخرجت مبادرة على بغل بسرج فكانت أول امرأة ركبت في الإسلام سرجاً ، فقالت : نحوا ابنكم عن بيتي فإنه لا يدفن في بيتي ويهتك على رسول الله حجابه ! فقال لها الحسين : قديماً هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأدخلت عليه ببيته من لا يحب قربه ، وإن الله سائلك عن ذلك يا عائشة » !
وفي دلائل الإمامة / 160 : « فوافى ( مروان ) مسرعاً على بغله حتى دخل على عائشة فقال لها : يا أم المؤمنين إن الحسين يريد أن يدفن أخاه الحسن عند قبر جده ، ووالله لئن دفنه معه ليذهبن فخر أبيك وصاحبه عمر إلى يوم القيامة ! فقالت له : فما أصنع يا مروان ؟ قال : تلحقي به وتمنعيه من الدخول إليه . قالت : فكيف ألحقه ؟ قال : هذا بغلي فاركبيه والحقي القوم قبل الدخول . فنزل لها عن بغله
--------------------------- 307 ---------------------------
وركبته وأسرعت إلى القوم وكانت أول امرأة ركبت السرج هي ، فلحقتهم وقد صاروا إلى حرم قبر جدهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فرمت بنفسها بين القبر والقوم ، وقالت : والله لا يدفن الحسن ها هنا أو تحلق هذه ، وأخرجت ناصيتها بيدها » !
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : 3 / 276 : « فانتهى حسين إلى قبر النبي ( ص ) فقال : إحفروا ، فنكب عنه سعيد بن العاص يعني أمير المدينة فاعتزل ، وصاح مروان في بني أمية ولبسوا السلاح ! فقال له حسين : يا ابن الزرقاء مالك ولهذا ؟ أوال أنت ؟ فقال : لا تخلص إلى هذا وأنا حي ! فصاح حسين بحلف الفضول فاجتمعت هاشم وتيم وزهرة وأسد في السلاح ، وعقد مروان لواء وكانت بينهم مراماة » .
أسئلة :
س 1 : كانت عائشة وعدت الإمام الحسن ( عليه السلام ) أن يدفن عند جده ، فقالت كما رووا عنها : « نعم بقي موضع قبر واحد قد كنت أحب أن أدفن فيه ، وأنا أؤثرك به » ( تاريخ دمشق : 13 / 289 ) « قالت : نعم وكرامة » ( سير أعلام النبلاء : 3 / 277 ) .
ثم نقضت كلامها وأتت من بيتها مسرعة على بغل وقالت : « والله إنه لبيتي أعطانيه رسول الله في حياته ! وما دفن فيه عمر وهو خليفة إلا بأمري ، وما آثر عليَّ عندنا بحسن » ( تاريخ دمشق : 13 / 293 ) .
وفي بهجة المجالس لابن عبد البر / 34 : « لما مات الحسن أرادوا أن يدفنوه في بيت رسول الله ( ص ) فأبت ذلك عائشة وركبت بغلة وجمعت الناس ! فقال لها ابن عباس : كأنك أردت أن يقال : يوم البغلة كما قيل يوم الجمل ! قالت : رحمك الله ذاك يوم نسي ! قال : لا يوم أذكر منه على الدهر » !
--------------------------- 308 ---------------------------
وقال لها ابن أخيها القاسم بن محمد بن أبي بكر : « يا عمة ! ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر ، أتريدين أن يقال يوم البغلة الشهباء » ! ( اليعقوبي : 2 / 225 )
. وروى بخاري في كتاب الكنى / 5 ، تعليقا لاذعاً لابن عباس لما رأى بغلة عائشة ركضت بها في المسعى وخرجت عن سيطرتها ، فقال : « كان يوم البغلة » !
س 2 : من هو القائل :
أيا بنت أبي بكر * فلا كان ، ولا كنت
تجملت تبغلت * وإن عشت تفيلت
لك التسع من الثمن * وبالكل تملكت
س 3 : نص المؤرخون على أن المدينة غصت بالناس يوم تشييع الحسن ( عليه السلام ) ، ومعنى : وأخرجت ناصيتها بيدها : أخرجت شعرها أمام الناس ، لأن الناصية شعر مقدم الرأس ! فهل يجوز ذلك ، وهل يناسب زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ !

( م 263 ) قطع عثمان مخصصات عائشة وحفصة فثارتا عليه !

قطع عثمان مخصصات عائشة وحفصة ، فجاءتا معترضتين فقال : « لا أجد لك موضعاً في الكتاب ولا في السنة ، وإنما كان أبوك وعمر بن الخطاب يعطيانك بطيبة من أنفسهما ، وأنا لا أفعل ! قالت له : فأعطني ميراثي من رسول الله » . ( أمالي المفيد / 125 ) « وكان متكئاً فجلس وقال : ستعلم فاطمة أي ابن عم لها أنا اليوم ! ثم قال لهما : ألستما اللتين شهدتما عند أبويكما ولفقتما معكما أعرابياً يتطهر ببوله مالك بن أوس بن الحدثان فشهدتما معه أن النبي قال : لا نورث » . ( المسترشد / 508 ) .
وفي كتاب سُليم بن قيس / 242 : « لا والله ولا كرامة لكما ولا نعمت عنه ! ولكن أجيز شهادتكما على أنفسكما فإنكما شهدتما عند أبويكما أنكما سمعتما من رسول
--------------------------- 309 ---------------------------
الله يقول : النبي لا يورث ، ما ترك فهو صدقة ! ثم لقنتما أعرابياً جلفاً يبول على عقبيه ويتطهر ببوله فشهد معكما ! ولم يكن في أصحاب رسول الله من المهاجرين ولا من الأنصار أحد شهد بذلك غيركما وغير أعرابي ! أما والله ما أشك أنه قد كذب على رسول الله وكذبتما عليه معه ، ولكني أجيز شهادتكما على أنفسكما فاذهبا فلاحق لكما ! فانصرفتا من عنده تلعنانه وتشتمانه » !
وفي رواية الجوهري في السقيفة : 82 ، وشرح النهج : 9 / 5 ، أنهما تكلمتا في المسجد تحركان الناس على عثمان فقال : « إن هاتين لفتانتان يحل لي سَبُّهُمَا ، وأنا بأصلهما عالم ! فقال له سعد بن أبي وقاص : أتقول هذا لحبائب رسول الله ؟ فقال : وفيم أنت وما هاهنا ! ثم أقبل نحو سعد عامداً ليضربه فانسل سعد من المسجد » .
أسئلة :
س 1 : هل توافقون أبا الفتح الكراجكي على تعجبه في كتابه التعجب من أغلاط العامة / 137 ، قال : « ثم إن العجب كله من أن تمنع فاطمة جميع ما جعله الله لها من النحلة والميراث ، ونصيبها ونصيب أولادها من الأخماس التي خص الله تعالى بها أهل بيته ( عليهم السلام ) دون جميع الناس ! فإذا قيل للحاكم بهذه القضية : إنها وولدها يحتاجون إلى إنفاق جعل لهم في كل سنة بقدر قوتهم على تقدير الكفاف ! ثم يجري ( عمر ) برأيه على عائشة وحفصة في كل سنة اثني عشر ألف درهم واصلة إليهما على الكمال » !
س 2 : لاحظوا قول عثمان بن عفان لعائشة وحفصة : « ولفقتما معكما أعرابياً يتطهر ببوله مالك بن أوس بن الحدثان فشهدتما معه أن النبي قال : لا نورث » .
يظهر منه أن المسلمين لم يقبلوا حديث أبي بكر في نفي توريث النبي ( صلى الله عليه وآله ) فجاؤوا بشاهد عليه هو البدوي ابن الحدثان ، فما رأيكم ؟ !
--------------------------- 310 ---------------------------
س 3 : ما هو الوجه الشرعي لدفن أبي بكر وعمر في بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) قرب قبره ؟ فالمكان عندنا ملك للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم لوارثته الوحيدة ابنته الزهراء ( عليها السلام ) ، وعلى قول أبي بكر هو صدقة لكل المسلمين ، وكل تصرف فيه يحتاج إلى إذن الزهراء أو ورثتها ( عليهم السلام ) عندنا ، والى إجازة كل المسلمين عند أتباع أبي بكر ، ولم يستجز أبو بكر من أحد ، واستجاز عمر من عائشة ، وهي لا تملك ولا تمثل المسلمين كلهم ! فدفنهما هناك غير شرعي ! هذا من ناحية ملكية أرض القبر فقط ، فما قولكم ؟
س 4 : استمرت عائشة وحفصة في ادعاء حقهما في إرث النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولعل ذلك لأن أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم كانوا ينتقون دفن أبويهما في ملكهم !
ففي الفصول المختارة / 74 ، أن الفضال بن الحسن بن فضال مرَّ على أبي حنيفة : « وهو في جمع كثير يملي عليهم شيئاً من فقهه وحديثه ، فقال لصاحب كان معه : والله لا أبرح أو أخجل أبا حنيفة ! فقال صاحبه : إن أبا حنيفة ممن قد علمت حاله ومنزلته وظهرت حجته ، فقال : مه هل رأيت حجة كافر علت على مؤمن ؟ ثم دنا منه فسلم عليه فرد ورد القوم بأجمعهم السلام . فقال : يا أبا حنيفة رحمك الله إن لي أخاً يقول : إن خير الناس بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علي بن أبي طالب وأنا أقول : إن أبا بكر خير الناس بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبعده عمر ، فما تقول أنت رحمك الله ؟ فأطرق ملياً ثم رفع رأسه فقال : كفى بمكانهما من رسول الله كرماً وفخراً ، أما علمت أنهما ضجيعاه في قبره ، فأي حجة أوضح لك من هذه ؟ فقال له فضال : إني قد قلت ذلك لأخي فقال : والله لئن كان الموضع لرسول الله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حق ، وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لقد أساءا وما أحسنا إليه إذ رجعا في هبتهما ونكثا عهدهما ! فأطرق أبو حنيفة ساعة ثم قال قل له : لم يكن لهما ولا له خاصة ، ولكنهما نظرا في حق عائشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما . فقال له فضال : قد قلت له ذلك فقال : أنت تعلم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) مات عن تسع حشايا فنظرنا
--------------------------- 311 ---------------------------
فإذا لكل واحدة منهن تسع ، ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك ، وبعد فما بال عائشة وحفصة ترثان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وفاطمة ابنته تمنع الميراث ؟ فقال أبو حنيفة : يا قوم نحُّوه عني فإنه والله رافضي خبيث » !

( م 264 ) كانت ترفع نعل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتحرض على عثمان !

« وكانت تخرج قميص رسول الله ( ص ) وشعره وتقول : هذا قميصه وشعره لم يبلَ وقد أبلى دينه » ! « كانت عائشة تحرض على قتل عثمان وتقول : أيها الناس هذا قميص رسول الله ( ص ) لم يبل وبليت سنة ، أقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً » ! ( أبو الفداء : 1 / 127 ، وفتوح ابن الأعثم : 2 / 225 ، واليعقوبي : 2 / 175 ) .
وفي الإيضاح / 259 ، أن عثمان قال لعائشة وحفصة : « ألستما اللتين شهدتما عند أبي بكر ولفقتما معكما أعرابياً يتطهر ببوله مالك بن الحويرث بن الحدثان فشهدتم أن النبي قال : إنا معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة ! فإن كنتما شهدتما بحق فقد أجزت شهادتكما على أنفسكما ، وإن كنتما شهدتما بباطل فعلى من شهد بالباطل لعنة الله والملائكة والناس أجمعين !
فقالتا له : يا نعثل والله لقد شبهك رسول الله بنعثل اليهودي ! فقال لهما : ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحِينِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ! فخرجتا من عنده » !
وأيدت عائشة وحفصة مطالب وفد المصريين الذين حاصروا عثمان في دار الخلافة ، وقالت عائشة لابن عباس : « إياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية ! وقالت عندما قتل عثمان بعض المصريين : « أيقتل قوماً جاؤوا يطلبون الحق ؟ » .
--------------------------- 312 ---------------------------
وذهبت إلى الحج وعثمان محصور وقالت لمروان : « وددت والله أن أضعك وعثمان في بعض غرائري ( أكياس تحمل على الجمال ) وأرميكما في البحر ! وقالت : سيشأم عثمان قومة ، كما شأم أبو سفيان قومه يوم بدر » .
ولما بلغها قتل عثمان فرحت وقالت : « بعداً لنعثل وسحقاً ، يا معشر قريش لا يسومنكم مقتل عثمان كما سام أحمر ثمود قومه ! ودعت الناس إلى بيعة طلحة ، وكانت تتوقع أن يتم ذلك ! وقالت إن أحق الناس بهذا الأمر ذو الإصبع ، ثم أقبلت مسرعة إلى المدينة ، وهي لا تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر !
ثم خرجت من مكة تريد المدينة ، فلما كانت بسَرَف لقيها رجل من أخوالها من بني ليث يقال له عبيد بن أبيّ ، فأخبرها بقتل عثمان واجتماع المسلمين على بيعة علي ، فقالت : ليت هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك ، ردوني ردوني » ! ( الكامل : 2 / 312 ، واليعقوبي : 2 / 180 ) .
وروى الطبري في تاريخه : 3 / 477 : « ردوني ردوني ! فانصرفت إلى مكة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوماً ، والله لأطلبن بدمه ! فقال لها ابن أم كلاب : ولمَ ؟ فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت ! ولقد كنت تقولين أقتلوا نعثلاً فقد كفر !
قالت : إنهم استتابوه ثم قتلوه ، وقد قلت وقالوا وقولي الأخير خير من قولي الأول ! فقال لها ابن أم كلاب :
فمنك البداء ومنك الغيَرْ * ومنك الرياحُ ومنك المطرْ
وأنت أمرت بقتل الإمام * وقلت لنا إنه قد كفر
فهبنا أطعناك في قتله * وقاتله عندنا من أمر
ولم يسقط السقف من فوقنا * ولم ينكسف شمسنا والقمر
وقد بايع الناس ذا تَدْرُإٍ * يزيل الشَّبَا ويقيم الصَّعَر
--------------------------- 313 ---------------------------
ويلبس للحرب أثوابها * وما من وفى مثل من قد غدر
أسئلة :
س 1 : ألا تعجبون من عائشة وحفصة وسبب نقمتهما على عثمان حتى كفرتاه ودعتا للثورة عليه وقتله ؟ ! ولو أعطاهما لصار خليفة شرعياً عادلاً ؟ !
س 2 : ما قولكم في تناقض موقف عائشة من عثمان ، فبينما هي تدعو إلى قتله حتى دعت بعد أيام إلى الأخذ بثاره ! وسمته نعثلاً : « وقالوا لعثمان نعثلاً تشبيهاً له برجل مصري اسمه نعثل ، كان طويل اللحية ، والنعثل : الذكر من الضباع » ( تاريخ الذهبي : 3 / 444 ) .
وقال في شرح النهج ( 6 / 215 ) : « قال كل من صنف في السير والأخبار : إن عائشة كانت من أشد الناس على عثمان حتى أنها أخرجت ثوباً من ثياب رسول الله فنصبته في منزلها وكانت تقول للداخلين إليها : هذا ثوب رسول الله لم يبلُ وعثمان قد أبلى سنته ! قالوا : أول من سمى عثمان نعثلاً عائشة ، والنعثل : الكثير شعر اللحية والجسد وكانت تقول : أقتلوا نعثلاً ، قتل الله نعثلاً » ! « قالت لها أم سلمة : يا بنت أبي بكر أبدم عثمان تطلبين ! فوالله إن كنت لأشد الناس عليه وما كنت تدعينه إلا نعثلاً ! » ( المعيار والموازنة / 27 ) .

( م 265 ) نصيحة أم سلمة لعائشة !

قال الشريف المرتضى في رسائله : 4 / 66 : « ومن الأخبار الطريفة ما رواه نصر بن مزاحم هذا عن أبي عبد الرحمن المسعودي ، عن السري بن إسماعيل بن الشعبي عن عبد الرحمن بن مسعود العبدي قال : كنت بمكة مع عبد الله بن الزبير وبها طلحة والزبير . قال : فأرسلا إلى عبد الله بن الزبير فأتاهما وأنا معه فقالا له : إن
--------------------------- 314 ---------------------------
عثمان قتل مظلوماً وإنا نخاف الانتشار من أمة محمد ( ص ) فإن رأت عائشة أن تخرج معنا لعل الله يرتق بها فتقاً ويشعب بها صدعاً !
قال : فخرجنا نمشي حتى انتهينا إليها فدخل عبد الله بن الزبير في سمرها وجلست على الباب ، فأبلغها ما أرسلا به إليها فقالت : سبحان الله ، ما أمرت بالخروج وما تحضرني امرأة من أمهات المؤمنين إلا أم سلمة ، فإن خرجت خرجتُ معها ! فرجع إليهما فأبلغهما ذلك فقالا : إرجع إليها فلتأتها فإنها أثقل عليها منا ، فرجع إليها فبلغها فأقبلت حتى دخلت على أم سلمة فقالت أم سلمة : مرحباً بعائشة ، والله ما كنت لي بزائرة فما بدا لك ؟ !
قالت : قدم طلحة والزبير فخبرا أن أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوماً ! قال : فصرخت أم سلمة صرخة أسمعت من في الدار فقالت : يا عائشة أنت بالأمس تشهدين عليه بالكفر ، وهو اليوم أمير المؤمنين قتل مظلوماً ، فما تريدين !
قالت : تخرجين معي فلعل الله أن يصلح بخروجنا أمر أمة محمد ( ص ) !
فقالت : يا عائشة أخرج وقد سمعت من رسول الله ما سمعت ! نشدتك بالله يا عائشة الذي يعلم صدقك إن صدقت ، أتذكرين يومك من رسول الله فصنعت حريرة في بيتي فأتيته بها وهو يقول : والله لا تذهب الليالي والأيام حتى تتنابح كلاب ماء بالعراق يقال له الحوأب امرأة من نسائي في فتية باغية ، فسقط الإناء من يدي فرفع رأسه إلي فقال : ما بالك يا أم سلمة ؟ قلت : يا رسول الله ألا يسقط الإناء من يدي وأنت تقول ما تقول ؟ ما يؤمنني أن أكون أنا هي ! فضحكت أنت فالتفت إليك فقال : ما يضحكك يا حمراء الساقين ، إني لأحسبك هي !
ونشدتك بالله يا عائشة أتذكرين ليلة أسرى بنا رسول الله ( ص ) من مكان كذا وكذا ، وهو بيني وبين علي بن أبي طالب يحدثنا ، فأدخلت جملك فحال بينه وبين
--------------------------- 315 ---------------------------
علي ، فرفع مرفقة كانت معه فضرب بها وجه جملك وقال : أما والله ما يومك منه بواحد ، ولا بليته منك بواحدة ، أما إنه لا يبغضه إلا منافق أو كذاب !
وأنشدك الله يا عائشة ! أتذكرين مرض رسول الله ( ص ) الذي قبض فيه فأتاك أبوك يعوده ومعه عمر ، وقد كان علي بن أبي طالب يتعاهد ثوب رسول الله ( ص ) ونعله وخفه ويصلح ما وهى منها ، فدخل قبل ذلك فأخذ نعل رسول الله ( ص ) وهي حضرمية وهو يخصفها خلف البيت ، فاستأذنا عليه فأذن لهما فقالا : يا رسول الله كيف أصبحت ؟ قال : أصبحت أحمد الله تعالى . قالا : ما بد من الموت ؟ قال ( ص ) : لا بد منه . قالا : يا رسول الله فهل استخلفت أحداً ؟ فقال : ما خليفتي فيكم إلا خاصف النعل ، فخرجا فمرا على علي وهو يخصف النعل !
كل ذلك تعرفينه يا عائشة وتشهدين عليه ، لأنك سمعته من رسول الله ( ص ) !
ثم قالت أم سلمة : يا عائشة أنا أخرج على علي بعد هذا الذي سمعته عن رسول الله ( ص ) ؟ ! فرجعت عائشة إلى منزلها فقالت : يا ابن الزبير أبلغهما أني لست بخارجة بعد الذي سمعته من أم سلمة ، فرجع فبلغهما .
قال : فما انتصف الليل حتى سمعنا رغاء إبلها ترتحل ، فارتحلت معهما » !
وأضاف المرتضى ( رحمه الله ) : « ومن العجائب أن يكون مثل هذا الخبر الذي يتضمن النص بالخلافة ، وكل فضيلة غريبة ، موجوداً في كتب المخالفين ، وفيما يصححونه من روايتهم ، ويصنفونه من سيرتهم ولا يتبعونه ، لكن القوم رووا ما سمعوا وأودعوا كتبهم ما حفظوا ونقلوا ، ولم يتخيروا ويتبينوا ما وافق مذهبهم دون ما خالفهم » ! وفي هامشه : شرح النهج : 2 / 78 ، والعقد الفريد : 3 / 96 ، والبدء والتاريخ : 2 / 109 ، والفائق للزمخشري : 1 / 190 وروى نحوه في الإختصاص / 116 ، وفيه تفصيلات ، منها : فلما كان من ندمها أنشأت أم سلمة تقول :
--------------------------- 316 ---------------------------
لو كان معتصماً من زلة أحد * كانت لعائشة العتبى على الناس
كم سنة لرسول الله تاركة * وتلو آي من القرآن مدراس
قد ينزع الله من ناس عقولهم * حتى يكون الذي يقضي على الناس
فيرحم الله أم المؤمنين لقد * كانت تبدل إيحاشاً بإيناس .
ولما أصرَّت عائشة على الفتنة ، آلت أم سلمة على نفسها أن لا تكلمها كل عمرها » !
وفي مواقف الشيعة : 1 / 93 : « دخلت على أم سلمة بعد رجوعها من وقعة الجمل . . فقالت عائشة : السلام عليك يا أم المؤمنين ، فقالت : يا حائط ، ألم أنهك ألم أقل لك ؟ قالت عائشة : فإني أستغفر الله وأتوب إليه ، كلميني يا أم المؤمنين !
قالت : يا حائط ! ألم أقل لك ألم أنهك ؟ فلم تكلمها حتى ماتت ! وقامت عائشة وهي تبكي وتقول : وا أسفاه على ما فرط مني » . ومحاسن البيهقي / 181 ، وطبعة / 221 . راجع : الكافئة في رد توبة الخاطئة للمفيد ( رحمه الله ) .
س 1 : ظهر من هذا الحوار والكلام أن أم سلمة أعقل من عائشة وأتقى وابعد نزراً ، فكيف تفضلون عائشة عليها ؟ !

( م 266 ) صاحبة الجمل الأدْبَبْ وصاحبة كلاب الحَوْأب !

التحق طلحة والزبير بعائشة في مكة ، وأرسلوها إلى أم سلمة لتذهب معهم إلى البصرة لأن فيها أنصارهم ! فنهتها أم سلمة وحذرتها وأقامت عليها الحجة ، فوعدتها أن لا تذهب ، ثم خالفتها ذهبت راكبةً على الجمل الأدبب حتى وصلت إلى الحوأب ، فنبحتها كلابها كما أخبرها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالت ردوني ! فشهدوا لها بأن المكان ليس اسمه الحوأب !
--------------------------- 317 ---------------------------
ففي تاريخ أبي الفداء ( 1 / 173 ) : « قال عبد الله بن الزبير : إنه كذب ! يعني ليس ماء الحوأب ! ولم يزل بها وهي تمتنع فقال لها : النجاء النجاء ، فقد أدرككم علي بن أبي طالب ! فارتحلوا نحو البصرة ، فاستولوا عليها بعد قتال مع عثمان بن حنيف فنتفت لحيته وحواجبه وسجنته ثم أطلقته » .
فقد روى الجميع تحذير النبي ( صلى الله عليه وآله ) للمسلمين منها ! وفي البخاري أنه ( صلى الله عليه وآله ) أشار إلى بيتها وقال : هاهنا الفتنة !
وقال لها عندما شكت من وجع رأسها : ما ضرك لو متِّ قبلي ! وحذرها أن تكون صاحبة الجمل الأدبب تخرج فتنبحها كلاب الحوأب ، يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة في النار !
وكان سعيد بن العاص الأموي مع جيش عائشة ، فلما نبحتها كلاب الحوأب رجع وقال لمروان : إن قتلة عثمان على أعجاز الإبل ! يقصد عائشة وطلحة والزبير ! ورجع المغيرة بن شعبة ومن معه من ثقيف !
وقال الصحابي أبو بكرة كما في صحيح بخاري ( 5 / 136 ) : « لقد نفعني الله بكلمه سمعتها من رسول الله ( ص ) أيام الجمل بعد ما كدت أن الحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم ! قال : لما بلغ رسول الله ( ص ) أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة » .
وفي طريق البصرة تنازع طلحة والزبير على إمامة الصلاة بالناس ، فأمرت عائشة أن يصلي بالجيش ابن أختها عبد الله ! وكتبت إلى عامل البصرة من قبل علي ( عليه السلام ) وهو عثمان بن حنيف الأنصاري ، أن يخلي لها دار الإمارة ، فشاور الأحنف بن قيس زعيم تميم فنهاه ، وكتبا إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يخبرانه .
--------------------------- 318 ---------------------------

( م 267 ) عائشة تحتل البصرة غدراً !

نزلت قرب البصرة فخرج ابن حنيف والأحنف وكلماها هي وطلحة والزبير فرفضت الرجوع وعسكرت قرب البصرة ، وخطبت في مربدها !
وتوسط بعض الزعماء بينهم وبين ابن حنيف حاكم البصرة ، واتفقوا على الصبر حتى يصل علي ( عليه السلام ) ، لكنهم غدروا بابن حنيف وهاجموا بيت المال وقتلوا حراسه وأخذوه ، وأمرت عائشة بقتل الوالي فهددهم بأخيه سهل والي المدينة ، فخافوا أن يقتل أقاربهم ، فأمرت بجلده ونتف شعر رأسه ولحيته وأشفار عينيه !
وفي تاريخ اليعقوبي ( 2 / 181 ) : « وقدم القوم البصرة وعامل علي عثمان بن حنيف ، فمنعها ومن معها من الدخول فقالا : لم نأت لحرب وإنما جئنا لصلح ، فكتبوا بينهم وبينه كتاباً أنهم لا يحدثون حدثاً إلى قدوم علي ، وأن كل فريق منهم آمن من صاحبه ، ثم افترقوا فوضع عثمان بن حنيف السلاح » !
وفي الإستيعاب ( 1 / 368 ) : « ذكر المدائني أن عثمان بن حنيف لما كتب الكتاب بالصلح بينه وبين الزبير ، وأن يكفوا عن الحرب ويبقى هو في دار الإمارة خليفة لعلي حتى يقدم علي ، فلما كان بعد أيام جاء عبد الله بن الزبير في ليلة ذات ريح وظلم فطوقوا عثمان بن حنيف في دار الإمارة ، فأخذوه وأخذ ما في بيت المال إلى عائشة ، فقالت عائشة : أقتلوا عثمان بن حنيف » !
. وفي شرح النهج ( 9 / 321 ) : « أرسلت عائشة إلى الزبير أقتل السبابجة ، حرس بيت المال ، فذبحهم كما يذبح الغنم ، ولي ذلك عبد الله ابنه » !
أسئلة :
س 1 : ما رأيكم في خروج عائشة على إمامها الشرعي علي ( عليه السلام ) ؟
--------------------------- 319 ---------------------------
وهل بقي لها عذر بعد إقامة النبي ( صلى الله عليه وآله ) الحجة عليها ؟ !
س 2 : ما رأيكم في حديث الجمل الأدبب ، وكلاب الحوأب ، وقصتها ؟ !
س 3 : ما رأيكم في تنازع طلحة والزبير على إمامة الصلاة بجيش عائشة ، حتى كادت تطلع الشمس ! ألا يدل ذلك على أن عملهما ليس لله تعالى ؟ !
س 4 : اتفقت عائشة مع حاكم البصرة على الهدنة حتى يصل علي ( عليه السلام ) ، ثم غدرت به وأمرت بمهاجمة مقر الحاكم ليلاً ، وقتلت نحو سبعين من المسلمين وحراس بيت المال واستولت عليه . فما رأيكم في هذا العمل وبأمرها بقتلهم ؟ !

( م 268 ) كتبت عائشة إلى حفصة تسخر بعلي ( عليه السلام )

وكتبت عائشة إلى حفصة تخبرها بنزول علي في ذي قار ( الناصرية ) ينتظر وصول أعوانه من الكوفة ، وأنه خائف من جيش عائشة ، فأقامت حفصة مجلس غناء فرحاً بذلك ! قال المفيد ( رحمه الله ) في الكافئة في إبطال توبة الخاطئة / 16 : « ولما بلغ عائشة نزول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بذي قار كتبت إلى حفصة بنت عمر : أما بعد ، فإنا نزلنا البصرة ونزل علي بذي قار ، والله دق عنقه كدق البيضة على الصفا ، إنه بذي قار بمنزلة الأشقر ، إن تقدم نحر وإن تأخر عقر ! فلما وصل الكتاب إلى حفصة استبشرت بذلك ، ودعت صبيان بني تيم وعدي وأعطت جواريها دفوفاً وأمرتهن أن يضربن بالدفوف ويقلن : ما الخبر ما الخبر ! عليٌّ كالأشقر ! إن تقدم نحر وإن تأخر عقر ! فبلغ أم سلمة اجتماع النسوة على ما اجتمعن عليه من سب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والمسرة بالكتاب الوارد عليهن من عائشة ، فبكت وقالت : أعطوني ثيابي حتى أخرج إليهن وأقع بهن ! فقالت أم كلثوم بنت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أنا
--------------------------- 320 ---------------------------
أنوب عنك فإنني أعرف منك فلبست ثيابها وتنكرت وتخفرت واستصحبت جواريها متخفرات ، وجاءت حتى دخلت عليهن كأنها من النظارة ، فلما رأت ما هن فيه من العبث والسفه كشفت نقابها وأبرزت لهن وجهها ثم قالت لحفصة : إن تظاهرت أنت وأختك على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقد تظاهرتما على أخيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من قبل ، فأنزل الله عز وجل فيكما ما أنزل ! والله من وراء حربكما ! فانكسرت حفصة وأظهرت خجلاً وقالت : إنهن فعلن هذا بجهل ، وفرقتهن في الحال ، فانصرفن من المكان » !
وفي مروج الذهب ( 1 / 320 ) : « فجاء علي حتى وقف عليها فضرب الهودج بقضيب وقال : يا حُميراء ، رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمرك بهذا ؟ ألم يأمرك أن تقري في بيتك ؟ والله ما أنصفك الذين أخرجوك إذ صانوا عقائلهم وأبرزوك ! وأمر أخاها محمداً فأنزلها في دار صفية بنت الحارث بن طلحة العبدي ، وهي أم طلحة الطلحات » .
أسئلة :
س 1 : ألا تلاحظون أن مستوى عائشة وحفصة مستوى عامي ، فهما كأي امرأة تمتلئ غيظاً دون سبب ، وتندفع في عداوتها غريزياً ، بدون مقياس شرعي ؟ !
س 2 : هل لاحظتم الحرية التي أعطاها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لخصومه وأعدائه ، حتى أن حفصة تقيم حفلة للسخرية به في عاصمته ، وقرب بيته ؟ !
س 3 : قال الله تعالى لعائشة وحفصة : إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ .
ألا ترى أنها انطبقت كاملاً على تظاهرهما على أخيه ووصيه والخليفة الشرعي ؟ !
--------------------------- 321 ---------------------------

( م 269 ) أدارت عائشة معركة الجمل سبعة أيام

قال علي ( عليه السلام ) : « لقد علمت عائشة أن جيش المرأة وأهل النهروان ملعونون على لسان محمد ( صلى الله عليه وآله ) » ! ( دلائل النبوة للبيهقي ( 6 / 434 ) .
وعندما وصل إلى البصرة كتب إلى عائشة ، وأرسل إليها ابن عباس وزيد بن صوحان للمفاوضة ، فأجابته بالحرب ! وكانت مغتَرَّة بكثرة جيشها وقلة جيش علي ( عليه السلام ) ، وخرجت راكبة على الجمل الأدبب تعبئ أصحابها !
وفي صبيحة المعركة وقف عمار بن ياسر بين الصفين وتكلم ، وطلب علي الزبير وكلمه فانسحب من المعركة ، واستغل مروان الوضع فرمى طلحة بسهم فقتله ! فبقيت عائشة وحدها وأدارت المعركة سبعة أيام !
وفي اليوم السابع نشر علي ( عليه السلام ) راية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فهزمهم ووقع الجمل ، فأرسل علي ( عليه السلام ) أخاها محمداً ليحملها من ساحة المعركة ، وأعلن العفو العام ، ومنع أن يؤخذ أحد أسيراً ، أو يعتدى على مال أحد ! وزار عائشة في منزلها ، ثم أعادها إلى المدينة مع نساء ملثمات يحرسنها ، وهي تحسبهن رجالاً !
ورجعت عائشة من حرب الجمل مملوءة غيظاً ، لأنها هزمت شر هزيمة ! وذكروا أمامها يوم الجمل فقالت : والناس يقولون يوم الجمل ؟ قالوا نعم ! وكانت تقول : « إن يوم الجمل لمعترض في حلقي ، ليتني متُّ قبله أو كنت نسياً منسياً ! وقالت لابن عمر : ما منعك أن تنهاني عن مسيري ؟ ! قال : رأيت رجلاً قد غلب عليك ، يعني عبد الله بن الزبير » ! ( مسند ابن راهويه : 2 / 34 ) .
وكأنها نسيت أن كثيرين نصحوها فركبت رأسها ولم تسمع !
--------------------------- 322 ---------------------------
س 1 : يدل حديث علي ( عليه السلام ) عن لعن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لجيش الجمل ، وأنه ( صلى الله عليه وآله ) أتم الحجة على الجميع ، وحدثهم عما يكون بعده ، وحذرهم بما فيه الكفاية !
ألا ترون أن السلطة قد أخفت العديد من أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) في ذلك !

( م 270 ) إخبار النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأن الفتنة ستطلع من بيت عائشة

في صحيح بخاري ( 4 / 46 ) : « قام النبي ( ص ) خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال : هاهنا الفتنة ! ثلاثاً ، من حيث يطلع قرن الشيطان » .
أسئلة :
س 1 : لماذا خطب النبي ( صلى الله عليه وآله ) يومها ، وما هو موضوع خطبته ومناسبتها ، ولماذا بترها البخاري ورواة السلطة ؟ !
س 2 : هل يوجد تحذير للأمة من شخص أو شخصة ، أبلغ من القول إن غرفتها مركز الفتنة على الأمة ، ومنها يخرج الشيطان الذي له قرون ؟ !
س 2 : هل رأيتم أمة يحذرها نبيها من زوجته بأبلغ تحذير ، ثم تخالفه وتتخذها إمامة بعده ، وتطيعها وتخرج معها على خليفة شرعي بايعته باختيارها ؟ !
س 3 : هذا الحديث يكفي لسقوط عدالة عائشة ، وحرمة أخذ أي شئ من أمور الدين منها ، إلا ما شهدت به على نفسها ، وليس لنفسها !
والسبب أن الصادق الأمين ( صلى الله عليه وآله ) أخبر أن الفتنة في قولها وفعلها ، وأن الشيطان ذا القرون مع حركتها ! فأي كلمة تأخذها منها قد تكون من مفردات الفتنة ، لأنها من صاحبة الفتنة ، وأي خطوة تخطوها معها ، فرفيقك الشيطان ذو القرون !
س 4 : ما هو السبب في أن الناس بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) أشربوا الإعراض عن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) والعترة ، رغم تأكيدات النبي ( صلى الله عليه وآله ) على مقامها ووصيته بها ، فقد دعتهم إلى
--------------------------- 323 ---------------------------
رفض السقيفة وإنصافها من السلطة ، فلم يستجب لها إلا بضعة نفر ؟ ! وفي المقابل أشربوا حب عائشة وطاعتها ، رغم تحذيرات النبي ( صلى الله عليه وآله ) منها ؟ ! فقد دعتهم إلى شق عصا المسلمين والخروج على الإمام الشرعي ، فتراكضوا إلى طاعتها ، واستجاب لها أكثر من مئة ألف ، وحاربوه معها ؟ !

( م 271 ) قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعائشة : ما ضرَّك لو مِتِّ قبلي !

في مسند أحمد ( 6 / 228 ) ، عن عائشة قالت : « رجع رسول الله ( ص ) ذات يوم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعاً في رأسي ، وأنا قول وا رأساه ! قال : بل أنا وا رأساه ! قال : ما ضرك لو متِّ قبلي فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك ؟ ! قلت : لكأني بك والله لو فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك ! قالت : فتبسم رسول الله ( ص ) ثم بدئ بوجعه الذي مات فيه » . والبيهقي ( 3 / 396 ) وابن ماجة ( 1 / 470 ) ووثقه في الزوائد ، والبخاري بلفظ آخر ( 8 / 125 ) ، وابن هشام ( 4 / 299 ) .
أسئلة :
س 1 : اتفق الجميع على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) زار البقيع قبل مرضه الذي توفي فيه ، وحذر الأمة من الفتن الكامنة بالباب ، وانها ستنقض بعد موته على دينه وأمته !
فقوله لعائشة من هذا الجو وهذا الأفق النبوي الرحيم ! لكن جو عائشة هو الجو الجنسي مع الزوج لا أكثر ، ولذا كان جوابها من عالمها !
س 2 : بماذا تجيب النبي ( صلى الله عليه وآله ) لو قال لك : ما ضرك لو مت قبلي فصليت عليك ودفنتك ؟ أما المؤمن الموقن بنبوته ( صلى الله عليه وآله ) وبأنه لا ينطق عن الهوى ، فيعتبر ذلك شرفاً عظيماً ، ويقول : قبلت يا رسول الله فادع الله أن يميتني . وأما الأقل إيماناً فيسأله : هل موتي في حياتك يا رسول الله خير لي ، وهل أدخل الجنة إذا صليت عليَّ ودعوت لي ؟ فإن قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) نعم ، يقول له : قبلت يا رسول الله ، فادع لي أن أموت قبلك .
--------------------------- 324 ---------------------------
لكن عائشة رفضت بدون سؤال ، وكشفت عن أن تفكيرها وهمها يتركز على الضرة والغيرة ونوم النبي ( صلى الله عليه وآله ) مع غيرها ! ولا سألت النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن سبب تمنيه الموت لها قبله وهل هو خير لها ، وهل أنها تدخل الجنة ؟ ! فأي فرق بينها وبين أي امرأة عادية تعيش الأمور المادية ، وتسيطر عليها الغيرة الجنسية من ضرتها ؟ !
س 3 : يدل الحديث على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أراد من عائشة أن تقبل وتطلب الموت قبله ؟ وذلك إشفاقاً على أمته منها ، وإشفاقاً عليها من النار !
لكنها لم تقبل وأجابت جواباً فيه سوء أدب ! فهل يدل ذلك برأيكم على خطرها على الأمة ، وخطرها على نفسها ؟ !

( م 272 ) امرأة من عبد القيس تُفحم عائشة !

روى ابن قتيبة في عيون الأخبار / 202 : « دخلت أم أفعى العبدية على عائشة فقالت : يا أم المؤمنين ما تقولين في امرأة قتلت ابناً لها صغيراً ؟ قالت : وجبت لها النار ! قالت : فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفاً ؟ ! قالت : خذوا بيد عدوة الله » ! ! والصراط المستقيم : 3 / 166 ، وأعلام النساء : 1 / 73 .
أسئلة :
س 1 : انسحب الزبير من المعركة عند شروق الشمس ، وبعده بقليل قتل مروان طلحة بسهم ، وذلك قبل بدء المعركة ! فلم يبق إلا عائشة ، فقادت المعركة سبعة أيام ، وانحصر إثم من قُتل بها ! فلماذا لا تحملونها إثم شق عصا المسلمين وسفك دمائهم ؟ !
س 2 : اعترفت عائشة بأنها غيرت بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ( وأحدثت ) ! ولذا قالت لا تدفنوني عنده ! لكن لم يثبت عندنا أنها تابت ، وقد ألف أحد كبار علمائنا وهو المفيد ( رحمه الله ) كتاباً باسم : الكافئة في رد توبة الخاطئة ! فما رأيكم ؟ !
--------------------------- 325 ---------------------------

( م 273 ) شماتة عائشة بموت علي ( عليه السلام )

عندما جاءها خبر مقتل علي ( عليه السلام ) سجدت لله شكراً ! ( مقاتل الطالبيين / 43 ) فاستنكرت عليها زينب بنت أم سلمة فقالت : إذا نسيت فذكروني ! « عن ذكوان مولى أم سلمة عن زينب بنت أبي سلمة قالت : كنت يوماً عند عائشة . . إذ دخل رجل معتم عليه أثر السفر فقال : قتل علي بن أبي طالب ! فقالت عائشة :
فإن يكُ ناعياً فلقد نعاهُ * نَعِيٌّ ليس في فيهِ الترابُ
ثم قالت : من قتله ؟ قالوا : رجل من مراد . قالت : رب قتيل الله بيد رجل من مراد !
قالت زينب فقلت : سبحان الله يا أم المؤمنين ، أتقولين مثل هذا لعلي في سابقته وفضله ؟ فضحكت وقالت : بسم الله إذا نسيت فذكريني » ( مواقف الشيعة : 3 / 158 ) .
وقصص بغضها لعلي وفاطمة ( عليهما السلام ) كثيرة ، فقد رفعت صوتها على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذات مرة قائلة : والله لقد علمت أن علياً وفاطمة أحب إليك مني ومن أبي ! لكنها قالت إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال في علي والعباس : من أراد أن ينظر إلى رجلين من أهل النار ، فلينظر إليهما ! الخ . ( راجع : المراجعات / 325 ) .
أسئلة :
س 1 : قال ابن حجر في فتح الباري ( 1 / 60 ) : « وقد ثبت في صحيح مسلم عن علي أن النبي ( ص ) قال له : لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق » وخصائص النسائي / 105 .
وقال في فتح الباري : 7 / 57 : « وفي الحديث تلميح بقوله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ، فكأنه أشار إلى أن علياً تام الاتباع لرسول الله ( ص ) حتى اتصف بصفة محبة الله له ، ولهذا كانت محبته علامة الإيمان ، وبغضه علامة النفاق كما أخرجه مسلم » . فهل كان بغض عائشة لعلي ( عليه السلام ) إيماناً أم نفاقاً ؟ !
--------------------------- 326 ---------------------------
س 2 : روى ابن كثير قول عائشة وصححه : « قالت : رحم الله علياً لقد كان على الحق وما كان بيني وبينه إلا كما يكون بين المرأة وأحمائها » ( فتح الباري : 9 / 289 .
وفي تاريخ الطبري : 3 / 547 : « والله ما كان بيني وبين علي في القديم ، إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها ، وإنه عندي على معتبتي من الأخيار » !
وهذا اعتراف بأن سبب بغضها لعلي ( عليه السلام ) وخروجها عليه هو الحساسية الشخصية فقط ، لا دم عثمان ولا طلب الإصلاح كما زعمت ! فما رأيكم ؟ !
س 3 : بعد هذا الاعتراف من عائشة ، بماذا تفسرون شماتتها بموته ( عليه السلام ) ؟ !

( م 274 ) هل تأخذون دينكم عن الحميراء ؟ !

قال السرخسي في أصوله ( 1 / 354 ) : « الصحابة كانوا يرجعون إلى أزواج رسول الله ( ص ) فيما يشكل عليهم من أمر الدين فيعتمدون خبرهن . وقال رسول الله ( ص ) : تأخذون ثلثي دينكم من عائشة » .
وفي التعجب من أغلاط العامة لأبي الفتح الكراجكي / 132 : « ثم يَدَّعون مع هذا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : خذوا ثلث دينكم عن عائشة ، لا بل خذوا ثلثي دينكم عن عائشة ، لا بل خذوا كل دينكم عن عائشة » !
وفي تفسير المراغي ( 13 / 113 ) : « وفيها يقول رسول الله ( ص ) : خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء ! ومن ثم كانت أكثر من حدث عن رسول الله ( ص ) بعد أبي هريرة . وقد كان الصحابة يختلفون إليها للحديث والفتيا ، ولا يجدون معدلاً عن التسليم برأيها » .
وفي الإحكام للآمدي ( 1 / 225 ) : « قوله ( ص ) : خذوا شطر دينكم عن الحميراء » .
--------------------------- 327 ---------------------------
وقال الآلوسي ( 3 / 155 ) : « محتجين بقوله ( ص ) : خذوا ثلثي دينكم عن الحميراء . وقوله : فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام » . ثم استدل الآلوسي على أفضلية الزهراء ( عليها السلام ) على عائشة .
وفي تحفة الأحوذي ( 10 / 259 ) : « وأما حديث خذوا شطر دينكم عن الحميراء ، يعني عائشة ، فقال الحافظ ابن الحجر العسقلاني : لا أعرف له إسناداً ولا رواية في شئ من كتب الحديث ، إلا في النهاية لابن الأثير ، ولم يذكر من خرجه ! وذكر الحافظ عماد الدين بن كثير أنه سأل المزي والذهبي عنه فلم يعرفاه ! وقال السخاوي ذكره في الفردوس بغير إسناد وبغير هذا اللفظ ، ولفظه : خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء ، وبيض له صاحب مسند الفردوس ولم يخرج له إسناداً ! وقال السيوطي : لم أقف عليه كذا في المرقاة » .
أسئلة :
س 1 : من عجائب أمركم أن علماؤكم نقاد الحديث اعترفوا بأن هذا الحديث لا سند له في مصادركم ، فهو مقطوع أو موضوع ، ومع ذلك يستدل به علماؤكم ؟ !
س 2 : هل تأخذون من عائشة فتاويها الثابتة عنها ثبوتاً قطعياً والمخالفة لإجماع المسلمين ، مثل إرضاع الرجل الكبير ؟ !
س 3 : وهل تأخذون بفتواها بنقص القرآن وتحريفه ونقص الآيات التي أكلتها سخلتها الملعونة ؟ !

( م 275 ) كيف علَّمَت عائشة الرجال غسل الجنابة !

روى بخاري في صحيحه ( 1 / 68 ) ، عن أبي سلمة قال : « دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة فسألها أخوها عن غسل النبي ( ص ) فدعت بإناء نحو من صاع فاغتسلت وأفاضت على رأسها وبيننا وبينها حجاب » !
--------------------------- 328 ---------------------------
وبَرَّرَ أتباعها فعلها الشاذ ، بل أفتوا بأن تعليم الغسل عملياً مستحب !
قال في فتح الباري ( 1 / 314 ) : « قال القاضي عياض ظاهره أنهما رأيا عملها في رأسها وأعالي جسدها مما يحل نظره للمحرم لأنها خالة أبي سلمة من الرضاع أرضعته أختها أم كلثوم ، وإنما سترت أسافل بدنها مما لا يحل للمحرم النظر إليه ! قال : وإلا لم يكن لاغتسالها بحضرتهما معنى ، وفى فعل عائشة دلالة على استحباب التعليم بالفعل لأنه أوقع في النفس » !
أسئلة :
س 1 : لو أن رجالاً من أقارب زوجتك وغيرهم جاؤوا إلى منزلكم وسألوا زوجتك عن غسل الجنابة ، فعملت كما عملت عائشة ، ماذا كنت تفعل ؟ !
س 2 : كشف ابن حجر أن أبا سلمة أحد الرجال الذين أرضعتهم عائشة من أقاربها ليصير محرماً عليها ! وقال إنها سترت النصف الأسفل من بدنها ، وكشفت النصف الأعلى واغتسلت أمامهما ! فما رأيكم بهذا الوضع المشين ؟ !

( م 276 ) من تصدقون عائشة أم مروان ؟ !

قال مروان كما في صحيح بخاري ( 6 / 42 ) : « إن هذا ( عبد الرحمن بن أبي بكر ) الذي أنزل الله فيه : وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي . فقالت عائشة : ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن ، إلا أن الله أنزل عذري . أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول الله لعن أباك وأنت في صلبه ! فأنت فَضَضٌ من لعنة الله » ( تخريج الآثار : 3 / 2828 ) .
--------------------------- 329 ---------------------------
« نزل في أبيك : وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ . . سمعت رسول الله يقول لأبيك وجدك أي الذي هو العاص بن أمية : إنهم الشجرة الملعونة في القرآن » . ( الحلبية ( 1 / 317 ) .
س 1 : من المعروف أن عبد الرحمن أبي بكر لم يسلم ، وكان مع المشركين في بدر وطلب أن يبرز إليه أبوه أبو بكر ، وروي أنه نزلت فيه الآية كما قال مروان . وقد ردت عائشة قوله ونفت أن يكون نزل في آل أبي بكر أي آية حتى آية الغار ، ما عدا آية براءتها : إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . وتقدم أنها نزلت في مارية ! فما رأيكم ؟ !

( م 277 ) من تصدقون : عائشة أم مجموعة من الصحابة ؟

في الطبقات ( 2 / 260 ) : « قيل لأم المؤمنين عائشة : أكان رسول الله ( ص ) أوصى إلى علي ؟ قالت : لقد كان رأسه في حجري ، فدعا بالطست فبال فيها ، فلقد انخنث في حجري ، وما شعرت به فمتى أوصى إلى علي » !
وقالت : « فمات في اليوم الذي كان يدور على فيه في بيتي ، فقبضه الله وإن رأسه لبين نحري وسحري وخالط ريقه ريقي ، ثم قالت : دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به فنظر إليه رسول الله ( ص ) فقلت له : أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن ، فأعطانيه فقضمته ثم مضغته ، فأعطيته رسول الله ( ص ) فاستن به وهو مسند إلى صدري » .
وقالت : « مات النبي ( ص ) وإنه لبين حاقنتي وذاقنتي » . ( بخاري : 5 / 140 )
وقالت : « فلما نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه ، ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت ، ثم قال : اللهم الرفيق الأعلى » . ( بخاري : 5 / 144 ) .
--------------------------- 330 ---------------------------
وفي الطبقات : 2 / 262 : « ذكر من قال توفي رسول الله ( ص ) في حجر علي بن أبي طالب . . عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن كعب الأحبار قام زمن عمر فقال ونحن جلوس عند عمر أمير المؤمنين : ما كان آخر ما تكلم به رسول الله ( ص ) ؟ فقال عمر : سل علياً . قال : أين هو ؟ قال : هو هنا ، فسأله فقال علي : أسندته إلى صدري ، فوضع رأسه على منكبي فقال : الصلاة الصلاة . فقال كعب : كذلك آخر عهد الأنبياء ، وبه أمروا وعليه يبعثون . قال : فمن غسله يا أمير المؤمنين ؟ قال : سل علياً . قال فسأله فقال : كنت أغسله وكان العباس جالساً وكان أسامة وشقران يختلفان إليَّ بالماء . .
عن علي قال : قال رسول الله ( ص ) في مرضه : ادعوا لي أخي ، قال فدعي له علي فقال أدن مني فدنوت منه فاستند إليَّ فلم يزل مستنداً وإنه ليكلمني حتى إن بعض ريق النبي ( ص ) ليصيبني ، ثم نزل برسول الله وثقل في حجري ، فصحت يا عباس أدركني فإني هالك ! فجاء العباس فكان جهدهما جميعاً أن أضجعاه . .
عن الشعبي قال : توفي رسول الله ( ص ) ورأسه في حجر علي وغسله علي والفضل محتضنه وأسامة يناول الفضل الماء . عن أبي غطفان قال : سألت بن عباس أرأيت رسول الله ( ص ) توفي ورأسه في حجر أحد ؟ قال : توفي وهو لمستند إلى صدر علي قلت : فإن عروة حدثني عن عائشة أنها قالت توفي رسول الله ( ص ) بين سحري ونحري ! فقال بن عباس : أتعقل ، والله لتوفي رسول الله ( ص ) وإنه لمستند إلى صدر علي ، وهو الذي غسله وأخي الفضل بن عباس » .
وقال السيد شرف الدين في المراجعات / 328 : « أما دعوى أم المؤمنين بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قضى وهو في صدرها فمعارضة ، بصحاح متواترة من طريق العترة الطاهرة ،
--------------------------- 331 ---------------------------
وحسبك من طريق غيرهم ما أخرجه ابن سعد بالإسناد إلى علي ( عليه السلام ) ، وأخرج أبو نعيم في حليته ، وأبو أحمد الفرضي في نسخته ، وغير واحد من أصحاب السنن ، عن علي قال : علمني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعني حينئذ ألف باب كل باب يفتح ألف باب . وكان عمر بن الخطاب إذا سئل عن شئ يتعلق ببعض هذه الشؤون ، لا يقول غير : سلوا علياً ، لكونه هو القائم بها .
قلت : والأخبار في تلك متواترة ، عن سائر أئمة العترة الطاهرة ، وإن كثيراً من المنحرفين عنهم ليعترفون بهذا ، حتى أن ابن سعد أخرج بسنده إلى الشعبي . .
وكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يخطب بذلك على رؤوس الأشهاد ، وحسبك قوله من خطبة له ( عليه السلام ) : ولقد علم المستحفظون من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أني لم أرد على الله ولا على رسوله ساعة قط ! ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال وتتأخر فيها الأقدام ، نجدةً أكرمني الله بها . ولقد قبض ( صلى الله عليه وآله ) وإن رأسه لعلى صدري ، ولقد سالت نفسه في كفي فأمررتها على وجهي ، ولقد وليت غسله والملائكة أعواني ، فضجت الدار والأفنية ، ملأ يهبط وملأ يعرج ، وما فارقت سمعي هينمة منهم يصلون عليه ، حتى واريناه في ضريحه .
وصح عن أم سلمة أنها قالت : والذي أحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهداً برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! عدناه غداة وهو يقول : جاء علي ، جاء علي ، مراراً ، فقالت فاطمة : كأنك بعثته في حاجة ؟ قالت : فجاء بعد ، فظننت أن له إليه حاجة ، فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب ، قالت أم سلمة : وكنت من أدناهم إلى الباب فأكب عليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجعل يساره ويناجيه ، ثم قبض من يومه ذلك ، فكان علي أقرب الناس به عهداً ! ولو لم يعارض حديث عائشة إلا حديث أم سلمة وحده ، لكان حديث أم سلمة هو المقدم ، لوجوه كثيرة » .
--------------------------- 332 ---------------------------
أسئلة :
س 1 : لقد اختلف حديث علي ( عليه السلام ) وعائشة إلى حد التناقض ، ونحن لا نتردد في قبول كلام علي ( عليه السلام ) ورد كلام عائشة ، فماذا تفعلون أنتم ؟ !
س 2 : قال ابن حجر في فتح الباري ( 8 / 106 ) : « وهذا الحديث يعارض ما أخرجه الحاكم وابن سعد من طرق أن النبي ( ص ) مات ورأسه في حجر علي ، وكل طريق منها لا يخلو من شيعي ، فلا يلتفت إليهم ! ثم قال : « وأخرج الحاكم في الإكليل من طريق حبة العدني عن علي : أسندته إلى صدري فسالت نفسه . وحبة ضعيف . ومن حديث أم سلمة قالت : عليٌّ آخرهم عهداً برسول الله ( ص ) .
والحديث عن عائشة أثبت من هذا ، ولعلها أرادت آخر الرجال به عهداً . ويمكن الجمع بأن يكون عليٌّ آخرهم عهداً به ، وأنه لم يفارقه حتى مال فلما مال ظن أنه مات ، ثم أفاق بعد أن توجه ، فأسندته عائشة بعده إلى صدرها فقبض » !
فإذا كان ابن حجر يضعف الحديث لوجود شيعي فيه ، فلماذا لا يضعف أحاديث عشرات الرواة الشيعة في أسانيد البخاري ومسلم ، وهم يزيدون على مئة راو ؟ !

( م 278 ) قتل معاوية أخويها فسكتت عنه !

قتل معاوية أخاها محمد بن أبي بكر في مصر وأحرق جثته ، فبكت عليه ولعنت معاوية وعمرو بن العاص ، وكانت تلعنهما كلما عثرت !
وزاد من غيظها أن ضرتها أم حبيبة أخت معاوية أرسلت إليها كبشاً مشوياً « وقالت : هكذا قد شُوِيَ أخوك ! فلم تأكل عائشة بعد ذلك شواء حتى ماتت » ! ( الغارات : 2 / 757 ، وحياة الحيوان للدميري : 1 / 404 ) ثم استرضاها معاوية بالمال ، فسكتت !
--------------------------- 333 ---------------------------
ففي مسند أحمد : 4 / 92 : « عن سعيد بن المسيب أن معاوية دخل على عائشة فقالت له : أما خفت أن أقعد لك رجلاً فيقتلك ؟ فقال : ما كنت لتفعليه وأنا في بيت أمان وقد سمعت النبي يقول : الإيمان قيد الفتك ! كيف أنا في الذي بيني وبينك حوائجك ؟ قالت : صالح . قال : فدعينا وإياهم حتى نلقى ربنا عز وجل » !
ثم ساءت علاقتها مع معاوية عندما أراد أن يأخذ البيعة ليزيد ، لأنها كانت تريد الخلافة لأخيها عبد الرحمن ! فعندما دعا مروان في مسجد النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى بيعة يزيد بن معاوية ، وقف عبد الرحمن بن أبي بكر في وجهه وتشاتما ، فأمر مروان الشرطة أن يأخذوه ، فهرب إلى غرفة عائشة ، فخرجت إلى المسجد وشتمت مروان ، وهرَّبت أخاها من المدينة ، فقتلوه بالسم قرب مكة !
أسئلة :
س 1 : هل كان قتل معاوية لمحمد وعبد الرحمن ابني أبي بكر ، بحق أم بباطل ؟ ولماذا سكتت عليه عائشة ؟ !
س 2 : هل تعتبرون بيعة يزيد بن معاوية باطلة لأن عائشة وقفت ضدها ، وهل تحتملون أن معاوية سم عائشة كما سم أخاها ، لأنهما رفضا بيعة يزيد ؟ !

( م 279 ) حسرة عائشة وغيظها عند موتها

توفيت عائشة في عهد معاوية بعد أخيها عبد الرحمن ، وقيل قتلها معاوية بالسم وقيل وقعت في بئر حفره لها في طريقها ! وكانت تصيح وهي تحتضر : إني أحدثت بعد رسول الله فلا تدفنوني عنده ! يا ليتني لم أخلق ! لوددت أني كنت مدرة ولم أكن شيئاً مذكوراً ! وتوفيت ودفنت في البقيع وصلى عليها أبو هريرة .
--------------------------- 334 ---------------------------
وفي البخاري ( 6 / 10 ) : « وددت أني كنت نسياً منسياً »
وفي مسند ابن راهويه ( 2 / 40 ) : « قالت عائشة : والله لوددت أني كنت شجرة ، والله لوددت أني كنت مدرة ، والله لوددت أن الله لم يكن خلقني شيئاً قط » !
وكذا جاء عنها أنها قالت : يا ليتني كنت ورقة من هذه الشجرة .
وقالت : وددت أني إذا مت كنت نسياً منسياً .
وكانت إذا قرأت الآية : وَقَرْنَ في بُيُوتكن ، بكت بكاء شديداً حتى تبل خمارها . . وكانت تحدث أولاً نفسها أن تدفن في بيتها فقالت : « إني أحدثت بعد رسول الله ( ص ) حدثاً ! أدفنوني مع أزواجه ، فدفنت بالبقيع » والطبقات ( 8 / 51 ) .
وقال الباقلاني في التمهيد / 552 ، عن طلحة والزبير وعائشة وكل من حارب علياً ( عليه السلام ) : « ومنهم من يقول إنهم تابوا من ذلك ويستدل برجوع الزبير وندم عائشة إذا ذكروا لها يوم الجمل وبكائها حتى تبل خمارها ! وقولها وددت أن لو كان لي عشرون ولداً من رسول الله ( ص ) كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وأني ثكلتهم ، ولم يكن ما كان مني يوم الجمل ! وقولها : لقد أحدقت بي يوم الجمل الأسنة حتى صرت على البعير في مثل اللجة ، وإن طلحة قال لشاب من عسكر علي وهو يجود بنفسه : أمدد يدك أبايعك لأمير المؤمنين ، وما هذا نحوه » .
أسئلة :
س 1 : بماذا تفسرون حسرات عائشة عند احتضارها ؟
س 2 : هل يدل يأس عائشة من غفران الله تعالى على أنها لم تتب ، أو كانت ترى أن التوبة لا تنفعها ؟ !
س 3 : هل لاحظتم أن خصوم علي ( عليه السلام ) كلهم يعيشون حالة رهيبة عند الموت ! فيها التحسر واليأس والخوف والهلع من لقاء الله تعالى ، ويتمنون أن لا يكونوا خلقوا ! وفي
--------------------------- 335 ---------------------------
المقابل يواجه علي وأبناؤه ( عليهم السلام ) وشيعتهم الموت باطمئنان ويقين ، وثقة برحمة الله تعالى ، حتى اشتهر عن علي ( عليه السلام ) قوله لما ضرب : فزت ورب الكعبة !

( م 280 ) كانت عنيفة فقتلت امرأة ! وقتلت حفصة امرأتين !

فقد قتلت عائشة امرأة واحدة ، زعمت أنها كتبت لها سحراً ، أما حفصة فقتلت امرأتين زعمت أنهما كتبا لها سحراً ! ( المحلى : 11 / 395 ) .
وقال النووي في المجموع ( 20 / 39 ) : « وأخرج مالك عن عائشة أنها قطعت يد عبد لها وأخرج أيضاً أن حفصة قتلت جارية لها سحرتها » .
وقال مالك في الموطأ ( 2 / 871 ) إن الأمة كانت مدبرة ، أي مكاتبة على حريتها . وفي الإستذكار ( 8 / 158 ) أن حفصة : « أمرت بها عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب فقتلها » ومغني ابن قدامه : 10 / 80 ، وصححه الألباني في إرواء الغليل : 6 / 178 .
وفي الطبقات : 3 / 356 ، أنها عندما قتل عمر دفعت أخاها عبيد الله لقتل الهرمزان وجفينة طفلة أبي لؤلؤة ! قال أخوها عبد الله : « يرحم الله حفصة فإنها من شجع عبيد الله على قتلهم » !
أسئلة :
س 1 : ألا تلاحظون العنف والخشونة في سلوك عائشة وحفصة وفي منطقهما ، والرحمة واللين في سلوك فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ؟ !
س 2 : هل يجوز للإنسان أن يقتل شخصاً يتهمه بأنه كتب له سحراً ، أم يجب عليه أن يشتكيه للقاضي ويأتي بالبينة ، فيحكم عليه بالتأديب إن ثبت عليه ؟ !
س 3 : عندما قتل عمر دفعت حفصة ابنه عبيد الله فذهب إلى بيته وقتل طفلته ، وقتل صاحبه جفينة ، وقتل الهرمزان ، واتفق المسلمون على أن الهرمزان مسلم قتل مظلوماً ،
--------------------------- 336 ---------------------------
وشهد عمر ببراءته من دمه ، وحكم علي ( عليه السلام ) بالقصاص على ابن عمر لقتله مؤمناً فهرب إلى معاوية ، فما هو الحد الذي يثبت على حفصة ؟ !

( م 281 ) زواج النبي ( صلى الله عليه وآله ) بحفصة حليفة عائشة

كان أبو بكر وعمر يعملان للتقرب السياسي من النبي ( صلى الله عليه وآله ) أكثر من جميع أصحابه ، وقد أمر الله عز وجل رسوله ( صلى الله عليه وآله ) أن يداري الناس ويترك الأمور تسير بشكل طبيعي ، لتجري سنن الله وقوانينه في هداية الأمم وضلالها .
وقد رأى عمر أن زواج النبي ( صلى الله عليه وآله ) من عائشة امتيازٌ مهم لأبي بكر ، ولم تكن عنده بنت ليعرضها على النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلا حفصة وهي أرملة كبيرة السن غير جميلة لذلك لم يعرضها عليه وعرضها على عثمان وأبي بكر ، فرفضاها !
ففي مسند أحمد : 2 / 27 : « عن ابن عمر قال : لما تأيَّمَتْ حفصة وكانت تحت خنيس بن حذافة ، ولقي عمر عثمان فعرضها عليه فقال عثمان : مالي في النساء حاجة وسأنظر ! فلقي أبا بكر فعرضها عليه فسكت ! فوجد عمر في نفسه على أبي بكر ، فإذا رسول الله قد خطبها ، فلقي عمر أبا بكر فقال : إني كنت عرضتها على عثمان فردني ، وإني عرضتها عليك فسكتَّ عني ، فلأنا عليك كنت أشد غضباً مني على عثمان وقد ردني ! فقال أبو بكر إنه ( ص ) قد كان ذكر من أمرها ، وكان سراً فكرهت أن أفشي السر » .
وفي الطبقات : 8 / 83 ، أن عمر شكى أبا بكر وعثمان للنبي ( صلى الله عليه وآله ) فخطبها منه ففرح فرحاً شديداً ! ولما طلقها النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال عمر : « يا ويح حفصة . قد خابت حفصة وخسرت ، قد كنت أظن هذا كائناً » ! ( الطبقات : 8 / 189 ، والبخاري : 3 / 103 ، وأحمد : 1 / 33 ) .
--------------------------- 337 ---------------------------
وكانت حفصة أمينة أبيها عمر فكان يودع عندها كل ما يكتبه في نسخة القرآن التي يريد نشرها وإلزام المسلمين بها ! وقد جعلها وصيته على أمواله ( الأم للشافعي : 7 / 236 ) وأهمها بساتين ثمغ ، التي أهداها له اليهود زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
وصارت حفصة ثرية وكان لها مخصصات من الخلافة : « ابتاعت حفصة حلياً بعشرين ألفاً فحبسته ( أوقفته ) على نساء آل الخطاب » ( المجموع : 15 / 325 ) .
س 1 : ما هي عقيدتكم في ترتيب نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأين تقع حفصة ؟ !

( م 282 ) اعترف محبوا حفصة أنها كانت تؤذي النبي ( صلى الله عليه وآله )

كانت حفصة تؤمن بنبوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لكن ذلك لم يمنعها من مخالفته ، وحتى مقاطعته وأذيته ! قال عمر : « فدخلت على حفصة فقلت : أتغاضب إحداكن رسول الله اليوم حتى الليل ؟ فقالت : نعم » ! ( صحيح بخاري : 3 / 103 ) .
قال عمر : « وكان بيني وبين امرأتي كلام فأغلظت لي فقلت لما وإنك لهناك ؟ قالت : تقول هذا لي وابنتك تؤذي النبي ( ص ) » ! ( صحيح بخاري : 7 / 47 ) .
وفي الكافي : 6 / 138 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « أن زينب قالت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا تعدل وأنت رسول الله ! وقالت حفصة : إن طلقنا وجدنا أكفاءنا في قومنا ! فاحتبس الوحي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عشرين يوماً ، قال : فأنف الله عز وجل لرسوله فأنزل : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً . . إلى قوله : أَجْرًا عَظِيمًا . فاخترن الله ورسوله ولو اخترن أنفسهن لبنَّ » .
--------------------------- 338 ---------------------------
وقد طلق النبي ( صلى الله عليه وآله ) حفصة مرتين ورجع إليها ، وكانت الثانية في السنة التاسعة قبيل غزوة تبوك ، كما نص أبوها ، ورواه البخاري وغيره . أما الأولى فيبدو أنها في نفس سنة زواجه بها .
س 1 : أخبر الله تعالى عن حفصة وعائشة بأنهما تعاونتا ضد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ودعاهما إلى ترك ذلك والتوبة فقال : إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ، وفي قراءة : زاغت قلوبكما . ونزلت فيهما آية النهي عن السخرية كما نص الجميع ، واعترفت حفصة بأنها كانت تغاضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتؤذيه ! فما حكم من ترتكب هذه المعاصي ، وهل وجدتم نصاً في توبتهما ، وطلبهما من النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يستغفر لهما ؟ !

( م 283 ) نزلت سورة التحريم تهديداً من الله لعائشة وحفصة !

اتفق الجميع على أن نزول سورة التحريم كان بسبب أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ائتمن حفصة على سره فأذاعته وتآمرت على النبي ( صلى الله عليه وآله ) هي وعائشة ونافقتا ، فهددهما الله تعالى بأشد تهديد ، وضرب الله لهما مثلاً بكافرتين من زوجات الأنبياء ( عليهم السلام ) خانتا زوجيهما في أمر الرسالة ، فقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ . ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحِينِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ .
قال المفيد في المسائل العكبرية / 77 : « جاء في حديث الشيعة عن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) أن السر الذي كان من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى بعض أزواجه إخباره عائشة أن الله أوحى إليه أن يستخلف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأنه قد ضاق ذرعاً بذلك لعلمه بما في
--------------------------- 339 ---------------------------
قلوب قريش له من البغضاء والحسد والشنآن ، وأنه خائف منهم فتنة عاجلة تضر بالدين ، وعاهدها أن تكتم ذلك ولا تبديه وتستره وتخفيه .
فنقضت عهد الله سبحانه عليها في ذلك ، وأذاعت سره إلى حفصة ، وأمرتها أن تعلم أباها ليعلمه صاحبه ، فيأخذ القوم لأنفسهم ويحتالوا في بعض ما يثبته رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حديث طويل له أسباب مذكورة .
ففعلت ذلك حفصة واتفق القوم على عقد بينهم إن مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يورثوا أحداً من أهل بيته ، ولا يؤتوهم مقامه ! واجتهدوا في تأخيرهم والتقدم عليهم ، فأوحى الله إلى نبيه ( صلى الله عليه وآله ) بذلك وأعلمه ما صنع القوم وتعاهدوا عليه ، وأن الأمر يتم لهم محنة من الله تعالى للخلق بهم !
فأوقف النبي ( صلى الله عليه وآله ) عائشة على ذلك وعرفها ما كان منها من إذاعة السر ، وطوى عنها الخبر بما علمه من تمام الأمر لهم ، لئلا تتعجل إلى المسرة به وتلقيه إلى أبيها فيتأكد طمع القوم فيما عزموا عليه ، وهو قوله تعالى : عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فالبعض الذي عرفه ما كان منها من إذاعة سره ، والبعض الذي أعرض عنه ذكر تمام الأمر لهم » .
وروى الطبراني في الكبير : 12 / 91 ، عن ابن عباس : « فقال لها رسول الله : لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة ، فإن أباك يلي من بعد أبي بكر إذا أنا مت ، ويلي عمر من بعده ، فذهبت حفصة فأخبرت عائشة » !
راجع ما كتبناه عن سورة التحريم في السيرة النبوية عند أهل البيت ( عليهم السلام ) . واتهام عائشة وحفصة لمارية القبطية رضي الله عنها ونزول براءتها !
س 1 : هل قرأتم سورة التحريم وتأملتم في تحذير الله تعالى لزوجتي النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتهديده لهما ، وأمره النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يجاهد المنافقين ويغلظ عليهم ، ثم ضرب لهما مثلاً
--------------------------- 340 ---------------------------
بامرأتي نبيين ( عليهما السلام ) كانتا منافقتين كافرتين ؟ ! فكيف يمكن لمنصف أن يقرأ هذا الذم والتقريع الذي نزل به جبرئيل ( عليه السلام ) ، ثم يغمض عينيه عنه ويمدحهما ؟ !

( م 284 ) وانفردت حفصة بأحاديث لم يروها غيرها !

مثل حديث أن أهل بدر كلهم في الجنة ، وأهل بيعة الرضوان كلهم في الجنة ، وحديث : « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » . وأحاديث لم يروها غيرها واتهمت بوضعها ! راجع : الإفصاح للمفيد / 219 .
س 1 : هل تصدقون حفصة بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال ذلك ؟ فلو كان قاله لتمسك به الشيخان في السقيفة لأنه ينص على أنهما بعده ، ويأمر الأمة بالاقتداء بهما ؟ !

  • *
    --------------------------- 341 ---------------------------

الفصل الثاني والثلاثون: أسئلة وإشكالات حول أبي بكر خاصة

( م 285 ) لماذا أخذ النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبا بكر معه في هجرته ؟

قال في الصحيح من السيرة : 4 / 212 : « ولعل الصحيح هو الرواية التي تقول إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد لقي أبا بكر في الطريق وكان أبو بكر قد خرج ليتنسم الأخبار ، وربما يكون استصحبه معه لكي لا يسأله سائل إن كان قد رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيقر لهم بأنه رآه ثم يدلهم على الطريق التي سلكها ، خوفاً من أن يتعرض لأذاهم » .
وروى الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل : 1 / 127 ، عن ابن عباس : « أنام رسول الله علياً على فراشه ليلة انطلق إلى الغار ، فجاء أبو بكر يطلب رسول الله فأخبره علي أنه قد انطلق فاتبعه » .
وروى في الخرائج : 1 / 144 ، عن علي ( عليه السلام ) قال : « وفتح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الباب وخرج عليهم وهم جميعاً جلوس ينتظرون الفجر وهو يقول : وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ . ومضى وهم لا يرونه ، فرأى أبا بكر قد خرج في الليل يتجسس عن خبره ، وقد كان وقف على تدبير قريش من جهتهم فأخرجه معه إلى الغار » .
وقال السيد الأمين في أعيان الشيعة : 1 / 338 : « فلما لحقهم سراقة بن مالك وهو رجل واحد بكى الصاحب خوفاً . . . ! أترى لو كان معهم علي ( عليه السلام ) هل كان يبكي ويهتم لرجل واحد ليس معه أحد ، وهو لم يهتم لثمانية فوارس » !
--------------------------- 342 ---------------------------
وفي صحيح بخاري : 4 / 190 ، ومسند أحمد : 1 / 3 ، من حديث طويل عن أبي بكر قال : « فقلت : يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا ، فقال : لا تحزن إن الله معنا حتى إذا دنا منا فكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين أو ثلاثة قال قلت : يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا وبكيت » ! والطبقات : 4 / 366 ، وأبو يعلى : 1 / 107 ، وابن شيبة : 8 / 457 ، وغيرها .
أسئلة :
س 1 : ألا تلاحظون أن سبب هجرة أبي بكر الذي ذكرته هذه الروايات أرجح ، لأنه خال من التناقض الذي ذكرته رواية السلطة ؟ !
س 2 : من تناقض روايات السلطة أن بعضها ذكر أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) طلب من أبي بكر أن يهاجر معه فهاجر من بيته ، وبعضها يذكر أنه لم يكن على علم بهجرته ؟
س 3 : ذكرت روايات السلطة أن أسماء بنت أبي بكر كانت يومها في مكة ، وذكر بعضها أنها كانت مع زوجها الزبير في المدينة ، وأنها في تلك الفترة وضعت حملها ! فما هو الصحيح ؟ !

( م 286 ) أسئلة حول آية الغار ؟

قال الله تعالى في سورة التوبة ، ونزلت في السنة التاسعة بعد غزوة تبوك :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرض أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ . إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَئٍ قَدِيرٌ . إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . ( 38 - 40 ) .
وهذه أسئلة حولها :
--------------------------- 343 ---------------------------
س 1 : أقسمت عائشة بأنه لم ينزل في أبي بكر وأولاده شئ من القرآن إلا آية براءتها ، ومعناه أن آية الغار ليست في أبي بكر ، أوليس فيها شئ من المدح له .
ففي صحيح بخاري : 6 / 41 : « كان مروان على الحجاز ، استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه ، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً ، فقال : خذوه ، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه ، فقال مروان إن هذا الذي أنزل الله فيه : وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ . فقالت عائشة من وراء الحجاب : ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن إلا أن الله أنزل عذري » !
فكيف رددتم شهادة عائشة وادعيتم نزول أن عدة آيات في فضل أبي بكر ! ورفعتم آية الغار علماً وجعلتموه ثاني اثنين لتوهموا الناس بأن النبي الأول وأبا بكر الثاني ، مع أن الآية جعلت النبي ( صلى الله عليه وآله ) الثاني ، ولا يقصد منها العدد ؟ !
ففي فتح الباري : 13 / 180 : « قال ابن التين : ما انفرد به أبو بكر وهو كونه ثاني اثنين وهي أعظم فضائله التي استحق بها أن يكون الخليفة من بعد النبي ( ص ) لذلك قال ( عمر ) : وإنه أولى الناس بأموركم . . فقوموا فبايعوه » . وفي تحفة الأحوذي : 10 / 106 : « قالوا من أنكر صحبة أبي بكر كفر ، لأنه أنكر النص الجلي ! بخلاف صحبة غيره » .
س 2 : كيف جعلتم الآية مدحاً لأبي بكر مع أن معناها أن الله تكفل بنصر نبيه ( صلى الله عليه وآله ) وإن لم تنصروه ، فقد نصره الله عندما كان وحيداً فاراً من قومه ليس معه إلا شخص واحد غير مقاتل ، فأنزل عليه السكينة والطمأنينة وجنوداً من ملائكته لم يرها رفقاءه . فليس في الآية إلا إشارة إلى شخص كان معه ، بقطع النظر عن نوع ذلك الشخص ، ومن هُوَ . والصحبة تكون للبر والفاجر ، كما قال تعالى : قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ » .
--------------------------- 344 ---------------------------
فالآية تتركز على الحديث عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا تنظر إلى غيره ، بل تعمدت إفراد الضمائر فقالت : إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ، ولم تقل إذ أخرجهما . وقالت : فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ولم تقل أيدهما أو أيدهم .
قال المفيد ( رحمه الله ) في الفصول المختارة / 43 ، ما حاصله : « لم ينزل الله سبحانه السكينة قط على نبيه ( صلى الله عليه وآله ) في موطن كان معه فيه أحد من أهل الإيمان إلا عمهم في نزول السكينة وشملهم بها فقال : فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ . أما في الغار فأفرد الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) بالسكينة فقال : فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ ! ولولا أن أبا بكر أحدث بحزنه في الغار منكراً لما حرمه الله من السكينة التي تنزل على المؤمنين !
راجع في آية الغار : الصحيح من السيرة : 4 / 23 ، والصوارم المهرقة / 302 ، وقد رد ادعائهم نزول آيات في أبي بكر . ، وشرح الأخبار : 2 / 245 ، والاختصاص / 96 ، والاحتجاج : 2 / 143 ، والمسترشد / 433 ، والعياشي : 2 / 88 ، والدر المنثور : 6 / 41 ، وعمدة القاري : 19 / 169 ، والتسهيل : 2 / 13 .
س 3 : جعل رواة السلطة لأسماء بنت أبي بكر دوراً في الهجرة وأنها كانت تحمل لهم الطعام إلى الغار فشقت حزامها قطعتين لتربط الزاد ، فسماها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذات النطاقين ، مع أنها هاجرت قبلهم إلى المدينة مع زوجها الزبير ، ووضعت ابنها عبد الله هناك في تلك الأيام ! ( تاريخ خليفة بن خياط / 207 ) !
س 4 : لماذا غطى رواة السلطة أن أبا بكر ترك النبي ( صلى الله عليه وآله ) في قباء ؟ فقال ابن هشام : 2 / 342 : « نزل النبي ( صلى الله عليه وآله ) في قباء . ونزل أبو بكر على خبيب بن إساف أحد بني الحارث بن الخزرج بالسنح » . وقال ابن خلدون : 2 ق 2 / 15 : « ونزل أبو بكر بالسنح في بني الحرث » . والسنح يقع في العالية خارج المدينة باتجاه نجد ! « قال عياض : هذا حدُّ أدناها وأبعدها ثمانية أميال ، وبه جزم ابن عبد البر » . ( الصحيح من السيرة : 11 / 63 ) .
وغاب الشيخان فلا تجد لهما ذكراً في قباء ، ولا في دخول النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة ، ولا في بناء مسجده ! وقد روينا عن أهل البيت ( عليهم السلام ) كما في الكافي : 8 / 338 : « فقال له أبو بكر :
--------------------------- 345 ---------------------------
إنهض بنا إلى المدينة ، فإن القوم قد فرحوا بقدومك وهم يستريثون إقبالك إليهم فانطلق بنا ولا تقم هاهنا تنتظر علياً فما أظنه يقدم عليك إلى شهر !
فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كلّا ما أسرعه ، ولست أريم حتى يقدم ابن عمي وأخي في الله عز وجل وأحب أهل بيتي إليَّ ، فقد وقاني بنفسه من المشركين . قال : فغضب عند ذلك أبو بكر واشمأز ، وداخله من ذلك حسد لعلي ( عليه السلام ) . . فانطلق حتى دخل المدينة ، وتخلف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقبا ينتظر علياً » .

( م 287 ) . بعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبا بكر ليبلغ سورة براءة ثم عزله

قال المجلسي في البحار ( 30 / 411 ) : « إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يول أبا بكر شيئاً من الأعمال مع أنه كان يوليها غيره ، ولما أنفذه لأداء سورة براءة إلى أهل مكة عزله وبعث علياً ( عليه السلام ) ليأخذها منه ويقرأها على الناس ، ولما رجع أبو بكر إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال له ( صلى الله عليه وآله ) : لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني . فمن لم يصلح لأداء سورة واحدة إلى أهل بلدة ، كيف يصلح للرئاسة العامة المتضمنة لأداء جميع الأحكام إلى عموم الرعايا في سائر البلاد ؟ ! » .
وفي خصائص علي ( عليه السلام ) للنسائي / 62 ، عن عمرو بن ميمونة قال : « إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا : يا ابن عباس إما أن تقوم معنا ، وإما أن تخلو بنا بين هؤلاء . ، فقال ابن عباس : بل أنا أقوم معكم . قال : وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى ، قال : فابتدؤوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا ، قال : فجاء وهو ينفض ثوبه وهو يقول : أفٍّ وتُفّ ، وقعوا في رجل له بضع عشر ! وقعوا في رجل قال له رسول الله ( ص ) : لأبعثن رجلاً يحب الله ورسوله لا يخزيه الله أبداً ، قال : فاستشرف لها من استشرف فقال : أين ابن أبي طالب ؟ قيل : هو في الرحى يطحن
--------------------------- 346 ---------------------------
قال : وما كان أحدكم ليطحن ، قال : فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر ، فتفل في عينيه ثم هز الراية ثلاثاً فدفعها إليه . . »
ثم ذكر ابن عباس عدة مناقب لعلي منها أن الله أمر نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر ويدفعها إليه ، لأنه لا يبلغ عنه إلا هو ، أو رجل منه ! وسنن النسائي : 5 / 113 ، وأحمد : 1 / 330 ، والحاكم : 3 / 132 ، والسنة لابن أبي عاصم / 588 ، وتاريخ دمشق : 42 / 101 ونهاية ابن كثير : 7 / 374 ، والخوارزمي / 125 ، وفرات / 341 ، وكشف اليقين / 27 ، وينابيع المودة : 1 / 110 ، وشرح الأخبار : 2 / 299 ، والمراجعات / 195 ، وقال صححه الذهبي .
وفي مسند أحمد ( 1 / 151 ) ، عن علي ( عليه السلام ) قال : « دعا النبي ( ص ) أبا بكر فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة ، ثم دعاني النبي ( ص ) فقال لي أدرك أبا بكر فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه ، فاذهب به إلى أهل مكة فاقرأه عليهم ، فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه ورجع أبو بكر إلى النبي ( ص ) فقال : يا رسول الله نزل في شئ ؟ قال : لا ولكن جبريل جاءني فقال : لن يؤدى عنك إلا أنت أو رجل منك » .
وفي سنن النسائي : 5 / 129 ، عن سعد بن وقاص قال : « بعث رسول الله ( ص ) أبا بكر ببراءة حتى إذا كان ببعض الطريق أرسل علياً فأخذها منه ثم سار بها ، فوجد أبو بكر في نفسه ( حزن أو غضب ) فقال : قال رسول الله ( ص ) إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني » .
أقول : هذا ظاهر في أن أبا بكر رجع وذهب بدله علي ( عليه السلام ) وأبلغ المكيين الآيات ، وقرأها مرات في الموسم . قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) لما قرأ قوله تعالى : بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . فَسِيحُوا فِي الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ . . قام خداش وسعيد أخوا عمرو بن ود فقال : وما يسرُّنا على أربعة أشهر ، بل برئنا منك ومن ابن عمك فليس بيننا وبين ابن عمك إلا السيف والرمح ، وإن شئت بدأنا بك !
--------------------------- 347 ---------------------------
فقال علي ( عليه السلام ) : أجل أجل ، إن شئت ، هلموا ! ثم واصل ( عليه السلام ) تلاوته : وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ » . ( المناقب : 1 / 392 ، وإقبال الأعمال : 2 / 41 ) .
أسئلة :
س 1 : ألا ترون أن المتعصبين لأبي بكر استعظموا أن يعزله النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن تبليغ سورة براءة بأمر الله تعالى ! فوضعوا حديث أن أبا بكر بقي أمير الحاج في تلك السنة ، وأن مهمة علي ( عليه السلام ) كانت تبليغ سورة براءة فقط !
قال ابن هشام ( 4 / 972 ) : « ثم دعا علي بن أبي طالب فقال له : أخرج بهذه القَصَّة من صدر براءة ، وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى ، أنه لا يدخل الجنة كافر ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عند رسول الله ( ص ) عهد فهو له إلى مدته ، فخرج علي بن أبي طالب على ناقة رسول الله ( ص ) العضباء ، حتى أدرك أبا بكر بالطريق ، فلما رآه أبو بكر بالطريق قال : أأمير أم مأمور ؟ فقال : بل مأمور ، ثم مضيا ، فأقام أبو بكر للناس الحج ، والعرب إذا ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج التي كانوا عليها في الجاهلية ، حتى إذا كان يوم النحر قام علي بن أبي طالب فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله ( ص ) » !
ولم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن أبا بكر كسر أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأرسل مؤذنين في الحج بلغوا سورة براءة ! قال أبو هريرة : « بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين يوم النحر نؤذن بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان » ! ( بخاري : 1 / 97 ) .
قال الشيخ محمود أبو رية في كتابه : شيخ المضيرة أبو هريرة / 109 : « ومن ذلك أنه زعم أنه كان مع أبي بكر في حجته ، وأورد في ذلك أحاديث ملفقة متعارضة ، وللأسف أوردها البخاري في كتابه ، وكلها قد جاءت من قبل أبي هريرة وابنه المحرر ، فمرة يقول : إن
--------------------------- 348 ---------------------------
أبا بكر قد بعثه في مؤذنين في تلك الحجة ليؤذن في الناس ، ثم أردف النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعلي فأمره أن يؤذن ببراءة ! أي أنه كان مع أبي بكر وأن علياً قدم عليهم .
وتارة أخرى يقول : كنت في البعث الذين بعثهم رسول الله مع علي ببراءة وكنا نقول : لا يدخل الجنة إلا مؤمن ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فأجله إلى أربعة أشهر » !
وواقع القصة كما رواها العلامة الحلي في كشف اليقين / 172 : « كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعث أبا بكر ببراءة إلى مكة : ألا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، ومن كان بينه وبين رسول الله مدة فأجله مدته والله برئ من المشركين ورسوله . فسار بها ثلاثة أيام فنزل جبريل وقال : إن الله يقرؤك السلام ويقول لك : لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك ، فاستدعى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علياً ( عليه السلام ) وقال له : إركب ناقتي العضباء والحق أبا بكر فخذ براءة من يده ، وامض بها إلى مكة فانبذ عهد المشركين إليهم ، وخير أبا بكر بين أن يسير مع ركابك أو يرجع . فركب أمير المؤمنين ناقة رسول الله العضباء وسار حتى لحق أبا بكر ، فلما رآه جزع من لحوقه واستقبله وقال : فيمَ جئت يا أبا الحسن ؟ أسائر أنت معي أو لغير ذلك ؟ فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمرني أن ألحقك وأقبض منك الآيات من براءة وأنبذ بها عهد المشركين إليهم ، وأمرني أن أخيرك بين أن تسير معي أو ترجع إليه ، فقال : بل أرجع إليه . وعاد إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فلما دخل عليه قال : يا رسول الله إنك أهلتني لأمر طالت الأعناق فيه إلي ، فلما توجهت إليه رددتني عنه أنزل في القرآن ؟
فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : لا ولكن الأمين هبط إلي عن الله عز وجل بأنه لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك ، وعلي مني ولا يؤدي عني إلا علي .
حدث الزبير بن بكار بن الزبير بن العوام وكان من بني أمية ، عن ابن عباس قال : إني لأماشي عمر بن الخطاب في سكة من سكك المدينة ، إذ قال لي : يا ابن عباس ما أظن
--------------------------- 349 ---------------------------
صاحبك إلا مظلوماً ! قلت : فاردد ظلامته ! فانتزع يده من يدي ومضى وهو يهمهم ساعة ثم وقف فلحقته ، فقال : يا ابن عباس ما أظنهم منعها منه إلا لأنهم استصغروه ! فقلت والله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من صاحبك ! قال : فأعرض عني » !
س 2 : روى الجميع بأصح الأسانيد قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « علي مني وأنا منه ، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي » . ( أحمد : 4 / 165 ، وابن ماجة : 1 / 44 ، والترمذي : 5 / 300 ، وفضائل الصحابة / 15 ، ومجمع الزوائد ( 7 / 29 ) .
وفي السنة لابن أبي عاصم / 552 : « قال رسول الله ( ص ) : علي مني وأنا من علي ، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي » .
وفي الجامع الصغير ( 2 / 177 ) : « عليٌّ مني وأنا من علي ، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي . علي مني بمنزلة رأسي من بدني » .
والسؤال : هل أدى أبو بكر وعمر شيئاً عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حياته وبعده ، أم لا ؟ وإذا كان لا يحق لهما أن يؤديا عنه أي شئ حتى صغيراً ، فكيف جاز لهما أن يحكما أمته باسمه ! راجع في سورة براءة والأداء عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : علل الشرائع ( 1 / 189 ) ، والإرشاد ( 1 / 65 ) ، والعياشي ( 2 / 74 ) ، وإعلام الورى ( 1 / 248 ) ، وإحقاق الحق للتستري / 276 ، وفتح الباري ( 8 / 40 و 66 ) ، وعمدة القاري ( 4 / 78 ، و : 18 / 17 و 260 ) ، وتحفة الأحوذي ( 8 / 386 و : 10 / 152 ) وخصائص النسائي / 90 ، وتخريج الأحاديث ( 2 / 49 ) ، وكشف الخفاء ( 1 / 204 ) .

( م 288 ) ندم أبو بكر على مهاجمته بيت علي وفاطمة ( عليهما السلام ) !

في مجمع الزوائد : 5 / 202 ، « عن عبد الرحمن بن عوف قال : دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي توفي فيه ، فسلمت عليه وسألته : كيف أصبحت ؟ قال :
--------------------------- 350 ---------------------------
أما إني لا آسى على شي إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني لم أفعلهن ، وثلاث لم أفعلهن وددت أني فعلتهن ، وثلاث وددت أني سألت رسول الله عنهن :
فأما الثلاث التي وددت أني لم أفعلهن : فوددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته وإن أغلق على الحرب ! ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين أبي عبيدة أو عمر وكان أمير المؤمنين وكنت وزيراً !
ووددت أني حين وجهت خالد بن الوليد إلى أهل الردة ، أقمت بذي القصة ، فإن ظفر المسلمون ظفروا وإلا كنت ردءاً ومدداً .
وأما الثلاث اللاتي وددت أني فعلتها : فوددت أني يوم أتيت بالأشعث أسيراً ضربت عنقه ، فإنه يخيل إلي أنه لا يكون شر إلا طار إليه !
ووددت أني يوم أتيت بالفجأة السلمي لم أكن أحرقته وقتلته سريحاً أو أطلقته نجيحاً . ووددت أني حين وجهت خالد بن الوليد إلى الشام ، وجهت عمر إلى العراق فأكون قد بسطت يميني وشمالي في سبيل الله عز وجل .
وأما الثلاث اللاتي وددت أني سألت رسول الله عنهن : فوددت أني سألته فيمن هذا الأمر فلا ينازع أهله ، ووددت أني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر سبب . ووددت أني سألته عن العمة وبنت الأخ ، فإن في نفسي منهما حاجة » !
أقول : هذا نص على أن أبا بكر ندم على مهاجمته بيت فاطمة ( عليها السلام ) حتى لو كانوا يعدون العدة لحربه ! وقد استفاضت رواية مهاجمتهم لبيت فاطمة ( عليها السلام ) !
ونورد خلاصتها من كتاب : حوار مع فضل الله / 247 ، للسيد هاشم الهاشمي ، قال :
« ومن هذه المصادر ما يلي :
--------------------------- 351 ---------------------------
1 - ما رواه سليم بن قيس الهلالي المتوفى حدود سنة 76 ه‍ في كتابه : « ثم دفعه أي عمر فدخل فاستقبلته فاطمة وصاحت يا أبتاه يا رسول الله ، وكذلك رواه بعبارة أخرى هي : فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن »
. 2 - ما ذكره حميد بن زنجويه المتوفى سنة 251 ه‍ في كتابه من قول أبي بكر : فوددت اني لم أكشف بيت فاطمة . ولكن ابن زنجويه نقل هذا الحديث بشكل آخر فيه حذف بغرض التستر على من هجم على بيت الزهراء ( عليها السلام ) ، وجاء فيه : فوددت أني لم أكن فعلت كذا وكذا لشئ ذكره .
. 3 - ما ذكره الفضل بن شاذان المتوفى سنة 260 ه‍ في كتابه حيث قال : وروى زياد البكائي وكان من فرسان أصحابكم في الحديث قال : أخبرنا صالح بن كيسان ، عن أياس بن قبيصة الأسدي وكان شهد فتح القادسية يقول : سمعت أبا بكر يقول : وأما الثلاث التي فعلتهن وليتني لم أفعلهن ، فكشفي بيت فاطمة .
4 - ما أشار إليه عبد الله بن مسلم بن قتيبة المتوفى سنة 276 ه‍ في كتابه بقوله : وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا علياً .
. 5 - ما ذكره أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتب العباسي المعروف باليعقوبي والمتوفى بعد سنة 292 ه‍ في تاريخه من قول أبي بكر قرب وفاته : « وليتني لم أفتش بيت فاطمة بنت رسول الله وأدخله الرجال ولو كان أغلق على حرب » وكذلك في موضع آخر من تاريخه حيث جاء فيه : « فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار . ودخلوا فخرجت فاطمة » .
. 6 - ما رواه محمد بن مسعود بن عياش السلمي المعروف بالعياشي الذي عاش في أواخر القرن الثالث في تفسيره ، فقد جاء فيه : « فرأتهم فاطمة صلوات الله عليها أغلقت الباب في وجوههم ، وهي لا تشك أن لا يدخل عليها إلا
--------------------------- 352 ---------------------------
بإذنها ، فضرب عمر الباب برجله فكسره وكان من سعف ، ثم دخلوا فأخرجوا علياً ( عليه السلام ) » .
. 7 - ما ذكره محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 في كتابه تاريخ الأمم والملوك : 2 / 619 بكلام مشابه لما نقله اليعقوبي .
. 8 - ما رواه الشيخ محمد بن يعقوب الكليني المتوفى سنة 329 ه‍ عن الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن الوشاء ، عن أبان ، عن أبي هاشم قال : « لما أخرج بعلي ( عليه السلام ) خرجت فاطمة واضعة قميص رسول الله على رأسها ، آخذة بيدي ابنيها ، فقالت : ما لي ولك يا أبا بكر ؟ تريد أن تؤتم ابني وترملني من زوجي ؟ والله لولا أن يكون سيئة لنشرت شعري ، ولصرخت إلى ربي ! فقال رجل من القوم : ما تريد إلى هذا ؟ ثم أخذت بيده فانطلقت به » .
وبالإسناد عن أبان ، عن علي بن عبد العزيز ، عن عبد الحميد الطائي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : والله لو نشرت شعرها ماتوا طراً .
. 9 - ما ذكره المؤرخ علي بن الحسين المسعودي المتوفى سنة 346 ه‍ في كتابه إثبات الوصية حيث جاء فيه : فأقام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فوجهوا إلى منزله فهجموا عليه وأحرقوا بابه واستخرجوه منه ! وكذلك ما رواه في مروج الذهب من كلام مقارب لما نقله اليعقوبي .
. 10 - ما رواه جعفر بن محمد بن قولويه المتوفى سنة 367 ه‍ في كتابه كامل الزيارات ، فقد جاء فيه من حديث عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أن مما أخبره الله عز وجل نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ليلة أسري به إلى السماء عن ابنته فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ما يلي : « ويُدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير إذن ، ثم يمسها هوان وذل » !
--------------------------- 353 ---------------------------
11 - ما رواه الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي سنة 381 ه‍ في باب الثلاثة من خصاله بحديث مشابه لما ذكره اليعقوبي آنفاً .
. 12 - ما رواه محمد بن جرير بن رستم الطبري الذي عاش في القرن الرابع في كتابه دلائل الإمامة ، فقد جاء فيه : « فلما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجرى ما جرى في يوم دخول القوم عليها دارها وإخراج ابن عمها أمير المؤمنين » .
ونقل أيضاً في المسترشد عن أبي جعفر محمد بن هارون الربعي البغدادي البزاز المعروف بأبي نشيط أنه قال : أخبرنا مخول بن إبراهيم النهدي ، قال : حدثنا مطر بن أرقم ، قال : حدثنا أبو حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) قال : « لما قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبويع أبو بكر ، تخلف علي ( عليه السلام ) فقال عمر لأبي بكر : ألا ترسل إلى هذا الرجل المتخلف فيجئ فيبايع ؟ قال أبو بكر : يا قنفذ اذهب إلى علي وقل له : يقول لك خليفة رسول الله تعال بايع ! فرفع علي ( عليه السلام ) صوته وقال : سبحان الله ما أسرع ما كذبتم على رسول الله ! قال : فرجع فأخبره ، ثم قال عمر : ألا تبعث إلى هذا الرجل المتخلف فيجئ فيبايع ؟ فقال لقنفذ : إذهب إلى علي ، فقل له : يقول لك أمير المؤمنين : تعال بايع ، فذهب قنفذ ، فضرب الباب ، فقال علي : من هذا ؟ قال : أنا قنفذ ، فقال : ما جاء بك ؟ قال : يقول لك أمير المؤمنين تعال فبايع !
فرفع علي صوته وقال : سبحان الله ! لقد ادعى ما ليس له ، فجاء فأخبره ، فقام عمر فقال : انطلقوا إلى هذا الرجل حتى نجئ إليه ، فمضى إليه جماعة ، فضربوا الباب ، فلما سمع علي ( عليه السلام ) أصواتهم لم يتكلم ، وتكلمت امرأته فقالت : من هؤلاء ؟ فقالوا : قولي لعلي يخرج ويبايع ، فرفعت فاطمة ( عليها السلام ) صوتها فقالت : يا رسول الله ما لقينا من أبي بكر وعمر من بعدك ؟ ! فلما سمعوا صوتها بكى كثير ممن كان معه ثم انصرفوا ، وثبت عمر في ناس معه فأخرجوه وانطلقوا به ، إلى
--------------------------- 354 ---------------------------
أبي بكر حتى أجلسوه بين يديه ! فقال أبو بكر : بايع ، قال : فإن لم أفعل ؟ قال : إذا والله الذي لا إله إلا هو تضرب عنقك » !
13 - ما ذكره أبو الصلاح الحلبي المتوفى سنة 447 ه‍ في كتابه تقريب المعارف : « ومما يقدح في عدالة الثلاثة قصدهم أهل بيت نبيهم بالتحيف والأذى والوضع من أقدارهم واجتناب ما يستحقونه من التعظيم ، فمن ذلك عدم أمان كل معتزل بيعتهم ضررهم ، وقصدهم علياً ( عليه السلام ) بالأذى لتخلفه عنهم ، والإغلاظ له في الخطاب والمبالغة في الوعيد ، وإحضار الحطب لتحريق منزله ، والهجوم عليه بالرجال من غير إذنه ، والإتيان به ملبباً » !
14 - ما ذكره عز الدين أبو حامد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد المدائني المعتزلي المتوفى سنة 656 ه‍ في كتابه حيث قال : « فأما امتناع علي من البيعة حتى أخرج على الوجه الذي أخرج عليه ، فقد ذكر المحدثون ورواة أهل السير . روى سعد بن إبراهيم أن عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر ذلك اليوم ، وأن محمد بن مسلمة كان معهم ، وأنه هو الذي كسر سيف الزبير . وكان خارج البيت مع خالد جمع كثير من الناس ، أرسلهم أبو بكر ردءاً لهما ! ثم دخل عمر فقال لعلي : قم فبايع فتلكأ واحتبس فأخذ بيده ، وقال : قم فأبى أن يقوم ، فحمله ودفعه كما دفع الزبير ، ثم أمسكهما خالد وساقهما عمر ومن معه سوقاً عنيفاً ! واجتمع الناس ينظرون وامتلأت شوارع المدينة بالرجال ورأت فاطمة ما صنع عمر ، فصرخت وولولت ، واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن ، فخرجت إلى باب حجرتها ، ونادت : يا أبا بكر ، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله ! والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله » !
--------------------------- 355 ---------------------------
ثم روى عن عمر بن شبة ، أن عبد الله بن الحسن سئل عن أبي بكر وعمر فقال : « كانت أمنا صديقة ابنة نبي مرسل ، وماتت وهي غضبي على قوم ، فنحن غضاب لغضبها » ! راجع : مأساة الزهراء : 1 / 212 ، ونفحات الأزهار : 3 / 298 ، و 303 و 305 .
أسئلة :
س 1 : ما معنى قول أبي بكر : « فوددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته وإن أغلق على الحرب » ! وهل ندم على مهاجمتهم البيت ندماً دينياً مبعثه التقوى أو ندماً سياسياً لأن هذا الهجوم أضر بهم ؟
س 2 : ما معنى قوله « وإن أغلق على الحرب » هل كان يحتمل أن علياً والمعتصمين في البيت يفكرون بمهاجمتهم ؟ !
س 3 : لماذا تمنى أن يكون يوم السقيفة بايع عمر أو أبا عبيدة ، وهل أن حصره البديل له بهما يشير إلى الاتفاق الرباعي بينهم والصحيفة التي كتبوها في الكعبة ؟ ولماذا لم يذكر الرابع وهو سالم مولى حذيفة ، وقد كان عمر يذكره مع أبي عبيدة ؟ !
س 4 : ما معنى قوله : « ووددت أني حين وجهت خالد بن الوليد إلى أهل الردة ، أقمت بذي القصة ، فإن ظفر المسلمون ظفروا وإلا كنت ردءاً ومدداً » ؟
فذو القصة مكان على بريد من المدينة ( سنن البيهقي : 8 / 334 ) وقد خرج إليه أبو بكر في جمادى الثانية أي بعد شهرين من خلافته ، فقد جمع طليحة الأسدي جيشه وأغار على أطراف المدينة ، ودخل بعضهم إلى المدينة يطلبون إعفاءهم من الزكاة ، وقبل بذلك عمر وحاول إقناع أبي بكر ، لكن علياً ( عليه السلام ) رفض وحرك أبا بكر والمسلمين إلى ذي القصة ، قال ابن عمر كما في غرائب مالك للدارقطني : « لما ندر أبو بكر الصديق إلى ذي القصة في شأن أهل الردة واستوى على راحلته ، أخذ علي بن أبي طالب بزمام راحلته وقال : إلى أين يا خليفة رسول الله ؟ أقول لك ما قال لك رسول الله يوم أحد :
--------------------------- 356 ---------------------------
شم سيفك ولا تفجعنا بنفسك ، وارجع إلى المدينة ، فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبداً » ! ( كنز العمال : 5 / 658 ) فأرسل المسلمين إلى حرب طليحة بقيادة خالد بن الوليد ، ورجع إلى المدينة .
فهل تمنى أبو بكر في آخر عمره أن يكون بقي في ذي القصة ليدير المعركة بأحسن مما وقعت ، وهل يقصد الندم على ما فعله خالد بن الوليد حيث غدر بمالك بن نويرة رئيس بني يربوع من بني تميم وواليهم من قبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقتله وأخذ زوجته ؟ !
راجع في خبر ذي القصة : تاريخ خليفة / 65 ، وتاريخ الطبري : 2 / 474 ، و 476 ، و 480 ، والتنبيه والإشراف / 219 ، وشرح النهج : 17 / 153 ، ومعجم البلدان : 4 / 366 ،
س 5 : ما معنى ندمه على عدم قتل الأشعث بن قيس : « فوددت أني يوم أتيت بالأشعث أسيراً ضربت عنقه ، فإنه يخيل إلي أنه لا يكون شر إلا طار إليه » !
ولكن أبا بكر عفا عنه وزوجه أخته ، فصار الأشعث من زعماء الدولة في عهده وعهد عمر وعثمان ، وكانت له أدوار شريرة كما وصفه !
س 6 : قال أبو بكر « وددت أني يوم أتيت بالفجأة السلمي لم أكن أحرقته وقتلته سريحاً أو أطلقته نجيحاً » . فهل اعتراف بالذنب كما تقدم ، وهل يكفي لبراءة الذمة منه ؟ !
س 7 : لماذا تمنى أبو بكر أن يكون أرسل عمر إلى العراق ، هل يريد أن يقتل عمر في المعارك أو غيرها ، أم إبعاده عن التدخل في أمر الخلافة ؟ !
س 8 : أعجب ما في كلام أبي بكر قوله الأخير : « وأما الثلاث اللاتي وددت أني سألت رسول الله عنهن : فوددت أني سألته فيمن هذا الأمر فلا ينازع أهله ، ووددت أني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر سبب . ووددت أني سألته عن العمة وبنت الأخ ، فإن في نفسي منهما حاجة » ! فكيف لا يعرف لمن الأمر بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقد بايع بالأمس علياً ( عليه السلام ) وبخبخ له هو وعمر ؟ ! وقد كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) من أول بعثته يأخذ البيعة من المسلمين على عدم منازعة الأمر أهله من بعده ، كما تقدم في حقوق أهل البيت ( عليهم السلام ) ؟ !
--------------------------- 357 ---------------------------
وهل نسي أبو بكر وصايا النبي ( صلى الله عليه وآله ) المتكررة بالأنصار ؟
ولماذا خص بالذكر سهم العمة وبنت الأخ في الإرث ، ولم يذكر الجدة والكلالة وغيرها من مسائل الفقه ، التي تحير فيها ووقع في التناقض ؟ !

( م 289 ) أبو بكر أمر خالداً بقتل الصحابي مالك بن نويرة !

قال المحامي أحمد حسين يعقوب في : الخطط السياسية / 409 : « مالك بن نويرة كان شاعراً وفارساً من فرسان بني يربوع في الجاهلية ، ومن أشرافهم ، فلما أسلم مالك عيَّنه رسول الله أميراً على صدقات قومه ، ومات الرسول وهو على إمارته فلما توفي النبي أمسك الصدقة ووزعها على قومه وقال :
فقلت خذوا أموالكم غير خائف * ولا ناظر في ما يجئ من الغد
فإن قام بالدين المخوف قائم * أطعنا وقلنا الدين دين محمد
فغزاه خالد بن الوليد ، وقال له ولقومه : ضعوا السلاح فوضعوا سلاحهم ، وقالوا لخالد نحن مسلمون ! وفي وفيات الأعيان وفوات الوفيات وتاريخ أبي الفداء وابن شحنة : أن مالك قال لخالد : يا خالد إبعثنا لأبي بكر فيكون هو الذي يحكم بنا وفينا ، فإنك بعثت إليه غيرنا من جرمه أكبر من جرمنا !
فقال خالد : لا أقالني الله إن لم أقتلك ، ثم أمر ضرار بن الأزور ليضرب عنقه ! فقال مالك : أنا على الإسلام ! فقال خالد : يا ضرار اضرب عنقه ! وتزوج خالد امرأة مالك بن نويرة بنفس الليلة !
وفي رواية الطبري عن عبد الرحمن بن أبي بكر : فلما بلغ عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر ، وقال عمر : عدو الله ، عدا على امرئ مسلم فقتله ثم نزا على
--------------------------- 358 ---------------------------
امرأته ! فلما أقبل خالد قام إليه عمر فانتزع الأسهم من لأمته وحطمها ، ثم قال : أرياءً ! قتلت امرءا مسلماً ثم نزوت على امرأته ! والله لأرجمنك بأحجارك !
فدخل خالد فاعتذر لأبي بكر فقبل عذره ، واعتبر خالد مجتهداً ومأجوراً ، لأنه قتل صاحب رسول الله وأميره ! أما مالك فلا أجر له مع أنه صحابي لأن قاتله خالد بن الوليد من أهل الطاعة !
قال ابن تيمية في منهاجه السنة : 3 / 19 : « وأكثر هذه الأمور لهم فيها معاذير تخرجها عن أن تكون ذنوباً ، وتجعلها من موارد الإجتهاد التي إن أصاب المجتهد فيها فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد ! وقال ابن حزم في المحلى وابن التركماني في الجوهر النقي : لا خلاف بين أحد من الأمة بأن عبد الرحمن بن ملجم لم يقتل عليا إلا متأولاً مجتهداً ، مقدراً أنه على صواب !
وهكذا فإن المقتول علياً ( عليه السلام ) كالقاتل عبد الرحمن بن ملجم ، وكلاهما مأجور لأنه مجتهد ! والقاتل أبو لؤلؤة مثل المقتول عمر وكلاهما مأجور لأنه مجتهد » !
وفي الفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي / 75 : « قال البراء بن عازب بينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جالس في أصحابه إذا أتاه وافد من بني تميم مالك بن نويرة ، فقال : يا رسول الله علمني الإيمان ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : تشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأني رسول الله ، وتصلي الخمس ، وتصوم رمضان ، وتؤدي الزكاة ، وتحج البيت ، وتوالي وصيي هذا من بعدي ، وأشار إلى علي ( عليه السلام ) بيده ، ولا تسفك دماً ولا تسرق ، ولا تخون ، ولا تأكل مال اليتيم ، ولا تشرب الخمر ، وتوفى بشرائعي وتحلل حلالي ، وتحرم حرامي ، وتعطي الحق من نفسك للضعيف والقوي ، والكبير والصغير ، حتى عد عليه شرائع الإسلام .
--------------------------- 359 ---------------------------
فقال يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أعِدْ عليَّ فإني رجلٌ نَسَّاء ، فأعاد عليه فعقدها بيده وقام وهو يجر إزاره وهو يقول : تعلمت الإيمان ورب الكعبة ، فلما بعد من رسول الله قال ( صلى الله عليه وآله ) : من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا الرجل ! فقال أبو بكر وعمر : إلى من تشير يا رسول الله ؟ فأطرق إلى الأرض ، فجدَّا في السير فلحقاه فقالا : لك البشارة من الله ورسوله بالجنة ! فقال : أحسن الله تعالى بشارتكما إن كنتما ممن يشهد بما شهدت به فقد عَلمتما ما علمني النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وإن لم تكونا كذلك فلا أحسن الله بشارتكما !
فقال أبو بكر : لا تقل فأنا أبو عائشة زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! قال : قلت ذلك ، فما حاجتكما ؟ قالا : إنك من أصحاب الجنة فاستغفر لنا ، فقال : لا غفر الله لكما تتركان رسول الله صاحب الشفاعة ، وتسألاني أستغفر لكما ! فرجعا والكآبة لائحة في وجهيهما ، فلما رآهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تبسم وقال : أفي الحق مغضبة ؟ !
فلما توفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ورجع بنو تميم إلى المدينة ومعهم مالك بن نويرة فخرج لينظر من قام مقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فدخل يوم الجمعة وأبو بكر على المنبر يخطب بالناس فنظر إليه وقال : أخو تيم ؟ ! قالوا : نعم . قال : فما فعل وصي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذي أمرني بموالاته ؟ قالوا : يا أعرابي الأمر يحدث بعده الأمر ! قال : بالله ما حدث شئ ، وإنكم قد خنتم الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ! ثم تقدم إلى أبي بكر وقال : من أرقاك هذا المنبر ووصي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جالس ؟ فقال أبو بكر : أخرجوا الأعرابي البوال على عقبيه من مسجد رسول الله ! فقام إليه قنفذ بن عمير وخالد بن الوليد فلم يزالا يلكزان عنقه حتى أخرجاه ، فركب راحلته وأنشأ يقول
أطعنا رسول الله ما كان بيننا * فيا قوم ما شأني وشأن أبي بكر
إذا مات بكر قام عمرٌو ومقامه * فتلك وبيت الله قاصمة الظهر
--------------------------- 360 ---------------------------
يدب ويغشاه العشار كأنما * يجاهد جماً أو يقوم على قبر
فلو قام فينا من قريش عصابة * أقمنا ولكن القيام على جمر
قال : فلما استتم الأمر لأبي بكر وجه خالد بن الوليد وقال له : قد علمت ما قاله مالك على رؤس الأشهاد ، ولست آمن أن يفتق علينا فتقاً لا يلتئم ، فاقتله ! فحين أتاه خالد ركب جواده وكان فارساً يعد بألف ، فخاف خالد منه فآمنه وأعطاه المواثيق ، ثم غدر به بعد أن ألقى سلاحه فقتله وأعرس بامرأته في ليلته ! وجعل رأسه في قدر فيها لحم جزور لوليمة عرسه وبات ينزو عليها نزو الحمار » !
أقول : مالك بن نويرة رضي الله عنه صحابي جليل كما رأيت ، وقد شهد له النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالجنة ونصت روايتنا على أن أبا بكر أمر خالداً بقتله لأنه اعترض على خلافته ، فخاف أن يحرك بني تميم وينصروا علياً ( عليه السلام ) ، فاحتال عليه خالد وقتله !
ونلاحظ أن خالداً يستعمل أسلوب الغدر بدل المبارزة ، وقد روى الجميع أنه غدر ببني جذيمة بعد أن أمَّنَهم ، كما غدر بمالك وبني يربوع بعد أن أمنهم !
كما كان خالد يجيد الفرار كما فعل في تبوك ! وينكص عن المبارزة ، كما في معركة اليرموك ! ولم أجده خاض مبارزة مباشرة ، كما يخوضها الأبطال !
قال الطبري ( 2 / 503 ) يصف قتله لمالك بن نويرة : « لما غشوا القوم راعوهم تحت الليل ، فأخذ القوم السلاح قال فقلنا إنا لمَسلمون ! فقالوا ونحن مسلمون ! قلنا : فما بال السلاح معكم ؟ قالوا لنا : فما بال السلاح معكم ؟ قلنا : فإن كنتم كما تقولون فضعوا السلاح ، قال فوضعوه ، ثم صلينا وصلوا » !
--------------------------- 361 ---------------------------
وقال اليعقوبي : 2 / 131 : « وكتب إلى خالد بن الوليد أن ينكفئ إلى مالك بن نويرة اليربوعي فسار إليهم . . فأتاه مالك بن نويرة يناظره واتبعته امرأته ، فلما رآها خالد أعجبته فقال ( في نفسه ) : والله لا نلت ما في مثابتك حتى أقتلك » !
أسئلة :
س 1 : ما تقولون في استعمال خالد رأس مالك بن نويرة ورؤوس أصحابه وقوداً تحت القدور ؟ ! قال الطبري : 2 / 503 : « كان مالك بن نويرة من أكثر الناس شعراً ، وإن أهل العسكر أثفوا برؤوسهم القدور ( جعلوها أحجاراً الموقد ) ، فما منهم رأس إلا وصلت النار إلى بشرته ، ما خلا مالكاً فإن القدر نضجت وما نضج رأسه من كثرة شعره » !
س 2 : ما معنى قول خالد لعمر : يا ابن أم شملة ؟ « فخرج خالد من عنده وعمر جالس في المسجد فقال : هلم إليَّ يا ابن أم شملة ( وَزْرة ) ! فعرف أن أبا بكر قد رضي عنه فلم يكلمه فقام فدخل بيته » ! ( ابن حبان في الثقات : 2 / 170 ، وراجع : المواقف للإيجي : 3 / 599 ، والإصابة : 5 / 560 ، والنهاية : 6 / 355 ، وكشف المراد للعلامة الحلي / 198 )
س 3 : هل توافقون عمر على رأيه في وجوب القصاص من خالد ، لقتله مالكاً ؟ !

( م 290 ) ادعى أبو بكر أنه من عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) !

قال المحامي الأردني أحمد حسين يعقوب في كتابه الخطط السياسية / 389 : « أبو بكر من بني تيم ، وعمر من بني عدي ، ومحمد من بني هاشم ، احتجوا بأنهم قرابة النبي ، فقالت الأنصار نحن مع قرابة النبي فعلاً ونبايع علياً لأنه سيد القرابة وأقرب القرابة للنبي ! فلم يرق هذا الجواب للثلاثة ، خاصة لأبي بكر ولعمر لأنهما أرادا من الأنصار أن يوافقوهم القول بأنهما قرابة النبي والأولى به !
--------------------------- 362 ---------------------------
ولما اقتنعت الأنصار بأن أهل محمد وقرابته أولى بسلطانه ، واقترحت البيعة لعلي ، التف أبو بكر وعمر على هذا الاقتراح فقال : هذا عمر ، وهذا أبو عبيدة ، بايعوا من شئتم ! فقالا نبايعك أنت ، فانقض بشير بن سعد وبايع أبا بكر ! ثم بايعه عمر وأبو عبيدة وتوالى المبايعون ! ويبدو واضحاً أن الترتيب هو أن يكون أبو بكر الخليفة الأول ، وأن يكون عمر الخليفة الثاني ، وأبو عبيدة الخليفة الثالث ، فطالما قال عمر لو كان أبو عبيدة حياً لوليته واستخلفته ! ويبدو واضحاً أن بشير بن سعد وأسيد بن حضير من أركان الذين اشتركوا بهذا الترتيب » !
وفي سنن البيهقي : 6 / 166 : « ويذكر عن أبي بكر أنه قال يوم السقيفة : نحن عترة رسول الله ( ص ) » .
وفي شرح النهج : 6 / 375 : « إنما قال أبو بكر يوم السقيفة أو بعده : نحن عترة رسول الله ( ص ) وبيضته التي فقئت عنه ، على طريق المجاز ، لأنهم بالنسبة إلى الأمصار عترة له لا في الحقيقة ، ألا ترى أن العدناني يفاخر القحطاني ، فيقول له : أنا ابن عم رسول الله ( ص ) ليس يعني أنه ابن عمه على الحقيقة ، بل هو بالإضافة إلى القحطاني كأنه ابن عمه ، وإنما استعمل ذلك ونطق به مجازاً . فإن قدَّر مقدرٌ أنه على طريق حذف المضافات أي ابن ابن عم أب الأب إلى عدد كثير في البنين والآباء ، فكذلك أراد أبو بكر أنهم عترة أجداده ، على طريق حذف المضاف . وقد بين رسول الله ( ص ) عترته من هي لما قال : إني تارك فيكم الثقلين ، فقال : عترتي أهل بيتي ، وبَيَّن في مقام آخر من أهل بيته حيث طرح عليهم كساء . وقال حين نزلت : إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ : اللهم هؤلاء أهل بيتي » .
--------------------------- 363 ---------------------------
أسئلة :
س 1 : ألا ترون أن سبب ادعاء أبي بكر في السقيفة أنه هو عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن سعد بن معاذ أو غيره ذكر أن الخلافة فيهم بنص النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأجابه بذلك ؟ !
س 2 : رووا أن أبا بكر كان يعرف جيداً أن علياً وفاطمة وأولادهما ( عليهم السلام ) هم عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) . قال في فيض القدير ( 6 / 283 ) : « ورواه الديلمي بلفظ : من كنت نبيه فعليٌّ وليه . ولهذا قال أبو بكر فيما أخرجه الدارقطني : عليٌّ عترة رسول الله ( ص ) ، أي الذين حث على التمسك بهم » !
س 3 : لاحظوا ما قاله ابن الأثير في النهاية ( 3 / 177 ) : « عترة الرجل : أخص أقاربه ، وعترة النبي ( ص ) بنو عبد المطلب ، وقيل أهل بيته الأقربون وهم أولاده وعليٌّ وأولاده . وقيل : عترته الأقربون والأبعدون منهم ، ومنه حديث أبي بكر : نحن عترة رسول الله ( ص ) وبيضته التي تفقأت عنه ، لأنهم كلهم من قريش »
فمن هو اللغوي الذي قال إن عترة الرجل أقاربه الأبعدون ؟ !
س 4 : ما قولكم في رد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على أهل السقيفة : « قال : ما قالت الأنصار ؟ قالوا قالت منا أمير ومنكم أمير ، ثم قال ( عليه السلام ) فما ذا قالت قريش ؟ قالوا : احتجت بأنها شجرة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ! فقال : احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة » ! ( نهج البلاغة : 1 / 116 ) .
« واعجباه أتكون الخلافة بالصحابة ، ولا تكون بالصحابة والقرابة ؟ !
فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم * فكيف بهذا والمشيرون غيب
وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم * فغيرك أولى بالنبي وأقرب » .
( نهج البلاغة : 4 / 43 ) .
--------------------------- 364 ---------------------------

( م 291 ) أفتى أئمة السنة بعدم وجوب معرفة أبي بكر

روى الطبري الشيعي في المسترشد / 270 : « حدثنا إسحاق بن راهويه قال : سمعت يحيى بن آدم يقول : سئل شريك فقيل له : ما تقول في رجل مات لا يعرف أبا بكر ؟ قال : لا شئ عليه ، قيل له : فلا يعرف علياً ؟ قال : في النار ، لأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أقامه علماً يوم الغدير فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه » .
س 1 : ما رأيكم بفتوى هؤلاء الأئمة الكبار عندكم بعدم وجوب معرفة المسلمين لأبي بكر ووجوب معرفته لعلي ( عليه السلام ) وولايته لأنه مولاهم بنص النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ !
وفي نفس الوقت فتواهم بأن من أنكر خلافة أبي بكر فقد كفر ؟ !

  • *
    --------------------------- 365 ---------------------------

الفصل الثالث والثلاثون: أسئلة وإشكالات حول عمر خاصة

1 . مسائل في الهوية الشخصية لعمر

( م 292 ) من لقب عمر بأمير المؤمنين وبالفاروق ؟

تقدم في الإشكالات المشتركة على الشيخين قول البخاري : « هو أول من سُمِّيَ أمير المؤمنين ، سماه عدي بن حاتم الطائي ، ولبيد بن ربيعة » ( الأدب المفرد / 276 ) .
وقال ابن شبة في تاريخ المدينة ( 2 / 677 ) : سماه به المغيرة بن شعبة ، قال له : « نحن المؤمنون وأنت أميرنا ، فأنت أمير المؤمنين . قال : فأنا أمير المؤمنين » !
وقال الطبري : هو سمى نفسه بذلك : « لما ولي أبو بكر قالوا : يا خليفة رسول الله ، فلما ولي عمر قالوا : يا خليفة خليفة رسول الله ، فقال عمر : هذا أمر يطول ، بل أنتم المؤمنون وأنا أميركم ، فسمي أمير المؤمنين » ( النهاية : 7 / 150 ) .
وتقدم قول الزهري إن اليهود سموه الفاروق : « بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر : الفاروق ، وكان المسلمون يؤثرون ذلك من قولهم ، ولم يبلغنا أن رسول الله ( ص ) ذكر من ذلك شيئاً » . ( تاريخ المدينة : 2 / 662 ) .
وفي المقابل روينا ( أمالي الصدوق / 274 ) ورووا ( لسان الميزان : 1 / 357 ) أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « ستكون فتنة بعدي فالزموا علياً ، فإنه أول من يراني ، وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو معي في السماء العليا ، وهو الفاروق بين الحق والباطل » . .
س 1 : إذا أعطى النبي ( صلى الله عليه وآله ) لقباً لشخص ، فهل يجوز إعطاؤه لشخص آخر ؟ !
--------------------------- 366 ---------------------------

( م 293 ) أمرهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يسألوه عن آبائهم فلم يسأله عمر !

بعد فتح مكة أخذ القرشيون يعملون لأخذ خلافة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وكثفوا وجودهم في المدينة فسكنها منهم عدة آلاف ، وأخذوا يتكلمون على بني هاشم ويستثنون النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيقولون إنما مثله في بني هاشم كشجرة نبتت في مزبلة ! واشتكى بنو هاشم والأنصار مراراً إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) من كلام قريش وتصرفاتهم ! وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يعلن غضبه ويجيبهم !
وذات مرة طفح طعن قريش بأسرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فغضب ودعا للصلاة جامعة فقالت الأنصار أغضب نبيكم فاحضروا بالسلاح ! وخطب خطبة مطولة فمدح أسرته وآباءه وتحدى الطاعنين فيهم أن يسألوه عن آبائهم فسأله ناس ففضح بعضهم ! وكان جبرئيل معه : « ثم أكثر أن يقول سلوني فبرك عمر على ركبتيه فقال رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً فسكت » ! ( صحيح بخاري : 1 / 32 ) .
« خرج رسول الله ( ص ) وهو غضبان مُحْمَارٌّ وجهه حتى جلس على المنبر فقام إليه رجل فقال : أين آبائي ؟ قال : في النار ! فقام آخر فقال : من أبي ؟ فقال : أبوك حذافة ! فقام عمر فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن إماماً ، إنا يا رسول الله حديث عهد بجاهلية وشرك والله أعلم من آباؤنا » ! ( الدر المنثور : 2 / 335 )
وقد اعترفوا بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أراد أن يفضح رجالاً من قريش ويبين أنهم أولاد حرام ! وهذا ما لم يفعله نبي قبله ( صلى الله عليه وآله ) لأن جريمتهم لم يفعلها أصحاب نبي قبلهم ! وقد كتبنا هذا الموضوع باختصار في هذه الكتاب : ( 1 / 193 ) مسألة : 59 .
أسئلة :
س 1 : في الدر المنثور : 4 / 309 : « عن ابن عباس قال : سألت عمر بن الخطاب عن قول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ؟ قال : كان رجال من
--------------------------- 367 ---------------------------
المهاجرين في أنسابهم شئ ! فقالوا يوماً : والله لوددنا أن الله أنزل قرآناً في نسبنا فأنزل الله ما قرأت ! ثم قال لي : إن صاحبكم هذا يعني علي بن أبي طالب إن ولي زهد ، ولكني أخشى عجب نفسه أن يذهب به ! قلت : يا أمير المؤمنين إن صاحبنا من قد علمت ، والله ما نقول إنه غير ولا عدل ولا أسخط رسول الله أيام صحبته ! فقال : يا ابن عباس من ظن أنه يرد بحوركم فيغوص فيها حتى يبلغ قعرها فقد ظن عجزاً » !
فلماذا قال عمر إن قعر بني هاشم عميق ، فهل يقصد الخلافة ، أم يقصد طعنهم في أنساب أكثر القرشيين ؟ !
س 2 : من هم هؤلاء ( المهاجرون ) الذين في نسبهم ( شئ ) ولماذا لم يسألوا عن نسبهم ؟ ولماذا كانوا يتكلمون على أسرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟

( م 294 ) نهى عمر أن يسأله أحد عن نسبه !

في تاريخ المدينة : 3 / 796 : « مر عمر بن الخطاب على عقيل بن أبي طالب ، ومخرمة بن نوفل بن وهب بن عبد مناف ، وعبد الله بن السائب بن أبي حبيش وهم يتذاكرون النسب ، فجاء عمر حتى سلم عليهم ثم جاوزهم فجلس على المنبر فكبر عليه ، قال : إياكم والطعن في النسب ، إعرفوا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم وتأخذون به وتقطعون به ، واتركوا ما سوى ذلك . لا يسألني أحد وراء الخطاب ! فإنه لو قيل : لا يخرج من هذا المسجد إلا بهيم بن هبوب ، ما خرج منهم أحد ! فقال مخرمة بن نوفل : إذن أخرج منه ! فقال له عبد الله بن السائب : إذن أمسكك لما قيل فيك وفي قومك ! قال : فكأن عمر سره ذلك !
ويروى في غير هذا الإسناد : أن الحارث بن حاطب قال : إذن لخرجت منه أنا وأنت يا أمير المؤمنين ! فقال عمر : لو رمت ذلك أخذ بثوبك ، وقيل
--------------------------- 368 ---------------------------
أجلس حار » ! يقصد عمر : أنا جميعاً أهل جاهلية لا نعرف من هم آباؤنا ! فلو قيل : لا يخرج من هذا المسجد إلا ( بهيم بن هبوب ) أي من عرف أبوه ، لما خرج أحد !
فأجابه مخرمة بن نوفل رئيس بني زهرة : أنا أخرج لأني أعرف أبي ونسبي ! فقال له ابن السائب : إذن أمسكك لأنه قد طُعن في نسب بني زهرة إلى إسماعيل ( عليه السلام ) !
وهذا يؤكد القول بأن المتفق على سلامة نسبهم إلى إسماعيل ( عليه السلام ) هم بنو هاشم فقط !
ويؤيده ما رواه في تاريخ المدينة : 3 / 797 ، عن عمر قال : « لا يسألني أحد ما وراء الخطاب ! ألا وقد ذكر لي : أن رجالاً منكم قد أكثروا في إسماعيل وما ولد ، الله أعلم بإسماعيل وما ولد » !
س 1 : بماذا تفسرون أن عمر لم يشهد بنسبته إلى جده ، ونهى عن سؤاله عن ذلك !

( م 295 ) مرضعة عمر : حُبَّى

كانت ( حُبَّى ) مرضعة عمر متجاهرةً بالجنس وتتحدث عن الجماع حتى ضرب بها المثل ، ففي جمهرة الأمثال ( 1 / 562 ) ومجمع الأمثال ( 1 / 2049 ) : « أشبقُ من حُبى » !
« وكانت حُبَّى أرضعت عمر ، فوهب لها الدار » ( تاريخ المدينة : 1 / 237 ) .
وتزوجت على كبر سنها فتى من بني كلاب فشكاها إلى مروان والي المدينة وقال له : « إن أمي السفيهة على كبر سنها وسني تزوجت شاباً ، فصيرتني ونفسها حديثاً ، فاستحضرها مروان فحضرت فقالت لابنها : يا ابن برذعة الحمار أرأيت ذلك الشاب المقدود العطنطط ! والله ليصرعن أمك بين الباب والطاق ! ثم كانت تصف جماعه لها ، وتعلم نساء المدينة ضروباً من الجماع !
س 1 : ذكرت المصادر أخبار حبَّى الغريبة ! فهل ترون تأثير حليبها في عمر ؟ !
? (
--------------------------- 369 ---------------------------

2 . مسائل في إسلام عمر وشجاعته

( م 296 ) زعم عمر أنه عندما أسلم قاتل المشركين !

نسج رواة السلطة روايات كثيرة عن إعزاز الإسلام بعمر ، وأنه واجه قريشاً وتحدى زعماءها ، وحمى المسلمين فصلوا عند الكعبة جهاراً !
ورووا عن لسان ابن مسعود : « ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر بن الخطاب » وزعموا أنه أسلم على أثره سبعون من قريش دفعة واحدة ! ( كنز العمال : 2 / 495 ) !
قال ابن كثير في سيرته : 2 / 32 : « عن ابن عمر قال : لما أسلم عمر قال : أي قريش أنقل للحديث ؟ فقيل له : جميل بن معمر الجمحي فغدا عليه ، قال عبد الله : وغدوت أتبع أثره وأنظر ما يفعل وأنا غلام أعقل كل ما رأيت ، حتى جاءه فقال له : أعلمت يا جميل أني أسلمت ودخلت في دين محمد ؟ قال : فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه ، واتبعه عمر واتبعته أنا حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته يا معشر قريش ، وهم في أنديتهم حول الكعبة : ألا إن ابن الخطاب قد صبأ ! قال يقول عمر من خلفه كذب ، ولكني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم ! قال : وطلح ( تعب ) فقعد ، وقاموا على رأسه وهو يقول : افعلوا ما بدا لكم ، فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلاث مائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا ! قال : فبينما هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبرة وقميص موشي ، حتى وقف عليهم فقال : ما شأنكم ؟ فقالوا : صبأ عمر !
قال فمه ؟ رجل اختار لنفسه أمراً فماذا تريدون ؟ أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبكم هكذا ؟ ! خلوا عن الرجل ! قال فوالله لكأنما كانوا ثوباً كشط عنه !
--------------------------- 370 ---------------------------
قال : فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة : يا أبت ، من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك ؟ قال : ذاك أي بني العاص بن وائل السهمي . وهذا إسناد جيد قوي وهو يدل على تأخر إسلام عمر ، لأن ابن عمر عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة ، وكانت أحُد في سنة ثلاث من الهجرة وقد كان مميزاً يوم أسلم أبوه ، فيكون إسلامه قبل الهجرة بنحو من أربع سنين ، وذلك بعد البعثة بنحو تسع سنين » والحاكم : 3 / 85 .
وقد تقدم فراره مع أبي بكر من حروب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! ويكفي ذلك لرد زعمهم أنه كان شجاعاً في مكة ، فلو كان لبان ، ولما هرب في معارك الإسلام !
أسئلة :
س 1 : ألا ترون أنهم كذبوا أنفسهم في نفس الرواية حيث اعترفوا بأن عمر عندما أسلم احتاج إلى من يحميه من قريش ، فحماه العاص بن وائل ؟ !
ثم كيف تصح حماية العاص له وقد مات قبل إسلام عمر ، فلا بد أن يكون حماه غيره أو كان مغموراً لا أثر لإسلامه حتى يحتاج إلى حماية ؟ !
س 2 : كان المجتمع المكي قبلياً ، والخوف من التعذيب ينحصر في قبيلة من يسلم فقط ، وكان بنو عدي عشيرة عمر صغيرة لا تبلغ مئة نفر ، وقد نص المؤرخون أنها لم يكن لها رئيس حتى يخاف عمر من تعذيبه !
س 3 : لو كان لعمر بطولة بعد إسلامه ولو صغيرة لسجلوا أحداثها وأسماء أشخاصها ، بينما لا تجد في رواياتهم حدثاً محدداً ، ولا اسم قتيل أو جريح أو مضروب ! فما رأيكم ببطولات ضد أناس مجهولين ، وفي زمان ومكان مجهولين ؟ !
--------------------------- 371 ---------------------------

( م 297 ) هاجر عمر سراً مُبكِّراً وزعموا أنه هاجر علناً !

« قال البراء بن عازب : أول من قدم علينا مصعب . . وبلال وسعد وعمار ثم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي ثم قدم النبي » . ( صحيح بخاري : 2 / 264 )
« كان رسول الله ( ص ) أمر أصحابه قبل هجرته بالهجرة إلى المدينة ، فخرجوا أرسالاً ، فكان أولهم قدوماً أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وعامر بن ربيعة ، وعبد الله بن جحش الأسدي ، وعمر بن الخطاب وعياش بن أبي ربيعة » . ( التنبيه والإشراف / 200 ، وأسد الغابة : / 181 ) .
« عن عمر بن الخطاب قال : اجتمعنا للهجرة أوعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص الميضاة ، ميضاة بني غفار فوق سرف ( عشرة أميال عن مكة : النهاية : 3 / 211 ) وقلنا : أيكم لم يصبح عندها فقد احتبس ، فليمض صاحباه ، فحبس عنا هشام بن العاص » . ( مجمع الزوائد : 6 / 61 ، ووثقه ونحوه سيرة ابن هشام : 2 / 63 ) .
س 1 : رويتم عن علي ( عليه السلام ) أنه قال « ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً إلا عمر بن الخطاب فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه وتنكب قوسه وانتضى في يده أسهماً واختصر عنزته ، ومضى قبل الكعبة والملأ من قريش بفنائها فطاف بالبيت سبعاً متمكناً ثم أتى المقام فصلى متمكناً ! ثم وقف على الحلق واحدة واحدة فقال لهم : شاهت الوجوه لا يرغم الله إلا هذه المعاطس ! من أراد أن تثكله أمه أو يوتم ولده أو يرمل زوجه فليلقني وراء هذا الوادي ! قال علي : فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه » ! ( تاريخ دمشق : 44 / 51 ) . فهل يعقل أن يكون عمر وقف على حلقات قريش واحدة واحدة ، وسبهم وتحداهم فخرسوا جميعاً ! ثم هاجر فلم يتصدَّ له أحد بقول أو فعل ، كما تصدوا لعلي ( عليه السلام ) وغيره ، فهل يعقل ذلك من جبابرة قريش الذين لا يقيمون لبني عدي وزناً ؟ ! فلم يكونوا في العير ولا في النفير !
--------------------------- 372 ---------------------------
فبعد حديثكم المعتمد في هجرته سراً ، لماذا تصرون على المكذوبات ؟ !
س 2 : روى ابن عبد البر في الإستيعاب ( 2 / 567 ) والعيني في عمدة القاري ( 16 / 245 ) أن سالماً مولى حذيفة هاجر قبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) بمدة مع عمر وجماعة ، وكان يؤمهم في الطريق وعندما استقروا في قباء ! فما بالنا لا نجد حضور عمر ولا أبي بكر مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في قباء ، ولا عند دخوله المدينة ، ولا عند بنائه مسجده الشريف ؟ !
س 3 : هل كان في بني عدي شخص شجاع ؟ ففي المواجهة مع رسول الله / 377 : « ولقد تحققت وتبين لي أنه لم يقتل من بني عدي أحد لا مع المشركين ولا مع المؤمنين » .

( م 298 ) أمره النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يأخذ رسالة إلى مسلمي مكة فخاف !

« ثم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له ، فقال : يا رسول الله إني أخاف قريش على نفسي وليس بمكة من بني عدي أحد يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ولكني أدلك على رجل أعز بها مني عثمان بن عفان » ! ( سيرة ابن كثير : 3 / 318 ، والطبري : 2 / 278 )
والصحيح أنه أراد أن يبعثه إلى المسلمين كما رواه في كنز العمال ( 1 / 331 ) : « فاشتدَّ البلاء على من كان في يد المشركين من المسلمين ، فدعا رسول الله ( ص ) عمر فقال : يا عمر هل أنت مبلغ عني إخوانكم من أسارى المسلمين ؟ قال : لا يا رسول الله والله ما لي بمكة من عشيرة ! غيري أكثر عشيرةً مني . فدعا عثمان ، فأرسله » !
س 1 : ما عدا مما بدا ، حتى صار عمر البطل يحتاج إلى عشيرة تمنعه من قريش ؟ !
? (
--------------------------- 373 ---------------------------

3 . مسائل في مأكل عمر ومشربه ونظافته

( م 299 ) من مآكل عمر المحببة : الضب !

قال مسلم في صحيحه : 7 / 70 : « أتيَ رسول الله ( ص ) بضب فأبى أن يأكل منه وقال : لا أدري لعله من القرون التي مسخت . . . قال عمر بن الخطاب : إن النبي لم يحرمه ، إن الله عز وجل ينفع به غير واحد ، فإنما طعام عامة الرعاء منه ، ولو كان عندي طعمته ! ضب أحب إلي من دجاجة » ! ( كنز العمال : 15 / 448 ) .
وأيد البخاري قول عمر ( 6 / 200 و 202 و 231 و : 8 / 158 ) وخالف عمر ابنه فقال نهى عنه رسول الله فلا نأكله ! ( مجمع الزوائد : 4 / 36 ) .
س 1 : قال أهل البيت ( عليهم السلام ) إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد حرم أكل الضب وغيره من المسوخات ، وقال عمر إنه حلال وأطيب من الدجاج ، فما قولكم ؟ !

( م 300 ) ومن مآكله المحببة : الجراد

« خرجنا مع رسول الله ( ص ) إلى خيبر ومع عمر بن الخطاب قفعة ( زنبيل ) فيها جراد قد احتقبها وراءه ، فيرد يده وراءه فيأخذ منها فيناولنا ، ويأكل ورسول الله ( ص ) ينظر ! قال أنس ثم رجعنا إلى المدينة فكنا نؤتى به فنشتريه ونكثر ونجففه فوق الأجاجير ، فنأكل منه زماناً . . سئل عمر بن الخطاب عن الجراد فقال : وددت أن عندنا قفعة نأكل منها » ! ( سنن البيهقي : 9 / 257 ) .
« رأيت عمر يتفوه وفي لفظ يتحلب فوه ، فقلت : ما شأنك يا أمير المؤمنين ؟ قال : أشتهي جراداً مقلواً » . ( كنز العمال : 12 / 648 ) .
--------------------------- 374 ---------------------------

( م 301 ) افتقد الجراد سنة فحزن وأرسل في طلبه

« سئل عمر بن الخطاب عن الجراد فقال : وددت أن عندنا منه قفعة نأكل منها » ( كنز العمال : 12 / 337 ، والقفعة شبه السلة ) .
« قلَّ الجراد في سنة من سني عمر ، فسأل عنه فلم يخبر بشئ ، فاغتم لذلك ! فأرسل راكباً يضرب إلى كداء ، وآخر إلى الشام ، وآخر إلى العراق ، يسأل هل رؤي من الجراد شئ أولا ؟ فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد فألقاها بين يديه ، فلما رآها كبر ! ثم قال سمعت رسول الله ( ص ) يقول : خلق الله ألف أمة ست مائة في البحر وأربعمائة في البر فأول شئ يهلك من هذه الأمم الجراد ، فإذا هلك تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه » .
س 1 : هل وجود الجراد مهم ومطلوب شرعاً ، ووجود الإنسان مرتبط بوجوده كما قال عمر ؟ !

( م 302 ) وحلَّلَ صيد الجراد للمحرمين لأنه بحري !

فقد شهد له كعب الأحبار وقال : « هو من صيد البحر ! فقال عمر : وما يدريك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، والذي نفسي بيده ، إن هو إلا نثرةُ حوت ، ينثره في كل عام مرتين » ! ( كنز العمال : 5 / 265 ) . ومعنى النثرة : العطسة .
وقد أخذ فقهاء المذاهب بفتوى عمر فصار الجراد عندهم بحرياً ! بل صار قول الحاخام المحترم حديثاً مسنداً معنعناً عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! وشهد الراوي بصدقه فزعموا أنه ( صلى الله عليه وآله ) قال : « إن الجراد نثرة الحوت في البحر . قال هاشم : قال زياد : فحدثني من رأى الحوت ينثره » ( سنن ابن ماجة : 2 / 1073 ، أي رأى الحوت يعطس جراداً ! ) !
--------------------------- 375 ---------------------------
ورد أهل البيت ( عليهم السلام ) ذلك ، فقد مرَّ الإمام الباقر ( عليه السلام ) على « ناس وهم يأكلون جراداً فقال : سبحان الله وأنتم محرمون ؟ ! قالوا : إنما هو من البحر ، قال : فارمسوه في الماء إذن » ! ( تهذيب الأحكام : 5 / 363 ) ومعنى كلامه ( عليه السلام ) أن الجراد يموت إذا رمس في الماء ، ولو كان بحرياً لكما زعموا ما مات !
راجع ما كتبناه عن تلقي عمر من كعب الأحبار كأنه نبي ! في هذا الكتاب : 1 / 490
س 1 : ما رأيكم في هذه الفضيحة ؟ ! ألا تخافون أن يقول غير المسلم إذا كانت هذه هرطقات خليفة المسلمين فكيف نثق بدينهم ؟ !

( م 303 ) كان عمر في الجاهلية مدمناً على الخمر

قال عمر : كنت من أشرب الناس في الجاهلية ! ( كنز العمال : 5 / 505 ) .
وقال : « كنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأشربها » ( النهاية : 3 / 101 ) .
ولم يترك الخمر حتى نزل التهديد في سورة المائدة قرب وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
فقد تقدم أنه شرب الخمر مع أبي بكر وجماعة ، وأخذوا ينشدون شعراً في رثاء قتلى بدر ، فجاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبيده سعفة أو مكنسة ، فنزلت الآيات من سورة المائدة ، وهي آخر ما نزل من القرآن !
روى الحاكم وصححه على شرط الشيخين ( 2 / 278 ) : « لما نزلت تحريم الخمر قال عمر : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً ، فنزلت : يسألونك عن الخمر والميسر التي في سورة البقرة ، فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت التي في المائدة فدعي عمر فقرئت عليه ، فلما بلغ فهل أنتم منتهون ؟ قال عمر : قد انتهينا » .
--------------------------- 376 ---------------------------
وفي مبسوط السرخسي : 24 / 11 : « وقد بينا أن المسكر ما يتعقبه السكر وهو الكأس الأخير ! وعن إبراهيم قال : أتي عمر بأعرابي سكران معه إداوة من نبيذ مثلث فأراد عمر أن يجعل له مخرجاً فما أعياه إلا ذهاب عقله ، فأمر به فحبس حتى صحا ثم ضربه الحد ودعا بإداوته وبها نبيذ فذاقه فقال : أوه هذا فعل به هذا الفعل فصب منها في إناء ثم صب عليه الماء فشرب ، وسقى أصحابه ، وقال : إذا رابكم شرابكم فاكسروه بالماء » .
« قال عمر : إشربوا هذا النبيذ في هذه الأسقية ، فإنه يقيم الصلب ويهضم ما في البطن ، وإنه لم يغلبكم ما وجدتم الماء » . ( كنز العمال : 5 / 5795 ، و : 13 / 522 )
« أتيَ بنبيذ الزبيب فدعا بماء وصبه عليه ثم شرب وقال : إن لنبيذ زبيب الطائف غراماً » ! ( المبسوط : 24 / 8 ) . « فأهدى له ركب من ثقيف سطيحتين من نبيذ ، والسطيحة فوق الأداوة ودون المزادة » ( سنن البيهقي : 8 / 305 ) .
« قال : إذا خشيتم من نبيذ شدته ، فاكسروه بالماء » . ( سنن النسائي : 8 / 326 ) .
وفي كتاب الأم : 6 / 156 : « قال الشافعي : قال بعض الناس الخمر حرام والسكر من كل الشراب ولا يحرم المسكر حتى يسكر منه ، ولا يحد من شرب نبيذاً مسكراً حتى يسكره . ! قال روينا فيه عن عمر أنه شرب فضل شراب رجل حده . » .
وفي مسند الشافعي / 106 : « أن عمر بن الخطاب قدم الشام فشكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها وقالوا : لا يصلحنا إلا هذا الشراب ؟ فقال عمر : إشربوا العسل ، فقالوا لا يصلحنا العسل . فقال رجال من أهل الأرض : هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئاً لا يسكر ؟ فقال : نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث ، فأتوا به عمر فأدخل عمر فيه إصبعه ثم رفع يده فتبعها
--------------------------- 377 ---------------------------
يتمطط فقال : هذا الطلى ، هذا مثل طلا الإبل ، فأمرهم أن يشربوه . فقال له عبادة بن الصامت : أحللتها لهم والله . فقال عمر : كلا » !
أسئلة :
س 1 : ألا ترون أن حديث عائشة يكشف حقيقة نبيذ عمر ؟ ! فقد رواه الحاكم : 4 / 147 ، وصححه على شرط الشيخين ، أن عائشة سألت شخصاً « عن الشام وعن بردها فجعل يخبرها ، فقالت : كيف يصبرون على بردها ؟ قال : يا أم المؤمنين إنهم يشربون شراباً لهم يقال له الطلا . قالت : صدق الله وبلغ حبي ( ص ) سمعته يقول : إن ناساً من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها » .
وحديث علي ( عليه السلام ) يكشف حقيقة نبيذ عمر ، ففي نهج البلاغة : 2 / 49 : « وقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الفتنة وهل سألت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عنها ؟ فقال ( عليه السلام ) : لما أنزل الله سبحانه قوله : أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ . علمت أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين أظهرنا فقلت يا رسول الله ما هذه الفتنة التي أخبرك الله تعالى بها فقال : يا علي إن أمتي سيفتنون من بعدي ! فقلت يا رسول الله : أوليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين وحيزت عني الشهادة فشق ذلك عليَّ فقلت لي : أبشر فإن الشهادة من ورائك ؟ فقال لي : إن ذلك لكذلك فكيف صبرك إذاً ؟ فقلت : يا رسول الله ليس هذا من مواطن الصبر ، ولكن من مواطن البشرى والشكر ! فقال : يا علي إن القوم سيفتنون بأموالهم ، ويمنون بدينهم على ربهم ، ويتمنون رحمته ويأمنون سطوته ، ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة والأهواء الساهية فيستحلون الخمر بالنبيذ ، والسحت بالهدية . والربا بالبيع ! قلت يا رسول الله : بأي المنازل أنزلهم عند ذلك ؟ أبمنزلة ردة أم بمنزلة فتنة ؟ فقال : بمنزلة فتنة » .
--------------------------- 378 ---------------------------
س 2 : ألا ترون أن الأعرابي كشف حقيقة نبيذ عمر ؟ ففي لسان الميزان : 3 / 27 : « أن أعرابياً شرب نبيذاً من إداوة عمر فسكر ، فأمر به فجلد ، فقال : إنما شربت هذا من إدواتك ! فقال : إنما أجلدك على السكر » !
س 3 : ألا ترون أن أبا حنيفة كشف حقيقة نبيذ عمر ! « قال عبيد الله بن عمر لأبي حنيفة في النبيذ ، فقال أبو حنيفة : أخذناه من قبل أبيك ! قال وأبي من هو ؟ قال قال : إذا رابكم فاكسروه بالماء » . ( سنن البيهقي : 8 / 306 ) .
س 4 : هل صحيح أن الخمر من أصول مذهبكم ؟ ! ففي بدائع الصنائع : 5 / 116 : « وروي هذا المذهب عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن سيدنا عمر أنه قال حين سئل عن النبيذ أشرب الواحد والاثنين والثلاثة ، فإذا خفت السكر فدع ! وإذا ثبت الإحلال من هؤلاء الكبار من الصحابة الكرام فالقول بالتحريم يرجع إلى تفسيقهم وأنه بدعة . ولهذا عد أبو حنيفة إحلال المثلث من شرائط مذهب السنة والجماعة فقال في بيانها : أن يفضل الشيخين ، ويحب الختنين ، وأن يرى المسح على الخفين ، وأن لا يحرم نبيذ الخمر لما أن في القول بتحريمه تفسيق كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم ! والكف عن تفسيقهم والإمساك عن الطعن فيهم من شرائط السنة والجماعة » .

( م 304 ) كان يأكل لحم البعير ويشرب النبيذ ليهضمه !

« روي عن سيدنا عمر أنه كان يشرب النبيذ الشديد ويقول إنا لننحر الجزور وإن العنق منها لآل عمر ، ولا يقطعه إلا النبيذ الشديد » . ( بدائع الصنائع : 5 / 116 ) .
« دعا بقصعة ثريد خبزاً خشناً ولحماً غليظاً وهو يأكل معي أكلاً شهياً ، فجعلت أهوي إلى البيضة البيضاء أحسبها سناماً ، فإذا هي عصبة ، والبضعة من اللحم أمضغها فلا أسيغها ، فإذا غفل عني جعلتها بين الخوان والقصعة ، ثم دعا بعس
--------------------------- 379 ---------------------------
من نبيذ قد كاد أن يكون خلاً فقال : إشرب فأخذته وما أكاد أسيغه ، ثم أخذه فشرب ، ثم قال : إسمع يا عتبة : إنا ننحر كل يوم جزوراً فأما ودكها وأطايبها فلمن حضرنا من آفاق المسلمين ، وأما عنقها فلآل عمر يأكل هذا اللحم الغليظ ويشرب هذا النبيذ الشديد ، يقطع في بطوننا أن يؤذينا » . ( كنز العمال : 12 / 627 ) .
س 1 : هل يختص تحليل النبيذ بمن أكل لحم بعير غليظ ، أم هو عام ؟ !

( م 305 ) دعاه الهرمزان مع المصلين فخلط أنواع الطعام !

« قال الهرمزان لعمر : إيذن لي أصنع طعاماً للمسلمين ؟ قال : إني أخاف أن تعجز ، قال : لا ، قال : فدونك . قال : فصنع لهم ألواناً من حلو وحامض ، ثم جاء إلى عمر فقال : قد فرغت فأقبل ، فقام عمر وسط المسجد فقال : يا معشر المسلمين أنا رسول الهرمزان إليكم ! فاتَّبعه المسلمون ، فلما انتهى إلى بابه قال للمسلمين : مكانكم ، ثم دخل فقال : أرني ما صنعته ، ثم دعا ، أحسبه قال بأنطاع ، فقال : ألق هذا كله عليها واخلطوا بعضه ببعض ! فقال الهرمزان : إنك تفسده ، هذا حلو وهذا حامض ! فقال عمر : أردت أن تفسد عليَّ المسلمين ، ثم أذن للمسلمين فدخلوا فأكلوا ! » . ( تاريخ المدينة : 3 / 857 ) .
وكذلك فعل في دعوة قسطنطين رئيس كنيسة بصرى الشام ! ( تاريخ المدينة : 3 / 828 ) .
أسئلة :
س 1 : لماذا خلط عمر أنواع الطعام ووضعه على بعضه على الأنطاع ، والنطع كالسفرة ، واعتبر أن أكل المسلمين على سفرة حديثة يفسدهم ؟ !
س 2 : لو كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) هو المدعو مع المصلين كيف كان يتصرف ؟ !
--------------------------- 380 ---------------------------

( م 306 ) قال عمر : خطر على قلبي شهوة السمك الطري

« عن أسلم قال : قال عمر : لقد خطر على قلبي شهوة السمك الطري ، فرحل يرفأ راحلته وسار أربعاً مقبلاً ومدبراً ، واشترى مكتلاً فجاء به وعمد إلى الراحلة فغسلها فأتى عمر ، فقال انطلق حتى أنظر إلى الراحلة ، فنظر وقال : نسيت أن تغسل هذا العرق الذي تحت أذنها ! عذَّبت بهيمة في شهوة عمر ، لا والله ! لا يذوق عمر مكتلك » . ( تاريخ الذهبي : 3 / 268 ) .
أسئلة :
س 1 : لم يأكل عمر السمك الذي تعب فيه غلامه وسافر ثمانية أيام رواحاً ومجيئاً ، لأن غلامه لم يغسل تحت أذن الناقة ، واعتبر أنه بذلك عذبها !
ألا رحم هذا الغلام المسكين لأنه تعذب أكثر من الناقة ؟ !
س 2 : إذا كان عمر زاهداً ورعاً بتركه أكل السمك من أجل ظلم الناقة لعدم غسل عرق تحت أذنها ، فهل هو زاهد عندما اشتهى السمك الطري فأرسل غلامه وناقته ثمانية أيام لتحقيق شهوته بأكلة ؟ !

( م 307 ) كان لا يستعمل الماء في غسل أسفليه !

« كان عمر بن الخطاب يبول ثم يمسح ذكره بحجر أو بغيره . . وقال يسار مولى عمر : كان عمر إذا بال قال ناولني شيئاً أستنجي به ، قال فأناوله العود والحجر ، أو يأتي حائطاً يتمسح به ، أو يمس الأرض ، ولم يكن يغسله . وهذا أصح ما روى في هذا الباب وأعلاه » . ( البيهقي : 1 / 111 ، والدارقطني : 1 / 61 ، وكنز العمال : 9 / 519 ) .
« قال عبد الرحمن بن أبي ليلى : رأيت عمر بن الخطاب بال ثم مسح ذكره بالتراب ثم التفت إلينا فقال : هكذا عُلمنا » ! ( كنز العمال : 9 / 518 ) .
--------------------------- 381 ---------------------------
« قال عبد الله بن الزبير : ما كانوا يغسلون أستاههم بالماء » . ( مجمع الزوائد : 1 / 212 ) .
س 1 : هل تعرفون هذه الحقيقة عن عمر وأنه كل عمره لم يغسل استه بالماء ؟ !

( م 308 ) كان يبول واقفاً ويدعو المسلمين إلى ذلك !

« قال عمر : رآني النبي وأنا أبول قائماً فقال : يا عمر ، لا تبل قائماً ، فما بلت قائماً بعد » ( الترمذي : 1 / 10 ، وابن ماجة : 1 / 112 ) .
لكن شهدوا أنه كان يبول قائماً ويأمر به ويقول هو أحصن للدبر ! قال : « البول قائماً أحصن للدبر ، والبول جالساً أرخى للدبر » ! ( البيهقي : 1 / 102 ، وكنز العمال : 9 / 520 ) .
وقال زيد بن وهب : « رأيت عمر بن الخطاب يبول قائماً ، ففرَّجَ حتى رحمته » ! ( كنز العمال : 9 / 519 ) .
س 1 : هل يمكنكم أن تفسروا نظرية عمر في الأحصن للدبر ، والأرخى له ؟ !

( م 309 ) كان يأكل بيده ويمسحها بقدمه أو نعله !

كان يأكل الثريد بيده ولا يغسلها بعد الأكل ، بل يمسحها بقدمه أو بنعله ، ثم يقول : « إن مناديل آل عمر نعالهم » ! ( كنز العمال : 12 / 625 )
وأكل عنده الجارود رئيس قبيلة عبد القيس ، فلما فرغ قال : يا جارية ! هلمي المنديل يمسح يده ، فقال عمر : إمسح يدك بإستك أو ذر » . ( كنز العمال : 12 / 632 ) .
س 1 : إذا طلب ضيفك منديلاً فهل تقول له : إمسح بإستك ، أو اترك المسح ؟ !
--------------------------- 382 ---------------------------

( م 310 ) فسى عمر على المنبر فأعلنها للمسلمين !

كان عمر في مسجد النبي ( صلى الله عليه وآله ) يخطب على المنبر فقال : « إني قد فسوت وها أنذا أنزل لأعيد الوضوء » ( عيون الأخبار لابن قتيبة : 1 / 267 ، ونسخة موقع الوراق / 114 ) .
وكان عمر يصلي فمس ذكره بيده فقطع صلاته وتوضأ ! ( سنن البيهقي : 1 / 131 ) .
وفي كتاب الأربعين للقمي / 575 : « روى أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان من أعيان رجالهم أنه أحدث أبو بكر على المنبر ، فنزل وقدم أبا ذر فصلى بالناس ركعتين ! ولم يلحقه أحد إلا معاوية ، فإنه أورد صاحب كتاب الحاوية أنه أحدث على المنبر ، ففضحه صعصعة » !
س 1 : لماذا لم يستر عمر فسوته ومسه لذكره ، وقال ذلك للناس ؟ !
ولماذا ستر معاوية على نفسه ، وفضحه صعصعة رئيس عبد القيس ؟ !

  • *
    --------------------------- 383 ---------------------------

4 . مسائل في عمله التجاري وثروته

( م 311 ) كان عمر تاجراً ، وانكشفت ثروته بعد موته !

روى عمر بن شبة في تاريخ المدينة ( 3 / 935 ) وصححه في فتح الباري ( 7 / 53 ) ، ونيل الأوطار ( 6 / 163 ) : « عن أيوب قال قلت لنافع : هل كان على عمر ديْن ؟ فقال : ومن أين يدع عمر ديناً ، وقد باع رجل من ورثته ميراثه بمائة ألف » !
وكان لعمر ستة أبناء هم : عبد الله ، وعبد الرحمن ، وعبيد الله ، وعاصم ، وعياض ، وزيد . وست بنات هن : حفصة ، ورقية ، وفاطمة ، وصفية ، وزينب وأم الوليد . وكان له زوجات وجوار ( النهاية : 7 / 156 ) .
فتكون ثروة عمر نحو مليون ونصف مليون درهم ، وهي ثروة كبيرة يومها ، لأن قيمة الشاة كان خمسة دراهم !
لكن المتعصبين لعمر يخفون ثروته ويزعمون أنه توفي وعليه ديْنٌ لبيت المال ! كالبخاري الذي روى في صحيحه ( 4 / 205 ) وصية عمر لابنه : « يا عبد الله بن عمر أنظر ماذا عليَّ من الدين ، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً أو نحوه ، قال : إن وفى له مال آل عمر فأده من أموالهم ، وإلا فسل في بني عدي بن كعب ، فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ، ولا تعدهم إلى غيرهم ، فأدِّ عني هذا المال » .
وقال ابن حجر في فتح الباري ( 7 / 53 ) : « وقد أنكر نافع مولى ابن عمر أن يكون على عمر دين ، فروى عمر بن شبة في كتاب المدينة بإسناد صحيح أن نافعاً قال : من أين يكون على عمر دين وقد باع رجل من ورثته ميراثه بمائة ألف !
وهذا لا ينفي أن يكون عند موته عليه دين ، فقد يكون الشخص كثير المال ولا يستلزم نفي الدين عنه » .
--------------------------- 384 ---------------------------

( م 312 ) كان يتاجر بعدة طرق ويقول : التجارة أفضل من الجهاد

قال عمر : « لئن أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله ، أحبُّ من أن أجاهد في سبيل الله ! فقيل يا أمير المؤمنين ولم قلت ؟ قال : لأن الله تعالى يقول في كتابه : وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ . فقدم بالذكر من كان يضرب في الأرض لابتغاء فضل الله تعالى » . ( السير الكبير : 3 / 1012 ) .

( م 313 ) وكان يعطي رأس مال للمضاربة

في تاريخ البخاري : 5 / 442 : « عبيد الأنصاري : أعطاني عمر مالاً مضاربة » .
« وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب وعن عبد الله بن مسعود وعن عثمان بن عفان أنهم أعطوا مالاً مضاربة » . ( الأم للشافعي : 7 / 118 ، وفتاوى السبكي : 1 / 417 )

( م 314 ) ويملك أراضيَ زراعية وبساتين !

قال في وفاء الوفا : 2 / 1241 : « الشبعان كان من ضمن صدقات عمر » .
وفي / 1175 : « الجرف فيه مال عمر بن الخطاب » .
واختلف مع أبيّ بن كعب على النخل ! « حلف لأبيٍّ قال : والله الذي لا إله إلا هو ، إن النخل لنخلي وما لأبيٍّ فيها شئ » . ( المغني : 12 / 112 ، و 116 ) .
وفي صحيح بخاري : 3 / 68 : « باب المزارعة بالشطر ونحوه . . وعامل عمر الناس على : إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر ، وإن جاؤوا بالبذر فلهم كذا » .
وفي معجم البلدان : 2 / 84 : « ثمغ : بالفتح ثم السكون والغين معجمة : موضع مال لعمر بن الخطاب » . وفي : 2 / 128 : « والجرف : موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام ، به كانت أموال لعمر بن الخطاب » .
--------------------------- 385 ---------------------------
وسيأتي أنه كان يملك ضيعة أعطاها له اليهود قرب المدينة ، وكان يملك في خيبر مئة سهم من النخيل ، وهي غير سهمه الذي وصله من فتح خيبر .

( م 315 ) وكان له غلمان يتاجرون له ويعلمهم

في تاريخ المدينة ( 2 / 748 ) أنه مرَّ على غلام له فقال له : « إذا نشرت ثوباً كبيراً فانشره وأنت قائم ، وإذا نشرت ثوباً صغيراً فانشره وأنت قاعد ، فقال أبو ذر : اتقوا الله يا آل عمر ! فقال عمر : إنه لا بأس أن تزين سلعتك بما فيها .
عن أبي موسى الأشعري : قدمت على عمر بن الخطاب فخرجت معه إلى السوق فمر على غلام له رَطَّاب يبيع الرطبة فقال : كيف تبيع ؟ أنفش فإنه أحسن للسوق ! ثم مر على غلام له يبيع البرود فقال : كيف تبيع ؟ » .
أسئلة :
س 1 : ما رأيكم في ثروة عمر الكبيرة ، وفي صرفه على نفسه وأهله من بيت المال ؟ !
س 2 : لم نجد أن ورثة عمر وفوا الست وثمانين ألف درهم التي هي قرض عليه لبيت المال ، كما روى بخاري ( 4 / 205 ) فهل وجدتم أنها وفوها ؟ !
قال محمد بن جرير الطبري الشيعي في كتابه المسترشد / 523 : « ومما نقموا عليه : أخذه ثمانين ألف درهم من أموال المسلمين ، ثم أوصى ابنه عبد الله عند موته أن يكسر فيها ماله ويردها ، وقد قتل عثمان في أقل من هذا المقدار . ولا نعلم أحداً روى أن عبد الله ، قضى هذا المال عن الثاني » !
س 3 : هل توافقون عمر على تفضيله طلب الرزق على القتال في سبيل الله ؟ !
س 4 : ثبت أن عمر حذف من الأذان « حي على خير العمل » حتى « لا يتكل الناس على الصلاة ويدعوا الجهاد » ( الأحكام 1 / 84 ، ودعائم الإسلام : 1 / 144 ) .
--------------------------- 386 ---------------------------
فكيف فضل كسب الرزق على الجهاد ، ثم حذف فصلاً من الأذان من أجل الجهاد ؟
س 5 : هل وجدتم صحابياً أعطاه اليهود بستاناً أو بساتين غير عمر ؟ !

( م 316 ) وكان يعامل في الشراء ويتشدد

في لسان الميزان : 2 / 320 : « عن أنس أن أعرابياً جاء بإبل يبيعها فساومه عمر ، وجعل عمر ينخس بعيراً بعيراً ثم يضربه برجله لينبعث البعير ، لينظر كيف فؤاده ؟ فقال : خل عن إبلي لا أباً لك ! فلم ينته ، فقال : إني لأظنك رجل سوء ! فلما فرغ منها اشتراها ، قال : سقها وخذ أثمانها فقال الأعرابي : حتى أضع عنها أحلاسها وأقتابها ! فقال عمر : اشتريتها وهي عليها ، فقال الأعرابي أشهد أنك رجل سوء ! فبينما هما يتنازعان أقبل عليٌّ فقال عمر : ترضى بهذا الرجل بيني وبينك ؟ فقال : نعم ، فقصا عليه القصة فقال علي : يا أمير المؤمنين إنك إن اشترطت عليه أحلاسها وأقتابها فهي لك وإلا فالرجل يزين سلعته بأكثر من ثمنها » . وكنز العمال : 4 / 142
س 1 : هل تقبلون أسلوب عمر في الشراء وفي ادعاء أقتاب الأباعر ؟ !

( م 317 ) وكان اقتصادياً فنهى عن أكل البيض !

في تاريخ المدينة : 3 / 796 ، أن عمر خطب فقال : « أيها الناس أوفوا الطحين وأملكوا العجين وخير الطحين مَلْكُ العجين ( إعجنوه جيداً ) ولا تأكلوا البيض فإنما البيضة لقمة ، فإذا تركت كانت دجاجة ثُمْنَ درهم » ! يقصد أن الثمان بيضات بدرهم ، وهذا يدل على تفكيره الاقتصادي المفرط !
--------------------------- 387 ---------------------------
س 1 : النهي يفيد التحريم ، فهل يحرم على المسلمين أن يأكلوا البيض لأنه إسراف ! ويجب عليهم أن يضعوه تحت الدجاج حتى يتحول إلى صيصان ؟ !

( م 318 ) ومع ثروته كان يأخذ نفقاته من بيت المال !

قالت عائشة : « لما استخلف أبو بكر قال : قد علم قومي أن حرفتي لم تكن لتعجز عن مؤنة أهلي ، وقد شغلت بأمر المسلمين فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال واحترف للمسلمين فيه ! قالت : لما استخلف عمر بن الخطاب أكل هو وأهله من المال ، واحترف في مال نفسه » ( سنن البيهقي : 10 / 107 ، و : 6 / 308 ، والطبقات : 3 / 308 ) .
س 1 : بماذا تفسرون أن أبا بكر لم يكن عنده رأس مال فكان يتجر برأس مال بيت المال ، ويأكل منه . أما عمر فكان عنده رأس مال وكان يتجر به لنفسه ولا يأكل منه ، بل من بيت المال !

( م 319 ) واخترعوا لمدحه قصصاً عن ورعه !

زعم أتباعه أنه لم يكن يأكل إلا من صلب ماله ، وقال : « لا يحل لي من المال إلا ما آكل من صلب مالي » وأنه ذات يوم شرب لبناً ، فلما عرف أنه من بيت المال ومن إبل الصدقة ، تقيأه تقوىً وورعاً !
وقالوا إنه كان مريضاً فوصفوا له العسل ، وكان في بيت المال عكة عسل ، فقال للمسلمين على المنبر : « إن أذنتم لي فيها أخذتها وإلا فإنها عليَّ حرام ، فأذنوا له فيها » ( كنز العمال : 12 / 655 )
س 1 : كيف يمكن قبول هذا الورع الزعوم من شخص ثري ، ومع ذلك كان ينفق على نفسه ومن يعول به من بيت المال ، ثم كان يستقرض منه وكان عليه دين عندما مات 86 ألف درهم ، وهي نفقة عائلة كبيرة لمدة عشرين سنة ؟ !
--------------------------- 388 ---------------------------

5 . مسائل في شدة عمر وقسوته

( م 320 ) قسوة عمر وشدته على المؤمنين !

قال الله تعالى : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ وقد زعموا أن عمر من هؤلاء الرحماء بالمؤمنين ورووا عنه أنه قال : « إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ، ولا ليأخذوا أموالكم ، فمن فعل به ذلك فليرفعه إليَّ ، أقصه منه » ( أبو داود : 2 / 376 ، والمغني : 9 / 355 ، ومسند أحمد : 1 / 41 ، والحاكم : 4 / 439 ، والبيهقي : 8 / 48 ) .
س 1 : هذا كلام طيب ، لكن عمل عمر كان بعكس هذا الكلام ! فقد كان يضرب الآخرين ويؤذيهم لأقل سبب ! فما رأيكم ؟ !

( م 321 ) قالوا لأبي بكر : أتستخلف علينا فظاً غليظاً ؟ !

« لما حضرت أبا بكر الوفاة بعث إلى عمر يستخلفه فقال الناس : أيستخلف علينا فظاً غليظاً . لو قد ملكنا كان أفظ وأغلظ ! فماذا تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر ؟ فقال أبو بكر : أتخوفوني بربي ؟ ! أقول يا رب أمرت عليهم خير أهلي » . ( تاريخ المدينة : 2 / 671 ، وسنن البيهقي : 8 / 149 ) .
أسئلة :
س 1 : كانت خلافة عمر بعد أبي كانت أمراً متفقاً عليه قبل بيعة أبي بكر ، فقد كان يذكر للخلافة عمر وأبا عبيدة ، وكان عمر يذكر أبا عبيدة وسالماً . وكان أول المعترضين عليه بنو تيم وهم عائشة وابنه عبد الرحمن وابن عمه طلحة ، لأنهم أرادوها وراثة لبني تيم وادعت عائشة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أوصى بها لأبي بكر ووُلده ! لكن أبا بكر لم يكن يستطيع تجاوز عمر ! فهل توافقوننا على ذلك ؟ !
--------------------------- 389 ---------------------------
س 2 : بماذا تفسرون غلظة عمر وقسوته المتفق عليها عند الجميع ، وهل يمكنكم الدفاع عن جميع مواردها ؟ !

( م 322 ) عذب الناس على الإسلام ثم عذبهم وهم مسلمون

فقد كان في مكة يعذب أخته وصهره على الإسلام ! ( البخاري : 8 / 56 ) .
وكان يعذب جارية سوداء اسمها زنيرة فيضربها حتى يمل ويقول إني أعتذر إليك ، إني لم أتركك إلا ملالة ! فتقول : كذلك فعل الله بك » . ( سيرة ابن هشام : 1 / 211 ، وابن كثير : 1 / 354 ، والدر المنثور : 6 / 40 ) .
وكان يؤذي ليلى بنت أبي حثمة ، قالت : كان أشد الناس علينا في إسلامنا ! ( أسد الغابة : 7 / 256 ) .
س 1 : هل تعرفون حالة مماثلة عذب فيها مشركٌ مسلماً لإسلامه حتى كان يتعب ويعتذر منه لعدم مواصلة ضربه ؟ !

( م 323 ) جعل عمر أمره ونهيه أشد من نهي الله تعالى !

« كان عمر إذا أراد أن ينهي الناس عن شئ تقدم إلى أهله : لا أعلمن أحداً وقع في شئ مما نهيت عنه ، إلا أضعفت له العقوبة » . ( كنز العمال : 3 / 692 ) .
س 1 : هل يصح عندكم أن يكون ما نهى عنه الخليفة مضاعف العقوبة ، وما نهى الله عنه ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) غير مضاعف ؟ !

( م 324 ) عمر أول حاكم عربي ضرب النساء والأطفال !

3 - « ماتت رقية ابنة رسول الله ( ص ) فقال الحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون قال وبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه ، فقال النبي ( ص ) لعمر : دعهن
--------------------------- 390 ---------------------------
يبكين وإياكن ونعيق الشيطان . ثم قال رسول الله ( ص ) : مهما يكون من القلب والعين فمن الله والرحمة ، ومهما كان من اليد واللسان فمن الشيطان » ( مسند أحمد : 1 / 335 و 238 ومجمع الزوائد : 3 / 17 ، ووثقه ) .
4 - دعهن يا عمر ! « خرج النبي ( ص ) على جنازة ومعه عمر بن الخطاب فسمع نساء يبكين فزبرهن عمر فقال رسول الله ( ص ) يا عمر دعهن فإن العين دامعة والنفس مصابة والعهد قريب » . ( الحاكم : / 381 ، وصححه على شرط الشيخين ) .
5 - « سمع صوت بكاء في بيت فدخل معه غيره ، فأمال عليهم ضرباً حتى بلغ النائحة فضربها حتى سقط خمارها فعدل الرجل فقال : اضرب فإنها نائحة ولا حرمة لها ، إنها لا تبكي بشجوكم إنها تهريق دموعها على أخذ دراهمكم ، إنها تؤذي أمواتكم في قبورهم وتؤذي أحياءكم في دورهم ، إنها تنهى عن الصبر ، وقد أمر الله به ، وتأمر بالجزع وقد نهى الله عنه » . ( تاريخ المدينة : 3 / 799 ) .
6 - وضرب النائحات على أبي بكر ومنع النوح عليه ! . « لما توفي أبو بكر أقامت عليه عائشة النوح فأقبل عمر بن الخطاب حتى قام ببابها فنهاهن عن البكاء على أبي بكر فأبين أن ينتهين ! فقال عمر لهشام بن الوليد أدخل فأخرج إلي ابنة أبي قحافة أخت أبي بكر ، فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر : إني أحرج عليك بيتي ! فقال عمر لهشام أدخل فقد أذنت لك ، فدخل هشام فأخرج أم فروة أخت أبي بكر إلى عمر ، فعلاها الدرة فضربها ضربات ، فتفرق النوح حين سمعوا ذلك » . ( تاريخ الطبري : 2 / 614 ) .
« عن عائشة قالت : توفي أبو بكر بين المغرب والعشاء فأصبحنا ، فاجتمع نساء المهاجرين والأنصار وأقاموا النوح ، وأبو بكر يغسل ويكفن ، فأمر عمر بن الخطاب بالنُّوَّح ففرقن فوالله على ذلك » ! ( تاريخ المدينة : 3 / 796 )
--------------------------- 391 ---------------------------
7 - « لما مات خالد بن الوليد اجتمع في بيت ميمونة نساء يبكين ، فجاء عمر ومعه ابن عباس ومعه الدرة ، فقال : يا عبد الله ، أدخل على أم المؤمنين فأمرها فتحتجب وأخرجهن عليَّ ، فجعل يخرجهن عليه وهو يضربهن بالدرة ، فسقط خمار امرأة منهن فقالوا : يا أمير المؤمنين خمارها ! فقال : دعوها ، فلا حرمة لها !
وكان يُتعجب من قوله : لا حرمة لها ! فأدرك النائحة فجعل يضربها بالدرة ، فوقع خمارها فقالوا : شعرها يا أمير المؤمنين ! فقال : أجل ، فلا حرمة لها » ( كنز العمال : 15 / 730 ) .
8 - لكنه عاد واستثنى النائحات على خالد ! « لما مات خالد بن الوليد اجتمع نسوة بني المغيرة في دار خالد يبكين عليه ، فقيل لعمر إنهن قد اجتمعن في دار خالد وهن خلقاء أن يسمعنك بعض ما تكره فأرسل إليهن فانههن ، فقال عمر : ويحك وما عليك أن تبكي نساء قريش أبا سليمان ما لم يكن نقع ولا لقلقة ! قال : والنقع شق الجيوب واللقلقة الجلبة .
عن عبد الله بن عكرمة قال : عجباً لقول الناس إن عمر بن الخطاب نهى عن النوح ! لقد بكى على خالد بن الوليد بمكة والمدينة نساء بني المغيرة سبعاً يشققن الجيوب ويضربن الوجوه وأطعموا الطعام تلك الأيام حتى مضت ما ينهاهن عمر !
9 - أفزع عمر امرأة فأسقطت فأوجب عليه علي ( عليه السلام ) ديتها ! « فأرسل إليها ، فقيل لها : أجيبي عمر ! فقالت : يا ويلها ما لها ولعمر ! فبينما هي في الطريق فزعت فضربها الطلق فدخلت داراً فألقت ولدها فصاح الصبي صيحتين ثم مات » ( الأم : 6 / 191 ، والبيهقي : 6 / 123 ، وكنز العمال : 15 / 84 )
--------------------------- 392 ---------------------------
10 - وكان يضرب الجواري بجرم الحجاب ! « كان إذا رأى جارية متقنعة علاها بالدرة وقال ألقي عنك الخمار » ( المبسوط : 1 / 212 ) « فقام إليها بالدرة فضرب بها رأسها حتى ألقته عن رأسها » ( الجواهر الحسان : 2 / 583 ) .
11 - « عن الزهري أن عمر كان يضرب النساء والخدم » ( كنز العمال : 9 / 204 ) .
12 - وضرب زوجته نصف الليل فحجز ضيفه بينهما ! « عن الأشعث بن قيس قال : ضفت عمر ليلة فلما كان في جوف الليل قام إلى امرأته يضربها فحجزت بينهما » . ( ابن ماجة : 1 / 639 ) .
13 - وكان يضرب الأولاد ويطردهم من المسجد ! « رأيت عمر بن الخطاب ونحن غلمان نلعب في المسجد فضربنا بالمخفقة فخرجنا من المسجد ، قلت لشرحبيل : ما المخفقة ؟ قال الدرة » ( تاريخ البخاري : 4 / 251 ) .
14 - ورأى طفله لابساً لباساً نظيفاً فضربه ! « دخل ابن لعمر بن الخطاب عليه وقد ترجل ( مشط شعره ) ولبس ثياباً ، فضربه عمر بالدرة حتى أبكاه ! فقالت له حفصة : لم ضربته ؟ قال : رأيته قد أعجبته نفسه ، فأحببت أن أصغرها إليه » ( مصنف عبد الرزاق : 10 / 416 ) .
أسئلة :
س 1 : أي الموارد مما تقدم يمكنكم تبريرها شرعاً ، وأيها لا يمكن ؟ وأي الموارد أشدها جميعاً ولا يمكن قبوله ؟ !
س 2 : عرفنا أن سبب عقدة عمر من التيمم أنه أخطأ فتمرغ في التراب فضحك عليه بعضهم ، لكن ما هو سبب عقدته من البكاء على الميت ، والتي يظهر أنها كانت من عهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ !
--------------------------- 393 ---------------------------
س 3 : ما رأيكم في قول عمر : « اضرب فإنها نائحة ولا حرمة لها » ففي مصنف عبد الرزاق : 3 / 557 : « فجاء عمر ومعه ابن عباس ومعه الدرة فقال : يا أبا عبد الله ! أدخل على أم المؤمنين ( ميمونة ) فأمرها فلتحتجب ، وأخرجهن عليَّ قال : فجعل يخرجهن عليه وهو يضربهن بالدرة ، فسقط خمار امرأة منهن فقالوا : يا أمير المؤمنين ! خمارها ، فقال : دعوها ولا حرمة لها ! وكان معمر يَعجب من قوله : لا حرمة لها » !
وفي تفسير القرطبي : 18 / 75 : « فضربها بالدرة حتى وقع خمارها عن رأسها ! فقيل : يا أمير المؤمنين ، المرأة المرأة ! قد وقع خمارها ! فقال : إنها لا حرمة لها » !
س 4 : هل توافقون عمر على منع الحجاب للجاريات والخادمات ، وما فرق ذلك عن القانون الفرنسي في منع الحجاب ؟ !
س 5 : هل توافقون عمر على طرده الأولاد من المسجد ؟ !
س 6 : هل يشرع ضرب الطفل حتى يتعلم تحقير نفسه ويبتعد عن الغرور ؟ !

( م 325 ) وهو أول من ضرب مسلماً وهو يصلي !

15 - « رأى رجلاً يصلي إلى وجه رجل فعلاهما بالدرة وقال للمصلي : أتستقبل الصورة ؟ وقال للآخر : أتستقبل المصلي بوجهك » ؟ ! . ( المبسوط : / 38 ) .
16 - « لما أذن المؤذن بالمغرب قام رجل يصلي ركعتين فجعل يلتفت في صلاته فعلاه عمر بالدرة ، فلما قضى الصلاة سأله فقال : رأيتك تلتفت في صلاتك » ! ( تلخيص الحبير : 4 / 281 ) .
17 - « مر عمر بن الخطاب على ابن له وهو يصلي ورأسه معقوص ، فجبذه حتى صرعه » . ( كنز العمال : 8 / 177 ) .
--------------------------- 394 ---------------------------
« عن عروة قال كنت غلاماً لي ذؤابتان فقمت أركع ركعتين بعد العصر فبصرني عمر بن الخطاب ومعه الدرة فلما رأيته فررت منه ، فأحضر في طلبي حتى تعلق بذؤابتي فنهاني ، فقلت : يا أمير المؤمنين لا أعود » ! ( تهذيب التهذيب : 7 / 165 ) .
18 - « رأى عمر صلى بعد العصر وكان يضرب على الصلاة بعد العصر » ! ( تاريخ البخاري : 5 / 85 ، وفتح العزيز : 4 / 218 ) .
« عن زيد بن خالد ( أبي أيوب الأنصاري ( رحمه الله ) ) أنه رآه عمر بن الخطاب وهو خليفة ركع بعد العصر ركعتين فمشى إليه فضربه بالدرة وهو يصلي كما هو فلما انصرف قال زيد يا أمير المؤمنين فوالله لا أدعهما أبداً بعد أن رأيت رسول الله ( ص ) يصليهما ! قال : فجلس إليه عمر وقال يا زيد بن خالد لولا أني أخشى أن يتخذها الناس سلماً إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما » . ( مسند أحمد : 4 / 115 ) .
« رأى عمر تميماً الداري يصلي بعد العصر ، فضربه بدرته على رأسه . فقال له تميم : يا عمر تضربني على صلاة صليتها مع رسول الله ( ص ) ! قال : يا تميم ، ليس كل الناس يعلم ما تعلم » . ( سير الذهبي : 2 / 448 ، ومجمع الزوائد : 2 / 222 ) .
وفي البخاري : 5 / 117 : « قال ابن عباس وكنت أضرب مع عمر الناس عليهما »
أقول : رأيت أنه صلى الركعتين اللتين كان يضرب عليهما ! ( تاريخ البخاري : 5 / 85 ) .
س 1 : هل يجوز ضرب أحد وهو يصلي ؟
س 2 : هل يجوز لأحد يعتقد بأن هذه النافلة غير مشروعة أن يجبر على تركها من يعتقد أنها مستحبة ؟

( م 326 ) وضرب أشخاصاً بجرم أنهم شخصيات في المجتمع !

19 - « كان عمر قاعداً ومعه الدرة والناس حوله ، إذ أقبل الجارود ، فقال رجل : هذا سيد ربيعة ، فسمعه عمر ومن حوله وسمعه الجارود ، فلما دنا منه
--------------------------- 395 ---------------------------
خفقه بالدرة ، فقال : ما لي ولك يا أمير المؤمنين ، فقال مالي ولك أما لقد سمعتها قال سمعتها فمه ؟ قال : خشيت أن يخالط قلبك منها شئ ، فأحببت أن أطأطئ منك » ( كنز العمال : 3 / 809 وتاريخ المدينة : 2 / 690 ) .
س 1 : قال عمر عن طفله « رأيته قد أعجبته نفسه ، فأحببت أن أصغرها إليه » ويقول هنا لرئيس بني عبد القيس : « خشيت أن يخالط قلبك منها شئ ، فأحببت أن أطأطئ منك » ! فهل يجوز لأحد إذا رأى عمر أعجبته نفسه ، أو خشي أن يخالط قلبه إعجاب بنفسه ، أن يضربه ليحقر له نفسه ؟ !

( م 327 ) وضرب الصحابة بجرم التحديث عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) !

20 - « أتينا أبي بن كعب لنحدث إليه فلما قام قمنا ونحن نمشي خلفه فرهقنا عمر ، فتبعه فضربه عمر بالدرة ! قال : فاتقاه بذراعيه ، فقال يا أمير المؤمنين ما تصنع ؟ ! قال : أو ما ترى ! فتنة للمتبوع مذلة للتابع » ( سنن الدارمي : 1 / 132 ) .
« وإلى جنبه رجل أبيض الشعر أبيض الثياب . . فقلت يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي إلى جنبك ؟ قال سيد المسلمين أبي بن كعب » تهذيب الكمال : 2 / 269 ) . .
21 - « حبس ابن مسعود وأبا مسعود الأنصاري وأبا الدرداء لأنهم يحدثون عن رسول الله » ( مجمع الزوائد : 1 / 372 ) .
س 1 : بأي وجه شرعي يصادر حريات كبار الصحابة وسيد المسلمين ويمنعهم من التحديث عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويضربهم ؟ !

( م 328 ) وغضب من علي ( عليه السلام ) ولم يجسر أن يضربه !

« عن الزهري عنه أن علياً صلى بعد العصر فتغيظ عليه عمر » . ( مسند أحمد : 1 / 17 ) .
س 1 : لماذا لم يضرب علياً ( عليه السلام ) ، هل احترم مكانته وعلمه ، أم خاف منه ؟ !
--------------------------- 396 ---------------------------

( م 329 ) وضرب رجلاً لأنه اشترى لحماً ثلاثة أيام !

22 - « أن رجلاً من الأنصار مر بعمر بن الخطاب وقد تعلق لحماً فقال له عمر : ما هذا ؟ قال : لحمة أهلي يا أمير المؤمنين ، قال : حسن ، ثم مر به من الغد ومعه لحم فقال : ما هذا ؟ قال : لحمة أهلي قال : حسن ! ثم مر به اليوم الثالث ومعه لحم ، فقال : ما هذا ؟ قال : لحمة أهلي يا أمير المؤمنين ، فعلى رأسه بالدرة ، ثم صعد المنبر فقال : إياكم والأحمرين اللحم والنبيذ فإنهما مفسدة للدين ، متلفة للمال » . ( كنز العمال : 5 / 522 ) .
س 1 : كان عمر يأكل اللحم ويشرب النبيذ لأيام متتالية ، وقد تكون كل أيام الأسبوع ، فما هو السبب الحقيقي برأيكم لضربه ذلك الأنصاري ؟ !

( م 330 ) وضرب والي حمص لأنه أخر الخراج !

23 - « أن عمر بن الخطاب استعمل سعيد بن عامر بن حذيم على جند حمص ، فقدم عليه فعلاه بالدرة ، فقال سعيد : سبق سيلك مطرك ، إن تستعتب نعتب ، وإن تعاقب نصبر ، وإن تعفو نشكر ! فاستحيا عمر فألقى الدرة وقال : ما على المسلم أكثر من هذا ، إنك تبطئ بالخراج !
فقال سعيد : إنك أمرتنا أن لا نزيد الفلاح على أربعة دنانير ، نحن لا نزيد ولا ننقص ، إلا أنا نؤخرهم إلى غلاتهم ، فقال عمر : لا أعزلك ما كنت حياً » !
س 1 : معنى : « سبق سيلك مطرك » أن عقوبتك سبقت حتى سؤالك عن الذنب ! !

( م 331 ) جال بالدرة على كبار وزرائه !

24 - « كان الناس إذا كان الصيف تفرقوا في المغازي ، وإذا كان الشتاء اجتمعوا في الشتاء فصلى بهم أبو الدرداء ، فأتاهم عمر وقد اجتمعوا في الشتاء ،
--------------------------- 397 ---------------------------
فلما كان قريباً منهم أقام حتى أمسى ، فلما جنه الليل قال : يا يَرْفَأ ( غلامه ) انطلق بنا إلى يزيد بن أبي سفيان ، أبصره عنده سمار ومصباح مفترشاً ديباجاً وحريراً من فئ المسلمين ، تسلم عليه لا يرد عليك وتستأذن عليه فلا يأذن لك حتى يعلم من أنت . . قال فانطلقنا حتى انتهينا إلى بابه فقال : السلام عليكم ، قال : وعليك . قال : أدخل قال : ومن أنت ؟ قال يرفأ هذا من يسوؤك ، هذا أمير المؤمنين ! ففتح الباب فإذا سمار ومصباح وإذا هو مفترش ديباجاً وحريراً من فئ المسلمين ، فقال عمر : يا يرفأ البابَ البابَ ووضع الدرة بين أذنيه ضرباً ، ثم كوَّر المتاع فوضعه في وسط البيت ، ثم قال للقوم : لا يبرحن منكم أحد حتى أرجع إليكم !
ثم خرجنا من عنده فقال : يا يرفأ انطلق إلى عمرو بن العاص أبصره عنده سمار ومصباح مفترشاً ديباجاً وحريراً من فئ المسلمين ! تسلم عليه فيرد عليك وتستأذن عليه فلا يأذن لك حتى يعلم من أنت . . .
قال : فانتهينا إلى بابه فقال عمر : السلام عليكم قال : وعليك أدخل ؟ قال : ومن أنت ؟ قال يرفأ : هذا من يسوؤك هذا أمير المؤمنين ، ففتح الباب فلما دخل إذا سمار ومصباح وإذا هو مفترش ديباجاً وحريراً من فئ المسلمين ، فقال عمر : يا يرفأ الباب الباب ، ووضع الدرة بين أذنيه ضرباً ، وجعل عمرو يحلف ! ثم كور المتاع فوضعه في وسط البيت ، ثم قال للقوم لا يبرحن منكم أحد حتى أعود إليكم !
ثم خرجنا من عنده فقال عمر : يا يرفأ انطلق بنا إلى أبي موسى . . ففتح الباب فإذا سمار ومصباح وإذا هو مفترش صوفاً من فئ المسلمين فقال : يا يرفأ الباب ، ثم وضع الدرة بين أذنيه ضرباً وقال : وأنت أيضاً يا أبا موسى ! قال : يا أمير المؤمنين ، أوقد رأيت ما صنع أصحابي أما والله لقد أصبت مثل الذي أصابوا ! قال : فما هذا . . الخ . » ( تاريخ المدينة : 3 / 833 ، وكنز العمال : 13 / 550 ) .
--------------------------- 398 ---------------------------
س 1 : هذا العمل فيه تجسس وضرب ومصادرة ، فهل كله حلال وعمر محق فيه ؟ ! وهل فسق هؤلاء الولاة : بفعلهم ، واستحقوا ذلك ؟ !

( م 332 ) وضرب عثمان بن حنيف بقبضة حصى وحجر !

25 - « كان عثمان بن حنيف كان عاملاً لعمر فكلمه وأغضبه ، فأخذ عمر من البطحاء قبضة فرجمه بها » . ( مصنف عبد الرزاق : 11 / 233 ) . وفي مجمع الزوائد ( 9 / 620 ) : « فضربه بحجر على وجهه ، فسأل الدم على لحيته » !
س 1 : أين حرمة المؤمن والتشديد في تحريم الاعتداء عليه ؟

( م 333 ) وطلب شخص منه المساعدة فضربه !

26 - « فلقيه رجل فقال : يا أمير المؤمنين انطلق معي فاعدُني على فلان فإنه قد ظلمني ، فرفع الدرة فخفق بها رأسه وقال : تَدَعون أمير المؤمنين وهو معرض لكم حتى إذا شغل في أمر من أمر المسلمين أتيتموه أعدني أعدني » . ( كنز العمال : 12 / 671 ) .
س 1 : إذا استغاث بك شخص في وقت لا يناسبك هل يجوز لك أن تضربه ؟ !

( م 334 ) قدم اسم الوالي على اسم عمر فجلده !

27 - « أن كاتب أبي موسى كتب إلى عمر فكتب من أبي موسى ! فكتب عمر : إذا أتاك كتابي هذا فاجلده كذا سوطاً ، واعزله من عملك » ( كنز العمال : 10 / 309 ) .
س 1 : هي يستحق الكاتب العقوبة إذا كتب من : من فلان إلى الملك فلان ، أو رئيس الجمهورية فلان ؟ !
--------------------------- 399 ---------------------------

( م 335 ) مزح أحدهم فجلده !

28 - « يروى عن عمر بن الخطاب أنه لقي أعرابياً فسأله : هل تحسن القراءة ؟ قال : نعم . فقال : إقرأ بأم القرآن . فقال الأعرابي : والله ما أحْسٍنُ البنات فكيف الأم ! فضربه عمر بالدرة » . ( تاريخ القرآن / 136 ) .
س 1 : إذا مزح أحد معك من نوع هذا المزح هل يجوز لك ضربه ؟ !

( م 336 ) كلم رجل امرأته في الطريق فجلده !

29 - « أن عمر بن الخطاب مر برجل يكلم امرأة على ظهر الطريق فعلاه بالدرة ! فقال له الرجل : يا أمير المؤمنين ، إنها امرأتي ، قال : فهلا حيث لا يراك الناس » . ( كنز العمال : 5 / 462 ) .
س 1 : هل أخذت هيئة الأمر بالمعروف في السعودية بفتوى عمر ؟ !

( م 337 ) لم يعرف عمر الفتوى فسأل غيره ، ثم ضرب السائل !

30 - « فلما قمنا من عنده قال صاحب له إن أمير المؤمنين لم يحسن أن يفتيك حتى سأل الرجل ! فسمع عمر بعض كلامه فعلاه بالدرة ضرباً ! ثم أقبل علي ليضربني فقلت يا أمير المؤمنين إني لم أقل شيئاً إنما هو قاله فتركني » ! ( سنن البيهقي : 5 / 181 ، والدر المنثور : 2 / 329 ) .
س 1 : إذا قال أحد عنك : لم يعرف الحكم الشرعي حتى سأل عنه ، هل تضربه ؟ !

( م 338 ) جلد ابنه وعضَّه لأنه تكنى بأبي عيسى !

31 - « ضرب عبد الله ابنه بالدرة ، وقال : أتكنى بأبي عيسى ! أوَكان له أب » ! ( كنز العمال : 16 / 594 ، وأبي داود : 2 / 469 ) .
--------------------------- 400 ---------------------------
وفي عمدة القاري : 7 / 143 : « فقالت يا أمير المؤمنين ألا تعذرني من أبي عيسى ؟ قال : ومن أبو عيسى ؟ قالت : ابنك عبيد الله . قال : ويحك وقد تكنى بأبي عيسى ! فدعاه وقال : إيهاً اكتنيت بأبي عيسى ! فحذر وفزع ، فأخذ يده فعضها حتى صاح ، ثم ضربه وقال : ويلك هل لعيسى أب ؟ ! أما تدري ما كُنى العرب : أبو سلمة ، أبو حنظلة ، أبو عرفطة ، أبو مرة » !
س 1 : هي يحرم التسمية والتكنية بأبي آدم وأبي عيسى لأنهم لا أب لهما ؟ ! وهل يختص العض بمن سمى بهما ، أم يجوز للخليفة أن يعض أي مجرم عندما يرى ذلك مناسباً ؟ !

( م 339 ) أعجبه التسبيح فخفف الجلد عن صاحبه !

32 - « أمر بضرب رجلين فجعل أحدهما يقول بسم الله ، والآخر يقول سبحان الله فقال : ويحك خفف عن المسُبح ، فإن التسبيح لا يستقر إلا في قلب مؤمن » !
( كنز العمال : 2 / 253 ) .
س 1 : أيهما أعجب : ضربه للرجل ، أو حكمه بإيمان من يسبح تحت الضرب ؟ !

( م 340 ) جلد البغل فاضطرب فقال هذا شيطان !

33 - « خرجت مع عمر إلى الشام ، فلما كنا في أدنى الريف ، فأتي ببرذون فركبه فجعل البرذون يحركه فجعل عمر يضربه ويضرب وجهه فلا يزيده إلا مشياً ، فقال سائس الدابة : ما ينقم أمير المؤمنين منه ؟ ! ثم نزل فقال ما حملتموني إلا على شيطان ، وما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي ، قربوا بعيري ! فأتي ببرذون فطرحت عليه قطيفة فركب بغير سرج فأهزته فقال أمسك أمسك ! أدن جملي ، ما شعرت أن الناس يركبون الشياطين قبل يومي هذا » . ( تاريخ المدينة : 3 / 823 ) .
س 1 : هل يستحق البغل من عمر هذه والمعاملة والذم ؟ !
--------------------------- 401 ---------------------------

( م 341 ) أمر الوالي بهدم البلد ثم ضربه على ذلك !

34 - « كتب لعمير بن سعد عهداً بأن يخرب عرب سوس ، إذا لم يستجيبوا لشروطه ، فلما خربها بعد سنة علم عمر بذلك فضربه بالدرة ، فدخل عليه عمير منفرداً وطلب منه عهده الذي كتبه إليه ! فقال عمر : رحمك الله فهلا قلت لي ذلك وأنا أضربك ؟ ! قال : كرهت أوبخك يا أمير المؤمنين » ! ! ( بغية الطلب : 1 / 332 ) .
س 1 : هل ندم عمر على ذنبه ، وهل عرض على المضروب القصاص ؟ !

( م 342 ) عمر سلطان الله ومن لا يحترمه يضرب !

35 - « أتيَ بمال فجعل يقسمه بين الناس ، فازدحموا عليه ، فأقبل سعد بن أبي وقاص يزاحم الناس حتى خلص إليه ، فعلاه عمر بالدرة ، وقال : إنك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض ، فأحببت أن أعلمك أن سلطان الله لن يهابك » .
( كنز العمال : 12 / 564 ) .
س 1 : هل توافق على أن عمر سلطان الله في الأرض ، ويجب على المسلمين أن يهابوه ، ويحق للسلطان أن يجلد كل من فهم من تصرفه انتقاص هيبته ؟ !

( م 343 ) ضرب رجلاً بالدرة لأنه فضله على أبي بكر !

36 - « رأى عمر رجلاً يقول إن هذا لخير الأمة بعد نبيها ، فجعل عمر يضرب الرجل بالدرة ويقول : كذب الآخر ، لَأبوبكر خير مني ومن أبي ، ومنك ومن أبيك » . ( كنز العمال : 12 / 495 ) .
س 1 : ما هو الوجه الشرعي لهذه العقوبة ؟ ولماذا أراد عمر تركيز أفضلية أبي بكر ؟ !
--------------------------- 402 ---------------------------

( م 344 ) ضرب أبا سفيان ليثبت أنه قد أذلَّ رئيس قريش !

37 - « خرج عمر ومعه أبو سفيان بن حرب فمر بلبن في الطريق فأمر أبا سفيان أن ينحيه فجعل ينحيه ، فقال عمر : الحمد لله الذي أدركت زمانا أمر عمر فيه أبا سفيان فأطاعه » ! ( تاريخ المدينة : 2 / 686 ) وفي تاريخ دمشق : 23 / 470 : « قال : الحمد لله الذي جعل عمر يأمر أبا سفيان ببطن مكة ، فيطيعه » !
وفي التمهيد : 22 / 218 : « فقال يا أبا سفيان خذ هذا الحجر من ههنا فضعه ههنا فقال : والله لا أفعل ! فقال : والله لتفعلن ، فقال : لا أفعل ! فعلاه عمر بالدرة وقال خذه لا أم لك وضعه هاهنا ، فإنك ما علمت قديم الظلم ! فأخذ الحجر أبو سفيان ووضعه حيث قال عمر ! ثم إن عمر استقبل القبلة فقال : اللهم لك الحمد إذ لم تمتني حتى غلبت أبا سفيان على رأيه ، وأذللته لي بالإسلام » .
س 1 : بماذا تفسرون هذا التصرف من عمر وهو الشخص المغمور ، من قبيلة صغيرة مغمورة مطرودة إلى خارج مكة ، مع رئيس قريش ؟ !

( م 345 ) وضرب معاوية المدلل ليطوعه له !

38 - « دخل معاوية على عمر وعليه حلة خضراء فنظر إليها الصحابة ، فلما رأى ذلك عمر وثب إليه بالدرة فجعل يضربه بها ، وجعل معاوية يقول : يا أمير المؤمنين الله الله فيَّ ، فرجع عمر إلى مجلسه فقال له القوم : لم ضربته يا أمير المؤمنين وما في قومك مثله ؟ فقال : والله ما رأيت إلا خيراً ، وما بلغني إلا خير ، ولو بلغني غير ذلك لكان مني إليه غير ما رأيتم ، ولكن رأيته وأشار بيده ، فأحببت أن أضع منه ما شمخ » . ( نهاية ابن كثير : 8 / 134 ) .
س 1 : هل توافقون عمر على ضربه لمعاوية ، لهذا السبب ؟ !
--------------------------- 403 ---------------------------

( م 346 ) وارتكب عمر جريمة اغتصاب !

38 - قال في الطبقات : 8 / 265 : « عاتكة بنت زيد كانت تحت عبد الله بن أبي بكر فمات عنها ، واشترط عليها أن لا تزوج بعده ، فتبتلت وجعلت لا تزوج وجعل الرجال يخطبونها وجعلت تأبى فقال عمر لوليها : أذكرني لها فذكره لها فأبت عمر أيضاً ، فقال عمر : زوجنيها فزوجه إياها ، فأتاها عمر فدخل عليها فعاركها حتى غلبها على نفسها ، فنكحها فلما فرغ قال : أف أف أف ! أفف بها ، ثم خرج من عندها وتركها لا يأتيها ! فأرسلت إليه مولاة لها أن تعال فإني سأتهيأ لك » .
س 1 : ولي المرأة عندنا أبو وجدها لأبيها فقط ، ولا يجوز لهما تزويجها إلا برضاها . فهل الولاية عليها عندكم لكل شخص من قبيلتها ؟ وهل يجوز تزويجها وتزوجها بدون رضاها كما فعل عمر ؟ !

( م 347 ) كان يكره أسئلة طلبة العلم ويضربهم ويلعنهم !

40 - كان يلعن من يسأل عما لم يكن ! « قال عمر على المنبر : أحرج بالله على رجل سأل عما لم يكن فإن الله قد بين ما هو كائن ! وقال له ابن عمر لا تسأل عما لم يكن فإني سمعت عمر بن الخطاب يلعن من سأل عما لم يكن » ( سنن الدارمي : 1 / 50 ) .
س 1 : ما الفرق بين قولك لأحد : لا تشغل نفسك بالفرضيات ، واهتم بما هو موجود ، ومنه قول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « لا تسأل عما لم يكن ففي الذي قد كان لك شغل » ( نهج البلاغة : 4 / 85 ) وبين تحريم عمر السؤال عما لم يكن ولعنه من فعل ذلك ؟ !

( م 348 ) أخبره رجل عن أشد آية في كتاب الله فجلده !

41 - « قال رجل لعمر بن الخطاب : إني لأعرف أشد آية في كتاب الله ! فأهوى عمر فضربه بالدرة وقال : مالك نقبت عنها » . ( الدر المنثور : 2 / 227 ) .
--------------------------- 404 ---------------------------
س 1 : معنى ذلك أن عمر يهتم بالتخفيف على المسلمين ويوجههم إلى البحث عن آيات العفو والمغفرة ، لأن الإسلام يسر ورحمة ، لكن أليس من الرحمة أن يوجه هذا المسلم بلين ويقول له : لا تشدد على المسلمين ؟ ! وأن يطبق ذلك هو فلا يشدد على هذا المسكين وغيره من المؤمنين ؟ !

( م 349 ) تكلم الصحابة في معنى ( وفاكهة وأبّاً ) فجلدهم !

42 - « قرأ عمر وفاكهة وأبّا ، فقال : هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب ؟ ثم قال : نهينا عن التكلف . . أن رجلاً سأل عمر عن قوله : وأباً ، فلما رآهم يقولون أقبل عليهم بالدرة » ! ( الدر المنثور : 6 / 317 ) .
س 1 : لماذا حرم عليهم عمر أن يسألوا ليعرفوا أن معنى الأبّ هو الحشيش ؟ !

( م 350 ) وجلد صبيغ التميمي وكاد يقتله !

43 - « صبيغ التميمي . قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل فقال من أنت قال : أنا عبد الله صبيغ ، فأخذ عمر عرجوناً من تلك العراجين فضربه وقال : أنا عبد الله عمر ! فجعل له ضرباً حتى دمي رأسه ، فقال : يا أمير المؤمنين حسبك ! قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي » ( سنن الدارمي : / 50 ) « فأرسل عمر إلى رطائب من جريد فضربه بها حتى ترك ظهره دبرة ! ثم تركه حتى برأ ثم عادله ، ثم تركه حتى برأ فدعا به ليعود له ، قال فقال صبيغ : إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً ! وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برئت ، فأذن له إلى أرضه ، وكتب إلى أبي موسى الأشعري أن لا يجالسه أحد من المسلمين ، فاشتد ذلك على الرجل » . ( سنن الدارمي : 1 / 55 ) .
--------------------------- 405 ---------------------------
« هو صبيغ بن عسل الحنظلي له إدراك ( يعني صحابي ) ! قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر فأعد له عراجين النخل ، فقال : من أنت ؟ قال : أنا عبد الله صبيغ ، قال : وأنا عبد الله عمر فضربه حتى دمي رأسه ، فقال : حسبك يا أمير المؤمنين ، قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي » ! ( سير الذهبي : 10 / 29 ) .
« سأل عمر بن الخطاب عن المرسلات والذاريات والنازعات ، فقال له عمر : ألق ما على رأسك فإذا له ضفيرتان ، فقال له : وجدتك محلوقاً لضربت الذي فيه عيناك ، ثم كتب إلى أهل البصرة أن لا تجالسوا صبيغاً ، قال أبو عثمان : فلو جاء ونحن مائة لتفرقنا عنه » . ( كنز العمال : 2 / 335 ) .
« فقام إليه وحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته ، فقال : والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقاً لضربت رأسك ، ألبسوه ثياباُ واحملوه على قتب ، وأخرجوه حتى تقدموا به بلاده ، ثم ليقم خطيب ، ثم يقول : إن صبيغاً ابتغى العلم فأخطأه ! فلم يزل وضيعاً في قومه حتى هلك ، وكان سيد قومه » . ( الدر المنثور : 2 / 7 ، وكنز العمال : 2 / 333 ) .
« على رأي الغزالي يجب على العوام الكف عن السؤال ، وذكر ما كان يفعله عمر بكل من يسأل عن الآيات المتشابهات . . يجب زجر العامة إذا سألوا عن صفات الله وضربهم بالدرة كما كان يفعل عمر » ! ( تفسير المنار : 3 / 213 ) .
« كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري أن لا يجالس أحد صبيغاً وأن يحرم عطاءه ورزقه وأخرج نصر في الحجة وابن عساكر عن زرعة قال رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب يجئ إلى الحلقة ويجلس وهم لا يعرفونه فتناديهم الحلقة الأخرى : عزمة أمير المؤمنين عمر ! فيقومون ويدعونه » ! ( الدر المنثور : 2 / 8 ) .
--------------------------- 406 ---------------------------
أسئلة :
س 1 : هل يجب تطبيق حكم عمر والشافعي على طلبة المعاهد الدينية والجامعات ؟ « أخرج الهروي في ذم الكلام عن الإمام الشافعي قال : حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صبيغ : أن يضربوا بالجريد ، ويحملوا على الإبل ، ويطاف بهم في العشائر والقبائل ، وينادى عليهم : هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكلام » ! ( الدر المنثور : 2 / 8 ) .
س 2 : هل تفسرون غضب عمر على صبيغ وعقوبته له بأنه غضب على شخص فضولي سأل الخليفة أسئلة محرجة في القرآن ؟ أم أن وراء الأمر حركة تطالب الخليفة بأن يفهم القرآن ويطبقه ؟
وعلى فرض ذلك هل يستحق صبيغ ومن معه هذه العقوبة ، أم هي ظالمة ؟ !

( م 351 ) طالبه المصريون بتطبيق الشريعة فهددهم !

« عن الحسن أن ناساً لقوا عبد الله بن عمرو بمصر ، فقالوا نرى أشياء من كتاب الله أمر أن يعمل بها لا يعمل بها ، فأردنا أن نلقى أمير المؤمنين في ذلك فقدم وقدموا معه ، فلقي عمر فقال : يا أمير المؤمنين أن ناساً لقوني بمصر ، فقالوا إنا نرى أشياء من كتاب الله أمر أن يعمل بها لا يعمل بها ، فأحبوا أن يلقوك في ذلك فقال : إجمعهم لي فجمعهم له فأخذ أدناهم رجلاً ، فقال : أنشدك بالله وبحق الإسلام عليك أقرأت القرآن كله ؟ فقال : نعم : قال فهل أحصيته في نفسك ؟ قال لا ، قال فهل أحصيته في بصرك ؟ قال : لا ، قال فهل أحصيته في لفظك هل أحصيته في أثرك ؟ ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم قال : ثكلت عمر أمه ، أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله ؟ قد علم ربنا أنه سيكون لنا سيئات
--------------------------- 407 ---------------------------
وتلي : إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ . هل علم أهل المدينة فيم قدمتم ؟ قالوا لا قال لو علموا لوعظت بكم » ( الدر المنثور : 2 / 145 ) .
أسئلة :
س 1 : هل يحتمل أن يكون لهؤلاء المصريين علاقة بصبيغ وأنه أستاذهم ؟ !
س 2 : ما رأيكم بفتوى عمر بأنه لا يجب على الخليفة أن يطبق القرآن حتى يحيط بعلمه ، فإن لم يحط به علماً سقط عنه تطبيقه والعمل به ؟ !

( م 352 ) سقط الصحابة إلى الأرض خوفاً منه !

« بينما عمر يمشي وخلفه عدة من أصحاب رسول الله ( ص ) وغيرهم ، بدا له فالتفت ، فما بقي منهم أحداً إلا سقط إلى الأرض على ركبتيه ! فلما رأى ذلك بكى ثم رفع يديه فقال : اللهم إنك تعلم أني منك منهم أشد فرقاً منهم مني » ! ( تاريخ المدينة : 2 / 681 ) .
س 1 : ما لفرق بين حلم النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى كان عمر يتجرأ فيعترض عليه ويخالفه ! وبين بطش عمر حتى كان الصحابة يسقطون على الأرض إذا التفت إليهم ؟ وهل تصدقونه أنه يخاف الله أكثر مما يخافه الصحابة ؟ !

( م 353 ) أحدث الحلاق خوفاً منه !

« دعا عمر بن الخطاب رجلاً يأخذ من شاربه فتنحنح عمر وكان مهيباً ، فأحدث الحجام ، فأعطاه أربعين درهماً » . ( تاريخ المدينة : 2 / 683 ) .
س 1 : هل تعرفون حدثاً أغلى من فعلة حلاق عمر ؟ !
--------------------------- 408 ---------------------------

( م 354 ) خاف منه رجل فارتبك فقال : أصلعتني فرقتك !

« دخل رجل على عمر فقال : السلام عليك يا أبا غفر ، حفص الله لك ! فقال عمر : يا أبا حفص غفر الله لك ، فقال الرجل أصلعتني فرقتك ، يقول : أفرقتني صلعتك . . فدهشت المرأة فقالت أبا غفر حفص الله لك ، أرادت أن تقول : أبا حفص غفر الله لك » . ( مجمع الأمثال : 1 / 234 ) .
س 1 : هل تعرفون سبب الدهشة والخوف من صلعة عمر ؟ !

( م 355 ) كان عمر يَسْبُت فيرتاح الناس من الجلد يوم السبت !

« عن عمر أنه كان يذهب إلى العوالي في كل سبت ، فإذا وجد عبداً في عمل لا يطيقه وضع عنه » . ( كنز العمال : 9 / 199 ) .
س 1 : كان عمر يحضر دروس اليهود ويعجب بها ، فهل تعلم السبت منهم ؟ !

( م 356 ) عوَّض على شخص صاحب حظ !

« مر عمر بن الخطاب في السوق ومعه الدرة فخفقني بها خفقة فأصاب طرف ثوبي فقال : أمط عن الطريق ! فلما كان في العام المقبل لقيني فقال : يا سلمة تريد الحج ؟ فقلت : نعم فأخذ بيدي فانطلق بي إلى منزله فأعطاني ستمائة درهم وقال استعن بها على حجك ، واعلم أنها بالخفقة التي خفقتك » . ( تاريخ الطبري : 3 / 290 ) .
س 1 : إذا كانت كل خفقة بسوط عمر تساوي 600 درهم ، فهل تكفي ثروته التي بلغت نحو مليون ونصف درهم ، للتعويض على من ضربهم ؟ !
--------------------------- 409 ---------------------------

( م 357 ) وحكم ظلماً في شخص ضرب آخر !

« اشتكى رجل عند عمر على رجل ضربه ، فقال له : أما أنت أيها الضارب فيرحمك الله ، وأما أنت أيها المضروب فقد أصابتك عين من عيون الله » ! ( مصنف عبد الرزاق : 10 / 410 ) .
س 1 : إذا حكم قاض بحكم عمر هذا ، فما ذا تقولون عنه ؟ !

( م 358 ) كان أبو بكر يخاف من عمر !

« أقطع أبو بكر الزبير ، فكنت أكتبها فجاء عمر فأخذ أبو بكر الكتاب فأدخله في ثني الفراش ، فدخل عمر فقال : كأنكم على حاجة ؟ فقال أبو بكر : نعم ، فخرج . فأخرج أبو بكر الكتاب فأتممته » . ( سنن البيهقي : 6 / 145 ، وكنز العمال : 3 / 913 ) .
س 1 : استعمل أبو بكر التقية من عمر ، فكيف تحصرونها بالمشركين ؟ !
( م 359 ) زعمت عائشة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يهاب عمر !
« عن عائشة قالت : أتيت رسول الله بخزيرة طبختها له ، فقلت لسودة : كلي والنبي بيني وبينها فقلت : لتأكلن أو لألطخن وجهك ، فأبت فوضعت يدي في الخزيرة فطليت بها وجهها ، فضحك النبي وضع فخذه لها وقال لسودة : إلطخي وجهها فلطخت وجهي فضحك النبي أيضاً ، فمر عمر فنادى : يا عبد الله يا عبد الله ، فظن النبي ( ص ) أنه سيدخل فقال : قوما فاغسلا وجوهكما ! قالت عائشة : فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله إياه » ( مجمع الزوائد : 4 / 578 وكنز العمال : 12 / 593 )
س 1 : هل معنى أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يهاب عمر أنه كان يخاف منه ؟ !
--------------------------- 410 ---------------------------

( م 360 ) حاولوا تبرير إرهاب عمر للمسلمين !

قال الله تعالى : وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا . زعموا أن عمر بن الخطاب قرأها ذات يوم فأفزعه ذلك حتى ذهب إلى أبيّ ابن كعب فدخل عليه فقال : يا أبا المنذر إني قرأت آية من كتاب الله تعالى فوقعت مني كل موقع : وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ . . والله إني لأعاقبهم وأضربهم ! فقال له : إنك لست منهم إنما أنت معلم » ! ( الدر المنثور : 5 / 220 ) .
س 1 : هل تقبلون ما نسبوه إلى أبيّ بن كعب من أنه حلل لعمر أن يضرب المسلمين لأنه معلم ، وهل كل حاكم معلم ومؤدب ، فيجوز له ضرب الناس ؟ !

( م 361 ) زعم البخاري أنه عمر أقاد الذين ضربهم !

« أقاد أبو بكر ، وابن الزبير وعلي ، وسويد بن مقرن ، من لطمة . وأقاد عمر من ضربة بالدرة ، وأقاد علي من ثلاثة أسواط » . ( البخاري : 8 / 42 ) .
س 1 : هل توافقوننا على رد رواية البخاري هذه ، لأنهم لم يرووا قصته !

  • *
    --------------------------- 411 ---------------------------

6 . مسائل في آرائه في المرأة

( م 362 ) المرأة شيطانة مشؤومة ولعبة !

1 - رووا عنه بسند صحيح أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « الشؤم في ثلاثة في الدابة والمسكن والمرأة » ، وأن الحصير في البيت خير من المرأة التي لا تلد ! ( سنن أبي داود : 2 / 232 ، والزوائد : 5 / 104 ) . وفي تاريخ المدينة لعمر بن شبة : 3 / 818 ، أن امرأة عمر سألته عن سبب غضبه على أحد أقاربها ، « قالت : يا أمير المؤمنين فيم وجدت على عياض ؟ قال : يا عدوة الله وفيم أنت وهذا ، ومتى كنت تدخلين بيني وبين المسلمين ؟ إنما أنت لعبة يلعب بك ثم تتركين » !
2 - يقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : النساء رياحين وقوارير ، يقول عمر : النساء شياطين ! ففي تفسير ابن تيمية ( 2 / 18 ) : سمع عمر بن الخطاب امرأة تنشد :
إن النساء رياحين خلقن لكم * وكلكم يشتهي شم الرياحين
فأجابها عمر : . إن النساء شياطين خلقن لنا * نعوذ بالله من شر الشياطين !
3 - أفتى عمر أن لا يشتري المسلمون للنساء إلا الثياب الضرورية جداً ، قال : « استعينوا على النساء بالعري ، إن إحداهن إن كثرت ثيابها وحسنت زينتها أعجبها الخروج » . ( كنز العمال : 16 / 571 و 574 ) .
4 - كان له عدة زوجات وبضع عشرة جارية وبضعة عشر ولداً . ( النهاية : 7 / 156 ) .
5 - وشرَّع عمر حق العصبة والعشيرة فلا يصح زواج المرأة إلا بولي وهو كل أفراد عشيرتها ، وقد بلغه أن امرأة ثيباً تزوجت رجلاً فأحضرهما وجلد كلا منهما مائة جلدة وفرق بينهما ! ( كنز العمال : 16 / 529 ) .
--------------------------- 412 ---------------------------
6 - تقدم اغتصابه لامرأة ! « فدخل عليها فعاركها حتى غلبها على نفسها فنكحها ! فلما فرغ قال : أف أف أف ، ثم خرج من عندها » ! ( الطبقات : 8 / 265 ) .
7 - طلق زوجته واختلف معها على ابنهما عاصم ، فأخذه بالقوة ! ( البيهقي : 8 / 5 ) .
8 - كان النساء يتحاشين عمر ويهربن منه ، فقال لهن : « أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله ! قلن : نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله ( ص ) ( البخاري : 2 / 95 و 198 ومسلم : 7 / 114 ) .
9 - كان يضرب زوجاته ، فضرب إحداهن ليلاً وكان ضيفه الأشعث فحجز بينهما فقال له : « يا أشعث ، إحفظ عني شيئاً سمعته عن رسول الله ( ص ) : لا يسأل الرجل فيم يضرب امرأته » ( ابن ماجة : 1 / 639 ، والحاكم : 4 / 175 ) .
10 - كان يأمر الجواري بأن يتبرجن ، وكان يضرب من تلبس مقنعة أو تستر رأسها ، لأن ذلك تشبه بالحرائر ! فكانت جواريه : « يخدمن الضيفان كاشفات الرؤس مضطربات البدن مضطربات الثدي » ( مبسوط السرخسي : 9 / 12 ) .
وكان ينظر إلى الجارية ليشتريها فيمس صدرها بيده ! ( بدائع الصنائع : 5 / 121 )
11 - كان يأتي المرأة من دبرها وزعموا أن النبي رخص له بذلك ونزلت الآية : نساؤكم حرث لكم ( الترمذي : 4 / 284 )
12 - كان عنده مخنث « لعن النبي المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال : أخرجوهم من بيوتكم ، وأخرج فلاناً و ، خرج عمر فلاناً » ( البخاري : 8 / 28 ) .
13 - كان مع ذلك يحترم بعض النساء ويميزهن ! « فرض عمر بن الخطاب لأمهات المؤمنين عشرة آلاف وزاد عائشة ألفين وقال : إنها حبيبة رسول الله ( ص ) » ( كنز العمال : 13 / 694 ) !
--------------------------- 413 ---------------------------
وخصها بصندوق جواهر زوجة كسرى وكان لا يقدر بثمن ! « فنظر إليه أصحابه فلم يعرفوا قيمته فقال : أتأذنون أن أبعث به إلى عائشة لحب رسول الله ( ص ) إياها ؟ قالوا نعم . فأتي به عائشة فقالت : ماذا فتح على ابن الخطاب بعد رسول الله ( ص ) » ؟ ! ( الأحاديث المختارة : 1 / 257 ، وصححه )
وقالت عائشة : « ما زال بي ذكر عمر وترديدي فيه ، حتى أتيت في المنام فقيل لي : عمر بن الخطاب نبي هو ؟ ! فظننت أني دعوت بذلك » . ( تاريخ المدينة : 3 / 942 ) .
أسئلة :
س 1 : هل يمكنكم أن تصوغوا من هذه الحوادث والكلمات نظرية عمر بن الخطاب في المرأة ؟ وتبينوا مدى موافقتها لنظرة الجاهلية ، ونظرة الإسلام ؟ !
س 2 : هل تعتقدون أن المرأة لعبة وشيطانة وشؤم ، وأنه يجب أن تحرم من الثياب إلا ما يستر عورتها ؟ !
س 3 : هل تقولون بولاية العصبة والعشيرة على المرأة ؟ !
س 4 : ما معنى قول عائشة في عمر : « ما زال بي ذكر عمر وترديدي فيه ، حتى أتيت في المنام فقيل لي : عمر بن الخطاب نبي هو ؟ ! فظننت أني دعوت بذلك » . ( تاريخ المدينة : 3 / 942 ) وهل كان ذلك بعد إعطائها حلي زوجة كسرى ؟ !

  • *
    --------------------------- 414 ---------------------------

7 . مسائل في علم عمر وجهله

( م 363 ) المستوى الذهني لعمر

ألف الكاتب المصري عباس محمود العقاد كتاباً باسم : عبقرية عمر ، ولا شك أن عمر كان نابغاً في بعض الأمور ، ومنها أنه وقف في وجه النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حياته وقاد عليه انقلاباً بالاتفاق مع طلقاء قريش ، ومنعه أن يكتب عهده لأمته ، ثم قاد أمة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعده ، وفي نفس الوقت أقام حول نفسه قداسة عاشت في أذهان المسلمين إلى يومنا هذا !
وكان يفتخر بأنه ماهر في استعمال الألفاظ المجملة والكلام المبطن الذي فيه تورية : « قال : لا يسرني أن لي بما أعلم من معاريض القول مثل أهلي ومالي . إن في المعاريض ما يغني الرجل عن الكذب » . ( سنن البيهقي : 10 / 199 ) .
أما في المجال العلمي فكان ذهنه عادياً جداً ، أو أقل من عادي ، بعكس المجال السياسي والاجتماعي ، فقد كان بطئ الحفظ حتى أنه احتاج إلى اثنتي عشرة سنة ليحفظ سورة البقرة ! « عن ابن عمر قال : تعلم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة فلما ختمها نحر جزوراً » ! ( الدر المنثور : 1 / 21 ، والمبسوط : 1 / 41 ) .
وقد أصيب بنسيان حاد وهو في الخمسينات من عمره ! ولعل ذلك بسبب إدمانه على شرب النبيذ !
ففي مصنف عبد الرزاق ( 2 / 122 ) : « صلى العشاء الآخرة بالجابية فلم يقرأ فيها حتى فرغ فلما فرغ دخل ، فأطاف به عبد الرحمن بن عوف وتنحنح له حتى سمع عمر بن الخطاب حسه وعلم أنه ذو حاجة فقال : من هذا ؟ قال : عبد الرحمن بن عوف قال : ألك حاجة ؟ قال : نعم ، قال : فادخل فدخل فقال : أرأيت ما صنعت آنفاً
--------------------------- 415 ---------------------------
عهده إليك رسول الله أم رأيته يصنعه ؟ قال : وما هو ؟ قال : لم تقرأ في العشاء ! قال : أوَ فعلت ؟ قال : نعم ، قال : فإني سهوت فجهزت عيراً من الشام حتى قدمت المدينة ! قال : من المؤذن ؟ فأقام الصلاة ثم عاد فصلى العشاء للناس ، فلما فرغ خطب قال : لا صلاة لمن لم يقرأ فيها ، إن الذي صنعت آنفاً أني سهوت » !
« صلى المغرب فلم يقرأ ، فأمر المؤذن فأعاد الأذان والإقامة ، ثم أعاد الصلاة »
« كان يصلى بالناس المغرب فلم يقرأ فيها ، فلما انصرف قيل له ما قرأت ! قال فكيف كان الركوع والسجود ؟ قالوا : حسناً قال : فلا بأس إذا » ( سنن البيهقي : 2 / 347 ) .
ثم زاد نسيانه فوظف شخصاً ينبهه ! « لما كثر اشتغاله نصب من يحفظ عليه صلاته » ( مبسوط السرخسي : 1 / 131 ) . « فجعل رجلاً خلفه يلقنه ، فإذا أومأ إليه أن يسجد أو يقوم فعل » . ( كنز العمال : 8 / 294 ) .
وستعرف أنه أصيب بحالة انغلاق ذهني حاد في فهم إرث الكلالة والجد !
س 1 : بماذا تفسرون هذا التفاوت الذهني عند عمر ؟ !

( م 364 ) زعموا أن علم النبي ( صلى الله عليه وآله ) قدح لبن أعطى فضلته لعمر !

ادعى أتباع عمر أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) شهد بعلمه ! ففي صحيح بخاري ( 1 / 28 ) عن ابن عمر قال : « سمعت رسول الله ( ص ) قال : بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الري يخرج في أظفاري ، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب ! قالوا فما أولته يا رسول الله ؟ قال : العلم » !
وعقد بخاري لهذا الحديث عدة أبواب في صحيحه ( 8 / 74 ، و 79 و 81 ) : باب اللبن وباب إذا جرى اللبن في أطرافه أو أظافيره ، وباب إذا أعطى فضله غيره في النوم ، وباب القدح في النوم !
--------------------------- 416 ---------------------------
س 1 : طبق حديثكم هذا ، يظهر من علم عمر أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد شرب كأس اللبن كله ولم يبق في الكاس شيئاً ! فما تقولون ؟ !

( م 365 ) زعموا أنه حاز تسعة أعشار علم الناس !

نقل الدارمي ( 1 / 101 ) عن عمرو بن ميمون قال : « ذهب عمر بثلثي العلم ، فذكر لإبراهيم فقال : ذهب عمر بتسعة أعشار العلم » !
ونقل في تهذيب الكمال ( 21 / 325 ) عن ابن مسعود : « لو وضع علم أحياء العرب في كفة ميزان ، ووضع علم عمر في كفة لرجح علم عمر ، ولقد كانوا يرون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم » . ونقل في الزوائد ( 9 / 69 ) عن ابن مسعود أن عمر أعلم الصحابة وأفقههم وأقرؤهم لكتاب الله ! وعدوه أحد الستة الأعلم : عمر وعلي ، وأُبَي ، وابن مسعود ، وزيد ، وأبي موسى ( تهذيب الكمال : 5 / 273 )
س 1 : أين ثلثا علم الناس وتسعة أعشاره التي ذهب بها عمر ، وهل قصدوا أنه ذهب بها أي فاز بها ، أو ذهب بها إلى مكان وضاعت منه !

( م 366 ) قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما لك فقهاً يا ابن الخطاب !

ورووا بسند صحيح أن عمر تكلم في الصلاة فوبخه النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال له : لا فقه لك ! ففي مصنف عبد الرزاق : 2 / 330 : « : بينا النبي ( ص ) يصلي بأصحابه بطريق مكة ، مر رجل يطرد شولاً له ( أباعر ) ، فأشار إليه النبي ( ص ) فلم يفطن ، فصرخ به عمر ( وهو يصلي ) فقال : يا صاحب الشول ردَّ إبلك ، فردها فلما صلى النبي ( ص ) قال : من المتكلم ؟ قالوا : عمر ، قال : يا لك فقهاً يا ابن الخطاب » !
وفي كنز العمال : 8 / 208 : « ما لك فقهاً يا ابن الخطاب » !
وفي هامش المصنف : « أخرج الحسن نحوه عن أبي سعيد الخدري ، وفي آخره : ما لهذا فقه » !
--------------------------- 417 ---------------------------
س 1 : ألا يدل هذا الحديث على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يبق من كأس العلم لعمر شيئاً ؟ !

( م 367 ) ورووا اعتراف عمر بقلة علمه !

فقد اعتذر عن قلة علمه ، كما في البخاري ( 3 / 6 و 19 ، و : 8 / 157 ) : « أخفيَ عليَّ من أمر رسول الله ( ص ) ! ألهاني الصفق بالأسواق ، يعني الخروج إلى تجارة » .
وفي سنن أبي داود ( 2 / 514 ) : « السفق والصفق في الأسواق : الغدو والرواح إليها للعمل والبيع . وفيه أن كبار الصحابة لانشغالهم بأمورهم ربما فاتهم الحديث فأخذوه عن سواهم » .
وقال له أبيُّ بن كعب كما في كنز العمال ( 2 / 568 ) : « أخذتها من في رسول الله ( ص ) وليس لك عمل إلا الصفق بالبقيع » وقال له مرة : « شغلني القرآن وشغلك الصفق بالسواق إذ تعرض رداءك على عنقك بباب ابن العجماء » ! ( كنز العمال : 13 / 259 ) .
وقال عمر : « كل الناس أفقه من عمر حتى النساء في البيوت » ( المبسوط : 10 / 153 ) .
وقال مرة « كلكم أفقه من عمر » . ( سبل السلام : 3 / 149 ) .
وقال مرة : « كل أحد أفقه من عمر مرتين أو ثلاثاً » ( سنن البيهقي : 7 / 233 ) .
وقال مرة : كل أحد أعلم من عمر .
وقال مرة : كل أحد أعلم وأفقه من عمر .
وقال مرة : كل أحد أعلم منك حتى النساء .
وقال مرة : كل أحد أفقه من عمر حتى النساء .
وقال مرة : كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في الحجال .
وقال مرة : كل الناس أعلم من عمر حتى العجائز ( راجع : نفحات الأزهار : 3 / 172 ) .
--------------------------- 418 ---------------------------
س 1 : هل تتناسب هذه الإعترافات مع كأس العلم المزعوم ، ومع ذهاب عمر بثلثي علم الناس وتسعة أعشاره ؟ !

( م 368 ) وغاب علم عمر عند : فاكهة وأبَا ؟

« قرأ عمر بن الخطاب : وفاكهة وأَبَّاً ، فقال بعضهم هكذا وقال بعضهم هكذا ! فقال عمر : دعونا من هذا ، آمنا به كل من عند ربنا ! ( الحاكم : 2 / 290 وصححه على شرط الشيخين ) .
وفي الدر المنثور : 6 / 317 : « قال : كل هذا قد عرفناه فما الأبُّ ؟ ! ثم نفض عصا كانت في يده فقال : هذا لعمر الله هو التكلف ، فما عليك أن لا ندري ما الأبُّ ! اتبعوا ما بُيِّنَ لكم هداه من الكتاب فاعملوا به ، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه !
أن رجلاً سأل عمر عن قوله وأبا فلما رآهم يقولون أقبل عليهم بالدرة ، فقال : هذه الفاكهة قد عرفناها ، فما الأبُّ ؟ ثم قال : نهينا عن التكلف » !
س 1 : معنى قول عمر : نهينا عن التكلف ، نهينا أن نقوم بما لا يجب علينا أو لا يجوز لنا فعله ، ومعرفة معنى الأبّ من هذا قال الله تعالى : قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ( صاد : 86 ) وقد طبق النبي ( صلى الله عليه وآله ) التكلف على الفتوى باجتهاد رأيه قبل أن ينزل الوحي ، وبالتكلف للضيف ، راجع : الكافي : 6 / 276 ، والخصال / 352 والدارمي : 1 / 62 ، وصحيح بخاري : 8 / 143 ، والحاكم : 4 / 123 .
لكن هل توافقون عمر على أن السؤال عن كلمة الأب لمعرفة أنها الحشيش تكلف لا يلزم ولا يجب وقد نهانا الله عنه وحرمه لأنه تكلف ؟ !

( م 369 ) أمر عمر برجم مجنونةٍ رفع عنها القلم !

في سنن أبي داود : 2 / 339 : « أُتِي عمر بمجنونة قد زنت ، فاستشار فيها أناساً ، فأمر بها أن ترجم ، فمر بها على عليِّ بن أبي طالب فقال : ما شأن هذه ؟ قالوا : مجنونة
--------------------------- 419 ---------------------------
بني فلان زنت فأمر بها عمر أن ترجم ، قال : فقال : إرجعوا بها ، ثم أتاه فقال : يا أمير المؤمنين أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة : عن المجنون حتى يبرأ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبيِّ حتى يعقل ؟ قال : بلى ، قال : فما بال هذه ترجم ؟ قال : لا شئ ، قال : فأرسِلْها ، قال فأرسلها . قال : فجعل عمر ُيكَبِّر » .
وفي مسند أحمد : 1 / 154 : « فانتزعها عليٌّ من أيديهم وردَّهم فرجعوا إلى عمر فقال ما ردَّكم ؟ ! قالوا ردَّنا عليٌّ قال ما فعل هذا عليٌّ إلا لشئٍ قد علمه ، فأرسل إلى عليٍّ فجاء وهو شبه المغضب فقال . . . » .
س 1 : حكم رفع القلم عن الصغير والمجنون من بدائه الشريعة فكيف خفي على عمر ، ألا يدل ذلك على قلة معرفته بأسس شريعة الإسلام ؟ !

( م 370 ) وقع في التناقض وأسس دين الظنون لقلة النفقة !

قال السرخسي في المبسوط : 16 / 84 : « روي أن عمر كان يقضي في حادثة بقضية ثم ترفع إليه تلك الحادثة فيقضي بخلافها ! فكان إذا قيل له في ذلك قال : تلك كما قضينا ، وهذه كما نقضي ! وقال الشعبي : حفظت من عمر في الجد سبعين قضية لا يشبه بعضها بعضاً ! ! وبهذا يتبيَّنُ أنَّ الاجتهاد لا ينقص باجتهاد مثله ، ولكنه فيما يستقبل يقضي بما أدى إليه اجتهاده » .
وفي مغني ابن قدامة : 9 / 116 : « لأن عمر ضرب لامرأة المفقود أربع سنين ، ولم يكن ذلك إلا لأنه غاية الحمل » . ومعناه أن عمر كان يرى أن مدة الحمل أربع سنين !
وفي سنن البيهقي : 7 / 442 : « أتيَ بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهمَّ برجمها ، فبلغ ذلك علياً فقال : ليس عليها رجم ! فبلغ ذلك عمر فأرسل إليه فسأله فقال : والوالداتُ يُرضِعنَ أولادَهُنَّ حولين كاملين لمن أراد أن يُتِمّ الرضاعة وقال : وحَمْلُهُ
--------------------------- 420 ---------------------------
وفٍصَالُهُ ثلاثون شهراً . فستة أشهر حمله ، وحولين تمام الرضاعة . لا حدَّ عليها أو قال لا رجم عليها . قال فخلي عنها » والمجموع : 18 / 129 ، والدر المنثور : 6 / 41 ، والمغني : 9 / 115
أسئلة :
س 1 : هذه مسائل في الإرث والطلاق والحدود وغيرها ، لم يعرف فيها عمر حكم الله تعالى ، وبعضها جهل فاحش ، فما رأيكم ؟ !
س 2 : ولأنه يشكو قلة النفقة من العلم ، أسس دين الظنون وأجاز الفتوى بغير علم ! ففي سنن البيهقي : 10 / 114 : « أخرج إلينا سعيد بن أبي بردة كتاباً فقال هذا كتاب عمر إلى أبي موسى فذكر الحديث قال فيه الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في القرآن والسنة فتعرف الأمثال والأشباه ثم قس الأمور عند ذلك »
ألم ينهَ الله تعالى عن الفتوى بدون علم ، فقال تعالى : بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ! وقال : وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ؟ !

( م 371 ) وتعمد تغييب علمه فألغى تشريع التيمم ؟ !

أفتى عمر بأن من لم يجد ماء لوضوئه تسقط عنه الصلاة ! فأسقط بذلك فريضة الصلاة وألغى آية التيمم : وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ . ( النساء : 43 )
وسببه أنه كان يوماً لا يعرف كيفية التيمم فتمرغ في التراب كالدابة ، فحكوا ذلك للنبي ( صلى الله عليه وآله ) فضحك وقال : إنما كان يكفيك هكذا فضرب النبي ( ص ) بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه » فأثر ضحك النبي ( صلى الله عليه وآله ) في نفس عمر فانتقم من آية التيمم !
ففي مصنف عبد الرزاق : 1 / 241 : « بعث النبيُّ ( ص ) عمر بن الخطاب ورجلاً من الأنصار يحرسان المسلمين فأجنبا حين أصابهما برد السحر فتمرغ عمر بالتراب
--------------------------- 421 ---------------------------
وتيمَّم الأنصاري صعيداً طيِّبا ، ثم صلَّيا ، فقال النبيُّ ( ص ) : أصاب الأنصاري » . لكن البخاري ( 1 / 87 ) والنسائي ( 1 / 168 ) جعلا المتمعك عماراً ، ليسترا على عمر !
وقد اتفقوا على أن عمر شطب آية التيمم من كتاب الله تعالى جهاراً نهاراً ! « قال أبو موسى لعبد الله بن مسعود إذا لم يجد الماء لا يصلي ؟ ! قال عبد الله : لو رخصت لهم في هذا كان إذا وجد أحدهم البرد قال هكذا ، يعني تيمَّم وصلَّى . قلت : فأين قول عمار لعمر ؟ ! قال : إني لم أر عمر قنع بقول عمَّار » ! ( صحيح بخاري : 1 / 90 ) .
س 1 : إن إنكار آية التيمم وفتوى المسلمين بترك الصلاة بالكلية إذا لم يجدوا ماء من تعمد تعطيل أحكام الله تعالى وإنكارها ! فما حكم من أنكر آية من القرآن ؟ !

( م 372 ) وغيَّب علمه فحرم متعة الحج ومتعة النساء ؟ !

« وقد صح أن عمر نهى الناس عن المتعة فقال : متعتان كانتا على عهد رسول الله ( ص ) وأنا أنهى الناس عنهما ، وأعاقب عليهما ! متعة النساء ، ومتعة الحج »
( مبسوط السرخسي : 4 / 27 ، ومغني ابن قدامه : 7 / 572 ، والمحلى : 7 / 107 )
وفي التمهيد : 8 / 355 : « تواترت الآثار عن رسول الله ( ص ) فيه أنه أمر أصحابه في حجته من لم يكن معه منهم هدي ولم يسقه ، وكان قد أحرم بالحج أن يجعلها عمرة . وقد أجمع العلماء على تصحيح الآثار بذلك عنه ( ص ) ولم يدفعوا شيئاً منها ، إلا أنهم اختلفوا في القول بها والعمل » .
--------------------------- 422 ---------------------------
ونقل الذهبي في تاريخه ( 35 / 447 ) عن القاضي أبي الفضل الطرابلسي أنه سئل : « ما الدليل على المتعة ؟ قال : قول عمر : متعتان كانتا على عهد رسول الله ، أنا أنهى عنهما ، فقبلنا روايته ، ولم نقبل قوله في النهي » .
وفي الفصول المهمة للسيد شرف الدين / 81 : « وأمر المأمون أيام خلافته فنودي بتحليل المتعة ، فدخل عليه محمد بن منصور وأبو العيناء فوجداه يستاك ويقول وهو متغيظ : متعتان كانتا على عهد رسول الله وعلى عهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما ! ومن أنت يا جعل حتى تنهى عما فعله رسول الله ( ص ) وأبو بكر ؟ ! فأراد محمد بن منصور أن يكلمه فأومأ إليه أبو العيناء وقال : رجل يقول في عمر بن الخطاب ما يقول نكلمه نحن ؟ فلم يكلماه . ودخل عليه يحيى بن أكثم فخوفه من الفتنة وذكر له أن الناس يرونه قد أحدث في الإسلام بسبب هذا النداء حدثاً عظيماً ، لا ترتضيه الخاصة ولا تصبر عليه العامة ، إذ لا فرق عندهم بين النداء بإباحة المتعة والنداء بإباحة الزنا ! ولم يزل به حتى صرف عزيمته ، احتياطاً على ملكه وإشفاقا على نفسه » . ( راجعه في وفيات الأعيان : 6 / 149 ) .
أسئلة :
س 1 : كان العرب في الجاهلية يظلون محرمين بعد العمرة حتى يذهبوا بنفس إحرام العمر إلى عرفات ! فأعاد عمر حج الجاهلية وألغى حج التمتع الذي أمر به النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
كما أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وضع مقام إبراهيم ( عليه السلام ) عند جدار الكعبة ليكون ضمن الطواف ، فأعاده عمر إلى مكانه في الجاهلية ! فما رأيكم في عمله ؟ !
س 2 : ما رأيكم في قول المأمون الذي رواه في وفيات الأعيان ( 6 / 149 ) قال : « حدث محمد بن منصور قال : كنا مع المأمون في طريق الشام ، فأمر فنودي بتحليل المتعة فقال يحيى بن أكثم لي ولأبي العيناء بكرا غدا إليه فإن رأيتما للقول وجهاً فقولا وإلا فاسكتا ،
--------------------------- 423 ---------------------------
إلى أن أدخل ، قال فدخلنا عليه وهو يستاك ويقول وهو مغتاظ : متعتان كانتا على عهد رسول الله وعلى عهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما ! ومن أنت يا جعل حتى تنهى عما فعله رسول الله وأبو بكر ؟ ! فأومأ أبو العيناء إلى محمد بن منصور وقال : رجل يقول في عمر بن الخطاب ما يقول نكلمه نحن ! فأمسكنا » ؟ !

( م 373 ) ورفض ابن عباس والشافعي بدع عمر مقابل السنة !

في المغني : 3 / 232 : « نهى أبو بكر وعمر عن المتعة ، فقال ابن عباس : أراهم سيهلكون ! أقول قال النبيُّ ( ص ) ويقولون : نهى عنها أبو بكر وعمر !
وسئل ابن عمر عن متعة الحج فأمر بها فقال : إنك تخالف أباك ! فقال : عمر لم يقل الذي يقولون ! فلما أكثروا عليه قال : أفكتاب الله أحق أن تتبعوا أم عمر » ؟ !
وفي شرح المواهب للزرقاني : 8 / 153 : « قال : فإن أباك كان ينهي عنها ! فقال : ويلك فإن كان أبي نهي عنها وقد فعلها رسول الله ( ص ) وأمر بها أفبقول أبي آخذ أم بأمر رسول الله قم عني » !
وقال الشافعي : « فكيف تتخذون قول ابن عمر وحده حجة ، وقول عمر حجة وحده ، حتى تردُّوا بكل واحد منهما السنَّة ، وتبتنون عليها عدداً من الفقه ! قولٌ العورة فيه أبين منها فيما وصفنا من أقاويلكم » ! ( الأم : 1 / 163 ) .
س 1 : لماذا خالفتم عمر ووافقتم النبي ( صلى الله عليه وآله ) في عمرة الحج دون غيرها ؟ !

( م 374 ) وأصيب عمر بانغلاق ذهني كامل في مسألة بسيطة !

وذلك في معنى الكلالة في قوله تعالى : وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ
--------------------------- 424 ---------------------------
مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ . ( النساء : 12 )
ومعنى الكلالة : الورثة من قرابة غير مباشرة ، من أولاد الأم والأب أو أحدهما ، وقيل سموا كلالة من الإكليل لأنهم يحيطون بالشخص كالإكليل بالرأس ( راجع : مسالك الأفهام : 13 / 141 ) .
وقد استغلق معناها على عمر كل حياته ! وتحولت في نفسه إلى عقدة عميقة ، فكان يذكرها في مجالسه ، وعلى المنبر ، وألف فيها كتاباً ثم مزقه ، وأوصى المسلمين عند وفاته بأن يحلوها !
وقال إنه لن يفهمها لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) دعا عليه بذلك ! « فقال لحفصة إذا رأيت من رسول الله ( ص ) طيب نفس فسليه عنها . فرأت منه طيب نفس فسألته فقال أبوك ذكر لك هذا ؟ ما أرى أباك يعلمها ! فكان عمر يقول ما أراني أعلمها وقد قال رسول الله ( ص ) ما قال » ! ( الدر المنثور : 2 / 249 ) .
« قال عمر بن الخطاب : ما أغلظ لي رسول الله ( ص ) أو ما نازعت رسول الله ( ص ) في شئ ما نازعته في آية الكلالة ، حتى ضرب صدري فقال يكفيك منها آية الصيف : يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة . وسأقضي فيها بقضاء يعلمه من يقرأ ومن لا يقرأ : هو ما خلا الأب » . ( الدر المنثور : 2 / 251 ) .
س 1 : أين العلم الذي قال البخاري إن جبرئيل جاء به إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بصفة كأس لبن فشرب وأعطى بقيته إلى عمر ؟ وأين ثلثا علم الناس وتسعة أعشاره ؟
--------------------------- 425 ---------------------------

( م 375 ) شرحها له النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولقنه إياها حذيفة ، لكن لا فائدة !

« في الفرائض بسند صحيح عن حذيفة قال : نزلت آية الكلالة على النبي ( ص ) في مسير له فوقف النبي ( ص ) فإذا هو بحذيفة فلقاها إياه فنظر حذيفة فإذا عمر فلقاها إياه ، فلما كان في خلافة عمر نظر عمر في الكلالة فدعا حذيفة فسأله عنها فقال حذيفة لقد لقانيها رسول الله ( ص ) فلقيتك كما لقاني والله لا أزيدك على ذلك شيئاً أبداً » ( الدر المنثور : 2 / 250 ) .
س 1 : ألا ترون أن الله تعالى جعل عمر عاجزاً عن فهم أمر بسيط حتى لا تغالوا فيه ؟ !

( م 376 ) ثم ادعى أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يبين ما أنزل الله إليه !

« وكان عمر يقول : قبض رسول الله ( ص ) قبل أن يبين لنا ثلاثاً ! ولو علمتها لكان أحب إلي من الدنيا وما فيها : الكلالة والخلافة والربا » . ( المبسوط : 29 / 151 ) .
« خطب عمر على منبر رسول الله ( ص ) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد . . . وددت أيها الناس أن رسول الله ( ص ) كان عهد إلينا فيها الجد والكلالة وأبواب من أبواب الربا » . ( صحيح بخاري : 6 / 242 ، ومسلم : 8 / 245 ، والبيهقي : 8 / 289 ) .
« كان عمر بن الخطاب إذا قرأ : يبين الله لكم أن تضلوا قال : اللهم من بينت له الكلالة ، فلم تبين لي » ! ( الدر المنثور : 2 / 252 ) .
« خطب يوم جمعة . . قال : إني لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة ، ما راجعت رسول الله ( ص ) في شئ ما راجعته في الكلالة ! وما أغلظ لي في شئ ما أغلظ لي فيه ، حتى طعن بإصبعه في صدري وقال : يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء ! وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن » ! ( صحيح مسلم : 5 / 61 ، وابن ماجة : 2 / 910 ) .
--------------------------- 426 ---------------------------
« لأن أكون أعلم الكلالة أحب إليَّ من أن يكون لي جزية قصور الشام . . . أحب إلي من أن يكون لي مثل قصور الشام » ( كنز العمال : 11 / 80 ) .
س 1 : قال الله تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ . ونشهد بأنه ( صلى الله عليه وآله ) بلغ وبين ولم يقصر ، ونبرأ إلى الله من اتهام عمر له بأنه لم يبين آية الكلالة ! فقد بينها لكن عمر لم يفهمها ! فما رأيكم في اتهام عمر للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ !

( م 377 ) وتحولت الكلالة عند عمر إلى كابوس !

« عن مسروق قال : سألت عمر بن الخطاب عن ذي قرابة لي ورث كلالة فقال : الكلالة ! الكلالة ! وأخذ بلحيته ، ثم قال : والله لأن أعلمها أحب إليَّ من أن يكون لي ما علي الأرض من شئ ! سألت عنها رسول الله ( ص ) فقال : ألم تسمع الآية التي أنزلت في الصيف ؟ فأعادها ثلاث مرات » ! ( الدر المنثور : 2 / 251 ) .
وقال ابن عباس قال : كنت آخر الناس عهداً بعمر فسمعته يقول : القول ما قلت ! قلت : وما قلت ؟ قال : قلت : الكلالة من لا ولد له » ! ( كنز العمال : 11 / 80 ) .
س 1 : ما رأيكم في هذه الحالة ، وهل أخذ بلحيته هو أو بلحية الذي سأله ؟ !

( م 378 ) ثم فهم إرث الكلالة والجد فألف فيهما كتاباً !

« عن السميط بن عمير أن عمر بن الخطاب قال : أتى عليَّ زمان ما أدري ما الكلالة ، وإذا الكلالة من لا أب له ولا ولد » ! ( سنن البيهقي : 6 / 224 ) .
« كتب أمر الجد والكلالة في كتف ، ثم طفق يستخير ربه فقال : اللهم إن علمت فيه خيراً فأمضه ! فلما طعن دعا بالكتف فمحاها ، ثم قال : إني كنت كتبت كتاباً
--------------------------- 427 ---------------------------
في الجد والكلالة وكنت أستخير الله فيه ، وإني قد رأيت أن أردكم على ما كنت عليه ، فلم يدروا ما كان في الكتف » . ( الدر المنثور : 2 / 250 ) .
« إن عمر بن الخطاب خطب يوم الجمعة قال . فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله ( ص ) وهو عنهم راض . . ثم إني لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة ، وما راجعت رسول الله في شئ ما راجعته في الكلالة ، وما أغلظ لي في شئ ما أغلظ لي فيه حتى طعن بإصبعه في صدري فقال يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء ! وإني أن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن » . ( مسلم : 2 / 81 ) .
س 1 : في آخر خطبة له التي عين فيها الشورى من ستة وجعل حق النقض لابن عوف ، ذكر معها الكلالة وأوصى المسلمين بأن يحلوا مشكلتها !
فما معنى قوله : « ثم إني لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة » ولماذا ؟ !

( م 379 ) ولدت المسألة الحمارية من الكلالة !

« وإذا كان زوج وأم وإخوة لأم وإخوة لأب وأم فللزوج النصف وللأم السدس وللإخوة من الأم الثلث ، وسقط الأخوة من الأب والأم . وهذه المسألة تسمى المشركة ، وتسمى الحمارية ، لأنه يروي أن عمر أسقط ولد الأبوين فقال بعضهم : يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حماراً أليست أمناً واحدة ؟ ! فشرَّك بينهم ! ويقال إن بعض الصحابة قال ذلك فسميت الحمارية لذلك واختلف أهل العلم فيها قديماً وحديثاً فذهب أحمد فيها إلى أن للزوج النصف وللأم السدس وللإخوة من الأم الثلث وسقط الإخوة من الأبوين لأنهم عصبة وقد تم المال بالفروض » . ( مغني ابن قدامة : 7 / 21 ) .
--------------------------- 428 ---------------------------
س 1 : هل المسألة الحمارية بنت الكلالة لأبيها وأمها ، أو من الرضاعة ، أو قريتها بالكلالة ؟ وما نسبة عمر إليهما ؟ !

( م 380 ) مصيبة الكلالة وإرث الجد مشتركة بين أبي بكر وعمر !

« سئل أبو بكر عن الكلالة فقال : إني أقول فيها برأيي ، فإن كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له ، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان والله منه برئ : أراه ما خلا الوالد والولد . . فلما استخلف عمر قال : الكلالة ما عدا الولد وفي لفظ : من لا ولد له . فلما طعن عمر قال : إني لأستحيي الله أن أخالف أبا بكر ، أرى أن الكلالة ما عدا الوالد والولد » ( البيهقي : 6 / 223 ، والدارمي : 2 / 365 ) .
س 1 : لماذا أغلق الله ذهن أبي بكر كعمر عن هذه المسألة البسيطة ؟ !

( م 381 ) نوادر الأثر في علم عمر

كتب صاحب الغدير ( رحمه الله ) في المجلد السادس فصلاً بهذا العنوان ، عدَّ فيه مئة مورد من أخطاء عمر العلمية ، وهذه خلاصتها :
1 - إلغاؤه آية التيمم ، وتقدم ذلك .
2 - الخليفة لا يعرف حكم الشكوك ! قال صاحب الغدير ( رحمه الله ) ( 6 / 92 ) : « ألا تعجب من خليفة لا يعرف حكم شكوك الصلاة ، وهو مبتلى بها في اليوم والليلة خمساً ؟ ولم يهتم بأمرها حتى يسأل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عنها ، إلى أن يؤول أمره إلى السؤال من غلام لا يعرفها أيضاً » !
3 و 4 ، و 16 و 17 - جهله بكتاب الله . أورد قصة امرأة وضعت حملها لستة أشهر ، فأراد عمر أن يقيم عليها الحد فنهاه علي ( عليه السلام ) وقرأ عليه : وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًاً . فقال عمر : لولا
--------------------------- 429 ---------------------------
علي لهلك عمر ! ثم ذكر قصة مشابهة ، وفيها قول عمر : عجزت النساء أن تلدن مثل علي بن أبي طالب . ( الرياض النضرة : 2 / 196 )
5 - أورد القصة المشهورة عن عمر عندما نهى عن إغلاء المهور فردت عليه امرأة بقوله تعالى : وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ، فتراجع وقال : كل الناس أفقه من عمر .
6 - جهل عمر معنى أبّاً وهو الحشيش ، واجتزأ البخاري الحديث ( 8 / 143 ) ليستر عليه ، فروى بعضه ، مع أن الحاكم رواه ( 2 / 514 ) مفصلاً على شرط البخاري !
7 - قضى على مجنونة زنت بالرجم . واجتزأه بخاري ( 8 / 21 ) ليستر على جهل عمر !
8 جهل عمر بمكانة الحجر الأسود فشرح له علي ( عليه السلام ) أنه الشاهد على ميثاق البشر في قوله تعالى : وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ( الأعراف : 172 ) . فقال عمر كما في الرياض النضرة : لا أبقاني الله بأرض لست فيها يا أبا الحسن !
9 . جهل الخليفة بكفارة بيض النعام ، فذهب إلى علي ( عليه السلام ) في مكة يسأله ، فقال له : ألا أرسلت إليَّ ؟ قال : أنا أحق بإتيانك ، قال : يضربون الفحل قلائص أبكاراً بعدد البيض فما نتج منها أهدوه . قال عمر : فإن الإبل تخدج ، قال علي : والبيض يمرض . فلما أدبر قال عمر : اللهم لا تنزل بي شديدة إلا وأبو حسن إلى جنبي » .
10 . كل الناس أفقه من عمر ، قاله لما صحح له شاب أنصاري تفسير آية .
11 قصة غلام أنكرته أمه فحكم بضربه ، فكشف علي ( عليه السلام ) أن الغلام ابنها .
12 جهل الخليفة بمعاريض الكلم ، وذكر موارد لم يفهم فيها عمر كلام المتكلم .
. 13 اجتهاد الخليفة في قراءة الصلاة ، حيث نسي القراءة في الركعة الأولى فكررها تعويضاً عنها في الثانية ! ( فتح الباري : 3 / 69 ) وذكر موارد أخرى مشابهة !
. 14 أخطأ في توريث الأخوة من الأب ، والأم مع الأخوة من الأم ، فقال له رجل : قضيت في هذا عام أول بغير هذا . . قال : تلك على ما قضينا وهذا على ما قضينا ! ( البيهقي : 6 / 255 ) .
--------------------------- 430 ---------------------------
. 15 جهله بطلاق الأمة وعدتها ، وسؤاله علياً ( عليه السلام ) .
. 18 أمر الحائض بعد الإفاضة بالبقاء حتى تطهر وتطوف الوداع مع أنه ساقط عنها .
19 جهله بالسنة في امرأة تزوجت في عدتها جهلاً ، ففرق بينهما وعاقبهما فقال له علي ( عليه السلام ) : لها الصداق بما استحل من فرجها ، ويفرق بينهما ، ولا جلد عليهما ، وتكمل عدتها من الأول ثم تكمل العدة من الآخر ، ثم يكون خاطباً .
20 جهله هو وأبو بكر بإرث الجد وتحيرهما فيه ( الدارمي : 2 / 354 ، والبيهقي : 6 / 247 )
21 أتيَ بامرأة تسررت غلامها جهلاً واتخذته زوجاً ، فضرب العبد ، وحرم المرأة على كل مسلم ، مع أن الحدود تدرأ بالشبهات .
22 أرسل لإحضار امرأة فخافت وأسقطت ، فحكم عليه علي ( عليه السلام ) بالدية . ( العلم لابن عبد البر / 146 ) .
23 حكم برجم امرأة كادت تهلك من العطش ، فأبى شخص أن يسقيها واضطرها للزنا ( البيهقي : 8 / 236 ) . فقرأ له علي ( عليه السلام ) : فمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . فقال : لولا علي لهلك عمر .
24 تحير في امرأة ولدت ولداً أسود ، وحكم علي ( عليه السلام ) بأن الولد للزوج صاحب الفراش ( الطرق الحكمية / 47 ) .
25 ذكر أخطاء عمر في قصص عسه وتجسسه على المسلمين ، وذكر في مصادرها : الرياض النضرة : 2 / 46 ، وشرح النهج : 1 / 61 و : 3 / 96 ، والدر المنثور : 6 / 93 والمستطرف : 2 / 115 ، وسنن البيهقي : 8 / 334 ، والإصابة : 1 / 531 ، والسيرة الحلبية : 3 / 293 ، والعقد الفريد : 3 / 416
26 جلد في حد الخمر أربعين سوطاً في أول خلافته ثم جعله ثمانين ! ( سنن البيهقي : 8 / 320 ) .
27 تحيره في امرأة احتالت على شاب فصبت بياض بيضة على ثوبها وبين فخذيها وقالت : غلبني على نفسي وفضحني في أهلي ، فاستشار علياً ( عليه السلام ) فنظر إلى ثوبها ودعا بماء حار فصبه فجمد البياض ، ثم زجر المرأة فاعترفت . ( الطرق الحكمية لابن القيم / 47 ) .
--------------------------- 431 ---------------------------
. 28 لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب ، وفيه قصة امرأة أودع عندها رجلان أمانة لتسلمها لهما معاً ، فجاء أحدهما وادعى موت صاحبه فأعطتها إياها ، فجاء الآخر يريد أمانته ! فقال له علي ( عليه السلام ) : جئ بصاحبك !
. 29 جهله بإرث الكلالة ، وقد تقدم .
. 30 تحيره في حكم لحم الأرنب ( مجمع الزوائد : 3 / 195 ) .
. 31 و 33 و 34 و 35 خطؤه في القود من ذمي . ( جمع الجوامع : 7 / 304 ) .
. 32 أمره برجم امرأة حملت سنتين . ( سنن البيهقي : 7 / 443 و : 8 / 32 ) .
. 36 أمر بقتل القاتل ، رغم أن بعض أولياء الدم عفى عنه فوجبت الدية .
37 جهله دية الأصابع ، وهي عشر لكل إصبع .
38 جهله دية الجنين ، وهي عتق رقبة . ( الإصابة : 2 / 259 ) .
39 أمر بقطع رجل سارق قطعت يده ورجله ، فنهاه علي ( عليه السلام ) وأمر بسجنه ( البيهقي : 8 / 274 ) .
. 40 أخذ هدية ملكة الروم إلى زوجة أبي عبيدة ، وأعطاها ثمن هديتها التي كانت أرسلتها !
. 41 رد عمر الشهود بالزنا على المغيرة وجلدهم . ( مسند أحمد : 4 / 369 ) .
42 قول عمر : كل واحد أفقه منك حتى العجائز يا عمر !
. 43 قال شخص لآخر : « والله ما أرى أبي بزان ولا أمي بزانية » فاعتبره تعريضاً بأبيه ، فحكم عمر عليه بالحد ! ( سنن البيهقي : 8 / 252 ) .
44 قطع عمر شجرة الحديبية التي بايعوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) تحتها ( الدر المنثور : 6 / 73 ) .
45 نهى عمر عن الصلاة في مكان صلى فيه النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
. 46 عجز عن إجابة أسئلة اليهود فأجاب علي ( عليه السلام ) ( العرائس للثعلبي / 232 ) .
47 أنه أخذ الزكاة على الخيل ، ولا زكاة عليها ! ( تاريخ الخلفاء / 93 )
48 أن عمر جهل ليلة القدر .
49 أنه استحل ضرب الناس بدون حق ، وذكر ضربه لطفله ولسيد ربيعة .
--------------------------- 432 ---------------------------
. 50 جهله بالسنة وذكر طلبه شهوداً على الحديث ! ( مسند أحمد 1 / 237 و : 3 / 333 ) .
51 . نهيه عن البكاء على الميت ، ونقل عن شرح النهج ( 1 / 60 ) : إن أول من ضربها عمر بالدرة أم فروة بنت أبي قحافة حين مات أبو بكر فبكت عليه ! وذكر رد عائشة عليه بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم ينه عن البكاء على الميت . ( الحاكم : 1 / 381 ) .
. 52 ترك عمر الأضحية عن أهله ، مع أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ضحى ( سنن البيهقي : 9 / 265 ) .
53 حرم الزوجة من الإرث في الدية ، مع أنها ترث منها .
54 جهل عمر بعلامة تحقق البلوغ شرعاً ، فجعلها بالقياس بالشبر ! ( كنز العمال 3 / 116 ) .
55 تنقيصه من الحد عن بعض الناس ! ( السنن الكبرى : 8 / 317 ) .
56 تنازعت امرأتان طفلاً وطفلة ، فحل المشكلة علي ( عليه السلام ) فوزن لبنهما وحكم بالصبي لمن لبنها أثقل ، فقال عمر : أبا حسن لا أبقاني الله لشدة لست لها . ( كنز العمال : 3 / 179 ) .
58 أراد رجم أمةٍ زنت ولم تكن تعرف الحد . ( الأم : 1 / 135 ) .
. 60 أراد أخذ حلي الكعبة وتقسيمه ، فنهاه علي ( عليه السلام ) .
. 61 أمضى الطلاق ثلاثاً ، مع أنه لا يقع إلا واحدة . ( مسند أحمد : 1 / 314 ) .
62 نهيو عن صلاة النافلة بعد صلاة العصر ، وتقدم ذلك فيمن ضربهم .
63 منع توريث المسلم الأعجمي إلا إذا ولد في بلاد العرب . ( الموطأ : 2 / 12 )
64 تجسس على المسلمين ، وقد نهى الشرع عنه ( الدر المنثور : 6 / 93 ) .
65 استأذن من عائشة أن يدفن في غرفة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، مع أنها لا تملك الحجرة ولا ترث ! ولو ورثت لكان سهمها شبراً أو شبرين لا يسع دفن جثمان ! ( فتح الباري : 7 / 53 ) .
68 حرم عمر متعة الحج ومتعة النساء . وتقدم ذلك .
70 قال عمر : من قال إني مؤمن ، فهو كافر ! ( كنز العمال : 1 / 103 ) .
71 جهل عمر الإجابة على أسئلة أسقف نجران ، فأجاب علي ( عليه السلام ) .
. 72 جلد عمر صائماً قعد مع آخرين على شراب .
--------------------------- 433 ---------------------------
73 . مسحت زوجته إصبعها بعطر لبيت المال ومسحته بمتاعها ، فأخذ عمر المتاع وصب عليه الماء ثم دلكه بالتراب حتى ذهبت رائحته ! ( كنز العمال : 3 / 101 ) .
. 74 جعل التكبير على الميت أربع تكبيرات مع أنهم أخبروه عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بخلاف ذلك . ( البيهقي : 4 / 37 ، وفتح الباري : 3 / 157 .
75 جهل عمر جواب مسائل ملك الروم ، فأجابه علي ( عليه السلام ) .
76 جهله بالميقات للإحرام . ورجوع المسلمين إلى قول علي ( عليه السلام ) ( المحلى : 7 : 76 ) .
77 . جهله معنى آيات تحريم الخمر .
79 جهله الغسل من الجنابة . ( مسند أحمد : 5 / 15 ، وعمدة القاري : 2 / 72 )
. 80 خطؤه في حكم توسعة المسجدين .
81 جهله بحكم من طلق امرأته في الجاهلية تطليقتين ، وفي الإسلام تطليقة ؟
82 تحريمه شراء اللحم أياماً متتالية . وتقدم فيمن ضربهم !
83 جهله الجواب عن أسئلة يهودي وشهادته بأن علياً ( عليه السلام ) أعلم الصحابة .
. 84 بدعته في عول الفرائض . ( تاريخ الخلفاء / 93 )
85 حكمه على عماله بأنهم سرقوا ، ومشاطرتهم أموالهم ! وتقدم ذلك .
86 جهله بالحكم في شراء الجمال ، وقبوله بحكم علي ( عليه السلام ) . وتقدم .
87 تحريمه زيارة بيت المقدس وضربه رجلين زاراه !
88 جهله بأن المجوس من أهل الكتاب . ( الأموال / 32 ، موطأ مالك : 1 / 207 ) .
89 نهيه عن صوم رجب . ( صحيح البخاري : 3 / 215 ، ومسلم : 1 / 318 )
90 تحريمه السؤال عن مشكلات القرآن . وذكر فيه قصة صبيغ أو مشابهاً لها
91 . نهيه عن السؤال عما لم يقع ، وتقدم في قصة صبيغ .
92 نهيه عن التحديث عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) . ( سنن الدارمي : 1 / 85 ، وابن ماجة : 1 / 16 ) .
93 نهيه عن كتابة السنة . وتقدم في المشتركات بينه وبين أبي بكر .
95 أخطاؤه في القراءات . وذكر محاولته حذف واو الأنصار . ( تفسير الطبري : 1 / 7 ) .
97 ضرب عمر ابنه بعد الحد حتى قتله !
--------------------------- 434 ---------------------------
98 جهله بما يقرأ يوم العيد . ( صحيح مسلم : 1 / 242 ، وأبو داود : 2 / 280 ) .
99 جهله بمعاني ألفاظ قرآنية . ( تفسير الكشاف : 2 / 165 ، تفسير القرطبي : 10 / 110 ) .
. 100 نهيه عن صوم الدهر ( جمع الجوامع : 4 / 332 ، والبيهقي : 4 / 301 ) .
س 1 : قد يشكل على هذه الموارد بأن بعضها غير علمي ، وبعضها له وجه يمكن الدفاع عنه ، لكن غالبيتها العظمى إشكالات قوية ، تدل على نقص وخلل في علم عمر ، فما رأيكم ؟ !

( م 382 ) لولا علي لهلك عمر

تواتر في مصادر المسلمين قول عمر : لولا علي لهلك عمر ، وقد قالها في مناسبات عديدة ، ذكر بعضهم أنها سبعون .
وفي تمهيد الباقلاني / 502 : « لولا علي لضل عمر »
وفي خصائص الأئمة / 84 « ونادى عمر : واعمراه ! لولا علي لهلك عمر »
وفي النجاة لابن ميثم / 153 : « فقال عمر : سود الله وجهي ! لولا علي لهلك عمر » .
وقال في الغدير : 6 / 327 ، و : 3 / 97 : « ولعمر كلمات مشهورة تعرب عن غاية احتياجه في العلم إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) منها قوله غير مرة : لولا علي لهلك عمر ، وقوله : اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب ، وقوله : لا أبقاني الله بأرض لست فيها أبا لحسن ، وقوله : لا أبقاني الله بعدك يا علي ، وقوله : أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها ، وقوله : أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن ، وقوله : أعوذ بالله أن أعيش في قوم ليس فيهم أبو الحسن ، وقوله : اللهم لا تنزل بي شديدة إلا وأبو الحسن إلى جنبي ، وقوله : لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن ، وقوله : لا أبقاني الله إلى أن أدرك قوماً ليس فيهم أبو الحسن ،
--------------------------- 435 ---------------------------
وقال سعيد بن المسيب : كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن وقال معاوية : كان عمر إذا أشكل عليه شئ أخذه منه . ولما بلغ معاوية قتل الإمام ( عليه السلام ) قال : لقد ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب » . وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة / 152 ، والاستيعاب : 3 / 1102 ، وشرح النهج : 1 / 18 ، والمواقف للإيجي : 3 / 627 ، وتفسير السمعاني : 5 / 154 ، وتفسير الرازي : 21 / 22 ، وكشف اليقين 60 ، والإمام علي ( عليه السلام ) في آراء الخلفاء / 93 ، و / 101 ، و / 109 ، وشرح التجريد 511 ، والمسانيد لمحمد حياة الأنصاري : 2 / 409
وقال السيد الميلاني في دراسات في منهاج السنة / 230 : « ويجيب ابن تيمية عما تواتر من قول عمر كثيراً : لولا علي لهلك عمر : « لا يُعرف أن عمر قاله إلا في قضية واحدة إن صح ذلك ، وكان عمر يقول مثل هذا لمن هو دون علي !
أقول : قد قاله عمر في وقائع كثيرة يجدها المتتبع لكتب القوم في التفسير والحديث والفقه وغيرها . . فنحن نكتفي بذكر قضيتين :
1 - قضية المرأة التي ولدت لستة أشهر فهمَّ عمر برجمها ، رواها عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي ، وابن عبد البر ، والمحب الطبري ، والمتقي الهندي ، وغيرهم . قال الطبري : فترك عمر رجمها وقال : لولا علي لهلك عمر . بل في رواية ابن عبد البر : فكان عمر يقول : لولا علي لهلك عمر .
2 - قضية المرأة المجنونة التي زنت ، أخرجها عبد الرزاق ، والبخاري ، وأحمد ، والدارقطني ، وغيرهم . قال المناوي بشرح قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : علي مع القرآن والقرآن مع علي ، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض : وأخرج أحمد : أن عمر أمر برجم امرأة ، فمر بهما علي فانتزعها فأخبر عمر فقال : ما فعله إلا لشئ ، فأرسل إليه فسأله فقال : أما سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : رفع القلم عن ثلاث . ؟ قال : نعم . قال : فهذه مبتلاة بني فلان فلعله أتاها وهو بها فقال عمر : لولا علي هلك عمر . واتفق له مع أبي بكر نحوه .
هذا ، ولعمر في هذه الوقائع كلمات أخرى في حق علي ( عليه السلام ) كقوله : لا أبقاني الله بعدك يا علي . وقوله : لا أبقاني الله لمعضلة لست لها يا أبا الحسن ، وقوله : لا
--------------------------- 436 ---------------------------
كنت في بلد لست فيه . . وأمثالها وهي موجودة في الكتب المعتبرة المشهورة » . راجع : دعائم الإسلام : 2 / 453 ، والفقيه : 4 / 35 ، والتهذيب : 6 / 306 ، و : 10 / 49 » انتهى .
وقال السيد الميلاني في نفحات الأزهار : 12 / 195 : « وهذا نص ما ذكره القادري قبل مقالته بعد ذكر رواية حكم عمر برجم المرأة المجنونة : وفي رواية فقال عمر : لولا علي لهلك عمر . . وروى بعضهم : إنه اتفق لعلي مع أبي بكر نحو ذلك ، وكان عمر يقول لعلي : لا أبقاني الله بعدك يا علي ، كذا أخرجه ابن السمان . وكان عمر يقول : أقضانا علي ، وكان يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن . رواه الدارقطني ، ولفظه التعوذ : أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن ! وكان عمر يقول : أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم أبا حسن ، وكان عمر لا يبعث علياً لبعوث لأخذ رأيه ومشاورته . وكان عطا يقول : والله ما علمت أحداً من أصحاب رسول الله ( ص ) أفقه من علي ، كذا أخرجه الحافظ الذهبي . وقال بعد مقالته : وقول عمر : علي أقضانا . رواه البخاري في صحيحه ، ونحوه عن جماعة من الصحابة . وللحاكم في المستدرك عن ابن مسعود قال : كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي » .
س 1 : هل توافقونا في أن قول عمر « لولا علي لهلك عمر » في المجالات العلمية يدل على اعتراف عمر بعلم علي ( عليه السلام ) وبفضله عليه علمياً ، كما يدل على اعترافه بعلمه وفضله عليه في الفتوحات ، لأنه قالها عندما أراد الفرس مهاجمة المدينة ؟ !

( م 383 ) شكوى علي ( عليه السلام ) ممن تسمَّى عالماً وليس بعالم !

  • نهج البلاغة : 1 / 51 : « إنَّ أبغض الخلائق إلى الله رجلان : رجلٌ وكله الله إلى نفسِه فهو جائرٌ عن قصد السبيل مشغوفٌ بكلام بدعةٍ ودعاء ضلالةٍ ، فهو فتنة لمن افتتن به ، ضالٌّ عن هديِ مَن كان قبله ، مُضِلٌّ لمن اقتدى به في حياتِه وبعد وفاتِه حمَّال خطايا غيره ، رهن بخطيئته !
    --------------------------- 437 ---------------------------
    ورجلٌ قمش جهلاً موضع في جهال الأمَّة عاد في أغباش الفتنة ، عم بما في عقد الهدنة قد سمَّاه أشباه الناس عالماً وليس به ، بكَّر فاستكثر من جمع ما قل منه خير مما كثر حتى إذا ارتوى من آجن ، واكتنز من غير طائر جلس بين الناس قاضياً ، ضامناً لتخليص ما التبس على غيره ، فإن نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشواً رثَّاً من رأيه ثم قطع به فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ ، فإن أصاب خاف أن يكون أخطأ وإن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب ، جاهل خباط جهالات ، عاش ركاب عشوات لم يعض على العلم بضرسٍ قاطع يذري الروايات إذراء الريح الهشيم . لا ملئ والله بإصدار ما ورد عليه . ولا هو أهل لما فُوِّض إليه لا يحسب العلم في شيء مما أنكره . ولا يرى أن من وراء ما بلغ مذهباً لغيره . وإن أظلم أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه . تصرخ من جور قضائه الدماء ، وتعج منه المواريث ! إلى الله أشكو من معشر يعيشون جهالاً ويموتون ضلالاً ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته ولا سلعة أنفق بيعاً ولا أغلى ثمناً من الكتاب إذا حُرِّفَ عن مواضعه ، ولا عندهم أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر » !
    س 1 : هل يقصد علي ( عليه السلام ) بكلامه أبا بكر وعمر ، أم يقصد غيرهما ؟ !
  • *
    --------------------------- 438 ---------------------------

8 . مسائل في تفضيل عمر لنفسه على النبي ( صلى الله عليه وآله ) !

( م 384 ) أولاً : عمر زميل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكفؤه !

1 - فالنبي ( صلى الله عليه وآله ) تحدثه الملائكة ، وعمر تحدثه الملائكة ! وقد صاغوا حديثه بصيغة الشرطية لكنها خبرية ! فزعموا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون ، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب » . ( صحيح بخاري : 4 / 149 ، ومسلم : 7 / 115 ) .
2 - والسكينة قد تنطق على لسان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وهي تنطق على لسان عمر وقلبه !
« إن الله وضع الحق على لسان عمر ، يقول به . إن الله تعالى جعل الحق على لسان عمر وقلبه . . الصدق والحق بعدي مع عمر حيث كان » ( ابن ماجة : 1 / 40 : 108 ، وأحمد : 5 / 145 و 165 و 177 والحاكم : 3 / 83 والبيهقي : 6 / 295 وكنز العمال : 12 / 545 ) .
3 - والنبي ( صلى الله عليه وآله ) يرى جبرئيل ( عليه السلام ) وعمر يرى جبرئيل ! قال عمر : « بينما نحن عند رسول الله ( ص ) ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول الله ( ص ) : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً
قال : صدقت قال : فعجبنا له يسأله ويصدقه . قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره .
قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك . قال فأخبرني عن الساعة ؟ قال : ما المسؤول عنها بأعلم من
--------------------------- 439 ---------------------------
السائل . قال فأخبرني عن أمارتها ؟ قال : أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان .
قال : ثم انطلق فلبثت ملياً ثم قال لي : يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم » . ( مسلم : 1 / 28 و 29 ، والترمذي : 4 / 119 ، وأحمد : 1 / 27 ) .
أقول : أدخل عمر مذهبه الجبري في هذا الحديث ، وجعل قيام القيامة عندما يتطاول الرعيان العراة في البنيان ، كما قال له كعب الأحبار ! وقد تطاولوا في عهده وبعده ، ولم تقم القيامة !
4 - وكان جبريل يقرئ النبي السلام من ربه ، ويقرئ عمر ! ( كنز العمال : 11 / 634 ) .
5 - وكان جبرئيل يعلم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ويأتي إلى عمر ويعلمه ! ( كنز العمال : 2 / 220 ) .
6 - والحصيات التي سبحت في يد النبي ( صلى الله عليه وآله ) سبحت في يد عمر ! « تناول النبي ( ص ) من الأرض سبع حصيات فسبحن في يده ، ثم ناولهن أبا بكر فسبحن في يده كما سبحن في يد النبي ( ص ) ، ثم ناولهن النبي عمر فسبحن في يده كما سبحن في يد أبي بكر ثم ناولهن عثمان فسبحن في يده كما سبحن في يد أبي بكر وعمر » ( أسد الغابة : 3 / 214 ، وكنز العمال : 12 / 406 ) .
7 - وكلم النبي ( صلى الله عليه وآله ) الموتى فلم يردوا ، ورد الملائكة على عمر ! ( كنز العمال : 15 / 751 ) .
8 - ونطق الموتى بفضل عمر ! « تكلم رجل من الأنصار من القتلى ، فقال : محمد رسول الله أبو بكر الصديق عمر الشهيد ، عثمان الرحيم ثم سكت » . ( تاريخ البخاري : 5 / 138 ، وأسد الغابة : 2 / 73 ، البداية والنهاية : 6 / 175 )
9 - وكان عمر يتكلم ، فينزل كلامه آيات في القرآن : فلما نزلت آية : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ . إلى قوله : ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ . قال عمر : فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ، فقال : والذي نفسي بيده إنها ختمت بالذي تكلمت يا عمر » ! ( مجمع الزوائد : 9 / 68 ، الدر المنثور : 5 / 6 ، ونزلت آيات أخرى . ( تاريخ المدينة : 3 / 865 ، وأحمد : 1 / 269 ) .
--------------------------- 440 ---------------------------
10 - وكان يقترح اقتراحاً ، فينزل اقتراحه آية ! فقد اقترح أن يتخذ من مقام إبراهيم مصلى ، فنزلت : وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى . ( ابن ماجة : 2 / 987 ، و - كنز العمال : 14 / 119 ) .
11 - وكان القرآن ينزل دائماً مؤيداً لآرائه ومواقفه ! قال ابن عمر : « ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال فيه عمر ، إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر » ! ( الترمذي : 5 / 280 )
12 - وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إني مخلف فيكم الثقلين ، وقال عمر : إني تركت فيكم اثنتين ! « إني قد تركت فيكما اثنين لن تبرحوا بخير ما لزمتموهما : العدل في الحكم ، والعدل في القسم » ( كنز العمال : 5 / 807 ) .
13 - والنبي ( صلى الله عليه وآله ) أوصى الأمة ، وعمر أوصاها ! فقد خطب في الناس فقال : « يا أيها الناس سنت لكم السنن ، وفرضت لكم الفرائض ، وتركتم على الواضحة ، ثم صفق بيمينه على شماله إلا أن تضلوا بالناس شمالاً ويميناً » ! ( تاريخ المدينة : 3 / 872 ) .
14 - والصلاة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) زينة المجالس ، وكذا ذكر عمر ! « عائشة قالت : زينوا مجالسكم بالصلاة على النبي ( ص ) وبذكر عمر بن الخطاب » ( كنز العمال : 12 / 596 ) .
15 - ومحمد ( صلى الله عليه وآله ) هو النبي الفعلي ، لكن عمر أيضاً له درجة النبوة ! ففي صحيح بخاري : 4 / 149 : « عن أبي هريرة عن النبي ( ص ) قال : إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون ، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم ، فإنه عمر بن الخطاب ) ! وقال ابن حجر في فتح الباري : 7 / 41 : ( محدث أي يلقى في روعه . ويؤيده حديث : إن الله جعل الحق على لسان عمر . ويؤيده حديث : لو كان بعدي نبي لكان عمر » .
وفي مسند أحمد : 4 / 154 : « لو كان من بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب »
وفي تحفة الأحوذي : 10 / 119 : « فيه إبانة عن فضل ما جعله الله لعمر من أوصاف الأنبياء وخلال المرسلين ( عليهم السلام ) » .
--------------------------- 441 ---------------------------
وفي فيض القدير : 5 / 414 : « فكأن النبي أشار إلى أوصاف جمعت في عمر ، لو كانت موجبة للرسالة لكان بها نبياً ! فمن أوصافه قوته في دينه ، وبذله نفسه وماله في إظهار الحق ، وإعراضه عن الدنيا مع تمكنه منها ، وخص عمر مع أن أبا بكر أفضل ، إيذاناً بأن النبوة بالإصطفاء لا بالأسباب . قال الحاكم : صحيح ، وأقره الذهبي » !
قال السيوطي في الخصائص : 2 / 219 : « باب إخباره بأن عمر من المحدثين . أخرج الشيخان عن عائشة قالت قال رسول الله : كان في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر . وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله : إنه لم يبعث الله نبياً إلا كان في أمته محدثون ، وإن يكن في أمتي أحد فهو عمر قالوا : يا رسول الله كيف محدث ؟ قال : تتكلم الملائكة على لسانه » .
وقال ابن حجر في شرحه للبخاري : 7 / 40 : « قوله : محدَّثون ، بفتح الدال جمع محدَّث واختلف في تأويله فقيل : ملهم ، قاله الأكثر ، قالوا : المحدَّث بالفتح هو الرجل الصادق الظن وهو من ألقى في روعه شئ من قبل الملأ الأعلى ، فيكون كالذي حدثه غيره به ، وبهذا جزم أبو أحمد العسكري .
وقيل : من يجري الصواب على لسانه من غير قصد . وقيل مكلم أي تكلمه الملائكة بغير نبوة . ! وهذا ورد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً ولفظه : قيل يا رسول الله وكيف يحدث قال تتكلم الملائكة على لسانه !
وقال ابن تيمية في الرد على المنطقيين / 513 : « فأما درجة السابقين الأولين كأبي بكر وعمر فتلك لا يبلغها أحد ! وقد ثبت في الصحيحين عن النبي ( ص ) أنه قال : قد كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي فعمر ، وفي حديث آخر : إن الله ضرب الحق على
--------------------------- 442 ---------------------------
لسان عمر وقلبه . وقال عليٌ : كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر . وفي الترمذي وغيره : لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر ، ولو كان بعدي نبي ينتظر لكان عمر » .
وقال في منهاجه : 6 / 75 : « وكلام عمر من أجمع الكلام وأكمله ، فإنه ملهم محدث ! كل كلمة من كلامه تجمع علماً كثيراً ! » ! انتهى .
فقد رفعوا كلام عمر إلى درجة كلام النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وصار عمر لا ينطق عن الهوى إن هو إلا حديث الملائكة ! والفرق بينهما أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد يخطئ فيصحح له عمر ، أما عمر فلا يخطئ !
والنتيجة أن عمر بن الخطاب عندهم قد استكمل صفات النبوة والرسالة وإن لم يبعث فعلاً ! وهذا يعطيه حق الشراكة عملياً في نبوة نبينا ( صلى الله عليه وآله ) ويجعل أقواله وأفعاله إلى جنب أقوال النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأفعاله !
فهو زميل للنبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى لو لم يؤاخه وآخى علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) !
واعتراضاته على النبي ( صلى الله عليه وآله ) مبررة ، سواء وافقه الوحي أم لا ، وهو دائماً يوافقه !
وهو زميل ، فمن حقه هندسة نظام الحكم بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) كما فعل في السقيفة ، ومنع النبي ( صلى الله عليه وآله ) من كتابة عهده ، وأخذ بالقوة حق هندسة مستقبل الأمة كله !
وقد بلغ من غلوهم في عمر أنهم زعموا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يخاف أن يعزله الله من النبوة ويبعث عمر نبياً أول ، ويأمر نبينا ( صلى الله عليه وآله ) أن يطيعه !
فقد كذبوا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : « ما احتبس الوحي عني قط ، إلا ظننته قد نزل على آل الخطاب » ( الإحتجاج : 2 / 248 . راجع هذا الكتاب : 2 / 400 ) .
16 - اخترع الذهبي قاعدة خاصة لعصمة عمر وأبي بكر !
اسم شمس الدين الذهبي : محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الشركسي ، وهو من كبار أئمتهم ، معروف بكثرة مؤلفاته ، وبتشدده في النقد الرجالي والحديثي ،
--------------------------- 443 ---------------------------
لكنه لم يملك نفسه في حب عمر وأبي بكر ، فأفتى صراحةً بأن العصمة تشمل مع الأنبياء ( عليهم السلام ) أبا بكر لتصديقه بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وعمر لأنه حاكم عادل !
قال في كتابه : الموقظة في علم مصطلح الحديث / 84 ، بعد أن قسم طبقات أئمة الجرح والتعديل إلى : الحاد ، والمعتدل ، والمتساهل ، قال ما نصه : « والعصمة للأنبياء ( عليهم السلام ) ، والصديقين ، وحكام القسط » ! انتهى .
وإنما قلنا إنه وضع القاعدة من أجلهما خاصة ، لأنهم لا يقولون بعصمة كل صدِّيق ، ولا كل حاكم عادل ! وقد وصف الذهبي نفسه عدداً من السلاطين ، تراكمة وشراكسة ، بالملك العادل ، مع أنه لا يثبت لهم العصمة ، وفيهم رافضي قوي الرفض على حد قوله ، هو رزيك بن طلائع بن رزيك سلطان مصر ! ( سير أعلام النبلاء : 15 / 208 )
وغيره ممن لا يراهم معصومين ، لكن عمر معصوم عنده لأنه حاكم عادل !
أسئلة :
س 1 : هل توافقون على قول الذهبي « والعصمة للأنبياء والصديقين وحكام القسط » وما قولكم بارتكابه هذه الموبقة لدينه ليعصم عمر ؟ !
س 2 : ما قولكم في هذا المقام الذي اخترعه عمر لنفسه ؟ !

( م 385 ) ثانياً : عمر أفضل من النبي ( صلى الله عليه وآله ) !

1 - النبي ( صلى الله عليه وآله ) معصوم في الرضا ، وعمر معصوم في الرضا والغضب ! فالنبي ( صلى الله عليه وآله ) عندهم قد يخطئ ويلعن ويؤذي من لا يستحق ! « سمعت رسول الله ( ص ) يقول : اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر ، وإني قد اتخذت عندك عهداً لن
--------------------------- 444 ---------------------------
تخلفنيه فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته ، فاجعلها له كفارةً وقربةً تقربه بها إليك يوم القيامة » . ( صحيح بخاري : 7 / 157 ، ومسلم : 8 / 25 ) .
« إن رسول الله ( ص ) كان يغضب فيقول في الغضب لناس من أصحابه ، ويرضى فيقول في الرضا لناس من أصحابه ! » ( سنن أبي داود : 2 / 404 ) .
2 - وقد وبخ جبرئيل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقطع قنوته ، لأنه لعن رؤساء قريش ! « بينا رسول الله ( ص ) يدعو على مضر إذ جاءه جبرئيل فأومأ إليه أن اسكت فسكت ، فقال : يا محمد إن الله لم يبعثك سباباً ولا لعاناً ! وإنما بعثك رحمة ولم يبعثك عذاباً ، ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون » . ( البيهقي : 2 / 210 ، . والدر المنثور : 6 / 420 ) .
3 - أما عمر فشهد له جبرئيل ( عليه السلام ) بأنه معصوم في الرضا والغضب ! « أتاني جبريل فقال : أقرئ عمر السلام وأعلمه أن غضبه عز ورضاه عدل » ( كنز العمال : 11 / 579 و : 10 / 365 و : 12 / 555 ، و : 596 ، و / 602 ) .
4 - والشيطان يخاف من عمر ويفر منه ، بعكس النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! ( كنز العمال : 11 / 581 ، و : 12 / 591 ) . 5 - والنبي ( صلى الله عليه وآله ) يستمع إلى الباطل أما عمر فلا يحب الباطل ! فقد استنشد النبي ( صلى الله عليه وآله ) شاعراً فأخذ ينشده ، ثم جاء عمر فأمره بالسكوت وقال : أنصت هذا رجل لا يحب الباطل هذا عمر بن الخطاب » ( مسند أحمد : 3 / 435 ) .
وفي الترمذي : 2 / 293 ، في مناقب عمر : « خرج رسول الله ( ص ) في بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية سوداء ، فقالت : يا رسول الله إني كنت نذرت أن ردك الله صالحاً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى ، فقال لها رسول الله : إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا ، فجعلت تضرب ! فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب ، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت استها ، ثم قعدت عليه ! فقال رسول الله : إن الشيطان ليخاف منك يا عمر ! إني كنت جالساً وهي
--------------------------- 445 ---------------------------
تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل علي وهي تضرب ، ثم دخل عثمان وهي تضرب ، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف » ! ورواه أحمد : 4 / 353 ، وغيره .
6 - وارتكب النبي ( صلى الله عليه وآله ) خطأ مع عمر ، فنزلت آية تؤنب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! « وجه رسول الله ( ص ) غلاماً من الأنصار يقال له مولج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه ، فدخل فرأى عمر بحالةٍ فكره عمر رؤيته ذلك ، فأنزل الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَئْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ . » . ( تاريخ المدينة : 3 / 864 ) .
7 - وزعموا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) فضله على نفسه فقال : ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر ! ولم يستثن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أحداً ! ( الترمذي : 5 / 281 ) .
8 - وأبو بكر وعمر رحيمان ، أما النبي فقاسي القلب لا تدمع عينه على أحد ! قالت عائشة عن جنازة سعد بن معاذ : « فحضره رسول الله ( ص ) وأبو بكر وعمر قالت : فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي ، وكانوا كما قال الله عز وجل : رحماء بينهم ! قال علقمة قلت : أي ْأمَّهْ ، فكيف كان رسول الله ( ص ) يصنع ؟ قالت : كانت عينه لا تدمع على أحد ، ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته » . ( مسند أحمد : 6 / 141 ، ومجمع الزوائد : 6 / 137 ، ووثقه ) !
9 - وزعمت عائشة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) يهاب عمر ! قالت « أتيت رسول الله ( ص ) بخزيرة طبختها له ، فقلت لسودة : كلي والنبي ( ص ) بيني وبينها فقلت : لتأكلن أو لألطخن وجهك ، فأبت فوضعت يدي في الخزيرة فطليت بها وجهها ، فضحك النبي ( ص ) ووضع فخذه لها وقال لسودة : إلطخي وجهها فلطخت وجهي فضحك النبي ( ص ) أيضاً ، فمر عمر فنادى يا عبد الله يا عبد الله ! فظن النبي
--------------------------- 446 ---------------------------
( ص ) أنه سيدخل فقال : قوما فاغسلا وجوهكما ، قالت عائشة فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله ( ص ) إياه » ! ( كنز العمال : 12 / 593 ، ومجمع الزوائد : 4 / 578 ) .
10 - وأفتى عمر في الضب قبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) فسكت النبي ! « أتيَ به النبي ( ص ) فلم يأكله ، فقال عمر : إن فيه منفعة للرعاء ! فقال : إن أمة من الأمم مسخت فلا أدري لعله منها ! فلم يأمر به ولم ينه عنه ولم يأكله » . ( كنز العمال : 15 / 449 )
11 - ولهذه المقولات يجلد من لا يقول : أفضل الأمة بعد النبي أبو بكر وعمر ! « ألا إن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر فمن قال غير ذلك بعد مقامي هذا فهو مفتر ، عليه ما على المفتري » ! ( أسد الغابة : 3 / 215 ) .
12 - ويقتل من يقول إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي هدى ! « من قال أن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي هدى إيش هو ؟ فقال له ابن الأعلم مبتدع فقال له الطبري منكراً عليه مبتدع مبتدع هذا يقتل ! من قال أن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي هدى يقتل يقتل » ( لسان الميزان : 5 / 100 ) .
13 - ولهذا ، إذا أحدث عمر في الدين فهو دين وليس بدعة ! « سيحدث بعدي أشياء فأحبها إليَّ أن تلزموا ما أحدث عمر » . ( كنز العمال : 12 / 587 ) .
14 - منع عمر الصلاة في مصلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومحى آثاره ، ثم أخذ يفتخر بفضائله هو !
« كنت مع عمر بين مكة والمدينة فصلى بنا الفجر ثم رأى أقواماً ينزلون فيصلون في مسجد سأل عنهم ، فقالوا : مسجد صلى فيه النبي ( ص ) ، فقال : إنما هلك من كان قبلكم أنهم اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً ، من مر بشئ من هذه المساجد فحضرت الصلاة فليصل وإلا فليمض » .
وفي تاريخ المدينة : 3 / 865 : « نزل عمر الروحاء فرأى رجالاً يبتدرون أحجاراً يصلون إليها ، فقال : ما بال هؤلاء ؟ قالوا يزعمون أن رسول الله ( ص ) صلى ها
--------------------------- 447 ---------------------------
هنا ، قال : فكفرٌ ذلك ! وقال : أينما رسول الله ( ص ) أدركته الصلاة بواد صلاها ، ثم ارتحل فتركه ! ثم أنشأ يحدثهم فقال : كنت أشهد اليهود يوم مدراسهم فأعجب من التوراة كيف تصدق القرآن ، ومن القرآن كيف يصدق التوراة ! فبينما أنا عندهم ذات يوم قالوا : يا ابن الخطاب ، ما من أصحابك أحب إلينا منك ! قلت : ولم ذلك ؟ قالوا لأنك تغشانا وتأتينا . . . الخ . » ( كنز العمال : 14 / 173 ) .
15 - موافقات الله لعمر ومخالفته للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : فقد افتروا على النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه كان يخطئ فيصحح له أخطاءه عمر ! وأنه كان يختلف مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الأمر فيوافقه الله تعالى وينزل الوحي برأي عمر ! وسموا ذلك موافقات الله لعمر !
قال البخاري : 5 / 149 : « قال عمر : وافقت الله في ثلاث ، أو وافقني ربي في ثلاث : قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ؟ وقلت يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب » .
وقال ابن حجر في شرحه ( 1 / 423 ) : « والمعنى وافقني ربي فأنزل القرآن على وفق ما رأيت ، لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه ! وليس في تخصيصه العدد بالثلاث ما ينفي الزيادة عليها ، لأنه حصلت له الموافقة في أشياء غير هذه من مشهورها قصة أسارى بدر ، وقصة الصلاة على المنافقين وهما في الصحيح ، وصحح الترمذي من حديث ابن عمر أنه قال : ما نزل بالناس أمرٌ قط فقالوا فيه وقال فيه عمر إلا نزل القرآن فيه على نحو ما قال عمر ! وهذا دال على كثرة موافقته . وأكثر ما وقفنا منها بالتعيين خمسة عشر » .
وفي عمدة القاري ( 4 / 144 ) : « عن أنس قال عمر : وافقت ربي في أربع » .
وذكر عمر بن شبه عدداً من موافقات الله تعالى لعمر ، بعضها واضح الكذب ، وبعضها فيه تحريف ، وفي بعضها تخطئة صريحة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) !
--------------------------- 448 ---------------------------
فمَن وافق مَن ؟ عمرُ وافق الله ، أم اللهُ وافق عمر ، أم تلاقيا في النقطة الوسط ؟
وكيف يقبل العقل أن خير البشر وأفضل الأنبياء والمرسلين ( صلى الله عليه وآله ) بهذه الصفات التي ينسبها إليه رواة السلطة من أجل مدح عمر ؟ !
وإذا كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يخطئ في الأمر تلو الأمر ويصيب عمر ؟ فعمر أفضل من النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأولى بالنبوة ؟ ! بل كيف تسكتون عن هذه المنقصة لنبيكم ( صلى الله عليه وآله ) ؟ !
قلنا في المجلد الثاني من هذا الكتاب ( 2 / 221 ) : « وقد ألفوا في هذا الطعن المغطى في النبي ( صلى الله عليه وآله ) كتباً ، ونظموا أراجيز وسموها : موافقات عمر ، ومعناها موافقات الله تعالى لرأي عمر ولو بتخطئة رأي رسوله ( صلى الله عليه وآله ) !
ففي الأعلام : 2 / 63 : أبو بكر بن زيد بن أبي بكر الحسني الجراعي الدمشقي : نفائس الدرر في موافقات عمر ! وفي : 3 / 301 : من مؤلفات السيوطي : قطف الثمر في موافقات عمر ، وفي كشف الظنون : 2 / 1353 : شرح نظم الدرر في موافقات عمر للبدر الغزي . . . إلى آخره !
س 1 : لقد رفعتم عمر إلى درجة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! ثم رفعتموه فوق درجة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وفضلتموه عليه ! ثم انتقصتم شخصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) وطعنتم فيه لتمدحوا عمر !
ثم لم تكتفوا بذلك حتى تطاولتم على الله تعالى فقلتم إنه لم يفعل ما يجب ، أو لم ينتبه حتى نبهه عمر ، فأنزل آية في هذا الموضوع وذاك !
فهل بقي إلا أن تجعلوا عمر مكان الله تعالى ! فما رأيكم في هذا الغلو ؟ !

  • *
    --------------------------- 449 ---------------------------

9 . مسائل في تفضيل عمر على الأنبياء ( عليهم السلام )

( م 386 ) عصمة عمر عندهم أعلى من عصمة جميع الأنبياء ( عليهم السلام )

قال البخاري في صحيحه : 4 / 96 : « استأذن عمر على رسول الله ( ص ) وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن ، فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب ، فأذن له رسول الله ( ص ) ورسول الله يضحك ، فقال عمر : أضحك الله سنك يا رسول الله ؟ قال : عجبت من هؤلاء اللاتي كنَّ عندي فلما سمعنَ صوتك ابتدرنَ الحجاب ! قال عمر : فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يَهَبْنَ ، ثم قال : أيْ عدوات أنفسهن ، أتهبنني ولا تهبنَ رسول الله ؟ قلن : نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله ( ص ) ! قال رسول الله ( ص ) : والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجَّاً إلا سلك فجاً غير فجِّك » ( وكرره في : 4 / 199 و : 7 / 93 ) .
وما دام النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخبر بفرار الشيطان من عمر وعدم تأثيره عليه ، فهو معصومٌ من كل أنواع الذنوب ، بل هو أفضل من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! لأنهم رووا أن شيطان النبي ( صلى الله عليه وآله ) معه لا يهرب منه ، وأنه تصارع معه فأعانه الله عليه ! !
قال النووي في شرح مسلم : 15 / 165 : « وهذا الحديث محمولٌ على ظاهره أن الشيطان متى رأى عمر سالكاً فجّاً هرب هيبة من عمر ، وفارق ذلك الفج وذهب في فج آخر ، لشدة خوفه من بأس عمر أن يفعل فيه شيئاً ! قال القاضي : ويحتمل أنه ضرب مثلاً لبعد الشيطان وإغوائه منه ، وأن عمر في جميع أموره سالك طريق السداد خلاف ما يأمر به الشيطان والصحيح الأول » ( والديباج : 5 / 380 ) .
وقال ابن حجر في شرح البخاري : 7 / 38 : « فيه فضيلة عظيمة لعمر ، تقتضي أن الشيطان لا سبيل له عليه ، لا أن ذلك يقتضي وجود العصمة ، إذ ليس فيه إلا
--------------------------- 450 ---------------------------
فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها ، ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته ! فإن قيل : عدم تسليطه عليه بالوسوسة يؤخذ بطريق مفهوم الموافقة ، لأنه إذا منع من السلوك في طريق فأولى أن لا يلابسه بحيث يتمكن من وسوسته له ، فيمكن أن يكون حُفِظَ من الشيطان ، ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة له ، لأنها في حق النبي واجبة ، وفي حق غيره ممكنة .
ووقع في حديث حفصة عند الطبراني في الأوسط بلفظ : إن الشيطان لا يلقى عمر منذ أسلم إلا خرَّ لوجهه ، وهذا دل على صلابته في الدين ، واستمرار حاله على الجد الصرف والحق المحض » . ثم نقل كلام النووي ، وفي آخره : « والأول أولى ، بدل : والصحيح الأول » !
أقول : كلام ابن حجر تحريف من أجل التخفيف ! فقد رأى أن حديث بخاري يجعل عمر معصوماً بدرجة فوق درجة عصمة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! فأراد أن يخفف من وقعه فزعم أن ذلك لا يستلزم العصمة ، وأن فرار الشيطان منه لا يمنع أنه يحاول الوسوسة له من بعيد وهو هارب منه ! ثم اعترف بأن فراره منه ينفي إمكانية وسوسته أصلاً ، وقد قبل رواية أن الشيطان يخرُّ لوجهه إذا لقي عمر ! ومع ذلك تحايل في التأويل وقال هي عصمة جائزة ، وعصمة النبي ( صلى الله عليه وآله ) واجبة ! ولا مانع أن تكون العصمة الجائزة لغير النبي ( صلى الله عليه وآله ) أفضل من عصمته ! وهذا طعن صريح بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) وتلاعبٌ بالألفاظ من أجل عمر ! فيكفي لأي عاقل أن يقرأ زعمهم أن الشيطان يفر من عمر ويخر لوجهه ، ولا يفر من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا يخر على وجهه !
ولا ينفعهم أن علماء السلطة القرشية عصروا أدمغتهم من أجل عمر ، فجعلوا النبوة قسمين : نبوة واجبة على الله تعالى للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ونبوة ممكنة لعمر كادت تكون فعلية ! ( لو كان بعدي نبي لكان عمر ) !
--------------------------- 451 ---------------------------
ثم جعلوا العصمة قسمين : واجبة على الله للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ومستحبة لله وهي لعمر وقالوا إن الله تعالى أتقن عمله المستحب أكثر من عمله الواجب ، فخص عمر بأن الشيطان يهرب منه ويخرُّ لوجهه إذا لقيه ، ولم يقدم هذه المساعدة لخاتم أنبيائه وسيد رسله ( صلى الله عليه وآله ) بل تركه يغالب شيطانه وسلطه عليه حتى في صلاته !
قال ابن القيم في زاد المعاد : 1 / 268 : « وكان ( ص ) يصلي فجاءه الشيطان ليقطع عليه صلاته ، فأخذه فخنقه حتى سال لعابه على يده » ! وأفتى به في فقه السنة : 1 / 265 ، وصححه الألباني في تمام المنة / 304 ، قال : « وقد صح أن الشيطان أراد أن يفسد على النبي صلاته ، فمكنه الله منه وخنقه ، حتى وجد برد لعابه بين إصبعيه » ! والبيهقي : 2 / 264 وأحمد : 2 / 298 والبخاري . . .
س 1 : ما قولكم في تحايل علمائكم وتحبطهم في ترقيع تفضيل عمر على النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
قال الصالحي في سبل الهدى : 1 / 507 : « فإن قيل : لمَ سُلِّطَ عليه الشيطان أولاً ، وهلاَّ كان إذا سلك طريقاً هربَ الشيطان منه كما وقع لعمر بن الخطاب ؟ ! الجواب : أنه لما كان رسول الله معصوماً من الشيطان ومكره ، ومحفوظاً من كيده وغدره ، آمناً من وسواسه وشره ، كان اجتماعه به وهربه منه سيان في حقه ( ص ) ولما لم يبلغ عمر هذه الرتبة العلية والمنزلة السنية ، كان هرب الشيطان منه أولى في حقه ، وأيقن لزيادة حفظه ، وأمكن لدفع شره » !
لكن هل ينفع هذا التحايل بعد أن قبلوا أن الشيطان يهرب من عمر دون النبي ( صلى الله عليه وآله ) فنسبوا لله تعالى أنه عصم التابع بأفضل مما عصم به المتبوع ( صلى الله عليه وآله ) ؟ !

( م 387 ) تفضيل عمر على الله وسوله ( صلى الله عليه وآله ) !

في كنز العمال : 3 / 847 و 949 : « عن الأسود بن سريع قال : أتيت رسول الله ( ص ) ، فقلت : يا رسول الله إني قد حمدت الله ربي تبارك وتعالى بمحامد ، ومدح وإياك ، فقال رسول
--------------------------- 452 ---------------------------
الله : أما إن ربك يحب المدح ، هات ما امتدحت به ربك ، وما مدحتني به فدعه ، فجعلت أنشده فجاء رجل فاستأذن ، آدم طوال أصلع أعسر يسر ، فاستنصتني له رسول الله ( ص ) وصف أبو سلمة كيف استنصته ، قال كما يصنع بالهر فدخل الرجل ، فتكلم ساعة ثم خرج ، ثم أخذت أنشده أيضاً ، ثم رجع بعد فاستنصتني رسول الله ( ص ) وصفه أيضاً ، فقلت : يا رسول الله من ذا الذي تستنصتني له ؟ فقال : هذا رجل لا يحب الباطل هذا عمر بن الخطاب » ! ! ومجمع الزوائد : 8 / 219 .
أسئلة :
س 1 : هل تصدقون أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) يخاف من عمر ويهابه ؟ !
س 2 : هل تقبلون أن الله تعالى يحب المدح والثناء عليه من عباده حتى في الشعر ، لأن ذلك مصلحة لهم ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يحب مدح الله وثناءه بالشعر ، وعمر أتقى منه فهو لا يحب الباطل لأن الشعر باطل حتى لو كان ثناء على الله تعالى ؟ !

  • *

10 . مسائل في مزايدات عمر على النبي ( صلى الله عليه وآله )

( م 388 ) خمس مزايدات . . من عشرات !

قال المحامي أحمد حسين يعقوب في كتابه : المواجهة مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) / 378 ، ملخصاً : « كان عمر يزايد على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! ويتصور الغافلون أنه أحرص على الدين من الرسول نفسه ، وأفهم بالدين من الرسول نفسه ! وهذه نماذج من مزايداته :
1 - صلح الحديبية : الله سبحانه وتعالى هو الذي أخرج محمداً ( صلى الله عليه وآله ) للعمرة ، واختار الحديبية محطاً لرحاله ومركزاً لمفاوضاته مع بطون قريش ، وأعلمه أن المفاوضات ستنتهي بصلح الحديبية ، وهذا الصلح هو الفتح الحقيقي المبين ،
--------------------------- 453 ---------------------------
وهو يحقق الغاية التي سعى إليها محمد طوال مناوشاته وحربه مع بطون قريش ، وكفى بالله شهيداً على ذلك ، فهو الذي أمر نبيه بتوقيع الصلح .
مزايدة عمر : وصف عمر الصلح الذي رضيه الله ووقعه رسوله بأنه ( دنيَّة ) حيث قال عمر لرسول الله : فعلام نعطي الدنية في ديننا ! راجع المغازي : 2 / 606 فقال الرسول : أنا رسول الله ولن يضيعني ! وجعل عمر يرد الكلام على رسول الله ويصف الصلح بأنه ( دنية ) وقاد حملة رهيبة من التشكيك بصحة عمل رسول الله ! وأخذ ينفرد بأصحاب الرسول ويقول لهم إن محمداً وعدنا أن ندخل الكعبة ، ويحاول أن يستقطب الصحابة ضد الرسول ، لعله ينجح بإفشال الصلح الذي عقده النبي مع قريش ، ويكسر كلمة رسول الله ! ومع أن حملته بالتشكيك قد هزت الثقة برسول الله إلى حين ، إلا أنه فشل بتكوين قوة قادرة على إجهاض الصلح ! وقد اعترف عمر فيما بعد فقال : ارتبت ارتياباً لم أرتبه منذ أسلمت إلا يومئذ ، ولو وجدت شيعة تخرج عنهم رغبة عن القضية لخرجت ! راجع الواقدي : 2 / 607 .
ولم يتوقف عمر عن حملته بالتشكيك إلا بعد أن أقبل عليه رسول الله فقال : أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم . ( الواقدي : 2 / 609 ) فكأن الرسول الأعظم يعيد بهذه التذكيرات الحجم الحقيقي لعمر ، ويقول له : أنت الذي تدعو للحرب فرَّيت في المعركة وتركتني !
2 - مزايدة أخرى في صلح الحديبية :
جاء أبو جندل ابن سهل بعد توقيع الاتفاق ، وعملاً بالاتفاق يتوجب إعادته إلى قريش ، واحتج عمر بأنه لا ينبغي إعادته ، ولكن الاتفاق واضح ، فقال
--------------------------- 454 ---------------------------
الرسول لأبي جندل : إصبر واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك فرجاً ومخرجاً ، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً ، وأعطيناهم وأعطونا على ذلك عهداً ، وإنا لا نغدر . واقتنع أبو جندل . راجع المغازي للواقدي : 2 / 608
وبعد أن أغلقت دائرة البحث في هذا الموضوع قال عمر لأبي جندل : أبوك رجل وأنت رجل ومعك السيف فاقتل أباك ! وكان هدف عمر أن ينقض أبو جندل على سهيل بن عمرو ويقتله وهو في حضرة الرسول وجواره ، وهو سفير البطون ! وليضفي عمر على هذا التحريض طابعا دينياً وبطولياً قال عمر لأبي جندل : إن الرجل يقتل أباه في الله . وفطن أبو جندل لأسلوب عمر بالمزايدة فقال لعمر : مالك لا تقتله أنت يا عمر ؟ فقال عمر : نهاني رسول الله عن قتله ، وعن قتل غيره ! راجع المغازي للواقدي : 2 / 609 ولعل هذا هو السر الذي لم يقتل فيه عمر أحداً من المشركين طوال تاريخ دولة النبي !
وهدأت العاصفة التي أثارها عمر ؟ تدخل أبو بكر صديقه الحميم ، وتدخل أبو عبيدة ، وطلبا من عمر أن يمارس ضبط النفس ، فهو أمام رسول !
وبعد أن أخفق بجمع الأعوان ليلغي ما أوجده الرسول ويحل ما ربطه ، وبعد أن وزع الشك بالرسول وشكك به ! قال الرسول لأم سلمة : عجباً يا أم سلمة إني قلت للناس انحروا واحلقوا وحلوا مراراً ، فلم يجبني أحد من الناس ، وهم يسمعون ! راجع المغازي للواقدي : 2 / 613
في مرحلة المفاوضات التي سبقت إبرام معاهدة الصلح طلب رسول الله من عمر أن يذهب إلى قريش ويبلغها أن الرسول ليست لديه نوايا ضدها ، وأن غايته ( نذبح الهدي وننصرف ) فرفض عمر طلب الرسول وقال له ( إني أخاف قريش على نفسي وقد عرفت قريش عداوتي لها ، وليس بها من بني عدي من
--------------------------- 455 ---------------------------
يمنعني . الخ راجع المغازي للواقدي : 2 / 600 ومع هذا فإن الرجل الذي لا يقوى أن يكون سفيراً لتبليغ جملة واحدة ، ويدعو للحرب !
احتمالات لو نجحت حملة عمر بالتشكيك بالنبي : ولو نجح باستقطاب العدد الذي يراه من الصحابة لإجبار الرسول على إلغاء الاتفاقية بالقوة ، وجر من معه إلى حرب مع قريش فالمؤكد أن عمر لا يحسن الحرب ، ولا يحبها إنما كان يزاود !
ولو نجح عمر بإقناع أبي جندل بقتل أبيه سهيل بن عمرو في حضرة الرسول أو في معسكره لكان في ذلك إحراجاً هائلاً لرسول الله ، ولتقولت قريش بأن الرسول قد قتل كبير مفاوضيها وغدر به وهو في رحابه ، ولأدت هذه التقولات إلى نتائج خطيرة ! ولكن عمر قد لا يقصد ذلك يريد أن يقنع الصحابة بأنه أحرص على الإسلام من الرسول نفسه ! وأن يشكك بكلام الرسول !
3 - أحجب نسائك يا محمد !
روى البخاري في صحيحه ( 1 / 69 ) ما يلي وبالحرف : عن عائشة أن أزواج النبي ( صلى الله عليه وآله ) كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصح وهو صعيد أفيح ، فكان عمر يقول للنبي أحجب نساءك ، فلم يكن رسول الله يفعل ، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي ليلة من الليالي عشاء ، وكانت امرأة طويلة فناداها عمر : ألا قد عرفناك يا سودة ! حرصاً أن ينزل الحجاب ، عندئذ أنزل الله آية الحجاب !
المشكلة الحقيقية أن الرواة يتصرفون بالوقائع والأحداث ليعطوا الرجل دائماً دور البطولة في كل مزايدة ! ولا يجدون غضاضة ولا حرجاً لو أعطوه هذا الدور حتى على حساب رسول الله !
--------------------------- 456 ---------------------------
فما هي علاقة عمر بزوجة رسول الله ؟ وهل هو أكثر غيرة من الرسول أو معرفة للصواب من الخطأ منه ؟ وهل يترقب الوحي إشارة من عمر ! أو توجيهاً منه لمواقع الخطأ في المجتمع ؟ ! شهد الله أن هذه التصورات لا تطاق !
4 - بشرى للموحدين :
لما أتم رسول الله هدم أوكار الشرك ، وتشجيعاً للناس على الدخول في دائرة التوحيد والاطمئنان فيها ، أمر النبي أبا هريرة أن يبشر من لقية مستيقناً قبله بشهادة لا إله إلا الله بالجنة ، فكان أول من لقيه عمر ، فلما بشره أبو هريرة ضربه عمر بيده بين ثدييه فأسقطه على الأرض ، وقال له إرجع ! فرجع أبو هريرة إلى رسول الله فقال له الرسول ما لك يا أبا هريرة ؟ فقال أبو هريرة : لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين ثديي ضربة فخررت لإستي ! فقال النبي إرجع . ودخل عمر فقال له الرسول : ما حملك على ما فعلت ؟ فقال عمر : لا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها ؟ راجع صحيح مسلم : 1 / 44 والغدير : 6 / 176 وسيرة عمر لابن الجوزي / 38 . .
والكارثة حقيقة أن النووي والقاضي عياش يرون أن الصواب كان في جانب عمر ! قال النووي : إن الإمام الكبير مطلقاً إذا رأى شيئاً ، ورأى بعض أتباعه خلافه ، ينبغي للتابع أن يعرضه على المتبوع ، فإذا ظهر له أن ما قاله التابع هو الصواب رجع المتبوع إليه ! أي يرجع الرسول لعمر بهذه الحالة . شرح النووي : / 404
وهنا تكمن الكارثة فقد فعلت إشاعات قادة التحالف فعلها ! فهم يعتقدون أن الرسول لا يتلقى الوحي إلا بالقرآن وحده ، وما عدا القرآن فهو يتصرف به من تلقاء نفسه ( وعلى ذراعه ) !
--------------------------- 457 ---------------------------
ولقد أكد الرسول مراراً وتكراراً لعمر ولحزبه ، بأنه لا يخرج من فمه إلا حق وأقسم على ذلك ! لكن لا عمر ولا حزبه ولا شيعتهم يصدقون رسول الله في هذه الناحية ، لأنها تتعارض مع إشاعاتهم ! ولأن الناس إذا صدقوها ستخرب كل خطط التحالف المستقبلية !
فعندما ذكر عبد الله بن عمرو بن العاص نهي قريش ( قادة التحالف ) له عن كتابة كلما يسمعه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بدعوى أنه يتكلم في الغضب والرضا ! أومأ الرسول بإصبعه إلى فمه وقال : أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق ! راجع سنن الدارمي : 1 / 125 وأبي داود : 2 م 126 ومسند الإمام أحمد : 2 / 162 و 207 و 216 ومستدرك الحاكم : 1 / 105 و 106 وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر / 1 / 85
ومن الطبيعي أن يحاط عمر علماً بما قاله الرسول ، ولكن مثل عمر يحتاط ، ولا يصدق ذلك ! لأن ذلك يتعارض مع الإشاعات التي أطلقها هو وحزبه للتشكيك بقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، تمهيداً لإجهاض الترتيبات الإلهية لعصر ما بعد النبوة ، حيث كان يرى أن هذه الترتيبات ليست لمصلحة الإسلام .
تماماً كما كان يرى أن صلح الحديبية الذي أمر الله به ورضيه رسوله ( دنية ) في الدين ! إنه رجل مؤمن محتاط لدينه ، وإيمانه واحتياطه يخرج عن دائرة المعقول !
5 - المزايدة العظمى :
الرسول على فراش المرض ، وقد خُيِّر فاختار ما عند الله ، وأطلع الأمة بأنه سيموت في مرضه هذا ، فأراد أن يلخص الموقف لأمته .
ويبدو أن الرسول الكريم قد حدد وقتاً لكتابة وصيته ، ويبدو أيضاً أن عمر بن الخطاب قد أحيط علماً بالوقت الذي حدده الرسول لكتابة وصيته ، وهذا هو الذي دفع عمر لحشد أعوانه ، الذين يرون رأيه ليتواجدوا في بيت الرسول
--------------------------- 458 ---------------------------
بالوقت المحدد لكتابة الوصية ، ويبدو أن عمر قد أحيط علماً بمضمون الوصية من العدد الذي أعلمه بموعد عزم الرسول على كتابتها !
فجمع عمر ثلة من حزبه وذهبوا إلى بيت الرسول كعواد ، وكأنهم لا علم لهم بموعد كتابة الوصية ولا بمضمونها ، فجلسوا كعواد وزوار للرسول فقال الرسول : قربوا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً !
وعلى الفور تصدى له عمر وقال إن الرسول قد غلبه الوجع ، وعندنا كتاب الله حسبنا كتاب الله ! هذا هو القول الملطف !
أما في الحقيقة كما يروي أبو حامد الغزالي وابن الجوزي : إنه ما أن أتم رسول الله كلامه حتى تصدى له عمر وقال : إن الرسول يهجر ، وعندنا كتاب الله حسبنا كتاب الله ! وعلى الفور قال الحاضرون من حزب عمر : القول ما قاله عمر ، إن الرسول يهجر ، حسبنا كتاب الله ! فصعق الحاضرون من غير حزب عمر من هول ما سمعوا ، ولم يصدقوا آذانهم ، وطلبوا إحضار الكتف والدواة !
ولكن عمر وحزبه أصروا على عدم إحضار الكتف ، وأكثروا اللغط والتنازع وكرروا أقوالهم السابقة بأن الرسول قد هجر ويهجر . الخ !
فقدر الرسول أن الكتابة بهذا المناخ ليست مناسبة ، وعقب فقال : ولا ينبغي عندي تنازع ، ما أنا فيه خير مما تدعوني إليه ، قوموا عني !
وهكذا نجح عمر وحزبه بالحيلولة دون رسول الله وكتابة ما أراد !
وقد تناولنا هذه الحادثة المفجعة في كتابنا نظرية عدالة الصحابة وكتابنا الخطط السياسية لتوحيد الأمة الإسلامية .
حادثة لا مثيل لها في التاريخ البشري : الرسول على اتصال دائم مع الوحي ، وهو رئيس الدولة ، ما زال رئيساً ، وما زال نبياً ، وهو يجلس في بيته لا في بيت عمر ،
--------------------------- 459 ---------------------------
ولا في بيت أحد من حزب عمر ، وهو مريض ويريد أن يكتب وصية قبل أن يتوفى ، تماماً كما فعل أبو بكر ، وكما فعل عمر نفسه ، وكما يفعل أي مسلم ، أو أي إنسان ! فَمَن الذين جعل عمر وصياً على الرسول ، ونائباً عن المسلمين حتى يكسر هو وحزبه خاطر النبي الشريف فيقول له : أنت تهجر وعندنا القرآن ، وهو يكفينا ويردد حزبه هذه المقولة في مقام النبي الأعظم !
هل هو مسلم حقاً من يقول مثل هذه الألفاظ النابية لرسول الله ؟ !
كيف يعتذرون عن هذه الحادثة ، كيف يبررونها ؟ !
هل عمر أحب إليهم من رسول الله ؟ ! بئس للظالمين بدلاً !
لقد صار التحالف المكون من بطون قريش مهاجرها وطليقها ، ومن منافقي المدينة وما حولها من الأعراب ، ومن المرتزقة ، دولة حقيقية برئاسة عمر وأبي بكر وبقية قادة التحالف ، بيدها السلطة الفعلية والنفوذ ، ولكن بدون إعلان !
دولة تؤمن بأن القرآن جاءها عن طريق الرسول ، وأن محمداً رسولٌ بلغ القرآن وانتهى دوره ، وكل ما قاله ويقوله لا يقدم ولا يؤخر ، لأن القرآن وحده يكفي !
أقول : لا يمكنك أن تفهم حقيقة الأمر حتى تعرف سبب مزايدات عمر وهدفه منها ؟ ! فقد كان عمر يرى أن الفرصة جاءت للمسلمين في الحديبية ليدخلوا مكة بالقوة ويقتلوا قادة قريش ويحكموا مكة ! فقد كانت الحديبية في السنة السابعة للهجرة ، بعد انتصار المسلمين على قريش في بدر ، وتعادلهم معها في أحد ، ثم انتصارهم عليها وعلى الأحزاب ، وهزيمتهم لليهود وإجلائهم من ضواحي المدينة .
--------------------------- 460 ---------------------------
وهم الآن على أبواب مكة بألف وأربع مئة مقاتل ، وقد خافت منهم قريش ، ولا شك أنها ستنهزم إن قاتلتهم ، فلماذا الضعف وتحمل إذلال قريش القديم للمسلمين ، وإعطاؤهم ( الدنية ) في الدين ؟ !
لكن من أعطى لعمر هذا الحق بأن يفكر للمسلمين ويقرر لهم ؟
فجوابه أنه أحد قادتهم وله الحق في ذلك .
وما هو موقع النبي ( صلى الله عليه وآله ) إذن ؟
جوابه : أنه نبي لكن يجب تنبيهه إلى الأمر والإصرار عليه ! فإن لم يقبل فيجب تحريك المسلمين ضده ، وفرض الأمر الواقع عليه وإجباره على قتال المشركين وفتح مكة !
ولكن النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول إن ربه أمره بالصلح ولو كان فيه تنازل للمشركين !
وجواب عمر أن هذا اجتهاده وليس وحياً ، وعلينا أن نفرض عليه اجتهادنا !
والسؤال : ألا تخاف أن يغضب النبي عليك ؟ ! وجوابه : كلا ، فحتى لو غضب فإنه لا يتخذ إجراء ضد أصحابه ، ثم يرضى بعدها !
وتسأله : ألا ترى أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) يواصل مفاوضته مع سهيل ويريد توقيع الصلح ؟ وجوابه : يجب العمل لمنع توقيع الصلح ، ثم العمل لنقضه حتى لو وقعه النبي ، فهذه فرصة لأن ندخل مكة فاتحين ، ونرى زعماء قبائل قريش قتلى أو أسرى أذلاء !
ثم تسأله : وهل أنت من أهل الحرب حتى تدعو إليها ؟ وجوابه أن المسلمين أهل حرب وقتال ، وأنه هو من كبار أصحاب نبيهم .
ومهما وجهت إلى عمر من أسئلة فرضها تصرفه الغريب ، فلها عنده جواب !
--------------------------- 461 ---------------------------
والنتيجة أن النبي يرى وأنا أرى ، ولا يجب أن ألتزم برأيه فلست من عباد محمد ! وليس كل ما يقول إنه وحي من ربه هو وحي ، بل حتى لو كان وحياً ، فالمجال مفتوح للرأي الآخر !
هذا هو تفكير عمر بن الخطاب العدوي ، الذي كان شخصاً مغموراً في مكة فدخل قبيل الهجرة في الإسلام ، وتدخل في عمل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتصدى للأمور السياسية والقيادية إلى جانبه فكان أجرأ الناس عليه ، بل انتقد قيادته في أحد وقال : « لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شَيئٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا » وها هو في الحديبية على مقربة من مكة يحلم بالدخول إليها قيادياً فاتحاً ، ويفرح بذلة زعماء قبائلها وصعود نجم بني عدي الذين طردوهم من مكة لما سرقوا بعيراً فسكنوا في خيم عند صخور الحثمة !
أما المسلم لربه تعالى حق الإسلام ، والمسلِّم لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) حق التسليم ، فترتعد فرائصه من أفكار عمر ، ولا يسمح لنفسه أن تخطر بباله فضلاً عن أن يتخاذها مسلكاً ومنهجاً ، لأنه يؤمن بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) معصوم مسدد من ربه : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ! وأن الله لم يرسله إلا ليطاع : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ . ولأن الله أمره بالخصوص بطاعة الرسول حرفياً فقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ » !
س 1 : لو كانت هذه المزايدات مرة واحدة لقلتم إنها اشتباه أو اجتهاد ، لكن تعددها يكشف عن منهج عند صاحبها وحالة في شخصيته ، فما تقولون ؟ !

  • *
    --------------------------- 462 ---------------------------

11 . مسائل بين النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعمر :

( م 389 ) المرة الوحيدة التي ذهب النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيها إلى بيت عمر !

المرة الوحيدة التي ذهب النبي إلى بيت عمر ، كانت قرب وفاته ( صلى الله عليه وآله ) ! فقد روى في الدر المنثور : 3 / 155 ، عن عمر بن الخطاب قال : « أتاني رسول الله وأنا أعرف الحزن في وجهه ، فأخذ بلحيتي ! فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أتاني جبريل آنفاً فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ! قلت : أجل فإنا لله وإنا إليه راجعون ، فما ذاك يا جبريل ؟ فقال : إن أمتك مفتتنة بعدك بقليل من الدهر غير كثير ! قلت : فتنة كفر أو فتنة ضلالة ؟ قال كل ذلك سيكون ! قلت ومن أين ذاك وأنا تارك فيهم كتاب الله ؟ قال بكتاب الله يضلون ! وأول ذلك من قبل قرائهم وأمرائهم ! يمنع الأمراء الناس حقوقهم لا يعطونها فيقتتلون ، وتتبع القراء أهواء الأمراء فيمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ! قلت : يا جبريل فيم يسلم من سلم منهم ؟ قال بالكف والصبر ، إن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه »
س 1 : من الواضح أن القضية التي جاء من أجلها النبي ( صلى الله عليه وآله ) كبيرة وخطيرة على مستوى الأمة ، وأنه جاء ليتم الحجة على عمر ، فأخذ بلحيته وحذره !
والغريب أن عمر يروي الحادثة وكأنها خبر طبيعي وأمر سيقع ولا يخصه ! ويزعم أن علاج هذه الفتنة بصبر الناس على ظلم أمرائهم وانحراف علمائهم !
فكيف تفسرون هذه الحادثة ، وهذا الإقرار ، وهذه التعمية لها من عمر ؟ !
--------------------------- 463 ---------------------------

( م 390 ) آخر ما قاله النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعمر

في سيرة ابن كثير : 4 / 457 ، أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) خطب في مرض وفاته : « فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله إني لمنافق وإني لكذوب وإني لنؤوم ! فقال عمر بن الخطاب : ويحك أيها الرجل ، لقد سترك الله لو سترت على نفسك ! فقال رسول الله ( ص ) : مه يا بن الخطاب ! فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة ! اللهم ارزقه صدقاً وإيماناً وأذهب عنه النوم » .
س 1 : هل يدل هذا الحديث على أن عمر يفضل فضوح الآخرة على فضوح الدنيا ؟ !

( م 391 ) سلم عمر مراراً فلم يجبه النبي ( صلى الله عليه وآله ) !

في البخاري ( 6 / 153 ) عن ابن عباس قال : « أصبحنا يوماً ونساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) يبكين عند كل امرأة منهن أهلها فخرجت إلى المسجد فإذا هو ملآن من الناس ، فجاء عمر بن الخطاب فصعد إلى النبي ( ص ) وهو في غرفة له ، فسلم فلم يجبه أحد ، ثم سلم فلم يجبه أحد ، ثم سلم فلم يجبه أحد ! فناداه فدخل على النبي ( ص ) فقال : أطلقت نساءك ؟ فقال : لا ولكن آليت منهن شهراً . فمكث تسعاً وعشرين ثم دخل على نسائه » والنسائي : 6 / 166 ، و : 3 / 367 .
وبعد موقف عمر في الحديبة لم يكلمه النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى في طريق عودته وسلم ولم يرد عليه ! ففي الدر المنثور : 6 / 68 : « أخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن حبان وابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال : كنا مع رسول الله ( ص ) في سفر فسألته عن شئ ثلاث مرات ، فلم يرد عليَّ فقلت في نفسي : ثكلتك أمك يا ابن الخطاب نزرت رسول الله ثلاث مرات فلم يرد عليك ! فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل فيَّ القرآن ، فما نشبت أن سمعت صارخاً يصرخ بي فرجعت وأنا أظن أنه في شئ ، فقال النبي ( ص ) : لقد أنزلت عليَّ الليلة
--------------------------- 464 ---------------------------
سورة أحب إلى من الدنيا وما فيها : إنا فتحنا لك فتحاً مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر » .
وكذلك سلم هو وأبو بكر على فاطمة ( عليها السلام ) فلم ترد عليهما السلام ! ففي الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 1 / 20 : « فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما ، فأتيا عليا فكلماه فأدخلهما عليها ، فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام ، فتكلم أبو بكر فقال . . . » .
وفي علل الشرائع : 1 / 187 : « سلما عليها فلم ترد عليهما وحولت وجهها عنهما » !
س 1 : اتفق الفقهاء على وجوب رد السلام على المسلم ، فبماذا تفسروه عدم رد النبي ( صلى الله عليه وآله ) وفاطمة الزهراء ( عليها السلام ) السلام على عمر وأبي بكر ؟ !

( م 392 ) اعترض ذو الخويصرة وعمر على النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حنين !

روى المسلمون أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما قسم غنائم هوازن بعد معركة حنين ، اعترض عليه مؤسس مذهب الخوارج ورئيسهم زهير بن حرقوص التميمي ، وقال له : إعدل يا محمد ! فوالله إنها قسمة ما أريد بها وجه الله !
فأجابه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأخبر أنه وأصحابه يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، وأنهم شر الخلق والخليقة ، يقتلهم خير الخلق والخليقة وأقربهم إلى الله وسيلة ! ( فتح الباري : 12 / 253 ) . وقد قتلهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
قال البخاري : 4 / 60 : « قال رجل والله إن هذه القسمة ما عدل فيها ، وما أريد بها وجه الله ! فقلت والله لأخبرن النبي ( ص ) فأتيته فأخبرته فقال : فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر » !
--------------------------- 465 ---------------------------
وفي البخاري : 8 / 52 : « فقال : ويلك من يعدل إذا لم أعدل ! » .
واعترفوا بأن عمر أيضاً اعترض على النبي ( صلى الله عليه وآله ) يومها ! ففي مسند أحمد : 1 / 20 ، عن عمر قال : « قسم رسول الله ( ص ) قسمة فقلت يا رسول الله لغير هؤلاء أحق منهم ، أهل الصفة ! قال فقال رسول الله ( ص ) : إنكم تخيروني ، إنكم تسألوني بالفحش ، وبين أن تبخلوني ولست بباخل » !
س : ما لفرق بين اعتراض حرقوص رئيس الخوارج واعتراض عمر ؟ !

( م 393 ) عاش النخل الذي غرسه النبي ( صلى الله عليه وآله ) والصحابة إلا نخلة عمر !

ويناسب هنا أن الله تعالى جعل البركة في يد النبي ( صلى الله عليه وآله ) وسلبها من يد عمر ، فقد روى الحاكم ( 5 / 354 ) وصححه الذهبي ، أن سلمان الفارسي ( رحمه الله ) كان استعبده اليهود « فاشتراه رسول الله ( ص ) بكذا وكذا درهماً وعلى أن يغرس نخلاً فيعمل سلمان فيها حتى يطعم ، قال : فغرس رسول الله ( ص ) النخل إلا نخلة واحدة غرسها عمر فحملت النخل من عامها ولم تحمل النخلة ، فقال رسول الله ( ص ) ما شأن هذه ؟ قال عمر : أنا غرستها يا رسول الله قال فنزعها ( فقلعها ) رسول الله ( ص ) ثم غرسها فحملت من عامها » ! وأحمد : 5 / 354 ، والاستيعاب : 2 / 635 والبيهقي : 10 / 321 ، والحاكم : 2 / 16 ، وتاريخ دمشق : 21 / 395 ، والتمهيد : 3 / 99 .
س 1 : بماذا تفسرون هذا الحديث المتواتر في سلب البركة من يد عمر ؟ !

( م 394 ) خالف النبي ( صلى الله عليه وآله ) وابتدع التراويح وقال : نعمت البدعة !

فقد أراد المسلمون أن يأتموا بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) في قيام شهر رمضان فنهاهم ، لأنه لا جماعة في النوافل ، لكن عمر ابتدع ذلك وأمرهم به !
--------------------------- 466 ---------------------------
قال في المواجهة مع رسول الله / 422 : « كان الرسول يقيم ليالي رمضان ويؤدي سننها بغير جماعة ، والناس يفعلون كما كان الرسول يفعل ، وجاء عهد أبي بكر وكل واحد من المسلمين يقوم شهر رمضان ويصلي منفرداً . وبعد أن مات أبو بكر وآلت مقاليد الأمور إلى عمر بن الخطاب وفي سنة 14 هجرية أي بعد سنة من وفاة أبي بكر ، دخل المسجد فرأى الناس بين قائم وراكع وساجد وقارئ ومسبح ، ومحرم بالتكبير ، فاستاء من هذا المنظر ورأى أنه غير مناسب وفيه خلل كبير ! لذلك أصدر أوامره أن يصلي الناس التراويح جماعة ، وليس كما كانوا يصلونها في زمن رسول الله وأبي بكر ! وعين إماماً للرجال وآخر للنساء ! راجع الكامل لابن الأثير : 3 / 31 والطبقات الكبرى لابن سعد : 3 / 81 راجع صحيح مسلم باب الترغيب في قيام رمضان ، و : 2 / 177 وصحيح البخاري : 2 / 251 وموطأ مالك : 1 / 113
ولما شاهد عمر الناس على هذه الحال ارتاحت نفسه وقال : نعمت البدعة ! راجع ج 5 / 4 من إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري ، وراجع روضة الناظرين لابن شحنة بهامش الكامل حيث قال إن عمر أول من جمع الناس على إمام يصلي بهم التراويح ، وراجع تاريخ الخلفاء للسيوطي ، والكامل لابن الأثير : 3 / 31
هكذا تدخل عمر في العبادات أيضاً ، ورأى أن سنة رسول الله التي قضت بأن يصلي كل واحد من المسلمين منفرداً ، ويقوم رمضان بدون جماعة ، أمر لم يعد مقبولاً ولا مناسباً ، لذلك حمل الناس على ترك سنة الرسول الفعلية التي كلفت المسلم بأن يقوم رمضان منفرداً ، إلى اتباع رأيه الشخصي الذي يرى أن جمع التراويح أنسب ! وبالفعل ترك الناس سنة رسول الله وأطاعوا عمر بن الخطاب واتبعوا رأيه الشخصي لأنه رأي الدولة الحاكمة » !
قال في جواهر الكلام : 13 / 140 : « كما أنها لا تجوز في شئ من النوافل على المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً ، بل في الذكرى نسبته إلى ظاهر المتأخرين بل في
--------------------------- 467 ---------------------------
المنتهى والتذكرة وعن كنز العرفان الإجماع عليه ، بل يظهر من السرائر في صلاة العيد أنه من المسلمات ، للنصوص المستفيضة ، منها صحيح زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل ، الذي هو في أعلى درجات الصحة ، سألوا أبا جعفر الباقر وأبا عبد الله الصادق ( عليهما السلام ) عن الصلاة في شهر رمضان نافلة بالليل في جماعة ، فقال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان إذا صلى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله ، ثم يخرج من آخر الليل إلى المسجد فيقوم فيصلي ، فخرج في أول ليلة من شهر رمضان ليصلي كما كان يصلي فاصطف الناس خلفه فهرب منهم إلى بيته وتركهم ، ففعلوا ذلك ثلاث ليال فقام في اليوم الثالث على منبره فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة ، وصلاة الضحى بدعة ، ألا فلا تجتمعوا ليلاً في شهر رمضان لصلاة الليل ، ولا تصلوا صلاة الضحى فإن تلك معصية ، ألا وإن كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة سبيلها إلى النار ، ثم نزل وهو يقول : قليل في سُنَّة خير من كثير في بدعة .
ومنها موثق عمار عن الصادق ( عليه السلام ) سألته عن الصلاة في رمضان في المساجد فقال : لما قدم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الكوفة أمر الحسن بن علي ( عليهما السلام ) أن ينادي في الناس لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة ، فنادى في الناس الحسن بن علي بما أمره به أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فلما سمع الناس مقالة الحسن بن علي صاحوا : وأسنة عمراه ، وا عمراه ، وا عمراه ! فلما رجع الحسن إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال له : ما هذا الصوت ؟ قال : يا أمير المؤمنين الناس يصيحون : وا عمراه وا عمراه ! فقال له أمير المؤمنين : قل لهم صلوا !
ومنها خبر سليم بن قيس الهلالي قال : خطب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فحمد الله وأثنى عليه ثم صلى على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم قال : ألا إن أخوف ما أخاف عليكم خلتان :
--------------------------- 468 ---------------------------
اتباع الهوى وطول الأمل - إلى أن قال - : قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) متعمدين لخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيرين لسنته ! ولو حملت الناس على تركها لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أو في قليل من شيعتي - إلى أن قال - : والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي يا أهل الإسلام غيرت سنة عمر ، نهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعاً ، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ! ولعله ظاهر في بدعة الاجتماع في مطلق النوافل التي منها نوافل شهر رمضان ، ولا ينافيه مناداتهم بالنهي عن التطوع فيه بعد أن كان مورد عمومه ذلك » .
وقال الشريف المرتضى في الإنتصار / 167 : « قال مالك : قال وكان ربيعة وغير واحد من علمائنا ينصرفون ولا يقومون مع الناس . وقال مالك : وأنا أفعل ذلك وما قام النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلا في بيته . وقال الشافعي : صلاة المنفرد في قيام شهر رمضان أحب إليَّ ، وهذا كله حكاه الطحاوي في كتاب الاختلاف ، فالموافق للإمامية في هذه المسألة أكثر من المخالف ، والحجة لها : الإجماع المتقدم وطريقة الاحتياط ، فإن المصلي للنوافل في بيته غير مبدع ولا عاص بالإجماع ، وليس كذلك إذا صلاها في جماعة ! ويمكن أن يعارضوا في ذلك بما يروونه عن عمر بن الخطاب من قوله وقد رأى اجتماع الناس في صلاة نوافل شهر رمضان : بدعة ونعمت البدعة فاعترف بأنها بدعة وخلاف السنة ، وهم يروون عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار » ! والخلاف : 1 / 529 ، والمعتبر : 2 / 370 .
--------------------------- 469 ---------------------------
وفي سبل السلام للكحلاني : 2 / 10 : « فأما الجماعة فإن عمر أول من جمعهم على إمام معين وقال : إنها بدعة ، كما أخرجه مسلم في صحيحه ، وأخرجه غيره من حديث أبي هريرة : أنه ( ص ) كان يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول : من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه . قال : وتوفي رسول الله ( ص ) والأمر على ذلك ، وفي خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر . زاد في رواية عند البيهقي : قال عروة : فأخبرني عبد الرحمن القارئ أن عمر بن الخطاب خرج ليلة فطاف في رمضان في المسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : والله لأظن لو جمعناهم على قارئ واحد ، فأمر أبي بن كعب أن يقوم بهم في رمضان فخرج عمر والناس يصلون بصلاته فقال عمر : نعم البدعة هذه ، وساق البيهقي في السنن عدة روايات في هذا المعنى . واعلم أنه يتعين حمل قوله بدعة على جمعه لهم على معين وإلزامهم بذلك ، لا أنه أراد أن الجماعة بدعة فإنه ( ص ) قد جمع بهم كما عرفت » . وموطأ مالك : 1 / 167

( م 395 ) كبَّر النبي ( صلى الله عليه وآله ) على الجنائز خمساً وجعلها عمر أربعاً !

قال المحامي أحمد حسين يعقوب في المواجهة مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) / 423 : « استقرت سنة رسول الله الفعلية بأن على الجنازة خمس تكبيرات ، وانتقل الرسول إلى جوار ربه والناس على هذه الحالة . ولما تسلم عمر بن الخطاب خلافة المسلمين رأى أن الخمس تكبيرات التي سنها رسول الله ليست مناسبة ، وأن الأفضل أن يكبر الناس أربع تكبيرات على الجنازة بدلاً من الخمس تكبيرات التي كان يكبرها الرسول ، واستخف الناس بالفعل فأطاعوه ، وقايضوا سنة رسول الله برأي عمر
--------------------------- 470 ---------------------------
بن الخطاب الشخصي ، راجع روضة الناظر لابن شحنة بهامش الكامل : 1 / 203 ، والكامل في التاريخ لابن الأثير : 3 / 31 ، والغدير للأميني : 6 / 45 والإصابة لابن حجر : 2 / 22 ، ومسند أحمد بن حنبل : 5 / 406 . وهكذا ألغيت سنة رسول الله الفعلية في صلاة الجنازة وحل محلها رأي عمر بن الخطاب الشخصي » . !
أقول : كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يكبر خمساً على المؤمن وأربعاً على المنافق ، لأن الدعاء للميت بعد التكبيرة الخامسة . فجعل عمر الصلاة على جنائز كل المسلمين صلاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) على المنافقين !
س 1 : هل رويتم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كبَّر على الجنازة خمساً ، وكيف تقبلون أن يجعل عمر التكبير على جنائزكم أربعاً كما كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يكبر على المنافقين ؟ !

( م 396 ) أذَّن رسول الله بحي على خير العمل وحذفها عمر !

قال المحامي أحمد حسين يعقوب في المواجهة مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) / 423 : « الثابت عن أهل بيت النبوة أن جبريل هبط على رسول الله بالأذان ، وأن جبريل قد أذن وأقام وعندها أمر رسول الله عليا بأن يدعو له بلالاً فعلمه رسول الله الأذان وأمره به كما جاء به جبريل ، وسائل الشيعة للحر العاملي الصلاة باب من أبواب الأذان والإقامة ، والخلاصة أن جملة ( حي على خير العمل ) جزء لا يتجزأ من الأذان الذي تلقاه الرسول من ربه ، وطوال عهد الرسول كانت هذه الجملة ، هذا ما تعلمه أولياء أهل بيت النبوة من الأئمة الكرام ، وقد اعترف الكثير من شيعة الحكام بأن هذه الجملة كانت من الأذان . راجع سنن البيهقي : 1 / 524 - 525 والسيرة الحلبية : 2 / 105 ومقاتل الطالبين / 297 ، وميزان الاعتدال للذهبي : 1 / 139 ، ولسان الميزان : 1 / 168 ونيل الأوطار للشوكاني : 2 / 32 ، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد : 3 / 276 وكنز العمال : 4 / 66
ولما تسلم عمر بن الخطاب الخلافة حذف هذه الجملة لأنها غير مناسبة !
--------------------------- 471 ---------------------------
راجع القوشجي آخر بحث الإمامة من شرح التجريد / 484 وكنز العرفان : 2 / 158 والغدير للأميني : 6 / 213 والنص والاجتهاد للإمام العاملي / 199 .
أسئلة :
س 1 : رويتم أن عبد الله بن عمر كان يؤذن بحي على الخير العمل ويقول هو الأذان الأول ، فلماذا لا تقبلون شهادته ؟ !
س 2 : ما تقولون في تناقض عمر حيث فضل التجارة على الجهاد ، ثم حذف حي على خير العمل لئلا يتركوا الجهاد لأنه خير العمل ؟ ! وتقدم قوله : « لئن أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله ، أحبُّ من أن أجاهد في سبيل الله » ! ( السير الكبير : 3 / 1012 ) .
س 3 : ما رأيكم فيما رويناه عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ( علل الشرائع : 2 / 368 ) في جواب سؤال محمد بن عمير عن حي على خير العمل : « لم تركت من الأذان ؟ فقال : تريد العلة الظاهرة أو الباطنة ؟ قلت : أريدهما جميعاً ، فقال : أما العلة الظاهرة فلئلا يدع الناس الجهاد اتكالا على الصلاة ، وأما الباطنة فإن خير العمل الولاية ، فأراد من أمره بترك حي على خير العمل من الأذان ، ألا يقع حثاً عليها ودعاء إليها » !

  • *

12 مسائل في موافقات عمر للجاهلية !

( م 397 ) إرجاعه مقام إبراهيم ( عليه السلام ) إلى مكانه في الجاهلية

نورد فيما يلي مسائل في اجتهادات عمر مقابل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في العقيدة والشريعة موافقة للجاهلية ! ففي المسترشد لمحمد بن جرير الطبري الشيعي / 521 : « ومما نقموا عليه أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وضع المقام بين الكعبة والحجر ، بينه وبين جدار الكعبة
--------------------------- 472 ---------------------------
ذراع ، فكان هناك صلاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ولاية الأول ، وأمر الله جل ذكره نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن يتخذ من مقام إبراهيم مصلى وفرض ذلك عليه وعلى الأمة .
فلما وليَ عمر قال : من يعرف موضع المقام في الجاهلية ؟ فقال ابن أبي وداعة السهمي : أنا يا أمير المؤمنين أعرفه ، لقد أخذت مقداره وقياسه بشبر عندي وعلمت أنه سيحتاج إليه يوماً ما ! فقال له الثاني : آت به ، وقدره وقاسه حتى إنتهى إلى الموضع الذي كان فيه في الجاهلية فوضعه فيه ! فهو فيه إلى يومنا هذا ، فأزال المقام عن الموضع الأول الذي وضعه فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ووضعه في الموضع الذي كان فيه في الجاهلية ! ولم يرض بفعل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا بقول الله حيث قال : وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ، فأبطل أمر الله ودفع أمر رسول الله وأحيا أمر الجاهلية ، والمهاجرون والأنصار حوله قد ضربت عليهم الذلة فليس منهم منكر ولا مُغَيِّر ! وقد نقل شريعتهم التي شرعها الله ورسوله إلى الشرائع الجاهلية ، ثم يزعمون أنه لم يغير ولم يبدل » !
وفي علل الشرائع : 2 / 423 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « لما أوحى الله تعالى إلى إبراهيم ( عليه السلام ) أن أذن في الناس بالحج ، أخذ الحجر الذي فيه أثر قدميه وهو المقام فوضعه بحذاء البيت لاصقاً بالبيت بحيال الموضع الذي هو فيه اليوم ، ثم قام عليه فنادى بأعلى صوته بما أمره الله تعالى به ، فلما تكلم بالكلام لم يحتمله الحجر فغرقت رجلاه فيه ! فقلع إبراهيم ( عليه السلام ) رجليه من الحجر قلعاً ، فلما كثر الناس وصاروا إلى الشر والبلاء ازدحموا عليه ، فرأوا أن يضعوه في هذا الموضع الذي هو فيه اليوم ليخلو المطاف لمن يطوف بالبيت ، فلما بعث الله تعالى محمداً ( صلى الله عليه وآله ) رده إلى الموضع الذي وضعه فيه إبراهيم ( عليه السلام ) فما زال فيه حتى قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وفي زمن أبي بكر وأول ولاية عمر . ثم قال عمر : قد ازدحم الناس على
--------------------------- 473 ---------------------------
هذا المقام ، فأيكم يعرف موضعه في الجاهلية ؟ فقال له رجل : انا أخذت قدره بقدر . قال : والقدر عندك ؟ قال : نعم قال : فائت به فجاء به ، فأمر بالمقام فحمل ورد إلى الموضع الذي هو فيه الساعة » .
وفي مدونة الإمام مالك : 1 / 452 : « قال مالك : بلغني أن عمر بن الخطاب لما وليَ وحج ودخل مكة أخر المقام إلى موضعه الذي هو فيه اليوم ، وقد كان ملصقاً بالبيت في عهد النبي ( ص ) وعهد أبي بكر وقبل ذلك ، وكانوا قدموه في الجاهلية مخافة أن يذهب به السيل » . راجع : الطبقات : 3 / 284 ، وثقات ابن حبان : 2 / 218 ، والإصابة : 6 / 380 ، والنص والاجتهاد / 279 ، وتفسير ابن أبي حاتم : 1 / 226 ، وفتح الباري : 6 / 289 ، وعمدة القاري : 4 / 241 ، و : 9 / 212 ، وتفسير ابن كثير : 1 / 175 .
س 1 : قالت أم سلمة لعمر كما رواه البخاري ( 6 / 69 ) : « عجباً لك يا ابن الخطاب دخلت في كل شئ حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله ( ص ) وأزواجه » !
وما رأيكم في عمل عمر في تغيير مكان المقام ، وفي طاعة المسلمين له ؟ !

( م 398 ) تحريمه متعة الحج موافقة لحج الجاهلية

قال محمد بن جرير الطبري ، الشيعي في المسترشد / 516 : « ومما نقموا على الثاني الذي سموه فاروقاً ، وزعم المحتج أنه إنما سمي بذلك لأنه فرق بين الحق وأهله ! أنه صعد المنبر وقال : أيها الناس ، ثلاث كن على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن ! منها : المتعتان ، متعة النساء ، ومتعة الحج ، فإنه متى لم يتمتع الناس بالعمرة إلى الحج اعتمر الناس في كل وقت ، فدرَّت عليكم الحيرة وقامت أسواقكم في كل وقت ، مع ما في ذلك من تحصين الإحرام
--------------------------- 474 ---------------------------
وتعظيمه ، فإني أستفظع أن يروح الحاج إلى منى شعثاً غبراً قد لوحتهم السماء ، وغيرت ألوانهم الشمس ، وروح المتمتعون لم يصبهم من ذلك شئ !
وأما متعة النساء فإني متى أبحتها للناس لم يزل الرجل يرى في حرمه مثل هذا الطفل وجاء بطفل من ولادة متعة !
والثالثة : حي على خير العمل ، فإن الناس إذا سمعوها في الأذان ، اتكلوا عليها وعطلوا الحج وسائر الأعمال !
فما أعجب من هذا الفعل يا معشر المسلمين أن يقوم عمر على منبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يحرم ويحلل ويحظر ويطلق من غير أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبعد انقطاع الوحي ، فلا برسول الله ، ولا بصاحبه الذي أقامه ذلك المقام ، اقتدى ! وأعجب من هذا أن المهاجرين والأنصار قعود ، ولا ينكر ذلك منكر ، ولا يدفعه دافع ، قد أطيع في ذلك كله وأخذ بأسماعهم وأبصارهم ، حتى قال بعض الصحابة : إنا لنراه بقية الرهبان ! وقال الله عز وجل : إِتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ ، وما صلوا لأحبارهم ورهبانهم ولكن دعوهم إلى معاصي الله عز وجل ، فأجابوهم فكانت تلك عبادتهم ! وهم المهاجرون والأنصار الذين شهدوا رسول الله وشهدوا أحكامه ونزل القرآن بين ظهرانيهم » !
وقال محمد بن جرير الطبري السني في تاريخه : ( 3 / 290 ط الإستقامة : « يا أيها الناس ، متعتان كانتا على عهد رسول الله ، أنهى عنهما وأعاقب عليهما : متعة الحج ، فأتموا الحج والعمرة لله ، كما أمركم الله تعالى في كتابه ! ومتعة النساء ، فوالذي يحلف به عمر لا أدل على رجل تزوج امرأة إلى شرط إلا غيبتهما كلاهما في الحجارة » ( زواج المتعة للسيد مرتضى : 2 / 225 ) .
--------------------------- 475 ---------------------------
أسئلة :
س 1 : قال السيد جعفر مرتضى في كتابه : زواج المتعة : 2 / 220 : « خطب عمر الناس فقال : إن الله عز وجل رخص لنبيه ( ص ) ما شاء ، وإن النبي قد مضى لسبيله ! فأتموا الحج والعمرة كما أمركم الله عز وجل ، وحصنوا فروج هذه النساء ( تاريخ المدينة لابن شبة : 2 / 716 و 717 ، والأوائل : 1 / 238 ط سنة 1975 ) سنده صحيح !
لكن أتباع عمر خالفوا عمر في متعة الحج وحكموا بجوازها ! وقبلوا منه تحريم زواج المتعة ، مع أنه حرمهما في موقف واحد » . ! ! ما جوابكم ؟ !
س 2 : ألا ترون أن متعة الحج أي إنهاء إحرام العمرة حتى يحين موعد الذهاب إلى عرفات ، يخالف عادة الجاهلية بالبقاء محرمين مهما بقوا في مكة ، فأعاد عمر الحج إلى الجاهلية كما أعاد مكان مقام إبراهيم ( عليه السلام ) ؟ !
س 3 : في مسند أحمد : 3 / 317 ، وابن ماجة : 2 / 992 : « فقدمنا مكة صبح رابعة مضت من ذي الحجة فقال النبي صلى الله عليه وسلم حلوا واجعلوها عمرة ، فبلغه أنا نقول لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس ، أمرنا أن نحل فيروح إلى منى ناس منا ومذاكيرنا تقطر منياً ! فخطبنا فقال : قد بلغني الذي قلتم وإني لأتقاكم وأبركم ، ولولا الهدي لحللت ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ! حلوا واجعلوها عمرة . فقال سراقة بن مالك : أمتعتنا هذه لعامنا هذا ، أم لا بد ؟ فقال : لا ، بل لأبد الأبد » !
وفي الكافي : 4 / 249 : « وإن رجلاً قام فقال : يا رسول الله نخرج حجاجا ورؤوسنا تقطر ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إنك لن تؤمن بهذا أبداً » !
س 4 : لقد نهى عمر عن متعة الحج كمتعة النساء وهدد عليهما ، فماذا تصنعون بقوله تعالى : فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمَرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ ؟ راجع تهديد عمر لمن فعله ! في زواج المتعة للسيد جعفر مرتضى : 3 / 15 . وما دمتم تتبعون عمر حتى لو خالف القرآن فلماذا تحجون حج متعة ؟ !
--------------------------- 476 ---------------------------
س 5 : إذا أفتى شيخ بما يخالف القرآن صراحة فهل تحكمون عليه بالفسق والانحراف عن الدين ؟ ! وما رأيكم بشهادة الصحابة بأن عمر فعل ذلك ؟ ! ففي صحيح البخاري ( 2 / 153 و : 5 / 158 ) عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه ( وهو صحابي ) قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله ، ففعلناها مع رسول الله ( ص ) ولم ينزل قرآن يحرمه ، ولم ينه عنها حتى مات ! قال رجل برأيه ما شاء ! قال محمد : يقال إنه عمر » ! وفي صحيح مسلم : 4 / 47 : « قال ابن حاتم في روايته : ارتأى رجل برأيه ما شاء ، يعني عمر » .

( م 399 ) إعادته موازين الجاهلية في الزواج !

قال محمد بن جرير الطبري ، الشيعي في المسترشد / 524 : « ومما نقموا عليه ما أحدث في الفروج وقوله : لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء ، فمضت السنة بذلك ، إلى اليوم وجرى الحكم بالحكمية والعصبية ! والكتاب ينطق بخلاف ذلك والسنة وجاء باجماع الأمة أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عمل في ذلك بخلاف ما عمله الثاني وسنه » ! وذكر في هامشه : مصنف عبد الرزاق ( 6 / 152 ، وسنن البيهقي ( 7 / 133 ) .

( م 400 ) تمييزه العرب على غيرهم موافقة للجاهلية

( م 400 ) تمييزه العرب على غيرهم موافقة للجاهلية
قال محمد بن جرير الطبري ، الشيعي في المسترشد / 524 : « ومما نقموا عليه قوله : ليس على عربي ملك ! وقد سبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من قبائل العرب فأعتق واسترق وأطلق كما فعل بالعجم ، وفعل ذلك أبو بكر فيمن سبى من أهل الردة ، فخالف عمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وخالف صاحبه وقال : ليس على عربي ملك ! خلافاً على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وخلافاً على صاحبه .
--------------------------- 477 ---------------------------
ومما نقموا عليه قوله : لا تجلدوا العرب ولا تجمروها فتفتنوها ، والأمر عن الله تعالى وعن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أن العجمي والعربي في إقامة الحدود سواء إذا وجب عليهما . وفي ذلك تعطيل الحدود والخلاف على الله وعلى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) » .
وقال محمد بن جرير الطبري السني في تاريخه : 3 / 273 : « كان عمر إذا استعمل العمال خرج معهم يشيعهم فيقول : إني لم أستعملكم على أمة محمد ( ص ) على أشعارهم ولا على أبشارهم ، إنما استعملتكم عليهم لتقيموا يهم الصلاة ، وتقضوا بينهم بالحق ، وتقسموا بينهم بالعدل وإني لم أسلطكم على أبشارهم ولا على أشعارهم ولا تجلدوا العرب فتذلوها ، ولا تجمروها فتفتنوها ، ولا تغفلوا عنها فتحرموها . جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن محمد وأنا شريككم » ! وتاريخ دمشق : 44 / 277 .
وقال ابن حجر في فتح الباري : 5 / 123 : « والجمهور على أن العربي إذا سبي جاز أن يسترق ، وإذا تزوج أمة بشرطه كان ولدها رقيقاً . وذهب الأوزاعي والثوري وأبو ثور إلى أن على سيد الأمة تقويم الولد . ويلزم أبوه بأداء القيمة . ولا يسترق الولد أصلاً . وقد جنح المصنف إلى الجواز ، وأورد الأحاديث الدالة على ذلك » . ونحوه عمدة القاري : 12 / 138 ، و : 13 / 100 ، والبيهقي : 9 / 74 ، والمحلى : 10 / 39 .
أسئلة :
س 1 : أين ذهب عمر بالقاعدة الإسلامية : الناس سواسية ، والمؤمن كفؤ المؤمنة ؟ !
س 2 : ما قولكم في هذا التشريع القومي العنصري لعمر ، في الزواج وفي رفع الحد أو التعزير عن العرب ، وهل أن فقهاء مذاهب السلطة لم يقبلوا به لأنهم غير عرب ؟ !
--------------------------- 478 ---------------------------

( م 401 ) تشريعه الطلاق ثلاثاً موافقة لطلاق الجاهلية

قال محمد بن جرير الطبري ، الشيعي في المسترشد / 519 : « ومما نقموا عليه أن الناس كانوا على عهد رسول الله وعهد الأول ، وصدراً من ولايته يطلقون النساء طلاق السنة ، حتى أجاز الثاني الثلاث في مجلس واحد وقال : أجيزوها لئلا يتبايع فيها الغيران والسكران . وقال : إن الله جعل لكم في الطلاق أناة فاستعجلتموها فأجزت عليكم ما استعجلتم ! وقد أنكر النبي ( صلى الله عليه وآله ) الطلاق الثلاث . . . عن محمود بن لبيد يذكر ، أن رجلاً طلق امرأته على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثلاثاً بمرة واحدة ، فقال : يُلعب بكتاب الله وأنا بين ظهرانيكم » ؟ !
س 1 : ما قولكم في الطلاق بالثلاث الذي رويتم نهي النبي ( صلى الله عليه وآله ) عنه ، وأجمع أهل البيت ( عليهم السلام ) على بطلانه ، وانه إن استجمع الشروط لا يقع إلا واحدة ؟ !

( م 402 ) إعادته طبقية الجاهلية المفرطة إلى المجتمع الإسلامي !

قال محمد بن جرير الطبري ، الشيعي في المسترشد / 524 : « ومما نقموا عليه وضعه للعطاء وفرضه إياه للناس واتباعه سير الأكاسرة والقياصرة ، رغبة عن الإستنان بسنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فإن من سنته حمل الناس على الجهاد وطلب الثواب من الله ، فأفسد على الناس الجهاد وأفسد النيات ، وسن فيهم الجهاد بالكرى ، فترك الناس ما أمرهم الله به ومالوا للكرى ، والناس يجاهدون منذ زمانه إلى اليوم على مطامع العطاء وكرى الديوان ، فذهب الجهاد الذي أمر الله به إلا من قوم قليل » .
ومما نقموا عليه تفضيله للناس بعضاً على بعض في القسمة ، وتفضيله المهاجرين على الأنصار ، وتفضيله الأنصار على غيرهم ، وتفضيله العرب على العجم ، وقد كان أشار على أبي بكر بذلك فلم يقبل منه ، قال : لقد عهدنا
--------------------------- 479 ---------------------------
رسول الله أمس في هذه القسمة ، وقد كان معه المهاجري والأنصاري ، والعجمي ، فلم يفضل أحداً على أحد ، وإن أنا عملت برأيك لم آمن أن ينكر الناس عليَّ لقرب عهدهم بسيرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وإنما هذه القسمة معاش الناس ، يحتاج الأنصاري ، إلى ما يحتاج إليه المهاجري ، وإنما المهاجرون والأنصار فضلهم وشرفهم عند الله جل ذكره ، لا في القسمة التي لا يجب أن يفضل فيها أحد على أحد ! فلما أفضى الأمر إليه فضل بعضهم على بعض ، خلافاً على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وخلافاً على أصحابه في كثير من الأشياء » .
أقول : كانت موارد الدولة وما زالت : الخراج والزكوات التي تسمى الصدقات ، والأعشار أي الضرائب ، والغنائم ، والأنفال ، وبقية الثروات الطبيعية . ومع أن الله تعالى جعل الأنفال لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) وبسط يده فيها ، لكنه أوجب المساواة في العطاء في الغنائم للمقاتلين ، والمساواة في العطاء من الخراج والصدقات لعامة المسلمين والعطاء مصطلح إسلامي هو الراتب الذي تعطيه الدولة لكل الناس بالمساواة ، بقطع النظر عن أي اعتبار طبقي أو عرقي .
وقد بحث المحامي أحمد حسين يعقوب في كتابه : حقوق الإنسان عند أهل البيت والفكر المعاصر ، سياسة عمر التي خالف فيها النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأسس فيها الطبقية في المجتمع الإسلامي فقال ملخصاً : « انفردت الشريعة الإسلامية من دون الشرائع ، بأنها توجب على الدولة أن تقدم عطاء شهرياً أو أسبوعياً أو يومياً بحسب تقدير الإمام ، إلى كل واحد من رعاياها ، على قدم المساواة بين جميع أفراد المجتمع . والعلة في ذلك أن المال الذي بيد الدولة مال عام ، تعود ملكيته لأبناء
--------------------------- 480 ---------------------------
المجتمع كلهم فهم يملكونه على الشيوع وبالتساوي فيما بينهم .
فعندما أعلن الرسول قيام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة ، أمره الله سبحانه وتعالى أن يوزع ما زاد عن نفقات الدولة على رعاياها ، وبالسوية ، لا فضل في ذلك لعربي على أعجمي ، ولا لمهاجر على أنصاري ، ولا لسيد على مولى ، فقام الرسول بتنفيذ هذا الأمر الإلهي طوال عهده الخالد ، ولم يفرق في ذلك بين إنسان وإنسان ، حتى صار عمله سنة فعلية واجبة الاتباع ، علاوة على أنها أمر إلهي .
وجاء الخليفة الأول أبو بكر واتبع سنة الرسول الفعلية هذه ، فكان يقسم المال بالسوية بين الناس ، ولما تسلم عمر بن الخطاب الخلافة من بعد أبي بكر رأى أن سنة الرسول التي تسوِّي بالعطاء بين الناس ليست مناسبة ولا عادلة ! فهل يعقل أن يعطى الأعجمي كالعربي ! ويعطى ابن أحد القبائل العربية كما يعطى ابن قبيلة قريش ! ويأخذ العبد كما يأخذ السيد ! وتعطى زوجة الرسول أم سلمة ، كما تعطى زوجة الرسول عائشة أو حفصة ؟ !
لقد رأى هذا الخليفة أن التسوية بالعطاء ليست عدلاً ، وتصوَّر أنه قد اكتشف فيها عيوباً ، فقرر بوصفه خليفة رسول الله أن يبطلها ويُحِلَّ محلها سنة جديدة أوحى له بها عقله ، فقسم الناس على مراتب في نفسه ، وقسم العطاء عليهم بحسبها ! بل إن عمر لم يساو في العطاء حتى بين زوجات الرسول ، فأعطى عائشة اثني عشر وحفصة مثلها ، وأعطى لكل واحدة من زوجات
--------------------------- 481 ---------------------------
الرسول الأخر عشرة آلاف درهم .
وينبغي التذكير بأن الصحابة كانوا حددوا راتب الخليفة أبي بكر بستين درهماً في الشهر ، وكانت تكفيه لنفقات عائلته وضيوف الخلافة .
كما أغدق عمر عطاياه على كبار رجالاته وأعوانه ، كعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص ، وغيرهم من كبار الأغنياء ، وخص بعطاياه رؤساء القبائل ووجهاء المجتمع ، ومن هو بحاجة إلى ولايتهم وتأييدهم ، فكان يعطي الواحد منهم الآلاف المؤلفة ، أما بقية الناس ، فكان يعطي كل واحد منهم بضعة دراهم ! وبهذه السياسة أبطر عمر الأقلية المترفة وزاد الأغنياء غنى وصل إلى درجة الفحش ! وزاد المعدمين فقراً وصل إلى الإرقاع والتسول ! واستمر بهذه السياسة تسع سنين من عهده الرائد ، مخالفاً لسنة رسول الله وعاملاً برأيه الشخصي !
النتائج المدمرة لاستبدال سنة النبي برأي عمر :
لم يستفظع فعل عمر إلا أهل بيت النبوة وقلة من مواليهم ، فتجاهلهم الخليفة الغالب ونسي الناس أو أنسوا سنة الرسول ، واتبعوا رأي عمر الذي تحول مع العمل والتكرار بقدرة قادر إلى سنة واجبة الاتباع ، ثم اكتشف عمر نفسه آثار رأيه المدمرة ، ومع هذا بقي سائراً عليه حتى مات !
وجاء الخليفة الثالث فسار على نهج صاحبه وبالغ بالعطاء إلى أقاربه باسم « صلة الرحم » وكوَّنَ منهم طبقة اجتماعية جديدة مترفة ! وجاء الخلفاء
--------------------------- 482 ---------------------------
فنسجوا على منوال الخليفتين الثاني والثالث ، تاركين شرع الله وسنة نبيهم ومتبعين سنة عمر ! وظلوا على ذلك حتى سقوط آخر سلاطين بني عثمان !
بعد تسع سنين من تطبيق رأي عمر بن الخطاب ظهرت الطبقية والغنى المترف جنباً إلى جنب مع الفقر المدقع ، وظهر الموت من التخمة والموت من الجوع معاً ! فطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، وعثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعمر بن العاص ، وأمثالهم ، كانوا يملكون الذهب الذي يكسر برؤوس الفؤوس ، وعمار وبلال وأهل بيت النبوة كانوا يعيشون التقشف والحاجة ، وبعض جماهير الناس كانوا يموتون من الجوع موتاً حقيقياً فقد روى الذهبي في ترجمة أويس القرني أنه كان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والشراب ثم يقول : « اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به ، ومن مات عرياً فلا تؤاخذني به » !
ونمت بذور الصراع القبلي بين ربيعة ومضر ، وبين الأوس الذين قربهم عمر والخزرج الذين عارضوه ، وبين العرب والعجم ، وبين الموالي والصرحاء ، وتحولت البذور في ما بعد إلى نار كبرت وكبرت حتى التهمت المجتمع الإسلامي كله ، ونزعت منه فكرة العدالة الاجتماعية ! راجع تاريخ اليعقوبي : 2 / 107 ، وشرح نهج البلاغة : 8 / 111 ، وراتب أبي بكر الشهري في المجموع للنووي : 20 / 126 .
وبعد تسع سنوات اكتشف عمر بن الخطاب أنه بإلغائه سنة رسول الله القائمة على المساواة بالعطاء ، قد أسس النظام الطبقي في المجتمع الإسلامي ، فهناك فئة محدودة يملك كل واحد من أفرادها مليارات الليرات الذهبية وعشرات
--------------------------- 483 ---------------------------
الآلاف من دونمات الأرض الزراعية ، ويكاد أن يموت من التخمة ، بينما الأكثرية الساحقة من أبناء المجتمع لا يجد الواحد منهم رغيف عيش يابس يسد به جوعه ، أو متراً من الأرض يدفن فيه ! !
وأمام هذه النتائج المدمرة أعلن عمر عن عزمه على الرجوع إلى سنة رسول الله فقال : « إن عشت هذه السنة ساويت بين الناس ، فلم أفضل أحمر على أسود ولا عربياً على أعجمي ، وصنعت كما صنع رسول الله وأبو بكر » . تاريخ اليعقوبي : 2 / 107 ، وشرح النهج : 8 / 111 والطبري : 5 / 22 ، وكتابنا : المواجهة مع رسول اللَّه وآله القصة الكاملة / 220 .
ولم يعش للسنة القادمة ، واستطاع بقصد أو بغير قصد ، أن يهدم أعظم سنن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأن يهدم الأساس الذي قام عليه الإقتصاد الإسلامي كله ! والأهم أن عمله صار سنة بديلة لسنة رسول الله ، وجاء جيل من الناس في عهده لا يعرف إن كان رسول الله يساوي بالعطاء بين الناس ، وأن المساواة جزءٌ من الشرع الإلهي ! وجاء الخليفة الثالث فتبنى سنة عمر وحول العطاء إلى أقاربه بني أمية ، ولما انتهى عهده كان الغنى الفاحش لدى قلة من الناس ، والفقر المدقع سمة عامة للجمهور ، وجاءت في عهده أجيال تجهل تماماً أن العطاء بالسوية جزءٌ من الدين !
الإمام علي يعيد سنة الرسول ويقسم مال الله بالسوية :
عندما قتل الخليفة الثالث لاذ المؤمنون الصادقون بالإمام علي ، وأصروا عليه أن يبايعوه فبايعوه فعلاً وبايعه الذين بايعوا الخلفاء الثلاثة السابقين ، وتخلف
--------------------------- 484 ---------------------------
عن بيعة الإمام قسم من الطبقة المترفة التي استغنت من حكم الخلفاء الثلاثة السابقين ، كما تخلف عن بيعته المنافقون وأعداء الله الذين تستروا بالشهادتين !
والناس مجتمعون يلحون على الإمام للقبول بالخلافة أعلن الإمام برنامجه ، وكان على رأس بنود هذا البرنامج : العدل في الرعية وتقسيم المال بالسوية . وسأل الإمام الذين ناشدوه القبول بمنصب الخلافة إن كانوا يوافقون على هذا البرنامج ، فأجابوه نعم بالإجماع ، عندئذٍ قبل الإمام وبايعه الناس على ذلك . كان هدف الإمام أن يعيد شرع الله وسنة نبيه ، ومن أبرزها تقسيم المال بين الناس بالسوية لأنها سنة تميز دين الإسلام عملياً ونظامه السياسي عن غيره ، وتشكل الأساس للنظام الاقتصادي الإسلامي ، وتشكل تأميناً ضد البطالة والعوز ، وتضمن تلبية الحاجات الأساسية لكل أفراد المجتمع الإسلامي ، ولأنها الفائدة العملية التي يجنيها كل فرد من وجود الدولة لذلك أعطى الإمام اهتمامه لهذه السنة التي أوشك الناس أن يتناسوها ، بعد أن هجرها الخليفتان قرابة عشرين سنة وحملا الناس على تناسيها وتركها بقوة الدولة وسلطانها .
ولم تكن مهمة الإمام سهلة فقد أحدث الخليفتان الثاني والثالث انقلاباً حقيقياً بالمفاهيم والقيم ، ولذلك وجد الإمام مقاومة عنيفة من كل أولئك الذين استفادوا في العهود السابقة من عدم التسوية في العطاء ، فكان الإمام يسألهم : « أليس كان رسول الله يقسم بالسوية بين المسلمين ؟ ! » ( تحف العقول / 12 ) .
وقال لما عوتب على تصييره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولي
--------------------------- 485 ---------------------------
السابقات والشرف : « أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه ؟ والله ما أطور به ما سمر سمير ، وما أمّ نجم في السماء نجماً ، ولو كان المال لي لسويت بينهم فكيف وإنما المال مال الله . ألا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف ، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة ، ويكرمه في الناس ويهينه عند الله . ولم يضع امرؤ ماله في غير حقه ولا عند غير أهله إلا حرمه الله شكرهم وكان لغيره ودهم ، فإن زلت به النعل يوما فاحتاج إلى معونتهم فشر خدين وألام خليل ) ! » ( نهج البلاغة ، 289 - 290 ، عبده : 2 / 10 )
وجاءه الصحابيان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ، يطلبان التفريق والتفضيل بالعطاء ! « فقالا له : إنا أتينا إلى عمالك على قسمة هذا الفئ ، فأعطوا كل واحد منا مثل ما أعطوا سائر الناس ، قال : وما تريدان ؟ قالا : ليس كذلك كان يعطينا عمر . قال : فما كان رسول الله يعطيكما ؟ فسكتا ، فقال : أليس كان ( صلى الله عليه وآله ) يقسم بالسوية بين المسلمين من غير زيادة ؟ قالا : نعم . قال : أفسنة رسول الله أولى بالاتباع عندكما أم سنة عمر ؟ قالا : سنة رسول الله ، ولكن يا أمير المؤمنين لنا سابقة وغناء وقرابة ، فإن رأيت أن لا تسوينا بالناس فافعل ، قال : سابقتكما أسبق أم سابقتي ؟ فقالا سابقتك ، قال الإمام : فقرابتكما أم قرابتي ؟ قالا : قرابتك ، قال الإمام : فغناؤكما أعظم أم غنائي ؟ قالا : غناؤك ، فقال الإمام : » فوالله ما أنا وأجيري هذا إلا بمنزلة واحدة ، وأومى بيده إلى الأجير » ( المناقب : 2 / 108 و 111 ) . وقال ( عليه السلام ) : « أيها الناس ، إن آدم لم يلد عبداً ولا
--------------------------- 486 ---------------------------
أمة وإن الناس كلهم أحرار ، ولكن الله خول بعضكم بعضاً ، فمن كان له بلاء فصبر في الخير فلا يمن به على الله عز وجل . ألا وقد حضر شئ ونحن مسوون فيه بين الأسود والأحمر . فقال مروان لطلحة والزبير : ما أراد بهذا غيركما ، فأعطى كل واحد ثلاثة دنانير ، وأعطى رجلاً من الأنصار ثلاثة دنانير ، وجاء غلام أسود فأعطاه ثلاثة دنانير ، فقال الأنصاري : يا أمير المؤمنين هذا غلام بالأمس تجعلني وإياه سواء ؟ ! ! فقال الإمام : إني نظرت في كتاب الله ، فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلاً » ! ( الكافي : 8 / 29 ) .
ولو فعلت الدول المعاصرة كما فعل الإسلام ، وقدمت من مواردها الهائلة عطاء شهرياً لكل واحد من مواطنيها لما احتاج إنسان قط ، ولاختفت ظاهرة الفقر واختفت مع السنين والأيام ظاهرة الطبقية البغيضة ، وليس بعيداً ذلك اليوم الذي تعترف فيه الشرائع الوضعية وتعترف الأمم بهذا الحق الإنساني الطبيعي الفريد من نوعه ، والذي نص عليه الإسلام ، وجعله أساس العدل الاقتصادي والاجتماعي » .
س 1 : ما رأيكم في هذه الآراء الفقهية ؟ !

( م 403 ) عقيدة عمر في الغول والجن مثل عرب الجاهلية !

روى في سنن البيهقي : 7 / 445 ، وكنز العمال : 9 / 697 : قصة شخص أخذه الجن فزوج عمر زوجته ، ثم رجع الرجل فسأله عمر عن سفرته وأخبره ، فخيَّره عمر بين الصداق وبين امرأته !
--------------------------- 487 ---------------------------
وفي معجم البلدان : 4 / 386 : « خرجنا مع عمر بن الخطاب ، أيام خرج إلى الشام فنزلنا موضعاً يقال له القلت . » وذكر قصة رجل نزل في بئر فأخذته الجن إلى الجنة ، ثم رجع وأخبر عمر ، فأيد كلامه كعب الأحبار ، وصدقه عمر !
وقال الدميري في حياة الحيوان : 2 / 236 : « زعموا أن الغول حيوان شاذ مشوه لم تحكمه الطبيعة ، وأنه لما خرج مفرداً لم يستأنس وتوحَّش وطلب القفار ، وهو يناسب الإنسان والبهيمة وأنه يتراءى لمن يسافر وحده ، في الليالي وأوقات الخلوات . . وذكر جماعة من الصحابة أنهم رأوا الغول في أسفارهم ، منهم عمر بن الخطاب رأى الغول في سفره إلى الشام ، قبل الإسلام فضربه بالسيف » !
س 1 : إذا قرأتم آراء عمر في الجن والغول والحيات ، فهل تجدون فرقاً بينها وبين عقيدة عرب الجاهلية في ذلك ؟ !

  • *

13 . مسائل في علاقة عمر باليهود

( م 404 ) كان عمر يدرس عند اليهود ويحبونه !

كان بيت عمر بعيداً عن مسجد النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقد سكن في العوالي قرب بني قريظة ، وبسبب بعد المسافة كان يذهب إلى مسجد النبي ( صلى الله عليه وآله ) كل يومين !
قال عمر كما في البخاري : 1 / 31 : « كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول الله ( ص ) ينزل يوماً وأنزل يوماً ، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم . » .
--------------------------- 488 ---------------------------
وكان يحضر دروس بني قريظة في كنيستهم ، قال : « إني كنت أغشى اليهود يوم دراستهم ، فقالوا : ما من أصحابك أحد أكرم علينا منك ، لأنك تأتينا » ! ( الدر المنثور : 1 / 90 ، وأخرج ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسنده وابن جرير وابن أبي حاتم ) .
س 1 : ما قولكم في دراسة عمر عند اليهود وسكنه قريباً منهم بعيداً عن مسجد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ !

( م 405 ) محاولات عمر أخذ الاعتراف بالتوراة المحرفة !

وطمع اليهود بعمر فعرَّبوا التوراة وقالوا له خذها لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) ليعترف بها !
قال عمر : « يا رسول الله إني مررت بأخ لي من بني قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ، ألا أعرضها عليك ؟ قال فتغير وجه رسول الله . . الحديث ، وفيه : والذي نفس محمد بيده لو أصبح موسى فيكم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم » ( فتح الباري : 13 / 438 ) .
لكن اليهود أصروا وبعثوا عمر ثانية إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : « يا رسول الله جوامع من التوراة أخذتها من أخ لي من بني زريق ! فتغير وجه رسول الله ( ص ) فقال عبد الله بن زيد : أمَسَخَ الله عقلك ؟ ألا ترى الذي بوجه رسول الله ! فقال عمر : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ، وبالقرآن إماماً » ! ( مجمع الزوائد : 1 / 174 ) .
ثم بعثوا عمر ثالثة ، قال : « انطلقت في حياة النبي ( ص ) حتى أتيت خيبر فوجدت يهودياً يقول قولاً فأعجبني ، فقلت : هل أنت مكتبِّي بما تقول ؟ قال : نعم ، فأتيته بأديم فأخذ يملي عليَّ ، فلما رجعت قلت : يا رسول الله إني لقيت يهودياً يقول قولاً لم أسمع مثله بعدك ! فقال : لعلك كتبت منه ؟ قلت : نعم . قال : إئتني به ، فانطلقت فلما أتيته قال : أجلس إقراه فقرأت ساعة ونظرت إلى وجهه فإذا هو يتلون ، فصرت من الفرق لا أجيز حرفاً منه ، ثم رفعته إليه ثم جعل يتبعه رسماً
--------------------------- 489 ---------------------------
رسماً يمحوه بريقه ، وهو يقول : لا تتبعوا هؤلاء ، فإنهم قد تهوكوا حتى محا آخر حرف » ! ( كنز العمال : 1 / 370 ) .
وفي مرة رابعة : « نسخ عمر كتاباً من التوراة بالعربية . . أتى النبي بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي ( ص ) فغضب وقال أمتهوكون فيها يا بن الخطاب ؟ ! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ! لا تسألوهم عن شئ فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به ! والذي نفسي بيده لو أن موسى كان فيكم حياً ما وسعه إلا أن يتبعني . . الخ . » . ( مجمع الزوائد : 1 / 174 ) .
وفي مرة خامسة : « مر برجل يقرأ كتاباً فاستمعه ساعة فاستحسنه فقال للرجل أكتب لي من هذا الكتاب قال نعم فاشترى أديماً فهيأه ثم جاء به إليه فنسخ له في ظهره وبطنه ثم أتى النبي » . ( الدارمي : 1 / 115 ، والدر المنثور : 2 / 48 وأسد الغابة : 3 / 126 ) .
وفي مرة سادسة : طلب عمر أن يجيزه النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يدرس التوراة عند اليهود فقال له : « لا تتعلمها وآمن بها وتعلموا ما أنزل إليكم وآمنوا به » ( الدر المنثور : 5 / 148 ) .
وفي مرة سابعة قال عمر : « يا رسول الله إن أهل الكتاب يحدثونا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا وقد هممنا أن نكتبها ! فقال : يا ابن الخطاب أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى ! أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولكني أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الحديث اختصاراً » ! ( الدر المنثور : 5 / 148 ) .
وفي مرة ثامنة ساعدت حفصة أباها : « جاءت إلى النبي بكتاب من قصص يوسف في كتف فجعلت تقرؤه عليه والنبي يتلون وجهه فقال : والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتموني لضللتم » ( عبد الرزاق : 11 / 110 ) .
--------------------------- 490 ---------------------------
ومع كل ما تقدم ، استمر عمر مع مجموعته بالحضور عند اليهود ، حتى رآه النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوماً يحمل كتاباً فقال له : « ما هذا في يدك
--------------------------- 491 ---------------------------
يا عمر ؟ ! فقلت : يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علماً إلى علمنا ! فغضب رسول الله ( ص ) حتى احمرَّت وجنتاه ثم نودي بالصلاة جامعة ، فقالت الأنصار : أغضب نبيكم ، السلاح السلاح ! فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله ( ص ) فقال : يا أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتمه ، واختصر لي اختصاراً ، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تتهوكوا ، ولا يغرنكم المتهوكون ! قال عمر : فقمت فقلت رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبك رسولاً » ( الزوائد : 1 / 173 . راجع تدوين القرآن للمؤلف / 416 ) .
أسئلة :
س 1 : ما رأيكم في إصرار عمر على النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يعترف بالتوراة ويعممها على المسلمين ؟ !
س 2 : ما رأيكم في الاسم الذي ابتكره النبي ( صلى الله عليه وآله ) لمقلدي الثقافة اليهودية ، فاشتق لهم من التهود لفظ « التهوك » كما نسمي المتأثرين بالغرب المستغربين ، ولماذا اختار النبي ( صلى الله عليه وآله ) هذا اللفظ ، وهل له أصل في العربية ؟ !
س 3 : ألا يلفتكم أن يكون رئيس المتهوكين هو الذي قاد قريشاً لأخذ خلافة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وعزلَ عترته الطاهرين ( عليهم السلام ) وهاجمَ بيتهم وهددهم بالبيعة أو القتل ؟ !
س 4 : ما هو هدف اليهود من الإصرار على أن يتبنى النبي ( صلى الله عليه وآله ) توراتهم ، وأن يدرس أصحابه عندهم ؟ !
س 5 : كانت دراسة عمر ورفقائه المتهوكين عند اليهود وتأثرهم بهم ، قضية تابعها النبي ( صلى الله عليه وآله ) باهتمام حتى كان أوجها ما حكاه عمر من غضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) غضباً شديداً ودعوته المسلمين وحضور الأنصار بالسلاح وخطبة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيهم « ما هذا في يدك يا عمر ؟ ! فقلت : يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علماً إلى علمنا ! فغضب رسول الله ( ص ) حتى احمرَّت وجنتاه ثم نودي بالصلاة جامعة ، فقالت الأنصار : أغضب نبيكم السلاح السلاح ! فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله ( ص ) فقال . . الخ . »
فهل تعرفون من هم رفقاء عمر المتهوكون ؟ !
وهل تعرفون ماذا جرى بعد ذلك ؟ !
ولماذا حضر الأنصار بالسلاح ولم يحضر القرشيون ؟ !
س 6 : ما معنى قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) « فلا تتهوكوا ، ولا يغرنكم المتهوكون ! » فمن هم المتهوكون الذين كانوا يعملون ليضلوا المسلكين ويغروهم بأفكار اليهود وثقافتهم ؟ ! وهل كان يجب على المسلمين نفي هؤلاء منهم أو قتلهم ، لكن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يقم بذلك حتى لا يقال : قتل محمد أصحابه ؟ !
س 7 : يكشف تكرار عمر محاولته لأخذ الاعتراف بالتوراة ، وتعدد نسخها التي كتبوها له أو كتبها هو ، على صلات واسعة له باليهود ، فقد قال عن نسخة إنه أخذها من أخ له من بني قريظة ، وأخرى من أخ له من بني زريق ، وأخرى من خيبر ، ورابعة من رجل من أهل الكتاب . . الخ . فعلى أي شئ يدل ذلك ؟ !
س 8 : كانت علاقة اليهود بالقرشيين قوية خاصة مع بني أمية ، وقد تحالفوا معهم في حرب الأحزاب للقضاء على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فهل كانت علاقتهم بعمر بديلاً لتلك العلاقة ، أو رديفاً ومنفذاً للتأثير الثقافي والسياسي على الإسلام ؟ !

( م 406 ) علاقة عمر ببني قريظة

كانت لعمر علاقة خاصة بيهود بني قريظة ، ولذلك عرف دون غيره أيام حصار الأحزاب للمدينة ، أنهم نقضوا عهدهم مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! ( الصحيح من السيرة : 9216 ) .
--------------------------- 492 ---------------------------
ولما اتفق النبي ( صلى الله عليه وآله ) مع عروة بن مسعود على إقناعهم بطلب رهائن من قريش كشرط لهجومهم على المدينة ، لم يوافق عمر وقال : « يا رسول الله ، أمر بني قريظة أهون من أن يؤثر عنك شئ من أجل صنيعهم ! فقال : الحرب خدعة يا عمر ! فكانت تلك الكلمة سبب تفرقهم وتفرق كلمتهم وانهزامهم » . ( السير الكبير : 1 / 121 ) .
وعندما اتفق النبي ( صلى الله عليه وآله ) مع بني قريظة على أن ينزلوا على حكم سعد وأرسل من يأتي بسعد ، كان عمر حاضراً وكان يعرف نية سعد الانتقام منهم ، فأرسل لهم إشارة أن لا يقبلوا بحكمه ، لكنهم لم يفهموا إشارة عمر بسبب رعبهم !
قال أحمد بن حنبل في مسنده : 6 / 142 : « وبعث رسول الله ( ص ) إلى سعد بن معاذ فأتيَ به على حمار عليه أكاف من ليف ، قد حُمل عليه وحَف به قومه . فلما طلع على رسول الله قال : قوموا إلى سيدكم فأنزلوه ، فقال عمر : سيدنا الله عز وجل ! قال : أنزلوه فأنزلوه ، قال رسول الله ( ص ) : أحكم فيهم ، قال سعد : فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم ! فقال رسول الله لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله » ! وصحيح ابن حبان : 15 / 500 ، والطبقات : 3 / 423 .
وفي أخبار الدولة العباسية / 214 : « قوموا إلى سيدكم ، فقال عمر بن الخطاب : الله سيدنا ورسوله ، فقال رسول الله ( ص ) : وسعد سيدك يا عمر » !
س 1 : يظهر أن عمر لم يستطع إيصال نصيحته لبني قريظة بأن لا يقبلوا بحكم سيدهم أي حليفهم سعد بن معاذ ( رحمه الله ) ، فرأى نفسه مضطراً لأن يواجه النبي ( صلى الله عليه وآله ) عندما دعاهم أن يقوموا إلى استقبال سعد ليصدر حكمه فيهم ! فقال لهم عمر لا تقوموا ولا تقبلوا وقولوا نريد حكم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فهو سيدنا وليس سعداً !
فزجره النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال له إن سعد سيدك أنت أيضاً يا عمر فسكت ! فهل معنى قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) هذا يدل على أنه اعتبر عمر منهم لعلاقته بهم !
--------------------------- 493 --------------------------- ا

( م 407 ) علاقة عمر بيهود بني حارثة

بنو حارثة بطن من الخزرج ، كانت مساكنهم قرب قباء ( مجمع الزوائد : 1 / 307 ) وأرضهم زراعية خصبة ، ودورهم واسعة . روي أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « ألا أخبركم بخير دور الأنصار دور بني النجار ودور بني حارثة » ( الآحاد للضحاك : 3 / 384 ) .
وكان لهم حلفاء من اليهود ، يطلق عليهم « يهود بني حارثة » وكان لعمر بن الخطاب علاقات جيدة بهم ، فقد أعطوه بستان نخل كبير اسمه « ثمغ » .
قال البخاري ( 3 / 194 ) : « إن عمر تصدق بمال له على عهد رسول الله ( ص ) وكان يقال له ثمغ وكان نخلاً » ومعنى تصدق به : أنه أوقفه على أولاده وجعل ولايته لحفصة .
وفي رواية أحمد ( 2 / 125 ) « أن عمر بن الخطاب أصاب أرضاً من يهود بني حارثة يقال لها ثمغ فقال : يا رسول الله إني أصبت مالاً نفيساً أريد أن أتصدق به قال فجعلها صدقة لاتباع ولا توهب ولا تورث ، يليها ذو والرأي من آل عمر » .
وتعبير « أصبت » يشير إلى أنهم وهبوه له ، ولا بد أن يكون ذلك قبل يجليهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأنه صادر أرضهم ووزعها على المسلمين : « وأجلى يهود المدينة كلهم بني قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلام ويهود بني حارثة » ( صحيح بخاري : 5 / 22 ) وبنو قريظة آخر من أجلاهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وكان يهود بني حارثة شديدي العداوة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولما أراد اليهود قتله ( صلى الله عليه وآله ) قال : « من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه ، فوثب محيصة بن مسعود على ابن سنينة رجل من تجار يهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله » ( الطبري : 2 / 180 ، وابن إسحاق : 3 / 300 ، وابن هشام : 2 / 569 ) . « وكان ابن سنينة من يهود بني حارثة ، وكان حليفاً لحويصة بن مسعود » . ( شرح السير الكبير : 1 / 275 ) .
--------------------------- 494 ---------------------------
أما لماذا أعطى يهود بني حارثة هذه الضيعة النفيسة لعمر ، فلأنهم كانوا يحبونه أكثر من كل أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) كما قال عمر ، وتقدم أن بني زريق وبني قريظة وغيرهم أعطوه نسخاً أو أجزاء من التوراة معربة ، ليأخذ من النبي ( صلى الله عليه وآله ) الاعتراف بها ، فغضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) . . الخ . !
قال الخليل في العين ( 4 / 403 ) : « الثمغ : خلط البياض بالسواد ، وثَمَغَ لحيته ثمْغاً خضبها . وثمغ : ضيعة لعمر بن الخطاب » .
وقال البكري ( 1 / 346 ) : « موضع تلقاء المدينة ، كان فيه مال لعمر بن الخطاب »
وفي وصية عمر : « إن حدث به حدث ، أن ثمغاً وصرمة ابن الأكوع وكذا وكذا جعله وقفاً . هما مالان معروفان بالمدينة كانا لعمر » ( النهاية لابن الأثير : 1 / 222 ) .
س 1 : كان مخيريق رئيس بني النضير خير يهود ، فقد اسلم عند وصول النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة ، ودعا اليهود إلى الإسلام فعصوه ، واستشهد مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في أحد ، وأوصى له بكل ماله وكان سبعة بساتين فأوقفها النبي ( صلى الله عليه وآله ) وجعل ولايتها لفاطمة ( عليها السلام ) . فهل يكون بستان ثمغ أعطاه اليهود لعمر مقابل بساتين مخيريق ، فأوقفه وجعل ولايته لحفصة ؟ !

( م 408 ) نخيل عمر في خيبر

كما كان لعمر نخيل في خيبر ، وسمته بعض الروايات ثمغ ، والصحيح أن ثمغاً قرب المدينة كما تقدم ، وقد ملكها عمر قبل فتح خيبر وتقسيم أرضها على الصحابة ، ففي وصية عمر « أن ثمغ وصرمة بن الأكوع والعبد الذي فيه ، والمائة سهم التي بخيبر ورقيقه الذي فيه ، والمائة التي أطعمه محمد بالوادي ، تليه حفصة ما عاشت ، ثم يليه ذو الرأي من أهلها » . ( نصب الراية : 4 / 403 ، وسنن أبي داود : ( 1 / 658 ، والبيهقي : 6 / 160 ، وفتح الباري : 5 / 400 ، و 299 ) .
--------------------------- 495 ---------------------------
س 1 : قال عمر إنه كان يملك مئة رأس من الماشية فباعها واشترى فيها مئة سهم من النخيل ، قال : « إني أصبت مالاً لم أصب مثله قط كان لي مائة رأس فاشتريت بها مائة سهم من خيبر من أهلها » . ( سنن النسائي : 6 / 232 ) .
لكن تقدم أنه جاء بنسخة معربة من التوراة إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) من خيبر فغضب ، فهذا البستان يشبه ضيعة ثمغ التي أعطاه إياه يهود بني حارثة في المدينة ، خاصة أن رأس الماشية لا يبلغ ثمنه سهماً من نخيل ! ويظهر أن نخل خيبر كان أفضل من ثمغ ، لأن عمر قال : « لم أصب مثله قط » ! فما رأيكم ؟ !

( م 409 ) عقيدة عمر بنبوؤات كعب الأحبار

تقدم في هذا الكتاب ( 1 / 484 ، و 493 ) نماذج من اعتقاد عمر بكعب الأحبار ، وتصديقه بأن العرب سينتهون ، وأن الكعبة ستهدم ! ( صحيح بخاري : 2 / 159 )
وكان عمر يسأل كعباً عن المستقبل وعن نفسه ، قال له : « أنشدك بالله يا كعب أتجدني خليفة أم ملكاً ؟ قال : بل خليفة فاستحلفه فقال كعب : خليفة والله من خير الخلفاء ، وزمانك خير زمان » ! ( كنز العمال : 12 / 567 ، ومجمع الزوائد : 9 / 65 ، والدر المنثور : 5 / 347 ) .
أسئلة :
س 1 : ألا تدل ثقة عمر بعلم كعب على أنه ما زال على عقيدة عرب الجاهلية بأن كتب اليهود فيها كل علم المستقبل ، وذلك بسبب أمية العرب وبداوتهم ؟ !
س 2 : ما قولكم في تصديق عمر لكعب لعمر بأمر يناقض الحس ! وأن الجراد يتولد من أنف الحوت ( موطأ مالك : 1 / 352 ) وشهادة بعضهم بأنه رأى الحوت يعطس الجراد !
س 3 : ما قولكم في إخبار كعب لعمر بأنه سيقتل فصدقه ! ألا يدل على أن كعباً شريك في قرار اليهود وبني أمية بقتله لتنتقل الخلافة إليهم ؟ ! ( تاريخ المدينة : 3 / 891 ) .
--------------------------- 496 ---------------------------

14 . مسائل في تخوين عمر لعماله ومناصفتهم أموالهم !

( م 410 ) تخوين عمر لأكثر عماله وعقوبته الغريبة لهم !

حكم عمر على عماله بأنه خانوا الله تعالى وخانوا رسوله ( صلى الله عليه وآله ) والمسلمين ، فكتب لهم كما في تاريخ دمشق : 55 / 278 ، وابن خياط / 81 : « أما بعد فإنكم معشر العمال تقدمتم على عيون الأموال ، فجبيتم الحرام وأكلتم الحرام ، وأورثتم الحرام ! وقد بعثت إليك محمد بن مسلمة الأنصاري فيقاسمك مالك ، فأحضره مالك » .
وقال عمر لأبي هريرة : « يا عدو الله وعدو الإسلام خنت مال الله ! قال قلت : لست عدو الله ولا عدو الإسلام ، ولكني عدو من عاداهما ، ولم أخن مال الله ولكنها أثمان إبلي وسهام اجتمعت ! قال فأعادها عليَّ وأعدت عليه هذا الكلام ! قال فغرَّمني اثني عشر ألفاً » . ( مستدرك الحاكم : 2 / 347 ، وفتوح مصر / 258 ) .
وفي العقد الفريد : 1 / 45 ، أن عمر عزل أبا موسى الأشعري عن البصرة وشاطره ماله ، وعزل الحارث بن وهب وشاطره ماله ، وكتب إلى عمرو بن العاص : بلغني أنه قد فشت لك فاشية من خيل وإبل وبقر وعبيد ، فمن أين لك هذا ؟ فكتب : إني أعالج من الزراعة ما لا يعالجه الناس ، فشاطره ماله حتى أخذ إحدى نعليه ، فغضب ابن العاص وقال : قبح الله زماناً عمل فيه ابن العاص لابن الخطاب ، والله إني لأعرف الخطاب يحمل على رأسه حزمة من حطب ، وعلى ابنه مثلها » ! ورواه العلامة في نهج الحق / 348 ، عن ابن عبد ربه في العقد الفريد ، وفي آخره : « في نمرة لا تبلغ رسغيه » ! أي في ثوب لا يبلغ ركبتيه !
وقال اليعقوبي في تاريخه : 2 / 15 : « وشاطر عمر جماعة من عماله أموالهم . ، قيل إن فيهم سعد بن أبي وقاص عامله على الكوفة ، وعمرو بن العاص عامله على مصر
--------------------------- 497 ---------------------------
وأبا هريرة عامله على البحرين ، والنعمان بن عدي بن حرثان عامله على ميسان ، ونافع بن عمرو الخزاعي عامله على مكة ، ويعلي بن منية عامله على اليمن ، وامتنع أبو بكرة من المشاطرة وقال : والله لئن كان هذا المال لله ، فما يحل لك أن تأخذ بعضاً وتترك بعضاً ، وإن كان لنا فما لك أخذه » !
وقال في أسد الغابة : 4 / 330 : « محمد بن مسلمة ، وهو كان صاحب العمال أيام عمر كان عمر ، إذا شكي إليه عامل أرسل محمداً يكشف الحال ، وهو الذي أرسله عمر إلى عماله ليأخذ شطر أموالهم » . راجع : الغدير : 6 / 276 ، والإصابة : 6 / 553 .
وقال ابن كثير في النهاية : 7 / 23 : « وكتب عمر إلى أبي عبيدة : إن أكذبَ خالد نفسه فهو أمير على ما كان عليه ، وإن لم يكذب نفسه فهو معزول ، فانزع عمامته عن رأسه وقاسمه ماله نصفين ! فقاسمه أبو عبيدة حتى أخذ إحدى نعليه وترك له الأخرى » !
ومعنى أكذب نفسه : تراجع عن الطعن في حسب عمر لأنه كان يطعن في أمه حنتمة ويسميها أم شملة ! وهذه الحادثة مع خالد قبل مقاسمة عمر لبقية العمال لأن المؤرخين ذكروا أن أول رسالة كتبها عمر بعد استخلافه كانت بعزل خالد !
وفي فتوح البلدان : 2 / 473 ، وفتوح مصر للقرشي / 258 : « كان سبب مقاسمة عمر بن الخطاب مال العمال أن خالد بن الصعق قال شعراً كتب به إلى عمر بن الخطاب :
أبلغ أمير المؤمنين رسالة * فأنت ولي الله في المال والأمر
فلا تدعن أهل الرساتيق والجزاء * يشيعون مال الله في الأدم الوفر
فأرسل إلى النعمان فاعلم حسابه * وأرسل إلى جزء وأرسل إلى بشر
ولا تنسين النافعين كليهما * وصهر بني غزوان عندك ذو وفر
ولا تدعوني للشهادة إنني * أغيب ولكني أرى عجب الدهر
من الخيل كالغزلان والبيض والدمى * وما ليس ينسى من قرام ومن ستر
ومن ريطة مطوية في صوانها * ومن طي أستار معصفرة حمر
--------------------------- 498 ---------------------------
إذا التاجر الهندي جاء بفأرة * من المسك راحت في مفارقهم تجري
نبيع إذا باعوا ونغز وإذا غزوا * فأنى لهم مال ولسنا بذي وفر
فقاسمهم نفسي فداؤك إنهم * سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر
فقال : فإنا قد أعفيناه من الشهادة ونأخذ منهم النصف ! فقاسم عمر هؤلاء الذين ذكرهم أبو المختار شطر أموالهم ، حتى أخذ نعلاً وترك نعلاً ، وكان فيهم أبو بكرة فقال : إني لم أل لك شيئاً ! فقال له : أخوك على بيت المال وعشور الأبلة وهو يعطيك المال تتجر به ! فأخذ منه عشرة آلاف . ويقال : قاسمه شطر ماله !
وقال : الحجاج الذي ذكره الحجاج بن عتيك الثقفي وكان على الفرات .
وجزء بن معاوية عم الأحنف كان على سَرَق .
وبشر بن المحتفز كان على جند يسابور . .
والنافعان نفيع أبو بكرة ونافع بن الحارث بن كلدة أخوه . .
وابن غلاب خالد بن الحارث من بنى دهمان كان على بيت المال بإصبهان .
وعاصم بن قيس بن الصلت السلمي كان على مناذر .
والذي في السوق سمرة بن جندب على سوق الأهواز .
النعمان بن عدي بن نضلة , , . كان على كور دجلة . .
وصهر بني غزوان مجاشع بن مسعود السلمي . وكان على أرض البصرة وصدقاتها .
وشبل بن معبد البجلي ثم الأحمسي كان على قبض المغانم .
وابن محرش أبو مريم الحنفي كان على رام هرمز .
فقاسمهم عمر نصف أموالهم ، والنعمان هو النعمان بن بشير وكان على حمص وصهر بني غزوان أبو هريرة كان على البحرين » . انتهى
--------------------------- 499 ---------------------------
أسئلة :
س 1 : هل يستطيع أحد منكم أن يبين الوجه الشرعي لعمل عمر هذا ؟ ! فإلى الآن لم يستطع قانوني ولا فقيه ولن يستطيع في المستقبل أن يبين الوجه الشرعي فيه ، ومع ذلك يدافعون عنه كأنه معصوم !
س 2 : ألا تلاحظون أن أصحاب علي ( عليه السلام ) وشيعته من قادة الفتوحات وعمال الأمصار فكان يثق عمر بأمانتهم . . كعمار ، وسلمان ، وحذيفة ، والنعمان بن مقرن ، وبريدة الأسلمي وخالد بن سعيد بن العاص وأخيه أبان ، وعثمان بن حنيف ، وهاشم المرقال وعمرو بن الحمق ، والأشتر ، وغيرهم ، فهؤلاء فوق التهمة ، وليس عندهم ما يقاسمهم عمر إياه !
س 3 : لماذا خص عمر اثنين من الحكام بالإعفاء من مصادرة نصف أموالهما ، وهما معاوية الأموي وقنفذ العدوي ! أما معاوية فكان الوحيد من بين أصحابه وأولاده ، الذي لم يوبخه على أعماله ولم يحاسبه على أمواله ! وكان يعجبه بذخه ويقول هذا كسرى العرب ! ( أسد الغابة : 4 / 386 )
وأما قنفذ العدوي ، فلم يحاسبه لأنه كلفه بمهمة خاصة جداً لا يجسر عليها أحد من المسلمين ، فنفذها ، وكان معروفا بالقسوة ! « فقال العباس لعلي : ما ترى عمر منعه من أن يغرم قنفذا كما أغرم جميع عماله ؟ فنظر علي إلى من حوله ثم اغرورقت عيناه بالدموع ثم قال : شكر له ضربة ضربها فاطمة بالسوط ، فماتت وفي عضدها أثره كأنه الدملج » ! ( كتاب سليم / 223 )
س 4 : ما رأيكم في قول علي ( عليه السلام ) : « العجب مما أشربت قلوب هذه الأمة من حب هذا الرجل وصاحبه من قبله والتسليم له في كل شئ أحدثه !
--------------------------- 500 ---------------------------
لئن كان عماله خونة ، وكان هذا المال في أيديهم خيانة ، ما كان حل له تركه ، وكان له أن يأخذه كله فإنه فئ المسلمين ، فما له يأخذ نصفه ويترك نصفه ؟ !
ولئن كانوا غير خونة فما حل له أن يأخذ أموالهم ولا شيئاً منهم قليلاً ولا كثيراً وإنما أخذ أنصافها ! ولو كانت في أيديهم خيانة ثم لم يقروا بها ولم تقم عليهم البينة ما حل له أن يأخذ منهم قليلاً ولا كثيراً !
وأعجب من ذلك إعادته إياهم إلى أعمالهم ! لئن كانوا خونة ما حل له أن يستعملهم ولئن كانوا غير خونة ما حلت له أموالهم » ! ( كتاب سليم / 223 ) .

  • *

15 . مسائل من سياسته مع بني هاشم

( م 411 ) اعترف بأنه منع النبي ( صلى الله عليه وآله ) من كتابة عهد الخلافة لعلي ( عليه السلام ) !

قال العلامة الحلي ( قدس سره ) في كشف اليقين / 470 : « وروى أحمد بن أبي طاهر في تاريخ بغداد بسنده عن ابن عباس ، قال : دخلت على عمر في أول خلافته وقد ألقي له صاع من تمر على خصفة ، فدعاني للأكل ، فأكلت تمرة واحدة ، وأقبل يأكل حتى أتى عليه ، ثم شرب من جرٍّ كان عنده ، واستلقى على مرفقة له ، ثم قال : من أين جئت يا عبد الله ؟ قلت : من المسجد . قال : كيف خلفت ابن عمك ؟ فظننته يعني عبد الله بن جعفر فقلت : خلفته يلعب مع أترابه . قال لم أعن ذلك إنما عنيت عظيمكم أهل البيت . قلت : خلفته يمتح بالغرب ( يسقي بالدلو ) على نخلات له وهو يقرأ القرآن فقال : يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها أبقى في نفسه شئ من أمر الخلافة ؟ قلت : نعم . قال : أيزعم أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جعلها له ؟ قلت : نعم وأزيدك سألت عما يدعيه فقال : صدق . فقال عمر : لقد كان من رسول الله
--------------------------- 501 ---------------------------
في أمره ذَرْوٌ من قول لا يُثبت حجة ولا يقطع عذراً ، وقد كان يربع في أمره وقتاً ما . ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام لاورب هذه البينة لا تجتمع عليه قريش أبداً ! ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها ! فعلم رسول الله أني علمت ما في نفسه فأمسك ، وأبى الله إلا إمضاء ما حتم ! وهذا إشارة من عمر إلى اليوم الذي قال فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إئتوني بدواة وكتف فقال عمر : إن الرجل ليهجر » ! وشرح النهج : 12 / 20
ورواه في يحيى بن الحسين في التحفة العسجدية / 144 ، ورى أيضاً أن عمر قال لابن عباس في مناسبة : « يا ابن عباس ما أرى صاحبك إلا مظلوماً ، فقلت : أردد إليه ظلامته ، فانتزع يده من يدي ومضى يهمهم ساعة ثم وقف فلحقته فقال : يا ابن عباس ما أظنهم منعهم عنه إلا أنه استصغره قومه ، فقلت : والله ما استصغره الله ورسوله حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك ! فأعرض عني » !
س 1 : قال عمر : « ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام ! لاورب هذه البينة لا تجتمع عليه قريش أبداً ! ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها » !
فهل يحق لعمر عندكم أن يستدرك على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ وهل هو أعرف منه ومن ربه عز وجل بمصلحة الإسلام وأمته ؟ !
وهل توافقون العلامة الحلي على أن كلام عمر إشارة إلى « اليوم الذي قال فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إئتوني بدواة وكتف فقال عمر : إن الرجل ليهجر » ؟ !
س 2 : هل تقبلون عذر أصحاب السقيفة بأن علياً ( عليه السلام ) كان صغير السن ولذلك اختاروا أبا بكر لأنه أكبر منه سناً ؟ وأنتم ترون أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمَّر عليهم في مرض وفاته أسامة بن زيد وهو شاب أسود كان عمره سبع عشرة سنة ؟ !
--------------------------- 502 ---------------------------

( م 412 ) عزل عمر بني هاشم وقال إن قريشاً قررت ذلك !

في تاريخ الطبري ( 3 / 288 ) عن ابن عباس ، وفي شرح النهج ( 6 / 50 ) عن عبد الله بن عمر ، ولفظهما متقارب ، قال : « كنت عند أبي يوماً وعنده نفر من الناس ، فجرى ذكر الشعر فقال : من أشعر العرب ؟ فقالوا فلان وفلان ، فطلع عبد الله بن عباس فسلم وجلس ، فقال عمر : قد جاءكم الخبير ، من أشعر الناس يا عبد الله ؟ قال : زهير بن أبي سلمى . قال : فأنشدني مما تستجيده له . فقال : يا أمير المؤمنين ، إنه مدح قوماً من غطفان يقال لهم بنو سنان ، فقال :
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم * قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا
قوم أبوهم سنان حين تنسبهم * طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا
إنس إذا أمنوا ، جن إذا فزعوا * مرزؤون بها ليلا إذا جهدوا
محسدون على ما كان من نعم * لا ينزع الله منهم ما له حسدوا
فقال عمر : والله لقد أحسن ، وما أرى هذا المدح يصلح إلا لهذا البيت هاشم لقرابتهم من رسول الله ( ص ) فقال ابن عباس : وفقك الله يا أمير المؤمنين ، فلم تزل موفقاً . فقال : يا بن عباس ، أتدري ما منع الناس منكم ؟ قال : لا ، يا أمير المؤمنين . قال : لكني أدري ! قال : ما هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة ، فتجخفوا جخفاً ( تتكبروا تكبراً ) فنظرت قريش لنفسها فاختارت ووفقت فأصابت !
فقال ابن عباس : أيميط أمير المؤمنين عني غضبه فيسمع ؟ قال : قل ما تشاء . قال : أما قول أمير المؤمنين : إن قريشاً كرهت ، فإن الله تعالى قال لقوم : ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ! وأما قولك : إنا كنا نجخف ، فلو جخفنا بالخلافة جخفنا بالقرابة ، ولكنا قوم أخلاقنا مشتقة من خلق رسول الله
--------------------------- 503 ---------------------------
الذي قال الله تعالى : وإنك لعلى خلق عظيم ، وقال له : واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين . وأما قولك : فإن قريشاً اختارت ، فإن الله تعالى يقول : وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ، وقد علمت يا أمير المؤمنين أن الله اختار من خلقه لذلك من اختار ، فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها لوفقت وأصابت قريش ! فقال عمر : على رسلك يا ابن عباس ، أبت قلوبكم يا بني هاشم إلا غشاً في أمر قريش لا يزول وحقداً عليها لا يحول !
فقال ابن عباس : مهلاً يا أمير المؤمنين ، لا تنسب هاشماً إلى الغش فإن قلوبهم من قلب رسول الله الذي طهره الله وزكاه ، وهم أهل البيت الذين قال الله تعالى لهم : إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا . وأما قولك حقداً ، فكيف لا يحقد من غصب شيئه ، ويراه في يد غيره !
فقال عمر : أما أنت يا بن عباس فقد بلغني عنك كلام أكره أن أخبرك به فتزول منزلتك عندي ! قال : وما هو يا أمير المؤمنين ؟ أخبرني به فإن يك باطلاً فمثلي أماط الباطل عن نفسه ، وإن يك حقاً فإن منزلتي لا تزول به !
قال : بلغني أنك لا تزال تقول : أخذ هذا الأمر منكم حسداً وظلماً ! قال : أما قولك يا أمير المؤمنين : حسداً ، فقد حسد إبليس آدم فأخرجه من الجنة ، فنحن بنو آدم المحسود ! وأما قولك : ظلماً ، فأمير المؤمنين يعلم صاحب الحق من هو ! ثم قال : يا أمير المؤمنين ألم تحتج العرب على العجم بحق رسول الله ، واحتجت قريش على سائر العرب بحق رسول الله ! فنحن أحق برسول الله من سائر قريش فقال له عمر : قم الآن فارجع إلى منزلك !
فقام ، فلما ولى هتف به عمر : أيها المنصرف إني على ما كان منك لراع حقك ! فالتفت ابن عباس فقال : إن لي عليك يا أمير المؤمنين وعلى كل المسلمين حقاً
--------------------------- 504 ---------------------------
برسول الله ، فمن حفظه فحق نفسه حفظ ، ومن أضاعه فحق نفسه أضاع ثم مضى ! فقال عمر لجلسائه : واهاً لابن عباس ما رأيته لاحى أحداً قط إلا خصمه » ! وجمهرة الأمثال للعسكري : 1 / 339 ، والعقد الفريد / 1378 ، ونثر الدرر / 238 ، وأشعار العرب للقرشي / 29 ، ونضرة الإغريض / 105
س 1 : ألا ترون قوة حجة ابن عباس ، حتى أن عمر أفحم بها ، فاضطر أن يطلب من ابن عباس أن يغادر المجلس ؟ ! فما قولكم ؟ !

( م 413 ) خطة عزل عمر لبني هاشم بعد وفاته !

كتب في هذا الموضوع وحلله تحليلاً علمياً موثقاً المحامي الأردني أحمد حسين يعقوب في كتابه : الخطط السياسية لتوحيد الأمة الإسلامية / 262 ، قال ملخصاً : « أدركت بطون قريش ما يرمي له محمد ، وفهمت توجه الترتيبات الإلهية ، وأنه صار بحكم المؤكد أن قيادة عصر ما بعد النبوة ستكون في بني هاشم ، وبالتحديد في علي الذي قتل الأحبة والسادات ، ومن بعد علي ستكون في بنيه ، فمن يتقدم عليهم وهم أبناء الرسول ، ومن يحاربهم وهم ناصية بني هاشم ، ومن يرفض الانقياد لهم وهم أبناء النبي ، وإذا تحققت هذه النوايا والتوجهات ، فمعنى ذلك أن الهاشميين قد أخذوا النبوة ، وأخذوا الخلافة معا ، أو جمعوا ما بين النبوة والخلافة ، وبين الدين والملك معا ، وهذا يعني أنهم قد أخذوا الشرف كله ، واختصوا بالفخر كله ، وحرموا منهما بطون قريش ، وتلك والله كارثة برأيهم ، الموت خير من مواجهتها أو العيش في ظلالها !
وتفتقت عقلية بطون قريش عن خطة قبلية سياسية مثلي ، تجمع بين الصيغة السياسية الجاهلية وبين نظام الإسلام السياسي ، وتقوم على خلط الأوراق وإعادة ترتيبها من جديد ، تحت إشراف رجالات البطون المسكونة أنفسهم
--------------------------- 505 ---------------------------
بمرض الصيغة السياسية الجاهلية ! لذلك وضعوا مجموعة من الأوراق لمواجهة الترتيبات الإلهية لعصر ما بعد النبوة ، والالتفاف عليها » !
ثم عدد أوراق البطون القرشية ومنها أنهم عصبوا دم ساداتهم الذين قُتلوا في حروب قريش مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعلي ( عليه السلام ) ! فهو الذي قتلهم فعلاً بوصفه حامل راية الرسول في كل المواقع ، وبوصفه أقوى فرسان الإسلام على الإطلاق .
ثم أوضح كيف قرر زعماء بطون قريش معالجة منظومة الحقوقية الإلهية التي وثقت مكانة أهل البيت ( عليهم السلام ) بالقرآن الكريم والسنة ، فاخترقوا الآيات بالتأويل والتفسير وتحميل النص عدة معان تضيع المقصود الشرعي منه !
ثم اخترقوا سنة النبي بفروعها الثلاثة : القول والفعل والتقرير ، برفع شعار : حسبنا كتاب الله ، بمعنى أن القرآن وحده يكفي ولا حاجة لسنة النبي ! بل رفعوا هذا الشعار بمواجهة النبي نفسه عندما أراد أن يكتب وصيته للأمة ! والذي رفعه عمر بن الخطاب ، وعندما توج أبو بكر رفعه رسمياً ، وتم حصر ما يمكن حصره من الأحاديث النبوية المكتوبة وأمر بإحراقه ، وكذلك فعل عمر ، ومنعا رسمياً رواية السنة أو كتابتها ، لأن كتاب الله وحده يكفي !
ولم يكتفوا باختراع مقولة لا يجوز لبني هاشم أن يجمعوا بين النبوة والخلافة حتى قرروا عزلهم سياسياً عزلاً كاملاً ، قال : « وعملياً وطوال رئاسة ذلك النفر للأمة لم يصدف أن استعملوا أو استعانوا بأي رجل من آل محمد ، ولا بأي رجل يتعاطف مع آل محمد ، وذلك من قبيل سد الذرائع ! قال عبد الله بن عباس : إن عمر قد أرسل إليه وقال له : إن عامل حمص قد هلك وكان من أهل الخير ، وأهل الخير قليل وقد رجوت أن تكون منهم ، وفي نفسي منك شئ لم أره منك وأعياني ذلك فما رأيك بالعمل لي ؟ قال ابن عباس فقلت : لن أعمل لك حتى
--------------------------- 506 ---------------------------
تخبرني بالذي في نفسك ؟ قال عمر ما تريد إلى ذلك ؟ قال ابن عباس فقلت : أريده فإن كان شئ أخاف منه على نفسي خشيت منه عليها الذي خشيت ، وإن كنت بريئاً من مثله علمت أني لست من أهله فقبلت عملك هنالك ، فإني قلما رأيتك طلبت شيئاً إلا عاجلته ! فقال عمر : يا بن عباس إني خشيت أن تأتي الذي هو آت ( الموت ) وأنت في عملك فتقول هلم إلينا ولا هلم إليكم دون غيركم !
فمن فرط حرص عمر على مصلحة المسلمين وكراهيته المطلقة لرئاسة آل محمد يريد حتى بعد وفاته أن يتأكد ، بأنه لا يوجد في ولايات الدولة ولا أعمالها رجل واحد يؤيد حق آل محمد بالرئاسة ! وهو يثق بمعاوية ويثق بكل ولاته لأنه وإياهم على خط واحد ، ولهم هدف واحد وهو الحيلولة بين آل محمد وبين الرئاسة العامة للأمة ، لأن ذلك النفر لا يرون أنه ليس للأمة مصلحة في رئاسة آل محمد ، بل المصلحة كل المصلحة بإبعاد آل محمد عن حقهم برئاسة الأمة ، وإبعاد أولياء آل محمد عن الولايات والإمارات والأعمال والوظائف العامة ، حتى لا يوطدوا لآل محمد !
لهذه الأسباب هان على ذلك النفر تجاهل سنة الرسول وكافة الترتيبات الإلهية المتعلقة بنظام الحكم أو بمن يخلف الرسول ، وأقنعوا أنفسهم بأن الترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول في هذا المجال ليست في مصلحة الإسلام ، ولا في مصلحة المسلمين ! ومع الأيام أقنعوا الأكثرية التي حكموها بذلك ! إن هذا لهو البلاء المبين ! » ( راجع للمؤلف نفسه : أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها / 206 ) .
س 1 : هل توافقون على هذا التحليل لاستبعاد بني هاشم وعزلهم ؟
وبماذا تفسرون أن عمر لم يولِّ أحداً منهم أبداً ، وأعطى حق النقض في شورى الخلافة لابن عوف صهر عثمان ليضمن وصولها إلى بني أمية ، واستبعاد علي وبني هاشم ؟ !
--------------------------- 507 ---------------------------

( م 414 ) قاد عمر موجة العداء لبني هاشم في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) !

بحثنا في العقائد الإسلامية ( 3 / 275 ) عداوة قريش لأسرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! وأوردنا أحاديث صحيحة من مصادرهم ، تثبت أن الدافع الأساسي لتكذيب قريش للنبي ( صلى الله عليه وآله ) كان سياسياً ، لأنهم إذا آمنوا بنبوته ( صلى الله عليه وآله ) فقد اعترفوا بالقيادة لبني هاشم وهم لا يريدون ذلك ! فكانوا شديدين في تكذيبه ومواجهته ! وكان بعضهم يفاوضون النبي ( صلى الله عليه وآله ) على الإيمان بنبوته بشرط أن يكون لهم الأمر من بعده ! لكنه ( صلى الله عليه وآله ) كان مبلغاً عن ربه ، وليس مساوماً على الأمر بعده !
وبعد فتح مكة اضطروا إلى إعلان إسلامهم ، فكانوا يستثنون النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويذمون بني هاشم ! وعندما جاءت ألوف منهم إلى المدينة أخذوا يعملون لتشويه سمعة بني هاشم لعزلوهم ويأخذوا الخلافة ! وقادهم في ذلك عمر بن الخطاب ! فقد روى أحمد ( 4 / 166 ) ، وصححه في الزوائد : « أتى ناس من الأنصار النبي ( ص ) فقالوا : إنا نسمع من قومك حتى يقول القائل منهم : إنما مثل محمد نخلة نبتت في الكبا ( المزبلة ) ! فقال رسول الله ( ص ) : أيها الناس من أنا ؟ قالوا : أنت رسول الله ، قال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب - قال فما سمعناه ينتمي قبلها - ألا أن الله عز وجل خلق خلقه ثم فرقهم فرقتين ، فجعلني في خير الفريقين ، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة ، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً ، فأنا خيرهم بيتاً وخيرهم نفساً » .
وروى الحاكم ( 4 / 73 ) بسند موثق عن عبد الله بن عمر قال : « إنا لقعود بفناء رسول الله ( ص ) إذ مرت امرأة فقال رجل من القوم : هذه ابنة محمد ، فقال رجل من القوم : إن مثل محمد في بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن ! فانطلقت المرأة
--------------------------- 508 ---------------------------
فأخبرت النبي ( ص ) فجاء النبي ( ص ) يعرف في وجهه الغضب ، ثم قام على القوم فقال : ما بال أقوال تبلغني عن أقوام ! إن الله عز وجل خلق السماوات سبعاً فاختار العليا منها فسكنها وأسكن سماواته من شاء من خلقه ، وخلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم ، واختار من بني آدم العرب ، واختار من العرب مضر ، واختار من مضر قريشاً ، واختار من قريش بني هاشم ، واختارني من بني هاشم ، فأنا من خيار إلى خيار » .
وروى مجمع الزوائد : 8 / 216 ، بسند موثق : « عن ابن عباس قال : توفي ابن لصفية عمة رسول الله ( ص ) فبكت عليه وصاحت ، فأتاها النبي فقال لها : يا عمة ما يبكيك ؟ قالت توفي ابني ، قال : يا عمة من توفي له ولد في الإسلام فصبر ، بنى الله له بيتاً في الجنة . فسكتت ، ثم خرجت من عند رسول الله ( ص ) فاستقبلها عمر بن الخطاب فقال : يا صفية قد سمعت صراخك ، إن قرابتك من رسول الله لن تغني عنك من الله شيئاً ! فبكت فسمعها النبي ( ص ) وكان يكرمها ويحبها فقال : يا عمة أتبكين وقد قلت لك ما قلت ؟ ! قالت : ليس ذاك أبكاني يا رسول الله ، استقبلني عمر بن الخطاب فقال إن قرابتك من رسول الله لن تغني عنك من الله شيئاً ! قال : فغضب النبي ( ص ) وقال : يا بلال هجر بالصلاة فهجر بلال بالصلاة ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع ! كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي فإنها موصولة في الدنيا والآخرة » !
وروايته الصحيحة في تفسير القمي : 1 / 188 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « إن صفية بنت عبد المطلب مات ابن لها ، فأقبلت ، فقال لها الثاني : غطي قرطك فإن قرابتك من رسول الله لا تنفعك شيئاً ، فقالت له : هل رأيت لي قرطاً يا بن اللخناء !
--------------------------- 509 ---------------------------
ثم دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبرته بذلك وبكت ، فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فنادى : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس فقال : ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع ! لو قد قمت المقام المحمود لشفعت في أحوجكم !
لا يسألني اليوم أحد من أبواه إلا أخبرته ! فقام إليه رجل فقال : من أبي ؟ فقال : أبوك غير الذي تدعى له ! أبوك فلان بن فلان ! فقام آخر : فقال من أبي يا رسول الله ؟ فقال أبوك الذي تدعى له ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما بال الذي يزعم أن قرابتي لا تنفع ! لا يسألني عن أبيه ؟ ! فقام إليه الثاني فقال له : أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، أعف عني عفى الله عنك » !
أقول : هذا موضوع كبير ، فيه أحاديث كثيرة وأحداث مهمة ، منها أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) واجه الطاعنين بأسرته بالطعن في أنسابهم ! وتحداهم في المسجد ، وكان معه جبرئيل ( عليه السلام ) ، أن يسألوه عن آبائهم ! راجع في الموضوع ما كتبناه في العقائد الإسلامية ( 3 / 275 ) والبخاري : 1 / 31 . ، وابن ماجة : / 546 ، وأحمد : 3 / 39 و 162 و 177 و : 5 / 296 و 303 ، والبيهقي : 4 / 286 ، وعبد الرزاق : 11 / 379 ، وفردوس الأخبار : 4 / 399 وأسد الغابة : 1 / 134 ، الدر المنثور : 2 / 335 ، و : 4 / 309 ، وكنز العمال : 4 / 443 و : 13 / 453 وغيرها .
أسئلة :
س 1 : يقول عمر إنه استوعب من النبي ( صلى الله عليه وآله ) كلامه عن فضل بني هاشم ، ولذلك خطب من علي ( عليه السلام ) ابنته ليكون له نسب وصهر إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقد نقل عمر عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قوله : « ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ، فإنها موصولة في الدنيا والآخرة فقال عمر : فتزوجت أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهما لما سمعت من رسول الله ( ص ) يومئذ ، أحببت أن يكون لي منه سبب ونسب » ( مجمع الزوائد : 8 / 216 ، والحاكم : 3 / 142 ، والاستيعاب : 4 / 1955 ، والدر المنثور : 3 / 32 ، عن عبد الرزاق وعبد بن حميد ) .
--------------------------- 510 ---------------------------
والسؤال : هل نسي ذلك عندما هاجم بيت علي وفاطمة ( عليهما السلام ) وهددهم أن يحرقه عليهم إن لم يبايعوه ؟ ! وقالوا له : إن في البيت فاطمة ! قال : وإن ! ؟
س 2 : ما معنى قول صفية لعمر : « يا ابن اللخناء » وهل هو اتهام له في نسبه ؟ !
س 3 : روى الجميع أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) تحدى الطاعنين في أسرته ، وطعن في أنسابهم ، وأمرهم أن يسألوه عن آبائهم الحقيقيين ليخبرهم ! فمن الذي سأله ومن خاف من افتضاحه ولم يسأله ؟ !
س 4 : هل تجدون في مواقف الأنبياء ( عليهم السلام ) أعنف من موقف النبي ( صلى الله عليه وآله ) مع أصحابه يوم تحداهم في أنسابهم ، ويوم طردهم في مرض وفاته وقال لهم : قوموا عني ؟ !

( م 415 ) اعترف عمر بعيد الغدير وقال إنه اصطدام بغيره !

رووا عن أبي هريرة حديثاً قاصعاً ما زالوا ولا يزالون متحيرين فيه ! لأنه سند ه صحيح متفق على صحته ! قال أبو هريرة : « لما أخذ رسول الله بيد علي بن أبي طالب فقال : ألست أولى بالمؤمنين ؟ قالوا : نعم يا رسول الله ! قال فأخذ بيد علي بن أبي طالب فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه . فقال له عمر بن الخطاب : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم قال : فأنزل الله عز وجل : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً . قال أبو هريرة : وهو يوم غدير خم ، من صامه يعني ثمانية عشر من ذي الحجة ، كتب الله له صيام ستين شهراً » . ( تاريخ دمشق : 42 / 221 ، و 233 ، وتاريخ بغداد : 8 / 284 ، والغدير : 3 / 358 ) .
ثم رووا اعتراف عمر بعيد الغدير عندما قال له كعب الأحبار كما في صحيح البخاري : 1 / 16 : « يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها ، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً ! قال : أيَّةُ آية ؟ قال : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
--------------------------- 511 ---------------------------
عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً . قال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي ( ص ) وهو قائم بعرفة يوم جمعة » . ونحوه : 5 / 127 ، و : 8 / 137
وفي رواية النسائي : 5 / 251 : « قال يهودي لعمر : لو علينا نزلت هذه الآية لاتخذناه عيداً : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ . وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي ! . قال عمر : قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه والليلة التي أنزلت ، ليلة الجمعة ونحن مع رسول الله بعرفات » ! انتهى .
فمعنى جوابه أني أوافقك بأن يوم نزول آية إكمال الدين يستحق أن يكون عيداً ، ولكن آيته نزلت يوم عيد أو ليلة عيد ، فاصطدم العيدان وأدغما ! راجع ما كتبناه في آيات الغدير / 242 .
أسئلة :
س 1 : ألا ترون أن جواب عمر لا يقنع اليهودي ولا المسلم ! لأن اليهودي يقول له : هل كان ربكم لا يعلم أن ذلك اليوم عيد فأنزلها سهواً ؟ ! أم أراد أن يخرب عليكم هذا العيد ، فأنزله في يوم عيد ، فأكله العيد الأول ؟ !
وإن قصد أن يوم عرفة مناصفة بين عيد عرفة وعيد إكمال الدين ، فعرفة ليست عيداً ثم أين هذا العيد الذي لا يوجد له أثر عندكم ، إلا عند الشيعة ؟ !
س 2 : ما بال الأمة الإسلامية لم تعرف بحادثة اصطدام الأعياد الربانية في عرفات ، حتى جاء هذا اليهودي في خلافة عمر ونبههم ، فأخبره عمر بأنه يوافقه على ما يقوله وأخبره بقصة تصادم الأعياد الإلهية في عرفات ، وأن الحكم الشرعي في هذا التصادم هو الإدغام لمصلحة العيد السابق !
س 3 : اعترف ( خليفة المسلمين بأن يوم نزول الآية يوم عظيم ، أكمل الله فيه تنزيل الإسلام وأتم فيه النعمة على أمته ، فهو يستحق أن يكون عيداً شرعياً للأمة مثل أعيادها الثلاث : الفطر والأضحى والجمعة ! وبذلك صار عيد إكمال الدين في مذاهبكم عيداً شرعياً سنوياً ! فلماذا لا تعترفون به ؟ !
--------------------------- 512 ---------------------------
س 4 : ألا ترون أن الحقيقة أن عمر تورط في ( آية علي بن أبي طالب ) فقد ناقض نفسه في آخر ما نزل من القرآن ، وفتح على نفسه المطالبة بعيد الآية إلى يوم القيامة ! فما بالنا لا نجد لهذا العيد عندكم عيناً ولا أثراً ؟
س 5 : حجتنا في جعل يوم الغدير عيداً ، أن ا روينا عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يوم الآية أي يوم الغدير عيد شرعي ، وأن جبرئيل أخبره بأن الأنبياء ( عليهم السلام ) كانوا يأمرون أممهم أن تتخذ يوم نصب الوصي عيداً ، وأمر نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن يتخذه عيداً .
فما هي حجة عمر في تأييد كلام اليهودي بأن ذلك اليوم يستحق أن يكون عيداً شرعياً للأمة الإسلامية ! فإن كان أفتى من عنده بذلك ، فهو تشريع وبدعة ، وإن كان سمعه من النبي ( صلى الله عليه وآله ) فلماذا كتمه قولاً وعملاً ولم يذكره لأحد حتى أحرجه اليهودي ؟ !

( م 416 ) تعصب عمر لقريش وبغضه للأنصار !

لعمر مواقف متعددة ضد الأنصار ، فقد أشار على النبي ( صلى الله عليه وآله ) في طريق بدر أن لا يقاتل قريشاً ، ثم انتقده لأن الأنصار أخذ وا أسرى منهم !
وفي سنن الترمذي : 4 / 217 : « عن أنس أن النبي ( ص ) دخل مكة في عمرة القضاء ، وعبد الله بن رواحة ( الأنصاري ) بين يديه يمشي وهو يقول :
خلوا بني الكفار عن سبيله * اليوم نضربكم على تنزيله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله
يا رب إني مؤمن بقيله
فقال له عمر : يا ابن رواحة بين يدي رسول الله ( ص ) وفي حرم الله تقول الشعر ؟ ! فقال رسول الله ( ص ) : خلِّ عنه يا عمر ، فلهي أسرع فيهم من نضح النبل » !
ورواه البيهقي ( 10 / 228 ) وفيه : « مه يا عمر فوالذي نفسي بيده لكلامه هذا أشد عليهم من وقع النبل » .
--------------------------- 513 ---------------------------
وفي كنز العمال : 5 / 179 : « ثم قال رسول الله ( ص ) : هيه يا ابن رواحة ، قل : لا إله إلا الله وحده نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده » .
كما نهى عمر حساناً عن إنشاد شعر معارك الإسلام في مسجد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! « أنشد حسان بن ثابت في المسجد ، فمر به عمر بن الخطاب فلحظه فقال : أفي المسجد ! فقال : والله لقد أنشدت من هو خير منك ! قال : فخشي أن يرميه برسول الله ، فأجاز وتركه » . ( سنن البيهقي : 2 / 448 ) .
وفي أسد الغابة : 2 / 5 : « نهى عمر عن إنشاد الشعر لشئ من مناقضة الأنصار ومشركي قريش ! قال : في ذلك شتم الحي والميت ، وتجديد الضغائن ! وقد هدم الله أمر الجاهلية بالإسلام » ! ثم منعه من الإنشاد ( وفاء الوفا : 1 / 497 ) ! وأخذت قريش تسب حساناً في كل مكان ، لكن عائشة منعت سبه في حضورها !
« كانت عائشة تكره أن يسب حسان ابن ثابت عندها وتقول أليس الذي قال :
فإن أبي ووالدتي وعرضي * لعرض محمدٍ منكم وقاءُ » .
( الحاكم : 3 / 487 ) .
أسئلة :
س 1 : كانت القرشيون يعتبرون بني هاشم عدوهم الأول والأنصار عدوهم الثاني ، فكيف كان ينظر إليهم عمر بن الخطاب ؟ !
س 2 : هل كان يوجد صراع على الخلافة بين الحزب القرشي وبين الأنصار ، وهل دعا الأنصار إلى جلسة في سقيفة بني ساعدة أي بيت سعد بن معاذ ؟ !
س 3 : هل صحيح أن عمر نفى سعد بن عبادة إلى الشام ثم قتله ؟ !
? (
--------------------------- 514 ---------------------------

16 . مسائل في حقيقة الفتوحات في عهد عمر

( م 417 ) فتح فارس والشام كان وعداً نبوياً

كتبنا تحت عنوان : « دور علي ( عليه السلام ) وتلاميذه في الفتوحات » : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخبر الناس من أول بعثته بأن الله تعالى وعده أن يورِّث أمته ملك كسرى وقيصر ! فكان فتح فارس والروم وعداً نبوياً ، وكان المشركون يسخرون من ذلك !
واستمر هذا الوعد عنصراً ثابتاً في مراحل دعوته ( صلى الله عليه وآله ) ، فكان برنامجاً إلزامياً للسلطة الجديدة بعد وفاته ( صلى الله عليه وآله ) ، أيّاً كانت تلك السلطة .
في سنن البيهقي : 7 / 283 : « فوالذي نفس محمد بيده ليفتحن عليكم فارس والروم »
وفي الكافي : 8 / 216 : « عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : لما حفر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الخندق مروا بكدية فتناول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المعول من يد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أو من يد سلمان رضي الله عنه فضرب بها ضربة فتفرقت بثلاث فرق ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لقد فتح علي في ضربتي هذه كنوز كسرى وقيصر ، فقال أحدهما لصاحبه : يعدنا بكنوز كسرى وقيصر وما يقدر أحدنا أن يخرج يتخلى » ! ونحوه ابن هشام : 2 / 365
وعندما جاءته رسالة تهديد من كسرى أخبره الله تعالى بأنه سيقتله في اليوم الفلاني !
ففي سيرة ابن هشام : 1 / 45 : « كتب كسرى إلى باذان : إنه بلغني أن رجلاً من قريش خرج بمكة يزعم أنه نبي فسر إليه فاستتبه ، فإن تاب وإلا فابعث إليَّ برأسه ، فبعث باذان بكتاب كسرى إلى رسول الله ( ص ) فكتب إليه رسول الله : إن الله قد وعدني أن يقتل كسرى في يوم كذا من شهر كذا ، فلما أتى باذان الكتاب توقف لينظر ، وقال : إن كان نبياً فسيكون ما قال ، فقتل الله كسرى في اليوم الذي قال رسول الله ( ص ) ! قال ابن هشام : قتل على يدي ابنه شيرويه » !
--------------------------- 515 ---------------------------
وهذا يدل على أن الاتجاه إلى الفتوحات كان خطة نبوية وعقيدة معروفة عند المسلمين ، وكانت أي سلطة تأتي بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ملزمة بهذه ( الاستراتيجية ) !
س 1 : بعد وعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بوعد الله له بفتح بلاد كسرى وقيصر ، هل كان باستطاعة أبي بكر وعمر أن لا يبدءا بالفتوحات ؟ !

( م 418 ) دور علي ( عليه السلام ) وشيعته في الفتوحات

بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) خافت السلطة من حرب مدعي النبوة خاصة طليحة الأسدي والأسود العنسي ، كما خافت من التوجه إلى فتح بلاد فارس والشام !
وكان علي ( عليه السلام ) هو الذي دفعها إلى حرب المتنبئين والى الفتوحات ، وقاد تلاميذه الفرسان أهم تلك الفتوحات ، وإن لم تعطهم السلطة مناصب قيادية لكنهم كانوا القادة الميدانيين الذين خاضوا المعارك وحققوا النصر للمسلمين ، وهم : حذيفة بن اليمان ، وسلمان الفارسي ، وعمار بن ياسر ، وأبو ذر الغفاري ، وخالد بن سعيد بن العاص الأموي وأخواه أبان وعمرو ، وهاشم بن أبي وقاص الأموي المعروف بالمرقال ، وأولاده خاصة عبد الله وعتبة . ، وبريدة الأسلمي ، وعبادة بن الصامت ، وأبو أيوب الأنصاري ، وعثمان بن حنيف وإخوته ، وعبد الرحمن بن سهل الأنصاري ، ومالك بن الحارث الأشتر وإخوته ، وعدد من القادة النخعيين معه ، وصعصعة بن صوحان العبدي وإخوته ، والأحنف بن قيس ، والعلاء بن الحضرمي ، وحجر بن عدي الكندي ، وعمرو بن الحمق الخزاعي ، وأبو الهيثم بن التيهان ، وجعدة بن هبيرة ابن أم هاني أخت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، والنعمان بن مقرن ، وبديل بن ورقاء الخزاعي ، وجرير بن عبد الله البجلي ، ومحمد بن أبي حذيفة الأنصاري ، وأبي رافع وأولاده ، والمقداد بن
--------------------------- 516 ---------------------------
عمرو ، وواثلة بن الأسقع الكناني ، والبراء بن عازب ، وأبو أيوب الأنصاري ، وبلال بن رباح مؤذن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وعبد الله بن خليفة البجلي ، وعدي بن حاتم الطائي ، وأبو عبيد بن مسعود الثقفي ، وأبو الدرداء . ويليهم : جارية بن قدامة السعدي ، وأبي الأسود الدؤلي ، ومحمد بن أبي بكر ، والمهاجر بن خالد بن الوليد . ، وغيرهم من القادة الميدانيين !
ولكل واحد من هؤلاء الأبطال أدوار هامة عتَّم عليها إعلام الخلافة ورواتها ، وأبرزوا بدلها أصحاب الأدوار الشكلية ، أو الثانوية ، أو المكذوبة !
أسئلة :
س 1 : هل تلاحظون أن تاريخ السلطة القرشية يختصر بطولة قادة الفتح بخالد بن والوليد وأبي عبيدة ، والمثنى بن حارثة ، وسعد بن أبي وقاص ، ويتجاهل أدوار غيرهم وهي أهم من أدوارهم ؟ !
س 2 : هل صح عندكم قتال أحد أبطال السلطة في معارك الفتوحات ؟ !

( م 419 ) خوف أبي بكر وعمر من قتال المرتدين !

خاف عمر من قتال المرتدين فطلب من أبي بكر أن لا يقاتلهم فوبخه أبو بكر ! والصحيح أن أبا بكر أيضاً خاف حتى نهض علي ( عليه السلام ) فأعلن أنهم إن لم يخرجوا إلى قتال المرتدين فسيخرج بمن أطاعه !
ففي كنز العمال : 6 / 527 ، عن عمر قال : « لما قبض رسول الله ارتد من ارتد من العرب وقالوا : نصلي ولا نزكي ، فأتيت أبا بكر فقلت : يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم فإنهم بمنزلة الوحش ، فقال : رجوت نصرك وجئتني بخذلانك ! جبار في الجاهلية خوار في الإسلام ! ماذا عسيتُ أن أتألفهم بشعر
--------------------------- 517 ---------------------------
مفتعل ، أو بسحر مفترى ! هيهات هيهات مضى النبي وانقطع الوحي ! والله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي وإن منعوني عقالاً ! قال عمر فوجدته في ذلك أمضى مني وأصرم مني » ونحوه الدر المنثور : 3 / 241 ، وكنز العمال : 12 / 493 .
وعلى عادته حرَّف البخاري جوهر الموضوع ، فزعم أنها كانت شبهة فقهية عند عمر سرعان ما زالت ! قال في صحيحه ( 8 / 50 ) : « قال عمر : يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ( ص ) أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ؟ قال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله ( ص ) لقاتلتهم على منعها ! قال عمر : فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال ، فعرفت أنه الحق » .
أسئلة :
س 1 : هل توافقونا على أن قرار حرب المرتدين تأخر شهرين ، وكانت المسألة في رد وبدل حتى تحرك علي ( عليه السلام ) ، فقد روى المؤرخون أن قرار أبي بكر بقتالهم تأخر حتى أغاروا على المدينة في جمادى الأولى ، بعد شهرين من وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ( تاريخ خليفة / 65 )
س 2 : هل ترون أن أبا بكر وعمر رجلا قتال وحرب ، وأين ظهر منهما ذلك ؟

( م 420 ) خوف عمر من حرب الفرس !

كانت خلافة أبي بكر نحو سنتين ، وكان فيها حرب مدعي النبوة ومقدمات الفتوحات ، وفي خلافة عمر كان علي ( عليه السلام ) هو المدبر الحقيقي للفتوحات ، وكان تلاميذه الفرسان عمدة قادتها الميدانيين .
--------------------------- 518 ---------------------------
وقد اعترفت المصادر السنية بخوف عمر وانهياره عندما انكسر المسلمون في أول معركة مهمة لهم مع الفرس قرب الكوفة ( يوم القادسية ، ويوم الجسر ، وقيس الناطف ) فطمع الفرس في غزو المدينة ، وأعدوا جيشاً كبيراً ، فخاف عمر واستشار الصحابة ، فثبته أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وطمأنه بالنصر ، وأشار عليه أن يقيم في المدينة ويرسل مدداً للمسلمين ، فارتاح عمر ، وأطلق يد علي ( عليه السلام ) في إدارة المعركة ، فاختار لها عدداً من القادة الفرسان . . الخ .
قال ابن الأعثم في الفتوح : 2 / 290 : « ذكر كتاب عمار بن ياسر إلى عمر بن الخطاب : بسم الله الرحمن الرحيم ، لعبد الله عمر أمير المؤمنين من عمار بن ياسر ، سلام عليك . أما بعد فإن ذا السطوات والنقمات المنتقم من أعدائه ، المنعم على أوليائه هو الناصر لأهل طاعته على أهل الإنكار والجحود من أهل عداوته ، ومما حدث يا أمير المؤمنين أن أهل الري وسمنان وساوه وهمذان ونهاوند وأصفهان وقم وقاشان وراوند واسفندهان وفارس وكرمان وضواحي أذربيجان قد اجتمعوا بأرض نهاوند ، في خمسين ومائة ألف من فارس وراجل من الكفار ، وقد كانوا أمَّروا عليهم أربعة من ملوك الأعاجم ، منهم ذو الحاجب خرزاد بن هرمز ، وسنفاد بن حشروا ، وخهانيل بن فيروز ، وشروميان بن اسفنديار ، وأنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا وتحالفوا وتكاتبوا وتواصوا وتواثقوا ، على أنهم يخرجوننا من أرضنا ويأتونكم من بعدنا ، وهم جمع عتيد وبأس شديد ، ودواب فَرِهٌ وسلاح شاك ، ويد الله فوق أيديهم .
فإني أخبرك يا أمير المؤمنين أنهم قد قتلوا كل من كان منا في مدنهم ، وقد تقاربوا مما كنا فتحناه من أرضهم ، وقد عزموا أن يقصدوا المدائن ، ويصيروا منها إلى الكوفة ، وقد والله هالنا ذلك وما أتانا من أمرهم وخبرهم ، وكتبت هذا
--------------------------- 519 ---------------------------
الكتاب إلى أمير المؤمنين ليكون هو الذي يرشدنا وعلى الأمور يدلنا ، والله الموفق الصانع بحول وقوته ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، فرأي أمير المؤمنين أسعده الله فيما كتبته . والسلام . قال : فلما ورد الكتاب على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقرأه وفهم ما فيه وقعت عليه الرعدة والنفضة ، حتى سمع المسلمون أطيط أضراسه ! ثم قام عن موضعه حتى دخل المسجد وجعل ينادي : أين المهاجرون والأنصار ! ألا فاجتمعوا رحمكم الله وأعينوني أعانكم الله !
ثم ذكر ابن الأعثم مجئ الصحابة وطرحهم مقترحاتهم ، وكان علي ( عليه السلام ) ساكتاً فسأله وأعطاه الرأي فأعجب به عمر ، قال : « فلما سمع عمر مقالة علي كرم الله وجهه ومشورته ، أقبل على الناس وقال : ويحكم ! عجزتم كلكم عن آخركم أن تقولوا كما قال أبو الحسن ! والله لقد كان رأيه رأيي الذي رأيته في نفسي ، ثم أقبل عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا أبا الحسن ! فأشر عليَّ الآن برجل ترتضيه ويرتضيه المسلمون أجعله أميراً ، وأستكفيه من هؤلاء الفرس .
فقال علي رضي الله عنه : قد أصبته ! قال عمر : ومن هو ؟ قال : النعمان بن مقرن المزني ، فقال عمر وجميع المسلمين : أصبت يا أبا الحسن ! وما لها من سواه . . الخ . » .
ونحوه الطبري : 3 / 209 . راجع دور علي ( عليه السلام ) في الفتوحات في موقعنا : www . alameli . net .

( م 421 ) أوقف عمر الفتوحات بعد معركة نهاوند !

. قاد النعمان بن مقرن معركة نهاوند خير إدارة ، واستشهد فيها فقادها بعده حذيفة بن اليمان وكتب الله لهم النصر ، أدار بعد أن نصر الله المسلمين وفتحوا أكثر العراق والبصرة والأهواز ، فخاف عمر من التوغل في إيران وأمر بعدم التوغل وأن لا ينساحوا في بلاد فارس !
--------------------------- 520 ---------------------------
قال الطبري : 3 / 176 : « قال عمر حسبنا لأهل البصرة سوادهم والأهواز ، وددت أن بيننا وبين فارس جبلاً من نار لا يصلون إلينا منه ولا نصل إليهم ! كما قال لأهل الكوفة : وددت أن بينهم وبين الجبل جبلاً من نار لا يصلون إلينا منه ولا نصل إليهم » !
وقال الطبري : 3 / 80 : « فكتب إليه عمر : أن قف مكانك ولا تتبعهم واتخذ للمسلمين دار جهرة ومنزل جهاد ولا تجعل بيني وبين المسلمين بحراً لا يصلح العرب إلا حيث يصلح البعير والشاة ، في منابت العشب ، فانظر فلاة في جنب البحر فارتد للمسلمين بها منزلاً » !
واستمر خوف عمر سنوات حتى فتحت خراسان . ففي الطبري : 3 / 246 : « لما قدم على عمر فتح خراسان قال : لوددت أن بيننا وبينها بحراً من نار ، فقال علي : وما يشتد عليك من فتحها ، فإن ذلك لموضع سرور » !

( م 422 ) فتح حاكم البحرين قسماً من إيران فغضب عليه عمر !

قال الطبري : 3 / 177 ، عن العلاء الحضرمي : « واستعمله عمر ونهاه عن البحر فلم يقدر في الطاعة والمعصية وعواقبهما ، فندب أهل البحرين إلى فارس فتسرعوا إلى ذلك ، وفرقهم أجناداً على أحدهما الجارود بن المعلى ، وعلى الآخر السوار بن همام ، وعلى الآخر خليد بن المنذر ابن ساوى ، وخليد على جماعة الناس ، فحملهم في البحر إلى فارس بغير إذن عمر ، وكان عمر لا يأذن لأحد في ركوبه غازياً ، يكره التغرير بجنده استناناً بالنبي ( ص ) وبأبي بكر ! لم يغز فيه النبي ولا أبو بكر ، فعبرت تلك الجنود من البحرين إلى فارس فخرجوا في إصطخر وبإزائهم أهل فارس ، وعلى أهل فارس الهربذا اجتمعوا عليه ، فحالوا بين
--------------------------- 521 ---------------------------
المسلمين وبين سفنهم ، فقام خليد في الناس فقال : أما بعد فإن الله إذا قصي أمرا جرت به المقادير حتى تصيبه ، وإن هؤلاء القوم لم يزيدوا بما صنعوا على أن دعوكم إلى حربهم ، وإنما جئتم لمحاربتهم ، والسفن والأرض لمن غلب فاستعينوا بالصبر والصلاة ، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ، فأجابوه إلى ذلك فصلوا الظهر ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتالاً شديداً في موضع من الأرض يدعى طاوس ، وجعل السوار يرتجز يومئذ ويذكر قومه ويقول :
يا آل عبد القيس للقراع * قد حفل الإمداد بالجراع
وكلهم في سنن المصاع * بحسن ضرب القوم بالقطاع
ولما بلغ عمر الذي صنع العلاء من بعثه ذلك الجيش في البحر ، ألقى في روعه نحو من الذي كان ، فاشتد غضبه على العلاء وكتب إليه يعزله وتوعده ، وأمره بأثقل الأشياء عليه وأبغض الوجوه إليه بتأمير سعد عليه ! وقال : إلحق بسعد بن أبي وقاص فيمن قبلك ! فخرج بمن معه نحو سعد » . ونحوه ابن كثير في النهاية : 7 / 96 ، وابن خلدون : 2 ق 2 / 122 . وروت عامة مصادرهم غزوة العلاء الحضرمي ( رحمه الله ) كالطبقات : 4 / 361 ، وتاريخ دمشق : 60 / 37 ، وأسد الغابة : 4 / 7 ، وسير الذهبي : 1 / 264 ، والإصابة : 2 / 288 ، وفتوح البلاذري : 1 / 104 ، والنهاية : 7 / 146 ، وابن خلدون : 7 / 240 ، وحلية الأولياء : 1 / 8 ، والاستيعاب 3 / 1087 ، والمنتظم : 4 / 242 ، والاكتفاء للكلاعي : 4 / 317 ، والتراتيب الإدارية : 1 / 370 ، وغيرها ) .
وهذا يرد قول البخاري إن معاوية أول من غزا قبرص في البحر في زمن عثمان ، فإن العلاء الحضرمي غزا وفتح جنوب إيران قبله بعشر سنوات . قال بخاري في صحيحه : 3 / 232 : « فحدثتنا أم حرام أنها سمعت النبي ( ص ) يقول : أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا ! قالت أم حرام : قلت يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال : أنت فيهم ! ثم قال النبي ( ص ) : أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم ! فقلت : أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال : لا » و : 3 / 201 ، وكررها بضع مرات !
--------------------------- 522 ---------------------------
وقصده أن معاوية أول من غزا في البحر لفتح قبرص فقد أوجب ، أي استحق الجنة فلا يضره بعد ذلك خروجه على علي ( عليه السلام ) وقتله مئات الألوف من المسلمين ليتأمر عليهم ! كما أن يزيداً كان قائد أول جيش غزا القسطنطينية فهو مغفور له ولا يضره بعدها أنه قتل الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه في كربلاء ، وقتل خيار الصحابة والتابعين واستباح المدينة في وقعة الحرة ، ثم رمى الكعبة بالمنجنيق !
قال في فتح الباري : 6 / 74 : « قال المهلب : في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر ، ومنقبة لولده يزيد لأنه أول من غزا مدينة قيصر » ، و : 11 / 63 و : 6 / 57 .
وقد كذبوا في غزوة معاوية لقبرص ، كما كذبوا في غزوة يزيد ، وقد جعلوا الكذبتين منقبتين ! وفرح ابن تيمية بهذه المنقبة ليزيد ، فقال منهاج السنة : 4 / 544 : « فإنه غزا القسطنطينية في حياة أبيه معاوية وكان معهم في الجيش أبو أيوب الأنصاري وذلك الجيش أول جيش غزا القسطنطينية ، وفي صحيح البخاري عن ابن عمر عن النبي ( ص ) أنه قال أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم » !
وفي : 4 / 571 ، ومجموع الفتاوى : 3 / 413 ، ونحوه في : 4 / 486 ، و : 18 / 352 وغيره من كتبه !
فأين ذهبت منقبة معاوية وغزوته المزعومة ، التي كانت بعد غزوة العلاء بعشر سنين وأكثر ! لأن فتح قبرص كان في سنة 28 !
أسئلة :
س 1 : ما رأيكم في هذا التناقض في صحاحكم ، وهل ترجحون رواية بخاري وتردون غيرها وإن كان صحيحاً ؟ !
س 2 : ما رأيكم في خوف عمر من الحرب وخوفه من البحر ؟
--------------------------- 523 ---------------------------
س 3 : ما رأيكم في معاقبة عمر لحاكم البحرين العلاء بن الحضرمي ، وهو من الصحابة ، ومنصوب من قبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حاكماً على البحرين ؟
س 4 : ألا ترون أن الصحابة كانوا مصنفين في ولائهم في زمن عمر ، وبعضهم مكشوف الولاء وعلاقته سيئة مع عمر ، كالعلاء حاكم البحرين الذي هو من شيعة علي ( عليه السلام ) ، وقد عاقبه عمر فجعله مع جيشه البحراني تحت إمرة سعد بن أبي وقاص الذي كان مبغضاً لعلي ( عليه السلام ) ؟ !

( م 423 ) خاف عمر من الروم في الشام فطمأنه علي ( عليه السلام )

وكذلك كان الأمر في فتح الشام كالعراق ، وهما أساس كل الفتوحات الإسلامية ، فيكفي أن نعرف دور الأبطال من تلاميذ علي ( عليه السلام ) كحذيفة ، وحجر بن عدي وهاشم المرقال وكان قائد الرجالة ، وخالد بن سعيد بن العاص الذي كان أبو بكر كتب له مرسوم قيادة جيش الشام ، فأصر عمر على عزله لأنه من شيعة علي ( عليه السلام ) ، لكنه ذهب قائداً ميدانياً وقطف النصر في معركة أجنادين ! ومالك الأشتر الذي قطف النصر في معركة اليرموك ، وهما أهم معارك المسلمين مع الروم في كل بلاد الشام !
فقد أرسل خالد بن الوليد إلى أبي بكر بأن الروم يحشدون جيشهم في اليرموك ، فاستشار علياً ( عليه السلام ) فأرسل إليه مالك الأشتر وعمرو بن معديكرب في مئات .
قال الواقدي : 1 / 68 « كتب أبو بكر كتاباً إلى خالد . . . وقد تقدم إليك أبطال اليمن وأبطال مكة ، ويكفيك بن معد يكرب الزبيدي ، ومالك بن الأشتر »
ثم توفي أبو بكر وعزل عمر خالداً وجعل بدله أبا عبيدة ، فأرسل أبو عبيدة إلى عمر يخبره بمواصلة الروم تحشيد قواتهم ، فقال عمر كما في فتوح الواقدي : 1 / 178 :
--------------------------- 524 ---------------------------
« ما تشيرون به عليَّ رحمكم الله تعالى ؟ فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أبشروا رحمكم الله تعالى فإن هذه الوقعة يكون فيها آية من آيات الله تعالى ، يختبر بها عباده المؤمنين لينظر أفعالهم وصبرهم ، فمن صبر واحتسب كان عند الله من الصابرين ، واعلموا أن هذه الوقعة هي التي ذكرها لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) التي يبقى ذكرها إلى الأبد هذه الدائرة المهلكة ! يا أمير المؤمنين أكتب إلى عاملك أبي عبيدة كتاباً وأعلمه فيه أن نصر الله خير له من غوثنا ونجدتنا »
« قال عطية بن عامر : فوالله ما شبهت عساكر اليرموك إلا كالجراد المنتشر إذْ سدَّ بكثرته الوادي ! قال : ونظرت إلى المسلمين قد ظهر منهم القلق وهم لا يفترون عن قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم » ( الواقدي في : 1 / 163 ) .
وقد وصف الواقدي : 1 / 224 ، المعركة وبطل الروم ماهان ، وقال : « وخرج ماهان إلى القتال وهو كأنه جبل ذهب يبرق ، وأقبل حتى وقف بين الصفين ودعا إلى البراز وخوَّف باسمه ، فكان أول من عرفه خالد بن الوليد فقال : هذا ماهان ، هذا صاحب القوم قد خرج . فخرج إليه غلام من الأوس وقال : والله أنا مشتاق إلى الجنة وحمل ماهان وبيده عمود من ذهب كان تحت فخذه فضرب به الغلام فقتله وعجل الله بروحه إلى الجنة ! قال أبو هريرة : فنظرت إلى الغلام عندما سقط وهو يشير بإصبعه نحو السماء ولم يهله ما لحقه ، فعلمت أن ذلك لفرحه بما عاين من الحور العين ! قال : فجال ماهان على مصرعه وقويَ قلبه ودعا إلى البراز . . وكان أول من برز مالك النخعي الأشتر وساواه في الميدان فابتدر مالك ماهان بالكلام وقال له : أيها العلج لا تغتر بمن قتلته وإنما اشتاق صاحبنا إلى لقاء ربه ، وما منا إلا من هو مشتاق إلى الجنة ، فإن أردت مجاورتنا في جنات النعيم
--------------------------- 525 ---------------------------
فانطق بكلمة الشهادة أو أداء الجزية ، وإلا فأنت هالك لا محالة ! فقال له ماهان : أنت صاحب خالد بن الوليد ؟ قال لا أنا مالك النخعي صاحب رسول الله ! فقال ماهان : لا بد لي من الحرب ثم حمل على مالك وكان من أهل الشجاعة فاجتهدا في القتال ، فأخرج ماهان عموده وضرب به مالكاً على البيضة التي على رأسه فغاصت في جبهة مالك فشَتَرتْ عينه فمن ذلك اليوم سمي بالأشتر ، قال : فلما رأى مالك ما نزل به من ضربة ماهان عزم على الرجوع ، ثم فكر فيما عزم عليه فدبَّرَ نفسه وعلم أن الله ناصره ، قال والدم فائرٌ من جبهته وعدو الله يظن أنه قتل مالكاً ، وهو ينظره متى يقع عن ظهر فرسه ! وإذا بمالك قد حمل وأخذته أصوات المسلمين يا مالك استعن بالله يعنك على قرينك ، قال مالك : فاستعنت بالله عليه وصليت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ضربته ضربة عظيمة . قال الواقدي : ولما ولى ماهان بين يدي مالك الأشتر منهزماً صاح خالد بالمسلمين : يا أهل النصر والبأس احملوا على القوم ما داموا في دهشتهم » وفتوح ابن الأعثم / 230 ، و 268 .
أسئلة :
س 1 : بماذا تفسرون رجوع أبي بكر وعمر إلى علي ( عليه السلام ) في الشدائد ، والأخذ برأيه في خطط الفتوحات وأبطالها ؟ !
س 2 : هل توافقون أن النصر في كل المعارك يتوقف بعد إذن الله تعالى على القيادي الممتاز الذي يرفع معنويات الجيش ، ثم يقتحم فيبدأ بقطف النصر ، وهذا ما اتصف به الصحابي مالك ( رحمه الله ) ؟ !
س 3 : ما دام بطل معركة أجنادين خالد بن سعيد بن العاص وبطل معركة اليرموك مالك الأشتر ، فهما اللذان فتحا فلسطين وسوريا ، فلماذا أخفت السلكة دوريهما ؟ !
( راجع ما كتبناه عن دور علي ( عليه السلام ) وتلاميذه في الفتوحات في موقعنا : www . alameli . net ) .
--------------------------- 526 ---------------------------

( م 424 ) علي ( عليه السلام ) يشكو ظلامته وطمس دوره في الفتوحات

تعامل علي وأهل البيت ( عليهم السلام ) مع الموجة القرشية ضدهم بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بنبل رسالي ، ونفذوا ما أمرهم به حبيبهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وسجلوا صبراً لا نظير له ، فكظموا غيظهم وصبَّروا أنصارهم ، وارتفعوا على جراحهم ، فعملوا مخلصين في تسيير سفينة الإسلام وفتوحاته !
قال عليٌّ ( عليه السلام ) في كتابه إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارتها : « أما بعد فإن الله سبحانه بعث محمداً ( صلى الله عليه وآله ) نذيراً للعالمين ، ومهيمناً على المرسلين ، فلما مضى تنازع المسلمون الأمر من بعده ، فوالله ما كان يلقى في روعي ولا يخطر ببالي أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده ( صلى الله عليه وآله ) عن أهل بيته ولا أنهم مُنَحُّوهُ عني من بعده ، ( يقصد ( عليه السلام ) أن هذا كان أمراً لا يتصور ) فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه ، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام ، يدعون إلى محق دين محمد ( صلى الله عليه وآله ) ! فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم ، التي إنما هي متاع أيام قلائل ، يزول منها ما كان كما يزول السراب ، أو كما يتقشع السحاب ، فنهضت في تلك الأحداث ، حتى زاح الباطل وزهق ، واطمأن الدين وتَنَهْنَهْ » . ( نهج البلاغة : 3 / 118 ) .
وفي رواية المسترشد للطبري الشيعي / 412 : « ورأيت الناس قد امتنعوا بقعودي عن الخروج إليهم ، فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فتألفته ، ولولا أني فعلت ذلك لباد الإسلام ، ثم نهضت في تلك الاحداث حتى أناخ الباطل وكانت كلمة الله هي العليا ولو كره المشركون » .
ثم سجل علي ( عليه السلام ) ظلامته للتاريخ ، فقال كما في شرح النهج : 20 / 298 : « قال له قائل : يا أمير المؤمنين أرأيت لو كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ترك ولداً ذكراً قد بلغ الحلم ، وآنس منه الرشد ، أكانت العرب تسلم إليه أمرها ؟ قال : لا ، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلت ، ولولا أن
--------------------------- 527 ---------------------------
قريشاً جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة ، وسلماً إلى العز والأمرة ، لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً ، ولارتدت في حافرتها ، وعاد قارحها جذعاً ، وبازلها بكرًا ، ثم فتح الله عليها الفتوح فأثْرت بعد الفاقة ، وتمولت بعد الجَهد والمخمصة ، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً ، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً ، وقالت : لولا أنه حق لما كان كذا ، ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها وحسن تدبير الأمراء القائمين بها ، فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين ، فكنا نحن ممن خمل ذكره ، وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته ، حتى أكل الدهر علينا وشرب ، ومضت السنون والأحقاب بما فيها ، ومات كثير ممن يعرف ، ونشأ كثير ممن لا يعرف !
وما عسى أن يكون الولد لو كان ! إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يقربني بما تعلمونه من القُرْب للنسب واللحمة ، بل للجهاد والنصيحة ، أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت ! وكذاك لم يكن يَقْرُب ما قَرُبْتُ ، ثم لم يكن عند قريش والعرب سبباً للحظوة والمنزلة ، بل للحرمان والجفوة . اللهم إنك تعلم أني لم أرد الأمرة ولا علو الملك والرياسة ، وإنما أردت القيام بحدودك ، والأداء لشرعك ، ووضع الأمور في مواضعها ، وتوفير الحقوق على أهلها والمضي على منهاج نبيك وإرشاد الضال إلى أنوار هدايتك » . انتهى .
س 1 : ما رأيكم في هذا المنطق والحجج لأمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ؟ !

  • *

17 . مسائل في شورى عمر للخلافة بعده !

( م 425 ) رفض تحمل مسؤولية الخلافة بعد موته ، وتحملها !

في التمهيد لابن عبد البر : 22 / 128 : « عن ابن عمر قال لما طعن عمر قالوا له : ألا تستخلف ؟ قال : أحتملكم حياً وميتاً ؟ ! حظي منكم الكفاف لا عليَّ ولا لي . إن أترككم فقد ترككم من هو خير مني ومنكم رسول الله ( ص ) ، وإن استخلف فقد
--------------------------- 528 ---------------------------
استخلف من هو خير مني أبو بكر » . « قال : فوالذي نفسي بيده لوددت أني خرجت منها كما دخلت فيها ، لا أجر ولا وزر » . ( سنن البيهقي : 10 / 97 ) .
« عن ابن عباس قال : أنا أول من أتى عمر حين طعن فقال : إحفظ عني ثلاثاً ، فإني أخاف أن لا يدركني الناس ، أما أنا فلم أقض في الكلالة ، ولم أستخلف على الناس خليفة ، وكل مملوك له عتيق » . ( الدر المنثور : 2 / 250 ) .
س 1 : كيف يقول عمر إنه لا يريد أن يتحمل الخلافة حياً وميتاً ن وقد تحملها بعد موته بالشورى الشكلية التي رتبها ، وتحملها قبل خلافته بفرض خلافة أبي بكر على المسلمين ن وإجبارهم على بيعته ؟ !

( م 426 ) قال عمر الأئمة من قريش ومن الفرس !

في تاريخ المدينة : 3 / 922 و 881 : « لما طعن عمر قيل له : لو استخلفت ؟ قال : لو شهدني أحد رجلين استخلفته ! إني قد اجتهدت ولم أتم أو وضعتها موضعها ، أبو عبيدة بن الجراح ، وسالم مولى أبي حذيفة . . لو كان فيكم مثل سالم مولى أبي حذيفة ، لم أشكك في استخلافه » !
س 1 : كيف تفسرون تناقض عمر ، فبينما يؤكد أن الخلافة لقريش فقط ، وإذا به يعلن أنه لو كان سالم حياً لأوصى إليه ، وسالم غلام فارسي ! وكان هو وأبو عبيدة وأبو بكر وعمر أصحاب الصحيفة التي كتبوها في الكعبة ، أن يصرفوا الأمر عن بني هاشم .

( م 427 ) وجعل الخلافة لعثمان بحيلة الشورى

. أوصى عمر بالشورى لستة وأعطى حق النقض لابن عوف ! ففي صحيح مسلم : 2 / 81 : « « إن عمر بن الخطاب خطب يوم الجمعة فذكر نبي الله ( ص ) وذكر أبا بكر قال إني رأيت كأن ديكاً نقرني ثلاث نقرات ، وأني لا أراه إلا حضور
--------------------------- 529 ---------------------------
أجلي ، وإن أقواماً يأمرونني أن استخلف ، وإن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته ، ولا الذي بعث به نبيه ( ص ) فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله ( ص ) وهو عنهم راض ، وإني قد علمت أن أقواماً يطعنون في هذا الأمر أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام ، فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضلال !
ثم إني لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة وما راجعت رسول الله ( ص ) في شئ ما راجعته في الكلالة وما أغلظ لي في شئ ما أغلظ لي فيه حتى طعن بإصبعه في صدري فقال يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء ! وإني أن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن .
وإني أشهد الله على أمراء الأمصار أني إنما بعثتهم ليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم ، ويعدلوا عليهم ويقسموا فيئهم بينهم ، ويرفعوا إلي مما عمي عليهم .
ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا البصل والثوم ، لقد رأيت رسول الله ( ص ) إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع ، فمن أكلهما فليمتهما طبخاً » . ومسند أحمد : 1 / 48 ، وعامة المصادر .
أسئلة :
س 1 : كان عمر يعرف أن هذه الخطبة خطبة وداع وعهد ووصية ، فكيف تفسر ذكره لإرث الكلالة وهي مسألة فقهية ، والبصل والثوم وهما مسألة أخلاقية ؟
س 2 : لا يعرف أحد حتى عمر من هم هؤلاء الصحابة الكفرة الضالون الذين سيطعنون في شوراه ، ولا متى قاتلهم بيده على الإسلام ! فهل تعرفونهم ؟ !
--------------------------- 530 ---------------------------

( م 428 ) مَهَّدَ عمر بتولية معاوية لنقل الخلافة إلى بني أمية !

قال محمد بن جرير الطبري ، الشيعي في المسترشد / 534 : « ومما نقموا عليه : توليته معاوية بن أبي سفيان وقد سمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : إذا رأيتم معاوية على منبري هذا فاقتلوه ؟ قال الحسن البصري : فلم يفعلوا ولم ينجحوا ، وقد ولاه الثاني أمر المسلمين ، فخطب على منابرهم ، وتحكم في أموالهم وفروجهم وجعل له سبيلا إلى طلب الخلافة ، حتى قتل ولد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجرى على يده ويد ابنه ما جرى » . وبهامشه : قال ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب : 5 / 110 في ترجمة عباد بن يعقوب : روى عن شريك ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله مرفوعاً : إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه ! كما رواه السمعاني في الأنساب : 3 / 95 في ترجمة عباد بن يعقوب ، ورواه أيضاً الخطيب في تاريخ بغداد : 12 / 181 في ترجمة عمرو بن عبيد ، عن الحسن أن رسول الله ( ص ) قال : إذا رأيتم معاوية على المنبر فاقتلوه . ورواه أيضاً نصر بن مزاحم المنقري في كتاب صفين / 216 عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله ( ص ) : إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على منبري فاضربوا عنقه ! قال الحسن فما فعلوا ولا أفلحوا . وفي حديث آخر عن الحسن قال : قال رسول الله ( ص ) : إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه ، قال : فحدثني بعضهم قال : قال أبو سعيد الخدري : فلم نفعل ولم نفلح . وفي / 217 عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله ( ص ) : يموت معاوية على غير الإسلام ! وعن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله : ( ص ) : يموت معاوية على غير ملتي . وفي / 219 : عن عبد الله بن عمر قال : إن تابوت معاوية في النار فوق تابوت فرعون ، وذلك بأن فرعون قال : أنا ربكم الأعلى . ورواه الذهبي في تاريخ الإسلام : 4 / 312
أقول : لهذا الحديث شواهد عديدة إلى حد التواتر بأسناد كثيرة وألفاظ مختلفة ، ومن يريد التفصيل فعليه بكتاب الغدير للعلامة الأميني ( رحمه الله ) : 10 / 142 .
س 1 : ألا ترون أن عمر رتب الشورى من أجل بني أمية ، فركز معاوية في الشام وهدد أهل الشورى إذا لم يتفقوا على عثمان فسيأتي معاوية بجيشه من الشام ويجبرهم ، ثم يأتي حليف بني أمية عامل اليمن وينصره ! قال لأهل الشورى : « إن اختلفتم دخل
--------------------------- 531 ---------------------------
عليكم معاوية بن أبي سفيان من الشام ، وبعده عبد الله بن أبي ربيعة من اليمن ، فلا يريان لكم فضلاً لسابقتكم » ! ( تاريخ دمشق : 59 / 124 ، والإصابة : 4 / 70 ) .
ومعناه أطيعوني يا أصحاب محمد في بيعة من يختاره ابن عوف ، وإلا خسرتم الحكم كلياً ، وأخذه منكم بنو أمية بجيش الشام وجيش اليمن ؟ !

( م 429 ) مدح عمر أعضاء الشورى واحداً واحداً

روى الطبراني في المعجم الأوسط : 3 / 287 ، عن ابن عمر قال : « لما طعن عمر بن الخطاب وأمر بالشورى دخلت عليه حفصة ابنته فقالت : يا أبة إن الناس يقولون إن هؤلاء القوم الذين جعلتهم في الشورى ليس هم برضى !
فقال أسندوني فأسندوه وهو لما به فقال : ما عسى أن يقولوا في عثمان سمعت رسول الله يوم يموت عثمان تصلي عليه ملائكة السماء ! قلت : لعثمان خاصة أم للناس عامة ؟ قال : بل لعثمان خاصة ! قال : وما عسى أن يقولوا في عبد الرحمن بن عوف ، رأيت النبي وقد جاع جوعاً وعطاء فجاء عبد الرحمن برغيفين بينهما إهالة فوضع بين يدي رسول الله ، فقال : كفاك الله أمر دنياك ، أما الآخرة فأنا لها ضامن . ما عسى أن يقولوا في طلحة ؟ رأيت النبي وقد سقط رحله في ليلة قرة فقال من يسوي رحلي وله الجنة ، فابتدر طلحة الرحل فسواه فقال النبي : لك الجنة عليَّ يا طلحة غداَ ! ما عسى أن يقولوا في الزبير ؟ رأيت النبي وقد نام فلم يزل بالنبي يذب عن وجهه حتى استيقظ فقال له النبي : لم تزل يا أبا عبد الله ، قال لم أزل فداك أبي وأمي . قال : هذا جبريل يقرأ عليك السلام ويقول لك عليَّ أن أذب عن وجهك شرر جهنم يوم القيامة ! ما عسى أن يقولوا في علي ؟ سمعت رسول الله يقول : يا علي يدك مع يدي يوم القيامة تدخل معي حيث أدخل » !
--------------------------- 532 ---------------------------

( م 430 ) ثم ذمهم واحداً واحداً إلا رئيس اللجنة !

قال في فتح الباري : 13 / 169 : « لما طعن عمر قيل له : استخلف ، قال : وقد رأيت من حرصهم ما رأيت ! إلى أن قال : هذا الأمر بين ستة رهط من قريش فذكرهم وبدأ بعثمان ، ثم قال : وعلي وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص وانتظروا أخاكم طلحة ثلاثاً فإن قدم فيهن فهو شريكهم في الأمر .
وقال : إن الناس لن يعدوكم أيها الثلاثة فإن كنت يا عثمان في شئ من أمر الناس فاتق الله ولا تحملن بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس ! وإن كنت يا علي فاتق الله ولا تحملن بني هاشم على رقاب الناس ! وإن كنت يا عبد الرحمن فاتق الله ولا تحملن أقاربك على رقاب الناس ! قال ويتبع الأقل الأكثر ، ومن تأمر من غير أن يؤمر فاقتلوه » !
وفي تاريخ دمشق : 45 / 453 : « أن عبد الملك بن مروان كان يحدث عن أبي بحرية الكندي أنه أخبره عن عمر أنه خرج على مجلس فيه عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص فقال : كلكم يحدث نفسه بالإمارة بعدي ! قال : فسكتوا . فقال : كلكم يحدث نفسه بالإمارة بعدي ؟ فقال الزبير : نعم كلنا يحدث نفسه بالإمارة بعدك ويراه لها أهلاً ! قال : أفلا أحدثكم عنكم ؟ قال : فسكتوا ، ثم قال : ألا أحدثكم عنكم فسكتوا ، ثم قال ألا أحدثكم عنكم ؟ قال الزبير : فحدثنا ولو سكتنا لحدثتنا ! فقال : أما أنت يا زبير فإنك كافر الغضب مؤمن الرضا ، يوماً تكون شيطاناً ويوماً تكون إنساناً ! أفرأيت يوم تكون شيطاناً من يكون الخليفة يومئذ ؟ ! وأما أنت يا طلحة فلقد مات رسول الله وإنه عليك لعاتب ! وأما أنت يا عبد الرحمن فإنك لما جاءك من
--------------------------- 533 ---------------------------
خير لأهل . وأما أنت يا علي فإنك صاحب رياء وفيك دعابة ! وإن منكم لرجلاً لو قسم إيمانه بين جند من الأجناد لأوسعهم يريد عثمان بن عفان ! وأما أنت يا سعد فأنت صاحب مال ! والمحفوظ عن عمر شهادته لهم بأن رسول الله ( ص ) توفي وهو عنهم راض » .

( م 431 ) ثم أمر بقتلهم جميعاً إن خالفوه !

قال الطبري الشيعي في المسترشد / 544 : « ومما نقموا عليه اختياره أصحاب الشورى من أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) من المهاجرين الأولين ، وزعمه أن النبي قبض وهو عنهم راض وأنهم من أهل الجنة ، وذكر أنه يكره أن يتحملها حياً وميتاً ، فلئن كانت خلافته على منهاج رسول الله ، فإنه ليحب أن يتحملها حياً وميتاً ، لأنها الحق وهو في آخر حين . ولئن كان قد علم أنها على غير جهتها لقد أحسن حيث تحوَّبَ أن يتحملها ميتاً ، فاختار هؤلاء الستة الذين اختارهم وقال : إن اتفق أربعة من الستة وأبى اثنان فاضربوا أعناقهما ، وهما عنده من أهل الجنة ! ثم حكم بحكم آخر فقال : إن افترقوا ثلاثة ثلاثة فالفرقة التي فيها عبد الرحمن بن عوف معها الحق ! ثم حكم بحكم ثالث فقال : إن مضت ثلاثة أيام ولم يفرغوا من شأنهم فاضربوا أعناق القوم جميعاً !
فيا عجباً ! زعم أنه يتخوف أن يولي أحداً ، مخافة أن لا يعلم بالحق ، ولا يتخوف من ضرب أعناق ستة من المهاجرين الأولين هم عنده خيار الأمة ، ويشهد أنهم من أهل الجنة ، وفي عقد دين الله التكفير لمن استحل قتل مؤمن ، فأية خصلة من الخصال لم يأمر بها » !
--------------------------- 534 ---------------------------
في تاريخ دمشق : 39 / 196 : « عن أبي صالح الحنفي قال : لما طعن عمر وأمر بالشورى فجعلها في الستة الرهط وأمر صهيباً إذ هو مات أن يصلي بالناس ثلاثاً فإن اختاروا لأنفسهم وإلا ترك الصلاة . فلما قبر عمر صلى بهم صهيب يومين فلما كان اليوم الثالث قال لهم وقد صلى بهم الغداة : اختاروا لأنفسكم فيما بينكم وإلا فقد اعتزلت الصلاة في آخر هذا اليوم كما أمرني أمير المؤمنين عمر !
وقد كان عبد الرحمن بن عوف قبل ذلك يسأل المسلمين في دورهم ويأتيهم في منازلهم فيقول من ترضون أن يكون عليكم خليفة فجيبونه ويقولون عثمان فلما كان اليوم الثالث في وقت الظهر ، اجتمع المسلمون في المسجد وجاء أهل العوالي وازدحم الناس في المسجد وتكاثفوا ، فلما صلى بهم صهيب قال لهم اختاروا لأنفسكم . فقام عبد الرحمن تحت المنبر منبر رسول الله ( ص ) فقال : يا معشر الناس على أماكنكم ! فجلس الناس وتطاولت أعناقهم واستمعوا فقال : يا معشر الناس ألستم تعلمون أن عمر بن الخطاب جعل هذا الأمر في ستة ؟ قالوا بلى فإني خارج منها ومختار لكم فما تقولون ؟ قالوا : رضينا ، وأقبل على علي وعثمان فقال ما تقولان ؟ فقالا : إن رسول الله ( ص ) توفي فاجتمع رأي المسلمين بعد على أن استخلفوا أبا بكر فاستخلفوه فقام بأمر الله وأخذ المنهاج الذي أخذه رسول الله حتى مضى لسبيله ثم استخلف عمر فقام بما قام به صاحباه ولم يأل حتى كان من قدر الله ما قد علمتم فجعلها فينا معاشر الستة وإني مختار لكم ! قم يا عثمان قم يا علي ، فقاما فقال : لهذا أبسط يدك فبسطا أيديهما ، فقال يا أبا الحسن إن صار إليك هذا الأمر أتسير سيرة صاحبيك قال نعم ، فأعاد القول على علي فقال مثل قوله الأول ، وقال لعثمان فقال : نعم ، ثم أقبل على علي فقال يا أبا الحسن إن فاتك هذا الأمر فيمن تحب أن يكون قال في آخر هذا وأومى إلى عثمان فقال عبد
--------------------------- 535 ---------------------------
الرحمن : معاشر الناس ألستم راضين بأحد هذين أيهما بايعتموه فأعادوا القول على علي ! فقال أشهد لن يبايعني ولن تبايع إلا عثمان لأن هذا عهد معهود إلي معاشر الناس والله ليقلدن الأمر والخلافة عهد البار الصادق ( ص ) إلى أنه البار الصادق الخليفة الثالث بعده ، ولئن فعلتما لأسمعن ولأطيعن فقال عبد الرحمن : فابدأ إذا تبايعه فضرب على كفه بالبيعة فكانت أول كف وقعت على يد عثمان ، وقال في بيعته : سبقت عدتي بيعتي » .
أسئلة :
س 1 : ما رأيكم في قول علي ( عليه السلام ) إنه هو المقصود عمر من الأمر بقتل المخالف ! قال ( عليه السلام ) : « والله لقد بايع الناس أبا بكر وأنا أولى الناس بهم مني بقميصي هذا ، فكظمت غيظي وانتظرت أمر ربي وألصقت كلكلي بالأرض ، ثم إن أبا بكر هلك واستخلف عمر ، وقد علم والله إني أولى الناس بهم مني بقميصي هذا ، فكظمت غيضي وانتظرت أمر ربي ! ثم إن عمر هلك وقد جعلها شورى فجعلني سادس ستة كسهم الجدة ، وقال : أقتلوا الأقل وما أراد غيري ! فكظمت غيظي وانتظرت أمر ربي وألصقت كلكلي بالأرض » . ( أمالي المفيد / 154 ) .
س 2 : ما رأيكم في قول عبد الرحمن بن عوف ؟ « عن أبي وائل قال : قلت لعبد الرحمن بن عوف : كيف بايعتم عثمان وتركتم علياً ؟ فقال : ما ذنبي قد بدأت بعلي فقلت أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسنة أبي بكر وعمر ؟ قال فقال : فيما استطعت . قال : ثم عرضتها على عثمان فقبلها » ؟ ! ( تاريخ دمشق : 39 / 202 ) .
--------------------------- 536 ---------------------------

( م 432 ) قال علي ( عليه السلام ) : فيا لله وللشورى !

« من خطبة له ( عليه السلام ) وهي المعروفة بالشقشقية : أما والله لقد تقمَّصها فلان وإنه ليعلم أنَّ محلي منها محلُّ القطب من الرحى ، ينحدر عني السَّيل ولا يرقى إلى الطير ، فسَدلتُ دونَها ثوباً وطويتُ عنها كشحاً ، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيدٍ جذَّاء أو أصبَر على طخيةٍ عمياء ، يَهرمُ فيها الكبيُر ، ويَشيبُ فيها الصَّغيرُ ويكدحُ فيها مؤمنٌ حتى يلقى ربَّه ، فرأيتُ أنَّ الصَّبرَ على هاتا أحْجَى فَصَبرتُ وفي العينِ قذى ، وفي الحلقِ شجَى ، أرى تُرَاثِيَ نهباً ! حتَّى مضى الأوَّلُ لِسَبيلهِ فأَدلى بها إلى فلانٍ بعدَهُ ! ثم تمثل بقول الأعشى : .
شَتَّانَ ما يومي على كُورِها ويوم حيانَ أخي جابرِ
فيا عجباً بينا هوَ يَسْتَقِيلُها في حياتِهِ إذْ عقدَها لآخر بعدَ وفاتِهِ ! لَشدَّ ما تشَطَّرا ضرعَيها ! فصَيَّرَها في حوزةٍ خشناء ، يغلظُ كَلْمُها ، ويخشنُ مسُّها ، ويكثرُ العثارُ فيها والإعتذارُ منها ، فصاحبُها كراكبِ الصَّعبةِ ، إن أشنقَ لها خرمَ ، وإن أسلسَ لها تقحَّم ، فَمُنِيَ النَّاسُ لعمرِ اللهِ بخبطٍ وشماسٍ ، وتلوُّنٍ واعتراضٍ ، فصَبرتُ على طولِ المدَّةِ وشدَّةِ المحنةِ ، حتَّى إذا مضى لسبيلهِ ، جعلَها في جماعةٍ زعمَ أنِّي أحدُهم ! فيا للهِ وللشُّورى متى اعتَرضَ الرَّيبُ فيَّ معَ الأوَّلِ منهم حتى صرتُ أُقرَنُ إلى هذه النظائر ! لكنِّي أَسفَفتُ إذ أسفُّوا وطرتُ إذ طارُوا ، فصَغَى رجلٌ منهم لضغنِهِ ، ومالَ الآخرُ لصِهرِهِ ، مع هنٍ وهنٍ !
إلى أنْ قامَ ثالثُ القومِ نافجاً حضنَيْهِ ، بين نثيلهِ ومعتلفهِ ، وقامَ معه بنو أبيهِ يخضمونَ مالَ اللهِ خضمةَ الإبلِ نبتة الربيعِ ! إلى أن انتكثَ فتله ، وأجهزَ عليه عمله ، وكَبتْ به بطنتُه !
--------------------------- 537 ---------------------------
فما راعني إلا والنَّاسُ كعرفِ الضبعِ إليَّ ينثالُونَ عليَّ من كلِّ جانب ، حتى لقد وطئَ الحسنانِ ، وشُقَّ عطفايَ ، مجتمعين حولي كربيضةِ الغنمِ !
فلما نهضتُ بالأمر نكثتْ طائفةٌ ومرَقتْ أخرى وقسطَ آخرونَ كأنَّهم لم يسمعوا كلامَ اللهِ حيث يقول : تلكَ الدَّارُ الآخرةُ نجعَلُها للَّذينَ لا يريدونَ علوَّاً في الأرضِ ولا فَسَاداً والعاقبةُ للمُتَّقِينَ ! بلى واللهِ لقد سمِعُوها ووعوها ولكنَّهم حليت الدُّنيا في أعينِهم وراقهم زبرجُها . أما والذي فلقَ الحبَّةَ وبرأَ النَّسَمةَ لولا حضورُ الحاضرِ وقيامُ الحجَّةِ بوجودِ النَّاصرِ . وما أخذ اللهُ على العلماءِ أن لا يقارُّوا على كِظَّةِ ظالمٍ ولا سغبِ مظلومٍ لألقيتُ حبلَها على غارِبِها ولسَقَيتُ آخرَها بكأسِ أوَّلِها ولألفَيتُم دنياكُم هذهِ أزهدُ عِندِي من عَفْطَةِ عَنزٍ . قالوا : وقام إليه رجل من أهل السواد عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته فناوله كتاباً فأقبل ينظر فيه . قال له ابن عباس رضي الله عنهما : يا أمير المؤمنين لو أطردتَ خطبتك من حيث أفضيت . فقال : هيهات يا ابن عباس تلك شِقشِقَةٌ هَدَرَتْ ثمَّ قَرَّتْ !
قال ابن عباس : فوالله ما أسفت على كلام قط كأسفي على هذا الكلام أن لا يكون أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بلغ منه حيث أراد » . ( نهج البلاغة : 1 / 30 ) .
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « يقولون إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يستخلف أحداً ، وإنهم إنما تركوا ليتشاوروا ، ففعلوا غير ما أمروا في قولهم ! فقد بايع القوم أبا بكر عن غير مشورة ولا رضى من أحد ! ثم أكرهوني وأصحابي على البيعة !
ثم بايع أبو بكر عمر عن غير مشورة !
ثم جعلها عمر شورى بين ستة رهط وأخرج من ذلك جميع الأنصار والمهاجرين إلا هؤلاء الستة ! ثم قال : يصلي صهيب بالناس ثلاثة أيام ، ثم أمر
--------------------------- 538 ---------------------------
الناس إن مضت ثلاثة أيام ولم يفرغ القوم أن تضرب رقابهم ، وإن اجتمع أربعة وخالف اثنان أن يقتلوا الاثنين ! ثم تشاوروا في ثلاثة أيام ، وكانت بيعتهم عن مشورة من جماعتهم وملئهم ، ثم صنعوا ما رأيتم » ! ( كتاب سليم / 438 ) .
وفي حياة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن لسانه : 2 / 207 : « قال عامر بن واثلة : كنت على الباب يوم الشورى فارتفعت الأصوات بينهم فسمعت علياً يقول : بايع الناس أبا بكر وأنا والله أولى بالأمر وأحق به ، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف !
ثم بايع أبو بكر لعمر وأنا والله أولى بالأمر منه ، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفاراً ! ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان ، إذا لا أسمع ولا أطيع !
إن عمر جعلني في خمس أنا سادسهم ، لأيم الله لا يعرف لي فضل في الصلاح ولا يعرفونه لي كما نحن فيه شرع سواء ، وأيم الله لو أشاء أن أتكلم ثم لا يستطيع عربهم ولا عجمهم ولا المعاهد منهم ولا المشرك أن يرد خصلة منها » . ( تاريخ دمشق : 3 / 118 ) .
وقال ( عليه السلام ) كما في المسترشد للطبري الشيعي / 415 : « فلما احتضر بعث إلى عمر فولاه ، فسمعت وأطعت وناصحت للدين . وتولى عمر تلك الأمور وكان مرضي السيرة ميمون النقيبة عندهم ، حتى إذا احتضر قلت في نفسي لن يعدلها عني ، فجعلني سادس ستة وأمر صهيباً أن يصلي بالناس ! ودعا أبا طلحة زيد بن سهل الأنصاري فقال له : كن في خمسين رجلاً من قومك فاقتل من أبى أن يرضى من هؤلاء الستة ! كيف قال : قبض رسول الله وهو عن هؤلاء الستة راض ، وقال في حالة : أقتل من أبى منهم ، وهم عنده ممن قد رضي الله ورسوله عنهم ، إن ذلك لمن العجب !
--------------------------- 539 ---------------------------
ثم اجتمعوا ، فما كانوا لولاية أحد أشد كراهية منهم لولايتي عليهم فكانوا يسمعوني أحاجُّ أبا بكر فأقول : يا معشر قريش إنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا من يقرأ القرآن ، ويعرف السنة ويدين بدين الحق ، فخشي القوم إن أنا وليت عليهم أن لا يكون لهم في الأمر نصيب ما بقوا ، وأخذوا بأنفاسهم ، واعترض في حلوقهم ، فأجمعوا إجماعاً واحداً فصرفوا الولاية عني إلى عثمان وأخرجوني من الأمرة عليهم ، رجاء أن ينالوها ويتداولوها ، ثم قالوا هلم فبايع وإلا جاهدناك ! فبايعت مستكرهاً وصبرت محتسباً ! فقال عبد الرحمن يا ابن أبي طالب إنك على هذا الأمر لحريص ! قلت : حرصي على أن يرجع حقي في عافية ، ولا يجوز لي عنه السكوت لإثبات الحجة عليكم ، وأنتم حرصتم على دنياً تبيد ، فإني قد جعلني الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) أولى به منكم ، وأنتم تصرفون وجهي دونه وتحولون بيني وبينه ! فبهتوا والله لا يهدي القوم الظالمين !
اللهم إني أستعديك على قريش ، فإنهم قطعوا رحمي ، وأضاعوا سنتي ، وصغروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمراً كنت أولى الناس به منهم فسلبونيه ، ثم قالوا : ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تُمنعه ، فاصبر كمداً أو مت متأسفاً حنقاً ! وأيم الله لو استطاعوا أن يدفعوا قرابتي كما قطعوا سنتي لفعلوا ، ولكن لم يجدوا إلى ذلك سبيلاً !
وكان نبي الله ( صلى الله عليه وآله ) عهد إليَّ فقال : يا ابن أبي طالب لك ولاية أمتي من بعدي ، فإن ولوك في عافية واجتمعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم ، وإن اختلفوا عليك فدعهم وما هم فيه ، فإن الله سيجعل لك مخرجاً ، فنظرت فإذا ليس معي رافد ولا ذاب ولا مساعد ، إلا أهل بيتي فضننت بهم على الموت والهلاك ، ولو كان بهم حمزة أو أخي جعفر ما بايعت كرهاً ! فأغضيت على القذى ، وتجرعت
--------------------------- 540 ---------------------------
الشجى ، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم وآلم للقلوب من حز الشفار ! ثم تفاقمت الأمور فما زالت تجري على غير جهتها ، فصبرت لكم حتى إذا نقمتم على عثمان أنبتموه فقتلتموه ، خذله أهل بدر وقتله أهل مصر ، ما أمرت ولا نهيت عنه ، ولو أمرت به لكنت قاتلاً ، ولو نهيت عنه لصرت ناصراً !
ثم جئتموني لتبايعوني فأبيت عليكم فأمسكت يدي فنازعتموني ورافعتموني ، وبسطتم يدي فكففتها ، ومددتموها فقبضتها ، ثم تداككتم علي تداكَّ الهيم على حياضها يوم ورودها ، وازدحمتم علي حتى ظننت أن بعضكم قاتل بعضاً ، وأنكم قاتليَّ ، حتى انقطع النعل ، وسقط الرداء ، ووطئ الضعيف ، وبلغ من سرور الناس بيعتهم إياي أن حمل إليها الصغير وخرج إليها الكبير ، وتحامل إليها العليل ، وحسرت إليها الكعاب ، فقلتم : بايعنا لا نجد غيرك ولا نرضى إلا بك ، فبايعنا لا نتفرق ولا نختلف ، فبايعتكم على كتاب الله وسنة نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ودعوت الناس إلى بيعتي ، فمن بايعني طائعاً قبلت منه ، ومن أبى تركته ، فبايعني فيمن بايعني طلحة والزبير ، ولو أبيا ما أكرهتهما ، كما لم أكره غيرهما ! وكان طلحة يرجوا اليمن والزبير يرجوا العراق ، فلما علما أني غير موليهما استأذنا في العمرة ويريدان الغدرة ، فأتيا عائشة فاستخفَّاها ، مع شئ كان في نفسها عليَّ » !
أسئلة :
س 1 : ما رأيكم في انتقادات أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لشورى عمر ، وهي :
1 . أنها شورى شكلية ، وأن أعضائها لا يقاسون بالإمام ( عليه السلام ) قال : « حتَّى إذا مضى لسبيلهِ جعلَها في جماعةٍ زعمَ أنِّي أحدُهم ! فيا للهِ وللشُّورى متى اعتَرضَ الرَّيبُ فيَّ معَ الأوَّلِ منهم حتى صرتُ أُقرَنُ إلى هذه النظائر ! لكنِّي أَسفَفتُ إذ أسفُّوا وطرتُ إذ طارُوا ، فصَغَى رجلٌ منهم لضغنِهِ ، ومالَ الآخرُ لصِهرِهِ ، مع هنٍ وهنٍ » !
--------------------------- 541 ---------------------------
2 . أنها شورى محدودة بجزء من أصحاب الحق بالشورى ، وهم كافة المهاجرين والأنصار ! قال ( عليه السلام ) : « ثم جعلها عمر شورى بين ستة رهط وأخرج من ذلك جميع الأنصار والمهاجرين إلا هؤلاء الستة ، ثم قال : يصلي صهيب بالناس ثلاثة أيام ، ثم أمر الناس إن مضت ثلاثة أيام ولم يفرغ القوم أن تضرب رقابهم . . » ! ( كتاب سليم / 438 ) .
3 . أن هدف الشورى بيعة عثمان ! قال ( عليه السلام ) : « ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان ! إذا لا أسمع ولا أطيع ! إن عمر جعلني في خمس أنا سادسهم ، لأيم الله لا يعرف لي فضل في الصلاح ، ولا يعرفونه لي ، كما نحن فيه شرع سواء ، وأيم الله لو أشاء أن أتكلم ، ثم لا يستطيع عربهم ولا عجمهم ولا المعاهد منهم ولا المشرك ، أن يرد خصلة منها » . ( تاريخ دمشق : 3 / 118 ) .
4 . كانت إدارة الشورى من ابن عوف وغيره لعباً سياسياً ، قال ( عليه السلام ) : « حتى إذا احتضر قلت في نفسي : لن يعدلها عني ، فجعلني سادس ستة وأمر صهيباً أن يصلي بالناس ! ودعا أبا طلحة زيد بن سهل الأنصاري فقال له : كن في خمسين رجلاً من قومك فاقتل من أبى أن يرضى من هؤلاء الستة ! كيف قال : قبض رسول الله وهو عن هؤلاء الستة راض ، وقال في حالة : أقتل من أبى منهم . . . » ؟ !
س 2 : ما تقولون في رأي معاوية بأن عمر فرَّق المسلمين بالشورى ، وشتتهم لأنه أطمع في الخلافة عدداً من قبائل قريش ! قال العلامة الحلي في نهج الحق وكشف الصدق / 355 : « ونقل ابن عبد ربه في كتاب العقد الفريد ( 3 / 75 ، و : 2 / 203 ط مصر ) أن معاوية قال لابن حصين : أخبرني ما الذي شتت أمر المسلمين وجماعتهم وفرق ملأهم وخالف بينهم ؟ فقال قتل عثمان ، قال : ما صنعت شيئاً ، قال : فمسير علي إليك . قال ما صنعت شيئاً ، قال : فمسير طلحة والزبير وعائشة وقتال علي إياهم . قال : ما صنعت شيئاً ، قال : ما عندي غير هذا يا أمير المؤمنين !
--------------------------- 542 ---------------------------
قال : فأنا أخبرك : إنه لم يشتت بين المسلمين ولا فرق أهواءهم إلا الشورى التي جعل عمر في ستة ! ثم فسر معاوية ذلك في آخر الحديث فقال : لم يكن من الستة رجل إلا رجاها لنفسه ورجاها له قومه ، وتطلعت إلى ذلك أنفسهم ، ولو أن عمر استخلف كما استخلف أبو بكر ما كان في ذلك اختلاف » !
ورواه في الطرائف / 482 ، وعلق عليه بقوله : « فأراهم قد شهدوا أن عمر كان سبب المنع لنبيهم ( صلى الله عليه وآله ) من الصحيفة التي أراد أن يكتبها لهم عند وفاته حتى لا يضلوا بعده أبداً ، وكان عمر سبب ضلال من ضل منهم لما تقدم شرحه ، وقد شهدوا عليه الآن إن ما عمله في الشورى كان سبب افتراق المسلمين واختلافهم ! فقد صار أصل الضلال وفرعه في الإسلام من عمر ، على ما شهد به علماؤهم » ! فما رأيكم ؟ !
س 3 : قال الشيخ باقر القرشي في حياة الإمام الحسين ( عليه السلام ) : 1 / 318 ، ما خلاصته :
« أولاً ، إن هذا النظام بعيد عن الشورى خالٍ من جميع عناصرها ، فإنه لا بد أن تشترك الأمة في الانتخاب ، بينما حصرها عمر في ستة زعم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) مات وهو راض عنهم ، فإن كان رضا النبي ( صلى الله عليه وآله ) يعطي المسلم حق العضوية فيها فلماذا حصرها بهؤلاء ؟ ! كما يجب أن لا تتدخل الحكومة في الانتخاب بشكل مباشر أو غير مباشر ، وأن تتوفر الحرية للناخبين ، وقد فقدت الشورى العمرية هذه العناصر !
ثانياً ، ضمت هذه الشورى المعادين للإمام والحاقدين عليه ! ففيها طلحة التيمي وهو من عشيرة أبي بكر ، وفيها عبد الرحمن بن عوف وهو صهر عثمان ، ومن أكثر الناس حقداً على الإمام ! وفيها سعد بن أبي وقاص ، الذي يكره الإمام ( عليه السلام ) كأخواله الأمويين ، فأمه حمنة بنت سفيان بن أمية ! وفيها عثمان بن عفان عميد الأسرة الأموية .
بل إن المقصود من هذه الشورى كما يقول المحققون إقصاء الإمام ( عليه السلام ) عن الحكم ، ومنحه للأمويين ! يقول العلائلي : إن تعيين الترشيح مجدهم على أكتاف المسلمين !
ثالثاً ، أبعد عمر الأنصار فلم يجعل لهم نصيباً فيها ، وهم الذين آووا النبي ( صلى الله عليه وآله )
--------------------------- 543 ---------------------------
ونصروه ، لأنهم لا ينتخبون غير الإمام ( عليه السلام ) ولا يرضون سواه !
رابعاً ، شهد عمر في حق أعضائها أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) مات وهو عنهم راض ، ثم أمر بضرب أعناقهم إن تأخروا عن انتخاب أحدهم ! أفأين التحرج من إراقة الدماء ؟ !
خامساً ، أعطى حق النقض لعبد الرحمن بن عوف ، وهو تحيز ظاهر يلغي كل عملية الشورى ! فبأي حق يجعل لابن عوف هذا الحق وهو ممن استأثروا بأموال المسلمين وفيئهم حتى ملكوا من الثراء العريض ما لا يحصى ، وترك ابن عوف من الذهب ما يكسر بالفؤوس ! أمثل هذا يقدم على الإمام ( عليه السلام ) ؟ !
سادساً ، أوجدت التنافس بين أعضائها ، فقد رأى كل منهم نفسه نداً للآخر ولم يكونوا قبل كذلك ! فقد كان سعد خاضعاً لعبد الرحمن ، وعبد الرحمان تابعاً لعثمان ، وكان الزبير شيعة للإمام ! لكن الشورى نفخت فيه روح الطمع فرأى نفسه نداً !

  • *

18 . مسائل في حال عمر عند موته

( م 433 ) طُعِنَ يوم الأربعاء ومات يوم الأحد

اتفق رواة الخلافة على أن عمر طعن يوم الأربعاء في أواخر ذي الحجة ، ومات يوم الأحد آخر ذي الحجة ( تاريخ دمشق : 44 / 14 )
وخطب يوم الجمعة بعد طعنه بيومين وقال إنه جعل خلافته شورى بين ستة ، وأوصى المسلمين بحل مسألة إرث الكلالة ونهاهم عن أكل البصل والثوم !

( م 434 ) أوصى عند موته بالكلالة وطبخ الثوم والبصل جيداً

سألوه : أي الشراب أحب إليك ؟ . فقال : النبيذ ! فسقوه نبيذاً فخرج من الطعنة تحت السرة » ( تاريخ المدينة : 3 / 910 ) .
--------------------------- 544 ---------------------------
« يا أيها الناس إنكم تأكلون من شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا الثوم والبصل فمن كان آكلهما لا بد فليمتهما طبخاً » . ( مسلم : 2 / 81 ومسند أحمد : 1 / 48 ) .

( م 435 ) حسرات عمر عند موته !

« عن ابن عباس قال لما طعن عمر قال الآن لو أن لي الدنيا وما فيها لافتديت بها من هول المطلع » ! ( تاريخ دمشق : 44 / 426 ) .
وقال عن الخلافة : « والله لوددت أني لم أدخل فيها ، وبلغ ذلك الوليد بن عبد الملك فقال : كذبت أيقول هذا خليفة الله ؟ فقال الرجل أو كُذِّبْتُ ؟ قال : أو ذاك ! وأخذ تبنة من حائط فقال : يا ليتني كنت هذه التبنة ! يا ليتني لم أخلق ، يا ليت أمي لم تلدني ، لم أك شيئاً ، يا ليتني كنت نسياً منسياً !
وقال وهو يحتضر : والله إني لو كان لي ما على وجه الأرض لافتديت به من هول المطلع . ! لو أن لي ما على الأرض من صفراء وبيضاء ، لافتديت بها من هول المطلع ! قال لابنه عبد الله : ضع خدي بالأرض لا أم لك ! ويل لعمر وويل أمه إن لم يغفر الله له ! ثم شبك رجليه فسمعته يقول : ويل لي وويل لأمي إن لم يغفر الله لي . ! فلم يزل يقولها حتى خرجت روحه »
يا ليتني كنت كبش أهلي سمنوني ما بدا لهم ، حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون فجعلوا بعضي شواء ، وبعضي قديداً ، ثم أكلوني فأخرجوني عذرة ولم أكن بشراً ! وقال عن صرفه من بيت المال : يا ليتني كنت حائكاً أعيش من عمل يدي ! ( تاريخ المدينة : 3 / 918 ، وكنز العمال : 12 / 619 ) .
قال العلامة الحلي ( قدس سره ) في منهاج الكرامة / 102 : « ومنها ما رووه عن عمر : روى أبو نعيم الحافظ في كتاب حلية الأولياء أنه لما احتضر قال يا : ليتني كنت كبشاً
--------------------------- 545 ---------------------------
لقومي فسمنوني ما بدا لهم ، ثم جاءهم أحب قومهم إليهم فذبحوني فجعلوا نصفي شواء ونصفي قديدا فأكلوني ، فأكون عذرة ولا أكون بشراً !
هل هذا إلا مساو لقول الله تعالى : ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ؟
وقال لابن عباس عند احتضاره : لو أن لي ملء الأرض ذهبا ومثله معه لافتديت به نفسي من هول المطلع ! وهذا مثل قوله تعالى : وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ !
فلينظر المنصف العاقل قول الرجلين عند احتضارهما ، وقول علي ( عليه السلام ) : متى ألقاها ، متى يبعث أشقاها ؟ متى ألقى الأحبة محمداً وحزبه ؟ وقوله حين ضرب : فزت ورب الكعبة » !
وفي هامشه : حلية الأولياء : 1 / 52 ، والمعجم الأوسط للطبراني : 1 / 344 . . والحاكم : 3 / 92 وفي طبقات ابن سعد : 3 / 360 : آخر كلمة فاهها عمر حتى قضى : ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي ! ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي ! ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي » .

( م 436 ) أسئلة في تناقضات أقوالهم في أبي لؤلؤة قاتل عمر ؟

س 1 : ما هي برأيكم علاقة بني أمية بقتل عمر ، وهم المستفيد الأول من قتله ، وكانت علاقتهم مع المغيرة بن شعبة قوية ، وقد أعطوه مناصب بعد قتل عمر ، وقد كان أبو لؤلؤة غلاماً للمغيرة بن شعبة !
قال ابن قدامة في المغني : 9 / 315 : « فروي أن الزبير كان له ألف مملوك على كل واحد منهم كل يوم درهم ، وجاء أبو لؤلؤة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فسأله أن يسأل المغيرة بن شعبة يخفف عنه من خراجه » !
س 2 : ما هي علاقة كعب الأحبار برأيكم في قتل عمر ، ففي تاريخ المدينة : 3 / 891 : « لما قدم عمر من مكة في آخر حجة حجها أتاه كعب فقال : يا أمير المؤمنين اعهد فإنك
--------------------------- 546 ---------------------------
ميت في عامك ، قال عمر : وما يدريك يا كعب ؟ قال : وجدته في كتاب الله ! قال أنشدك الله يا كعب هل وجدتني باسمي ونسبي عمر بن الخطاب ؟ قال : اللهمَّ لا ، ولكني وجدت صفتك وسيرتك وعملك وزمانك !
فلما أصبح الغد غدا عليه كعب فقال عمر : يا كعب ؟ فقال كعب : بقيت ليلتان فلما أصبح الغد غدا عليه كعب قال عبد العزيز : فأخبرني عاصم بن عمر بن عبيد الله بن عمر قال : قال عمر : .
يواعدني كعبٌ ثلاثاً يعدُّها * ولا شكَّ أن القولَ ما قاله كعبُ
وما بي لقاء الموت إني لميت * ولكنَّما في الذنبِ يتبعُه الذنبُ
فلما طعن عمر دخل عليه كعب فقال : ألم أنهك ؟ قال : بلى ، ولكن كان أمر الله قدراً مقدوراً » !
س 3 : هل يمكن أن تكون ضربة عمر استجابة لدعاء فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) عندما أخذ منها عمر كتاب أبي بكر بفدك ، وشقه ، فقالت له : بقر الله بطنك ، كما بقرت كتابي ! قال العلامة الحلي في منهاج الكرامة / 104 : « ولما وعظت فاطمة ( عليها السلام ) أبا بكر في فدك ، كتب لها بها كتاباً ورودها عليها ، فخرجت من عنده فلقيها عمر ، فخرق الكتاب ، فدعت عليه بما فعله أبو لؤلؤة به » !
. س 4 : هل هرب أبو لؤلؤة أم قتل ؟ فقد روى ابن الأعثم في الفتوح : 2 / 236 ، وهو سني محب لعمر ، قال : « فلما كبر عمر وكبر الناس معه ، بدر أبو لؤلؤة من الصف والخنجر في يده فجرحه ثلاث جراحات : جراحتين في سرته وجراحة فوق سرته ، ثم شق الصفوف وخرج هارباً » .
--------------------------- 547 ---------------------------
وقال الحاكم : 3 / 91 : « طعن أبو لؤلؤة الذي قتل عمر اثني عشر رجلاً بعمر فمات منهم ستة وأفرق منهم ستة ، وكان معه سكين له طرفان فطعن به نفسه فقتلها » وفي الفتوح : 2 / 232 ، أن ابن عوف صلى بالناس وبعد الصلاة لحقوا أبا لؤلؤة : « ولحقه رجل من ورائه فألقى على رأسه برنساً فأخذه ، فلما علم أبو لؤلؤة أنه قد أخذ وجأ نفسه وجأةً فقتل نفسه » .
وفي تاريخ المدينة : 3 / 900 : « فبصر به رجلان من حاج العراق فألقى أحدهما عليه برنسه فطعن العلج نفسه فقتلها » . فلم يسموا أحداً ممن أخذه ، ولا ذكروا أين ولا ماذا فعلوا في جثته ، وهذا يوجب الشك في أنه أفلت منهم ، فما قولكم ؟ !
س 5 : قال رواتكم إن أبا لؤلؤة مجوسي لكنه كان يصلي مع عمر وأن ابنته مسلمة ، فقد روى الجميع أن عبيد الله بن عمر عندما ضُرب أبوه ، قتل الهرمزان وجفينة وبنت أبي لؤلؤة الصغيرة ! قال السيد الميلاني في : الإمامة في أهم الكتب الكلامية / 243 : « لقد قتل عبيد الله بن عمر الهرمزان وجفينة وبنت أبي لؤلؤة وهما مسلمان بلا ذنب أتيا به ، بل أراد ألا يترك سبياً بالمدينة إلا قتله ، وأمسك عثمان عن القصاص ! وهذا مما أكثر الناس فيه وأعظموه ، حتى قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لعبيد الله : يا فاسق لئن ظفرت بك يوما لأقتلنك » راجع : الطبري 5 / 42 ، الإصابة : 3 / 619 ، سنن البيهقي : 8 / 61 ، طبقات ابن سعد : 5 / 8 ، الكامل 3 / 32 .
وفي الدراية لابن حجر : 2 / 263 : « انطلق عبيد الله إلى ابنة أبي لؤلؤة صغيرة تدعي الإسلام فقتلها ، وأراد أن يضع السيف في السبي فاجتمع عليه المهاجرون فلم يزل عمرو بن العاص يتلطف به حتى أخذ منه السيف » .
--------------------------- 548 ---------------------------
س 6 : قال ابن حبان في الثقات : 7 / 6 ، ومشاهير علماء الأمصار / 215 : « أبو الزناد عبد الله بن ذكوان كنيته أبو عبد الرحمن مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة ( زوجة عثمان ) وكان ذكوان أخا أبى لؤلؤة قاتل عمر بن الخطاب وكان أبو الزناد من فقهاء المدينة وعبادهم وكان صاحب كتاب لا يحفظ مات سنة إحدى وثلاثين ومائة . سمع أبو الزناد الأعرج روى عنه مالك والثوري وأهل الحجاز » .
وقال ابن عبد البر في التمهيد : 18 / 5 : « هكذا قال الواقدي ومصعب الزبيري والطبري » . فما دام أبو لؤلؤة عم إمامكم أبي الزناد ، فلماذا لا يكون مسلماً ؟ !
س 7 : قال عمر لخالد بن الوليد عندما قتل مالك بن نويرة وتزوج في تلك الليلة زوجته : « عدو الله ، عدا على امرئ مسلم فقتله ثم نزا على امرأته ! فلما أقبل خالد قام إليه عمر فانتزع الأسهم من لأمته وحطمها ، ثم قال : أرياء قتلت امرءً مسلماً ثم نزوت على امرأته ! والله لأرجمنك بأحجارك ! فدخل خالد فاعتذر لأبي بكر فقبل عذره ، واعتبر خالد مجتهداً ومأجوراً لأنه قتل صاحب رسول الله وأميره ! أما مالك فلا أجر له مع أنه صحابي لأن قاتله خالد بن الوليد من أهل الطاعة ! قال ابن تيمية في منهاج السنة : 3 / 19 : « وأكثر هذه الأمور لهم فيها معاذير تخرجها عن أن تكون ذنوباً ، وتجعلها من موارد الإجتهاد التي إن أصاب المجتهد فيها فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد ! وقال ابن حزم في المحلى وابن التركماني في الجوهر النقي : « لا خلاف بين أحد من الأمة بأن عبد الرحمن بن ملجم لم يقتل علياً إلا متأولاً مجتهداً ، مقدراً أنه على صواب » ! وهكذا فإن المقتول علي مثل القاتل عبد الرحمن بن ملجم وكلاهما مأجور لأن كليهما مجتهد ! والقاتل أبو لؤلؤة مثل المقتول عمر ، وكلاهما مأجور لأنه مجتهد » ! فما رأيكم ؟ !
--------------------------- 549 ---------------------------
س 8 : كان الهرمزان مسلماً باتفاق الجميع ، فقد كان شخصية كبيرة من أسرة كسرى ، وكان حاكم الأهواز ، فأسلم وسلم منطقته إلى المسلمين وسكن المدينة وكان ولاؤه لعلي ( عليه السلام ) ، وكانت علاقته وثيقة مع عمر وحج معه ، وقد ذكرنا في نظافة عمر دعوته له مع جميع المصلين إلى الطعام في منزله ، وقد قتله ابن عمر على أثر ضربة أبي لؤلؤة لعمر ، وأراد علي ( عليه السلام ) إقامة الحد عليه ، فعفا عنه عثمان ، فهل يجوز له ذلك ؟ !
قال اليعقوبي في تاريخه : 2 / 163 : « وأكثر الناس في دم الهرمزان وإمساك عثمان عبيد الله بن عمر ، فصعد عثمان المنبر فخطب الناس ثم قال : ألا إني ولي دم الهرمزان وقد وهبته لله ولعمر وتركته لدم عمر ! فقام المقداد بن عمرو فقال : إن الهرمزان مولى لله ولرسوله وليس لك أن تهب ما كان لله ولرسوله ! قال : فننظر وتنظرون ! ثم أخرج عثمان عبيد الله بن عمر من المدينة إلى الكوفة وأنزله داراً » !
وفي أنساب الأشراف للبلاذري : 6 / 130 ، أن عثمان خطب في أول خلافته فقال : « وكان الهرمزان من المسلمين ولا وارث له إلا المسلمون عامة ، وأنا إمامكم وقد عفوت أفتعفون ؟ قالوا : نعم . فقال علي : أقد الفاسق فإنه أتى عظيماً ، قتل مسلماً بلا ذنب ! وقال لعبيد الله : يا فاسق ! لئن ظفرت بك يوماً لأقتلنك بالهرمزان » .
وفي بحار الأنوار : 30 / 373 : « فقيل لعمر : إن عبيد الله بن عمر قد قتل الهرمزان فقال : أخطأ ، فإن الذي ضربني أبو لؤلؤة وما كان للهرمزان في أمري صنع ، وإن عشت احتجت أن أقيده به ، فإن علي بن أبي طالب لا يقبل منا الدية وهو مولاه ، فمات عمر واستولى عثمان على الناس بعده ، فقال علي ( عليه السلام ) لعثمان : إن عبيد الله بن عمر قتل مولاي الهرمزان بغير حق وأنا وليه الطالب بدمه ، سلمه إلي لأقيده به ! فقال عثمان : بالأمس قتل عمر وأنا أقتل ابنه أورد علي آل عمر ما لا قوام لهم به ، فامتنع من تسليمه إلى
--------------------------- 550 ---------------------------
علي ( عليه السلام ) شفقة منه بزعمه على آل عمر ! فلما رجع الأمر إلى علي هرب منه عبيد الله بن عمر إلى الشام فصار مع معاوية ، وحضر يوم صفين مع معاوية محارباً لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقتل في معركة الحرب ، ووجد متقلد السيفين يومئذ » !
وقال ابن حزم في المحلى : 11 / 114 : « قال الزهري : وأخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن أباه قال : فيرحم الله حفصة إن كانت لمن شجع عبيد الله على قتل الهرمزان وجفينة ! قال معمر : قال غير الزهري : قال عثمان أنا ولي الهرمزان وجفينة والجارية ، وإني قد جعلتها دية !
قال أبو محمد ( ابن حزم ) : وقد روينا عن أحمد بن محمد عن أحمد بن الفضل عن محمد بن جرير بإسناد لا يحضرني الآن ذكره أن عثمان أقاد ولد الهرمزان من عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، وأن ولد الهرمزان عفا عنه » !

  • *
    --------------------------- 551 ---------------------------

الفصل الرابع والثلاثون: إشارة إلى كتابين في الإحتجاج والمناظرة

( م 437 ) كتاب الإحتجاج فيه أكثر من ألف حجة !

من المصادر المعتبرة عندنا كتاب « الإحتجاج على أهل اللجاج » تأليف أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ( قدس سره ) ، المتوفي سنة 622 ( إيضاح المكنون : 1 / 31 ، ولؤلؤة البحرين / 384 ) وهو أستاذ ابن شهرآشوب ، وهو غير الفضل بن الحسن الطبرسي ، صاحب تفسير مجمع البيان ، المتوفى سنة 548
والطبرسي : نسبة إلى طبرستان في شمال إيران على بحر الخزر وتسمى مازندران وطبَر بالفارسية : الفأس ، وأُستان : البلد والمنطقة ، سميت بذلك لأن منطقتها كثيفة الأشجار ، لا يسلك فيها الجيش إلا بقطع أشجار من طريقه بالطبر .
قال الشيخ الطهراني في الذريعة : 1 / 281 : « الإحتجاج على أهل اللجاج للشيخ الجليل أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي أستاد رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب السروي ، الذي توفي سنة 588 عن مئة سنة إلا عشرة أشهر ، فهو من أهل المئة الخامسة الذين أدركوا أوائل السادسة أيضاً . فيه احتجاجات النبي ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة ( عليهم السلام ) ، وبعض الصحابة ، وبعض العلماء ، وبعض الذرية الطاهرة ، وأكثر أحاديثه مرسل ، إلا ما رواه عن تفسير العسكري ( عليه السلام ) كما صرح به في أوله بعد الخطبة التي أولها : الحمد لله المتعالي عن صفات المخلوقين المنزه عن نعوت الناعتين ، إلى قوله : ولا نأتي في أكثر ما نورده
--------------------------- 552 ---------------------------
من الأخبار بأسناده إما لوجود الإجماع عليه أو موافقته لما دلت العقول عليه أو لاشتهاره في السير والكتب من المخالف والمؤالف ، إلا ما أوردته عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري ( عليهما السلام ) فإنه ليس في الاشتهار على حد ما سواه . إلى آخر كلامه الصريح في أن كل ما أوصله فيه هو من المستفيض المشهور المجمع عليه بين المخالف والمؤالف ، فهو من الكتب المعتبرة التي اعتمد عليها العلماء الأعلام كالعلامة المجلسي ( رحمه الله ) والمحدث الحر ( رحمه الله ) وأضرابهما » .
وذكر في الذريعة عدة كتب لعلمائنا القدماء بهذا الاسم ، منها : الإحتجاج في إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لمؤمن الطاق محمد بن علي بن النعمان البجلي الكوفي ، من أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) صاحب المناظرات المعروفة مع أبي حنيفة والمخالفين . والاحتجاج في الإمامة لمحمد بن أبي عمير البغدادي الأزدي المتوفي سنة 217 . والاحتجاج لأحمد بن محمد بن خالد الكوفي البرقي صاحب كتاب المحاسن ، المتوفى سنة 274 . والاحتجاج لمحمد بن عبد الله بن مالك الحميري القمي . والاحتجاج لأحمد بن الحسين بن سعيد بن مهران الأهوازي المتوفى سنة 290 . والاحتجاج لنبوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي ، شيخ المتكلمين من أصحابنا ببغداد ووجههم . . الخ . » .
وهذا يدل على أن المناظرة والحجاج كانت من الأساليب الرائجة وأنها ناتج طبيعي للحركة العقلية والحيوية الفكرية التي سببتها بعثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وظهور الإسلام . لكنها كانت تصاب بالركود عندما تسيطر سياسة القمع والاضطهاد ، كما حدث في عصر المؤلف حتى شاع أن الإحتجاج ليس من أسلوب النبي ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة ( عليهم السلام ) وأنهم نهوا عنه ! فألف كتابه ليثبت أنها حركة صحيحة وضرورية ، قال ( رحمه الله ) : « ثم إن الذي دعاني إلى تأليف هذا الكتاب عدول جماعة من
--------------------------- 553 ---------------------------
الأصحاب عن طريق الحجاج جداً ، وعن سبيل الجدال وإن كان حقاً وقولهم : إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة ( عليهم السلام ) لم يجادلوا قط ولا استعملوه ، ولا للشيعة فيه إجازة بل نهوهم عنه وعابوه ! فرأيت عمل كتاب يحتوي على ذكر جمل من محاوراتهم في الفروع والأصول مع أهل الخلاف وذوي الفضول ، وقد جادلوا فيها بالحق من الكلام ، وبلغوا غاية كل مرام ، وأنهم ( عليهم السلام ) إنما نهوا عن ذلك الضعفاء والمساكين من أهل القصور عن بيان الدين ، دون المبرزين في الإحتجاج الغالبين لأهل اللجاج ، فإنهم كانوا مأمورين من قبلهم بمداولة الكلام ومقاومة الخصوم ، فعلت بذلك منازلهم وارتفعت درجاتهم وانتشرت فضائلهم » .

( م 438 ) نماذج من كتاب الإحتجاج للطبرسي

1 - قال في ( 1 / 75 ) ، تحت عنوان : فصل : في ذكر طرف مما أمر الله في كتابه من الحجاج والجدال بالتي هي أحسن ، وفضل أهله :
عن الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) قال : حدثني أبي عن آبائه ( عليهم السلام ) عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : أشد من يتم اليتيم الذي انقطع من أمه وأبيه يتم يتيم انقطع عن إمامه ، ولا يقدر على الوصول إليه ، ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلى به من شرائع دينه ، ألا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا فهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره ، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى .
وبهذا الإسناد عن أبي محمد الحسن العسكري ( عليه السلام ) قال علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) : يقال للعابد يوم القيامة : نعم الرجل كنت ، همتك ذات نفسك وكفيت مؤنتك ، فادخل الجنة ، إلا أن الفقيه من أفاض على الناس خيره وأنقذهم من
--------------------------- 554 ---------------------------
أعدائهم ، ووفر عليهم نعم جنان الله تعالى ، وحصل لهم رضوان الله تعالى ، يقال للفقيه : يا أيها الكافل لأيتام آل محمد ، الهادي لضعفاء محبيهم ومواليهم ، قف حتى تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلم منك ، فيقف فيدخل الجنة معه فئاماً وفئاماً وفئاماً ، حتى قال عشراً ، وهم الذين أخذوا عنه علومه وأخذوا عمن أخذ عنه وعمن أخذ عمن أخذ عنه إلى يوم القيامة ، فانظروا كم صرف ما بين المنزلتين . .
أفضل ما يقدمه العالم من محبينا وموالينا أمامه ليوم فقره وفاقته وذله ومسكنته : أن يُغيث في الدنيا مسكيناً من محبينا ، من يد ناصب عدو لله ولرسوله ( صلى الله عليه وآله ) ! يقوم من قبره والملائكة صفوف من شفير قبره إلى موضع محله من جنان الله ، فيحملونه على أجنحتهم يقولون له : مرحباً ، طوباك طوباك ، يا دافع الكلاب عن الأبرار ، ويا أيها المتعصب للأئمة الأخيار » .
2 - وقال ( قدس سره ) في ( 1 / 26 ) : « احتجاج النبي ( صلى الله عليه وآله ) على جماعة من المشركين .
عن أبي محمد الحسن العسكري ( عليهما السلام ) أنه قال : قلت لأبي علي بن محمد ( عليه السلام ) هل كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجهم ؟ قال : بلى ، مراراً كثيرة ، منها ما حكى الله من قولهم : وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك إلى قوله : رجلا مسحوراً . وقالوا : لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم .
فصل في ذكر طرف مما جاء عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) من الجدال والمحاجة والمناظرة ، وما يجرى مجرى ذلك مع من خالف الإسلام وغيرهم .
--------------------------- 555 ---------------------------
احتجاجه ( صلى الله عليه وآله ) على من اجتمع عنده من ممثلي الأديان الخمسة اليهود والنصارى والدهرية والثنوية ومشركي العرب .
احتجاج النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم الغدير على الخلق كلهم ، وفي غيره من الأيام بولاية علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ومن بعده ومن ولده من الأئمة المعصومين » .
3 - وقال ( قدس سره ) في ( 2 / 329 ) : « احتجاج السيد الأجل علم الهدى المرتضى أبي القاسم علي رضي الله عنه وأرضاه ، على أبي العلاء المعري الدهري ، في جواب ما سأل عنه مرموزاً : دخل أبو العلاء المعري على السيد المرتضى ( قدس سره ) فقال : أيها السيد ما قولك في الكل ؟ قال السيد : ما قولك في الجزء ؟ فقال : ما قولك في الشعرى ؟ فقال : ما قولك في التدوير ؟ قال : ما قولك في عدم الانتهاء ؟ قال : ما قولك في التحيز والناعورة فقال : ما قولك في السبع ؟ فقال : ما قولك في الزايد البري من السبع ؟ فقال : ما قولك في الأربع ؟ فقال : ما قولك في الواحد والاثنين ؟ فقال : ما قولك في المؤثر ؟ فقال : ما قولك في المؤثرات ؟ فقال : ما قولك في النحسين ؟ فقال : ما قولك في السعدين ؟ فبهت أبو العلاء !
فقال السيد المرتضى ( قدس سره ) عند ذلك : ألا كل ملحد ملهد ! ( أي ظالم ) ! فقال أبو العلاء : من أين أخذته ؟ قال : من كتاب الله : يَا بُنَىَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ! وقام وخرج فقال السيد : قد غاب عنا الرجل وبعد هذا لا يرانا !
فسئل السيد ( رحمه الله ) عن كشف هذه الرموز والإشارات فقال : سألني عن الكل ، وعنده الكل قديم ويشير بذلك إلى عالم سماه العالم الكبير فقال : ما قولك فيه ؟ أراد أنه قديم ، فأجبته عن ذلك وقلت له : ما قولك في الجزء ؟ لأن عندهم الجزء محدث ، وهو متولد عن العالم الكبير ، وهذا الجزء عندهم هو العالم الصغير ،
--------------------------- 556 ---------------------------
وكان مرادي بذلك : أنه إذا صح أن هذا العالم محدث ، فذلك الذي أشار إليه إن صح فهو محدث أيضاً ، لأن هذا من جنسه على زعمه ، والشي الواحد لا يكون بعضه قديماً وبعضه محدثاً ، فسكت لما سمع ما قلته .
وأما الشعرى : أراد أنها ليست من الكواكب السيارة ، فقلت له : ما قولك في التدويرات ؟ أردت الفلك في التدويرات والدوران والشعرى لا يقدح في ذلك . وأما عدم الانتهاء ، أراد بذلك أن العالم لا ينتهي لأنه قديم .
فقلت له : قد صح عندي التحيز والتدوير ، وكلاهما يدلان على الانتهاء !
وأما السبع : أراد بذلك النجوم السيارة التي هي عندهم ذوات الأحكام . فقلت له : هذا باطل بالزايد البري الذي يحكم فيه بحكم لا يكون ذلك الحكم منوطاً بهذه الكواكب السيارة التي هي : الزهرة والمشتري والمريخ وعطارد والشمس والقمر وزحل .
وأما الأربع : أراد بها الطبايع ، فقلت له : في الطبيعة الواحدة النارية يتولد منها دابة بجلدها تمس الأيدي ، ثم يطرح ذلك الجلد على النار فتحرق الزهومات ، فيبقى الجلد صحيحاً ، لأن الدابة خلقها الله على طبيعة النار ، والنار لا تحرق النار ، والثلج أيضاً تتولد فيه الديدان وهو على طبيعة واحدة ، والماء في البحر على طبيعتين يتولد منه السموك والضفادع والحيات والسلاحف وغيرها .
وعنده لا يحصل الحيوان إلا بالأربع فهذا مناقض بهذا !
وأما المؤثر : أراد به الزحل ، فقلت له : ما قولك في المؤثرات ؟ أردت بذلك : أن المؤثرات كلهن عنده مؤثرات ، فالمؤثر القديم كيف يكون مؤثراً ؟ !
وأما النحسين : أراد بهما أنهما من النجوم السيارة ، إذا اجتمعا يخرج من بينهما سعد ، فقلت له : ما قولك في السعدين إذا اجتمعا خرج من بينهما نحس ، هذا
--------------------------- 557 ---------------------------
حكم أبطله الله تعالى ، ليعلم الناظر أن الأحكام لا تتعلق بالمسخرات ، لأن الشاهد يشهد أن العسل والسكر إذا اجتمعا لا يحصل منهما الحنظل ، والعلقم والحنظل إذا اجتمعا لا يحصل منهما الدبس والسكر ، هذا دليل على بطلان قولهم .
وأما قولي ألا كل ملحد ملهد ، أردت : أن كل مشرك ظالم ، لأن في اللغة : ألحد الرجل إذ عدل من الدين ، وألهد إذا ظلم ، فعلم أبو العلاء ذلك وأخبرني عن علمه بذلك ، فقرأت : يا بني لا تشرك بالله الآية » .
4 - وهذه نماذج من فهرس الكتاب ، تدلك على نوع مضامينه :
--------------------------- 558 ---------------------------
احتجاج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على أبي بكر وعمر لما منعا فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) فدكاً بالكتاب والسنة . احتجاج فاطمة ( عليها السلام ) على أبي بكر في أمر فدك وطلب أبي بكر منها الشهود ، وشهادة أم أيمن وعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، والكتاب الذي كتبه أبو بكر لفاطمة ( عليها السلام ) في فدك ومزقه عمر !
الإثنا عشر الذين أنكروا على أبي بكر في المسجد ، وهو على المنبر .
احتجاج سلمان الفارسي في خطبة خطبها بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على القوم لما تركوا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) واختاروا غيره ونبذوا العهد المأخوذ عليهم وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون !
احتجاج أبي بن كعب على القوم بمثل ما احتج به سلمان .
احتجاج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على القوم لما مات عمر بن الخطاب ، وقد جعل الخلافة شورى بينهم !
احتجاجه ( عليه السلام ) على جماعة كثيرة من المهاجرين والأنصار لما تذاكروا فضلهم بما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من النص عليه .
احتجاج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على الزبير بن العوام وطلحة بن عبد الله لما أزمعا على الخروج !
احتجاجه ( عليه السلام ) على معاوية في جواب كتاب كتبه إليه وفي غيره من المواضع ,
احتجاجه ( عليه السلام ) على الخوارج لما حملوه على التحكيم ثم أنكروا عليه ذلك !
احتجاجه ( عليه السلام ) في الاعتذار من قعوده عن قتال من تأمر عليه من الأولين ، وقيامه على قتال من بغى عليه من الناكثين والقاسطين والمارقين .
احتجاجه ( عليه السلام ) فيما يتعلق بتوحيد الله وتنزيهه عما لا يليق به .
احتجاجه ( عليه السلام ) على اليهود من أحبارهم ممن قرأ الصحف والكتب في معجزات النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكثير من فضائله | .
احتجاجه ( عليه السلام ) على زنديق جاء مستدلا عليه بآي من القرآن متشابهة .
احتجاجه ( عليه السلام ) على من قال بالرأي في الشرع والاختلاف في الفتوى .
احتجاج الحسن بن علي ( عليهما السلام ) على جماعة من المنكرين لفضله وفضل أبيه .
مفاخرة الحسن بن علي ( عليهما السلام ) على معاوية ، ومروان بن الحكم ، والمغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة ، وعتبة بن أبي سفيان .
احتجاج الحسن بن علي ( عليهما السلام ) على معاوية في الإمامة من يستحقها ومن لا يستحقها بعد مضي النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
احتجاج الحسين ( عليه السلام ) بذكر مناقب أمير المؤمنين وأولاده ( عليهم السلام ) حين أمر معاوية لعنه الله بلعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقتل شيعته .
احتجاج زينب بنت علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) حين رأت يزيد لعنه الله يضرب ثنايا الحسين ( عليه السلام ) بالمخصرة !
احتجاج علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) على يزيد بن معاوية .
--------------------------- 559 ---------------------------
احتجاج أبي جعفر محمد بن علي الباقر ( عليهما السلام ) في الأصول والفروع .
احتجاج أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) في أنواع شتى من العلوم على أصناف كثيرة من أهل الملل والديانات .
احتجاجه ( عليه السلام ) على أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن ذو طي .
احتجاجه ( عليه السلام ) في بيان وجه الحكمة في غيبة الإمام المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )
احتجاج مؤمن الطاق على أبي حنيفة .
احتجاج رجل من الشيعة على أبي الهذيل العلاف .
احتجاج أبي إبراهيم موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) في أشياء شتى على المخالفين .
احتجاج الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا ( عليهما السلام ) في التوحيد والعدل وغيرهما . على المخالف والمؤالف .
احتجاج الرضا ( عليه السلام ) على أهل الكتاب والمجوس ورئيس الصابئين وغيرهم .
احتجاج أبي جعفر محمد بن علي الثاني ( عليهما السلام ) في أنواع شتى من العلوم .
في تكذيب ما رووا من أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال عن أبي بكر وعمر إنهما سيدا كهول أهل الجنة . . .
احتجاج أبي الحسن علي بن محمد العسكري ( عليهما السلام ) في شئ من التوحيد .
رسالته ( عليه السلام ) إلى أهل الأهواز في نفي الجبر والتفويض .
احتجاج أبي محمد الحسن بن علي العسكري ( عليهما السلام ) في أنواع شتى من العلوم .
احتجاج الحجة القائم المنتظر المهدي صاحب الزمان ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) .
في ذكر طرف مما خرج أيضا عن صاحب الزمان ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) من المسائل الفقهية وغيرها ، في التوقيعات على أيدي الأبواب الأربعة وغيرهم .
احتجاج الشيخ المفيد السديد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان .
--------------------------- 560 ---------------------------
احتجاج السيد الأجل علم الهدى المرتضى أبي القاسم ، على أبي العلاء المعري في جواب ما سأل عنه مرموزاً » .

  • *
    --------------------------- 561 ---------------------------

( م 439 ) كتاب الشافي في الإمامة للشريف المرتضى ( قدس سره )

روي أن الشاعر أبا العلاء المعري سئل عن السيد المرتضى ( رحمه الله ) فقال :
يا سائلي عنه لما جئت أسأله * ألا هو الرجل العاري من العار
لو جئته لرأيت الناس في رجل * والدهر في ساعة والأرض في دار
( الإحتجاج : 2 / 236 )
وقد رثا المعري والد الشريفين المرتضى والرضي بقصيدة ومدحهما فيها ، منها :
أبقيت فينا كوكبين سناهما * في الصبح والظلماء ليس بخاف
ساوى الرضي المرتضى وتقاسما * خطط العلا بتناصف وتصاف
يا مالكي سرح القريض أتتكما * مني حمولة مسنتين عجاف
( الإنتصار للشريف المرتضى / 40 ) .
وقال الشيخ محمد جواد مغنية ( رحمه الله ) عن كتاب الشافي : « ألف القاضي عبد الجبار شيخ المعتزلة كتاباً أسماه المغني ، بذل فيه نشاطاً بالغاً لتفنيد أقوال الإمامية ، وأورد فيه من الشبهات ما أسعفه الفكر والخيال ، وقد انطوى الكتاب على أخطاء وتمويهات تخدع البسطاء والمغفلين .
فتصدى لنقضه الشريف المرتضى في كتاب ضخم أسماه الشافي ، وقد جاء فريداً في بابه ، وبصورة صادقة لمعارف المرتضى ومقدرته ، أو لمعارف علماء الإمامية وعلومهم في زمنه على الأصح .
عالج المرتضى مسألة الإمامة من جميع جهاتها ، كمبدأ ديني واجتماعي وسياسي وأثبت بدليل العقل والنقل الصحيح أنها ضرورة دينية واجتماعية ، وأن علياً ( عليه السلام ) هو الخليفة الحق المنصوص عليه بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وأن من عارض وعاند
--------------------------- 562 ---------------------------
فقد عارض الحق ، والصالح العام . ذكر الشريف جميع الشبهات التي قيلت أو يمكن أن تقال حول الإمامة ، وأبطلها بمنطق العقل ، والحجج الدامغة .
ولا أغالي إذا قلت إن كتاب الشافي الشريف هو أول كتاب شاف كاف في الدراسات الإسلامية الإمامية ، بحيث لا يستغني عنه من يريد الكلام في هذا الموضوع ، وبحثه بحثاً موضوعياً ، وليس من شك أن العلامة الحلي قد عنى كتاب الشافي حين قال مقرظاً الشريف : بكتبه استفاد الإمامية منذ زمنه ( رحمه الله ) إلى زماننا ، بل وإلى آخر الزمان ، وهو أي الشريف ركنهم ومعلمهم ( قدس سره ) وجزاه عن أجداده خيراً » . ( الشافي : 1 / 19 ، وراجع الخلاصة للعلامة / 94 ) .
أقول : القاضي عبد الجبار الهمداني كان من شخصيات بغداد السنية المتعصبة في عصر الشيخ المفيد والسيد المرتضى ، أي في العصر البهويهي ، وقد ألف كتاب المغني في العقائد ، وهو كتاب كبير ونسخته غير منظمة ، طبعها الأزهر في مصر ، ورد عليه الشريف المرتضى في كتابه الشافي وهو في أربع مجلدات .
قال الصفدي في الوافي : 18 / 20 : « عبد الجبار بن أحمد القاضي أبو الحسن الهمداني المعتزلي ، قاضي قضاة الري ، شيخ الاعتزال توفي سنة أربع عشرة وأربع مائة وقيل سنة خمس عشرة زاد سنة على التسعين ، وكان كثير المال والعقار ، ولي قضاء القضاة بالري وأعمالها بعد امتناع منه وإباء وإلحاح من الصاحب بن عبَّاد . وهو صاحب التصانيف المشهورة في الاعتزال وتفسير القرآن ، وكان مع ذلك شافعي المذهب . . . فملك الأموال ، وكان موصوفاً بقلة الرعاية للحقوق فأول ذلك أنه كان يكتب للصاحب على عنوان كتبه عبده وصنيعه وغرسه عبد الجبار فلما رأى منزلته منه ومعرفته لحقه وإقباله عليه كتب عبده وصنيعه ثم كتب
--------------------------- 563 ---------------------------
غرسه فقال الصاحب لجلسائه إن تطاول مقام القاضي عندنا عنون كتبه إلينا الجبار وترك ما سواه من اسمه !
وكان عاقبة ذلك أن قبض فخر الدولة عليه بعد موت الصاحب ، وصادره على ثلاثة آلاف ألف درهم ، وعزله عن قضاء الري ، وولى مكانه القاضي أبا الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني العلامة صاحب التصانيف ، التي منها الوساطة ويقال إن عبد الجبار باع في مصادرته ألف طيلسان مصري ، وهو شيخ المعتزلة ورئيس طائفتهم يزعم أن المسلم يخلد في النار على ربع دينار ، وجمع هذا المال من القضاء والحكم بالظلم والرشا » ونحوه ا بن كثير في النهاية : 11 / 359 ، وأعيان الشيعة : 3 / 350 .
وقد لخص الشافي الشيخ الطوسي تلميذ الشريف المرتضى ، باسم : تلخيص الشافي ، ولخصه أيضاً السيد بهاء الدين محمد بن محمد باقر الحسيني من علماء القرن الحادي عشر ، باسم : « ارتشاف الصافي من سلاف الشافي » ( الذريعة : 4 / 423 ) . ولكن بقي الشافي مدار التداول والاستفادة عبر القرون .
قال ( قدس سره ) في مقدمته : ( 1 / 33 ) : « سألت أيدك الله تتبع ما انطوى عليه الكتاب المعروف بالمغني من الحجاج في الإمامة ، وإملاء الكلام على شبهه بغاية الاختصار ، وذكرت أن مؤلفه قد بلغ النهاية في جمع الشبه ، وأورد قوي ما اعتمده شيوخه مع زيادات يسيرة سبق إليها ، وتهذيب مواضيع تفرد بها ، وقد كنت عزمت عند وقوع هذا الكتاب في يدي على نقض ما اختص منه بالإمامة على سبيل الاستقصاء ، فقطعني عن إمضاء ذلك قواطع ومنعت منه موانع ، كنت متوقعاً لانحسارها فأبتدئ به ، وأنا الآن عامل على إملاء ما التمسته ، وعادل عن بسط الكلام ونشره إلى نهاية ما يمكن من الاختصار والجمع ،
--------------------------- 564 ---------------------------
ومعتمد حكاية أوائل كلامه ، وأطراف فصوله . وموقع الحوالة على كتابه ليكون ذلك أدخل فيما نحوته من الاختصار .
وهذا الكتاب إذا أعان الله عليه ، ووفق لبلوغ الغرض فيه ، يكون جامعاً لأصول الإمامة وفروعها ، ومحيطاً من الطرق المهذبة والنكت المحررة ، بما لا يوجد في شئ من الكتب المصنفة ، وإلى الله الرغبة في تيسير ذلك وتسهيله ، وأن يجعل ذلك خالصاً له ، ومقرباً منه ، بمنه وجوده »
تم المجلد الثالث من كتاب : ألف سؤال وإشكال على المخالفين لأهل البيت الطاهرين ( عليهم السلام ) ، وبه تم الكتاب ، والحمد لله رب العالمين .

  • *
    --------------------------- 565 ---------------------------
    --------------------------- 566 ---------------------------
    --------------------------- 567 ---------------------------
    --------------------------- 568 ---------------------------
    --------------------------- 569 ---------------------------
    --------------------------- 570 ---------------------------
    --------------------------- 571 ---------------------------
    --------------------------- 572 ---------------------------
    --------------------------- 573 ---------------------------
    --------------------------- 574 ---------------------------
    --------------------------- 575 ---------------------------
    --------------------------- 576 ---------------------------
    --------------------------- الغلاف 2 ---------------------------
    هذا الكتاب . .
    ما زال المخالفون لمذهب أهل البيت الطاهرين عليهم السلام يكررون إشكالاتهم على مذهب الحق وأتباعه في خطبهم وكتبهم ، ويوزعون كتيباتهم وأشرطتهم على الحجاج والزوار ، في بلاد الحرمين وبقية بلاد المسلمين والمهجر !
    وهذه أسئلة وإشكالات علمية كتبناها ليفهموا منها أن الأولى لهم أن يعالجوا المشكلات والتناقضات التي امتلأت بها مصادرهم ، وقامت عليها مؤلفاتهم وأبحاثهم في عقائدهم وفقههم وتفسيرهم .
    فإن إصلاح الدار أوجب من انتقاد الجار !
    دار السيرة
    بيروت - لبنان
    ص . ب : 49 / 25 العبيري