الإمام محمد الباقر عليه السلام ، السيرة الكاملة

بسم الله الرحمن الرحيم

Asset 2@4x.png بقلم

الطبعة الأولى
1445هجرية- 2023 ميلادية

المؤلف: علي الكَوراني العاملي.

الناشر: دارالمعروف، قم المقدّسة.

الطبعة : الأولی.

تاریخ النشر: 1445 هـ - 2023 م

المطبعة : باقری - قم المقدّسة.

عدد المطبوع : 2000 نسخة.

مقدمة

بسْـمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم

الحمدُ لله ربِّ العالمين ، وأفضلُ الصلاة وأتمُّ السلام

على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين .

وبعد ، فقد كتبت المجلد الخامس من جواهر التاريخ في سيرة الإمامين الباقر والصادق قبل سبع عشرة سنة ، والآن أردت أن أفرد سيرة كل منهما عليهما السلام .

ومن خصائص أئمة العترة عليهم السلام أنك لو كتبت في سيرة أحدهم ، ثم رجعت بعد مدة لوجدت أنه فاتك الكثير! لأن سيرتهم غنية بما أعطاهم الله من صفات وقدرات ، وقد أعطاهم الكثير المبارك .

في سيرة الإمام الباقر عليه السلام يفرض هذا السؤال عليك نفسه: لماذا سماه جده رسول الله صلى الله عليه وآله باقر العلم ، والرسول لاينطق عن الهوى ، ولا يتكلم جزافاً ؟

وقد جعلت قول النبي صلى الله عليه وآله مصباحاً بيدي وأخذت أقرأ لأعرف كيف بقر علم النبوة ونشره في الأمة ، فوجدت العجب العُجاب !

وجدته عليه السلام عَمِد الى مصادر العلم المزيف عند الأمة فأسقطهم واحداً واحداً ، وكان يسميهم الأخابث الصادين عن سبيل الله ! ويقول عنهم يمصون الثماد ويتركون النهر العظيم: علم رسول الله صلى الله عليه وآله عند عترته !

وكان أكثرهم تأثيراً ابن عباس، وأنس خادم النبي صلى الله عليه وآله ، وكعب الأحبار وتلاميذه الذين نشر بهم ثقافة أهل الكتاب ، وعكرمة البربري ، وقتادة بن دعامة ، والحكم بن عتيبة وغيرهم .. وقد فضحهم الإمام عليه السلام واحد واحداً ، وحذر منهم !

ثم أخذ بثأر منع تدوين السنة فربى تلاميذ نابغين وسلحهم بعشرات ألوف الأحاديث النبوية ، وأرسلهم فنشروها في الأمة ، لتحل محل الثقافة المزيفة .

فكان عمله عليه السلام نقد ثقافة الخلافة القائمة على الرأي والظن وقصص أهل الكتاب وتقديم ثقافة الإسلام الصحيحة القائمة على العلم النبوي !

وهكذا شهدت الأمة موجة حديث نبوي فجرها الإمام الباقر عليه السلام حتى قال الترمذي: لولا جابر بن يزيد الجعفي لما كان عند أهل الكوفة حديث .

وقال مسلم في مقدمة صحيحه: إن جابر الجعفي كان عنده سبعون ألف حديث عن الباقر ، كلها عن النبي صلى الله عليه وآله !

وأما ابن عقدة فكان يحفظ مائة ألف حديث عن النبي صلى الله عليه وآله ، وأبان بن تغلب ثلاثين ألف حديث . ومحمد بن مسلم الثقفي نحو أربعين ألفاً .. وهكذا .

لذلك جعلت القسم الأول من سيرة الإمام الباقر عليه السلام خاصاً بإسقاط علماء الخلافة ، فبدأت بعمله في نقدهم ، ثم كشفت عن تلاميذه الذين أعدهم فأدوا مهمتهم العظيمة في الأمة ، ونشروا فيها عشرات ألوف الأحاديث النبوية !

كتبه: علي الكَوْراني العاملي

بقم المشرفة ، السادس من رجب الخير 1444

الفصل الأول

معالم شخصية الإمام الباقر عليه السلام وعصره

1- ولادته ووفاته عليه السلام

ولد عليه السلام في الأول من رجب سنة سبع وخمسين، وقبض في سابع ذي الحجة سنة أربع عشرة ومئة ، فكان عمره الشريف سبعاً وخمسين سنة .

وأمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي ، فهو حفيدٌ للحسن والحسين عليهما السلام  .

قال الصادق عليه السلام :(كانت أمه صديقة لم يدرك في آل الحسن مثلها).( الدعوات/69).

وقال ابن سعد في الطبقات(5/320): ( قال أبو نعيم الفضل بن دكين: توفي بالمدينة سنة أربع عشرة ومائة ، وكان ثقة كثير العلم والحديث ).

2- قتله هشام الأحول بالسُّم

في الكافي(1/471) بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (قبض محمد بن علي الباقر وهو ابن سبع وخمسين سنة ، في عام أربع عشرة ومائة ، عاش بعد علي بن الحسين عليه السلام تسع عشرة سنة وشهرين ) .

وقال الصدوق رحمه الله في الإعتقادات/98: (علي بن الحسين سيد العابدين عليه السلام سمَّه الوليد بن عبد الملك فقتله. والباقر محمد بن علي عليهما السلام سمه إبراهيم بن الوليد فقتله. والصادق عليه السلام سمه المنصور فقتله. وموسى بن جعفر عليه السلام سمه هارون الرشيد فقتله . والرضا علي بن موسى عليه السلام قتله المأمون بالسم . وأبو جعفرمحمد بن علي عليه السلام قتله المعتصم بالسم . وعلي بن محمد عليه السلام قتله المعتضد بالسم . والحسن بن علي العسكري عليه السلام قتله المعتمد بالسم .

واعتقادنا في ذلك أنه جرى عليهم على الحقيقة ، وأنه ما شُبِّه للناس أمرهم كما يزعمه من يتجاوز الحد فيهم ، بل شاهدوا قتلهم على الحقيقة والصحة لا على الحسبان والخيلولة ولا على الشك والشبهة . فمن زعم أنهم شُبِّهوا أو واحد منهم فليس من ديننا على شئ ونحن منه برآء . وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام أنهم مقتولون ، فمن قال إنهم لم يقتلوا فقد كذبهم).

يقصد رحمه الله المغالين الذين ألهوا الأئمة عليهم السلام  ، أو ادعوا فيهم الحلول ، وأنهم لايموتون !

وفي مناقب آل أبي طالب(3/340): (قال أبو جعفر بن بابويه: سمَّهُ إبراهيم بن الوليد بن يزيد (والي المدينة) وقبره ببقيع الغرقد ).

لكن ذلك تصحيف أو اشتباه ، لأنه لا ذكر لإبراهيم هذا في عمال المدينة ، وليس هو من أولاد عبد الملك ، ولعل المقصود ابن خاله إبراهيم بن هشام المخزومي الذي ولي المدينة (النهاية:9/261) ثم عزله هشام الأحول وولَّى مكانه الوليد بن عبد الملك ، وفي ولايته استشهد الإمام الباقر عليه السلام .

وكذا لايصح قول ابن شهراشوب:(وكان في سني إمامته ملك الوليد بن يزيد وسليمان وعمر بن عبد العزيز ، ويزيد بن عبد الملك ، وهشام أخوه ، والوليد بن يزيد، وإبراهيم أخوه ، وفي أول ملك إبراهيم قبض ).

وهذه قائمة بالملوك من أولاد مروان:

1- عبد الملك بن مروان من سنة 65-86 .

2 - الوليد بن عبد الملك من 86 - 96 .

3 - سليمان بن عبد الملك من 96 - 99 .‍

4 - عمر بن عبد العزيز من 99 – 101.

5 - يزيد بن عبد الملك من 101-105 .

6- هشام بن عبد الملك من 105- 125.

7 - الوليد بن يزيد بن عبد الملك من 125-126.

8 - يزيد بن الوليد بن عبد الملك من 126-126.

9 - إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك أربعة أشهر في سنة 126.

10 - مروان بن محمد الملقب بالحمار من 127-132.

( أولاد الإمام محمد الباقر عليه السلام للزرباطي/28) .

وشهادة الإمام عليه السلام كانت في خلافة هشام ، الذي كان صدره يغلي بالحسد عليه وعلى أبيه عليهما السلام . وقد قتله واليه خالد الذي كان مثله يبغض أهل البيت عليهم السلام .

وقد وصفوا هشاماً فقال البلاذري(8/367):(وكان أحول بخيلاً.وكانت أمه حمقاء). وقال المسعودي(3/205): (كان هشام أحْوَلَ خشناً فظاً غليظاً ).

3-الحالة العلمية للأمة في عصره

يلاحظ كل باحث أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله هبط المستوى العلمي للأمة دفعة واحدة ، هبوطاً حاداً ، فصارالسائد عند المسلمين السطحية والظنون ! صحيح أنه كان فيهم القرآن ، لكن لم يكن عند الخلفاء علم القرآن وحتى معرفة مفرداته !

فقد روى ابن حجر في فتح الباري (13/229) أن أبا بكر وعمر سئلا في خلافتهما عن معنى: وفاكهةً وَأَبّاً ، فلم يعرفا معنى كلمة (أبّاً ) !

وسئلا عن إرث الكلالة وسهم الجدة فلم يعرفا تفسير الآيات !

كما أحرق أبو بكر وعمر ما جمعه المسلمون من سنة النبي صلى الله عليه وآله ، ومنعا المسلمين من تدوين حديث واحد منها ! لأنهما خافا من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله في ذم قريش ومدح بني هاشم ! ثم سلطوا علماء الحكومة العوام الذين كان رأس مال أحدهم التفسير برأيه وظنه . ثم أطلق عمر يد كعب الأحبار فجنَّد تلاميذ ينشرون ثقافة أهل الكتاب ، وكان عند عبدالله بن عمرو تلميذ كعب عدلين منها ، أي كيسين كبيرين حصل عليهما من اليرموك يحدث منهما على أنهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله !! حتى قال له أحدهم: (حدثني ما سمعت من رسول الله ودعني وما وجدت في وسقك يوم اليرموك )! (مسند أحمد: 2 /195) !

وقد أفتى لهم أبو بكر وعمر بالأخذ من اليهود والنصارى فانتشرت ثقافتهم ، حتى كانت زوجة النبي صلى الله عليه وآله عائشة إذا مرضت تستدعي عجوزاً يهودية لترقيها !

روى مالك في الموطأ (2/943): (عن عمرة بنت عبد الرحمن، أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها ! فقال أبو بكر: إرقيها بكتاب الله).

أي إرقيها بالتوراة ، لأن العجوز اليهودية لا تؤمن بالقرآن !

إن الناظر في المستوى العلمي للمسلمين في القرن الأول تأخذه الدهشة لهذا المسوى البائس، حيث قام دين الخليفة على الرأي، وتبعه المسلمون فاعتمدوا على الآراء والظنون وثقافة اليهود ، وموروثات المجتمع العربي الجاهلي .

ولم يخرج عن هذه الحالة إلا أئمة العترة عليهم السلام الذين قال الله فيهم:

قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ..

أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ .

لكنهم كانوا معزولين وممنوعين أن يعلموا الأمة ، بل كان الذي يأخذ عنهم يُتهم !

وقد ضرب المحامي الأردني أحمد حسين يعقوب مثلاً لذلك فقال لي: إن سبب انهيار المستوى العلمي بسيط: فلو أن جماعة دخلوا المحكمة فكتفوا القاضي الخبير بالقانون ، وجلسوا في منصة القضاء ، وأرادوا أن يحكموا وليس عندهم علم ، فلا بد لهم أن يحكموا بآرائهم وظنونهم ! وهذا ما وقع في الأمة لما غيَّبَ الخلفاء علم النبي صلى الله عليه وآله عند أهل البيت عليهم السلام فلم يبق لهم إلا الظن والرأي !

وقد ارتكبوا في تفسير آيات القرآن تخريب معانيها ، وتمييعه ، وتحريفه ، والجهالة في تفسيرها ، لأنهم ليس عندهم علم بالكتاب ، ولا تعمق بفهم اللغة !

وقد استمرت هذه الحالة طوال القرن الأول الى أن جاء الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز وكان معجباً بالإمام زين العابدين عليه السلام ويسميه سراج الملة ، فجلس ابنه الإمام محمد الباقر عليه السلام في المسجد وشق علم النبوة وأخذ يحدث الناس ، فقصده الطلبة والعلماء ، ومنهم علماء السلطة وقضاتها ، فكانوا يأخذون عنه ما أعجبهم ، ويتركون ما لم يعجبهم !

قال المفيد في الإرشاد (2/158): (كان الباقر أبوجعفرمحمد بن علي من بين إخوته خليفة أبيه علي بن الحسين عليهما السلام ووصيه والقائم بالإمامة من بعده ، وبرز على جماعتهم بالفضل في العلم والزهد والسؤدد ، وكان أنبههم ذكراً وأجلهم في العامة والخاصة وأعظمهم قدراً ، ولم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين عليهم السلام من علم الدين والآثار والسنة وعلم القرآن والسيرة وفنون الآداب ما ظهرعن أبي جعفر عليه السلام . وروى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين، وصار علماً لأهله تضرب به الأمثال، وتسير بوصفه الآثار والأشعار، وفيه يقول القرظي:

يا باقر العلم لأهل التقى
وخير من لبَّى على الأجبُل
وقال مالك بن أعين الجهني:
إذا طلب الناس علم القُرانْ
كانت قريشٌ عليه عيالا
وإن قيل هذا ابن بنت النبي
نال بذاك فروعاً طوالا
نجومٌ تهلل للمُدْلجين
جبالٌ تورث علماً جبالا).

(وقال الحكم بن عتيبة كبير قضاة السلطة في العراق: كنا على باب أبي جعفر عليه السلام ونحن جماعة ننتظره أن يخرج إذ جاءت امرأة فقالت: أيكم أبو جعفر؟ فقال لها القوم: ما تريدين منه؟ قالت: أريد أن أسأله عن مسألة ، فقالوا لها: هذا فقيه أهل العراق فسليه ، فقالت: إن زوجي مات وترك ألف درهم وكان لي عليه من صداقي خمس مائة درهم ، فأخذت صداقي وأخذت ميراثي ثم جاء رجل فادعى عليه ألف درهم فشهدتُ له ، فقال الحكم: فبينا أنا أحسب ما يصيبها إذ خرج أبو جعفر فقال: ما هذا الذي أراك تحرك به أصابعك يا حكم؟ فأخبرته بمقالة المرأة وما سألت عنه ، فقال أبو جعفر: أقرت بثلث ما في يديها ولا ميراث لها . قال الحكم: فوالله ما رأيت أحداً أفهم من أبي جعفر )! (الكافي:7/167).

وقال الامام الصادق عليه السلام : (وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى كان أبو جعفر ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس). ( الكافي 2/30) .

(وقال محمد بن مسلم: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ليس عند أحد من الناس حق ولا صواب ولا أحد من الناس يقضي بقضاء حق ، إلا ما خرج منا أهل البيت وإذا تشعبت بهم الأموركان الخطأ منهم والصواب من علي عليه السلام .

وقال أبو مريم: قال أبو جعفر عليه السلام لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة: شرِّقا وغرِّبا فلا تجدان علماً صحيحاً إلا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت .

وقال أبو بصير: سألت أبا جعفر عليه السلام عن شهادة ولد الزنا تجوز؟ فقال: لا. فقلت: إن الحكم بن عتيبة يزعم أنها تجوز . فقال: اللهم لا تغفر ذنبه ! ما قال الله للحكم: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ! فليذهب الحكم يميناً وشمالاً ، فوالله لا يؤخذ العلم إلا من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل عليه السلام ). ( الكافي1/399).

(وعن فضيل بن يسار، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كلما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل). (بصائر الدرجات/531).

وقال الباقر عليه السلام ( الكافي:1/393):(يا سدير فأريك الصادين عن دين الله ، ثم نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوري في ذلك الزمان وهم حَلَقٌ في المسجد فقال: هؤلاء الصادون عن دين الله بلا هدى من الله ولا كتاب مبين ، إن هؤلاء الأخابث لو جلسوا في بيوتهم فجال الناس فلم يجدوا أحداً يخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وآله حتى يأتونا فنخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وآله ) .

(وقال عليه السلام : إن الأرض لاتبقى إلاوفيها منا من يعرف الحق، فإذا زاد الناس قال قد زادوا ، وإذا نقصوا منه قال قد نقصوا. ولولا ذلك لم يعرف الحق من الباطل . ولولا ذلك لالتبست على المؤمنين أمورهم). (بصائر الدرجات/٣٤٧).

في هذا الجو بقر الإمام عليه السلام علم النبوة ، وفجره ، ونشره في الأمة .

4 - كان علماء السلطة بين يديه كالصبيان بين يدي معلمهم !

قال ابن الجوزي في تذكرة الخواص/347: (عن عطاء المكي قال: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ! ولقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه ! وكان جابر بن يزيد الجعفي إذا روى عن محمد بن علي شيئاً قال: حدثني وصيُّ الأوصياء ، ووارث علم الأنبياء: محمد بن علي بن الحسين).

قال في حلية الأولياء (3 / 185): (بسنده عن عبد الله بن عطاء قال: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علما منهم عند أبي جعفر لقد رأيت الحكم عنده كأنه متعلم ).

وقال تذكرة الخواص/302: (قال عطاء: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر. لقد رأيت الحكم عنده كأنه مغلوب . ويعني بالحكم الحكم بن عتيبة وكان عالماً نبيلاً جليلاً في زمانه ).

ورواه ابن عساكر(54/ 278) بسنده عن عبد الله بن عطاء ، ثم روى عن عبد الله بن عبد الرحمن الزهري قال: دخل هشام بن عبد الملك بن مروان المسجد الحرام متوكئاً على مولاه سالم فنظر إلى محمد بن علي بن الحسين وقد أحدق الناس به حتى خلا الطواف فقال: من هذا؟ فقيل له محمد بن علي بن الحسين . وفي رواية: قال المفتون به أهل العراق )!

وقال عليه السلام في علماء السلطة

(إن من العلماء من يحب أن يخزن علمه ولا يؤخذ عنه ، فذلك في الدرك الأول من النار ! ومن العلماء من إذا وعظ أَنِف ، وإذا وعظ عَنِف ، فذلك في الدرك الثاني من النار ! ومن العلماء من يرى أن يضع العلم عند ذوي الثروة والشرف ، ولا يرى له في المساكين موضعاً ، فذلك في الدرك الثالث من النار !

ومن العلماء من يذهب في علمه مذهب الجبابرة والسلاطين ، فإن رد عليه شئ من قوله أو قصر في شئ من أمره غضب ، فذاك في الدرك الرابع من النار !

ومن العلماء من يطلب أحاديث اليهود والنصارى ليعزز به علمه ويكثر به حديثه فذاك في الدرك الخامس من النار !

ومن العلماء من يضع نفسه للفتيا ويقول سلوني ، ولعله لا يصيب حرفاً واحداً ، والله لا يحب المتكلفين ، فذلك في الدرك السادس من النار !

ومن العلماء من يتخذ علمه مروة وعقلاً (يرائي به) فذلك في الدرك السابع من النار)! ( الفصول المهمة:1/610) .

5 - بشَّر به النبي صلى الله عليه وآله لمهمة كبرى وسماه الباقر

روى أبو نصر البخاري في السلسلة العلوية/32: ( وَفَدَ زيد بن علي على هشام (الأحول) بن عبد الملك فقال له هشام: ما فعل أخوك البقرة ، يعني الباقر! فقال زيد: لَشَدَّ ما خالفت رسول الله صلى الله عليه وآله ! سماه رسول الله الباقر وتسميه البقرة ! لتُخَالفنَّه في يوم القيامة ، فيدخل الجنة وتدخل النار ) .

وقال ابن قتيبة في عيون الأخبار (1/313): (دخل زيد بن عليّ على هشام فقال: ما فعل أخوك البقرة؟ قال زيد سماه رسول الله باقراً وتسميه بقرة ! لقد اختلفتما.

أخبرنا جابر بن عبد الله أن النبي(ص) قال: يا جابر إنك ستعمر بعدي حتى يولد لي مولود اسمه كإسمي يبقر العلم بقراً ، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام . فكان جابر يتردّد في سكك المدينة بعد ذهاب بصره وهو ينادي: يا باقر ، حتى قال الناس قد جُنَّ جابر. فبينا هو ذات يوم بالبلاط إذ بصر بجارية يتوركها صبي فقال لها: يا جارية ، من هذا الصبي؟ قالت: هذا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. فقال: أدنه مني فأدنيته منه فقبل بين عينيه وقال: يا حبيبي ، رسول الله يقرؤك السلام . ثم قال: نعيت إليَّ نفسي ورب الكعبة .

ثم انصرف إلى منزله وأوصى فمات من ليلته .

قال هشام لزيد بن علي: بلغني أنك تربَّص نفسك للخلافة وتطمع فيها وأنت ابن أمة . قال له زيد: مهلاً يا هشام ، فلو أن الله علم في أولاد السراري تقصيراً عن بلوغ غاية ، ما أعطى إسماعيل ما أعطاه . ثم خرج زيد وبعث إليه بهذه الأبيات:

مهـلاً بني عمّنـا عن نَحْـت أثلتنـا
سـيروا رويـداً كما كنتـم تسـيرونا
لا تجمعـوا أن تهينونا ونكرمكم
وأن نكـفَّ الأذى عنكـم وتـؤذونا
فاللَّه يعلم أنا لا نحبّكم
ولا نلومكمو ألَّا تحبونا

ثم إن زيداً أعطى اللَّه عهداً ألا يلقى هشاماً إلا في كتيبة حمراء ، فدخل الكوفة فطبع بها السيوف ، وكان من أمره ما كان حتى قتل رحمه الله ) .

6- اهتم الإمام الباقر عليه السلام بتفقيه الأمة

فكان يجلس لمن يسأل ويأمرهم أن يفقهوا بعضهم بعضاً .

وقال لجابر بن يزيد الجعفي: ( يا جابر والله لحديث تصيبه من صادق ، في حلال وحرام ، خير لك مما طلعت عليه الشمس حتى تغرب . وأمر العلماء أن يدرسوا الفقه وقال: عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد . إن الذي يُعلم العلم منكم له أجر مثل أجر المتعلم وله الفضل عليه ، فتعلموا العلم من حملة العلم وعلموه إخوانكم كما علمكموه العلماء. وقال عليه السلام :زكاة العلم أن تعلمه عباد الله.

وقال عليه السلام :الكمال كل الكمال التفقه في الدين والصبر على النائبة وتقدير المعيشة . وفرض على الشباب أن يتفقهوا فقال: (لو أُتيت بشاب من شباب الشيعة ، لا يتفقه في الدين لأوجعته ).

7- وحذر من طلب العلم للدنيا

فقال عليه السلام :من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه، فليتبوأ مقعده من النار، إن الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها.

عن أبي بصير: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كان أبو ذر رحمه الله يقول: يا مبتغي العلم إن هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شر، فاختم على لسانك كما تختم على ذهبك وورقك .

8- وصايا الإمام الباقر عليه السلام عند وفاته

(مرض مرضاً شديداً حتى خفنا عليه فبكى بعض أهله عند رأسه فنظر فقال: إني لست بميت من وجعي هذا ، إنه أتاني اثنان فأخبراني أني لست بميت من وجعي هذا ، قال: فبرأ ومكث ما شاء الله أن يمكث .

فبينا هو صحيح ليس به بأس قال: يا بني إن اللذين أتياني من وجعي ذلك ، أتيآني فأخبراني أني ميت يوم كذا وكذا. قال: فمات في ذلك اليوم !

عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: كنت عند أبي في اليوم الذي قبض فيه أبي فأوصاني بأشياء في غسله ، وفي كفنه ، وفي دخوله قبره . قال قلت: يا أبتاه والله ما رأيت منذ اشتكيت أحسن هيئة منك اليوم ، وما رأيت عليك أثر الموت . قال:يا بني أما سمعت علي بن الحسين ناداني من وراء الجدران: يا محمد تعال ، عجل .

عن الإمام الرضا عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام :حين احتضر: إذا أنا متُّ فاحفروا لي وشقوا لي شقاً، فإن قيل لكم إن رسول الله صلى الله عليه وآله لُحد له فقد صدقوا . وأوصى بثمان مائة درهم لمأتمه وكان يرى ذلك للسنة ، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إتخذوا لآل جعفر بن أبي طالب طعاماً ، فقد شغلوا .

عن الإمام الصادق عليه السلام : كتب أبي في وصيته: أن أكفنه في ثلاث أثواب ، أحدها رداء له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة ، وثوب آخر وقميص.

وشققنا له القبر شقاً من أجل أنه كان رجلاً بديناً ، وأمرني أن أجعل ارتفاع قبره أربعة أصابع مفرجات ).

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال لي أبي: يا جعفر أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبنني عشر سنين بمنى أيام منى ). يريد عليه السلام تثبيت جواز النوح على الميت .

قال المفيد: ووصى إليه أبوه أي إلى جعفر الصادق عليهما السلام وصية ظاهرة ونص عليه بالإمامة نصاً جلياً . (قال المسعودي: فلما قربت وفاته دعا بأبي عبد الله جعفر ابنه عليهما السلام فقال: إن هذه الليلة التي وعدت فيها ، ثم سلم إليه الإسم الأعظم ومواريث الأنبياء والسلاح .

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنَّ أبي عليه السلام استودعني ما هناك ، فلما حضرته الوفاة قال: أدع لي شهوداً فدعوت له أربعة من قريش ، فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر ، فقال أكتب: هذا ما أوصى به يعقوب بنيه: يَا بَنِىَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَىْ لَكُمُ الدِينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنُتم مُسْلِمُونَ . وأوصى محمد بن على إلى جعفر بن محمد وأمره أن يكفنه في برده الذي كان يصلي فيه الجمعة ، وأن يعممه بعمامته ، وأن يربع قبره ، ويرفعه أربع أصابع وأن يحلَّ عنه أطماره عند دفنه ، ثم قال للشهود: إنصرفوا رحمكم الله ، فقلت له: يا أبت بعد ما انصرفوا: ما كان في هذا بأن تشهد عليه فقال: يا بني كرهت أن تغلب وأن يقال: إنه لم يوص إليه ، فأردت أن تكون لك الحجة .

عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: أمرني أبي أن أجعل ارتفاع قبره أربع أصابع مفرجات ، وذكر أن الرش بالماء حسن ، وقال: توضأ إذا أدخلت الميت القبر.

إن أبي أوصاني عند الموت: يا جعفر ، كفني في ثوب كذا وكذا ، وثوب كذا وكذا واشتر لي برداً واحداً وعمامة وأجدْهما ، فإن الموتى يتباهون بأكفانهم .

إن أبي أمرني أن أغسله إذا توفي وقال لي: أكتب يا بني ، ثم قال: إنهم يأمرونك بخلاف ما تصنع . فقل لهم هذا كتاب أبي ولست أعدو قوله ، ثم قال: تبدأ فتغسل يديه ، ثم توضيه وضوء الصلاة ، ثم تأخذ ماءً وسدراً ..

كتب أبي في وصيته أن أُكفنه بثلاثة أثواب: أحدها رداء له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة وثوب آخر وقميص ، فقلت لأبي: لم تكتب هذا ؟ فقال: أخاف أن يغلبك الناس وإن قالوا كفنه في أربعة أو خمسة ، فلا تفعل وعممني بعمامة وليس تعد العمامة من الكفن ، إنما يُعد ما يلفُّ به الجسد  .

عن عبد الحميد بن أبي جعفر الفرّاء قال: إن أبا جعفر عليه السلام انقلع ضرس من أضراسه فوضعه في كفه ثم قال: الحمد لله ، ثم قال: يا جعفر إذا أنا متُّ ودفنتني فادفنه معي، ثم مكث بعد حين ثم انقلع أيضاً آخر فوضعه على كفه ثم قال: الحمد لله ، يا جعفر إذا مت فادفنه معي). ( شهادة المعصومين عليهم السلام (3/83) .

9 - زاده الله بسطة في العلم والجسم

جاء في وصفه عليه السلام أنه شبيه جده النبي صلى الله عليه وآله في ملامح وجهه ، حنطي اللون له خال على خده ، ضامر الكشح أي ليس بطيناً مع أنه بدين ، حسن الصوت ، مطرق الرأس. (مناقب آل أبي طالب:3/339) .

وتميز من بين الأئمة عليهم السلام بأنه أكثرهم بدانةً وجسامةً ، فعن سديرقال: ( قلت لأبي جعفر عليه السلام : أتصلي النوافل وأنت قاعد؟ فقال: ما أصليها إلا وأنا قاعد منذ حملت هذا اللحم ، وبلغت هذا السن ). (الكافي:3/410 ) .

قال ابن سعد في الطبقات (5/320): ( أبو جعفر محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ، وأمه أم عبد الله بنت حسن بن علي... عن عبد الأعلى أنه رأى محمد بن علي يرسل عمامته خلفه . حكيم بن عباد قال: رأيت أبا جعفر متكئاً على طيلسان مطوي في المسجد ، قال محمد بن عمر: ولم يزل ذلك من فعل الأشراف وأهل المروءة عندنا ، الذين يلزمون المسجد يتكئون على طيالسة مطوية سوى طيلسانه وردائه الذي عليه .

عبد الأعلى قال: سألت محمد بن علي عن الوسمة فقال: هو خضابنا أهل البيت . عبد الله بن قشير الجعفي قال: قال لي أبو جعفر إخضب بالوسمة .

المعيصي قال: رأيت محمد بن علي على جبهته وأنفه أثر السجود ليس بالكثير ).

الفصل الثاني

بشر به جده صلى الله عليه وآله وسماه باقر علمي

1- اشتهر عليه السلام عند المؤالف والمخالف بلقب الباقر وباقر العلم

إسمه إسمي، وأشبه الناس بي ، يهب الله له النور ، والحكمة ، يبقر العلم بقراً .. وقد اشتهر بلقب الباقر، وباقرالعلم ، وباقر علم النبوة .

قال الزبيدي في القاموس(6/105): (والباقر:محمد بن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهم ، لتبحره في العلم . وفي اللسان:لأنه بقرالعلم وعرف أصله واستنبط فرعه . قلت: وقد ورد في بعض الآثار عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن النبي (ص) قال له: يوشك أن تبقى حتى تلقى ولداً لي من الحسين يقال له محمد يبقر العلم بقراً ، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام . خرَّجه أئمة النسب ).

يقصد حديث النبي صلى الله عليه وآله مع جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله !

وأقوى رواياته سنداً ما رواه الكشي(1/223):(عن محمد بن مسلم: قال لي أبي عبد الله عليه السلام :إن لأبي مناقب ما هن لآبائي: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لجابر بن عبد الله الأنصاري: إنك تدرك محمد بن علي فاقرأه مني السلام ، قال: فأتى جابر منزل علي بن الحسين عليهما السلام فطلب محمد بن علي ، فقال له علي عليه السلام هو في الكتاب أرسل لك إليه ، قال: لاولكني أذهب إليه ، فذهب في طلبه فقال للمعلم: أين محمد بن علي؟ قال: هو في تلك الرفقة أرسل لك إليه ؟ قال: لا ولكني أذهب إليه فجاءه فالتزمه وقبل رأسه وقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله أرسلني إليك برسالة أن أقرئك السلام! قال:عليه وعليك السلام. ثم قال له جابر: بأبي أنت وأمي إضمن لي أنت الشفاعة يوم القيمة قال: فقد فعلت ذلك يا جابر ).

وفي الكافي(1/469) عن الصادق عليه السلام بسند صحيح قال: ( إن رسول الله قال ذات يوم لجابر بن عبد الله الأنصاري: يا جابر إنك ستبقى حتى تلقى وَلَدي محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، المعروف في التوراة بالباقر ، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام ، فدخل جابر إلى علي بن الحسين صلى الله عليه وآله فوجد محمد بن علي عنده غلاماً فقال له: يا غلام أقبل فأقبل ، ثم قال: أدبر فأدبر ، فقال جابر: شمائل رسول الله ورب الكعبة ، ثم أقبل علي بن الحسين فقال له: من هذا؟ قال: هذا ابني وصاحب الأمر بعدي محمد الباقر ، فقام جابر فوقع على قدميه يقبلهما ويقول: نفسي لنفسك الفداء يا ابن رسول الله ، إقبل سلام أبيك . إن رسول الله يقرأ عليك السلام. فدمعت عينا أبي جعفر ثم قال:يا جابر على أبي رسول الله السلام مادامت السماوات والأرض ، وعليك السلام يا جابر بما بلغت ).

وقال في مناقب آل أبي طالب:3/328:(وحديث جابر مشهور معروف ، رواه فقهاء المدينة والعراق كلهم.. عن سعيد بن المسيب ، وسليمان الأعمش، وأبان بن تغلب ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة بن أعين ، وأبي خالد الكابلي).

وقال المفيد في الإرشاد (2/159) عن جابرقال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : يوشك أن تبقى حتى تلقى ولداً لي من الحسين ، يقال له محمد يبقر علم الدين بقراً ، فإذا لقيته فاقرئه مني السلام ).

وفي مناقب محمد بن سليمان:2/275:(تلقى رجلاً من ولدي يقال له محمد بن علي بن الحسين، يهب الله له النوروالحكمة ، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام).

وفي تاريخ اليعقوبي:2/320: (فلما كبرت سنُّ جابر وخاف الموت جعل يقول: يا باقر يا باقر أين أنت؟ حتى رآه فوقع عليه يقبل يديه ورجليه ، وهو يقول: بأبي وأمي ، شبيه أبيه رسول الله ! إن أباك يقرؤك السلام ).

وفي أمالي الطوسي:2/249 ، وغيره: (فأتى جابر بن عبد الله باب علي بن الحسين وبالباب أبو جعفر محمد بن علي ، في أغيلمة من بني هاشم قد اجتمعوا هناك فنظر جابر إليه مقبلاً فقال: هذه مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسجيته فمن أنت يا غلام؟ قال: فقال: أنا محمد بن علي بن الحسين ، فبكى جابر بن عبد الله ثم قال: أنت والله الباقر عن العلم حقاً.. فأقبل جابر على من حضر وقال:والله ما رؤي في أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين إلا يوسف بن يعقوب صلى الله عليه وآله ، والله لذرية علي بن الحسين أفضل من ذرية يوسف بن يعقوب إن منهم لمن يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ). أيضاً: أمالي الصدوق/434 والعلل:1/233، وإعلام الورى:1/505 والثاقب /104 ، والخرائج:2/892 ، وعمدة الطالب/194 ، وروضة الواعظين/202 ، بسند صحيح في عدد منها. وفي بعضها: اسمه في صحف الأولين باقر يبقر العلم بقراً .

2- روى السنة حديث بشارة النبي صلى الله عليه وآله بالباقر عليه السلام

فقد رواه أبو نصر البخاري في سر السلسلة العلوية/32 ، ونصه: (يا جابر ، إنك ستعيش حتى تدرك رجلاً من أولادي إسمه إسمي ، يبقر العلم بقراً ، فإذا رأيته فاقرأه مني السلام ، ففعل ذلك جابر رحمه الله ).

ورواه محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول/81 و425،قال: (هو باقر العلم وجامعه ، وشاهر علمه ورافعه ، ومتفوق دره وواضعه ، ومنمق دره وراضعه ، صفا قلبه ، وزكا عمله ، وطهرت نفسه ، وشرفت أخلاقه ، وعمرت بطاعة الله أوقاته، ورسخت في مقام التقوى قدمه ، وظهرت عليه سمات الإزدلاف ، وطهارة الإجتباء ، فالمناقب تسبق إليه والصفات تشرف به .

ثم روى حديث جابر/431: (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله والحسين في حجره وهو يلاعبه ، فقال: يا جابر يولد لابني الحسين ابن يقال له علي ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم سيد العابدين . فيقوم علي بن الحسين ، ويولد لعلي ابن يقال له محمد ، يا جابر إن رأيته فاقرءه مني السلام ، واعلم أن بقاءك بعد رؤيته يسير . فلم يعش جابر بعد ذلك إلا قليلاً) .

ورواه ابن قتيبة في عيون الأخبار(2/91):(ستعيش بعدي حتى يولد لي مولود إسمه كاسمي يبقر العلم بقراً . فإذا لقيته فاقرئه مني السلام).

ورواه العاصمي في سمط النجوم(4/141،و:2/348) وصححه فقال: (يكنى أبا جعفر.. والهادي ، وأشهرها الباقر لقول النبي(ص) لجابر بن عبد الله الأنصاري إنك ستعيش حتى ترى رجلاً من أولادي إسمه إسمى يبقر العلم بقراً ، فإذا لقيته فأقره مني السلام فلقيه جابر وأقرأه السلام من رسول الله).

وصححه ابنُ أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج(15/277) قال: (وهو سيد فقهاء الحجاز ، ومنه ومن ابنه جعفر تعلم الناس الفقه ، وهو الملقب بالباقر باقر العلم ، لقبه به رسول الله (ص) ولم يُخلق بعد ، وبشر به ووعد جابر بن عبد الله برؤيته وقال: ستراه طفلاً، فإذا رأيته فأبلغه عني السلام! فعاش جابر حتى رآه وقال له ما وُصِّيَ به ) .

ورواه ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة (2/882) وفيه: ( يبقر العلم بقراً ، أي يفجره تفجيراً ، فإذا رأيته فاقرأه عني السلام ).

وقال الزرندي الشافعي في معارج الوصول/122: (سماه رسول الله الباقر ، وأهدى إليه سلامه على لسان جابر بن عبد الله فقال: يا جابر إنك تعيش حتى تدرك رجلاً من أولادي إسمه إسمي يبقر العلم بقراً ، فإذا رأيته فاقرأه مني السلام. فأدركه جابر بن عبد الله الأنصاري وهو صبي في الكتاب فأقرأه عن رسول الله (ص) السلام المستطاب ، وقال: هكذا أمرني رسول الله (ص) وهذه منقبة لم يشركه فيها أحد من الآل والأصحاب ).

وقال ابن حجر الهيتمي في الصواعق(2/585): (أبو جعفرمحمد الباقر سمي بذلك من بَقَرَ الأرض أي شقها وأثار مخبئاتها ومكامنها ، فكذلك هو أظهر من مخبئات كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية والسريرة ومن ثَم قيل فيه: هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه. عمرت أوقاته بطاعة الله وله من الرسوخ في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين ، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لاتحتملها هذه العجالة وكفاه شرفاً أن ابن المديني روى عن جابرأنه قال له: رسول الله يسلم عليك ، فقيل له وكيف ذاك؟ قال: كنت جالساً عنده والحسين في حجره وهو يداعبه فقال: يا جابر يولد له مولود اسمه علي إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيد العابدين ، فيقوم ولده . ثم يولد له ولد اسمه محمد الباقر ، فإن أدركته يا جابر فاقرئه مني السلام ) .

3- روى المتعصبون حديث جابر وغيبوه وأبقوا لقب الباقر !

في شرح مسلم للنووي (6/137): (ومنه سميَ محمد الباقر رضي الله عنه ، لأنه بقر العلم ودخل فيه مدخلاً بليغاً ، ووصل منه غاية مرضية ).

وفي عمدة القاري بشرح البخاري للعيني (3/52): (أما محمد بن علي فهو: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، الهاشمي المدني ، أبو جعفر المعروف بالباقر ، سمي به لأنه بقر العلم أي شقه بحيث عرف حقائقه ، وهو أحد الأعلام التابعين الأجلاء ) .

وفي تفسير القرطبي(1/446): (ومنه الباقر لأبي جعفر محمد بن علي زين العابدين ، لأنه بقر العلم وعرف أصله ، أي شقه ).

وفي تذكرة حفاظ الذهبي (1/124): ( أبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين الإمام الثبت الهاشمي العلوي المدني..وكان سيد بني هاشم في زمانه . اشتهر بالباقر من قولهم بقر العلم ، يعني شقه فعلم أصله وخَفِيَّه ).

وبنحو هذا فسر لقب (الباقر) عامة من ترجم للإمام عليه السلام من علمائهم ، لكن المنصف منهم ذكر حديث النبي صلى الله عليه وآله وعامتهم متعصبون أخفوه !

4- شهد المؤالف والمخالف بعلمه وجلالته !

اشتهر قول (عطاء المكي قال: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ! ولقد رأيت الحكم بن عيينة مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه )! (تذكرة الخواص/347 لسبط ابن الجوزي).

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب (9/313): (قال الزبير ابن بكار: كان يقال لمحمد باقر العلم . وقال محمد بن المنكدر: ما رأيت أحداً يفضل على علي بن الحسين حتى رأيت ابنه محمداً ، أردت يوماً أن أعظه فوعظني).

وقال محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول/436: (نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من الأئمة وأعلامهم ، مثل يحيى بن سعيد الأنصاري ، وابن جريح ، ومالك بن أنس ، والثوري ، وابن عيينة ، وشعبة ، وأيوب السجستاني وغيرهم ، وعدوا أخذهم عنه منقبة شرفوا بها ).

وقال الحافظ أبو نعيم (3/192): (ومنهم الإمام الحاضرالذاكر، الخاشع الصابر، أبو جعفر محمد بن علي الباقر. كان من سلالة النبوة وجمع حسب الدين والأبوة ، تكلم في العوارض والخطرات، وسفح الدموع والعبرات ، ونهى عن المراء والخصومات.. عمرو بن المقدام قال: كنت إذا نظرت الى أبي جعفر بن محمد ، علمت أنه من سلالة النبيين ).

وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق (54/268): (محمد بن علي بن الحسين.. باقر العلم من أهل المدينة ، أوفده عمر بن عبد العزيز عليه (أي طلب أن يفد اليه) حين ولي الخلافة يستشيره في بعض أموره.. لما وليَ بعث إلى الفقهاء فقربهم ، وكانوا أخص الناس به ، بعث إلى محمد بن علي بن حسين أبي جعفر ، وبعث إلى عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وكان من عُباد أهل الكوفة وفقهائهم ، فقدم عليه وبعث إلى محمد بن كعب القرظي ، وكان من أهل المدينة من أفاضلهم وفقهائهم، فلما قدم أبو جعفر محمد بن علي على عمر بن عبد العزيز وأراد الإنصراف إلى المدينة قال: بينما هو جالس في الناس ينتظرون الدخول على عمر إذ أقبل ابن حاجب عمر وكان أبوه مريضاً فقال: أين أبو جعفر ليدخل! فأشفق محمد بن علي أن يقوم فلا يكون هو الذي دعا به ، فنادى ثلاث مرات ، قال: لم يحضر يا أمير المؤمنين !

قال بلى قد حضر حدثني بذلك الغلام ، قال: فقد ناديته ثلاث مرات ، قال: كيف قلت؟ قال قلت: أين أبو جعفر؟! قال: ويحك أخرج فقل: أين محمد بن علي ، فخرج ، فقام فدخل فحدثه ساعة وقال إني: أريد الوداع يا أميرالمؤمنين ، قال عمر فأوصني يا أبا جعفر، قال: أوصيك بتقوى الله واتخذ الكبير أباً والصغير ولداً والرجل أخاً ، فقال: رحمك الله جمعت لنا والله ما إن أخذنا به وأماتنا الله عليه استقام لنا الخير إن شاء الله . ثم خرج . فلما انصرف إلى رحله أرسل إليه عمر: إني أريد أن آتيك فاجلس في إزار ورداء ، فبعث إليه: لا بل أنا آتيك ، فأقسم عليه عمر فأتاه عمر فالتزمه ووضع صدره على صدره وأقبل يبكي ثم جلس بين يديه ، ثم قام وليس لأبي جعفر حاجة سأله إياها إلا قضاها له ، وانصرف فلم يلتقيا حتى ماتا جميعاً ) .

ونقل الطبري في تاريخه (6/197) رسالة المنصور العباسي الى محمد بن عبدالله بن الحسن جاء فيها: (وزعمت أنك أوسط بني هاشم نسباً وأصرحهم أماً وأباً.. وما ولد فيكم بعد وفاة رسول الله (ص) أفضل من علي بن حسين وهو لأم ولد ، ولهو خير من جدك حسن بن حسن ، وما كان فيكم بعده مثل ابنه محمد بن علي ، وجدته أم ولد ولهو خير من أبيك ، ولا مثل ابنه جعفر وجدته أم ولد ، ولهو خير منك) .

وقال ابن كثير في النهاية (9/339): (وسمي الباقر لبقره العلوم واستنباطه الحكم ، كان ذاكراً خاشعاً صابراً ، وكان من سلالة النبوة رفيع النسب عالي الحسب ، وكان عارفاً بالخطرات كثير البكاء والعبرات ..

وقال جابر الجعفي: قال لي محمد بن علي: يا جابر إني لمحزون وإني لمشتغل القلب! قلت: وما حزنك وشغل قلبك؟قال: يا جابر إنه من دخل قلبه صافي دين الله عزّ وجلّ شغله عما سواه ، يا جابر ما الدنيا وما عسى أن تكون؟ هل هي إلا مركباً ركبته أو ثوباً لبسته أو امرأةً أصبتها ! يا جابر ، إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا لبقاء فيها فأنزلوا الدنيا حيث أنزلها مليكهم كمنزل نزلوه ثم ارتحلوا عنه وتركوه ، وكماء أصبته في منامك ، فلما استيقظت إذا ليس في يدك منه شئ ، فاحفظ الله فيما استرعاك من دينه وحكمته..).

5- كان المنصور يعظمه رغم أنه سماه جبار بني العباس !

أخبر الإمام الباقر عليه السلام الحسنيين بأنكم لا تصلون الى الحكم ، ويصل اليه بنو العباس ، فتحقق ما قاله حرفاً بحرف !

روى في الكافي (8/210) بسند صحيح عن أبي بصير رحمه الله قال:(كنت مع أبي جعفر جالساً في المسجد إذ أقبل داود بن علي وسليمان بن خالد وأبو جعفر عبد الله بن محمد أبو الدوانيق ، فقعدوا ناحية من المسجد فقيل لهم:هذا محمد بن علي جالس ، فقام إليه داود بن علي وسليمان بن خالد ، وقعد أبو الدوانيق مكانه حتى سلموا على أبي جعفر فقال لهم أبو جعفر: ما منع جباركم من أن يأتيني؟ فعذَّروه عنده ، فقال: أما والله لا تذهب الليالي والأيام حتى يملك ما بين قطريها ، ثم ليطأنَّ الرجال عقبه ، ثم لتذلن له رقاب الرجال ، ثم ليملكن ملكاً شديداً !

فقال له داود بن علي: وإن ملكنا قبل ملككم؟ قال: نعم يا داود إن ملككم قبل ملكنا وسلطانكم قبل سلطاننا . فقال له داود: أصلحك الله ، فهل له من مدة ؟ فقال: نعم يا داود والله لا يملك بنو أمية يوماً إلا ملكتم مثليه ، ولا سنة إلا ملكتم مثليها ، وليتلقفها الصبيان منكم كما تلقفُ الصبيان الكرة !

فقام داود بن علي من عند أبي جعفر فرحاً ، يريد أن يخبر أبا الدوانيق بذلك ، فلما نهضا جميعاً هو وسليمان بن خالد ، ناداه أبو جعفر من خلفه: يا سليمان بن خالد: لايزال القوم في فسحة من ملكهم ما لم يصيبوا منا دماً حراماً ، وأومأ بيده إلى صدره ، فإذا أصابوا ذلك الدم فبطن الأرض خير لهم من ظهرها ، فيومئذ لا يكون لهم في الأرض ناصر ولا في السماء عاذر .

ثم انطلق سليمان بن خالد فأخبر أبا الدوانيق فجاء أبو الدوانيق إلى أبي جعفر فسلم عليه ، ثم أخبره بما قال له داود بن علي وسليمان بن خالد ، فقال له: نعم يا أبا جعفر دولتكم قبل دولتنا وسلطانكم قبل سلطاننا سلطانكم شديد عَسِرٌ لايسر فيه ، وله مدة طويلة . والله لا يملك بنو أمية يوماً إلا ملكتم مثليه ولا سنة إلا ملكتم مثليها، وليتلقفها صبيان منكم فضلاً عن رجالكم كما يتلقف الصبيان الكرة ، أفهمت ! ثم قال عليه السلام : لا تزالون في عنفوان الملك ترغدون فيه ما لم تصيبوا منا دماً حراماً ، فإذا أصبتم ذلك الدم غضب الله عزّ وجلّ عليكم فذهب بملككم وسلطانكم ، وذهب بريحكم ) !

وفي منهاج الكرامة للعلامة/56: (وكان عبد الله بن الحسن جمع أكابر العلويين للبيعة لولده فقال له الصادق عليه السلام : إن هذا الأمر لا يتم ! فاغتاظ من ذلك فقال عليه السلام : إنه لصاحب القباء الأصفر ، وأشار بذلك إلى المنصور ! فلما سمع المنصور بذلك فرح لعلمه بوقوع ما يُخبر به . ولما هرب المنصور (من جيش ابراهيم بن عبد الله بن الحسن وقد شارف الكوفة) كان يقول: أين قول صادقهم) !

وكان المنصور يذكر الإمام الباقر عليه السلام بإجلال، ليقينه بأن ما يقوله من علم النبوة ! فقد روى في الكافي(8/209)عن سيف بن عميرة قال: كنت عند أبي الدوانيق فسمعته يقول ابتداء من نفسه: يا سيف بن عميرة: لابد من مناد ينادي باسم رجل من ولد أبي طالب ! قلت: يرويه أحد من الناس؟ قال: والذي نفسي بيده لسمعتْ أذني منه يقول:لابد من مناد ينادي باسم رجل. قلت: يا أمير المؤمنين إن هذا الحديث ما سمعت بمثله قط! فقال لي: يا سيف إذا كان ذلك فنحن أول من يجيبه ، أما إنه أحد بني عمنا! قلت: أي بني عمكم؟قال: رجل من ولد فاطمة عليها السلام .ثم قال: ياسيف لولا أني سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقوله ثم حدثني به أهل الأرض ما قبلته منهم ، ولكنه محمد بن علي) !

6- ملاحظات على بشارة النبي صلى الله عليه وآله بالباقر عليه السلام

1- اتضح بما تقدم صحة بشارة النبي صلى الله عليه وآله بحفيده الباقر عليه السلام وتسميته باقر العلم فلماذا لم تنعكس هذه البشارة بحجمها على عامة المسلمين وأجيالهم ؟!

فلوأن نبياً آخر بَشَّرَ أمته بأنه سيكون من عترته بعد قرن أو نصف قرن من يبقر لها علم النبوة ، لعظَّمَته أمته ، والتفَّتْ حوله ودَوَّنَتْ علومه .

لكن الأمة الظالمة تغيب الحقائق المرتبطة بأهل البيت عليهم السلام  ، وتمنع نشرها في المسلمين ! وإذا عرفها الناس قام علماء السلطة بتهوِين أمرها !

لكن لو كان الذي بشر النبي صلى الله عليه وآله شخصاً من بني أمية ، أو من بني تيم وعدي ، لرأيت تطبيلهم وتزميرهم وتعظيمهم لباقر علم النبوة الأموي !

2- يتبادر الى ذهن المسلم سؤال الى نبيه صلى الله عليه وآله : ألست أنت يارسول الله باقر العلم؟ علم الكتاب والحكمة وبقية الوحي الذي أنزله الله عليك ، فبقرته للناس وبينته؟ فكيف صار حفيدك باقر العلم ، وأعطاه الله هذا الإسم ؟

والجواب: أن النبي صلى الله عليه وآله شق العلم وبينه للناس ، ولكن الحكومات المنحرفة بعده ستغيبه وتخفيه ، فتحتاج الأمة الى من يشقه من جديد ، وهو ولده الباقر عليه السلام  ! لذلك لا تعجب إن أخفوا هذه البشارة النبوية ، بل اعجب لمن رواها منهم وفيها إدانة لحكوماتهم وكل ثقافتهم !

3- والسؤال الأشد عليهم: هل صدق رسول الله صلى الله عليه وآله في بشارته بحفيده أم لا؟ فإن صدق فقد أدان حكوماتهم وحكم بأنها أماتت علم النبوة وغيبته وأخفته واستبدلته بثقافة مزيفة! وإن صدق فأين علم النبوة الذي شقه حفيده الباقر عليه السلام !

أما الخليفة الأموي هشام الأحول فقد: كذَّب النبي صلى الله عليه وآله ! لما دخل عليه زيد أخ الإمام الباقر عليه السلام فأهانه وقال له:ما فعل أخوك البقرة ؟!

فأجابه زيد عليه السلام : سماه رسول الله باقر العلم وأنت تسميه بقرة ! لشدَّ ما اختلفتما إذن ، ولتخالفنه في الآخرة كما خالفته في الدنيا فيرد الجنة وترد النار !

فقال هشام: خذوا بيد هذا الأحمق المائق ! فأخرجوه.. ومعه نفر يسير حتى طردوه عن حدود الشام ). ( رواها ابن قتيبة في عيون الأخبار:1/212 ، والطبقات:5/325 ، وتاريخ دمشق:19/468 ، وتاريخ الطبري:5/486 ، والوافي:15/21 والكامل:4/445 ، وسير الذهبي: 5/447 ، والعقد الفريد/837 ، ومواعظ المقريزي/1872 ، ومناقب آل أبي طالب:3/328 ، وعمدة الطالب/194 ، والفرق والمذاهب/46 ، وسر السلسلة العلوية/33 ، وشرح النهج:3/285 ، وأنساب الأشراف/825 ، ووفيات الأعيان:3/317 وسمط النجوم/848 ).

وجاء في بعضها: (أذن له بعد حبس طويل وهشام في عليَّة له فرقى زيد إليها ، وقد أمر هشام خادماً له أن يتبعه حيث لا يراه زيد ويسمع ما يقول ، فصعد زيد وكان بادناً فوقف في بعض الدرجة ، فسمعه الخادم وهو يقول: ما أحبَّ الحياة إلا من ذَل ، فأخبر الخادم هشاماً بذلك ، فلما قعد زيد بين يدي هشام وحدثه حلف له على شئ فقال هشام: لا أصدقك . فقال زيد: إن الله لا يرفع أحداً عن أن يرضى بالله ، ولم يضع أحداً عن أن يرضى بذلك منه . قال له هشام: إنه بلغني أنك تذكر الخلافة وتتمناها ولست هناك لأنك ابن أمة ! فقال زيد: إن لك جواباً ! قال: تكلم قال: إنه ليس أحد أولى بالله ولا أرفع درجة عنده من نبي ابتعثه وهو إسماعيل بن إبراهيم وهو ابن أمة قد اختاره الله لنبوته وأخرج منه خير البشر . فقال هشام: فما يصنع أخوك البقرة ! فغضب زيد حتى كاد يخرج من إهابه ، ثم قال: سماه رسول الله صلى الله عليه وآله الباقر ، وتسميه أنت البقرة ! لشدَّ ما اختلفتما ، لتخالفنه في الآخرة كما خالفته في الدنيا ، فيرد الجنة وترد النار ) .

يقصد هشام أنك إذا كنت أنت تصلح للخلافة ، فما هو دور أخيك الباقر ؟

وفي طبقات الشعراء لابن المعتز/262: (قال زيد بن علي لرجل سبَّه عند هشام بن عبد الملك: إني والله ما أنا بالوشيظة المستلحقة ، ولا الحقيبة المستردفة ، ولا أنت بعبدي فأضربك ، ولا بكُفْئي فأسبُّك ) ! والوشيظة: الملحق بالقبيلة. والحقيبة: الكيس الذي يحتقبه الراكب خلفه ، فهو ملحق أيضاً. (لسان العرب:7/466 ، و:1/325) .

ويتضح لك من كلام هشام أن الحكام الأمويين لم يكونوا يخجلون من تكذيب النبي صلى الله عليه وآله والسخرية بكلامه ! أما علماؤهم فيختلفون عنهم بالشكل دون الجوهر! وسترى أن الذهبي وهو من كبار أئمتهم يزعم عدم صدق النبي صلى الله عليه وآله في بشارته بحفيده الباقر عليه السلام ، لأنه فضَّل عليه معاصراً له هو ابن كثير وغيره !

انتقم الباقر عليه السلام لمراسيم تغييب السنة

4- أما السؤال الأكثر إحراجاً للحكومات القرشية ، فهو عن العلم الذي كان مغيباً من عقيدة الإسلام وشريعته فيبقره الإمام الباقر عليه السلام ويبينه للأمة ؟!

والجواب: أن علم الإسلام كله كان مغيباً وأوله علم الألوهية ، فقد أخذت الخلافة بمتشابه القرآن بدل محكماته ، وبقصص اليهود بدل أحاديث النبي صلى الله عليه وآله  ، ونشرت عقيدة التجسيم لله تعالى ، واللامنطقية في أفعاله !

وقد أصدرت الخلافة عدة مراسيم تشدد على منع تدوين السنة وعدم التحديث عن النبي صلى الله عليه وآله ! كما غيبت عصمة النبي صلى الله عليه وآله الكاملة الشاملة في منطقه وفعله ، واستبدلته بنبي يشك في نبوته فيقرر أن يلقي بنفسه من شاهق وينتحر ، حتى يطمئنه قسيس هو ورقة بن نوفل (وهو في أول البخاري) !

أو نبي مسحور يتخيل أنه فعل الشي ولم يفعله ! أو نبي يخطئ فيصحح له أخطاءه عمر بن الخطاب ، فينزل الوحي مؤيداً لعمر موبخاً للنبي صلى الله عليه وآله !

أو نبي عصبي المزاج يظلم قادة قريش ويلعنهم بغير حق ، ثم يندم فيطلب أن يجعل الله لعنته عليهم رحمة وبركة وزكاة ومغفرة !

كما غيبت مكانة أهل البيت النبوي عليهم السلام التي أعطاهم الله في إمامة الأمة وحفظ الدين ، واستبدلتها بقيادة اللعناء والطرداء والطلقاء ، الذين حذر النبي صلى الله عليه وآله الأمة منهم ! فوقعت في فتنتهم وذاقت الويلات من تسلطهم !

أقول: إن هذه الحقائق بعض دلالات هذه البشارة النبوية الإعجازية ، التي توجب علينا الإعتراف بانحراف الوضع الثقافي في عصر الإمام الباقر عليه السلام ، وبأنه قام ببقر العلم النبوي ، وأخرج جواهره في العقائد والفقه !

فهذه هي النظرة الصحيحة الى أحاديث الإمام الباقر عليه السلام  ، لا كما يزعم الذهبي الناصبي فيفضل عليه أصحاب الآراء الهوائية والإحتمالات والظنون !

7- لماذا غصَّ الذهبي وابن تيمية بحديث جابر؟!

قال الذهبي في سيره (4/401) في ترجمة الإمام الباقر عليه السلام : ( هو السيد الإمام ، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي ، العلوي الفاطمي ، المدني ، وَلَد زين العابدين ، وُلد سنة ست وخمسين في حياة عائشة وأبي هريرة . أرخ ذلك أحمد بن البرقي . روى عن جديه النبي وعلي مرسلاً ، وعن جديه الحسن والحسين مرسلاً أيضاً. وليس هو بالمكثر ، هو في الرواية كأبيه وابنه جعفر ، ثلاثتهم لا يبلغ حديث كل واحد منهم جزءاَ ضخماَ ، ولكن لهم مسائلُ وفتاوى . وكان أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤدد والشرف والثقة والرزانة ، وكان أهلاً للخلافة .

وهو أحد الأئمة الإثني عشر الذين تبجلهم الشيعة الإمامية وتقول بعصمتهم وبمعرفتهم بجميع الدين ، فلا عصمة إلا للملائكة والنبيين ، وكل أحد يصيب ويخطئ ، ويؤخذ من قوله ويُترك ، سوى النبي (ص) فإنه معصوم مؤيد بالوحي .

وشُهر أبو جعفر بالباقر ، من بقر العلم ، أي شقه فعرف أصله وخَفِيَّه .

ولقد كان أبو جعفر إماماً مجتهداً ، تالياً لكتاب الله ، كبير الشأن ، ولكن لا يبلغ في القرآن درجة ابن كثير ونحوه ، ولا في الفقه درجه أبي الزناد وربيعة ، ولا في الحفظ ومعرفة السنن درجة قتادة وابن شهاب ، فلا نحابيه ولا نحيف عليه ، ونحبه في الله لما تجمع فيه من صفات الكمال ).

هذا كلام الذهبي ورأيه في الإمام الباقر عليه السلام ، وهو يقدم لك نفسه على أنه كاتبٌ برئ ، وأنه ترجم لإمام من أهل البيت عليهم السلام وأنصفه ، مع أنه ارتكب تكذيب النبي صلى الله عليه وآله والتعتيم ، والبتر، والتزوير ، جميعاً !

1- فقد تعمد التعتيم ، لما روى في نفس الترجمة ، عن الزبير بن بكار بيت القرظي: يا باقر العلم لأهل التقى وخير من لبَّى على الأجْبُلِ..

ثم أبيات الجهني: إذا طلب الناس علم القُرَان...الخ.

ثم تعامى عن قصة زيد رحمه الله مع هشام بن عبد الملك التي فيها حديث النبي صلى الله عليه وآله ، مع أن المؤلفين قبله رووه مع الأبيات .

2- وتعمد تكذيب البشارة النبوية ، المروية عندهم بسند صحيح ، قال: (ابن عقدة: حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي نجيح ، حدثنا علي بن حسان القرشي، عن عمه عبد الرحمن بن كثير، عن جعفر بن محمد ، قال: قال أبي: أجلسني جدي الحسين في حجره وقال لي: رسول الله يقرؤك السلام ).

والذهبي يعرف جيداً: لماذا أرسل النبي صلى الله عليه وآله سلامه الى حفيده وسماه الباقر عليه السلام  !

3- ارتكب الإنتقاء الكيفي بخباثة ، حيث روى في نفس الترجمة/404 صيغةً مستهجنةً لحديث جابر رحمه الله وكأنه للطعن! قال: (عن أبان بن تغلب ، عن محمد بن علي قال: أتاني جابر بن عبد الله وأنا في الكتَّاب فقال لي: إكشف عن بطنك فكشفت ، فألصق بطنه ببطني ثم قال: أمرني رسول الله أن أقرئك منه السلام. قال ابن عدي: لا أعلم رواه عن أبان غير المفضل بن صالح ).

والمعقول فيه ما رواه اليعقوبي (2/320): (حتى رآه فوقع عليه يقبل يديه ورجليه ، ويقول: بأبي وأمي شبيه أبيه عليهما السلام ).

وقد تعمد الذهبي بخباثة أن يغمض عينيه عن أصله الصحيح الذي رواه العلماء كبشارة المصطفى لمحمد بن علي الطبري/113 ، وهو قبل الذهبي بأربعة قرون !

وجاء فيه: (فأتى جابر بن عبد الله باب علي بن الحسين ، وبالباب أبو جعفر محمد بن علي في أغيلمة من بني هاشم قد اجتمعوا هناك ، فنظر جابر بن عبد الله إليه مقبلاً فقال: هذه مشية رسول الله عليهما السلام وسمته ، فمن أنت يا غلام؟ قال: أنا محمد بن علي بن الحسين ، فبكى جابر وقال: أنت والله الباقر عن العلم حقاً ، أدنُ مني بأبي أنت ، فدنا منه فحل جابر أزراره ثم وضع يده على صدره فقبله وجعل عليه خده ووجهه ، وقال: أقرؤك عن جدك رسول الله السلام ، وقد أمرني أن أفعل بك ما فعلت ، وقال لي: يوشك أن تعيش وتبقى حتى تلقى من ولدي من اسمه محمد بن علي ، يبقر العلم بقراً ).

وما نسبه الذهبي الى جابر، محرَّفٌ عن حديث مشابه لأبي هريرة رواه الحاكم (3/168) وصححه ، وأحمد (2/427) أن (أبا هريرة لقي الحسن فقال له: إكشف عن بطنك حتى أقبل حيث رأيت رسول الله (ص) يقبِّل منه . قال: فكشف عن بطنه فقبَّله). وتاريخ دمشق:13/220، وقال في الزوائد (9/177): رواه أحمد والطبراني.. ورجالهما رجال الصحيح ، غير عمير بن إسحاق وهو ثقة) .

ثم إن الحديث الذي رووه في بشارة النبي صلى الله عليه وآله بالباقر عليه السلام وضعفوه بالمفضل النحاس أو النخاس ، مروي بواسطة آخرين عن أبان بن تغلب رحمه الله وهو من كبار القراء والمحدثين ، ومروياته معروفة لأمثال الذهبي ، وقد ترجمت له المصادر الرجالية الشيعية والسنية وترجم له الذهبي في الكاشف (1/205) وقال: ثقة شيعي. وقال عنه في سيره (6/308): (أبان بن تغلب الإمام المقرئ أبو سعد... وهو صدوق في نفسه، عالم كبير وبدعته خفيفة لايتعرض للكبار، وحديثه نحو المئة ، لم يخرج له البخاري. توفي في سنة إحدى وأربعين ومئة) .

وقال عنه في ميزان الإعتدال (1/5): (شيعي جلد، لكنه صدوق فلنا صدقه وعليه بدعته . وقد وثقه أحمد بن حنبل ، وابن معين ، وأبو حاتم . وأورده ابن عدي وقال: كان غالياً في التشيع . وقال السعدي: زائغ مجاهر.

فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع وحد الثقة العدالة والإتقان، فكيف يكون عدلاً من هو صاحب بدعة ؟! وجوابه: أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرف ، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق . فلو رُدَّ حديث هؤلاء لذهبت جملة من الآثار النبوية ، وهذه مفسدة بينة .

ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو فيه ، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والدعاء إلى ذلك ، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة) .

راجع رواية أبان في تسمية النبي صلى الله عليه وآله للإمام بالباقر عليه السلام في الكافي(1/469) وفي ترجمته في رجال الطوسي(1/217) وقد نقل الذهبي عن رجال الطوسي كثيراً .

4- ولم يكتف الذهبي ببغضه لأهل البيت عليهم السلام بما فعله، بل انتقص من الإمام الباقر عليه السلام وطعن فيه ، بل طعن في قول النبي صلى الله عليه وآله وتسميته إياه باقر العلم ! فكأنه يقول: نعم أرسل النبي سلامه الى حفيده الباقر ، وسماه باقر العلم لكن قوله صلى الله عليه وآله لم يتحقق فلم يبقر محمد بن علي العلم ولاشق علوم القرآن ، لأن الإمام ابن كثير زميل الذهبي ، في التفسير أفضل من محمد الباقر عليه السلام  !

كما أن الباقر لم يشق علم الفقه والشريعة لأن ربيعة الرأي وأبا الزناد أعلم منه في الفقه ! وأبو الزناد الذي يمدحه الذهبي هو ابن أخ أبي لؤلؤة قاتل عمر.

5- ثم أفاض الذهبي في موقف الإمام الباقر وابنه الإمام الصادق عليهما السلام من أبي بكر وعمر، وروى مكذوبات عليهما في مديحهما ، ليبرر بذلك مدحه الجزئي له!

8 - فهم ابن تيمية لقب الباقر عليه السلام أكثر من الذهبي !

فهم ابن تيمية معنى تسمية النبي عليهما السلام لحفيده بباقر العلم ولوازمه ، أكثر من الذهبي ، ولذلك بادر الى تكذيب الحديث بدون أن يراجعه !

قال السيد الميلاني في دراسات في منهاج السنة/367 ، ما خلاصته: (ذكرنا طرفاً من كلمات أعلام أهل السنة المتقدمين منهم والمتأخرين في مدح الأئمة عليهم السلام والإعتراف بفضائلهم ومناقبهم.. إلا أنك تجد في المقابل من يتجاسر على أهل البيت عليهم السلام ويحط من شأنهم ويكذب عليهم.. حتى أن قائلاً منهم قال إن الحسين قتل بسيف جده ! وبعضهم قدح في وثاقة بعض الأئمة الأطهار وقال إن في نفسه منه شيئاً ! ولعل أشهر هؤلاء ابن تيمية ، فقد أطلق في كتابه لسانه البذئ عليهم ، فحاول سلبهم فضائلهم كلها ، وجعلهم كأناس عاديين لا يجوز تفضيلهم بعلم ولا زهد ، بل كذب عليهم وافترى! وردَّ أن أبا حنيفة درس عند الإمام الصادق عليه السلام  ، وادعى أن الإمام السجاد عليه السلام تعلم من مروان بن الحكم !

وتراه يعظم الجنيد وسهلاً التستري وأمثالهما ويصفهم بالزهد ، بينما ينفي أن يكون الحسن والحسين عليهما السلام أزهد الناس في عصرهما !

ثم يُكذِّب أن النبي صلى الله عليه وآله لقب أحدهم زين العابدين، وأحدهم الباقر، وينفي حتى توبة بشر الحافي بواسطة أحدهم، وأن معروفاً الكرخي كان خادماً لأحدهم! فحتى مثل هذه الأمور لم يتحملها ابن تيمية !

قال في منهاج سنته (4/51) في حديث تسمية النبي صلى الله عليه وآله للإمام بالباقر: (لا أصل له عند أهل العلم ، بل هو من الأحاديث الموضوعة ، وكذلك حديث تبليغ جابر له السلام ، هو من الموضوعات عند أهل العلم بالحديث).

وعندما يقول ابن تيمية: أهل العلم بالحديث ، فهو يقصد نفسه فقط ، لأنه لا يوجد أحد من أهل العلم كذب حديث بشارة النبي صلى الله عليه وآله بالباقر عليه السلام غيره !

ورد عليه السيد الميلاني برواية ابن قتيبة في خبر زيد وهشام ، وبقول ابن شهراشوب:(حديث جابر مشهور معروف رواه فقهاء المدينة والعراق كلهم).

ثم ذكر السيد الميلاني استدلال ابن تيمية على أن الأئمة عليهم السلام تعلموا من علماء زمانهم بقوله: (ومن المعلوم أن علي بن الحسين وأبا جعفر محمد بن علي وابنه جعفر بن محمد ، كانوا هم العلماء الفضلاء ، وأن من بعدهم من الإثني عشر لم يعرف عنه من العلم ما عرف من هؤلاء . ومع هذا فكانوا يتعلمون من علماء زمانهم ويرجعون إليهم ، حتى قال أبو عمران بن الأسس القاضي البغدادي: أخبرنا أصحابنا أنه ذكر ربيعة بن أبي عبد الرحمن جعفر بن محمد وأنه تعلم العلوم ، فقال ربيعة:إنه اشترى حائطاً من حيطان المدينة، فبعث إلي حتى أكتب له شرطاً في ابتياعه.نقله عنه محمد بن حاتم ابن ريحوته في كتاب إثبات إمامة الصديق) !

لكن الى الآن لا يعرف أحد من هو ابن الأسس ، ولا من هو ابن ريحونة البخاري اللذين جعلهما ابن تيمية أستاذين للأئمة عليهم السلام !

ولا يعرف من روى طلب الصادق عليه السلام من ربيعة أن يكتب له وثيقة شراء بستان !

وكذا يفعل بغض أهل البيت بصاحبه فيجعله رقيعاً من الرقعاء !

ولعل ابن تيمية شعر بأنه أفرط في تحامله على أئمة أهل البيت عليهم السلام فقال في منهاجه (4/110) كالمعتذر عن عدم روايته عنهم ، وتفضيل نكرات عليهم: (لكن المنقول الثابت عن بعض هؤلاء من الحديث والفتيا قد يكون أكثر من المنقول الثابت عن الآخر، فتكون شهرته لكثرة علمه أو لقوة حجته أو نحو ذلك. وإلا فلا يقول أهل السنة إن يحيى بن سعيد وهشام بن عروة وأبا الزناد أولى بالإتباع من جعفر بن محمد ، ولا يقولون إن الزهري ويحيى بن أبي كثير وحماد بن أبي سليمان ومنصور بن المعتمر أولى بالإتباع من أبيه أبي جعفر الباقر، ولا يقولون إن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وسالم بن عبد الله أولى بالإتباع من على بن الحسين ، بل كل واحد من هؤلاء ثقة فيما ينقله مصدق في ذلك.. لكن كلام ابن تيمية لايجبر جريمته ولذا حكم عليه علماء المذاهب بأنه ناصبي مبغض لعلي عليه السلام )!انتهى كلام الميلاني .

أقول: وللذهبي كلام من نوع كلام ابن تيمية حاول فيه جبر انتقاصه لحقهم عليهم السلام ! قال في سيره (13/120): (فسبطا رسول الله (ص) وسيدا شباب أهل الجنة لو استخلفا لكانا أهلاً لذلك . وزين العابدين كبير القدر من سادة العلماء العاملين يصلح للإمامة ، وله نظراء ، وغيره أكثر فتوى منه ، وأكثر رواية . وكذلك ابنه أبو جعفر الباقر: سيدٌ ، إمام ، فقيه ، يصلح للخلافة . وكذا ولده جعفر الصادق: كبير الشأن من أئمة العلم ، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور . وكان ولده موسى كبير القدر جيد العلم ، أولى بالخلافة من هارون ، وله نظراء في الشرف والفضل . وابنه علي بن موسى الرضا كبير الشأن له علم وبيان ووقع في النفوس ، صيره المأمون ولي عهده لجلالته فتوفي سنة ثلاث ومئتين .

وابنه محمد الجواد من سادة قومه ، لم يبلغ رتبة آبائه في العلم والفقه .

وكذلك ولده الملقب بالهادي شريف جليل .

وكذلك ابنه الحسن بن علي العسكري . رحمهم الله تعالى).

لكن مدح الذهبي وابن تيمية لأئمة العترة النبوية إنما هو لدفع تهمة النصب والنفاق عنهما ، وتغطية ما ارتكباه من تحريف وتزوير لانتقاص حقوقهم عليهم السلام  !

9- الإمام الباقر عليه السلام في حديث اللوح والوصية

جاء جبرئيل عليه السلام الى النبي صلى الله عليه وآله بلوح مقدس، فيه أسماء الأئمة من أبناء فاطمة عليها السلام ، وقد رآه الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله واستنسخه .

رواه في الكافي(1/528 ) ونصه: (بسم الله الرحمن الرحيم . هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيه ونوره وسفيره وحجابه ودليله ، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين . عظِّمْ يا محمد أسمائي ، واشكر نعمائي ، ولا تجحد آلائي.

إني أنا الله لا إله إلا أنا ، قاصم الجبارين ، ومديل المظلومين ، وديان الدين. إني أنا الله لا إله إلا أنا ، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي، عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين ، فإياي فاعبد وعليَّ فتوكل .

إني لم أبعث نبياً فكملت أيامه وانقضت مدته ، إلا جعلت له وصياً .

وإني فضلتك على الأنبياء ، وفضلت وصيك على الأوصياء ، وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين ، فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه ، وجعلت حسيناً خازن وحيي وأكرمته بالشهادة ، وختمت له بالسعادة ، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة .

جعلت كلمتي التامة معه وحجتي البالغة عنده ، بعترته أثيب وأعاقب ، أولهم علي سيد العابدين وزين أوليائي الماضين ، وابنه شبه جده المحمود محمد الباقر علمي ، ومعدن حكمتي .

سيهلك المرتابون في جعفر ، الراد عليه كالراد عليَّ ، حق القول مني لأكرمنَّ مثوى جعفر ولأسرنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه .

أتيحت بعده موسى فتنة عمياء حندس لأن خيط فرضي لاينقطع ، وحجتي لاتخفى ، وأن أوليائي يسقون بالكأس الأوفى . من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غيَّر آيةً من كتابي ، فقد افترى عليَّ.

ويلٌ للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة موسى عبدي وحبيبي وخيرتي في عليٍّ وليِّي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوة وأمتحنه بالإضطلاع بها، يقتله عفريتٌ مستكبر، يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلقي . حقَّ القولُ مني لأسرَّنَّهُ بمحمد ابنه وخليفته من بعده ووارث علمه فهو معدن علمي وموضع سري، وحجتي على خلقي ، لايؤمن عبد به إلا جعلت الجنة مثواه وشفعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار .

وأختمُ بالسعادة لابنه علي وليي وناصري ، والشاهد في خلقي ، وأميني على وحيي . أخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن .

وأكمل ذلك بابنه محمد رحمة للعالمين ، عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيوب ، فيذل أوليائي في زمانه وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم فيقتلون ويحرقون ، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين ، تصبغ الأرض بدمائهم ، ويفشو الويل والرنا في نسائهم ، أولئك أوليائي حقاً ، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس وبهم أكشف الزلازل ، وأدفع الآصار والأغلال ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون .

قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك فصنه إلا عن أهله). والفضائل لابن شاذان/113 ، والإمامة والتبصرة/103 ، والعيون: 2/50 ، والإختصاص/210 ، وكمال الدين/310، وغيبة النعماني/71، وأمالي الطوسي/292، والإحتجاج:1/85، ومناقب آل أبي طالب:1/255، وبشارة المصطفى/284، وإعلام الورى:2/176. والجواهر السنية/207.

ونحوه في كفاية الأثر/74 ، عن أنس بن مالك من حديث معراج النبي صلى الله عليه وآله وأنه رأى أسماءهم مكتوبة على ساق العرش: ( اثني عشر إسماً مكتوباً بالنور فيهم علي بن أبي طالب وسبطيَّ ، وبعدهما تسعة أسماء علياً علياً ثلاث مرات ، ومحمداً محمداً مرتين ، وجعفر وموسى والحسن ، والحجة يتلألأ من بينهم).

أقول: ليس معنى قوله (فيذل أوليائي في زمانه وتُتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم) تبرئة لمن يتهادون رؤوس الترك والديلم ، بل تشبيه الجبابرة الذين يقتلون الشيعة بالجبابرة الذين يقتلون الترك والديلم حتى صار فعلهم مثلاً .

10- صحيفة الوصية التي نزل بها جبرئيل عليه السلام

نزلت هذه الصحيفة على النبي صلى الله عليه وآله في مرض وفاته، يأمره فيها أن يورِّث العلم لعترته ويأخذ الميثاق منهم. ومعها صحيفة لكل إمام تتضمن برنامج عمله العام.

وقد عقد في الكافي(1/279): (باب أن الأئمة عليهم السلام لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلا بعهد من الله عزّ وجلّ وأمر منه لايتجاوزونه ، روى فيه عدة أحاديث منها: (عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:إن الوصية نزلت من السماء على محمد كتاباً لم ينزل على محمد صلى الله عليه وآله كتاب مختوم إلا الوصية ، فقال جبرئيل عليه السلام : يامحمد هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أيُّ أهل بيتي يا جبرئيل؟ قال: نجيب الله وذريته ، ليرثك علم النبوة كما ورَّثه إبراهيم عليه السلام وميراثك لعلي عليه السلام وذريتك من صلبه ، قال: وكان عليها خواتيم قال: ففتح علي عليه السلام الخاتم الأول ومضى لما أمر به فيها، ثم فتح الحسن عليه السلام الخاتم الثاني ومضى لما أمر به فيها ، فلما توفي الحسن ومضى فتح الحسين عليه السلام الخاتم الثالث فوجد فيها أن قاتل فاقتل وتقتل ، واخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلا معك ، قال: ففعل عليه السلام .

فلما مضى دفعها إلى علي بن الحسين عليه السلام قبل ذلك ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها أن اصمت وأطرق لمَّا حجب العلم. فلما توفي ومضى دفعها إلى محمد بن علي صلى الله عليه وآله ففتح الخاتم الخامس فوجد فيها: أن فسر كتاب الله تعالى ، وصدق أباك ، وورث ابنك ، واصطنع الأمة ، وقم بحق الله عزّ وجلّ  ، وقل الحق في الخوف والأمن ، ولا تخش إلا الله ، ففعل .

ثم دفعها إلى الذي يليه قال: قلت له: جعلت فداك فأنت هو؟ قال فقال: ما بي إلا أن تذهب يا معاذ فتروي عليَّ ! قال فقلت: أسأل الله الذي رزقك من آبائك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات . قال: قد فعل الله ذلك يا معاذ ، قال: فقلت: فمن هو جعلت فداك؟ قال: هذا الراقد وأشار بيده إلى العبد الصالح وهو راقد). يقصد ابنه موسى بن جعفر عليه السلام  .

وروى حديثاً عن الإمام الباقر عليه السلام ، جاء فيه: (ثم دفعه إلى ابنه محمد بن علي ففك خاتماً فوجد فيه: حدث الناس وأفتهم ولا تخافن إلا الله عزّ وجلّ  ، فإنه لاسبيل لأحد عليك ، ففعل ، ثم دفعه إلى ابنه جعفر ففك خاتماً فوجد فيه: حدث الناس وأفتهم وانشر علوم أهل بيتك ، وصدق آبائك الصالحين ، ولا تخافن إلا الله عزّ وجلّ  ، وأنت في حرز وأمان ، ففعل .

وروى ضريس الكناسي عن أبي جعفر عليه السلام قال: ( قال له حمران: جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر علي والحسن والحسين عليهم السلام  ، وخروجهم وقيامهم بدين الله عزّ وجلّ وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : يا حمران إن الله تبارك وتعالى كان قدَّر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه ثم أجراه . فبتقدم علم ذلك إليهم من رسول الله صلى الله عليه وآله قام علي والحسن والحسين عليهم السلام ، وبعلمٍ صمت من صمت منا ).

كما روى حديثاً عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (حين نزل برسول الله صلى الله عليه وآله الأمر نزلت الوصية من عند الله كتاباً مسجلاً ، نزل به جبرئيل مع أمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة ، فقال جبرئيل: يا محمد مُرْ بإخراج من عندك إلا وصيك ليقبضها منا وتُشهدنا بدفعك إياها إليه ضامناً لها يعني علياً عليه السلام .

فأمر النبي صلى الله عليه وآله بإخراج من كان في البيت ما خلا علياً وفاطمة عليها السلام فيما بين الستر والباب ، فقال جبرئيل: يا محمد ربك يقرؤك السلام ويقول: هذا كتاب ما كنت عهدت إليك وشرطت عليك وشهدت به عليك وأشهدت به عليك ملائكتي، وكفى بي يا محمد شهيداً ! قال: فارتعدت مفاصل النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا جبرئيل ربي هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام ، صدق عزّ وجلّ وبر ، هات الكتاب ، فدفعه إليه وأمره بدفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له: إقرأه . فقرأه حرفاً حرفاً فقال: يا علي هذا عهد ربي تبارك وتعالى إليَّ وشرطه عليَّ وأمانته وقد بلغت ونصحت وأديت ، فقال علي عليه السلام : وأنا أشهد لك بأبي وأمي أنت بالبلاغ والنصيحة والتصديق على ما قلت، ويشهد لك به سمعي وبصري ولحمي ودمي! فقال: جبرئيل عليه السلام : وأنا لكما على ذلك من الشاهدين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي أخذتَ وصيتي وعرفتَها وضمنتَ لله ولي الوفاء بما فيها ؟ فقال علي عليه السلام : نعم بأبي أنت وأمي ، عليَّ ضمانها وعلى الله عوني وتوفيقي على أدائها . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ياعلي إني أريد أن أشْهِدَ عليك بموافاتي بها يوم القيامة . فقال علي عليه السلام نعم أشْهِدْ ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : إن جبرئيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن وهما حاضران ، معهما الملائكة المقربون لأشهدهم عليك!

فقال: نعم ليشهدوا وأنا بأبي أنت وأمي أشهدهم. فأشهدهم رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان فيما اشترط عليه النبي صلى الله عليه وآله بأمر جبرئيل عليه السلام فيما أمر الله عزّ وجلّ أن قال له: يا علي تفي بما فيها من موالاة من والى الله ورسوله والبراءة والعداوة لمن عادى الله ورسوله ، والبراءة منهم على الصبر منك وكظم الغيظ ، وعلى ذهاب حقك وغصب خمسك ، وانتهاك حرمتك؟ فقال: نعم يا رسول الله .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد سمعت جبرئيل يقول للنبي: يا محمد عرِّفْهُ أنه تنتهك الحرمة وهي حرمة الله وحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعلى أن تُخضب لحيته من رأسه بدم عبيط ! قال أمير المؤمنين عليه السلام : فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل حتى سقطت على وجهي ، وقلت: نعم قبلت ورضيت وإن انتهكت الحرمة وعطلت السنن ومزق الكتاب وهُدمت الكعبة ، وخُضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط ، صابراً محتسباً أبداً ، حتى أقدم عليك !

ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة والحسن والحسين ، وأعلمهم مثل ما أعلم أمير المؤمنين عليه السلام ، فقالوا مثل قوله !

فختمت الوصية بخواتيم من ذهب لم تمسه النار ، ودفعت إلى أمير المؤمنين عليه السلام !

فقلت لأبي الحسن عليه السلام : بأبي أنت وأمي ألا تذكر ما كان في الوصية؟ فقال: سنن الله وسنن رسوله صلى الله عليه وآله فقلت:أكان في الوصية توثبهم وخلافهم على أمير المؤمنين؟ فقال: نعم والله شيئاً شيئاً وحرفاً حرفاً ، أما سمعت قول الله عزّ وجلّ : إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَئٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ.

والله لقد قال رسول الله عليهما السلام لأميرالمؤمنين وفاطمة صلى الله عليه وآله : أليس قد فهمتما ما تقدمت به إليكما وقبلتماه ؟ فقالا:بلى وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا .

وفي نسخة الصفواني عن حريز قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك ما أقلَّ بقاءكم أهل البيت وأقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة الناس إليكم! فقال: إن لكل واحد منا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدته ، فإذا انقضى ما فيها مما أمر به عَرَفَ أن أجله قد حضر، فأتاه النبي صلى الله عليه وآله ينعى إليه نفسه وأخبره بما له عند الله . وإن الحسين عليه السلام قرأ صحيفته التي أعطيها ، وفسر له ما يأتي بنعي ، وبقي فيها أشياء لم تقض فخرج للقتال ، وكانت تلك الأمور التي بقيت ، وإن الملائكة سألت الله في نصرته فأذن لها ، ومكثت تستعد للقتال وتتأهب لذلك حتى قتل ، فنزلت وقد انقطعت مدته وقتل عليه السلام فقالت الملائكة: يا ربِّ أذنت لنا في الإنحدار ، وأذنت لنا في نصرته فانحدرنا وقد قبضته ! فأوحى الله إليهم: أن الزموا قبره حتى تروه وقد خرج فانصروه ، وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته). ونحوه النعماني/60، وروضة الواعظين/210 ، وبصائر الدرجات/166 و170، والإرشاد:2/189 ، وقال: والأخبار في هذا المعنى كثيرة .

وعن أمير المؤمنين عليه السلام :(دعاني رسول الله عنده موته وأخرج من كان عنده في البيت غيري ، والبيت فيه جبرئيل والملائكة عليهم السلام أسمع الحس ولا أرى شيئاً ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله كتاب الوصية من يد جبرئيل عليه السلام مختومة فدفعها إليَّ وأمرني أن أفضها ففعلت ، وأمرني أن أقرأها فقرأتها ، فقال: إن جبرئيل عندي أتاني بها الساعة من عند ربي ، فقرأتها فإذا فيها كل ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يوصي به شيئاً شيئاً ما تغادر حرفاً..).(البحار:22/478 ، عن الطرائف).

أقول: رفعت قريش أكثر من مرة في وجه النبي صلى الله عليه وآله ورقة التهديد بإعلان الردة عن الإسلام ! وكان النبي صلى الله عليه وآله مأموراً أن يقبل من الناس ظاهر إسلامهم وأن يداريهم ، وأن يوجه العرب الى قتال الفرس والروم ويطمعهم في كنوزهم !

ولذلك تحمل محاولة قريش لاغتياله في عودته من تبوك ، وكتم أسماء الذين شاركوا فيها ، وتحمل منع قريش له أن يكتب وصيته بالخلافة لعترته عليهم السلام !

وأخبر أن قريشاً ستأخذ خلافته من بعده وتظلم أهل بيته عليهم السلام ، فكان المهم عنده أن لا يجرد علي عليه السلام ذا الفقار ويبطش بقريش ، لأنها ستعلن الردة ويرتد معها عامة العرب ، ويكون أصل وجود الإسلام في خطر، فأكد على علي عليه السلام بالسكوت وعلى أهل بيته بالتحمل والصبر ، حتى تمر موجة قريش العاتية !

ونزلت الوصية من الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وآله ، وأمره الله تعالى أن يأخذ العهد والميثاق على علي بالسكوت ، وعلى فاطمة والحسنين بالصبر ، فأخذ منهم عليهم السلام  .

11- صحيفة الولاية والبراءة في قراب سيف النبي صلى الله عليه وآله

أمر النبي صلى الله عليه وآله علياً بكتابة صحيفة وجعلها في قراب سيفه وورَّثها مع سيفه لعلي والعترة عليهم السلام ، ففي قرب الإسناد/103، عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (وُجد في غمد سيف رسول الله صلى الله عليه وآله صحيفة مختومة ففتحوها فوجدوا فيها: إن أعتى الناس على الله القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه . ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً . ومن تولى غير مواليه فقد كفر بما أنزل على محمد ).

وفي تفسير فرات/394: (عن الأصبغ بن نباتة قال: كنت جالساً عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في مسجد الكوفة ، فأتاه رجل من بجيلة يكنى أبا خديجة ومعه ستون رجلاً من بجيلة فسلم وسلموا ثم جلس وجلسوا ، ثم إن أبا خديجة قال: يا أمير المؤمنين أعندك سرٌّ من أسرار رسول الله صلى الله عليه وآله تحدثنا به؟ قال: نعم يا قنبر إئتني بالكتابة ففضها فإذا في أسفلها سليفة مثل ذنَب الفارة مكتوب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم . إن لعنة الله وملائكته والناس أجمعين على من انتمى إلى غير مواليه ، ولعنة الله وملائكته والناس أجمعين على من أحدث في الإسلام أو آوى محدثاً ، ولعنة الله على من ظلم أجيراً أجره ، ولعنة الله على من سرق منار الأرض وحدودها . يكلف يوم القيامة أن يجئ بذلك من سبع سماوات وسبع أرضين . ثم التفت إلى الناس فقال: والله لو كلفت هذا دواب الأرض ما أطاقته . فقال له أبو خديجة: ولكن أهل البيت موالي كل مسلم فمن تولى غير مواليه؟ فقال: لست حيث ذهبت يا أبا خديجة ، ولكنا أهل البيت موالي كل مسلم فمن تولى غيرنا فعليه مثل ذلك ! يا أبا خديجة والأجير ليس بالدينار ولا بالدينارين ولا بالدرهم ولا بالدرهمين ، بل من ظلم رسول الله صلى الله عليه وآله أجره في قرابته قال الله تعالى: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ، فمن ظلم رسول الله أجره في قرابته فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).

12- صحيفة رموز العلوم في قراب سيف علي عليه السلام

وهي رموز الألف باب التي علمها النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام في مرض وفاته .

ففي بصائر الدرجات/327 ، والكافي:1/296 والخصال/649، عن الإمام الصادق عليه السلام : (كان في ذؤابة سيف علي عليه السلام صحيفة صغيرة ، وإن علياً عليه السلام دعا ابنه الحسن فدفعها إليه ودفع إليه سكيناً ، وقال له: إفتحها فلم يستطع أن يفتحها ! ففتحها له ثم قال له: إقرأ ، فقرأ الحسن الألف والباء والسين واللام ، وحرفاً بعد حرف ، ثم طواها فدفعها إلى ابنه الحسين عليه السلام فلم يقدر على أن يفتحها ، ففتحها له ثم قال له: إقرأ يا بنيَّ فقرأها كما قرأ الحسن ثم طواها ، فدفعها إلى ابنه ابن الحنفية فلم يقدر على أن يفتحها ففتحها له فقال له: إقرأ فلم يستخرج منها شيئاً ، فأخذها علي عليه السلام وطواها ثم علقها من ذؤابة السيف . قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام : وأي شئ كان في تلك الصحيفة؟ قال: هي الأحرف التي يفتح كل حرف ألف حرف . قال أبو بصير قال أبو عبد الله عليه السلام : فما خرج منها إلا حرفان إلى الساعة ) !

أقول: وهناك صحف أخرى تتعلق بأهل البيت عليهم السلام ، منها: الصحيفة الجامعة بإملاء النبي صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام فيها مايحتاج اليه الناس .

وصحيفتا قريش: الصحيفة الملعونة الأولى التي كتبها زعماء قريش لمقاطعة بني هاشم وعلقوها في الكعبة حتى يسلموهم النبي صلى الله عليه وآله فيقتلوه وحاصروهم بموجبها نحو أربع سنوات في شعب أبي طالب رحمه الله  .

والصحيفة الملعونة الثانية: التي كتبوها في حجة الوداع وتعاهدوا على إبعاد العترة عن خلافة النبي صلى الله عليه وآله فطالبهم النبي صلى الله عليه وآله بها فأنكروها !وسماهاكلمة الكفر، فقال: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ، أي هموا بقتل النبي صلى الله عليه وآله في رجوعه من تبوك !

وصحيفة ثالثة: تتعلق بنفيل جد عمر بن الخطاب لما زنى بصهاك أمَة الزبير بن عبد المطلب فحملت ، وكتبوا عليه أن حملها غلامٌ لابن عبد المطلب .

وبحث هذه الصحف خارج عن غرضنا .

13- ملاحظات على حديث اللوح وصحيفة الوصية

1-روت مصادرنا حديث اللوح وصحيفة الوصية بعدة طرق ، كما روت تفسير صحيفة القراب، كالذي رواه في الكافي:1/238: (عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له جعلت فداك إني أسألك عن مسألة ، هاهنا أحد يسمع كلامي؟ قال فرفع أبو عبد الله عليه السلام ستراً بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال: يا أبا محمد سل عما بدا لك . قال قلت: جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وآله علم علياً عليه السلام باباً يفتح له منه ألف باب؟ قال فقال: يا أبا محمد علم رسول الله صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام ألف باب يفتح من كل باب ألف باب ! قال قلت: هذا والله العلم . قال فنكت ساعة في الأرض ثم قال: إنه لعلم وما هو بذاك .

قال ثم قال: يا أبا محمد وإن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة ؟ قال قلت: جعلت فداك وما الجامعة ؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله صلى الله عليه وآله وإملائه من فَلْق فيه وخط علي بيمينه ، فيها كل حلال وحرام وكل شئ يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش...) .

وفي الكافي(1/241): (عن بكر بن كرب الصيرفي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن عندنا ما لا نحتاج معه إلى الناس وإن الناس ليحتاجون إلينا ، وإن عندنا كتاباً إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام ، صحيفة فيها كل حلال وحرام... وإنكم لتأتونا بالأمر فنعرف إذا أخذتم به ، ونعرف إذا تركتموه ).

وفي الكافي(1/296) عن الإمام الصادق عليه السلام : (كان في ذؤابة سيف رسول الله صلى الله عليه وآله صحيفة صغيرة ، فقلت لأبي عبد الله عليه السلام : أي شئ كان في تلك الصحيفة؟ قال: هي الأحرف التي يفتح كل حرف ألف حرف).

وفي أمالي المفيد/351: (عن الأصبغ بن نباتة العبدي قال: لما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام غدونا عليه نفر من أصحابنا أنا والحارث وسويد بن غفلة ، وجماعة معنا فقعدنا على الباب ، فسمعنا البكاء فبكينا فخرج إلينا الحسن بن علي فقال: يقول لكم أمير المؤمنين: إنصرفوا إلى منازلكم ، فانصرف القوم غيري ، واشتد البكاء من منزله فبكيت ، فخرج الحسن عليه السلام فقال: ألم أقل لكم انصرفوا ؟ فقلت: لا والله يا ابن رسول الله ما تتابعني نفسي ولا تحملني رجلي أن أنصرف حتى أرى أمير المؤمنين صلوات الله عليه . قال: فتلبث فدخل ولم يلبث أن خرج فقال لي: ادخل ، فدخلت على أمير المؤمنين عليه السلام فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء ، قد نزف واصفر وجهه ، ما أدري وجهه أصفر أو العمامة ، فأكببت عليه فقبلته وبكيت ، فقال لي: لا تبك يا أصبغ فإنها والله الجنة، فقلت له: جعلت فداك إني أعلم والله أنك تصير إلى الجنة ، وإنما أبكي لفقداني إياك يا أمير المؤمنين، جعلت فداك حدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فإني أراني لا أسمع منك حديثاً بعد يومي هذا أبداً! فقال: نعم يا أصبغ، دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً فقال لي: يا علي إنطلق حتى تأتي مسجدي ثم تصعد على منبري ثم تدعو الناس إليك فتحمد الله عزّ وجلّ وتثني عليه وتصلي علي صلاة كثيرة ، ثم تقول: أيها الناس إني رسول الله إليكم وهو يقول لكم: ألا إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه أو ادعى إلى غير مواليه ، أو ظلم أجيراً أجره ! فأتيت مسجده وصعدت منبره ، فلما رأتني قريش ومن كان في المسجد أقبلوا نحوي فحمدت الله وأثنيت عليه وصليت على رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة كثيرة ثم قلت: أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم ، وهو يقول لكم: ألا إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه ، أو ادعى إلى غير مواليه ، أو ظلم أجيراً أجره . قال: فلم يتكلم أحد من القوم إلا عمر بن الخطاب فإنه قال: قد أبلغت يا أبا الحسن ولكنك جئت بكلام غير مفسر، فقلت: أُبلغ ذلك رسول الله فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وآله فأخبرته الخبر فقال:إرجع إلى مسجدي حتى تصعد منبري فاحمد الله واثن عليه وصل عليَّ ثم قل: أيها الناس: ماكنا لنجيئكم بشئ إلا وعندنا تأويله وتفسيره ، ألا وإني أنا أبوكم ، ألا وإني أنا مولاكم ، ألا وإني أنا أجيركم ) !

ومن الطبيعي أن تنكر مصادر أتباع الخلافة أحاديث الوصية ما استطاعت ، لكنهم رووا منها حديث وصية يوم الغدير وغيره ، وروى بخاري حديث الصحيفة في قراب سيف النبي صلى الله عليه وآله ثمان مرات ، وتعمد روايتها عن علي وأولاده عليهم السلام ليقول إن النبي صلى الله عليه وآله لم يورثهم غيرها !

قال البخاري في صحيحه (2/221): (عن علي قال: ما عندنا شئ إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي(ص): المدينة حَرَمٌ ما بين عائر إلى كذا ، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل ، وقال: ذمة المسلمين واحدة ، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل . ومن تولى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل). ونحوه:4/30 ، و4/67 و/69 و:8/10و/45 و/47 و/144، ومسلم:4 /115 و/217 و:6/85 ، وأبو داود:1/168 و:2/177، وأحمد بعشر روايات .

ونلاحظ أن رواتهم غيَّروا الفقرة المتعلقة بولاية العترة عليهم السلام  ! لكن الشافعي روى شيئاً منها في مسنده/198، قال: (عن محمد بن إسحق قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي: ما كان في الصحيفة التي كانت في قراب سيف رسول الله ؟ فقال كان فيها: لعن الله القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه . ومن تولى غير ولي نعمته فقد كفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله ).

2- نصت الأحاديث على أن دور كل إمام محددٌ من الله تعالى: ( لكل واحد منا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدته ، فإذا انقضى ما فيها مما أُمِرَ به عَرَفَ أن أجله قد حضر ، فأتاه النبي صلى الله عليه وآله ينعى إليه نفسه) .

لكنها لاتدل على تقسيم حياتهم عليهم السلام الى مراحل ، ولا تذكر أن هدفهم جميعاً العمل لتسلم السلطة كما تصور الشهيد السيد محمد باقر الصدر رحمه الله  !

3- فقد استدل رحمه الله على أن الإمام زين العابدين عليه السلام كان هدفه الأساسي ترسيخ الإسلام كدين في نفوس الناس ، فكان يعول بمئة بيت أو أربع مئة بيت من أهل المدينة ، مع أنه كان يقول ليس في المدينة عشرون بيتاً يحبوننا ! وأن هدف الإمام الباقر عليه السلام كان بناء الكتلة الواعية أو الأمة داخل الأمة ، فكان ينفق على خاصة أصحابه ، ويتصدق كل جمعة في المسجد بدينار .

لكن عمل الإمام زين العابدين عليه السلام كان كذلك أيضاً ، فكلاهما قام بترسيخ قِيَم الدين ككل واصطناع الأمة داخل الأمة، والفرق بين عملهما عليهما السلام في الدرجة وليس في النوع ، ويفهم ذلك من نص صحيفة الوصية ، فقد جاء فيه: ( فلما مضى دفعها إلى علي بن الحسين عليه السلام قبل ذلك ، ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها أن اصمت وأطرق لمَّا حُجِبَ العلم . فلما توفي ومضى دفعها إلى محمد بن علي عليهما السلام ففتح الخاتم الخامس فوجد فيها أن فسر كتاب الله تعالى وصدِّق أباك وورث ابنك واصطنع الأمة ، وقم بحق الله عزّ وجلّ ، وقل الحق في الخوف والأمن ، ولا تخش إلا الله) .

فعبارة: وصدِّق أباك.. للباقر عليه السلام تدل على أن الصمت والإطراق لأبيه عليه السلام  ، هي أحد مضامين الصحيفة وليست كل دوره ، فقد جهر بالحق واصطنع الأمة ثم صدقه الإمام الباقر عليه السلام وبدأ بمرحلة جديدة في اصطناع الأمة ، حيث أمره الله تعالى أن يبقر علم النبوة ويفجر ينابيعه ، فرسَّخ قيم الإسلام في الأمة وقام بإعلاء صرح التشيع الذي شيده والده عليه السلام .

14- سيجلس من يحدثكم بعد سبع سنين من موتي !

كان مجلس الإمام الباقر عليه السلام في المسجد النبوي سيد المجالس وأهمها. يحضر فيه كبار العلماء والرواة وطلبة العلم .

وقد بدأ بعد وفاة أبيه زين العابدين عليه السلام بسبع سنين ، أي في خلافة عمر بن عبد العزيز ، وهو الفرصة الموعودة في مقادير الله تعالى للإمام الباقر عليه السلام .

قال الشيخ الطوسي1في رجاله (1/339): (عن القاسم بن عوف قال: كنت أتردد بين علي بن الحسين وبين محمد بن الحنفية وكنت آتي هذا مرة وهذا مرة . قال: ولقيت علي بن الحسين عليه السلام فقال لي: يا هذا إياك إن تأتي أهل العراق فتخبرهم أنا استودعناك علماً ، فإنا والله ما فعلنا ذلك ! وإياك أن تترايس بنا فيضعك الله ، وإياك أن تستأكل بنا فيزيدك الله فقراً ، واعلم أنك إن تكن ذنباً في الخير خير لك من أن تكون رأساً في الشر . واعلم أنه من يحدث عنا بحديث سألنَاه يوماً، فإن حدث صدقاً كتبه الله صديقاً، وإن حدث وكذب كتبه الله كذاباً !

وإياك أن تشد راحلة تُرَحِّلُها، فإنما هاهنا يطلب العلم حتى يمضي لكم بعد موتي سبع حجج ، ثم يبعث الله لكم غلاماً من ولد فاطمة عليها السلام تنبتُ الحكمة في صدره كما ينبت الطَّلُّ الزرع ! قال: فلما مضى علي بن الحسين حسبنا الأيام والجمع والشهور والسنين، فما زادت يوماً ولا نقصت حتى تكلم محمد بن علي بن الحسين باقر العلم ، صلوات الله عليهم).

ويدل ذلك على أن ظرف الإمام زين العابدين عليه السلام وإن سمح بقدر من مقاومة التحريف إلا أنه لم يسمح بطرح خط أهل البيت عليهم السلام كاملاً مقابل إسلام السلطة الأموية ، وأن هذا الظرف سيستمر سبع سنين بعد وفاته عليه السلام هي بقية حكم الوليد بن عبد الملك وأخيه سليمان وشطر من حكم عمر بن عبد العزيز ، فالحجات السبع تبدأ من وفاته عليه السلام سنة 94 فيكون آخرها سنة100هجرية في خلافة عمر بن العزيز التي بدأت في صفر سنة 99، وانتهت بموته سنة 101 هجرية . واستمر مجلس الإمام عليه السلام بعدها .

ومعنى قول زين العابدين عليه السلام : (وإياك أن تشد راحلة تُرَحِّلها.. قبل سبع سنين ، أي سيبدأ الباقر عليه السلام بطرح مذهب أهل البيت عليهم السلام إسلاماً متكاملاً مقابل إسلام السلطة .

15- الباقر مع جده الحسين عليهما السلام في كربلاء

كان الإمام زين العابدين وطفله الباقر مع أبيه الحسين عليهم السلام في كربلاء ، وكان عمر الباقر عليه السلام أربع سنوات  ، وقد روى بعض مشاهداته في كربلاء .

قال اليعقوبي في تاريخه:2/320: (قال أبو جعفر عليه السلام : قتل جدي الحسين ولي أربع سنين ، وإني لأذكر مقتله ، وما نالنا في ذلك الوقت).

ومعنى عبارته الأخيرة عليه السلام أنه عايش جيداً أحداث كربلاء ومأساتها ، والأسْر الى الكوفة فالشام ، لكن لم يصلنا من روايته عليه السلام إلا قليل !

فمن ذلك أنه عندما رفع الحسين عليه السلام رضيعه ، وطالب أعدائه أن يسقوه الماء ، فرماه حرملة بسهم فأصابه في نحره: (تلقى الحسين عليه السلام الدم بكفيه فلما امتلأتا رمى بالدم نحو السماء ثم قال: هَوَّنَ عليَّ ما نزل بي أنه بعين الله .قال الباقر عليه السلام : فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض) (اللهوف/69) .

وقال الباقر عليه السلام :(أصيب الحسين بن علي ووجد به ثلاث مائة وبضعة وعشرين طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم) . (روضة الواعظين/189).

وفي شرح الأخبار:3/54:(كانت كلها في صدره ووجهه عليه السلام لأن كان لايولي).

وقال الباقر عليه السلام : (إن الحسين لما حضره الذي حضره ، دعا ابنته الكبرى فاطمة فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ووصيةً ظاهرةً ، ووصية باطنة . وكان علي بن الحسين مبطوناً لا يرون إلا أنه لِمَا به ، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين، ثم صار ذلك إلينا. فقلت: فما في ذلك الكتاب؟ فقال: فيه والله جميع ما يحتاج إليه ولد آدم إلى أن تفنى الدنيا ). (بصائر الدرجات/168).

أقول: أودع الحسين عليه السلام مواريث النبي صلى الله عليه وآله عند أم سلمة رضي الله عنها وأوصاها أن تسلمها الى من يعطيها علامة،فسلمتها الى الإمام زين العابدين عليه السلام لما رجع من الشام وأعطاها العلامة. أما هذا الكتاب الذي كان معه عليه السلام في كربلاء ، فهو وصيته عليه السلام .

كما روى عن جده الحسين عليه السلام حادثة في مكة قبل كربلاء وكان عمره يومها ثلاث سنوات ، ففي الكافي(4/223) أن زرارة سأله: ( أدركتَ الحسين عليه السلام ؟ قال: نعم أذكر وأنا معه في المسجد الحرام ، وقد دخل فيه السيل والناس يقومون على المقام يخرج الخارج يقول: قد ذهب به السيل! ويخرج منه الخارج فيقول: هو مكانه. فقال عليه السلام : يا فلان ما صنع هؤلاء؟ فقال: أصلحك الله يخافون أن يكون السيل قد ذهب بالمقام، فقال:ناد أن الله تعالى قد جعله علماً لم يكن ليذهب به! فاستقَرُّوا .

وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه السلام عند جدار البيت فلم يزل هناك حتى حوَّله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم . فلما فتح النبي صلى الله عليه وآله مكة رده إلى الموضع الذي وضعه إبراهيم عليه السلام فلم يزل هناك إلى أن وليَ عمر بن الخطاب ، فسأل الناس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام؟! فقال رجل: أنا قد كنت أخذت مقداره بنسع (حزام للبعير) فهو عندي فقال: إئتني به فأتاه به فقاسه ، ثم رده إلى ذلك المكان) ! وكم لابن الخطاب من مخالفات صريحة لرسول الله صلى الله عليه وآله !

16- وكان عضد أبيه الإمام زين العابدين عليهما السلام

رافق الإمام الباقر والده صلى الله عليه وآله في مراحل حياته وكان وزيره وعضده . وعندما توفي والده سنة أربع وتسعين ، كان الباقر عليه السلام في الثامنة والثلاثين من عمره ، وكان وارث أمجاد أبيه وخليفته بلا منازع .

قال الذهبي(4/398)يصف زين العابدين عليه السلام : (كان له جلالة عجيبة! وحقَّ له والله ذلك، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى لشرفه وسؤدده وعلمه ) .

وسأل الزهري زين العابدين عليه السلام : (يا ابن رسول الله هذا الذي أوصيت إليه أكبر أولادك؟ فقال: يا أبا عبد الله ليست الإمامة بالصغر والكبر ، هكذا عَهِدَ إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهكذا وجدنا مكتوباً في اللوح والصحيفة. قلت: يا ابن رسول الله فكم عهد إليكم نبيكم أن تكون الأوصياء من بعده ؟ قال: وجدنا في الصحيفة واللوح اثني عشر أسامي مكتوبة بأسماء آبائهم وأمهاتهم ، ثم قال: يخرج من صلب محمد ابني سبعة من الأوصياء فيهم المهدي). (كفاية الأثر/241).

ودفع اليه أبوه في حياته مواريث الأنبياء عليهم السلام : (أخرج سفطاً أو صندوقاً عنده فقال: يا محمد إحمل هذا الصندوق ، قال فحُمل بين أربعة. فلما توفي جاء إخوته يدَّعون ما في الصندوق فقالوا: أعطنا نصيبنا من الصندوق فقال: والله ما لكم فيه شئ ، ولو كان لكم فيه شئ ما دفعه إليَّ . وكان في الصندوق سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وكتبه ) . (الكافي:1/305 ، وإعلام الورى/500) .

وكان الى جنب أبيه عليهما السلام في المراحل الصعبة.. في ثورة أهل المدينة وحملة يزيد الوحشية عليهم في وقعة الحرة . وما تبعها من حملة يزيد على ابن الزبير واستباحته الكعبة . ثم في هلاك يزيد واضطراب خلافة بني أمية وقتلهم معاوية بن يزيد رحمه الله ثم سيطرة مروان بن الوزغ وأولاده على العرش الأموي ، ثم عند موت مروان بعد شهور وسيطرة ابنه عبد الملك ، وحربه مع المختار ثم حربه مع ابن الزبير ، التي امتدت أكثر من عشر سنين . وفي أثنائها بنى عبد الملك (كعبة) على صخرة بيت المقدس وأحجَّ المسلمين اليها بدل مكة !

كما عايش الإمام صمود أبيه عليهما السلام ورفضه ضغوط الثائرين باسم الحسين عليه السلام من التوابين والمختار وابن الأشتر ، وتأييده في نفس الوقت كل من يأخذ بثأر الحسين ومدحه المختار رحمه الله لأنه قتل عدداً من قتلة الحسين عليه السلام  .

كما عاصر سيطرة ابن الزبير على الحجاز بعد هلاك يزيد ، وحكم المختار للعراق وما تبعه أكثر من سنتين ، ثم حرب مصعب له وانتصاره عليه .

وعاصر علاقات أبيه عليهما السلام المتفاوتة في توترها وهدوئها ، مع يزيد بن معاوية ، ومروان ، وعبد الملك ، والحجاج ، وابن الزبير ، والخوارج ، وعرف في المدينة الشاب المترف عمر بن عبد العزيز ، المحب لأبيه الإمام زين العابدين عليه السلام .

كما حضر مجالس أبيه عليهما السلام وسمع جواهر علومه ، وعرف تلاميذه .. من محمد بن شهاب الزهري ، الى العُبَّاد والمتصوفة ، الى تلاميذه الخاصين كيحيى بن أم الطويل وسعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وحكيم بن جبير بن مطعم ، وكميل بن زياد ، وسعيد بن جبير .

كما شاهد الباقر تقديس الأمة لأبيه زين العابدين عليهما السلام فقد كان معه في مكة عندما انفسح له الناس ليستلم الحجر ، فحسده هشام بن عبد الملك وتجاهله فارتجل الفرزدق رحمه الله قصيدته الخالدة: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته..

فحبس هشام الفرذزدق فهجاه بقوله:

يقلب رأساً لم يكن رأس سيد
وعيناً له حولاء بادٍ عيوبها !

كما عاصر الإمام الباقر أباه عليهما السلام في صموده في وجه العداء الأموي وتحريف الإسلام ، وشاركه في حملات دفاعه القوية ضد التحريف وكشف مؤامرة قريش على الأئمة من العترة النبوية عليهم السلام ، وفي عمله في تشييد صرح التشيع وبناء الفئة الثابتة من الأمة .كما كان مع أبيه في سفر الحج ، وفي اعتزاله سنين في البادية ، وسفراته المتخفية لزيارة قبرجده أمير المؤمنين والحسين عليهم السلام ومسجد الكوفة .

كما رأى إعجاب عبد الملك بأبيه زين العابدين عليه السلام ومكائده له في نفس الوقت ، وكان مبعوث أبيه اليه ليعالج مشكلة النقد والطراز مع الروم .

ثم عاصر الإمام عليه السلام بعد هلاك عبد الملك ، ابنه هشاماً ، صاحب الشخصية المعقدة والجرائم المنكرة ، وأعظمها قتله للإمام زين العابدين عليه السلام !

الفصل الثالث

الحكومات التي عاصرها الإمام الباقر عليه السلام  !

عاصر الإمام عليه السلام ثمان حكومات

عاصرحكم يزيد بن معاوية، وحكم مروان بن الحكم لشهور ، وحكم ابنه عبد الملك الذي توفي سنة 86 ، وأبناء عبد الملك:الوليد الذي قتل الإمام زين العابدين عليه السلام سنة 94 ، وهلك سنة 96 ، ثم سليمان وهلك سنة 99 ، ثم عمر بن عبد العزيز وهلك سنة 101، ثم يزيد بن عبد الملك وهلك سنة 105 .

كما عاصر عليه السلام تسع سنين من حكم الطاغية هشام بن عبد الملك ، الذي ارتكب جريمة قتل الإمام الباقر عليه السلام سنة 114 ، ثم هلك هشام سنة 125، وبعد سبع سنوات من هلاكه انهار النظام الأموي بثورة الخراسانيين.

الإمام يصف حالة أهل البيت عليهم السلام في زمن بني أمية

وصف الإمام الباقر عليه السلام اضطهاد بني أمية لأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ، فقال لبعض أصحابه: (يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا ! وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس! إن رسول الله صلى الله عليه وآله قبض وقد أخبر أنا أولى الناس بالناس ، فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه ، واحتجَّت على الأنصار بحقنا وحجتنا ! ثم تداولتها قريش واحد بعد واحد ، حتى رجعت إلينا ، فنكثت بيعتنا ونصبت الحرب لنا ، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كؤود حتى قتل ، فبويع الحسن ابنه وعوهد ثم غُدر به وأُسلم ، ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه ونهبت عسكره وعولجت خلاليل أمهات أولاده ! فوادع معاوية وحقن دمه ودماء أهل بيته ، وهم قليل حق قليل !

ثم بايع الحسين عليه السلام من أهل العراق عشرون ألفاً ، ثم غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم ، وقتلوه ! ثم لم نزل أهل البيت نستذل ونستضام ، ونقصى ونمتهن ونحرم ونقتل ونخوف!ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا !

ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء وعمال السوء في كل بلدة ، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة ، ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ، ليبغضونا إلى الناس !

وكان عِظَمُ ذلك وكِبْرُه زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام فقتلت شيعتنا بكل بلدة ، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة ، وكان من يذكر بحبنا والإنقطاع إلينا سجن أو نهب ماله ، أو هدمت داره !

ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين عليه السلام .

ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة ، وأخذهم بكل ظنة وتهمة ، حتى أن الرجل ليقال له زنديق أو كافر ، أحب إليه من أن يقال شيعة علي عليه السلام !

وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير ولعله يكون ورعاً صدوقاً، يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة ، ولم يخلق الله تعالى شيئاً منها ولا كانت ولا وقعت ! وهو يحسب أنها حق ، لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب ولا بقلة ورع ) ! (شرح النهج:11/43).

كما وصف الإمام الجواد عليه السلام اضطهاد تلاميذ الإمام زين العابدين عليه السلام الخاصين قال: (أما يحيى بن أم الطويل فكان يظهر الفتوة ، وكان إذا مشى في الطريق وضع الخلوق على رأسه ويمضغ اللبان ويطول ذيله ، وطلبه الحجاج فقال تلعن أبا تراب وأمر بقطع يديه ورجليه وقتله .

وأما سعيد بن المسيب فنجا وذلك أنه كان يفتي بقول العامة ، وكان آخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فنجا .

وأما أبو خالد الكابلي فهرب إلى مكة وأخفى نفسه ، فنجا .

وأما عامر بن واثلة فكانت له يد عند عبد الملك بن مروان ، فلهى عنه .

وأما جابر بن عبد الله الأنصاري فكان رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلم يُتعرض له وكان شيخاً قد أسن .

وأما أبو حمزة الثمالي وفرات بن أحنف ، فبقوا إلى أيام أبي عبد الله ، وبقي أبو حمزة إلى أيام أبي الحسن موسى بن جعفر صلى الله عليه وآله ). (رجال الطوسي:1/338 ).

صَمَتَ الإمام الباقر سبعَ سنين بعد أبيه عليهما السلام

كان الإمام زين العابدين عليه السلام يُلقي موعظة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله كل يوم جمعة فقط ، ولم يجلس في المسجد ويحدث الناس! (الكافي: 8 / 72 ). وقال للقاسم بن عوف: (وإياك أن تشد راحلة تُرَحِّلُها، فإنما هاهنا يطلب العلم حتى يمضي لكم بعد موتي سبع حجج ، ثم يبعث الله لكم غلاماً من ولد فاطمة عليها السلام تَنْبُتُ الحكمة في صدره كما ينبت الطَّلُّ الزرع ! قال: فلما مضى علي بن الحسين حسبنا الأيام والجمع والشهور والسنين ، فما زادت يوماً ولا نقصت حتى تكلم محمد بن علي بن الحسين باقر العلم ، صلوات الله عليهم). (رجال الطوسي(1/339).

في تلك السنة حدثت فُسحةٌ على عامة المسلمين ، بهلاك الطاغية سليمان بن عبد الملك ، الذي لم يكن له ولد يصلح للخلافة ، وكان ضعف الدولة الأموية يتفاقم لنقمة المسلمين وظلم الأجهزة وفسادها ! وكان الناس يميلون الى ابن عمه عمر بن عبد العزيز ويلهجون باسمه للخلافة لما عرف به من استقامة ، فأوصى له سليمان ، وبعده لأخيه يزيد بن عبد الملك .

فكان عمر بن عبد العزيز نشازاً بين الملوك الأمويين لأنه (عادل) بين جبابرة أي أعور بين عميان ! وروى محبوه أن الإمام الباقر عليه السلام سئل عنه فقال: (أما علمت أن لكل قوم نجيبة وأن نجيبة بني أمية عمر بن عبد العزيز، وإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده). (سير الذهبي:5/120، وتاريخ دمشق:45/147).

وقد تكون الرواية صحيحة لكنها لاتدل على نجاته بل على تميزه على قومه .

وقد كان عصره كان الفرصة الموعودة في مقاديرالله تعالى للإمام الباقر عليه السلام فنهض وشق علم النبوة ، ونشره في الناس !

(كانت ولاية عمر ثلاثين شهراً..وتوفي لست بقين من رجب سنة 101 ، وهو ابن تسع وثلاثين سنة ، وكان أسمر رقيق الوجه حسن اللحية ، غائر العينين بجبهته أثر، وعهد إلى يزيد بن عبد الملك). (الطبري:5/318).

وكان في وجهه أثر جرح من رفسة فرس ويسمى أشجَّ بني أمية.(فتن ابن حماد/75) .

وكان عهده على قصر مدته متنفساً للمسلمين من اضطهاد قومه بني أمية !

وكان سبب استخلافه أن سلفه سليمان بن عبد الملك كان ظلوماً عسوفاً أكولاً لايكاد يشبع! لكن كانت لعمر بن عبد العزيز يدٌ عليه حيث وقف معه لما أراد أخوه أن ينتزع الخلافة منه ، فحفظها له سليمان وكتب له عهده عندما عاجله الموت وهو شاب ، ونصه: (هذا كتاب من عبد الله سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز: إني قد وليتك الخلافة من بعدي ، ومن بعدك يزيد بن عبد الملك ، فاسمعوا له وأطيعوا واتقوا الله ، ولا تختلفوا فيطمع فيكم).(تاريخ الطبري:5/306).

وأمر أولاده وهو يحتضرأن يبايعوه:(ونزل عمر بن عبد العزيز قبره وثلاثة من ولده ، فلما تناولوه تحرك على أيديهم فقال ولد سليمان: عاش أبونا ورب الكعبة ! فقال عمر: بل عوجل أبوكم ورب الكعبة ! وكان بعض من يطعن على عمر يقول دَفَنَ سليمان حياً . وكانت ولاية سليمان بن عبد الملك سنتين وثمانية أشهر ، وخلف من الولد الذكور عشرة ). ( اليعقوبي:2/299) .

أقول: أراد الله تعالى في مطلع القرن الثاني للهجرة أن يفتح باب رحمة على أمة نبيه وباب عذاب على بني أمية ! وشعر بنو أمية بخطرخلافة ابن عبد العزيز لما أعلن إدانة الخلفاء قبله بظلمهم للمسلمين ومصادرتهم حرياتهم واستباحتهم أموالهم، وأعلن أنه سيحقق العدالة ويرد ظلامة كل مظلوم !

وباشر بإعادة الحريات وأصدر المراسيم بتغييرالولاة ورد الظلامات ، فاستنفر بنو أمية ضده وكانوا قبيلة كثيرة بيدهم مفاصل الدولة ، وقتلوه بالسم ، وأعادوا الظلم كما كان ، ونصبوا بعده يزيد بن عبد الملك ، ثم الطاغية هشام بن عبد الملك الذي ارتكب جريمة قتل الإمام الباقر عليه السلام بالسم على يد والي المدينة .

والنص التالي يكشف الفرق في نظر الإمام الباقر عليه السلام بين سليمان بن عبد الملك وخليفته عمر بن عبد العزيز، فقد روى اليعقوبي(2/306) أن عمر بن عبد العزيز ذكر الإمام زين العابدين عليه السلام يوماً فقال:( ذهب سراج الدنيا وجمال الإسلام وزين العابدين ! فقيل له: إن ابنه أبا جعفر محمد بن علي فيه بقية ، فكتب عمر يختبره ، فكتب إليه محمد كتاباً يعظه ويخوفه ! فقال عمر: أخرجوا كتابه إلى سليمان فأخرج كتابه فوجده يقرظه ويمدحه ، فأنفذ إلى عامل المدينة وقال له: أحضر محمداً وقل له: هذا كتابك إلى سليمان تقرظه وهذا كتابك إليَّ مع ما أظهرت من العدل والإحسان ! فأحضره عامل المدينة وعرفه ما كتب به عمر فقال: إن سليمان كان جباراً كتبت إليه بما يكتب إلى الجبارين، وإن صاحبك أظهر أمراً فكتبت إليه بما شاكله ! وكتب عامل عمر إليه بذلك فقال عمر: إن أهل هذا البيت لا يخليهم الله من فضل) !

ومعناه: أن سليمان بن عبد الملك برأي الإمام عليه السلام جبارٌ لا يتحمل أن يطرح الإمام الحق ، فكان يداريه كما دارى الأنبياء عليهم السلام فراعنة عصورهم . أما ابن عبد العزيز فأعلن أنه يريد تحقيق العدل ويتحمل النصيحة، فكتب له الإمام بما كتب فأعجب ذلك عمر. وكان عهده فرصة للإمام عليه السلام لينشط في مشروعه!

فبَقَرَ علم جده صلى الله عليه وآله ونشره .

نقاط عن عصر عمر بن عبد العزيز

1- عندما تولى الخلافة دعا الإمام الباقر عليه السلام الى الشام ، ليسشتيره في أمور الخلافة: (فدخل فحدثه ساعة وقال إني: أريد الوداع يا أمير المؤمنين ، قال عمر: فأوصني يا أبا جعفر، قال: أوصيك بتقوى الله ، واتخذ الكبير أباً ، والصغير ولداً، والرجل أخاً. فقال: رحمك الله جمعت لنا والله ما إن أخذنا به وأماتنا الله عليه ، استقام لنا الخير إن شاء الله ). (تاريخ دمشق:54/268).

2- (قال أبو بكر بن أبي سبرة: لما رد عمر بن عبد العزيز المظالم قال: إنه لينبغي أن لا أبدأ بأول إلا من نفسي ، فنظر إلى ما في يديه من أرض أو متاع فخرج منه حتى نظر إلى فص خاتم فقال: هذا مما أعطانيه الوليد بن عبد الملك مما جاءه من أرض المغرب ، فخرج منه) . (الطبقات:5/341).

(لما استخلف قال: يا أيها الناس ، إني قد رددت عليكم مظالمكم ، وأول ما أرد منها ما كان في يدي ، وقد رددت فدك على ولد رسول الله (ص) وولد علي بن أبي طالب ، فكان أول من ردها ). (بحار الأنوار:29/208).

(ونكث عمر أعمال أهل بيته وسماها مظالم ، وكتب إلى عماله جميعاً: أما بعد فإن الناس قد أصابهم بلاء وشدة وجور في أحكام الله ، وسنن سيئة سنتها عليهم عمال السوء ، قلما قصدوا قصد الحق والرفق والإحسان ، ومن أراد الحج فعجلوا عليه عطاءه حتى يتجهز منه ، ولا تحدثوا حدثاً في قطع وصلب حتى تؤامروني ..

وأعطى بني هاشم الخمس ، ورد فدكاً وكان معاوية أقطعها مروان فوهبها لابنه عبد العزيز فورثها عمر منه ، فردها على ولد فاطمة ، فلم تزل في أيديهم حتى ولي يزيد بن عبد الملك ، فقبضها .

ورد عمر هدايا النيروز والمهرجان ، ورد السُّخَر (الإجبار على العمل مجاناً) ورد العطاء على قدر ما استحق الرجل من السنة ، وورث العيالات على ما جرت به السنة ، غير أنه أقر القطائع التي أقطعها أهل بيته والعطاء في الشرف لم ينقصه ولم يزد فيه ، وزاد أهل الشأم في أعطياتهم عشرة دنانير ، ولم يفعل ذلك في أهل العراق). (تاريخ اليعقوبي:2/305 ، ونحوه الطبري:5/321).

3- ( لما ولي عمر بن عبد العزيز ، ردَّ فدك على ولد فاطمة عليها السلام وكتب إلى واليه على المدينة أبي بكر بن عمر بن حزم يأمره بذلك ، فكتب إليه: إن فاطمة قد ولدت في آل عثمان وآل فلان وآل فلان ! فكتب إليه: أما بعد فإني لو كنت كتبت إليك آمرك أن تذبح شاة لسألتني جمَّاء أو قرناء ! أو كتبت إليك أن تذبح بقرة لسألتني ما لونها ! فإذا ورد عليك كتابي هذا فاقسمها بين ولد فاطمة من علي والسلام !

قال أبو المقدام: فنقمت بنو أمية ذلك على عمر بن عبد العزيز وعاتبوه فيه وقالوا له: هجَّنْتَ فعل الشيخين ! وخرج إليه عمرو بن عبس في جماعة من أهل الكوفة ، فلما عاتبوه على فعله قال: إنكم جهلتم وعلمت ونسيتم وذكرت ، إن أبا بكر محمد بن عمرو بن حزم حدثني عن أبيه عن جده ، أن رسول الله قال: فاطمة بضعة مني يسخطني ما يسخطها ويرضيني ما يرضيها ، وإن فدك كانت صافية على عهد أبي بكر وعمر ، ثم صار أمرها إلى مروان فوهبها لأبي عبد العزيز ، فورثتها أنا وإخواني فسألتهم أن يبيعوني حصتهم منها فمنهم من باعني ، ومنهم من وهب لي ، حتى استجمعتها فرأيت أن أردها على ولد فاطمة ! فقالوا: إن أبيت إلا هذا فأمسك الأصل واقسم الغلة ، ففعل) ! (الشافي:4/102، وشرح النهج:16/278).

(فسلمها إلى محمد بن علي الباقر عليه السلام وعبد الله بن الحسن ، فلم تزل في أيديهم إلى أن مات عمر بن عبد العزيز ). (كشف الغمة:2/117).

(فقيل له: طعَنْتَ على الشيخين ! فقال: هما طعنا على أنفسهما ! وذلك لما صار إليه محمد بن علي عليه السلام ). (المسترشد لابن جرير الطبري الشيعي/503).

( لما دخل المدينة عمر بن عبد العزيز نادى مناديه: من كانت له مظلمة وظلامة فليحضر: فدخل إليه مولاه مزاحم فقال: إن محمد بن علي بالباب ، فقال له: أدخله يا مزاحم قال: فدخل وعمر يمسح عينيه من الدموع ، فقال له محمد بن علي: ما أبكاك يا عمر؟ فقال هشام: أبكاه كذا وكذا يا ابن رسول الله ، فقال محمد بن علي فلما رآه استقبله وأقعده مقعده فقال عليه السلام : إنما الدنيا سوق من الأسواق يبتاع فيها الناس ما ينفعهم وما يضرهم ، وكم قوم ابتاعوا ما ضرهم فلم يصبحوا حتى أتاهم الموت ، فخرجوا من الدنيا ملومين لمَّا لم يأخذوا ما ينفعهم في الآخرة فقسم ما جمعوا لمن لم يحمدهم ، وصاروا إلى من لا يعذرهم . فنحن والله حقيقون أن ننظر إلى تلك الأعمال التي نتخوف عليهم منها ، فكف عنها واتق الله واجعل في نفسك اثنتين: إلى ما تحب أن يكون معك إذا قدمت على ربك فقدمه بين يديك وانظر إلى ما تكره أن يكون معك إذا قدمت على ربك فارمه ورائك . ولا ترغبن في سلعة بارت على من كان قبلك فترجو أن يجوز عنك ، وافتح الأبواب وسهل الحجاب ، وأنصف المظلوم ورد الظالم . ثلاثة من كن فيه استكمل الإيمان بالله (فجثا عمر على ركبتيه ، ثم قال: إيه أهل بيت النبوة ، قال: نعم يا عمر، من إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل ، ومن إذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق ، ومن إذا قدر لم يتناول ما ليس له . فدعا عمر بدواة وبياض وكتب:

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما رد عمر بن عبد العزيز ، ظلامة محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم بفدك). ( الخصال/105 ).

أقول: ذكرت بعض الروايات أنه رد غلة فدك دون أصلها ، وبعضها أنه سلمها الى الإمام الباقر عليه السلام ليقسمها بين أولاد فاطمة عليها السلام  ، وبعضها أنه سلمها له ولعبد الله بن الحسن المثنى . واتفق الرواة على أن يزيد بن عبد الملك الذي حكم بعده ، أعادها الى بني أمية ! لكن يبقى مجرد ردها عملاً مهماً ، لأنه اعتراف من خليفة أموي بظلامة فاطمة عليها السلام وتخطئة لسياسات الحكام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله .

وفي تاريخ دمشق(70/255): ( لما رد عمر بن عبد العزيز مظالم أهل بيته وأخذهم بالحق قال مولى لآل مروان: وأنتم أيضاً فتزوجوا بنات عمر بن الخطاب) !

يقصد أن عمر أنفق أيضاً من أموال المسلمين فبناته إماء لهم !

وفي الطرائف/252: (فردها عليهم السفاح ، ثم قبضت فردها عليهم المهدي ، ثم قبضت فردها عليهم المأمون... قبضت منهم بعد المأمون فردها عليهم الواثق ، ثم قبضت فردها عليهم المستعين ، ثم قبضت فردها عليهم المعتمد ، ثم قبضت فردها المعتضد ، ثم قبضت فردها عليهم الراضي) .

وفي المناقب:2/52: (وردها عليهم المأمون ، والمعتصم والواثق وقالا: كان المأمون أعلم منا به ، فنحن نمضي على ما مضى هو عليه ، فلما ولي المتوكل قبضها... وردها المعتضد وحازها المكتفي ، وقيل إن المقتدر ردها عليهم).

4- ( وروي أنه لما صارت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز ، رد عليهم سهام الخمس سهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسهم ذي القربى وهما من أربعة أسهم ، رده على جميع بني هاشم ، وسلم ذلك إلى محمد بن علي الباقر وعبد الله بن الحسن . وقيل إنه جعل من بيت ماله سبعين حملاً من الورق والعين من مال الخمس ، فرد عليهم ذلك ، وكذلك كلما كان لبني فاطمة وبني هاشم مما حازه أبو بكر وعمر وبعدهما عثمان ومعاوية ويزيد وعبد الملك ، رده عليهم ! واستغنى بنو هاشم في تلك السنين وحسنت أحوالهم). (المناقب:2/52 ، وكشف الغمة:2/117 ، والطبقات:5/391).

وروى في سمط النجوم/1043 ، عن الإمام الصادق عليه السلام أن عمر بن عبد العزيز كان يهدي إليهم الدراهم والدنانير في زقاق العسل ، خوفاً من أهل بيته !

5- ألغى عمر بن عبد العزيز مرسوم معاوية بلعن أمير المؤمنين عليه السلام في صلاة الجمعة ، قال اليعقوبي(2/305): (وترك لعن علي بن أبي طالب على المنبر ، وكتب بذلك إلى الآفاق... وأعطى بني هاشم الخمس ، ورد فدكاً وكان معاوية أقطعها مروان فوهبها لابنه عبد العزيز فورثها عمر منه فردها على ولد فاطمة . فلم تزل في أيديهم حتى ولي يزيد بن عبد الملك فقبضها ) .

وقال في شرح النهج (4/58): ( فأما عمر بن عبد العزيز فإنه قال: كنت غلاماً أقرأ القرآن على بعض ولد عتبة بن مسعود ، فمر بي يوماً وأنا ألعب مع الصبيان ونحن نلعن علياً ، فكره ذلك ودخل المسجد ، فتركت الصبيان وجئت إليه لأدرس عليه وردي ، فلما رآني قام فصلى وأطال في الصلاة شبه المعرض عني حتى أحسست منه بذلك ، فلما انفتل من صلاته كلح في وجهي فقلت له: ما بال الشيخ؟ فقال لي: يا بنيَّ أنت اللاعن علياً منذ اليوم؟ قلت: نعم ، قال: فمتى علمت أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم ! فقلت: يا أبت وهل كان علي من أهل بدر! فقال: ويحك ! وهل كانت بدر كلها إلا له ! فقلت: لا أعود ، فقال: آلله إنك لا تعود ! قلت: نعم فلم ألعنه بعدها . ثم كنت أحضر تحت منبر المدينة وأبي يخطب يوم الجمعة وهو حينئذ أميرالمدينة ، فكنت أسمع أبي يمر في خطبه تهدر شقاشقه حتى يأتي إلى لعن علي فيجمجم ويعرض له من الفهاهة والحصر ما الله عالم به ، فكنت أعجب من ذلك فقلت له يوماً:يا أبت أنت أفصح الناس وأخطبهم ، فما بالي أراك أفصح خطيب يوم حفلك حتى إذا مررت بلعن هذا الرجل ، صرت ألكن عَيِيّاً ! فقال: يا بني ، إن من ترى تحت منبرنا من أهل الشام وغيرهم لو علموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك ، لم يتبعنا منهم أحد ! فوقرت كلمته في صدري مع ما كان قاله لي معلمي أيام صغري ، فأعطيت الله عهداً لئن كان لي في هذا الأمر نصيبٌ لأغيرنه ! فلما من الله عليَّ بالخلافة أسقطت ذلك وجعلت مكانه: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، وكتب به إلى الآفاق فصار سنة).

ومدحه لذلك الشعراء ، فقال كُثيِّر عزة:

ولِيـتَ فلـم تشتـمْ عليـاً ولـم تُخـفْ
بَرِيَاً ولم تقبل إساءة مجرم
وكفَّرتَ بالعفو الذنوب مع الذي
أتيت فأضحى راضياً كل مسلم
ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه
من الأود البادي ثقاف المقوم

وعبَّر الشريف الرضي في رثائه له عن عقيدة الشيعة في ابن عبد العزيز فقال رحمه الله :

يا ابن عبد العزيز لو بكت
العيـْـــنُ فتًى من أميةٍ لبكيتكْ
أنت نزهتنـا عـن السـب والشتْـم
فلـو أمـكـن الجـزاءُ جـزيتُـك
دير سمعان لا أغبك غيث
خيـرُ ميْـت من آل مـروان ميتُـك
فلوَ اني ملكتُ دفعاُ لما نا
بَكَ من طارق الردى لفديتك

( شرح النهج:4/58 ، ومختصر أخبار شعراء الشيعة/69 ، والحماسة/150).

وفي الطبقات(5/393): (كان الولاة من بني أمية قبل عمر بن عبد العزيز يشتمون علياً ، فلما ولي عمر أمسك عن ذلك فقال كثير عزة الخزاعي..) .

أقول:ما أن قتل بنو أمية عمر بن عبد العزيز حتى أعادوا سب علي عليه السلام كما كان !

6- وقتل بنو أمية ابن عبد العزيز بالسُّم وأعادوا الظلم كما كان: (وعزل يزيد عمال عمر بن عبد العزيز جميعاً).(اليعقوبي:2/308) لكن سياسة عمر بن عبد العزيز فضحتهم وجرَّأت المسلمين عليهم ، وفتحت لبني هاشم باب الثورة ، فثار زيد بن علي بعد عشرين سنة ، والعباسيون بعد ثلاثين سنة .

قال الوليد بن هشام: ( لقيني يهودي فأعلمني أن عمر بن عبد العزيز سيلي هذا الأمر وسيعدل فيه ، ثم لقيني بعد فقال لي: إن صاحبك قد سقي فمُرْهُ فليتدارك نفسه ! فلقيته فذكرته له فقال لي: قاتله الله ما أعلمه! لقد علمت الساعة التي سقيت فيها، ولو كان شفائي أن أمس شحمة أذني ما فعلت ، أو أوتى بطيب فأرفعه إلى أنفي فأشمه ، ما فعلت) ! (الفتن لنعيم بن حماد/68).

يشير النص الى أن اليهود كانوا وراء سمه ، وقد كانت صلاتهم وثيقة بالأمويين !

كما يشير الى مبالغات الناس في إيمان عمر بن عبد العزيز وتقواه ، وأنه كان مسلِّماً لقضاء الله وقدره ، الى حد أنه لايعالج نفسه من السُّم !

7- ذكرنا في سيرة الإمام زين العابدين عليه السلام (4/182) أن الإمام الباقر عليه السلام كان يصفه بالمترف الفاسق وكان الجاحظ يصفه بالفاسق لسوء سلوكه الأخلاقي ونحن ندينه لأنه يعلم أن بني أمية غصبوا الخلافة من أهل البيت عليهم السلام ولم يُرجعها الى أصحابها! (قال أبو بصير:كنت مع الباقر عليه السلام في المسجد ، إذ دخل عليه عمر بن عبد العزيز، عليه ثوبان ممصران متكئاً على مولى له فقال عليه السلام : لَيَلِيَنَّ هذا الغلام فيظهر العدل ويعيش أربع سنين ، ثم يموت فيبكي عليه أهل الأرض ويلعنه أهل السماء. فقلنا: يا ابن رسول الله أليس ذكرت عدله وإنصافه؟ قال:يجلس في مجلسنا ولا حق له فيه ) ! (الخرائج:1/276).

وتقدمت روايتهم عن الباقر عليه السلام أنه: ( نجيب بني أمية ويبعث يوم القيامة أمة وحده). وهو يدل على تميزه عن غيره من خلفائهم ، ولايدل على قبوله ونجاته .

8- روى ابن عساكر(69/160) أن يزيد بن معاوية صَلَبَ رأس الحسين عليه السلام في دمشق ثلاثة أيام ، ثم وضعه: ( في خزائن السلاح..فلما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى الخازن خازن بيت السلاح: وجِّه إليَّ رأس الحسين بن علي ، فكتب إليه أن سليمان أخذه وجعله في سفط وصلى عليه ودفنه فصح ذلك عنده . فلما دخلت المسودة سألوا عن موضع الرأس فنبشوه وأخذوه . والله أعلم ما صُنع به ).

أقول: المعتمد عند المصريين أنه بقي في خزائن بني أمية ودفنوه في عسقلان ثم نقله المصريون الى القاهرة . والمعتمد عندنا أن الإمام زين العابدين عليه السلام أخذه من يزيد وأعاده الى كربلاء ، ودفنه مع الجسد الشريف .

9- روى ابن عساكر(30/297) وغيره ، أن عمر بن العزيز أرسل محمد بن الزبير الى الحسن البصري يقول له: (إشفني فيما اختلف فيه الناس: هل كان رسول الله (ص) استخلف أبا بكر؟ فاستوى الحسن قاعداً فقال: أوَفي شك هو لا أباً لك ! إي والله الذي لا إله إلا هو لقد استخلفه)!

وعلق عليه الأميني رحمه الله بقوله (الغدير:5/345): (أنظر إلى هذا المتقشف المتزهد الجامد كيف يحلف كذباً بالله تعالى على ما لا تعترف به الأمة جمعاء )!

أقول: يدل ذلك على أن ابن عبد العزيز والناس في عصره يرون أن الخلافة لاتكون إلا بالنص ، وأن بني أمية أو غيرهم ادعوا النص على أبي بكر ، وكان عمر بن عبد العزيز متحيراً ، فأراد أن (يُشفي) شكه بسؤال الحسن البصري !

وقد يكون ذلك في مرحلة من حياته ، ثم وصل الى تفضيل أهل البيت عليهم السلام على نفسه وجميع الناس ، فقد قضى في رجل فضَّل معاوية على علي عليه السلام بالتعزيز والنفي، وكان يقول:(ما علمنا أحداً كان في هذه الأمة أزهد من علي بن أبي طالب بعد النبي).(الكامل:3/401).

وقضى بأن علياً عليه السلام أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان ، فقد روى ابن الكلبي أن عامل عمر بن العزيز رفع اليه مسألة رجل حلف أن علياً خير هذه الأمة وأولاها برسول الله وإلا فامرأته طالق ثلاثاً ، فقال له أبوها طَلُقَتْ منك ، واختلفا: (فجمع عمر بن عبد العزيز بني هاشم وبني أمية..ما تقولون في يمين هذا الرجل؟..

وكتب عمر إلى عامله ابن مهران:قد صدَّق الله يمين الزوج وأبرَّ قسمه. وأثبته على نكاحه ، فاستيقن ذلك واعمل عليه ). ( شرح النهج:20/222 ).

10- في هذا الجو السياسي الذي هيأه الله للإمام الباقر عليه السلام انطلق في جهده النبوي على مدى أربع عشرة سنة ، يجهر بالحق ويفضح سياسات الحكام وأبواقه الذين سموهم علماء ، ويواجه تآمر قريش وتحريفها للإسلام ، ويعلي الصرح الفكري والإجتماعي للفئة الثابتة في زمن الإنحراف!

وقد نشأت ثورة الحسنيين والعباسيين من هذه الأرضية بفضل الموجة التي أحدثها الإمام الباقر عليه السلام ، ثم استمدت دفعها من ثورة أخيه زيد عليه السلام أبكر ثورة هاشمية بعد كربلاء. وعندما مات عمر بن عبد العزيز ، وتولى بعده يزيد بن عبد الملك أربع سنين ، ثم هشام بن عبد الملك عشر سنين ، لم يستطيعا إيقاف الموجة الفكرية والإجتماعية والسياسية التي أحدثها الإمام عليه السلام ، لأنها كَوَّنَتْ واقعاً جديداً في الأمة ، جريئاً على بني أمية وطغيانهم .

وساعد عليه عدم الإستقرار السياسي وأن الخليفة كان مشغولاً بالصراع مع ولاته ومع الطامعين بالخلافة حوله ، وقد انفتح هذا الباب في زمن ابن عبد العزيز عندما عزل حاكم البصرة وبلاد فارس ابن المهلب ، وحبسه في الشام فهرب من سجنه وعاد الى موطنه وأعلن الحرب على بني أمية ! وكذلك اضطربت ولاية خراسان وشمال إيران. وقوي الخوارج في العراق ..الخ.

شراسة الجبارين في عصر الإمام الباقر عليه السلام

كان الإمام الباقر عليه السلام أبرز شخصيات بني هاشم ، مُهاباً من الدولة محترماً من أصحاب مشاريع الثورة ، يقوم بثورته على طريقته ، فيرسخ معالم الإسلام كما نزل من عند الله تعالى ، ويفضح التحريف الحكومي ومؤامرة قريش على أئمة العترة النبوية الذين اختارهم الله ورسوله صلى الله عليه وآله لإمامة الأمة .

وكان منطقه عليه السلام هادراً قوياً كمنطق نبي الله هود عليه السلام لأن معاصريه جبابرة كقوم هود فوجب أن يكون منطقه كاسحاً لأفكارهم وغرورهم !

وقوم هود عليه السلام أي عاد الأولى ، أصحاب حضارة بعد قوم نوح عليه السلام وعاصمتهم الأحقاف في اليمن ، وكانوا جبارين ذوي ثروة وأجسام ضخمة ، فكان لابد لمنطق نبيهم عليه السلام أن يتناسب مع حالتهم في القوة والشدة !

قال الله تعالى في سورة الأعراف: قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ . قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ... قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِى فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ . فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِين .

لكن أسوأ الجبارين على الإطلاق هم المعاصرون للنبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته صلى الله عليه وآله ، فهم فراعنة كما قال الله تعالى لهم: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً. (وقف رسول الله صلى الله عليه وآله على قتلى بدر فقال: جزاكم الله من عصابة شراً ، لقد كذبتموني صادقاً وخونتم أميناً. ثم التفت إلى أبي جهل فقال: إن هذا أعتى على الله من فرعون ، إن فرعون لما أيقن بالهلاك وحد الله ، وإن هذا لما أيقن بالهلاك دعا باللات والعزى )!

وهم أنفسهم الذي جاهدهم علي والأئمة من أبنائه عليهم السلام  ! لذلك نرى أن منطق الإمام الباقر عليه السلام كان معهم قوياً قاصعاً كمنطق نبي الله هود عليه السلام  .

وقد تميزت أحاديثه بصراحتها في كشف مؤامرة قريش ، وبيان فريضة ولاية أهل البيت النبوي عليهم السلام والبراءة من ظالميهم وأعدائهم .

الإمام الباقر عليه السلام يتحدى الخليفة هشام الأحول

قال الذهبي (4/398)يصف الإمام زين العابدين عليه السلام : (وكان له جلالة عجيبة وَحَقَّ له والله ذلك ، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى لشرفه وسؤدده وعلمه وتألهه وكمال عقله . قد اشتهرت قصيدة الفرزدق وهي سماعنا ، أن هشام بن عبد الملك حج قبيل ولايته الخلافة، فكان إذا أراد استلام الحجر زوحم عليه ، وإذا دنا علي بن الحسين من الحجر تفرقوا عنه إجلالاً له ، فوجم لها هشام وقال:من هذا فما أعرفه! فأنشأ الفرزدق يقول: هذا الذي تعرفُ البطحاءُ وطأتَه..

فحبس هشام الفرزدق فهجاه بأبيات منها:

يقلب رأساً لم يكن رأسَ سيِّدٍ
وعيناً له حَوْلاءَ بادٍ عُيُوبها.

(المناقب:3/306 ).

فاضطرمت نار الحقد في نفس الأمير هشام ، ولم يستطع أن يقنع أباه عبد الملك بقتله ، وقد يكون هو الذي أقنع أخاه الوليد بسمه فيما بعد !

ولما صار خليفة وجه نار حسده الى الباقر عليه السلام وأظهره في قوله لزيد رحمه الله :(ما يفعل أخوك البقرة ، يعني الباقر عليه السلام ! فأجابه زيد: لَشَدَّ ما خالفت رسول الله ! سماه رسول الله الباقر وتسميه البقرة !). ( أبو نصر البخاري/22) .

وقالت لهشام أخته يوماً وهو خليفة: (يا أحول مشؤوماً ، أما تخاف أن تكون الأحوال الذي على يديه هلاك قريش؟).(نسب قريش/31).

وقالت له سكينة بنت الحسين عليه السلام : (يا أحول ، لقد أصبحت تتهكم بنا ) !

(لسان العرب:12/617، وتاريخ دمشق:70/21) .

ولما جاءت وصية أخيه الوليد لعمر بن عبد العزيز وبعده لأخيه يزيد ، قال له رجاء: (يا أحول ما أنت والكلام ) ! (الوصايا لأبي حاتم/54) .

وفي عهد هشام صار المسلمون أكثر جرأة على النظام الأموي، نتيجة لمخزون مواقف أهل البيت عليهم السلام وجهادهم ، وقد استثمر ذلك الإمام الباقر عليه السلام وصعَّد موقف التحدي مع الخليفة وواليه على المدينة بشكل لاسابقة له !

فلما كان هشام في الحج وقعت له مع الإمام الباقر عليه السلام حادثة شبيهةً بحادثته مع أبيه زين العابدين صلى الله عليه وآله ! روى في الكافي(8/120): (عن أبي الربيع قال: حججنا مع أبي جعفر عليه السلام في السنة التي كان حج فيها هشام بن عبد الملك ، وكان معه نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب ، فنظر نافع إلى أبي جعفر في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس فقال نافع: يا أمير المؤمنين من هذا الذي قد تَدَاكَّ عليه الناس؟ فقال: هذا نبي أهل الكوفة ، هذا محمد بن علي !

فقال: أشهد لآتينه فلأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو ابن نبي أو وصي نبي ! قال: فاذهب إليه وسله لعلك تُخجله ! فجاء نافع حتى اتكأ على الناس ، ثم أشرف على أبي جعفر عليه السلام فقال: يا محمد بن علي إني قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، وقد عرفت حلالها وحرامها ، وقد جئت أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن نبي !

قال: فرفع أبو جعفر رأسه فقال: سل عما بدا لك ، فقال: أخبرني كم بين عيسى وبين محمد من سنة؟ قال: أخبرك بقولي أو بقولك؟ قال: أخبرني بالقولين جميعاً.

قال: أما في قولي فخمس مائة سنة ، وأما في قولك فست مائة سنة .

قال: فأخبرني عن قول الله لنبيه: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ . من الذي سأل محمد وكان بينه وبين عيسى خمس مائة سنة؟ قال: فتلا أبو جعفر هذه الآية: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا . فكان من الآيات التي أراها الله تبارك وتعالى محمداً صلى الله عليه وآله حيث أسرى به إلى بيت المقدس أن حشر الله عز ذكره الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين ، ثم أمر جبرئيل فأذن شفعاً وأقام شفعاً وقال في أذانه: حي على خير العمل ، ثم تقدم محمد صلى الله عليه وآله فصلى بالقوم فلما انصرف قال لهم: على مَ تشهدون وما كنتم تعبدون؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك رسول الله ، أخذ على ذلك عهودنا ومواثيقنا .

فقال نافع: صدقت يا أبا جعفر ، فأخبرني عن قول الله عزّ وجلّ : أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرض كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا ؟ قال: إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم إلى الأرض وكانت السماوات رتقاً لا تمطر شيئاً ، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت شيئاً ، فلما أن تاب الله عزّ وجلّ على آدم أمر السماء فتقطرت بالغمام ، ثم أمرها فأرخت عَزَاليها ، ثم أمر الأرض فأنبتت الأشجار وأثمرت الثمار وتفهقت بالأنهار ، فكان ذلك رتقها وهذا فتقها .

قال نافع: صدقت يا ابن رسول الله ، فأخبرني عن قول الله عزّ وجلّ : يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض وَالسَّمَاوَاتُ ، أي أرض تبدل يومئذ؟

فقال أبو جعفر: أرض تبقى خبزة يأكلون منها حتى يفرغ الله عزّ وجلّ من الحساب . فقال نافع: إنهم عن الأكل لمشغولون ! فقال أبو جعفر: أهم يومئذ أشغل أم إذ هم في النار ؟ فقال نافع: بل إذ هم في النار . قال: فوالله ما شغلهم إذ دعوا بالطعام فأطعموا الزقوم ، ودعوا بالشراب فسقوا الحميم .

قال: صدقت يا ابن رسول الله ولقد بقيت مسألة واحدة ، قال: وما هي؟ قال: أخبرني عن الله تبارك وتعالى متى كان ؟

قال: ويلك متى لم يكن حتى أخبرك متى كان ! سبحان من لم يزل ولا يزال فرداً صمداً ، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً . ثم قال: يا نافع أخبرني عما أسألك عنه ، قال: وما هو؟ قال: ما تقول في أصحاب النهروان؟ فإن قلت: إن أمير المؤمنين قتلهم بحق فقد ارتددت ، وإن قلت إنه قتلهم باطلاً فقد كفرت !

قال: فولى من عنده وهو يقول: أنت والله أعلم الناس حقاً حقاً ! فأتى هشاماً فقال له: ما صنعت؟ قال: دعني من كلامك هذا ، والله أعلم الناس حقاً حقاً ، وهو ابن رسول الله حقاً ويحق لأصحابه أن يتخذوه نبياً )!

وقد رويت هذه المناظرة بألفاظ متعددة وفي تفسير القمي(2/284): (قال نافع: صدقت يا ابن رسول الله يا أبا جعفر، أنتم والله أوصياء رسول الله وخلفاؤه في التوراة ، وأسماؤكم في الإنجيل وفي الزبور وفي القرآن ، وأنتم أحق بالأمر من غيركم ) .

وروت بعض مصادرنا أن هشاماً الأحول أرسل الأبرش الكلبي أيضاً ليناظر الإمام عليه السلام كما في تفسير القمي:2/69، والمناقب:3/329 .

وفي أسد الغابة (4/93) أن الأبرش صاحب هشام ، وفي تاريخ ابن خلدون (3/114)أنه وزيره وفي الوافي (15/69)كان نديمه قبل الخلافة: (وكان غالباً عليه).

وفي تاريخ اليعقوبي(2/328): (وكان هشام من أحزم بني أمية وأرجلهم ، وكان بخيلاً حسوداً ، فظاً غليظاً ظلوماً ، شديد القسوة بعيد الرحمة طويل اللسان ، وفشا الطاعون في أيامه حتى هلك عامة الناس وذهبت الدواب والبقر ، وكان الغالب عليه الأبرش بن الوليد الكلبي ) !

وفي حج ذلك الموسم تفاقم غيظ هشام الأحول من الإمام الباقر عليه السلام فأمر بإحضاره الى دمشق ، بسبب خطبة الإمام الصادق بأمر أبيه عليهما السلام في موسم الحج ، لأن هشاماً لم يحج في غيرها وهي سنة 106 ، أي قبل شهادة الإمام الباقر عليه السلام بثمان سنوات ، فقد عد اليعقوبي(2/328) من أقام الحج في حكم هشام، وفيهم هشام سنة 106.

وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق(48/199): (حج هشام بن عبد الملك وهو خليفة سنة ست ومائة ، فصار في سنة سبع ومائة في المحرم وهو بالمدينة ، ومعه غيلان يفتي الناس ويحدثهم! وكان محمد بن كعب يجئ كل جمعه من قرية على ميلين من المدينة.. قالوا يا يا أبا حمزة جاءنا رجل يشككنا في ديننا فنأتيك به؟ قال لا حاجة لي به! قلنا:أصلحك الله نسمع منه ونسمع منك ! قال: فأتوني به إن شئتم غداً يوم السبت ، وحضر الناس معه).

أقول: لاحظ هذين المقرَّبَيْن من الخليفة اللذين يفتيان الناس: غيلان القدري الذي ينفي مسؤولية الإنسان عن أفعاله ، وينسب جرائمه الى الله تعالى !

ونافع مولى ابن عمر الذي كان نصرانياً ، ثم قيل إنه أسلم ، لكنه صار ناصبياً خارجياً !

خاف الخليفة من اعتقال الإمام عليه السلام في الحج فأحضره الى دمشق  !

قال محمد بن جرير الطبري في دلائل الإمامة/233، وابن حاتم في الدر النظيم/604: (حج هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين ، وكان حج في تلك السنة محمد بن علي الباقر وابنه جعفر عليهما السلام ، فقال جعفر في بعض كلامه: الحمد لله الذي بعث بالحق محمداً نبياً وأكرمنا به، فنحن صفوة الله على خلقه وخيرته من عباده ، فالسعيد من اتبعنا والشقي من خالفنا .

ومن الناس من يقول: إنه يتولانا وهو يتولى أعداءنا ومن يليهم من جلسائهم وأصحابهم ، فهو لم يسمع كلام ربنا ولم يعمل به .

قال أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام : فأخبر مسلمة بن عبد الملك أخاه ، فلم يعرض لنا حتى انصرف إلى دمشق وانصرفنا إلى المدينة ، فأنفذ بريداً إلى عامل المدينة بإشخاص أبي وإشخاصي معه ، فأشخصنا إليه فلما وردنا دمشق حجبنا ثلاثة أيام ثم أذن لنا في اليوم الرابع ، فإذا هو قد قعد على سرير الملك وجنده وخاصته وقوف على أرجلهم سماطين متسلحين ، وقد نصب البرجاس (هدف الرمي) حذاءه وأشياخ قومه يرمون .

فلما دخل أبي وأنا خلفه ، ما زال يستدنينا منه حتى حاذيناه وجلسنا قليلاً فقال لأبي: يا أبا جعفر لو رميت مع أشياخ قومك الغرض؟

وإنما أراد أن يضحك بأبي ظناً منه أنه يقصر فلايصيب الغرض لكبر سنه فيشتفي منه ! فاعتذر أبي وقال: إني قد كبرت فإن رأيتَ أن تعفيني، فلم يقبل وقال: لا والذي أعزنا بدينه ونبيه ، ثم أومأ إلى شيخ من بني أمية أن أعطه قوسك ، فتناولها منه أبي وتناول منه الكنانة فوضع سهماً في كبد القوس فرمى وسط الغرض فأثبته فيه ثم رمى الثاني فشق فوق السهم الأول إلى نصله! ثم تابع حتى شق تسعة أسهم فصار بعضها في جوف بعض وهشام يضطرب في مجلسه ، فلم يتمالك أن قال:أجدت يا أبا جعفر فأنت أرمى العرب والعجم! زعمت أنك قد كبرت كلا !

ثم ندم على مقالته وتكنيته له ، وكان من تكبره لا يكني أحداً في خلافته ! فأطرق إطراقة يرتئي فيه رأياً ، وأبي واقف إزاءه ومواجه له وأنا وراء أبي ، فلما طال الوقوف غضب أبي وكان إذا نظر السماء نظر غضبان يتبين الغضب في وجهه ! فلما نظر هشام ذلك من أبي قال: إصعد يا محمد فصعد أبي السرير وصعدت ، فلما دنا من هشام قام إليه واعتنقه وأقعده عن يمينه ، ثم اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي، وأقبل على أبي بوجهه وقال: يا محمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك ولله درك ، من علمك هذا الرمي وفي كم تعلمته؟! فقال أبي: قد علمتَ أن أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيام حداثتي ثم تركته ، فلما أراد أمير المؤمنين مني ذلك عدت إليه ، فقال: ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت ، وما ظننت أن أحداً في أهل الأرض يرمي مثل هذا ! فأين رميُ جعفر من رميك؟ فقال: إنا نتوارث الكمال والتمام والدين اللذين أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله في قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً .

والأرض لا تخلو ممن يكمل دينَه من هذه الأمور التي يقصرعنها غيرنا ، فكان ذلك علامة ! فلما سمع ذلك انقلبت عينه اليمنى فاحْوَلَّتْ واحْمَرَّ وجهه ، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب ، ثم أطرق هنيهة ورفع رأسه إلى أبي وقال: ألسنا بني عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟ فقال أبي: نحن كذلك ولكن الله جل ثناؤه اختصنا بمكنون سره وخالص علمه ، ما لم يختص أحداً غيرنا .

فقال: أليس الله بعث محمداً من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة أبيضها وأسودها وأحمرها ، فمن أين ورثتم ما ليس لغيركم ورسول الله مبعوث إلى الناس كافة؟ومن أين أورثتم هذا العلم وليس بعد محمد نبي وما أنتم أنبياء !

فقال أبي: من قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ، فالذي أبداه فهو للناس كافة والذي لم يحرك به لسانه أمر الله تعالى أن يخصنا به دون غيرنا ، فلذلك كان يناجي به أخاه علياً دون أصحابه ، وأنزل الله تعالى قرآناً فقال: وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : بين أصحابه سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي، ولذلك قال علي بالكوفة: علمني رسول الله ألف باب من العلم ، ينفتح من كل باب ألف باب ! خصه رسول الله من مكنون علمه ما خصه الله به ، فصار إلينا وتوارثناه من دون قومنا .

فقال له هشام: إن علياً كان يدعي علم الغيب ، والله لم يطلع على غيبه أحداً فكيف ادعى ذلك ومن أين؟ فقال أبي: إن الله أنزل على نبيه كتاباً بين فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة في قوله تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْئٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين. وفي قوله تعالى: وَكُلَّ شَئٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِين .

وفي قوله: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَئٍ  .

وفي قوله: وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأرض إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ .

وأوحى إلى نبيه أن لايبقي في غيبه وسره ومكنون علمه شيئاً إلا ناجاه به ، وأمر أن يؤلف القرآن من بعده ، ويتولى غسله وتحنيطه وتكفينه من دون قومه ، وقال لأهله وأصحابه: حرام أن تنظروا إلى عورتي غير أخي علي فهو مني وأنا منه ، له ما لي وعليه ما عليَّ ، وهو قاضي ديني ومنجز وعدي .

وقال لأصحابه: عليٌّ يقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله . ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلا عند علي ، ولذلك قال لأصحابه: أقضاكم علي. وقال عمر بن الخطاب:لولا علي لهلك عمر! أفيشهد له عمر ، ويجحد غيره !

فأطرق هشام ثم رفع رأسه وقال: سل حاجتك . فقال: خلفت أهلي وعيالي مستوحشين لخروجي! فقال: قد آمن الله وحشتهم برجوعك إليهم ، فلا تقم أكثر من يومك ، فاعتنقه أبي وودعه وفعلت فعله ، ونهض ونهضت .

وخرجنا إلى بابه فإذا على بابه ميدان وفيه أناس قعود في آخره فسأله عنهم أبي فقال الحُجَّاب: هؤلاء القسيسون والرهبان ، وهذا عالم لهم يقعد لهم في كل سنة يوماً واحداً ، يستفتونه فيفتيهم . فلفَّ أبي رأسه بفاضل رداءه وفعلت فعله وأقبل حتى قعد عندهم ، وقعدت وراء أبي ، فرفع الخبر إلى هشام فأمر بعض غلمانه أن يحضره وينظر ما يصنع! فأتى ومعه عدد من المسلمين فأحاطوا بنا ، وأقبل عالم النصارى وقد شد حاجبيه بعصابة صفراء فتوسطنا وقام إليه جميع الحاضرين مسلِّمين ، فتوسط صدر المجلس وقعد فيه وأحاطوا به وأبي وأنا بينهم ، فأدار نظره فيهم فقال لأبي: أمِنَّا أم من هذه الأمة المرحومة؟ فقال أبي: بل من هذه الأمة المرحومة . فقال: أمن علمائها أم من جهالها؟ فقال أبي: لست من جهالها .

فاضطرب وقال: أسألك فقال: سل. قال: من أين ادعيتم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يحدثون ولا يبولون؟ وما الدليل وهل من شاهد لا يجهل؟ قال أبي: الدليل الذي لا ينكر مشاهدة الجنين في بطن أمه يطعم ولا يحدث ! فاضطرب اضطراباً شديداً وقال: كلا ، زعمت أنك لست من علمائها ! فقال أبي: قلت لست من جهالها . قال: فأسألك عن مسألة أخرى؟ قال: سل . قال: من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة أبداً غضة طرية ، وما الدليل من المشاهدات؟

قال: إن الفرات غض طري موجود غير معدوم لا ينقطع .

فاضطرب اضطراباً شديداً وقال: كلا زعمت أنك لست من علمائها !

فقال أبي: قلت لست من جهالها. فقال أسألك عن مسألة أخرى . قال: سل .

قال: أسألك عن ساعة من ساعات الدنيا ليست من الليل ولا من النهار؟

قال أبي: هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، يهدأ فيها المبتلى ، ويرقد فيها الساهر، ويفيق فيها المغمى عليه ، جعلها الله في الدنيا رغبة للراغبين ، وفي الآخرة للعاملين لها ، وجعلها دليلاً واضحاً وحجة بالغة على الجاحدين والتاركين ! فصاح صيحة ثم قال: بقيت مسألة واحدة لأسألنك عنها ولا تهتدي إلى الجواب عنها أبداً ، قال أبي: فسل إنك حانث في قولك .

فقال: أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد وماتا في يوم واحد ، عمر أحدهما مائة وخمسين سنة ، والآخر خمسين سنة في الدنيا؟

فقال أبي: ذلك عزير وعزرة ولدا في يوم واحد ، ولما بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرين عاماً مر عزير على حماره بقرية في أنطاكية وهي خاوية على عروشها: قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ؟ وكان الله قد اصطفاه وهداه ، فلما قال ذلك غضب الله عليه وأماته مائة عام ثم بعثه على طعامه وحماره وشرابه وعاد إلى داره وأخوه عزرة لا يعرفه ، فاستضافه وبعث إلى أولاده وأحفاده وقد شاخوا ، وعزير شابٌّ في سن خمس وعشرين ، وهو يذكر عزرة بنفسه فيقول له: ما رأيت شاباً أعلم بعزير منك ، فمن أهل السماء أنت أم من أهل الأرض؟ فقال عزير لأخيه: أنا عزير، سخط الله تعالى عليَّ بقول قلته فأماتني مائة سنة ثم بعثني ليزدادوا بذلك يقيناً أن الله على كل شيء قدير، وهذا حماري وطعامي وشرابي الذي خرجت به من عندكم أعاده لي كما كان بقدرته ! فأعاشه الله بينهم تمام الخمسين ، وقبضه الله وأخاه في يوم واحد .

فنهض عند ذلك عالم النصارى وقاموا معه فقال: جئتموني بأعلم مني فأقعدتموه بينكم ليفضحني، ويعلم المسلمون بأن لهم من يحيط بعلومنا ، وعنده ما لا نحيط به! فلا والله لا كلمتكم ولا قعدت لكم إن عشت سنة! فتفرقوا وأبي قاعد مكانه . ورفع ذلك الرجل الخبر إلى هشام فإذا رسوله بالجائزة والأمر بانصرافنا إلى المدينة من وقتنا فلا نبقى ، لأن أهل الشام ماجوا وهاجوا فيما جرى بين أبي وعالم النصارى ! فركبنا دوابنا منصرفين ، وقد سبقنا بريد هشام إلى عامل مَدْيَن في طريقنا إلى المدينة يذكر له أن ابن أبي تراب الساحر محمد بن علي وابنه جعفر الكذابين- بل هو الكذاب لعنه الله- فيما يظهران من الإسلام قد وردا عليَّ فلما صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسيسين والرهبان وتقرباً إليهم بالنصرانية ، فكرهت النكال بهما لقرابتهما ! فإذا مرَّا بانصرافهما عليكم فليناد في الناس برئت الذمة ممن بايعهما وشاراهما وصافحهما وسلم عليهما، ورأى أمير المؤمنين قتلهما ودوابهما وغلمانهما لارتدادهما ! فلما ورد البريد إلى مدين وشارفناها بعده ، قدم أبي غلمانه ليشتروا لدوابنا علفاً ولنا طعاماً فلما قربوا من المدينة أغلق أهلها الباب في وجوههم وشتموهم وذكروا بالشتم علياً عليه السلام وقالوا لهم: لا نزول لكم عندنا ولا بيع ولا شراء ، فأنتم كفار مشركون ! فوقف غلماننا إلى الباب حتى انتهينا إليهم فكلمهم أبي وليَّن لهم القول قال: اتقوا الله فلسنا كما بلغكم ! فأجابوه بمثل ما أجابوا الغلمان ، فقال لهم أبي: هبونا كما قلتم فافتحوا الباب وبايعونا كما تبايعون اليهود والنصارى والمجوس .

فقالوا: أنتم أشر منهم ، لأن هؤلاء يؤدون الجزية وأنتم لا تؤدون .

فقال لهم أبي: إفتحوا الباب وخذوا منا الجزية كما تأخذونها منهم .

فقالوا: لا نفتح ولا كرامة حتى تموتوا على ظهور دوابكم جياعاً وتموت دوابكم تحتكم ! فوعظهم أبي فازدادوا عتواً ، فثنى أبي رجله عن سرجه وقال لي: مكانك يا جعفر لاتبرح ! فصعد الجبل المطل على مدينة مدين وهم ينظرون ما يصنع، فلما صار في أعلاه استقبل بوجهه المدينة ووضع إصبعيه في أذنيه ونادى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ.. وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ. بَقِيَّةُ الله خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ.

نحن والله بقية الله في أرضه ! فأمر الله تعالى ريحاً سوداء مظلمة فهبت واحتملت صوته فألقته في أسماع الرجال والنساء والصبيان والإماء ، فما بقي أحد من أهل مدين إلا صعد السطح من الفزع !

وفيمن صعد شيخ كبير السن ، فلما نظر الجبل صرخ بأعلى صوته: إتقوا الله يا أهل مدين ، فإنه قد وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب حين دعا على قومه فإن لم تفتحوا له الباب نزل بكم العذاب ، وقد أعذر من أنذر!

ففتحوا لنا الباب وأنزلونا وكتب العامل بجميع ذلك إلى هشام ، فارتحلنا من مدين إلى المدينة في اليوم الثاني ، وكتب هشام إلى عامله بأن يأخذوا الشيخ ويدفنوه في حفيرة ففعلوا ! وكتب أيضاً إلى عامله بالمدينة أن يحتالوا في سم أبي بطعام أو شراب ، فمضى هشام ولم يتهيأ له في أبي شئ من ذلك ) !

وفي الكافي(1/471): (عن أبي بكر الحضرمي قال: لما حمل أبو جعفر عليه السلام إلى الشام إلى هشام بن عبد الملك وصار ببابه ، قال لأصحابه ومن كان بحضرته من بني أمية: إذا رأيتموني قد وبخت محمد بن علي ثم رأيتموني قد سكت فليقبل عليه كل رجل منكم فليوبخه ! ثم أمر أن يؤذن له فلما دخل عليه أبو جعفر عليه السلام قال بيده: السلام عليكم فعمهم جميعاً بالسلام ثم جلس ، فازداد هشام عليه حنقاً بتركه السلام عليه بالخلافة وجلوسه بغير إذن ، فأقبل يوبخه ويقول فيما يقول له: يا محمد بن علي لا يزال الرجل منكم قد شق عصا المسلمين ودعا إلى نفسه وزعم أنه الإمام سفهاً وقلة علم ! ووبخه بما أراد أن يوبخه ! فلما سكت أقبل عليه القوم رجل بعد رجل يوبخه حتى انقضى آخرهم ، فلما سكت القوم نهض عليه السلام قائماً ثم قال: أيها الناس أين تذهبون وأين يراد بكم ، بنا هدى الله أولكم وبنا يختم آخركم ، فإن يكن لكم ملك معجل فإن لنا ملكاً مؤجلاً ، وليس بعد ملكنا ملك ، لأنا أهل العاقبة يقول الله عزّ وجلّ : والعاقبة للمتقين !

فأمر به إلى الحبس ، فلما صار إلى الحبس تكلم فلم يبق في الحبس رجل إلا ترشفه وحن إليه ، فجاء صاحب الحبس إلى هشام فقال: يا أمير المؤمنين إني خائف عليك من أهل الشام أن يحولوا بينك وبين مجلسك هذا ، ثم أخبره بخبره ! فأمر به فحمل على البريد هو وأصحابه ليردوه إلى المدينة ، وأمر أن لا يخرج لهم الأسواق وحال بينهم وبين الطعام والشراب ، فساروا ثلاثاً لا يجدون طعاماً ولا شراباً حتى انتهوا إلى مدين ، فأغلق باب المدينة دونهم ، فشكا أصحابه الجوع والعطش قال: فصعد جبلاً ليشرف عليهم فقال بأعلى صوته: يا أهل المدينة الظالم أهلها أنا بقية الله، يقول الله: بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ . قال: وكان فيهم شيخ كبير فأتاهم فقال لهم: يا قوم هذه والله دعوة شعيب النبي ! والله لئن لم تخرجوا إلى هذا الرجل بالأسواق لتؤخذن من فوقكم ومن تحت أرجلكم ، فصدقوني في هذه المرة وأطيعوني وكذبوني فيما تستأنفون ، فإني لكم ناصح ، قال: فبادروا فأخرجوا إلى محمد بن علي وأصحابه بالأسواق. فبلغ هشام بن عبد الملك خبر الشيخ ، فبعث إليه فحمله فلم يُدر ما صُنع به ).

ملاحظات على هذه الكرامة

1- لم يصلنا من خطبة الإمام الصادق عليه السلام إلا هذه الفقرة: (الحمد لله الذي بعث بالحق محمداً نبياً وأكرمنا به صلى الله عليه وآله  ، فنحن صفوة الله على خلقه وخيرته من عباده ، فالسعيد من اتبعنا والشقي من خالفنا ، ومن الناس من يقول إنه يتولانا وهو يتولى أعداءنا ومن يليهم من جلسائهم وأصحابهم ، فهو لم يسمع كلام ربنا ولم يعمل به ) ! لكنها فقرة بليغة تنص على أن ولاية أهل البيت عليهم السلام والبراءة من أعدائهم من صلب الإسلام، وأن ذمة المسلم لاتبرأ حتى يتولاهم ويتبرأ من كل من خالفهم !

ويشبه هذه الفقرة ما قاله الإمام الباقر عليه السلام لهشام الأحول في قصره بالشام ، وبما رواه في بصائر الدرجات/83 ، عن الإمام الباقر عليه السلام : (نحن جنب الله ونحن صفوته ونحن خيرته ، ونحن مستودع مواريث الأنبياء عليهم السلام ، ونحن أمناء الله ونحن حجة الله ، ونحن أركان الإيمان ونحن دعائم الإسلام ، ونحن من رحمة الله على خلقه ، ونحن الذين بنا يفتح الله وبنا يختم ، ونحن أئمة الهدى ونحن مصابيح الدجى ونحن منار الهدى ، ونحن السابقون ونحن الآخرون ، ونحن العلم المرفوع للخلق من تمسك بنا لحق ومن تخلف عنا غرق ، ونحن قادة الغر المحجلين ، ونحن خيرة الله ، ونحن الطريق وصراط الله المستقيم إلى الله ، ونحن من نعمة الله على خلقه ، ونحن المنهاج ، ونحن معدن النبوة ، ونحن موضع الرسالة ، ونحن الذين إلينا مختلف الملائكة ، ونحن السراج لمن استضاء بنا ، ونحن السبيل لمن اقتدى بنا ، ونحن الهداة إلى الجنة ، ونحن عز الإسلام ، ونحن الجسور القناطر من مضى عليها سبق و من تخلف عنها محق ، ونحن السنام الأعظم ، ونحن الذين بنا تنزل الرحمة وبنا تسقون الغيث ، ونحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب ، فمن عرفنا ونصرنا وعرف حقنا وأخذ بأمرنا فهو منا والينا ).

رواه كمال الدين/206، وأمالي الطوسي/654، والهداية الكبرى ، عن جابر بن يزيد/239 .

ويشبهه ما رواه في عيون المعجزات/67، عن أبي بصير وكان ضريراً قال: قلت لأبي جعفر الباقر عليه السلام : أنتم ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال لي: نعم رسول الله وارث الأنبياء ونحن ورثته صلى الله عليه وآله وورثتهم عليهم السلام .

فقلت: تقدرون أن تحيوا الموتى وتبرئوا الأكمه والأبرص ؟

قال: نعم بإذن الله تعالى . ثم قال: أدن مني فدنوت منه فمسح على عيني فأبصرت السماء والأرض وكل شئ كان في الدار ، فقال عليه السلام : أتحب أن تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم ، أو تعود إلى حالك ولك الجنة خالصة؟ فقلت: الجنة أحب إليَّ ، فمسح يده على عيني فرجعت كما كانت . ثم قال عليه السلام : نحن جنب الله جل وعز ، نحن صفوة الله ، نحن خيرة الله ، نحن أمناء الله ، نحن مستودع مواريث الأنبياء ، نحن حجج الله ، نحن حبل الله المتين ، نحن صراط الله المستقيم قال الله تعالى:وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ. نحن رحمة على المؤمنين ، بنا فتح الله وبنا ختم الله ومن تمسك بنا نجا وتخلف عنا غوى ، نحن القادة الغر المحجلون ، ثم قال عليه السلام : فمن عرفنا وعرف حقنا وأخذ بأمرنا فهو منا والينا ).

وهو حديث طويل يصف فيه النبي نفسه وأهل بيته صلى الله عليه وآله . (تفسير فرات/258).

2- روت مصادرنا أجزاء أخرى من مناظرة الإمام عليه السلام مع نافع ، ومع الراهب النصراني ، كما في الكافي:8/122، وتفسير القمي:1/98 ، و:2/284، وغيرهما .

3- نلاحظ في كلام الإمام الباقر عليه السلام منطقاً عالياً ، واستدلالاً جديداً بآيات من القرآن ، على مدى علم الأئمة المعصومين عليهم السلام الرباني ومقامهم العظيم ! فقد استدل عليه السلام بآية إكمال الدين على أنه نزل معها كمال المعصوم، من علي الى آخر المعصومين الإثني عشر عليهم السلام وأن وجود الإنسان الكامل مكمل للدين !

واستدل عليه السلام بآية: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ . على أن القرآن وتفسيره قسمان عام للناس ، وقسم خاص لأوصياء النبي صلى الله عليه وآله : (فالذي أبداه فهو للناس كافة ، والذي لم يحرك به لسانه أمر الله تعالى أن يخصنا به دون غيرنا ) !

واستدل من تعليم النبي صلى الله عليه وآله لعلي ألف باب من العلم على وراثتهم عليهم السلام لذلك. واستدل بقوله تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَئٍ.. ومَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَئٍ.. وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأرض إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ.على أن ذلك العلم عند النبي والأئمة عليهم السلام .

واستدل بقول النبي صلى الله عليه وآله لأهله وأصحابه في وصيته: حرام أن تنظروا إلى عورتي غير أخي علي فهو مني وأنا منه. على مقام لعلي عليه السلام وأنه يختص بالنظر الى جثمانه ، والعورة هنا بمعنى الجثمان ، كما بينا في السيرة .

4- لهشام الأحول هدفان من إحضار الإمام عليه السلام : الأول: أن يرهبه ويذله ويجد حجة أو طريقاً الى قتله ، خوفاً من اتساع شعبيته ، كما قتل أباه زين العابدين صلى الله عليه وآله  !

والثاني: أن يتأكد من عقيدة الشيعة في أئمتهم عليهم السلام وأنهم أصحاب صفات مميزة عن الناس، وأن عندهم علوماً من النبي صلى الله عليه وآله ليست عند غيرهم، كما أعلن ذلك أولهم علي عليه السلام ! ويظهر ذلك من سؤاله للإمام عليه السلام : (إن علياً كان يدعي علم الغيب والله لم يطلع على غيبه أحداً فكيف ادعى ذلك ومن أين )؟

وقد أكد الإمام لهشام تميزهم عليه السلام بالعلم وبيَّنَ له بعض مصادر علمهم! فغضب هشام وتساءل: ما الفرق بيننا وبينكم، ألسنا وأنتم من قبيلة واحدة ونسب واحد! وهو نفس منطق قريش الجاهلي مع النبي صلى الله عليه وآله استعملوه مع عترته ، وما زال أتباعهم يستعملونه مع الأئمة من عترته عليهم السلام الى يومنا !

5- في تلك الفترة قام هشام الأحول بتغيير والي المدينة مرتين ، فولاها (خاله إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي ، فقدم المدينة يوم الجمعة لسبع عشرة مضت من جمادى الآخرة سنة 106 ، فكانت ولاية النضري على المدينة سنة وثمانية أشهر). (الطبري:5/379) . ويبدو أن هشاماً لم يرتض لينه مع أهل البيت عليهم السلام ، فولى عليهم أموياً ناصبياً خبيثاً سئ السيرة بذئ اللسان !

قال في تاريخ دمشق(16/172): (استعمل هشام بن عبد الملك خالد بن عبد الملك على المدينة ، فكان يؤذي علي بن أبي طالب على المنبر ، فسمعته يوماً على منبر رسول الله (ص) وهو يقول: والله لقد استعمل رسول الله علياً ، وهو يعلم أنه كذا وكذا ، ولكن فاطمة كلمته فيه). وفي مناقب ابن حمزة/271: (وهو يعلم أنه خائن)!

وفي عمدة القاري(9/261) أن خالداً هذا كان خاملاً قبل ولايته على المدينة .

وفي تاريخ دمشق(16/170): (خالد هذا ليس بابن عبد الملك بن مروان وإنما هو ابن عبد الملك بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص.. المعروف بابن مطرة وولي لهشام بن عبد الملك المدينة سبع سنين فأقحطوا ، فكان يقال سنيات خالد ، وكان أهل البادية قد جلوا إلى الشام ) !

وفي التمهيد (19/35 ) أن عروة بن الزبيركان يشغل نفسه بالكلام عندما يسب أمير المدينة علياً عليه السلام في خطبة الجمعة ويقول: (إنا لم نؤمر أن ننصت لهذا) !

وفي أعيان الشيعة (3/492): (كانت سكينة (بنت الحسين عليه السلام ) تجئ يوم الجمعة فتقوم بإزاء ابن مطير... إذا صعد المنبر فإذا شتم علياً شتمته هي وجواريها ، فكان يأمر الحرس يضربون جواريها).

وقد روت المصادر إدانة هذه السياسة . (الثاقب/271، وتاريخ دمشق:16/172).

6- لم يكتف (الخليفة) بما فعل واليه أمير المدينة ، فأمره أن يجبر المسلمين على سب علي عليه السلام على منبر النبي صلى الله عليه وآله ! فكانوا يتصدون للأمير عندما يسب علياً عليه السلام يوم الجمعة ، وهجاه كُثيِّر الشاعر بأبياته: لعن الله من يسبُّ علياً.. فانتشرت فحبسه فهاج الناس فأطلقه! ومعناه قوة الجو العام ضد بني أمية .

7- قول الصادق عليه السلام كما في دلائل الإمامة:(فمضى هشام ولم يتهيأ له في أبي من ذلك شئ) يعني أن والي المدينة قام بمحاولات عديدة فاشلة ، لم تصل الينا روايتها لكن وصلنا أنهم استطاعوا ذلك بعد ثمان سنوات أن يدسوا السم للإمام عليه السلام ! وتذكر بعض الروايات أنهم أهدوا اليه سرجاً مسموماً، أو دعوه للركوب على فرس سرجها مسموم . قال ابن حاتم في الدر النظيم/613: (وفي رواية: بطريق السرج الذي أعطاه (والي المدينة) زيد بن الحسن).

وقال عنها السيد الخوئي في معجمه(8/351): (الرواية مرسلة على أنها غير قابلة للتصديق ، فإن عبد الملك لم يبق إلى زمان وفاة الباقر عليه السلام جزماً ، فالرواية مفتعلة).

أقول: الظاهر أن في الرواية سقطاً وأنه ابن عبد الملك .

8- لم تذكر رواية الكافي الريح السوداء التي هبت على مدين عندما ناداهم الإمام الباقر عليه السلام بنداء شعيب عليه السلام ، وهذا لاينفي وقوعها ، فنصوص الحادثة متعددة لسعتها ، وقد تناولتها كل راوٍ من الزاوية التي اهتم بها .

9- نلاحظ من الحادثة ومن تغيير الخليفة لولاته على المدينة ، سقوط هيبة بني أمية عند المسلمين في عهد الإمام عليه السلام الباقر، ويدل عليه التشييع الحاشد لجنازة كثير رحمه الله الذي كان يجاهر بتشيعه ويهجو الأمويين ، وإعراضهم عن جنازة عكرمة عالم الخلافة الأموية حيث ماتا في يوم واحد سنة 105هجرية ! فاحتشد الناس اجتمعوا على جنازة كثيِّر وصلى عليه الإمام الباقر عليه السلام وشارك في رفع جنازته قال: (أفرجوا لي عن جنازة كثير لأرفعها ، فرفع جنازته وعرقه يجري) ! في حين تركوا جنازة عكرمة فلم يوجد من يحملها !(الدرجات الرفيعة/590 ، وتهذيب الكمال:20/290) .

وفي كلا الموقفين دلالة على قوة الموجة التي أوجدها الإمام الباقر عليه السلام في الحجاز في نقد بني أمية وتسقيط علماء البلاط ! وكان أهل الكوفة أكثر جرأة من أهل المدينة ، كما كانت تجري في خراسان والبصرة صراعات دموية بين الولاة ، أو بين الخليفة والولاة. وفي خزانة الأدب(5/221) قال كثير في احتضاره:

برئت إلى الإله من ابن أروى(يقصد عثمان) ومن دين الخوارج أجمعينـا
ومـن عمـر برئـت ، ومن عتيـق( يقصد أبا بكر) غــداة دعـي أمـير المـؤمنينـا).

وقد اضطر الذهبي لأن يعترف بإعراض المسلمين عن جنازة عكرمة ، فقال في سيره (5/33): (ماتركوا عكرمة مع علمه وشيعوا كثيِّراً ، إلا عن بلية كبيرة في نفوسهم له) ! والبلية إنما هي في نفس الذهبي وهي بغض أهل البيت عليهم السلام  !

10- لنا أن تقدر الوقع القوي لمواقف الإمام عليه السلام مع الخليفة عند جماهير المسلمين خاصة أهل المدينة والعراق ، وقد تفاعلت مواجهته عليه السلام حتى كانت ثورة أخيه زيد رحمه الله بعد شهادته بسبع سنين ، في حكم هشام سنة 122 ، وهلك هشام سنة 125 ، وسقطت دولة بني أمية بعد هلاكه بسبع سنين .

11- اتفق المؤرخون على أن مدين تقع قرب تبوك ، وهي التي كان فيها شعيب وجاء اليها موسى عليهم السلام . ويظهر أنها كانت في الطريق بين دمشق والمدينة ، أو في طريق البريد لأن هشاماً أمر بحملهم في البريد !

12- أهم كلام هشام: (ألسنا بني عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟ فقال أبي: نحن كذلك ولكن الله جل ثناؤه اختصنا بمكنون سره وخالص علمه ، ما لم يختص أحداً غيرنا. فقال:أليس الله بعث محمداً من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة أبيضها وأسودها وأحمرها ، فمن أين ورثتم ما ليس لغيركم ورسول الله مبعوث إلى الناس كافة؟ومن أين أورثتم هذا العلم وليس بعد محمد نبي وما أنتم أنبياء )!

وهذا لب الفكر القرشي الذي توصل اليه عباقرتهم، ليجمعوا بين الإعتراف بنبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وعزل عترته وبغضهم ! فالله تعالى بزعمهم لم يبعث النبي صلى الله عليه وآله من بني هاشم بل من شجرة عبد مناف التي يشترك فيها بنو أمية فهو من شجرتهم ، ثم هو للناس كافة ولايصح قول بني هاشم إن الله بعثه منا وبعثه الينا أولاً ، ثم الى الناس كافة . ثم قال القرشيون: إنهم في نسبتهم الى النبي صلى الله عليه وآله سواسية ، فلا يجوز لبني هاشم أن يدعوا علاقة خاصة به ، أو امتيازاً بسبب قربهم منه !

وقالوا: إن بني هاشم كاذبون في ادعائهم أنهم ورثوا من النبي صلى الله عليه وآله ما ليس لغيرهم بل هم كغيرهم لا أكثر ، وقرب معاوية من النبي صلى الله عليه وآله ووراثته منه كقرب علي منه ووراثته ، وقرب كافة الناس!

وبهذا التضليل والتزوير أخذوا الخلافة وساقوا الناس ، وأقنعوا كثيراً منهم !

لقد طمس القرشيون عشرات الآيات ومئات الأحاديث في مكانة بني هاشم وعترة النبي صلى الله عليه وآله ، وقفزوا عنها ليعزلوا بني هاشم ويسقطوهم !

فأين قوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى .

وقوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً .

وقوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا .

وقوله تعالى: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ .

وعشرات الآيات التي روى رواتهم أنها نزلت في أهل البيت عليهم السلام ؟

وأين قوله صلى الله عليه وآله :إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروني بمَ تخلفوني فيهما).(أحمد:3/17) .

وقوله صلى الله عليه وآله : من كنت مولاه فعلي مولاه .

وقوله صلى الله عليه وآله :فاطمة بضعة مني .. فاطمة سيدة نساء أهل الجنة .

وقوله صلى الله عليه وآله : الحسن والحسين سيد شباب أهل الجنة .

تصور الأمويون أنهم يستطيعون أن يلغوا كل ذلك بجرة قلم واحدة ، وتزوير كلام منمق يضللون به الناس !

الفصل الرابع

خطة الباقر عليه السلام الثلاثية لشق العلم النبوي ونشره

فَضحَ مصادر التضليل ، وربَّى علماء خاصين ، وعلماء عامين

وقد أنجز الإمام عليه السلام هذه المهمات الثلاث الكبرى بأحسن وجه في العشرين سنة التي عاشها بعد أبيه الإمام زين العابدين عليهما السلام .

ذلك أن سبب غياب العلم النبوي هو أئمة الضلال الذين نصبتهم الخلافة علماء ومفتين ، فنشروا في الناس آراءهم، وثقافة أهل الكتاب!

وسماهم الباقر عليه السلام الأخابث الصادين عن سبيل الله ! ورأى أن أكثرهم تأثيراً ابن عباس، وأنس خادم النبي صلى الله عليه وآله ، وكعب الأحبار وتلاميذه الذين نشر بهم ثقافة أهل الكتاب، وعكرمة البربري ، وقتادة بن دعامة، والحكم بن عتيبة..وقد فضحهم الإمام عليه السلام واحد واحداً ، وحذر منهم !

كما ربى الإمام عليه السلام علماء خاصين وزودهم بعشرات الألوف من أحاديث النبي وأرسلهم الى الحواضرالعلمية لينشروها . وسنذكر ترجمة عدد منهم .

أحيا الإمام علوم النبي صلى الله عليه وآله بعد اندثارها وتحريفها !

معنى بقرَ العلم: شقه ونشره، وأحياه وبعثه ، وجدده بعد اندثاره ، فكل ذلك تتضمنه كلمة الباقر . كما أنها تشمل كل علوم النبي صلى الله عليه وآله ، ولذلك لا تكاد تجد مسألة مما أوحي الى النبي صلى الله عليه وآله في التوحيد ، والنبوة ، والإمامة ، والمعاد ، والعدل والمحشر ، والحساب ، وفي سيرة الأنبياء عليهم السلام  ، أو في المسائل المهمة من شريعة النبي صلى الله عليه وآله ، إلا وجدت فيها الإمام الباقر عليه السلام مبيناً ومبلغاً .

1- فقد جدد علم التوحيد ، وعلَّم الأمة تنزيه الله تعالى ، وحصنها من التشبيه .

2- وأوضح مقام النبوة ورد التهم والشبهات حول شخصية النبي صلى الله عليه وآله ، وكشف تحريفات سنته وسيرته من قبل الحكومات ورواتها .

3- وبين عقيدة الإمامة وأصالتها في نسيج الإسلام ، وحدد الفئة الناجية ، وأرسى معالم عقائدها ، وعلم الأمة البراءة من مدعي الإمامة .

4- كما بين معالم الفقه الإسلامي وأرسى أصول الفقه ، في مواجهة الفقه الظني والكيفي ، الذي تبنته الحكومات وعلماؤها.

وبين أصول الحديث في مواجهة الإسرائيليات ومكذوبات رواة الخلافة .

5- كما فتح نافذة من الغيب النبوي ، وأخبر عن أحداث في المستقبل القريب والبعيد ، حتى يتحقق الوعد الإلهي بظهور المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، بعد ما ملئت ظلماً وجوراً عجل الله تعالى فرجه الشريف .

قال المفيد رحمه الله في الإرشاد(2/157): (كان الباقر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام من بين إخوته خليفة أبيه علي بن الحسين ووصيه والقائم بالإمامة من بعده عليهم السلام وبرز على جماعتهم بالفضل في العلم والزهد والسؤدد ، وكان أنبههم ذكراً وأجلهم في العامة والخاصة ، وأعظمهم قدراً ، ولم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين عليهم السلام من علم الدين والآثار والسنة وعلم القرآن والسيرة وفنون الآداب ما ظهرعن أبي جعفر عليه السلام وروى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين، وصار عَلَماً لأهله، تضرب به الأمثال وتسير بوصفه الآثار والأشعار، وفيه يقول القرظي:

يا باقر العلم لأهل التقى
وخير من لبَّى على الأجْبُلِ).

وقال السيد الأمين في أعيان الشيعة(1/99): (وجاء بعده ولده محمد الملقب بالباقر لقب بذلك لأنه بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه وتوسع فيه... وعاصر من ملوك بني أمية خمسة أو ثمانية: الوليد وسليمان ويزيد وهشام أولاد عبد الملك بينهم عمر بن عبد العزيز ، وأخذ عنه عظماء المسلمين من الصحابة والتابعين والفقهاء والمصنفين والعلماء ، من جميع نحل الإسلام ، واقتدوا به واتبعوا أقواله ، واستفادوا من فقهه وحججه البينات ، في التوحيد والفقه والكلام ، وغيرها .

وفي المناقب:يقال لم يُظهر على أحد من ولد الحسن والحسين عليهما السلام من العلوم ما ظهر منه من التفسير والكلام والفتيا والأحكام والحلال والحرام ).

ربَّى الإمام الباقر عليه السلام عشرات العلماء نشروا علم النبوة

كانت خطة الإمام الباقر عليه السلام أن يربي علماء وينشرهم في البلاد . وقد جلس في مسجد جده رسول الله صلى الله عليه وآله نحو عشرين سنة وكان يزدحم عليه طلبة العلم فيبتدئ بإلقاء العلم عليهم ، ويسألونه عن الحديث والتفسير والعقائد فيجيبهم ، وكان جملة منهم يكتبون ما يلقي عليهم .

والى جانب ذلك كان بيته مفتوحاً للزائر والقاصد وطالب العلم ، وكان حاجبه المشهور أحد كبار تلاميذه: جابر بن يزيد الجعفي .

وقد اشتهرالباقر عليه السلام بعلومه فقصده الناس ، خاصة العلماء وطلبة العلم .

(قال ربيعة الرأي لأبي عبد الله الصادق عليه السلام : ما هؤلاء الإخوة الذين يأتونك من العراق ، ولم أر في أصحابك خيراً منهم ولا أهيأ . قال عليه السلام : أولئك أصحاب أبي ، يعني ولد أعين ). (تاريخ آل زرارة/6).

والأصحاب الخاصون أصحاب المهمات الخاصة ظاهرةٌ عامةٌ عند الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ، ومن أمثلتها لنبينا صلى الله عليه وآله أبو ذر ، وعمرو بن الحمق الخزاعي . ومن أمثلتها للإمامين الباقر والصادق عليهما السلام جابر بن يزيد الجعفي رحمه الله ، وأبان بن تغلب ، ومحمد بن مسلم ، وسليمان الأعمش ، وأحمد بن عقدة ، الذين رووا عنه عشرات المجلدات في الحديث والتفسير والعقائد.

كتبنا في السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام عنواناً: كنوزٌ من السيرة وعلوم الإسلام أحرقتها السلطة ! فقد حرصت الحكومات القرشية على إحراق كتب شيعة أهل البيت وإبادتها ، ومع ذلك سلمت من نارهم ثروة . ويكفيك مثالاً على سياستهم في إبادة العلم: كُتب أحمد بن عقدة ، وكُتب جابر بن يزيد الجعفي، وكُتب سليمان الأعمش ، وهم علماء موثقون عند الجميع! فقد أحرقوا كتبهم أو فقدها تلاميذهم في تشريدهم ! وقد زادت عن مئتي مجلداً !

قال مسلم في مقدمة صحيحه (1/15):«الجراح بن مليح:سمعت جابراً يقول: عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر (الباقر عليه السلام ) عن النبي(ص) كلها »!

وقد أحضر المنصور سليمان الأعمش ليلاً ليمنعه من رواية مناقب علي عليه السلام وقال له: «فأخبرني بالله وقرابتي من رسول الله كم رويت من حديث علي بن أبي طالب وكم من فضيلة من جميع الفقهاء؟قلت: شئ يسير يا أميرالمؤمنين! قال:كم؟ قلت: مقدار عشرة آلاف حديث ومايزداد)! (فضائل ابن المغازلي/226) .

ويبلغ حجم العشرة آلاف حديث التي يرويها سليمان الأعمش في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام أكثر من مجموع الكتب الستة !

وقال الشهيد نور الله التستري في الصوارم المهرقة/214: « إن أهل بغداد أجمعوا على أنه لم يظهر من زمان ابن مسعود إلى زمان ابن عقدة من يكون أبلغ منه في حفظ الحديث. وأيضاً قال الدارقطني: سمعت منه أنه قال: قد ضبطت ثلاث مائة ألف حديث من أحاديث أهل البيت وبني هاشم عليهم السلام ، وحفظت مائة ألف حديث بأسانيدها! ونقل الذهبي عن عبد الغني بن سعيد أنه قال: سمعت عن الدارقطني قال: إن ابن عقدة يعلم ما عند الناس ، ولا يعلم الناس ما عنده ! وقال الثلاثة: إن ابن عقدة كان يقعد في جامع براثا من الكوفة ، ويذكر مثالب الشيخين عند الناس ، فلهذا تركوا بعض أحاديثه ، وإلا فلا كلام في صدقه »!

وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ(3 /840): « قال الحاكم ابن البيِّع: سمعت أبا علي الحافظ يقول:مارأيت أحفظ لحديث الكوفيين من أبي العباس بن عقدة.

وعن ابن عقدة قال: أنا أجيب في ثلاث مائة ألف حديث من حديث أهل البيت وبني هاشم. حدث بهذا عنه الدارقطني. وقال أبو سعد الماليني: أراد ابن عقدة أن ينتقل فكانت كتبه ست مائة حملة » . أي حمل بغل أو بعير !

وذكر نحوه في وسائل الشيعة(20/131) ونقل قول الشيخ الطوسي فيه: « أمره في الثقة والجلالة والحفظ ، أشهر من أن يذكر » .

وفي مجلة تراثنا(21/180):«أفرد الذهبي رسالة عن حياته ، مذكورة في مؤلفاته في مقدمة سير أعلام النبلاء باسم: ترجمة ابن عقدة. ترجم له أعلام العامة بكل تجلة وتبجيل ووثقوه، وأثنوا على علمه وحفظه وخبرته وسعة اطلاعه ، وأرخوا ولادته ليلة النصف من المحرم سنة 249 ووفاته في 7 ذي القعدة 332 .

ومن المؤسف أن هذا الرجل العظيم لم يبق من مؤلفاته الكثيرة الكبيرة سوى وريقات توجد في دار الكتب الظاهرية بدمشق، ضمن المجموعة رقم 4581 ، باسم: جزء من حديث ابن عقدة من الورقة 9 - 15» !

ولا تجد حتى الترجمة التي كتبها الذهبي لابن عقدة !

ويتضح حجم جريمة الحكومات في تضييع علم العترة عليهم السلام إذا عرفت أن كل ألفي حديث تبلغ مجلداً تقريباً ، وأن صحيح بخاري ومسلم وبقية الكتب الستة مع حذف المكرر تبلغ: 9780 حديثاً ، وكل ما في الصحيحين: 2980 حديثاً .

فتكون أحاديث جابر بن يزيد الجعفي خمساً وثلاثين مجلداً !

أما أحاديث أحمد بن عقدة عن رسول الله صلى الله عليه وآله فتبلغ خمسين مجلداً عن النبي صلى الله عليه وآله ، وعن أهل البيت عليهم السلام وبني هاشم مئة وخمسين مجلداً !

ولم تكتفِ السلطة بمصادرة الكتب وإحراقها ، حتى أفتى علماؤها بأن كل من روى شيئاً فيه أي نقد لأبي بكر وعمر ، فحكمه أن يدفن حياً في بئر !

قال الذهبي في ميزان الإعتدال(2/75 )عن العلل لأحمد بن حنبل(3/8): « قال عبد الله بن أحمد: سألت ابن معين عنه فقال: رجل سوء يحدث بأحاديث سوء ! قلت: فقد قال لي: إنك كتبت عنه! فحول وجهه وحلف بالله إنه لا أتاه ولا كتب عنه . وقال: يستأهل أن يحفر له بئر فيلقى فيها » !

إن هؤلاء الحاقدين مجرمون من الدرجة الأولى ، خَسَّروا أجيال الأمة ثروة عظيمة بسبب روايات تنتقد بعض الصحابة ! ولو كانت عقولهم سليمة لرووها وردوها ! لكنها سياسة الحقد والتجهيل التي قال عنها الحاكم الأموي لابنه: «لا تُعَرِّف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها» ! فهويحدد ما يسمح بمعرفته وما يجب أن يحرق !

أبان بن تغلب بن رباح الكندي

قال فيه الذهبي (ميزان الإعتدال(1/6): (أبان بن تغلب الكوفي شيعي جلد ، لكنه صدوق ، فلنا صدقه وعليه بدعته . وقد وثقه أحمد بن حنبل ، وابن معين ، وأبو حاتم ، وأورده ابن عدي، وقال: كان غالياً في التشيع.وقال السعدي: زائغ مجاهر. فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع وحد الثقة العدالة والإتقان؟ فكيف يكون عدلاً من هو صاحب بدعة؟

وجوابه:أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع ، أو كالتشيع بلا غلو ولاتحرف ، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق . فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية ، وهذه مفسدة بينة .

ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو فيه والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والدعاء إلى ذلك ، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة .

وأيضاً فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلاً صادقاً ولا مأموناً بل الكذب شعارهم ، والتقية والنفاق دثارهم ، فكيف يقبل نقل من هذا حاله ! حاشا وكلا . فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب علياً رضي الله عنه وتعرض لسبهم . والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة ، ويتبرأ من الشيخين أيضاً فهذا ضال معثر . ولم يكن أبان بن تغلب يعرض للشيخين أصلاً ، بل قد يعتقد علياً أفضل منهما ) .

وقال السيد الخوئي في معجمه (1/131) ملخصاً: (مولى بني جرير بن عبادة بن بكر بن وائل: عظيم المنزلة في أصحابنا ، لقي علي بن الحسين ، وأبا جعفر ، وأبا عبد الله عليهم السلام وروى عنهم ، وكانت له عندهم منزلة وقدم .

وذكره البلاذري قال: روى أبان عن عطية العوفي ، قال له أبو جعفر عليه السلام : أجلس في مسجد المدينة وأفت الناس ، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك .

وقال أبو عبد الله عليه السلام لما أتاه نعيه: أما والله لقد أوجع قلبي موت أبان . وكان قارئاً من وجوه القراء ، فقيهاً لغوياً سمع من العرب وحكى عنهم . وكان أبان مقدماً في كل فن من العلوم: في القرآن والفقه والحديث والأدب واللغة والنحو . وله كتب . منها: تفسير غريب القرآن، وكتاب الفضائل. وله كتاب صفين. وكان أبان إذا قدم المدينة تقوضت إليه الحلق ، وأخليت له سارية النبي صلى الله عليه وآله .

عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: كنا في مجلس أبان بن تغلب فجاءه شاب فقال: يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب عليه السلام من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ؟ قال فقال له أبان ، كأنك تريد أن تعرف فضل علي بمن تبعه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قال: فقال الرجل: هو ذاك ، فقال: والله ما عرفنا فضلهم إلا باتباعهم إياه .

عن أبي عبد الله عليه السلام :إن أبان بن تغلب روى عني ثلاثين ألف حديث فاروها عنه. ثقة جليل القدر عظيم المنزلة في أصحابنا ، لقي أبا محمد علي بن الحسين وأبا جعفر، وأبا عبد الله عليهم السلام وروى عنهم وكانت له عندهم حظوة.

ولأبان كتاب الفضائل عن أبان بن تغلب ، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إني أقعد في المسجد فيجئ الناس فيسألوني فإن لم أجبهم لم يقبلوا مني، وأكره أن أجبهم بقولكم وما جاء منكم، فقال لي: أنظر ما علمت أنه من قولهم، فأخبرهم بذلك ).

وفي الفوائد الطوسية للحر العاملي/262: (ذكر علماء الرجال أن أبان بن تغلب روى عن الباقر عليه السلام ثلاثين ألف حديث). أي عن الصادق عن أبيه الباقر عليهما السلام .

ففي الكافي(1/51): (عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الحديث أسمعه منك أرويه عن أبيك أو أسمعه من أبيك أرويه عنك ؟ قال: سواء إلا أنك ترويه عن أبي أحب إلي: وقال أبو عبد الله عليه السلام لجميل: ما سمعت مني فاروه عن أبي ).

وفي رجال ابن داود/29: (قال له أبو جعفر عليه السلام : أجلس في مسجد الكوفة وأفْتِ الناس ، إني أحبُّ أن يرى في شيعتي مثلك. وكان إذا دخل على أبي عبد الله ثنى له وسادة وصافحه ، وكان إذا قدم المدينة تقوضت إليه الحلق وأخليت له سارية النبي صلى الله عليه وآله . مات سنة إحدى وأربعين ومائة وترحم عليه أبو عبد الله عليه السلام وقال: لقد أوجع قلبي موت أبان ! وكان قد أخبره بموته ) .

من مرويات أبان بن تغلب بن رباح الكندي

في التعليم والتعلم

1- قال أبان بن تغلب: قال أبو عبدالله الصادق عليه السلام : (لوددت أن أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا ). (الكافي:1/31).

في النهي عن القياس

2- قال أبان: قال الصادق عليه السلام :(إن السنة لا تقاس،ألا ترى أن امرأة تقضي صومها ولاتقضي صلاتها ! يا أبان إن السنة إذا قيست محق الدين) . (الكافي:1/37).

ذم الذين تسموا بالفقهاء زوراً  !

3- قال أبان: سئل الباقر عليه السلام عن مسألة فأجاب فيها: (قال فقال الرجل: إن الفقهاء لا يقولون هذا ، فقال: يا ويحك ! وهل رأيت فقيها قط! إن الفقيه حق الفقيه الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة ، المتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وآله ).(الكافي:1/37).

ضرورة وجود الإمام

4- عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : (الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق) . (الكافي:1/177).

معجزة للنبي صلى الله عليه وآله بعد وفاته

5- عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله الموت دخل عليه علي عليه السلام فأدخل رأسه ثم قال: يا علي إذا أنا مت فغسلني وكفني ثم أقعدني وسلني واكتب). (الكافي:1/297).

(عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : كيف أنت إذا وقعت البطشة بين المسجدين ، فيأرز العلم كما تأرز الحية في جحرها ، واختلفت الشيعة وسمى بعضه بعضاً كذابين ، وتفل بعضهم في وجوه بعض ! قلت: جعلت فداك ما عند ذلك من خير ، فقال لي: الخير كله عند ذلك ، ثلاثاً ) .(الكافي:1/340).

وفي رواية أحاديث المهدي عليه السلام : الخير كله في ذلك الزمان ، يقوم قائمنا فيرفع ذلك كله.

في ولاية علي والعترة عليهم السلام

6- عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من أراد أن يحيى حياتي ، ويموت ميتتي ويدخل جنة عدن التي غرسها الله ربي بيده ، فليتول علي بن أبي طالب وليتول وليه ، وليعاد عدوه ، وليسلم للأوصياء من بعده ، فإنهم عترتي من لحمي ودمي ، أعطاهم الله فهمي وعلمي ، إلى الله أشكو [ أمر ] أمتي ، المنكرين لفضلهم ، القاطعين فيهم صلتي ، وأيم الله ليقتُلُنَّ ابني ! لا أنالهم الله شفاعتي) . (الكافي:1/209).

في ولاية أهل البيت عليهم السلام

7- قال أبان: قلت للصادق عليه السلام : (جعلت فداك قوله: فلا اقتحم العقبة . فقال: من أكرمه الله بولايتنا فقد جاز العقبة ، ونحن تلك العقبة التي من اقتحمها نجا ، قال: فسكت فقال لي: فهلا أفيدك حرفاً خير لك من الدنيا وما فيها ؟ قلت: بلى جعلت فداك ، قال قوله: فك رقبة . ثم قال: الناس كلهم عبيد النار غيرك وأصحابك فإن الله فك رقابكم من النار بولايتنا أهل البيت ). (الكافي:1/430).

في مقام عبد المطلب رضي الله عنه

8- عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : (لما أن وجه صاحب الحبشة بالخيل ومعهم الفيل ليهدم البيت ، مروا بإبل لعبد المطلب فساقوها ، فبلغ ذلك عبد المطلب فأتى صاحب الحبشة فدخل الاذن ، فقال: هذا عبد المطلب بن هاشم قال: وما يشاء ؟ قال الترجمان: جاء في إبل له ساقوها ، يسألك ردها فقال ملك الحبشة لأصحابه: هذا رئيس قوم وزعيمهم جئت إلى بيته الذي يعبده لأهدمه وهو يسألني إطلاق إبله ، أما لو سألني الامساك عن هدمه لفعلت ، ردوا عليه إبله ، فقال عبد المطلب لترجمانه: ما قال لك الملك ؟ فأخبره ، فقال عبد المطلب: أنا رب الإبل و لهذا البيت رب يمنعه ، فردت إليه إبله وانصرف عبد المطلب نحو منزله ، فمر بالفيل في منصرفه ، فقال للفيل: يا محمود فحرك الفيل رأسه ، فقال له: أتدري لم جاؤوا بك ؟ فقال الفيل برأسه: لا ، فقال عبد المطلب: جاؤوا بك لتهدم بيت ربك أفتراك فاعل ذلك ؟ فقال برأسه: لا ، فانصرف عبد المطلب إلى منزله فلما أصبحوا غدوا به لدخول الحرم فأبى وامتنع عليهم ، فقال عبد المطلب لبعض مواليه عند ذلك: اعل الجبل فانظر ترى شيئا ؟ ، فقال: أرى سوادا من قبل البحر ، فقال له: يصيبه بصرك أجمع ؟ فقال له: لا ولأوشك أن يصيب ، فلما أن قرب ، قال: هو طير كثير ولا أعرفه يحمل كل طير في منقاره حصاة مثل حصاة الخذف أو دون حصاة الخذف فقال عبد المطلب: ورب عبد المطلب ما تريد إلا القوم ، حتى لما صاروا فوق رؤوسهم أجمع ألقت الحصاة فوقعت كل حصاة على هامة رجل فخرجت من دبره فقتلته ، فما انفلت منهم إلا رجل واحد يخبر الناس ، فلما أن أخبرهم ألقت عليه حصاة فقتلته) . (الكافي:1/447).

رسالة النبي صلى الله عليه وآله الى الباقر عليه السلام

9- قال أبان بن تغلب: قال الصادق عليه السلام : (إن جابر بن عبد الله الأنصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان رجلاً منقطعاً إلينا أهل البيت وكان يقعد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو معتجر بعمامة سوداء وكان ينادي يا باقر العلم ، يا باقر العلم ، فكان أهل المدينة يقولون: جابر يهجر ، فكان يقول: لا والله ما أهجر ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إنك ستدرك رجلاً مني إسمه إسمي وشمائله شمائلي ، يبقر العلم بقراً. فذاك الذي دعاني إلى ما أقول ، قال: فبينا جابر يتردد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذ مر بطريق في ذاك الطريق كُتَّاب فيه محمد بن علي فلما نظر إليه قال: يا غلام أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر ثم قال: شمائل رسول الله صلى الله عليه وآله والذي نفسي بيده ، يا غلام ما اسمك ؟ قال: اسمي محمد بن علي بن الحسين ، فأقبل عليه يقبل رأسه ويقول: بأبي أنت وأمي أبوك رسول الله صلى الله عليه وآله يقرؤك السلام ويقول ذلك ، قال: فرجع محمد بن علي بن الحسين إلى أبيه وهو ذعر فأخبره الخبر ، فقال له: يا بني وقد فعلها جابر ، قال نعم قال: الزم بيتك يا بني فكان جابر يأتيه طرفي النهار وكان أهل المدينة يقولون: واعجباه لجابر يأتي هذا الغلام طرفي النهار وهو آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يلبث أن مضى علي بن الحسين عليهما السلام فكان محمد بن علي يأتيه على وجه الكرامة لصحبته لرسول الله صلى الله عليه وآله قال: فجلس عليه السلام يحدثهم عن الله تبارك وتعالى فقال أهل المدينة: ما رأينا أحداً أجرأ من هذا ، فلما رأى ما يقولون حدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله فقال أهل المدينة: ما رأينا أحداً قط أكذب من هذا ، يحدثنا عمن لم يره ، فلما رأى ما يقولون حدثهم عن جابر بن عبد الله ، قال فصدقوه ، وكان جابر بن عبد الله يأتيه فيتعلم منه )! (الكافي:1/496).

مقام المؤمن وفضل قضاء حاجته

10- عن أبان بن تغلب ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (لما أسري بالنبي صلى الله عليه وآله قال: يا رب ما حال المؤمن عندك ؟ قال: يا محمد من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وأنا أسرع شئ إلى نصرة أوليائي وما ترددت عن شئ أنا فاعله كترددي عن وفاة المؤمن ، يكره الموت وأكره مساءته ، وإن من عبادي المؤمنين من لايصلحه إلا الغنى ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك ، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفقر ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك وما يتقرب إلي عبد من عبادي بشئ أحب إلي مما افترضت عليه وإنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه فإذا أحببته كنت إذا سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها ، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته ). (الكافي:2/352).

عن أبان قال: (كنت أطوف مع أبي عبد الله عليه السلام فعرض لي رجل من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجة فأشار إلي فكرهت أن أدع أبا عبد الله عليه السلام وأذهب إليه فبينا أنا أطوف إذ أشار إلي أيضا فرآه أبو عبد الله عليه السلام فقال: يا أبان إياك يريد هذا ؟ قلت: نعم ، قال: فمن هو ؟ قلت: رجل من أصحابنا ، قال: هو على مثل ما أنت عليه؟ قلت: نعم ، قال: فاذهب إليه ، قلت: فأقطع الطواف ؟ قال: نعم ، قلت: وإن كان طواف الفريضة ؟ قال: نعم ، قال: فذهبت معه ، ثم دخلت عليه بعد فسألته ، فقلت: أخبرني عن حق المؤمن على المؤمن فقال: يا أبان دعه لا ترده ، قلت: بلى جعلت فداك فلم أزل أردد عليه ، فقال: يا أبان تقاسمه شطر مالك ، ثم نظر إلي فرأى ما دخلني ، فقال: يا أبان أما تعلم أن الله عزّ وجلّ قد ذكر المؤثرين على أنفسهم؟قلت: بلى جعلت فداك ، فقال: أما إذا أنت قاسمته فلم تؤثره بعد، إنما أنت وهو سواء إنما تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الآخر). (الكافي:2/171).

قال أبان: سمعت الصادق عليه السلام يقول: (من طاف بالبيت أسبوعاً كتب الله عزّ وجلّ له ستة آلاف حسنة ومحا عنه ستة آلاف سيئة ورفع له ستة آلاف درجة . قال: وزاد فيه إسحاق بن عمار، وقضى له ستة آلاف حاجة ، قال: ثم قال: و قضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف وطواف حتى عد عشراً ). (الكافي:2/194).

عن أبان بن تغلب قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام لحسين الصحاف: يا حسين ما ظاهر الله على عبد النعم حتى ظاهر عليه مؤونة الناس ، فمن صبر لهم وقام بشأنهم زاده الله في نعمه عليه عندهم ومن لم يصبر لهم ولم يقم بشأنهم أزال الله عزّ وجلّ عنه تلك النعمة). (الكافي:4/37).

حق المؤمن على المؤمن

11- قال أبان: (سألت الصادق عليه السلام عن حق المؤمن على المؤمن، فقال: حق المؤمن على المؤمن أعظم من ذلك لو حدثتكم لكفرتم! إن المؤمن إذا خرج من قبره خرج معه مثال من قبره يقول له: أبشر بالكرامة من الله والسرور فيقول له: بشرك الله بخير، قال: ثم يمضي معه يبشره بمثل ما قال وإذا مر بهول قال: ليس هذا لك وإذا مر بخير قال هذا لك فلا يزال معه يؤمنه مما يخاف ويبشره بما يحب حتى يقف معه بين يدي الله عزّ وجلّ ، فإذا أمر به إلى الجنة قال له المثال: أبشر فإن الله عزّ وجلّ قد أمر بك إلى الجنة قال فيقول:من أنت رحمك الله تبشرني من حين خرجت من قبري وآنستني في طريقي وخبرتني عن ربي؟قال فيقول:أنا السرور الذي كنت تدخله على إخوانك في الدنيا خلقت منه لأبشرك وأونس وحشتك). (الكافي:2/191).

كفى بالندم توبة

12- عن أبان بن تغلب قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما من عبد أذنب ذنبا فندم عليه إلا غفر الله له قبل أن يستغفر وما من عبد أنعم الله عليه نعمة فعرف أنها من عند الله إلا غفر الله له قبل أن يحمده ). (الكافي:2/427).

يغفرالله الذنوب بأي سبب !

13- عن أبان بن تغلب قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام : إن المؤمن ليهول عليه في نومه فيغفر له ذنوبه وإنه ليمتهن في بدنه فيغفر له ذنوبه ). (الكافي:2/445).

روح الإيمان والوسواس الخناس

14- عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ما من مؤمن إلا ولقلبه أذنان في جوفه: اذن ينفث فيها الوسواس الخناس، واذن ينفث فيها الملك ، فيؤيد الله المؤمن بالملك ، فذلك قوله: وأيدهم بروح منه ) . (الكافي:2/267).

روح القدس غير روح الإيمان

15- قال أبان بن تغلب: (الروح خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله يسدده ويوفقه وهو مع الأئمة من بعده ). (بصائر الدرجات/475).

الشهيد في المعركة لا يغسل

16- قال أبان: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (الذي يقتل في سبيل الله يدفن في ثيابه ولا يغسل إلا أن يدركه المسلمون وبه رمق ثم يموت بعد فإنه يغسل ويكفن ويحنط ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله كفن حمزة في ثيابه ولم يغسله ولكنه صلى عليه ).(الكافي:2/212).

تجوز صلاة الليل في أول الليل

17- قال أبان بن تغلب: (خرجت مع أبي عبد الله عليه السلام فيما بين مكة والمدينة فكان يقول: أما أنتم فشباب تؤخرون وأما أنا فشيخ أعجل، فكان يصلي صلاة الليل أول الليل) . (الكافي:3/440).

معجزة للإمام زين العابدين في الكعبة

18- قال أبان: (لما هدم الحجاج الكعبة فرق الناس ترابها فلما صاروا إلى بنائها فأرادوا أن يبنوها خرجت عليهم حية فمنعت الناس البناء حتى هربوا فأتوا الحجاج فأخبروه فخاف أن يكون قد منع بناء ها فصعد المنبر ثم نشد الناس وقال: أنشد الله عبداً عنده مما ابتلينا به علم لما أخبرنا به ، قال: فقام إليه شيخ فقال: إن يكن عند أحد علم فعند رجل رأيته جاء إلى الكعبة فأخذ مقدارها ثم مضى فقال الحجاج: من هو؟قال: علي بن الحسين عليه السلام فقال: معدن ذلك فبعث إلى علي بن الحسين صلوات الله عليهما فأتاه فأخبره ما كان من منع الله إياه البناء ، فقال له علي بن الحسين: ياحجاج عمدت إلى بناء إبراهيم وإسماعيل فألقيته في الطريق وانتهبته كأنك ترى أنه تراث لك !إصعد المنبر وأنشد الناس أن لايبقى أحد منهم أخذ منه شيئاً إلا رده ، قال:ففعل فأنشد الناس فردوه فلما رأى جمع التراب أتى علي بن الحسين صلوات الله عليهما فوضع الأساس وأمرهم أن يحفروا قال: فتغيبت عنهم الحية وحفروا حتى انتهوا إلى موضع القواعد قال لهم علي بن الحسين عليه السلام : تنحوا فتنحوا فدنا منها فغطاها بثوبه ، ثم بكى ثم غطاها بالتراب بيد نفسه ، ثم دعا الفعلة فقال: ضعوا بناءكم فوضعوا البناء فلما ارتفعت حيطانها أمر بالتراب فقلب فألقى في جوفه فلذلك صار البيت مرتفعاً يصعد إليه بالدرج) . (الكافي:4/222).

نزل تزويج فاطمة عليها السلام من السماء

19- قال أبان: قال الباقر عليه السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنما أنا بشر مثلكم أتزوج فيكم وأزوجكم إلا فاطمة فإن تزويجها نزل من السماء ). (الكافي:5/568).

مقدار الجزء والشيئ

20- قال أبان: قال أبو جعفر عليه السلام : (الجزء واحد من عشرة لأن الجبال عشرة والطيور أربعة ). وقال أبان ، سئل علي بن الحسين عليه السلام عن رجل أوصى بشئ من ماله فقال: (الشئ في كتاب علي عليه السلام واحد من ستة ). (الكافي:7/40).

قصة الميت الذي أحياه عيسى عليه السلام

21- قال أبان:سئل الصادق عليه السلام : (هل كان عيسى ابن مريم أحيا أحداً بعد موته حتى كان له أكل ورزق ومدة وولد؟ فقال: نعم إنه كان له صديق مواخ له في الله تبارك وتعالى وكان عيسى عليه السلام يمر به وينزل عليه . وإن عيسى غاب عنه حيناً ثم مر به ليسلم عليه فخرجت إليه أمه فسألها عنه فقالت: مات يا رسول الله ، فقال: أفتحبين أن تريه؟ قالت: نعم ، فقال لها: فإذا كان غداً آتيك حتى أحييه لك بإذن الله تبارك وتعالى ، فلما كان من الغد أتاها فقال لها: انطلقي معي إلى قبره ، فانطلقا حتى أتيا قبره فوقف عليه عيسى عليه السلام ثم دعا الله عزّ وجلّ فانفرج القبر وخرج ابنها حياً ، فلما رأته أمه ورآها بكيا فرحمهما عيسى فقال له عيسى: أتحب أن تبقي مع أمك في الدنيا؟فقال: يانبي الله بأكل ورزق ومدة ، أم بغير أكل ولا رزق ولا مدة ؟ فقال له عيسى عليه السلام : بأكل ورزق ومدة ، وتعمر عشرين سنة ، وتتزوج ويولد لك ؟ قال: نعم إذا ، قال: فدفعه عيسى إلى أمه فعاش عشرين سنة ، وتزوج وولد له). (الكافي:8/337).

الأصحاب الخاصون للمهدي عليه السلام

22- قال أبان: (قال الصادق عليه السلام سيأتي مسجدكم هذا يعني مكة ثلاث مائة وثلاث عشر رجلاً يعلم أهل مكة أنه لم يلدهم آبائهم ولا أجدادهم(أي ليسوا مكيين) عليهم السيوف مكتوب على كل سيف كلمة تفتح ألف كلمة ، تُبعث الريح فتنادى بكل واد: هذا المهدي هذا المهدي.يقضي بقضاء آل داود لايسأل بينة ).(بصائر الدرجات/331).

محمد بن مسلم الثقفي

في رجال الطوسي(1 / 391):(قال هشام بن سالم:أقام محمد بن مسلم بالمدينة أربع سنين يدخل على أبي جعفر عليه السلام يسأله، ثم كان يدخل على جعفر بن محمد عليه السلام يسأله. قال ابن أحمد: فسمعت عبد الرحمن بن الحجاج وحماد بن عثمان يقولان: ما كان أحد من الشيعة أفقه من محمد بن مسلم . قال: سمعت من أبي جعفر عليه السلام ثلاثين ألف حديث ثم لقيت جعفراً ابنه فسمعت منه ستة عشر ألف حديث ) .

وفي رجال الطوسي(1 /383): (عن عبد الله بن أبي يعفور ، قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام إنه ليس كل ساعة ألقاك ولا يمكن القدوم ، ويجئ الرجال من أصحابنا فيسألني وليس عندي كلما يسألني عنه ، قال: فما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي ، فإنه قد سمع من أبي وكان عنده وجيهاً ).

وفي رجال الطوسي(1 / 388): (كان محمد بن مسلم من أهل الكوفة يدخل على أبي جعفر عليه السلام فقال أبو جعفر بشر المخبتين، وكان محمد بن مسلم رجلاً موسراً جليلاً فقال له أبو جعفر عليه السلام : تواضع. قال فأخذ قوصرة من تمر فوضعها على باب المسجد وجعل يبيع التمر، فجاء قومه فقالوا: فضحتنا ! فقال: أمرني مولاي بشئ فلا أبرح حتى أبيع هذا القوصرة . فقال له قومه: إذا أبيت إلا لتشتغل ببيع وشراء فاقعد في الطحانين ، فهيأ رحى وجملاً يطحن! وقيل: إنه كان من العُبَّاد في زمانه ).

مكانة محمد بن مسلم الثقفي عند لشيعة

قال الكشي (2/507): (أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وانقادوا لهم بالفقه فقالوا: أفقه الأولين ستة: زرارة ، ومعروف بن خربوذ ، وبريد ، وأبو بصير الأسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي ، قالوا: وأفقه الستة زرارة . وقال بعضهم مكان أبي بصير الأسدي أبو بصير المرادي وهو ليث بن البختري ).

وقال الكشي(1/348): (عن سليمان بن خالد الأقطع قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما أجد أحداً أحيا ذكرنا وأحاديث أبي عليه السلام إلا زرارة وأبا بصير ليث المرادي ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي ، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا . هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي عليه السلام على حلال الله وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الدنيا ، والسابقون إلينا في الآخرة ).

وفي رواية(1/398): (بشر المخبتين بالجنة بريد بن معاوية العجلي ، وأبا بصير بن ليث البختري المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة ، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه ، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست ).

أقول: كفى بهذا شهادة عظيمة بحق هؤلاء الكبار، ومنهم محمد بن مسلم . فهم من أركان علماء المذهب ، وحملة عقائده وفقهه الى الأجيال.

قال محمد بن مسلم (كامل الزيارات/462):(خرجت إلى المدينة وأنا وجع فقيل له: محمد بن مسلم وجع، فأرسل إليَّ أبو جعفر(الباقر) عليه السلام شراباً مع غلام مغطى بمنديل، فناولنيه الغلام وقال لي: إشربه فإنه قد أمرني أن لا أبرح حتى تشربه ، فتناولته فإذا رائحة المسك منه وإذا بشراب طيب الطعم بارد ، فلما شربته قال لي الغلام: يقول لك مولاي: إذا شربته فتعال ! ففكرت فيما قال لي وما أقدر على النهوض قبل ذلك على رجلي ، فلما استقر الشراب في جوفي فكأنما نشطت من عقال! فأتيت بابه فاستأذنت عليه فصوَّتَ بي: صحَّ الجسم أدخل، فدخلت عليه وأنا باكٍ فسلمت عليه وقبلت يده ورأسه فقال لي: وما يبكيك يا محمد! قلت: جعلت فداك أبكي على اغترابي وبعد الشقة ، وقلة القدرة على المقام عندك أنظر إليك . فقال لي: أما قلة القدرة فكذلك جعل الله أولياءنا وأهل مودتنا ، وجعل البلاء إليهم سريعاً . وأما ما ذكرت من الغربة فإن المؤمن في هذه الدنيا غريب وفي هذا الخلق المنكوس، حتى يخرج من هذه الدار إلى رحمة الله .

وأما ما ذكرت من بعد الشقة فلك بأبي عبد الله عليه السلام أسوة بأرض نائية عنا بالفرات . وأما ما ذكرت من حبك قربنا والنظر إلينا ، وأنك لا تقدر على ذلك ، فالله يعلم ما في قلبك وجزاؤك عليه .

ثم قال لي: هل تأتي قبر الحسين عليه السلام ؟ قلت: نعم على خوف ووجل ، فقال: ما كان في هذا أشد فالثواب فيه على قدر الخوف ، ومن خاف في إتيانه آمَنَ الله روعته يوم يقوم الناس لرب العالمين، وانصرف بالمغفرة وسلمت عليه الملائكة ورآه النبي صلى الله عليه وآله وما صنع ودعا له ، وانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء ، واتبع رضوان الله .

ثم قال لي:كيف وجدت الشراب؟ فقلت:أشهد أنكم أهل بيت الرحمة وأنك وصي الأوصياء ، ولقد أتاني الغلام بما بعثته وما أقدر على أن أستقل على قدمي، ولقد كنت آيساً من نفسي ، فناولني الشراب فشربته ، فما وجدت مثل ريحه ولا أطيب من ذوقه ولا طعمه ولا أبرد منه ، فلما شربته قال لي الغلام: إنه أمرني أن أقول لك إذا شربته فأقبل إلي ، وقد علمت شدة ما بي فقلت: لأذهبن إليه ولو ذهبت نفسي. فأقبلت إليك فكأني نشطت من عقال فالحمد لله الذي جعلكم رحمة لشيعتكم . فقال:يا محمد إن الشراب الذي شربته فيه من طين قبر الحسين عليه السلام وهو أفضل ما استشفى به فلا نعدل به ، فإنا نسقيه صبياننا ونساءنا فنرى فيه كل خير . فقلت له: جعلت فداك إنا لنأخذ منه ونستشفي به .

فقال: يأخذه الرجل فيخرجه من الحائر وقد أظهره ، فلا يمر بأحد من الجن به عاهة ولا دابة ولا شئ به آفة إلا شمه فتذهب بركته فيصير بركته لغيره ، وهذا الذي نتعالج به ليس هكذا ، ولولا ما ذكرت لك ما يمسح به شئ ولا شرب منه شي إلا أفاق من ساعته . وما هو إلا كالحجر الأسود أتاه أصحاب العاهات والكفر والجاهلية ، وكان لا يتمسح به أحد إلا أفاق ، وكان كأبيض ياقوتة ، فاسودَّ حتى صار إلى ما رأيت !

فقلت: جعلت فداك وكيف أصنع به؟ فقال: أنت تصنع به مع إظهارك إياه ما يصنع غيرك ، تستخف به فتطرحه في خرجك وفي أشياء دنسة ، فيذهب ما فيه مما تريده له ! فقلت: صدقت جعلت فداك ! قال: ليس يأخذه أحد إلا وهو جاهل بأخذه ، ولا يكاد يسلم بالناس . فقلت: جعلت فداك وكيف لي أن آخذه كما تأخذه، فقال لي: أعطيك منه شيئاً، فقلت: نعم ، قال: إذا أخذته فكيف تصنع به؟ فقلت: أذهب به معي ، فقال: في أي شئ تجعله ، فقلت: في ثيابي . قال: فقد رجعت إلى ما كنت تصنع إشرب عندنا منه حاجتك ، ولاتحمله فإنه لايسلم لك فسقاني منه مرتين فما أعلم أني وجدت شيئاً مما كنت أجد حتى انصرفت) !

معنى أصحاب الإجماع

قال السيد الخوئي(1/57): (الأصل في دعوى أصحاب الإجماع هذه الكشي في رجاله فقد قال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام : أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر ، وأصحاب أبي عبد الله عليهما السلام انقادوا لهم بالفقه ، فقالوا أفقه الأولين ستة: زرارة ، ومعروف بن خربوذ ، وبريد ، وأبو بصير الأسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي . قالوا: وأفقه الستة ، زرارة . وقال بعضهم: مكان أبي بصير الأسدي أبو بصير المرادي ، وهو ليث بن البختري ) .

وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام :أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم بما يقولون ، وأقروا لهم بالفقه من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم ، ستة نفر: جميل بن دراج ، وعبد الله بن مسكان ، وعبد الله بن بكير ، وحماد بن عثمان ، وحماد بن عيسى ، وأبان بن عثمان قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه وهو ثعلبة بن ميمون أن أفقه هؤلاء جميل بن دراج وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله عليه السلام .

وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليهم السلام : أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم بالفقه والعلم ، وهم ستة نفر آخر ، دون الستة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله عليه السلام منهم: يونس بن عبد الرحمان ، وصفوان بن يحيى بياع السابري ، ومحمد بن أبي عمير ، وعبد الله بن المغيرة ، والحسن بن محبوب ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، وقال بعضهم: مكان الحسن بن محبوب ، الحسن بن علي ابن فضال ، وفضالة بن أيوب . وقال بعضهم: مكان فضالة بن أيوب ، عثمان بن عيسى ، وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمان ، وصفوان بن يحيى .

وأما من تأخر عن الكشي فنقل عنه الإجماع ، أو ادعى الإجماع تبعاً له ، فقد ذكر السيد بحر العلوم1في منظومته الإجماع على تصحيح ما يصح عن المذكورين . ولكنه حكى في فوائده في ترجمة ابن أبي عمير دعوى الإجماع عن الكشي واعتمد على حكايته ، فحكم بصحة أصل زيد النرسي لأنه راويه ابن أبي عمير .

وكيف كان فمن الظاهر أن كلام الكشي لاينظر إلى الحكم بصحة ما رواه أحد المذكورين عن المعصومين عليهم السلام حتى إذا كانت الرواية مرسلة أو مروية عن ضعيف أو مجهول الحال ، وإنما ينظر إلى بيان جلالة هؤلاء ، وأن الإجماع قد انعقد على وثاقتهم وفقههم وتصديقهم في ما يروونه . ومعنى ذلك أنهم لا يُتهمون بالكذب في أخبارهم وروايتهم ، وأين هذا من دعوى الإجماع على الحكم بصحة جميع ما رووه عن المعصومين عليهم السلام وإن كانت الواسطة مجهولاً أو ضعيفاً !

قال أبو علي في المقدمة الخامسة من رجاله عند تعرضه للإجماع المدعى على تصحيح ما يصح عن جماعة: وادعى السيد الأستاذ دام ظله ، السيد علي صاحب الرياض ، أنه لم يعثر في الكتب الفقهية من أول كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الديات على عمل فقيه من فقهائنا بخبر ضعيف ، محتجاً بأن في سنده أحد الجماعة وهو إليه صحيح  .

أقول: لابد أن السيد صاحب الرياض أراد بذلك أنه لم يعثر على ذلك في كلمات من تقدم على العلامة1وإلا فهو موجود في كلمات جملة من المتأخرين كالشهيد الثاني والعلامة المجلسي والشيخ البهائي . ويبعد أن يخفى ذلك عليه .

ثم إن التصحيح المنسوب إلى الأصحاب في كلمات جماعة منهم صاحب الوسائل على ما عرفت نسبه المحقق الكاشاني في أوائل كتابه الوافي إلى المتأخرين ، وهو ظاهر في أنه أيضاً لم يعثر على ذلك في كلمات المتقدمين .

قال في المقدمة الثانية من كتابه بعد ما حكى الإجماع على التصحيح من الكشي: وقد فهم جماعة من المتأخرين من قوله أجمعت العصابة أو الأصحاب على تصحيح ما يصح عن هؤلاء الحكم بصحة الحديث المنقول عنهم ونسبته إلى أهل

البيت عليهم السلام بمجرد صحته عنهم ، من دور إعتبار العدالة في من يروون عنه ، حتى لو رووا عن معروف بالفسق ، أو بالوضع فضلاً عما لو أرسلوا الحديث كان ما نقوله صحيحاً محكوماً على نسبته إلى أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم .

وأنت خبير بأن هذه العبارة ليست صريحة في ذلك ولا ظاهرة فيه ، فإن ما يصح عنهم إنما هو الرواية لا المروي . بل كما يحتمل ذلك يحتمل كونها كناية عن الإجماع على عدالتهم وصدقهم ، بخلاف غيرهم ممن لم بنقل الإجماع على عدالته ) .

ثم قال السيد الخوئي: ثم إنا لو تنزلنا عن ذلك وفرضنا أن عبارة الكشي صريحة في ما نسب إلى جماعة واختاره صاحب الوسائل ، فغاية ذلك دعوى الإجماع على حجية رواية هؤلاء عن المعصومين عليهم السلام تعبداً ، وإن كانت الواسطة بينهم وبين المعصوم ضعيفاً أو مجهول الحال ، فترجع هذه الدعوى إلى دعوى الإجماع على حكم شرعي . وقد بينا في المباحث الأصولية: أن الإجماع المنقول بخبر الواحد ليس بحجة ، وأدلة حجية خبر الواحد لا تشمل الأخبار الحدسية .

بقي هنا شئ وهو أنه قد يقال: إن دعوى الإجماع على تصحيح مايصح عن الجماعة المذكورين لاترجع إلى دعوى حجية روايتهم تعبداً ، كما ذهب إليه صاحب الوسائل، وإنما ترجع إلى دعوى أن هؤلاء لا يروون إلا عن ثقة .

وعليه فيعتمد على مراسيلهم وعلى مسانيدهم وإن كانت الوسائط مجهولة أو مهملة.ولكن هذا القول فاسد جزماً فإنه لايحتمل إرادة ذلك من كلام الكشي ولو سلم أنه أراد ذلك فهذه الدعوى فاسدة بلا شبهة ، فإن أصحاب الإجماع رووا عن الضعفاء في عدة موارد ).

أقول: ما أفاده السيد الخوئي1متين لا غبار عليه .

كان محمد بن مسلم يبتعد عن الأضواء !

روى الكشي(1/385): ( عن محمد بن مسلم قال: إني ذات ليلة لنائم على السطح إذ طرق الباب طارق فقلت: من هذا ؟ فقال: أشرف رحمك الله ، فأشرفت فإذا امرأة فقالت: لي ابنة عروس يضربها الطلق فما زالت تطلق حتى ماتت والولد يتحرك في بطنها ويذهب ويجيئ فما أصنع؟ فقلت: لها يا أمة الله سئل محمد بن علي بن الحسين الباقر عليهم السلام عن مثل هذا فقال: يشق بطن الميت ويستخرج الولد ، يا أمة الله إفعلي مثل ذلك. يا أمة الله ، إني رجل في ستر .مَن وجهك إليَّ؟ قالت لي: رحمك الله جئت إلى أبي حنيفة صاحب الرأي فقال لي: ما عندي فيها شئ ولكن عليك بمحمد بن مسلم الثقفي فإنه يخبرك. فما أفتاك به من شئ فعودي إلي فأعلمينه ، فقلت لها: إمضي بسلام ، فلما كان الغد خرجت إلى المسجد فإذا أبو حنيفة يسأل أصحابه عنها فتنحنحت فقال: اللهم غفراً دعنا نعيش ).

أقول: هذه الرواية تدل على أن محمد بن مسلم كان يتعمد الإبتعاد عن الأضواء ، ولا يطرح نفسه كفقيه ، ليسلم من بطش السلطة ويعمل بحرية .

كما تدل على أن أبا حنيفة كان يعرفه جيداً ويرجع اليه في المعضلات . لكنه كان يخشى أن يحسب شيعياً مثل محمد بن مسلم ، فعندما رآه بعد أن أرسل اليه المرأة ، وتنحنح ليكلمه ويبحثان في المسألة قال له: دعنا نعيش.أي دعني بعيداً عنك ولا تعرضني لخطر ، فتركه.

من مرويات محمد بن مسلم الثقفي

سورة التوحيد نسبة الله تعالى

1- قال الصادق عليه السلام : (إن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: إنسب لنا ربك ، فلبث ثلاثاً لا يجيبهم ، ثم نزل: قل هو الله أحد.. إلى آخرها ). (الكافي:1/91).

لا تفكروا في ذات الله وفكر في عظمة مخلوقاته

2- قال محمد بن مسلم ، قال الباقر عليه السلام قال: (إياكم والتفكر في الله ، ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظيم خلقه ) . (الكافي:1/93).

علم الله بالأشياء قبل كونها كعلمه بها بعد كونها

3- قال محمد بن مسلم: سمعت الباقر عليه السلام يقول: (كان الله عزّ وجلّ ولا شئ غيره ولم يزل عالماً بما يكون ، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه ). (الكافي:1/107).

الله أحديُ المعنى لا تعدد فيه !

4- قال محمد بن مسلم ، قال الباقر عليه السلام في صفة القديم: (إنه واحد صمد أحديُّ المعنى ، ليس بمعاني كثيرة مختلفة ، قال قلت: جعلت فداك يزعم قوم من أهل العراق أنه يسمع بغيرالذي يبصر ويبصر بغير الذي يسمع ، قال فقال: كذبوا وألحدوا وشبهوا ، تعالى الله عن ذلك ، إنه سميع بصير يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع ، قال قلت: يزعمون أنه بصير على ما يعقلونه ، قال فقال: تعالى الله إنما يُعقل ما كان بصفة المخلوق ، وليس الله كذلك ). (الكافي:1/108).

خلق الله آدم على صورة آدم لا صورة الله تعالى !

5- قال محمد بن مسلم: سألت أبا جعفر عليه السلام عما يروون أن الله خلق آدم على صورته ، فقال (هي: صورة محدثة مخلوقة واصطفاها الله واختارها على سائر الصور المختلفة فأضافها إلى نفسه ، كما أضاف الكعبة إلى نفسه ، والروح إلى نفسه فقال: بيتي ، ونفخت فيه من روحي ). (الكافي:1/134).

يأخذ الله الميثاق على الأنبياء والرسل عليهم السلام  !

6- قال الصادق عليه السلام : ( ما بعث الله نبياً حتى يأخذ عليه ثلاث خصال: الإقرار له بالعبودية ، وخلع الأنداد ، وأن الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء). (الكافي:1/147).

لا يفعل الله الشر لكن سمح للناس يفعله !

7- قال محمد بن مسلم(الكافي:1/154): سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ( إن في بعض ما أنزل الله من كتبه أني أنا الله لا إله إلا أنا ، خلقت الخير وخلقت الشر ، فطوبى لمن أجريت على يديه الخير وويل لمن أجريت على يديه الشر ، وويل لمن يقول: كيف ذا وكيف ذا ). أي ويل لمن يرى أنه أفهم وأنه أعلم من الله تعالى!

الوسوسة في الخلق قد تكون إيماناً !

8- قال الصادق عليه السلام : (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله هلكت! فقال له: أتاك الخبيث فقال لك: من خلقك؟ فقلت: الله ، فقال لك: الله من خلقه؟فقال: إي والذي بعثك بالحق لكان كذا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ذاك والله محض الإيمان ! قال ابن أبي عمير: فحدثت بذلك عبد الرحمن بن الحجاج فقال: حدثني أبي عن أبي عبد الله عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله إنما عنى بقوله هذا والله محض الإيمان خوفه أن يكون قد هلك حيث عرض له ذلك في قلبه ). (الكافي:1/425).

أوضاع الكفين في الدعاء !

9- قال محمد بن مسلم: (قلنا للصادق عليه السلام :كيف المسألة إلى الله تبارك وتعالى؟ قال: تبسط كفيك. قلنا: كيف الإستعاذة؟ قال: تفضي بكفيك. والتبتل الإيماء بالإصبع. والتضرع تحريك الإصبع.والإبتهال أن تمد يديك جميعاً). (الكافي:2/481). ومعنى تفضي بكفيك: تجعل ظهرهما الى السماء .وفي رواية عن أبي بصير(الكافي:2/480): (سألت الصادق عليه السلام عن الدعاء ورفع اليدين فقال: على أربعة أوجه: أما التعوذ فتستقبل القلبة بباطن كفيك . وأما الدعاء في الرزق فتبسط كفيك وتفضي بباطنهما إلى السماء . وأما التبتل فإيماء بإصبعك السبابة . وأما الإبتهال فرفع يديك تجاوز بهما رأسك . ودعاء التضرع أن تحرك أصبعك السبابة مما يلي وجهك ، وهو دعاء الخيفة ).

التسبيح مفتوح إلا تسبيح الزهراء ودعاء الفجر !

10- قال محمد بن مسلم:سألت أبا جعفر عليه السلام عن التسبيح فقال: (ما علمت شيئاً موظفاً غير تسبيح فاطمة عليها السلام ، وعشر مرات بعد الفجر تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو على كل شئ قدير . ويسبح ما شاء تطوعاً ). (الكافي:2/533).

القرآن واحد من عند الواحد بلفظ واحد !

11- قال محمد بن مسلم ، قال زرارة ، قال الباقر عليه السلام قال: (إن القرآن واحد ، نزل من عند واحد ، ولكن الإختلاف يجيئ من قبل الرواة ) .(الكافي:2/630).

سؤال القبر لا يشمل كل الناس

12- قال محمد بن مسلم: قال أبو عبد الله عليه السلام : (لايسأل في القبر إلا من مُحض الإيمان محضاً ، أو مُحض الكفر محضاً ). (منتقى الجمان:1/302 ).

العقل أحب المخلوقات الى الله تعالى

13- قال محمد بن مسلم: قال الباقر عليه السلام : (لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له: أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر . ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحب إلي منك ، ولا أكملتك إلا فيمن أحب ، أما إني إياك آمر ، وإياك أنهى ، وإياك أعاقب وإياك أثيب ). (الكافي:1/10).

الحث على التعلم والتعليم

14- قال محمد بن مسلم: قال الباقر عليه السلام : (إن الذي يعلم العلم منكم له أجر مثل أجر المتعلم وله الفضل عليه ، فتعلموا العلم من حملة العلم ، وعلموه إخوانكم ، كما علمكموه العلماء). (الكافي:1/34-51).

قال لي أبو عبد الله عليه السلام : (أغدُ عالماً ، أو متعلماً ، أو أحب أهل العلم ، ولا تكن رابعاً فتهلك ببغضهم .

وقال عليه السلام : للعالم إذا سئل عن شئ وهو لا يعلمه أن يقول: الله أعلم ، وليس لغير العالم أن يقول ذلك . ولا يقل: الله أعلم ، فيوقع في قلب صاحبه شكاً.

و إذا قال المسؤول:لا أدري فلا يتهمه السائل .

وقال لحمران بن أعين في شئ سأله: إنما يهلك الناس لأنهم لا يسألون .

وقال محمد بن مسلم: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : (أسمع الحديث منك فأزيد وأنقص؟ قال: إن كنت تريد معانيه فلا بأس ).

بداية انحراف الأمم خلط الحق بالباطل !

15- قال محمد بن مسلم:قال الباقر عليه السلام : (خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس فقال: أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع ، وأحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب الله ، يتولى فيها رجال رجالاً ، فلو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى ، ولو أن الحق خلص لم يكن اختلاف ، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث ، فيمزجان فيجيئان معاً ، فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه ، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى ). (الكافي:1/54).

أهل الذكر هم أهل البيت عليهم السلام

16- قلت للباقر عليه السلام : (إن من عندنا يزعمون أن قول الله عزّ وجلّ : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ،أنهم اليهود والنصارى، قال: إذاً يدعونكم إلى دينهم!وقال بيده إلى صدره: نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون). (الكافي:1/211).

المحدثون بفتح الدال الذين تحدثهم الملائكة ؟

17- قال محمد بن مسلم: ذكر المحدث عند أبي عبد الله عليه السلام فقال: (إنه يسمع الصوت ولا يرى الشخص ، فقلت له: جعلت فداك كيف يعلم أنه كلام الملك؟ قال: إنه يعطي السكينة والوقار ، حتى يعلم أنه كلام ملك ). (الكافي:1/211).

من أحاديث الإمام المهدي عليه السلام

18- قال محمد بن مسلم: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إن بلغكم عن صاحب هذا الامر غيبة فلا تنكروها ). (الكافي:1/338).

منعت عائشة الإمام الحسن أن يدفن عند جده صلى الله عليه وآله

19- قال محمد بن مسلم: سمعت الباقر عليه السلام يقول: (لما حضر الحسن بن علي الوفاة قال للحسين عليهما السلام :يا أخي إني أوصيك بوصية فاحفظها ، إذا أنا مت فهيئني ثم وجهني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لأحدث به عهداً، ثم اصرفني إلى أمي عليها السلام ثم ردني فادفني بالبقيع. واعلم أنه سيصيبني من عائشة ما يعلم الله والناس صنيعها وعداوتها لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وعداوتها لنا أهل البيت .

فلما قبض الحسن عليه السلام وضع على السرير ثم انطلقوا به إلى مصلى رسول الله صلى الله عليه وآله الذي كان يصلي فيه على الجنائز فصلى عليه الحسين عليه السلام وحمل وأدخل إلى المسجد فلما أوقف على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله ذهب ذو العوينين (مروان أو الجاسوس) إلى عائشة فقال لها: إنهم قد أقبلوا بالحسن ليدفنوه مع النبي صلى الله عليه وآله فخرجت مبادرة على بغل بسرج فكانت أول امرأة ركبت في الاسلام سرجاً فقالت: نَحُّوا ابنكم عن بيتي ، فإنه لايدفن في بيتي ويهتك على رسول الله حجابه ! فقال لها الحسين عليه السلام : قديماً هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأدخلت عليه ببيته من لا يحب قربه وإن الله سائلك عن ذلك يا عائشة ). (الكافي:1/300).

من تعاليم زين العابدين لولده الباقر عليهما السلام

20- قال محمد بن مسلم: قال الباقر عليه السلام قال: (إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً.. لايدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من الكبر، قال: فاسترجعت فقال: مالك تسترجع؟ قلت: لما سمعت منك ، فقال: ليس حيث تذهب ، إنما أعني الجحود ، إنما هو الجحود ). (الكافي:2/99).

قال الإمام الباقر عليه السلام : (قال لي علي بن الحسين صلوات الله عليهما: يا بني أنظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق . فقلت: يا أبه من هم؟ قال: إياك ومصاحبة الكذاب فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويباعد لك القريب . وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بائعك بأكلة أو أقل من ذلك . وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه . وإياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك .

وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله عزّ وجلّ في ثلاث مواضع: قال الله عزّ وجلّ : فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ الله فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ . وقال: وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ الله مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ.وقال في البقرة: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ الله مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) . (الكافي:2/376).

وقال الصادق عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :لاتطلبوا عثرات المؤمنين فإن من تتبع عثرات أخيه تتبع الله عثراته ومن تتبع الله عثراته يفضحه ولو في جوف بيته ). (الكافي:2/355).

وقال الصادق عليه السلام : أبعد ما يكون العبد من الله عزّ وجلّ إذا لم يهمه إلا بطنه وفرجه). (الكافي:2/319).

قال الصادق عليه السلام :ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم و لهم عذاب أليم:الشيخ الزاني والديوث والمرأة تؤطى فراش زوجها ). (الكافي:5/537).

البر بالوالدين بعد وفاتهما

21- قال الباقر عليه السلام (الكافي:2/163): (إن العبد ليكون براً بوالديه في حياتهما ثم يموتان فلا يقضي عنهما ديونهما ولا يستغفر لهما فيكتبه الله عاقاً ، وإنه ليكون عاقاً لهما في حياتهما غير بار بهما فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما فيكتبه الله عزّ وجلّ باراً ) .

ليس في صلاة الميت قراءة وركوع

22- قال محمد بن مسلم:قال الباقر عليه السلام : (ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت تدعو بما بدا لك وأحق الموتى أن يدعى له المؤمن وأن يبدأ بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله ).(الكافي:3/185 ) .

لا يجب على المصلي منع المرور من أمامه

23- قال محمد بن مسلم: دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه السلام فقال له: (رأيت ابنك موسى يصلي والناس يمرون بين يديه فلا ينهاهم وفيه ما فيه ! فقال أبو عبد الله عليه السلام : أدعوا لي موسى فدعي فقال له: يا بني أن أبا حنيفة يذكر أنك كنت تصلي والناس يمرون بين يديك فلم تنههم! فقال: نعم يا أبة إن الذي كنت أصلي له كان أقرب إلي منهم يقول الله عزّ وجلّ : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ . قال: فضمه أبو عبد الله عليه السلام إلى نفسه ثم قال: بأبي أنت وأمي يا مودع الأسرار). (الكافي:3/297 ) .

قاعدة الشك بعد الفراغ

24- قال محمد بن مسلم: قال الباقر عليه السلام : (كلما شككت فيه بعدما تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد ). (تهذيب الأحكام:2/352).

من يجب عليك نفقته

25- قال محمد بن مسلم: قلت للصادق عليه السلام : (من يلزم الرجل من قرابته ممن ينفق عليه ؟ قال: الوالدان ، والولد ، والزوجة ). (الكافي:4/13).

وقال محمد بن مسلم:سألت الباقر عليه السلام عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه قال: (يأكل منه ما شاء من غير سرف . وقال: في كتاب علي عليه السلام : إن الولد لا يأخذ من مال والده شيئاً إلا بإذنه ، والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء ، وله أن يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الإبن وقع عليها . وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لرجل: أنت ومالك لأبيك ). (الكافي:5/135).

أين أراد إبراهيم ذبح إسماعيل عليهما السلام

26- سألت أبا جعفر عليه السلام : (أين أراد إبراهيم عليه السلام أن يذبح ابنه؟ قال: على الجمرة الوسطى . وسألته عن كبش إبراهيم عليه السلام ما كان لونه وأين نزل ؟ فقال: أملح وكان أقرن ونزل من السماء على الجبل الأيمن من مسجد منى ، وكان يمشي سواد ، ويأكل في سواد ، وينظر ويبعر ويبول في سواد) . (الكافي:4/209).

الحث على تكثير الأولاد

27- قال محمد بن مسلم: قال الصادق عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أكثروا الولد أكاثر بكم الأمم غداً ). (الكافي:6/2). وقال محمد بن مسلم: قال الصادق عليه السلام : (من أراد أن يُحبل له فليصل ركعتين بعد الجمعة يطيل فيهما الركوع والسجود ، ثم يقول: اللهم إني أسألك بما سألك به زكريا . يا رب لا تذرني فرداً و أنت خير الوارثين ، اللهم هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ، اللهم باسمك استحللتها ، وفي أمانتك أخذتها ، فإن قضيت في رحمها ولداً فاجعله غلاماً مباركاً زكياً، ولا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً ). (الكافي:6/8).

تشديد الشريعة في شروط الطلاق

28- قال محمد بن مسلم: قال الباقر عليه السلام : (قال: لا طلاق ولا خلع ولا مبارأة ولا خيار، إلا على طهر من غير جماع ). (الكافي:6/143).

تحريم السمك الذي ليس له قشر

29- قال محمد بن مسلم: (أقرأني أبو جعفر عليه السلام شيئاً من كتاب علي عليه السلام فإذا فيه: أنهاكم عن الجري والزمير و المارماهي والطافي والطحال . قال: قلت: يا ابن رسول الله يرحمك الله إنا نؤتى بالسمك ليس له قشر ؟ فقال: كل ماله قشر من السمك ، وما ليس له قشر فلا تأكله ). (الكافي:6/219).

تحريم البيض الذي تساوى طرفاه

30- عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام قال: (إذا دخلت أجمة فوجدت بيضاً فلا تأكل منه إلا ما اختلف طرفاه ). (الكافي:6/249).

ما يحل من الميتة

31- قال الصادق عليه السلام لزرارة ومحمد بن مسلم: (اللبن واللباء والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكل شئ يفصل من الشاة والدابة فهو ذكي وإن أخذته منها بعد أن تموت فاغسله وصل فيه ). (الكافي:6/258).

ضرر ترك العشاء

32- قال محمد بن مسلم: قال الصادق عليه السلام قال: (قال أميرالمؤمنين عليه السلام :عشاء الأنبياء بعد العتمة فلا تدعوه فإن ترك العشاء خراب البدن). (الكافي:6/258).

كتاب علي عليه السلام في المواريث

33- قال محمد بن مسلم (الكافي:7/93): (أقرأني أبو جعفر عليه السلام صحيفة كتاب الفرائض التي هي إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام بيده فوجدت فيها: رجل ترك ابنته وأمه: للإبنة النصف ثلاثة أسهم ، وللأم السدس سهم ، يقسم المال على أربعة أسهم فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة ، وما أصاب سهماً فهو للام .

قال: وقرأت فيها: رجل ترك ابنته وأباه فللإبنة النصف ثلاثة أسهم وللأب السدس سهم ، يقسم المال على أربعة أسهم فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة ، وما أصاب سهماً فللام . قال محمد: ووجدت فيها:رجل ترك أبويه وابنته ، فللابنة النصف ثلاثة أسهم وللأبوين لكل واحد منهما السدس، لكل واحد منهما سهم. يقسم المال على خمسة أسهم فما أصاب ثلاثة فللابنة وماأصاب سهمين فللأبوين)

تعبير رؤيا محمد بن مسلم

34- عن محمد بن مسلم قال: (دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وعنده أبو حنيفة فقلت له: جعلت فداك رأيت رؤيا عجيبة فقال لي: يا ابن مسلم هاتها فإن العالم بها جالس وأومأ بيده إلى أبي حنيفة، قال فقلت: رأيت كأني دخلت داري وإذا أهلي قد خرجت علي فكسرت جوزاً كثيراً ونثرته علي ، فتعجبت من هذه الرؤيا فقال: أبو حنيفة أنت رجل تخاصم و تجادل لئاماً في مواريث أهلك فبعد نصب شديد تنال حاجتك منها إن شاء الله. فقال:أبو عبد الله عليه السلام : أصبت والله يا أبا حنيفة ، قال: ثم خرج أبو حنيفة من عنده ، فقلت: جعلت فداك إني كرهت تعبير هذا الناصب فقال: يا ابن مسلم لايسوؤك الله وليس التعبير كما عبره ، قال: فقلت له: جعلت فداك فقولك: أصبت وتحلف عليه وهو مخطئ؟ قال: نعم حلفت عليه أنه أصاب الخطأ ، قال فقلت له: فما تأويلها؟

قال: يا ابن مسلم إنك تتمتع بامرأة فتعلم بها أهلك فتمزق عليك ثياباً جدداً فإن القشر كسوة اللب . قال ابن مسلم: فوالله ما كان بين تعبيره وتصحيح الرؤيا إلا صبيحة الجمعة فلما كان غداة الجمعة أنا جالس بالباب إذ مرت بي جارية فأعجبتني فأمرت غلامي فردها ثم أدخلها داري فتمتعت بها، فأحست بي وبها أهلي فدخلت علينا البيت فبادرت الجارية نحو الباب وبقيت أنا فمزقت عليَّ ثياباً جدداً كنت ألبسها في الأعياد) (الكافي:8/292) .

الخمر رأس كل إثم

35- قال الباقر والصادق عليهما السلام :إن الخمر رأس كل إثم . (الكافي:6/402).

قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام : مدمن الخمر كعابد وثن !

وفسروا المدمن بأنه أنى وجدها شربها ! (الكافي:6/404).

جابر بن يزيد الجعفي الأزدي

جابر بن يزيد الجعفي من أصحاب الباقر عليه السلام الخاصين. قالوا فيه: (أبو محمد الجعفي عربي قديم .. ابن الحرث بن عبد يغوث بن كعب بن الحرث بن معاوية بن وائل بن مرار بن جعفي ، لقي أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام ).(النجاشي / 128 ) .

درس عند الإمام الباقر عليه السلام ثمانية عشرة سنة وكان حاجبه الخاص. قال جابر رحمه الله : (دخلت على أبي جعفر عليه السلام وأنا شاب فقال:م من أنت؟ قلت:من أهل الكوفة، قال: ممن؟ قلت: من جُعف ، قال: ما أقدمك إلى المدينة؟ قلت: طلب العلم ، قال: ممن؟ قلت منك قال: فإذا سألك أحد من أين أنت فقل من أهل المدينة .

قال: قلت أسألك قبل كل شئ عن هذا ، أيحل لي أن أكذب؟ قال: ليس هذا بكذب ، من كان في مدينة فهو من أهلها حتى يخرج ).(السيد الخوئي: 4/ 336).

وفي أمالي الطوسي/296: ( خدمت سيدنا الإمام أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام ثماني عشرة سنة ، فلما أردت الخروج ودعته وقلت: أفدني .

فقال: بعد ثماني عشرة سنة يا جابر! قلت: نعم إنكم بحر لايُنزف ولا يُبلغ قعره . فقال: يا جابر ، بلغ شيعتي عني السلام وأعلمهم أنه لا قرابة بيننا وبين الله عزّ وجلّ  ، ولا يتقرب إليه إلا بالطاعة له .

يا جابر، من أطاع الله وأحبنا فهو ولينا ، ومن عصى الله لم ينفعه حبنا .

يا جابر، من هذا الذي يسأل الله فلم يعطه ، أو توكل عليه فلم يكفه ، أو وثق به فلم ينجه ! يا جابر ، أنزل الدنيا منك كمنزل نزلته تريد التحويل عنه ، وهل الدنيا إلا دابة ركبتها في منامك فاستيقظت وأنت على فراشك غير راكب ولا آخذ بعنانها ، أو كثوب لبسته أو كجارية وطأتها !

يا جابر، الدنيا عند ذوي الألباب كفئ الظلال .لا إله إلا الله إعزاز لأهل دعوته . الصلاة تثبيت للإخلاص وتنزيه عن الكبر، والزكاة تزيد في الرزق ، والصيام والحج تسكين القلوب ، القصاص والحدود حقن الدماء ، وحبنا أهل البيت نظام الدين . جعلنا الله وإياكم من الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) .

وقد أرسله الإمام الباقر عليه السلام الى الكوفة لينشر حديث النبي صلى الله عليه وآله وقد شهد الترمذي أن أهل الكوفة لولا جابر لما كان عندهم حديث ، ومعناه أنهم ازدحموا في بيته وكتبوها عنه ثم لما رأوا الخطر من الخليفة عليه فدلسوا ونسبوا رواياتهم عنه إلى غيره !

قال الترمذي في سننه (1/133): ( سمعت الجارود يقول: سمعت وكيعاً يقول: لولا جابر الجعفي لكان أهل الكوفة بغير حديث ) !

قال أبو داود: ( رأيت زكريا بن أبي زائدة يزاحمنا عند جابرفقال لي سفيان: نحن شباب وهذا الشيخ ماله يزاحمنا ! وكان شعبة يسمي من يطعن في جابر مجانين يقولون ما لايفعلون فكلهم تلاميذه ! قال لنا شعبة: لاتنظروا إلى هؤلاء المجانين الذين يقعون في جابر. هل جاءكم أحد لم يلقه ) !

( ميزان الإعتدال:1 / 382 ، والجرح والتعديل للرازي: 1 / 117 ) .

وقال ابن عدي في الكامل(2/117): (قال ابن إدريس: ذهب بي أبي إلى جابر الجعفي فأجلسني قريباً منه فقال لأبي: هذا ابنك الذي علمته القرآن؟ قال نعم . قال الشيخ: ولجابر حديث صالح ، وقد روى عنه الثوري الكثير ، وشعبة أقل رواية عنه من الثوري . وحدث عنه زهير وشريك وسفيان والحسن بن صالح وابن عيينة وأهل الكوفة وغيرهم ، وقد احتمله الناس ورووا عنه ، وعامة ما قذفوه أنه كان يؤمن بالرجعة ، ولم يتخلف أحد في الرواية عنه ).

أي احتملوا أنه شيعي ، وأنه يروي خيانة قريش بأهل البيت عليهم السلام !

وتناقض الذهبي فيه فقال في الكاشف (1/288):(من أكبر علماء الشيعة ، وثقه شعبة فشذ ، وتركه الحفاظ ). ثم نقض كلامه فقال في المغني(1/126): (د. ت. ق. جابر بن يزيد الجعفي مشهور، عالم قد وثقه شعبه والثوري وغيرهما ) .

وترجم له ابن حجر في تهذيب التهذيب(2/41) بتفصيل ومما قاله: ( روى عنه أبو داود والترمذي وابن ماجة ) جابر بن يزيد بن الحارث بن عبد يغوث الجعفي، أبو عبد الله ، ويقال أبو يزيد الكوفي .

روى عن أبي الطفيل ، وأبي الضحى ، وعكرمة ، وعطاء ، وطاوس ، وخيثمة، والمغيرة بن شبيل، وجماعة .

وعنه شعبة ، والثوري ، وإسرائيل ، والحسن بن حي ، وشريك ، ومسعر ، ومعمر ، وأبو عوانة ، وغيرهم .

قال أبو نعيم: عن الثوري: إذا قال جابر حدثنا وأخبرنا ، فذاك .

وقال ابن مهدي عن سفيان: ما رأيت أورع في الحديث منه .

وقال بن علية: عن شعبة: جابر صدوق في الحديث .

وقال يحيى بن أبي بكير عن شعبة: كان جابر إذا قال حدثنا وسمعت فهو من أوثق الناس . وقال بن أبي بكير أيضاً عن زهير بن معاوية: كان إذا قال سمعت أو سألت فهو من أصدق الناس .

وقال وكيع: مهما شككتم في شئ فلا تشكوا في أن جابراً ثقة . حدثنا عنه مسعر وسفيان وشعبة وحسن بن صالح.

وقال بن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: قال سفيان الثوري لشعبة: لئن تكلمت في جابر الجعفي لأتكلمن فيك !

وقال معلى بن منصور: وقال لي أبو عوانة كان سفيان وشعبة ينهياني عن جابر الجعفي، وكنت أدخل عليه فأقول: من كان عندك؟ فيقول شعبة وسفيان ! وقال وكيع: قيل لشعبة: لما طرحت فلاناً وفلاناً ورويت عن جابر؟ قال: لأنه جاء بأحاديث لم نصبر عنها ! وقال أحمد بن حنبل: تركه يحيى وعبد الرحمن . وقال محمد بن بشار عن ابن مهدي: ألا تعجبون من سفيان بن عيينة ، لقد تركت لجابر الجعفي لما حكي عنه أكثر من ألف حديث ، ثم هو يحدث عنه !

وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث . وقال بن عدي: له حديث صالح. وشعبة أقل رواية عنه من الثوري وقد احتمله الناس ، وعامة ما قذفوه به أنه كان يؤمن بالرجعة ، وهو مع هذا إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق .

روى له أبو داود في السهو في الصلاة حديثاً واحداً من حديث المغيرة بن شعبة ، وقال عقبة: ليس في كتابي عن جابر الجعفي غيره . وقال أبو موسى محمد بن المثنى: مات سنة 128. قلت: وذكر مطين عن مفضل بن صالح: مات سنة 127. وقال سلام بن أبي مطيع: قال لي جابر الجعفي: عندي خمسون ألف باب من العلم ما حدثت به أحداً . فأتيت أيوب فذكرت هذا له فقال: أما الآن فهو كذاب .

قال جرير: لا أستحل أن أروي عنه ، كان يؤمن بالرجعة .

وقال أبو داود: ليس عندي بالقوي في حديثه . وقال أبو الأحوص: كنت إذا مررت بجابر الجعفي سألت ربي العافية .

وقال الشافعي:سمعت سفيان بن عيينة يقول: سمعت من جابر الجعفي كلاماً فبادرت خفت أن يقع علينا السقف! ولا بد أنه طعن في بعض من يحب !

وقال إسحاق بن موسى: سمعت أبا جميلة يقول: قلت لجابر الجعفي:كيف تسلم على المهدي؟ قال: إن قلت لك كفرت .

وقال الحميدي أيضاً: سمعت رجلاً يسأل سفيان: أرأيت يا أبا محمد الذين عابوا على جابر الجعفي قوله حدثني وصي الأوصياء؟ فقال سفيان: هذا أهونه !

وقال يحيى بن يعلى: سمعت زائدة يقول:جابر الجعفي رافضي يشتم أصحاب النبي! وقال العجلي: كان ضعيفاً يغلو في التشيع وكان يدلس .

وقال عثمان بن أبي شيبة: حدثني أبي عن جدي قال: كنت آتيه في وقت ليس فيه فاكهة ولا قثاء ولا خيار فيذهب إلى بسيتين له في داره فيجئ بقثاء وخيار فيقول: كل فوالله ما زرعته ! وقال أبو العرب الصقلي في الضعفاء: سئل شريك عن جابر فقال: ما له العدل الرضي ومد بها صوته! وقال أبو العرب: خالف شريك الناس في جابر . وقال أبو أحمد الحاكم: يؤمن بالرجعة ، اتهم بالكذب وذكره يعقوب بن سفيان في باب من يرغب الرواية عنهم .

وقال بن حبان: فإن احتج محتج بأن شعبة وغيره والثوري رويا عنه قلنا: الثوري ليس من مذهبه ترك الرواية عن الضعفاء ، وأما شعبة وغيره فرأوا عنده أشياء لم يصبروا عنها وكتبوها ليعرفوها ، فربما ذكر أحدهم عنه الشئ بعد الشئ على جهة التعجب ! وأخبرني بن فارس قال: ثنا محمد بن رافع قال: رأيت أحمد بن حنبل في مجلس يزيد بن هارون معه كتاب زهير عن جابر الجعفي فقلت له: يا أبا عبد الله تنهونا عن جابر وتكتبونه ! قال: لنعرفه . وقال الميموني: سمعت أحمد يقول: كان بن مهدي والقطان لا يحدثان عن جابر بشئ وكان أهلاً ذلك ) .

أقول: نتيجة كلماتهم المتضاربة في جابر الجعفي أنهم يطعنون فيه لأنه شيعي، ولأن الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بعث الى واليه في الكوفة أن يبعث اليه برأسه ، فقالوا للوالي هذا كان محدثاً كبيراً لكنه أصيب بالجنون وهو الآن يلعب مع الصبيان في السكة ! فكتب الى الخليفة بذلك ، وحمد الله أنه أراحه من قتله !

والسؤال الأهم: ماذا فعلوا بألوف الأحاديث التي جذبتهم فكتبوها عن جابر ، هل أحرقوها بعد أن غضب عليه الخليفة وأشاعوا أنه يؤمن بالرجعة فلا تصح الرواية عنه ، أم غيروا إسم من رووها عنه وجعلوها مرويات عن غير جابر؟! هذا ما نرجحه ، لأن رواة السلطة شهدوا على بعضهم بأنهم فعلوا شبيهه !

أبو حنيفة وجابر

صر ح أبو حنيفة بأن سبب اتهامه لجابر بالكذب أنه عارض اجتهاده بالأحاديث! (ما أتيته بشئ من رأيي إلا جاءني فيه بأثر ، وزعم أن عنده ثلاثين ألف حديث لم يظهرها) ! وعليه يجب تكذيب كل من عارض اجتهاداته بالحديث كالشافعي! وتكذيب من ادعى أن عنده مئات ألوف الأحاديث ، كابن حنبل وبخاري ومسلم !

1- الذين طعنوا في جابر الجعفي رحمه الله كذَّبوا أنفسهم والحمد لله وأولهم أبو حنيفة وأصحابه ! قال في المحلى:10/378: (جابر الجعفي كذاب ، وأول من شهد عليه بالكذب أبو حنيفة ثم لم يبال بذلك أصحابه فاحتجوا بروايته حيث اشتهوا) كما احتجوا بحديثه عن النبي صلى الله عليه وآله : (كل شئ خطأ إلا السيف، ولكل خطأ أرش). وقال عنه في نيل الأوطار:7/166: (وهذا الحديث يدور على جابر الجعفي) .

2- والقضية أضخم من احتياجهم لأحاديث جابر،أوأن بعضهم كان يعجب بها ولا يصبر عن كتابتها ! أو كان يكتبها ليعرفها ، أو لينص على غرابتها ولم يفعل !

فقد شهد الترمذي بأن أحاديث جابر عمدة أحاديث أئمتهم من محدثي الكوفة! قال في سننه (1/133): (سمعت الجارود يقول: سمعت وكيعاً يقول: لولا جابر الجعفي لكان أهل الكوفة بغير حديث ) ! ومعناه أنهم مع بغضهم لجابر لتشيعه ، ازدحموا في بيته وكتبوا عنه ودلسوا فيها فنسبوها الى غيره !

قال أبو داود: ( رأيت زكريا بن أبي زائدة يزاحمنا عند جابر فقال لي سفيان: نحن شباب وهذا الشيخ ماله يزاحمنا؟!).

وكان شعبة يسمي من يطعن في جابر مجانين يقولون ما لايفعلون ! فكلهم تلاميذه! (قال لنا شعبة: لا تنظروا إلى هؤلاء المجانين الذين يقعون في جابر. هل جاءكم بأحد لم يلقه)! (ميزان الإعتدال:1/382 ، والجرح والتعديل للرازي:1/117) .

3- وبرر ابن حبان روايتهم عنه فقال: (فإن احتج محتج بأن شعبة والثوري رويا عنه ، فإن الثوري ليس من مذهبه ترك الرواية عن الضعفاء بل كان يؤدي الحديث على ما سمع، لأن يرغب الناس في كتابة الأخبار ويطلبوها في المدن والأمصار.وأما شعبة وغيره من شيوخنا فإنهم رأوا عنده أشاء لم يصبروا عنها وكتبوها ليعرفوها فربما ذكر أحدهم عنه الشئ بعد الشئ على جهة التعجب ).(المجروحين:(1/209).

4- المشكلة عندهم في جابر الجعفي ليست عقدته ! فأمثال جابر عندهم كثيرون وقد رووا عنهم واحتجوا بهم ، وبلغ عددهم أكثر من مئة راوٍ في صحيح بخاري ومسلم فقط ، لأن شرط الراوي عندهم أن يكون ثقة في نقله بقطع النظر عن مذهبه، وقد قبلوا قول الطبيب غير المسلم إذا كان ثقة. ويكفي مثلاً عبد الرزاق الصنعاني الشيعي الذي رحلوا اليه ورووا عنه !

فالمشكلة في جابر لست عقدية بل أن أحاديثه ثقيلة في الوصية لعلي والعترة عليهم السلام وأن الله تعالى فرض طاعتهم على الأمة وفي أولها الصحابة ! وهذا ينسف شرعية الخلافة القرشية التي قامت على ادعائهم أن النبي صلى الله عليه وآله لم يوص وأن بني هاشم يكفيهم النبوة ، ويجب أن الخلافة يجب أن تكون من نصيب بقية القبائل !

ومثلها مروياته الثقيلة عن النبي صلى الله عليه وآله في بعض الصحابة ، ولهذا قالوا إنه رافضي يشتم الصحابة ويؤمن بالرجعة ، أي بظهور المهدي عليه السلام بعد غيابه .

وينبغي أن تعرف أن علماء السلطة عندما يواجهون راوياً محترماً يروي هذه الأحاديث ، فقد يهاجمونه ويضعفونه كما رأيت ، أو يقولون هو جيد لكن الرواة عنه ضعاف حرفوا حديثه وكذبوا عليه! وقد قالوا ذلك في جابر رحمه الله وصبوا غضبهم على تلميذه عمرو بن شمرالذي يروي عنه الأوزاعي فقالوا:( سفيان بن سعيد: عمرو بن شمر هذا أكثر عن جابر وما رأيته عنده قط). (الجرح والتعديل: 1/77). أو قالوا أحاديثه منكرة وهو متروك ، أي منكرة عند الحكومات! ولذا تركها علماؤها ! فالمنكر عند الحكومة منكر عند الله ورسوله صلى الله عليه وآله ! والمتروك عندهم متروك عند الله ورسوله صلى الله عليه وآله ! ولذلك قالوا إنهم تركوا جابراً ولم يتركوه !

قال سفيان بن عيينة: (تركت جابراً الجعفي لما سمعت منه قال: دعا رسول الله (ص) علياً فعلمه مما تعلم ، ثم دعا عليٌّ الحسن فعلمه مما تعلم ، ثم دعا الحسن الحسين فعلمه مما تعلم ، ثم دعا ولده ، حتى بلغ جعفر بن محمد. قال سفيان: فتركته لذلك). (ميزان الذهبي:1/381) . وقد كذبوا على سفيان خوفاً من زملائه المجانين حسب تعبير شعبة ! قال عبد الرحمن بن مهدي:( ألا تعجبون من سفيان بن عيينة يقول: لقد تركت جابراً الجعفي لقوله لما حُكِيَ عنه أكثر من ألف حديث  ، ثم هو يحدث عنه!) . (تهذيب الكمال:4/469) .

5- يلفتنا في ترجمة جابر جوابه رحمه الله لمن سأله: (كيف تسلم على المهدي؟ قال: إن قلت لك كفرت) ! ومعناه أنه كان يسلم على إمامه الباقر عليه السلام أو على خاتم الأئمة المهدي قبل ولادته ، وأن تلميذه تعجب من هذا السلام كيف يصل الى صاحبه وهو غائب لم يولد ! فأجابه جابر بأني لو شرحت لك ذلك لم تتحمله وكفرت به !وهذا يدل على مقام جابر الخاص في التشيع رحمه الله  .

6- معنى قول ابن حجر في آخر ترجمة جابر: (سمعته يقول: الحارث بن سريج في كتاب الله فقال له رجل من قومه: لاوالله ما في كتاب الله سريح ، يعني الحارث الذي كان خرج في آخر دولة بني أمية): أن جابراً كان حياً عندما ثار الحارث بن سريح على نصر بن سيار حاكم خراسان ، وأنه رأى فيه بداية أحداث زوال دولة بني أمية ، تفسيراً لما أخبره به الإمام الباق عليه السلام أو لبعض آيات الشجرة الملعونة وحكمهم ألف شهر ، وقد قتل الحارث وقتل معه جهم بن صفوان والسختياني ، وكانت ثورته سنة128 ، كما في الطبري:6/6، وتاريخ خليفة/307، والذهبي:8/383 .

والذي اعترض على جابر لم يفهم قوله فاعتبره كذاباً .

وفي الوافي (11/161): (وكانت قتلته في حدود الثلاثين والمئة).

والمرجح أن جابراً عاش الى سنة132، كما قال ابن معين في تهذيب التهذيب أي شهد سقوط الأمويين ، بدليل أن الإمام الباقر عليه السلام أعطاه أحاديث لينشرها بعد سقوطهم ، وهو إخبار بأنه سيبقى الى ذلك الوقت .

كان جابر عند الأئمة عليهم السلام بمنزلة سلمان الفارسي

قال ذريح المحاربي: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن جابر الجعفي وما روى؟ فلم يجبني فسألته الثالثة فقال لي:ياذريح دع ذكر جابرفإن السفلة إذا سمعوا بأحاديثه شنَّعوا)

وروى الصدوق في الإختصاص/ 216 أن المفضل سأل الإمام الصادق عليه السلام : ( يا ابن رسول الله فما منزلة جابر بن يزيد منكم؟ قال: منزلة سلمان من رسول الله صلى الله عليه وآله قال: فما منزلة داود بن كثير الرقي منكم؟ قال: منزلة المقداد من رسول الله صلى الله عليه وآله ).

وفي الكافي ( 8 / 157): (عن جابر بن يزيد قال:حدثني محمد بن علي سبعين حديثاً لم أحدث بها أحداً قط ، ولا أحدث بها أحداً أبداً ، فلما مضى محمد بن علي ثقلت على عنقي وضاق بها صدري ، فأتيت أبا عبد الله فقلت: جعلت فداك إن أباك حدثني سبعين حديثاً لم يخرج مني شيئاً منها ولا يخرج شئ منها إلى أحد ، وأمرني بسترها وقد ثقلت على عنقي وضاق بها صدري فما تأمرني؟ فقال: يا جابر إذا ضاق بك من ذلك شئ فأخرج إلى الجبانة واحتفر حفيرة ثم دلِّ رأسك فيها وقل: حدثني محمد بن علي بكذا وكذا، ثم طُمَّهُ فإن الأرض تستر عليك!قال:جابر ففعلت ذلك فخف عني ما كنت أجده).

وفي رجال الطوسي(2/438) عن ذريح المحاربي قال: (عن جابر قال: حدثني أبو جعفر بسبعين ألف حديث لم أحدث بها أحداً قط ، ولا أحدث بها أحداً أبداً . وقال جابر: دفع إليَّ الباقر عليه السلام كتاباً وقال لي: إن أنت حدثت به حتى تهلك بنو أمية فعليك لعنتي ولعنة آبائي ، وإذا أنت كتمت منه شيئاً بعد هلاك بني أمية فعليك لعنتي ولعنة آبائي ، ثم دفع إليَّ كتاباً آخر ، ثم قال: وهاك هذا ، فإن حدثت بشئ منه أبداً فعليك لعنتي ولعنة آبائي ) .

أقول: في الحديث الأخير إخبار بأن زوال ملك بني أمية سيكون في حياة جابر بن يزيد الجعفي ، وهذا ما حصل ، وهو من معجزات الإمام الباقر عليه السلام  !

كان جابر الجعفي صاحب كرامات

كان جابر صاحب كرامات ومعجزات رويت له ، ولا عجب في ذلك فقد أعطى المسيح عليه السلام بعض تلاميذه القدرة على المعجزة . والنبي صلى الله عليه وآله وآله عليهم السلام أفضل من المسيح.

وكم كنت أتأسف لبعض أستاتذتنا أنه كان ينتقد جابر رحمه الله ولا يحب أحاديثه ويقول إنها يغلب عليها حسب تعبيره الغيبيات ! مع أن هذا الكلام يمكن قوله للقرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله فحجم الغيب فيها أكبر من الشهادة !

ومن كرامات جابر: (جاء قوم إلى جابر الجعفي فسألوه أن يعينهم في بناء مسجدهم فقال: ما كنت بالذي أعين في بناء شئ يقع منه رجل مؤمن فيموت ، فخرجوا من عنده وهم يبخلونه ويكذبونه ، فلما كان من الغد أتموا الدراهم ووضعوا أيديهم في البناء ، فلما كان عند العصر ، زلت قدم البناء فوقع فمات !

العلاء بن شريك رجل من جعفى قال: خرجت مع جابر لما طلبه هشام حتى انتهى إلى السواد قال: فبينا نحن قعود وراع قريب منا ، إذ لعبت نعجة من شاته إلى حمل فضحك جابر، قلت له: ما يضحكك يا أبا محمد؟ قال: إن هذه النعجة دعت حملها فلم يجئ . فقالت له: تنح عن ذلك الموضع فإن الذئب عام أول أخذ أخاك منه . فقلت: لأعلمن حقيقة هذا أو كذبه !

فجئت إلى الراعي فقلت: يا راعي تبيعني هذا الحمل . قال: فقال: لا. فقلت ولمَ ؟ قال: لأن أمه أفْرَهُ شاة في الغنم وأغزرها درَّة ، وكان الذئب أخذ حملاً لها عند عام الأول من ذلك الموضع فما رجع لبنها ، حتى وضعت هذا فدرَّت . فقلت:صدق. ثم أقبلت فلما صرت على جسرالكوفة نظر إلى رجل معه خاتم ياقوت فقال له: يا فلان خاتمك هذا البراق أرنيه. قال: فخلعه فأعطاه ، فلما صار في يده رمى به في الفرات ! قال الآخر: ما صنعت؟ قال: تحب أن تأخذه ؟ قال: نعم فقال بيده إلى الماء ، فأقبل الماء يعلو بعضه على بعض حتى إذا قرب تناوله وأخذه !

عن عروة بن موسى قال: كنت جالساً مع أبي مريم الحناط وجابر عنده جالس ، فقام أبو مريم فجاء بدورق من ماء بئر مبارك بن عكرمة فقال له جابر: ويحك يا أبا مريم كأني بك قد استغنيت عن هذه البئر واغترفت من هاهنا من ماء الفرات.. يجري فيه ماء الفرات فتخرج المرأة الضعيفة والصبي فيغترف منه ، ويجعل له أبواب في بني رواس وفي بني موهبة وعند بئر بني كندة ، وفي بني فزارة حتى تتغامس فيه الصبيان ، قال عليٌّ: إنه قد كان ذلك). (معجم السيد الخوئي:4 /344 ) .

وقال السيد الخوئي(4/341):(عن جابر: قال أبو جعفر عليه السلام :يا جابر، حديثنا صعب مستصعب ، أمردُ ذِكْوار ، وعِرٌ أجرد ، لا يحتمله والله إلا نبي مرسل ، أو ملك مقرب ، أو مؤمن ممتحن ، فإذا ورد عليك يا جابر شئ من أمرنا فلان له قلبك ، فاحمد الله ، وإن أنكرته فرده إلينا أهل البيت ولا تقل كيف جاء هذا أو كيف كان وكيف هو؟ فإن هذا والله الشرك بالله العظيم .

عن جابر قال: رويت خمسين ألف حديث ما سمعه أحد مني .

عن أبي جميلة المفضل بن صالح ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، قال: حدثني أبو جعفر عليه السلام بسبعين ألف حديث ، لم أحدثها أحداً قط ، ولا أحدث بها أحداً أبداً .

قال جابر: فقلت لأبي جعفر عليه السلام جعلت فداك ، إنك قد حملتني وقراً عظيماً بما حدثتني به من سركم الذي لا أحدث به أحداً ، فربما جاش في صدري ، حتى يأخذني منه شبه الجنون . قال: يا جابر فإذا كان ذلك فاخرج إلى الجبان ، فاحفر حفيرة ودل رأسك فيها ، ثم قل: حدثني محمد بن علي بكذا وكذا ).

مؤلفات جابر الجعفي

وقد ألَّفَ جابر كتباً رواها العلماء، وألف بعضهم كتاباً في أخباره:(له كتب ، منها التفسير، أخبرناه أحمد بن محمد. وله كتاب النوادر..وله كتاب الفضائل.. وكتاب الجمل ، وكتاب صفين ، وكتاب النهروان ، وكتاب مقتل أمير المؤمنين، وكتاب مقتل الحسين. روى هذه الكتب: الحسين بن الحصين العمِّي.. وقال القتيبي: هو من الأزد . وعدَّه المفيد في رسالته العددية ممن لامطعن فيهم ولا طريق لذم واحد منهم . وعده ابن شهرآشوب من خواص أصحاب الصادق عليه السلام . وقال العلامة إن الصادق عليه السلام ترحم عليه وقال: إنه كان يصدق علينا). (السيد الخوئي:4/ 336 ) .

وقال النجاشي/85 في ترجمة أحمد بن محمد الجوهري: ( له كتب ، منها: كتاب مقتضب الأثر في عدد الأئمة الاثني عشر.. كتاب أخبار جابر الجعفي ) .

وقد وثَّقَهُ كبار علمائنا وعظموه ، قال السيد الخوئي (4/344): ( الذي ينبغي أن يقال: إن الرجل لا بد من عده من الثقات الأجلاء لشهادة علي بن إبراهيم ، والشيخ المفيد في رسالته العددية ، وشهادة ابن الغضائري على ما حكاه العلامة ، ولقول الصادق عليه السلام في صحيحة زياد: إنه كان يصدق علينا ).

اتسع تأثير جابر الجعفي فأخذ الخليفة الأحول قراراً بقتله !

روى في الكافي:1/396 ، عن النعمان بن بشير قال: (كنت مزاملاً لجابر بن يزيد الجعفي فلما أن كنا بالمدينة دخل على أبي جعفر عليه السلام فودعه وخرج من عنده وهو مسرور ، حتى وردنا الأُخَيْرجة أول منزل نعدل من فيد إلى المدينة ، يوم جمعة ، فصلينا الزوال فلما نهض بنا البعير إذا أنا برجل طوال آدم معه كتاب ، فناوله جابراً فتناوله فقبله ووضعه على عينيه ، وإذا هو: من محمد بن علي إلى جابر بن يزيد ، وعليه طين أسود رطب ! فقال له: متى عهدك بسيدي؟ فقال: الساعة . فقال له: قبل الصلاة أو بعد الصلاة؟ فقال: بعد الصلاة ! ففك الخاتم وأقبل يقرؤه ويقبض وجهه ، حتى أتى على آخره ثم أمسك الكتاب ، فما رأيته ضاحكاً ولا مسروراً حتى وافى الكوفة ! فلما وافينا الكوفة ليلاً بتُّ ليلتي فلما أصبحت أتيته إعظاماً له فوجدته قد خرج عليَّ وفي عنقه كعاب قد علقها وقد ركب قصبة ، وهو يقول: أجد منصور بن جمهور أميراً غير مأمور ، وأبياتاً من نحو هذا ، فنظر في وجهي ونظرت في وجهه ، فلم يقل لي شيئاً ولم أقل له ، وأقبلت أبكي لما رأيته واجتمع عليَّ وعليه الصبيان والناس ! وجاء حتى دخل الرحبة وأقبل يدور مع الصبيان والناس يقولون: جُنَّ جابر بن يزيد جُن . فوالله ما مضت الأيام حتى ورد كتاب هشام بن عبد الملك إلى واليه أن انظر رجلاً يقال له: جابر بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه ، فالتفت إلى جلسائه فقال لهم: من جابر بن يزيد الجعفي؟ قالوا: أصلحك الله كان رجلاً له علم وفضل وحديث ، وحج فجن ، وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم ! قال: فأشرف عليه فإذا هو مع الصبيان يلعب على القصب ، فقال الحمد لله الذي عافاني من قتله . قال ولم تمض الأيام حتى دخل منصور بن جمهور الكوفة وصنع ما كان يقول جابر) .

ورواه في الإختصاص/67 ، وفيه أن كتاب هشام الى والي الكوفة وصل بعد ثلاثة أيام ، وأن الوالي كتب إلى هشام: (إنك كتبت إلي في أمر هذا الرجل الجعفي وإنه جُن ! فكتب إليه: دعه). وفيد:منتصف الطريق بين الكوفة ومكة ، بينها وبين تيماء ست ليال. والأخيْرجة: مكان قرب فيد . (معجم البلدان:4/282).

ملاحظتان

1- جابر الجعفي رحمه الله من حواريي الإمام الباقر عليه السلام وجنود الله الخاصين ، رباه ثمانية عشر سنة ، ثم أرسله الى الكوفة قاعدة الإسلام وعاصمة التشيع ليقوم بنشر حديث النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله  ، بين الشيعة وكبار علماء الدولة ورواتها ، الذين كانوا بحاجة الى الحديث النبوي ، فكان علمه الغزير سبب إعجاب بعضهم به ، وحسد بعضهم له حتى وشوا به الى الخليفة وحذروه من خطر أحاديثه على بني أمية ، فأرسل الى واليه أن يقتله ، فأمره الإمام الباقر عليه السلام أن يتظاهر بالجنون فنجاه الله تعالى ، فلما اطمأن عاد الى وضعه الطبيعي !

ثم أرسل الخليفة مرة أخرى الى واليه أن يقبض عليه ، ففرَّ منه الى سواد الكوفة ففي رجال الطوسي (2/444): (خرجت مع جابر لما طلبه هشام حتى انتهى إلى السواد). وقد يكون ذلك بعد شهادة الباقر عليه السلام سنة114 ، ويظهرأن الوالي يومها غير الوالي السابق ، لأن السابق سأل عنه مَن هو؟

ثم أراد الخليفة قتله مرة أخرى سنة126عند قتل الوليد ، فأظهر الجنون مجدداً ! ففي رجال الطوسي (2/437): (دخلت المسجد حين قتل الوليد فإذا الناس مجتمعون قال: فأتيتهم فإذا جابر الجعفي عليه عمامة خز حمراء ، وإذا هو يقول: حدثني وصي الأوصياء ووارث علم الأنبياء محمد بن علي عليه السلام قال: فقال الناس: جُنَّ جابر ، جُن جابر). والوليد قتله ابن عمه الوليد بن يزيد سنة126 .

ومعنى ذلك أن جابراً رحمه الله كان لبضع عشرة سنة في أواخر عمره متخفياً من قبضة الخليفة ، حتى سقط النظام الأموي ! ولذلك ترى التفاوت في تاريخ وفاة جابر .

2- الطريقة التي أوصل الإمام عليه السلام الخبر الى جابر فيها إعجاز ، وقد فهمها الكليني رحمه الله بأن الإمام عليه السلام استفاد من مؤمني الجن فقطع الرسول منهم مسيرة أسبوع في ساعة ، ولذا روى الحديث تحت عنوان: ( أن الجن يأتونهم فيسألونهم عن معالم دينهم ويتوجهون في أمورهم). وقد وثق بالخاتم وبحامل الكتاب .

من مرويات جابر الجعفي

تفسير: الله الصمد

1- قال جابر الجعفي: سألت أبا جعفر عليه السلام عن شئ من التوحيد ، فقال: (إن الله تباركت أسماؤه التي يدعى بها وتعالى في علو كنهه واحد، توحد بالتوحيد في توحده ، ثم أجراه على خلقه فهو واحد ، صمد ، قدوس ، يعبده كل شئ ، ويصمد إليه كل شئ ، ووسع كل شئ علماً . فهذا هو المعنى الصحيح في تأويل الصمد ، لا ما ذهب إليه المشبهة:أن تأويل الصمد: المصمت الذي لا جوف له ، لأن ذلك لايكون إلا من صفة الجسم والله جل ذكره متعال عن ذلك ، هو أعظم وأجل من أن تقع الأوهام على صفته ، أو تدرك كنه عظمته ، ولو كان تأويل الصمد في صفة الله عزّ وجلّ المصمت لكان مخالفاً لقوله عزّ وجلّ : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء ، لأن ذلك من صفة الأجسام المصمتة التي لا أجواف لها ، مثل الحجر والحديد . تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً). (الكافي:1/123).

إعرف هل يحبك الله أم لا ؟

2- قال جابر الجعفي ، قال الباقر عليه السلام : (إذا أردت أن تعلم أن فيك خيراً فانظر إلى قلبك ، فإن كان يحب أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته ففيك خير والله يحبك ، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحب أهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك والمرء مع من أحب ). (الكافي:1/126).

الإرتباط بين أروح المؤمنين في الدنيا

3- قال جابر: (تقبضت بين يدي أبي جعفر فقلت: جعلت فداك ربما حزنت من غير مصيبة تصيبني أو أمر ينزل بي حتى يعرف ذلك أهلي في وجهي وصديقي ! فقال: نعم يا جابر ، إن الله عزّ وجلّ خلق المؤمنين من طينة الجنان وأجرى فيهم من ريح رَوْحه ، فلذلك المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه فإذا أصاب روحاً من تلك الأرواح في بلد من البلدان حزن ، حزنت هذه لأنها منها). (الكافي:2/166).

وتفسيره أن الأرواح المتناسبة التي تعارفت في عالم الذر ، مرتبطة ببعضها في الحياة الدنيا ومتفاعلة حتى لو كانت بلدانها متباعدة !

اليقين أعلى درجات الإيمان

4- قال له الإمام الصادق عليه السلام : (يا أخا جعف ، إن اليقين أفضل من الإيمان ، وما من شئ أعز من اليقين) . (كتاب التمحيص/62). أي أفضل من الإيمان بدون يقين .

ما رآه أمير المؤمنين عليه السلام في احتضاره

5- روى جابر ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن حبيب بن عمرو قال: (دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام في مرضه الذي قبض فيه فحل عن جراحته فقلت: يا أمير المؤمنين ، ما جرحك هذا بشئ وما بك من بأس. فقال لي: يا حبيب أنا والله مفارقكم الساعة. قال: فبكيت عند ذلك وبكت أم كلثوم وكانت قاعدة عنده ، فقال لها: ما يبكيك يا بنية ؟ فقالت: ذكرت يا أبه أنك تفارقنا الساعة فبكيت . فقال لها: يا بنية لا تبكين فوالله لو ترين ما يرى أبوك ما بكيت . قال حبيب: فقلت له: وما الذي ترى يا أمير المؤمنين؟ فقال: يا حبيب ، أرى ملائكة السماوات والنبيين بعضهم في أثر بعض وقوفاً إلى أن يتلقوني ، وهذا أخي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله جالس عندي ، يقول: أقدم ، فإن أمامك خير لك مما أنت فيه .

قال: فما خرجت من عنده حتى توفي عليه السلام ! فلما كان من الغد وأصبح الحسن عليه السلام ، قام خطيباً على المنبرفحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ، في هذه الليلة نزل القرآن ، وفي هذه الليلة رفع عيسى بن مريم عليه السلام ، وفي هذه الليلة قتل يوشع بن نون ، وفي هذه الليلة مات أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام .

والله لا يسبق أبي أحد كان قبله من الأوصياء إلى الجنة ، ولا من يكون بعده .

وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله ليبعثه في السرية فيقاتل ، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، وما ترك صفراء ولا بيضاء ، إلا سبع مائة درهم فضلت من عطائه ، كان يجمعها ليشتري بها خادماً لأهله ) . (أمالي الصدوق/396).

مقام زيد وأصحابه عليه السلام

6- عن جابر ، عن الباقر عن آبائه عليهم السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله للحسين عليه السلام : يا حسين،يخرج من صلبك رجل يقال له زيد يتخطى وهو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس ، غراً محجلين يدخلون الجنة بلا حساب ) . (أمالي الصدوق/409).

للأم ثلثا البر وللأب الثلث !

7- عن جابر ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام ، قال: (قال موسى بن عمران: يا رب أوصني . قال: أوصيك بي . فقال: يا رب أوصني ، قال: أوصيك بي ، ثلاثاً . قال يا رب أوصني . قال: أوصيك بأمك . قال: يا رب أوصني . قال: أوصيك بأمك . قال: يا رب أوصني . قال: أوصيك بأبيك. قال: فكان يقال لأجل ذلك ، إن للأم ثلثي البر ، وللأب الثلث ) . (أمالي الصدوق/601).

ليس كل من انتحل التشيع شيعياً

8- عن جابر قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام : (يا جابر، أيكتفي من انتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت؟فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع وكثرة ذكر الله ، والصوم والصلاة ، والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام ، وصدق الحديث وتلاوة القرآن ، وكف الألسن عن الناس إلا من خير ، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء. فقال جابر: يا بن رسول الله، لست أعرف أحداً بهذه الصفة . فقال عليه السلام : يا جابر، لاتذهبن بك المذاهب ، أحسب الرجل أن يقول أحب علياً وأتولاه ! فلو قال: إني أحب رسول الله ، ورسول الله خير من علي ، ثم لا يعمل بعمله ولا يتبع سنته ، ما نفعه حبه إياه شيئاً ، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله ، ليس بين الله وبين أحد قرابة ، أحب العباد إلى الله وأكرمهم عليه أتقاهم له وأعملهم بطاعته ، والله ما يتقرب إلى الله جل ثناؤه إلا بالطاعة ، ما معنا براءة من النار ، ولا على الله لأحد من حجة ، من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو ، ولا تنال ولايتنا إلا بالورع والعمل). (أمالي الصدوق/725).

معنى: لا حول ولا قوة إلا بالله

9- قال جابر الجعفي: (سألت محمد بن علي الباقر عليه السلام عن معنى: لا حول ولا قوة إلا بالله؟ فقال: معناه لا حول لنا عن معصية الله إلا بعون الله ، ولا قوة لنا على طاعة الله إلا بتوفيق الله عزّ وجلّ ). (التوحيد للصدوق/242).

تفسير: أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد

10- قال جابر: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله عزّ وجلّ : أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ . قال: يا جابر تأويل ذلك أن الله عزّ وجلّ إذا أفنى هذا الخلق وهذا العالم وسكن أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار جدد الله عالماً غير هذا العالم وجدد خلقاً من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحدونه ، وخلق لهم أرضاً غير هذه الأرض تحملهم ، وسماء غير هذه السماء تظلهم .

لعلك ترى أن الله إنما خلق هذا العالم الواحد ، وترى أن الله لم يخلق بشراً غيركم ، بلى والله لقد خلق الله ألف ألف عالم ، وألف ألف آدم أنت في آخر تلك العوالم وأولئك الآدميين ). (التوحيد للصدوق/277).

ما حكمة خلق الأطفال ذوي العاهات ؟

11- قال جابر الجعفي: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام : يا ابن رسول الله إنا نرى من الأطفال من يولد ميتاً ، ومنهم من يسقط غير تام ، ومنهم من يولد أعمى أو أخرس أو أصم ، ومنهم من يموت من ساعته إذا سقط على الأرض ، ومنهم من يبقى إلى الإحتلام ، ومنهم من يعمر حتى يصير شيخاً ، فكيف ذلك وما وجهه ؟ فقال عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى أولى بما يدبره من أمر خلقه منهم ، وهو الخالق والمالك لهم ، فمن منعه التعمير فإنما منعه ما ليس له ، ومن عمره فإنما أعطاه ما ليس له ، فهو المتفضل بما أعطاه وعادل فيما منع ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، قال جابر: فقلت له: يا ابن رسول الله وكيف لا يسأل عما يفعل؟ قال: لأنه لا يفعل إلا ما كان حكمةً وصواباً ، وهو المتكبر الجبار والواحد القهار فمن وجد في نفسه حرجاً في شئ مما قضى الله فقد كفر ، ومن أنكر شيئاً من أفعاله جحد ). (التوحيد للصدوق/397).

إذا وفى المؤمن بعشرين خصلة لا يفتن ولا يضل

12- قال جابر: قال أبو جعفر عليه السلام قال: (للمؤمن على الله عزّ وجلّ عشرون خصلة يفي له بها ، على الله تبارك وتعالى أن لا يفتنه ولا يضله ، وله على الله أن لا يعريه ولا يجوعه ، وله على الله أن لا يشمت به عدوه ، وله على الله أن لا يخذله ويعزله ، وله على الله أن لا يهتك ستره ، وله على الله أن لا يميته غرقاً ولا حرقاً ، وله على الله أن لا يقع على شئ ولا يقع عليه شئ ، وله على الله أن يقيه مكر الماكرين ، وله على الله أن يعيذه من سطوات الجبارين ، وله على الله أن يجعله معنا في الدنيا والآخرة ، وله على الله أن لا يسلط عليه من الأدواء ما يشين خلقته ، وله على الله أن يعيذه من البرص والجذام وله على الله أن لا يميته على كبيرة ، وله على الله أن لا ينسيه مقامه في المعاصي حتى يحدث توبة ، وله على الله أن لا يحجب عنه معرفته بحجته ، وله على الله أن لا يعزز في قلبه الباطل ، وله على الله أن يحشره يوم القيامة ونوره يسعى بين يديه ، وله على الله أن يوفقه لكل خير ، وله على الله أن لا يسلط عليه عدوه فيذله ، وله على الله أن يختم له بالأمن والايمان ويجعله معنا في الرفيق الاعلى . هذه شرائط الله عزّ وجلّ للمؤمنين ). (الخصال/516).

الأئمة عليهم السلام أمان للأرض من العذاب

13- قال جابرالجعفي: (قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام :لأي شئ يحتاج إلى النبي صلى الله عليه وآله والإمام ؟ فقال لبقاء العالم على صلاحه ، وذلك أن الله عزّ وجلّ يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبي أو إمام . قال الله عزّ وجلّ : وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ. وقال النبي صلى الله عليه وآله :النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون ، وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون . يعني بأهل بيته الأئمة الذين قرن الله عزّ وجلّ طاعتهم بطاعته فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ . وهم المعصومون المطهرون الذين لا يذنبون ولا يعصون ، وهم المؤيدون الموفقون المسددون ، بهم يرزق الله عباده ، وبهم تعمر بلاده ، وبهم ينزل القطر من السماء وبهم يخرج بركات الأرض ، وبهم يمهل أهل المعاصي ولا يعجل عليهم بالعقوبة والعذاب ، لايفارقهم روح القدس ولا يفارقونه ، ولا يفارقون القرآن ولا يفارقهم. صلوات الله عليهم أجمعين) . (علل الشرائع:1/123).

لمَ سمي الباقر باقراً ؟

14- قال جابر: (حدثني جابر بن عبد الله الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يا جابر إنك ستبقى حتى تلقى ولدي محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف في التوراة بباقر فإذا لقيته فاقرأه مني السلام..

روى جابر الجعفي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري ، وفيه: ثم كان جابر يأتيه فيجلس بين يديه فيعلمه ، وربما غلط جابر فيما يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وآله فيرد عليه ويذكره فيقبل ذلك منه ويرجع إلى قوله ، وكان يقول: يا باقر يا باقر يا باقر ، أشهد بالله أنك قد أوتيت الحكم صبياً) . (علل الشرائع:1/233) .

وفي رواية: فكان جابر بعد ذلك يختلف إليه ويتعلم منه فسأله محمد بن علي عن شئ فقال له جابر: والله ما دخلت في نهي رسول الله صلى الله عليه وآله فقد أخبرني أنكم أئمة هداة من أهل بيته من بعده أحلم الناس صغاراً، وأعلم الناس كباراً ، وقال:لاتعلموهم فهم أعلم منكم. فقال أبو جعفر عليه السلام : صدق جدي رسول الله صلى الله عليه وآله ، إني لأعلم منك بما سألتك عنه ، ولقد أوتيت الحكم صبياً . كل ذلك بفضل الله علينا ورحمته لنا أهل البيت ).

سمى النبي صلى الله عليه وآله الأئمة الإثني عشر عليهم السلام

15- قال جابر الجعفي: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: (لما أنزل الله عزّ وجلّ على نبيه محمد صلى الله عليه وآله :فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَئٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم .قلت:يا رسول الله عرفنا الله ورسوله ، فمن أولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال عليه السلام : هم خلفائي يا جابر، وأئمة المسلمين بعدي أولهم علي بن أبي طالب ، ثم الحسن والحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر ، وستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم سميي وكنيي حجة الله في أرضه ، وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي ، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للايمان . قال جابر: فقلت له: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الإنتفاع به في غيبته؟ فقال: إي والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها سحاب ، يا جابر هذا من مكنون سر الله ، ومخزون علمه ، فاكتمه إلا عن أهله ). (كمال الدين/253).

وروى جابر، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام قال: قلت له: يا ابن رسول الله إن قوماً يقولون: إن الله تبارك وتعالى جعل الإمامة في عقب الحسين والحسين قال: كذبوا والله ، أولم يسمعوا الله تعالى ذكره يقول: وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ، فهل جعلها إلا في عقب الحسين. ثم قال: يا جابر إن الأئمة هم الذين نص رسول الله صلى الله عليه وآله بالإمامة ، وهم الأئمة الذين قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما أسري بي إلى السماء وجدت أساميهم مكتوبة على ساق العرش بالنور اثنا عشر إسماً، منهم علي وسبطاه وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والحجة القائم ، فهذه الأئمة من أهل بيت الصفوة والطهارة . والله ما يدعيه أحد غيرنا إلا حشره الله تعالى مع إبليس وجنوده ). (كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر:246).

حديث النبي صلى الله عليه وآله في أن للمهدي غيبة

16- روى جابر الجعفي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله المهدي من ولدي ، إسمه إسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً ، تكون به غيبة وحيرة تضل فيها الأمم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب ، يملؤها عدلاً وقسطاً ، كما ملئت جوراً وظلماً ). (كمال الدين/253).

وروى عنه: (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن ذا القرنين كان عبداً صالحاً جعله الله عزّ وجلّ حجة على عباده فدعا قومه إلى الله وأمرهم بتقواه ، فضربوه على قرنه فغاب عنهم زماناً حتى قيل: مات أو هلك بأي واد سلك ، ثم ظهر ورجع إلى قومه فضربوه على قرنه الآخر ، وفيكم من هو على سنته ، وإن الله عزّ وجلّ مكن لذي القرنين في الأرض ، وجعل له من كل شئ سبباً وبلغ المغرب والمشرق ، وإن الله تبارك وتعالى سيجري سنته في القائم من ولدي فيبلغه شرق الأرض وغربها حتى لا يبقى منهل ولا موضع من سهل ولا جبل وطأه ذو القرنين إلا وطأه ، ويظهر الله عزّ وجلّ له كنوز الأرض ومعادنها ، وينصره بالرعب ، فيملأ الأرض به عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً).(كمال الدين/394).

أصحاب المهدي الثلاث مئة وثلاثة عشر

17- قال جابر الجعفي: قال الباقر عليه السلام : (كأني بأصحاب القائم عليه السلام وقد أحاطوا بما بين الخافقين فليس من شئ إلا وهو مطيع لهم ، حتى سباع الأرض وسباع الطير ، يطلب رضاهم في كل شئ ، حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول: مر بي اليوم رجل من أصحاب القائم عليه السلام ).(كمال الدين/673).

سيكون بعدي أئمة من أهل بيتي

18- قال جابر الجعفي: قال الباقر عليه السلام : (لما أنزلت: يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ، قال المسلمون: يا رسول الله ألست إمام الناس كلهم أجمعين؟فقال: أنا رسول الله إلى الناس أجمعين ، ولكن سيكون بعدي أئمة على الناس من أهل بيتي من الله ، يقومون في الناس فيكذبهم ويظلمهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم ! ألا فمن والاهم واتبعهم وصدقهم فهو مني ومعي وسيلقاني ، ألا ومن ظلمهم وأعان على ظلمهم وكذبهم فليس مني ولا معي ، وأنا منه برئ) . (المحاسن:1/155).

كان لعلي عليه السلام صاحب يهودي

19- عن جابر الجعفي قال: (كان لأمير المؤمنين صاحب يهودي قال وكان كثيراً ما يألفه وإن كانت له حاجة أسعفه فيها ، فمات اليهودي فحزن عليه واستبدت وحشته له قال: فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وآله وهو ضاحك فقال له يا أبا الحسن ما فعل صاحبك اليهودي ؟ قال قلت:مات قال أغممت به واستبدت وحشتك عليه؟ قال نعم يا رسول الله؟قال فتحب تراه محبوراً ؟ قال نعم بأبي أنت وأمي. قال: إرفع رأسك وكشط له عن السماء الرابعة فإذا هو بقية من زبرجدة خضراء معلقة بالقدرة . فقال له: يا أبا الحسن هذا لمن يحبك من أهل الذمة من اليهود والنصارى والمجوس. وشيعتك المؤمنون معي ومعك غداً في الجنة).(الأصول الستة عشر/96)

ثواب الله لمن يحمده

20- قال جابرالجعفي: قال الباقر عليه السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن المؤمن ليشبع من الطعام والشراب ، فيحمد الله فيعطيه الله من الأجر مالا يعطي الصائم ، إن الله شاكر عليم ، يحب أن يحمد ). (المحاسن:2/435).

العالم والمتعلم شريكان في الأجر

21- قال جابر الجعفي(البصائر/24): قال الباقر عليه السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله :العالم والمتعلم شريكان في الأجر للعالم أجران وللمتعلم أجر، ولا خير في سوى ذلك).

وقال الباقر عليه السلام :مامن عبد يغدو في طلب العلم أو يروح إلا خاض الرحمة وهتفت به الملائكة مرحباً بزاير الله وسلك من الجنة مثل ذلك المسلك).(ثواب الأعمال/131)

رسالة الباقر عليه السلام لجابر في طريقه الى الكوفة

22- عن النعمان بن بشيرقال: (كنت مزاملاً لجابر بن يزيد الجعفي ، فلما أن كنا بالمدينة دخل على أبي جعفر عليه السلام فودعه وخرج من عنده وهو مسرور ، حتى وردنا الأخيرجة أول منزل نعدل من فيد إلى المدينة يوم جمعة فصلينا الزوال ، فلما نهض بنا البعير إذا أنا برجل طوال آدم معه كتاب فناوله جابراً ، فتناوله فقبله ووضعه على عينيه وإذا هو: من محمد بن علي إلى جابر بن يزيد ، وعليه طين أسود رطب ، فقال له: متى عهدك بسيدي؟فقال: الساعة فقال له: قبل الصلاة أو بعد الصلاة؟ فقال: بعد الصلاة ، ففك الخاتم وأقبل يقرؤه ويقبض وجهه حتى أتى على آخره ، ثم أمسك الكتاب ، فما رأيته ضاحكاً ولا مسروراً حتى وافى الكوفة ، فلما وافينا الكوفة ليلاً بت ليلتي فلما أصبحت أتيته إعظاماً له فوجدته قد خرج عليَّ وفي عنقه كعاب ، قد علقها وقد ركب قصبة وهو يقول: أجد منصور بن جمهور أميراً غير مأمور . وأبياتاً من نحو هذا ، فنظر في وجهي ونظرت في وجهه ، فلم يقل لي شيئاً ولم أقل له ، وأقبلت أبكي لما رأيته واجتمع علي وعليه الصبيان والناس ، وجاء حتى دخل الرحبة وأقبل يدور مع الصبيان والناس يقولون: جُنَّ جابر بن يزيد جُن ، فوالله ما مضت الأيام حتى ورد كتاب هشام بن عبد الملك إلى واليه أن انظر رجلاً يقال له: جابر بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه ، فالتفت إلى جلسائه فقال لهم: من جابر بن يزيد الجعفي؟ قالوا: أصلحك الله كان رجلاً له علم وفضل و حديث ، وحج فجن وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم ! قال: فأشرف عليه فإذا هو مع الصبيان يلعب على القصب فقال الحمد لله الذي عافاني من قتله ، قال ولم تمض الأيام حتى دخل منصور بن جمهور الكوفة وصنع ما كان يقول جابر ). (الكافي:1/396).

أول ما خلق الله تعالى نور محمد وآله صلى الله عليه وآله

23- قال جابر:قال لي أبو جعفر عليه السلام :يا جابر إن الله أول ما خلق خلق محمداً صلى الله عليه وآله وعترته الهداة المهتدين ، فكانوا أشباح نور بين يدي الله. قلت: وما الأشباح؟ قال: ظل النور أبدان نورانية بلا أرواح ، وكان مؤيداً بروح واحدة وهي روح القدس ، فبه كان يعبد الله وعترته ، ولذلك خلقهم حلماء ، علماء ، بررة ، أصفياء، يعبدون الله بالصلاة والصوم والسجود والتسبيح والتهليل ، ويصلون الصلوات ويحجون ويصومون). (الكافي:1/442).

خطر اليمين الفاجرة !

24- قال جابر:قال الباقر عليه السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إياكم واليمين الفاجرة فإنها تدع الديار من أهلها بلاقع ). (الكافي:1/436).

اختلاف الناس امتحان ضروري لا بد منه

25- قال جابر: (دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقلت: يا ابن رسول الله قد أرمضني اختلاف الشيعة في مذاهبها فقال:يا جابر ألم أقفك على معنى اختلافهم من أين اختلفوا ومن أي جهة تفرقوا؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله قال: فلا تختلف إذا اختلفوا. يا جابر إن الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول الله في أيامه ، يا جابر اسمع وعِ ، قلت:إذا شئت قال: إسمع وع وبلغ حيث انتهت بك راحلتك: إن أميرالمؤمنين عليه السلام خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك حين فرغ من جمع القرآن ، وتأليفه فقال: الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال إلا وجوده ، وحجب العقول أن تتخيل ذاته لامتناعها من الشبه والتشاكل ، بل هو الذي لا يتفاوت في ذاته ولا يتبعض بتجزئة العدد في كماله ، فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن ، ويكون فيها لا على وجه الممازجة ، وعلمها لا بأداة لايكون العلم إلا بها ، وليس بينه وبين معلومه علم غيره به . كان عالماً بمعلومه ، إن قيل كان فعلى تأويل أزلية الوجود ، وإن قيل لم يزل فعلى تأويل نفي العدم ، فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه ، واتخذ إلهاً غيره علواً كبيراً). (الكافي:8/18).

جابر الجعفي موضع اسرار أهل البيت عليهم السلام

26- عن جابر الجعفي قال: (حدثني محمد بن علي الباقر عليه السلام سبعين حديثاً لم أحدث بها أحداً قط ، ولا أحدث بها أحداً أبداً ، فلما مضى محمد بن علي عليه السلام ثقلت على عنقي وضاق بها صدري ، فأتيت أبا عبد الله عليه السلام فقلت: جعلت فداك إن أباك حدثني سبعين حديثاً لم يخرج مني شيئ منها ولا يخرج شئ منها إلى أحد ، وأمرني بسترها وقد ثقلت على عنقي وضاق بها صدري فما تأمرني؟

فقال: يا جابر إذا ضاق بك من ذلك شئ فاخرج إلى الجبانة واحتفر حفيرة ثم دلِّ رأسك فيها وقل: حدثني محمد بن علي بكذا وكذا ثم طمَّها، فإن الأرض تستر عليك ، قال: جابر ففعلت ذلك فخف عني ما كنت أجده ). (الكافي:8/157).

بعض الأحلام تتحقق حسب تفسيرها !

27- قال جابر: قال الباقر عليه السلام : (كان رسول الله كان يقول: إن رؤيا المؤمن ترف بين السماء والأرض على رأس صاحبها حتى يعبرها لنفسه أو يعبرها له مثله ، فإذا عبرت لزمت الأرض ، فلا تقصوا رؤياكم إلا على من يعقل) . (الكافي:8/336).

إذا اختلفت الأهواء فعليك بعلي عليه السلام

28- عن جابرالجعفي، عن سعيد بن المسيب ، عن عبد الرحمن بن سمرة ، قال: (قلت يا رسول الله أرشدني إلى النجاة . فقال: يا ابن سمرة ، إذا اختلفت الأهواء ، وتفرقت الآراء ، فعليك بعلي بن أبي طالب ، فإنه إمام أمتي ، وخليفتي عليهم من بعدي ، وهو الفاروق الذي يميز بين الحق والباطل ، من سأله أجابه ، ومن استرشده أرشده ، ومن طلب الحق من عنده وجده ، ومن التمس الهدى لديه صادفه ، ومن لجأ إليه آمنه ، ومن استمسك به نجاه ، ومن اقتدى به هداه .

يا ابن سمرة ، سلم من سلم له ووالاه ، وهلك من رد عليه وعاداه .

يا ابن سمرة ، إن علياً مني ، روحه من روحي ، وطينته من طينتي ، وهو أخي وأنا أخوه ، وهو زوج ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين . إن منه إمامي أمتي، وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين ، وتسعة من ولد الحسين تاسعهم قائم أمتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ). (أمالي الصدوق/78).

شكر الله لجعفر بن أبي طالب أربع خصال

29- قال جابر:قال الباقر عليه السلام : (أوحى الله عزّ وجلّ إلى رسوله صلى الله عليه وآله : أني شكرت لجعفر بن أبي طالب أربع خصال ، فدعاه النبي صلى الله عليه وآله فأخبره ، فقال: لولا أن الله أخبرك ما أخبرتك:ما شربت خمراً قط ، لأني علمت أن لو شربتها زال عقلي ، وما كذبت قط ، لأن الكذب ينقص المروءة ، وما زنيت قط ، لأني خفت أني إذا عملت عُمل بي ، وما عبدت صنماً قط لأني علمت أنه لا يضر ولا ينفع . قال: فضرب النبي صلى الله عليه وآله يده على عاتقه فقال: حق لله عزّ وجلّ أن يجعل لك جناحين تطير بهما مع الملائكة في الجنة).(أمالي الصدوق/133).

ستدفن بخراسان بضعة مني من زارها فله الجنة

30- قال جابر الجعفي:سمعت وصي الأوصياء ووارث علم الأنبياء أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يقول:حدثني سيد العابدين علي بن الحسين ، عن سيد الشهداء الحسين بن علي بن أبي طالب، عن سيد الأوصياء أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله :ستدفن بضعة مني بخراسان ، ما زارها مكروب إلا نفس الله كربته ، ولا مذنب إلا غفر الله ذنوبه). (أمالي الصدوق/180).

سليمان بن مهران الأعمش

1- أجمع العلماء على اختلاف مذاهبهم على توثيق سليمان الأعمش رحمه الله وكان من أهل طبرستان ، يمتاز بقوة العقيدة والبصيرة ، وقوة الشخصية ، وكان محدثاً حافظاً للقرآن والحديث ، وإمام الحديث المتفق عليه في الكوفة بعد جابر الجعفي رحمه الله ، يقصده الطلبة والفقهاء لأخذ الحديث والقرآن منه .

قال العجلي في معرفة الثقات(1/432):(سليمان بن مهران الأعمش يكنى أبا محمد ثقة كوفي وكان محدث أهل الكوفة في زمانه ، يقال إنه ظهر له أربعة آلاف حديث ولم يكن له كتاب ، وكان يقرئ القرآن رأساً). يعني من رأسه وحفظه .

وكان من خواص أصحاب الإمام الباقر والصادق عليهما السلام يجيد التقية لكنه لايصانع، ولم يكن يحترم أبا حنيفة وابن شبرمة وابن أبي ليلى وأمثالهم الذين مشوا مع بني أمية ، ثم مع موجة الحسنيين ، ثم رضخوا لموجة العباسيين .

(دخلت أنا وأبو حنيفة على الأعمش نعوده فقال له أبو حنيفة: لولا الثقل عليك لزدت في عيادتك أو لعدتك أكثر مما أعودك، فقال له الأعمش: والله إنك لثقيل عليَّ وأنت في بيتك فكيف إذا دخلت عليَّ )( الناسخ لابن شاهين/120).

( كان أبو حنيفة خزازاً ، وكان الأعمش صيرفياً ). ( كامل ابن عدي: 7 / 9 ) .

قال أبو داود: ( سمعت أحمد بن يونس قال: مات الأعمش وأنا ابن أربع عشرة سنة. ورأيت أبا حنيفة رجلاً قبيح الوجه). ( الآجري:1/192).

وفي أمالي الطوسي/628: ( شريك بن عبد الله القاضي قال: حضرت الأعمش في علته التي قبض فيها ، فبينا أنا عنده إذ دخل عليه ابن شبرمة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة فسألوه عن حاله فذكر ضعفاً شديداً وذكر ما يتخوف من خطيئاته وأدركته رنة فبكى! فأقبل عليه أبو حنيفة فقال: يا أبا محمد إتق الله وانظر لنفسك فإنك في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة ، وقد كنت تحدث في علي بن أبي طالب بأحاديث لو رجعت عنها كان خيراً لك ! قال الأعمش: مثل ماذا يا نعمان ؟ قال: مثل حديث عباية: أنا قسيم النار. قال: أو لمثلي تقول هذا يا يهودي؟ أقعدوني سندوني أقعدوني: حدثني والذي إليه مصيري موسى بن طريف ، ولم أر أسدياً كان خيراً منه قال: سمعت عباية بن ربعي إمام الحي قال: سمعت علياً أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أنا قسيم النار ، أقول هذا وليي دعيه ، وهذا عدوي خذيه !

وحدثني أبو المتوكل الناجي في إمرة الحجاج وكان يشتم علياً شتماً مقذعاً يعني الحجاج ، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا كان يوم القيامة يأمر الله عزّ وجلّ فأقعد أنا وعلي على الصراط ويقال لنا: أدخلا الجنة من آمن بي وأحبكما وأدخلا النار من كفر بي وأبغضكما !

ثم قال أبو سعيد: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما آمن بالله من لم يؤمن بي ، ولم يؤمن بي من لم يتول أو قال لم يحب علياً وتلا: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ! قال فجعل أبو حنيفة إزاره على رأسه وقال: قوموا بنا ، لا يجيؤنا أبو محمد بأطمَّ من هذا ! قال لي شريك بن عبد الله: فما أمسى يعني الأعمش حتى فارق الدنيا رحمه الله ) .

ورواه مناقب آل أبي طالب(2/8) وغيره ورواه بعض علمائهم كالحاكم الحسكاني النيسابوري في شواهد التنزيل ، بأسانيد فيها الصحيح عندهم) .

أقول: وصف الأعمش أبا حنيفة باليهودي لقول النبي صلى الله عليه وآله :من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهودياً! (الزوائد:9/172، وفضائل الصحابة:2/661).

2 - كان المنصور يحقد على الأعمش لتشيعه وقوة شخصيته ، وعدم خضوعه له كما خضع غيره من الحفاظ والفقهاء ! بل كان الأعمش يتحداه ويروي فضائل علي عليه السلام حتى في مجلس المنصور!

( دخل الأعمش على المنصور وهو جالس للمظالم ، فلما بصر به قال له: يا سليمان تَصَدَّرْ؟ قال: أنا صدرٌ حيث جلستُ ! ثم قال: حدثني الصادق قال: حدثني الباقر قال: حدثني السجاد قال:حدثني الشهيد أبو عبد الله قال: حدثني أبي وهوالوصي علي بن أبي طالب قال:حدثني النبي صلى الله عليه وآله قال:أتاني جبرئيل آنفاً فقال: تختموا بالعقيق فإنه أول حجر شهد لله بالوحدانية ، ولمحمد بالنبوة ، ولعلي بالوصية ، ولولده بالإمامة ، ولشيعته بالجنة !

قال: فاستدار الناس بوجوههم نحوه فقيل له:تذكر قوماً فتعلم من لا نعلم! فقال: الصادق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب والسجاد علي بن الحسين ، والشهيد الحسين بن علي ، والوصي وهو التقي علي بن أبي طالب عليه السلام ) . (العمدة/ 378 ، والطرائف/134) .

ولم تذكر الرواية ردة فعل المنصور الذي نشط لطمس فضائل علي وولده ! لكن لا بد أنه حرَّق الإرم على الأعمش ، وفكر كيف يقتله !

3 - روت مصادر الخاصة والعامة أجزاء من ملحمة الأعمش رحمه الله مع المنصور، ومن أكمل نصوصها رواية ابن المغازلي في فضائل علي عليه السلام /226، وابن حسنويه الحنفي ، بسنده عن سلمان بن الأعمش عن أبيه قال: (وجَّه إليَّ المنصورُ فقلت للرسول: لمَ يريدني أمير المؤمنين؟ قال: لا أعلم ، فقلت:أبلغه أني آتيه ، ثمّ تفكرتُ في نفسي فقلت: ما دعاني في هذا الوقت لخير، ولكن عسى أن يسألني عن فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فإن أخبرته قتلني ! قال: فتطهرتُ ولَبستُ أكفاني وتحنَّطتُ ثم كتبت وصيتي ، ثم صرت إليه فوجدت عنده عمرو بن عُبيد فحمدت الله تعالى على ذلك وقلت: وجدت عنده عون صدق من أهل البصرة . فقال لي: أدن يا سليمان ! فدنوت ، فلما قرُبتُ منه أقبلتُ على عمرو بن عُبيد أُسائله وفاح مِنَّي ريح الحُنوط . فقال: يا سليمان ما هذه الرائحة؟ والله لتصْدُقني وإلاّ قتلتُك . فقلت: يا أمير المؤمنين أتاني رسولك في جَوف الليل فقلت في نفسي: ما بعث إلي أمير المؤمنين في هذه الساعة إلاّ ليسألني عن فضائل علي فإن أخبرته قتلني، فكتبتُ وصيتي ولبستُ كفَني وتحنَّطْتُ .

فاستوى جالساً وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم. ثم قال: أتدري يا سلمان ما اسمي؟ فقلت: يا أمير المؤمنين دعنا الساعة من هذا . فقال: ما اسمي؟ فقلت: عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب . قال: صدقت فأخبرني بالله وقرابتي من رسول الله كم رويت من حديث علي بن أبي طالب وكم من فضيلة من جميع الفقهاء؟ قلت: شئ يسير يا أمير المؤمنين.قال: كم؟ قلت: مقدار عشرة آلاف حديث وما يزداد !

قال: يا سلمان ألا أحدثك بحديث في فضائل علي يأكل كل حديث رويته عن جميع الفقهاء ، فإن حلفت لا ترويها لأحد من الشيعة حدثتك بها ! قلت: لا أحلف ولا أحدث بها . قال:إسمع.كنت هارباً من بني مروان وكنت أدور البلدان أتقرب إلى الناس بحب علي وفضائله ، وكانوا يشرفوني ويعظموني ويكرموني حتى وردت بلاد الشام وأهل الشام كلما أصبحوا لعنوا علياً رضي الله عنه في مساجدهم ، فإنهم كلهم خوارج وأصحاب معاوية ، فدخلت مسجداً وفي نفسي منهم ما فيها ، فأقمت الصلاة وصليت الظهر وعليَّ كساء خلق ، فلما سلم الإمام اتكى على الحائط وأهل المسجد حضور، وجلست فلم أر أحداً يتكلم توقراً منهم لإمامهم ، فإذا أنا بصبيين قد دخلا المسجد ، فلما نظر إليهما الإمام قام ثم قال: أدخلا فمرحباً بكما وبمن سميتما باسمهما، والله ما سميتهما باسميهما إلا لأجل حبي لمحمد وآل محمد ! فإذا أحدهما الحسن والآخر الحسين ، فقلت في نفسي: قد أجيبت حاجتي ولا قوة إلا بالله ، وكان إلى جانبي شاب فسألته من هذا الشيخ ومن هذان الغلامان . فقال: الشيخ جدهما وليس في هذه المدينة أحد يحب علياً سواه ، فلذلك سماهما الحسن والحسين ، ففرحت فرحاً شديداً ، وكنت يومئذ لا أخاف الرجال ، فدنوت من الشيخ فقلت: هل لك في حديث أقر به عينك؟ فقال ما أحوجني إلى ذلك وإن أقررت عيني أقررت عينك ، فعند ذلك قلت: حدثني أبي عن جدي عن أبيه عن رسول الله . قال لي: ومن أبوك ومن جدك ؟ فعلمت أنه يريد نسبتي فقلت: أنا محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، وإنه قال: كنا مع رسول الله وإذا بفاطمة وقد أقبلت تبكي ، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله : وما يبكيك لا أبكى الله عيناك . قالت: يا أبتا إن الحسن والحسين قد ذهبا منذ اليوم ولم أدرِ أين هما وإن علياً يمشي إلى الدالية منذ خمسة أيام يسقي البستان ، وإني قد استوحشت لهما ! قال: يا أبا بكر إذهب فاطلبهما ويا عمر إذهب فاطلبهما ويا فلان ويا فلان . قال: ولم يزل يوجه حتى مضوا سبعين رجلاً يعثرون في طلبهم فرجعوا ولم يصيبوهما ، فاغتم النبي صلى الله عليه وآله ثم قام ووقف على باب المسجد فقال:اللهم بحق إبراهيم خليلك ، وبحق آدم صفوتك إن كانا قرة عيني في بر أو بحر أو سهل أو جبل فاحفظهما وسلمهما على قلب فاطمة سيدة نساء العالمين ! فإذا باب من السماء قد فتح وجبرئيل قد نزل من عند رب لم يزل وقال: السلام عليك يا رسول الله ، الحق يقرؤك السلام ويقول لك لا تحزن ولا تغتم ، الغلامان فاضلان في الدنيا والآخرة ، وهما سيدا شباب أهل الجنة ، وإنهما في حديقة بني النجار ، وقد وكلت بهما ملكين رحيمين يحفظانهما إن قاما أو قعدا أو ناما أو استيقظا ! قال: فعند ذلك فرح النبي فرحاً شديداً وقام ومضى وجبرئيل عن يمينه والمسلمون حوله حتى دخل حظيرة بني النجار ، فسلم عليه الملكان الموكلان بهما فرد عليهما السلام والحسن والحسين نيام معتنقان ، وذلك الملك قد جعل جناحه تحتهما والجناح الآخر فوقهما ، فجثى النبي صلى الله عليه وآله على ركبتيه وانكب عليهما يقبلهما ، حتى استيقظا فرأيا جدهما فحمل النبي صلى الله عليه وآله الحسن وحمل جبرئيل الحسين ، وخرج النبي صلى الله عليه وآله من الحظيرة ، قال: وكان يقول كلما قبلهما وهما على كتفيه وكتف جبرئيل: من أحبكما فقد أحبني ومن أبغضكما فقد أبغضني. فقال أبو بكر:أعطني أحمل أحدهما يا رسول الله، قال: نعم المحمول ونعم المطية ونعم الراكبان هما ، وأبوهما وأمهما خير منهما ، ونِعْمَ من أحبهما . فلما خرجا ومضيا وتلقاهما عمر فقال: من أحبهما قال ولم يزل النبي صلى الله عليه وآله سائراً حتى دخلت المسجد وقال: والله لأشرفن اليوم ولدى كما شرفهما الله تعالى ، ثم قال: يا بلال ناد في الناس فقال النبي صلى الله عليه وآله : معاشر المسلمين بلغوا عن نبيكم ما تسمعون منه ، أيها الناس: ألا أدلكم اليوم على خير الناس جداً وجدةً ؟ قالوا: بلي يا رسول الله . قال: الحسن والحسين جدهما محمد رسول الله وجدتهما خديجة بنت خويلد سيدة نساء أهل الجنة .

أيها الناس: ألا أدلكم على خير الناس أباً وأماً ؟ قالوا: بلى يا رسول الله  . قال: الحسن والحسين ، أبوهما علي بن أبي طالب وأمهما فاطمة بنت رسول الله ، وإن أباهما خير منهما ، يحب الله ويحب رسوله ويحبه الله ورسوله ، سيد العابدين وسيد الأوصياء . أيها الناس: ألا أدلكم على خير الناس عمّاً وعمة؟ قالوا: بلى يا رسول الله . قال: الحسن والحسين عمهما جعفر الطيار يطير مع الملائكة بجناحين مكللين بالدر والياقوت، وعمتهما أم هاني بنت أبي طالب .

ثم قال: اللهم إنك تعلم أن الحسن والحسين في الجنة ، وأن جدهما وجدتهما في الجنة ، وأن أباهما وأمها في الجنة ، وأن من كرامتهما على الله أن سماهما في التوراة شبراً وشبيراً ، فهما سبطاي وريحانتاي في الدنيا والآخرة .

قال ( المنصور ): فلما سمع الشيخ ذلك مني كساني خلعته ، فبعتها بمائة دينار . ثم ذكر المنصور أن هذا الشيخ دله على أخ له فحدثه المنصور بفضائل العترة فأكرمه ، قال: ( فقلت:أخبرني أبي عن جدي عن أبيه قال: كنا مع رسول الله جلوساً بباب داره وإذا بفاطمة عليها السلام قد أقبلت وهي حاملة الحسن وهي تبكي بكاءً شديداً ، فاستقبلها وقال: ما يبكيك لا أبكى الله لك عيناً ! ثم تناول الحسن من يدها فقالت: يا أبت إن نساء قريش يعيرنني ويقلن قد زوجك أبوك بفقير لا مال له ! فقال لها النبي: يا فاطمة ما زوجتك أنا ولكن الله تعالى زوجك في السماء وشهد لك جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ! إعلمي يا فاطمة أن الله تعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبياً ، ثم اطلع اطلاعة ثانية فاختار بعلك فجعله وصياً ثم زوجك به من فوق سبع سماواته ، وأمرني أن أزوجك به واتخذه وصياً ووزيراً فعلي أشجعهم قلباً ، وأعلم الناس علماً ، وأحلم الناس حلماً ، وأحكم الناس حكماً، وأقدم بالناس إيماناً ، وأسمحهم كفاً، وأحسن الناس خلقاً، يا فاطمة إني أخذ لواء الحمد ومفاتيح الجنة بيدي وأدفعها إلى علي بن أبي طالب ، فيكون آدم ومن دونه تحت لوائه ! يا فاطمة إني مقيم غداً علياً على حوضي يسقي من يرد عليه من أمتي . يا فاطمة إبناك الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وكان قد سبق اسمهما في التوراة مع موسى بن عمران لكرامتها عند الله .

يا فاطمة يُكسى أبوك حلة من حلل الجنة ولواء الحمد بين يدي وأمتي تحت لوائي فأناوله علياً لكرامته على الله . قال: وينادي مناد يا محمد نعم الجد جدك ونعم الأخ أخوك ، فالجد إبراهيم والأخ علي بن أبي طالب .

وإذا دعاني رب العالمين دعا علياً معي ، وإذا أحياني أحيى علياً معي ، وإذا شفعني ربي شفع علياً . وإنه في المقام عوني على مفاتيح الجنة ، فقومي يا فاطمة إن علياً وشيعته هم الفائزون يوم القيامة !

ثم قال المنصور إن الشيخ حكى له على شخص كان مفرطاً في سب علي عليه السلام فحول الله وجهه إلى وجه خنزير وصار آية للناس !

ثم قال: يا سليمان سمعت في فضائل علي أعجب من هذين الحديثين؟

يا سليمان حُبُّ علي إيمان وبُغْضُه نِفاق ، لا يحبُّ علياً إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ كافر ! فقلت: يا أمير المؤمنين الأمان ؟ قال: لك الأمان ، قلت: فما تقول يا أمير المؤمنين في مَنْ قتل هؤلاءِ ؟ قال: في النّار لا أشكُّ .

فقلت: فما تقول فيمن قَتَل أولادهم وأولاد أولادهم؟ قال: فَنكَّسَ رأسه ثم قال: يا سليمان المُلْكُ عَقيمٌ ، ولكن حَدِّث عن فضائل علي بما شئت !

قال قلت: مَن قتل ولده في النار! فقال عمرو بن عبيد: صدقت يا سليمان ، الويل ثم الويل لمن قتل ولده ! فقال المنصور: يا عمرو إشهد عليه فإنه قال في النار، فقال قد أخبرني الشيخ الصدوق يعني الحسن بن أنس أن من قتل أولاد علي لايشم رائحة الجنة . قال: فوجدت المنصور قد غمض وجهه ! فخرجنا. فقال أبو جعفر: لولا مكان عمرو ، ما خرج سليمان إلا مقتولاً ) . وكشف اليقين للعلامة الحلي / 309 ، وشرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي: 2 / 372 ، وينابيع المودة للقندوزي: 3 / 37 ، وحلية الأبرار: 2 / 137 ، وغاية المرام: 6 / 302 ، وشرح إحقاق الحق للمرعشي: 15 / 671 ).

هؤلاء العلماء بقر بهم الإمام عليه السلام علم النبوة ؟

نص المحدثون والمؤرخون كالترمذي على أنه لم يكن في الكوفة حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأن جابرالجعفي هو الذي نشره ، ولولاه لكان أهل الكوفة بغير حديث. ولا بد أن ابن عقدة أثر تأثيراً بليغاً كذلك، ثم وصل الحديث من الكوفة وبغداد الى بقية البلاد .

وهنا سؤال يفرض نفسه: أين صار حديث جابر الذي كتبه عنه الطلبة والعلماء وملأ الكوفة ؟ والجواب: أن لما غضب الخليفة على جابر وأراد قتله ، تغير كلام رواة الحديث فقالوا: لم نرو عن جابر بن يزيد الجعفي لأنه يؤمن بالرجعة ، وأسندوا أحاديثه الى غيره ! وهذا الأسلوب معروف عندهم فقد كتب الخطيب عن أحدهم (تاريخ بغداد(12/160): (وكان العباس ادعى في آخر عمره سماعاً من القاضي أبي عبد الله المحاملي ، وعمد إلى أحاديث من مناكير الفضائل التي يرويها أبو العباس بن عقدة فركَّبها على المحاملي ورواها عنه).

فهم يُركِّبُونَ الحديث على السند أو على الشخص !

من مرويات سليمان الأعمش

في الأئمة الإثني عشر عليهم السلام

1- في أمالي الصدوق/252: (عن سليمان بن مهران الأعمش ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام قال: نحن أئمة المسلمين ، وحجج الله على العالمين ، وسادة المؤمنين ، وقادة الغر المحجلين ، وموالي المؤمنين ، ونحن أمان أهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها ، وبنا ينزل الغيث ، وبنا ينشر الرحمة ، ويخرج بركات الأرض ، ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها .

قال عليه السلام : ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها ، ظاهر مشهور ، أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها ، ولولا ذلك لم يعبد الله . قال سليمان: فقلت للصادق عليه السلام : فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور ؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب ) .

2- قال سليمان بن مهران الأعمش: حدثني محمد بن كثيرقال:حدثني أبو خيثمة ، عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : بي أنذرتم وبعلي بن أبي طالب عليه السلام اهتديتم ، وقرأ: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ وبالحسن أعطيتم الإحسان، وبالحسين تسعدون وبه تشقون ، ألا وإن الحسين باب من أبواب الجنة ، من عاداه حرم الله عليه رائحة الجنة ) . (مائة منقبة لابن شاذان/22).

حديث الدار في أول بعثة النبي صلى الله عليه وآله

3- عن سليمان الأعمش وأبي مريم جميعاً ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله ابن الحارث بن نوفل ، عن عبد الله بن عباس ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله :وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ . دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لي: يا علي ، إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، قال: فضقت بذلك ذرعاً ، وعرفت أني متى أناديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فصمتُّ على ذلك ، وجاءني جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد ، إنك إن لم تفعل ما أمرت به عذبك ربك ، فاصنع لنا يا علي صاعاً من طعام ، واجعل عليه رجل شاة ، واملأ لنا عِسَّاً من لبن ، ثم أجمع بني عبد المطلب حتى أكلمهم ، وأبلغهم ما أمرت به .

ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم أجمع وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً ، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب .

فلما اجتمعوا له صلى الله عليه وآله دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به ، فلما وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه وآله جذمة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ، ثم قال: خذوا بسم الله ، فأكل القوم حتى صدروا ، ما لهم بشئ من الطعام حاجة ، وما أرى إلا مواضع أيديهم! وأيم الله الذي نفس علي بيده إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم ، ثم جئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا جميعاً ، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله .

فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال:لشد ما سحركم صاحبكم ! فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله .

فقال لي من الغد: يا علي ، إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول ، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم ، فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت ثم اجمعهم لي . قال ففعلت ثم جمعتهم ، فدعاني بالطعام فقربته لهم ، ففعل كما فعل بالأمس ، وأكلوا حتى ما لهم به من حاجة ، ثم قال إسقهم ، فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعاً . ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا بني عبد المطلب ، إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤمن بي ويؤازرني على أمري ، فيكون أخي ووصيي ووزيري وخليفتي في أهلي من بعدي؟ قال: فأمسك القوم ، وأحجموا عنها جميعاً . قال فقمت وإني لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً ، وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً . فقلت: أنا يا نبي الله أكون وزيرك على ما بعثك الله به . قال: فأخذ بيدي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي ووزيري وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا . قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع ! ). (أمالي الطوسي/582).

عن سليمان الأعمش قال:كنت مع جعفر بن محمد عليه السلام على باب أبي جعفر المنصور ، فخرج من عنده رجل مجلود بالسوط ، فقال لي: يا سليمان أنظر ما فص خاتمه ؟ قلت: يا ابن رسول الله فصه غير عقيق ، فقال يا سليمان أما إنه لو كان عقيقاً لما جلد بالسوط! قلت: يا ابن رسول الله زدني ؟ قال يا سليمان: هو أمان من قطع اليد قلت: يا بن رسول الله زدني؟ قال: يا سليمان هو أمان من الدم ، قلت: يا ابن رسول الله زدني؟ قال: يا سليمان إن الله عزّ وجلّ يحب أن ترفع إليه في الدعاء يد فيها فص عقيق قلت يا ابن رسول الله زدني؟ قال: العجب من يد فيها فص عقيق كيف تخلو من الدنانير والدراهم ، قلت يا ابن رسول الله زدني؟ قال: يا سليمان إنه حرز من كل بلاء ، قلت يا ابن رسول الله زدني ؟ قال: يا سليمان هو أمان من الفقر، قلت: يا ابن رسول الله أحدث بها عن جدك الحسين بن علي ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام ؟ قال: نعم). (مكارم الأخلاق/88).

إحياء علي عليه السلام امرأة قتلها أبو بكر

4- روى سليمان الأعمش ، عن سمرة بن عطية ، عن سلمان الفارسي قال: إن امرأة من الأنصار يقال لها أم فروة كانت تحض على نكث بيعة أبي بكر وتحث على بيعة علي عليه السلام ، فبلغ أبا بكر ذلك فأحضرها واستتابها فأبت عليه فقال: يا عدوة الله أتحضين على فرقة جماعة اجتمع عليها المسلمون ، فما قولك في إمامتي؟ قالت: ما أنت بإمام. قال: فمن أنا؟ قالت أمير قومك اختارك قومك وولوك فإذا كرهوك عزلوك ، فالإمام المخصوص من الله ورسوله يعلم ما في الظاهر والباطن ، وما يحدث في المشرق والمغرب من الخير والشر ، وإذا قام في شمس أو قمر فلا فئ له ، ولا تجوز الإمامة لعابد وثن ، ولا لمن كفر ثم أسلم ، فمن أيهما أنت يا ابن أبي قحافة! قال: أنا من الأئمة الذين اختارهم الله لعباده !

فقالت: كذبت على الله ، ولو كنت ممن اختارك الله لذكرك في كتابه كما ذكر غيرك فقال عزّ وجلّ : وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ .

ويلك إن كنت إماماً حقاً فما إسم السماء الدنيا والثانية ، والثالثة ، والرابعة ، والخامسة ، والسادسة ، والسابعة ؟ فبقي أبو بكر لا يحير جواباً . ثم قال: إسمها عند الله الذي خلقها . قالت: لو جاز للنساء أن يعلمن الرجال لعلمتك .

فقال: يا عدوة الله لتذكرن إسم سماء سماء وإلا قتلتك . قالت: أبالقتل تهددني ؟ والله ما أبالي أن يجري قتلي على يدي مثلك ولكني أخبرك ، أما السماء الدنيا الأولى فأيلول ، والثانية زبنول ، والثالثة سحقوم ، والرابعة ذيلول ، والخامسة ماين ، والسادسة ماحيز ، والسابعة أيوث .

فبقي أبو بكر ومن معه متحيرين وقالوا لها: ما تقولين في علي؟ قالت: وما عسى أن أقول في إمام الأئمة ، ووصي الأوصياء ، من أشرق بنوره الأرض والسماء ، ومن لايتم التوحيد إلا بحقيقة معرفته ، ولكنك ممن نكث واستبدل وبعت دينك بدنياك . قال أبو بكر: أقتلوها فقد ارتدت . فقتلت !

وكان علي عليه السلام في ضيعة له بوادي القرى فلما قدم وبلغه قتل أم فروة فخرج إلى قبرها وإذا عند قبرها أربعة طيور بيض ، مناقيرها حمر ، في منقار كل واحد حبة رمان كأحمر ما يكون وهي تدخل في فُرجة في القبر ، فلما نظر الطيور إلى علي عليه السلام رفرفن وقرقرن ، فأجابها بكلام يشبه كلامها وقال: أفعل إن شاء الله .

ووقف على قبرها ومد يده إلى السماء وقال: يا محيي النفوس بعد الموت ، ويا منشئ العظام الدارسات ، أحي لنا أم فروة واجعلها عبرة لمن عصاك ! فإذا بهاتف يقول: إمض لأمرك يا أمير المؤمنين . وخرجت أم فروة متلحفة بريطة خضراء من السندس ، وقالت: يا مولاي أراد ابن أبي قحافة أن يطفئ نورك ، فأبي الله لنورك إلا ضياء ، وبلغ أبا بكر وعمر ذلك فبقيا متعجبين فقال لهما سلمان: لو أقسم أبو الحسن على الله أن يحيي الأولين والآخرين لأحياهم . وردها أمير المؤمنين عليه السلام إلى زوجها وولدت غلامين له ، وعاشت بعد علي ستة أشهر ) . (الخرائج(2/548).

اللهم اغفر لي ولن تفعل !

5- في الخرائج والجرائح للراوندي(2/578): عن سليمان بن مهران الأعمش قال: بينا أنا في الطواف بالموسم إذ رأيت رجلاً يدعو وهو يقول: اللهم اغفر لي وأنا أعلم أنك لا تفعل . قال: فارتعت لذلك ، فدنوت منه وقلت: يا هذا أنت في حرم الله وحرم رسوله ، وهذه أيام حرم في شهر عظيم ، فلم تيأس من المغفرة ؟ قال: يا هذا ذنبي عظيم . قلت: أعظم من جبل تهامة! قال: نعم . قلت: يوازن الجبال الرواسي! قال: نعم ، فإن شئت أخبرتك . قلت: أخبرني .

قال:أخرج بنا عن الحرم فخرجنا منه فقال لي: أنا أحد من كان في العسكر المشؤوم عسكر عمر بن سعد عليه اللعنة ، حين قتل الحسين بن علي عليه السلام ، وكنت أحد الأربعين الذين حملوا الرأس إلى يزيد من الكوفة ، فلما حملناه على طريق الشام نزلنا على دير للنصارى ، وكان الرأس معنا مركوزاً على رمح ومعه الأحراس ، فوضعنا الطعام وجلسنا لنأكل ، فإذا بكف في حائط الدير تكتب:

أترجو أمة قتلت حسينا
شفاعة جده يوم الحساب

قال: فجزعنا من ذلك جزعاً شديداً ، وأهوى بعضنا إلى الكف ليأخذها ، فغابت ثم عاد أصحابي إلى الطعام ، فإذا الكف قد عادت تكتب مثل الأول: فقام أصحابنا إليها ، فغابت ثم عادوا إلى الطعام فعادت تكتب:

وقـد قتلـوا الحسـيـن بحكـم جور
وخالـف حكمهـم حكـم الكتـاب

فامتنعت عن الطعام وما هنأني أكله ، ثم أشرف علينا راهب من الدير ، فرأى نوراً ساطعاً من فوق الرأس فأشرف فرأى عسكراً ، فقال الراهب للحراس: من أين جئتم ؟ قالوا: من العراق حاربنا الحسين . فقال الراهب: ابن فاطمة ، وابن بنت نبيكم ، وابن ابن عم نبيكم! قالوا: نعم . قال: تباً لكم ، والله لو كان لعيسى بن مريم ابن لحملناه على أحداقنا ولكن لي إليكم حاجة . قالوا: وما هي؟ قال: قولوا لرئيسكم: عندي عشرة آلاف دينار ورثتها من آبائي ، ليأخذها مني ويعطيني الرأس ، يكون عندي إلى وقت الرحيل ، فإذا رحل رددته إليه .

فأخبروا عمر بن سعد بذلك ، فقال: خذوا منه الدنانير وأعطوه إلى وقت الرحيل فجاؤوا إلى الراهب ، فقالوا: هات المال حتى نعطيك الرأس .

فأدلى إليهم جرابين في كل جراب خمسة آلاف دينار ، فدعا عمر بالناقد والوزان ، فانتقدها ووزنها ودفعها إلى جارية له وأمر أن يعطى الرأس. فأخذ الراهب الرأس فغسله ونظفه ، وحشاه بمسك وكافور كان عنده ، ثم جعله في حريرة ، ووضعه في حجره ، ولم يزل ينوح ويبكي حتى نادوه وطلبوا منه الرأس ، فقال: يا رأس والله ما أملك إلا نفسي ، فإذا كان غداً فاشهد لي عند جدك محمد أني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً صلى الله عليه وآله عبده ورسوله ، أسلمت على يديك وأنا مولاك .

ثم قال لهم: إني أحتاج أن أكلم رئيسكم بكلمة وأعطيه الرأس . فدنا عمر بن سعد منه فقال: سألتك بالله ، وبحق محمد صلى الله عليه وآله ألا تعود إلى ما كنت تفعله بهذا الرأس ، ولا تخرج هذا الرأس من هذا الصندوق . فقال له: أفعل .

فأعطاهم الرأس ونزل من الدير ، فلحق ببعض الجبال يعبد الله . ومضى عمر بن سعد ، ففعل بالرأس مثل ما كان يفعل في الأول . فلما دنا من دمشق ، قال لأصحابه: إنزلوا ، وطلب من الجارية الجرابين ، فاحضرا بين يديه ، فنظر إلى خاتمه ثم أمر أن يفتحا ، فإذا الدنانير قد تحولت خزفية ، فنظروا في سكتها فإذا على جانب مكتوب: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ . وعلى الوجه الآخر: وَسَيَعْلَمُ أَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ . فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون ، خسرت الدنيا والآخرة . ثم قال لغلمانه: إطرحوها في النهر فطرحت فدخل دمشق من الغد ، وأدخل الرأس إلى يزيد عليه اللعنة ، فابتدر قاتل الحسين إلى يزيد ، فقال:

إمـلأ ركابـي فضـة أو ذهبـا
إنـي قتلـت الملـك المـحجبـا
قتـلت خيـر النـاس امـا وأبـا
ضـربتـه بالسيـف حتـى انقلبـا

فأمر يزيد بقتله ، وقال: حين علمت أنه خير الناس أما وأباً لم قتلته! وجعل الرأس في طشت ، وهو ينظر إلى أسنانه وهو يقول:

ليت أشياخي ببدر شهدوا
جـزع الخـزرج من وقع الأسل
فأهلوا واستهلوا فرحاً
ثم قالوا يا يزيد لا تشل
فجزيناهم ببدر مثلها
وببدر يوم أحد فاعتدل
لست من خندف إن لم أنتقم
من بني أحمد ما كان فعل

فدخل عليه زيد بن أرقم ورأى الرأس في الطشت وهو يضرب بالقضيب على أسنانه ، فقال: كف عن ثناياه فطالما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يقبلها . فقال يزيد: لولا أنك شيخ خرفت لقتلتك .

ودخل عليه رأس اليهود فقال: ما هذا الرأس؟فقال: رأس خارجي. قال:ومن هو؟ قال: الحسين. قال: ابن من؟ قال: ابن علي . قال: ومن أمه؟ قال: فاطمة . قال: ومن فاطمة ؟ قال: بنت محمد . قال: نبيكم! قال: نعم . قال: لا جزاكم الله خيراً بالأمس كان نبيكم واليوم قتلتم ابن بنته! ويحك إن بيني وبين داود النبي نيفاً وسبعين أباً ، فإذا رأتني اليهود كفَّرت لي (كما يفعل غيرنا في الصلاة).

ثم مال إلى الطشت وقبل الرأس وقال: أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن جدك محمداً رسول الله وخرج! فأمر يزيد بقتله ...! فقال الأعمش للرجل: تنح عني ، لا تحرقني بنارك . فوليت ولا أدري ما كان من خبره )

رد الله بصر عجوز عمياء بحبها لعلي عليه السلام

6- (عن سليمان الأعمش ، قال: خرجت حاجاً إلى مكة فاجتزت بالقادسية وإذا بامرأة بدوية عمياء جالسة على الطريق، وهي تقول: يا راد الشمس على ابن أبي طالب عليه السلام رُد عليَّ بصري ، قال: فرق لها قلبي فأخرجت سبعة دنانير فوضعتها في كمها وقلت: يا أمة الله استعيني بهذه على دهرك . فقالت: من أنت يرحمك الله ؟ قلت رجل حاج ، قالت: يا أخي أنت أحوج إلى هذه الدنانير مني لبعد سفرك ، وأنا أرجو حسن كفاية الله تعالى في مكاني هذا ، فقلت لها: ويحك خذيها فإن في نفقتي سعة فقالت: زاد الله في نفقتك ، وأحسن عني جزاك ، وأبت أن تأخذها ، فمضيت وقضيت حجي . فلما عدت دخلت القادسية ، فذكرت الإمرأة العمياء ، فأتيت الموضع فإذا بها جالسة مع نسوة وقد رد الله بصرها ، فسلمت عليها فردت عليَّ السلام ، فقلت لها: يرحمك الله ، ما فعل لك حب علي بن أبي طالب عليه السلام ؟ فقالت: وما سؤالك أبعد الله أجرك ، فقلت: أتعرفيني؟ فقالت: لا ، فقلت: أنا صاحب الدنانير التي عرضتها عليك فامتنعت من قبولها فقالت: مرحبا بك يا هذا وأهلاً ، قبل الله حجك وبر عملك ، أجلس أحدثك فجلست إليها فقالت: أخبرك يا ابن أخي أني دعوت الله عزّ وجلّ سبعة أيام بلياليها ، فلما كان في الليلة السابعة اجتهدت في الدعاء وكانت ليلة الجمعة ، فلما كان نصف الليل إذا أنا برجل أطيب الناس رائحة ، وألطفهم كلاماً فسلم فرددت عليه. فقال: أتحبين علياً عليه السلام ؟ قلت: إي والله أحبه حباً شديداً ، فقال: إلهي وسيدي ومولاي إن كنت تعلم منها حسن النية ، وإخلاص المحبة فرد عليها بصرها بمحمد وآله ، ثم قال: إرفعي رأسك إلى السماء ، وحدقي بطرفك ، فرفعت رأسي فنظرت إلى النجوم ، فقلت: بحق من رد علي بصري بدعائك ، مَن أنت ؟ فقال: أنا الخضر: وأنا خليل علي عليه السلام ورفيقه في الجنة ، فاستمسكي بما أنت عليه من محبتك إياه ، فإن الله ينفعك بذلك في الدنيا والآخرة ). (مدينة المعاجز(2/74).

7- (حدثنا الجماني، عن شريك ، عن سليمان الأعمش قال: حدثني أبو المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا كان يوم القيامة يقول الله لي ولعلي بن أبي طالب: أدخلا الجنة من أحبكما وأدخلا النار من أبغضكما ، وذلك قول الله عزّ وجلّ :أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) . (الجواهر السنية/275).

معجزة زيارة أهل الكهف !

8- في العقد النضيد والدر الفريد/176: (عن سليمان بن مهران الأعمش ، عن سلمان الفارسي قال: كنتُ أميراً على أربعة أُمراء أمّرني عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله قال: بينا نحن قعود عند رسول الله ، إذ أُهدي له بساط فأمر ببسطه ، ثم دعا بأبي بكر فأجلسه على ركن البساط عن يمين رسول الله ، ثم دعا بعمر فأجلسه على الركن الثاني عن يسار أبي بكر ، ثم دعا عثمان بن عفان فأجلسه على الركن الثالث عن يسار عمر ، ثم أجلسني على الركن الرابع ، ثم دعا بعليٍّ عليه السلام فأجلسه في وسط البساط ، ثمَّ رفع رأسه إلى السماء يدعو فقال: اللهم إنَّ أخي سليمان دعاكَ وسألك أن تعطيه مُلْكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، فاستجبت دعوته وأعطيته مسألته ، اللهمَّ إني عبدك ورسولك وأمينك وخيرتك من خلقكَ ، اللهمَّ فإني أسألك أن تأمر الريح يحمل هؤلاء إلى أصحاب الكهف .

قال سلمان: فرفعت بنا الريح إلى أصحاب الكهف في أسرع الأوقات ، فقلت لأصحابي: أتدرون أين أنتم؟ قالوا: لا، فقلت: فإنا عند أصحاب الكهف .

يا أبا بكر قم فسَلِّم فقام أبو بكر فقال: السلام عليكم فتية آمنوا بربهم ، فلم أسمع لهم جواباً . فقلت لعمر: قم فسلِّم كسلام صاحبك فقام عمر وقال: السلام عليكم فتية آمنوا بربهم ، فلم أسمع لهم جواباً .

فقلت لعثمان: قم فسلِّم فقام عثمان فقال: السلام عليكم فتية آمنوا بربهم ، فلم أسمع لهم جواباً .

ثم قلت لعليٍّ: يا أبا الحسن ، قم فسلِّم سلامَ أصحابك بهذا أُمرت ، فقام عليٌّ عليه السلام فقال: السلام عليكم ، فتيةٌ آمنوا بربهم وزدناهم هدى ، فسمعت لهم حساً وهمهمة ودوياً كدويِّ النحل ، ثمّ أجابوا فقالوا: وعليك السلام يا ابن عم رسول الله ووصيه وخليفته من بعده . ثمَّ رجعنا إلى رسول الله في أسرع الأوقات فقال النبيُّ صلى الله عليه وآله : ما كان من أمركم يا سلمان ؟ فأخبرتُ رسول الله الخبر فقال: حجةٌ ورب الكعبة لمن قبل، يا سلمان ، حدِّث بهذا الحديث ولا تكتمه ) .

روى الأعمش المناظرة المشهورة لمؤمن الطاق

9- روى الأعمش(الإحتجاج:2/144) مناظرة مؤمن الطاق مع ابن أبي خدرة التاريخية فقال: (اجتمعت الشيعة والمحكمة عند أبي نعيم النخعي بالكوفة ، وأبو جعفر محمد بن النعمان مؤمن الطاق حاضر ، فقال ابن أبي خدرة: أنا أقرر معكم أيتها الشيعة أن أبا بكر أفضل من علي وجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله بأربع خصال لا يقدر على دفعها أحد من الناس: هو ثان مع رسول الله صلى الله عليه وآله في بيته مدفون ، وهو ثاني اثني معه في الغار ، وهو ثاني اثنين صلى بالناس آخر صلاة قبض بعدها رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ثاني اثنين الصديق من الأمة .

قال أبو جعفر مؤمن الطاق: يا ابن أبي خدرة ! وأنا أقرر معك أن علياً عليه السلام أفضل من أبي بكر وجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله بهذه الخصال التي وصفتها وأنا مثلبة لصاحبك ، وألزمك طاعة علي عليه السلام من ثلاث جهات: من القرآن وصفاً ، ومن خبر رسول الله صلى الله عليه وآله نصاً ، ومن حجة العقل اعتباراً .

ووقع الإتفاق على إبراهيم النخعي ، وعلى أبي إسحاق السبيعي ، وعلى سليمان بن مهران الأعمش . فقال أبو جعفر مؤمن الطاق: أخبرني يا ابن أبي خدرة عن النبي صلى الله عليه وآله أترك بيوته التي أضافها الله إليه ونهى الناس عن دخولها إلا بإذنه ميراثاً لأهله وولده ، أو تركها صدقة على جميع المسلمين ؟ قل ما شئت .

فانقطع ابن أبي خدرة لما أورد عليه ذلك وعرف خطأ ما فيه!

فقال أبو جعفر مؤمن الطاق: إن تركها ميراثاً لولده وأزواجه فإنه قبض عن تسع نسوة ، وإنما لعائشة بنت أبي بكر تسع ثمن هذا البيت الذي دفن فيه صاحبك ، ولم يصبها من البيت ذراع في ذراع ، وإن كان صدقة فالبلية أطم وأعظم ! فإنه لم يصب له من البيت إلا مالأدنى رجل من المسلمين ، فدخول بيت النبي صلى الله عليه وآله بغير إذنه في حياته وبعد وفاته معصية ، إلا لعلي بن أبي طالب عليه السلام وولده ، فإن الله أحل لهم ما أحل للنبي صلى الله عليه وآله . ثم قال: إنكم تعلمون أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بسد أبواب جميع الناس التي كانت مشرعة إلى المسجد ما خلا باب علي عليه السلام ، فسأله أبو بكر أن يترك له كوة لينظر منها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأبى عليه ، وغضب عمه العباس من ذلك فخطب النبي صلى الله عليه وآله خطبة وقال: إن الله تبارك وتعالى أمر موسى وهارون أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا ، وأمر هما أن لا يبيت في مسجد هما جنب ولا يقرب فيه النساء إلا موسى وهارون وذريتهما ، وإن علياً مني هو بمنزلة هارون من موسى وذريته كذرية هارون ، ولا يحل لأحد أن يقرب النساء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يبيت فيه جنباً ، إلا علي وذريته ، فقالوا بأجمعهم: كذلك كان .

قال أبو جعفر: ذهب ربع دينك يا ابن أبي خدرة ! وهذه منقبة لصاحبي ليس لأحد مثلها ومثلبة لصاحبك .

وأما قولك: ثاني اثنين إذ هما في الغار ، أخبرني هل أنزل الله سكينته على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى المؤمنين في غير الغار؟ قال ابن أبي خدرة: نعم . قال أبو جعفر: فقد أخرج صاحبك في الغار من السكينة وخصه بالحزن ، ومكان علي عليه السلام في هذه الليلة على فراش النبي صلى الله عليه وآله وبذل مهجته دونه أفضل من مكان صاحبك في الغار! فقال الناس: صدقت . فقال أبو جعفر: يا ابن أبي خدرة ! ذهب نصف دينك .

وأما قولك: ثاني اثنين الصديق من الأمة ، أوجب الله على صاحبك اللإستغفار لعلي بن أبي طالب عليه السلام في قوله عزّ وجلّ : وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلآخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالآيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً للَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رُءُوفٌ رَحِيمٌ .

والذي ادعيت إنما هو شئ سماه الناس ، ومن سماه القرآن وشهد له بالصدق والتصديق أولى به ممن سماه الناس، وقد قال علي عليه السلام على منبر البصرة: أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن آمن أبو بكر وصدقت قبله . قال الناس: صدقت .

قال أبو جعفر مؤمن الطاق: يا ابن أبي خدرة ! ذهب ثلاث أرباع دينك .

وأما قولك في الصلاة بالناس: كنت ادعيت لصاحبك فضيلة لم تقم له ، وإنها إلى التهمة أقرب منها إلى الفضيلة ، فلو كان ذلك بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله لما عزله عن تلك الصلاة بعينها ، أما علمت أنه لما تقدم أبو بكر ليصلي بالناس خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فتقدم وصلى بالناس وعزله عنها !

ولا تخلو هذه الصلاة من أحد وجهين: إما أن تكون حيلة وقعت منه فلما حس النبي صلى الله عليه وآله بذلك خرج مبادراً مع علته فنحاه عنها لكي لا يحتج بعد على أمته فيكونوا في ذلك معذورين ، وإما أن يكون هو الذي أمره بذلك وكان ذلك مفوضاً إليه كما في قصة تبليغ براءة فنزل جبرئيل عليه السلام وقال: لايؤديها إلا أنت أو رجل منك ، فبعث علياً عليه السلام في طلبه وأخذها منه وعزله عنها وعن تبليغها ؟ فكذلك كانت قصة الصلاة ، وفي الحالتين هو مذموم ، لأنه كشف عنه ما كان مستوراً عليه ، وذلك دليل واضح ، لأنه لا يصلح لللإستخلاف بعده ، ولا هو مأمون على شئ من أمر الدين! فقال الناس: صدقت .

قال أبو جعفر مؤمن الطاق: يا ابن أبي خدرة ! ذهب دينك كله ، وفضحت حيث مدحت ، فقال الناس لأبي جعفر: هات حجتك فيما ادعيت من طاعة علي عليه السلام ، فقال أبو جعفر مؤمن الطاق: أما من القرآن وصفاً ، فقوله: عزّ وجلّ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ . فوجدنا علياً عليه السلام بهذه الصفة في القرآن في قوله عزّ وجلّ : َالصَّابِرِينَ فِي الْبَاسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَاسِ ، يعني في الحرب والتعب ، أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ . فوقع الإجماع من الأمة بأن علياً عليه السلام أولى بهذا الأمر من غيره ، لأنه لم يفر عن زحف قط كما فر غيره في غير موضع! فقال الناس: صدقت . وأما الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله نصاً فقال: إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض . وقوله صلى الله عليه وآله : مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجى ، ومن تخلف عنا غرق ، ومن تقدمها مرق ، ومن لزمها لحق . فالمتمسك بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله هاد مهتد بشهادة من الرسول صلى الله عليه وآله والمتمسك بغيرهم ضال مضل! قال الناس: صدقت يا أبا جعفر .

وأما من حجة العقل: فإن الناس كلهم يستعبدون بطاعة العالم ووجدنا الإجماع قد وقع على علي عليه السلام أنه كان أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان جميع الناس يسألونه ويحتاجون إليه ، وكان علي عليه السلام مستغنياً عنهم ، هذا من الشاهد ، والدليل عليه من القرآن قوله عزّ وجلّ : أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لا يَهِدّيِ إِلا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ . فما اتفق يوم أحسن منه، ودخل في هذا الأمر عالم كثير.

وقد كانت لأبي جعفر مؤمن الطاق مقامات مع أبي حنيفة ، فمن ذلك:

ما روي أنه قال يوماً لمؤمن الطاق: إنكم تقولون بالرجعة ؟ قال: نعم ، قال أبو حنيفة: فأعطني الآن ألف درهم حتى أعطيك ألف دينار إذا رجعنا ! قال الطاقي لأبي حنيفة: فأعطني كفيلاً بأنك ترجع إنساناً ولا ترجع خنزيراً .

وقال له يوماً آخر: لمَ لم يطالب علي بن أبي طالب بحقه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله إن كان له حق ؟ فأجابه مؤمن الطاق ، فقال: خاف أن تقتله الجن كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة بن شعبة .

وكان أبو حنيفة يوماً آخر يتماشى مع مؤمن الطاق في سكة من سكك الكوفة ، إذا بمناد ينادي ، من يدلني على صبي ضال؟ فقال مؤمن الطاق: أما الصبي الضال فلم نره ، وإن أردت شيخا ضالاً فخذ هذا ! عنى به أبا حنيفة !

ولما مات الصادق عليه السلام رأى أبو حنيفة مؤمن الطاق ، فقال له: مات إمامك ؟ قال: نعم ، أما إمامك فمن المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم )!

أحمد بن محمد بن عقدة

أحمد بن محمد بن سعيد السبيعي الهمداني المعروف بابن عقدة (249 - 333 هـ ) فهو متأخر عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام ويروي عنهما بواسطة ، ومع أنه زيدي المذهب فهو يروي عن أئمتنا عليهم السلام ويروي أخبار المهدي عليه السلام كأنه اثنا عشري .

قال النجاشي (231 ):(جليل في أصحاب الحديث مشهوربالحفظ . والحكايات تختلف عنه في الحفظ وعِظمه وكان كوفياِ زيدياً جارودياً على ذلك حتى مات وذكره أصحابنا لاختلاطه بهم ومداخلته إياهم ، وعظم محله وثقته وأمانته) .

وقال الطوسي في الفهرست/86: ( وأمره في الثقة والجلالة وعظم الحفظ أشهر من أن يذكر ) . وذكر النجاشي والطوسي كتبه وهي كثيرة ، ولم يسلم منها إلا القليل .

قال الذهبي في سيره(15/340): (أبو العباس الكوفي الحافظ العلامة ، أحد أعلام الحديث ونادرة الزمان وصاحب التصانيف على ضعف فيه (لأنه شيعي!) وهو المعروف بالحافظ ابن عقدة . وعُقْدَة لقب لأبيه النحوي البارع محمد بن سعيد كان قبل الثلاث مئة . ولد أبو العباس في سنة تسع وأربعين ومئتين بالكوفة وطلب الحديث سنة بضع وستين ومئتين ، وكتب منه ما لا يحد ولا يوصف ، عن خلق كثير بالكوفة وبغداد ومكة . روى عنه الطبراني ، وابن عدي ، وأبو بكر بن الجعابي ، وابن المظفر، وأبو علي النيسابوري ، وأبو أحمد الحاكم ، وابن المقرئ ، وابن شاهين ، وعمر بن إبراهيم الكتاني ، وأبو عبيد الله المرزباني ، وابن جميع الغساني ، وإبراهيم بن عبد الله خرشيذ قوله ، وأبو عمر بن مهدي ، وأبو الحسين أحمد بن المتيم ، وأحمد بن محمد بن الصلت الأهوازي ... وخلائق .

قال أبو أحمد الحاكم: قال لي ابن عقدة: دخل البرديجي الكوفة فزعم أنه أحفظ مني فقلت: لاتطوِّل ، نتقدم إلى دكان وراق ونضع القبَّان ونزن من الكتب ما شئت ثم يلقى علينا فنذاكره ! قال: فبقي ! (أي لم يكن عنده جواب!)

سمعت علي بن عمر وهو الدارقطني يقول:أجمع أهل الكوفة أنه لم يُرَ من زمن عبد الله بن مسعود إلى زمن أبي العباس بن عقدة ، أحفظ منه . ابن عقدة يعلم ما عند الناس ولا يعلم الناس ما عنده ).

وتدل الرواية على أن الوراقين بياعي الكتب كانوا يبيعونها بالوزن ، وأن عمدة الكتب في المكتبات كانت كتب الحديث . وكان الحديث يشمل التفسير أيضاً .

وقد كتب الذهبي رسالة وافية في ترجمته ، ويظهر أنهم أخفوها من مخطوطاته !

حاجتهم لابن عقدة وعداؤهم له !

في سير أعلم النبلاء(15/348 ):( روى ابن صاعد ببغداد حديثاً أخطأ في إسناده ، فأنكر عليه ابن عقدة فخرج عليه أصحاب ابن صاعد (وهم غوغاء أهل الحديث الذين أسسهم المتوكل، وكانوا يهاجمون مراكز الشيعة ومن خالفهم ) ! وارتفعوا إلى الوزير علي بن عيسى وحبس ابن عقدة ، فقال الوزير: من نسأل ونرجع إليه؟ فقالوا: ابن أبي حاتم ، فكتب إليه الوزير يسأله ، فنظر وتأمل فإذا الحديث على ما قال ابن عقدة ، فكتب إليه بذلك فأطلق ابن عقدة وارتفع شأنه .

سمعت ابن الجعابي يقول: دخل ابن عقدة بغداد ثلاث دفعات ، سمع في الأولى من إسماعيل القاضي ونحوه ، ودخل الثانية في حياة ابن منيع ، فطلب مني شيئاً من حديث ابن صاعد لينظر فيه فجئت إلى ابن صاعد فسألته فدفع إلي مسند علي فتعجبت من ذلك ، وقلت في نفسي: كيف دفع إلي هذا وابن عقدة أعرف الناس به ! مع اتساعه في حديث الكوفيين ، وحملته إلى ابن عقدة ، فنظر فيه ، ثم رده عليَّ فقلت: أيها الشيخ هل فيه شئ يستغرب؟ فقال: نعم فيه حديث خطأ ! فقلت: أخبرني به فقال: لاوالله لا عرفتك ذلك حتى أجاوز قنطرة الياسرية وكان يخاف من أصحاب ابن صاعد ، فطالت علي الأيام انتظاراً لوعده ، فلما خرج إلى الكوفة سرت معه فلما أردت مفارقته قلت: وعدك؟ قال: نعم ، الحديث عن أبي سعيد الأشج ، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، ومتى سمع منه؟ وإنما ولد أبو سعيد في الليلة التي مات فيها يحيى بن زكريا ! فودعته وجئت إلى ابن صاعد فأعلمته بذلك فقال: لأجعلن على كل شجرة من لحمه قطعة ، يعني ابن عقدة ! ثم رجع يحيى إلى الأصول فوجده عنده الحديث عن شيخ غير الأشج ، عن ابن أبي زائدة فجعله على الصواب..

قال الخطيب: سمعت من يذكر أن الحفاظ كانوا إذا أخذوا في المذاكرة ، شرطوا أن يعدلوا عن حديث ابن عقدة لاتساعه وكونه مما لا ينضبط .

ثم عدد الذهبي بعض كتبه نقلاً عن الشيخ الطوسي1، ثم نقل عن أبي عمر بن حياة قال: كان ابن عقدة في جامع براثا يملي مثالب الصحابة أو قال: الشيخين ، فلم أحدث عنه بشئ . وقيل: إن الدارقطني كذب من يتهمه بالوضع ، وإنما بلاؤه من روايته بالوجادات ، ومن التشيع). ومعنى الوجادة: أنه وجد كتاباً ورواه .

أما كتب ابن عقدة فقال عنها الطوسي في رجاله/409: (روى ابن عقدة جميع كتب أصحابنا ومصنفاتهم ، وذكر أصولهم، ثم أورد عدداً كبيراً منها ، ومن ذلك: كتب غريب القرآن لأبان بن تغلب ، ومحمد بن السائب الكلبي ، وأبي روق بن عطية بن الحارث جمع عبد الرحمن بن محمد الأزدي الكوفي. كتاب الفضائل كتاب القراءة كتاب صفين لأبان بن تغلب . كتب المبدأ والمغازي والوفاة والردة والنواد لأبان بن عثمان الأحمر البجلي . وكتاب خطب علي عليه السلام لإبراهيم بن الحكم بن ظهير الفزاري . كتاب النوادر لإبراهيم بن عبد الحميد الأسدي . كتاب مبوب في الحلال والحرام لإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن أبي عبد الله عليه السلام .كتاب إبراهيم بن مهزم الأسدي.كتاب السنن والأحكام والقضايا لأبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله ... تفسير القرآن: لزياد بن المنذر أبو الجارود ، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام .. رسالة أبي جعفر عليه السلام الى كتاب سعد بن طريف الحنظلي. كتاب سويد مولى محمد بن مسلم.. الخ.) وذكر ابن عقدة بعد كل كتاب سنده له ، وتاريخ إجازة سماعه !

ولما غضب الخليفة على ابن عقدة ، أحرقوا كتبه ونهبوها ، ووصلت بعض كتبه الى علماء السلطة كالخطيب البغدادي فنقل منها !

قال(تاريخ بغداد:3/307): (وذكره ابن عقدة في تاريخه الكبير). ونحوه ابن حجر في التهذيب (9/259/487).

وذكرالخطيب إجازة ابن عقدة لابن السقاء في كتابه الكفاية في علم الرواية/349 ، قال: وقرأت بخط أبي العباس أحمد بن محمد المعروف بابن عقدة ، إجازة قد كتبها لأبي محمد عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي الحافظ المعروف بابن السقاء نسختها..

وذكر له في تاريخ بغداد (5/16) جزء في صلة الرحم .

وذكر له ابن ماكولا (2/550 و1/316) كتاب أخبار أبي حنيفة ومسنده .

ومعناه أن بعض كتبه وصلت الى يد علماء السلطة ، بغد الغارة عليها ونهبها !

قال العلامة في الخلاصة/322:(له كتب ذكرناها في كتابنا الكبير، منها كتاب أسماء الرجال الذين رووا عن الصادق عليه السلام أربعة آلاف رجل، وأخرج فيه لكل رجل الحديث الذي رواه ). وقال ابن حجر في فتح الباري(7/61): (وأما حديث من كنت مولاه فعلي مولاه فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ، وقد روينا عن الإمام أحمد قال: ما بلغنا عن أحد من الصحابة ما بلغنا عن علي بن أبي طالب).

من مرويات أحمد بن عقدة

المسجد والحرم كله قبلة

روى عنه الطوسي في تهذيب الأحكام(2/44) ، بسنده عن الإما م الصادق عليه السلام قال: (البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة للناس جميعاً).

وروى خطبة الحسن عليه السلام بسنده عن أبي الطفيل ، قال: خطب الحسن بن علي عليهما السلام بعد وفاة علي عليه السلام وذكر أمير المؤمنين عليه السلام فقال: خاتم الوصيين ، وصي خاتم الأنبياء ، وأمير الصديقين والشهداء والصالحين . ثم قال: يا أيها الناس ، لقد فارقكم رجل ما سبقه الأولون ، ولا يدركه الآخرون ، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعطيه الراية فيقاتل جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، فما يرجع حتى يفتح الله عليه ، ما ترك ذهباً ولا فضة إلا شيئاً على صبي له ، وما ترك في بيت المال إلا سبع مائة درهم ، فضلت من عطائه ، أراد أن يشتري بها خادماً لام كلثوم . ثم قال: من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد النبي صلى الله عليه وآله ثم تلا هذه الآية ، قول يوسف: وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، وأنا ابن الداعي إلى الله ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا ابن الذي أرسل رحمة للعالمين ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، وأنا من أهل البيت الذين كان جبرئيل ينزل عليهم ومنهم كان يعرج ، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم وولايتهم ، فقال فيما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله :قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا. واقتراف الحسنة: مودتنا ). (أمالي الطوسي/269).

وروى عن ابن أبي ليلى ، قال: شهد مع علي عليه السلام يوم الجمل ثمانون من أهل بدر وألف وخمس مائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ).(شرح الأخبار:1/489).

الشيعي الثرثار أضر من الناصبي !

روى ابن عقدة عن عبد الأعلى بن أعين: قال لي أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام : يا عبد الأعلى ، إن احتمال أمرنا ليس معرفته وقبوله ، إن احتمال أمرنا هو صونه وستره عمن ليس من أهله ، فاقرءهم السلام ورحمة الله يعني الشيعة وقل: قال لكم رحم الله عبداً استجر مودة الناس إلى نفسه وإلينا بأن يظهر لهم ما يعرفون ويكف عنهم ما ينكرون ، ثم قال: ما الناصب لنا حرباً بأشد مؤونة من الناطق علينا بما نكرهه ). (الغيبة للنعماني/42 ) .

وروى ابن عقدة ضرورة وجود الإمام

روى بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة خطبها بالكوفة طويلة ذكرها: اللهم فلا بد لك من حجج في أرضك حجة بعد حجة على خلقك يهدونهم إلى دينك ، ويعلمونهم علمك لكيلا يتفرق أتباع أوليائك ظاهر غير مطاع ، أو مكتتم خائف يترقب ، إن غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم في دولة الباطل فلن يغيب عنهم مبثوث علمهم ، وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة ، وهم بها عاملون ، يأنسون بما يستوحش منه المكذبون ، ويأباه المسرفون بالله ، كلام يكال بلا ثمن لو كان من يسمعه بعقله فيعرفه ويؤمن به ويتبعه ، وينهج نهجه فيفلح به ؟ ثم يقول: فمن هذا ؟ ولهذا يأرز العلم إذ لم يوجد حملة يحفظونه ويؤدونه كما يسمعونه من العالم . ثم قال بعد كلام طويل في هذه الخطبة: اللهم وإني لأعلم أن العلم لا يأرز كله ، ولا ينقطع مواده ، فإنك لا تخلي أرضك من حجة على خلقك إما ظاهر مطاع ، أو خائف مغمور ليس بمطاع ، لكي لا تبطل حجتك ويضل أولياؤك بعد إذ هديتهم ، ثم تمام الخطبة ). (الغيبة للنعماني/136).

وروى علامات الإمام المعصوم

روى بن عقدة عن الإمام الرضا عليه السلام قال: ( للإمام علامات: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس ، وأتقى الناس ، وأحلم الناس ، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس ، ويولد مختوناً ، ويكون مطهراً ، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه ، ولا يكون له ظل ، وإذا وقع إلى الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعاً صوته بالشهادتين ، ولا يحتلم وتنام عينه ولا ينام قلبه ، ويكون محدَّثاً ، ويستوى عليه درع رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يرى له بول ولا غائط لأن الله عزّ وجلّ قد وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه ويكون رائحته أطيب من رائحة المسك .

ويكون أولى بالناس منهم بأنفسهم ، وأشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم ، ويكون أشد الناس تواضعاً لله عزّ وجلّ  ، ويكون آخذ الناس بما يأمر به ، وأكف الناس عما ينهى عنه ، ويكون دعاؤه مستجاباً حتى أنه لو دعا على صخره لانشقت بنصفين ، ويكون عنده سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسيفه ذو الفقار ، ويكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة ، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة ، ويكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعاً فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم . ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر ، إهاب ماعز وإهاب كبش فيهما جميع العلوم حتى أرش الخدش وحتى الجلدة ونصف الجلدة ، ويكون عنده مصحف فاطمة عليها السلام .

وفي حديث آخر: وجميع الأئمة الأحد عشر بعد النبي صلى الله عليه وآله قتلوا منهم بالسيف وهوأميرالمؤمنين والحسين عليهم السلام والباقون قتلوا بالسم قتل كل واحد منهم طاغية زمانه ، وجرى ذلك عليهم على الحقيقة والصحة لا كما تقوله الغلاة والمفوضة لعنهم الله ، فإنهم يقولون: إنهم لم يقتلوا على الحقيقة وإنه شبه للناس أمرهم ، فكذبوا عليهم غضب الله ، فإنه ما شبه أمر أحد من أنبياء الله وحججه للناس إلا أمر عيسى بن مريم عليه السلام وحده ، لأنه رفع من الأرض حياً ، وقبض روحه بين السماء والأرض ، ثم رفع إلى السماء ورد عليه روحه ، وذلك قول الله تعالى: إِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا .وقال عزّ وجلّ حكاية لقول عيسى عليه السلام يوم القيامة: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَئٍ شَهِيدٌ . ويقولون المتجاوزون للحد في أمر الأئمة عليهم السلام : إنه إن جاز أن يشبه أمر عيسى عليه السلام للناس فلم لا يجوز أن يشبه أمرهم أيضاً ؟ والذي يجب أن يقال لهم: إن عيسى هو مولود من غير أب فلم لا يجوز أن يكونوا مولودين من غير آباء ؟ فإنهم لا يجترون على إظهار مذهبهم لعنهم الله في ذلك ، ومتى جاز أن يكون جميع أنبياء الله ورسله وحججه بعد آدم مولودين من الآباء والأمهات وكان عيسى عليه السلام من بينهم مولوداً من غير أب جاز أن يشبه أمر غيره من الأنبياء والحجج عليهم السلام كما جاز أن يولد من غير أب دونهم ، وإنما أراد الله عزّ وجلّ يجعل أمره آية وعلامة ). (العيون:1/192).

الإمام منصوب من الله تعالى

روى بسنده عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى الله وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى للَّمُتَكَبِّرِينَ . قال: من زعم أنه إمام وليس بإمام . قلت: وإن كان علوياً فاطمياً ؟ قال: وإن كان علويا فاطمياً )! (الغيبة للنعماني/113).

وروى عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: ( ينبغي لمن ادعى هذا الأمر في السر أن يأتي عليه ببرهان في العلانية . قلت: وما هذا البرهان الذي يأتي في العلانية؟ قال: يحل حلال الله ، ويحرم حرام الله ، ويكون له ظاهر يصدق باطنه. (الغيبة للنعماني/113).

عن عمرو بن الأشعث ، قال: سمعت جعفر بن محمد عليه السلام يقول ونحن عنده في البيت نحو من عشرين رجلاً فأقبل علينا وقال: لعلكم ترون أن هذا الأمر في الإمامة إلى الرجل منا يضعه حيث يشاء ، والله إنه لعهد من الله نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله إلى رجال مسميْن رجلٌ فرجلٌ حتى تنتهي إلى صاحبها ).(الغيبة/59).

وروى عن الباقر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن من أهل بيتي اثنا عشر محدثًا. فقال له رجل يقال له عبد الله بن زيد وكان أخ علي بن الحسين من الرضاعة: سبحان الله محدثاً ! كالمنكر لذلك . قال: فأقبل عليه أبو جعفر عليه السلام ، فقال له: أما والله إن ابن أمك كان كذلك يعني علي بن الحسين عليه السلام ). (الغيبة/72).

كل إمام مزعوم من دون الله مرفوض

روى عن محمد بن مسلم الثقفي ، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام يقول: كل من دان لعبادة الله يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله تعالى فسعيه غير مقبول ، وهو ضال متحير ، والله شانئ لأعماله ). (الغيبة/126).

وروى حديث علي لحذيفة عن الأئمة عليهم السلام

روى بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لحذيفة بن اليمان: يا حذيفة ، لا تحدث الناس بما لا يعرفون فيطغوا ويكفروا ، إن من العلم صعباً شديداً محمله لو حملته الجبال عجزت عن حمله ، إن علمنا أهل البيت سينكر ويبطل ، وتقتل رواته ، ويساء إلى من يتلوه بغياً وحسداً لما فضل الله به عترة الوصي وصي النبي صلى الله عليه وآله  .

يا ابن اليمان ، إن النبي صلى الله عليه وآله تفل في فمي وأمر يده على صدري ، وقال: اللهم أعط خليفتي ووصيي ، وقاضي ديني ، ومنجز وعدي وأمانتي ، وولييوناصري على عدوك وعدوي ، ومفرج الكرب عن وجهي ما أعطيت آدم من العلم ، وما أعطيت نوحاً من الحلم ، وإبراهيم من العترة الطيبة والسماحة ، وما أعطيت أيوب من الصبر عند البلاء ، وما أعطيت داود من الشدة عند منازلة الأقران ، وما أعطيت سليمان من الفهم ، اللهم لا تخف عن علي شيئاً من الدنيا حتى تجعلها كلها بين عينيه مثل المائدة الصغيرة بين يديه ، اللهم أعطه جلادة موسى ، واجعل في نسله شبيه عيسى عليه السلام ، اللهم إنك خليفتي عليه وعن عترته وذريته الطيبة المطهرة التي أذهبت عنها الرجس والنجس ، وصرفت عنها ملامسة الشياطين  ، اللهم إن بغت قريش عليه ، وقدمت غيره عليه فاجعله بمنزلة هارون من موسى إذ غاب عنه موسى ، ثم قال لي: يا علي ، كم في ولدك من ولد فاضل يقتل والناس قيام ينظرون لا يغيرون! فقبحت أمة ترى أولاد نبيها يقتلون ظلماً وهم لايغيرون إن القاتل والآمر والشاهد الذي لايغير كلهم في الإثم واللعان سواء مشتركون !

يا ابن اليمان ، إن قريشاً لا تنشرح صدورها ، ولا ترضى قلوبها ، ولا تجري ألسنتها ، ببيعة علي وموالاته إلا على الكره والعمى والصغار .

يا ابن اليمان ، ستبايع قريش علياً، ثم تنكث عليه وتحاربه وتناضله وترميه بالعظائم ، وبعد علي يلي الحسن وسينكث عليه ، ثم يلي الحسين فتقتله أمة جده فلعنت أمة تقتل ابن بنت نبيها ولا تُعز من أمة ولعن القائد لها والمرتب لفاسقها . فوالذي نفس علي بيده ، لا تزال هذه الأمة بعد قتل الحسين ابني في ضلال وظلمة وعسف وجور واختلاف في الدين ، وتغيير وتبديل لما أنزل الله في كتابه ، وإظهار البدع ، وإبطال السنن ، واختلال وقياس مشتبهات ، وترك محكمات حتى تنسلخ من الإسلام وتدخل في العمى والتلدد والتسكع !

ما لك يا بني أمية ، لا هديت يا بني أمية ، وما لكم يا بني العباس ، لكم الإتعاس، فما في بني أمية إلا ظالم ، ولا في بني العباس إلا معتد متمرد على الله بالمعاصي ، قتَّال لولدي ، هتَّاك لستري وحرمتي ، فلا تزال هذه الأمة جبارين يتكالبون على حرام الدنيا ، منغمسين في بحار الهلكات وفي أودية الدماء ، حتى إذا غاب المتغيب من ولدي عن عيون الناس ، وماج الناس بفقده أو بقتله أو بموته ، اطلعت الفتنة ، ونزلت البلية ، والتحمت العصبية ، وغلا الناس في دينهم وأجمعوا على أن الحجة ذاهبة ، والإمامة باطلة ، ويحج حجيج الناس في تلك السنة من شيعة علي ونواصبه للتحسس والتجسس عن خلق الخلف فلا يرى له أثر ولا يعرف له خبر ولا خلف، فعند ذلك سُبَّت شيعة علي سبها أعداؤها ، وظهرت عليها الأشرار والفساق باحتجاجها، حتى إذا بقيت الأمة حيارى وتدلهت وأكثرت في قولها إن الحجة هالكة ، والإمامة باطلة ، فورب علي إن حجتها عليها قائمة ماشية في طرقها ، داخلة في دورها وقصورها ، جوالة في شرق هذه الأرض وغربها ، تسمع الكلام وتسلم عن الجماعة ، ترى ولا ترى إلى الوقت والوعد ، ونداء المنادي من السماء: ألا ذلك يوم فيه سرور ولد علي وشيعته). (الغيبة/144).

وروى ابن عقدة من أحاديث المهدي عليه السلام

روى عن الإمام الصادق عليه السلام تفسير قوله تعالى: وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لا يُشْرِكُونَ بِى شَيْئًا: قال: نزلت في القائم وأصحابه ) . (الغيبة/247).

وروى عن الفضيل بن يسار ، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشد مما استقبله رسول الله صلى الله عليه وآله من جهال الجاهلية . قلت: وكيف ذاك ؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة ، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله يحتج عليه به ، ثم قال: أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر ) . (الغيبة/307).

وروى عن المفضل بن عمر: قال أبو عبد الله عليه السلام : إذا أذن الإمام دعا الله باسمه العبراني فأتيحت له صحابته الثلاث مائة والثلاثة عشر قزع كقزع الخريف ، فهم أصحاب الألوية، منهم من يفقد من فراشه ليلاً فيصبح بمكة ، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهاراً يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه.قلت: جعلت فداك أيهم أعظم إيماناً ؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً ، وهم المفقدون ، وفيهم نزلت هذه الآية: أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَاتِ بِكُمُ الله جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَئٍ قَدِيرٌ. (الغيبة/326).

وروى عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إذا خرج القائم عليه السلام خرج من هذا الأمر من كان يرى أنه من أهله ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر. (الغيبة/332).

سأله المعلى بن خنيس: أيسير القائم إذا قام بخلاف سيرة علي عليه السلام ؟ فقال: نعم ، وذاك أن علياً سار بالمن والكف ، لأنه علم أن شيعته سيظهر عليهم من بعده ، وأن القائم إذا قام سار فيهم بالسيف والسبي ، وذلك أنه يعلم أن شيعته لم يظهر عليهم من بعده أبداً ) . (الغيبة/337).

وروى عن أبي بصير:قلت لأبي عبد الله عليه السلام :كان أبو جعفر عليه السلام يقول:لقائم آل محمد غيبتان: أحدهما أطول من الأخرى، فقال: نعم ولا يكون ذلك حتى يختلف سيف بني فلان وتضيق الحلقة ، ويظهر السفياني ويشتد البلاء ، ويشمل الناس موت وقتل يلجؤون فيه إلى حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله ).(الغيبة للنعماني/177).

وروى عن أبي بصير: قال أبو عبد الله عليه السلام : لا بد أن يكون قدام القائم سنة يجوع فيها الناس ، ويصيبهم خوف شديد من القتل ، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، فإن ذلك في كتاب الله لبين ، ثم تلا هذه الآية: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَئٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ). (الغيبة/259).

وروى ابن عقدة عدة أحاديث عن الصادق والباقر عليهما السلام يظهر أنها دمجت في بعضها ، نذكر منها عن أبي بصير، عن الباقر عليه السلام قال: إذا رأيتم ناراً من المشرق شبه الهردي العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمد عليهم السلام إن شاء الله عزّ وجلّ إن الله عزيز حكيم، ثم قال: الصيحة لا تكون إلا في شهر رمضان ، لأن شهر رمضان شهر الله ، والصيحة فيه هي صيحة جبرائيل إلى هذا الخلق ، ثم قال: ينادي مناد من السماء باسم القائم عليه السلام فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب ، لا يبقى راقد إلا استيقظ ، ولا قائم إلا قعد ، ولا قاعد إلا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت ، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب ، فإن الصوت الأول هو صوت جبرئيل الروح الأمين عليه السلام .

ثم قال عليه السلام : خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة ، في شهر واحد ، في يوم واحد ، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضا فيكون البأس من كل وجه ، ويل لمن ناواهم ، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني ، هي راية هدى ، لأنه يدعو إلى صاحبكم ، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم ، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى ، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار ، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم . ثم قال لي: إن ذهاب ملك بني فلان كقصع الفخار ، وكرجل كانت في يده فخارة وهو يمشي إذ سقطت من يده وهو ساه عنها فانكسرت ، فذهاب ملكهم هكذا أغفل ما كانوا عن ذهابه )؟ (الغيبة/262).

ولاية أهل البيت شرط في قبول الأعمال

روى ابن عقدة عن الصادق عليه السلام قال: (ألا أخبركم بما لايقبل الله عزّ وجلّ من العباد عملاً إلا به ؟ فقلت: بلى. فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده والإقرار بما أمر الله والولاية لنا والبراءة من أعدائنا، يعني الأئمة خاصة، والتسليم لهم والورع والإجتهاد والطمأنينة، والإنتظار للقائم عليه السلام .

ثم قال: إن لنا دولة يجئ الله بها إذا شاء. ثم قال: من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه فجدوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة) . (الغيبة للنعماني/207).

عصا موسى عليه السلام من الجنة

روى عن الإمام الصادق عليه السلام قال: عصا موسى عليه السلام قضيب آس من غرس الجنة ، أتاه بها جبرائيل عليه السلام لما توجه تلقاء مدين ، وهي وتابوت آدم في بحيرة طبرية ، ولن يبليا ، ولن يتغيرا حتى يخرجهما القائم عليه السلام إذا قام ) . (الغيبة للنعماني/243)

لا تترك قضاء حاجة المؤمن

روى عن الصادق عليه السلام قال:( أيما رجل مسلم أتاه رجل مسلم في حاجة ، وهو يقدر على قضائها فمنعه إياها ، عيَّره الله يوم القيامة تعييراَ شديداَ وقال له: أتاك أخوك في حاجة قد جعلت قضاؤها في يدك ، فمنعته إياها زهداً منك في ثوابها ، وعزتي لا أنظر إليك اليوم في حاجة معذباً كنت أو مغفوراً لك) . (أمالي الطوسي /99).

وروى قصة يهودي جاء الى عمر

روى عن عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله . وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة قالا: شهدنا الصلاة على أبي بكر حين مات ، فبينما نحن قعود حول عمر وقد بويع إذ جاءه فتى يهودي من يهود المدينة كان أبوه عالم اليهود بالمدينة ، وهم يزعمون أنه من ولد هارون فسلم على عمر ، وقال: يا أمير المؤمنين ، أيكم أعلم بكتابكم وسنة نبيكم ؟ فقال: عمر: هذا وأشار إلى علي بن أبي طالب عليه السلام وقال: هذا أعلمنا بكتابنا وسنة نبينا .

فقال الفتى: أخبرني أنت كذا ؟ قال: نعم ، سلني عن حاجتك . فقال: إني أسألك عن ثلاث وثلاث وواحدة . قال علي عليه السلام : أفلا تقول: أسألك عن سبع؟

فقال الفتى: لا ، ولكن أسألك عن الثلاث ، فإن أصبت فيهن سألتك عن الثلاث الآخر ، فإن أصبت فيهن سألتك عن الواحدة ، فإن لم تصب في الثلاث الأول سكت ولم أسألك عن شئ . قال له علي عليه السلام : يا يهودي ، فإن أخبرتك بالصواب وبالحق تعلم أني أخطأت أو أصبت؟ قال: نعم . قال علي عليه السلام : فبالله لئن أصبت فيما تسألني عنه لتسلمن ولتدعن اليهودية؟قال: نعم لك الله علي لئن أصبت لأسلمن ولأدعن اليهودية . قال: فاسأل عن حاجتك.

قال: أخبرني عن أول حجر وضع على وجه الأرض ، وأول شجرة نبتت في الأرض ، وأول عين أنبعت في الأرض ؟ قال علي عليه السلام : يا يهودي ، أما أول حجر وضع على وجه الأرض فإن اليهود يقولون الصخرة التي في بيت المقدس وكذبوا ولكنه الحجر الأسود ، نزل به آدم عليه السلام من الجنة فوضعه في الركن والمؤمنون يستلمونه ليجددوا العهد والميثاق لله عزّ وجلّ بالوفاء .

وأما قولك: أول شجرة نبتت في الأرض فإن اليهود يقولون الزيتونة وكذبوا ، ولكنها النخلة العجوة ، نزل بها آدم عليه السلام من الجنة وبالفحل ، فأصل الثمرة كلها العجوة . وأما العين فإن اليهود يقولون: بأنها العين التي تحت الصخرة وكذبوا ، ولكنها عين الحياة التي لا يغمس فيها ميت إلا حي ، وهي عين موسى التي نسي عندها السمكة المملوحة فلما مسها الماء عاشت وانسربت في البحر فاتبعها موسى وفتاه حين لقيا الخضر . فقال الفتى: أشهد أنك قد صدقت وقلت الحق ، وهذا كتاب ورثته عن آبائي إملاء موسى عليه السلام وخط هارون عليه السلام بيده ، وفيه هذه الخصال السبع ، والله لئن أصبت في بقية السبع لأدعن ديني وأتبعن دينك .

فقال علي عليه السلام : سل. فقال: أخبرني كم لهذه الأمة بعد نبيها من إمام هدى لايضرهم خذلان من خذلهم؟ وأخبرني عن موضع محمد في الجنة أي موضع هو؟ وكم مع محمد في منزلته ؟ فقال: علي: يا يهودي ، لهذه الأمة اثنا عشر إماماً مهدياً كلهم هاد مهدي لا يضرهم خذلان من خذلهم ، وموضع محمد صلى الله عليه وآله في أفضل منازل جنة عدن وأقربها من الله وأشرفها ، وأما الذي مع محمد صلى الله عليه وآله في منزلته فاللإثنا عشر الأئمة المهديون . قال اليهودي: وأشهد أنك قد صدقت وقلت الحق لئن أصبت في الواحدة كما أصبت في الستة والله لأسلمن على يدك ولأدعن اليهودية . قال له: إسأل . قال: أخبرني عن خليفة محمد كم يعيش بعده ، ويموت موتاً أو يقتل قتلاً ؟ قال: يعيش بعده ثلاثين سنة، وتخضب هذه من هذه وأخذ بلحيته وأوما إلى رأسه. فقال الفتى: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وأنك خليفة رسول الله على الأمة ، ومن تقدمك مفتر، ثم خرج ). صفحة/97

لم يقبل علي عليه السلام أن يجعل سيرة أبي بكر وعمر جزء من الدين

روى ابن عقدة بسنده عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جده: أن القوم حين اجتمعوا للشورى فقالوا فيها ، وناجى عبد الرحمن رجل منهم على حدة ، ثم قال لعلي عليه السلام : عليك عهد الله وميثاقه ، لئن وليت لتعملن بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر .

فقال علي عليه السلام : علي عهد الله وميثاقه ، لئن وليت أمركم لأعملن بكتاب الله وسنة رسوله . فقال عبد الرحمن لعثمان كقوله لعلي عليه السلام ، فأجابه أن نعم فرد عليهما القول ثلاثاً كل ذلك يقول علي عليه السلام كقوله ، ويجيبه عثمان: أن نعم ، فبايع عثمان عبد الرحمن عند ذلك ). (أمالي الطوسي/709).

وفي تاريخ اليعقوبي(2/162): (فقال عبد الرحمن بن عوف: لنا الله عليك إن وليت هذا الأمر أن تسير فينا بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر؟فقال علي عليه السلام : أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه ما استطعت . فخلا بعثمان فقال له: لنا الله عليك إن وليت هذا الأمر أن تسير فينا بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر؟ فقال: لكم أن أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر ، ثم خلا بعلي فقال له مثل مقالته الأولى فأجابه مثل الجواب الأول ، ثم خلا بعثمان فقال له مثل المقالة الأولى ، فأجابه مثل ما كان أجابه ، ثم خلا بعلي فقال له مثل المقالة الأولى ، فقال: إن كتاب الله وسنة نبيه لا يحتاج معهما إلى إجِّيرى أحد ! أنت مجتهد أن تزوي هذا الأمر عني. فخلا بعثمان فأعاد عليه القول فأجابه بذلك الجواب ، وصفق على يده).

ومعنى قول علي عليه السلام لعبد الرحمن: أنت مجتهد أن تزوي هذا الأمر عني: أنك تعرف أني لا يمكن أن أكرز سيرة الشيخين جزءً من الإسلام ، فليس هدفك إلا أن تحصل مني على مبرر وتبعد الخلافة عني! ومعنى قوله: إن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله لا يحتاج معهما إلى إجِّيري أحد ! أن الكتاب والسنة ليسا ناقصين حتى تكملهما باشتراط سنة أحد وسيرته !

والإجِّيري: العادة ، وقال ابن السكيت: ما زال ذلك إجِّيراه ، أي عادته . وفي الإمامة والسياسة(1/125) أنه عليه السلام قال: وما يدخل سنة أبي بكر وعمر مع كتاب الله وسنة نبيه!

الفصل الخامس

فضح الإمام الباقر عليه السلام علماء الخلافة !

هبط المستوى العلمي للأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله هبوطاً فاحشاً !

ذكرنا أن المستوى العلمي للأمة هبط بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله هبوطاً حاداً ، فصار السائد في الأمة السطحية والظنون ! وقام دين الخليفة على الرأي، وتبعه المسلمون فاعتمدوا الظنون وثقافة اليهود ، وموروثات المجتمع العربي الجاهلي . ولم يخرج عن هذه الحالة إلا أئمة العترة عليهم السلام الذين قال الله فيهم:قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ..أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ .

لكنهم كانوا معزولين وممنوعين أن يعلموا الأمة ، بل كان من يأخذ عنهم يُتهم !

وقد ضرب المحامي الأردني أحمد حسين يعقوب ، مثلاً لذلك ، فقال: إن سبب انهيار المستوى العلمي بسيط: فلو أن جماعة دخلوا المحكمة فكتفوا القاضي الخبير بالقانون ، وجلسوا في منصة القضاء ، وأرادوا أن يحكموا وليس عندهم علم ، فلا بد لهم أن يحكموا بالظن والرأي ! وهذا ما وقع لما غيبوا علم أهل البيت عليهم السلام فلم يبق لهم إلا الرأي !

وقد ارتكبوا في تفسير آيات القرآن تخريب معانيها ، وتمييعه ، وتحريفه ، والجهالة في تفسيرها،لأنهم ليس عندهم علم بالكتاب ولا باللغة وقواعدها!

سمى الإمام عليه السلام علماء الخلافة: الأخابث الصادين عن سبيل الله !

وجد الإمام الباقر عليه السلام نحو عشرين شخصاً تبنتهم السلطة كعلماء ومفسرين ومفتين وأئمة مذاهب ، فوجه سيفه نحوهم ، وسماهم الأخابث الصادين عن سبيل الله ، لأنهم برأيه عليه السلام أصل كل ضلالة ، فلا علم عندهم ، بل يبيعون الناس آراءهم وبضاعة أهل الكتاب ، وقد أضلوا الناس وغشوهم !

فكان لا بد من فضحهم وكشفهم للناس ليتركوهم ! ووصفهم بأنهم يصدون الناس عن العلم النبوي الصحيح عند أهل البيت عليهم السلام .

ولأنهم طلاب دنيا فقد ارتكبوا جريمة نصب أنفسهم أئمة للمسلمين بدون حجة ولا علم ! وأولهم ابن عباس ، وأنس خادم النبي صلى الله عليه وآله ، والحسن البصري ، ويليهم كعب الأحبار ، وأبو حنيفة ، وسفيان الثوري ، وعكرمة ، وقتادة ، والحكم بن عتيبة ، وأمثالهم !

ما ضرَّ هؤلاء الأخابث لو جلسوا في بيوتهم !

في الكافي(1/393) بسند صحيح عن سدير الصيرفي قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام وهو داخل وأنا خارج وأخذ بيدي، ثم استقبل البيت فقال: يا سدير إنما أُمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيُعلمونا ولايتهم لنا وهو قول الله: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى. ثم أومأ بيده إلى صدره إلى ولايتنا .

ثم قال: يا سدير فأريك الصادين عن دين الله؟! ثم نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوري في ذلك الزمان وهم حَلَقٌ في المسجد ، فقال: هؤلاء الصادون عن دين الله بلا هدى من الله ولا كتاب مبين ، إن هؤلاء الأخابث لو جلسوا في بيوتهم فجال الناس فلم يجدوا أحداً يخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وآله حتى يأتونا فنخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وآله ) .

ومعناه الحرمة المشددة لمن تصدى للإفتاء ، ونصب نفسه مفتياً ، أو محدثاً ، أوشيخاً ، أو إمام مذهب ، لأن ذلك يحتاج الى علم يقني ، والى نصب من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله !

وقال الإمام الباقر عليه السلام :( إن العلم الذي نزل مع آدم عليه السلام لم يرفع ، والعلم يتوارث ، وكان علي عليه السلام عالم هذه الأمة ، وإنه لم يهلك منا عالم قط إلا خلفه من أهله من علم مثل علمه ، أو ما شاء الله ). ( الكافي1/222و393) .

وفي معاني الأخبار/182،بسند صحيح عن فضيل بن عثمان، قال:(سئل أبو عبد الله عليه السلام فقيل له: إن هؤلاء الأخابث يروون عن أبيك يقولون:إن أباك عليه السلام قال: إذا عرفت فاعمل ما شئت! فهم يستحلون بعد ذلك كل مُحرم ! قال: ما لهم لعنهم الله ! إنما قال أبي عليه السلام : إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت من خير يقبل منك ).

أي افترى علماء السلطة على الإمام الباقر عليه السلام بأنه قال: من عرف إمامه فليفعل ما شاء ! فاستنكر ذلك وقال: إنما قال إذا عرفت فاعمل ما شئت . فإذا عرفت الإمام فاعمل فإنه يقبل منك ، ولم يقل معرفتك للإمام تغني عن العمل،كما زعم أبو حنيفة وسفيان وبقية الأخابث !

عبد الله بن عباس أول علماء الخلافة الصادين عن سبيل الله !

لو أردنا ترجمة أهم علماء السلطة كما نسجوا من سيرتهم لاحتجنا الى مجلدين ، لكنا نأخذ أشهرهم ونبين عوارهم وكيف فضحهم الإمام الباقر عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام ، وقد أخذنا أكثر ترجمة بعضهم من كتاب التفسير والمفسرون للشيخ محمد حسين الذهبي المصري ، فهو معجب بعلماء السلطة جميعاً ، بل يقدسهم تقديس العوام !

كيف ترجموا لعبد الله بن عباس؟

قال الذهبي المصري: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله . ولد والنبي وأهل بيته بالشعب بمكة فأتى به النبي فحنكه بريقه وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين ، ولازم النبي في صغره لقرابته منه ، ولأن خالته ميمونة كانت من أزواج رسول الله ، توفي رسول الله وله من العمر ثلاث عشرة سنة ، وقيل خمس عشرة ، فلازم كبار الصحابة وأخذ عنهم ما فاته من حديث رسول الله ، وكانت وفاته بالطائف سنة ثمان وستين على الأرجح ، وله من العمر سبعون سنة .

كان ابن عباس يلقب بالحبر والبحر لكثرة علمه ، وكان على درجة عظمية من الإجتهاد والمعرفة بمعاني كتاب الله ، ولذا انتهت إليه الرئاسة في الفتوى والتفسير وكان عمر يجلسه مع كبار الصحابة ويدنيه منه ، وكان يقول له: إنك لأصبح فتياننا وجهاً ، وأحسنهم خلقاً ، وأفقههم في كتاب الله . وقال في شأنه: ذاكم فتى الكهول ! إن له لساناً سؤولاً ، وقلباً عقولاً .

وكان لفرط أدبه إذا سأله عمر مع الصحابة عن شئ يقول: لا أتكلم حتى يتكلموا . وكان عمر يعتد برأي ابن عباس مع حداثة سنه. كان إذا جاءته الأقضية المعضلة قال لابن عباس: إنها قد طرأت علينا أقضية وعضل فأنت لها ولأمثالها ، فكان يأخذ بقوله ، وما كان يدعو لذلك أحداً سواه !

وقال فيه عطاء: ما رأيت أكرم من مجلس ابن عباس! أصحاب الفقه عنده ، وأصحاب القرآن عنده ، وأصحاب الشعر عنده يصدرهم كلهم من واد واسع. وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: كان ابن عباس قد فاق الناس بخصال: بعلم ما سبقه وفقه فيما احتيج إليه من رأيه ، وحلم ونسب ، وتأويل ، وما رأيت أحداً كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله منه ، ولا بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه ، ولا أفقه في رأي منه ، ولا أثقب رأياً فيما احتيج إليه منه ، ولقد كان يجلس يوماً ولا يذكر فيه إلا الفقه ، ويوماً التأويل ويوماً المغازي ، ويوماً الشعر ، ويوماً أيام العرب ، ولا رأيت عالماً قط جلس إليه إلا خضع له ، وما رأيت سائلاً قط سأله إلا وجد عنده علماً !

والحق أن ابن عباس قد ظهرفيه النبوغ العربي بأكمل معانيه علماً وفصاحة ، وسعة اطلاع في نواح علمية مختلفة ، لا سيما فهمه لكتاب الله تعالى . وخير ما يقال فيه ما قاله ابن عمر: ابن عباس أعلم أمة محمد بما نزل على محمد!

أخذ ابن عباس علمه من أهل الكتاب

قال الذهبي المصري: (كان ابن عباس كغيره من الصحابة الذين اشتهروا بالتفسير ، يرجعون في فهم معاني القرآن إلى ما سمعوه من رسول الله ، وإلى ما يفتح الله به عليهم من طريق النظر والإجتهاد ، مع الإستعانة في بمعرفة أسباب النزول والظروف والملابسات التي نزل فيها القرآن . ومن بين المراجع العلمية المفضلة عند ابن عباس ، كعب الأحبار اليهودي ، وعبد الله بن سلام ، وأهل الكتاب على العموم ، فقد كان يسأل كعباً عن التفسير الصحيح لأم القرآن وللمرجان مثلاً، وقد رأى الناس في هؤلاء اليهود أن عندهم أحسن الفهم على العموم في القرآن وفي كلام الرسول وما فيهما من المعاني الدينية، ورجعوا إليهم سائلين عن هذه المسائل رغم التحذير الشديد من كل جهة من سؤالهم .

هذه هي عبارة الأستاذ جولد زيهر في كتابه . وقد تابعه الأستاذ أحمد أمين على هذا الرأي ، حيث يقول في فجر الإسلام: وقد دخل بعض هؤلاء اليهود في الإسلام ، فتسرب منهم إلى المسلمين كثير من هذه الأخبار ، ودخلت في تفسير القرآن يستكملون بها الشرح ، ولم يتحرج حتى كبار الصحابة مثل ابن عباس عن أخذ قولهم. روى أن النبي قال: إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم. ولكن العمل كان على غير ذلك ، كانوا يصدقونهم وينقلون عنهم .

فالأستاذ جولد زيهر ، والأستاذ أحمد أمين ، يريان أن الصحابة وبخاصة ابن عباس لم يأبهوا لنهي الرسول فصدقوا أهل الكتاب وأخذوا عنهم الكثير في التفسير ، وأن اللون اليهودي قد صبغ مدارس التفسير القديمة ، وبالأخص مدرسة ابن عباس ، بسبب اتصالهم بمن دخل في الإسلام من أهل الكتاب !

والحق أن هذا غلو في الرأي ، فابن عباس وغيره من الصحابة ، كانوا يسألون علماء اليهود الذين اعتنقوا الإسلام ، ولكن لم يكن سؤالهم عن شئ يمس العقيدة أو يتصل بأصول الدين أو فروعه ، وإنما كانوا يسألون أهل الكتاب عن بعض القصص والأخبار الماضية ، ولم يكونوا يقبلون كل ما يروى لهم على أنه صواب لايتطرق إليه شك ، بل كانوا يحكمون دينهم وعقلهم ، فما اتفق مع الدين والعقل صدقوه ، وما خالف ذلك نبذوه ، وما سكت عنه القرآن واحتمل الصدق والكذب توقفوا فيه . وبهذا المسلك يكون الصحابة قد جمعوا بين قوله عليه الصلاة والسلام: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج . وقوله: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، فإن الأول محمول على ما وقع فيهم من الحوادث والأخبار لما فيها من العظة والإعتبار ، بدليل قوله بعد ذلك: فإن فيهم أعاجيب . والثاني محمول على ما إذا كان المخبر به من قبلهم محتملاً ، ولم يقم دليل على صدقه ولا على كذبه لأنه ربما كان صدقاً في نفس الأمر فيكون في التكذيب به حرج ، وربما كان كذباً في نفس الأمر فيكون في التصديق به حرج ، ولم يرد النهى عن تكذيبهم فيما ورد شرعنا بخلافه ، ولا عن تصديقهم فيما ورد شرعنا بوفاقه ، كما أفاده ابن حجر ونبه عليه الشافعي .

ثم كيف يستبيح ابن عباس لنفسه أن يحدث عن بني إسرائيل يمثل هذا التوسع الذي يجعله مخالفاً لأمر رسول الله (ص) وقد كان ابن عباس نفسه من أشد الناس نكيراً على ذلك ، فقد روى البخاري في صحيحه عنه أنه قال: يا معشر المسلمين: تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه أحدث الأخبار بالله ، تقرؤونه محضاً لم يُشب ، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله وغيروا بأيديهم الكتاب فقالوا: هَذَا مِنْ عِنْدِ الله لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً ! أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم ، ولا والله ما رأينا رجلاً منهم قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم !

أقول: كفى برواية البخاري وكلام ابن عباس دليلاً على رد كلام الذهبي المصري ، فابن عباس يقول إن المسلمين يسألون اليهود والنصارى ، بينما هم لا يسألوننا !

وهو يسألهم ويقول أسألهم عن بعض الأشياء ولا آخذ برأيهم !

يفتخر الشيعة بمواقف ابن عباس ويتغاضون عن ضعفه

يفتخر الشيعة بمواقف ابن عباس ، ومن حقهم ذلك لأنه دافع عن عليِّ عليه السلام وبني هاشم دفاعاً قوياً ، وأفحم خصومهم وألقمهم أحجاراً !

فمواقفه ومناظراته مفحمة وقاصمة مع عمر وعائشة ومعاوية وشخصيات بني أمية . وقد روتها المصادر المختلفة وتداولها الناس في مجالسهم .

ولذلك يصعب على الشيعة نقد ابن عباس مع أنهم يعرفون أن فيه نقاط ضعف !

والحس العام عند الشيعة أن دفاعاته القوية عن أمير المؤمنين عليه السلام منقبة عظيمة يغتفر معها نقاط الضعف الصغيرة .

وكان أميرالمؤمنين عليه السلام يحسب الأمور بمصلحة الإسلام العليا ويعرف نقاط ضعف ابن عباس ولذلك كان متحفظاً منه فلم تصدر منه شهادة مدح فيه أبداً ، كما صدرت في غيره من أصحابه ، ولا خصه بشيئ من علمه كما خص آخرين . ولما جعله والياً على البصرة جعل معه أبا الأسود الدؤلي على قضاء البصرة (طرائف المقال:2/72) وجعل معه زياد بن عبيد والياً على بيت المال .

قال ابن الأثير في الكامل (3 / 256 ): (وولى زياداً على الخراج وبيت المال ، وأمر ابن عباس أن يسمع منه ويطيع ). وكأنه عليه السلام كان يقرأ الغيب وما سيفعله ابن عباس!

فكان زياد يعطي ابن عباس المخصصات التي يحتاجها في ولايته ، ولم تكن يد ابن عباس مطلقة في بيت المال !

وكان زياد بن عبيد والياً ناجحاً ، لأنه يجيد الفارسية من أمه ، وقد نجح في التعامل مع الفرس في البصرة وفارس . ومهما كانت أمه سمية فأمير المؤمنين عليه السلام يطبق القاعدة الشرعية: الولد للفراش وللعاهر الحجر .

رأيي في ابن عباس

1- اشتهر ابن عباس بأنه مدافع قوي عن بني هاشم ، وخاصة عن أمير المؤمنين عليه السلام فهو بصير بخصومهم القرشيين ، وحجته قوية ، وله مواقف ومناظرات مع عمر وعائشة ومعاوية ومروان وابن الزبير وغيرهم ، هي من أقوى المناظرات حجة وأداءً .

لذلك أحبه الشيعة الإمامية وعده بعضهم منهم ، لكنه يتبين واقعه عندما يكون الأمر بين بني علي وبني العباس ، لذلك فهو عندي ثقة إلا أن يكون الأمر بينه وبين العلويين . وقد أظهر نفسه لما ادعى الإمامة بعد الحسين عليه السلام وأنكر إمامة زين العابدين عليه السلام بل لما أنكر أن تكون ليلة القدر تنزل بعد النبي صلى الله عليه وآله على علي والأئمة عليهم السلام ، فأظهر الله له آية وأصابه بالعمى كما يأتي.

2- كان ابن عباس صاحب نبوغ وصاحب حافظة قوية ، وروى ابن حجر في الإصابة(4/128) أنه كان عمره لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله عشر سنين ورجح رواية الثلاث عشرة سنة .

3- جمع محمد عابد السندي أحاديثه التي سمعها مباشرة من النبي صلى الله عليه وآله فبلغت 87 حديثاً فقط ، وسماها: كشف الباس عما رواه ابن عباس مشافهة عن سيد الناس . لكنه جمع الأحاديث من الصحابة وحدث بها ، وكان يقصد بيوتهم ويسمع منهم ويكتب .

4- والإشكال عليه: لماذا لم يذكر أسماء من روى عنهم وأسقط الواسطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله  ، فكأنه هو سمع منه ، وكثيراً ما يقول سمعت رسول الله ولم يسمع منه إلا 87 حديثاً!

5- إذا نظرنا الى موسوعة أحاديث ابن عباس نصل الى نتيجة أنه حشوي يروي الضد والنقيض، وفقد روى حديث الغدير وبيعة الغدير لعلي عليه السلام وروى نص النبي صلى الله عليه وآله على الأئمة الإثني عشر عليهم السلام ، وفي نفس الوقت ادعى الإمامة بعد الحسين عليه السلام !

ابن عباس يتحدث كيف كان يجمع الأحاديث

في سنن الدارمي(1/141، و146): (عن ابن عباس قال: لما توفي رسول الله قلت لرجل من الأنصار: يافلان هلمَّ فلنسأل أصحاب النبي فإنهم اليوم كثير ، فقال: واعجباً لك يا ابن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله من ترى ! فترك ذلك وأقبلت على المسألة ، فإنه كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائلٌ فأتوسد ردائي على بابه فتسفي الريح على وجهي التراب ، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك ، ألا أرسلت إليَّ فآتيك . فأقول: أنا أحق أن آتيك فأساله عن الحديث .

قال: فبقي الرجل (الذي لم يصحبه ليجمع الحديث)حتى رآني وقد اجتمع الناس عليَّ فقال: كان هذا الفتى أعقل مني ).

وفي الطبقات (2/371): (عن سلمى قالت: رأيت عبد الله بن عباس معه ألواح يكتب عليها عن أبي رافع شيئاً من فعل رسول الله صلى الله عليه وآله ).

وروى كُرَيْب غلام ابن عباس أن ابنه علياً ورث كتبه ، كما في الطبقات (5/293):(قال: وضع عندنا كريب حمل بعير أو عدل بعير من كتب بن عباس . قال: فكان علي بن عبد الله بن عباس إذا أراد الكتاب كتب إليه إبعث إلي بصحيفة كذا وكذا ، قال فينسخها فيبعث إليه بإحداهما ).

أعجب عمر بابن عباس ونصبه رئيس علماء الخلافة

أُعجب عمر بن الخطاب بابن عباس أيما إعجاب ، لأن عمر ومن حوله لابضاعة لهم من العلم ، ولم يعرفوا حتى مفردات اللغة مثل وفاكهة وأباًّ ، ولاعرفوا حساب سهام الإرث ، ولأن عمر يحتاج الى أحد يقابل به علياً المعروف بعلمه، فنصب ابن عباس رئيس علماء الخلافة ، وسماه حَبْر الأمة ، وهو غلامٌ لم تكتمل لحيته فكان يفتي لهم بظنه ، فيُعجبون به ويعملون بفتواه !

سماه عمر بثقافته اليهودية: حبر الأمة !

فهو متأثر بألقاب اليهود حيث كان يحضر دروسهم! ولذا سماه حبر الأمة وتبعه الرواة والناس . وقال له عمر(سير الذهبي:3/337) :(إني رأيت رسول الله دعاك يوماً فمسح رأسك وتفل في فيك وقال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ).

ولم يقل متى رأى النبي صلى الله عليه وآله تفل في فمه ودعا له ! فلما ولد ابن عباس في الشعب كان عمر كافراً ، ثم بقي ابن عباس في مكة مع أبيه ولم يهاجر.

والصحيح أن هذا القول من أم عبد الله زعمت أنها لما ولدته أخذته إلى النبي صلى الله عليه وآله في الشعب فتفل في فمه ودعا له فتبنى عمر حديثها، ولم يرو هذا الحديث غيرها ، وكان العباس مع بني هاشم في الشعب لكنه لم يكن يومها مسلماً .

وقال الذهبي في سيره ( 3 / 331 ): (عبد الله بن عباس البحر ، حبرالأمة ، وفقيه العصر، وإمام التفسير.. مولده بشعب بني هاشم قبل عام الهجرة بثلاث سنين . صحب النبي صلى الله عليه وآله نحواً من ثلاثين شهراً ، وحدث عنه بجملة صالحة ) !

والصحيح في علم ابن عباس ما رواه ابن سعد (2/371 ) قال: ( رأيت عبد الله بن عباس معه ألواح يكتب عليها عن أبي رافع شيئاً من فعل رسول الله صلى الله عليه وآله . سمعت ابن عباس يقول: كنت ألزم الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من المهاجرين والأنصار ، فأسألهم عن مغازي رسول الله صلى الله عليه وآله وما نزل من القرآن في ذلك . وكنت لا آتي أحداً منهم إلا سُرَّ بإتياني لقربي من رسول الله صلى الله عليه وآله ).

وغرض عمر من ألقابه له وادعائه أن النبي صلى الله عليه وآله تفل في فمه ودعا له بالعلم ! أن يقول إنه مستغنٍ عن علم علي بعلم ابن عباس ! فكأنه يقول له لا نحتاج الى علمك هذا ابن عباس عنده علم النبي صلى الله عليه وآله !وقد روى أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف/255: (عن الحكم بن عتيبة قال:كان عمر يدعو ابن عباس فيستفتيه مغايظة لعلي )!

لكن مكانة ابن عباس عند عمر لم تبلغ مكانة كعب الأحبار !

فكعب كما ستعرف له في قلب عمر مكانة نبي، وقد كان يستفتيه في الأحكام والعقائد ، ويسأله عن مستقبله الشخصي ، وعن الجنة والنار ، كما سيأتي .

كان ابن عباس يفسر القرآن ويفتي برأيه وظنه !

كان ابن عباس من أئمة مدرسة العمل بالرأي والظن ، يفسرالقرآن بالظن ويفتي ويحُلل ويحرم بالظن . فهو على مذهب الخلفاء القرشيين ، أبي بكر وعمر ، الذين أدانوا الظن والرأي لكنهم عملوا به كل عمرهم !

قال الدارمي (2/346): (أرسل ابن عباس إلى زيد بن ثابت: أتجد في كتاب الله للأم ثلث ما بقي؟فقال زيد: إنما أنت رجل تقول برأيك ، وأنا رجل أقول برأيي)! وصححه الألباني في إرواء الغليل(6/123) .

وفي سنن النسائي(6/228): (عن عكرمة قال: أرسلني ابن عباس إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين؟ فقال زيد: للزوج النصف وللأم ثلث ما بقي وللأب بقية المال... قال فأتيت ابن عباس فأخبرته ، قال فقال: إرجع إليه فقل له: أبكتاب الله قلت أم برأيك؟ قال: فأتيته فقال: برأيي. فرجعت إلى ابن عباس فأخبرته فقال ابن عباس: وأنا أقول برأيي للأم الثلث كاملاً )!

وبقي ابن عباس على هذا المذهب ! وكان يستفتي أهل الرأي، ويعمل بفتواهم !

ولاينافي هذا أنه أحياناً يأخذ بالعلم اليقيني من علي عليه السلام ، فهو بذلك لايكون من أتباع مدرسة العلم اليقينيي بل من أتباع الظن ، لأن الظن كالخمر: ما أسكر كثيره فقليله حرام !

وكان ابن عباس يعرف أن علياً عليه السلام مدينة علم النبي صلى الله عليه وآله وعنده العلم الصحيح ، لكنه يخاف من عمر أن يتهمه بأنه يأخذ علم علي عليه السلام وينشره !

وقد روى علماؤهم وصححوه كابن سعد (4/22)والطبري في الرياض النضرة (3/160) وابن عبد البر في الإستيعاب (3/1104) ومجمع الزوائد (9/69) أن ابن عباس كان يقول: (والله لقد أعطى علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم ، وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر) .

وروى ابن عباس تأكيدات النبي صلى الله عليه وآله على أن الله فرض على أمته اتباع علي والأئمة من عترته عليهم السلام لكنه لايريد أن يفتح مشكلة مع عمر بل يريد كسب رضاه ! وهذا يدل على أن شخصيته ضعيفة كأبيه ، فهو يتقرب الى الخليفة لينال من دنياه !

ميثم التمار يفحم ابن عباس ويملي عليه من علمه !

تدل الحادثة التالية على أن ابن عباس لم يأخذ تفسير القرآن من علي عليه السلام ، رغم قربه منه في خلافته ، ورغم تعصبه لقبيلة بني هاشم !

روى الكشي/294، عن حمزة بن ميثم التمار ، عن أبيه أنه زار المدينة فالتقى بابن عباس فقال له: (يا ابن عباس، سلني ما شئت من تفسير القرآن ، فإني قرأت تنزيله على أمير المؤمنين عليه السلام وعلمني تأويله . فقال: يا جارية الدواةَ وقرطاساً فأقبلَ يكتب . فقلت: يا ابن عباس كيف بك إذا رأيتني مصلوباً تاسع تسعة ، أقصرهم خشبة وأقربهم بالمطهرة ، فقال لي: وتَكَهَّنُ أيضاً ! خَرِّقِ الكتاب!

فقلت: مَهْ ، إحتفظ بما سمعت مني، فإن يك ما أقول لك حقاً أمسكته ، وإن يك باطلاً خرقته . قال: هو ذاك. فقدم أبي علينا فما لبث يومين حتى أرسل عبيد الله بن زياد  ، فصلبه تاسع تسعة أقصرهم خشبة وأقربهم إلى المطهرة .

فرأيت الرجل الذي جاء إليه ليقتله وقد أشار إليه بالحربة وهو يقول: أما والله لقد كنت ما علمتك إلا قواماً ، ثم طعنه في خاصرته فأجافه ، فاحتقن الدم فمكث يومين ، ثم إنه في اليوم الثالث بعد العصر قبل المغرب ، انبعث منخراه دماً ، فخضبت لحيته بالدماء ) !

كان ذلك أواخر سنة ستين لأن ميثماً رضي الله عنه قتل قبل قدوم الحسين عليه السلام الى العراق بعشرة أيام ، وكان ابن عباس في الثلاث والستين من عمره وتوفي في السبعين .

وفي الرواية دلالات: منها: أن ميثم التمار وهو من حواريي علي عليه السلام قد خصه بعلم البلايا والمنايا ، يقول لابن عباس علمني علي عليه السلام التفسير والتأويل فتعال فاكتب! فأسرع وأتى بالقرطاس ، وأخذ يسأله ويكتب .

ومنها: أن ميثم التمار أراد أن يُرِي ابن عباس معجزة لأمير المؤمنين عليه السلام ويَهُزَّ إيمانه فقال له: إني ذاهب الى الكوفة لأُصلب وأُقتل ! فدهش ابن عباس وتصور أن ذلك كهانةٌ من ميثم ، فأراد أن يمحو ما كتب عنه ! فأفحمه ميثم وقال له: إصبر قليلاً لتعرف هل أن كلامي كهانة أم يقين تعلمته من ابن عمك وصي النبي صلى الله عليه وآله الذي لم تتعلم منه ! فخجل ابن عباس وقال: الحق معك ، فلنصبر! ولا يبعد أن يكون ميثم حدثه عن الحسين عليه السلام وكربلاء ودعاه الى نصرته والذهاب معه !

والعجيب أن ابن عباس رأى بعد أيام صدق قول ميثم ، وإيمانه ويقينه ، ولكنه بقي على مستواه ، فلم يذهب مع الحسين عليه السلام  ، بل (نصحه) بعدم الذهاب !

في رسائل الشهيد الثاني/329: (حدثني محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام قال: لما تجهر الحسين عليه السلام إلى الكوفة أتاه ابن عباس فناشده الله والرحم أن يكون هو المقتول بالطف! فقال: أنا أعرف بمصرعي منك وما وكدي(بغيتي)من الدنيا إلا فراقها !

ألا أخبرك يا ابن عباس بحديث أمير المؤمنين عليه السلام والدنيا؟فقال له بلى لعمري إني لأحب أن تحدثني بأمرها ، فقال أبي قال علي بن الحسين عليه السلام سمعت أبا عبد الله يقول: حدثني أميرالمؤمنين عليه السلام قال: إني كنت بفدك في بعض حيطانها وقد صارت لفاطمة عليه السلام قال فإذا أنا بأمره قد قحمت علي وفي يدي مسحاة وأنا اعمل بها ، فلما نظرت إليها طاير قلبي مما تداخلني من جمالها ، فشبهتها ببثينة بنت عامر الجمحي وكانت من نساء أجمل قريش، فقالت: يا ابن أبي طالب هل لك أن تتزوج بي فأغنيك عن هذه المسحاة ، وأدلك على خزائن الأرض فيكون لك الملك ما بقيت ولعقبك من بعدك؟فقال لها:من أنت حتى أخطبك من أهلك؟فقالت: أنا الدنيا. قال لها:فارجعي واطلبي زوجاً غيري! وأقبلت على مسحاتي وأنشأت أقول:

لقـد خـاب مـن غرتـه دنيـاً دنيـةٌ
وما هي إن عزت قروناً بنائل
أتتنا على زي العزيز بثينة
وزينتها في مثل تلك الشمائل
فقلـت لهـا غـري سـواي فإننـي
عروف عن الدنيا ولست بجاهل
وما أنا والدنيا فإن محمداً
أهل صـريعـاً بيـن تلـك الجـنادل
وهبهـا أتتنـى بالكنـوز وردهـا
وأمـوال قـارون وملـك القبـائـل
أليـس جميعـاً للفنـاء مصيـرها
ويطلـب مـن خـزانـها بالطـوائل
فغـري سـواي إننـي غيـر راغب
بمـا فيـك مـن ملـك وعز ونائل
فقـد قنعت نفسـي بما قد رزقـتـه
فشأنـك يا دنيـا وأهـل الغـوائـل
فإني أخاف الله يوم لقائه وأخشى غداً دائماً غير زائل

فخرج من الدنيا وليس في عنقه تبعة لأحد ، حتى لقي الله محموداً غير ملوم ولا مذموم . ثم اقتدت به الأئمة من بعده عليهم السلام لم يتلطخوا بشئ من بوائقها)!

أقول: هذه القصة من الحسين عليه السلام لابن عباس جواباً على نهيه إياه أن يكون قتيل الطف ، تدل على أن مشكلة ابن عباس حبه للدنيا ، فأجابه الحسين عليه السلام بأنه كأبيه لايعملان بهذه المقاييس !

ولم ينتفع ابن عباس بظنونه ومقاييسه، فقد عاش بعد الحسين عليه السلام بضع سنين ورأى الذل من ابن الزبير ، ونفاه الى الطائف فتوفي هناك ، وأوصى ابنه أن يذهب لاجئاً عند بني أمية في الشام !

ابن عباس وبيت مال البصرة

روت المصادر أن أميرالمؤمنينن عليه السلام اتهم ابن عباس بأنه لما كان والي البصرة خان بيت المال ، وأخذ منه مبلغاً كبيراً أو صغيراً . قال عليه السلام (نهج البلاغة:3/353): (أما بعد فإني كنت أشركتك في أمانتي، وجعلتك شعاري وبطانتي، ولم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي لمواساتي وموازرتي وأداء الأمانة إلي . فلما رأيتَ الزمان على ابن عمك قد كَلِب ، والعدو قد حَرِب ، وأمانة الناس قد خُزِيَت ، وهذه الأمة قد فَنَكَت وشَغَرَت ، قَلَبْتَ لابن عمك ظهر المِجَنّ ، ففارقته مع المفارقين ، وخذلته مع الخاذلين ، وخنته مع الخائنين ! فلا ابن عمك آسيت ، ولا الأمانة أديت !

وكأنك لم تكن الله تريد بجهادك ، وكأنك لم تكن على بينة من ربك ، وكأنك إنما كنت تكيد هذه الأمة عن دنياهم ، وتنوي غرتهم عن فيئهم ، فلما أمكنتك الشدة في خيانة الأمة ، أسرعت الكرة وعاجلت الوثبة ، واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم ، المصونة لأراملهم وأيتامهم ، اختطاف الذئب الأزَلِّ دامية المعزى الكسيرة ، فحملته إلى الحجاز رحيب الصدر بحمله ، غير متأثم من أخذه ! كأنك لا أباً لغيرك ، حدرت إلى أهلك تراثاً من أبيك وأمك !

فسبحان الله ، أما تؤمن بالمعاد ، أو ما تخاف نقاش الحساب؟! أيها المعدود كان عندنا من ذوي الألباب ! كيف تسيغ شراباً وطعاماً وأنت تعلم أنك تأكل حراماً وتشرب حراماً ، وتبتاع الإماء وتنكح النساء من مال اليتامى والمساكين والمؤمنين والمجاهدين ، الذين أفاء الله عليهم هذه الأموال ، وأحرز بهم هذه البلاد .

فاتق الله واردد إلى هؤلاء القوم أموالهم ، فإنك إن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لأعذرن إلى الله فيك ! ولأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحداً إلا دخل النار. ووالله لو أن الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة ، ولا ظفرا مني بإرادة ، حتى آخذ الحق منهما ، وأزيح الباطل من مظلمتهما . وأقسم بالله رب العالمين ، ما يسرني أن ما أخذتَ من أموالهم حلالٌ لي أتركه ميراثاً لمن بعدي ! فصُخْ رويداً فكأنك قد بلغت المدى ، ودفنت تحت الثرى ، وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي الظالم فيه بالحسرة ، ويتمنى المضيع الرجعة ، ولات حين مناص) !

أقول: هذا كلامٌ قوي يدل بصراحة على وقوع خيانة من ابن عباس !

لكن أمير المؤمنين عليه السلام لم يعزل ابن عباس عن ولاية البصرة فقد بقي والياً عليها في زمن علي عليه السلام ، وحضر شهادته وبيعة الحسن عليه السلام وأرسله الى البصرة والياً .

ولهذا رد بعض الباحثين أصل التهمة ، واعتبرها افتراءً على ابن عباس من خصومه وخصوم أمير المؤمنين عليه السلام ، خاصة الأمويين .

ومن أبرز الذين دافعوا عنه العلامة السيد جعفر مرتضى في رسالته: ابن عباس وأموال البصرة . والعلامة السيد مهدي الخرسان في المجلد الرابع من كتابه موسوعة ابن عباس . وقد قرأت ما كتباه ، فرأيت أنهما أخذا نقاطاً قوية في مدح ابن عباس، وهي عموماً صحيحة ، لكنهما لم يجيبا جواباً قوياً على سؤال: ما نصنع بكتاب أمير المؤمنين عليه السلام ، البليغ الصريح ، وسنده صحيح، وبلاغته وعلو متنه تأبى أن نقول إنه مكذوب عليه ، فهو من نفس قماشة خطب أمير المؤمنين عليه السلام !

وقد ناقشتهما في ذلك فتراجع السيد جعفر عن إنكار أصل الحادثة ، ولم يتراجع السيد الخرسان ، بل نراه يصر في موسوعته على التعبيرعن ابن عباس بحبر الأمة وترجمان القرآن ، مع أن هذا الوصف لم يرد له فيه أي حديث ، وما هو إلا لقب أعطاه إياه عمر بن الخطاب .

ومحور المسألة رسالة أمير المؤمنين عليه السلام ، وفيها تهمة صريحة لابن عباس بأنه فعل فلا بد من القول بأن ابن عباس صدرت مخالفة استوجبت هذا التوبيخ والتهديد من أميرالمؤمنين عليه السلام . وما دام أمير المؤمنين عليه السلام لم يتخذ إجراء ضد عامله ابن عباس ، فلا بد من القول بأنه تراجع وأطاع .

وقد دافع عنه اليعقوبي بأنه أخذ عشرة آلاف درهم من بيت المال ، وأن أبا الأسود الدؤلي كانت بينه وابن عباس حساسية فكتب الى أمير المؤمنين عليه السلام بذلك !

لكن هذا غامض لأن أميرالمؤمنين عليه السلام عين أبا الأسود قاضياً على البصرة ، وزياد بن عبيد والياً على الخراج وبيت المال وابن عباس والياً عاماً ، وأوصى ابن عباس أن يطيع زياد بن عبيد . فمن أين أخذ العشرة آلاف إلا أن تكون أعطيت له لبيت المال وتصرف بها قبل أن يدفعها !

ومهما يكن فإن عشرة آلاف درهم لاتتناسب مع رسالة أمير المؤمنين عليه السلام !

وأما القول بأن أبا الأسود الدؤلي اندفع بحساسيته وحسده وضخَّم الأمر لأمير المؤمنين عليه السلام فانفعل وكتب ما كتب ، فهذا ينافي ما نعرف من دقة أبي الأسود ، ومن تثبت أمير المؤمنين عليه السلام وعصمته !

بقي أن نذكر الرسائل التي زعموا أن أمير المؤمنين عليه السلام أرسلها الى ابن عباس وأجوبة ابن عباس الخشنة المزعومة له ، وهذه لا شك في أنها موضوعة .

وبها يظهر أن أعداء علي عليه السلام وابن عباس عملوا كثيراً لتضخيم مسألة ابن عباس وبيت المال . فنحن نتحفظ من قبول مبلغ العشرة آلاف درهم ، كما نتحفظ من قبول أن المبلغ كان مئتي ألف درهم كما في بعض الروايات . ونقول:لا شك أن ابن عباس صدرت منه خطيئة كبيرة ، فغضب عليه أميرالمؤمنين عليه السلام ووبخه وهدده ، ويبدو أنه أصلح خطأه بشكل وآخر ، ورجع الى طاعة أمير المؤمنين عليه السلام .

هذا ، وسيأتي رأي السيد الخوئي1ومناقشته .

الإمام الباقر يعلن أن أباه وصف ابن عباس بالمنتحل والخائن!

قال الكشي/273: (جعفر بن معروف ، قال حدثنا يعقوب بن يزيد الأنباري ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتى رجل أبي عليه السلام فقال: إن فلاناً يعني عبد الله بن العباس يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن في أي يوم نزلت وفيمَ نزلت .

قال: فسله فيمن نزلت: وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً. وفيمَ نزلت: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ .

وفيمَ نزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا .

فأتاه الرجل فغضب وقال: وددتُ الذي أمرك بهذا واجهني به فأسائله ولكن سله: ما العرش ومتى خلق وكيف هو؟ فانصرف الرجل إلى أبي فقال له ما قال ، فقال عليه السلام :وهل أجابك في الآيات؟قال: لا !

قال: ولكني أجيبك فيها بنور وعلم ، غير المدعي والمنتحِل: أما الأوليان فنزلتا في أبيه، وأما الأخيرة فنزلت في أبي وفينا ، ولم يكن الرباط الذي أُمرنا به بعدُ وسيكون ذلك ، من نسلنا المرابط ، ومن نسله المرابط .

فأما ما سألت عنه: فما العرش ، فإن الله عزّ وجلّ جعله أرباعاً ، لم يخلق قبله شيئاً إلا ثلاثة أشياء الهواء والقلم والنور ، ثم خلقه من ألوان مختلفة من ذلك النور الأخضر، الذي منه اخضرَّت الخضرة ، ومن نور أصفر خلقت منه الصفرة ، ونور أحمر احْمَرَّت منه الحمرة ، ونور أبيض وهو نور الأنوار ، ومنه ضوء النهار . ثم جعله سبعين ألف طبق ، غلظ كل طبق كأول العرش إلى أسفل السافلين ، وليس من ذلك طبق إلايسبح بحمده ويقدسه بأصوات مختلفة ، وألسنة غير مشتبهة ، لو سمع واحداً منها شئ مما تحته لانهدمت الجبال والمدائن والحصون ، ولخسفت البحار وأهلك ما دونه .

له ثمانية أركان يحمل كل ركن منها من الملائكة مالا يحصى عدتهم إلا الله ، يسبحون الليل والنهار ولايفترون، ولو حسَّ شئ مما فوقه ما أقام لذلك طرفة عين بينه وبين الإحساس بالجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرحمة ، ثم العلم . وليس وراء هذا مقال !

لقد طمع الخائن (ابن عباس) في غير مطمع! أما إن في صلبه وديعةٌ قد ذرئت لنار جهنم، سيُخرجون أقواماً من دين الله أفواجاً كما دخلوا فيه، وستصبغ الأرض بدماء الفراخ من فراخ آل محمد ، تنهض في غير وقت وتطلب غيرمُدرك ، ويرابط الذين آمنوا ويصبرون لما يرون ، حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ) !

ملاحظات على رواية الإمام زين العابدين عليه السلام مع ابن عباس

1- لهذه الرواية دلالات مهمة ، وأخطرها أن ابن عباس ادعى أنه أعلم الأمة بعد الإمام الحسين عليه السلام وصرح بنيته أن يعلن إمامته !

ففي تاريخ اليعقوبي (2/225): (توفي الحسن بن علي وابن عباس عند معاوية ، فدخل عليه لما أتاه نعي الحسن ، فقال له: يا ابن عباس إن حسناً مات . قال: إنا لله وإنا إليه راجعون على عظم الخطب وجليل المصاب ، أما والله يا معاوية لئن كان الحسن مات ، فما ينسئ موته في أجلك ولايسد جسمه حفرتك ، ولقد مضى إلى خير، وبقيتَ على شر. قال: لا أحسبه قد خلف إلا صبية صغاراً . قال: كلنا كان صغيراً فكبر . قال: بخ بخ ، يا ابن عباس أصبحت سيد قومك. قال: أما ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين بن رسول الله صلى الله عليه وآله فلا). وابن عساكر (12/311 ) .

وهذا ادعاء خطير وانتحالٌ لمقام جعله الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله برواية ابن عباس نفسه ، لعلي والأئمة من ذريته عليهم السلام  ، فكان واجب الإمام زين العابدين عليه السلام أن يفحمه ، حتى لا يُضل الناس ولهذا وصفه بالمنتحل للإمامة وبالخائن !

2- أرسل اليه الإمام زين العابدين عليه السلام أنك إذا كنت تعلم سبب نزول كل آية ووقت نزولها ومكانه ، فأخبرنا عن الآيات الثلاث: (فغضب وقال: وددتُ الذي أمرك بهذا واجهني به فأسائله ولكن سله: ما العرش ومتى خلق وكيف هو) ؟

أي غضب ابن عباس ولم يجب ، وهرب الى طرح سؤال على الإمام عليه السلام عن خلق العرش وكيفيته ! وكأنه يقول له: إن كنتُ لا أعرف سبب نزولها فأنت لاتعرف ما هو العرش! فأجابه إن هاتين الآيتين في أبيك وفيك والثالثة في أبي علي عليه السلام وفينا. أما العرش فهذا وحي الله فيه الى جدي صلى الله عليه وآله !

3- ورد في تفسير الآيات الثلاث ما يؤيد هذه الرواية ، فقد روى ابن شعبة الحراني في تحف العقول/484، في تفسير: وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ، نص رسالة الإمام الهادي عليه السلام إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوري:(سترنا الله وإياك بستره ، وتولاك في جميع أمورك بصنعه ، فهمت كتابك يرحمك الله ، ونحن بحمد الله ونعمته أهل بيت نَرِقُّ على أوليائنا ، ونُسَرُّ بتتابع إحسان الله إليهم وفضله لديهم ، ونَعْتَدُّ بكل نعمة ينعمها الله تبارك وتعالى عليهم . فأتمَّ الله عليك يا إسحاق وعلى من كان مثلك ، ممن قد رحمه الله وبصَّرَهُ بصيرتك، نعمتَه ، وقَدْرُ تمام نعمته دخول الجنة . وليس من نعمةٍ وإن جلَّ أمرها وعَظُمَ خَطَرُها ، إلا والحمد لله تقدست أسماؤه عليها ، مؤدٍّ شكرَها. وأنا أقول:الحمد لله أفضل ما حمده حامده إلى أبد الأبد، بما من الله عليك من رحمته ونجاك من الهلكة ، وسهل سبيلك على العقبة . وأيم الله إنها لعقبة كؤود ، شديد أمرها ، صعب مسلكها ، عظيم بلاؤها ، قديم في الزبر الأولى ذكرها. ولقد كانت منكم في أيام الماضي عليه السلام إلى أن مضى لسبيله، وفي أيامي هذه أمور كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي ولا مسددي التوفيق . فاعلم يقيناً يا إسحاق أنه من خرج من هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً.

يا إسحاق ليس تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور،وذلك قول الله في محكم كتابه حكاية عن الظالم إذ يقول: قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى. وأي آية أعظم من حجة الله على خلقه وأمينه في بلاده ، وشهيده على عباده من بعد من سلف من آبائه الأولين النبيين وآبائه الآخرين الوصيين عليهم أجمعين السلام ورحمة الله وبركاته).

وفي تفسر العياشي (2/143) عن الإمام الرضا عليه السلام قال: (قال الله في قوم نوح: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ، قال: الأمر إلى الله يهدي ويضل . وعن الإمام الباقر عليه السلام ، قال: نزلت في العباس ).

أقول: يظهر أن النبي صلى الله عليه وآله دعا عمه العباس الى الإسلام فأبى ، فنزلت آيات نصح نوح لقومه .كما نصحه علي عليه السلام بعد ذلك بالهجرة قبل فتح مكة ، فأبى .

أما الآية الثالثة فورد في تفسيرها في معاني الأخبار للصدوق/369: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن علي بن أسباط ، عن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا . فقال: إصبروا على المصائب ، وصابروهم على التقية ، ورابطوا على من تقتدون به ، واتقوا الله لعلكم تفلحون ).

فمع أن الآية خطاب لعامة المؤمنين بالصبر والمصابرة في دولة الظالمين ، لكن يظهر من كلامه عليه السلام أنها تتضمن أمراً خاصاً لأئمة أهل البيت عليهم السلام بالصبر في دولة بني العباس ! فقد قال عليه السلام : (وأما الأخيرة فنزلت في أبي وفينا ، ولم يكن الرباط الذي أُمرنا به بعدُ وسيكون ذلك من نسلنا المرابط ، ومن نسله المرابط ).

ومعناه أنه عند حكم بني العباس يبدأ نوعٌ من المصابرة والمرابطة لم يكن موجوداً .

4- تميزت الرواية بحديث خلق العرش وصفاته ، وفيه حقائق كبرى عقدية وعلمية مدهشة عن خلق النور ، ليس بعدها مقال ، على حد تعبيره عليه السلام !

قال عليه السلام مخاطباً ابن عباس: (ولكن أجيبك فيها بنور وعلم ، غير المدعي ولا المنتحل). يُعَرِّضُ به أنه مدعٍ منتحل لميراث علم رسول الله صلى الله عليه وآله مع أنه لم يجعله الله حجته على خلقه بعد نبيه صلى الله عليه وآله ، فهو منتحل لشخصية إمام .

ثم تكلم الإمام عليه السلام عن خلق النور والأشعة والألوان ، التي هي أصل الكون .

وفي توحيد الصدوق/320، عن الرضا عليه السلام :(إن الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السماوات والأرض، وكانت الملائكة تستدل بأنفسها وبالعرش والماء على الله عزّ وجلّ . ثم جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فيعلموا أنه على كل شئ قدير، ثم رفع العرش بقدرته ونقله، فجعله فوق السماوات السبع، وخلق السماوات والأرض في ستة أيام ، وهو مستولٍ على عرشه ، وكان قادراً على أن يخلقها في طرفة عين ، ولكنه عزّ وجلّ خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئاً بعد شئ ، وتستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى ذكره مرة بعد مرة . ولم يخلق الله العرش لحاجة به إليه ، لأنه غني عن العرش ، وعن جميع ما خلق، ولا يوصف بالكون على العرش ، لأنه ليس بجسم. تعالى الله عن صفة خلقه علواً كبيراً).

رأي السيد الخوئي1في ابن عباس

الرأي المعروف عند علمائنا توثيق ابن عباس ومدحه لأنه كان يدافع عن أمير المؤمنين عليه السلام وهم يغضون النظر عن نقاط ضعفه والروايات القادحة فيه .

وعلى هذا المنوال سار السيد الخوئي1فترجم لابن عباس في كتابه: معجم رجال الحديث (11/245) وأورد كلام العلامة الحلي وابن داود في مدحه . ثم قال: (هذا والأخبار المروية في كتب السير والروايات الدالة على مدح ابن عباس وملازمته لعلي ومن بعده الحسن والحسين عليهم السلام كثيرة، وقد ذكر المحدث المجلسي 1مقداراً كثيراً منها في أبواب مختلفة من كتابه البحار ، من أراد الإطلاع عليها فليراجع سفينة البحار في مادة عبس . ونحن وإن لم نظفر برواية صحيحة مادحة ، وجميع ما رأيناه من الروايات في إسنادها ضعف ، إلا أن استفاضتها أغنتنا عن النظر في إسنادها ، فمن المطمأن به صدور بعض هذه الروايات عن المعصومين إجمالاً) .

ومعنى كلامه أنه لا توجد رواية صحيحة في مدح ابن عباس، لكن كثرة الروايات المادحة له واستفاضتها يغني عنده عن السند ، ويكفي للقول بأنه ثقة ممدوح .

ثم قال السيد الخوئي1:(وبإزاء هذه الروايات روايات قادحة ذكرها الكشي).

ويحسن أن نورد ما كتبه الكشي في ترجمة ابن عباس(1/373) قال:

1- جعفر بن معروف ، قال حدثنا يعقوب بن يزيد الأنباري ، عن حماد ابن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتى رجل أبي عليه السلام فقال: إن فلاناً يعني عبد الله بن العباس يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن في أي يوم نزلت وفيم نزلت . قال: فسله فيمن نزلت: وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً. . وفيم نزلت: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ . وفيم نزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا ..؟ فأتاه الرجل وقال: وددت الذي أمرك بهذا واجهني به فأسائله ، ولكن سله ما العرش ومتى خلق وكيف هو؟فانصرف الرجل إلى أبي فقال له ما قال، فقال: وهل أجابك في الآيات؟قال: لا. قال: ولكني أجيبك فيها بنور وعلم غير المدعى والمنتحل ، أما الأوليان فنزلتا في أبيه ، وأما الأخيرة فنزلت في أبي وفينا ، وذكر الرباط الذي أمرنا به بعد وسيكون ذلك من نسلنا المرابط ومن نسله المرابط .

فأما ما سألت عنه فما العرش: فإن الله عزّ وجلّ جعله أرباعاً لم يخلق قبله شيئاً إلا ثلاثة أشياء الهواء والقلم والنور ، ثم خلقه من ألوان مختلفة من ذلك ، النور الأخضر الذي منه اخضرت الخضرة ، ومن نور أصفر خلقت منه الصفرة ، ونور أحمر احمرت منه الحمرة ، ونور أبيض وهو نور الأنوار ومنه ضوء النهار . ثم جعله سبعين ألف طبق غلظ كل طبق كأول العرش إلى أسفل السافلين ، وليس من ذلك طبق إلا يسبح بحمده ويقدسه بأصوات مختلفة وألسنة غير مشتبهة ولو سمع واحداً منها شئ بما تحته لانهدم الجبال والمدائن والحصون ، ولخسفت البحار وأهلك وما دونه . له ثمانية أركان يحمل كل ركن منها من الملائكة مالا يحصى عدتهم إلا الله يسبحون الليل والنهار ولا يفترون ، ولو حس حس شئ مما فوقه أقام لذلك طرفة عين ، بينه وبين الإحساس الجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرحمة ثم العلم، وليس وراء هذا مقال لقد طمع الخائن في غير مطمع .

أما أن في صلبه وديعة قد ذرئت لنار جهنم سيخرجون أقوام من دين الله أفواجا كما دخلوا فيه ، وستصبغ الأرض بدماء الفراخ من فراخ آل محمد ، تنهض تلك الفراخ في غير وقت وتطلب غير ما تدرك ، ويرابط الذين آمنوا ويصبرون لما يرون حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين . حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة ، قال حدثنا الفضل بن شاذان ، عن محمد بن أبي عمير ، عن أحمد بن محمد بن زياد قال: جاء رجل إلى علي بن الحسين عليهما السلام .. وذكر نحوه .

2 - محمد بن مسعود ، قال حدثني جعفر بن أحمد بن أيوب: قال حدثني حمدان بن سليمان أبو الخير ، قال حدثني أبو محمد بن عبد الله بن محمد اليماني ، قال حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الكوفي ، عن أبيه الحسين ، عن طاووس قال: كنا على مائدة ابن عباس ، ومحمد بن الحنفية حاضر ، فوقعت جرادة فأخذها محمد ، ثم قال هل تعرفون ما هذه النقط السود في جناحها ؟ قالوا الله أعلم . فقال: أخبرني أبي علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان مع النبي صلى الله عليه وآله ثم قال: هل تعرف يا علي هذا النقط السود في جناح هذه الجرادة ؟ قال قلت: الله ورسوله أعلم . فقال: مكتوب في جناحها أنا الله رب العالمين ، خلقت الجراد جنداً من جنودي أصيب به من أشاء من عبادي ، فقال ابن عباس: فما بال هؤلاء القوم يفتخرون علينا يقولون أنهم أعلم منا ، فقال محمد: ما ولدهم الا من ولدني .

قال: فسمع ذلك الحسن بن علي عليه السلام فبعث إليهما وهما في المسجد الحرام ، فقال لهما: أما إنه قد بلغني ما قلتما إذ وجدتما جرادة ، فأما أنت يا ابن عباس ففيمن نزلت هذه الآية: لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ، في أبي أوفي أبيك ؟ وتلى عليه آيات من كتاب الله كثيراً ثم قال: أما والله لولا ما نعلم لا علمتك عاقبة أمرك ما هو وستعلمه ، ثم إنك بقولك هذا مستنقص في بدنك ، ويكون الجرموز من ولدك ، ولو أذن لي في القول لقلت ما لو سمع عامة هذا الخلق لجحدوه وأنكروه .

3 - حمدويه وإبراهيم ، قالا حدثنا أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى عن عاصم بن حميد ، عن سلام بن سعيد ، عن عبد الله بن عبد يليل رجل من أهل الطائف ، قال أتينا ابن عباس رحمه الله نعوده في مرضه الذي مات فيه قال ، فأغمي عليه في البيت فأخرج إلى صحن الدار، قال فأفاق فقال: إن خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إني سأهاجر هجرتين وإني سأخرج من هجرتي: فهاجرت هجرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهجرة مع علي عليه السلام ، وإني سأعمى: فعميت ، وأني سأغرق: فأصابني حكة فطرحني أهلي في البحر فغفلوا عني فغرقت ثم استخرجوني بعد .

وأمرني أن أبرأ من خمسة: من الناكثين وهم أصحاب الجمل ، ومن القاسطين وهم أصحاب الشام ، ومن الخوارج وهم أهل النهروان ، ومن القدرية وهم الذين ضاهوا النصارى في دينهم فقالوا لاقدر ، ومن المرجئة الذين ضاهوا اليهود في دينهم فقالوا الله أعلم .

قال ثم قال: اللهم إني أحيا على ما حييَ عليه علي بن أبي طالب وأموت على ما مات عليه علي بن أبي طالب ، قال: ثم مات فغسل وكفن ثم صلى على سريره ، قال: فجاء طائران أبيضان فدخلا في كفنه فرأى الناس ، انما هو فقهه فدفن) .

وقال الكشي في قضية بيت مال البصرة (1/379): ( روى علي بن يزداد الصائغ الجرجاني ، عن عبد العزيز بن محمد بن عبد الأعلى الجزري ، عن خلف المخزومي البغدادي ، عن سفيان بن سعيد ، عن الزهري ، قال: سمعت الحارث يقول: استعمل علي صلوات الله عليه على البصرة عبد الله بن عباس، فحمل كل مال في بيت المال بالبصرة ولحق بمكة وترك علياً عليه السلام وكان مبلغه ألفي ألف درهم ، فصعد علي عليه السلام المنبر حين بلغه ذلك فبكى ، فقال: هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله في علمه وقدره يفعل مثل هذا فكيف يؤمن من كان دونه ، اللهم إني قد مللتهم فأرحني منهم ، واقبضني إليك غير عاجز ولا ملول.

قال الكشي: قال شيخ من أهل اليمامة يذكر عن معلى بن هلال ، عن الشعبي ، قال: لما احتمل عبد الله بن عباس بيت مال البصرة ، وذهب به إلى الحجاز كتب إليه علي بن أبي طالب عليه السلام : (من عبد الله علي بن أبي طالب إلى عبد الله بن عباس أما بعد فإني كنت أشركتك في أمانتي ، ولم يكن أحد من أهل بيتي في نفسي أوثق منك لمواساتي ومؤازرتي وأداء الأمانة إلي ، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب ، والعدو عليه قد حرب ، وأمانة الناس قد عزت ، وهذه الأمور قد فشت ، قلبت لابن عمك ظهر المجن ، وفارقته مع المفارقين ، وخذلته أسوأ خذلان الخاذلين ، فكأنك لم تكن تريد الله بجهادك ، وكأنك لم تكن على بينة من ربك ، وكأنك إنما كنت تكيد أمة محمد صلى الله عليه وآله على دنياهم ، وتنوي غرتهم ، فلما أمكنتك الشدة في خيانة أمة محمد أسرعت الوثبة وعجلت العدوة ، فاختطفت ما قدرت عليه اختطاف الذئب الأزلّ دامية المعزى الكسيرة . كأنك لا أباً لك إنما جررت إلى أهلك تراثك من أبيك وأمك ، سبحان الله ، أما تؤمن بالمعاد أوَما تخاف من سوء الحساب ، أوَما يكبر عليك أن تشتري الإماء وتنكح النساء بأموال الأرامل والمهاجرين الذين أفاء الله عليهم هذه البلاد ؟!

أردُد إلى القوم أموالهم فوالله لئن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لأعذرن الله فيك ، والله فوالله لو أن حسناً وحسيناً فعلا مثل الذي فعلت لما كانت لهما عندي في ذلك هوادة ، ولا لواحد منهما عندي فيه رخصة ، حتى آخذ الحق وأزيح الجور عن مظلومها ، والسلام ) .

قال: فكتب إليه عبد الله بن عباس ( أما بعد ، فقد أتاني كتابك تعظم علي إصابة المال الذي أخذته من بيت مال البصرة ولعمري إن لي في بيت مال الله أكثر مما أخذت: والسلام ) .

قال: فكتب إليه علي بن أبي طالب عليه السلام :( أما بعد ، فالعجب كل العجب من تزيين نفسك أن لك في بيت مال الله أكثر مما أخذت ، وأكثر مما لرجل من المسلمين ، فقد أفلحت إن كان تمنيك الباطل ، وادعاؤك مالا يكون ينجيك من الاثم ، ويحل لك ما حرم الله عليك ، عمرك الله إنك لأنت العبد المهتدي إذن ! فقد بلغني أنك اتخذت مكة وطناً وضربت بها عطناً تشتري مولدات مكة والطائف ، تختارهن على عينك ، وتعطي فيهن مال غيرك ! وإني لأقسم بالله ربي وربك رب العزة ، ما يسرني أن ما أخذت من أموالهم لي حلال أدعه لعقبي ميراثاً فلا غرو أشد باغتباطك تأكله رويداً رويداً ، فكأن قد بلغت المدى وعرضت على ربك المحل الذي تتمنى الرجعة ، والمضيع للتوبة كذلك ، ولات حين مناص ، والسلام ) .

فكتب إليه عبد الله بن عباس:(أما بعد فقد أكثرت علي فوالله لئن ألقى الله بجميع ما في الأرض من ذهبها وعقيانها أحب إلي من أن ألقى الله بدم رجل مسلم).

تضعيف السيد الخوئي روايات ذم ابن عباس

فقد رد الرواية الأولى بأن جعفر بن معروف لم يوثق . وأهمل رواية علي بن قتيبة ، فقال في (14/315) علي بن محمد بن قتيبة لم يوثق ، فالرواية لا يعتمد عليها ).

ورد الثانية: رواية جناح الجرادة ، بقوله: الرواية ضعيفة بعدة من رواتها .

ورد رواية الثالثة، سرقة بيت مال البصرة فقال: (هذه الرواية وما قبلها من طرق العامة ، وولاء ابن عباس لأمير المؤمنين وملازمته له عليه السلام هو السبب الوحيد في وضع هذه الأخبار الكاذبة وتوجيه التهم والطعون عليه ، حتى أن معاوية لعنه الله كان يلعنه بعد الصلاة مع لعنه علياً والحسنين وقيس بن عبادة والأشتر )!

ورد الرواية الرابعة: فقال:(وقال الكشي قبل ترجمة عبد الله بن عباس متصلاً بها: وروى محمد بن عيسى بن عبيد ، عن محمد بن سنان ، عن موسى بن بكر الواسطي، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: قال أمير المؤمنين عليه السلام : اللهم العن ابني فلان وأعم أبصارهما ، كما أعميت قلوبهما الآكلين في رقبتي ، واجعل عمى أبصارهما دليلاً على عمى قلوبهما !) .

قال: وهي ضعيفة بالإرسال: أولا لجهالة طريق الكشي إلى محمد بن عيسى بن عبيد ، وبمحمد بن سنان وموسى بن بكر الواسطي ثانياً.

ورد الرواية الخامسة التي فيها سبب عمى ابن عباس ، فقال:(ثم إن الكليني1 روى عن محمد بن أبي عبد الله ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعاً عن الحسن بن عباس بن حريش ، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: بينا أبي جالس وعنده نفر إذ استضحك حتى اغرورقت عيناه دموعاً ثم قال: هل تدرون ما أضحكني؟ قال فقالوا: لا ، قال: زعم ابن عباس أنه من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ، فقلت له: هل رأيت الملائكة يا ابن عباس تخبرك بولائها لك في الدنيا والآخرة مع الامن من الخوف والحزن ؟ قال فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ وقد دخل في هذا جميع الأمة ، فاستضحكت.. إلى أن قال: ثم تركته يومه ذلك لسخافة عقله ثم لقيته فقلت: يا ابن عباس ما تكلمت بصدق بمثل أمس ، قال لك علي بن أبي طالب: إن ليلة القدر في كل سنة وإنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة وإن لذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت من هم؟ فقال: أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون ، فقلت: لا أراها كانت إلا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ! فتبدَّى لك الملك الذي يحدثه فقال:كذبت يا عبد الله رأت عيناي الذي حدَّثك به علي عليه السلام ولم تَرَهُ عيناه ولكن وعى قلبه ووقر في سمعه ، ثم صفقك بجناحه فعميت!

قال فقال ابن عباس: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَئٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله تعالى، فقلت له: فهل حكم الله في حكم من حكمه بأمرين ؟ قال: لا ، قلت: هاهنا هلكت وأهلكت). (الكافي: الجزء1،كتاب الحجة ، باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر41 حديث2).

وهذه الرواية مضافاً إلى ضعفها بالحسن بن العباس بن حريش ، آثار الوضع عليها ظاهرة، فإن الظاهر من ضحك الباقر عليه السلام أن الأمر وقع قريباً والمفروض في الرواية أنه عليه السلام كان جالساً وعنده نفر فكانت هذه القصة زمان إمامته عليه السلام ولا أقل أنها كانت زمان كبره ، مع أن ابن عباس مات سنة ثمان وستين ، وولد أبو جعفر سنة سبع وخمسين ، فالقضية مكذوبة لا محالة ).

ثم ختم السيد الخوئي1بحثه بقوله: والمتحصل مما ذكرنا أن عبد الله بن عباس كان جليل القدر، مدافعاً عن أمير المؤمنين والحسنين عليهم السلام ، كما ذكره العلامة وابن داود .

ثم استشهد بقول العلامة في الخلاصة وقول ابن داوود وقال: وذكره ابن داود في القسم الأول ( 864 ) وقال: عبد الله بن العباس رضي الله عنه ، حاله أعظم من أن يشار إليه في الفضل والجلالة ومحبة أمير المؤمنين عليه السلام وانقياده إلى قوله) .

ثم قال السيد الخوئي1: وله مفاخرة مع معاوية وعمرو بن العاص وقد ألقمهما حجراً ، رواها الصدوق في الخصال في باب الأربعة ، قول معاوية: إني لأحبك لخصال أربع.. وقد شهد عند معاوية بأنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ثم ذكر بعد ذلك علي بن أبي طالب ، والحسن بن علي والحسين ، وأولاده التسعة عليهم السلام . الخصال: باب الاثني عشر..

ثم قبل السيد الخوئي1الروايات المادحة لابن عباس وأكثرها عن جعفر بن معروف !قال: (ثم إن الكشي ذكر في عبد الله بن العباس عدة روايات مادحة (1/276) وهي كما تلي: حمدويه وإبراهيم قالا: حدثنا أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن عاصم بن حميد ، عن سلام بن سعيد ، عن عبد الله بن يا ليل رجل من أهل الطائف، قال: أتينا ابن عباس نعوده في مرضه الذي مات فيه ، قال: فأغمي عليه في البيت فأخرج إلى صحن الدار، قال: فأفاق فقال: إن خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أني سأهاجر هجرتين وأني سأخرج من هجرتي ، فهاجرت هجرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهجرة مع علي عليه السلام وأني سأعمى فعميت ، وأني سأغرق فأصابتني حكة فطرحني أهلي في البحر فغفلوا عني فغرقت ثم استخرجوني بعد .

وأمرني أن أبرأ من خمسة: من الناكثين وهم أصحاب الجمل ، ومن القاسطين وهم أصحاب الشام ، ومن الخوارج وهم أهل النهروان ، ومن القدرية وهم الذين ضاهوا النصارى في دينهم فقالوا لا قدر ، ومن المرجئة الذين ضاهوا اليهود في دينهم فقالوا: الله أعلم ، قال ثم قال: اللهم إني أحيا على ما حيي عليه علي بن أبي طالب ، وأموت على ما مات عليه علي بن أبي طالب .

قال: ثم مات فغسل وكفن ثم صلى على سريره، قال: فجاء طائران أبيضان فدخلا في كفنه فرأى الناس إنما هو فقهه فدفن .

جعفر بن معروف قال: حدثني محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن ابن جريح ، عن أبي عبد الله عليه السلام أن ابن عباس لما مات وأخرج خرج من كفنه طير أبيض يطير ينظرون إليه يطير نحو السماء حتى غاب عنهم ، فقال: وكان أبي يحبه حباً شديداً ، وكانت أمه تلبسه ثيابه وهو غلام فينطلق إليه في غلمان بني عبد المطلب ، قال فأتاه بعدما أصيب ببصره ، فقال: من أنت ؟ قال: أنا محمد بن علي بن الحسين ، فقال: حسبك من لم يعرفك فلا عرفك .

جعفر بن معروف قال: حدثني الحسين بن علي بن النعمان ، عن أبيه ، عن معاذ بن مطر قال: سمعت إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، قال: حدثني بعض أشياخي قال: لما هزم علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أصحاب الجمل بعث أمير المؤمنين عليه السلام عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بتعجيل الرحيل وقلة العرجة ، قال ابن عباس: فأتيتها وهي في قصر بني خلف في جانب البصرة ، قال فطلبت الإذن عليها فلم تأذن فدخلت عليها من غير إذنها فإذا بيت قفار لم يعد لي فيه مجلس ، فإذا هي من وراء سترين ، قال: فضربت ببصري فإذا في جانب البيت رحل عليه طنفسة ، قال فمددت الطنفسة فجلست عليها ، فقالت من وراء الستر: يا ابن عباس أخطأت السنة ! دخلت بيتنا بغير إذننا ، وجلست على متاعنا بغير إذننا ، فقال لها ابن عباس: نحن أولى بالسنة منك ونحن علمناك السنة ، وإنما بيتك الذي خلفك فيه رسول الله صلى الله عليه وآله فخرجت منه ظالمة لنفسك غاشية لدينك عاتبة على ربك عاصية لرسول الله صلى الله عليه وآله فإذا رجعت إلى بيتك لم ندخله إلا باذنك ولم نجلس على متاعك إلا بأمرك ، إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بعث إليك يأمرك بالرحيل إلى المدينة وقلة العرجة ، فقالت: رحم الله أمير المؤمنين ذلك عمر ابن الخطاب ! فقال ابن عباس: هذا والله أمير المؤمنين وإن تربدت فيه وجوه ورغمت فيه معاطس ، أما والله لهو أمير المؤمنين ، وأمس برسول الله رحماً ، وأقرب قرابة ، وأقدم سبقاً ، وأكثر علماً ، وأعلى مناراً ، وأكثر آثاراً من أبيك ومن عمر ، فقالت: أبيتُ ذلك . فقال: أما والله إن كان إباؤك فيه لقصير المدة عظيم التبعة، ظاهر الشؤم ، بيِّن النكد ، مبين المنكر ، وما كان إباؤك فيه إلا حلب شاة حتى صرت ما تأمرين ولا تنهين ، ولا ترفعين ولا تضعين ، وما مثلك إلا كمثل ابن الحضرمي بن نجمان أخ بني أسد حيث يقول:

ما زال إهداء القصائد بيننا
شتم الصديق وكثرة الألقاب
حتى تركتم كأن قلوبهم
في كل مجمعة طنين ذباب

قال: فأراقت دمعتها وأبدت عويلها وتبدى نشيجها ، ثم قالت: أخرج والله عنكم فما في الأرض بلد أبغض إلي من بلد تكونون فيه !

فقال ابن عباس: فوالله ماذا بلاؤنا عندك ولا بصنيعنا إليك ، إنا جعلناك للمؤمنين أماً وأنت بنت أم رومان ، وجعلنا أباك صديقاً وهو ابن أبي قحافة ، فقالت: يا ابن عباس تمنون علي برسول الله! فقال: ولم لا نمن عليك بمن لو كان منك قلامة منه مننتنا به ، ونحن لحمه ودمه ومنه وإليه ، وما أنت إلا حشية من تسع حشايا خلفهن بعده لست بأبيضهن لوناً، ولا بأحسنهن وجهاً ، ولا بأرشحهن عرقاً ، ولا بأنضرهن ورقاً ، ولا بأطراهن أصلاً ، فصرت تأمرين فتطاعين ، وتدعين فتجابين ، وما مثلك إلا كما قال أخو بني فهر:

مننت على قومي فأبدوا عداوة
فقلت لهم كفوا العداوة والنكرا
ففيـه رضـا مـن مثلكـم لصديقـه
وأحجـى بكم أن تجمعـوا البغي والكفرا

قال: ثم نهضت وأتيت أمير المؤمنين عليه السلام فأخبرته بمقالتها وما رددت عليها ، فقال: أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك )!

أقول: أورد السيد الخوئي جوابه لعائشة تأييداً لرأيه في وثاقته !

مناقشة رأي السيد الخوئي1

المناقشة الأولى:

أنه فاتته رواية صحيحة في الكافي (1 /322) في لعن الأعيبس وذريته ، وسندها: علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعلي بن محمد القاساني جميعاً ، عن زكريا بن يحيى بن النعمان الصيرفي قال: سمعت علي بن جعفر يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين فقال: والله لقد نصرالله أبا الحسن الرضا عليه السلام فقال له الحسن: اي والله جعلت فداك لقد بغى عليه إخوته ، فقال علي بن جعفر: إي والله ونحن عمومته بغينا عليه ، فقال له الحسن: جعلت فداك كيف صنعتم فإني لم أحضركم؟ قال: قال له إخوته ونحن أيضاً: ما كان فينا إمام قط حائل اللون فقال لهم الرضا عليه السلام : هو ابني ، قالوا: فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد قضى بالقافة ، فبيننا وبينك القافة قال: إبعثوا أنتم إليهم فأما أنا فلا ، ولا تعلموهم لما دعوتموهم ولتكونوا في بيوتكم . فلما جاؤوهم أقعدونا في البستان واصطف عمومته وإخوته وأخذوا الرضا عليه السلام وألبسوه جبة صوف وقلنسوة منها ، ووضعوا على عنقه مسحاة ، وقالوا له: أدخل البستان كأنك تعمل فيه ، ثم جاؤوا بأبي جعفر عليه السلام فقالوا: ألحقوا هذا الغلام بأبيه فقالوا: ليس له ههنا أب ولكن هذا عم أبيه وهذا عم أبيه وهذا عمه وهذه عمته ، وإن يكن له ههنا أب فهو صاحب البستان ، فإن قدميه وقدميه واحدة فلما رجع أبو الحسن عليه السلام قالوا: هذا أبوه . قال علي بن جعفر: فقمت فمصصت ريق أبي جعفر عليه السلام ثم قلت له: أشهد أنك إمامي عند الله ، فبكى الرضا عليه السلام ثم قال: يا عم ألم تسمع أبي وهو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : بأبي ابن خيرة الإماء ابن النوبية الطيبة الفم ، المنتجبة الرحم ، ويلهم لعن الله الأعيبس وذريته ، صاحب الفتنة ، [ويكون من ولده الطريد الشريد] يقتلهم سنين وشهوراً وأياماً ، يسومهم خسفاً ويسقيهم كأساً مصبرة ، وهو الطريد الشريد الموتور بأبيه وجده صاحب الغيبة يقال مات أو هلك ، أي واد سلك ؟ قال الرضا عليه السلام أفيكون هذا يا عم إلا مني ، فقلت: صدقت جعلت فداك ).

وما بين قوسين من رواية المفيد في الإرشاد (2/274) وقد سقط من نسخة الكافي . وقد رواها المفيد بأسانيد أحدها عن الكافي جاء فيها: (فبكى الرضا عليه السلام ثم قال: يا عم ، ألم تسمع أبي وهو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : بأبي ابن خيرة الإماء النوبية الطيبة ، يكون من ولده الطريد الشريد ، الموتور بأبيه وجده ، صاحب الغيبة ، فيقال: مات أو هلك أي واد سلك). فالمقصود بصاحب الغيبة من ولده الإمام المهدي عليه السلام . وقد ورد من طرق الفريقين أنه شبيه جده النبي صلى الله عليه وآله أبيض مشرب بحمرة، ومن طرقنا أن أمه من الروم. وشاهدنا لعن الأعيبس وذريته وأولهم ابن عباس !

المناقشة الثانية:

لايصح رده لرواية أن سبب عمى ابن عباس إنكاره الأئمة من ذرية علي عليهم السلام  ، وقد رواها الكافي(1/242) بسند صحيح: (باب في شأن إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، والسند هو: محمد بن أبي عبد الله ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعاً، عن الحسن العباس بن الحريش، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: عن أبي عبد الله عليه السلام [عن أبيه] قال: بينا أبي جالس وعنده نفر إذا استضحك حتى اغرورقت عيناه دموعاً، ثم قال: هل تدرون ما أضحكني؟ قال فقالوا: لا ، قال زعم ابن عباس أنه من الذين قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا. فقلت له: هل رأيت الملائكة يا ابن عباس تخبرك بولايتها لك في الدنيا والآخرة ، مع الأمن من الخوف والحزن ، قال فقال إن الله تبارك وتعالى يقول: إنما المؤمنون إخوة . وقد دخل في هذا جميع الأمة ، فاستضحكت . ثم قلت: صدقت يا ابن عباس أنشدك الله هل في حكم الله جل ذكره اختلاف قال فقال: لا ، فقلت: ما ترى في رجل ضرب رجلاً أصابعه بالسيف حتى سقطت ثم ذهب وأتى رجل آخر فأطاركفه فأتى به إليك وأنت قاض كيف أنت صانع؟ قال: أقول لهذا القاطع: أعطه دية كفه وأقول لهذا المقطوع: صالحه على ما شئت وابعث به إلى ذوي عدل . قلت: جاء الإختلاف في حكم الله عز ذكره ، ونقضت القول الأول ، أبى الله عز ذكره أن يحدث في خلقة شيئاً من الحدود وليس تفسيره في الأرض ، إقطع قاطع الكف أصلاً ثم أعطه دية الأصابع . هكذا حكم الله ليلة تنزل فيها أمره ، إن جحدتها بعدما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله فأدخلك الله النار كما أعمى بصرك يوم جحدتها علي بن أبي طالب قال: فلذلك عمي بصري، قال: وما علمك بذلك فوالله إن عمي بصري إلا من صفقة جناح الملك. قال: فاستضحكت ثم تركته يومه ذلك لسخافة عقله . ثم لقيته فقلت: يا ابن عباس ما تكلمت بصدق مثل أمس! قال لك علي بن أبي طالب عليه السلام : إن ليلة القدر في كل سنة ، وإنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة وإن لذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت: من هم؟ فقال: أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون؟ فقلتَ: لا أراها كانت إلا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ! فتبدَّى لك الملك الذي يحدثه فقال: كذبت يا عبد الله رأت عيناي الذي حدثك به علي ولم تره عيناه ولكن وعا قلبه ووقر في سمعه ، ثم صفقك بجناحه فعميت ! قال فقال ابن عباس: ما اختلفنا في شئ فحكمه إلى الله فقلت له: فهل حكم الله في حكم من حكمه بأمرين؟ قال: لا ، فقلت: هاهنا هلكت وأهلكت )!

فقال السيد الخوئي عنها:(وهذه الرواية مضافاً إلى ضعفها بالحسن بن العباس بن حريش ، آثار الوضع عليها ظاهرة ، فإن الظاهر من ضحك الباقر عليه السلام أن الأمر وقع قريباً والمفروض في الرواية أنه عليه السلام كان جالساً وعنده نفر فكانت هذه القصة زمان إمامته ، ولا أقل أنها كانت زمان كبره عليه السلام مع أن ابن عباس مات سنة ثمان وستين ، وولد أبو جعفر عليه السلام سنة سبع وخمسين ، فالقضية مكذوبة لا محالة ).

أقول: ما أدري من أين استظهر سيدنا الأستاذ1من ضحك الإمام الباقر عليه السلام ، قال:( فإن الظاهر من ضحك الباقر عليه السلام أن الأمر وقع قريباً!)

أما الحسن بن العباس بن حريش ، فقد وثقه علي بن إبراهيم ، وقال الشيخ الطوسي في الفهرست /301: (الحسن بن العباس بن حريش الرازي = صحيح ).

ووثقه أو مال الى توثيقه عدد من الرجاليين كالمجلسيين والوحيد البهباني وغيرهم

فقول السيد الخوئي1(5/363):(وكيف كان فالرجل ضعيف: إما لثبوت اتحاده مع سابقه أو لاحتماله . فتوثيق علي بن إبراهيم يسقط بمعارضة تضعيف النجاشي).يناقش فيه بأن تضعيف النجاشي سببه كتابه واسمه (ثواب قراءة إنا أنزلناه) وهو اجتهاد منه تبعوه عليه ، مع أن القميين المتشددين رووا كتابه .

قال النجاشي/61: (له كتاب إنا أنزلناه في ليلة القدر ، وهو كتاب ردي الحديث ، مضطرب الألفاظ. أخبرنا إجازة محمد بن علي القزويني قال: حدثني أحمد بن محمد بن يحيى ، عن الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عنه ).

فانظر في سلسلة رواة كتابه ، تجدهم كبار القوم .

قال المجلسي في مرآة العقول (3 / 61): (لكن يظهر من كتب الرجال أنه لم يكن لتضعيفه سبب إلا رواية هذه الأخبار العالية الغامضة التي لاتصل إليها عقول أكثر الخلق والكتاب كان مشهوراً عند المحدثين ، وأحمد بن محمد روى هذا الكتاب مع أنه أخرج البرقي عن قم بسبب أنه كان يروي عن الضعفاء ، فلو لم يكن هذا الكتاب معتبراً عنده ، لما تصدى لروايته).

وأما الإشكال على الرواية بأن الباقر عليه السلام كان عمره لما توفي ابن عباس اثنتي عشرة أو أربع عشرة سنة لأن ابن عباس توفي سنة 68 أو 70 ، وكان عمر الباقر لما توفي ابن عباس بضع عشرة سنة فكيف تصح مناظرته له ؟

والجواب: أنه مادام السند صحيحاً والرواية مقبولة عند جمع من كبار العلماء ، فلا بد أنه وقع سقط في نسختها ، وأصلها عن أبي عبد الله عليه السلام [عن أبيه] قال: بينا أبي جالس وعنده نفر إذا استضحك. أي أبيه زين العابدين عليه السلام فسقط من النساخ عبارة [عن أبيه] أيالإمام زين العابدين عليه السلام وهو معاصر لابن عباس . وكم لهذا السقط من مثيل .

ويؤيده نص الرواية المتقدمة (الكشي/273): (عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتى رجل أبي عليه السلام فقال: إن فلاناً يعني عبد الله بن العباس يزعم..) وهذه قرينة كافية للسقط في الأولى .

المناقشة الثالثة:

1- لحديث جعفر بن معروف أسانيد أخرى لم يطلع عليها السيد1ولامطعن في سندها وليس فيها ابن معروف، فقد رواها المفيد في الإختصاص/71:(عنه عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن علي بن إسماعيل ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتى رجل أبي عليه السلام يعني زين العابدين عليه السلام فقال: إن رجلاً يعني عبد الله بن عباس يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن في أي يوم نزلت وفيما نزلت نزلت...الخبر). ورجاله وثقهم السيد الخوئي1.

2- كما روى الصدوق بعضها في التوحيد/325، بسند موثق لا مطعن فيه ، قال: (حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله : حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن أبي الطفيل ، عن أبي جعفر عليه السلام ).

قال السيد الخوئي في معجمه (1/241) في ابراهيم بن عمر اليماني: (الرجل يعتمد على روايته لتوثيق النجاشي له ، ولوقوعه في إسناد تفسير القمي ، ولا يعارضه التضعيف عن ابن الغضائري ، لما عرفت في المدخل من عدم ثبوت نسبة الكتاب إليه . وطريق الصدوق إليه: أبوه رضي الله عنه عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني. والطريق صحيح ).

3-كما رواها القمي في تفسيره (2/23): بسند صحيح، قال:(حدثني أبي عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل عن أبي جعفر عليه السلام قال: جاء رجل إلى أبي علي بن الحسين عليه السلام فقال: إن ابن عباس يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن..الخ). وقد صحح السيد الخوئي أسانيد تفسير القمي (1/241) .

4- وروى النعماني القسم الأخير منها في الغيبة/205 ، بسند صحيح أيضاً ، قال: (علي بن أحمد قال: حدثنا عبيد الله بن موسى العلوي ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى،عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام ).

5- قال السيد الخوئي1إن العلامة ذكره في القسم الأول في الرواة الذين يعتمد على روايتهم وهو نوع من التوثيق، لكن السيد الخوئي يعتبره توثيقاً عن حدس!

فقد طبق1قاعدته بأن توثيق المتقدمين يوجب اعتماد الراوي لأنه عن حس ، أما توثيق المتأخرين فلايوجبه لأنه عن حدس . ولسنا بصدد بحثه .

6- قال 1إنه لم يوثق جعفر بن معروف أحد من المتقدمين، ولم يعتبر بكثرة اعتماد الكشي عليه الذي هو نوع من التوثيق ، ولا بكونَه وكيلاً للمعصومين عليهم السلام ، وهو نوع من التوثيق مادام لم يعزل ، ولم يرد فيه ذم !

ثم لم يعتبر بمدح المتأخرين وتوثيقهم ، كالعلامة الذي عده ممن يعتمد عليهم ، والميرداماد في حاشيته على الكشي(2/471) قال:(جعفر بن معروف.الطريق صحيح بعبد الله بن بكير، فإنه وإن كان فطحياً فهو من اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم ، فما قاله السيد بن طاوس من القدح في الطريق بابن بكير لفطحيته ، وبجعفر بن معروف ، لطعن ابن الغضائري فيه لا تعويل عليه . وقد أسمعناك فيما سلف أن جعفر بن معروف الذي قال ابن الغضائري إن في مذهبه ارتفاعاً هو أبو الفضل السمرقندي يروي عنه العياشي، وجعفر بن معروف هذا الذي يروي عنه الكشي هو أبو محمد من أهل كش كان وكيلاً مكاتباً ، وهو من المشيخة الأجلاء لا غميزة فيه أصلا ً).

ومدحه النوري في خاتمة المستدرك (7/226) فقال: (جَعْفَر بن مَعْروف الكَشي كان وكيلاً وكان مكاتِباً كما في رجال الشيخ باب من لم يرو عنهم عليهم السلام . وفي الأول إشعار بالوثاقة وفي الثاني مدح عظيم . ويروي عنه الكشي كثيراً ) .

7- يضاف الى العناصر المتقدمة لإثبات وثاقته: جلالة مشايخه الذين روى عنهم وتلاميذه الذين رووا عنه ، ومجموع ما روي عنه من العقائد والفقه والتفسير والسيرة . فلا نرى وجهاً لعدم توثيقه .

أما بقية رجال السند فقد وثقهم السيد الخوئي1في معجمه . راجع المفيد من معجم رجال الحديث/12، و192، و195، و 459و 769، و774.

8- ومما يؤيد توثيق ابن معروف عُلُوُّ متن روايته بحيث لو أراد الراوي أن يكذب مثل متنها لما استطاع ، وأن العلماء تلقوها بالقبول واستشهدوا بها أو بأجزاء منها. فهذا يوجب الإطمئنان بصدورها عن الإمام عليه السلام .

9- قال السيد الخوئي1في معجمه( 8 /360 ): «وإن استفاضة الروايات أغنتنا عن النظر في إسنادها ، وإن كانت جلها بل كلها ضعيفة أو قابلة للمناقشة » .

وقال في كتاب الصلاة (4 /392): « لما عرفت من أن النصوص الناطقة باختصاص المحل بما قبل الركوع بالغة حد الإستفاضة بحيث أصبحت معلومة الصدور » .

وقال في معجمه (11/250) في روايات مدح ابن عباس: (هذا ، والأخبار المروية في كتب السير والروايات الدالة على مدح ابن عباس ، وملازمته لعلي ومن بعده الحسن والحسين عليهم السلام ، كثيرة ، وقد ذكر المحدث المجلسي1مقداراً كثيراً منها في أبواب مختلفة من كتابه البحار، من أراد الإطلاع عليها فليراجع سفينة البحار في مادة عبس. ونحن وإن لم نظفر برواية صحيحة مادحة ، وجميع ما رأيناه من الروايات في إسنادها ضعف ، إلا أن استفاضتها أغنتنا عن النظر في إسنادها ، فمن المطمأن به صدور بعض هذه الروايات عن المعصومين إجمالاً ) .

لكنه1قال في مصباح الفقاهة (1/524): )وأما الإستفاضة فهي لا تنافي عدم الإعتبار، فإن الخبر المستفيض قسم من أخبار الآحاد ، كما حقق في محله ، ولذا يجعلونه في مقابل المتواتر). فمقصوده 1إذن أن الإستفاضة قد توجب الإطمئنان بصدور الحديث وقد لا توجب . وعليه كانت روايات مدح ابن عباس عنده على ضعفها مقبولة ، لأنها مستفيضة، لكن يحب أن يقبل روايات ذمه لأنها مستفيضة ، والمهم أن عدداً منها صحيح على مبناه !

المناقشة الرابعة:

أهمل السيد الخوئي1رواية علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري لرواية الإمام زين العابدين عليه السلام وسنده: حدثنا الفضل بن شاذان ، عن محمد بن أبي عمير ، عن أحمد بن محمد بن زياد قال: جاء رجل إلى علي بن الحسين عليهما السلام .. وذكر نحوه ).

فقال السيد الخوئي1في(14/315) علي بن محمد بن قتيبة لم يوثق ، فالرواية لا يعتمد عليها ). وقال في ترجمة ابن قتيبة (13/171): (قال النجاشي: عليه اعتمد أبو عمر والكشي في كتاب الرجال. أبو الحسن صاحب الفضل بن شاذان ، وراوية كتبه . له كتب منها: كتاب يشتمل على ذكر مجالس الفضل مع أهل الخلاف ، ومسائل أهل البلدان . أخبرنا الحسين قال: حدثنا أحمد بن جعفر قال: حدثنا أحمد بن إدريس عنه ، بكتابه . وعده الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام قائلاً: علي بن محمد القتيبي: تلميذ الفضل بن شاذان ، نيسابوري ، فاضل  .

وقال العلامة: في ترجمة يونس بن عبد الرحمان: وروى الكشي حديثاً صحيحاً عن علي بن محمد القتيبي قال: حدثني الفضل بن شاذان . . . إلخ ) .

ثم قال السيد الخوئي أقول: وقع الخلاف في اعتبار علي بن محمد القتيبي وعدمه ، فقيل باعتباره ، واستدل على ذلك بوجوه .

الأول: اعتماد الكشي عليه حيث أنه يروي عنه كثيراً ، ويرد عليه ما يأتي عن النجاشي في ترجمته من أنه يروي عن الضعفاء كثيراً .

الثاني: حكم العلامة بصحة روايته ، وجوابه: أن ذلك منه مبني على أصالة العدالة التي لا نقول بها ، ومر ذلك مراراً .

الثالث: حكم الشيخ عليه بأنه فاضل ، فهو مدح يدخل الرجل به في الحسان ،

والجواب: أن الفضل لا يعد مدحاً في الراوي بما هو راو ، وإنما هو مدح للرجل في نفسه باعتبار اتصافه بالكمالات والعلوم ، فما عن المدارك من أن علي بن محمد بن قتيبة غير موثق ، ولا ممدوح مدحاً يعتد به ، هو الصحيح ، والله العالم).

والمناقشة فيه:

أولاً: من أين نعلم أن العلامة حكم بصحة روايته عملاً بأصالة العدالة في المسلم التي يعتمد عليها غيرنا ؟ فقد يكون حكمه بوثاقته وصحة روايته لدليل آخر .

ثم ، لماذا لانقول بأصالة العدالة في خصوص الرواة المعروفين بولاية أهل البيت عليهم السلام من أهل السلوك الحسن؟

ثانياً: كيف لايعتبر أن كونه راوية كتب الفضل بن شاذان الأزدي توثيقاً له ، ولا يبعد أن يكون العلامة الحلي1اعتمد عليه في تصحيح روايته شهادة الإمام عليه السلام في عبد الرحمن بن يونس، فإن الفضل من كبار علماء المذهب الممدوحين مدحاً خاصاً ومدحه يشمل كتبه ، وقد وصلت كتبه عن طريق راويته المعتمد علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري  .

روى الكشي(2/830): (عن محمد بن الحسين بن محمد الهروي ، عن حامد بن محمد العلجردي البوسنجي ، عن الملقب بفورا ، من أهل البوزجان من نيسابور أن أبا محمد الفضل بن شاذان رحمه الله كان وجهه إلى العراق إلى حيث أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما . فذكر أنه دخل أبي محمد عليه السلام فلما أراد أن يخرج: سقط منه كتاب في حضنه ملفوف في رداء له ، فتناوله أبو محمد عليه السلام ونظر فيه ، وكان الكتاب من تصنيف الفضل وترحم عليه ، وذكر أنه قال: أغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم ! وفي رواية أخرى: أن أبا محمد عليه السلام ترحم عليه ثلاثاً ولاءً ) . وهذا يكفي لتوثيق من اعتمده راوية لكتبه .

المناقشة الخامسة:

وتبقى أقوى المناقشات: ماذا يصنع السيد الخوئي برسالة أمير المؤمنين عليه السلام في توبيخ ابن عباس وتهديده ! لقد أجاب عنها بقوله: (هذه الرواية وما قبلها من طرق العامة ، وولاء ابن عباس لأمير المؤمنين وملازمته له عليه السلام هو السبب الوحيد في وضع هذه الأخبار الكاذبة وتوجيه التهم والطعون عليه ، حتى أن معاوية لعنه الله كان يلعنه بعد الصلاة مع لعنه علياً والحسنين وقيس بن عبادة والأشتر )!

وهذا عجيب لأن هذه الرواية شيعية من طرقنا: من نهج البلاغة ، ولها مصادر عديدة ذكروها في مصادر نهج البلاغة (3/331) .

وبلاغتها وسبكها وأدبها ، تنادي بأنها من كلام أمير المؤمنين عليه السلام وتأبى القول أنها موضوعة ، بل إن علو متنها يغني عن السند .

فلا جواب للسيد عنها ، ولا عن ادعاء ابن عباس الإمامة بعد الحسين عليه السلام ؟

ونتيجة البحث:

أن ابن عباس ثقة نقبل رواياته ، لأن الوثاقة تعني أنه صادق في حديثه . أما كلامه في مدح نفسه ومدح بني العباس فلا نقبله ، لأنه متهم فيه .

ابن عباس من أتباع مدرسة الرأي والظن !

إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا !

هذه آية محكمة معناها:أيها المسلمون ألقوا ظنونكم وآراءكم جانباً ، واعتمدوا على العلم واليقين فقط من كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله فقط . ولاتبنوا شيئاً من دينكم على الرأي والظن ، فتحرفوا الدين ! ومعناه أن الله فرض علينا تحصيل العلم واليقين في كل العقائد والأحكام والقضايا ؟

والسؤال: من أين نأتي بالعلم في الأحكام ؟ والجواب في قوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. أي لا تسألوا أهل الجهل والظن، بل إسألوا أهل الذكر والعلم .

ومعناه أن أهل الذكر موجودون في كل جيل، وهم الذين قال النبي صلى الله عليه وآله فيهم: إني تارك فيكم الثقلين:كتاب الله وعترتي أهل بيتي. فالقرآن الذكر والعترة أهله .

وقد روينا ذلك في عامة مصارنا وفصلناه في كتاب: آيات الغدير/294 . قال صلى الله عليه وآله : أيها الناس: إني أوشك أن أدعى فأجيب ، فما أنتم قائلون ؟فقالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت . فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأن الجنة حقٌ وأن النار حقٌ وأن البعث حق ؟ قالوا: يا رسول الله بلى . فأومأ رسول الله إلى صدره وقال: وأنا معكم . ثم قال رسول الله: أنا لكم فرط ، وأنتم واردون عليَّ الحوض ، وسعته ما بين صنعاء إلى بصرى ، فيه عدد الكواكب قِدْحان ، ماؤه أشد بياضاً من الفضة . . فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين . فقام رجل فقال: يا رسول الله وما الثقلان ؟ قال: الأكبر: كتاب الله ، طرفه بيد الله وسبب طرفه بأيديكم ، فاستمسكوا به ولا تزلوا ولا تضلوا . والأصغر: عترتي أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض . . سألت ربي ذلك لهما ، فلا تقدموهم فتهلكوا ، ولا تتخلفوا عنهم فتضلوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم .

أيها الناس: ألستم تعلمون أن الله عزّ وجلّ مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأني أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا: بلى يا رسول الله . قال: قم يا علي . فقام علي ، وأقامه النبي صلى الله عليه وآله عن يمينه ، وأخذ بيده ورفعها حتى بان بياض إبطيهما ، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه . اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيث دار . فاعلموا معاشر الناس أن الله قد نصبه لكم وليا وإماما مفترضا طاعته على المهاجرين والأنصار ، وعلى التابعين لهم بإحسان ، وعلى البادي والحاضر، وعلى الأعجمي والعربي ، والحر والمملوك والصغير والكبير. فقام أحدهم فسأله وقال: يا رسول الله ولاؤه كماذا ؟ فقال صلى الله عليه وآله : ولاؤه كولائي ، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه ! وأفاض النبي صلى الله عليه وآله في بيان مكانة علي والعترة الطاهرة والأئمة الإثني عشر من بعده عليهم السلام : علي والحسن والحسين ، وتسعة من ذرية الحسين ، واحدٌ بعد واحد ، مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم ، حتى يردوا عليَّ حوضي . ثم أشهد المسلمين مراتٍ أنه قد بلغ عن ربه.فشهدوا . وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب فوعدوه وقالوا: نعم . وقام إليه آخرون فسألوه فأجابهم .

ولما أتم خطبته نزل جبرئيل بقوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً . فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ، ورضا الرب برسالتي ، وولاية علي بعدي ..

ونزل عن المنبر ، وأمر أن تنصب لعلي خيمة ، وأن يهنئه المسلمون بولايته عليهم حتى أنه أمر نساءه بتهنئته ، فجئن إلى باب خيمته وهنأنه !وكان من أوائل المهنئين عمر بن الخطاب فقال له: بخٍ بخٍ لك يا بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ! وجاء حسان بن ثابت ، وقال: إئذن لي يا رسول الله أن أقول في علي أبياتاً تسمعهن ، فقال: قل على بركة الله ، فأنشد حسان :

يناديهمُ يوم الغدير نبيُّهُمْ
بخـمٍّ فأسمـع بالرسـول مناديـا
يقول فمن مولاكم ووليُّكُمْ
فقالـوا ولـم يبـدوا هنـاك التعاميـا
إلهـك مـولانـا وأنـت ولـينـا
ولـم تـر منـا في الولايـة عاصيـا
فقال له قم يا عليُّ فإنني
رضيتـك من بعـدي إمامـاً وهاديـا
فمن كنت مولاه فهذا وليه
فكونـوا لـه أنصـار صـدق مواليـا
هناك دعا اللهم وال وليه
وكـن للـذي عـادى عليـاً معاديـا

ورواه الطبراني في الكبير(5/167) عن زيد بن أرقم قال نزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجحفة ثم أقبل على الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

إني لا أجد لنبي إلا نصف عمر الذي قبله ، وإني أوشك أن أدعى فأجيب فما أنتم قائلون ؟قالوا: نصحت . قال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن الجنة حق والنار حق وأن البعث بعد الموت حق؟ قالوا: نشهد . قال: فرفع يديه فوضعهما على صدره ثم قال: وأنا أشهد معكم ثم قال: ألا تسمعون؟ قالوا: نعم . قال: فإني فرطكم على الحوض وإنكم واردون عليَّ الحوض وإن عرضه أبعد ما بين صنعاء وبصرى ، فيه أقداح عدد النجوم من فضة فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين. فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: كتاب الله طرف بيد الله عزّ وجلّ وطرف بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا . والآخر: عترتي ، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض ، وسألت ذلك لهما ربي. فلا تَقدَّموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ، ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: من كنت أولى به من نفسه فعلي وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ).

ومعنى ذلك: أن عدم أخذ الدين من أهل البيت عليهم السلام يعني اللجوء الى الظنون !

السبب الأساسي في معارك النبي صلى الله عليه وآله ومعارك علي عليه السلام

وجدت في الأحاديث الصحيحة أن المبرر الأساسي لمعارك النبي صلى الله عليه وآله أن الله تعالى أرسله نبياً وأعطاه حق دعوة الناس الى دينه ، فمنعته قريش من تبليغ رسالته وصادرت حريته ، فكان له الحق أن يقاتلها لينتزع منها حرية التبليغ!

جاء في معركة بدر (المناقب: 1/162): (فلبس عتبة درعه وتقدم هو وأخوه شيبة وابنه الوليد وقال: يا محمد أخرج الينا أكفاءنا من قريش ، فتطاولت الأنصار لمبارزتهم فدفعهم، وأمر علياً عليه السلام وحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وهو ابن سبعين سنة بالبراز، وقال: قاتلوا على حقكم الذي بعث الله به نبيكم ، إذ جاؤوا بباطلهم ليطفؤا نورالله، فلما رأوهم قالوا: أكفاء كرام ) .

وفي الفصول المهمة ( 1/315): (قم يا علي ، قم يا حمزة ، قم يا عبيدة ، قاتلوا على حقكم الذي بعث به نبيكم ). فحقهم على قريش أن لاتصادر حرية النبي صلى الله عليه وآله في تبليغ رسالته بل تتركه يبلغ والناس يختارون الهدى أو الضلال.

كما نصت الأحاديث النبوية الصحيحة على أن المبرر الأساسي لقتال علي عليه السلام على تأويل القرآن أنهم جعلوا آراءهم جزءً من الدين وعملوا بظنونهم وآرائهم ، وأعرضوا عن أهل الذكر الراسخين في العلم واضطهدوهم! وقد حكم النبي صلى الله عليه وآله بكفر من استعمل الرأي في الدين ، ولكنه كفر دون كفر !

روي في الإحتجاج (1/290) ، والسيوطي في جامعه (31/350) أنه صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام : (أبشر يا صديق فإن الشهادة من ورائك . فقلت: بأبي أنت وأمي! بيِّن لي ما هذه الفتنة التي يبتلون بها وعلى ما أجاهدهم بعدك؟ فقال: إنك ستقاتل بعدي الناكثة والقاسطة والمارقة وحلَّاهم وسماهم رجلاً رجلاً، ثم قال لي: وتجاهد أمتي على كل من خالف القرآن ممن يعمل في الدين بالرأي، ولا رأي في الدين ، إنما هو أمر من الرب ونهيه. فقلت: يا رسول الله ! فأرشدني إلى الفلج عند الخصومة يوم القيامة ، فقال: نعم ، إذا كان ذلك فاقتصرعلى الهدى إذا قومك عطفوا الهدى على العمى ، وعطفوا القرآن على الرأي فتأولوه برأيهم..).

أعلن أهل البيت عليهم السلام ضلال العاملين بالرأي والظن !

بل شنوا حملة شديدة على علماء السلطة لعملهم بالرأي لأنه بدعةٌ في الدين، وتجد في مصادرنا أبواباً بعنوان: النهي عن الفتيا والقول بغير علم.. باب إبطال المقاييس والرأي والبدع. وكلها تحرم الإعتماد على الظن والقياس والإستحسان !

قال الإمام الصادق عليه السلام لبعض أصحابه (دعائم الإسلام:2/536):(إياك وخصلتين مهلكتين: تفتي الناس برأيك ، وتدين بما لا تعلم . إن أول من قاس إبليس، وإن أول من سنَّ لهذه الأمة القياس ، لمعروف) ! يقصد أبا حنيفة أو قبله عمر .

وقال الإمام محمد الباقر عليه السلام (بصائر الدرجات/319 ): (يا جابر إنا لو كنا نحدثكم برأينا وهوانا لكنا من الهالكين ! ولكنا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول الله صلى الله عليه وآله كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم ).

وسأل رجل الإمام الصادق عليه السلام (الكافي:1/58) عن مسألة: (فقال الرجل: أرأيتَ إن كان كذا وكذا ، ما يكون القول فيها؟ فقال له: مَهْ ، ما أجبتك فيه من شئ فهو عن رسول الله صلى الله عليه وآله . لسنا من: أرأيتَ في شئ )!

وقال المحامي أحمد حسين يعقوب(الخطط السياسية/122) يصف المنهج العلمي لأهل البيت عليهم السلام : (لاحاجة عند عمادة أهل البيت عليهم السلام للرأي أبداً..فالأئمة الكرام يعرفون الحكم الشرعي معرفة قائمة على الجزم واليقين ، فما الداعي للخوض بالرأي القائم على الفرض والتخمين) !

إن من عجائب تناقضات الخلافة أنها أقرت بقاعدة بطلان القول بالرأي والظن القرآنية والنبوية ، لكن الخليفة والقضاة وعلماء السلطة، ومنهم ابن عباس ، يعملون بالرأي والظن ! وتقدمت رواية الدارمي(2/346): (أرسل ابن عباس إلى زيد بن ثابت: أتجد في كتاب الله للأم ثلث ما بقي؟فقال زيد: إنما أنت رجل تقول برأيك ، وأنا رجل أقول برأيي) ! وصححه الألباني في إرواء الغليل(6/123) .

وأسوأ من ذلك أنهم نسبوا ذلك الى النبي صلى الله عليه وآله افتراءً عليه ! وقد كتبنا فصلاً في: ألف سؤال وإشكال على المخالفين لأهل البيت عليهم السلام (2/485). بعنوان: تأسيس دين الظنون والإحتمالات . وقلنا إن القرشيين برووا عملهم بظنونهم وآرائهم بأنه جائز ، بل افتروا على النبي صلى الله عليه وآله بأنه كان يعمل بظنونه ويخطئ ! ونحن نعتقد أن الإسلام دين العلم ، نزل بعلم من عند الله الذي خلق السماوات والأرض بالحق والعلم ، وعلَّمَ رسوله صلى الله عليه وآله الحق والعلم ، وبلَّغ النبي رسالات ربه بعلم ، وعمل في صغير أموره وكبيرها بعلم .

وكل ما نسبه القرشيون الى النبي صلى الله عليه وآله من أخطاء ومعاص وما ينافي العلم والحكمة مردودٌ عليهم ! لقوله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى.إِنْ هُوَإِلا وَحْىٌ يُوحَى. وهو منزهٌ عن الهوى من طفولته، قال علي عليه السلام : (ولقد قَرَنَ الله به من لَدُنْ أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ، ويعلمه محاسن أخلاق العالم ، ليله ونهاره).(نهج البلاغة:2/157).

الفصل السادس

أنس بن مالك صحابي ضخموه وهو ضئيل

أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وآله

في الإصابة(1/275) ملخصاً: (أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد أبو حمزة الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله(ص) وأحد المكثرين من الرواية عنه .

صح عنه أنه قال: قدم النبي(ص) المدينة وأنا ابن عشرسنين وأن أمه أم سليم أتت به النبي (ص) لما قدم فقالت له: هذا أنس غلام يخدمك فقبله ، وأن النبي كناه أبا حمزة ببقلة كان يجتنبها ومازحه النبي(ص) فقال له يا ذا الأذنين !

وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: خرج أنس مع رسول الله (ص) إلى بدر وهو غلام يخدمه . وكانت إقامته بعد النبي (ص) بالمدينة ، ثم سكن البصرة ومات بها .

قال علي بن المديني: كان آخر الصحابة موتاً بالبصرة .

وقال البخاري: غزا أنس مع النبي (ص) ثماني غزوات .

قال لي ثابت البناني: قال لي أنس بن مالك هذه شعرة من شعر رسول (ص) فضعها تحت لساني ، قال فوضعتها تحت لسانه فدفن وهي تحت لسانه .

وقال معتمر عن أبيه سمعت أنس بن مالك يقول لم يبق أحد صلى القبلتين غيري. قال جرير بن حازم قلت لشعيب بن الحبحاب: متى مات أنس؟ قال سنة تسعين. قال أبو هريرة ما رأيت أحداً أشبه صلاةً برسول الله (ص) من ابن أم سليم يعني أنساً . وكانت تسمى أم حرام أيضاً !

كذب أنس بن مالك وبالغ في مدح أمه !

1-كذب أنس في مدح أمه أم حرام بنت ملحان! وروى كذبه البخاري وكرره !

قال البخاري(3 / 201): (كان رسول الله (ص)يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه ، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله (ص) فأطعمته وجعلت تُفَلِّي رأسه! فنام رسول الله ثم استيقظ وهو يضحك ! قالت: فقلت وما يضحكك يا رسول الله ؟ قال: ناس من أمتي عُرِضوا عليَّ غزاةً في سبيل الله ، يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرَّة ، أو مثل الملوك على الأسرة ، شك إسحاق ، قالت فقلت: يا رسول الله أدع الله أن يجعلني منهم ، فدعا لها رسول الله (ص) ثم وضع رأسه ثم استيقظ وهو يضحك فقلت: وما يضحكك يا رسول الله ؟ قال: ناس من أمتي عرضوا عليَّ غزاةً في سبيل الله ، كما قال في الأول ، قالت: فقلت يا رسول الله أدع الله أن يجعلني منهم. قال: أنت من الأولين، فركبت البحر في زمن معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت). (ورواه في:3 /203و 221 ، و: 7 /140 ، و: 3 / 203 ، و: 8 /73 ).

قال ابن حجر في فتح الباري(6/74): ( في هذا الحديث منقبة لمعاوية ، لأنه أول من غزا البحر ، ومنقبة لولده يزيد لأنه أول من غزا مدينة قيصر ) .

ونشر محبوا معاوية حديث بنت ملحان في تبشير معاوية بالجنة !

وقد كذب أنس في أن أمه تزوجت عبادة بن الصامت في حياة النبي صلى الله عليه وآله ، بل كانت زوجة أبي طلحة وكانت في بيته حفلة خمر الصحابة التي رووها بسند صحيح قرب وفاة النبي صلى الله عليه وآله وتزوجت بعُبادة في زمن عمر !

ولوصح حديثها لشاع قبل أن تموت! خاصة وأن عمر حرَّم غزو البحر ولم يستجب للضغوط عليه وحاجة المسلمين إليه ، وعاقب عليه العلاء الحضرمي لأنه خرج بسفن أهل البحرين وفتح قسماً من جنوب إيران ، وكان أنس وأمه موجودين يومذاك في المدينة، فلماذا لم يقولا لعمر إن رسول الله صلى الله عليه وآله مدح غزاة البحر وبشر أم أنس أنها منهم ! لكنهم اخترعوه ليكون منقبة لمعاوية !

2- لايمكن لعاقل أن يصدق أحاديث أنس وأمه وقولها إن النبي صلى الله عليه وآله كان يزورها في بيتها فتطعمه وتفلِّي رأسه ، وكأن رأسه صلى الله عليه وآله فيه قمل كرجالهم ! ثم ينام في بيتها قريباً منها وهي امرأة أرملة عزباء لم تتزوج حتى كبر أنس، ثم تزوجت أبا طلحة المعروف بكفره وخمره ! ثم طلقها فتزوجت عبادة بن الصامت في زمن عمر.

وقد روت بنت ملحان رؤيا للنبي صلى الله عليه وآله في فضلها ، وزعمت أنها تدخل الجنة قبل النبي صلى الله عليه وآله ! وكل ما قالته عن سلوك النبي صلى الله عليه وآله معها مكذوب ! لكنك تجد علماء الحكومة يقبلونه ويتخبطون في تفسيره!

فقد تبرع بعضهم وجعل بنت ملحان خالة النبي صلى الله عليه وآله ! وتبرع آخر وقال إن تلك التصرفات المحرمة حلالٌ للنبي صلى الله عليه وآله ! وادعى النووي الإجماع على الأحكام الشرعية التي نضمنها الحديث !

قال في شرح مسلم (13/58): ( فيه جواز فَلْيُ الرأس وقتل ما فيه.. وفيه جواز ملامسة المحرم في الرأس وغيره مما ليس بعورة ، وجواز الخلوة بالمحرم والنوم عندها ، وهذا كله مجمع عليه ) ! وأين الإجماع وأهل البيت كذبوه !

وقال ابن حجر في فتح الباري(11/65): (وفيه جواز قائلة الضيف في غير بيته بشرطه كالإذن وأمن الفتنة ، وجواز خدمة المرأة الأجنبية الضيف بإطعامه والتمهيد له ونحو ذلك..وفيه خدمة المرأة الضيف بتفلية رأسه ، وقد أشكل هذا على جماعة فقال ابن عبد البر: أظن أن أم حرام أرضعت رسول الله (ص) أو أختها أم سليم فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة فلذلك كان ينام عندها ، وتنال منه ما يجوز للمحرم أن يناله من محارمه ) .

وأجابه ابن قدامة (10/370):(لم نرَ هذا عن أحد سواه ! وأظنه إنما قال هذا لأن النبي كان ينام في بيتها وينظر إلى شعرها ، ولعل هذا كان قبل نزول الحجاب)!

وفي مواهب الجليل(5/17): ( ومن خصائصه(ص) جواز خلوته بالأجنبية . وقال الشيخ جلال الدين: واختص بإباحة النظر للأجنبيات والخلوة بهن وإردافهن) . أي إركابهن خلفه على بعير أو دابة !

وقال ابن حجر (9/174): (والذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائص النبي جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها ! وهو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام بنت ملحان في دخوله عليها ونومه عندها وتفليتها رأسه ! ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجية ).

3- وفي الطبراني الكبير(25 / 132): (قالت:كنت نائمة عند النبي(ص) وأنا منه غير بعيدة فاستيقظ وهو يسبح فسألته فقال). فصارت في هذا الحديث نائمة في بيت النبي صلى الله عليه وآله ! لكن كل ما ذكروه باطل لأنه ينافي عصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلوكه وخلقه العظيم! ويظهر أن أنساً كذبه لأجل أمه ولم يروه غيرهما ! وقد اعترف أنس بأنه كذب في حديث الطير ، وشهد أهل البيت عليهم السلام عليه بأنه كذاب كما يأتي !

4- كان منزل أنس وأمه في قُباء لا في المدينة، وهي رملة بنت ملحان ، وتلقب بالرمصاء ، والرمص مرض في العيون ، وكانت أرملة فخطبها أبو طلحة الأنصاري فقالت: لا أتزوج حتى يبلغ أنس ويجلس في المجالس فيقول جزى الله أمي عني خيراً لقد أحسنت ولايتي).(الطبقات: 8 / 426) .

فتزوجت لما كبر أنس، وزعم أنس أن صداق أمه كان أن يسلم أبو طلحة ، ومعناه أن أبا طلحة كان كافراً. والظاهرأنها بقيت معه الى وفاة النبي صلى الله عليه وآله !

وفي بيته كانت حفلة الخمر لكبار الصحابة قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله بشهرين ، وكان ساقيهم أنس كما قال ابن حجر!

ثم طلقها أبو طلحة فتزوجت عبادة بن الصامت وهو أخ أبي ذر لأمه ، وكان قائداً في الفتوحات ، فأخذها معه الى قبرص فتوفيت نحوسنة 30 هجرية .

5- لو سلمنا صحة حديث بنت ملحان وأن معاوية كان في غزوة قبرص، فإن أول من غزا في البحر ليس معاوية بل العلاء بن الحضرمي عامل النبي صلى الله عليه وآله على البحرين! فقد اتفقت مصادر الحديث والسيرة على أن عمر كان يخاف من ركوب البحر فنهى عنه ، لكن العلاء الحضرمي خالفه فغزا فارس بالسفن من البحرين وفتح اصطخر ، فغضب عليه عمر وعزله !

ففي تاريخ الطبري(3/177): (واستعمله عمر ونهاه عن البحر فلم يقدر في الطاعة والمعصية وعواقبهما ، فندب أهل البحرين إلى فارس فتسرعوا إلى ذلك ، وفرقهم أجناداً على أحدهما الجارود بن المعلى ، وعلى الآخر السوار بن همام ، وعلى الآخر خليد بن المنذر ابن ساوى ، وخليد على جماعة الناس ، فحملهم في البحر إلى فارس بغير إذن عمر وكان عمرلايأذن لأحد في ركوبه غازياً ، يكره التغرير بجنده استناناً بالنبي(ص) وبأبي بكر! لم يغز فيه النبي ولا أبو بكر ، فعبرت تلك الجنود من البحرين إلى فارس فخرجوا في إصطخر وبإزائهم أهل فارس ، وعلى أهل فارس الهربذا اجتمعوا عليه ، فحالوا بين المسلمين وبين سفنهم ، فقام خليد في الناس فقال: أما بعد فإن الله إذا قصي أمراً جرت به المقادير حتى تصيبه ، وإن هؤلاء القوم لم يزيدوا بما صنعوا على أن دعوكم إلى حربهم ، وإنما جئتم لمحاربتهم ، والسفن والأرض لمن غلب فاستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ، فأجابوه إلى ذلك فصلوا الظهر ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتالاً شديداً في موضع من الأرض يدعى طاوس ، وجعل السوار يرتجز ويقول :

يـا آل عبـد القيـس للقـراعِ
قـد حفـل الإمـداد بـالجـراعِ
وكلهـم فـي سنـن المصـاع
بحسـن ضـرب القـوم بالقطـاع.

ولما بلغ عمر الذي صنع العلاء من بعثه ذلك الجيش في البحر ألقى في روعه نحو من الذي كان، فاشتد غضبه على العلاء وكتب إليه يعزله وتوعده وأمره بأثقل الأشياء عليه وأبغض الوجوه إليه بتأمير سعد عليه! وقال: إلحق بسعد بن أبي وقاص فيمن قبلك فخرج بمن معه نحو سعد ، وكتب عمر إلى عتبة بن غزوان أن العلاء بن الحضرمي حمل جنداً من المسلمين فأقطعهم أهل فارس وعصاني ، وأظنه لم يرد الله بذلك! فخشيت عليهم أن لا يُنصروا وأن يُغلبوا ويَنشبوا ، فاندب إليهم الناس واضممهم إليك من قبل أن يُجتاحوا ! فندب عتبة الناس وأخبرهم بكتاب عمر فانتدب عاصم ابن عمرو وعرفجة بن هرثمة وحذيفة بن محصن ، ومجزأة بن ثور ونهار بن الحارث..الخ.) .

والصحيح أن جيش العلاء الحضرمي لم يعلق داخل فارس كما ادعت الرواية ، بل انتصر وفتح مدناً وكتب مع أهلها عهد الصلح ومنها إصطخر، وقد بيناه في قراءة جديدة للفتوحات ، لكن عمر خاف من ولائهم لعلي عليه السلام فعزل العلاء فمات ربما بالسم !

6- زعم أنس أن أمه تدخل الجنة قبل النبي صلى الله عليه وآله ! روى أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (دخلتُ الجنة فسمعت خَشْفة فقلت من هذا ؟ قالوا هذه الغميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك). (مسلم: 7 / 145 ، وأحمد: 3 / 99 ، و 106 ، و 125 ، والطبقات: 8 / 430 ، وأوسط الطبراني: 2 / 368 ، وفيه: ورأيتُ أم سليم بنت ملحان في الجنة .

وفضائل الصحابة للنسائي/85 ، وشرح النووي: 16 / 11 ، والخشفة حركة المشي ومنتخب عبد بن حميد/399 ، وفيض القدير: 3 / 690 ، وفيه أنه رآها في الجنة مرتين !

أما البخاري فجعل ذلك مناماً(4/198)قال: (رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة وسمعت خشفة فقلت من هذا ؟ فقال هذا بلال . ورأيت قصراً بفنائه جارية فقلت لمن هذا ؟ فقال: لعمر ، فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك! فقال عمر: بأبي وأمي يا رسول الله عليك أغار )!

7- اعترف أنس في حديث الطير بأنه كذب ثلاث مرات من أجل قومه ، فلماذا لا يكذب من أجل أمه! روى الحاكم (3/130): ( عن أنس بن مالك قال: كنت أخدم رسول الله فقدم لرسول الله صلى الله عليه وآله فرخ مشوي فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، قال فقلت اللهم اجعله رجلاً من الأنصار فجاء علي فقلت إن رسول الله على حاجة ، ثم جاء فقلت إن رسول الله على حاجة ثم جاء فقال رسول الله: إفتح فدخل فقال رسول الله: ما حبسك عليَّ ؟ فقال إن هذه آخر ثلاث كرات يردني أنس يزعم أنك على حاجة ! فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقلت يا رسول الله سمعت دعاءك فأحببت أن يكون رجلاً من قومي! فقال رسول الله: إن الرجل قد يحب قومه! هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً !

ثنا ثابت البناني أن أنس بن مالك كان شاكياً فأتاه محمد بن الحجاج يعوده في أصحاب له ، فجرى الحديث حتى ذكروا علياً فتنقصه محمد بن الحجاج فقال أنس: من هذا أقعدوني فأقعدوه ، فقال: يا ابن الحجاج لا أراك تنقص علي بن أبي طالب! والذي بعث محمداً بالحق لقد كنت خادم رسول الله بين يديه ، وكان كل يوم يخدم بين يدي رسول الله غلام من أبناء الأنصار ، فكان ذلك اليوم يومي ، فجاءت أم أيمن مولاة رسول الله بطير فوضعته بين يدي رسول الله فقال رسول الله: أم أيمن ما هذا الطائر؟ قالت هذا الطائر أصبته فصنعته لك ، فقال رسول الله: اللهم جئني بأحب خلقك إليك واليَّ يأكل معي من هذا الطائر ! وضُرب الباب فقال رسول الله: يا أنس أنظر من على الباب ، قلت اللهم اجعله رجلاً من الأنصار ، فذهبت فإذا علي بالباب ، قلت: إن رسول الله على حاجة ، فجئت حتى قمت مقامي ، فلم ألبث أن ضرب الباب فقال: يا أنس أنظر من على الباب فقلت اللهم اجعله رجلاً من الأنصار فذهبت فإذا عليٌّ بالباب ، قلت: إن رسول الله على حاجة ، فجئت حتى قمت مقامي، فلم ألبث أن ضُرب الباب فقال رسول الله: يا أنس إذهب فأدخله، فلست بأول رجل أحب قومه ليس هو من الأنصار! فذهبت فأدخلته فقال:يا أنس قرب إليه الطير ، قال فوضعته بين يدي رسول الله فأكلا جميعاً ! قال محمد بن الحجاج: يا أنس كان هذا بمحضر منك؟ قال: نعم !

قال أعطي بالله عهداً أن لا أنتقص علياً بعد مقامي هذا ، ولا أعلم أحداً ينتقصه إلا أشنت له وجهه ) !

ثم كذب أنس ولم يشهد لعلي عليه السلام فدعا عليه بالبرص !

8- كذب أنس على علي عليه السلام مرتين فدعا عليه بالبرص ، فأصيب به الى حاجبيه ، وكان يقول لمن سأله: هذا من دعوة العبد الصالح علي بن أبي طالب !

والمرة الأولى لما جاء أنس الى علي عليه السلام مع أهل الكوفة الى حرب الجمل ، فأرسله علي عليه السلام الى طلحة والزبير يذكرهما بحديث للنبي صلى الله عليه وآله فيهما كان أنس فيه حاضراً . فذهب أنس ورجع ولم يبلغهما !

ففي نهج البلاغة (4/74): (قال عليه السلام :لأنس بن مالك وقد كان بعثه إلى طلحة والزبير لما جاء إلى البصرة يذكرهما شيئاً سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله في معناهما فلوى عن ذلك فرجع إليه فقال: إني أنسيت ذلك الأمر!

فقال عليه السلام : إن كنت كاذباً فضربك الله بها بيضاء لامعة لا تواريها العمامة ، يعني البرص، فأصاب أنساً هذا الداء فيما بعد في وجهه ، فكان لا يرى إلا مبرقعاً ).

والمرة الثانية في الكوفة قال في شرح النهج (4/74): ( ناشد علي الناس في رحبة القصر أو قال رحبة الجامع بالكوفة: أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقام اثنا عشر رجلاً فشهدوا بها ، وأنس بن مالك في القوم لم يقم فقال له: يا أنس ما يمنعك أن تقوم فتشهد ولقد حضرتها ؟ فقال:يا أميرالمؤمنين كبرت ونسيت! فقال: اللهم إن كان كاذباً فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة ! قال طلحة بن عمير: فوالله لقد رأيت الوضح به أبيض بين عينيه) .

وفي الفضائل لابن شاذان/164: ( عن سالم بن أبي جعدة قال: حضرت مجلس أنس بن مالك بالبصرة وهو يحدث فقام إليه رجل من القوم فقال: يا صاحب رسول الله ما هذه النمثة التي أراها بك؟ فإني حدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: البرص والجذام لا يبلو الله تعالى به مؤمناً ؟ قال: فعند ذلك أطرق أنس بن مالك إلى الأرض وعيناه تذرفان بالدمع ثم قال: دعوة العبد الصالح علي بن أبي طالب نفذت فيَّ ، قالوا: يا أنس حدثنا ما كان السبب؟ فقال لهم: ألهوا عن هذا . فعند ذلك قام الناس من حوله) !

9- ختم أنس خدمته للنبي صلى الله عليه وآله بأن صار ساقي خمر لأحد عشر صحابياً في حفلة في بيت أمه ، قرب وفاة النبي صلى الله عليه وآله !

وقد تأسف ابن حجر(فتح الباري : 10 / 31) لأن سنده نظيف صحيح !

فقد شرب الصحابة العدول الخمر وناحوا على قتلى بدر! ومنهم أبو بكر وعمر!

فجاء النبي صلى الله عليه وآله وبيده سعفة أو مكنسة يريد أن يضربهم ، فقالوا تُبنا تُبنا !

قال ابن حجر: رواه تمام الرازي المتوفى414، في كتابه الفوائد: 2/228، برقم: 1593، وفي طبعة: 3/481 ، بسند صحيح عن أبي القموص قال:« شرب أبو بكر الخمر قبل أن تحرم فأخذت فيه ، فأنشأ يقول:

تَحَيَّـيْ بالسلامـة أمَّ بكـرٍ
وهـل لك بعد رهطك من سلام
ذرينـي أصطبـح يا بكـر أنـي
رأيـت المـوت نقَّـبَ عن هشـام
فودَّ بنو المغيرة أن فدوْهُ
بألف من رجال أو سوام
فكائـن بالطـويِّ طـويِّ بـدر
مـن القينـات والخيـل الكـرام
فكائـن بالطـويِّ طـويِّ بـدر
من الشيـزى تُكلـل بـالسنـام

فبلغ ذلك النبي فقام معه جريدة يجر إزاره حتى دخل عليه ، فلما نظر إليه قال: أعوذ من سخط الله ومن سخط رسوله ، والله لا يلج لي رأساً أبداً !

فذهب عن رسول الله ما كان فيه ! وخرج ونزل عليه: فَهَلْ أنتمْ مُنْتَهُون! فقال عمر: انتهينا والله ».ورواه الثعلبي في تفسيره (2/142) دون أن يسميهما .

ولم يذهب عن رسول الله ماكان فيه كما زعمت الرواية ، لكنه لايريد أن يصطدم بقريش التي كانت تهدده بأن تعلن الردة !

وروى ابن هشام(2/549) أبيات أبي بكر وفيها الكفر وإنكارالآخرة قال:

يخبرنا الرسول بأن سنحيا
وكيف حياة أصداءٍ وهامِ!

وقد رواها ابن هشام (2/549) بتسعة أبيات ، والإصابة (7/38) وفتح الباري(10/30) وأطال في الدفاع بما يستطيع، وأظهر تحيره ، وابن كثير(2/535) والنهاية:3/412 ، وفيض القدير(1/ 117) ومجمع الزوائد: 5/51 ، وأحاديث الشعر للمقدسي/57 ، وتفسير الثعلبي: 2/142. والعديد من مصادرنا .

ورواها ابن حجر في الإصابة (7/39) وقال في فتح الباري (10/31) إن تلك الجلسة كانت حفلة خمر في بيت أبي طلحة زوج أم أنس، وكانوا أحد عشر صحابياً وكان ساقيهم أنس بن مالك ! ثم قال ابن حجر: «ولأحمد عن يحيى القطان عن حميد عن أنس: كنت أسقي أبا عبيدة وأبي بن كعب وسهيل بن بيضاء ، ونفراً من الصحابة عند أبي طلحة . ووقع عند عبد الرزاق عن معمر بن ثابت وقتادة وغيرهما عن أنس، أن القوم كانوا أحد عشـر رجلاً، وقد حصل من الطرق التي أوردتها تسمية سبعة منهم ، وأبهمهم في رواية سُلَيْمان التيمي عن أنس . ومن المستغربات ما أورده ابن مردويه في تفسيره من طريق عيسى بن طهمان عن أنس ، أن أبا بكر وعمر كانا فيهم! وهو منكر مع نظافة سنده ، وما أظنه إلا غلطاً » !

واستنكار ابن حجر تعصب بدون حجة لأن الحديث إذا صح فلا معنى لاستغراب معناه ! والعجيب أن القصةكانت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله بشهر أو شهرين ! لأن آية: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ، من سورة المائدة آخر سورة نزلت من القرآن !

وروى البخاري (4/263): (عن عائشة أن أبا بكر تزوج امرأة من كلب يقال لها أم بكر، فلما هاجر أبو بكر طلقها فتزوجها ابن عمها الذي قال هذه القصيدة !

لكن عائشة لم تحل المشكلة لأنهما نفت نظم أبيها للقصيدة ، ولم تنف إنشاده لها !

وروى في الإصابة (7/39) أنها «كانت تدعو على من يقول إن أبا بكر الصديق قال هذه القصيدة ثم تقول: والله ما قال أبو بكر بيت شعر في الجاهلية ولا في الإسلام ولكن تزوج امرأة من بني كنانة ثم بني عوف فلما هاجرطلقها فتزوجها ابن عمها هذا الشاعر، أبو بكر بن شعوب ، فقال هذه القصيدة يرثي كفار قريش!

وقد بحثنا خبر هذه الحفلة في كتاب: ألف سؤال وإشكال(3/113).

أقول: العجب ثم العجب من تناقض القرشيين ووقاحتهم ، فهم يريدون خلافة النبي صلى الله عليه وآله ثأراً لبدر، ثم يطالبون بثأر بدر! ولولا معركة بدر لما كان إسلامٌ ولا خلافةٌ يجلسون على كرسيها ! والذي يجلس على كرسي خلافة محمد صلى الله عليه وآله يفترض أنه مسلم ، وأنه الى جانب النبي صلى الله عليه وآله في معركة بدر وضد من قاتله من المشركين !

لكن تعقيد الشخصية القرشية جعلتهم يتبنون نتيجة بدر التي منها الخلافة ويتبنون «مناحة قومهم» على قتلى بدر، لأنها ضد بني هاشم!

الإمام الباقر عليه السلام يعلن أن أنساً كذب على النبي صلى الله عليه وآله كذبة خطيرة !

أكبر شهادة ضد أنس،شهادة الإمام الباقر عليه السلام بأنه كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ليبرر للحكام انتهاك حقوق الإنسان وتعذيب المسجونين ، فقال إن النبي عذب شخصاً لم يعترف بديْن عليه ، فدق يده بمسامير في الحائط !

روى الصدوق بسند صحيح(علل الشرائع(2/ 541) أن الإمام الباقر عليه السلام قال: (إن أول ما استحل الأمراء العذاب لكذبة كذبها أنس بن مالك على رسول الله صلى الله عليه وآله أنه سَمَّرَ يَدَ رجل إلى الحائط ، ومن ثَمَّ استحل الأمراء العذاب !) .

وقد اقتدوا بأنس الكذاب ، فنسبوا في صحاحهم إلى النبي صلى الله عليه وآله التعذيب والمثلة !

وروى الشافعي في الأم وفي مسنده/315 ، إنكار الإمام زين العابدين عليه السلام لزعمهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله سمل عين أحد ! قال:( أخبرنا إبراهيم بن أبي يحيى، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين قال: لاوالله ما سمل رسول الله (ص) عيناً ، ولا زاد أهل اللقاح على قطع أيديهم وأرجلهم ) .

ثم قال البيهقي في سننه(9/70): (حديث أنس ثابت صحيح ، ومعه رواية ابن عمر، وفيهما جميعاً أنه سمل أعينهم ، فلا معنى لإنكار من أنكر، والأحسن حمله على النسخ). فرد البيهقي شهادة زين العابدين عليه السلام بقول أنس وابن عمر!

ورد شهادة ابن عباس(ابن هشام(3 /611) بأنه نزلت الآية: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَخَيْرٌ للَّصَّابِرِينَ . فعفا وصبر ونهى عن المثلة) !

ونلاحظ أن الإمام الباقر عليه السلام فضح عالم السلطة أنس بن مالك ، ليحذر المسلمين من حديثه وفتواه ، لأنه خان النبي صلى الله عليه وآله وكذب عليه ، واتبع حكام بني أمية !

الفصل السابع

الحاخام كعب الأحبار مدمر الثقافة الإسلامية !

تبنى عمر هذا الحاخام فخرب الثقافة الإسلامية !

1-كعب بن ماتع بن هيسوع حاخام من يهود اليمن ، وقيل متهود أصله من حمير (الأنساب:5/427). وقد كان عمر على صلة بالحاخامات في الحجاز وخارجه ، ومنهم كعب فلما قصد كعب بيت المقدس من اليمن مر على المدينة ، فخرج عمر وأخرج المسلمين لاستقباله إكراماً له واحتراماً !

وبقي مدة في المدينة ثم ذهب الى بيت المقدس . ثم سكن حمص وهو على يهوديته ثم رافق عمر إلى بيت المقدس ورجع مع عمر الى المدينة وهو على يهوديته ! وكان عمر يعظمه ويقول له: « ألا تتحول إلى المدينة فيها مهاجر رسول الله وقبره ! فيقول كعب: يا أميرالمؤمنين ! إني وجدت في كتاب الله المنزل أن الشام كنز الله من أرضه ، فيها كنز من عباده » . (كنز العمال:14/143) .

2- قال السيوطي(الدرالمنثور:2/168):(ثم خرج حتى انتهى إلى حمص فسمع رجلاً من أهلها يقرأ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ !

قال كعب: يا رب آمنت ، يا رب أسلمت ، مخافة أن تصيبه هذه الآية . ثم رجع فأتى أهله باليمن ثم جاء بهم مسلمين » .

3- قال الشيخ محمود أبو رية الأزهري (أضواء على السنة المحمدية /145): «أقوى هؤلاء الكهان دهاءً وأشدهم مكراً كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد الله بن سلام.. وبواسطة كعب وابن منبه وسواهما من اليهود الذين أسلموا تسربت إلى الحديث طائفة من أقاصيص التلمود الإسرائيليات ، وما لبثت أن أصبحت جزء من الأخبار الدينية والتاريخية »! (ألف سؤال وإشكال:1/486).

قال الذهبي (3 / 489): « كان يحدثهم عن الكتب الإسرائيلية).

4- كان عمر يثق بكعب الأحبار ثقة عجيبة! فقد جعله مرجع دولة الخلافة فهو مصدر الفتوى ، ومصدر معرفة أخبار الغيب والآخرة ، ومصدر تفسير القرآن ، ومعرفة المستقبل السياسي والديني للأمة ، وحتى مستقبل شخص الخليفة !

وكان يزعم أن كل ذلك مكتوب في التوراة ، وفي كتب الله التي عنده !

سأله عمر: « يا كعب كيف تجد نعتي؟ قال أجد نعتك قرن من حديد . قال وما قرن من حديد ؟ قال أمير شديد لا تأخذه في الله لومة لائم . قال ثم مه ؟ قال ثم يكون من بعدك خليفة تقتله فئة ». ( مجمع الزوائد: 9 / 65 ) .

وفي الطبقات(3/306): « قال عمر بن الخطاب: والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك ، فإن كنت ملكاً فهذا أمر عظيم » ! وكان يسأل طلحة والزبير وسلمان وأبا موسى الأشعري (الدر المنثور:5/306) ويطلب منهم الجواب ويحذرهم أن يكذبوا عليه: إني سائلكم عن شئ فإياكم أن تكذبوني فتهلكوني وتهلكوا أنفسكم ، أنشدكم بالله أخليفة أنا أم ملك » ؟

وفي الطبري(3 /279)كان يسأل كعباً خاصة ويستحلفه: أنشدك الله يا كعب أتجدني خليفة أم ملكاً ؟ قال قلت بل خليفة ، فاستحلفه فقال كعب: خليفة والله من خير الخلفاء وزمانك خير زمان » .

وقال لكعب ( تاريخ المدينة:3 /891 ): « حدثني يا كعب عن جنات عدن. قال: نعم يا أمير المؤمنين، قصور في الجنة لايسكنها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حاكم عادل! فقال عمر: أما النبوة فقد مضت لأهلها ، وأما الصديقون فقد صدقت الله ورسوله ، وأما الحكم العدل فإني أرجو الله أن لا أحكم بشئ إلا لم آل فيه عدلاً ، وأما الشهادة فأنى لعمر بالشهادة )!

5- وذات يوم قال كعب لعمر: إعهد فإنك ميت في عامك ، قال عمر: وما يدريك يا كعب؟ قال: وجدته في كتاب الله. أنشدك الله يا كعب هل وجدتني باسمي ونسبي عمر بن الخطاب؟ قال: اللهم لا، ولكني وجدت صفتك وسيرتك وعملك وزمانك)!

ومعناه أن لكعب ضلعاً في الخطة اليهودية لقتل عمر لكي تصل الخلافة الى حلفائهم بني أمية .

6-كان عمر يعامل كعب الأحبار كنبي ويقبل منه كل ما يقول! وقد أقنع عمر بأمور غير معقولة ، بل بالمتناقضات والهرطقة !

أقنعه مثلاً: أن صيد الجراد للمُحرمين حلال لأنه من صيد البحر لأنه يولد من أنف الحوت ، فعندما يخرج الحوت رأسه وينفث الماء ، فإنه ينفث الجراد كل ستة أشهر مرة ! فقد ذهب كعب مع جماعة معه الى العمرة وصادفوا في طريقهم جراداً فقال لهم كعب كلوه لأن الله حرم صيد البر فقال: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً ، والجراد صيد البحر يولد من منخري الحوت ! فصادوه وهم محرمون !

(فقال عمر: وما يدريك؟ فقال: يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إن هو إلا نثرةُ حوت ، ينثره في كل عام مرتين »! (كنز العمال:5/ 265 ) .

وأخذ فقهاء المذاهب بفتوى كعب وعمر فصار الجراد عندهم بحرياً ! بل صار قول كعب حديثاً نبوياً ! فزعموا أن النبي صلى الله عليه وآله قال:« إن الجراد نثرة الحوت في البحر. قال زياد: فحدثني من رأى الحوت ينثره »! (ابن ماجة:2/ 1073).

الإمام الباقر يفضح كعباً !

فقد مرَّ الباقر عليه السلام على« ناس وهم يأكلون جراداً فقال: سبحان الله وأنتم محرمون! قالوا: إنما هو من البحر، قال:فارمسوه في الماء إذن »!(تهذيب الأحكام :5 /363).

يعني أن الجراد يموت إذا رمس في الماء ، فلو كان بحرياً كما زعم كعب لم يمت !

كذبت وكذب كعب الأحبار معك !

أقنع كعب عمر بن الخطاب بأن بيت المقدس أفضل من الكعبة وأن الكعبة تسجد لبيت المقدس صبيحة كل يوم!وأن الكعبة ستهدم ومكة ستخرب ولا تسكن !

قال زرارة (الكافي:4/239): « كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفر الباقر عليه السلام وهو مُحْتبٍ مستقبلَ الكعبة ، فقال: أما إن النظر إليها عبادة . فجاءه رجل من بجيلة يقال له عاصم بن عمر فقال لأبي جعفر: إن كعب الأحبار كان يقول: إن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل غداة! فقال أبو جعفر:فما تقول فيما قال كعب؟ فقال: صدق، القولُ ما قال كعب! فقال أبو جعفر:كذبت وكذب كعب الأحبار معك ، وغضب ! قال زرارة: ما رأيته استقبل أحداً بقول كذبت غيره ، ثم قال: ما خلق الله عزّ وجلّ بقعة في الأرض أحب إليه منها ، ثم أومأ بيده نحو الكعبة ، ولا أكرم على الله عزّ وجلّ منها ، لها حرَّم الله الأشهر الحرم في كتابه يوم خلق السماوات والأرض، ثلاثة متوالية للحج: شوال ، وذو العقدة ، وذو الحجة ، وشهر مفرد للعمرة وهو رجب».

أقول: كل أحاديث الغلو في مدح الشام وتفضيلها على الحجاز أصلها من كعب وتلاميذه ، وحامل رايتها معاوية وأعوانه . فيجب التوقف في أحاديث مدح الشام وأهلها، وبيت المقدس وأهله ، حتى تثبت من طريق ليس فيها يهود !

هذا ، والحديث عن كعب الأحبار طويل ، تعرضت له في كتبي مثل ألف سؤال وإشكال ،لأن فعالياته التخرييبة في الثقافة الإسلامية كثيرة ومتنوعة ، فقد أطلق عمر ومن بعده يده ولسانه وأبواق تلاميذه ، أكثر من نصف قرن ، الى زمن معاوية وواصل تلاميذه بعده التدمير، ولذلك كان لا بد للإمام الباقر عليه السلام أن يفضحه وتلاميذه ويكشف تضليلهم للمسلمين ، ويشق علم النبوة وينشره من جديد .

الفصل الثامن

الحاخام عبد الله بن سلام

جعلوه إماماً بحجة أنه صحابي

قال الذهبي في تذكرة الحفاظ (1/26): (عبد الله بن سلام بن الحارث ، الحبر أبو يوسف الإسرائيلي رضي الله عنه ، حليف الأنصار، أسلم وقت مقدم النبي(ص) المدينة وكان اسمه الحصين فسماه رسول الله عبد الله ، وشهد له بالجنة !

وفيه نزلت: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ. وقوله تعالى: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ . وكان عبد الله عالم أهل الكتاب ، وفاضلهم في زمانه بالمدينة، روى عدة أحاديث ، حدث عنه أنس بن مالك ، وزرارة بن أوفى ، قاضى البصرة ، وأبو أروى عن معاذ أن رسول الله قال: إنه عاشر عشرة في الجنة ، ما سمعت رسول الله يقول لأحد إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام ! وروى أنه قال للنبي صلى الله عليه وآله : إني أقرأ القرآن والتوراة فقال له: إقرأ هذا ليلة وهذا ليلة )!

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب(5/219):(شهد مع عمر فتح بيت المقدس والجابية . وقال الهيثم بن عدي: مات بالمدينة سنة ثلاث وأربعين ).

وقا ل الذهبي المصري في كتابه التفسير والمفسرون: (ويحدثنا البخاري عن قصة إسلامه فيقول في ضمن حديث ساقه في باب الهجرة :فلما جاء نبي الله (ص) جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنك رسول الله ، وأنك جئت بحق ، وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم ، وأعلمهم وابن أعلمهم ، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيَّ ما ليس فيَّ فأرسل نبي الله ص فأقبلوا فدخلوا عليه ، فقال لهم رسول الله(ص): فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ قالوا: ذلك سيدنا وابن سيدنا ، وأعلمنا وابن أعلمنا ، قال: أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا حاشا لله ، ما كان ليسلم. قال: يا ابن سلام أخرج عليهم فخرج فقال: يا معشراليهود إتقوا الله فو الله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله وأنه جاء بحق ، فقالوا:كذبت! فأخرجهم رسول الله (ص).

ونجد البخاري رضي الله عنه يفرد لعبد الله بن سلام باباً مستقلاً في مناقبه ، فروى فيما روى من ذلك بإسناده إلى سعد بن أبي وقاص أنه قال: ما سمعت النبي(ص) يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام ، وقال: فيه نزلت هذه الآية: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ .

ومما يذكر عنه رحمه الله :أنه وقف خطيباً في المتألبين على عثمان رضي الله عنه يدافع عنه ويخذل الثائرين. وليس عجيباً أن يكون عبد الله بن سلام في هذه المكانة العالية من العلم بعد أن اجتمع لديه علم التوراة وعلم القرآن ، وبعد أن امتزجت فيه الثقافتان اليهودية والإسلامية . ولقد نقل عنه المسلمون كثيراً مما يدل على علمه بالتوراة وما حولها ، ونجد ابن جرير الطبري ينسب إليه في تاريخه كثيراً من الأقوال في المسائل التاريخية الدينية .

وإنا لا نستطيع أن نتهم الرجل في علمه ، ولا في ثقته وعدالته ، بعد ما علمت أنه من خيار الصحابة وأعلمهم ، وبعد ما جاء فيه من آيات القرآن ، وبعد أن اعتمده البخاري وغيره من أهل الحديث . كما أننا لم نجد من أصحاب الكتب التي بين أيدينا من طعن عليه في علمه ، أو نسب إليه من التهم مثلما نسب إلى كعب الأخبار ، ووهب بن منبه ) .هذا هو رأي السنة في عبد الله بن سلام .

رأي الشيعة في الحاخام عبد الله بن سلام

يرى الشيعة أن الخليفة القرشي ورواته عظموا عبد الله بن سلام ، وزعموا أن النبي صلى الله عليه وآله شهد أنه من أهل الجنة ، وجعلوه شاهد بني إسرائيل ، وكل ذلك لأنه عادى عترة النبي صلى الله عليه وآله وأيد القرشيين وكان يمدح عمر وعثمان .

وأكبر مقام أعطوه له أن عنده علم الكتاب ، فقالوا نزلت فيه آية: قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ .

والمقصود علم القرآن ، والآية نزلت في علي عليه السلام ولم يدَّع غيره أن عنده علم الكتاب ، بل كان الصحابة يجهلون كثيراً من مفردات القرآن ، فلم يعرف أبو بكر وعمر معنى كلمة وأبَّاً في قوله تعالى: وَفاكهَةً وَأبَّا !

ولو كان الحاخام ابن سلام عنده علم الكتاب لظهر ذلك في المدة الطويلة التي عاشها بعد النبي صلى الله عليه وآله ، في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي عليه السلام  ، فقد مات سنة ثلاث وأربعين هجر ية . ولو كان عنده علم الكتاب لوجب أن يكون أفضل من آصف بن برخيا وصي سليمان الذي عنده علم من الكتاب: قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ !

روى في بصائر الدرجات/٢٣٤: (عن أبي مريم، قلت لأبي جعفر عليه السلام : هذا ابن عبد الله بن سلام يزعم أن أباه الذي يقول الله: قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ . قال: كَذِبَ ! ذاك علي بن أبي طالب عليه السلام ).

ما خرجت اليهودية من قلبك !

دخل أبو ذر رضي الله عنه على عثمان في خلافته فوجد عنده كعب الأحبار فانتقد عثمان ، وأخذ كعب يدافع عن عثمان ، فغضب أبو ذر وقال له: أتعلمنا ديننا يا ابن اليهودية والله ماخرجت اليهودية من قلبك ، وضربه بالعصا !

ولو رأى أبو ذر ابن سلام يفتي في الدين لضربه بالعصا أيضاً !

قال المفيد في الأمالي/165: (فمضى أبو ذر حتى قدم على عثمان ، فلما دخل عليه قال له: لا قرب الله بعمرو عيناً فقال أبو ذر: والله ما سماني أبواي عمرواً ولكن لا قرب الله من عصاه وخالف أمره وارتكب هواه . فقام إليه كعب الأحبار فقال له: ألا تتقي الله يا شيخ تجيب أمير المؤمنين بهذا الكلام !

فرفع أبو ذر عصاً كانت في يده فضرب بها رأس كعب ، ثم قال له: يا ابن اليهوديين ما كلامك مع المسلمين؟ فوالله ما خرجت اليهودية من قلبك بعد !

فقال عثمان: والله لا جمعتني وإياك دار ، قد خرفت وذهب عقلك ، أخرجوه من بين يدي حتى تركبوه قتب ناقته بغير وطاء ، ثم أنخسوا به الناقة وتعتعوه حتى توصلوه الربذة ، فنزلوه بها من غير أنيس حتى يقضي الله فيه ما هو قاض ، فأخرجوه متعتعاً ملهوزاً بالعصا ! وتقدم أن لا يشيعه أحد من الناس ، فبلغ ذلك علياً فبكى حتى بل لحيته بدموعه ثم قال: أهكذا يصنع بصاحب رسول الله صلى الله عليه وآله ! إنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم نهض ومعه الحسن والحسين عليهم السلام وعبد الله بن العباس والفضل وقثم وعبيد الله ، حتى لحقوا أبا ذر فشيعوه .

فلما بصر بهم أبو ذر رحمه الله حن إليهم وبكى عليهم ، وقال: بأبي وجوه إذا رأيتها ذكرت بها رسول الله صلى الله عليه وآله وشملتني البركة برؤيتها . ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إني أحبهم ، ولو قطعت إرباً إرباً في محبتهم ما زلت عنها ابتغاء وجهك والدار الآخرة ، فارجعوا رحمكم الله ، والله أسأل أن يخلفني فيكم أحسن الخلافة . فودعه القوم ورجعوا وهم يبكون على فراقه ) !

وكانت أفكار عبد الله بن سلام اليهودية كأفكار كعب الأحبار تماماً ! فقد استفاض عند المسلمين أن الكعبة أفضل بقعة في الأرض ، فكذَّبها ابن سلام وروى عن النبي صلى الله عليه وآله أن بيت المقدس أفضل منها ! ففي فضائل بيت المقدس لابن المرجي/330: (عن عبد الله بن عباس قال: سأل عبد الله بن سلام النبي(ص)فقال: أخبرني عن وسط الدنيا ؟ فقال: هو بيت المقدس.قال: ولمَ ذاك ؟ قال: لأنه المحشر وفيه المنشر وفيه الصراط والميزان ، وذلك قوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ. قال: فلم سماه الأقصى؟قال:لأنه وسط الدنيا لا يزيد شيئاً ولا ينقص شيئاً.قال:صدقت. قال له: أخبرني إذا كان يوم القيامة إلى أن يحشر الله تعالى خلقه؟ قال: إلى بيت المقدس . قال: ومن يحشرهم؟ قال: نار بإذن الله تجمعهم إلى بيت المقدس، فإذا خرجت النار أحاطت الدنيا كلها ، ثم صرفت وجوه الخلائق ، ونفخت بين أيديهم نفخة ، فيمرون على الوجوه إلى بيت المقدس بإذن الله. قال: صدقت ). (قال عبد الله بن سلام: يا محمد أخبرني أين وسط الدنيا ؟ قال بيت المقدس . قال ولم ذلك ؟ قال:لأن فيها المحشر والمنشر ومنه ارتفع العرش ، وفيه الصراط والميزان. قال: صدقت يا محمد . قال: فأخبرني عن فسطاط موسى بن عمران ؟ قال موضع بيت المقدس ، قال من ابتدأ ببناء بيت المقدس؟ فقال داود وابنه من بعده سليمان . قال: وأخبرني عن آدم من أي الأرض خلق؟ قال: خلق رأسه ووجهه من موضع الكعبة ، وخلق بدنه من بيت المقدس). (روضة الواعظين/409، من كتاب عبد الله بن سلام).

ابن سلام يكذب على النبي صلى الله عليه وآله !

قال الذهبي في تذكرة الحفاظ(1/27): (عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه أنه جاء إلى النبي(ص)فقال: إني قرأت القرآن والتوراة ، فقال: إقرأ هذا ليلة وهذا ليلة ! فهذا إن صح ففيه الرخصة في تكرير التوراة وتدبرها )!

والتوراة بإجماع المسلمين محرفة ، فكيف يرخص النبي صلى الله عليه وآله بقراءتها ، فضلاً عن جعلها كالقرآن!

ومن كذبه على النبي صلى الله عليه وآله أنه نسب التطهر بالماء قبل الإسلام الى أهل الكتاب ، وهو خاص بالأنصار! فقد سألهم النبي صلى الله عليه وآله عن فعلهم الذي مدحهم الله بقوله: فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ .فقالوا: كنا نستنجي بالماء .فجعله عبد الله بن سلام لأهل الكتاب! وزعم أنه قال(مجمع الزوائد(1/212): يارسول الله إنا كنا قبلك أهل كتاب وإنا نؤمر بغسل الغائط والبول فقال النبي(ص)إن الله قد رضي عنكم وأثنى عليكم وأحبكم).

سمع ابن سلام من النبي صلى الله عليه وآله ولاية علي عليه السلام ولم يطعه !

في أمالي الصدوق/186: (عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ : إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، قال: إن رهطاً من اليهود أسلموا، منهم عبد الله بن سلام وأسد وثعلبة وابن يامين وابن صوريا ، فأتوا النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: يا نبي الله ، إن موسى عليه السلام أوصى إلى يوشع بن نون فمن وصيك يا رسول الله ، ومن ولينا بعدك؟ فنزلت هذه الآية: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ .

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قوموا فقاموا فأتوا المسجد فإذا سائل خارج فقال: ياسائل أما أعطاك أحد شيئاً ؟ قال: نعم هذا الخاتم. قال:من أعطاك ؟ قال:أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلي. قال:على أي حال أعطاك؟ قال: كان راكعاً. فكبرالنبي صلى الله عليه وآله وكبر أهل المسجد فقال النبي صلى الله عليه وآله : علي بن أبي طالب وليكم بعدي.قالوا: رضينا بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبياً ، وبعلي بن أبي طالب ولياً . فأنزل الله عزّ وجلّ : وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغَالِبُونَ .

فروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: والله لقد تصدقت بأربعين خاتماً وأنا راكع لينزل فيَّ ما نزل في علي بن أبي طالب ، فما نزل ) .

الفصل التاسع

الحسن البصري سامري هذه الأمة

الحسن بن يسار البصري

الحسن البصري: أبو سعيد بن يسار البصري الأنصاري ، مولى زيد بن ثابت الأنصاري (غير زيد المشهور) أمه خيرة مولاة أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله .كان عمره لما توفي النبي صلى الله عليه وآله عشرسنين ومات في رجب سنة110وله 89 سنة.

كان صبيح الوجه معتدل القامة جميلاً طويلاً ممتلئ البدن . وهومن كبار علماء مذاهب الخلافة ، وهو حشوي يعمل بالرأي والظن ، ويجمع بين المتناقضات! يروي أحاديث النبي صلى الله عليه وآله في فضل علي عليه السلام ووجوب اتباعه ، ثم يعتبر أن حربه علي لعائشة معصية ، وأن القاتل والمقتول في النار ! ويذم معاوية ذماً قوياً ، ويعتبره طاغية وفرعون هذه الأمة ، ثم يصانع خلفاء معاوية من بعده !

وفي المسترشد للطبري/533: (ومما نقموا على عمر: توليته معاوية بن أبي سفيان وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إذا رأيتم معاوية على منبري هذا فاقتلوه . قال الحسن البصري: فلم يفعلوا ولم يفلحوا ! وقد ولاه الثاني أمر المسلمين ، فخطب على منابرهم ، وتحكم في أموالهم وفروجهم ، وجعل له سبيلاً إلى طلب الخلافة ، حتى قتل ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وجرى على يده ويد ابنه ما جرى )!

لكن الحسن البصري يمدح عثمان ويقول إن الذين حاصروه وقتلوه منافقون وفساق ! يتقرب بذلك الى بني أمية ، فكان مقبولاً عندهم بعد معاوية !

أمير المؤمنين عليه السلام والحسن البصري

في أمالي المفيد/118: (قال الحسن البصري: لما قدم علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب البصرة مرَّ بي وأنا أتوضأ فقال:يا غلام أحسن وضوءك يحسن الله إليك . ثم جازني فأقبلت أقفو إثره ، فحانت مني التفاته فنظر إليَّ فقال: يا غلام ألك إلي حاجة؟ قلت: نعم ، علمني كلاماً ينفعني الله به . فقال: يا غلام من صدق الله نجا ومن أشفق على دينه سلم من الردى ، ومن زهد في الدنيا قرت عينه بما يرى من ثواب الله عزّ وجلّ  . ألا أزيدك يا غلام ؟ قلت: بلى يا أمير المؤمنين ، قال: ثلاث خصال من كن فيه سلمت له الدنيا والآخرة ، من أمر بالمعروف وائتمر به ، ونهى عن المنكر وانتهى عنه ، وحافظ على حدود الله .

يا غلام أيسرك أن تلقى الله يوم القيامة وهو عنك راض؟قلت: نعم يا أميرالمؤمنين قال: كن في الدنيا زاهداً ، وفي الآخرة راغباً ، وعليك بالصدق في جميع أمورك ، فإن الله تعبدك وجميع خلقه بالصدق .

ثم مشى حتى دخل سوق البصرة فنظر إلى الناس يبيعون ويشترون ، فبكى بكاء شديداً ، ثم قال: يا عبيد الدنيا وعمال أهلها إذا كنتم بالنهار تحلفون ، وبالليل في فرشكم تنامون ، وفي خلال ذلك عن الآخرة تغفلون فمتى تحرزون الزاد ، وتفكرون في المعاد ؟

فقال له رجل: يا أمير المؤمنين إنه لا بد لنا من المعاش فكيف نصنع؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إن طلب المعاش من حله لا يشغل عن عمل الآخرة ، فإن قلت لا بد لنا من الإحتكار لم تكن معذوراً . فولى الرجل باكياً .

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : أقبل عليَّ أزدك بياناً ، فعاد الرجل إليه فقال له: إعلم يا عبد الله أن كل عامل في الدنيا للآخرة لا بد أن يوفى أجر عمله في الآخرة ، وكل عامل ديناً للدنيا عمالته في الآخرة نار جهنم . ثم تلا أمير المؤمنين عليه السلام قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغَى. وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَاوَى ).

أقول: يظهر أن هذا الشخص كان محتكراً فكشفه أمير المؤمنين عليه السلام فخاف وبكى !

وفي الخرائج (2/547): (رأى علي عليه السلام الحسن البصري يتوضأ في سقية (كوزة) فقال: أسبغ طهورك يا كُفْتِي(إسم شيطان)! قال: لقد قتلت بالأمس رجالاً كانوا يسبغون الوضوء! قال: وإنك لحزين عليهم؟ قال: نعم. قال: فأطال الله حزنك !

قال أيوب السجستاني: فما رأينا الحسن قط إلا حزيناً ، كأنه رجع من دفن حميم ، أو كأنه ضل حماره . فقلنا له في ذلك فقال: عملتْ فيَّ دعوة الرجل الصالح . وكُفتي بالنبطية شيطان ، وكانت أمه سمته بذلك ودعته في صغره ، فلم يعرف ذلك أحد حتى دعاه به أمير المؤمنين عليه السلام )!

وفي رواية: قال: فأطال الله حزنك . فكان حزيناً إلى آخر عمره !

وقد اعترف الحسن البصري بأنه يروي عن علي عليه السلام ولا يذكر إسمه! (عن يونس بن عبيد قال:سألت الحسن قلت:يا أبا سعيد إنك تقول: قال رسول الله (ص) وإنك لم تدركه؟ قال: يا ابن أخي لقد سألتني عن شئ ما سألني عنه أحد قبلك ، ولولا منزلتك مني ما أخبرتك ، إني في زمان كما ترى. كل شئ سمعتني أقول: قال رسول الله (ص) فهو عن علي بن أبي طالب ، غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر علياً) . (تهذيب الكمال:6/124).

وفي الإحتجاج(1/250): (عن ابن عباس قال: لما فرغ علي عليه السلام من قتال أهل البصرة وضع قتباً على قتب ثم صعد عليه فخطب ، فحمد الله وأثنى عليه فقال: يا أهل البصرة ، يا أهل المؤتفكة ، يا أهل الداء العضال ، يا جند المرأة وأتباع البهيمة ! رغا فأجبتم ، وعقر فهربتم. ماءكم زعاق ، ودينكم نفاق ، وأخلاقكم دقاق .

ثم نزل يمشي بعد فراغه من خطبته فمشينا معه فمر بالحسن البصري وهو يتوضأ فقال: يا حسن أسبغ الوضوء. فقال: يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس أناساً يشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، يصلون الخمس ، ويسبغون الوضوء ! فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : قد كان ما رأيت فما منعك أن تعين علينا عدونا ؟ فقال: والله لأصدقنك يا أميرالمؤمنين لقد خرجت في أول يوم فاغتسلت وتحنطت وصببت علي سلاحي وأنا لا أشك في أن التخلف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر، فلما انتهيت إلى موضع من الخريبة ناداني مناد: يا حسن إلى أين؟ إرجع فإن القاتل والمقتول في النار، فرجعت ذعراً وجلست في بيتي ، فلما كان في اليوم الثاني لم أشك أن التخلف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر! فتحنطت وصببت علي سلاحي وخرجت أريد القتات ، حتى أنهيت إلى موضع من الخريبة فناداني مناد من خلفي: يا حسن إلى أين مرة بعد أخرى فإن القاتل والمقتول في النار! قال علي عليه السلام : صدقت أفتدري من ذلك المنادي؟ قال: لا. قال عليه السلام : ذلك أخوك إبليس ، وصدقك أن القاتل والمقتول منهم في النار!

فقال الحسن البصري: الآن عرفت يا أمير المؤمنين أن القوم هلكى .

وعن أبي يحيى الواسطي قال: لما افتتح أمير المؤمنين عليه السلام البصرة اجتمع الناس عليه وفيهم الحسن البصري ومعه الألواح ، فكان كلما لفظ أمير المؤمنين بكلمة كتبها ، فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام بأعلى صوته: ما تصنع؟فقال نكتب آثاركم لنحدث بها بعدكم ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أما إن لكل قوم سامري وهذا سامري هذه الأمة أما إنه لا يقول لا مساس ، ولكن يقول لا قتال) !

اعتزل مجلسه عطاء بن واصل وابن عبيد فسموا المعتزلة

كان مجلس الحسن البصري عامراً فاختلفوا في القدر، وكيف أن الله تعالى أقدر عبده على المعصية ثم يعاقبه؟ فقال الحسن بالجبر، وخالفه واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد ، فلم يقبلوا نسبة الجبر الى الله تعالى ، واعتزلوا مجلسه فسموا المعتزلة !

وفي كنز الفوائد/170: (أن الحجاج بن يوسف الثقفي كتب إلى الحسن البصري والى واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وعامر الشعبي فقال لهم: أخبروني بقولكم في القضاء والقدر، فكتب إليه الحسن البصري: ما أعرف فيه إلا ما قاله علي بن أبي طالب فإنه قال: يا ابن آدم أزعمت ان الذي نهاك دهاك ، وإنما دهاك أسفلك وأعلاك ، وربك برئ من ذاك !

وكتب إليه واصل بن عطاء: ما أعرف فيه إلا ما قاله علي بن أبي طالب ، فإنه قال: ما تحمد الله عليه فإنه هو منه وما تستغفر الله عنه فهو منك .

وكتب إليه عمرو بن عبيد: ما أعرف فيه إلا ما قاله علي بن أبي طالب ، فإنه قال: إن كان الرزق في الأصل محتوماً فالوازر بالقصاص مظلوم .

وكتب إليه عامر الشعبي: لا أعرف فيه إلا ما قاله علي بن أبي طالب: من وسع عليك الطريق لم يأخذ عليك المضيق .

فلما قرأ الحجاج أجوبتهم قال: قاتلهم الله ، لقد أخذوها من عين صافية)!

وفي تحف العقول/231: ( كتب الحسن بن أبي الحسن البصري إلى أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام : أما بعد فإنكم معشر بني هاشم الفلك الجارية في اللجج الغامرة ، والأعلام النيرة الشاهرة ، أو كسفينة نوح عليه السلام التي نزلها المؤمنون ونجا فيها المسلمون. كتبت إليك يا ابن رسول الله عند اختلافنا في القدر وحيرتنا في الإستطاعة، فأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأي آبائك عليهم السلام ؟فإن من علم الله علمكم وأنتم شهداء على الناس والله الشاهد عليكم: ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .

فأجابه الحسن عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم وصل إلي كتابك ولولا ما ذكرته من حيرتك وحيرة من مضى قبلك إذاً ما أخبرتك ، أما بعد فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أن الله يعلمه فقد كفر . ومن أحال المعاصي على الله فقد فجر ، إن الله لم يطع مكرهاً ولم يعص مغلوباً ولم يهمل العباد سدى من المملكة ، بل هو المالك لما ملكهم والقادر على ما عليه أقدرهم ، بل أمرهم تخييراً ونهاهم تحذيراً ، فإن ائتمروا بالطاعة لم يجدوا عنها صاداً ، وإن انتهوا إلى معصية فشاء أن يمن عليهم بأن يحول بينهم وبينها فعل ، وإن لم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها جبراً ، ولا ألزمهم كرهاً ، بل من عليهم بأن بصرهم وعرفهم وحذرهم وأمرهم ونهاهم لا جبلاً لهم على ما أمرهم به فيكونوا كالملائكة ، ولا جبراً لهم على ما نهاهم عنه ولله الحجة البالغة ، فلو شاء لهديكم أجمعين . والسلام على من اتبع الهدى).

أعطى الأمويون الحسن البصري منبر الحرم في الحج

فكان ينصب له المنبر في المطاف ، ويعطلون المطاف ليستمعوا الى حديث الحسن البصري ! فرآه الإمام زين العابدين عليه السلام وقد عطل المطاف وهو يقص على المسلمين قصص أهل الكتاب ! ويوجه الناس إلى بني أمية ، فوقف قباله وسأله أسئلة فاضطر أن ينزل عن منبره ويترك الناس يطوفون حول بيت ربهم عزّ وجلّ !

قال في مناقب آل أبي طالب(3/297): (رأى الحسن البصري عند الحجر الأسود يقص فقال عليه السلام : يا هناه (يا هذا وفي رواية: يا حسن) أترضى لنفسك الموت؟ قال: لا، قال: فعلمك الحساب؟( هل تعرف حسابك) قال: لا . قال: فثم دار للعمل؟ غير دار الدنيا؟ قال: لا . قال: فلله في الأرض معاذ غير هذا البيت؟ قال: لا . قال: فلم تشغل الناس عن الطواف ؟ ثم مضى !

قال الحسن: ما دخل مسامعي مثل هذه الكلمات من أحد قط! أتعرفون هذا الرجل ؟ قالوا: هذا زين العابدين ، فقال الحسن: ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ) !

ولا بد أن هذه الحادثة قد هزت الناس في الموسم ، وتناقلوا أن زين العابدين عليه السلام نهى الحسن البصري عن الخطابة والقصص ، وتعطيل الطواف ومنع الناس عن عبادة ربهم ، ولم تستطع السلطة عمل شئ !

وفي الإحتجاج(2/41):(فما رؤيَ الحسن البصري بعد ذلك يعظ الناس).

الإمام الباقر عليه السلام والحسن البصري

روى القاضي النعمان في شرح الأخبار(2/273)عن أبي الجارود قال: (كنت عند أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليه مع جماعة من أصحابه فقال له رجل منهم: يا ابن رسول الله ، حدثنا الحسن البصري أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن الله أرسلني برسالة ، فضقت بها ذرعاً ، فتواعدني إن لم أبلغها أن يعذبني. ثم قطع الحديث فسألناه تمامه وأن يخبرنا بالرسالة ما هي ، فجعل يروغ !

فقال أبو جعفر عليه السلام :مالحسنٍ قاتل الله حسناً ، أما والله لو شاء أن يخبركم لأخبركم ولكني أخبركم . إن الله عزّ وجلّ بعث محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، فشهد المسلمون الشهادتين وصلوا فأقلوا وأكثروا.فجاء جبرائيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال:يا محمد عَلِّم ِالناس صلاتهم وحدودها ومواقيتها وعددها . فجمع رسول الله صلى الله عليه وآله الناس فقال: أيها الناس إن الله عزّ وجلّ فرض عليكم الصلاة في الفجر كذا وكذا عددها والظهر كذا وكذا عددها ووقتها حتى أتى على الصلوات الخمس .

ثم قال أبو جعفر عليه السلام : فهل تجدون هذا في القرآن . قالوا: لا .

قال: ثم أنزل الله عزّ وجلّ وآتوا الزكاة ، فتزكى المسلمون على قدر ما يرون ، أعطى هذا من دراهمه وأعطى هذا من دنانيره ، وهذا من تمره ، وهذا من زرعه . فأتاه جبرائيل عليه السلام فقال: يا محمد علم الناس من زكاتهم مثل ما علمتهم من صلاتهم ، فجمع رسول الله صلى الله عليه وآله الناس ، فقال: إن الله افترض علكيم الزكاة في الذهب من كذا وكذا وفي الفضة من كذا وكذا ، وعدد جميع ما يجب فيه الزكاة وما يجب فيه منها . ثم قال أبو جعفر عليه السلام : فهل تجدون هذا في كتاب الله ؟ قالوا: لا .

قال: ثم أنزل الله عزّ وجلّ فريضة الحج فقال تعالى: وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، ليس فيه كيف يطوفون ولاكيف يسعون، فأتاه جبرائيل فقال: يا محمد عَلِّم الناس من حجهم ما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم .

فجمع رسول الله صلى الله عليه وآله الناس فقال: أيها الناس ، إن الله عزّ وجلّ قد فرض عليكم الحج ، وأوقفهم على مناسك الحج ومعالمه شيئاً شيئاً .

ثم قال أبو جعفر عليه السلام فهل تجدون ذلك مفسراً في كتاب الله ؟قالوا: لا .

قال: ثم أنزل الله عزّ وجلّ فرض الصيام ، وإنما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصوم يوم عاشورا ، فأتاه جبرائيل فقال: يا محمد علم الناس من صومهم ما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم وحجهم . فجمع رسول الله صلى الله عليه وآله الناس فقال: أيها الناس إن الله عزّ وجلّ قد فرض عليكم صيام شهر رمضان ، ثم علمهم ما يجتنبون في صومهم وما يأتون وما يذرون .

ثم قال أبو جعفر عليه السلام : فهل تجدون هذا في كتاب الله تعالى ؟ قالوا: لا .

قال: ثم أنزل الله عزّ وجلّ فريضة الجهاد ، فلم يعلموا كيف يجاهدون ، فأتاه جبرائيل عليه السلام فقال: يا محمد علم الناس من جهادهم ما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم . فجمع رسول الله صلى الله عليه وآله الناس فقال: أيها الناس إن الله عزّ وجلّ قد فرض عليكم الجهاد في سبيله بأموالكم وأنفسكم، وبين لهم حدوده ، وأوضح لهم شروطه .

ثم أنزل الله عزّ وجلّ الولاية فقال: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . فقال المسلمون: هذا لنا ، بعضنا أولياء بعض، فجاء جبرائيل عليه السلام فقال: يا محمد علم الناس عن ولايتهم ما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم وجهادهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا جبرائيل ، إن أمتي حديثة عهد بجاهلية ، وأخاف عليهم أن يرتدوا ، فأنزل الله عزّ وجلّ : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ.

فلم يجد رسول الله صلى الله عليه وآله بُداً من أن خرج إلى الناس، فقال: أيها الناس إن الله عزّ وجلّ بعثني برسالته فضقت بها ذرعاً وخفت أن الناس يكذبوني ، فتواعدني إن لم أبلغها ليعذبني ! ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ثم قال: أيها الناس ألستم تعلمون أن الله مولاي وأني مولى المؤمنين ووليهم ، وأني أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار .

قال أبو جعفر صلوات الله عليه: فوجبت ولاية علي على كل مسلم ).

والسؤال هنا: لماذا روى الحسن البصري الفقرة الأولى من الحديث: إن الله أرسلني برسالة ، فضقت بها ذرعاً ، فتواعدني إن لم أبلغها أن يعذبني! ورفض أن يكمل الحديث؟ والجواب لابد أنه انتبه الى أن الحديث يثبت ولاية علي عليه السلام بأمر الله تعالى فيجب على الصحابة والمسلمين طاعته ، فخاف وأخفى بقية الحديث عمداً !

ولذا قال الإمام الباقر عليه السلام : ما لحسنٍ قاتل الله حسناً ! أي ماله يجحد ويكتم الشهادة ، ويكتم حديث رسول الله صلى الله عليه وآله ؟!

ناقض الحسن البصري نفسه

ففي الكافي (1/51):(عن عبد الله بن سليمان قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول وعنده رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعمى وهو يقول: إن الحسن البصري يزعم أن الذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم أهل النار! فقال أبو جعفر عليه السلام : فهلك إذن مؤمن آل فرعون! ما زال العلم مكتوماً منذ بعث الله نوحاً عليه السلام ! فليذهب الحسن يميناً وشمالاً فوالله ما يوجد العلم إلاهاهنا )!

أقول: بذلك يكون الحسن البصري شهد على نفسه بأنه كتم العلم فروى فقرة من حديث النبي صلى الله عليه وآله ثم قطع الحديث ، فسألوه عن تمامه فجعل يروغ !

وكان يخطئ في الفتوى فيرد عليه الأئمة عليهم السلام

في الكافي (5/421): (عن قتادة ، عن الحسن البصري أن رسول الله صلى الله عليه وآله تزوج امرأة من بني عامر بن صعصعة يقال لها: سنى وكانت من أجمل أهل زمانها ، فلما نظرت إليها عائشة وحفصة قالتا: لتغلبنا هذه على رسول الله صلى الله عليه وآله بجمالها ، فقالتا لها: لايرى منك رسول الله صلى الله عليه وآله حرصاً ! فلما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله تناولها بيده فقالت: أعوذ بالله فانقبضت يد رسول الله صلى الله عليه وآله عنها فطلقها وألحقها بأهلها !

وتزوج رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة من كندة بنت أبي الجون، فلما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله ابن مارية القبطية قالت: لو كان نبياً ما مات ابنه !

فألحقها رسول الله صلى الله عليه وآله بأهلها قبل أن يدخل بها، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله ووليَ الناس أبو بكر أتته العامرية والكندية وقد خطبتا ، فاجتمع أبو بكر وعمر فقالا لهما: اختارا إن شئتما الحجاب وإن شئتما الباه ، فاختارتا الباه فتزوجتا فجذم أحد الرجلين وجن الآخر! قال عمر بن أذينة: فحدثت بهذا الحديث زرارة والفضيل فرويا عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: ما نهى الله عزّ وجلّ عن شئ إلا وقد عصيَ فيه ، حتى لقد نكحوا أزواج النبي صلى الله عليه وآله من بعده وذكر هاتين العامرية والكندية !

ثم قال أبو جعفر عليه السلام :لوسألتهم عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها أتحل لابنه؟ لقالوا: لا. فرسول الله صلى الله عليه وآله أعظم حرمة من آبائهم.

وفي رواية: وإن أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله في الحرمة مثل أمهاتهم).

وفي من لايحضره الفقيه(٣/١٥٨): (عن سديرالصيرفي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام : حديث بلغني عن الحسن البصري فإن كان حقاً فإنا لله وإنا إليه راجعون ، قال: وما هو؟ قلت: بلغني أن الحسن كان يقول: لو غَلَى دماغه من حر الشمس ما استظل بحائط صيرفي، ولو تفرثت كبده عطشاً لم يستسق من دار صيرفي ماء ، وهو عملي وتجارتي ، وعليه نبت لحمي ودمي ومنه حجتي وعمرتي!

قال: فجلس عليه السلام ثم قال: كذب الحسن، خذ سواء وأعط سواء ، فإذا حضرت الصلاة فدع ما بيدك وانهض إلى الصلاة ).

وقال الحسن البصري: (بئس الشئ الولد إن عاش كدَّني ، وإن مات مَدَّني ! فبلغ ذلك زين العابدين عليه السلام فقال: كذب والله . نعم الشئ الولد ، إن عاش فدعاء حاضر ، وإن مات فشفيع سابق ) . ( الدعوات للراوندي/285 ) .

الفصل العاشر

قتادة وابن عتيبة وعكرمة ونافع

قتادة بن دعامة السدوسي

نأخذ ترجمة قتادة من كتاب التفسير والمفسرون للذهبي المصري(1/125) والمؤلف نموذج للمبهورين بقتادة وأمثاله من علماء السلطة ، حتى كأنه يقول بعصمتهم ! قال عن قتادة: قتادة بن دعامة السدوسي الأكمه ، عربي الأصل. كان يسكن البصرة . روى عن أنس ، وأبي الطفيل ، وابن سيرين ، وعكرمة ، وعطاء بن أبي رباح. وغيرهم . وكان قوي الحافظة واسع الإطلاع في الشعر العربي ، بصيراً بأيام العرب عليماً بأنسابهم ، متضلعاً في اللغة العربية ، ومن هنا جاءت شهرته .

ولقد يشهد لقوة حفظه ما رواه سلام بن مسكين قال: حدثني عمرو بن عبد الله قال: قدم قتادة على سعيد بن المسيب فجعل يسأله أياماً وأكثر ، فقال له سعيد: أكل ما سألتني تحفظه؟ قال نعم، سألتك عن كذا فقلت فيه كذا ، وسألتك عن كذا فقلت فيه كذا . وقال فيه الحسن كذا حتى رد عليه حديثاً كثيراً قال فقال سعيد: ما كنت أظن أن الله خلق مثلك . وقد شهد له ابن سيرين بقوة الحافظة أيضاً فقال قتادة: هو أحفظ الناس وكان قتادة على مبلغ عظيم من العلم فوق ما اشتهر به من معرفته لتفسير كتاب الله . حتى قدمه بعضهم على كثير من أقرانه ، وجعل بعضهم من النادر تقدم غيره عليه . وقال فيه سعيد بن المسيب: ما أتاني عراقي أحسن من قتادة . وقال معمر للزهري: قتادة أعلم عندك أم مكحول ؟ قال: بل قتادة . وقال أبو حاتم: سمعت أحمد بن حنبل وذكر قتادة ، فأطنب في ذكره ، فجعل ينشر من علمه وفقهه ومعرفته بالإختلاف والتفسير ، ووصفه بالحفظ والفقه ، وقال: قلما تجد من تقدمه ، أما المثل فلعل .

وقال معمر: سألت أبا عمرو بن العلاء عن قوله تعالى: وَمَا كُنَّا له مُقْرِنِين ، فلم يجبني فقلت: سمعت قتادة يقول: مطيقين ، فسكت ، فقلت له: ما تقول يا أبا عمرو؟ فقال: حسبك قتادة ، ولولا كلامه في القدر وقد قال رسول الله (ص): إذا ذكر القدر فأمسكوا ما عدلت به أحداً من أهل دهره ! وهذا يدل على أن أبا عمرو كان يثق بعلم قتادة وبتفسيره للقرآن ، لولا ما ينسب إليه من الخوض في القضاء والقدر . وكثيراً ما تحرج بعض الرواة من الرواية عنه لذلك ، ونجد أصحاب الصحاح يخرجون له ويحتجون بروايته ، ويكفينا هذا في تعديله وتوثيقه .

قال أبو حاتم: أثبت أصحاب أنس: الزهري ، ثم قتادة ، وقال ابن سعد: كان ثقة مأموناً حجة في الحديث وكان يقول بشئ من القدر. وقال ابن حبان في الثقات: كان من علماء الناس بالقرآن والفقه ، ومن حفاظ أهل زمانه .

وكانت وفاته سنة سبع عشرة ومائة ، وعمره إذ ذاك ست وخمسون سنة .

ثم قال: فهؤلاء هم مشاهير المفسرين من التابعين ، وغالب أقوالهم في التفسير تلقوها عن الصحابة ، وبعض منها رجعوا فيه إلى أهل الكتاب ، وما وراء ذلك فمحض اجتهاد لهم ، ولا شك أنهم كانوا على مبلغ عظيم من العلم ودقة الفهم ، لقرب عهدهم من عهد النبوة ، واتصال ما بين العهدين بعهد الصحابة . وحمل علماء كل جيل علم من سبقهم وزادوا عليه ، سنة الله في تدرج العلوم ، تبدأ ضيقة الدائرة ، محدودة المسائل ، ثم لا تلبث أن تتسع وتتضخم إلى أن تبلغ النهاية وتصل إلى الكمال ).

أقول: تشعر بإعجاب هذاالعالم الأزهري بقتادة وأمثاله الى حد التقديس! مع أنه قال عن مصادر علمه: وغالب أقوالهم في التفسير تلقوها عن الصحابة وبعض منها رجعوا فيه إلى أهل الكتاب ، وما وراء ذلك فمحض اجتهاد لهم .

لكن ما رووه عن الصحابة بسند صحيح الى رسول الله صلى الله عليه وآله لايصل الى خمسة بالمئة . وما أخذوه من أهل الكتاب يبلغ ثلاثين بالمئة . والباقي يعني غالبية تفسيرهم برأيهم ومن عندهم .

قتادة ومجاهد نموذجاً

اعتمد البخاري في صحيحه على مجاهد بن جبر تلميذ ابن عباس ونقل عنه كثيراً ، وقد راجعت جميع ما نقله عنه من أول كتابه الى آخره .

كما راجعتُ ما نقله الطبري في مجلدين من تفسيره عن قتادة ، فوجدت أن تسعين بالمئة من أقوال قتادة ومجاهد أقوالٌ بالرأي خاصة قتادة ، وأن معرفتهما باللغة العربية ضعيفة ! وأنهما ينقلان عن أهل الكتاب ، فعرفت أن سبب مديح علماء السلطة لهما أن علماء السلطة عوام حفاة من العلم ! وأن سبب إكثار البخاري عن مجاهد في تفسير الآيات أن البخاري لايعرف العربية ، ويتصور أن مجاهد نابغة في العربية! ومجاهد ليس خبيراً بالعربية بل التقط من ابن عباس الصحيح والغلط .

وكذلك عرفت السبب في إعجاب أحمد بن حنبل بقتادة ، لأن أحمد لم يكن يجيد العربية ، وكان يسكن في حي الفرس ببغداد ويتكلم بالفارسية ، ولذلك تجده يقول: (قتادة عالم بالتفسير وباختلاف العلماء . وقال الذهبي: ومع حفظ قتادة وعمله بالحديث كان رأساً في العربية واللغة وأيام العرب )!

وقال أبو عبيدة: (ماكنا نفقد في كل أيام راكباً من ناحية بني أمية ينيخ على باب قتادة يسأله عن خبر أو نسب أو شعر ، وكان قتادة أجمع الناس.

وقد كان الرجلان من بني أمية يختلفان في البيت من الشعر ، فيبردان بريداً الى قتادة ، فيسألانه عن ذلك ) . (الناسخ والمنسوخ لقتادة/19).

ويحتاج نقد ما رواه البخاري عن مجاهد في اللغة الى عشرات الصفحات !

من ذلك قول البخاري (4/ 74):(باب صفة الشمس والقمر بحسبان . قال مجاهد كحسبان الرحى) . أي محور الرحى وقطبها الذي تدور عليه .

والصحيح: أن القمر يدور لكن الشمس لا تدور دوْر الرحى ، بل تجري في خط مستقيم الى مستقرها . وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ .

ومن ذلك قول مجاهد في تفسيره/395: (في قوله: لا يُحِبُّ الله الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ . قال: هو الرجل يستضيف الرجل فلا يضيفه ، فقد أذن له أن يذكر منه ما صنع به أي: لم يُقْرِني ولم يضيفني ).

وهذا مخالف للشرع، لأن الضيافة مستحبة وليست واجبة ليكون تركها ظلماً ! بل فرضها ظلم!

ومن ذلك قول البخاري (1/160): في تفسير: وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ: قال مجاهد خطاهم آثارهم أن يمشي في الأرض بأرجلهم . لكن الآثار أعم من المشي .

وقول البخاري (4/139): (وقال مجاهد: الكهل الحليم ، والأ كمه من يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل ). بل الكهل درجة في السن. والأكمه: الأعمى .

وقول البخاري (4/97):(وقال مجاهد مهطعين: مديمي النظر. وقد ذكرت كتب اللغة كالعين والصحاح أن هطع بمعنى مد عنقه خاضعاً ، ونظر في مكان واحد . لكن مجاهد أخذ من المعنى جزءً هو إدامة النظر، وترك أجزاء أساسية !

وقول البخاري (4/147): (وقال مجاهد تقرضهم تتركهم. والآية: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ. وتقرضهم من قرض كمن يقرض بالمقراض ، فالشمس عند طلوعها لا تشرق عليهم بل تزورُّ وتميل عن كهفهم ، وعند الغروب تقرضهم أي تشرق على جزء منهم كأنما تقرضهم بالمقراض ! فأين هذا من تفسير مجاهد بأنها تتركهم !

وقول البخاري (6/16): (وقال مجاهد تعبثون تبنون ، هضيم يتفتت إذا مس).

والآية: وَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ . وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ... وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ . فعبثهم بآيات البناء بدون موجب . والهضيم صفة لطلع النخل أي التمر وهي اسم فاعل بمعنى المفعول . أي سهل الهضم ،لا أنه يتفتت بالمس كما قال!

أما قتادة فهو أضعف من مجاهد في اللغة:

فلم يستشهد بأي حديث عن النبي صلى الله عليه وآله ولا أثر من صحابي كما زعموا له ! بل يتكلم برأيه ويقع في أخطاء ذريعة !

من ذلك: قال في قوله تعالى:بَلْ لَعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ:لايؤمن منهم إلا قليل. لكن قليلاً هنا صفة لمفعول مطلق محذوف ، أي لا يؤمنون إلا إيماناً قليلاً ، ولو كان كما قال لكان مرفوعاً لأنه فاعل ، لا منصوباً . (تفسير الطبري:1/324).

وعن قتادة في قوله: قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ . قال: لاينال عهد الله في الآخرة الظالمون ، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم وأكل به وعاش). (تفسير الطبري:1/419).

فقد تصور قتادة أن الظالم ينال والعهد مفعول ، بينما العهد ينال والظالم مفعول .

وقال قتادة: (والمحكمات:الناسخ الذي يعمل به ما أحل الله فيه حلاله وحرم فيه حرامه. وأما المتشابهات فالمنسوخ الذي لايعمل به ). (الطبري:3/115).

بينما المحكم ما لايحتمل إلا معنى واحداً مثل: قل هو الله أحد. والمتشابه ما احتمل أكثر من معنى مثل: يَدُ الله فَوق أيديهم ، فهو يحتمل اليد الجارحة والقدرة .

وقال قتادة: (والحكمة: أي السنة). (تفسير الطبري:1/436). والصحيح أن السنة فيها حكمة ، لكنها أعم من الحكمة .

وفسر قتادة قوله تعالى: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ . يقول: يكلمهم صغيراً وكبيراً . (تفسير الطبري:3/188). والصحيح أنه يكلمهم في مهده لما ولد: وكهلاً عندما ينزل من السماء ، وقد روي أنه يبقى كهلاً لا يهرم .

وفسرقتادة قوله تعالى: رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا: لا تحمل علينا عهداً وميثاقاً ، كما حملته على الذين من قبلنا) . (تفسير الطبري:3/104). والصحيح أن الإصر ثقل العهد والميثاق: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ ..

أقول: كان قتادة يعرف ضعفه علمياً ، ولذا قال: ما أرى أحداً يجرى مع الكلبي في التفسير في عنان ). (تفسير الطبري:1/31). وسترى دليل ذلك في تعامله مع الإمام الباقر عليه السلام .

لكن الذهبي الناصبي يفضل قتادة على الإمام الباقر عليه السلام لأن قلب الذهبي مملوء ببغض أهل البيت عليهم السلام فكيف يعترف بأن الباقر بشر به جده صلى الله عليه وآله بأنه سيبقر علم النبوة !

قال الذهبي في سيره (4/401):(كان أبو جعفر إماماً مجتهداً ، تالياً لكتاب الله ، كبير الشأن ، ولكن لا يبلغ في القرآن درجة ابن كثير ونحوه ، ولا في الفقه درجه أبي الزناد وربيعة ، ولا في الحفظ ومعرفة السنن درجة قتادة وابن شهاب ، فلانحابيه ولا نحيف عليه ونحبه في الله لما تجمع فيه من صفات).

الإمام الباقر عليه السلام مع قتادة بن دعامة

في الكافي(6/256 ) بسند صحيح، عن أبي حمزة الثمالي قال: (كنت جالساً في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله إذا أقبل رجل فسلم فقال: من أنت يا عبد الله ؟ قلت: رجل من أهل الكوفة، فقلت: ما حاجتك فقال لي: أتعرف أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام ؟ فقلت: نعم فما حاجتك إليه؟ قال: هيأت له أربعين مسألة أسأله عنها فما كان من حق أخذته وما كان من باطل تركته !

قال أبو حمزة: فقلت له: هل تعرف ما بين الحق والباطل؟ قال: نعم ، فقلت له: فما حاجتك إليه إذا كنت تعرف ما بين الحق والباطل! فقال لي: يا أهل الكوفة أنتم قوم ما تطاقون ! إذا رأيت أبا جعفر عليه السلام فأخبرني، فما انقطع كلامي معه حتى أقبل أبو جعفر عليه السلام وحوله أهل خراسان و غيرهم ، يسألونه عن مناسك الحج ، فمضى حتى جلس مجلسه وجلس الرجل قريباً منه . قال أبو حمزة: فجلست حيث أسمع الكلام وحوله عالم من الناس ، فلما قضى حوائجهم وانصرفوا التفت إلى الرجل فقال له: من أنت ؟ قال: أنا قتادة بن دعامة البصري.فقال له أبو جعفر عليه السلام : أنت فقيه أهل البصرة ؟ قال: نعم ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : ويحك يا قتادة إن الله جل وعز خلق خلقاً من خلقه فجعلهم حججاً على خلقه فهم أوتاد في أرضه ، قُوَّامٌ بأمره ، نجباءُ في علمه ، اصطفاهم قبل خلقه أظلة عن يمين عرشه . قال: فسكت قتادة طويلاً ثم قال: أصلحك الله والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك ! قال له أبو جعفر عليه السلام : ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ . رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ . فأنت ثَمَّ ونحن أولئك ، فقال له قتادة: صدقت والله جعلني الله فداك . والله ما هي بيوت حجارة ولا طين !

قال قتادة: فأخبرني عن الجٍبْن قال: فتبسم أبو جعفر عليه السلام ثم قال: رجعت مسائلُك إلى هذا ؟ قال: ضلَّت عليَّ ، فقال: لا بأس به ، فقال: إنه ربما جعلت فيه إنفحة الميت ، قال: ليس بها بأس إن الإنفحة ليس لها عروق ولا فيها دم ولا لها عظم ، إنما تخرج من بين فرث ودم ، ثم قال: وإنما الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة أخرجت منها بيضة ، فهل تؤكل تلك البيضة ، فقال قتادة: لا ، ولا آمر بأكلها ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : ولمَ ؟ فقال: لأنها من الميتة ، قال له فإن حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أتأكلها؟ قال: نعم. قال: فما حرم عليك البيضة وحلل لك الدجاجة؟ ثم قال عليه السلام : فكذلك الإنفحة مثل البيضة فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلين ولا تسأل عنه ، إلا أن يأتيك من يخبرك عنه ) .

وفي الكافي(8/311) بسند صحيح: (عن زيد الشحام قال: دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر عليه السلام فقال: يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة ؟ قال: هكذا يزعمون ، فقال أبو جعفر عليه السلام :بلغني أنك تفسر القرآن ؟ فقال له قتادة: نعم ، فقال له أبو جعفر عليه السلام بعلم تفسره أم بجهل؟ قال:لا بعلم، فقال له أبو جعفر عليه السلام : فإن كنت تفسره بعلم فأنت أنت ! وأنا أسألك؟ قال قتادة: سل قال: أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ في سبأ:وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّامًا آمِنِينَ؟ فقال قتادة: ذلك من خرج من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت كان آمنا حتى يرجع إلى أهله .

فقال أبو جعفر عليه السلام : نشدتك الله يا قتادة هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق فتذهب نفقته ، ويضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه ؟!

قال قتادة: اللهم نعم ، فقال أبو جعفر عليه السلام : ويحك يا قتادة إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت قد أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ، ويحك يا قتادة ! ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم هذا البيت عارفاً بحقنا يهوانا قلبه كما قال الله عزّ وجلّ : فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ ، ولم يَعْنِ البيت فيقول: إليه، فنحن والله دعوة إبراهيم عليه السلام التي من هوانا قلبه قبلت حجته وإلا فلا ، يا قتادة فإذا كان كذلك كان آمناً من عذاب جهنم يوم القيامة ، قال قتادة: لا جرم والله لا فسرتها إلا هكذا ، فقال أبو جعفر عليه السلام : ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به ).

وفي تفسير الفخر الرازي (8/156): (قال سعيد بن جبير: سميت مكة بكة لأنهم يتباكُّون فيها أي يزدحمون في الطواف، وهو قول الباقر ومجاهد وقتادة قال بعضهم: رأيت محمد بن علي الباقر يصلي فمرت امرأة بين يديه فذهبت أدفعها فقال: دعها فإنها سميت بكة لأنه يبك بعضهم بعضاً، تمر المرأة بين يدي الرجل وهويصلي ، والرجل بين يدي المرأة وهي تصلي ، لابأس بذلك في هذا المكان) .

الحكم بن عتيبة فقيه الخلافة في العراق

1- قال الذهبي في سيره(5/208): (الحكم بن عتيبة: الإمام الكبير عالم أهل الكوفة ، أبو محمد الكندي ، مولاهم الكوفي . قال أحمد بن حنبل: هو من أقران إبراهيم النخعي ولدا في عام واحد . قال الأوزاعي: حججت فلقيت عبدة ابن أبي لبابة ، فقال لي: هل لقيت الحكم ، قلت: لا ، قال: فالقه ، فما بين لابتيها أفقه منه ، وكان صاحب سنة واتباع . سمعت شعبة يقول:كان الحكم يفضل علياً على أبي بكر وعمر ، قلت: الشاذكوني ليس بمعتمد وما أظن أن الحكم يقع منه هذا . قال: كان الحكم إذا قدم المدينة ، فرغت له سارية النبي(ص) يصلي إليها).

2- وقال السيد الخوئي في معجمه(7 /182و:9/16):(من أصحاب السجاد عليه السلام - رجال الشيخ. وعده في أصحاب الباقر عليه السلام قائلاً: الحكم بن عتيبة أبو محمد الكوفي الكندي مولى الشموس بن عمرو الكندي. وأصحاب الصادق عليه السلام قائلاً: الحكم بن عتيبة أبو محمد الكوفي الكندي: مولى زيدي بتري .

روى الكشي في ذمه روايات كثيرة منها: عن أبي مريم الأنصاري قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام : قل لسلمة بن كهيل ، والحكم بن عتيبة ، شَرِّقا أو غرِّبا لن تجدا علماً صحيحاً إلا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت .

عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن شهادة ولد الزنا أتجوز؟ قال: لا. فقلت: إن الحكم بن عتيبة يزعم أنها تجوز ! فقال: اللهم لا تغفر ذنبه ، قال الله للحكم: إنه لذكر لك ولقومك؟ فليذهب الحكم يميناً وشمالاً ، فوالله لا يوجد العلم ، إلا في أهل بيت نزل عليهم جبرئيل عليه السلام .

عن أبي بصير ، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن الحكم بن عتيبة وسلمة وكثير النوا ، وأبا المقدام ، والتمار ، يعني سالماً أضلوا كثيراً ممن ضل من هؤلاء ، وإنهم ممن قال الله عزّ وجلّ : وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ .

ثم قال السيد الخوئي: لا شبهة في ذم الرجل وانحرافه عن أبي جعفر عليه السلام لكنه مع ذلك حكم الشيخ النوري بوثاقته في النقل لرواية الأجلة عنه. ولكنك قد عرفت فيما تقدم أنه لا دلالة في ذلك ، فالرجل لا يعتد بروايته .

وقال الكشي: البترية هم أصحاب كثير النوا ، والحسن بن صالح بن حي ، وسالم بن أبي حفصة ، والحكم بن عتيبة ، وسلمة بن كهيل ، وأبو المقدام ثابت الحداد ، وهم الذين دعوا إلى ولاية علي عليه السلام ثم خلطوها بولاية أبي بكر وعمر، ويثبتون لهما إمامتهما ويبغضون عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعائشة ، ويرون الخروج مع بطون ولد علي بن أبي طالب يذهبون في ذلك إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويثبتون لكل من خرج من ولد علي بن أبي طالب عليه السلام عند خروجه الإمامة ) .

3- قال السيد شرف الدين في المراجعات/121: (احتج به البخاري ومسلم روى عنه في الصحيحين: منصور ، ومسعر ، وشعبة . وروى عنه في صحيح البخاري خاصة: عبد الملك بن أبي غنية ، وروى عنه في صحيح مسلم خاصة: كل من الأعمش ، وعمرو بن قيس ، وزيد بن أبي أنيسة ، ومالك بن مغول ، وأبان بن تغلب ، وحمزة الزيات ، ومحمد بن جحادة ، ومطرف ).

4- في الإرشاد (2/160): (عن عبد الله بن عطاء قال: ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي ابن الحسين عليهم السلام ولقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه ) .

وفي الكافي(6/256 ) من حديث: (فسكت قتادة طويلاً ثم قال: أصلحك الله والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك قال له أبو جعفر عليه السلام : ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ . رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ . فأنت ثم ونحن أولئك! فقال له قتادة: صدقت والله جعلني الله فداك، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين )!

5- في الكافي (7/24): (عن الحكم بن عتيبة قال:كنا على باب أبي جعفر عليه السلام ونحن جماعة ننتظر أن يخرج إذ جاءت امرأة فقالت: أيكم أبو جعفر فقال لها القوم: ما تريدين منه ؟ قالت: أريد أن أسأله عن مسألة فقالوا لها: هذا فقيه أهل العراق فسليه ، فقالت: إن زوجي مات وترك ألف درهم وكان لي عليه من صداقي خمس مائة درهم فأخذت صداقي وأخذت ميراثي ثم جاء رجل فادعى عليه ألف درهم فشهدتُ له . قال الحكم: فبينا أنا أحسب إذ خرج أبو جعفر عليه السلام فقال: ما هذا الذي أراك تحرك به أصابعك يا حكم؟ فقلت: إن هذه المرأة ذكرت أن زوجها مات وترك ألف درهم وكان لها عليه من صداقها خمس مائة درهم فأخذت صداقها وأخذت ميراثها ثم جاء رجل فادعى عليه ألف درهم فشهدت له ، فقال الحكم: فوالله ما أتممت الكلام حتى قال: أقرت بثلث ما في يديها ولا ميراث لها ، قال الحكم: فما رأيت والله أفهم من أبي جعفر عليه السلام قط) .

وفي رواية الكافي(7/167): (قال الفضل بن شاذان: وتفسير ذلك أن الذي على الزوج صار ألفاً وخمس مائة درهم للرجل ألف ولها خمس مائة درهم هو ثلث الدين وإنما جاز إقرارها في حصتها فلها مما ترك الميت الثلث وللرجل الثلثان فصار لها مما في يديها الثلث ويرد الثلثان على الرجل . والدين استغرق المال كله فلم يبق شئ يكون لها من ذلك الميراث ولايجوز إقرارها على غيرها).

6- في الكافي(1/270): (عن عبيد بن زرارة قال: أرسل أبو جعفر عليه السلام إلى زرارة أن يُعلم الحكم بن عتيبة أن أوصياء محمد عليهم السلام محدثون ).

7- في الكافي (1/399): (محمد بن مسلم:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:ليس عند أحد من الناس حق ولا صواب، ولا أحد من الناس يقضي بقضاء حق إلا ما خرج منا أهل البيت. وإذا تشعبت بهم الأمور كان الخطأ منهم والصواب من علي عليه السلام .

عن أبي مريم قال: قال أبو جعفر عليه السلام لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة: شرِّقا وغرِّبا فلا تجدان علماً صحيحاً إلا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت .

عن زرارة قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام فقال: له رجل من أهل الكوفة يسأله عن قول أمير المؤمنين عليه السلام : سلوني عما شئتم فلا تسألوني عن شئ إلا أنبأتكم به ! قال: إنه ليس أحد عنده علم شئ إلا خرج من عند أمير المؤمنين عليه السلام ، فليذهب الناس حيث شاؤوا ، فوالله ليس الأمر إلا من هاهنا ، وأشار بيده إلى بيته ).

8- عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن شهادة ولد الزنا تجوز؟ فقال: لا فقلت إن الحكم بن عتيبة يزعم أنها تجوز. فقال: اللهم لاتغفر ذنبه! ما قال الله للحكم: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ . فليذهب الحكم يميناً وشمالاً فوالله لا يؤخذ العلم إلا من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل عليه السلام .

9- في الكافي (5/478): (عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده فقال: ذاك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما ، قلت:أصلحك الله إن الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون: إن أصل النكاح فاسد ولا تحل إجازة السيد له ، فقال أبو جعفر عليه السلام : إنه لم يعص الله إنما عصى سيده ، فإذا أجازه فهو له جائز).

10- وفي الكافي (7/329):(عن الحكم بن عتيبة قلت لأبي جعفر عليه السلام : أصلحك الله إن بعض الناس في فيه اثنان وثلاثون سناً وبعضهم لهم ثمانية وعشرون سناً فعلى كم تقسم دية الأسنان فقال: الخلقة إنما هي ثمانية وعشرون سناً اثنتا عشر في مقاديم الفم وستة عشر سناً في مؤاخيره فعلى هذا قسمت دية الأسنان . فدية كل سن من المقاديم إذا كسرت حتى يذهب خمس مائة درهم فديتها كلها ستة آلاف درهم وفي كل سن من المؤاخير إذا كسرت حتى يذهب فإن ديتها مائتان وخمسون درهماً وهي ستة عشرسناً فديتها كلها أربعة آلاف درهم،فجميع دية المقاديم والمؤاخير من الأسنان عشرة آلاف درهم، وإنما وضعت الدية على هذا،فما زاد على ثمانية وعشرين سناً فلا دية له ومانقص فلادية له . هكذا وجدناه في كتاب علي عليه السلام .

قال الحكم فقلت: إن الديات إنما كانت تؤخذ قبل اليوم من الإبل والبقر والغنم ، فقال: إنما كان ذلك في البوادي قبل الاسلام فلما ظهر الإسلام وكثرت الورق في الناس قسمها أمير المؤمنين عليه السلام على الورق .

قال الحكم: فقلت له أرأيت من كان اليوم من أهل البوادي ما الذي يؤخذ منهم في الدية اليوم إبل أو ورق ؟ قال فقال: الإبل اليوم مثل الورق بل هي أفضل من الورق في الدية ، انهم كانوا يأخذون منهم في الدية الخطأ مائة من الإبل يحسب بكل بعير مائة درهم فذلك عشرة آلاف درهم قلت له: فما أسنان المائة بعير قال: فقال: ما حال عليه الحول ذكران كلها .

عن الحكم بن عتيبة قال:سألت أبا جعفر عليه السلام عن أصابع اليدين وأصابع الرجلين أرأيت ما زاد فيها على عشر أصابع أو نقص من عشرة فيها دية؟ فقال لي: يا حكم الخلقة التي قسمت عليها الدية عشرة أصابع في اليدين فما زاد أو نقص فلا دية له. وعشرة أصابع في الرجلين فما زاد أو نقص فلا دية له وفي كل أصبع من أصابع اليدين ألف درهم،وفي كل أصبع من أصابع الرجلين ألف درهم،وكل ماكان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح).

11- في تهذيب الأحكام (6/273): (عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: دخل الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل على أبي جعفر عليه السلام فسألاه عن شاهد ويمين فقال: قضى به رسول الله صلى الله عليه وآله وقضى به علي عليه السلام عندكم بالكوفة فقالا: هذا خلاف القرآن فقال: وأين وجدتموه خلاف القرآن ؟ فقالا: إن الله تبارك وتعالى يقول: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ . فقال لهما أبو جعفر عليه السلام فقوله: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ . هوأن لا تقبلوا شهادة واحد ويميناً؟! ثم قال: إن علياً عليه السلام كان قاعداً في مسجد الكوفة فمر به عبد الله بن قفل التميمي ومعه درع طلحة فقال علي عليه السلام : هذه درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة فقال له عبد الله بن قفل: فاجعل بيني وبينك قاضيك الذي رضيته للمسلمين ، فجعل بينه وبينه شريحا فقال علي عليه السلام : هذه درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة فقال له شريح هات على ما تقول بينة ، فأتاه بالحسن عليه السلام فشهد أنها درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة فقال شريح: هذا شاهد واحد فلا أقضي بشهادة شاهد حتى يكون معه آخر فدعى قنبراً فشهد أنها درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة ، فقال شريح هذا مملوك ولا أقضي بشهادة مملوك ، قال: فغضب علي عليه السلام فقال: خذوها فإن هذا قضى بجور ثلاث مرات قال: فتحول شريح ثم قال:لا أقضي بين اثنين حتى تخبرني من أين قضيت بجور ثلاث مرات ؟ فقال له: ويلك أو ويحك إني لما أخبرتك أنها درع طلحة اخذت غلولاً يوم البصرة فقلت: هات على ما تقول بينة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : حيثما وجد غلول أخذ بغير بينة! فقلت: رجل لم يسمع الحديث فهذه واحدة .

ثم أتيتك بالحسن فشهد فقلت: هذا واحد ولا أقضي بشهادة واحد حتى يكون معه آخر ، وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وآله بشهادة واحد ويمين فهذه ثنتان !

ثم أتيتك بقنبر فشهد أنها درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة فقلت: هذا مملوك ولا أقضي بشهادة مملوك ، وما بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً. ثم قال: ويحك إمام المسلمين يؤمن من أمورهم على ما هو أعظم من هذا ) .

12- في الكافي (8/76): (عن الحكم بن عتيبة قال: بينما أنا مع أبي جعفر عليه السلام والبيت غاص بأهله إذ أقبل شيخ يتوكأ على عنزة له حتى وقف على باب البيت فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ثم سكت. فقال أبو جعفر عليه السلام : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال: السلام عليكم ، ثم سكت . حتى أجابه القوم جميعاً وردوا عليه السلام .ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر عليه السلام ثم قال: يا ابن رسول الله أدنني منك جعلني الله فداك فوالله إني لأحبكم وأحب من يحبكم ووالله ما أحبكم وأحب من يحبكم لطمع في دنيا . والله إني لأبغض عدوكم وأبرأ منه ووالله ما أبغضه وأبرأ منه لوتر كان بيني وبينه . والله إني لأحل حلالكم وأحرم حرامكم وأنتظر أمركم فهل ترجو لي جعلني الله فداك ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : إلي إلي حتى أقعده إلى جنبه ثم قال: أيها الشيخ إن أبي علي بن الحسين عليهما السلام أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه فقال له أبي: إن تمت ترد على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى علي والحسن و الحسين وعلي بن الحسين ويثلج قلبك ويبرد فؤادك وتقر عينك وتستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين ولو قد بلغت نفسك ههنا وأهوى بيده إلى حلقه . وإن تعش ترى ما يقر الله به عينك وتكون معنا في السنام الأعلى ، فقال الشيخ: كيف قلت: يا أبا جعفر ؟ فأعاد عليه الكلام ، فقال الشيخ: الله أكبر يا أبا جعفر إن أنا مت أرد على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهم السلام وتقر عيني ويثلج قلبي ويبرد فؤادي وأستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسي إلى ههنا وإن أعش أرى ما يقر الله به عيني فأكون معكم في السنام الأعلى ! ثم أقبل الشيخ ينتحب ، ينشج ها ها ها حتى لصق بالأرض وأقبل أهل البيت ينتحبون وينشجون لما يرون من حال الشيخ وأقبل أبو جعفر عليه السلام يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينيه وينفضها ، ثم رفع الشيخ رأسه فقال لأبي جعفر عليه السلام : يا ابن رسول الله ناولني يدك جعلني الله فداك فناوله يده فقبلها ووضعها على عيينة وخده ، ثم حسر عن بطنه وصدره فوضع يده على بطنه وصدره ، ثم قام فقال:السلام عليكم وأقبل أبو جعفر عليه السلام ينظر في قفاه وهو مدبر ثم أقبل بوجهه على القوم فقال: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا . فقال الحكم بن عتيبة: لم أر مأتماً قط يشبه ذلك المجلس).

13- في الكافي(1/400): (عن أبي بصير قال قال لي: إن الحكم بن عتيبة ممن قال الله:وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ.فليشرِّق الحكم وليغرب أما والله لا يصيب العلم إلا من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل ).

14- روى السيد الخوئي في معجمه(17/301): (عن عذافر الصيرفي ، قال: كنت مع الحكم بن عتيبة عند أبي جعفر عليه السلام فجعل يسأله ، وكان أبو جعفر له مكرماً ، فاختلفا في شئ ، فقال أبو جعفر: يا بني قم فأخرج كتاب علي ، فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً ، ففتحه وجعل ينظر حتى أخرج المسألة ، فقال أبو جعفر: هذا خط علي عليه السلام وإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله  ، وأقبل على الحكم وقال: يا أبا محمد إذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم ، يميناً وشمالاً فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل عليه السلام ).

عكرمة البربري مولى ابن عباس

في التفسير والمفسرون للذهبي المصري ملخصاً:أصله من البربر بالمغرب . روى عن مولاه ، وعلي بن أبي طالب ، وأبي هريرة ، وغيرهم .ووصفه العلماء الذين لم يثقوا به بالجرأة على العلم ويقولون: إنه كان يدعى معرفة كل شئ في القرآن ، ويزيدون على ذلك فيتهمونه بالكذب على مولاه ابن عباس ، وبعد هذا كله ، يتهمونه بأنه كان يرى رأى الخوارج ، ويزعم أن مولاه كان كذلك !

وقال البخاري: ليس أحد من أصحابنا إلا وهو يحتج بعكرمة ، وقد وثقه النسائي وأحرج له في كتابه السنن ، كما أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم ، وكان مسلم بن الحجاج من أسوئهم رأياً فيه ، ثم عدله بعد ما جرحه . وقال المروزي: أجمع عامة أهل العلم بالحديث على الإحتجاج بحديث عكرمة ، واتفق على ذلك رؤساء أهل الحديث من أهل عصرنا ، منهم أحمد بن حنبل ، وابن راهويه ، ويحيى بن معين ، وأبو ثور ، ولقد سألت إسحاق بن راهويه عن الإحتجاج بحديثه فقال: عكرمة عندنا إمام الدنيا ، تعجب من سؤالي إياه ؟

الحق أن عكرمة تابعي موثوق بعدالته ودينه ، وكل ما رمي به كذب واختلاق ! كان على مبلغ عظيم من العلم ، وعلى مكانة عالية من التفسير خاصة ، وقد شهد له العلماء بذلك ، فقال ابن حبان: كان من علماء زمانه بالفقه والقرآن ).

جعلوا عكرمة إماماً مع أنهم فضحوه !

جعل علماء المذاهب الأربعة أو علماء الخلافة عكرمة مولى ابن عباس إماماً رغم أن مالكه علي بن عبد الله بن عباس اتهمه بأنه يكذب على أبيه وحبسه في المرحاض.

وقد أحبوا عكرمة لأنه كان يدور في الأسواق ويحلف ويقول من شاء باهلته أن آية التطهير نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وآله خصة ولا تشمل علياً وفاطمة والحسنين عليهم السلام ! (الدر المنثور:5/198).

وأحبوه لأنه صاحب كذبة خوخة أبي بكر ، فقد كان أبو بكر يخاف أن يمر بين المصلين ففتح من جهة المحراب خوخة أي باباً صغيراً يدخل منها فقال عكرمة إن النبي صلى الله عليه وآله قال: سدو الأبواب عن المسجد إلا خوخة أبي بكر ، مع أن خوخته لم تكن موجودة في زمن النبي صلى الله عليه وآله ، بل كان بيته في السنح خارج المدينة !

وقد أطال الذهبي في ترجمة عكرمة ، لكنا نذكر مطاعنهم فيه التي تسقط كل مديحهم له !

قال الذهبي في سيره (5/12): (العلامة ، الحافظ ، المفسرأبو عبد الله القرشي ، مولاهم المدني ، البربري الأصل . حدث عن ابن عباس، وعائشة ، وأبي هريرة ، وابن عمر ، وعبد الله بن عمرو ، وعقبة بن عامر.. قال عبد الحميد بن بهرام: رأيت عكرمة أبيض اللحية عليه عمامة بيضاء ، طرفها بين كتفيه ، قد أدارها تحت لحيته ، وقميصه إلى الكعبين ، وكان رداؤه أبيض ، وقدم على بلال بن مرداس ، وكان على المدائن فأجازه بثلاثة آلاف ، فقبضها منه .

وكان يدور البلدان يتعرض! (أي يستعطي) قال عبد العزيز بن أبي رواد: قلت لعكرمة: تركت الحرمين ، وجئت إلى خراسان ! قال: أسعى على بناتي .

ابن لهيعة عن أبي الأسود: أنا أول من هيج عكرمة على المسير إلى إفريقية ، قلت له: أنا أعرف قوماً لو أتيتهم؟ قال: فلقيني جليس له فقال: هو ذا عكرمة يتجهز إلى إفريقية . وكان قليل العقل خفيفاً ! سألني عن أهل المغرب ، فأخبرته بغفلتهم قال: فخرج إليهم وكان أول ما أحدث فيهم رأي الصفرية !

قال ابن لهيعة: وكان يحدث برأي نجدة الحروري وأتاه ، فأقام عنده ستة أشهر ، ثم أتى ابن عباس فسلم فقال ابن عباس: قد جاء الخبيث .

قال يحيى بن بكير: فالخوارج الذين بالمغرب عنه أخذوا . قال علي بن المديني: كان عكرمة يرى رأي نجدة الحروري .

سمعت يحيى بن معين يقول: إنما لم يذكر مالك عكرمة يعني في الموطأ قال: لأن عكرمة كان ينتحل رأي الصفرية .

وقال إبراهيم الجوزجاني: سألت أحمد بن حنبل عن عكرمة ، أكان يرى رأي الأباضية؟ فقال: يقال إنه كان صفرياً. قلت:أتى البربر؟ قال: نعم ، وأتى خراسان يطوف على الأمراء يأخذ منهم .

عن يحيى البكاء سمعت ابن عمر يقول لنافع: إتق الله ويحك لا تكذب عليَّ كما كذب عكرمة على ابن عباس !

عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول لغلام له: يا برد ، لا تكذب عليَّ كما يكذب عكرمة على ابن عباس .

عن يزيد بن أبي زياد قال: دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة مقيد على باب الحش( المرحاض) قال قلت:مالهذا كذا، قال:إنه يكذب على أبي!

عن عثمان بن مرة قال: إن عكرمة كذاب يحدث غدوة حديثاً يخالفه عشية .

عن عبد الله بن خيثم سألت عكرمة عن قوله: والنَّخْلَ بَاسِقَات؟ قال:بسوقها كبسوق النساء عند ولادتها، فرحت إلى سعيد فقال: كذب ، بسوقها: طولها .

سألت ابن سيرين عن عكرمة فقال: ما يسوؤني أن يكون من أهل الجنة ، ولكنه كذاب . وقال معن وغيره: كان مالك لايرى عكرمة ثقة ، ويأمر أن لا يؤخذ عنه . قال أحمد بن حنبل: عكرمة مضطرب الحديث يختلف عنه ، وما أدري .

وفي صحيح البخاري لقتادة عن عكرمة أربعة أحاديث ..

أقول: مهما وضعوا من مديح عكرمة الى جانب هذه العيوب فإنه لا يجبرها ! ولو صحت عيوبه أو قسم منها لكانت كافيةً لإسقاطه ، فكيف وثقوه وجعلوه إماماً ؟!

كان عكرمة في آخر عمره منقطعاً الى الإمام الباقر عليه السلام !

في الكافي (3/123): (عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كنا عنده وعنده حمران إذ دخل عليه مولى له فقال: جعلت فداك هذا عكرمة في الموت وكان يرى رأي الخوارج وكان منقطعاً إلى أبي جعفر عليه السلام ، فقال لنا أبو جعفر عليه السلام : أنظروني حتى أرجع إليكم فقلنا: نعم ، فما لبث أن رجع فقال: أما إني لو أدركت عكرمة قبل أن تقع النفس موقعها لعلمته كلمات ينتفع بها ، ولكني أدركته وقد وقعت النفس موقعها ! قلت: جعلت فداك وما ذاك الكلام ؟ قال فلقنوا موتاكم عند الموت شهادة أن لا إله إلا الله والولاية ). وفي رواية قبلها: (فقال أبو جعفر عليه السلام : لو أدركت عكرمة عند الموت لنفعته ، فقيل لأبي عبد الله عليه السلام : بماذا كان ينفعه؟ قال: يلقنه ما أنتم عليه).فيظهر أنه كان مبغوضاً من الناس لا يجد من يقبله إلا الإمام عليه السلام !

صلى الباقر عليه السلام على جنازة كثير ولم يصل على جنازة عكرمة !

كان عكرمة يجول في البلاد يستعطي الأمراء ، وفي العقائد كان تابعاً لابن عباس ، ثم مال الى الخوارج ، ثم عاد الى بني أمية فكان مع والي المدينة الأموي .

وبسبب هذا التغيير في عقائده ، وما نسبوا اليه من الشغف بمجالس الغناء ولعب النرد ، أعرض الناس عنه ، حتى أنه لم يحضر أحد جنازته !

ففي نهاية الإرب(8/132): (لما مات كثير عزة لم تتخلف بالمدينة امرأة ولا رجل عن جنازته ، وغلب النساء عليها ، وجعلن يبكينه ويذكرن عزة في ندبهن له فقال أبو جعفر محمد بن علي الباقر: أفرجوا لي عن جنازة كثير لأرفعها ، فجعلنا ندفع النساء عنها ومحمد بن علي يقول: تنحين يا صويحبات يوسف! فانتدبت له امرأة منهن فقالت: يا بن رسول الله لقد صدقت إنا لصويحباته ، ولقد كنا له خيراً منكم له ! فقال أبو جعفر لبعض مواليه: احتفظ بها حتى تجيئني بها إذا انصرفت ، قال: فلما انصرف أتي بها وكأنها شررة النار،؛ فقال لها محمد بن علي: إيه ، أنت القائلة: إنكن ليوسف خير منا؟ قالت: نعم ، تؤمنني غضبك يا بن رسول الله ؟ فقال: أنت آمنة من غضبي فأنبئيني، فقالت: نحن دعوناه إلى اللذات من المطعم والمشرب والتمتع والتنعم ، وأنتم معاشر الرجال ألقيتموه في الجب وبعتموه بأبخس الأثمان ، وحبستموه في السجن ، فأينا كان عليه أحنى وبه أرأف ؟

فقال محمد بن علي الباقر:لله درك لن تغالب امرأة إذا غلبت! ثم قال لها: ألك بعل؟ فقالت: لي من الرجال من أنا بعله ، فقال أبو جعفر: ما أصدقك مثلك من تملك الرجل ولا يملكها . فلما انصرفت قال رجل من القوم: هذه فلانة (زينب) بنت معقب).

نلاحظ من الحادثة ومن تغيير الخليفة لولاته على المدينة ، سقوط هيبة بني أمية عند المسلمين في عهد الإمام لباقر عليه السلام  ، ويدل عليه التشييع الحاشد لجنازة كثير الذي كان يجاهر بتشيعه ويهجاء الأمويين ، وإعراضهم عن جنازة عكرمة عالم الخلافة الأموية ، حيث ماتا في يوم واحد سنة 105 هجرية ! فاحتشد الناس على جنازة كثيِّر وصلى عليه الإمام الباقر عليه السلام وشارك في رفع جنازته ، قال: ( أفرجوا لي عن جنازة كثير لأرفعها ، فرفع جنازته وعرقه يجري ) !

في حين تركوا جنازة عكرمة فلم يوجد من يحملها ! ( الدرجات الرفيعة /590 ، وتهذيب الكمال (20 / 290 ). وقيل استأجرت له الحكومة أربعة سودان فحملوه !

وقد اضطر الذهبي الى أن يعترف بإعراض المسلمين عن جنازة عكرمة ، لكنه جعل الحق على المسلمين في ذلك ! فقال في سيره (5/33): ( قلت: ما تركوا عكرمة مع علمه وشيعوا كثيِّراً ، إلا عن بلية كبيرة في نفوسهم له ) !

يقصد الذهبي أن الذين لم يحضروا جنازته في نفوسهم بلية ومرض لأنهم لم يكرموا هذا الإمام! فعكرمة هو السالم من البلية ومرض القلب ، وأهل المدينة أهل بلية ومرض ! وكفى بهذا دليلاً على نصب الذهبي وبليته !

القسيس نافع مولى ابن عمر

1- كان نافع مرجعاً دينياً عند الدولة الأموية ، وحج مع الخليفة هشام فبعثه لمناظرة الإمام عليه السلام فقال: (إذهب إليه فقل له: يقول لك أمير المؤمنين: ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : يحشر الناس على مثل قرصة البر النقي ، فيها أنهار متفجرة يأكلون ويشربون حتى يفرغ من الحساب . قال: فرأى هشام أنه قد ظفر به ، فقال: الله أكبر إذهب إليه فقل له: ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذ؟!

فقال له أبو جعفر عليه السلام : فهم في النار أشغل ، ولم يشغلوا عن أن قالوا: أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ ! فسكت هشام لايرجع كلاماً). (الإحتجاج:2/57).

2- في مقدمة موطأ مالك (1/21): (روى مالك عن نافع مولى عبد الله بن عمر المتوفى سنة 120، ونافع هو الذي بعثه عمر بن عبد العزيز إلى مصر ليعلمهم القرآن والسنة. لزمه مالك وهو غلام نصف النهار (أي كان مالك خادماً لنافع) وكان مالك يقول: كنت إذا سمعت حديث نافع عن ابن عمر لا أبالي ألا أسمعه من أحد غيره! وأهل الحديث يقولون رواية مالك عن نافع عن ابن عمر: سلسلة الذهب لجلالة كل واحد من هؤلاء)!

أما عندنا فنافع ناصبي خارجي كذابٌ! ففي تهذيب الكمال(29/298) والكافي(6/61) عن زرارة أن الإمام الباقر عليه السلام قال له:(أنت الذي تزعم أن ابن عمرطلق امرأته واحدة وهي حائض فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله عمر أن يأمره أن يراجعها؟قال: نعم. فقال له: كذبتَ والله الذي لا إله إلا هو على ابن عمر! أنا سمعت ابن عمر يقول: طلقتها على عهد رسول الله ثلاثاً فردها رسول الله وأمسكتها بعد الطلاق ! فاتق الله ولا ترو على ابن عمر الباطل).

الفصل الحادي عشر

أجيالٌ من الرواة والعلماء خَرَّجَها الإمامان عليهما السلام

موجة الثقافة العامية التي حدثت بعد النبي صلى الله عليه وآله

قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (بعد أن وارينا رسول الله صلى الله عليه وآله في التراب أنكرنا أنفسنا !). (الدارقطني:1/330) . وصدق أبو سعيد ، لأنه اختلف كل شيئ ! فقد كان النبي صلى الله عليه وآله المرجع في الأمور ، وحلَّال كل مشكلة ، ومصدر العلم، وبعده صارت الأمة كغنم لا راعي لها )!

نعم كان القرآن موجوداً لكن الصحابة لا يعرفون تفسيره ، والخليفة لا يعرف معنى العديد من كلماته ! وقد كان علي عليه السلام مدينة علم النبي صلى الله عليه وآله لكن قريشاً لا تريد علياً ولا أحداً من بني هاشم ، فعزلتهم وكرهتهم !

وصار المصدر للعلم الخليفة ومن حوله ، وبما أن الخليفة لايعرف تفسيرالقرآن ، ولم يتفقه له في الشريعة وهو يقول شغلنا عن التفقه الصفق في الأسواق ! لذا جمع شباباً ناشئين كابن عباس وزيد بن ثابت ، وحاخامات يهود كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار ، ورواة مطيعين كأبي هريرة وابن عمرو العاص ، وجعلهم مصدر المعرفة والعلم والفتيا والقضاء !

قال الألباني(تراث الألباني:8/407): (إذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما بلغه حديث من أبي هريرة رضي الله عنه ندم فقال: شغلنا الصفق في الأسواق ، إذا كان هذا عمر فماذا نقول عن الصحابة الآخرين ، وماذا نقول عن النساء ، بل ماذا نقول أخيراً عن الجواري وعن راعية الغنم ).

وفي مبسوط السرخسي(10/153): (ولما قال عمر رضي الله عنه في خطبته: ألا لا تغالوا في أصدقة النساء فقالت امرأة سفعاء الخدين: أنت تقوله برأيك أم سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فإنا نجد في كتاب الله تعالى بخلاف ما تقول ، قال الله تعالى: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَاخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا. فبقي عمر رضي الله عنه باهتاً وقال كل الناس أفقه من عمر حتى النساء في البيوت ).

فإن أردت أن تعرف المستوى الثقافي للأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله فاعرف مستوى هؤلاء ونوعية ثقافتهم! إنها الظنون وقصص أهل الكتاب ، والفتوى بالرأي ، والقضاء بالرأي ، وتفسير القرآن بالرأي ، والقياس بالرأي !

وقد استمر هذا الوضع الى زمن الإمام الباقر عليه السلام ، وكانت خلافة علي عليه السلام إستثناء منه لكن مدتها لم تكن كافية لرد موجة الثقافة العامية السائدة !

ثم اجتمعت الظروف ليطلق الإمام الباقر عليه السلام الموجة المضادة للثقافة العامية ولهذا السبب سماه جده النبي صلى الله عليه وآله باقر علم النبوة !

فانتقم الإمام عليه السلام من مراسيم منع تدوين السنة ومنع التحديث ، وأسقط مصادر الثقافة المنحرفة ، وأطلق مع تلاميذه في الناس عشرات ألوف الأحاديث النبوية في الناس ، لتحل محل المكذوبات والتحريفات !

ولا يمكننا إحصاء تلاميذ الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام ، بل إن ترجمة المعروفين منهم تحتاج الى مجلدات ! ويكفي أن أحمد ابن عقدة رحمه الله ألَّف كتاباً من عدة مجلدات أورد فيه أربعة آلاف عالم وطالب رووا عن الإمام الصادق عليه السلام  ، وذكر بعد كل واحد منهم ما رواه ! قال العلامة الحلي في خلاصة الأقوال/322: ( له كتب ذكرناها في كتابنا الكبير ، منها كتاب أسماء الرجال الذين رووا عن الصادق عليه السلام أربعة آلاف رجل ، وأخرج فيه لكل رجل الحديث الذي رواه . مات بالكوفة سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة). وقد روينا قسماً كبيراً من فقهنا وعقائدنا وثقافتنا ، عن الإمامين محمد الباقر وابنه جعفر الصادق عليهما السلام  ، حتى عرف مذهبنا بالمذهب الجعفري .

واليك حجم ما رواه بعض تلاميذهما عليهما السلام :

ففي رجال النجاشي/12: (عن سليم بن أبي حية قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فلما أردت أن أفارقه ودعته وقلت: أحب أن تزودني ، فقال: أئْتِ أبان بن تغلب ، فإنه قد سمع مني حديثاً كثيراً ، فما روى لك فاروه عني ).

وقال عليه السلام : (إن أبان بن تغلب روى عني ثلاثين ألف حديث ، فاروها عنه ).

وفي رجال ابن داود/29: ( قال له أبو جعفر عليه السلام : أجلس في مسجد الكوفة وأفْتِ الناس ، إني أحبُّ أن يرى في شيعتي مثلك. وكان إذا دخل على أبي عبد الله ثنى له وسادة وصافحه ، وكان إذا قدم المدينة تقوضت إليه الحلق وأخليت له سارية النبي صلى الله عليه وآله . مات سنة إحدى وأربعين ومائة ، وترحم عليه أبو عبد الله عليه السلام وقال: لقد أوجع قلبي موت أبان! وكان أخبره بموته).

وفي رجال الطوسي:1/386 ، عن محمد بن مسلم الثقفي رحمه الله قال: (ما شجر في رأيي شئ قط إلا سألت عنه أبا جعفر عليه السلام حتى سألته عن ثلاثين ألف حديث ، وسألت أبا عبد الله عليه السلام عن ستة عشر ألف حديث) .

وقال السيد الخوئي في كتاب الإجتهاد والتقليد/15: (حتى أن أبان بن تغلب وهو راو واحد حدَّثَ عن أبي عبد الله عليه السلام بثلاثين ألف حديث . وتظافر النقل أن أربعة آلاف رجل من المشتهرين بالعلم جمعوا من أجوبة مسائله أربع مائة كتاب عرفت بالأصول الأربع مائة ، كلهم من أهل العراق والحجاز والشام وخراسان .

وهذا غير ما دُوِّن عن السجاد والباقر والأئمة بعد الصادق عليهم السلام ، فقد جمع أصحابهم فيما تحملوه من أحاديثهم ما يزيد على الأصول الأربع مائة بكثير ، ولم تزل تلكم الأحاديث محتفظاً بها في موسوعات هامة كالأصول الأربعة ).

وفي رجال الطوسي(2/438) عن ذريح المحاربي قال:(عن جابر رحمه الله قال: حدثني أبو جعفر بسبعين ألف حديث لم أحدث بها أحداً قط ، ولا أحدث بها أحداً أبداً .

وقال جابر رحمه الله :دفع إليَّ (الباقر عليه السلام )كتاباً وقال لي: إن أنت حدثت به حتى تهلك بنو أمية فعليك لعنتي ولعنة آبائي ، وإذا أنت كتمت منه شيئاً بعد هلاك بني أمية فعليك لعنتي ولعنة آبائي ، ثم دفع إليَّ كتاباً آخر ، ثم قال: وهاك هذا ، فإن حدثت بشئ منه أبداً فعليك لعنتي ولعنة آبائي) .

أقول: هذا إخبار من الباقر عليه السلام بأن زوال ملك بني أمية سيكون في حياة جابر بن يزيد الجعفي رحمه الله ، وهذا ما حصل ، وهو من معجزاته عليه السلام !

أطلق الإمام الباقر عليه السلام موجة مضادة لثقافة الخلافة !

قال مسلم في صحيحه(1/15): (سمعت جريراً يقول: لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم أكتب عنه،كان يؤمن بالرجعة..سمعت جابراً يقول عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر عن النبي(ص) كلها..

قال جابر: إن عندي لخمسين ألف حديث ما حدثت منها بشئ ! قال ثم حدث يوماً بحديث فقال هذا من الخمسين ألفاً..

حدثنا سفيان قال سمعت جابراً يحدث بنحو من ثلاثين ألف حديث ، ما أستحل أن أذكر منها شيئاً ، وأن لي كذا وكذا ) !

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب(9/311):(الستة: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي ، أبو جعفر الباقر ، أمه بنت الحسن بن علي بن أبي طالب.. روى عنه ابنه جعفر، وإسحاق السبيعي ، والأعرج ، والزهري، وعمرو بن دينار، وأبو جهضم موسى بن سالم ، والقاسم بن الفضل ، والأوزاعي ، وابن جريج ، والأعمش ، وشيبة ابن نصاح ، وعبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم وعبد الله بن عطاء ، وبسام الصيرفي ، وحرب بن سريج ، وحجاج بن أرطاة ومحمد بن سوقة ، ومكحول بن راشد ، ومعمر بن يحيى بن بسام ، وآخرون . قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث ، وليس يروي عنه من يحتج به ).

وقال المزي في تهذيب الكمال (26/136): ( محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي ، أبو جعفر الباقر.. روى عنه: أبان بن تغلب الكوفي وأبيض بن أبان ، وبسام الصيرفي (س) وأبو حمزة ثابت بن أبي صفية الثمالي (ت) وجابر بن يزيد الجعفي ، وابنه جعفر بن محمد الصادق (بخ/4) والحجاج بن أرطاة وحرب بن سريج (عس) والحكم بن عتيبة ، وربيعة بن أبي عبد الرحمان وسدير بن حكيم بن صهيب والد حنان بن سدير الصيرفي ، وسليمان الأعمش (قد) وشيبة بن نصاح (س) وعبد الله بن أبي بكر بن حزم (ت) وعبد الله بن عطاء، وعبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، وعبد الرحمان بن طلحة الخزاعي (عس) إن كان محفوظاً ، وعبد الرحمان بن عمرو الأوزاعي (م) وعبد الرحمان بن هرمز الأعرج وهو أسن منه ، وعبد الملك بن جريج ، وعبيد الله بن طلحة بن عبيد الله بن كريز الخزاعي (د) على خلاف فيه ، وعبيد الله بن الوليد الوصافي ، وعطاء بن أبي رباح ، وعلقمة بن مرثد (س) وعمرو بن دينار (خ م دس) والقاسم بن الفضل الحداني (ق) وقرة بن خالد السدوسي ، وكثير النواء ، وليث بن أبي سليم ومحمد بن سوقة (ق) ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، ومخول بن راشد (خ س) ومعمر بن يحيى بن سام (خ) ، وأبو جهضم موسى ابن سالم (س) ، وموسى بن عمير القرشي ، وواصل مولى أبي عيينة (د) ويحيى بن أبي كثير ، ويحيى الكندي (خت) وأبو إسحاق السبيعي (خ).

أقول: لاحظ قول ابن سعد في الطبقات:5/224: (قال أبو نعيم الفضل بن دكين: توفي بالمدينة سنة أربع عشرة ومائة . وكان ثقة كثير العلم والحديث ، وليس يروي عنه من يحتج به) . وقوله في/222، عن أبيه الإمام زين العابدين عليه السلام :(قالوا وكان علي بن حسين ثقة مأموناً ، كثير الحديث عالياً رفيعاً ورعاً ).

فقد اعترف ابن سعد بثروة الأحاديث التي نشرها الإمام الباقر وأبوه عليهما السلام في الأمة ثم اعتذر لعلماء السلطة لعدم روايتهم عنهم ، بأن تلاميذ الإمام الباقر عليه السلام غير ثقاة لايحتج بهم ! وهذا تعامٍ منه عن أن من تلاميذه عليه السلام وتلاميذ أبيه وابنه جعفر الصادق عليهم السلام هم كبار أئمتهم !

أما الذهبي فاستعمل أسلوب ابن تيمية فأنكرأن يكون الإمام الباقر والصادق عليه السلام كثيري الحديث ! قال في سيره(4/401): (وليس هو بالمكثر ، هو في الرواية كأبيه وابنه جعفر، ثلاثتهم لايبلغ حديث كل واحد منهم جزءً ضخماً ، ولكن لهم مسائل وفتاوى ! ثم ناقض الذهبي نفسه فقال: (حدث عنه ابنه ، وعطاء بن أبي رياح والأعرج مع تقدمهما ، وعمرو بن دينار ، وأبو إسحاق السبيعي ، والزهري ، ويحيى بن أبي كثير ، وربيعة الرأي ، وليث بن أبي سليم ، وابن جريج ، وقرة بن خالد ، وحجاج بن أرطاة والأعمش ، ومخول بن راشد ، وحرب بن سريج ، والقاسم بن الفضل الحداني، والأوزاعي ، وآخرون... وكان أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤدد والشرف والثقة والرزانة ، وكان أهلاً للخلافة .

وهو أحد الأئمة الإثني عشرالذين تبجلهم الشيعة الإمامية وتقول بعصمتهم وبمعرفتهم بجميع الدين ).

وقال في تذكرة الحفاظ(1/124): (محمد بن علي بن الحسين ، الإمام الثبت الهاشمي العلوي المدني ، أحد الأعلام . حدث عنه ابنه جعفر بن محمد ، وعمرو بن دينار والأعمش والأوزاعي وابن جريج وقرة بن خالد ، وخلقٌ ..

لكنا لانصدق الذهبي لأن ابن سعد وغيره شهدوا بأن الباقر والصادق عليهما السلام كانا كثيري الحديث! لكنهم يريدون تبرير تعمدهم وأئمتهم الإعراض عن أحاديثه !

أين صارت ألوف كتب الشيعة ؟

أين صارت ألوف الكتب التي صادرتها الحكومات من أصحاب الأئمة عليهم السلام على مدى قرنين أو ثلاثة قرون ؟

الجواب: أنهم أحرقوا بعضها ، وأعطوا بعضها الى علماء الحكومة.

طبقات أصحاب الإمامين الباقرين عليهما السلام وثروة كتبهم العظيمة

قال الحر العاملي1في وسائل الشيعة (20/79):

(الفائدة السابعة: في ذكر أصحاب الإجماع وأمثالهم ، كأصحاب الأصول ونحوهم ، والجماعة الذين وثقهم الأئمة عليهم السلام وأثنوا عليهم وأمروا بالرجوع إليهم والعمل برواياتهم، والذين عُرفت عدالتهم بالتواتر ، فيحصل بوجودهم في السند قرينة توجب ثبوت النقل والوثوق وإن رووا بواسطة .

قال الشيخ الثقة الجليل أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال ماهذا لفظه: أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وانقادوا لهم بالفقه فقالوا أفقه الأولين ستة: زرارة ، ومعروف بن خربوذ ، وبريد، وأبو بصير الأسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي . قالوا: وأفقه الستة زرارة ، وقال بعضهم مكان أبي بصير الأسدي: أبو بصير المرادي وهو ليث بن البختري .

ثم أورد أحاديث كثيرة في مدحهم وعلو منزلتهم والأمر بالرجوع إليهم . ثم قال:

تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام

أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم بما يقولون وأقروا لهم بالفقه من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم ستة نفر: جميل بن دراج ، وعبد الله بن مسكان ، وعبد الله بن بكير، وحماد بن عيسى ، وحماد بن عثمان ، وأبان بن عثمان قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه يعني ثعلبة بن ميمون أن أفقه هؤلاء جميل بن دراج، وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله. ثم قال بعد ذلك: تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم ، وأبي الحسن الرضا: أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم بالفقه والعلم وهم ستة نفر آخرين...

ثم ذكر أكثر من ثمانين مؤلفاً للأصول من أصحاب الأئمة عليهم السلام .. ثم قال:أما الجماعة الذين وثقهم الأئمة عليهم السلام وأثنوا عليهم وأمروا بالرجوع إليهم والعمل برواياتهم، ونصبوهم وكلاء وجعلوهم مرجعاً للشيعة، فهم كثيرون نذكر جملة منهم... ثم قال: ومما يؤيد قول الشهيد الثاني إنه قد نقل حصول وضع الحديث في زمان ظهور الأئمة عليهم السلام من بعض الضعفاء ، وكان الثقات يعرضون ما يشكون فيه على الأئمة عليهم السلام وعلى الكتب المعتمدة ، وكان الأئمة يخبرونهم بالحديث الموضوع ابتداء غالباً، ولم ينقل أنه وقع وضع حديث في زمان الغيبة من أحد من مشهوري الشيعة ونسب إلى الأئمة عليهم السلام أصلاً ) .

هذا، وقد سمى أهل البيت عليهم السلام بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وأصحابهم بالحواريين .

ففي رجال الطوسي:1/39 ، عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: (إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين حواري محمد بن عبد الله رسول الله عليهما السلام الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر. ثم ينادي مناد أين حواري علي بن أبي طالب عليه السلام وصي محمد بن عبد الله رسول الله ؟ فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي ومحمد بن أبي بكر وميثم بن يحيى التمار مولى بني أسد وأويس القرني .

قال: ثم ينادي المنادي: أين حواري الحسن بن علي بن فاطمة بنت محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وآله ؟فيقوم سفيان بن أبي ليلى الهمداني وحذيفة بن أسيد الغفاري. قال: ثم ينادي المنادي أين حواري الحسين بن علي عليه السلام ؟ فيقوم كل من استشهد معه ولم يتخلف عنه .

قال ، ثم ينادي المنادي أين حواري علي بن الحسين عليه السلام ؟ فيقوم جبير بن مطعم ويحيى بن أم الطويل وأبو خالد الكابلي وسعيد بن المسيب .

ثم ينادي المنادي: أين حواري محمد بن علي وحواري جعفر بن محمد؟ فيقوم عبد الله بن شريك العامري وزرارة بن أعين وبريد بن معاوية العجلي ومحمد بن مسلم وأبو بصير ليث بن البختري المرادي وعبد الله بن أبي يعفور وعامر بن عبد الله بن جداعة وحجر بن زائدة وحمران بن أعين .

ثم ينادي سائرالشيعة مع سائر الأئمة عليهم السلام يوم القيامة ، فهؤلاء المتحورة أول السابقين ، وأول المقربين ، وأول المتحورين من التابعين).

أوصى الباقرابنه الصادق عليه السلام بجيل تلاميذه

كان الإمام جعفر الصادق تلميذ أبيه الأول عليهما السلام ووصيه على جيل تلاميذه النابغين الذين ملؤوا الأمصار ، فهم أوسع جيل من التلاميذ بعد النبي صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام . وقد أوصى ابنه الصادق عليهما السلام بتلاميذه قال:( لما حضرت أبي الوفاة قال:يا جعفر أوصيك بأصحابي خيراً ، قلت: جعلت فداك والله لأدعنهم والرجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحداً ) ! (الكافي:1/306) .

وقد وفى الإمام عليه السلام بوعده ، ففي المدة التي عاشها بعد أبيه صلى الله عليه وآله وهي أربع وثلاثون سنة ، أثرى جيل تلاميذ أبيه ، وأضاف لهم جيلاً.

وتقدم أن ابن عقدة رحمه الله ألَّف كتاباً في الرواة عنه عليه السلام وما رواه كل منهم ، فبلغوا أربعة آلاف طالب وعالم ! لقد أغنى أبوه عليه السلام الشيعة في مناسكهم وأوصاه أن يغنيهم علمياً: قال زرارة: (وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لايعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم ، حتى كان أبو جعفر ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم ، حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس). (الكافي:2/20) .

وكان الصادق يفتخر بأصحاب أبيه عليهما السلام :(قال ربيعة الرأي لأبي عبد الله عليه السلام : ما هؤلاء الإخوة الذين يأتونك من العراق ، ولم أر في أصحابك خيراً منهم ولا أهيأ!قال عليه السلام :أولئك أصحاب أبي ، يعني وُلد أعيَن). (تاريخ آل زرارة /6).

وقد أبادت السلطة وأتباعها أحاديث النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من عترته عليهم السلام ، وطاردت رواتها وصادرت مؤلفاتهم ، ومع ذلك وصلتنا ثروة مهمة !

كما تقدم تسمية أصحاب الإمامين الباقر والصادق صلى الله عليه وآله الذين أجمعت الطائفة على جلالتهم فقالوا: أفقه الأولين ستة: زرارة ومعروف بن خربوذ ، وبريد ، وأبو بصير الأسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي . قالوا: وأفقه الستة: زرارة . وستة نفر من أصحاب الصادق: جميل بن دراج ، وعبد الله بن مسكان ، وعبد الله بن بكير ، وحماد بن عيسى وحماد بن عثمان وأبان بن عثمان. وهم أحدث أصحاب أبي عبد الله عليه السلام ).

وكان الصادق عليه السلام يحب تلاميذه من العلماء وطلبة العلم ، ويشكو من مضايقة السلطة الأموية والعباسية ويقول لتلاميذه: (ليتني وإياكم بالطائف أحدثكم وتؤنسوني ، وأضمن لهم ألا نخرج عليهم أبداً). (رجال الكشي:2/652).

ويحث الناس على طلب العلم ، ويقول: (إعرفوا منازل شيعتنا عندنا على قدر روايتهم عنا ، وفهمهم منا ، فإن الرواية تحتاج إلى الدراية ، وخبر تدريه خير من ألف خبر ترويه) . (الغيبة للنعماني/29) .

ويبين فضل علماء الشيعة: (علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته ، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا ، وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته والنواصب . ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة ، لأنه يدفع عن أديان محبينا ، وذلك يدفع عن أبدانهم ). ( الإحتجاج:1/8) .

صراع موجة الإمام الباقر عليه السلام مع موجة ثقافة السلطة

كان ثقافة الخلافة السائدة قبل الإمام الباقر عليه السلام بدون معارض! فكان تجسيم كعب يُعَلَّم للناس بدون معارض ! والإنتقاص من مقام النبي وعصمته صلى الله عليه وآله يقدم لهم بدون معارض ! وهكذا بقية عقائد الإسلام ، وأحكامه ومفاهيمه !

لكن بعد أن انتشرت أحاديث الإمام الباقر والصادق عليهما السلام وتلاميذهما، وصلت الى أيدي الناس ثقافة أخرى ترد ثقافة الحكومة، وتنتقد أئمتها !

فصار العلماء يجدون أمامهم الباطل الذي ألفوه وتربوا عليه ، ويجدون الحق الذي قدمه أهل البيت عليهم السلام فيتركونه ، أو يأخذ به بعضهم !

ومن أمثلة ذلك: قول عائشة إن النبي صلى الله عليه وآله سحروه وبقي مسحوراً ستة أشهر، مع أن الله تعالى برأه من ذلك فقال: وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إلا رجلاً مَسْحُوراً .وقالت عائشة لقد أثَّر عليه السحرففقد حواسه وذاكرته وكان صلى الله عليه وآله يتخيل أنه فعل الشئ مع أنه لم يفعله ، ويتخيل أنه نام معها ولم ينم ! وزعمت أن يهودياً سَحَره فأخذ بعض شَعره ودفنه في بئر! تماماً كما تقول عجائز اليهود ! قالت: وبقي على تلك الحالة ستة أشهر حتى دلَّهُ رجلٌ على البئر فاستخرج السحر وفكَّ عقد خيط الجلد الذي لُفَّ به ! وأمر بدفن البئر ولم يعاقب الذي سحره !

وقد روى البخاري هذه الخرافة عن عائشة في خمسة مواضع! منها في(7/88 و29): (مكث النبي كذا وكذا ، يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتي ! كان رسول الله سُحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن )!

وقال في فتح الباري(10/192):(عن الزهري أنه لبث ستة أشهر وقد وجدناه موصولاً بإسناد الصحيح فهو المعتمد).

أقول: استنكر أهل البيت حديث سحر النبي صلى الله عليه وآله وكذبوه ! وتحير فيه عدد من علماء المذاهب ، وكان أشجعهم النووي فقد أورد أحاديث عائشة من البخاري ومسلم وغيرهما ثم قال (المجموع:19/242):( قلت: وأكتفي بهذا القدر من أحاديث سحر الرسول (ص). قال الشهاب: نقل في التأويلات عن أبي بكر الأصم أنه قال: إن حديث سحره المروى هنا متروك لما يلزمه من صدق قول الكفرة أنه مسحور ، وهو مخالف لنص القرآن حيث أكذبهم الله فيه ، ونقل الرازي عن القاضي أنه قال: هذه الرواية باطلة ).

فردوا حديث عائشة وكذبوه بدون ذكر اسمها ، حتى لايكفرهم عُبَّاد عائشة !

وهكذا صرت تجد من علماء المذاهب من يأخذ بالرأي الآخر لأهل البيت عليهم السلام !

مثال آخر: روى البخاري حديث الغرانيق وتجرأ بعض علمائهم فردوه !

بنى الكاتب الهندي الملحد سلمان رشدي قصته (الآيات الشيطانية) على رواية البخاري وتبناها الإعلام الغربي للطعن بالإسلام ونبيه صلى الله عليه وآله . لكن أهل البيت عليهم السلام استنكروها . وقد تجرأ بعض علماء المذاهب فوافق أهل البيت عليهم السلام !

(قال القسطلاني: وقد طعن في هذه القصة وسندها غير واحد من الأئمة ، حتى قال ابن إسحاق وقد سئل عنها: هي من وضع الزنادقة.وقال عياض: هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة(غطى على البخاري) ولارواه أحد بسند متصل، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب ، المتلقفون عن الصحف كل صحيح وسقيم)! (عصمة الأنبياء للرازي/94). وألف سؤال (2/196).

يشهدون بأن الأئمة عليهم السلام أعلم ويقدسونهم ولا يروون عنهم !

ذكرنا في سيرة الإمام زين العابدين عليه السلام أن تلميذه الزهري كان يذوب فيه حباً وتقديساً ، ويشهد بأنه أفقه من رآه ، لكنه لما اختاره البلاط الأموي وكلفوه أن يكتب لهم السنة لينشروها في الناس لم يكتب عن أستاذه الإمام زين العابدين عليه السلام ولا عن أهل البيت عليهم السلام أي حديث ! إرضاءً لبني أمية !

وقد عوتب على ذلك فقال كاذباً ! إن الإمام زين العابدين عليه السلام قليل الحديث!

( ابن عيينة عن الزهري قال: كان أكثر مجالستي مع علي بن الحسين وما رأيت أحداً كان أفقه منه لكنه كان قليل الحديث).(سير الذهبي:4/389 ).

وقلنا كذب الزهري! لأنه شهد بأن زين العابدين عليه السلام أفقه الناس في عصره فكيف يكون أفقه أهل عصره قليلَ الحديث ! بل سمع الزهري من الإمام عليه السلام الكثير وكتبه ، لكنه أخفاه خوفاً من أولياء نعمته بني أمية !

قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم(1/76): (سمعت ابن شهاب يحدث سعد بن إبراهيم: أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن ، فكتبناها دفتراً دفتراً ، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفتراً ).

(قال علي بن المديني: له (للزهري) نحوٌ من ألفي حديث . وقال أبو داود: حديثه ألفان ومئتا حديث ). (سير الذهبي:5/328).

إن هذا الموقف من الزهري والسلطة ، يضع يدك على قرار الإنحراف عن أهل البيت عليهم السلام ! وقد استعملوا نفس السياسة مع الإمام الباقر عليه السلام مع أن علماءهم شهدوا بأنه نشرالعلم كما أخبر جده صلى الله عليه وآله فسماه باقر علم النبوة .

ملاحظات على هذا الموضوع

1- من التناقضات الصارخة عند أتباع الخلافة أنهم يدعون محبة أهل البيت عليهم السلام وإطاعة وصية النبي صلى الله عليه وآله فيهم: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروني بمَ تخلفوني فيهما).(مسند أحمد:3/17وغيره) .

فإذا وصلوا الى تلقي دينهم منهم ، أعرضوا ونفروا ! وتحججوا تارة ، بأنهم رووا عنهم بضعة أحاديث ! قال ابن حجر في ترجمة الإمام الباقر عليه السلام في تهذيب التهذيب: روى عنه الستة ! مع أن مجموع ما رووه عنه لايبلغ مئتي حديث ! فأين السبعون ألف حديث التي رواها عنه جابر الجعفي وحده !

وهي تبلغ عشرة أضعاف كتاب صحيح بخاري الذي لا تزيد أحاديثه إذا حذفت مكرراتها عن أربعة آلاف حديث ؟!

وتحججوا أخرى ، بكذبة الزهري المتقدمة بأن الإمام زين العابدين عليه السلام كان قليل الحديث ، مع أنه شهد بأنه أفقه من رأى ، ولا فقه بدون حديث عن النبي صلى الله عليه وآله ! ومثلها كذبة الذهبي في سيره:( وليس هو بالمكثر، هو في الرواية كأبيه وابنه جعفر ) ! مع أنه قرأ قول ابن سعد: (كان ثقة كثير الحديث) ! (تهذيب التهذيب:9/311) .

وتحججوا ثالثة ، بأنه لايروي عنه ثقات يحتج بهم مع أن أئمتهم رووا عنه ! ويكفي في تكذيبهم أنهم وثقوا جابراً الجعفي ، الذي روى عن الإمام الباقر عليه السلام خمسين ألف حديث أو سبعين ألفاً ! ووثقوا أبان بن تغلب ، الذي روى عن ولده الصادق عليه السلام ثلاثين ألف حديث !

ووثقوا الأعمش وهو يروي أربعة آلاف حديث ! (جامع بيان العلم :2/34).

ووثقوا ابن عقدة وقد روى عنهم عليهم السلام مئتي ألف حديث!(الصوارم المهرقة/214) وروى محمد بن مسلم الثقفي عن الباقر والصادق صلى الله عليه وآله ستاً وأربعين ألف حديث (وثقه ابن حبان:9/36). وبعض الذين رووا عنهم عليهم السلام ووثقوهم، عندهم أئمة أجلاء !

2- يتضح لك بما تقدم أن أتباع الحكومات القرشية ورواتها قد غيبوا عن تعمد ثروة السنة النبوية التي رواها أهل البيت عليهم السلام ، كما غيبوا عن علم وعمد السنة النبوية فمنعوا تدوينها ومنعوا مجرد التحديث بها وجعلوه جريمة يعاقب فاعلها من عهد أبي بكر الى زمن الزهري! ثم لم يكتفوا بتغييب أحاديث أهل البيت عليهم السلام وسرقتها حتى اضطهدوا رواتها والمؤلفين فيها والمحدثين بها ، وطاردوهم وقتلوهم ! فكيف نصدق قولهم إنهم يحبون أهل البيت عليهم السلام ويطيعون وصية نبيهم صلى الله عليه وآله فيهم! وما الفرق بينهم وبين جيش يزيد الذين سفكوا دم الحسين عليه السلام ثم صلوا في صلاتهم على النبي وأهل بيته ومنهم الحسين عليهم السلام !

قال السيد ابن طاووس رحمه الله في الطرائف/191: (أنظر رحمك كيف حرموا أنفسهم الإنتفاع برواية سبعين ألف حديث عن نبيهم صلى الله عليه وآله برواية أبي جعفر عليه السلام  ، الذي هو من أعيان أهل بيته الذين أمرهم بالتمسك بهم) .

أقول:وأسوأ من حرمانهم المسلمين من علم أهل البيت عليهم السلام أن بعض أئمتهم برر عمله بالطعن في أهل البيت ولم يستطع أن يخفي بغضه لهم ! ومنهم من قال إن في نفسه شيئاً من الإمام الصادق عليه السلام !

قال الذهبي عنه في ميزان الإعتدال(1/414): ( أحد الأئمة الأعلام ، برٌّ صادقٌ كبير الشأن ، لم يحتج به البخاري.. سئل يحيى بن سعيد القطان عن الصادق فقال: مجالد أحب إليَّ منه ، في نفسي منه شئ ! لم يرو مالك عن جعفر حتى ظهر أمر بني العباس..قال مصعب: كان لا يروي عن جعفر بن محمد حتى يضمه إلى آخر من أولئك الرقعاء ! ثم يجعله بعده) !

أقول: بلغ من تعصب مالك بن أنس أنه لم يرو أي حديث عن علي عليه السلام لأن المنصور أمره بذلك! وبلغ من تعصب بخاري أنه لم يرو عن الإمام الصادق عليه السلام مع أنه روى عن النواصب أعداء أهل البيت عليهم السلام ! قال أبو بكر الحضرمي:

قضيةٌ أشبه بالمرزأهْ
هذا البخاري إمام الفئهْ
بـالصـادق الصديـق مـا احتـج في
صحيحـه واحتـج بالمـرجئـهْ
ومثل عمران بن حطان أو
مروان وابن المرأة المخطئه
مشكلة ذات عوار إلى
حيرة أرباب النهى ملجئه
وحق بيت يممته الورى
مغذة في السير أو مبطئه
إن الإمام الصادق المجتبى
بفضله الآي أتت منبئه
أجلُّ من في عصـره رتبةً
لم يقترف في عمره سيئه
قُلامةٌ من ظفر إبهامه
تعـدلُ مـن مثـل البخـاري مئـه

(النصائح الكافية لمن يتولى معاوية/119للحافظ محمد بن عقيل) .

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب(2/88) في ترجمة الصادق عليه السلام : (قال ابن أبي حاتم عن أبيه: ثقة لا يسأل عن مثله.. وقال ابن سعد: كان كثير الحديث ولا يحتج به ويستضعف! سئل مرة سمعت هذه الأحاديث من أبيك؟ فقال: نعم. وسئل مرة فقال: إنما وجدتها في كتبه ). ثم قال: (وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً يحتج بحديثه من غير رواية أولاده عنه !

وقد اعتبرت حديث الثقات عنه فرأيت أحاديث مستقيمة ليس فيها شئ يخالف حديث الأثبات (الثقات) ومن المحال أن يلصق به ما جناه غيره .

(يقصد لا نحمله حديث من كذب عليه أو ادعى له الإمامة ) !

وقال الساجي: كان صدوقاً مأموناً ، إذا حدث عنه الثقات فحديثه مستقيم .

قال أبو موسى كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث عن سفيان ، وكان يحيى بن سعيد يحدث عنه ، وقال النسائي في الجرح والتعديل: ثقة . وقال مالك: اختلفت إليه زماناً فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما مصل ، وإما صائم ، وإما يقرأ القرآن . وما رأيته يحدث إلا على طهارة ).

3- من السهل عليك أن تكتشف سر القوم ، فسرُّهم أن يتولى الراوي أبا بكر وعمر ولايروي شيئاً ضدهما ولو صغيراً ، وإلا فهو مخالف للدين مبتدع يجب الإعراض عنه والطعن فيه ، بل يجب قتله !

قال الشهيد نور الله التستري رحمه الله في الصوارم المهرقة/214: (إن أهل بغداد أجمعوا على أنه لم يظهر من زمان ابن مسعود إلى زمان ابن عقدة من يكون أبلغ منه في حفظ الحديث . وأيضاً قال الدارقطني: سمعت منه أنه قال: قد ضبطت ثلاث مائة ألف حديث من أحاديث أهل البيت وبني هاشم عليهم السلام  ، وحفظت مائة ألف حديث عن النبي صلى الله عليه وآله بأسانيدها . ونقل الذهبي عن عبد الغني بن سعيد أنه قال: سمعت عن الدارقطني قال: إن ابن عقدة يعلم ما عند الناس ولا يعلم الناس ما عنده .

وقال الثلاثة: إن ابن عقدة كان يقعد في جامع براثا من الكوفة ويذكر مثالب الشيخين عند الناس ، فلهذا تركوا بعض أحاديثه ! وإلا فلا كلام في صدقه).

أقول: بل تركوا كل حديثه ، وكم لابن عقدة من مثيل! وقد كتب العلماء بحوثاً ومؤلفات في نقدهم منها كتاب: العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل ، للحافظ محمد بن عقيل، أثبت فيه أنهم ضعفوا الرواة عن أهل البيت عليهم السلام بهواهم وضيعوا ثروتهم العظيمة!

ونكتفي هنا من بمثال الحارث بن حصيرة الأزدي ، الذي يروي عن جابر بن يزيد الجعفي رحمه الله عن الباقر عليه السلام . قال عنه في تهذيب التهذيب:2/121: (البخاري في الأدب المفرد والنسائي ، وفي خصائص علي..قال جرير: شيخ طويل السكوت يصر على أمر عظيم ، رواها مسلم في مقدمة صحيحه عن جرير . وقال أبو أحمد الزبيري: كان يؤمن بالرجعة . وقال ابن معين ثقة..خشبي ينسبونه إلى خشبة زيد بن علي التي صلب عليها . وقال النسائي: ثقة . وقال أبو حاتم: لولا أن الثوري روى عنه لترك حديثه . وقال ابن عدي: عامة روايات الكوفيين عنه في فضائل أهل البيت ، وإذا روى عنه البصريون فرواياتهم أحاديث متفرقة ، وهو أحد من يعد من المحترقين بالكوفة في التشيع ، وعلى ضعفه يكتب حديثه . قلت: علق البخاري أثراً لعلي في المزارعة وهو من رواية هذا.. وقال الدارقطني: شيخ للشيعة يغلو في التشيع. وقال الآجري: عن أبي داود شيعي صدوق . ووثقه العجلي وابن نمير . وقال العقيلي: له غير حديث منكر.. وقال الأزدي: زائغ ، سألت أبا العباس بن سعيد عنه فقال: كان مذموم المذهب فاسده وذكر ابن حبان في الثقات) .

وفي ميزان الإعتدال(4/272): (صدوق لكنه رافضي).

وفي ميزان الإعتدال (1/432): (كان يؤمن بالرجعة . وقال يحيى بن معين: ثقة. وقال النسائي: ثقة . وقال ابن عدي: يكتب حديثه على ضعفه ، وهو من المحترقين في التشيع . وقال زنيج: سألت جريراً: أرأيت الحارث بن حصيرة؟ قال: نعم، رأيته شيخاً كبيراً طويل السكوت يصر على أمر عظيم) !

أقول: الأمر العظيم الذي يصر عليه هذا الشيخ الصامت الصدوق ، ويثير هؤلاء الناصبة ليس إيمانه بالرجعة بل ما رواه في عاقبة بعض الصحابة المرتدين على أعقابهم، كالذي في الخصال/457 ، عن أبي ذر من حديث طويل: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : شر الأولين والآخرين اثنا عشر ، ستة من الأولين وستة من الآخرين ، ثم سمى الستة من الأولين.. الى أن قال صلى الله عليه وآله : إن أمتي ترد عليَّ الحوض على خمس رايات: أولها راية العجل، فأقوم فآخذ بيده فإذا أخذت بيده اسودَّ وجهه ورجفت قدماه وخفقت أحشاؤه ، ومن فعل فعله يتبعه فأقول: بماذا خلفتموني في الثقلين من بعدي؟ فيقولون: كذبنا الأكبر واضطهدنا الأصغر وأخذنا حقه ! فأقول: أسلكوا ذات الشمال !

ثم ترد علي راية أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين ، فأقوم فآخذ بيده فإذا أخذت بيده ابيضَّ وجهه ووجوه أصحابه فأقول: بما خلفتموني في الثقلين من بعدي؟ قال فيقولون:اتبعنا الأكبر وصدقناه ، ووازرنا الأصغر ونصرناه ، وقاتلنا معه. فأقول: رِدُوا رُوَاءً مرويين ، فيشربون شربة لا يظمأون بعدها أبداً ، وجه إمامهم كالشمس الطالعة ، ووجوه أصحابه كالقمر ليلة البدر )

الفصل الثاني عشر

أحيا الإمام الباقر عليه السلام علم النبوة في كل المجالات

الثروة التي وصلتنا من أحاديث الإمام الباقر عليه السلام

جمعت ما تيسر لي من أحاديث الباقر عليه السلام من كتاب الكافي وبعض كتب الصدوق فبلغت ثلاث مجلدات ! وتأملت فيها فوجدتها كنزاً غنياً ، ومعيناً لا ينزف !

ولو أردنا أن نصنفها لا حتجنا الى مؤسسة تعمل فيها مدة من الزمن ، لأنها تشمل كل العلوم الإسلامية المعروفة ، من الفقه ، والعقائد ، والتفسير، والحديث والسيرة ، والتاريخ ، واللغة ، والنحو ، والبيان ، والأخلاق، والحكمة ، وعدد من مسائل الفلسفة والعلم الحديث ..

يضاف اليها ما أخبر به عليه السلام من مغيبات فوقعت كما أخبر ، أو سيأتي زمانها .

ويضاف اليها نقده عليه السلام للإلحاد والأديان غير الإسلام، ونقده آراء علماء الخلافة ، وعامة المخالفين لأهل البيت عليهم السلام .

وغرضنا من هذا الفصل أن نقدم صورة مختصرة جداً لبعض المجالات التي أحيا الإمام عليه السلام فيها علم النبوة ، تحقيقاً لقول جده صلى الله عليه وآله : وهو في التوراة الباقر .

$في علم التوحيد

1- قال عليه السلام لجابر الجعفي(توحيد الصدوق/179):(يا جابرما أعظم فرية أهل الشام على الله عزّ وجلّ ! يزعمون أن الله تبارك وتعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على صخرة بيت المقدس! ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه على حجرٍ فأمرنا الله تبارك وتعالى أن نتخذه مصلى . يا جابر ، إن الله تبارك وتعالى لا نظير له ولا شبيه ، تعالى عن صفة الواصفين وجل عن أوهام المتوهمين واحتجب عن أعين الناظرين لا يزول مع الزائلين ولا يأفل مع الآفلين . لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئٌْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). .

ويقصد عليه السلام بأهل الشام علماء الأمويين الذين ينشرون عقيدة كعب في التجسيم !

2- وقال عليه السلام : (أذكروا من عظمة الله ما شئتم ، ولا تذكرون منه شيئاً إلا وهو أعظم منه! واذكروا من النار ما شئتم ولاتذكرون منها شيئاً إلا وهي أشد منه! واذكروا من الجنة ما شئتم ولاتذكرون منها شيئاً إلاوهي أفضل منه).

3- وقال عليه السلام : (من عبد المعنى دون الإسم فإنه يخبر عن غائب ، ومن عبد الإسم دون المعنى فإنه يعبد المسمى ، ومن عبد الإسم والمعنى فإنه يعبد إلاهين ، ومن عبد المعنى بتقريب الإسم إلى حقيقة المعرفة ، فهو موحد). (التوحيد /179) .

4- وفي توحيد الصدوق/92: قدم على الإمام الباقر عليه السلام وفد من فلسطين يسألونه عن مسائل فأجابهم، ثم سألوه عن الصمد فقال:(تفسير الصمد فيه خمسة أحرف فالألف دليل على إنيته ، وهو قوله: شهد الله أنه لا إله إلا هو ، وذلك تنبيه وإشارة إلى الغائب عن درك الحواس ، واللام دليل على إلهيته بأنه هو الله ، والألف واللام مدغمان لا يظهران على اللسان ولا يقعان في السمع ، ويظهران في الكتابة دليلان على أن إلهيته خافية لا تدرك بالحواس ولا تقع في لسان واصف ولا أذن سامع، لأن تفسير الإله هو الذي أله الخلق عن درك مائيته وكيفيته بحس أو بوهم ، بل هو مبدع الأوهام وخالق الحواس..الخ.).

وفي الكافي (1/134): (عن محمد بن مسلم قال:سألت أبا جعفر عليه السلام عما يروون أن الله خلق آدم على صورته! فقال هي: صورة محدثة مخلوقة اصطفاها الله واختارها على سائر الصور المختلفة ، فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه والروح إلى نفسه ، فقال: بيتي ، وقال: نفخت فيه من روحي ).

في النبوة ومقام النبي صلى الله عليه وآله

1- اهتم الباقر عليه السلام برد التحريف الأموي لسيرة النبي صلى الله عليه وآله وتفنيد تنقيصهم من مقامه المقدس، فحدَّث عن سيرته ومعجزاته ومقامه وصفته وشمائله عليهما السلام .

ففي مسند أحمد(1/101): (عن محمد بن علي رضي الله عنه عن أبيه قال: كان رسول الله عليهما السلام ضخم الرأس ، عظيم العينين ، هدب الأشفار قال حسن الشفار ، مشرب العينين بحمرة ، كث اللحية ، أزهر اللون ، شثن الكفين والقدمين ، إذا مشى كأنما يمشي في صعد (تكفَّأ ) وإذا التفت التفت جميعاً ).

2- في الخصال/٤٢٣: (عن محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال: إن لرسول الله صلى الله عليه وآله عشرة أسماء ، خمسة منها في القرآن، وخمسة ليست في القرآن ، فأما التي في القرآن: فمحمد ، وأحمد ، وعبد الله ، ويس ، ونون ، وأما التي ليست في القرآن: فالفاتح ، والخاتم ، والكافي ، والمقفي ، والحاشر ).

3- في الكافي(6/271): (عن أبي جعفر عليه السلام قال:كان رسول الله صلى الله عليه وآله يأكل أكل العبد ويجلس جلسة العبد، وكان صلى الله عليه وآله يأكل على الحضيض وينام على الحضيض ).

4- في علل الشرائع(2/١٢٥):(مسلم بن خالد المكي ، عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال:ما أنزل الله تعالى كتاباً ولا وحياً إلا بالعربية ، فكان يقع في مسامع الأنبياء عليهم السلام بألسنة قومهم، وكان يقع في مسامع نبينا بالعربية، فإذا كلم به قومه كلمهم بالعربية فيقع في مسامعهم بلسانهم، وكان أحدنا لا يخاطب رسول الله بأي لسان خاطبه إلا وقع في مسامعه بالعربية ، كل ذلك يترجم له جبرئيل عليه السلام تشريفاً من الله عزّ وجلّ له ).

5- في الكافي(8/129): (عن محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام ذات يوم وهو يأكل متكئاً قال: وقد كان يبلغنا أن ذلك يكره فجعلت أنظر إليه فدعاني إلى طعامه فلما فرغ قال: يا محمد لعلك ترى أن رسول الله صلى الله عليه وآله ما رأته عين وهو يأكل وهو متكئ من أن بعثه الله إلى أن قبضه ، قال: ثم رد على نفسه فقال: لا والله ما رأته عين يأكل وهو متكئ من أن بعثه الله إلى أن قبضه ! ثم قال: يا محمد لعلك ترى أنه شبع من خبز البر ثلاثة أيام متوالية منذ أن بعثه الله إلى أن قبضه ، ثم رد على نفسه ثم قال: لا والله ما شبع من خبز البر ثلاثة أيام متوالية منذ بعثه الله إلى أن قبضه !

أما إني لا أقول: إنه كان لا يجد . لقد كان يجيز الرجل الواحد بالمائة من الإبل فلو أراد أن يأكل لأكل ، ولقد أتاه جبرئيل عليه السلام بمفاتيح خزائن الأرض ثلاث مرات يخيره من غير أن ينقصه الله تبارك وتعالى مما أعد الله له يوم القيامة شيئاً فيختار التواضع لربه عزوجل!وما سئل شيئاً قط فيقول:لا.إن كان‌أعطى‌وإن لم يكن‌قال:يكون. وما أعطى على الله شيئاً قط إلاسُلِّم ذلك إليه حتى‌أن كان‌ليعطي‌الرجل‌الجنة فيسلم الله ذلك له).

6- في الكافي (1/442): ( عن سالم بن أبي حفصة العجلي عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان في رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثة: لم تكن في أحد غيره لم يكن له فيئ وكان لا يمر في طريق فيمر فيه بعد يومين أو ثلاثة إلا عرف أنه قد مر فيه لطيب عرفه . وكان لا يمر بحجر ولا بشجر إلا سجد له ).

7- في الكافي (2/137): ( عن عمرو بن هلال قال:قال أبو جعفر عليه السلام : إياك أن تطمح بصرك إلى من هو فوقك، فكفى بما قال الله عزّ وجلّ لنبيه صلى الله عليه وآله : ولا تعجبك أموالهم ولا أولادهم .وقال: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا . فإن دخلك من ذلك شئ فاذكر عيش رسول الله صلى الله عليه وآله ، فإنما كان قوته الشعير وحلواه التمر ، ووقوده السعف إذا وجده)!

8- من لايحضره الفقيه(١/٢٢٥): (قال أبو جعفر عليه السلام :كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يصلي من النهار شيئاً حتى تزول الشمس، فإذا زالت صلى ثماني ركعات وهي صلاة الأوابين، تفتح في تلك الساعة أبواب السماء ويستجاب الدعاء وتهب الريح وينظر الله إلى خلقه . فإذا فاء الفئ ذراعاً صلى الظهر أربعاً وصلى بعد الظهر ركعتين ثم صلى ركعتين أخراوتين ، ثم صلى العصر أربعاً إذا فاء الفئ ذراعاً ، ثم لايصلي بعد العصر شيئاً حتى تؤوب الشمس، فإذا آبت وهو أن تغيب، صلى المغرب ثلاثاً وبعد المغرب أربعاً ، ثم لا يصلي شيئاً حتى يسقط الشفق، فإذا سقط الشفق صلى العشاء ، ثم أوى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى فراشه ولم يصل شيئاً حتى يزول نصف الليل، فإذا زال نصف الليل صلى ثماني ركعات وأوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات ، فقرأ فيهن فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد، ويفصل بين الثلاث بتسليمة ويتكلم ويأمر بالحاجة ، ولا يخرج من مصلاه حتى يصلي الثالثة التي يوتر فيها، ويقنت فيها قبل الركوع ، ثم يسلم ويصلي ركعتي الفجر قبيل الفجر وعنده وبعده ، ثم يصلي ركعتي الصبح وهوالفجر إذا اعترض الفجروأضاء حسناً .

فهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله التي قبضه الله عزوجل عليها ).

9- وروى عبد الرزاق في المصنف:(2/217) عن الإمام الباقر عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (من الجفاء أن أذكر عند الرجل فلا يصلي عليَّ ) .

10-كما روت مصادرهم عن الباقر عليه السلام أكمل وصف لحج النبي صلى الله عليه وآله حجة الوداع. قال النووي في المجموع(7/216): (وهو حديث عظيم الفوائد فيه مناسك ومعظمها ذكر فيه كل ما فعله (ص) من حين خروجه إلى فراغه ، رواه مسلم وأبو داود وغيرهما بطوله ، ولم يروه البخاري بطوله ) .

والحديث في صحيح مسلم (4/39): (عن جعفر بن محمد عن أبيه الباقر قال: دخلنا على جابر بن عبد الله فسأل عن القوم حتى انتهى إلي فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين فقال: مرحباً بك يا ابن أخي سل عما شئت ، فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله (ص) فقال بيده فعقد تسعاً فقال: إن رسول الله (ص) مكث تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله (ص) حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله (ص)يعمل مثل عمله فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة ، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر فأرسلت إلى رسول الله (ص) كيف أصنع قال اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي فصلى رسول الله (ص) في المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصرى بين يديه من راكب وماش ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول الله (ص) بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله . وما عمل به من شئ عملنا به ، فأهلَّ بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك .

وأهلَّ الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد رسول الله (ص) عليهم شيئاً منه ، ولزم رسول الله (ص) تلبيته .

قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً ، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى. فجعل المقام بينه وبين البيت فكان أبي يقول ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي (ص) كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون ، ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ . أبدأ بما بدأ الله به ، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده ، ثم دعا بين ذلك .قال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى ، حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا ، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال: لوأني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة .

فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبك رسول الله (ص) أصابعه واحدة في الأخرى وقال: دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل لأبد الأبد . وقدم علي من اليمن ببدن رسول الله (ص) فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت ، فأنكر ذلك عليها فقالت: إن أبي أمرني بهذا ، قال فكان علي يقول بالعراق (باليمن) فذهبت إلى رسول الله (ص)محرشاً على فاطمة للذي صنعت مستفتياً لرسول الله (ص) فيما ذكرت عنه ، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها ، فقال: صدقت صدقت ، ماذا قلت حين فرضت الحج؟ قال قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك. قال: فإن معي الهدي فلا تحل. قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به النبي (ص) مائة . قال فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي (ص) ومن كان معه هدى ، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج ، وركب رسول الله (ص) فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس ، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة ، فسار رسول الله (ص) ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسول الله (ص) حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها ، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرُحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال:

إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا . ألا كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعاً في بنى سعد فقتلته هذيل . وربا الجاهلية موضوع وأول رباً أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله .

فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لايوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ولهن عليكم رزقهن كسوتهن بالمعروف .

وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله وأنتم تُسألون عني فما أنتم قائلون قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد ، اللهم اشهد، ثلاث مرات.

ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً ، ثم ركب رسول الله (ص) حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص . وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله (ص) وقد شنق للقصواء الزمام حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله ، ويقول بيده اليمنى: أيها الناس السكينة السكينة كلما أتى جبلاً من الجبال أرخى لها قليلاً ، حتى تصعد حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئاً ، ثم اضطجع رسول الله (ص) حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة . ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده ، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً فدفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن عباس وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيماً، فلما دفع رسول الله (ص) مرت به ظعن يجرين ، فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله (ص)يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر ، فحول رسول الله (ص) يده من الشق الآخر على وجه الفضل يصرف وجهه من الشق الآخر ، ينظر حتى أتى بطن محسر فحرك قليلاً ، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف ، رمى من بطن الوادي ، ثم انصرف إلى المنحر فنحرثلاثاً وستين بيده ثم أعطى علياً فنحرما غَبَرَ(مابقي) وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثم ركب رسول الله (ص) فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهرفأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال: إنزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ، فناولوه دلواً فشرب منه .

عن جعفر حدثني أبي (الباقر عليهما السلام )عن جابر في حديثه ذلك أن رسول الله (ص) قال: نحرت هاهنا ومنى كلها منحر ، فانحروا في رحالكم ، ووقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ، ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف ).

أقول: تعمد الإمام الباقر عليه السلام أن يروي صفة حج النبي صلى الله عليه وآله عن صحابي كان معه في الحج ليسهل قبوله على الناس ، وإلا فهو أعلم من جابر بقول النبي صلى الله عليه وآله وفعله !

11- عَلَّم الباقر عليه السلام الناس وضوء النبي صلى الله عليه وآله :(قال زرارة: قال أبو جعفر عليه السلام : ألا أحكي لكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقلنا: بلى، فدعا بقعب فيه شئ من ماء ثم وضعه بين يديه ثم حسر عن ذراعيه ، ثم غمس فيه كفه اليمنى ثم قال: هكذا إذا كانت الكف طاهرة ، ثم غرف فملأها ماءً فوضعها على جبينه ثم قال: بسم الله وسَدَله على أطراف لحيته ، ثم أمَرَّ يده على وجهه وظاهر جبينه مرة واحدة .

ثم غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ، ثم وضعه على مرفقه اليمنى وأمَرَّ كفه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه ، ثم غرف بيمينه ملأها فوضعه على مرفقه اليسرى ، وأمرَّ كفه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه ، ومسح مقدم رأسه وظهر قدميه ، ببلة يساره ، وبقية بلة يمناه) .(الكافي:3/24).

12- وفي الكافي (5/116): (عن جابر،عن أبي جعفر عليه السلام قال:احتجم رسول الله صلى الله عليه وآله حجمه مولى لبني بياضة وأعطاه ، ولو كان حراماً ما أعطاه ، فلما فرغ قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : أين الدم؟قال: شربته يا رسول الله ! فقال: ما كان ينبغي لك أن تفعل ، وقد جعله الله عزّ وجلّ لك حجاباً من النار فلا تعد )!

تأصيل علم الفقه والحديث

1- قال عليه السلام :(قرأت في كتاب علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:إنه سيكذب عليَّ كاذب كما كُذب على من كان قبلي. فما جاءكم عني من حديث وافق كتاب الله فهو حديثي ، وماخالف كتاب الله فليس من حديثي). (قرب الإسناد/92).

2- قال عليه السلام : (كل شئ خالف كتاب الله عزّ وجلّ رُدَّ إلى كتاب الله عزّ وجلّ والسنة...كل من تعدى السنة رُدَّ إلى السنة).(الكافي:6/58 و:1/71 ).

وفي الحدائق الناضرة (1/93) عن زرارة بن أعين قال:(سألت الباقر عليه السلام فقلت: جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما أخذ؟ فقال: يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر . فقلت يا سيدي إنهما معاً مشهوران مرويان مأثوران عنكم؟ فقال عليه السلام :خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك . فقلت إنهما معاً عدلان مرضيان موثقان؟ فقال: أنظر ما وافق منهما العامة فاتركه ، وخذ ما خالفه فإن الحق فيما خالفهم . فقلت: ربما كانا موافقين لهم أو مخالفين ، فكيف أصنع؟ فقال: إذن فخذ ما فيها الحائطة لدينك واترك الآخر .

فقلت: إنهما معاً موافقان للإحتياط أو مخالفان له ، فكيف أصنع؟ فقال إذن تتخير أحدهما فتأخذ به ، وتدع الآخر) .

وقف الإمام عليه السلام في وجه الذين يعرفون الدين بالقياس

في الكافي(1/57و59) عن الإمام الصادق عن أبيه عليهما السلام قال: (إن علياً صلوات الله عليه قال:من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس ، ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس ! قال: وقال أبو جعفر عليه السلام : من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم ، ومن دان الله بما لايعلم فقد ضاد الله حيث أحل وحرم فيما لا يعلم. إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً يحتاج إليه الأمة إلا أنزله في كتابه وبينه لرسوله وجعل لكل شئ حداً وجعل عليه دليلاً يدل عليه ، وجعل على من تعدى ذلك الحد حداً ).

قاعدة كل شئ لك حلال حتى تعلم أنه حرام

(عبد الله بن سليمان قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجبن فقال: لقد سألتني عن طعام يعجبني ، ثم أعطى الغلام دراهم فقال: يا غلام ابتع لي جبناً ودعا بالغداء فتغدينا معه ، وأتى بالجبن فقال: كلْ ، فلما فرغ من الغداء قلت: ما تقول في الجبن؟ قال: أولم ترني أكلت؟ قلت: بلى ولكني أحب أن أسمعه منك ، فقال: سأخبرك عن الجبن وغيره: كل ما يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه) . (المحاسن:2/495).

وقال الصادق عليه السلام (الكافي:5/313):(كل شئ هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون قد اشتريته وهو سرقة أو المملوك عندك ولعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك . والأشياء كلها على هذا ، حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة).

قاعدة عرض الحديث على كتاب الله تعالى

قال عليه السلام : (إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله  ، وإلا فالذي جاء كم به أولى به.. قال رسول الله صلى الله عليه وآله :إن على كل حق حقيقةً وعلى كل صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه ). (الكافي:1/69).

قاعدة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام

قال الباقر عليه السلام : (إن سمرة بن جندب كان له عذق وكان طريقه إليه في جوف منزل رجل من الأنصار ، فكان يجئ ويدخل إلى عذقه بغير إذن من الأنصاري فقال الأنصاري: يا سمرة ، لا تزال تفجأنا على حال لا نحب أن تفجأنا عليه ، فإذا دخلت فاستأذن . فقال: لا أستأذن في طريق هو طريقي إلى عذقي .

قال: فشكاه الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأرسل إليه رسول الله فأتاه فقال: إن فلاناً قد شكاك وزعم أنك تمر عليه وعلى أهله بغير إذنه فاستأذن عليه إذا أردت أن تدخل . فقال يا رسول الله أستأذن في طريقي إلى عذقي؟

فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : خل عنه ولك مكانه عذق في مكان كذا وكذا ، فقال: لا ، قال: فلك اثنان قال:لا أريد ، فلم يزل يزيده حتى بلغ عشرة أعذاق فقال: لا! قال فلك عشرة في مكان كذا وكذا. فأبى، فقال: خل عنه ولك مكانه عذق في الجنة قال: لا أريد ! فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : إنك رجل مضار ولاضرر ولاضرار على مؤمن. قال ثم أمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله فقلعت ورميَ بها إليه وقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : إنطلق فاغرسها حيث شئت). (الكافي:5/294).

قاعدة يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب

في الكافي(5/422): (عن بريد العجلي قال:سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا؟ فقال: إن الله تعالى خلق آدم من الماء العذب وخلق زوجته من سنخه فبرأها من أسفل أضلاعه فجرى بذلك الضلع سبب ونسب ثم زوجها إياها فجرى بسبب ذلك بينهما صهر وذلك قوله عزّ وجلّ : نَسَبًا وَصِهْرًا ، فالنسب يا أخا بني عجل ما كان بسبب الرجال والصهر ماكان بسبب النساء. فقلت له:أرأيت قول رسول الله صلى الله عليه وآله :يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فسر لي ذلك ، فقال: كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام فذلك الرضاع الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله .

وكل امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحداً بعد واحد من جارية أو غلام، فإن ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، وإنما هو من نسب ناحية الصهر رضاع ، ولا يحرِّم شيئاً وليس هو سبب رضاع من ناحية لبن الفحولة فيحرم ).

أقول:ليس معنى قوله عليه السلام :وخلق زوجته من سنخه ،أنها خلقت من آدم كما زعموا، بل من سنخ آدم أي من طين . وجرى تفاعل ما بأسفل أضلاعه لتحقيق الزوجية بينهما. ا

قاعدة لارضاع بعد فطام ولا يتم بعد احتلام

في روضة المتقين (8/4) والفقيه(3/359): (روى منصور بن حازم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله :لارضاع بعد فطام ، ولا وصال في صيام ، ولا يُتْم بعد احتلام ، ولاصمت يوماً إلى الليل ، ولا تعرب بعد الهجرة ، ولا هجرة بعد الفتح ، ولا طلاق قبل نكاح ، ولا عتق قبل ملك ، ولا يمين لولد مع والده ، ولا لمملوك مع مولاه،ولا للمرأة مع زوجها ، ولا نذر في معصية ولا يمين في قطيعة).

قاعدة من قتل دون ماله فهو شهيد

من لا يحضره الفقيه(4/٧٤):(عن محمد بن مسلم عن أحدهما(الصادق أو الباقر عليهما السلام ) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله :من قتل دون ماله فهو شهيد، قال وقال: لو كنت أنا، لتركت المال ولم أقاتل ).

قاعدة التقية في كل ما اضطررت اليه

في الكافي(2/220):( عن زرارة وغيره قالوا:سمعنا أبا جعفر عليه السلام يقول:التقية في كل شئ يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له .

وعنه عليه السلام قال: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم ، فإذا بلغ الدم فليس تقية).

وفي الكافي(2/221): (عن عبد الله بن عطاء قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام رجلان من أهل الكوفة أخذا فقيل لهما إبرئا من أمير المؤمنين عليه السلام فبرئ واحد منهما وأبى الآخر فخلى سبيل الذي برئ وقتل الآخر! فقال أما الذي برئ فرجل فقيه في دينه وأما الذي لم يبرأ فرجل تعجل إلى الجنة ) .

قاعدة لا تنقض اليقين بالشك أبداً ولكن تنقضه بيقين آخر

في تهذيب الأحكام (1/8): (عن زرارة قال قلت له: الرجل ينام وهو على وضوء أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال يا زرارة: قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن فإذا نامت العين والأذن والقلب فقد وجب الوضوء.

قلت: فإن حرك إلى جنبه شئ ولم يعلم به قال: لا، حتى يستيقن أنه قد نام ، حتى يجيئ من ذلك أمر بين وإلا فإنه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين أبداً بالشك ، ولكن ينقضه بيقين آخر ).

$قاعدة: لا تعاد الصلاة

قال الباقر عليه السلام :(لاتعاد الصلاة إلا من خمس: الطهور، والوقت ، والقبلة، والركوع، والسجود. القراءة سنة والتشهد سنة ولا تنقض السنة الفريضة). (الفقيه:1/339).

قاعدة الشك بعد التجاوز

في تهذيب الأحكام(2/352):(عن زرارة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة قال: يمضي ، قلت: رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبر؟ قال: يمضي ، قلت: رجل شك في التكبير وقد قرأ ؟ قال: يمضي، قلت: شك في القراءة وقد ركع؟ قال: يمضي ، قلت: شك في الركوع وقد سجد ؟ قال: يمضي على صلاته ، ثم قال: يا زرارة إذا خرجت من شئ ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشئ .. كلما شككت فيه بعدما تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد ).

قاعدة: كل مسكر حرام وكل مسكر خمر

في الكافي(6/408): (عن عطاء بن يسار ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كل مسكر حرام ، وكل مسكر خمر ).

التأكيد على الجهر بالبسملة

التي كان الطلقاء في مكة يهربون منها عندما كان يقرؤها النبي صلى الله عليه وآله ، وفيهم نزل قوله تعالى: وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا . ولما أخذوا الخلافة حذفوها ! قال النووي في المجموع:3/342:(وقال أبو جعفر محمد بن علي: لاينبغي الصلاة خلف من لا يجهر). راجع التفصيل في ألف سؤال وإشكال:1/405 ، مسألة 98.

الفصل الثالث عشر

الإمام الباقر عليه السلام يعلي صَرْحَ التشيع

صحيفة الوصية رفعت عنه التقية !

حددت صحيفة الوصية التي تقدمت في الفصل الأول ، البرنامج الرباني للإمام الباقر عليه السلام :( فسِّرْ كتاب الله تعالى ، وصدِّقْ أباك ، وورِّثْ ابنك ، واصطنع الأمة ، وقم بحق الله عزّ وجلّ ، وقل الحق في الخوف والأمن ، ولا تخش إلا الله ).

ولكل فقرة منها دلالات ، والفقرة الأخيرة ترفع التقية عن الإمام عليه السلام ليجهر بالحق في الخوف والأمن ، ويكشف التحريف . فيكون استثناء من قولهم عليهم السلام : من لا تقية له فلا دين له ، ويكون رفع التقية عنه لبيان الدين الذي طمسه الحكام .

كما أخبر أبوه زين العابدين عليه السلام أن الباقر عليه السلام سيبدأ مهمته في بَقْر علم النبوة وتفجير ينابيعه حيث قال للقاسم بن عوف: (وإياك أن تشد راحلة ترحلها فما هاهنا مطلب العلم ، حتى يمضي لكم بعد موتي سبع حجج ، ثم يبعث الله لكم غلاماً من ولد فاطمة ، يُنبت الحكمة في صدره كما يُنبت الطَّلُّ الزرع ) .

وبعد سبع سنين تولى الخلافة عمر بن عبد العزيز ، الشاب المترف الذي عاش في المدينة ثم صار واليها ، وكان محباً لبني هاشم عترة النبي صلى الله عليه وآله معجباً بالإمام زين العابدين عليه السلام أيما إعجاب، وظل يذكره بإيمان ولهفة ويقول: (ذهب سراج الملة وجمال الإسلام ، وزين العابدين). (تاريخ اليعقوبي:2/306) .

وقد انتقل إعجابه الى ولده محمد الباقر عليه السلام فانفتح الباب للإمام عليه السلام طوال أربع عشرة سنة من عمره الشريف ، في عهد ابن عبد العزيز وخلفه يزيد بن عبد الملك ، ثم واصل جهاده في عهد الطاغية هشام بن عبد الملك حتى استشهد بيده بعد تسع سنين من ملكه ! وفي هذه المدة جهر الإمام عليه السلام بالحق في حديثه ومواقفه ، فبيَّنَ معالم الإسلام النبوي ، ومركزية ولاية أهل البيت عليهم السلام فيه ، وبَلْوَرَ معالم فقه الإسلام وشريعته ، ورسَّخَ أسس التشيع التي أرساها آباؤه عليهم السلام ، وفضح تآمر قريش. وربى على ذلك جيلاً من العلماء والرواة ، نشروا مذهب أهل البيت عليهم السلام في العراق وخراسان والشام والحجاز ، وغيرها من مناطق الدولة .

لقد كان نشاطه العلمي تطبيقاً لأمر الله له: فسِّر كتاب الله . فنشر التعمق في تفسير القرآن، في عصر ساد فيه من علماء الدولة التفسير السطحي بالإسرائيليات  ، كعكرمة ، وقتادة ، ومجاهد ، والحسن البصري !

وصدِّقْ أباك.. أي: رسِّخ ما بناه أبوك الإمام زين العابدين عليه السلام من عقائد الإسلام وأخلاقيته وروحانيته ، وظلامة العترة الطاهرة .

وورِّثْ ابنك.. أي قم بإعداد جعفر الصادق عليه السلام وتعريفه للأمة ، وأوصِ له ، وورثه جهدك ومجدك ، ومواريث الأنبياء عليهم السلام  .

ومعناه: ركز مكانة آبائك وابنك واربط الأمة بهم ، وعلمها أن توالي هذه الأسرة الربانية المختارة وتقتدي بهم ، حتى لا ينصب لها المنحرفون أنداداً وأئمة من دون الله تعالى ، ويخدعوها بولاية الطغاة المقنعين ، وعلمائهم المضلين !

واصطنع الأمة.. أي قم ببناء الفئة الواعية الناجية داخل الأمة ، فاختر علماءها وعناصرها ، وتعهدهم بالتربية والرعاية والإدارة . وهو ما قام به عليه السلام فكان ينمي الكتلة الموالية لأهل البيت عليهم السلام ويرعاهم ويوجه اليهم الرسائل والمبلغين .

ويكفي لمعرفة تأثيره عليه السلام في بناء المجتمع الشيعي قول الخليفة عنه: (هذا نبي أهل الكوفة). (الكافي:8/120). (المفتون به أهل العراق).(سير أعلام: 4/405).

وقم بحق الله عزّ وجلّ .. في نفسك وأسرتك وعشيرتك ومجتمعك ، ومع السلطة الأموية ، ولاتها ورأسها ، ومع مشاريع الجبابرة الجدد الذين يعملون لوراثتها .

وقل الحق في الخوف والأمن ، ولا تخش إلا الله.. وهذا أمرٌ للإمام عليه السلام بالجهر بالحق بدون تقية ، فكان يجهر به ويعلمه لتلاميذه وأتباعه ، ويواجه به شخصيات المجتمع ، وعلماء السلطة ، وأتباعهم ، ويواجه به الوالي والخليفة، سواء كان ليناً محباً كعمر بن عبد العزيز ، أو معادياً طاغية كالحاكميْن اللذين عاصرهما بعده: يزيد بن عبد الملك الذي عمل لإعادة الأمور الى ماكانت عليه قبل ابن عبد العزيز، والطاغية الجبار المريض نفسياً هشام بن عبد الملك الذي جاهده الإمام عليه السلام وعانى منه تسع سنين ، حتى كتب الله له الشهادة بيده .

وقد أوجد الباقر عليه السلام تياراً في الأمة موالياً لأهل بيت النبوة عليهم السلام وكان يجاهر في ذلك ولا يخاف ، وفي أخباره مع الكميت تجد الصراحة االكاملة في البراءة ممن خالفوا علياً عليه السلام .

ونورد هنا شهاداته عليه السلام بمقام الشيعة وأنهم الفئة المرضية عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله .

فقد روى الصدوق في فضائل الشيعة/8 عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (خرجت أنا وأبي ذات يوم إلى المسجد فإذا هو بأناس من أصحابه بين القبر والمنبر ، قال فدنا منهم وسلم عليهم وقال: إني والله لأحب ريحكم وأرواحكم فأعينوا على ذلك بورع واجتهاد ، واعلموا أن ولايتنا إلا بالورع والإجتهاد ، من ائتم منكم بقوم فليعمل بعلمهم . أنتم شيعة الله ، وأنتم أنصار الله ، وأنتم السابقون الأولون ، والسابقون الآخرون ، والسابقون في الدنيا إلى محبتنا ، والسابقون في الآخرة إلى الجنة . ضمنت لكم الجنة بضمان الله عزّ وجلّ  ، وضمان النبي عليهما السلام  !

أنتم الطيبون ، ونساؤكم الطيبات ، كل مؤمنة حوراء وكل مؤمن صديق . كم من مَرَّةٍ قال أمير المؤمنين عليه السلام لقنبر: أبشروا وبشروا ، فوالله مات رسول الله عليهما السلام وهو ساخط على أمته إلا الشيعة ! ألا وإن لكل شئ شرفاً وشرف الدين الشيعة .

ألا وإن لكل شي إماماً وإمام الأرض أرض تسكنها الشيعة .

ألا وإن لكل شئ سيداً وسيد المجالس مجالس الشيعة .

ألا وإن لكل شئ شهوة ، وإن شهوة الدنيا سكنى شيعتنا فيها . والله لولا ما في الأرض منكم ما استكمل أهل خلافكم طيباتهم في الدنيا ، وما لهم في الآخرة من نصيب .

كل ناصب وإن تعبد واجتهد ، منسوب إلى هذه الآية: عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً . من دعا منكم دعوة فله مئة ، ومن طلب منكم إلى الله تبارك وتعالى اسمه حاجة فله مائة . ومن دعا دعوة فله مائة ، ومن عمل حسنة فلا يحصى تضاعيفها ، ومن أساء سيئة فمحمد رسول الله عليهما السلام حجته على تبعتها .

والله إن صائمكم ليرتع في رياض الجنة تدعو له الملائكة بالفوز حتى يفطر ، وإن حاجكم ومعتمركم لخاصة الله عزّ وجلّ  .

وإنكم جميعاً لأهل دعوة الله وأهل ولايته ، لاخوف عليكم ولا حزن ، كلكم في الجنة ، فتنافسوا الصالحات . والله ما أحد أقرب من عرش الله عزّ وجلّ بعدنا من شيعتنا .

ما أحسن صنع الله إليهم !

لولا أن تفشوا ويشمت به عدوكم ويُعظم الناس ذلك ، لسلَّمَتْ عليكم الملائكة قبيلاً ! قال أميرالمؤمنين عليه السلام : يخرج أهل ولايتنا من قبورهم يخاف الناس وهم لا يخافون ، ويحزن الناس وهم لا يحزنون) .

كان يجهر بمقام الإمامة

كان الإمام الباقر عليه السلام يجهر بإمامة أهل البيت عليهم السلام ومقامهم الذي خصهم الله تعالى به ، قال عليه السلام :(لما أتى أبو بكر وعمر إلى منزل أمير المؤمنين وخاطباه في أمر البيعة وخرجا من عنده ، خرج أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد ، فحمد الله وأثنى عليه بما اصطنع عندهم أهل البيت إذ بعث فيهم رسولاً منهم ، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، ثم قال: إن فلاناً وفلاناً أتياني وطالباني بالبيعة لمن سبيله أن يبايعني! أنا ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وأبو ابنيه ، والصديق الأكبر ، وأخو رسول الله لا يقولها أحد غيري إلا كاذب ! أسلمت وصليت قبل كل أحد ، وأنا وصيه وزوج ابنته سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد،وأبو حسن وحسين سبطي رسول الله  .

ونحن أهل بيت الرحمة ، بنا هداكم الله ، وبنا استنقذكم الله من الضلالة ، وأنا صاحب يوم الدوح ، وفيَّ نزلت سور من القرآن ..

ثم قال الإمام الباقر عليه السلام :يا عبدالله ما أكثر ظلم هذه الأمة لعلي بن أبي طالب وأقل انتصارهم له ، ثم يمنعون علياً ما يعطونه ساير الصحابة وعليٌّ عليه السلام أفضلهم ، فكيف يمنع منزلة يعطونها غيره ، قيل: وكيف ذاك يا ابن رسول الله؟ قال: لأنكم تتولون محبي أبي بكر بن أبي قحافة وتتبرؤون من أعدائه كائناً من كان ، وكذلك تتولون عمر بن الخطاب وتتبرؤون من أعدائه كائناً من كان ، وتتولون عثمان بن عفان وتتبرؤون من أعدائه كائناً من كان ، حتى إذا صار إلى علي بن أبي طالب قالوا: نتولى محبيه ولا نتبرأ من أعدائه بل نحبهم !

فكيف يجوز هذا لهم ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول في علي: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله! أفترونه لايعادي من عاداه ولايخذل من خذله! ليس هذا بإنصاف)! (الإحتجاج:2/67).

وقال عليه السلام :(قال رسول الله صلى الله عليه وآله :خلق الله عزّ وجلّ مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي،أنا أكرمهم على الله ولا فخر، وخلق الله عزّ وجلّ مائة ألف وصي وأربعة وعشرين ألف وصي فعلي أكرمهم على الله وأفضلهم). (أمالي الصدوق/307).

وقال عليه السلام في تفسير قوله تعالى: فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا:لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين ولي الله . إلى هنا التوحيد).( تفسيرالقمي:2/155).

وقال صاحب الميزان(16/186):(ورويَ هذا المعنى في بصائر الدرجات عن أبي عبد الله عليه السلام . ورواه في التوحيد عن عبد الرحمن مولى أبي جعفر عنه عليه السلام .

ومعنى كون الفطرة هي الشهادات الثلاث أن الإنسان مفطور على الإعتراف بالله لا شريك له بما يجد من الحاجة إلى الأسباب المحتاجة إلى ما وراءها وهو التوحيد ، وبما يجد من النقص المحوج إلى دين يدين به ليكمله وهو النبوة ، وبما يجد من الحاجة إلى الدخول في ولاية الله بتنظيم العمل بالدين وهو الولاية ، والفاتح لها في الإسلام هو علي عليه السلام ).

أقول: مضافاً الى ما ذكره رحمه الله من أن الإمامة الربانية نظمٌ لأمر الدين ، فإنها طريق التصديق العملي بالنبوة والتوحيد ، بل هي من صلب التوحيد لأن التوحيد الصحيح لا يتحقق مع نصب أئمة أنداد مقابل من جعلهم الله أئمة وفرض طاعتهم !

وروى الثمالي في قوله تعالى/237: فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُوراً . إنه يقصد الكفرالعملي المنافي للتوحيد قال: يعني بولاية علي عليه السلام يوم أقامه رسول الله صلى الله عليه وآله ) .

وكان الإمام الباقر عليه السلام صريحاً في رد التحريف

يقوم الإسلام النبوي الذي قدمه الإمام الباقر عليه السلام على التمسك بالقرآن والعترة ، فمن أركانه فريضة ولاية أئمة العترة النبوية عليهم السلام التي أوحاها الله تعالى وبلغها رسوله صلى الله عليه وآله ، وتوازيها فريضة البراءة من أعدائهم وظالميهم وغاصبي حقوقهم أياً كانوا ! تجد ذلك صريحاً قوياً في أحاديثه عليه السلام ومواقفه !

وهذا فهرس أحاديثه وأحاديث ابنه الصادق في أبواب الكافي(1/174):

باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة عليهم السلام  .

باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث عليهم السلام  .

باب أن الأرض لا تخلو من حجة .

باب أن الأئمة خلفاء الله عزّ وجلّ في أرضه وأبوابه التي منها يؤتي .

باب أن الأئمة ولاة الأمر وهم الناس المحسودون الذين ذكرهم الله عزّ وجلّ  .

باب أن أهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الأئمة عليهم السلام .

باب أن الراسخين في العلم هم الأئمة عليهم السلام .

باب في أن من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة عليهم السلام .

باب أن الأئمة معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة.

باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم عليهم السلام .

باب أن الأئمة عليهم السلام إذا شاؤوا أن يعلموا علموا.

باب أن الأئمة عليهم السلام محدثون مفهمون .

باب وقت ما يعلم الإمام جميع علم الإمام الذي كان قبله.

باب ثبات الإمامة في الأعقاب وأنها لا تعود في أخ ولا عم ولا غيرهما .

باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة .

ففي هذه الأبواب وأمثالها في كتب الحديث تجد أحاديث الباقر والصادق’ وافرةً هادرة ، في بيان أصول ولاية أهل البيت^وأصول البراءة من مخالفيهم .

يبدأ فيها بآيات القرآن ويؤيدها بسيرة جده النبي‘الذي بدأ بعثته بإنذار عشيرته الأقربين، واختار منهم بأمر ربه علياً×وزيره ووصيه وخليفته !

ولايتحرج الإمام عليه السلام في أن يذم قريشاً ويسمي رؤساء بطونها وشخصياتها ، الذين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وتآمروا عليه ، ثم تعاونوا مع اليهود في تجييش العرب لحربه ، ثم اضطروا الى خلع سلاحهم في فتح مكة ، لكنهم واصلوا التآمر عليه وكتبوا صحيفتهم الثانية لأخذ خلافته وإبعاد أهل بيته عنها !

ثم تجد أن عقيدة الإمامة عنده عليه السلام ليست منفصله عن النبوة والألوهية بحال ، وأن قريشاً انتقصت من توحيد الله عزّ وجلّ  ، وعممت في المسلمين تصور الله تعالى تصوراً يهودياً لا إسلامياً ! كما انتقصت قريش من شخصية النبي صلى الله عليه وآله وقدمت صورته للناس بأنه يخطئ فيصحح له عمر، وينسى في صلاته فيصحح له أعرابي ، ثم يترك أمته سدى فلم يعهد الى عترته ولا الى غيرهم !

لذا كان من فعاليات الإمام‌الباقر عليه السلام تصحيح التوحيد وفهم المسلمين ‌لله تعالى ، وقد واصل المعركة التي‌خاضها أهل‌البيت عليهم السلام لإعادة التوحيد النبوي ومقاومة التحريف القرشي اليهودي، الذي صور الله شبيهاً بالإنسان يسكن في السماء وينزل الى الدنيا ويصعد! وما زال أتباعهم الى يومنا هذا يصرون على فريتهم وينشرونها في المسلمين !

ويكفي أن ترجع الى كتاب التوحيد للصدوق لتجد أن الإمام الباقر عليه السلام شقق مفاهيم التوحيد ، وهاجم التحريف في معرفة الله تعالى وعبادته .

كما تجد وفرة ما روي عنه عليه السلام في سيرة النبي صلى الله عليه وآله ومقامه الشامخ ، وتأسيسه لسيرة نبوية أصيلة، برأه فيها مما ألصقه الأمويون !

كما تجد من فعالياته عليه السلام تركيز مكانة أمير المؤمنين عليه السلام في الأمة لأنه عليه السلام محور التشيع ، وأول مظلوم يفتح ملفه يوم الحساب كما اعترف به البخاري(5/6) وأنه: (أول من يجثو للخصومة بين يدي الرحمان يوم القيامة) !

وتجد من فعالياته عليه السلام : تعليم المسلمين التدين الفقاهتي في مقابل التدين السياسي للخليفة وموظفي الدولة ، والتدين البدوي الشكلي لأتباعهم .

ومن فعالياته عليه السلام : إرساء أصول الفقه ، ومحاربته المنهج الظني والكيفي .

ومن فعالياته عليه السلام : نفي قداسة الأئمة الذين نصبتهم قريش أنداداً !

وفي كل واحد من هذه الموضوعات مفردات وبحوث ، لايتسع لها المجال .

أمام ذلك وجد رواة السلطة الأموية والعباسية أنفسهم محرجين أمام شقاشق الإمام الباقر عليه السلام الهادرة في بيان حق أهل البيت عليهم السلام وذم مخالفيهم ، فوضعوا على لسانه أحاديث في مدح أئمتهم وسلفهم خاصة أبي بكر وعمر، وردوا أحاديثه في نقدهما واتهموا رواتها !

أمر الإمام ابنه جعفر الصادق عليهما السلام أن يعلن ولاية العترة  !

في موسم الحج أمر الإمام الباقر ولده الصادق عليه السلام أن يخطب في الحجيج ويجهر بولاية أهل البيت النبوي عليهم السلام ويبين موقعهم في صلب الإسلام ، متحدياً بذلك النظام خليفته الحاضر في الحج  ، والحركات الهاشمية من الحسنيين والعباسيين .

وبذلك صعَّدَ الإمام عليه السلام عمله فأعلن وجود معارضة علنية للخلافة الأموية ، واختار لذلك موسم الحج وحضور الخليفة هشام !

ففي المناقب (3/329) أن الأبرش الكلبي قال لهشام مشيراً إلى الباقر عليه السلام : من هذا الذي احتوشته أهل العراق يسألونه؟ قال: هذا نبي الكوفة ، وهو يزعم أنه ابن رسول الله ، وباقر العلم ومفسر القرآن ، فاسأله مسألة لا يعرفها ) !

فالجو الشعبي للإمام عليه السلام في العراق يسمح له بمصارحة المسلمين ، وتوعيتهم على مقام أهل البيت عليهم السلام ، ولا حجة للسلطة عليه ، لأنه لم يدع الناس الى الثورة عليهم!

الفصل الرابع عشر

الأصحاب الخاصون للإمام الباقر والصادق عليهما السلام

نقاط حول أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام

1- يبلغ أصحاب الإمام الباقر والصادق عليهما السلام خمسة آلاف تلميذ وأكثر، لأن ابن عقدة ألف كتاباً فيمن روى عن جعفر بن محمد عليه السلام وما رواه فبلغوا أربعة آلاف .

وقد عدَّ الشيخ الطوسي في رجاله نحو خمس مئة من تلاميذ الباقر عليه السلام ، وبضعة آلاف من تلاميذ الصادق عليه السلام .

هذا من حيث الكمية ، أما النوعية فرب رجل كأمة ، وقد ذكر مسلم في مقدمة صحيحه أن جابر الجعفي كان يحفظ سبعين ألف حديث عن الباقر عليه السلام كلها عن رسول الله صلى الله عليه وآله . وقال الترمذي لولاجابرالجعفي لم يكن عند أهل الكوفة حديث!

ومن الكوفة انتشر الحديث النبوي الى بغداد والبصرة ، والى العالم .

2- سبب كثرة تلاميذ وأحاديث الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام : الظرف السياسي المناسب في عصرهم في خلافة عمر بن عبد العزيز ، مضافاً الى أن الشيعة صاروا جمهور الكوفة ، وكانت الخلافة تداريهم أحياناً ولا تريد الإصطدام بهم .

3- من زمن الإمام الصادق عليه السلام عُرف مذهبنا بالمذهب الجعفري، وعرفنا بالشيعة الجعفرية، مع أنه نفس المذهب في العصور السابقة الى عصر علي عليه السلام والنبي صلى الله عليه وآله . وكان الناس يرجعون الى أئمة أهل البيت عليهم السلام وفقهاء مذهبهم ، فأسست السلطة مقابلهم: المذهب المالكي والحنفي والحنبلي والشافعي، وألزمت بها الناس فالتزموا ما عدا الشيعة . وقد شهد المحدثون والمؤرخون بأن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أستاذ أئمة المذاهب ، وعرف بـلقب أبي المذاهب الإسلامية .

4- قال الكشي(2/507): ( أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا: أفقه الأولين ستة: زرارة ، ومعروف بن خربوذ ، وبريد ، وأبو بصير الأسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي. قالوا: وأفقه الستة زرارة ، وقال بعضهم مكان أبي بصير الأسدي أبو بصير المرادي ، وهو ليث بن البختري ).

وجعلهم ابن داود الحلي ثمانية عشر ، قال في رجاله/209: (أجمعت العصابة على ثمانية عشر رجلاً فلم يختلفوا في تعظيمهم غير أنهم يتفاوتون . الدرجة العليا لستة منهم من أصحاب أبي جعفر عليه السلام أجمعوا على تصديقهم وإنفاذ قولهم والانقياد لهم في الفقه وهم زرارة بن أعين ، معروف بن خربوذ ، بريد بن معاوية ، أبو بصير: ليث بن البختري ، الفضيل ابن يسار ، محمد بن مسلم الطائفي .

والدرجة الوسطى فيها ستة أجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم وأقروا لهم بالفقه وهم من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام : يونس بن عبد الرحمن صفوان بن يحيى بياع السابري ، محمد بن أبي عمير ، عبد الله بن المغيرة الحسن بن محبوب ، أحمد بن محمد بن أبي نصر .

والدرجة الثالثة فيها ستة أجمعوا على تصديقهم وثقتهم وفضلهم وهم: جميل بن دراج ، عبد الله بن مسكان ، عبد الله بن بكير ، حماد بن عيسى حماد بن عثمان ، أبان بن عثمان . وأفقههم جميل بن دراج ).

وقد ترجمنا في الفصل الرابع لخمسة من أصحاب الباقر عليه السلام عملوا في خطته عليه السلام لمواجهة ثقافة السلطة المزيفة ، وكيف أعدهم ونشربهم عشرات الألوف من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله هم: أبان بن تغلب بن رباح الكندي ، ومحمد بن مسلم الثقفي، وجابر الجعفي ، و سليمان الأعمش ، ثم ورثهم أحمد بن عقدة .

ونترجم في هذا الفصل لزرارة والبارزين من إخوته ، ثم نحاول استيعاب بقية الثمانية عشر الذين أجمعت الطائفة على توثيقهم وجلالة قدرهم .

من أشهر أصحاب الإمام الباقر عليه السلام

آل أعين بن سُُنسُن

هيأ الله عزّ وجلّ للإمام الباقر والصادق عليهما السلام أصحاباً خاصين بقدرته ولطفه ، وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ .

وعائلة أعين أبوهم سُنسُن راهب من قرى الروم وقد أخذ الجيش الإسلامي ابنه أعين وباعه في بغداد ، فنبغ أعين ورزقه الله عشرة بنين منهم زرارة ، وبارك بهم وبذريتهم فكانوا فقهاء ومتكلمين كباراً ، واستمرت ذريتهم مع الأئمة عليهم السلام الى الإمام المهدي عليه السلام ! وقد اتفق المؤرخون على أن سُنسن كان راهباً في قرى بلاد الروم. وقال الخليل: سُنسن إسم أعجمي يسمى به أهل السواد ).

وقد ألف أبوغالب الزراري وهو: أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بُكير بن أعين ، الكوفي ، نزيل بغداد ، والموثق عند علمائنا ، والراوي عن الكليني ، توفي 368 ، ألف كتاب: تاريخ آل زرارة . وأكثر ما كتبنا عنهم منه .

قال: كان جدهم سُنسن راهباً رومياً، وابنه أعين غلاماً أسيراً ، فاشتراه عبد الله بن عمرو السمين بن أسعد بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان ، فرباه وتبناه ، وأحسن تأديبه ، وحفَّظه القرآن وعرَّفه الأدب ، وأعتقه فنسب إليهم  .

أما لماذا أُسِرأعيَن وأين فلا تجد جواباً ، وفي رواية أنه كان في حلب والصحيح أن كلمة حلب تصحيف للجَلَب ، واشتراه من الجَلَب أي الذين كأن يجلبهم جيش غزو الروم ويبيعونه في بغداد على أنهم عبيد !

وكان جيش المسلمين في رجوعه من الغزو يأخذ من وجدهم في طريقه من الروم ويبيعهم يبغداد جواري وعبيداً .

وقيل أصل سُنسن من قبيلة غسان ، وقيل من خراسان ، لكن الصحيح أنه رومي، لأن زرارة سمى ابنه رومي، فهو إعلان منه بنسبهم !

وكنية أعين أبو الجهم فهو أكير أولاده ، وعرفت محلتهم في الكوفة بدرب الجهم .

كان جمال زرارة فريداً !

(روي أن زرارة كان وسيماً جسيماً أبيض، فكان يخرج إلى الجمعة وعلى رأسه برنس أسود ، وبين عينيه سجادة وفي يده عصا ، فيقوم له الناس سماطين ، ينظرون إليه لحسن هيئته ، فربما رجع من طريقه). (تاريخ آل زر ارة/25).

وقال النجاشي: كان قارياً ، فقيهاً ، متكلماً ، شاعراً . وقال ابن النديم: فكان زرارة أكبر رجال الشيعة فقهاً وحديثاً ومعرفةً بالكلام والتشيع .

وقال أبو غالب: وكان خصماً جدلاً لايقوم أحد لحجته إلا أن العبادة أشغلته عن الكلام . والمتكلمون من الشيعة تلاميذه .

بارك الله في أولاد أعين  !

بارك الله فيهم فكان منهم مئات العلماء والمحدثين ، وقالوا إنهم بقوا أربعين سنة لايموت منهم محدث إلا ولد لهم فيهم غلام .

وقال الشيخ في الفهرست/74: (ولهم روايات كثيرة وأصول وتصانيف ، ولهم أيضاً روايات عن علي بن الحسين ، والباقر ، والصادق عليهم السلام ) .

وكان لهم في الكوفة محلة باسمهم ولهم مسجد صلى فيه الصادق عليه السلام ، وكان من المساجد الممدوحة بالكوفة . وقد أدرك أوائلهم الإمام علي بن الحسين عليه السلام وتواصلت ذريتهم مع الأئمة عليه السلام إلى عصر الغيبة .

أبناء أعين العشرة  !

في تاريخ آل زرارة/117، وبعدها: (روى ابن الغضائري عن علي بن سليمان الزراري أن بني أعين كانوا عشرة ، وتفاوتت الرواية في تسميتهم وهم: زرارة ، وبكير ، وحمران ، وضريس ، وعبد الملك ، وقعنب ، ومالك ، ومليك ، وعبيد الله ، وموسى بن أعين . وعد بعضهم :عبد الأعلى بن أعين ، وعبد الجبار بن أعين ، وعيسى بن أعين . وقد يكون وقع تصحيف في أسمائهم .

ولهم أخت يقال لها: أم الأسود ، قيل إنها مع أخيها حمران أول من تشيع منهم على يد أبي خالد الكابلي ، وهي التي أغمضت عيني زرارة لما توفي .

ومن أولاد زرارة: عبيد ، والحسن ، والحسين ، وعبد الله ، ومحمد ، ويحيى ، من أصحاب الصادق عليه السلام ، ورومي بن زرارة ، من أصحاب الكاظم عليه السلام .

وحمران أخ زرارة :ممدوح من أصحاب الإمام الباقر والصادق عليهما السلام .(الخوئي:7/269).

ومن أولاده:محمد ، وحمزة ، وعبد الرحمان ، وعقبة ، من أصحاب الصادق عليه السلام .

وبكير بن أعين: روى عن الباقر والصادق عليهما السلام ، وله ستة أولاد كلهم من رواة الحديث وأصحاب الأئمة عليهم السلام : عبد الله ، والجهم ، وعبد الحميد ، وعبد الأعلى ، وعمر ، وزيد ، ومات في حياة الإمام الصادق عليه السلام  . (الخوئي: 4/265 )

والحسن بن الجهم بن بكير: روى عن الكاظم والرضا عليهما السلام وله كتاب .

وذكر النجاشي محمد بن سليمان بن الحسن بن الجهم: روى عن الإمام أبي محمد العسكري عليه السلام ، له كتاب الآداب والمواعظ ، وكتاب الدعاء ، مات سنة 301.

وعلي بن سليمان بن الجهم: خرجت له توقيعات من صاحب الأمرعجل الله تعالى فرجه ، وله منزلة في علمائنا .

وأحمد بن محمد بن محمد الزراري: أبو غالب ، شيخ الطائفة في زمنه ووجههم ، له مات سنة 368 . وله كتب منها: كتاب التاريخ ، وكتاب تاريخ آل زرارة ).

وقال ابن النديم /322 :(آل زرارة بن أعين ، زرارة ، واسمه عبد ربه ، وأخوه حمران بن أعين ، وكان نحوياً ، وابنه حمزة بن حمران ، ومحمد بن حمران ، وبكير بن أعين ، وابنه عبد الله بن بكير ، وعبد الرحمان بن أعين ، وعبد الملك بن أعين ، وابنه ضريس بن عبد الملك ، من أصحاب أبي جعفرمحمد بن علي عليهما السلام ).

وقال ابن حجر في تقريب التهذيب(1/517): (عبد الملك بن أعين الكوفي ، مولى بنى شيبان ، صدوق شيعي،له في الصحيحين حديث واحد متابعة ، من السادسة/ع.

\

وقال الذهبي في الكاشف(2/207): أخو حمران ، عن أبي عبد الرحمان السلمي ، وأبى وائل ، وعنه السفيانان ، شيعي صدوق ، روى له روى له البخاري ومسلم مقروناً بآخر .

وفي ميزان الإعتدال(2/651): (قال أبو حاتم: من عتق الشيعة ، صالح الحديث ، حدث عنه السفيانان ، وأخرجا له مقروناً بغيره في حديث ).

هذا ، ولتفصيل أسماء آل أعين وآل زرارة وأحوالهم راجع كتابه: تاريخ آل زرارة ، تأليف أبي غالب الراري واسمه أحمد بن محمد بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين ، متوفى سنة 368 هجرية ، وقد وثقه علماؤنا .

كان زرارة مقرباً من الإمام الباقر عليه السلام  !

كان زرارة أثيراً عند الأئمة ، وجاء في فضله عن الإمام الصادق عليه السلام : ما أجد أحداً أحيا ذكرنا وأحاديث أبي عليه السلام ، إلا زرارة وأبو بصير ليث المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية العجلي ، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا .

هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي عليه السلام على حلال الله وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة » . ( الكشي:1/347 ) .

وقال النجاشي/175: زرارة بن أعين شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدمهم ، كان قارئاً فقيهاً متكلماً شاعراً أديباً ، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين ، صادقاً فيما يرويه . مات سنة مئة خمسين . وقال جميل بن دراج: ما كنا حول زرارة إلا بمنزلة الصبيان في الكتَّاب حول المعلم . ( الكشي:1/346 ) .

وذكر الإمام الصادق عليه السلام أقواماً فقال كان أبي عليه السلام إئتمنهم على حلال الله وحرامه وكانوا عيبة علمه ، وكذلك هم اليوم عندي ، وهم مستودع سرِّي وأصحاب أبي حقاً ، إذا أراد الله بأهل الأرض سوءً صرف بهم عنهم السوء ، هم نجوم شيعتي أحياءً وأمواتاً، يحيون ذكر أبي عليه السلام ، يكشف الله بهم كل بدعة ، ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأوُّل الغالين ، ثم بكى!

فقلت: من هم؟ فقال: من عليهم صلوات الله ورحمته أحياءً وأمواتاً: بريد العجلي وزرارة ، وأبو بصير ، ومحمد بن مسلم » . (الكشي:1/348) .

وقال الكشي(2/507): ( أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا: أفقه الأولين ستة: زرارة ، ومعروف بن خربوذ ، وبريد ، وأبو بصير الأسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي. قالوا: وأفقه الستة زرارة ، ثم أورد أحاديث كثيرة في مدحهم وجلالتهم وعلو منزلتهم والأمر بالرجوع إليهم ).

كان زرارة هدفاً للسلطة فتكلم عليه الإمام عليه السلام ليحفظه !

كان لزرارة مكانة كبيرة في المجتمع الكوفي وخارجه ، لذلك قررت السلطة أن تغتاله ! ولما قدم الحجاج الثقفي إلى الكوفة قال:لا يستقيم لنا ملك ومن آل أعين رجل تحت حجر، فاختفوا وتواروا ، فلما اشتد الطلب عليهم ظفروا بعبد الرحمان بن أعين وقالوا له هذا المفتى من بين إخوته ، فأدخل على الحجاج فلما بصر به قال: لم تأتوني بآل أعين وجئتموني بزبارها ! وخلى سبيله ) أي بأغصانها اليابسة .

وقد ورد أن الإمام الصادق عليه السلام ذم زرارة ليبعد عنه بطش السلطة ، فقد روى الكشي بسند موثق عن الحسين بن زرارة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام :إن أبي يقرأ عليك السلام ويقول لك: جعلني الله فداك إنه لا يزال الرجل والرجلان يقدمان فيذكران أنك ذكرتني وقلت فيَّ ، فقال: أقرئ أباك السلام وقل له: إنا والله أحب لك الخير في الدنيا وأحب لك الخير في الآخرة ، وأنا والله عنك راض ، فما تبالي ما قال الناس بعد هذا .

وفي رواية: إقرأ مني على والدك السلام وقل له: إني أعيبك دفاعاً مني فإن الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه ، وحمدنا مكانه لإدخال الأذى فيمن نحبه ونقربه ، ويحمدون كل من عبناه ، فإنما أعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا وبميلك إلينا ، وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر بمودتك لنا وميلك إلينا ، فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ويكون بذلك منا دفع شرهم عنك، يقول الله عزّ وجلّ : أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا . ولقد كانت صالحة ليس للعيب منها مساغ والحمد لله ، فافهم المثل يرحمك الله فإنك والله أحب الناس إليَّ ، وأحب أصحاب أبي عليه السلام حياً وميتاً ، فإنك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر ، وإن ورائك ملكاً ظلوماً غصوباً يرقب كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصباً ، ورحمة الله عليك حياً وميتاً ورضوانه عليك ميتاً ، ولقد أدى إليَّ ابناك الحسن والحسين رسالتك أحاطهما الله وكلاهما ، وحفظهما بصلاح أبيهما كما حفظ الغلامين ، فلا يضيقن صدرك من الذي أمرك أبي عليه السلام وأمرتك به ، وأتاك أبو بصير بخلاف الذي أمرناك به فلا والله ما أمرناك ، ولا أمرناه إلا بأمر وسعنا ووسعكم الأخذ به ، ولكل ذلك عندنا تصاريف ومعان توافق الحق ، ولو أذن لنا لعلمتم أن الحق في الذي أمرناكم فردوا إلينا الأمر، وسلموا لنا واصبروا لأحكامنا وارضوا بها.. فلو قد قام قائمنا وتكلم متكلمنا ثم استأنف بكم تعليم القرآن وشرايع الدين والأحكام والفرائض ، كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وآله .. إن الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله ركب الله به سنة من كان قبلكم فغيروا وبدلوا وحرفوا وزادوا في دين الله ونقصوا منه ، فما من شئ عليه الناس اليوم إلا وهو منحرف عما نزل به الوحي من عند الله ..الخ.).

من مرويات زرارة بن أعين

حكم تعارض الأحاديث عن الأئمة عليهم السلام

1- في الحدائق (1/93) عن زرارة بن أعين قال: (سألت الباقر عليه السلام فقلت: جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما أخذ؟ فقال: يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر . فقلت يا سيدي إنهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم؟ فقال عليه السلام : خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك . فقلت إنهما معاً عدلان مرضيان موثقان ؟ فقال: أنظر ما وافق منهما العامة فاتركه وخذ ما خالفه فإن الحق فيما خالفهم . فقلت: ربما كانا موافقين لهم أو مخالفين ، فكيف أصنع ؟ فقال: إذن فخذ ما فيها الحائطة لدينك واترك الآخر. فقلت: إنهما معاً موافقان للإحتياط أو مخالفان له، فكيف أصنع؟ فقال إذن تتخير أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر ) .

الحلف للضرورة ليس حراماً

2- في النوادر للأشعري/73: (عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت: إنا نمر بهؤلاء القوم فيستحلفونا على أموالنا ولقد أدينا زكاتها . فقال: يا زرارة إذا خفت فاحلف لهم بما شاؤوا . فقلت: جعلت فداك بطلاق وعتاق؟ قال: بما شاؤوا !

وقال أبو عبد الله عليه السلام : التقية في كل ضرورة ، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به ) .

كان الله تعالى ولا شيئ

3- في الكافي(1 /90): ( عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام : أكان الله ولا شئ قال: نعم كان ولا شئ قلت: فأين كان يكون؟ قال: وكان متكئا فاستوى جالساً وقال: أحلت يا زرارة وسألت عن المكان إذ لامكان )!

الناس من أهل الجنة أو النار أو مرجون لأمر الله

4- في الكافي(2 /382):( عن زرارة قال: دخلت أنا وحمران على أبي جعفر عليه السلام قال قلت له: إنا نمد المطمار قال: وما المطمار ؟ قلت: الترّ ، فمن وافقنا من علوي أو غيره توليناه ومن خالفنا من علوي أو غيره برئنا منه ، فقال لي: يا زرارة قول الله أصدق من قولك ، فأين الذين قال الله عزّ وجلّ : إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً . أين المرجون لأمر الله؟ أين الذين خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى الله أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ؟ أين أصحاب الأعراف ، أين المؤلفة قلوبهم ؟ فلما كثر الكلام بيني وبينه قال لي: يا زرارة حقاً على الله أن يدخل الضُّلَّال الجنة ) ! يعني الضلال الذين لم تتم عليهم الحجة .

لا يدخل النار مؤمن إلا من شاء الله

5-في الكافي(2 /385):( عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام :يدخل النار مؤمن؟ قال: لا والله ، قلت: فما يدخلها إلا كافر؟ قال: لا إلا من شاء الله ، فلما رددت عليه مراراً قال لي: أي زرارة إني أقول: لا وأقول إلا من شاء الله وأنت تقول: لا ولاتقول: إلا من شاء الله ! قال زرارة: قلت في نفسي: شيخ لا علم له بالخصومة . قال فقال لي: يا زرارة ما تقول فيمن أقر لك بالحكم أتقتله؟ ما تقول في خدمكم وأهليكم أتقتلهم؟ قال فقلت: أنا والله الذي لا علم لي بالخصومة )!

وفي رواية (الكافي:2/402) أن الإمام الباقر عليه السلام قال له:إن كلامك هذا هو مقتضى شبابك، قال زرارة: (فقلت: هل يدخل الجنة كافر؟ قال: لا ، قلت: فهل يدخل النار إلا كافر؟ قال فقال: لا إلا أن يشاء الله ، يا زرارة إنني أقول ما شاء الله وأنت لا تقول ما شاء الله ، أما إنك إن كبرت رجعت وتحللت عنك عقدك ) .

أقول: تكاملت شخصية زرارة على الإمام الباقر عليه السلام ثم على يد الإمام الصادق عليه السلام .

لا تحكم على الأطفال بجنة أو نار فالله أعلم بهم

6- في الكافي (3/249):(عن زرارة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما تقول في الأطفال الذين ماتوا قبل أن يبلغوا؟ فقال: سئل عنهم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين، ثم أقبل علي فقال:يا زرارة هل تدري ما عنى بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال قلت: لا، فقال: إنما عنى كفوا عنهم ولا تقولوا فيهم شيئاً وردوا علمهم إلى الله ).

مسائل الحج كثيرة جداً

7- في الفقيه (2/519): (عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلني الله فداك أسألك في الحج منذ أربعين عاماً فتفتيني ، فقال: يا زرارة بيت يحج قبل آدم عليه السلام بألفي عام تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاماً)!

افتتاح الأذان وختامه

8- في الكافي (3/303): (عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال قال: يا زرارة تفتتح الأذان بأربع تكبيرات ، وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين) .

فوائد شحم البقر

9- في الكافي (6/311): (عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك الشحمة التي تخرج مثلها من الداء أي شحمة هي؟ قال: هي شحمه البقر وما سألني يا زرارة عنها أحد قبلك ).

من غصب امرأة ضُرب بالسيف ضربة

10- في الكافي(7 /189):(عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام في رجل غصب امرأة نفسها قال قال: يضرب ضربة بالسيف بلغت منه ما بلغت ).

المواريث بإملاء النبي صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام

11- في الكافي (7/94):( عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجد فقال: ما أجد أحداً قال فيه إلا برأيه إلا أمير المؤمنين عليه السلام . قلت: أصلحك الله فما قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام ؟ قال: إذا كان غداً فالقني حتى أقرئكه في كتاب ، قلت: أصلحك الله حدثني فإن حديثك أحب إلي من أن تقرئنيه في كتاب ، فقال لي الثانية: إسمع ما أقول لك إذا كان غداً فألقني حتى أقرئكه في كتاب، فأتيته من الغد بعد الظهر وكانت ساعتي التي كنت أخلو به فيها بين الظهر والعصر ، وكنت أكره أن أسأله إلا خالياً خشية أن يفتيني من أجل من يحضره بالتقية ، فلما دخلت عليه أقبل على ابنه جعفر عليه السلام فقال له: أقرئ زرارة صحيفة الفرائض ، ثم قام لينام فبقيت أنا وجعفر عليه السلام في البيت، فقام فأخرج إلي صحيفة مثل فخذ البعير فقال: لست أقرئكها حتى تجعل لي عليك الله أن لا تحدث بما تقرأ فيها أحداً أبداً حتى آذن لك ، ولم يقل حتى يأذن لك أبي! فقلت: أصلحك الله ولمَ تضيق عليَّ ولم يأمرك أبوك بذلك؟ فقال لي: ما أنت بناظر فيها إلا على ما قلت لك . فقلت: فذاك لك ، وكنت رجلاً عالماً بالفرائض والوصايا ، بصيراً بها حاسباً لها ، ألبث الزمان أطلب شيئاً يلقى علي من الفرائض والوصايا لا أعلمه فلا أقدر عليه ، فلما ألقى إلي طرف الصحيفة إذا كتاب غليظ يعرف أنه من كتب الأولين،فنظرت فيها فإذا فيها خلاف ما بأيدي الناس من الصلة والأمر بالمعروف الذي ليس فيه اختلاف وإذا عامته كذلك ، فقرأته حتى أتيت على آخره بخبث نفس وقلة تحفظ وسقام رأي وقلت وأنا أقرؤه: باطل ، حتى أتيت على آخره . ثم أدرجتها ودفعتها إليه فلما أصبحت لقيت أبا جعفر عليه السلام فقال لي: أقرأت صحيفة الفرائض؟ فقلت: نعم ، فقال: كيف رأيت ما قرأت؟ قال قلت: باطل ليس بشئ! هو خلاف ما الناس عليه ! قال: فإن الذي رأيت والله يا زرارة هو الحق! الذي رأيت إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام بيده ، فأتاني الشيطان فوسوس في صدري فقال: وما يدريه أنه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام بيده؟ فقال لي قبل أن أنطق: يا زرارة لا تشكن ود الشيطان والله إنك شككت!وكيف لا أدري أنه إملاء رسول الله وخط علي بيده وقد حدثني أبي عن جدي أن أمير المؤمنين عليه السلام حدثه ذلك . قال قلت: لا، جعلني الله فداك . وندمت على ما فاتني من الكتاب ! ولو كنت قرأته وأنا أعرفه لرجوت أن لايفوتني منه حرف ).

حمران بن أعين الأخ الأكبر لزرارة

1- كان حمران من أصحاب السجاد ، والباقر ، والصادق عليهم السلام ومن مشايخ الشيعة المفضلين ، عالماً بالنحو واللغة ، أحد شيوخ الإقراء في الكوفة ، أخذ عنه الحفاظ وشيوخ القراءة مثل حمزة بن حبيب الزيات ، أحد القراء السبعة .

2- عن الحسن ين علي بن يقطين قال: حدثني المشائخ أن حمران وزرارة وعبد الملك وبكيراً وعبد الرحمن بني أعين كانوا مستقيمين و مات منهم أربعة في زمان أبى عبد الله عليه السلام وكانوا من أصحاب أبي جعفر عليه السلام ، و بقي زرارة إلى عهد أبى الحسن عليه السلام فلقي ما لقي .

3- عن زرارة قال قال أبو جعفر عليه السلام وذكرنا حمران بن أعين فقال: لا يرتد والله أبداً ، ثم أطرق هنيئة ، ثم قال: أجل لا يرتد والله ابداً .

4- عن حمران بن أعين قال قلت لأبي جعفر عليه السلام : إني أعطيت الله عهداً ألا أخرج من المدينة حتى تخبرني عما أسألك ، قال فقال لي: سل قال قلت: أمن شيعتكم أنا ؟ قال: نعم ، في الدنيا والآخرة .

5- عن حمران بن أعين قال: أخبرني أبو جعفر عليه السلام أن علياً عليه السلام كان محدَّثاً ، فقال: أصحابنا ما صنعت شيئاً ألا سألته: من يحدثه ؟ فقضى أني لقيت أبا جعفر عليه السلام فقلت: ألست أخبرتني أن علياً عليه السلام كان مُحدَّثاً ؟ فقال: بلى ، قلت: من كان يحدثه ؟ قال: ملك ، قلت فأقول إنه نبي أو رسول ؟ قال: لا ، بل قل: مثله مثل صاحب سليمان ، وصاحب موسى ، ومثله مثل ذي القرنين ، أما سمعت أن علياً عليه السلام سئل عن ذي القرنين أنبياً كان ؟ قال: لا ، ولكن كان عبداً أحب الله فأحبه ، وناصح لله فنصحه ، فهذا مثله ).

6- عن زرارة قال قدمت المدينة و أنا شاب أمرد ، فدخلت سرادقاً لأبي جعفر عليه السلام بمنى ، فرأيت قوماً جلوساً في الفسطاط وصدر المجلس ليس فيه أحد ، ورأيت رجلاً جالساً ناحية يحتجم فعرفت برأيي أنه أبو جعفر عليه السلام  ، فقصدت نحوه فسلمت عليه ، فرد السلام على فجلست بين يديه ، والحجام خلفه فقال: أمن بني أعين أنت؟ قلت: نعم ، أنا زرارة بن أعين ، فقال: إنما عرفتك بالشبه ، أحج حمران ؟ قلت: لا ، وهو يقرؤك السلام ، فقال: إنه من المؤمنين حقاً لا يرجع أبداً ، إذا لقيته فاقرأه مني السلام ، وقل له: لم حدثت الحكم بن عتيبة عني أن الأوصياء محدَّثون ؟ لا تحدثه وأشباهه بمثل هذا الحديث ، فقال زرارة.. الخ . قلت: لعل وجه النهي: الإحتراز عن ضرر التحديث لمن لا يعقله ).

7- عن حريز بن عبد الله قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام  ، فدخل عليه حمران بن أعين وجويرية بن أسماء ، فلما خرجا قال: أما حمران فمؤمن ، وأما جويرية فزنديق لا يفلح أبداً ).

8 - حدثنا أبي قال حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن سنان عن حمزة ، ومحمد ابني حمران قالا: اجتمعنا عند أبي عبد الله عليه السلام في جماعة من أجلة مواليه ، وفينا حمران بن أعين ، فخضنا في المناظرة ، وحمران ساكت ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : مالك لا تتكلم يا حمران؟فقال: يا سيدي آليت على نفسي أني لا أتكلم في مجلس تكون فيه ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : إني قد أذنت لك في الكلام فتكلم ، فقال حمران: أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ، خارج من الحدين حد التعطيل وحد التشبيه ، وأن الحق القول بين القولين ، لاجبر ولا تفويض ، وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون . وأشهد أن الجنة حق ، وأن النار حق ، وأن البعث بعد الموت حق .

وأشهد أن علياً حجة الله على خلقه لا يسع الناس جهله ، وأن حسناً بعده ، وأن الحسين من بعده ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي ، ثم أنت يا سيدي من بعدهم ).

9- بإسناد كالصحيح عن ابن أبي عمير عن حمزة بن حمران قال دخلت إلى الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فقال لي: يا حمزة من أين أقبلت ؟ قلت من الكوفة ، قال فبكى حتى بلت دموعه لحيته فقلت له: يا بن رسول الله مالك أكثرت البكاء ؟ فقال: ذكرت عمي زيداً وما صنع به فبكيت.. الحديث ).

10- عن زرارة أن ضريساً كانت تحته بنت حمران ، فجعل لها أن لايتزوج عليها وأن لا يتسرَّى أبداً في حياتها ولا بعد موتها ، على أن جعلت له هي أن لا تتزوج بعده . وجعلا عليهما من الهدي والحج والبدن وكل مالهما في المساكين إن لم يف كل أحد منهما لصاحبه ، ثم إنه أتى أبا عبد الله عليه السلام فذكر ذلك له ، فقال: إن لابنة حمران لحقاً ولن يحملنا ذلك على أن لا نقول لك الحق: إذهب وتزوج وتسرَّ فإن ذلك ليس بشئ وليس شئ عليك ولا عليها ، وليس ذلك الذي صنعتما بشئ . فجاء فتسرى وولد له بعد ذلك أولاد ). (الكافي(5/403).

هذا ، وقد أخذنا أكثر ترجمة حمران من كتاب تاريخ آل زرارة لأبي غالب الزراري .

من مرويات حمران وأولاده

الدنيا للبر والفاجر والدين للأبرار فقط

1- في المحاسن للبرقي (1/217): (عن حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن هذه الدنيا يعطاها البر والفاجر ، وإن هذا الدين لا يعطاه إلا أهله خاصة ) .

شاء الله وأراد مالم يحب ولم يرضَ

2- وفي المحاسن للبرقي (1/245):(عن حمران ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كنت أنا والطيار جالسين فجاء أبو بصير فأفرجنا له فجلس بيني وبين الطيار فقال: في أي شئ أنتم؟ فقلنا: كنا في الإرادة والمشية والمحبة ، فقال أبو بصير: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : شاء لهم الكفر وأراده ؟ فقال: نعم ، قلت: فأحب ذلك ورضيه؟ فقال: لا ، قلت شاء وأراد ما لم يحب ولم يرض ! قال: هكذا أخرج إلينا ) .

ما لا يطيقه البشر موضوع عنهم

3- في المحاسن للبرقي (1/296): (عن حمزة بن حمران ، قال قلت له إنا نقول: إن الله لم يكلف العباد إلا ما آتاهم ، وكل شئ لا يطيقونه فهو عنهم موضوع ، ولا يكون إلا ما شاء الله وقضى وقدر وأراد ، فقال: والله إن هذا لديني ودين آبائي ) .

4- في بصائر الدرجات/160: ( عن حمران بن أعين قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام عندكم التورية والأنجيل والزبور وما في الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى قال: نعم . قلت: إن هذا لهو العلم الأكبر! قال: يا حمران لو لم يكن غير ما كان ولكن ما يحدث الله بالليل والنهار علمه عندنا أعظم ).

قصة الشامي الذي جاء لمناظرة الإمام عليه السلام

5- في الكافي (1/171):(عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فورد عليه رجل من أهل الشام فقال: إني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة أصحابك ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : كلامك من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله أو من عندك ؟ فقال: من كلام رسول الله ومن عندي. فقال أبو عبد الله: فأنت إذا شريك رسول الله؟ قال: لا، قال: فسمعت الوحي عن الله عزّ وجلّ يخبرك ؟ قال: لا ، قال: فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال: لا ، فالتفت أبو عبد الله عليه السلام إلي فقال: يا يونس بن يعقوب هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلم ثم قال: يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته ، قال يونس: فيالها من حسرة ، فقلت: جعلت فداك إني سمعتك تنهى عن الكلام وتقول: ويل لأصحاب الكلام يقولون هذا ينقاد وهذا لا ينقاد ، وهذا ينساق وهذا لا ينساق، وهذا نعقله وهذا لا نعقله ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : إنما قلت:فويل لهم إن تركوا ما أقول وذهبوا إلى ما يريدون.

ثم قال لي: أخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فأدخله؟ قال: فأدخلت حمران بن أعين وكان يحسن الكلام ، وأدخلت الأحول وكان يحسن الكلام وأدخلت هشام بن سالم وكان يحسن الكلام ، وأدخلت قيس بن الماصر وكان عندي أحسنهم كلاماً ، وكان قد تعلم الكلام من علي بن الحسين عليه السلام فلما استقر بنا المجلس وكان أبو عبد الله عليه السلام قبل الحج يستقر أياماً في جبل في طرف الحرم في فازة له مضروبة قال: فأخرج أبو عبد الله رأسه من فازته فإذا هو ببعير يخب فقال: هشام ورب الكعبة قال: فظننا أن هشاماً رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة له . قال: فوسع له أبو عبد الله عليه السلام وقال: ناصرنا بقلبه ولسانه و يده ، ثم قال: يا حمران كلم الرجل ، فكلمه فظهر عليه حمران ، ثم قال: يا طاقي كلمه فكلمه فظهر عليه الأحول ، ثم قال: يا هشام بن سالم كلمه ، فتعارفا ثم قال أبو عبد الله عليه السلام لقيس الماصر: كلمه فكلمه فأقبل أبو عبد الله عليه السلام يضحك من كلامهما مما قد أصاب الشامي . فقال للشامي: كلم هذا الغلام يعنى هشام بن الحكم فقال: نعم فقال لهشام: يا غلام سلني في إمامة هذا ، فغضب هشام حتى ارتعد ثم قال للشامي: يا هذا أربك أنظر لخلقه أم خلقه لأنفسهم؟ فقال الشامي: بل ربي أنظر لخلقه ، قال: ففعل بنظره لهم ماذا ؟ قال ، أقام لهم حجة ودليلاً كيلا يتشتتوا أو يختلفوا ، يتألفهم و يقيم أودهم ويخبرهم بفرض ربهم قال: فمن هو ؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وآله قال هشام: فبعد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال: الكتاب والسنة ، قال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة في رفع الإختلاف عنا؟ قال الشامي: نعم ، قال: فلم اختلفنا أنا و أنت وصرت إلينا من الشام في مخالفتنا إياك؟ قال: فسكت الشامي ، فقال أبو عبد الله عليه السلام للشامي: ما لك لا تتكلم ؟ قال الشامي: إن قلت: لم نختلف كذبت ، وإن قلت إن الكتاب والسنة يرفعان عنا الإختلاف أبطلت ، لأنهما يحتملان الوجوه وان قلت: قد اختلفنا وكل واحد منا يدعي الحق فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنة إلا أن لي عليه هذه الحجة ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : سله تجده ملياً . فقال الشامي: يا هذا من أنظر للخلق أربهم أو أنفسهم؟ فقال هشام: ربهم أنظر لهم منهم لأنفسهم ، فقال الشامي: فهل أقام من يجمع لهم كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقهم من باطلهم؟ قال هشام: في وقت رسول الله صلى الله عليه وآله أو الساعة ؟ قال الشامي: في وقت رسول الله والساعة من؟ فقال هشام: هذا القاعد الذي تشد إليه الرحال ، ويخبرنا بأخبار السماء والأرض وراثة عن أب عن جد ، قال الشامي: فكيف لي أن أعلم ذلك ؟ قال هشام: سله عما بدا لك ، قال الشامي: قطعت عذري فعليَّ السؤال . فقال أبو عبد الله عليه السلام يا شامي: أخبرك كيف كان سفرك ؟ وكيف كان طريقك ؟ كان كذا وكذا ، فأقبل الشامي يقول: صدقت ، أسلمت لله الساعة ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : بل آمنت بالله الساعة ، إن الإسلام قبل الإيمان وعليه يتوارثون ويتناكحون ، والإيمان عليه يثابون .

فقال الشامي:صدقت فأنا الساعة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وأنك وصي الأوصياء . ثم التفت أبو عبد الله عليه السلام إلى حمران ، فقال: تجري الكلام على الأثر فتصيب . والتفت إلى هشام بن سالم فقال: تريد الأثر ولا تعرفه ، ثم التفت إلى الأحول فقال: قياس رواغ تكسر باطلاً بباطل إلا أن باطلك أظهر ، ثم التفت إلى قيس بن الماصرفقال: تتكلم وأقرب ما تكون من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله أبعد ما تكون منه ، تمزج الحق مع الباطل وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل أنت والأحول قفازان حاذقان. قال يونس: فظننت والله أنه يقول لهشام قريباً مما قال لهما ثم قال: يا هشام لا تكاد تقع ، تلوي رجليك إذا هممت بالأرض طرت . مثلك فليكلم الناس ، فاتق الزلة والشفاعة من ورائها إن شاء الله ).

الملك العظيم لآل إبراهيم عليهم السلام وجوب طاعتهم

6- في الكافي (1/206): (عن حمران بن أعين قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام : قول الله عزّ وجلّ : فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ؟ فقال: النبوة ، قلت: وَالْحِكْمَة ؟ قال: الفهم والقضاء ، قلت: وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ؟فقال: الطاعة ).

7- في الكافي (1/261): (عن ضريس الكناسي قال:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول وعنده أناس من أصحابه: عجبت من قوم يتولونا ويجعلونا أئمة ، ويصفون أن طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم يكسرون حجتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم ، فينقصونا حقنا ويعيبون ذلك على من أعطاه الله برهان حق معرفتنا والتسليم لأمرنا ، أترون أن الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده ، ثم يخفي عنهم أخبار السماوات والأرض ، ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم؟

فقال له حمران: جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام وخروجهم وقيامهم بدين الله عز ذكره ، وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا ؟

فقال أبو جعفر عليه السلام : يا حمران إن الله تبارك وتعالى قد كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه على سبيل الإختيار ثم أجراه . فبتقدم علم إليهم من رسول الله صلى الله عليه وآله قام علي والحسن والحسين عليهم السلام ، وبعلم صمت من صمت منا ، ولو أنهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل بهم ما نزل من أمر الله عزّ وجلّ وإظهار الطواغيت عليهم ، سألوا الله عزّ وجلّ أن يدفع عنهم ذلك وألحوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت وذهاب ملكهم ، إذاً لأجابهم ودفع ذلك عنهم ، ثم كان انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد .

وما كان ذلك الذي أصابهم يا حمران لذنب اقترفوه ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغوها، فلا تذهبن بك المذاهب فيهم) .

وصية النبي صلى الله عليه وآله إذا بعث سرية

8- في الكافي (5/30):(عن محمد بن حمران ، وجميل بن دراج كلاهما عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا بعث سرية دعا بأميرها فأجلسه إلى جنبه وأجلس أصحابه بين يديه ، ثم قال: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله ، لا تغدروا ولا تغلوا ، ولا تمثلوا ، ولا تقطعوا شجرة إلا أن تضطروا إليها ، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ، ولا صبياً ولا امرأة ، وأيما رجل من أدنى المسلمين وأفضلهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جارٌ حتى يسمع كلام الله ، فإذا سمع كلام الله عزّ وجلّ فإن تبعكم فأخوكم في دينكم ، وإن أبى فاستعينوا بالله عليه وأبلغوه مأمنه ).

طائر الحمام وعلو السقف يطرد الجن !

9- في الكافي (6/529): (عن حمزة بن حمران قال: شكا رجل إلى أبي جعفر عليه السلام قال: أخرجتنا الجن عن منازلنا فقال: إجعلوا سقوف بيوتكم سبعة أذرع واجعلوا الحمام في أكناف الدار ، قال الرجل: ففعلنا ذلك فما رأينا شيئاً نكرهه بعد ذلك ).

بكير بن أعين أخ زرارة

قال الطوسي في رجاله/107: (عن الحسن بن علي بن يقطين قال حدثني المشايخ أن حمران ، وزرارة ، وعبد الملك ، وبكيراً ، وعبد الرحمان بني أعين كانوا مستقيمين ، ومات منهم أربعة في زمان أبى عبد الله عليه السلام  ، وكانوا من أصحاب أبي جعفر عليه السلام وبقي زرارة إلى عهد أبي الحسن عليه السلام فلقي ما لقي ) !

قال الصدوق في من لا يحضره الفقيه (4/441): (عن بكير بن أعين وهو كوفي يكنى أبا الجهم من موالي بني شيبان ، ولما بلغ الصادق عليه السلام موت بكير بن أعين قال: أما والله لقد أنزله الله عزّ وجلّ بين رسوله وبين أمير المؤمنين صلوات الله عليهما ).

وقال أبو غالب في رسالته/22: (ووُلد بكير: عبد الله ، وعبد الحميد ، وعبد الأعلى ، والجهم بن بكير [وعبد الرحمن] ، فذلك خمسة أنفس .

وقال الطوسي/109: (له ستة أولاد ذكور: عبد الله ، والجهم ، وعبد الحميد ، وعبد الأعلى ، وعمر ، وزيد ).

وقال النجاشي في عبد الله بن بكير/164: (وإخوته: عبد الحميد ، والجهم ، وعمر، وعبد الأعلى ).

وروى الصدوق في علل الشرايع (2/392): (عن عبد الرحمان بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:أن الكبائر سبع ..)

وروى الشيخ في التهذيب(8/11): (كان لبكير بن أعين بنت تزوج بها حمزة بن حمران ، ومنعوه أن يدخل بها حتى يحلف بظهار أمهات أولاده وجواريه ، فظاهر منهن ، ثم ذكر ذلك لأبي عبد الله عليه السلام فقال: ليس عليك شئ فارجع إليهن ).

وتقدم شبيهه في ابنة حمران ، وأن زوجها ضريساً جعل لها أن لايتزوج عليها وأن لا يتسرى أبداً في حياتها ولا بعد موتها ، على أن جعلت له هي أن لا تتزوج بعده وجعلا عليهما من الهدي والحج والبدن وكل مالهما في المساكين إن لم يف كل أحد منهما لصاحبه ! فأبطل الإمام الصادق عليه السلام شرطهما لأنه يخالف القرآن .
وهذا يدل على أن نساء آل أعين الأوربيات قويات وأهل غيرة .

وفي رواية الفقيه (3/428): (فقال عليه السلام : إن لابنة حمران حقاً، ولن يحملنا ذلك على أن لا نقول الحق ..)

وفي رواية الإستبصار (3/231): (فقال عليه السلام : إن لأبيها حمران حقاً ، ولا يحملنا ذلك على أن لا نقول الحق ..)

من مرويات بكيربن أعين

كان النبي صلى الله عليه وآله يصلي ويصوم ضعفي الواجب

1- في المعتبر للمحقق الحلي(2/13) ، عن بكير عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي من التطوع مثل الفرض ويصوم من التطوع مثل الفرض ).

صم للرؤية وأفطر للرؤية

2- في منتهى المطلب للعلامة(9/231): (وعن عبد الله بن بكير بن أعين ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:«صم للرؤية وأفطر للرؤية ، وليس رؤية الهلال أن يجئ الرجل والرجلان فيقولان رأيناه ، إنّما الرؤية أن يقول القائل رأيت، فيقول القوم صدق».

لم يصلِّ النبي صلى الله عليه وآله صلاة الضحى أبداً

3- في الحدائق الناضرة (6/78): (عن بكير بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله الضحى قط ! وعن عبد الواحد بن المختار الأنصاري عن أبي جعفر عليه السلام قال:سألته عن صلاة الضحى؟ قال:أول من صلاها قومك إنهم كانوا من الغافلين فيصلونها ! ولم يصلها رسول الله صلى الله عليه وآله ،وقال: إن علياً عليه السلام مر على رجل وهو يصليها فقال: ما هذه الصلاة! قال أدعها يا أمير المؤمنين؟ فقال علي عليه السلام : أكون أنهى عبداً إذا صلى)!

علمهم الإمام عليه السلام وضوء النبي صلى الله عليه وآله

4- في الكافي (3/24): (عن بكير بن أعين ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ألا أحكي لكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فأخذ بكفه اليمنى كفاً من ماء فغسل به وجهه ، ثم أخذ بيده اليسرى كفاً من ماء فغسل به يده اليمنى ، ثم أخذ بيده اليمنى كفاً من ماء فغسل به يده اليسرى ، ثم مسح بفضل يديه رأسه ورجليه) .

سبب وضع الحجر الأسود في ركن الكعبة ؟

5- في الكافي (6/184): (عن بكير بن أعين قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام لأي علة وضع الله الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يوضع في غيره ، ولأي علة يُقَبَّل ولأي علة أخرج من الجنة؟ ولأي علة وضع ميثاق العباد والعهد فيه ولم يوضع في غيره؟ وكيف السبب في ذلك؟ تخبرني جعلني الله فداك فإن تفكري فيه لعجب!

فقال عليه السلام سألت وأعضلت في المسألة ، واستقصيت فافهم الجواب ، وفرغ قلبك وأصغ سمعك ، أخبرك إن شاء الله:ألله تبارك وتعالى وضع الحجر الأسود وهي جوهرة أخرجت من الجنة إلى آدم عليه السلام ، فوضعت في ذلك الركن لعلة الميثاق، وذلك أنه لما أخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم حين أخذ الله عليهم الميثاق في ذلك المكان، وفي ذلك المكان ترائى لهم،ومن ذلك المكان يهبط الطيرعلى القائم عليه السلام فأول من يبايعه ذلك الطائر وهو والله جبرئيل عليه السلام ،وإلى ذلك المقام يسند القائم ظهره وهو الحجة والدليل على القائم ، وهو الشاهد لمن وافاه في ذلك المكان والشاهد على من أدى إليه الميثاق والعهد ، الذي أخذ الله عزّ وجلّ على العباد . وأما القُبلة والإستلام فلعلة العهد تجديداً لذلك العهد والميثاق ، وتجديداً للبيعة ليؤدوا إليه العهد الذي أخذ الله عليهم في الميثاق فيأتوه في كل سنة ويؤدوا إليه ذلك العهد والأمانة اللذين أخذا عليهم ، ألا ترى أنك تقول: أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة . ووالله ما يؤدي ذلك أحد غير شيعتنا ولا حفظ ذلك العهد والميثاق أحد غير شيعتنا ، وإنهم ليأتوه فيعرفهم ويصدقهم ويأتيه غيرهم فينكرهم ويكذبهم ، وذلك أنه لم يحفظ ذلك غيركم ، فلكم والله يشهد وعليهم والله يشهد بالخفر والجحود والكفر ، وهو الحجة البالغة من الله عليهم ، يوم القيامة يجيئ وله لسان ناطق وعينان في صورته الأولى يعرفه الخلق ولاينكره ، يشهد لمن وافاه وجدد العهد والميثاق عنده ، بحفظ العهد والميثاق وأداء الأمانة ويشهد على كل من أنكر وجحد ونسي الميثاق بالكفر والإنكار .

فأما علة ما أخرجه الله من الجنة فهل تدري ما كان الحجر؟قلت: لا، قال كان ملكاً من عظماء الملائكة عند الله فلما أخذ الله من الملائكة الميثاق كان أول من آمن به وأقر ذلك الملك ، فاتخذه الله أميناً على جميع خلقه فألقمه الميثاق وأودعه عنده واستعبد الخلق أن يجددوا عنده في كل سنة الإقرار بالميثاق والعهد ، الذي أخذ الله عزّ وجلّ عليهم ، ثم جعله الله مع آدم في الجنة يذكره الميثاق ويجدد عنده الإقرار في كل سنة . فلما عصى آدم وأخرج من الجنة أنساه الله العهد والميثاق الذي أخذ الله عليه وعلى ولده لمحمد صلى الله عليه وآله ولوصيه عليه السلام وجعله تائهاً حيراناً ، فلما تاب الله على آدم حَوَّل ذلك الملك في صورة درة بيضاء فرماه من الجنة إلى آدم عليه السلام ، وهو بأرض الهند فلما نظر إليه أنس إليه وهو لا يعرفه بأكثر من أنه جوهرة ، وأنطقه الله عزّ وجلّ فقال له: يا آدم أتعرفني؟ قال:لا، قال:أجل استحوذ عليك الشيطان فأنساك ذكر ربك ، ثم تحول إلى صورته التي كان مع آدم في الجنة فقال لآدم: أين العهد والميثاق ، فوثب إليه آدم وذكر الميثاق وبكى وخضع له وقبله ، وجدد الإقرار بالعهد والميثاق ، ثم حوله الله عزّ وجلّ إلى جوهرة الحجر درة بيضاء صافية تضيئ فحمله آدم عليه السلام على عاتقه إجلالاً له وتعظيماً ، فكان إذا أعيا حمله عنه جبرئيل عليه السلام حتى وافى به مكة فما زال يأنس به بمكة ويجدد الإقرار له كل يوم وليلة . ثم إن الله عزّ وجلّ لما بنى الكعبة وضع الحجر في ذلك المكان لأنه تبارك وتعالى حين أخذ الميثاق من ولد آدم أخذه في ذلك المكان ، وفي ذلك المكان ألقم الملك الميثاق ، ولذلك وضع في ذلك الركن ونحى آدم من مكان البيت إلى الصفا وحوا إلى المروة ، ووضع الحجر في ذلك الركن فلما نظر آدم من الصفا وقد وضع الحجر في الركن كبر الله وهلله ومجده ، فلذلك جرت السنة بالتكبير واستقبال الركن الذي فيه الحجر من الصفا ، فإن الله أودعه الميثاق والعهد دون غيره من الملائكة ، لأن الله عزّ وجلّ لما أخذ الميثاق له بالربوبية و لمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة ولعلي عليه السلام بالوصية اصطكت فرائص الملائكة عليهم السلام ، فأول من أسرع إلى الإقرار ذلك الملك لم يكن فيهم أشد حباً لمحمد وآل محمد صلى الله عليه وآله منه و لذلك اختاره الله من بينهم وألقمه الميثاق وهو يجيئ يوم القيامة وله لسان ناطق وعين ناظرة ، يشهد لكل من وافاه إلى ذلك المكان ، وحفظ الميثاق) !

الطلاق الشرعي والطلاق الملغي

6- في الكافي (6/70): (قال الحسن بن محمد بن سماعة: ليس الطلاق إلا كما روى بكير بن أعين: أن يقول لها وهي طاهر من غير جماع: أنت طالق ، ويشهد شاهدين عدلين ، وكل ما سوى ذلك فهو مُلْغَى ).

من زنى بذات محرم ضرب ضربة واحدة بالسيف

7- في الكافي (7/190):(سمعت بكير ابن أعين يروي عن أحدهما عليهما السلام قال: من زنى بذات محرم حتى يواقعها ضرب ضربة بالسيف ، أخذت منه ما أخذت .

وإن كانت تابعته ضربت ضربة بالسيف أخذت منها ما أخذت. قيل له: فمن يضربهما وليس لهما خصم ؟ قال: ذاك على الإمام إذا رفعا إليه ).

علم الله تعالى سابق للمشيئة

8- في توحيد الصدوق/146: (عن بكير بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : علم الله ومشيته هما مختلفان أم متفقان؟ فقال: العلم ليس هو المشية ، ألا ترى أنك تقول: سأفعل كذا إن شاء الله ، ولا تقول سأفعل كذا إن علم الله ، فقولك إن شاء الله دليل على أنه لم يشأ فإذا شاء كان الذي شاء كما شاء ، وعلم الله سابق للمشية) .

علم النبي صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام ألف باب من العلم

9- في الخصال/644: (عن بكير بن أعين ، عن سالم بن أبي حفصة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله علم علياً عليه السلام ألف باب ، يفتح كل باب ألف باب ، فانطلق أصحابنا فسألوا أبا جعفر عليه السلام عن ذلك فإذا سالم قد صدق .

قال بكير: وحدثني من سمع أبا جعفر عليه السلام يحدث بهذا الحديث ثم قال: ولم يخرج إلى الناس من تلك الأبواب غير باب أو اثنين ، وأكثر علمي أنه قال: باب واحد) .

معروف بن خربوذ المكي

قال ابن داود الحلي في رجاله/209: (أجمعت العصابة على ثمانية عشر رجلاً فلم يختلفوا في تعظيمهم غير أنهم يتفاوتون . الدرجة العليا لستة منهم من أصحاب أبي جعفر عليه السلام أجمعوا على تصديقهم وإنفاذ قولهم والانقياد لهم في الفقه وهم زرارة بن أعين ، معروف بن خربوذ ، بريد بن معاوية ، أبو بصير: ليث بن البختري ، الفضيل ابن يسار ، محمد بن مسلم الطائفي .

والدرجة الوسطى فيها ستة أجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم وأقروا لهم بالفقه وهم من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام : يونس بن عبد الرحمن صفوان بن يحيى بياع السابري ، محمد بن أبي عمير ، عبد الله بن المغيرة الحسن بن محبوب ، أحمد بن محمد بن أبي نصر .

والدرجة الثالثة فيها ستة أجمعوا على تصديقهم وثقتهم وفضلهم وهم: جميل بن دراج ، عبد الله بن مسكان ، عبد الله بن بكير ، حماد بن عيسى حماد بن عثمان ، أبان بن عثمان . وأفقههم جميل بن دراج ).

وقال الطبسي في رجال الشيعة في أسانيد السنة/382: (معروف بن خربوذ المكي ، مولى عثمان ، قال الذهبي: شيعي صدوق . وعده ابن قتيبة من رجال الشيعة . وقال أبو حاتم: يكتب حديثه . وعده ابن حبان في الثقات . وقال المزي: روى عن: أبي الطفيل عامر بن واثلة الليثي في البخاري ومسلم وأبي داود وابن ماجة ، وعبد الله بن بريدة إن كان محفوظاً ، وأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ، ومحمد بن عمرو بن عتبة بن أبي لهب ، وأبي عبد الله مولى ابن عباس . روايته في الكتب الستة: البخاري ، ومسلم ، وسنن أبي داود  ، وابن ماجة .

عده الشيخ الطوسي في أصحاب السجاد والباقر والصادق عليهم السلام ).

وقال العلامة في الخلاصة/278: (معروف بن خربوذ بالخاء المعجمة ، والراء المشددة ، والباء المنقطة تحتها نقطة ، والذال المعجمة بعد الواو . المكي . روى الكشي فيه مدحاً وقدحاً ، والطريق فيها ضعف وقد ذكرناها في الكتاب الكبير ).

ورووا سبب طعنهم فيه: (عن محمد بن مروان قال: كنت قاعداً عند أبي عبد الله عليه السلام أنا ومعروف بن خربوذ ، فكان ينشدني الشعر وأنشده ، ويسألني وأساله وأبو عبد الله عليه السلام يسمع ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لأن يمتلئ جوف الرجل قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً . فقال معروف: إنما يعني بذلك الذي يقول الشعر فقال: ويلك أو ويحك ! قد قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ).

فقد فسر معروف قول النبي صلى الله عليه وآله بأنه يقصد قول الشعر ونظمه ولا يشمل ذلك حفظه وإنشاده ، فغضب من ذلك الإمام الصادق عليه السلام وقال له: ويحك ! لقد قال رسول الله ذلك وأنه تحرفه وتحصره فيمن قال الشعر ؟!

وتفسيره الصحيح كما قال الشيخ الأنصاري في مطارح الأنظار /182: (فإن امتلاء البطن كناية عن الشعر الكثير فيدل بمفهومه على عدم البأس بالشعر القليل وهو ليس ببعيد لجريان مناط الأقوال فيه كما في الكلمات المتضمنة معنى الشرط )

فالطعن في معروف لأنه فسر الشعر المذموم بالنوعية بينما مقصود النبي صلى الله عليه وآله الكمية . لكن غاية الأمر أنه اشتبه وقبل بتصحيح الإمام الصادق عليه السلام .

قال في الوسائل(5/83): (أقول هذا إنما يدل على كراهية الإفراط في إنشاد الشعر والاكثار منه بقرينة ذكر الإمتلاء وغير ذلك ).

وفي جامع الرواة (2/246): (قال الكشي إنه ممن اجتمعت العصابة على تصديقهم من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وانقادوا لهم بالفقه فقالوا إنهم أفقه الأولين . وقال: قال نصر بن الصباح حدثني الفضل بن شاذان قال: دخلت على محمد بن أبي عمير وهو ساجد فأطال السجود ، فلما رفع رأسه ذكر له الفضل طول سجوده ، فقال: كيف لو رأيت جميل بن دراج ثم حدثه أنه دخل على جميل فوجده ساجداً فأطال السجود جداً، فلما رفع رأسه قال له محمد بن أبي عمير: أطلت السجود ! فقال: كيف لو رأيت معروف بن خربوذ ).

وفي معجم الخوئي(19/249): ( عن أبي العلاء الخفاف ، عن أبي جعفر عليه السلام  ، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام : أنا وجه الله ، وأنا جنب الله ، وأنا الأول وأنا الآخر ، وأنا الظاهر وأنا الباطن ، وأنا وارث الأرض ، وأنا سبيل الله ، وبه عزمت عليه ، فقال معروف بن خربوذ: ولها تفسير غير ما يذهب فيها أهل الغلو ).

وفي رجال الطوسي(2 /459 ): (حدثنا أسلم مولى محمد بن الحنفية ، قال: كنت مع أبي جعفر عليه السلام جالساً مسنداً ظهري إلى زمزم ، فمر علينا محمد بن عبد الله بن الحسن وهو يطوف بالبيت ، فقال أبو جعفر: يا أسلم أتعرف هذا الشاب؟ قلت: نعم هذا محمد بن عبد الله بن الحسن . قال: أما أنه سيظهر ويقتل في حال مضيعة ، ثم قال: يا أسلم لا تحدث بهذا الحديث أحداً فإنه عندك أمانة ، قال: فحدثت به معروف بن خربوذ وأخذت عليه مثل ما أخذ علي .

قال: وكنا عند أبي جعفر عليه السلام غدوة وعشية أربعة من أهل مكة فسأله معروف عن هذا الحديث ، فقال: أخبرني عن هذا الحديث الذي حدثنيه فأني أحب أن أسمعه منك ، قال: فالتفت إلى أسلم فقال له أسلم: جعلت فداك أني أخذت عليه مثل الذي أخذته علي ، قال فقال أبو جعفر عليه السلام : لو كان الناس كلهم لنا شيعة لكان ثلاثة أرباعهم لنا شكاكاً ، والربع الآخر أحمق ).

أقول: معنى الحديث أن الإمام الباقر عليه السلام أخبرأسلم بأن محمد بن عبد الله بن الحسن مدعي المهدية سيخرج ويقتل ويضيع ! وقال له: (يا أسلم لا تحدث بهذا الحديث أحداً فإنه عندك أمانة) فاجتهد أسلم وحدث به معروفاً وأخذ عليه أن لا يقول لأحد !

ثم جاء معروف وسأل الإمام الباقر عليه السلام عن الحديث ، فأعرض عنه وعاتب أسلم لماذا قاله لأحد؟! فاعتذر أسلم بأنه أخذ عليه أن لا يحدث به أحداً ! وهو عين الحمق من أسلم بل فيه خيانة أمانة . عندها قال الإمام الباقر عليه السلام : لو كان الناس كلهم لنا شيعة لكان ثلاثة أرباعهم لنا شكاكاً ، والربع الآخر أحمق ). أي ثلاثة أرباعهم يشكون ولا يؤمنون حق الإيمان بقولنا ، وربعهم يؤمن لكنه يجتهد مقابل نص المعصوم مثل أسلم !

أما سبب إعراضه عليه السلام عن إعادة الحديث فلأن الموضوع حساس مع الحسنيين ، وقد أراد أن يكون الحديث شهادة محفوظة عند أحد ليقوله بعد قتل محمد المسمى النفس الزكية .

من مرويات معروف بن خربوذ المكي

أئمة أهل البيت عليه السلام كنجوم السماء

1- قال معروف بن خربوذ قال: قلت لأبي جعفر الباقر عليه السلام : أخبرني عنكم؟ قال: نحن بمنزلة النجوم إذا خفي نجم بدا نجم ، أمن وأمان وسلم وإسلام ، وفاتح ومفتاح ، حتى إذا استوى بنو عبد المطلب فلم يُدْرَ أيٌّ من أي ، أظهر الله عزّ وجلّ صاحبكم فاحمدوا الله عزّ وجلّ وهو يخير الصعب والذلول ، فقلت: جعلت فداك فأيهما يختار؟ قال: يختار الصعب على الذلول) . (كمال الدين/329).

الأبرار من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله

2- قال معروف: قال الباقر عليه السلام : (صلى أميرالمؤمنين عليه السلام بالناس الصبح بالعراق ، فلما انصرف وعظهم فبكى وأبكاهم من خوف الله ، ثم قال: أما والله لقد عهدت أقواماً على عهد خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله وإنهم ليصبحون ويمسون شعثاً غبراً خمصاً، بين أعينهم كركب المعزى ، يبيتون لربهم سجداً وقياماً يراوحون بين أقدامهم وجباههم، يناجون ربهم ويسألونه فكاك رقابهم من النار ، والله لقد رأيتهم مع هذا وهم خائفون ، مشفقون )! (الكافي:2/236).

فضل الصبر وذكر الله عند المصيبة

3- قال معروف:قال الباقر عليه السلام : ما من عبد يصاب بمصيبة فيسترجع عند ذكره المصيبة ويصبر حين تفجأه ، إلا غفر الله له ما تقدم من ذنبه . وكلما ذكر مصيبته فاسترجع عند ذكر المصيبة غفر الله له كل ذنب اكتسب فيما بينهما).(الكافي:3/224) .

لا تقبل الصلاة بدون زكاة !

4- قال معروف:قال الباقر عليه السلام : إن الله عزّ وجلّ قرن الزكاة بالصلاة فقال: وَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ وَآتُوا الزَّكَوةَ فمن أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة لم يقم الصلاة).(الكافي:3/506).

تعريف الزهد في الدنيا

5-روى معروف عن أبي الطفيل قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: الزهد في الدنيا: قصرالأمل وشكر كل نعمة والورع عن كل ما حرم الله عزّ وجلّ ). (الكافي:5/71).

رياح الرحمة ورياح العذاب

6- قال معروف: قال الباقر عليه السلام : إن لله عزّ وجلّ رياح رحمة ورياح عذاب فإن شاء الله أن يجعل العذاب من الرياح رحمة فعل، قال: ولن يجعل الرحمة من الريح عذاباً. قال: وذلك أنه لم يرحم قوماً قط أطاعوه وكانت طاعتهم إياه وبالاً عليهم إلا من بعد تحولهم عن طاعته. قال: وكذلك فعل بقوم يونس لما آمنوا رحمهم الله بعد ما كان قدر عليهم العذاب وقضاه ، ثم تداركهم برحمته فجعل العذاب المقدر عليهم رحمة ، فصرفه عنهم وقد أنزله عليهم وغشيهم ، وذلك لما آمنوا به وتضرعوا إليه. قال: وأما الريح العقيم فإنها ريح عذاب لا تلقح شيئاً من الأرحام ولا شيئاً من النبات ، وهي ريح تخرج من تحت الأرضين السبع، وما خرجت منها ريح قط إلا على قوم عاد حين غضب الله عليهم ، فأمر الخزان أن يخرجوا منها على مقدار سعة الخاتم...قال: فخرجت على ما أمرت به و أهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم). (الكافي:8/92).

مدح الإمام الباقر أخاه زيداً عليهما السلام

7- في أمالي الصدوق/94: (عن جابر الجعفي قال: دخلت على أبي جعفر محمد بن علي وعنده زيد أخوه عليهما السلام فدخل عليه معروف بن خربوذ المكي ، فقال أبو جعفر عليه السلام : يا معروف ، أنشدني من طرائف ما عندك ، فأنشده:

لعمرك ما إن أبو مالك
بوان ولا بضعيف قواه
ولا بألد لدى قوله
يعادي الحكيم إذا ما نهاه
ولكنه سيد بارع
كريم الطبائع حلو ثناه
إذا سدته سدت مطواعة
ومهما وكلت إليه كفاه

قال: فوضع محمد بن علي يده على كتفي زيد وقال: هذه صفتك يا أبا الحسين ) .

وصية النبي صلى الله عليه وآله لحذيفة باتباع علي عليه السلام

8- في أمالي الصدوق/264: (عن معروف ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا حذيفة ، إن حجة الله عليكم بعدي علي بن أبي طالب ، الكفر به كفر بالله ، والشرك به شرك بالله ، والشك فيه شك في الله ، والالحاد فيه إلحاد في الله ، والإنكار له إنكار لله ، والإيمان به إيمان بالله ، لأنه أخو رسول الله ووصيه وإمام أمته ومولاهم ، وهو حبل الله المتين ، وعروته الوثقى التي لا انفصام لها ، وسيهلك فيه اثنان ولا ذنب له: محب غال ، ومقصر .

يا حذيفة: لا تفارقن علياً فتفارقني ، ولا تخالفن علياً فتخالفني ، إن علياً مني وأنا منه ، من أسخطه فقد أسخطني ، ومن أرضاه فقد أرضاني ) .

وصية النبي صلى الله عليه وآله لحذيفة باتباع علي عليه السلام

9- عن معروف بن خربوذ ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: إن النبي صلى الله عليه وآله قام خطيباً فقال: إن رجالاً ليجدون في أنفسهم أن أسكن علياً في المسجد وأخرجهم ، والله ما أخرجتهم وأسكنته بل الله أخرجهم وأسكنه ، إن الله عزّ وجلّ أوحى إلى موسى وأخيه أن: تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ، ثم أمر موسى أن لايسكن مسجده ولاينكح فيه ولا يدخله جنب إلا هارون وذريته ، وإن علياً مني بمنزلة هارون من موسى ، وهو أخي دون أهلي ولا يحل لأحد أن ينكح فيه النساء إلا علي وذريته ، فمن ساءه فهاهنا ، وأشار بيده نحو الشام ). أي ليذهب ! (علل الشرائع:1/202).

لا تحدثوا الناس بما ينكرونه ويكذبونه

10- عن معروف بن خربوذ ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام : أتحبون أن يكذب الله ورسوله ؟ حدثوا الناس بما يعرفون وأمسكوا عما ينكرون ). (الغيبة للنعماني/41).

$ليلة القدر بعد النبي لعلي والأئمة من ولده

11- عن معروف قال:سمعت أبا الطفيل عامر بن واثلة الكناني يقول: سمعت علياً يقول: ليلة القدر في كل سنة ينزل فيها على الوصاة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ما ينزل ، قيل له: ومن الوصاة يا أميرالمؤمنين؟قال:أنا وأحد عشر من صلبي هم الأئمة المحدثون. قال معروف:فلقيت أبا عبد الله مولى ابن عباس في مكة فحدثته بهذا الحديث فقال:سمعت ابن عباس يحدث بذلك ويقرأ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِىٍّ، ولا محدث.قال:هم والله المحدثون). (مقتضب الأثر للجوهري/29 ).

أبو القاسم بُريد بن معاوية العجلي

العجلي: نسبة الى قبيلة عجل بن لُجيم بطن من ربيعة ، حلفاء بني شيبان في جنوب العراق ، واشتهروا برئيسهم حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي ، الذي قاد مع بني شيبان معركة ذي قار مع كسرى وانتصر فيها. ووفدوا على النبي صلى الله عليه وآله وأخذوا له خمس الغنيمة ، وأسلموا ، وكان ذلك بعد معركة بدر بأربعة أشهر .

وقد ظهر منهم رواة كثيرون من أصحاب أهل البيت عليهم السلام . ومنهم ابن إدريس الفقيه المعروف ، وسكن قسم منهم في الأحساء عند بني عمهم بني عبد القيس .

قال العلامة في إيضاح الإشتباه/120:(بريد بن معاوية العجلي: بضم الباء المنقطة تحتها نقطة وفتح الراء المهملة. أبو القاسم العجلي. روى عن الباقر والصادق عليهما السلام وله منزلة عظيمة عندهما وعند الجمهور أيضاً . وقد ذكره أبو الحسن الدارقطني في المختلف والمؤتلف ، وذكر أنه يروي عن إسماعيل بن رجاء ، عن أبيه ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وآله حديث خاصف النعل ).

وفي تاريخ آل زرارة/46: (في الصحيح عن أبي عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: زرارة ، وأبو بصير ، ومحمد بن مسلم ، وبريد من الذين قال الله تعالى: والسابقون السابقون أولئك المقربون .

في الصحيح عن جميل قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: بشر المخبتين بالجنة: بريد بن معاوية ..وزرارة ، أربعة نجباء ، أمناء الله على حلاله و حرامه ، لولا هذه انقطعت آثار النبوة واندرست .. أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة: محمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية ، وليث بن البختري المرادي ، وزرارة بن أعين ).

وفي تاريخ آل زرارة/49: روى الكشي بسند صحيح عن سليمان بن خالد الأقطع قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما أجد أحداً أحيا ذكرنا وأحاديث أبي عليه السلام إلا زرارة ، وأبا بصير ليث المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية ، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا ، هؤلاء حفاظ الدين ، وأمناء أبي عليه السلام على حلال الله و حرامه ).

وفي فهرست النجاشي/112: (بريد بن معاوية أبو القاسم العجلي ، عربي ، روى عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما السلام ، و مات في حياة أبي عبد الله عليه السلام .

وجهٌ من وجوه أصحابنا وفقيه أيضاً ، له محل عند الأئمة ، قال أحمد بن الحسين: إنه رأى له كتاباً يرويه عنه علي بن عقبة بن خالد الأسدي . ورأيت بخط أبي العباس أحمد بن علي بن نوح: أخبرنا أحمد بن إبراهيم الأنصاري يعني ابن أبي رافع قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: قال لنا علي بن الحسن بن فضال: مات بريد بن معاوية سنة مائة وخمسين ).

وفي رجال الشيخ الطوسي (1/347): (عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك ، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أحبُّ الناس إلي أحياءً وأمواتاً أربعة: بريد بن معاوية العجلي ، وزرارة ، ومحمد بن مسلم ، والأحول . وهم أحب الناس إلي أحياءً وأمواتاً ... ما أجد أحداً أحيى ذكرنا وأحاديث أبي عليه السلام إلا زرارة وأبو بصير ليث المرادي ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي ، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا . هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي عليه السلام على حلال الله وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة ).

وفي رجال الطوسي (1/398): (عن جميل بن دراج ، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: بشر المخبتين بالجنة: بريد بن معاوية العجلي ، وأبو بصير بن ليث البختري المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة ، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه ، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست) .

وفي رجال الطوسي (2/423): (عن أبي عبد الله عليه السلام قال: زرارة وبريد بن معاوية ومحمد بن مسلم والأحول أحب الناس إلي أحياءً و أمواتاً ، ولكنهم يجيؤني فيقولونني لي فلا أجد بداً من أن أقول). أي أتكلم عليهم حفظاً لهم من بطش السلطان .

وفي رجال الطوسي (2/507): (أوتاد الأرض ، وأعلام الدين أربعة: محمد بن مسلم وبريد بن معاوية ، وليث بن البختري المرادي ، وزرارة بن أعين) .

من مرويات بريد بن معاوية

ما تجب فيه الزكاة

1- في الكافي(3/509) قال بريدة: (قال أبو جعفر وأبو عبدالله عليهما السلام : فرض الله عزّ وجلّ الزكاة مع الصلاة في الأموال ، وسنها رسول الله صلى الله عليه وآله في تسعة أشياء وعفا رسول الل صلى الله عليه وآله عما سواهن: في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والحنطة والشعير والتمر والزبيب ، وعفا رسول الله صلى الله عليه وآله عما سوى ذلك).

آداب من يقبض الزكاة من أصحابها

2- في منتقى الجمان (2/419):(عن بريد بن معاوية قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: بعث أمير المؤمنين عليه السلام مصدقاً من الكوفة إلى باديتها فقال له: يا عبد الله إنطلق وعليك بتقوى الله وحده لا شريك له ، ولا تؤثرن دنياك على آخرتك ، وكن حافظاً لما ائتمنتك عليه ، راعياً لحق الله فيه حتى تأتي نادي بني فلان ، فإذا قدمت فأنزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم ، ثم امض عليهم بسكينة ووقار حتى تقوم بينهم ، فتسلم عليهم ثم قل لهم: يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لآخذ منكم حق الله في أموالكم ، فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه ، نفإن قال لك قائل: لا ، فلا تراجعه . وإن أنعم لك منهم ، فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلا خيراً ، فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه فإن أكثره له فقل: يا عبد الله أتأذن لي في دخول مالك ؟ فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه ولا عنف به ، فاصدع المال صدعين ، ثم خيره أي الصدعين شاء ، فأي الصدعين اختار فلا تعرض له ، ثم اصدع الباقي صدعين ، ثم خيره فأيهما اختار فلا تعرض له ، ولا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في ماله ، فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه ، وإن استقالك فأقله ، ثم اخلطهما واصنع مثل الذي صنعت أولاً حتى تأخذ حق الله في ماله ، فإذا قبضته فلا توكل به إلا ناصحاً شفيقاً أميناً حفيظاً غير معنف بشئ منها ، ثم احدر كل ما اجتمع عندك من كل ناد إلينا نصيره حيث أمر الله عزّ وجلّ  ، فإذا انحدر بها رسولك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة وبين فصيلها ولا يفرق بينهما ، ولا يمصرن لبنها فيضر ذلك بفصيلها ، ولا يجدَّ بها ركوباً ، وليعدل بينهن في ذلك ويوردهن كل ماء يمر به ، ولا يعدل بهن عن نبت الأرض إلى جواد الطرق في الساعة التي فيها تريح وتغبق ، وليرفق بهن جهده حتى تأتينا بأذن الله شحاماً سماناً ، غير متعبات ولا مجهدات ، فنقسمهن بإذن الله على كتاب الله وسنة نبية صلى الله عليه وآله على أولياء الله ، فإن ذلك أعظم لأجرك وأقرب لرشدك ، ينظر الله إليها وإليك وإلى الله ونصيحتك لمن بعثك وبعثت في حاجته ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما ينظر الله إلى ولي له يجهد نفسه بالطاعة والنصيحة له ولإمامه إلا كان معنا في الرفيق الأعلى .

قال: ثم بكى أبو عبد الله عليه السلام ثم قال: يا بريد لاوالله ما بقيت لله حرمة إلا انتهكت ولا عمل بكتاب الله ولا سنة نبية في هذا العالم ، ولا أقيم في هذا الخلق حد منذ قبض الله أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، ولا عمل بشئ من الحق إلى يوم الناس هذا ! ثم قال: أما والله لا يذهب الأيام والليالي حتى يحيي الله الموتى ويميت الأحياء ويرد الله الحق إلى أهله ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه ونبيه ، فأبشروا ثم أبشروا فوالله ما الحق إلا في أيديكم ) .

في زكاة الفطرة

3- في منتقى الجمان (2/423):(بريد ابن معاوية ، عن الباقر عليه السلام على الرجل أن يعطي عن كل من يعول من حر وعبد وصغير وكبير، يعطي يوم الفطر فهو أفضل، وهو في سعة أن يعطيها في أول يوم يدخل في شهر رمضان إلى آخره، فإن أعطى تمراً فصاع لكل رأس وإن لم يعط تمراً فنصف صاع لكل رأس من حنطة أو شعير.الحنطة والشعيرسواء ما أجزأ عنه الحنطة فالشعيريجزي).

المستبصر لا يعيد أعماله إلا زكاته

4- في منتقى الجمان (3/71):(عن بريد بن معاوية العجلي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل حج وهو لا يعرف هذا الأمر ، ثم منَّ الله عليه بمعرفته والدينونة به ، عليه حجة الاسلام أو قد قضى فريضته ؟

فقال: قد قضى فريضته ولو حج لكان أحب إليَّ . قال: وسألته عن رجل حج وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ، ثم منَّ الله عليه فعرف هذا الأمر ، يقضي حجة الاسلام؟ فقال: يقضى أحب إليَّ وقال: كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم من الله عليه وعرف الولاية فإنه يوجر عليه إلا الزكاة فإنه يعيدها لأنه وضعها في غير مواضعها ، لأنها لأهل الولاية وأما الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاؤه ) .

شاء الله وأراد ولم يحب ولم يرض

5- قال بريدة: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: شاء وأراد ، ولم يحب ولم يرض: شاء أن لا يكون شئ إلا بعلمه ، وأراد مثل ذلك ، ولم يحب أن يقال: ثالث ثلاثة ، ولم يرض لعباده الكفر ). (الكافي:1/151).

كذب الحاخام ابن سلام بأن عنده علم الكتاب

6- قال بريدة: (قال عبد الله بن عطاء: قلت لأبي جعفر عليه السلام : هذا ابن عبد الله بن سلام يزعم أن أباه الذي يقول الله: قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ. قال:كذب ! هو علي بن أبي طالب! نزلت في علي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وفي الأئمة بعده ، وعلي عنده علم الكتاب ). (تفسير العياشي:2/220).

حواري النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام

7- في رجال الشيخ(1/39): (بسنده عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين حواري محمد بن عبد الله رسول الله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه ؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر ؟

ثم ينادي مناد: أين حواري علي بن أبي طالب عليه السلام وصي محمد بن عبد الله رسول الله؟ فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي ومحمد بن أبي بكر وميثم بن يحيى التمار مولى بني أسد وأويس القرني .

قال ثم ينادي المنادي: أين حواري الحسن بن علي بن فاطمة بنت محمد بن عبد الله

رسول الله ؟ فيقوم سفيان بن أبي ليلى الهمداني وحذيفة بن أسيد الغفاري .

قال ، ثم ينادي المنادي: أين حواري الحسين بن علي عليه السلام ؟ فيقوم كل من استشهد معه ولم يتخلف عنه .

قال ، ثم ينادي المنادي أين حواري علي بن الحسين عليه السلام ؟ فيقوم جبير بن مطعم ويحيى بن أم الطويل وأبو خالد الكابلي وسعيد بن المسيب .

ثم ينادي المنادي: أين حواري محمد بن علي وحواري جعفر بن محمد ؟ فيقوم عبد الله بن شريك العامري وزرارة بن أعين وبريد بن معاوية العجلي ومحمد بن مسلم وأبو بصير ليث بن البختري المرادي وعبد الله بن أبي يعفور وعامر بن عبد الله بن جداعة وحجر بن زائدة وحمران بن أعين .

ثم ينادي سائر الشيعة مع سائر الأئمة عليهم السلام يوم القيامة ، فهؤلاء المتحورة أول السابقين وأول المقربين وأول المتحورين من التابعين ).

أقول: الحواريون أصحاب المسيح عليه السلام أي: خلصائه وأنصاره ، وأصله من التحوير أي تبييض الثياب ، قيل: إنهم كانوا قصارين يحورون الثياب . وقيل لم يكونوا قصارين على الحقيقة ، وأن اطلاق الإسم عليهم لأنهم كانوا ينقون نفوس الخلائق من الأوساخ الذميمة والكدورات ، ويرقونها إلى عالم النور من عالم الظلمات .

لا ينقض الوضوء بالرطوبات غيرالبول

8- في منتقى الجمان (1/132): (عن عمر بن أذينة ، عن بريد بن معاوية قال: سألت أحدهما عليهما السلام عن المذي فقال: لا ينقض الوضوء ، ولا يغسل منه ثوب ولا جسد ، إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق ) .

سؤال القبر لبعض الناس لا كلهم

9- في منتقى الجمان (1/302): (عن بريد ، عن محمد بن مسلم قال: قال أبوعبد الله عليه السلام : لا يسأل في القبر إلا من محض الإيمان محضاً ، أو مُحض الكفر محضاً).

عَلَّم الإمام عليه السلام أصحابه خطبتي الجمعة

10- منتقى الجمان (2/95):(عن بريد بن معاوية ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام في خطبة يوم الجمعة: الخطبة الأولى:

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، انتجبه لولايته ، واختصه برسالته ، وأكرمه بالنبوة ، أميناً على غيبه ، ورحمة للعالمين .

أوصيكم عباد الله بتقوى الله ، وأخوفكم من عقابه ، فإن الله منج من اتقاه بمفازتهم ، لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ، ومكرم من خافه ، يَقيهم شر ما خافوا ويلقيهم نضرة وسروراً . وأرغبكم في كرامة الله الدائمة .

وأخوفكم عقابه الذي لا انقطاع له ولا نجاة لمن استوجبه ، فلا تغرنكم الدنيا ولا تركنوا إليها ، فإنها دار غرور ، كتب الله عليها وعلى أهلها الفناء ، فتزودوا منها الذي أكرمكم الله به من التقوى والعمل الصالح ، فإنه لا يصل إلى الله من أعمال العباد إلا ما خلص منها ، ولا يتقبل الله إلا من المتقين ، وقد أخبركم الله عن منازل من آمن وعمل صالحاً وعن منازل من كفر وعمل في غير سبيله ، قال:

ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ . وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأَجَلٍ مَعْدُودٍ . يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ . فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ . خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ . وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ .

نسأل الله الذي جمعنا لهذا الجمع أن يبارك لنا في يومنا هذا وأن يرحمنا جميعاً ، إنه على كل شئ قدير .إن كتاب الله أصدق الحديث وأحسن القصص ، وقال الله عزّ وجلّ : وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ . فاستمعوا طاعة لله وأنصتوا ابتغاء رحمته . ثم اقرأ سورة من القرآن وادع ربك ، وصل على النبي صلى الله عليه وآله وادع للمؤمنين والمؤمنات ، ثم تجلس قدر ما تمكن هنيهة .

ثم تقوم فتقول: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله: بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ . المشركون ، وجعله رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً وَدَاعِيًا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا .

من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى .

أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ينفع بطاعته من أطاعه ، والذي يضر بمعصيته من عصاه ، الذي إليه معادكم وعليه حسابكم ، فإن التقوى وصية الله تعالى فيكم وفي الذين من قبلكم ، قال الله عزّ وجلّ : وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مَنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي السَّمَوِاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ الله غَنِيًّا حَمِيدًا . انتفعوا بموعظة الله والزموا كتابه فإنه أبلغ الموعظة وخير الأمور في المعاد عاقبة ، ولقد اتخذ الله الحجة فلا يهلك من هلك إلا عن بينة ، ولا يحيى من حي إلا عن بينة ، ولقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله الذي أرسل به فالزموا وصيته ، وما ترك فيكم من بعده من الثقلين: كتاب الله وأهل بيته الذي لايضل من تمسك بهما ، ولايهتدي من تركهما. اللهم صل على محمد عبدك ورسولك سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين . ثم تقول: اللهم صل على أمير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين، ثم تسمي الأئمة حتى تنتهي إلى صاحبك ، ثم تقول: اللهم افتح له فتحاً يسيراً ، وانصره نصراً عزيزاً ، اللهم أظهر به دينك وسنة نبيك حتى لا يستخفي بشئ من الحق مخافة أحد من الخلق .

اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة ، تعز بها الإسلام وأهله ، وتذل بها النفاق وأهله ، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك ، والقادة الى سبيلك ، وترزقنا فيها كرامة الدنيا والآخرة ، اللهم ما حملتنا من الحق فعرفناه ، وما قصرنا عنه فعلمناه . ثم يدعو الله على عدوه ويسأل لنفسه وأصحابه ، ثم يرفعون أيديهم فيسألون الله حاجتهم كلها حتى إذا فرغ من ذلك قال: اللهم استجب لنا .

ويكون آخر كلامه أن يقول: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالآحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .ثم يقول: اللهم اجعلنا ممن تذكر فتنفعه الذكرى ، ثم ينزل ) .

أقول:المشهور في مذهب أهل البيت عليهم السلام أن صلاة الجمعة لا تجب إلا بحضور الإمام المعصوم  عليه السلام ، وإلا فهي مستحبة . وتعليم الإمام عليه السلام للخطبتين لا يعني وجوبها .

لو أحبنا حجر حشره الله معنا !

11- في تفسير العياشي(1/167): (عن بريد بن معاوية العجلي قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام إذ دخل عليه قادم من خراسان ماشياً فأخرج رجليه وقد تغلَّفتا ، أي ورمتا كانما صار الورم غلافاً لها ، وقال: أما واللَّه ما جاء بي من حيث جئت إلا حبكم أهل البيت ، فقال أبو جعفر عليه السلام : واللَّه لو أحبنا حجر حشره الله معنا ، وهل الدين إلا الحب ، إن الله يقول: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ الله.

عن بريد العجلي ، عن الباقر عليه السلام بسند صحيح:( إن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله أحب المصلين ولا أصلي، وأحب الصوامين ولا أصوم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : أنت مع من أحببت ولك ما اكتسبت . وقال: ما تبغون وما تريدون أما إنها لو كان فزعة من السماء فزع كل قوم إلى مأمنهم ، وفزعنا إلى نبينا ، وفزعتم إلينا ). (الكافي(8/80).

ما عملوا بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله !

12- في الكافي(3 / 536) قال بريد بن معاوية: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: يا بريد لا والله ما بقيت لله حرمة إلا انتهكت ، ولا عمل بكتاب الله ولا سنة نبيه في هذا العالم ، ولا أقيم في هذا الخلق حد منذ قبض الله أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ، ولا عمل بشئ من الحق إلى يوم الناس هذا ! ثم قال: أما والله لا تذهب الأيام والليالي حتى يحيي الله الموتى ويميت الأحياء ، ويرد الله الحق إلى أهله ، ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه ونبيه ، فأبشروا ثم أبشروا ثم أبشروا ، فوالله ما الحق إلا في أيديكم ) .

معنى: إصبروا وصابروا ..

13- النعماني/27 و 199، عن بريد بن معاوية ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام في معنى قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا ؟ قال: إصبروا على أداء الفرائض ، وصابروا عدوكم ، ورابطوا إمامكم المنتظر ) .

من هم أولوا الأمر الذين تجب طاعتهم

14- العياشي(1/246) عن بريد بن معاوية قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام فسألته عن قول الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ . قال فكان جوابه أن قال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ، فلان وفلان،وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً. الأئمة الضالة والدعاة إلى النار هؤلاء أهدى من آل محمد وأوليائهم سبيلاً . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً . أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ يعني الإمامة والخلافة فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً . نحن الناس الذين عنى الله، والنقيرالنقطة التي رأيت في وسط النواة. أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ! فنحن المحسودون على ما آتانا الله من الإمامة دون خلق الله جميعاً . فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً . يقول: فجعلنا منهم الرسل والأنبياء والأئمة ، فكيف يقرون بذلك في آل إبراهيم وينكرونه في آل محمد صلى الله عليه وآله ! فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً . إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً . وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً .

قال قلت: قوله في آل إبراهيم: وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً ، ما الملك العظيم ؟ قال: أن جعل منهم أئمةً من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله فهو الملك العظيم . قال ثم قال: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً . قال: إيانا عنى أن يؤدي الأول منا إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلاح .

وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ، الذي في أيديكم ، ثم قال للناس: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، فجمع المؤمنين إلى يوم القيامة: أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ . إيانا عنى خاصة . فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً . فإن خفتم تنازعاً في الأمر فارجعوا إلى الله وإلى الرسول وأولي الأمر منكم ، هكذا نزلت ، أي قصد الله بها ، وكيف يأمرهم بطاعة أولي الأمر ويرخص لهم في منازعتهم ، إنما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) .

تفسير: ويتلوه شاهد منه والهادي بعده ؟

15- تفسير العياشي(2/143): أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ: عن بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر عليه السلام قال: الذي على بينة من ربه رسول الله صلى الله عليه وآله ، والذي تلاه من بعده الشاهد منه أمير المؤمنين عليه السلام ثم أوصياؤه واحد بعد واحد) .

كمال الدين /667: عن بريد بن معاوية العجلي: قلت لأبي جعفر عليه السلام : ما معنى: إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد؟ فقال: المنذر رسول الله صلى الله عليه وآله وعليٌّ الهادي ، وفي كل وقت وزمان إمام منا يهديهم إلى ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله ) .

الغروب الشرعي غياب الحمرة

16- الكافي(2/278) قال بريد: سمعت أبا جعفر يقول : إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني ناحية المشرق ، فقد غابت الشمس من شرق الأرض ومن غربها ) .

النبي إسماعيل بن حزقيل

17- في الإيقاظ من الهجعة/304 عن بريد: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره الله في قوله: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا. أكان إسماعيل بن إبراهيم؟ فقال عليه السلام : إن إسماعيل مات قبل إبراهيم ، وإبراهيم كان حجة الله قائماً صاحب شريعة ، فإلى من أرسل إسماعيل؟ قلت: فمن كان ؟ قال: كان إسماعيل بن حزقيل النبي بعثه الله إلى قومه فكذبوه وقتلوه وسلخوا وجهه ، فغضب الله عليهم فوجه إليهم سطاطائيل ملك العذاب ، فقال له: يا إسماعيل وجهني رب العزة إليك لأعذب قومك بأنواع العذاب إن شئت ، فقال له إسماعيل: لا حاجة لي إلى ذلك . فأوحى الله إليه فما حاجتك يا إسماعيل؟ فقال: يا رب إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية ، ولمحمد بالنبوة ، وأوصيائه بالولاية وأخبرت خير خلقك بما تفعل أمته بالحسين بن علي من بعد نبيها ، وإنك وعدت الحسين عليه السلام أن تُكِرَّهُ إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به ، فحاجتي إليك يا رب أن تكرني إلى الدنيا حتى أنتقم ممن فعل ذلك بي كما فعل ، كما تكر الحسين عليه السلام فوعد الله إسماعيل بن حزقيل ذلك فهو يكرُّ مع الحسين بن علي عليه السلام ).

بولاية علي والعترة عليهم السلام كمل الدين

18- قال بريدة: (قال أبو جعفر عليه السلام : أمر الله عزّ وجلّ رسوله بولاية علي وأنزل عليه:إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ. وفرض ولاية أولي الامر ، فلم يدروا ما هي ، فأمر الله محمداً صلى الله عليه وآله أن يفسر لهم الولاية كما فسر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحج ، فلما أتاه ذلك من الله ، ضاق بذلك صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وتخوف أن يرتدوا عن دينهم وأن يكذبوه فضاق صدره وراجع ربه عزّ وجلّ فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. فصدع بأمر الله تعالى ذكره فقام بولاية علي عليه السلام يوم غدير خم ، فنادى الصلاة جامعة وأمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب .وقال أبو جعفر عليه السلام : وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض ، فأنزل الله عزّ وجلّ : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الآسْلامَ دِينًا . يقول الله عزّ وجلّ : لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة ، قد أكملت لكم الفرائض ).(الكافي:1/389)

دية الناصبي من بيت المال

19- قال البحراني في الشهاب الثاقب/258:(روى الكليني في الكافي والشيخ في التهذيب في الصحيح ، عن بريد بن معاوية العجلي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن مؤمن قتل ناصباً معروفاً بالنصب على دينه غضباً لله ورسوله صلى الله عليه وآله أيقتل به ؟ فقال: أمّا هؤلاء فيقتلونه به ، ولو رفع إلى إمام عادل ظاهر لم يقتله به قلت: فيبطل دمه؟ قال: لا ولكن إن كان له ورثة فعلى الإمام أن يعطيهم الدية من بيت المال ، لأنّ قاتله إنما قتله غضباً لله وللإمام ولدين المسلمين) .

أبو بصير: ليث بن البختري المرادي

قال ابن داود الحلي في رجاله/209: (أجمعت العصابة على ثمانية عشر رجلاً فلم يختلفوا في تعظيمهم غير أنهم يتفاوتون . الدرجة العليا لستة منهم من أصحاب أبي جعفر عليه السلام أجمعوا على تصديقهم وإنفاذ قولهم والانقياد لهم في الفقه وهم زرارة بن أعين ، معروف بن خربوذ ، بريد بن معاوية ، أبو بصير: ليث بن البختري ، الفضيل ابن يسار ، محمد بن مسلم الطائفي .

والدرجة الوسطى فيها ستة أجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم وأقروا لهم بالفقه وهم من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام : يونس بن عبد الرحمن صفوان بن يحيى بياع السابري ، محمد بن أبي عمير ، عبد الله بن المغيرة الحسن بن محبوب ، أحمد بن محمد بن أبي نصر . والدرجة الثالثة فيها ستة أجمعوا على تصديقهم وثقتهم وفضلهم وهم: جميل بن دراج ، عبد الله بن مسكان ، عبد الله بن بكير ، حماد بن عيسى حماد بن عثمان ، أبان بن عثمان . وأفقههم جميل بن دراج ).

قال السيد الخوئي ملخصاً (15/144): (قال النجاشي:ليث بن البختري المرادي: أبو محمد، وقيل أبو بصير الأصغر، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام ، له كتاب ، يرويه جماعة ، منهم أبو جميلة المفضل بن صالح . أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي القزويني قال: حدثنا علي بن حاتم بن أبي حاتم ، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر قال: حدثنا أبي ، قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عنه ، به . وعده الشيخ/586 من أصحاب الباقر عليه السلام وأصحاب الصادق عليه السلام وأصحاب الكاظم عليه السلام . وأرسل ابن داود كونه من أصحاب الإجماع إرسال المسلمات . وعده ابن شهرآشوب من الثقات الذين رووا النص الصريح على إمامة موسى بن جعفر عليه السلام .

وقال ابن الغضائري:كان أبو عبد الله عليه السلام يتضجر به ويتبرم ، وأصحابه مختلفون في شأنه ، وعندي أن الطعن إنما وقع على دينه لا على حديثه ، وهو عندي ثقة .

وذكر الكشي روايات بعضها مادحة وبعضها ذامة له ، فمن المادحة:

عن الصادق عليه السلام : بشرالمخبتين بالجنة: بريد بن معاوية العجلي ، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة ، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه ، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست.

وقال في ترجمة زرارة: هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي على حلال الله وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة .وهاتان الروايتان صحيحتان.

ثم ذكر السيد الخوئي روايتين فيهما ذم له ، وقال لا يعتد بهما لإرسالهما .

وفي إحداهما طعن أبو بصير بالإمام عليه السلام كما زعمت الرواية ، وفي الثانية أنه دخل على الإمام الصادق عليه السلام فأحدَّ النظر اليه وقال: هكذا تدخل بيوت الأنبياء ، وأنت جنب ! قال: أستغفر الله ولا أعود !

ثم قال السيد الخوئي: فالمتحصل أن الروايات الذامة لم يتم سندها فلا يعتد بها .

نعم ، روى الشيخ هذه الرواية الأخيرة بسند معتبر ، مع اختلاف يسير في المتن . فقد روى بإسناده عن شعيب العقرقوفي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يتزوج بامرأة ثم علم بعد ما دخل بها أن لها زوجاً ! إلى أن قال: فذكرت ذلك لأبي بصير فقال لي: والله لقد قال جعفر عليه السلام : ترجم المرأة ويجلد الرجل الحد ، وقال بيده على صدره يحكه: ما أظن صاحبنا تكامل علمه .

أقول: هاتان الروايتان لا بد من رد علمهما إلى أهله ، فإن الرجل إذا لم يثبت أنه كان عالماً بأن المرأة لها زوج ، فما هو الوجه في ضربه الحد ، ومجرد احتمال أنه كان عالماً لا يجوِّز إجراء الحد عليه ، هذا من جهة نفس الرواية ، وأما من جهة دلالتهما على ذم أبي بصير ، فغاية الأمر أنهما تدلان على أنه كان قاصراً في معرفته بعلمه عليه السلام في ذلك الزمان لشبهة حصلت له وهي: تخيله أن حكمه عليه السلام كان مخالفاً لما وصل إليه من آبائه عليهم السلام وهذا مع أنه لا دليل على بقائه واستمراره لا يضر بوثاقته ، مضافاً إلى أن الظاهر أن المراد بأبي بصير في الرواية يحيى بن القاسم دون ليث المرادي، فإنك ستعرف أنه لم يثبت كون ليث من أصحاب الكاظم عليه السلام ، وعليه فكل رواية رواها أبو بصير عن الكاظم عليه السلام فهي عن يحيى ابن القاسم .

ثم إن الصدوق1ذكر في المشيخة طريقه إلى أبي بصير ولم يذكر أن المراد به ، ليث المرادي أو يحيى بن أبي القاسم ، ولكن الظاهر أن المراد بن يحيى بن أبي القاسم ، بقرينة أن الراوي عنه علي بن أبي حمزة ، كان قائد يحيى بن أبي القاسم ويروي عنه .

هذا ، وقد وقع بعنوان ليث المرادي في إسناد كثير من الروايات تبلغ سبعة وخمسين مورداً .فقد روى عن أبي عبد الله عليه السلام في جميع ذلك .

إسم أبي بصير ليث المرادي ، وأبو بصير الثاني يحيى الأسدي

قال الشيخ الطوسي في رجاله(1/404): (محمد بن مسعود قال: سألت علي بن الحسن بن فضال عن أبي بصير فقال: كان إسمه يحيى بن أبي القاسم ، فقال: أبو بصير كان يكني أبا محمد وكان مولى لبني أسد وكان مكفوفاً ، فسألته هل يتهم بالغلو؟ فقال: أما الغلو: فلا لم يتهم ، ولكن كان مخلطاً)

وقال السيد الخوئي(21/30): (يحيى بن أبي القاسم: يكنى أبا بصير ، مكفوف ، واسم أبي القاسم إسحاق ، من أصحاب الباقر عليه السلام .وعده البرقي من أصحاب الصادق ممن أدرك الباقر عليهما السلام ).

من مرويات أبي بصير

منعت الخلافة من كتابة السنة وأمر أهل البيت بالكتابة

1- أبو بصير: قال الصادق عليه السلام :أكتبوا فإنكم لاتحفظون حتى تكتبوا). (الكافي:1/52).

القياس في الدين معصية حتى لو أصاب !

2- قال أبو بصير(الكافي:1/56):قلت للصادق عليه السلام : ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنة فننظر فيها؟ فقال: لا ، أما إنك إن أصبت لم تؤجر ، وإن أخطأت كذبت على الله عزّ وجلّ ) . أي نهاه أن يقول برأيه وظنه !

كان الله قبل الكون والزمان والمكان

3- قال أبو بصير: (الكافي:1/88)جاء رجل إلى الباقر عليه السلام فقال له: أخبرني عن ربك متى كان؟ فقال: ويلك إنما يقال لشئ لم يكن: متى كان ، إن ربي تبارك وتعالى كان ولم يزل حياً بلا كيف ، ولم يكن له كان ، ولا كان لكونه كون ، كيف ولا كان له أين ، ولا كان في شئ ، ولا كان على شئ ، ولا ابتدع لمكانه مكاناً ولا قوي بعد ما كوَّن الأشياء ولا كان ضعيفاً قبل أن يكون شيئاً ولا كان مستوحشاً قبل أن يبتدع شيئاً ولا يشبه شيئاً مذكوراً ، ولا كان خلواً من الملك قبل إنشائه، ولايكون منه خلواً بعد ذهابه! لم يزل حياً بلا حياة وملكاً قادراً قبل أن ينشئ شيئاً، وملكاً جباراً بعد إنشائه للكون ، فليس لكونه كيف ولا له أين ولا له حد ، ولا يعرف بشئ يشبهه ، ولا يهرم لطول البقاء ، ولا يصعق لشئ بل لخوفه تصعق الأشياء كلها . كان حيا بلا حياة حادثة ، ولا كون موصوف ولا كيف محدود ولا أين موقوف عليه ولا مكان جاور شيئاً ، بل حي يعرف وملك لم يزل له القدرة والملك أنشأ ما شاء حين شاء بمشيئته ، لا يحد ولا يبعض ولا يفنى ، كان أولاً بلا كيف ويكون آخراً بلا أين وكل شئ هالك إلا وجهه ، له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين! ويلك أيها السائل إن ربي لا تغشاه الأوهام ، ولا تنزل به الشبهات ولا يحار ، ولا يجاوزه شئ ، ولاتنزل به الأحداث ، ولا يسأل عن شئ ، ولا يندم على شئ ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى) .

تكلموا في مخلوقاته ولا تتكلموا في ذاته !

4- قال أبو بصير(الكافي:1/92) قال الباقر عليه السلام : تكلموا في خلق الله ولا تتكلموا في الله فإن الكلام في الله لا يزداد صاحبه إلا تحيراً). وفي رواية: ولا تتكلموا في ذاته .

لا تقل إن الله في شيئ ولا من شيئ ولا على شيئ !

5- قال أبو بصير(الكافي:1/128)قال الصادق عليه السلام : (من زعم أن الله من شئ أو في شئ أو على شئ فقد كفر؟ قلت: فسر لي؟ قال: أعني بالحواية من الشئ له أو بإمساك له أو من شئ سبقه.وفي رواية: من زعم أن الله من شئ فقد جعله محدثاً ، ومن زعم أنه في شئ فقد جعله محصوراً، ومن زعم أنه على شئ فقد جعله محمولاً) .

الروح خلق أعظم من الملائكة !

6- قال أبو بصير(الكافي:1/273)قال الصادق عليه السلام : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّي. قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل،لم يكن مع أحد ممن مضى غير محمد صلى الله عليه وآله وهو مع الأئمة عليهم السلام يسددهم ، وليس كل ما طُلب وُجد ).

لا بد للمهدي من غيبة ونعم المنزل طيبة

7- قال أبو بصير(الكافي:1/340) قال الصادق عليه السلام : (لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة ولابد له في غيبته من عزلة ، ونعم المنزل طيبة ، وما بثلاثين من وحشة ).

كذب الوقاتون كذب الوقاتون !

8- قال أبو بصير (الكافي:1/368): سألت الصادق عليه السلام عن القائم عليه السلام فقال: كذب الوقاتون ، إنا أهل بيت لا نوقت ).

قال أبو بصير(الكافي:1/368) :(قلت للصادق عليه السلام :جعلت فداك متى الفرج؟ فقال: يا أبا بصير وأنت ممن يريد الدنيا؟من عرف هذا الأمر فقد فرج عنه لانتظاره).

لا بد للأرض من حجة لله تعالى

9- قال أبو بصير(الكافي:1/179) :قال الصادق عليه السلام : (والله ما ترك الله أرضاً منذ قبض آدم عليه السلام إلا وفيها إمام يهتدي به إلى الله وهو حجته على عباده ، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجة لله على عباده ).

النبي صلى الله عليه وآله هو المنذر وعلي عليه السلام الهادي بعده

10- قال أبو بصير(الكافي:1/192) 🙁 قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وآله المنذر وعلي الهادي ، يا أبا محمد هل من هاد اليوم ؟ قلت: بلى جعلت فداك ما زال منكم هاد بعد هاد حتى دفعت إليك ، فقال: رحمك الله يا أبا محمد لو كانت إذا نزلت آية على رجل ثم مات ذلك الرجل ، ماتت الآية ، مات الكتاب ، ولكنه حي يجري فيمن بقي كما جرى فيمن مضى) .

النبي والإمام لا يوصي لمن بعده إلا بأمر الله تعالى

11- قال أبو بصير(الكافي:1/377و378): (كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فذكروا الأوصياء وذكرت إسماعيل فقال: لا والله يا أبا محمد ما ذاك إلينا ، وما هو إلا إلى الله عزّ وجلّ ينزل واحداً بعد واحد . أترون الموصي منا يوصي إلى من يريد! لا والله ولكن عهد من الله ورسوله صلى الله عليه وآله لرجل فرجل حتى ينتهي الأمرإلى صاحبه).

أعطاهم الله في عالم الذر العقل والمعرفة

12- قال أبو بصير(الكافي:2/12): (قال أبو بصير: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : كيف أجابوا وهم ذر؟ قال: جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه ، يعني في الميثاق ).

ما لا بد للعباد من معرفته

13- سأل أبو بصير أبا عبد الله عليه السلام (الكافي:2/22): جعلت فداك أخبرني عن الدين الذي افترض الله عزّ وجلّ على العباد ، مالا يسعهم جهله ولا يقبل منهم غيره ، ما هو؟ فقال: أعد علي فأعاد عليه ، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً، وصوم شهر رمضان ، ثم سكت قليلاً ثم قال: والولاية مرتين، ثم قال: هذا الذي فرض الله على العباد ولايسأل الرب العباد يوم القيامة فيقول ألا زدتني على ما افترضت عليك ؟ ولكن من زاد زاده الله ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله سنَّ سنناً حسنة جميلة ينبغي للناس الأخذ بها ).

إذا صدقت النية تحسب عملاً ويعطى صاحبها أجره !

14- عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (الكافي:2/58) قال: )إن العبد المؤمن الفقير ليقول: يا رب أرزقني حتى أفعل كذا وكذا من البر ووجوه الخير ، فإذا علم الله عزّ وجلّ ذلك منه بصدق نية كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله ، إن الله واسع كريم).

السعي في حاجة المؤمن حجة وعمرة واعتكاف !

15- قال أبو بصير(الكافي:2/198): قال الصادق عليه السلام : (من سعى في حاجة أخيه المسلم فاجتهد فيها فأجرى الله على يديه قضاءها كتب الله عزّ وجلّ له حجة وعمرة واعتكاف شهرين في المسجد الحرام وصيامهما ! وإن اجتهد فيها ولم يجر الله قضاءها على يديه ، كتب الله عزّ وجلّ له حجة وعمرة )!

تولد من الذنب نكتة سوداء على القلب !

16- أبو بصير: قال الصادق عليه السلام :(إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب انمحت وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً)! (الكافي:2/271).

صفات تجر صاحبها الى الكفر !

17- قال أبو بصير(الكافي:2/289): قال الصادق عليه السلام :(أصول الكفر ثلاثة: الحرص والإستكبار ، والحسد ) .

التوراة والإنجيل والقرآن نزلت في رمضان !

18- أبو بصير: قال الصادق عليه السلام :(نزلت التوراة في ست مضت من شهر رمضان ونزل الإنجيل في اثتني عشرة ليلة مضت من شهر رمضان.ونزل الزبور في ليلة ثماني عشرة مضت من شهر رمضان.ونزل القرآن في ليلة القدر).(الكافي:4/157).

الدعاء لطلب الولد

19- أبو بصير: قال الصادق عليه السلام :(إذا أبطأ على أحدكم الولد فليقل: اللهم لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين وحيداً وحشاً فيقصر شكري عن تفكري، بل هب لي عاقبة صدق ذكوراً وإناثاً آنس بهم من الوحشة وأسكن إليهم من الوحدة وأشكرك عند تمام النعمة، ياوهاب ياعظيم يا معظم.ثم أعطني في كل عافية شكراً حتى تبلغني منها رضوانك في صدق الحديث وأداء الأمانة ووفاء بالعهد). (الكافي:6/7).

آداب تتعلق بالمولود

20- قال أبو بصير: قال الصادق عليه السلام :(إذا ولد لك غلام أو جارية فعق عنه يوم السابع شاة أو جزوراً، وكل منها وأطعم وسمِّ، واحلق رأسه يوم السابع وتصدق بوزن شعره ذهباً أو فضة ، وأعط القابلة طائفة من ذلك. فأي ذلك فعلت فقد أجزأك ) . (الكافي:6/28).

الختان والتطهير كان قبل إبراهيم عليه السلام

21- قال أبو بصير(الكافي:6/38): قال الصادق عليه السلام : (من سنن المرسلين الاستنجاء والختان ). وهذا يدل على أن التطهر والختان قبل إبراهيم عليه السلام وأنه مع بعثة الرسل عليهم السلام .

وفي رواية: السنة في الختان على الرجال وليس على النساء .

المطلقة ثلاثاُ من هي ؟

22- قال أبو بصير(الكافي:6/78): سألت الصادق عليه السلام : (المرأة التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجاً غيره ؟ قال: هي التي تطلق ثم تراجع ثم تطلق ثم تراجع ثم تطلق فهي التي لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ).

لا عدة على غير المدخول بها

23- وقال عليه السلام (الكافي:6/84): (إذا تزوج الرجل المرأة فطلقها قبل أن يدخل بها فليس عليها عدة ، وتتزوج من شاءت من ساعتها ، وتبينها تطليقة واحدة ).

الخل أحب الأصباغ الى النبي صلى الله عليه وآله

24- وقال عليه السلام (الكافي:6/329): (كان أحب الأصباغ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله الخل . قال أمير المؤمنين عليه السلام : نعم الإدام الخل يكسر المرة ويطفئ الصفراء ويحيي القلب ).

الا تنال الشفاعة المستخف بصلاته وشارب المسكر

25- وقال عليه السلام (الكافي:6/400):(قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا ينال شفاعتي من استخف بصلاته ولا يرد علي الحوض ، لا والله لا ينال شفاعتي من شرب المسكر ولا يردُ عليَّ الحوض لا والله . قال رسول الله صلى الله عليه وآله : مدمن الخمر كعابد وثن إذا مات وهو مدمن عليه يلقى الله عزّ وجلّ حين يلقاه كعابد وثن) .

لا يتوارث رجلان قتل أحدهما صاحبه

26- قال عليه السلام (الكافي:7/140و298):(لايتوارث رجلان قتل أحدهما صاحبه . ولا يقتل الأب بابنه إذا قتله . ويقتل الابن بأبيه إذا قتل أباه ).

مناظرة الإمام الباقر عليه السلام مع رئيس الخوارج

في الكافي(8/349): (إن عبد الله بن نافع الأزرق كان يقول: لو أني علمت أن بين قطريها أحداً تبلغني إليه المطايا يخصمني أن علياً قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم لرحلت إليه. فقيل له: ولا ولده؟ فقال: أفي ولده عالم؟ فقيل له: هذا أول جهلك وهم يخلون من عالم! قال: فمن عالمهم اليوم؟ قيل: محمد بن علي بن الحسين بن علي.قال: فرحل إليه في صناديد أصحابه حتى أتى المدينة فأستأذن على أبي جعفر عليه السلام فقيل له: هذا عبد الله بن نافع ، فقال: وما يصنع بي وهو يبرأ مني ومن أبي طرفي النهار؟ فقال له أبو بصير الكوفي: جعلت فداك إن هذا يزعم أنه لو علم أن بين قطريها أحداً تبلغه المطايا إليه يخصمه أن علياً عليه السلام قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم لرحل إليه .

فقال له أبو جعفر عليه السلام : أتراه جاءني مناظراً؟ قال: نعم ، قال: يا غلام أخرج فحط رحله (يعني ضيفه) وقل له: إذا كان الغد فأتنا قال: فلما أصبح عبد الله بن نافع غداً في صناديد أصحابه وبعث أ بو جعفر عليه السلام إلى جميع أبناء المهاجرين والأنصار فجمعهم ثم خرج إلى الناس في ثوبين ممغرين وأقبل على الناس كأنه فلقة قمر فقال: الحمد لله محيِّثُ الحيث ، ومكيِّف الكيف ، ومؤيِّن الأين . الله لا إِلَهَ إِلا هُوَالْحَىُّ الْقَيُّومُ لا تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَئٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَالْعَلِي الْعَظِيمُ .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله عبده ورسوله اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم . الحمد لله الذي أكرمنا بنبوته واختصنا بولايته ، يا معشر أبناء المهاجرين والأنصار من كانت عنده منقبة في علي بن أبي طالب فليقم وليتحدث قال: فقام الناس فسردوا تلك المناقب ، فقال عبد الله: أنا أروى لهذه المناقب من هؤلاء وإنما أحدث عليٌّ الكفر بعد تحكيمه الحكمين ، حتى انتهوا في المناقب إلى حديث خيبر: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه .

فقال أبو جعفر عليه السلام : ما تقول في هذا الحديث فقال: هو حق لا شك فيه ولكن أحدث الكفر بعد ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : ثكلتك أمك أخبرني عن الله عزّ وجلّ أحب علي بن أبي طالب يوم أحبه وهو يعلم أنه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم ؟ قال ابن نافع: أعد عليَّ فقال له أبو جعفر عليه السلام : أخبرني عن الله جل ذكره أحب علي بن أبي طالب يوم أحبه وهو يعلم أنه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم ؟ قال: إن قلت: لا ، كفرت قال: فقال: قد علم . قال: فأحبه الله على أن يعمل بطاعته أو على أن يعمل بمعصيته ؟ فقال: على أن يعمل بطاعته ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : فقم مخصوماً ! فقام وهو يقول: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ.. الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ).

أخبر الباقر عليه السلام بأن عمر بن عبد العزيز سيحكم

قال أبو بصير: ( كنت مع الباقر عليه السلام في المسجد ، إذ دخل عليه عمر بن عبد العزيز، عليه ثوبان ممصران متكئاً على مولى له فقال عليه السلام : لَيَلِيَنَّ هذا الغلام فيظهر العدل ويعيش أربع سنين، ثم يموت فيبكي عليه أهل الأرض ويلعنه أهل السماء. فقلنا: يا بن رسول الله أليس ذكرت عدله وإنصافه ؟ قال: يجلس في مجلسنا ولا حق له فيه ) ! (الخرائج:1/276).

وروي أنه:( نجيب بني أمية ويبعث يوم القيامة أمة وحده). وهو يدل على تميزه عن غيره من خلفائهم ، ولا يدل على استقامته وقبوله .

يحكم مهديون بعد المهدي لكنهم ليسوا أئمة

عن أبي بصير قال: قلت للصادق جعفر بن محمد صلى الله عليه وآله : يا ابن رسول الله إني سمعت من أبيك صلى الله عليه وآله أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر مهدياً ؟ فقال: إنما قال اثنا عشر مهدياً ولم يقل اثنا عشر إماماً ، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا ) . (كمال الدين: 2 / 358).

تعرض أعمال العباد على النبي وآله صلى الله عليه وآله

قال أبو بصير(الكافي:1/219): قال الصادق عليه السلام :(تعرض على رسول الله صلى الله عليه وآله أعمال العباد كل صباح أبرارها وفجارها فاحذروها ، وهو قول الله تعالى: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ .. وسكت . وسئل عليه السلام : فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ؟ قال: هم الأئمة ).

الفضيل بن يسار النهدي

قالوا إنه مولى كوفي سكن البصرة ، وقال العلامة في الخلاصة/217: (منسوب إلى نهد بن زيد بن سود بن أسلم بن أطاف بن قضاعة ، مولى بصري ، ثقة ).وكأنه مولى النهديين لكن قال/228: (النهدي أبو القاسم، عربي صميم بصري ثقة عين، جليل القدر، روى عن الباقر والصادق عليهما السلام ). فهو من قبيلة نهد التهامية .

وقال ابن عبد البر في الإنباه/139:(ونهد بن زيد بن سود بن أسلم بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ، رهط أبي عثمان النهدي ، وفي نهد بطون ).

وقال السيد بحر العلوم في الفوائد الرجالية (1/358):(بنو يسار: أبو القاسم الفضيل بن يسار النهدي البصري المشهور، وابناه العلاء والقاسم ، ومحمد بن القاسم بن الفضيل ، ثقات جميعاً . قال النجاشي:ومحمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار النهدي ، ثقة هو وأبوه وعمه العلا وجده الفضيل، روى عن الرضا عليه السلام له كتاب. روى أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عنه . واتفق الجماعة على توثيق الفضيل وفضله وجلالته وعظم محله ، وهو أحد الفقهاء الذين عدهم الكشي من أصحاب الإجماع. وقد روى في فضله أخباراً كثيرة سالمة عن المعارض وقل ما اتفق في الأجلاء مثل ذلك. وكرر النجاشي توثيقه وتوثيق ولديه القاسم والعلا في تراجمهم وأثبت لكل منهم كتاباً ) . وعده ابن حبان في الثقات (7/315).

وقال السيد الخوئي ملخصاً (19/249): (كان أبو جعفر عليه السلام إذا دخل عليه الفضيل بن يسار يقول: بخ بخ بشر المخبتين ، مرحبا بمن تأنس به الأرض .

وقال الصادق عليه السلام : من أحب أن ينظر رجلاً من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ..إن الأرض لتسكن إلى الفضيل بن يسار .

حدثني غاسل الفضيل بن يسار،قال: اني لأغسل الفضيل بن يسار وأن يده لتسبقني إلى عورته ، فخبرت بذلك أبا عبد الله عليه السلام فقال لي: رحم الله الفضيل بن يسار ، وهو منا أهل البيت .

عن أبي غيلان قال: أتيت الفضيل بن يسار ، فأخبرته أن محمداً وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن قد خرجا فقال لي: ليس أمرهما بشئ قال: فصنعت ذلك مراراً كل ذلك يرد علي مثل هذا الرد . قال قلت: رحمك الله قد أتيتك غير مرة أخبرك فتقول ليس أمرهما بشئ أفبرأيك تقول هذا ؟ قال فقال: لا والله ، ولكن سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن خرجا قتلا ).

وقال السيد الخوئي(14/356): (وقال ابن نوح: يكنى أبا مِسْوَر. له كتاب يرويه جماعة ووثقه في ترجمة ابن ابنه محمد بن القاسم بن الفضيل أيضاً . وعده الشيخ المفيد في رسالته العددية من الفقهاء الأعلام ، والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام ، والفتيا والأحكام ، الذين لا يطعن عليهم ، ولا طريق لذم واحد منهم .

طبقته: وقع بهذا العنوان في إسناد كثير من الروايات تبلغ مائتين وأربعة وخمسين مورداً . فقد روى عن علي بن الحسين ، وأبي جعفر ، وأبي عبد الله ، وأحدهما ، عليهم السلام  ، وعن زكريا النقاض ، وعبد الواحد بن المختار الأنصاري .

وروى عنه أبو إسماعيل ، وأبو إسماعيل البصري ، وأبو أيوب ، وأبو المغري ، وابن أذينة ، وابن بكير ، وابن رئاب ، وأبان ، وأبان الأحمر ، وأبان بن عثمان ، وإسماعيل البصري ، وجميل ، وجميل بن دراج ، وجميل بن صالح ، وحريز ، وحريز ابن عبد الله ، والحسن بن الجهم ، والحسن بن زياد ، والحسن بن زياد الصيقل ، والحسن بن موسى الخياط ، والحسين بن موسى ، والحسين بن موسى الحناط ، وحماد بن عثمان ، وخلف بن حماد ، ودرست بن أبي منصور ، وربعي ، وربعي بن عبد الله ، وربعي بن عبد الله بن الجارود ، وربعي بن عبد الله بن الجارود الهذلي ، وسيف بن عميرة ، وعبد الكريم بن عمرو الخثعمي ، وعبد الله بن بكير ، والعلاء ، وعلي بن رئاب ، وعمار بن مروان ، وعمر بن أبان ، وعمر بن أذينة ، والقاسم ابن الفضيل ، ومحمد بن إسماعيل، ومحمد بن القاسم بن الفضيل، ومحمد بن مروان ، وموسى بن بكر ، والسندي) .

ملاحظة

ذكر الأئمة عليهم السلام مقامين عظيمين للفضيل بن يسار رحمه الله وهما: الإخبات لله تعالى .

قال الخليل (4/241): (المخبت: الخاشع المتضرع، يخبت إلى الله ويخبت قلبه لله ).

ولا بد أن يكون خشوعه ظاهراً دائماً حتى يستحق هذا الوصف .

والمقام الثاني: أن الأرض تأنس به ، أي تفرح بأنه يعيش على ظهرها ويذكر الله ويسجد له عليها . في مقابل الفعل الذي تكرهه الأرض كبول الأغلف فيها ، والعصاة الذين تكره إقامتهم عليها ودفنهم فيها !

من مرويات الفضيل بن يسار

لا يوصف الله تعالى بقدر

1- قال الفضيل:سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:إن الله لا يوصف وكيف يوصف وقد قال في كتابه: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، فلا يوصف بقدر إلا كان أعظم من ذلك). (الكافي:1/103).

الكرسي يشبه الغلاف الكوني

2- وقال الفضيل: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله جل وعز: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ؟ فقال: يا فضيل كل شئ في الكرسي ، السماوات والأرض وكل شئ في الكرسي) . (الكافي:1/132).

علم الله تعالى علمان

3- وقال الفضيل: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: العلم علمان: فعلم عند الله مخزون لم يطلع عليه أحداً من خلقه وعلم وملائكته ورسله ، فما علمه ملائكته ورسله فإنه سيكون ، لا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله ، وعلم عنده مخزون يقدم منه ما يشاء ، ويؤخر منه ما يشاء ، ويثبت ما يشاء ). (الكافي:1/147).

من عنده علم الكتاب: علي والأئمة عليهم السلام

4- قال العياشي في تفسيره (2/220): ( عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ: قال: نزلت في علي عليه السلام  ، إنه عالم هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله . عن بريد بن معاوية العجلي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام : قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ؟ قال: إيانا عنى وعليٌّ أفضلنا وأولنا وخيرنا بعد النبي صلى الله عليه وآله ).

الروح والراحة لمن تولى علياً عليه السلام

5- قال الفضيل: قال أبو جعفر عليه السلام : إن الروْحَ ، والراحة ، والفلَج ، والعون، والنجاح ، والبركة ، والكرامة ، والمغفرة ، والمعافاة ، واليسر ، والبشرى ، والرضوان ، والقرب ، والنصر ، والتمكن ، والرجاء ، والمحبة من الله عزّ وجلّ  ، لمن تولى علياً عليه السلام وائتم به ، وبرئ من عدوه ، وسلم لفضله وللأوصياء من بعده ، حقاً عليَّ أن أدخلهم في شفاعتي ، وحق على ربي تبارك وتعالى أن يستجيب لي فيهم فإنهم أتباعي ، ومن تبعني فإنه مني ). (الكافي:1/210).

أخبر الباقر عليه السلام أن أولاد عبد بن الحسن لا يملكون

6- قال الفضيل: (إن عبد الملك بن أعين قال لأبي عبد الله عليه السلام : إن الزيدية والمعتزلة قد أطافوا بمحمد بن عبد الله فهل له سلطان؟فقال: والله إن عندي لكتابين فيهما تسمية كل نبي وكل ملك يملك الأرض، لا والله ما محمد بن عبد الله في واحد منهما ). (الكافي:1/242).

أكمل الله رسوله صلى الله عليه وآله وفوض اليه التشريع وأمضى تشريعه

7- قال الفضيل: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لبعض أصحاب قيس الماصر: إن الله عزّ وجلّ أدب نبيه فأحسن أدبه فلما أكمل له الأدب قال: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ، ثم فوض إليه أمر الدين والأمة ليسوس عباده ، فقال عزّ وجلّ : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. وإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان مسدداً موفقاً مؤيداً بروح القدس ، لا يزل ولا يخطئ في شئ مما يسوس به الخلق ، فتأدب بآداب الله .

ثم إن الله عزّ وجلّ فرض الصلاة ركعتين ركعتين عشر ركعات ، فأضاف رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الركعتين ركعتين وإلى المغرب ركعة فصارت عديل الفريضة ، لا يجوز تركهن إلا في سفر ، وأفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر والحضر ، فأجاز الله عزّ وجلّ له ذلك ، فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة ، ثم سن رسول الله صلى الله عليه وآله النوافل أربعاً وثلاثين ركعة مثلي الفريضة فأجاز الله عزّ وجلّ له ذلك والفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة ، منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعد بركعة مكان الوتر. وفرض الله في السنة صوم شهر رمضان وسن رسول الله صلى الله عليه وآله صوم شعبان وثلاث أيام في كل شهر مثلي الفريضة ، فأجاز الله عزّ وجلّ له ذلك . وحرم الله عزّ وجلّ الخمر بعينها وحرم رسول الله صلى الله عليه وآله المسكر من كل شراب فأجاز الله له ذلك كله. وعاف رسول الله صلى الله عليه وآله أشياء وكرهها ولم ينه عنها نهي حرام إنما نهى عنها نهي إعافة وكراهة ، ثم رخص فيها فصار الأخذ برخصه واجباً على العباد كوجوب ما يأخذون بنهيه وعزائمه.ولم يرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وآله فيما نهاهم عنه نهي حرام ، ولا فيما أمر به أمر فرض لازم ، فكثير المسكر من الأشربة نهاهم عنه نهي حرام لم يرخص فيه لأحد ولم يرخص رسول الله صلى الله عليه وآله لأحد تقصيرالركعتين اللتين ضمهما إلى ما فرض الله عزّ وجلّ  ، بل ألزمهم ذلك إلزاماً واجباً ، لم يرخص لأحد في شئ من ذلك إلا للمسافر ، وليس لأحد أن يرخص ما لم يرخصه رسول الله صلى الله عليه وآله فوافق أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أمر الله عزّ وجلّ ونهيه نهي الله عزّ وجلّ ووجب على العباد التسليم له كالتسليم لله تبارك وتعالى ). (الكافي:1/266).

كذب الوقاتون لظهور المهدي عليه السلام

8- قال الفضيل بن يسار: (قلت لأبي جعفر عليه السلام : لهذا الأمر وقت؟ فقال: كذب الوقاتون ، كذب الوقاتون ، كذب الوقاتون ، إن موسى عليه السلام لما خرج وافداً إلى ربه واعدهم ثلاثين يوماً ، فلما زاده الله على الثلاثين عشراً ، قال قومه: قد أخلفنا موسى فصنعوا ما صنعوا ، فإذا حدثناكم الحديث فجاء على ما حدثناكم فقولوا: صدق الله ، وإذا حدثناكم الحديث فجاء على خلاف ما حدثناكم به فقولوا: صدق الله تؤجروا مرتين ). (الكافي:1/368).

من مات وليس له إمام فميتته جاهلية !

9- قال فضيل: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية ، ومن مات وهو عارف لامامه لم يضره ، تقدم هذا الأمر أو تأخر ومن مات و هو عارف لإمامه ، كان كمن هو مع القائم في فسطاطه ). (الكافي:1/371).

نصب الله علياً عليه السلام بينه وبين خلقه

10- قال الفضيل: قال أبو جعفر عليه السلام : إن الله عز و جل نصب علياً عليه السلام علماً بينه وبين خلقه ، فمن عرفه كان مؤمناً ومن أنكره كان كافراً ، ومن جهله كان ضالاً ومن نصب معه شيئاً كان مشركاً ، ومن جاء بولايته دخل الجنة ). (الكافي:1/437).

أقول: المقصود به كفر دون كفر ، وشرك دون شرك .

أصعب العبادة الورع عن الحرام

11- قال فضيل بن يسار:قال أبو جعفر عليه السلام :(إن أشد العبادة الورع). (الكافي:2/77).

إذا ذهب الصبر قطع رأس الإيمان

12- قال فضيل:(قال الصادق عليه السلام :الصبرمن الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان). (الكافي:2/89).

وهل الإيمان إلا الحب واالبغض ؟

13- وقال فضيل:(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحب والبغض أمن الإيمان هو؟ فقال:وهل الإيمان إلا الحب والبغض؟ثم تلاهذه الآية: حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الآيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ). (الكافي:2/125).

إحياء النفس الأعظم هدايتها

14- وقال فضيل: (قلت لأبي جعفر عليه السلام : قول الله عزّ وجلّ في كتابه: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا؟ قال: من حرق أو غرق ، قلت: فمن أخرجها من ضلال إلى هدى ؟ قال: ذاك تأويلها الأعظم ). (الكافي:2/210).

لو عدلت الدنيا بعوضة ما سقى منها كافراً !

15- وقال فضيل: (دخلت على أبي عبد الله عليه السلام في مرضةٍ مرضها لم يبق منه إلا رأسه فقال: يا فضيل إنني كثيراً ما أقول: ما على رجل عرفه الله هذا الأمر لو كان في رأس جبل حتى يأتيه الموت ، يا فضيل بن يسار إن الناس أخذوا يميناً وشمالاً وإنا وشيعتنا هدينا الصراط المستقيم ، يا فضيل بن يسار إن المؤمن لو أصبح له ما بين المشرق والمغرب كان ذلك خيراً له ، ولو أصبح مقطعا أعضاؤه كان ذلك خيراً له يا فضيل بن يسار إن الله لا يفعل بالمؤمن إلا ما هو خير له .

يا فضيل ابن يسار لو عدلت الدنيا عند الله عزّ وجلّ جناح بعوضة ما سقى عدوه منها شربة ماء . يا فضيل بن يسار إنه من كان همه هماً واحداً كفاه الله همه ، ومن كان همه في كل واد ، لم يبال الله بأي واد هلك ) .(الكافي:2/246).

كلما زاد الإيمان زاد البلاء

16- قال فضيل: (قال أبو جعفر عليه السلام : أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأوصياء ، ثم الأماثل فالأماثل) . (الكافي:2/252).

أسرع دعوة إجابة دعاء المرء لاخيه

17- عن الفضيل ابن يسار ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أوشك دعوة وأسرع إجابة دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب ). (الكافي:2/507).

فضل حافظ القرآن العامل به

18- عن الفضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة ). (الكافي:2/603).

كذب القائلون إن القرآن نزل سبعة أشكال !

19- قال الفضيل بن يسار: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن الناس يقولون: إن القرآن نزل على سبعة أحرف ، فقال: كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد ) . (الكافي:2/630).

فائدة الجريدتين في جنازة للميت

20- عن فضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: توضع للميت جريدتان واحدة في الأيمن والأخرى في الأيسر ). (الكافي:3/153).

التوجه في الصلاة روح الصلاة

21- قال الفضيل: قال الباقر عليه السلام : إنما لك من صلاتك ما أقبلت عليه منها فإن أوهمها كلها أو غفل عن أدائها، لُفَّت فضرب بها وجه صاحبها ). (الكافي:3/363).

القرض صدقة حتى يرجع اليك

22- قال فضيل: قال أبو عبد الله عليه السلام : ما من مؤمن أقرض مؤمنا يلتمس به وجه الله إلا حسب الله له أجره بحساب الصدقة حتى يرجع إليه ماله ). (الكافي:4/34).

قاعدة كل مسكر حرام

23- قال الفضيل: سألت أبا جعفر عليه السلام عن النبيذ فقال: حرم الله عزّ وجلّ الخمر بعينها وحرم رسول الله صلى الله عليه وآله من الأشربة كل مسكر) . (الكافي:6/408).

إذا كثرت الحاجة والفاقة فانتظر العذاب !

24- قال الفضيل بن يسار: (قال أبو جعفر عليه السلام : إذا رأيت الفاقة والحاجة قد كثرت وأنكر الناس بعضهم بعضاً فعند ذلك فانتظر أمر الله عزّ وجلّ . قلت: جعلت فداك هذه الفاقة والحاجة قد عرفتهما فما إنكار الناس بعضهم بعضاً ؟ قال:يأتي الرجل منكم أخاه فيسأله الحاجة فينظر إليه بغير الوجه الذي كان ينظر إليه ويكلمه بغير اللسان الذي كان يكلمه به ). (الكافي:8/221).

عشر خصال توجب دخول الجنة

25- قال الفضيل:(قال أبو جعفر عليه السلام : عشر من لقي الله بهن دخل الجنة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، والإقرار بما جاء من عند الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحج البيت ، والولاية لأولياء الله والبراءة من أعداء الله ، واجتناب كل مسكر ) . (بشارة المصطفى للطبري/413)

فضل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه

26- قال الفضيل: (قال أبو جعفر عليه السلام : أصيب يومئذ جعفر وبه خمسون جراحة ، خمس وعشرون منها في وجهه.قال عبد الله بن جعفر: أنا أحفظ حين دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على أمي فنعى لها أبي ، فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي وعيناه تهرقان الدموع حتى تقطر على لحيته ، ثم قال: اللهم إن جعفراً قد قدم إليك إلى أحسن الثواب ، فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحداً من عبادك في ذريته . ثم قال: يا أسماء ألا أبشرك ؟ قالت: بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: إن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة . قالت: فأعلم الناس ذلك .

فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذ بيدي يمسح بيده رأسي حتى رقى المنبر وأجلسني أمامه على الدرجة السفلى والحزن يعرف عليه فقال: إن المرء كثير بأخيه وابن عمه ، ألا إن جعفراً قد استشهد وجعل الله له جناحان يطير بهما في الجنة .

ثم نزل عليه السلام ودخل بيته وأدخلني معه ، وأمر بطعام يصنع لأجلي ، وأرسل إلى أخي فتغذينا عنده غذاء طيباً مباركاً ، وأقمنا ثلاثة أيام في بيته ندور معه كلما صار في بيت إحدى نسائه ، ثم رجعنا إلى بيتنا ، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا أساوم شاة أخ لي فقال: اللهم بارك له في صفقته قال عبد الله: فما بعت شيئاً ولا اشتريت شيئاً إلا بورك لي فيه ) . (إعلام الورى:1/213).

أبو الوليد ذريح بن محمد بن يزيد المحاربي

في الفائق للشبستري(1/557): (أبو الوليد ذريح بن محمد بن يزيد المحاربي الكوفي . محدث إمامي ثقة ، وله كتاب . وروى عن الإمام الكاظم عليه السلام أيضاً .

روى عنه جعفر بن بشير البجلي ، وعبد الله بن المغيرة ، وصفوان بن يحيى ، وغيرهم . وكان حياً قبل سنة 183 ).

قال الطوسي في رجاله (2/438و670): (قال ذريح المحاربي: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن جابر الجعفي وما روى ؟ فلم يجبني، وأظنه قال: سألته بجمع فلم يجبني فسألته الثالثة ؟ فقال لي: يا ذريح دع ذكر جابر فإن السفلة إذا سمعوا بأحاديثه شنعوا ، أو قال: أذاعوا ...عن ذريح المحاربي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما ترك الله الأرض بغير إمام قط منذ قبض آدم عليه السلام يهتدي به إلى الله تبارك وتعالى وهو الحجة على العباد ، من تركه هلك ومن لزمه نجا . حقاً على الله تعالى .

عن داود الرقي، قال قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام :جعلت فداك إنه والله ما يلج في صدري من أمرك شئ إلا حديث سمعته من ذريح يرويه عن أبي جعفر عليه السلام قال لي: وما هو؟ قال سمعته يقول: سابعنا قائمنا إن شاء الله ، قال: صدقت وصدق ذريح وصدق أبو جعفر عليه السلام . فازددت والله شكاً ! ثم قال يا داود: أما والله لولا أن موسى قال للعالم ستجدني إن شاء الله صابراً ما سأله عن شئ، وكذلك أبو جعفر عليه السلام لولا أن قال إن شاء الله لكان كما قال.قال: فقطعت عليه).

وقال في الفهرست/127:(ذريح المحاربي ثقة. له أصل أخبرنا به أبو الحسين بن أبي جيد القمي ). وقال السيد الخوئي(8 /159): (وقع بعنوان ذريح المحاربي في إسناد عدة من الروايات تبلغ واحداً وثلاثين مورداً ).

من مرويات ذريح المحاربي

فضل قضاء حاجة المؤمن

1- عن ذريح قال: (قال الصادق عليه السلام : أيما مؤمن نفس عن مؤمن كربة وهو معسر ، يسر الله له حوائجه في الدنيا والآخرة. قال: ومن ستر على مؤمن عورة يخافها ستر الله عليه سبعين عورة من عورات الدنيا والآخرة. قال: والله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه ، فانتفعوا بالعظة وارغبوا في الخير ). (الكافي:2/200).

مجمع الأرواح في وادي السلام

2- عن ذريح عن عبادة الأسدي عن حبة العرني قال: (خرجت مع أمير المؤمنين عليه السلام إلى الظَّهر فوقف بوادي السلام كأنه مخاطب لأقوام فقمت بقيامه حتى أعييت ، ثم جلست حتى مللت ، ثم قمت حتى نالني مثل ما نالني أولاً ، ثم جلست حتى مللت ، ثم قمت وجمعت ردائي فقلت: يا أمير المؤمنين إني قد أشفقت عليك من طول القيام فراحة ساعة ، ثم طرحت الرداء ليجلس عليه فقال لي: يا حبة إن هو إلا محادثة مؤمن أو مؤانسته ، قال قلت: يا أمير المؤمنين وإنهم لكذلك؟ قال: نعم ولو كشف لك لرأيتهم حلقاً حلقاً محتبين يتحادثون فقلت: أجسام أم أرواح؟ فقال: أرواح . وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلا قيل لروحه: إلحقي بوادي السلام.وإنها لبقعة من جنة عدن). (الكافي:3/243).

للقرآن ظاهر وباطن وكلاها حق

3- عن ذريح المحاربي قال: ( قلت للصادق عليه السلام :إن الله أمرني في كتابه بأمر فأحب أن أعمله ، قال: وما ذاك ؟ قلت: قول الله عزّ وجلّ : ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ؟ قال ليقضوا تفثهم لقاء الإمام ، وليوفوا نذورهم تلك المناسك . قال: عبد الله بن سنان فأتيت أبا عبد الله عليه السلام فقلت: جعلت فداك قول الله عزّ وجلّ : ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ؟ قال: أخذ الشارب وقص الأظفار وما أشبه ذلك ، قال قلت: جعلت فداك إن ذريح المحاربي حدثني عنك بأنك قلت له: ليقضوا تفثهم لقاء الإمام وليوفوا نذورهم تلك المناسك ، فقال: صدق ذريح وصدقت ، إن للقرآن ظاهراً وباطناً ، ومن يحتمل ما يحتمل ذريح)! (الكافي:4/549).

أجبرت قريش طالباً على الخروج الى بدر وقتلته في الطريق !

4- قال ذريح: ( قال الصادق عليه السلام :لما خرجت قريش إلى بدر وأخرجوا بني عبد المطلب معهم ، خرج طالب بن أبي طالب فنزل رجازهم وهم يرتجزون ، ونزل طالب بن أبي طالب يرتجز ويقول:

يا رب إمـا يـغـزون بطالب
في مقـنـب من هذه المـقانب
في مقنب المغالب المحارب
بجعله المسلوب غير السالب

وجعله المغلوب غير الغالب

فقالت قريش: إن هذا ليغلبنا فردوه. وفي رواية أنه كان أسلم ). (الكافي:8/375).

فضل زيارة الحسين عليه السلام

5- قال ذريح المحاربي: ( قلت للصادق عليه السلام :ما ألقى من قومي ومن بنيَّ ، إذا أنا أخبرتهم بما في إتيان قبر الحسين عليه السلام من الخير إنهم يكذبوني ويقولون: إنك تكذب على جعفر بن محمد ! قال: يا ذريح دع الناس يذهبون حيث شاؤوا ، والله ان الله ليباهي بزائر الحسين والوافد يفده الملائكة المقربون وحملة عرشه ، حتى أنه ليقول لهم: أما ترون زوار قبر الحسين أتوه شوقاً إليه والى فاطمة بنت رسول الله ، أما وعزتي وجلالي وعظمتي لأوجبن لهم كرامتي ولأدخلنهم جنتي التي أعددتها لأوليائي ولأنبيائي ورسلي . يا ملائكتي هؤلاء زوار الحسين حبيب محمد رسولي ومحمد حبيبي ، ومن أحبني أحب حبيبي ، ومن أحب حبيبي أحب من يحبه ، ومن أبغض حبيبي أبغضني ، ومن أبغضني كان حقاً علي أن أعذبه بأشد عذابي ، وأحرقه بحر ناري ، واجعل جهنم مسكنه ومأواه ، وأعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين) . (كامل الزيارات/271)

ورث الأئمة علم النبي صلى الله عليه وآله

6- قال ذريح: (قال الصادق عليه السلام : نحن ورثة الأنبياء، ثم قال:جلل رسول الله صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام ثوباً ثم علمه ألف كلمة، كل كلمة يفتح ألف كلمة).(الخصال/651).

قصة الرجل القبيح الذي أرسل الله له سلامه !

7- قال ذريح: ( قال الصادق عليه السلام : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله يسأل الله عما سوى الفريضة؟فقال: لا ، قال: فوالذي بعثك بالحق لا تقربت إلى الله بشئ سواها ! قال: ولمَ ؟ قال: لأن الله قبح خلقي! قال: فأمسك النبي صلى الله عليه وآله ونزل جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد ربك يقرؤك السلام ويقول: أقرئ عبدي فلاناً السلام وقل له: أما ترضى أن أبعثك غداً في الآمنين ، فقال: يا رسول الله وقد ذكرني الله عنده ! قال: نعم ، قال: فوالذي بعثك بالحق لا بقي شئ يتقرب به إلى الله عنده إلا تقربت به ). (علل الشرائع:2/463).

لا تباع دار السكنى في قضاء الدين

8- حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه قال: ( كان ابن أبي عمير رجلاً بزازاً ، وكان له على رجل عشرة آلاف درهم فذهب ماله وافتقر ، فجاء الرجل فباع داراً له بعشرة آلاف درهم وحملها إليه فدق عليه الباب فخرج إليه محمد بن أبي عمير فقال له الرجل: هذا مالك الذي لك علي فخذه ، فقال ابن أبي عمير: فمن أين لك هذا المال ورثته ؟ قال: لا ، قال: وهب لك ، قال: لا ولكني بعت داري الفلاني لا قضى ديني، فقال ابن أبي عمير: حدثني ذريح المحاربي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدين ، إرفعها فلا حاجة لي فيها، والله إني محتاج في وقتي هذا إلى درهم وما يدخل ملكي منها درهم).(علل الشرائع:2/529).

علم الأئمة عليهم السلام يتجدد

9- قال ذريح للصادق عليه السلام : ( جعلني الله فداك لي إليك حاجة ، فقال يا ذريح هات حاجتك فما أحب إليَّ قضاء حاجتك ، فقال: جعلني الله فداك أخبرني هل تحتاجون إلى شئ مما تسألون عنه ليس يكون عندكم فيه سنة من رسول الله صلى الله عليه وآله حتى تنظرون إلى ما عندكم من الكتب.

قال: يا ذريح أما والله لولا أنا نزاد لأنفدنا. قال عبد الله بن طلحة فقلت له: تزادون ما ليس عند النبي صلى الله عليه وآله قال إن داود ورث النبيين وزاده الله ، وإن سليمان ورث داود وزاده الله، وإن محمداً ورث سليمان وداود وزاده الله ، وإنا ورثنا النبي صلى الله عليه وآله وزادنا الله . إنا لسنا نزداد شيئاً إلا شئ يعلمه محمد ، أوما سمعت أبي يقول إن أعمال العباد تعرض على رسول الله صلى الله عليه وآله كل خميس فينظر فيها ويعلم ما يكون منها ، فلسنا نزاد شيئاً إلا شيئاً يعلمه هو ). (الأصول الستة عشر/74)

حدود مسجد الكوفة وبيت علي عليه السلام

10- قال ذريح المحاربي قال: ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن حد المسجد إلى أن قال: وسألته عن بيت علي عليه السلام فقال: إذا دخلت فهو من عضادته اليمنى إلى ساحة المسجد وكان بينه وبين نبي الله خوخة. يريد بيت نبي الله بيت نوح وهو المقام الملاصق للمنبرالموجود الآن الذي هو مابين مقام نوح عليه السلام ومقام أميرالمؤمنين عليه السلام وهو الباب الذي ذكره المجلسي بقوله: بابين متقابلين أحدهما في جانب بيت أمير المؤمنين مما يلي القبلة ... وهو بيت نوح عليه السلام .

قال المجلسي: قال الشهيد: روى حبيب بن أبي ثابت عن عبد الرحمن بن الأسود الكاهلي قال: قال لي: ألا تذهب بنا إلى مسجد أمير المؤمنين عليه السلام فنصلي فيه؟ قلت: وأي المساجد هذا ؟ قال: مسجد بني كاهل ، لم يبق منه سوى أسه وأس مأذنته . قلت: حدثني بحديثه . قال: صلى علي بن أبي طالب بنا في مسجد بني كاهل الفجر. قال المجلسي: والآن توجد آثار تلك المأذنة وهي بجنب قبور بباب بيت أمير المؤمنين عليه السلام ، وصلى الصادق عليه السلام أيضاً الفجر في مسجد بني كاهل.

قال البراقي: يريد المجلسي بقوله: والآن توجد آثار تلك المأذنة ، أي في عصره في حدود الثمانين بعد الألف من الهجرة ، وكذا ذكر القاضي الميرزا عبد الله أفندي في الهامش بخطه ، فقال: أقول: الآن أيضاً توجد آثار تلك المأذنة وهي بجنب قبور بباب بيت أمير المؤمنين عليه السلام  .

وذكر العلامة السيد عبد الله شبّر في مزاره فقال: وأما بيت أمير المؤمنين عليه السلام فهو وإن لم ترد في زيارته والصلاة فيه رواية ، إلا أنه لما كان مشرّفاً بسكناه فيه فالدعاء والصلاة فيه لايخلوان من فضل عظيم ، وقد وردت أخبار مطلقة في تعظيم مساكنهم ومشاهدهم . ثم قال: ومزار بعض بنات أمير المؤمنين عليه السلام حوالَي مسجد الكوفة معروف . قال البراقي: كما وردت أخبار مطلقة في تعظيم مساكنهم ومشاهدهم ، فقد نطق القرآن الكريم بذلك فقال عزوجل: فِي بُيُوت أذِنَ اللهُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ الآية . وذلك أقوى حجة وبرهان .

وذكر ابن بطوطة الرحالة في رحلته التي هي في حدود السبع مائة من الهجرة ، وهو من أعاظم العلماء الخبيرين ، وقد ساح في البلدان إلى أن وصل إلى مدينة الكوفة فقال في ذكر المحراب ما نصه: ومحراب محلق بأعواد الساج مرتفع وهو محراب أمير المؤمنين ، وهنالك ضربه الشقي ابن ملجم والناس يقصدونه للصلاة به ، وفي الزاوية من آخر هذا البلاط مسجد صغير محلق عليه أيضاً بأعواد الساج يذكر أنه الموضع الذي فار منه التنور حين طوفان نوح عليه السلام ، وفي ظهره خارج المسجد بيت يزعمون أنه بيت نوح ، وبإزائه بيت يزعمون أنه متعبد إدريس ، ويتصل بذلك فضاء متصل بالجدار القبلي من المسجد يقال: إنه موضع إنشاء سفينة نوح عليه السلام وفي آخر هذا الفضاء دار عليّ بن أبي طالب والبيت الذي غسل فيه ويتصل به بيت يقال أيضاً أنه بيت نوح عليه السلام .

قال البراقي: إن ابن بطوطة شاهد آثاراً كثيرة ، وفي زماننا هذا ليس لها عين ولا أثر ، ويظهر من كلامه في محراب أمير المؤمنين عليه السلام أنه المحراب الموجود الآن الذي بجنبه المنبر المبني بالجص والحجارة ). (تاريخ الكوفة للبراقي/38 ).

الفصل الخامس عشر

الناشطون للإطاحة بالنظام الأموي
في زمن الباقر والصادق عليهما السلام

ويلات حكم بني أمية !

رأى المسلمون الويلات من حكم بني أمية ، وكان عثمان يمثل عقليتهم أوضح تمثيل ، فقد طبق حكم القبيلة المستأثرة العنيفة ، وسلط الأمويين على المسلمين ، وكان يقول لو كانت مفاتيح الجنة بيدي لأعطيتها لبني أمية خاصة !

فكان الأمويون يملكون الثروة وحتى الأراضي سجلوها بأسمائهم ، وكان عثمان والمقربون منه وولاته من بني أمية يكنزون الذهب ويكسرونه بالفؤوس ، وغيرهم يعاني الفقر والحاجة والعري والجوع.

فثار المسلمون على عثمان وجاءت الى المدينة قوة غاضبة من مصر والبصرة والكوفة ، وطالبوه بالإصلاح وحاصروه فلم يستجب ، فقتلوه .

ثم سيطر بعده معاوية وحكم المسلمين عشرين سنة بأساليب القمع والتطيمع واستخلف ابنه يزيد الأهوج فثار عليه الإمام الحسين عليه السلام ، فحاصره يزيد وقتله وأسرته بوحشية وقسوة وفظاعة !

وبهلاك يزيد انتهى حكم آل أبي سفيان ، وبدأ حكم بني مروان .

$ملاحظة حول هذا الفصل

استشهد الإمام الباقر عليه السلام سنة114 هجرية ، وبعد ثمانية عشرة سنة كان سقوط الدولة الأموية . وقد ظهر للناس ضعف الدولة الأموية في اختلافهم وقتالهم لبعضهم حتى قتل الخليفة يزيد بن الوليد المعروف بالفاسق ، سَمِيُّه الوليد بن يزيد المعروف بالناقص ، في سنة 126. ( الطبري:5/ 556 ) والأحداث التي نذكرها في هذا الفصل جذورها من عهد الإمام الباقر عليه السلام لكن أكثرها وقع في عهد الإمام الصادق عليه السلام .وقد رجحنا أن نذكرها هنا ، ونؤخر تفصيل بعضها الى سيرة الإمام الصادق عليه السلام .

الإمام الحسين عليه السلام أول الثائرين على بني أمية

بمقياس الأمور يومذاك ، كان بنو هاشم المعارضين الطبيعيين لبني أمية ، لكنهم لا يثورون إلا بمقياس الإسلام الذي يعتبر أن وصول بني أمية الى الحكم يعني رجوع جاهلية قريش وغلبتها للنبي والوحي والإسلام ، فكان الواجب على من نصبهم النبي صلى الله عليه وآله بعده مرجعاً مع القرآن أن ينهضوا لمجاهدة الجاهلية .

وبما أنهم لا يعملون إلا بأمر ربهم ، فقد كان أول من نهض الإمام الحسين عليه السلام وصارت ثورته شعاراً لمن بعده ، وانتشر شعار: يالثارات الحسين في المسلمين .

وفي زمن المروانيين كان المعارضون لبني أمية الذين يعملون لإسقاط نظامهم ثلاث فئات من بني هاشم: الحسينيون ، والحسنيون ، والعباسيون .

وكان أول الثائرين عليهم بعد الحسين عليه السلام حفيده زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام ، سنة 122 هجرية ، أي بعد ستين سنة من ثورة جده الحسين عليه السلام .

وكان ميزان القوى في عصر زيد عليه السلام لمصلحة بني أمية لكن غرضه أن يضعضع حكم الأمويين ، كما قال الإمام الصادق عليه السلام ( خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه).

روى في الكافي (8/264): (عن العيص بن القاسم بسند صحيح قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له وانظروا لأنفسكم .. فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم ، إن أتاكم آت منا فانظروا على أي شئ تخرجون! ولا تقولوا خرج زيد فإن زيداً كان عالماً وكان صدوقاً ، ولم يدعكم إلى نفسه ، وإنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله ولو ظفر لوفى بما دعاكم إليه ، إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه ، فالخارج منا اليوم إلى أي شئ يدعوكم؟ إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله ؟ فنحن نشهدكم أنَّا لسنا نرضى به ، وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد  ، وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر ألا يسمع منا .

إلا من اجتمعت بنو فاطمة معه ، فوالله ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه ).

ثورة زيد عليه السلام هزت النظام الأموي وضعضعته !

فقد ثار في سنة122 هجرية ، ثم وقع الإختلاف بين الأمويين سنة 126 ، ثم سقط حكمهم نهائياً سنة 132، أي بعد عشر سنوات من ثورة زيد عليه السلام  .

وبعد ثورة زيد نشط الهاشميون في الثورة وكان يقودهم الحسنيون ، ويتبعهم العباسيون ، وكان الحسينيون مستقلين لأنهم لايرون الثورة بالطريقة المطروحة .

إن النصوص التالية عن مؤتمر الأبواء الذي دعا له الحسنيون يعطينا الصورة الدقيقة عن اتجاهات الهاشميين يومها:

ففي سنة 126، أي بعد شهادة يحيى بن زيد بأربع سنوات، دعا عبد الله بن الحسن شخصيات بني هاشم إلى مؤتمر الأبواء قرب المدينة ليبايعوا ابنه محمداً على أنه المهدي!

روى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين/140، عن عمر بن شبة ، ومؤرخين عاصروا تلك الفترة بأسانيد متعددة قالوا: (إن بني هاشم اجتمعوا فخطبهم عبد الله بن الحسن، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنكم أهل البيت قد فضلكم الله بالرسالة واختاركم لها ، وأكثركم بركة يا ذرية محمد صلى الله عليه وآله بنو عمه وعترته ، وأولى الناس بالفزع في أمر الله من وضعه الله موضعكم من نبيه صلى الله عليه وآله وقد ترون كتاب الله معطلاً وسنة نبيه متروكة والباطل حياً والحق ميتاً .قاتلوا لله في الطلب لرضاه بما هو أهله قبل أن ينزع منكم اسمكم، وتهونوا عليه كما هانت بنو إسرائيل وكانوا أحب خلقه إليه .

وقد علمتم أنا لم نزل نسمع أن هؤلاء القوم إذا قتل بعضهم بعضاً ، خرج الأمر من أيديهم ، فقد قتلوا صاحبهم يعني الوليد بن يزيد (سنة 126) فهلمَّ نبايع محمداً فقد علمتم أنه المهدي ! فقالوا: لم يجتمع أصحابنا بعد ولو اجتمعوا فعلنا ، ولسنا نرى أبا عبد الله جعفر بن محمد ! فأرسل إليه ابن الحسن فأبى أن يأتي، فقام وقال: أنا آت به الساعة . فخرج بنفسه حتى أتى مضرب الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحرث ، فأوسع له الفضل ولم يصدِّره ، فعلمت أن الفضل أسن منه . فقام له جعفر وصدَّره ، فعلمت أنه أسن منه .

ثم خرجنا جميعاً حتى أتينا عبد الله فدعا إلى بيعة محمد فقال له جعفر: إنك شيخ وإن شئت بايعتك ، وأما ابنك فوالله لا أبايعه وأدعك) !

وفي رواية: (إن جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء وفيهم إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، وأبو جعفر المنصور ، وصالح بن علي ، وعبد الله بن الحسن بن الحسن ، وابناه محمد وإبراهيم ، ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان . فقال صالح بن علي: قد علمتم أنكم الذين تمد الناس أعينهم إليهم وقد جمعكم الله في هذا الموضع، فاعقدوا بيعة لرجل منكم تعطونه إياها من أنفسكم، وتواثقوا على ذلك حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين .

فحمد الله عبد الله بن الحسن وأثنى عليه ، ثم قال: قد علمتم أن ابني هذا هو المهدي فهلموا فلنبايعه . وقال أبو جعفر المنصور: لأي شئ تخدعون أنفسكم! ووالله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أطول أعناقاً ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى! يريد محمد بن عبد الله . قالوا: قد والله صدقت ، إن هذا لهو الذي نعلم ! فبايعوا جميعاً محمداً ومسحوا على يده ! قال عيسى( بن زيد بن الحسن ): فأرسلني أبي أنظر ما اجتمعوا عليه ، وأرسل جعفر بن محمد محمد بن عبد الله الأرقط بن علي بن الحسين ، فجئناهم فإذا بمحمد بن عبد الله يصلي على طنفسة رجُل مثنية ، فقلت: أرسلني أبي إليكم لأسألكم لأي شئ اجتمعتم؟ فقال عبد الله: اجتمعنا لنبايع المهدي محمد بن عبد الله . قالوا: وجاء جعفر بن محمد فأوسع له عبد الله بن الحسن إلى جنبه ، فتكلم بمثل كلامه ، فقال جعفر عليه السلام : لا تفعلوا فإن هذا الأمر لم يأت بعد ! إن كنت ترى يعني عبد الله أن ابنك هذا هو المهدي فليس به ولا هذا أوانه . وإن كنت إنما تريد أن تخرجه غضباً لله وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فإنا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك !

فغضب عبد الله وقال: علمتَ خلاف ما تقول ، ووالله ما أطلعك الله على غيبه ولكن يحملك على هذا الحسد لابني! فقال: والله ما ذاك يحملني، ولكن هذا وإخوته وأبناؤهم دونكم ! وضرب بيده على ظهر أبي العباس، ثم ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن ، وقال: إنها والله ما هي إليك ولا إلى ابنيك ولكنها لهم . وإن ابنيك لمقتولان ! ثم نهض وتوكأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري ، فقال: أرأيت صاحب الرداء الأصفر يعني أبا جعفر؟ قال: نعم . قال: فإنا والله نجده يقتله ! قال له عبد العزيز: أيقتل محمداً؟ قال: نعم . قال فقلت في نفسي: حسده ورب الكعبة ! قال: ثم والله ما خرجت من الدنيا حتى رأيته قتله !

قال: فلما قال جعفر ذلك انفضَّ القوم فافترقوا ولم يجتمعوا بعدها ، وتبعه عبد الصمد وأبو جعفر فقالا: يا أبا عبد الله أتقول هذا ؟ قال: نعم ، أقوله والله ، وأعلمه) . ورواه المفيد في الإرشاد/276 .

وفي مناقب ابن شهرآشوب(4/228): (إنها والله ما هي إليك ولا إلى ابنك ، وإنما هي لهذا يعني السفاح ، ثم لهذا يعني المنصور ، يقتله على أحجار الزيت ، ثم يقتل أخاه بالطفوف وقوائم فرسه في الماء ! فتبعه المنصور فقال: ما قلت يا أبا عبد الله؟ فقال: ما سمعته وإنه لكائن! قال: فحدثني من سمع المنصور أنه قال: انصرفت من وقتي فهيأت أمري ، فكان كما قال عليه السلام ).

أقول: الخليفة يزيد بن الوليد الفاسق ، قتله الوليد بن يزيد الناقص ، وبويع للناقص وامتنع أهل حمص عن بيعته ، ثم قتل بعد شهور، ثم بويع لإبراهيم بن الوليد واضطرب أمر بني أمية .

قال الطبري (5/596): (ثم كان إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان غير أنه لم يتم له أمر.. كان يسلم عليه جمعة بالخلافة ، وجمعة بالأمرة ، وجمعة لا يسلمون عليه لا بالخلافة ولا بالأمرة ) ! وذكر في تاريخ دمشق(57/327) أن بقية تلك السنة كانت صراعاً غلب فيه مروان بن محمد الملقب بالحمار ، وبويع له في أوائل سنة 127.

ثورات العلوين في هذه المدة

في هذه المدة كانت ثورة يحيى بن زيد رضي الله عنه بعد أبيه مباشرة ، ثم ثورة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بعد بضع سنوات . ثم ثورة الحسنيين ورثة زيد بن علي عليه السلام بعد عشرين سنة وأكثر .

من ميزات زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام

1- يتميز زيد بن علي عن كل أصحاب المشاريع الثورية ضد بني أمية ، بأنه منصوص عليه من الأئمة عليهم السلام ، وبأنه كان يعلم أنه يقتل، وبأنه لم يرد الحكم لنفسه بل للرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله . وقد تواترت الأحاديث في مدحه ومدح ثورته .

2- قال الشيخ المفيد في الإرشاد(2/172): (وكان زيد بن علي بن الحسين عين إخوته بعد أبي جعفر عليه السلام وأفضلهم ، وكان عابداً ورعاً فقيهاً سخياً شجاعاً ، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويطالب بثارات الحسين عليه السلام  .

أخبرني الشريف أبو محمد الحسن بن محمد ، عن جده ، عن الحسن بن يحيى قال: حدثنا الحسن بن الحسين، عن يحيى بن مساور، عن أبي الجارود زياد بن المنذر قال:قدمت المدينة فجعلت كلما سألت عن زيد بن علي قيل لي ذاك حليف القرآن.

واعتقد فيه كثير من الشيعة الإمامة ، وسبب اعتقادهم فيه خروجه بالسيف يدعو إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله فظنوه يريد بذلك نفسه ، ولم يكن يريدها به لمعرفته باستحقاق أخيه للإمامة ، ووصيته عند وفاته إلى أبي عبد الله عليه السلام .

وكان سبب خروج أبي الحسين زيد عليه السلام بعد الذي ذكرناه من غرضه في الطلب بدم الحسين عليه السلام أنه دخل على هشام بن عبد الملك ، وقد جمع له هشام أهل الشام وأمر أن يتضايقوا في المجلس حتى لايتمكن من الوصول إلى قربه ، فقال له زيد: إنه ليس من عباد الله أحد فوق أن يوصى بتقوى الله ، ولا من عباده أحد دون أن يوصي بتقوى الله ، وأنا أوصيك بتقوى الله يا أمير المؤمنين، فَأَتِقَهُ .

فقال له هشام: أنت المؤهل نفسك للخلافة الراجي لها ! وما أنت وذاك لا أم لك وإنما أنت ابن أمة ، فقال له زيد: إني لا أعلم أحداً أعظم منزلة عند الله من نبي بعثه وهو ابن أمة ، فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يبعث ، وهو إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام فالنبوة أعظم منزلة عند الله أم الخلافة ، يا هشام ؟

وبعد ، فما يقصر برجل أبوه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ابن علي بن أبي طالب ، فوثب هشام عن مجلسه ودعا قهرمانه وقال: لايبيتن هذا في عسكري .

فخرج زيد رحمة الله عليه وهو يقول: إنه لم يكره قوم قط حر السيوف إلا ذلوا . فلما وصل الكوفة اجتمع إليه أهلها فلم يزالوا به حتى بايعوه على الحرب ، ثم نقضوا بيعته وأسلموه ، فقتل عليه السلام وصلب بينهم أربع سنين ، لا ينكر أحد منهم ولا يغير ولا لسان . ولما قتل بلغ ذلك من أبي عبد الله عليه السلام كل مبلغ ، وحزن له حزناً عظيماً حتى بان عليه ، وفرق من ماله على عيال من أصيب معه من أصحابه ألف دينار . روى ذلك أبو خالد الواسطي قال: سلم إلَّي أبو عبد الله عليه السلام ألف دينار، وأمرني أن أقسمها في عيال من أصيب مع زيد ، فأصاب عيال عبد الله بن الزبير أخي فضيل الرسان منها أربعة دنانير . وكان مقتله يوم الإثنين لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين ومائة ، وكانت سنه يومئذ اثنتين وأربعين سنة ).

3- في الكافي (8/161): (عن سليمان بن خالد قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام : كيف صنعتم بعمي زيد ؟ قلت: إنهم كانوا يحرسونه فلما شف الناس أخذنا جثته فدفناه في جرف على شاطئ الفرات ، فما أصبحوا جالت الخيل يطلبونه فوجدوه فأحرقوه ، فقال: أفلا أوقرتموه حديداً وألقيتموه في الفرات ، صلى الله عليه ، ولعن الله قاتله) .

4- في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام :( إن الله عز ذكره أذن في هلاك بني أمية بعد إحراقهم زيداً بسبعة أيام ) .

5- في أمالي الصدوق/430 ، عن الفضيل بن يسار قال:(انتهيت إلى زيد بن علي عليه السلام صبيحة يوم خرج بالكوفة فسمعته يقول: من يعينني منكم على قتال أنباط أهل الشام ؟ فوالذي بعث محمداً بالحق بشيراً ، لايعينني منكم على قتالهم أحد إلا أخذت بيده يوم القيامة فأدخلته الجنة بإذن الله .

فلما قتل اكتريت راحلة وتوجهت نحو المدينة ، فدخلت على الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فقلت في نفسي: لا أخبره بقتل زيد بن علي فيجزع عليه ، فلما دخلت عليه قال لي: يا فضيل ما فعل عمي زيد؟ قال: فخنقتني العبرة ، فقال لي: قتلوه ؟ قلت: إي والله قتلوه . قال: فصلبوه ؟ قلت: إي والله صلبوه . قال: فأقبل يبكي ودموعه تنحدر على ديباجتي خده كأنها الجمان .

ثم قال: يا فضيل شهدت مع عمي قتال أهل الشام ؟ قلت: نعم . قال: فكم قتلت منهم؟ قلت: ستة. قال: فلعلك شاك في دمائهم؟ قال فقلت: لو كنت شاكاً ما قتلتهم . قال: فسمعته وهو يقول: أشركني الله في تلك الدماء ، مضى والله زيد عمي وأصحابه شهداء ، مثلما مضى عليه علي بن أبي طالب عليه السلام وأصحابه ).

6- في أمالي الصدوق/415: (عن أبي الجارود زياد بن المنذر قال: إني لجالس عند أبي جعفرمحمد بن علي الباقر عليه السلام إذ أقبل زيد بن علي ، فلما نظر إليه أبو جعفر عليهم السلام وهو مقبل ، قال: هذا سيد من أهل بيته ، والطالب بأوتارهم ، لقد أنجبت أم ولدتك يا زيد  .

7- عن أبي حمزة الثمالي قال: حججت فأتيت علي بن الحسين عليهما السلام فقال لي: يا أبا حمزة ألا أحدثك عن رؤيا رأيتها ؟ رأيت كأني أدخلت الجنة ، فأوتيت بحوراء لم أر أحسن منها ، فبينا أنا متكئ على أريكتي إذ سمعت قائلاً يقول: يا علي بن الحسين ليهنئك زيد ، يا علي بن الحسين ليهنئك زيد ، فيهنئك زيد . قال أبو حمزة: ثم حججت بعده فأتيت علي بن الحسين عليهما السلام فقرعت الباب ففتح لي فدخلت فإذا هو حامل زيداً على يده فقال لي: يا أبا حمزة: هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقاً ).

8- عن عبد الرحمن بن سيابة قال: دفع إليَّ أبو عبد الله الصادق جعفر بن محمد عليه السلام ألف دينار وأمرني أن أقسمها في عيال من أصيب مع زيد بن علي عليه السلام فقسمتها ، فأصاب عبد الله بن الزبير أخا فضيل الرسان أربعة دنانير ) .

9- في عيون أخبار الرضا(1/225): (حدثني ابن أبي عبدون عن أبيه قال: لما حمل زيد بن موسى بن جعفر إلى المأمون وقد كان خرج بالبصرة وأحرق دور ولد العباس وهب المأمون جرمه لأخيه علي بن موسى الرضا عليهما السلام وقال له: يا أبا الحسن لئن خرج أخوك وفعل ما فعل لقد خرج قبله زيد بن علي فقتل ، ولولا مكانك منى لقتلته ، فليس ما أتاه بصغير !

فقال الرضا عليه السلام : يا أمير المؤمنين لا تقس أخي زيداً إلى زيد بن علي فإنه كان من علماء آل محمد ، غضب لله عزّ وجلّ فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله، ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر عليهما السلام أنه سمع أباه جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام يقول: رحم الله عمي زيداً إنه دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفى بما دعا إليه ، ولقد استشارني في خروجه فقلت له: يا عم إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك . فلما ولَّى قال جعفر بن محمد: ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه !

فقال المأمون: يا أبا الحسن أليس قد جاء فيمن ادعى الإمامة بغير حقها ما جاء؟ فقال الرضا عليه السلام : إن زيد بن علي لم يدع ما ليس له بحق وإنه كان أتقى لله من ذلك إنه قال: أدعوكم إلى الرضا من آل محمد عليهم السلام وإنما جاء ما جاء فيمن يدعى أن الله تعالى نص عليه ثم يدعو إلى غير دين الله ويضل عن سبيله بغير علم ، وكان زيد والله ممن خوطب بهذه الآية: وَجَاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ .

قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب: لزيد بن علي فضائل كثيره عن غير الرضا أحببت إيراد بعضها ليعلم من ينظر في كتابنا هذا اعتقاد الإمامية فيه .

10- في أمالي الصدوق/409: (عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عن آبائه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله للحسين عليه السلام يا حسين يخرج من صلبك رجل يقال له زيد يتخطى هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس ، غراً محجلين يدخلون الجنة بلا حساب  .

وبإسناده عن أبي الجارود زياد بن المنذر قال: إني لجالس عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام إذ أقبل زيد بن علي فلما نظر إليه أبو جعفر وهو مقبل قال هذا سيد من أهل بيته والطالب بأوتارهم ، لقد أنجبت أم ولدتك يا زيد » .

11- في أمالي الصدوق/637: (عن عمرو بن خالد قال:قال زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام : في كل زمان رجل منا أهل البيت يحتج الله به على خلقه وحجة زماننا ابن أخي جعفر بن محمد، لايضل من تبعه ، ولايهتدي من خالفه).

مسند زيد عليه السلام والمرويات عنه

1- قال في الذريعة الى تصانيف الشيعة(21/27): (مسند زيد بن علي بن الحسين إمام الزيدية الشهيد سنة122 عليه السلام مجموعة أحاديث رواه عن آبائه عليهم السلام . جمعها عبد العزيز بن إسحاق البقال المتوفى سنة 313 ، رواه عن زيد أبو خالد عمر بن خالد الواسطي ، وطبع في مطبعة المعارف العلمية بمصر ).

وليس في المسند كل ما روي عنه فقد فُقد مسنده وكتبه التي كانت عند تلاميذه الذين استشهدوا معه رضي الله عنهم . والآن يوجد من مروياته في غير مسنده كثير ولو جمع لكان ضعفي المسند . ونذكر فيما يلي عدداً من مروياته عليه السلام :

2- في رسائل القاسم الرسي(1/35): (قال الإمام زيد لولده يحيى وهو يجود بنفسه: ما أنت صانع يا بني؟ قال: أقاتلهم وأجاهدهم . قال: نعم يا بني ، جاهدهم فوالله إن قتلاك في الجنة وإن قتلاهم في النار . وقال الإمام يحيى بن زيد:

يا ابن زيد أليس قد قال زيد
من أحب الحياة عاش ذليلا
كن كزيد فأنت مهجة زيد
تتخذ في الجنان ظلاً ظليلا).

3- في دلائل الإمامة/232:( عن محمد بن راشد عن أبيه قال: جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه السلام فقال: يا ابن رسول الله ، إن حكيم بن عباس الكلبي ينشد الناس بالكوفة هجاءكم! فقال: هل علقت منه بشئ؟ قال: بلى، فأنشده:

صلبنـا لكـم زيـداً على جذع نخلة
ولم نر مهديـاً على الجذع يصلب
وقستـم بعثمـان عليـاً سفاهـة
وعثمـان خيـر مـن علي وأطيـب

فرفع أبو عبد الله عليه السلام يديه إلى السماء وهما ينتفضان رعدة ، فقال: اللهم إن كان كاذباً فسلط عليه كلباً من كلابك. قال: فخرج حكيم من الكوفة فأدلج ، فلقيه الأسد فأكله فجاؤوا بالبشير لأبي عبدالله عليه السلام وهو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره بذلك فخر لله ساجداً وقال: الحمد لله الذي صدقنا وعده ).

تفاخرنا قوم لنا الفخر دونها
على كل مخلوق يجئ ويذهب
وما ساءني الا مقالة قائل
إلى آل مروان يضاف وينسب
صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة
ولـم أر مهديـاً على الـجـذع يصلب
فإن تصلبوا زيداً عناداً لجده
فقد قتلت رسل الإله وصلبوا
وإنا نعد القتل أعظم فخرنا
بيـوم به شمـس النهـار تحجـب
فمـا لكـم والفخـر بـالحـرب إنهـا
إذا مـا انتمـت تنمـى إلينـا وتنسـب
هـتداة الـورى في ظلمة الجهل والعمى
إذا غـاب منهـم كوكب بان كوكب
كفاهم فخاراً أن أحمد منهم
وغيرهـم إن يدَّعـوا الفخـر كذبـوا

4- في الخصال للصدوق/429: (حدثنا عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه ، عن جده عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام : كان لي من رسول الله صلى الله عليه وآله عشر خصال ما أحب أن لي بإحديهن ما طلعت عليه الشمس . قال لي: أنت أخي في الدنيا والآخرة ، وأقرب الخلائق مني في الموقف ، وأنت الوزير والوصي والخليفة في الأهل والمال ، وأنت آخذ لوائي في الدنيا والآخرة ، وليك وليي ووليي ولي الله ، و عدوك عدوي وعدوي عدو الله ).

5- في الخصال/641: ( عن زيد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: خلق الله عزّ وجلّ مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي وأنا أكرمهم على الله ولا فخر ، وخلق الله عزّ وجلّ مائة ألف وصي وأربعة وعشرين ألف وصي ، فعلي أكرمهم على الله وأفضلهم) .

6- في ثواب الأعمال/44: (عن زيد بن علي عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ركعتان خفيفتان في تفكر ، خير من قيام ليلة ).

7- ثواب الأعمال/220: (عن محمد بن علي الحلبي: قال أبو عبد الله عليه السلام :إن آل أبي سفيان قتلوا الحسين بن علي عليه السلام فنزع الله ملكهم ، وقتل هشام زيد بن علي فنزع الله ملكه ، وقتل الوليد يحيى بن زيد فنزع الله ملكه على قتل ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله ).

ثواب الأعمال/262: قال زيد بن علي عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام إذا كان يوم القيامة أهب الله ريحاً منتنة يتأذى بها أهل الجمع حتى إذا هبت تمسك بأنفاس الناس ناداهم مناد هل تدرون ما هذه الريح التي قد آذتكم؟فيقولون قد آذتنا وبلغت منا كل مبلغ قال فيقال هذه الريح ريح فروج الزناة الذين لقوا الله بالزنا ثم لم يتوبوا فالعنوهم لعنهم الله ، قال فلا يبقى في الموقف أحد إلا قال اللهم ألعن الزناء .

8- ثواب الأعمال/269: عن زيد بن علي، عن آبائه عليهم السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يجئ يوم القيامة ذو الوجهين دالعاً لسانه في قفاه وآخر من قدامه ، يتلهبان ناراً حتى يلهبا جسده ، ثم يقال له هذا الذي كان في الدنيا ذا وجهين ولسانين يعرف بذلك يوم القيامة).

9- ثواب الأعمال/270: زيد بن علي عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال علي عليه السلام :تحرم الجنة على ثلاثة ، النمام والقتال ومدمن الخمر .

10- ثواب الأعمال/272: (عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عليه السلام قال: ما يأخذ المظلوم من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من دنيا المظلوم ).

11- في علل الشرائع(2/602): (عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام أنه رأي رجلاً به تأنيث في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: أخرج من مسجد رسول الله يا من لعنه رسول الله ثم قال علي عليه السلام : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال .

وفي حديث آخر: أخرجوهم من بيوتكم فإنهم أقذر شئ ).

12- في علل الشرائع(2/602): ( سئل زيد بن علي عليه السلام عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله : من كنت مولاه فعلي مولاه؟ قال: نصبه علماً ليعلم به حزب الله عند الفرقة ) .

في أمالي الصدوق/299: (عن زيد بن علي ، عن أبيه عليه السلام قال: يقول الله عزّ وجلّ : إذا عصاني من خلقي من يعرفني ، سلطت عليه من لا يعرفني ) .

13- في أمالي الصدوق/309: ( عن زيد بن علي عليه السلام قال: من أتى قبر الحسين عليه السلام عارفاً بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ) .

14- أمالي الصدوق/543:(عن زيد بن علي عليه السلام قال: سألت أبي سيد العابدين عليه السلام فقلت له: يا أبه ، أخبرني عن جدنا رسول الله صلى الله عليه وآله لما عرج به إلى السماء وأمره ربه عزّ وجلّ بخمسين صلاة ، كيف لم يسأله التخفيف عن أمته حتى قال له موسى بن عمران عليه السلام : إرجع إلى ربك فسله التخفيف ، فإن أمتك لاتطيق ذلك؟ فقال: يا بني ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يقترح على ربه عزّ وجلّ ولا يراجعه في شئ يأمره به فلما سأله موسى عليه السلام ذلك وصار شفيعاً لأمته إليه ، لم يجز له رد شفاعة أخيه موسى عليه السلام فرجع إلى ربه يسأله التخفيف ، إلى أن ردها إلى خمس صلوات ).

15- أمالي الصدوق/562: (عن زيد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي ، من أحبني وأحبك وأحب الأئمة من ولدك فليحمد الله على طيب مولده ، فإنه لا يحبنا إلا من طابت ولادته ، ولا يبغضنا إلا من خبثت ولادته )

في أمالي الصدوق/598: (عن زيد بن علي ، عن آبائه عليهم السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن أقربكم مني غداً ، وأوجبكم علي شفاعة ، أصدقكم لساناً ، وآداكم للأمانة ، وأحسنكم خلقاً ، وأقربكم من الناس ).

غضب علماء الخلافة من موقف زيد من الشيخين !

من الثابت عن زيد وابنه يحيى رضي الله عنهما أنهما أدانا عمل السقيفة وتبرءا من أهلها ، وحملوهم كل ما حدث على المسلمين !

روى أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف/250: (رووا عن العباس بن الوليد الأعذاري قال: سئل زيد بن علي عن أبي بكر وعمرفلم يجب فيهما، فلما أصابته الرمية نزع الرمح من وجهه واستقبل الدم بيده حتى صار كأنه كبد ، فقال: أين السائل عن أبي بكر وعمر! هما والله شركاء في هذا الدم ، ثم رمى به وراء ظهره ! ورووا عن يعقوب بن عدي قال: سئل يحيى بن زيد عنهما ونحن بخراسان وقد التقى الصفان؟ فقال: ها أقامانا هذا المقام ، والله لقد كانا لئيماً جدها ، ولقد همَّا بأمير المؤمنين أن يقتلاه ).

وفي من لا يحضره الفقيه(4/544): (عن سدير قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام ومعي سلمة ابن كهيل ، وأبو المقدام ثابت الحداد ، وسالم بن أبي حفصة ، وكثير النواء ، وجماعة، وعند أبي جعفر أخوه زيد بن علي عليهما السلام فقالوا لأبي جعفر: نتولى علياً وحسناً وحسيناً ونتبرأ من أعدائهم؟ قال: نعم ، قالوا: فنتولى أبا بكر وعمر ونتبرأ من أعدائهم؟ قال: فالتفت إليهم زيد بن علي عليه السلام وقال لهم: أتتبرؤون من فاطمة عليها السلام  ! بَتَرْتُمْ أمرنا بتركم الله ، فيومئذ سموا البترية ).

يقصد أن فاطمة الزهرا عليها السلام كانت تتبرأ منهما ، فمن يتولاهما فهو يتبرأ من فاطمة عليها السلام .

في مقابل ذلك وضع علماء الخلافة على لسان راو مجهول هو عيسى بن يونس رواية تقول إن زيداً كان يتولى أبا بكر وعمر، ولم يقبل أن يتبرأ منهما !

قال الذهبي في سيره (5/389) في ترجمة زيد عليه السلام :(وكان ذا علم وجلالة وصلاح هفا وخرج ، فاستشهد . وفد على متولي العراق يوسف بن عمر ، فأحسن جائزته ، ثم رد فأتاه قوم من الكوفة ، فقالوا: ارجع نبايعك فما يوسف بشئ ، فأصغى إليهم وعسكر، فبرز لحربه عسكر يوسف ، فقتل في المعركة ، ثم صلب أربع سنين .

قال عيسى بن يونس(؟): جاءت الرافضة زيداً فقالوا:تبرأ من أبي بكر وعمر حتى ننصرك ، قال: بل أتولاهما . قالوا: إذا نرفضك ، فمن ثم قيل لهم: الرافضة . وأما الزيدية فقالوا بقوله وحاربوا معه )!

أقول: إن بغض الذهبي لأهل البيت عليهم السلام في دمه ، ومن أدلة ذلك قوله في زيد الذي أجمع أهل المذاهب على مدحه وومدح ثورته: ( وكان ذا علم وجلالة وصلاح ، هفا وخرج ) من الهفوة أي الخطأ والزلل ، فخروج زيد عليه السلام عند الذهبي معصية وهو مخطئ في خروجه على (سيده الخليفة أمير المؤمنين ) هشام الطاغية الأموي الأحول !

يحيى بن زيد بن علي: الشاب الحيوي الثائر

1- في مقاتل الطالبيين(1/43): (قالوا: إن زيد بن علي لما قتل ودفنه يحيى ابنه رجع وأقام بجبانة السبيع ، وتفرق الناس عنه فلم يبق معه إلا عشرة نفر !

قال سلمة بن ثابت: فقلت له أين تريد؟ قال: أريد النهرين ، ومعه أبو الصبار العبدي ، قال فقلت له: إن كنت تريد النهرين فقاتل هاهنا حتى نقتل .

قال: أريد نهري كربلاء ، فقلت له: فالنجاء قبل الصبح. قال: فخرجنا معه فلما جاوزنا الأبيات سمعنا الأذان فخرجنا مسرعين .

فكلما استقبلني قوم استطعمتهم فيطعمونني الأرغفة فأطعمه إياها وأصحابي حتى أتينا نينوى ، فدعوت سابقاً فخرج من منزله ودخله يحيى ومضى سابق إلى الفيوم فأقام به وخلف يحيى في منزله . قال سلمة: ومضيت وخليته وكان آخر عهدي به . قالوا: وخرج يحيى بن زيد إلى المدائن، وهي إذ ذاك طريق الناس إلى خراسان ، وبلغ ذلك يوسف بن عمر فسرح في طلبه حريث بن أبي الجهم الكلبي فورد المدائن وقد فاته يحيى ، ومضى حتى أتى الري .

قالوا: وكان نزوله بالمدائن على دهقان من أهلها إلى أن خرج منها . قالوا: ثم خرج من الري حتى أتى سرخس فأتى يزيد بن عمرو التيمي ، ودعى الحكم بن يزيد أحد بني أسيد بن عمرو ، وكان معه ، وأقام عنده ستة أشهر .

ثم خرج فنزل ببلغ على الحريش بن عبد الرحمن الشيباني فلم يزل عنده حتى هلك هشام بن عبد الملك لعنه الله وولي الوليد بن يزيد ، وكتب يوسف إلى نصر بن سيار ، وهو عامل على خراسان حين أخبر أن يحيى بن زيد نازل بها ، وقال: إبعث إلى الحريش حتى يأخذ بيحيى أشد الأخذ ، فبعث نصر إلى عقيل بن معقل الليثي، وهو عامله على بلخ ، أن يأخذ الحريش فلا يفارقه حتى تزهق نفسه أو يأتيه بيحيى بن زيد فدعى به فضربه ست مائة سوط ، وقال: والله لأزهقن نفسك أو تأتيني به . فقال: والله لو كان تحت قدمي ما رفعتها عنه فاصنع ما أنت صانع . فوثب قريش بن الحريش فقال لعقيل: لا تقتل أبي ، وأنا آتيك بيحيى ، فوجه معه جماعة فدلهم عليه وهو في بيت في جوف بيت فأخذوه ومعه يزيد بن عمر ، والفضل مولى لعبد القيس كان معه من الكوفة ، فبعث به عقيل إلى نصر بن سيار فحبسه وقيده وجعله في سلسلة ، وكتب إلى يوسف بن عمرو فأخبره بخبره . حدثنا علي بن الحسين قال: فحدثني محمد بن العباس البريدي قال: أخبرني الرياشي قال: قال رجل من بني ليث يذكر ما صنع بيحيى بن زيد:

أليس بعين الله ما تصنعونه
عشية يحيى موثق في السلاسل
ألـم تـر ليثـاً مـا الـذي حتمـت بـه
لهـا الويـل في سلطانهـا المتزايـل
لقد كشفت للناس ليث عن استها
أخيراً وصارت ضحكة في القبائل
كلاب عوت لا قدس الله أمرها
فجـاءت بصيـد لا يحـل لآكـل).

أقول: قصد يحيى إلى خراسان ، لكن نصر بن سيار والي خراسان تمكن أن يلقي عليه القبض ويحبسه ، لكنه تخلص من الحبس بمساعدة مؤيديه .

2- في مقاتل الطالبيين/106: ( لما أطلق يحيى بن زيد وفك حديده ، صار جماعة من مياسير الشيعة إلى الحداد الذي فك قيده من رجله فسألوه أن يبيعهم إياه ، وتنافسوا فيه وتزايدوا حتى بلغ عشرين ألف درهم ، فخاف أن يشيع خبره فيؤخذ منه المال فقال لهم: إجمعوا ثمنه بينكم ، فرضوا بذلك وأعطوه المال . فقطعه قطعة قطعة وقسمه بينهم ، فاتخذوا منه فصوصاً للخواتيم يتبركون بها )!

3- قال اليعقوبي (2/331): ( وكتب إلى هشام بخبره فوافق ورود كتابه موت هشام فكتب إليه الوليد أن خل سبيله وقيل: بل احتال يحيى بن زيد حتى هرب من الحبس ، وصار إلى بيهق من أرض أبَرْشَهْر ، فاجتمع إليه قوم من الشيعة فقالوا: حتى متى ترضون بالذلة؟ واجتمع معه نحو مائة وعشرين رجلاً ، فرجع حتى صار إلى نيسابور، فخرج إليه عمرو بن زرارة القسري وهو عامل نيسابور فقاتل يحيى فظهر يحيى عليه فهزمه وأصحابه وأخذوا أسلحتهم ، ثم اتبعوهم حتى لحقوا عمرو بن زرارة فقتلوه . وسار يحيى يريد بلخ ، فوجه إليه نصر بن سيار سَلَمَ بن أحوز الهلالي ، فسار سلم حتى صار إلى سرخس وسار يحيى حتى صار إلى باذغيس ، وسبق إلى مرو الروذ ، فلما بلغ نصراً ذلك سار إليه في جموعه فلقيه بالجوزجان فحاربه محاربة شديدة ، فأتت نشابة فوقعت في يحيى وبادر القوم فاحتزوا رأسه ، وقاتل أصحابه بعده حتى قتلوا عن آخرهم ) !

4- في مقاتل الطالبيين/106: (وعبأ يحيى أصحابه على ما كان عبأهم عند قتال عمرو بن زرارة ، فاقتتلوا ثلاثة أيام ولياليها أشد قتال حتى قتل أصحاب يحيى كلهم ، وأتت يحيى نشابة في جبهته رماه رجل من موالي عنزة يقال له عيسى ، فوجده سوْرة بن محمد قتيلاً ، فاحتز رأسه...وصُلب يحيى بن زيد على باب مدينة الجوزجان ) .

5- في تاريخ دمشق(64/ 224 و 228): أن يحيى كان مع أبيه زيد حين أقدمه هشام بن عبد الملك إلى الشام ، وأن مقتله في الجوزجان كان في سنة 125: ( بعد حرب شديدة وزحوف ومواقف ، ثم أصاب يحيى سهم في صدغه فسقط إلى الأرض ، وانكبوا عليه فاحتزوا رأسه.. وصلبت جثته بجوزجان فلم يزل مصلوباً حتى ظهر أبو مسلم فأمر بجسده فأنزل . ووري بعد أن تولى هو الصلاة عليه ، وكتب أبو مسلم بإقامة النياحة ببلخ سبعة أيام بلياليها ، وبكى عليه الرجال والنساء والصبيان ، وأمر أهل مرو ففعلوا مثل ذلك ، وكثيرٌ من كور خراسان .

وما ولد في تلك السنة مولود بخراسان من العرب ومن له حال ونبأ ، إلا سمي يحيى ، ودعا أبو مسلم بديوان بني أمية فجعل يتصفح أسماء قتله يحيى بن زيد ومن سار في ذلك البعث لقتاله ، فمن كان حياً قتله ، ومن كان ميتاً خلفه في أهله وفي عشيرته بما يسوءه ) . ونحوه الذهبي في تاريخه (8 /299) ومقاتل الطالبيين/108 .

6- في الكواكب المشرقة لرجائي (3/656):(فكتب نصر إلى عبد الله بن قيس بن عباد البكري عامله بسرخس ، والحسن بن زيد عامله بطوس ، أن يمضيا إلى عامله عمرو بن زرارة وهو على أبرشهر وهو أمير عليهم،ثم يقاتلوا يحيى بن زيد . قال: فأقبلوا إلى عمرو وهو مقيم بأبر شهر فاجتمعوا معه ، فصار في زهاء عشرة آلاف ، وخرج يحيى بن زيد وما معه إلا سبعين فارساً فقاتلهم يحيى فهزمهم ، وقتل عمرو بن زرارة واستباح عسكره ، وأصاب منه دواب كثيرة ، ثم أقبل حتى مر بهراة وعليها المغلس بن زياد ، فلم يعرض أحد منهما لصاحبه ، وقطعها يحيى حتى نزل بأرض الجوزجان ، فسرح إليه نصر بن سيار ابن أحوز في ثمانية آلاف فارس من أهل الشام وغيرهم ، فلحقه بقرية يقال لها: أرغوى ، وعلى الجوزجان يومئذ حماد بن عمرو السعدي ، ولحق بيحيى بن زيد أبو العجارم الحنفي والخشخاش الأزدي ، فأخذ الخشخاش بعد ذلك نصر فقطع يديه ورجليه وقتله . وعبأ سلم أصحابه فجعل سورة بن محمد الكندي على ميمنته ، وحماد بن عمرو السعدي على ميسرته . وعبأ يحيى أصحابه على ما كان عبأهم عند قتال عمرو بن زرارة ، فاقتتلوا ثلاثة أيام ولياليها أشد قتال ، حتى قتل أصحاب يحيى كلهم ، وأتت يحيى نشابة في جبهته رماه رجل من موالي عنزة يقال له عيسى ، فوجده سورة بن محمد قتيلاً فاحتز رأسه ، وأخذ العنزي الذي قتله سلبه وقميصه ، فبقيا بعد ذلك حتى أدركهما أبو مسلم ، فقطع أيديهما وأرجلهما وقتلهما وصلبهما . وصلب يحيى بن زيد على باب مدينة الجوزجان فلم يزل مصلوباً حتى إذا جاءت المسودة ، فأنزلوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه ثم دفنوه ، فعل ذلك خالد بن إبراهيم أبو داود البكري ، وحازم بن خزيمة ، وعيسى بن ماهان ).

7- في الأصول الستة عشر/265، أن هشاماً الأحول أحضر الإمام الصادق عليه السلام إلى الشام ليسأله عن يحيى بن زيد قال عليه السلام : (فلما أدخلوني عليه قال:لو شعرنا أنك بهذه المنزلة ما بعثنا إليك ! إنما أردنا أن نسألك عن يحيى بن زيد؟ فقلت: مالي به عهد قد خرج من هاهنا . قال: ردوه فردوني ) .

8- في أخبار الدولة العباسية/288،أن ابن سيار أراد أن يسلم نفسه لأبي مسلم قال: (وبالله لو أني أعلم أني آمن فيهم لأسرعت إليهم وكنت رجلاً منهم،ولكن كيف لي بذلك وأنا عندهم قاتل يحيى وهم يبكون عليه ويندبونه صباحاً ومساء)!

موقف الامام الباقر والصادق عليهما السلام من الثورات في زمنهما

كان موقف الإمام الباقر والصادق’من الثورات في زمنهما عدم المشاركة ، وكانا في نفس الوقت يتعاطفان مع الثائرين وأنصارهم ، وقد أرسل الإمام الصادق مالاً ليقسم في عوائل من استتشهد مع زيد’ ، وبكى بكاء شديداً لشهادة عمه زيد وابن عمه يحيى ، وكان يترحم عليهما .

قال الصادق عليه السلام : ( رحم الله عمي زيداً إنه دعا إلى الرضا من آل محمد ، ولو ظفر لوفَى بما دعا إليه ، ولقد استشارني في خروجه فقلت له: ياعم إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة ، فشأنك ! فلما ولَّى قال جعفر بن محمد: ويلٌ لمن سمع واعيته فلم يجبه ) .(عيون أخبار الرضا عليه السلام :1/225).

وقد استشهد زيد في ثورته رضي الله عنه ، لكنه فتح باب الثورة فعلياً بعد جده الحسين عليه السلام ، وترك مجداً ثورياً فواصله ابنه ، وادعى الثائرون من بني هاشم أنهم ورثته !

ومما روي في مدح زيد وابنه يحيى: (عن محمد بن علي الحلبي قال: قال الصادق عليه السلام : إن آل أبي سفيان قتلوا الحسين بن علي عليه السلام فنزع الله ملكهم . وقتل هشام زيد بن علي فنزع الله ملكه. وقتل الوليد يحيى بن زيد فنزع الله ملكه ).(ثواب الأعمال/220).

قال المفيد في الإرشاد (2/171): ( وكان زيد بن علي بن الحسين عيْن إخوته بعد أبي جعفر عليه السلام وأفضلهم ، وكان عابداً ورعاً ، فقيهاً سخياً شجاعاً ، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويطلب بثارات الحسين عليه السلام » .

وكان أصغر من أخيه الباقر عليه السلام بأربع وعشرين سنة ، وكان يحترم ابن أخيه الإمام الصادق عليه السلام ويستشيره مع أنه في سنه .

يحيى بن زيد شهد بأن الإمام الصادق أعلم منه

صح الحديث في أن يحيى بن زيد كان يعترف بأن عمه الصادق عليه السلام أعلم منهم ، لكنه أوصى بالقيادة السياسية إلى محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن ، لأنهما يؤمنان بالثورة والقتال والإمام الصادق لا يؤمن به .

ففي سند الصحيفة السجادية وقد صححه العلامة السيد بدر الدين الحوثي رحمه الله :(عن متوكل بن هارون (الثقفي) قال: لقيت يحيى بن زيد بن علي عليه السلام وهو متوجه إلى خراسان بعد قتل أبيه فسلمت عليه فقال لي: من أين أقبلت؟ قلت: من الحج ، فسألني عن أهله وبني عمه بالمدينة ، وأحفى السؤال عن جعفر بن محمد عليه السلام فأخبرته بخبره وخبرهم وحزنهم على أبيه زيد بن علي، فقال لي: قد كان عمي محمد بن علي أشار على أبي بترك الخروج ، وعرفه إن هو خرج وفارق المدينة ما يكون إليه مصير أمره فهل لقيت ابن عمي جعفر بن محمد؟ قلت: نعم ، قال: فهل سمعته يذكر شيئاً من أمري؟ قلت: نعم، قال: بمَ ذكرني خبرني! قلت: جعلت فداك ما أحب أن أستقبلك بما سمعته منه ! فقال: أبالموت تخوفني هات ما سمعته ! فقلت: سمعته يقول: إنك تقتل وتصلب كما قتل أبوك وصلب ، فتغير وجهه وقال: يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ، يا متوكل إن الله عزّ وجلّ أيد هذا الأمر بنا وجعل لنا العلم والسيف فجمعا لنا وخُصَّ بنو عمنا بالعلم وحده ! فقلت: جعلت فداك إني رأيت الناس إلى ابن عمك جعفر عليه السلام أميل منهم إليك وإلى أبيك ، فقال إن عمي محمد بن علي وابنه جعفراً دعوا الناس إلى الحياة ونحن دعوناهم إلى الموت ! فقلت: يا ابن رسول الله أهم أعلم أم أنتم؟

فأطرق إلى الأرض ملياً ثم رفع رأسه وقال: كلنا له علم غير أنهم يعلمون كلما نعلم ، ولا نعلم كلما يعلمون !

ثم قال لي: أكتبت من ابن عمي شيئاً ؟ قلت: نعم ، قال: أرنيه فأخرجت إليه وجوهاً من العلم وأخرجت له دعاء أملاه على أبو عبد الله عليه السلام وحدثني أن أباه محمد بن علي عليه السلام أملاه عليه وأخبره أنه من دعاء أبيه علي بن الحسين عليه السلام من دعاء الصحيفة الكاملة ، فنظر فيه يحيى حتى أتى على آخره ، وقال لي: أتأذن في نسخه؟ فقلت: يا ابن رسول الله أتستأذن فيما هو عنكم! فقال: أمَا لأخرجن إليك صحيفة من الدعاء الكامل مما حفظه أبي عن أبيه ، وإن أبي أوصاني بصونها ومنعها غير أهلها. قال عمير: قال أبي: فقمت إليه فقبلت رأسه وقلت له: والله يا ابن رسول الله إني لأدين الله بحبكم وطاعتكم ، وإني لأرجو أن يسعدني في حياتي ومماتي بولايتكم ، فرمى صحيفتي التي دفعتها إليه إلى غلام كان معه وقال: أكتب هذا الدعاء بخط بيِّنٍ حسن واعرضه عليَّ لعلي أحفظه ، فإني كنت أطلبه من جعفر حفظه الله فيمنعنيه . قال متوكل: فندمت على ما فعلت ولم أدر ما أصنع ، ولم يكن أبو عبد الله تقدم إليَّ ألا أدفعه إلى أحد !

ثم دعا بعيبة فاستخرج منها صحيفة مقفلة مختومة فنظر إلى الخاتم وقبله وبكى ، ثم فضه وفتح القفل ، ثم نشر الصحيفة ووضعها على عينه وأمرَّها على وجهه وقال: والله يا متوكل لولا ما ذكرت من قول ابن عمي أنني أقتل وأصلب لما دفعتها إليك ، ولكنت بها ضنيناً ، ولكني أعلم أن قوله حق أخذه عن آبائه وأنه سيصح فخفت أن يقع مثل هذا العلم إلى بني أمية فيكتموه ويدخروه في خزائنهم لأنفسهم ، فاقبضها واكفنيها وتربص بها ، فإذا قضى الله من أمري وأمر هؤلاء القوم ما هو قاض، فهي أمانة لي عندك حتى توصلها إلى ابنيْ عمي محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي عليه السلام فإنهما القائمان في هذا الأمر بعدي .

قال المتوكل: فقبضت الصحيفة فلما قتل يحيى بن زيد صرت إلى المدينة فلقيت أبا عبد الله عليه السلام فحدثته الحديث عن يحيى فبكى واشتد وجْده به وقال: رحم الله ابن عمي وألحقه بآبائه وأجداده ، والله يا متوكل ما منعني من دفع الدعاء إليه إلا الذي خافه على صحيفة أبيه . وأين الصحيفة؟ فقلت: ها هي ففتحها وقال: هذا والله خط عمي زيد ودعاء جدي علي بن الحسين . ثم قال لابنه: قم يا إسماعيل فأتني بالدعاء الذي أمرتك بحفظه وصونه ، فقام إسماعيل فأخرج صحيفة كأنها الصحيفة التي دفعها إليَّ يحيى بن زيد ، فقبلها أبو عبد الله ووضعها على عينه وقال: هذا خط أبي وإملاء جدي عليه السلام بمشهد مني ، فقلت يا ابن رسول الله: إن رأيت أن أعرضها مع صحيفة زيد ويحيى؟ فأذن لي في ذلك وقال: قد رأيتك لذلك أهلاً ، فنظرت وإذا هما أمر واحد و لم أجد حرفاً منها يخالف ما في الصحيفة الأخرى ، ثم استأذنت أبا عبد الله عليه السلام في دفع الصحيفة إلى ابني عبد الله ابن الحسن ، فقال: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ، نعم فادفعها إليهما ، فلما نهضت للقائهما قال لي: مكانك ، ثم وجه إلى محمد وإبراهيم فجاءا فقال: هذا ميراث ابن عمكما يحيى من أبيه قد خصكما به دون إخوته ، ونحن مشترطون عليكما فيه شرطاً ، فقالا: رحمك الله قل فقولك المقبول فقال: لا تخرجا بهذه الصحيفة من المدينة ، قالا: ولم ذاك؟ قال إن ابن عمكما خاف عليها أمراً أخافه أنا عليكما . قالا: إنما خاف عليها حين علم أنه يقتل! فقال أبو عبد الله عليه السلام وأنتما فلا تأمنا فوالله إني لأعلم أنكما ستخرجان كما خرج وستقتلان كما قتل !

فقاما وهما يقولان: لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ! فلما خرجا قال لي أبو عبد الله: يا متوكل كيف قال لك يحيى: ابن عمي محمد بن علي وابنه جعفر دعوا الناس إلى الحياة ودعوناهم إلى الموت ؟ قلت: نعم أصلحك الله قد قال لي ابن عمك يحيى ذلك . فقال: يرحم الله يحيى، إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله أخذته نعسة وهو على منبره فرأى في منامه رجالاً يَنْزُون على منبره نَزْوَ القردة ، يردون الناس على أعقابهم القهقرى ، فاستوى رسول الله صلى الله عليه وآله جالساً والحزن يعرف في وجهه ، فأتاه جبريل عليه السلام بهذه الآية: وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا طُغْيَاناً كَبِيراً ، يعني بني أمية !

قال: يا جبريل على عهدي يكونون وفي زمني؟ قال: لا ولكن تدور رحى الإسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشراً. ثم تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمساً ، ثم لا بد من رحى ضلالة هي قائمة على قطبها ، ثم ملك الفراعنة. قال: وأنزل الله تعالى في ذلك: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، يملكها بنو أمية ليس فيها ليلة القدر . قال: فأطلع الله عزّ وجلّ نبيه صلى الله عليه وآله على أن بني أمية تملك سلطان هذه الأمة وملكها طول هذه المدة ، فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها حتى يأذن الله تعالى بزوال ملكهم ، وهم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت وبغضنا !

أخبر الله نبيه بما يلقى أهل بيت محمد وأهل مودتهم وشيعتهم منهم في أيامهم وملكهم ، قال: وأنزل الله تعالى فيهم:أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوانِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ . جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ.ونعمة الله محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام حبهم إيمان يدخل الجنة ، وبغضهم كفر ونفاق يدخل النار ، فأسرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك إلى علي وأهل بيته . قال: ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : ما خرج ولا يخرج منا أهل البيت إلى قيام قائمنا أحد ليدفع ظلماً أو ينعش حقاً إلا اصطلمته البلية ، وكان قيامه زيادة في مكروهنا وشيعتنا ! قال المتوكل بن هارون: ثم أملى على أبو عبد الله عليه السلام الأدعية وهي خمسة وسبعون باباً . . . ) . ونحوه كفاية الأثر/307 .

أقول: بسبب قول يحيى بن زيد المتقدم: (كلنا له علم غير أنهم يعلمون كلما نعلم ، ولا نعلم كلما يعلمون )! صار الزيدية يقولون: خص بنو عمنا بالعلم وحده فهم أعلم منا ، لكنا خصصنا بالعلم والسيف معاً .

روي أن زيداً ويحيى كانا يؤمنان بالأئمة الاثني عشر عليهم السلام

روى الخزاز في كفاية الأثر/304: (حدثنا أبو الحسن محمد بن جعفر بن محمد التميمي المعروف بابن النجار النحوي الكوفي ، عن محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي ، قال حدثني هشام بن يونس ، قال حدثني القاسم بن خليفة: ( عن يحيى بن زيد قال: سألت أبي عن الأئمة فقال: الأئمة إثنا عشر، أربعة من الماضين وثمانية من الباقين. قلت:فسمهم يا أبه فقال: أما الماضين فعلي بن أبي طالب والحسن والحسين وعلي بن الحسين، ومن الباقين أخي الباقر وجعفر الصادق ابنه وبعده موسى ابنه وبعده علي ابنه وبعده محمد ابنه وبعده علي ابنه وبعده الحسن ابنه وبعده المهدي . فقلت: يا أبه ألست منهم ؟ قال: لا ولكني من العترة . قلت: فمن أين عرفت أساميهم؟ قال: عهد معهود عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله ). فكانا يقران بالأئمة الإثني عشر وكان الأئمة عليهم السلام يترحمون عليهما ويمدحونهما عليهما السلام .ولا بد أن نفسر ما روي عن زيد وابنه من انتقاد لبعض مواقف الأئمة عليهم السلام بأنها جزئية مغفورة ، بل شكلية لإبعاد أذى السلطة عنهم.

هل أن معارضة الأئمة عليهم السلام للثورات عامة أو ظرفية ؟

روى في وسائل الشيعة(11/32)بضعة عشر حديثاً في النهي عن الخروج على الحكام قبل ظهو الإمام المهدي×.

منها عن الإمام زين العابدين عليه السلام : (والله لا يخرج أحد منا قبل خروج القائم إلا كان مثله كمثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه فأخذه الصبيان فعبثوا به).

فهو عليه السلام يرى أن وقت الخروج لم يحن بعد ، ولعله يربطه بقرب ظهور المهدي عليه السلام . وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عزّ وجلّ ). لأنه مطاع من دون الله تعالى فهو طاغوت معبود !

لكن الإمام الصادق عليه السلام استثنى عمه زيداً من الذم فقال:(رحم الله عمي زيداً إنه دعا إلى الرضا من آل محمد ، ولو ظفر لوفى بما دعا إليه ، لقد استشارني في خروجه فقلت: إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك ).

وقال الإمام الرضا عليه السلام : (إن زيد بن علي لم يدع ما ليس له بحق ، وإنه كان أتقى لله من ذلك إنه قال: أدعوكم إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله ).

وقد بين الإمام الصادق عليه السلام أنه يعارض هذه الثورات لالأنه لايرى وجوب الثورة على الظالمين ، بل لنقص في قيادة هذه الثورات وبرامجها .

فقال له عبد الملك بن عمرو: (إن الزيدية يقولون ليس بيننا وبين جعفر خلاف إلا أنه لا يرى الجهاد ، فقال: أنا لا أراه ! بلى والله إني لأراه ، ولكني أكره أن أدع علمي إلى جهلهم )! وكان يرى أن بعض الثورات مع أخطائها لها منافع ، فقد ذكروا عنده من خرج من آل محمد صلى الله عليه وآله فقال: (لا أزال أنا وشيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمد ، ولوددت أن الخارجي من آل محمد خرج وعلي نفقة عياله).

فأصل الثورة على الظلم عند الإئمة عليهم السلام واجب، وموقفهم منها يتبع الشروط التي يريدونها في الثورة . فبعضها يؤيدونه ويوجبون المشاركة فيه كثورة الحسين صاحب فخ عليه السلام  ، وبعضها يؤيدونه ولايوجبون المشاركة كثورة زيد عليه السلام ، وبعضها يتمنون وقوعه لما فيه من فوائد للأمة وللشيعة . وبعضها يعتبرونه طاعة لقيادة الثورة بدون وجه شرعي ، ويسمون قائدها طاغوتاً يعبد من دون الله !

موقف الفقهاء من الأحاديث الناهية عن الخروج على الحاكم

فقد فهم بعض فقهائنا من هذه الروايات أن النهي يشمل الثورة بهدف تسلم السلطة في كل زمان حتى ظهور الإمام المهدي صلوات الله عليه . وأفتوا بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوب الجهاد الدفاعي لدفع العدو عن المسلمين فقط ، لكن الثورة لتسلم السلطة عندهم لا تجوز .

أما الإمام الخميني رحمه الله فيرى أن النهي عن الخروج على الظالم خاص بالثورة التي تكون في مقابل خط أهل البيت عليهم السلام أما التي تكون في خطهم فمطلوبة . وعليه تجوز الثورة لتسلم السلطة وإدارة البلد ، لأن ولاية الفقيه الجامع للشروط عامة شاملة لكل ما تحتاج اليه القيادة . وهو البحث الذي عرف باسم: ولاية الفقيه .

ثورة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر

علاقة عبد الله بن جعفر بمعاوية

1- كان عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يتردد على الشام للتجارة ، وقد حرص معاوية على إقامة علاقة صداقة معه ، ولما رزق بولد طلب منه معاوية أن يسميه باسمه . قال الصنعاني في نسمة السحر (2/294): ( وإنما سمى عبد الله بن جعفر ولده معاوية لأنه جاءه البشير بولادته من إحدى جواريه وكان بالشام عند معاوية ، فبلغه ذلك فاستدعى عبد الله وقال سمه باسمي ولك مائة ألف درهم ففعل ذلك لحاجته ). وفي رواية شرح النهج (19/368) خمس مئة ألف درهم .

وتوطدت علاقة عبدالله بمعاوية واتسعت تجارته، لكنه لم يتغير فكان مؤمناً بوصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي والأئمة من ولده عليهم السلام ، وبنفاق آل أبي سفيان ، لكنه كان يداري معاوية ، وكان معاوية إذا زار المدينة يفضل طعامه وضيافته ، فكان يذهب الى مائدته بدون دعوة (تاريخ دمشق:27/276): ( حج معاوية فنزل في دار مروان بالمدينة فطال عليه النهار يوماً وفرغ من القائلة فقال: يا غلام أنظر من بالباب هل ترى الحسن بن علي أو الحسين أو عبد الله بن جعفر أو عبد الله بن أبي أحمد بن جحش فأدخله علي؟ فخرج الغلام فلم ير منهم أحداً وسأل عنهم فقال هم مجتمعون عند عبد الله بن جعفر يتغدون عنده ، فأتاه فأخبره فقال: والله ما أنا إلا كأحدهم ولقد كنت أجامعهم في مثل هذا ، فقام فأخذ عصا فتوكأ عليها وقال سر يا غلام فخرج بين يديه حتى دق عليهم الباب فقال هذا أمير المؤمنين ! فدخل فأوسع له عبد الله بن جعفر عن صدر فراشه فجلس فقال: غداء يا ابن جعفر قال: ما يشتهي أمير المؤمنين فليدعُ به . قال: أطعمنا مخاً ، قال: يا غلام هات مخاً ، قال فأتي بقصعة فيها مخ ، فأقبل معاوية يأكل ثم قال عبد الله: يا غلام زدنا مخاً فزاد ، ثم قال يا غلام مخاً فزاد ، ثم قال يا غلام زدنا مخاً ، فقال معاوية: إنما كنا نقول يا غلام زدنا سخيناً ! (أكلة في أيام القحط يعيرون بها قريشاً) فأما قولك يا غلام زدنا مخاً فلم أسمع به قبل اليوم ! يا ابن جعفر ما يسعك إلا الكثير، قال فقال عبد الله: يعين الله على ما ترى يا أمير المؤمنين ، قال فأمر له يومئذ بأربعين ألف دينار !

قال: وكان عبد الله بن جعفر قد ذبح ذلك اليوم كذا وكذا من شاة ، وأمر بمخهن فنكت له ، فوافق ذلك معاوية ) !

2- كانت علاقة عبد الله بن جعفر الطيار بمعاوية بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام .

وذكر السيد رجائي في (الأدباء من آل أبي طالب (3/409) أن معاوية بن عبدالله بن جعفر ولد سنة خمس وأربعين وعبدالله بن جعفرعند معاوية بالشام ).

وكان معاوية بن جعفر ابن أمَة ، أما أولاد عبد الله المعروفون فهم من زوجته زينب بنت علي عليه السلام ، وقد كانوا مع أمهم زينب عليها السلام في كربلاء ، واستشهد منهم اثنان هما: محمد وعون ، رضوان الله عليهم .

قال الطبري (4/357): (لما بلغ عبد الله بن جعفربن أبي طالب مقتل ابنيه مع الحسين دخل عليه بعض مواليه والناس يعزونه فقال: هذا ما لقينا ودخل علينا من الحسين! قال فحذفه عبد الله بن جعفر بنعله ثم قال: يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا ! والله لو شهدته لأحببت أنا لا أفارقه حتى أقتل معه. والله إنما لمما يسخي بنفسي عنهما ويهوِّن عليَّ المصاب بهما أنهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسين له صابرين معه . ثم أقبل على جلسائه فقال: الحمد لله عَزَّ عليَّ مصرع الحسين . وإن لم أكن آسيت حسيناً بيدي ، فقد آسيته بوُلدي ).(أصلحنا كلماتٍ من مصادر أخرى).

3- وكان معاوية يحترم عبد الله بن جعفر ويثق به ثقة مطلقة ! وكان هو يصارح معاوية أحياناً فيقبل منه . وأقوى أحاديثه في الصراحة ما رواه الطبرسي في الإحتجاج (2/3): (عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: قال لي معاوية: ما أشد تعظيمك للحسن والحسين ، ما هما بخير منك ولا أبوهما بخير من أبيك ، ولولا أن فاطمة بنت رسول الله لقلت: ما أمك أسماء بنت عميس بدونها .

قال: فغضبت من مقالته وأخذني ما لا أملك فقلت: إنك لقليل المعرفة بهما ، وبأبيهما وأمهما ! بلى والله إنهما خير مني وأبوهما خير من أبي وأمهما خير من أمي ، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيهما وفي أبيهما وأنا غلام فحفظته منه ووعيته. فقال معاوية وليس في المجلس غير الحسن والحسين وابن جعفر وابن عباس وأخيه الفضل: هات ما سمعت فوالله ما أنت بكذاب! فقال إنه أعظم مما في نفسك! قال: وإن كان أعظم من أُحُدٍ وحِراء فأته ما لم يكن أحد من أهل الشام ! أما إذا قتل الله طاغيتكم وفرق جمعكم ، وصار الأمر في أهله ومعدنه فما نبالي ما قلتم ولا يضرنا ما ادعيتم!

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن كنت أولى به من نفسه فأنت يا أخي أولى به من نفسه . وعلي بين يديه في البيت والحسن والحسين وعمرو بن أم سلمة وأسامة بن يزيد ، وفي البيت فاطمة عليها السلام وأم أيمن وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام . وضرب رسول الله صلى الله عليه وآله على عضده وأعاد ما قال فيه ثلاثاً ! ثم نص بالإمامة على الأئمة تمام الاثني عشر عليهم السلام .

وفي رواية: (فإذا استشهد علي فابني الحسن أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر ، فإذا استشهد ابني الحسن فابني الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ، ليس لهم معه أمر فإذا استشهد ابني الحسين فابني علي بن الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر . ثم أقبل على علي فقال: يا علي ، إنك ستدركه فاقرأه عني السلام . فإذا استشهد فابنه محمد أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ، وستدركه أنت يا حسين فاقرأه مني السلام . ثم يكون في عقب محمد رجال واحد بعد واحد ، وليس لهم معهم أمر  .

ثم أعادها ثلاثاً ثم قال: وليس منهم أحد إلا وهو أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس معه أمر ، كلهم هادون مهتدون تسعة من ولد الحسين .

ثم قال صلى الله عليه وآله :لأمتي اثنا عشر إمام ضلالة كلهم ضال مضل ! عشرة من بني أمية ورجلان من قريش ، وِزْرُ جميع الاثني عشر وما أضلوا في أعناقهما ، ثم سماهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسمى العشرة منهما ! قال: فسمهم لنا .

قال: فلان وفلان وصاحب السلسلة وابنه من آل أبي سفيان ، وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص أولهم مروان !

قال معاوية: لئن كان ما قلت حقاً هلكتُ وهلكت الثلاثة قبلي وجميع من تولاهم من هذه الأمة ! وهلك أصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار والتابعين من غيركم وأهل البيت وشيعتكم ! قال ابن جعفر: فإن الذي قلت والله حق سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله !

قال معاوية للحسن والحسين وابن عباس: ما يقول ابن جعفر ؟ قال ابن عباس: ومعاوية بالمدينة أول سنة اجتمع عليه الناس بعد قتل علي عليه السلام : أرسلْ إلى الذي سمى فأرسل إلى عمرو بن أم سلمة ، وأسامة ، فشهدوا جميعاً أن الذي قال ابن جعفر حق ، قد سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله كما سمعه .

ثم أقبل معاوية إلى الحسن ، والحسين ، وابن عباس ، والفضل ، وابن أم سلمة وأسامة، قال: كلكم على ما قال ابن جعفر ؟ قالوا: نعم .

قال معاوية: فإنكم يا بني عبد المطلب لتدَّعون أمراً وتحتجون بحجة قوية إن كانت حقاً ، وإنكم لتُسِرُّون على أمر وتسترونه والناس في غفلة وعمى !

ولئن كان ما تقولون حقاً لقد هلكت الأمة ورجعت عن دينها وكفرت بربها وجحدت نبيها ، إلا أنتم أهل البيت ومن قال بقولكم وأولئك قليل في الناس ! فأقبل ابن عباس على معاوية فقال: قال الله تعالى: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ . وقال: وَقَلِيلٌ مَا هُمْ . وما تعجب منا يا معاوية فاعجب من بني إسرائيل ، إن السحرة قالوا لفرعون: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ، فآمنوا بموسى وصدقوه ثم سار بهم ومن اتبعهم من بني إسرائيل فأقطعهم البحر وأراهم العجائب وهم مصدقون بموسى وبالتوراة يقرون له بدينه ثم مروا بأصنام تعبد فقالوا: يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ!وعكفوا على العجل جميعاً غير هارون فقالوا: هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى...! وتعجب يا معاوية أن سمى الله من الأئمة واحداً بعد واحد ، وقد نصَّ عليهم رسول الله بغدير خم وفي غير موطن ، واحتج بهم عليهم وأمرهم بطاعتهم ، وأخبر أن أولهم علي بن أبي طالب ولي كل مؤمن ومؤمنة من بعده ، وأنه خليفته فيهم ووصيه ! أفترى يترك الأمة ولم يبين لهم من الخليفة بعده ، ليختاروا هم لأنفسهم الخليفة ، أكأن رأيهم لأنفسهم أهدى لهم وأرشد من رأيه واختياره !

فأما ما قال الرهط الأربعة الذين تظاهروا على علي وكذبوا على رسول الله وزعموا أنه قال: إن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة ، فقد شبهوا على الناس بشهادتهم وكذبهم ومكرهم !

قال معاوية: ما تقول يا حسن؟قال: يا معاوية قد سمعتُ ما قلت وما قال ابن عباس، فالعجب منك يا معاوية ومن جرأتك على الله حين قلت: قد قتل الله طاغيتكم ورد الأمر إلى معدنه ! فأنت يا معاوية معدن الخلافة دوننا ! ويل لك يا معاوية وللثلاثة قبلك الذين أجلسوك هذا المجلس وسنوا لك هذه السنة...!

فلما سمع معاوية ذلك أمر لكل منهم بمائة ألف درهم، غير الحسن والحسين وابن جعفر، فإنه أمر لكل واحد منهم بألف ألف درهم) ! ( كتاب سليم /361) .

4- أما معاوية بن عبد الله فلم تكن شخصيته كشخصية أبيه ! ويظهر أنه كان أكثر وقته في الشام مع أمه ، بينما أبوه عبد الله لم يترك المدينة ولم يتخذ في غيرها بيتاً ، وكان يذهب الى الشام لتجارته فقط .

وكان ابنه عبد الله فكان متأثراً بجو خلفاء بني أمية أكثر من تأثره بأبيه وجده .

وقد ذكر في تاريخ دمشق(33 /212) أنه كان صديق الوليد بن يزيد (الخليفة الأموي) ونديمه ، يؤانسه ويلعب معه الشطرنج )!

نديم الخليفة عبد الله بن معاوية بن جعفر

1- قال الذهبي في تاريخه (8/17):(فلما مات يزيد الناقص هاجت شيعة الكوفة وجَيَّشُوا وغلبوا على القصر وبايعوا عبد الله هذا ، فحشد معه خلائق فالتقاهم عسكر الكوفة، وتمت لهم وقعة انهزم فيها عبد الله بن معاوية ، فدخل القصر وقُتل خلق من شيعته ، ثم إنه أخرج من القصر وأمنوه وأخرجوه من الكوفة ) .

وفي تاريخ الطبري(5/604): ( ثم إن ربيعة أخذت لأنفسها وللزيدية ولعبد الله بن معاوية ، أماناً لا يمنعونهم ويذهبوا حيث شاءوا ).

وفي شرح الأخبار (3/321): (فنزل إصبهان ودعا إلى نفسه فأجابه ناس كثير من العرب والعجم، فاستولى على أرض فارس كلها وإصبهان وما والاها من البلاد واستعمل أخاه الحسن بن معاوية على إصطخر ، ويزيد بن معاوية على شيراز ، وعلي بن معاوية على كرمان، وصالح بن معاوية على قم . وجاءه بنو هاشم فمن أراد منهم عملاً فاستعمله ومن أراد صلة وصله.وقدم إليه معهم أبوالعباس وأبو جعفر ابنا محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، فولاهما بعض الكور) .

2- كانت ثورة عبد الله في سنوات اضطراب الخلافة الأموية سنة125-127، فلما استتب الأمر لمروان بن محمد الملقب بالحمار، أرسل جيشاً من الشام بقيادة عامر بن ضبارة سنة 130، لمساندة عامله على العراق ، وعامله على خراسان نصر بن سيار ، ومحاربة عبد الله بن معاوية ، وإعادة إيران إلى طاعة الخليفة .

وفي مقاتل الطالبيين/115:(فوجه إليه عامر بن ضبارة في عسكر كثيف فسار إليه حتى إذا قرب من أصبهان ندب ابن معاوية أصحابه إلى الخروج إليه وقتاله ، فلم يفعلوا ولا أجابوه ! فخرج على دهش هو وإخوته قاصدين خراسان ، وقد ظهر أبو مسلم بها ونفى عنها نصر بن سيار ، فلما صار في طريقه نزل على رجل من التُّنَّاء (دهقان) ذي مروءة ونعمة ، وجاءه فسأله معونته فقال: أنت من ولد رسول الله ؟ قال: لا. قال: أفأنت إبراهيم الإمام الذي يدعى له بخراسان ؟ قال: لا. قال: فلا حاجة لي في نصرتك ! فخرج إلى أبي مسلم وطمع في نصرته فأخذه أبو مسلم فحبسه عنده ، واختلف في أمره بعد محبسه . فقال بعض أهل السير: إنه لم يزل محبوساً حتى كتب إلى أبي مسلم رسالته المشهورة التي أولها: من الأسير في يديه ، المحبوس بلا جرم لديه...وهي طويلة لا معنى لذكرها هاهنا.

فلما كتب إليه بذلك أمر بقتله ! وقال آخرون: بل دس إليه سماً فمات منه ، ووجه برأسه إلى ابن ضبارة فحمله إلى مروان ) !

وفي المحدثين من آل أبي طالب (2/362): (وقبض عليه أبو مسلم صاحب الدولة العباسية وحبسه بهراة وقتل بها ، وقبره بموضع يقال له: قهندش من هرات).

أقول: لم يؤيد الإمام الصادق عليه السلام عبد الله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر . ولعل ذلك لتاريخه كنديم لأمراء بني أمية .

3- تدل أخبار عبد الله على أنه لم يكن فيه صفات القيادة ، وأن الزيدية دفعوه إلى الخروج دفعاً مستغلين اختلاف بني أمية وغيبة والي الكوفة ، لكنه هرب في أول المعركة ودخل قصر الكوفة الذي كان خالياً !

قال ابن الجوزي (المنتظم :7/258): (وفي هذه السنة دعا عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب إلى نفسه بالكوفة ، وحارب بها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز فهزمه عبد الله بن عمر، فلحق بالجبال فغلب عليها . وكان خروجه في محرم سنة سبع وعشرين، وكان سبب خروجه أنه قدم إلى الكوفة زائراً لعبد الله بن عمر (والي العراق) يلتمس صلته ولا يريد خروجاً ، فتزوج ابنة حاتم بن الشرقي ، فلما وقعت العصبية وكان سببها أن عبدالله أعطى قوماً ومنع قوماً ، فاختصموا فقال أهل الكوفة لعبدالله بن معاوية: أدع إلى نفسك فبنو هاشم أولى بالأمر من بني مروان فدعا سراً بالكوفة وبايعه ابن ضمرة الخزاعي فدس إليه ابن عمر فأرضاه ، فأرسل إليه إذا التقينا انهزمت بالناس ! فقيل لابن عمر قد جاء ابن معاوية فأخرج مالاً وخرج فأمر منادياً ينادي من جاء برأس فله خمس مائة فأتى رجل برأس فأعطي خمس مائة ، فلما رأى أصحابه الوفاء ثاروا بالقوم فإذا خمس مائة رأس فانكشف أمر ابن معاوية ، وانهزم ابن ضمرة فلم يبق مع ابن معاوية أحد ! فخرج إلى المدائن فبايعوه وأتاه قوم من أهل الكوفة ثم خرج إلى المدائن فغلب على حلوان والجبال وهمدان وقومس وأصبهان والري).

وقال القاضي النعمان في شرح الأخبار (3 /321): ( وقام عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وادعى الإمامة ، وهو الذي قيل إن أبا هاشم أوصى إليه.. وذلك في سنة سبع وعشرين ومائة ) .

وفي تاريخ دمشق(33 / 215): (فأقام أياماً تبايعه الناس ، وأتته بيعته من المدائن ومن كل وجه وخرج يوم الأربعاء يريد ابن عمر...وانهزم فدخل القصر! وثبتت الزيدية فقاتلوا قتالاً شديداً ، ولزموا أفواه السكك حتى أخذوا لعبد الله بن معاوية وأخويه أن يأخذوا حيث شاءوا من البلاد ) .

وفي تاريخ خليفة/298: ( فرحَّله ومن معه من شيعته ومن تبعه من أهل المدائن وأهل السواد وأهل الكوفة ، فسارت بهم رسل عمر حتى أخرجوهم ) .

4- في شرح ديوان الحماسة (2/ 39): (وكان يرمى بالزندقة ، ويستولي عليه من عرف واشتهر أمره فيها... وكان عبد الله هذا أقسى خلق الله قلباً ! يغضب على الرجل فيأمر أن يضرب بالسياط وهو يتحدث ويتغافل عنه حتى يموت تحت السياط ) !

وذكر فقهاؤنا أنه كذب على الإمام الصادق عليه السلام ، فوضع جدولاً في علامات ثبوت الهلال ونسبه إليه ! ( غنية النزوع /131 ، ومستند الشيعة:10/ 405 ).

واتهموه بأنه أسس فرقة الجناحية الضالة ، ففي المواقف للإيجي(3 /672): ( قال عبد الله بن معاوية: الأرواح تتناسخ وكان روح الله في آدم ثم في شيت ثم الأنبياء والأئمة حتى انتهت إلى علي وأولاده الثلاثة ، ثم إلى عبد الله هذا ) !

وقد يكون الأمويون كذبوا عليه ، لكن المؤكد أنه كان له بطانة سوء  .

5 - في شرح الأخبار(3 / 321) وأنساب الأشراف/60: (فنزل إصبهان ودعا إلى نفسه ، فأجابه ناس كثير من العرب والعجم ، فاستولى على أرض فارس كلها وإصبهان وما والاها من البلاد ، واستعمل أخاه الحسن بن معاوية على إصطخر ، ويزيد بن معاوية على شيراز ، وعلي بن معاوية على كرمان ، وصالح بن معاوية على قم . وجاءه بنو هاشم فمن أراد منهم عملاً استعمله ومن أراد صلة وصله . وقدم إليه معهم أبو العباس (السفاح) وأبو جعفر ابنا محمد بن علي بن عبد الله بن العباس فولاهما بعض الكور . وضرب الدراهم وكتب عليها: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى . ثم غلب على إصبهان وعامة فارس والأهواز ) .

6 - ذكر البلاذري في أنساب الأشراف/60 ، أن أبا جعفر المنصور قصد عبد الله بن جعفر لما كان حاكماً فولاه إيذرج من الأهواز فجبى خراجها . ولما ضعف أمر عبد الله بن معاوية أمام جيش ابن ضبارة ، هرب المنصور يريد البصرة ، فقبض عليه سليمان بن حبيب بن المهلب والي الأهواز وأغرمه المال ، وضربه وحبسه وأراد قتله فمنعه من ذلك سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب).

وفي شرح الأخبار(3/321): ( فهزمهم ابن ضبارة وأسر منهم أربعين رجلاً ، وكان فيمن أسر منهم عبد الله العباس (السفاح ) فقال له ابن ضبارة:ما جاءك بك إلى ابن معاوية فقد عرفت خلافه على أمير المؤمنين يعني مروان بن محمد ؟ فقال: كان عليَّ دينٌ فأتيته لأصيب منه فضلاً . فقام إليه ابن قطن فقال: ابن أختنا فوهبه له وخلى سبيله وكان أسر معهم ).

ملاحظات

1- لماذا قتل أبو مسلم الخراساني عبد الله بن معاوية الهاشمي الثائرعلى بني أمية ؟

الجواب: أن أبا مسلم كان يعمل بأمر بكير بن مهران ويدعو للرضا من آل محمد بدون تسمية ! وفي السنة الأخيرة أعلن أن الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله الذي يدعو لبيعته هو إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عباس ، الملقب بالإمام ، والذي سجنه مروان الحمار بسبب ذلك وقتله . لذا كان عبد الله بن معاوية يشكل خطراً على خلافة ابن العباس ! خاصة أنه كان يدعي أن أبا هاشم بن محمد بن الحنفية أوصى إليه . ( شرح الأخبار: 3 / 316 ) .

ومن البعيد أن يكون أبو مسلم قتله بدون أمر قائده بكير. أما لماذا أرسل رأسه إلى ابن ضبارة ؟ فلا بد أن تكون صفقة بين أبي مسلم وابن ضبارة ، قبل أن تشتد الحرب بينهما وينتصر قحطبة قائد أبي مسلم على ابن ضبارة ويقتله .

2 - أكدت مصادر عديدة أن والي الأهواز سليمان بن حبيب بن المهلب خوَّن المنصور بسرقة مال الخراج وضربه وأراد قتله ، ولذلك عندما صار المنصور خليفة قتله مع أن أخاه السفاح كان عفا عنه وولاه على الأهواز !( سير الذهبي: 7 /23 ).

وقال الذهبي في سيره (7 / 83 )بعد أن مدح المنصور: ( وقد ولي بليدة من فارس لعاملها سليمان بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة ، ثم عزله وضربه وصادره فلما استخلف قتله . وكان يلقب أبا الدوانيق ، لتدنيقه ومحاسبته الصناع ).

وقال في تاريخه (9/466): (ولي بعض كور فارس في شبيبته لعاملها سليمان بن حبيب بن المهلب ، ثم عزله وضربه ضرباً مبرحاً لكونه احتجز المال لنفسه ) !

أقول: والكورة بلدة إيذه ، بلد أمه سلَّامة . ويومها صادره ابن المهلب وأدبه وسجنه حتى هرب من سجنه . وتعرف في السجن على نوبخت المنجم جد آل نوبخت البغداديين فتنبأ له بالخلافة . (تاريخ بغداد:10/53) .

وبعد سنين رجع المنصور مع أخيه الصغير السفاح إلى الأهواز وعمل عند ابن جعفر الطيار الخليفة سنة127، حتى انهزم عبد الله ففر السفاح ووقع المنصور في أسر جيش الشام بقيادة ابن ضبارة ، فأرسله إلى والي العراق ابن هبيرة فأرسله إلى مروان ، فتقرب إليه المنصور بذم ابن عمه عبد الله الذي بايعه بالأمس إماماً وخليفة فأطلقه ! وهذا يعني أن أخاه إبراهيم لم يكن مطروحاً للخلافة يومذاك ، وإلا لحبسه ابن ضبارة معه ! ويؤكده أن المنصور لم يذهب إلى أبي مسلم الذي زعموا أنه كان يعمل لخلافة أخيه إبراهيم ، وذلك لأن أبا مسلم لم يدخل في عمله أحداً من العباسيين ولا الحسنيين ولا الحسينيين ، ولم يعلن خلافة إبراهيم أخ المنصور . بل عندما دخل جيش أبي مسلم إلى الكوفة راسل أبو سلمة الإمام الصادق عليه السلام وعبد الله بن الحسن يعرض عليهما أن يأخذ لهما البيعة !

قال ابن خلدون(3/187): ( حين اضطرب أمر مروان بن محمد اجتمعوا إليه وتشاوروا فيمن يعقدون له الخلافة ، فاتفقوا على محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى بن علي ، وكان يقال إن المنصور ممن بايعه تلك الليلة ) !

3 - يتضح أن عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر لم يكن متديناً ولا شيعياً! فلم أجد من وثقه من علماء الشيعة والسنة . وقد كان نديماً لأمير أموي متهتك هو الوليد بن يزيد ! ولم يكن فيه من صفات القيادة إلا أنه فصيح يقدم نفسه على أنه بطل مغوار مع أنه خوَّار ! وخروجه يدل على قوة الزيديين في الكوفة وأنهم دفعوه إلى الثورة ، ويدل على قوة تيار محبة أهل البيت عليهم السلام في الأمة !

4- بقي أن نذكر أنه سليمان بن حبيب بن المهلب الذي حبس المنصور لسرقته مال الخراج كان شيعياً متديناً ، وكان والي الأهواز . ( أعيان الشيعة:6/340 ).

5 - ذكر الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في كتاب الضعفاء أن والده مهران كان مولى لعبد الله بن جعفر ، أي أنه أسلم على يده) .

موقف الإمام الباقر والصادق عليهما السلام من الحسنيين

$مناقبية الحسن والحسين عليهما السلام في الأخوَّة

يضرب المثل للأخوين المتصافيين فيقال: أخَوان كالحسن والحسين ، لأن سلوكهما كان نبوياً في المودة والإحترام ، وإيثار أحدهما لأخيه .

فعندما تتأمل تعامل الحسنين مع بعضهما عليهما السلام لا تجد أثراً لتحاسد ولا لتنافس ! بل تجد الإحترام والمحبة والإيثار !

وقد تجلى ذلك في حرص الحسن على أن يُغَيِّبَ الحسين صلى الله عليه وآله عن تنازله لمعاوية .

كما تجلى عندما كان الحسن عليه السلام يكابد السم الذي دسه له معاوية ذات مرة ، فجاءه الحسين عليه السلام : ( فلما نظر إليه بكى ، فقال له: ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟ قال: أبكى لما يُصنع بك ! فقال له الحسن عليه السلام : إن الذي يؤتى إليَّ سُمٌّ يُدَسُّ إليَّ فأقتل به ، ولكن لا يومَ كيومك يا أبا عبد الله ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدَّعون أنهم من أمة جدنا محمد صلى الله عليه وآله وينتحلون دين الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك ، فعندها تحل ببني أمية اللعنة وتمطر السماء رماداً ودماً ، ويبكي عليك كل شئ حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار ) ! ( أمالي الصدوق/177) .

وأوصى الإمام الحسن عليه السلام أولاده أن يكونوا مع عمهم الحسين عليه السلام في كربلائه الموعودة ، فاستشهد بين يديه ثلاثة منهم: القاسم ، وعبد الله ، وعمرو .

وكان أولاد الإمام الحسن عليه السلام بضعة عشر ابناً وبنتاً ، وغالب ذريته من ابنيه زيد بن الحسن ، والحسن بن الحسن الذي يسمى الحسن المثنى . ( الذريعة: 2 / 372 ) .

أبناء الحسن المثنى

قال العلامة الحلي1في منهاج الكرامة/56:«كان عبد الله بن الحسن جمع أكابر العلويين للبيعة لولده فقال له الصادق عليه السلام : إن هذا الأمر لا يتم ! فاغتاظ من ذلك فقال عليه السلام : إنه لصاحب القباء الأصفر وأشار بذلك إلى المنصور ! فلما سمع المنصور بذلك فرح لعلمه بوقوع ما يُخبر به ، وعلم أن الأمر يصل إليه . ولما هرب المنصور (من جيش إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ) كان يقول: أين قول صادقهم » !

وقد أحضر المنصور الإمام الصادق عليه السلام في حج سنة 142إلى مقره في الربذة ، وسنة 147عندما زار المدينة ، وقبلها وبعدها إلى الأنبار والحيرة وبغداد .

وفي مهج الدعوات/198: « دعاء مولانا الصادق عليه السلام لما استدعاه المنصور مرة سادسة وهي ثاني مرة إلى بغداد » .

وكان في كل مرة ينوي قتله فيحدث له مانع بكرامةٍ للإمام عليه السلام حتى تمكن المنصور من دس السم له بعد اثنتي عشرة سنة من حكمه !

وفي هذه السنوات الإثنتي عشرة مع الأربع في عهد السفاح استطاع الإمام عليه السلام أن يبث العلوم ويُخرٍّج العلماء ، ويعمق الإيمان في الخاصة والعامة .

وقد وصف الإمام الصادق عليه السلام قرار المنصور بإبادة العلويين بعد انتصاره على الحسنيين فقال كما روى في مقاتل الطالبيين/233: « لما قُتل إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بباخمرى ، حُسٍرْنا عن المدينة ولم يُترك فيها منا محتلم حتى قدمنا الكوفة ، فمكثنا فيها شهراً نتوقع فيها القتل ! ثم خرج إلينا الربيع الحاجب فقال: أين هؤلاء العلوية؟ أدخلوا على أمير المؤمنين رجلين منكم من ذوي الحجى . قال: فدخلنا إليه أنا والحسن بن زيد فلما صرت بين يديه قال لي: أنت الذي تعلم الغيب؟ قلت: لا يعلم الغيب إلا الله. قال: أنت الذي يجبى إليك هذا الخراج ؟ قلت: إليك يجبى يا أميرالمؤمنين الخراج. قال: أتدرون لم دعوتكم؟ قلت: لا. قال: أردت أن أهدم رباعكم وأروع قلوبكم وأعقر نخلكم ، وأترككم بالسراة لا يقربكم أحد من أهل الحجاز وأهل العراق فإنهم لكم مفسدة » !

وتراجع المنصور يومها عن قتل الصادق عليه السلام لكنه كان يتحرق على ذلك ! قال أحد أصحابه: «دخلت يوماً على أبي جعفر الدوانيقي وإذا هو يفرك يديه ويتنفس تنفساً بارداً ، فقلت: يا أمير المؤمنين ما هذه الفكرة ؟ فقال: يا محمد إني قتلت من ذرية فاطمة بنت رسول الله ألفاً أو يزيدون ، وقد تركت سيدهم ! فقلت له:ومَن ذلك يا أمير المؤمنين؟فقال:ذلك جعفر بن محمد»! ( دلائل الإمامة / 298).

وفي دلائل الإمامة للطبري/219، بسند صحيح عن الأعمش رحمه الله قال: (قال لي المنصور: كنت هارباً من بني أمية أنا وأخي أبو العباس ، فمررنا بمسجد المدينة ومحمد بن علي الباقر جالس ، فقال لرجل إلى جانبه: كأني بهذا الأمر وقد صار إلى هذين ! فأتى الرجل فبشرنا به فملنا إليه وقلنا: يا ابن رسول الله ما الذي قلت؟ فقال: هذا الأمر صائر إليكم عن قريب ولكنكم تسيئون إلى ذريتي وعترتي فالويل لكم عن قريب ! فما مضت الأيام حتى ملك أخي وملكتها ).

أقول: كان المنصور عند وفاة الإمام الباقر عليه السلام في العشرينات من عمره . وكان كغيره من العباسيين تابعين للحسنيين بقيادة كبيرهم عبدالله بن الحسن المثنى، الذي ادعى أن ابنه محمداً هو المهدي ، وأخذ له البيعة منهم بالإمامة والخلافة ! وكان المنصور متحمساً لبيعته ! ( قال عمير بن الفضل الخثعمي: رأيت أبا جعفر المنصور يوماً وقد خرج محمد بن عبد الله بن الحسن من دار ابنه ، وله فرس واقف على الباب مع عبد له أسود وأبو جعفر ينتظره ، فلما خرج وثب أبو جعفر فأخذ بردائه حتى ركب ، ثم سوى ثيابه على السرج ومضى محمد.فقلت وكنت حينئذ أعرفه ولا أعرف محمداُ: من هذا الذي أعظمته هذا الإعظام حتى أخذت بركابه وسويت عليه ثيابه؟ قال:أوَما تعرفه؟ قلت: لا. قال: هذا محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن مهدينا أهل البيت).

فقد ادعى عبد الله أن ابنه محمداً هو المهدي الموعود ، وكلفه إصراره على ذلك كثيراً !

ففي تهذيب الكمال(25/467): (عن ابن أخي الزهري: تجالسنا بالمدينة أنا وعبد الله بن حسن فتذاكرنا المهدي ، فقال عبد الله بن حسن: المهدي من ولد الحسن بن علي . فقلت: يأبى ذاك علماء أهل بيتك . فقال عبد الله: المهدي والله من ولد الحسن بن علي ، ثم من ولدي خاصة ) .

وكان عبد الله في أول الأمر ادعى المهدية لنفسه !قال في مقاتل الطالبيين/239: ( لم يزل عبد الله بن الحسن منذ كان صبياً يتوارى ويراسل الناس بالدعوة إلى نفسه ويسمى بالمهدي)! وزعم أنه تطبيق قول النبي صلى الله عليه وآله : المهدي من ولدي ، إسمه إسمي وكنيته كنيتي ، ثم ادعاها لابنه و زاد في الحديث (وإسم أبيه اسم أبي ) !

وقد وصفوه بقوة الشخصية والقدرة على الإقناع ، وقد أقنع حلفاءه العباسيين ومنهم المنصور بأن ابنه المهدي فكان يأخذ بركاب محمد ويقول: هذا مهدينا !

وقال في مقاتل الطالبيين/244: ( لهجت العوام بمحمد تسميه بالمهدي) !

وذلك بدعاية الحسنيين وحلفائهم العباسيين ، قبل أن ينقلبوا عليهم !

وقد روت مصادر التاريخ ما جرى في مؤتمر الأبواء الذي دعا له عبد الله بن الحسن من أجل بيعة المهدي!

ففي مقاتل الطالبيين/140: عن عمر بن شبة وعدة رواة ومؤرخين عاصروا تلك الفترة قالوا: إن جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء وفيهم إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، وأبو جعفر المنصور ، وصالح بن علي ، وعبد الله بن الحسن بن الحسن ، وابناه محمد وإبراهيم ، ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان . فقال صالح بن علي: قد علمتم أنكم الذين تمد الناس أعينهم إليهم ، وقد جمعكم الله في هذا الموضع فاعقدوا بيعة لرجل منكم تعطونه إياها من أنفسكم ، وتواثقوا على ذلك حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين .

فحمد الله عبد الله بن الحسن وأثنى عليه ثم قال: قد علمتم أن ابني هذا هو المهدي فهلموا فلنبايعه .

وقال المنصور: لأي شئ تخدعون أنفسكم ووالله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أطول أعناقاً ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى ، يريد محمد بن عبد الله .

قالوا: قد والله صدقت إن هذا لهو الذي نعلم ! فبايعوا جميعاً محمداً ومسحوا على يده . قال عيسى: وجاء رسول عبد الله بن الحسن إلى أبي أن ائتنا فإننا مجتمعون لأمر وأرسل بذلك إلى جعفر بن محمد ، هكذا قال عيسى .

وقال غيره: قال لهم عبد الله بن الحسن: لا نريد جعفراً لئلا يفسد عليكم أمركم ! قال عيسى: فأرسلني أبي أنظر ما اجتمعوا عليه ، وأرسل جعفر بن محمد محمد بن عبد الله الأرقط بن علي بن الحسين فجئناهم فإذا بمحمد بن عبد الله يصلي على طنفسة رجل مثنية فقلت: أرسلني أبي إليكم لأسألكم لأي شئ اجتمعتم؟فقال عبد الله: اجتمعنا لنبايع المهدي محمد بن عبد الله . قالوا: وجاء جعفر بن محمد فأوسع له عبد الله بن الحسن إلى جنبه فتكلم بمثل كلامه فقال جعفر: لا تفعلوا فإن هذا الأمر لم يأت بعد ! إن كنت ترى يعني عبد الله أن ابنك هذا هو المهدي فليس به ولا هذا أوانه ، وإن كنت إنما تريد أن تخرجه غضباً لله وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فإنا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك . فغضب عبد الله وقال: علمتَ خلاف ما تقول ! ووالله ما أطلعك الله على غيبه ولكن يحملك على هذا الحسد لابني! فقال: والله ما ذاك يحملني ولكن هذا وإخوته وأبناؤهم دونكم وضرب بيده على ظهر أبي العباس ، ثم ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن ، وقال: إنها والله ما هي إليك ولا إلى ابنيك ولكنها لهم وإن ابنيك لمقتولان ! ثم نهض وتوكأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري . فقال: أرأيت صاحب الرداء الأصفر يعني أبا جعفر؟ قال: نعم . قال: فإنا والله نجده يقتله ! قال له عبد العزيز: أيقتل محمداً ؟ قال:نعم. قال: فقلت في نفسي: حسده ورب الكعبة ! قال: ثم والله ما خرجت من الدنيا حتى رأيته قتلهما !

قال: فلما قال جعفر ذلك انفضَّ القوم فافترقوا ولم يجتمعوا بعدها ، وتبعه عبد الصمد وأبوجعفر فقالا:يا أبا عبد الله أتقول هذا ؟ قال: نعم أقوله والله وأعلمه)!

وقال في مقاتل الطالبيين/142: ( كان جعفر بن محمد إذا رأى محمد بن عبد الله بن حسن تغرغرت عيناه ثم يقول: بنفسي هو ، إن الناس ليقولون فيه إنه المهدي وإنه لمقتول! ليس هذا في كتاب أبيه علي من خلفاء هذه الأمة ) .

ثم روى ذلك أيضاً في/171، عن عدة مؤرخين وشهود قال: ( إن بني هاشم اجتمعوا فخطبهم عبد الله بن الحسن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنكم أهل البيت قد فضلكم الله بالرسالة واختاركم لها ، وأكثركم بركة يا ذرية محمد صلى الله عليه وآله بنو عمه وعترته ، وأولى الناس بالفزع في أمر الله ، من وضعه الله موضعكم من نبيه صلى الله عليه وآله وقد ترون كتاب الله معطلاً وسنة نبيه متروكة والباطل حياً والحق ميتاً . قاتلوا لله في الطلب لرضاه بما هو أهله قبل أن ينزع منكم اسمكم ، وتهونوا عليه كما هانت بنو إسرائيل وكانوا أحب خلقه إليه . وقد علمتم أنا لم نزل نسمع أن هؤلاء القوم إذا قتل بعضهم بعضاً خرج الأمر من أيديهم ، فقد قتلوا صاحبهم يعني الوليد بن يزيد فهلمَّ نبايع محمداً فقد علمتم أنه المهدي . فقالوا: لم يجتمع أصحابنا بعد ولو اجتمعوا فعلنا ، ولسنا نرى أبا عبد الله جعفر بن محمد !

فأرسل إليه ابن الحسن فأبى أن يأتي فقام وقال: أنا آت به الساعة فخرج بنفسه حتى أتى مضرب الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحرث فأوسع له الفضل ولم يصدره ، فعلمت أن الفضل أسن منه فقام له جعفر وصدره فعلمت أنه أسن منه . ثم خرجنا جميعاً حتى أتينا عبد الله فدعا إلى بيعة محمد فقال له جعفر: إنك شيخ وإن شئت بايعتك وأما ابنك فوالله لا أبايعه وأدعك . وقال عبد الله الأعلى في حديثه: إن عبد الله بن الحسن قال لهم: لا ترسلوا إلى جعفر فإنه يفسد عليكم فأبوا ، قال: فأتاهم وأنا معهم فأوسع له عبد الله إلى جانبه وقال: قد علمت ما صنع بنا بنو أمية ، وقد رأينا أن نبايع لهذا الفتى . فقال: لا تفعلوا فإن الأمر لم يأت بعد ! فغضب عبد الله.. إلى آخر ما تقدم ).

وفي مناقب ابن شهرآشوب(4 / 228): إنها والله ما هي إليك ولا إلى ابنك ، وإنما هي لهذا يعني السفاح ، ثم لهذا يعني المنصور ، يقتله على أحجار الزيت ، ثم يقتل أخاه بالطفوف وقوائم فرسه في الماء فتبعه المنصور فقال: ما قلت يا أبا عبد الله ؟ فقال: ما سمعته وإنه لكائن. قال: فحدثني من سمع المنصور أنه قال:انصرفت من وقتي فهيأت أمري ، فكان كما قال ) .

وفي غيبة النعماني/229، عن يزيد بن أبي حازم قال: (خرجت من الكوفة ، فلما قدمت المدينة دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فسلمت عليه فسألني: هل صاحبك أحد؟ فقلت: نعم ، فقال: أكنتم تتكلمون ؟ قلت: نعم ، صحبني من المغيرية . قال فما كان يقول؟ قلت: كان يزعم أن محمد بن عبد الله بن الحسن هو القائم ، والدليل على ذلك أن اسمه اسم النبي واسم أبيه اسم أب النبي صلى الله عليه وآله ، فقلت له في الجواب: إن كنت تأخذ بالأسماء فهو ذا في ولد الحسين محمد بن عبد الله بن علي، فقال لي: إن هذا ابن أمَة ، يعني محمد بن عبد الله بن علي ، وهذا ابن مهيرة يعني محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : فما رددت عليه ؟ فقلت: ما كان عندي شئ أرد عليه فقال: أو لم تعلموا أنه ابن سبية ، يعني القائم عليه السلام ) .

هذا ، ويبدو أن مهدي الحسنيين أو العباسيين في لسانه ثقلٌ يحتبس عليه الكلام فيضرب بيده على فخذه ، فوصفوا بها المهدي عليه السلام لتنطبق على صاحبهم! ( ابن حماد:1/365).

نقاط عن ثورة بني عبد الله بن الحسن

كان عبد الله يقول نحن أولى بالإمامة من الحسينيين !

كان الحسنيون الأتقياء يقبلون أن الإمامة في ذرية عمهم الحسين عليه السلام ويؤمنون بأن ذلك اختيار الله تعالى ، ولا يجدون في أنفسهم حسداً أوغضاضة .

لكن عبد الله بن الحسن المثنى كان يقول: كان الواجب على الحسين عليه السلام أن يجعلها بعده في أكبر أولاد أخيه ، وقد أخطأ واستأثر عندما جعلها في ابنه علي بن الحسين عليه السلام ! وهذا هو التفكير القرشي القبلي في الإمامة ، كأنها مقام يختاره الناس فيجب أن يخضع لمقاييس القبيلة والعرف الإجتماعي ! مع أنها اختيارٌ من الله تعالى وعصمةٌ وعلمٌ واصطفاء ، لا دخل للبشر فيها !

ادعى عبد الله من شبابه أنه المهدي الموعود !

قال في مقاتل الطالبيين/239: ( لم يزل عبد الله بن الحسن منذ كان صبياً يتوارى ويراسل الناس بالدعوة إلى نفسه ، ويسمى بالمهدي) !

ثم ادعاها لابنه محمد ، وحجبه عن الناس ، وأشاع حوله الأساطير !

ففي تهذيب الكمال(25/467): (عن ابن أخي الزهري: تجالسنا بالمدينة أنا وعبد الله بن حسن فتذاكرنا المهدي فقال عبد الله بن حسن:المهدي من ولد الحسن بن علي. فقلت: يأبى ذاك علماء أهل بيتك . فقال عبد الله: المهدي والله من ولد الحسن بن علي ، ثم من ولدي خاصة ) .

كان عبد الله أبرز شخصيات بني علي عليه السلام

كان عبدالله أبرز شخصيات بني علي عليه السلام وكان محترماً مهاباً ، وكان الإمام جعفر الصادق عليه السلام يحترمه لأنه أكبر سناً منه . أما العباسيون فكانوا أتباعه المطيعين ، وكان المنصور يمسك بركاب ابنه محمد المسمى بالمهدي . ولم يكن للعباسيين بيت في المدينة ، وكان مركزهم إذا جاؤوا من الشام بيت عبد الله بن الحسن .

نشط في العمل بعد اختلاف الأمويين

لما اختلف الأمويون وقَتل خليفتهم خليفةً منافساً ، زاد عبد الله بن الحسن نشاطه في الثورة ، وكانت خطته أن يأخذ البيعة لابنه ، ويجمع جيشاً لقتال بني أمية .

وكان يتصل في موسم الحج بعلماء البلاد المختلفة ويدعوهم الى بيعة ابنه على أنه المهدي للثورة على بني أمية ، وكان المشكل والعقبة عنده موقفه من أبي بكر وعمر وعثمان ، فقد كان أهل الحجاز يحبون أبا بكر وعمر ، وأهل البصرة يحبون عثمان . وكانوا يسألونه عن رأيه في الشيخين فيقول: ( كانت أمنا فاطمة صديقة ابنه نبي مرسل ، وماتت وهي غضبى على قوم فنحن غضاب لغضبها ) ( شرح النهج:6/49) فكان من يحب الشيخين يعرضون عنه !

ثم غير رأيه في أبي بكر وعمر ليرضي الصوفية فيبايعونه !

وفجأةً أعلن عبد الله أنه يتولى الشيخين ويترضى عنهما ليكسب محبيهما فصار يقول: (والله لايقبل الله توبة عبد تبرأ من أبي بكر وعمر وإنهما ليعرضان على قلبي فأدعو الله لهما أتقرب به إلى الله عزّ وجلّ ). (تاريخ دمشق:27/373) .

فبلغت مقولاته الإمام الصادق عليه السلام فاستتنكرها .

ففي بصائر الدرجات/173: (عن علي بن سعيد قال: كنت جالساً عند أبي عبد الله عليه السلام وعنده محمد بن عبد الله بن علي إلى جنبه جالساً ، وفي المجلس عبد الملك بن أعين ، ومحمد الطيار ، وشهاب بن عبد ربه ، فقال رجل من أصحابنا: جعلت فداك إن عبد الله بن الحسن يقول ليس لنا في هذا الأمر ما ليس لغيرنا ! فقال أبو عبد الله عليه السلام بعد كلام: أما تعجبون من عبد الله يزعم أن أباه علياً عليه السلام لم يكن إماماً ويقول إنه ليس عندنا علم ! وصدق والله ما عنده علم ، ولكن والله وأهوى بيده إلى صدره إن عندنا سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسيفه ودرعه ، وعندنا والله الجفر وما يدرون ما هو مسك شاة أو مسك بعير، وإنه لإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام بيده ، وعندنا والله مصحف فاطمة عليها السلام ما فيه آية من كتاب الله .

ثم أقبل إلينا وقال: أبشروا أما ترضون أنكم تجيئون يوم القيمة آخذين بحجزة علي عليه السلام وعليٌّ آخذ بحجزة رسول الله صلى الله عليه وآله ).

لما مدح أبا بكر وعمر قبله مشايخ الحجاز والبصرة وبايعوه  !

وكان عامتهم صوفية يتولون الشيخين وعثمان ، وجاء علماء البصرة الى المدينة وبايعوه ، وكان منهم عمرو بن عبيد ، وواصل بن عطاء ، وحفص بن سالم ، وابن عجلان ، وأنس بن مالك ، وأبو حنيفة ، وغيرهم ! وبعضهم بايعه في زمن بني أمية ، وبعضهم زمن بني العباس ، وأفتوا بوجوب الخروج معه وبأن بيعة المسلمين للمنصور باطلة لأنها بيعة إكراه ! وذلك بعد 13سنة من قيام دولتهم !

وفي مقاتل الطالبيين/ 196، بسنده عن ابن فضالة النحوي قال: ( اجتمع واصل بن عطاء ، وعمرو بن عبيد في بيت عثمان بن عبد الرحمن المخزومي من أهل البصرة ، فتذاكروا الجَوْر ، فقال عمرو بن عبيد: فمن يقول بهذا الأمر ممن يستوجبه وهو له أهل؟ فقال واصل: يقوم به والله من أصبح خير هذه الأمة: محمد بن عبد الله بن الحسن . فقال عمرو بن عبيد: ما أرى أن نبايع ولا نقوم إلا مع من اختبرناه وعرفنا سيرته . فقال له واصل: والله لو لم يكن في محمد بن عبد الله أمر يدل على فضله إلا أن أباه عبد الله بن الحسن في سنه وفضله وموضعه ، قد رآه لهذا الأمر أهلاً وقدمه فيه على نفسه ، لكان لذلك يستحق ما نراه له ، فكيف بحال محمد في نفسه وفضله ؟قال يحيى: وسمعت أبا عبيد الله بن حمزة يحدِّث قال: خرج جماعة من أهل البصرة من المعتزلة ، منهم واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وغيرهما ، حتى أتوا سويقة ، فسألوا عبد الله بن الحسن أن يُخرج لهم ابنه محمداً حتى يكلموه فضرب لهم عبد الله فسطاطاً ، واجتمع هو ومن شاوره من ثقاته أن يخرج إليهم إبراهيم بن عبد الله . فأخرج إليهم إبراهيم ، وعليه ريطتان ومعه عكازة ، حتى أوقفه عليهم ، فحمد الله وأثنى عليه وذكر محمد بن عبد الله وحاله ، ودعاهم إلى بيعته ، وعذرهم في التأخر عنه ، فقالوا: اللهم إنا نرضى برجل هذا رسوله ! فبايعوه وانصرفوا إلى البصرة ) !

تعلم منه المنصور فتبنى الشيخين بعد البراءة منهما !

قامت حركة الحسنيين ومعهم العباسيون في عهد قائدها بكير بن ماهان وأبي سلمة الخلال وأبي مسلم الخراساني، على الدعوة إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله والبراءة من بني أمية وبني تيم وعدي ! وقد أشار الى ذلك أبو العباس السفاح في أول خطبة له ، وخطب به أبو مسلم الخراساني في الحج .

لكن المنصور العباسي بعد ثورة الحسنيين عليه ، رأى أن للشيخين أبي بكر وعمر شعبية في الحجاز والبصرة ، وأن الحسنيين تبنوا الترضي عنهما فكسبا كثيراً من محبيهما ، فتبنى الترضي عنهما وأدخله في خطبة الجمعة ، ومنع الحديث بفضائل علي عليه السلام وقال: لأرغمن أنفي وأنف بني علي وأُعْلِيَنَّ كعب تيم وعدي!

أمرالمنصور بالقبض على محمد (المهدي) وإبراهيم فاختفيا

وصف الطبري بحث المنصور عن مهدي الحسنيين فقال(6/157): (اشترى أبو جعفر رقيقاً من رقيق الأعراب ، ثم أعطى الرجل منهم البعير والرجل البعيرين والرجل الذَّوْد (عدة أباعر) وفرقهم في طلب محمد في ظهر المدينة ، فكان الرجل منهم يرد الماء كالمار وكالضال فيفرون عنه...

قدم محمد البصرة مختفياً في أربعين فأتوا عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال له عبد الرحمن: أهلكتني وشهرتني ، فانزل عندي وفرق أصحابك ، فأبى ! فقال: ليس لك عندي منزل ، فنزل في بنى راسب...

قدم محمد فنزل على عبد الله بن شيبان أحد بني مرة بن عبيد فأقام ستة أيام ثم خرج فبلغ أبا جعفر مقدمه البصرة ، فأقبل مغذاً حتى نزل الجسر الأكبر... وكان محمد قد خرج قبل مقدم أبي جعفر...

ووصف زياد والي المدينة مجئ المنصور إلى المدينة وتحيره وقلقه في أمر مهدي الحسنيين إلى حد الهوس ! قال: ( فأدخلني ووقف خلفي بين البابين فإذا الشمع في نواحي القبة فهي تزهر ، ووصيف قائم في ناحيتها ، وأبو جعفر مُحْتَبٍ بحمائل سيفه على بساط ، ليس تحته وسادة ولا مصلى ، وإذا هو منكس رأسه ينقر بجُرْز في يده ، قال فأخبرني الربيع أنها حاله من حين صلى العتمة إلى تلك الساعة ! قال: فما زلت واقفاً حتى إني لأنتظر نداء الصبح وأجد لذلك فرجاً ، فما يكلمني بكلمة ، ثم رفع رأسه إليَّ فقال: يا ابن الفاعلة أين محمد وإبراهيم!قال: ثم نكس رأسه ونكت أطول مما مضى له ، ثم رفع رأسه الثانية فقال: يا ابن الفاعلة أين محمد وإبراهيم ؟ قتلني الله إن لم أقتلك ! قال قلت له: أنت نفرتهما عنك ! بعثتَ رسولاً بالمال الذي أمرت بقسمه على بني هاشم فنزل القادسية ، ثم أخرج سكيناً يحده وقال: بعثني أمير المؤمنين لأذبح محمداً وإبراهيم ، فجاءتهما بذلك الأخبار فهربا ) ! ( الطبري: 6/162).

( استعمل أبو جعفر على المدينة محمد بن خالد بعد زياد ، وأمره بالجد في طلب محمد وبسط يده في النفقة في طلبه ، فأغذ السير حتى قدم المدينة هلال رجب سنة 141 فوجد في بيت المال سبعين ألف دينار وألف ألف درهم ، فاستغرق ذلك المال ، ورفع في محاسبته أموالاً كثيرة أنفقها في طلب محمد ، فاستبطأه أبو جعفر واتهمه ، فكتب إليه أبو جعفر يأمره بكشف المدينة وأعراضها وأمر القسري أهل المدينة فلزموا بيوتهم سبعة أيام وطافت رسله والجند ببيوت الناس يكشفونها لا يحسون شيئاً...فلما استبطأه أبو جعفر ورأى ما استغرق من الأموال عزله...

جَدَّ أبو جعفر حين حبس عبد الله في طلب ابنيه ، فبعث عيناً له وكتب معه كتاباً على ألسن الشيعة إلى محمد يذكرون طاعتهم ومسارعتهم ، وبعث معه بمال وألطاف فقدم الرجل المدينة...وكان لأبي جعفر كاتب على سره كان متشيعاً فكتب إلى عبد الله بن حسن بأمر ذلك العين وما بعث له...

قال لي السندي مولى أمير المؤمنين:أتدري ما رفع عقبة بن سلم عند أمير المؤمنين؟ قلت: لا ، قال أوفد عمي عمر بن حفص وفداً من السند فيهم عقبة فدخلوا على أبي جعفر فلما قضوا حوائجهم نهضوا فاسترد عقبة فأجلسه ثم قال له: من أنت؟ قال: رجل من جند أمير المؤمنين وخدمه صحبت عمر بن حفص .

قال: وما اسمك ؟ قال عقبة بن سلم بن نافع . قال: ممن أنت ؟ قال: من الأزد ، ثم من بني هناءة . قال: إني لأرى لك هيأة وموضعاً وإني لأريدك لأمر أنا به معنيٌّ لم أزل أرتاد له رجلاً عسى أن تكونه إن كفيتنيه رفعتك ، فقال: أرجو أن أصدِّق ظن أمير المؤمنين فيَّ.. ثم ذكر الطبري كيف وجهه للتجسس على عبد الله بن الحسن وأولاده وأنه تقرب منهم فوثقوا به ، وعرف الوقت الذي وقتوه لخروجهم).( تاريخ الطبري: 6 / 157).

ووضع المنصور عليه العيون وكان يداهمه فيفلت منه: ( خرج إليه بالخيل والرجال ففزع منه محمد فأحْضَرَ ( أسرع فرسه ) شَدّاً فأفلت ، وله ابن صغير ولد في خوفه ذلك وكان مع جارية له ، فهوى من الجبل فتقطع ) ! وعندما خرج محمد حبس قائد السرية ( فلم يزل محبوساً حتى قتل محمد). ( تاريخ الطبري: 6 / 169 ) .

وسمع المنصور أن شخصاً اسمه وَبَر المزني رآه فكتب يطلبه:(فحُمل إليه رجل منهم يدعى وبراً فسأله عن قصة محمد وما حكى له العين؟فخلف أنه ما يعرف من ذلك شيئاَ فأمر به فضرب سبعمائة سوط وحبس حتى مات)!( الطبري: 6 /162).

وبَصَّر عليه عند المنجمين فكتب إلى واليه على المدينة: ( إن محمداً ببلاد فيها الأترج والأعناب فاطلبه بها... قال هذه رضوى فطلبه فلم يجده ). (الطبري: 6 / 162 ) .

وكان واليه يحضر العلويين ويهددهم ليسلموا محمداً وإبراهيم ! ( بعث إلينا رياح فأتيته أنا وجعفر بن محمد بن علي بن حسين ، وحسين بن علي بن حسين بن علي ، وعلي بن عمر بن علي بن حسين بن علي ، وحسن بن علي بن حسين بن علي بن حسين بن علي ، ورجال من قريش ، منهم إسماعيل بن أيوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن المغيرة ، ومعه ابنه خالد ، فإنا لعنده في دار مروان...فوثب ابن مسلم بن عقبة وكان مع رياح فاتكأ على سيفه فقال: أطعني في هؤلاء فاضرب أعناقهم . فقال علي بن عمر: فكدنا والله تلك الليلة أن نطيح حتى قام حسين بن علي فقال: والله ما ذاك لك إنا على السمع والطاعة ).( الطبري: 6 / 184 ) .

وسجلت المصادر إحضار المنصور لعبد الله بن الحسن والإمام الصادق عليه السلام وتهديدهما بالقتل إن لم يحضرا محمداً ! ففي الخرائج (2 /635) عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( دعاني أبو جعفر الخليفة ومعي عبد الله بن الحسن ، وهو يومئذ نازل بالحيرة قبل أن تبنى بغداد ، يريد قتلنا لا يشك الناس فيه . فلما دخلت عليه دعوت الله بكلام ، وقد قال لابن نهيك وهو القائم على رأسه: إذا ضربت بإحدى يديَّ على الأخرى فلا تناظره حتى تضرب عنقه ! فلما تكلمت بما أريد ، نزع الله من قلب أبي جعفر الخليفة الغيظ . فلما دخلت أجلسني مجلسه وأمر لي بجائزة ) .

المراسلة بين المنصور ومحمد (المهدي) !

قال الطبري (6/195): ( لما بلغ أبا جعفر المنصور ظهور محمد بن عبد الله بالمدينة كتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم . من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ . إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . ولك عليَّ عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله (ص) إن تبت ورجعت من قبل أن أقدر عليك ، أن أؤمنك وجميع ولدك وإخوتك وأهل بيتك ومن اتبعكم على دمائكم وأموالكم ، وأسوغك ما أصبت من دم أو مال ، وأعطيك ألف ألف درهم ، وما سألت من الحوائج ، وأنزلك من البلاد حيث شئت ، وأن أطلق من في حبسي من أهل بيتك ، وأن أؤمن كل من جاءك وبايعك واتبعك أو دخل معك في شئ من أمرك ، ثم لا أتبع أحداً منهم بشئ كان منه أبداً ، فإن أردت أن تتوثق لنفسك فوجه إليَّ من أحببت يأخذ لك من الأمان والعهد والميثاق وما تثق به .

فكتب إليه محمد بن عبد الله:

بسم الله الرحمن الرحيم . من عبد الله المهدي محمد بن عبد الله إلى عبد الله بن محمد: نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ . إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ . وأنا أعرض عليك من الأمان مثل الذي عرضت عليَّ ، فإن الحق حقنا ، وإنما ادعيتم هذا الأمر بنا ، وخرجتم له بشيعتنا ، وحظيتم بفضلنا ، وإن أبانا علياً كان الوصي وكان الإمام ، فكيف ورثتم ولايته وولده أحياء !

ثم قد علمت أنه لم يطلب هذا الأمر أحد له مثل نسبنا وشرفنا وحالنا وشرف آبائنا. لسنا من أبناء اللعناء ولا الطرداء ولا الطلقاء ! وليس يمتُّ أحد من بني هاشم بمثل الذي نمت به من القرابة والسابقة والفضل .

وإنا بنو أم رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة بنت عمرو في الجاهلية ، وبنو بنته فاطمة في الإسلام دونكم . إن الله اختارنا واختار لنا ، فوالدنا من النبيين محمد صلى الله عليه وآله ومن السلف أولهم إسلاماً علي ، ومن الأزواج أفضلهن خديجة الطاهرة ، وأول من صلى القبلة . ومن البنات خيرهن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، ومن المولودين في الاسلام حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وإن هاشماً ولد علياً مرتين ، وإن عبد المطلب ولد حسناً مرتين ، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله ولدني مرتين ، من قبل حسن وحسين ، وإني أوسط بني هاشم نسباً وأصرحهم أباً ، لم تعرِّق فيَّ العجم ، ولم تَنازع فيَّ أمهات الأولاد ، فما زال الله يختار لي الآباء والأمهات في الجاهلية والإسلام ، حتى اختار لي في النار ، فأنا ابن أرفع الناس درجة في الجنة وأهونهم عذاباً في النار ، وأنا ابن خير الأخيار وابن خير الأشرار ، وابن خير أهل الجنة وابن خير أهل النار . ولك الله عليَّ إن دخلت في طاعتي وأجبت دعوتي أن أؤمنك على نفسك ومالك ، وعلى كل أمر أحدثته إلا حداً من حدود الله أو حقاً لمسلم أو معاهد ، فقد علمت ما يلزمك من ذلك ، وأنا أولى بالأمر منك ، وأوفى بالعهد لأنك أعطيتني من العهد والأمان ما أعطيته رجالاً قبلي!فأي الأمانات تعطيني أمان ابن هبيرة أم أمان عمك عبد الله بن علي أم أمان أبي مسلم ! الخ..).

والمراسلات بينهما طويلة..ولو تعقل محمد (المهدي) كلام الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام لقبل أمان المنصور ، لأنهما أخبرا الحسنيين بأن ملك بني العباس يطول !

كان المنصور لا ينام الليل يبحث عن محمد (المهدي)

روى الطبري عن والي المدينة قوله( 6 / 162 ): (فأدخلني ووقف خلفي بين البابين فإذا الشمع في نواحي القبة فهي تزهر،ووصيف قائم في ناحيتها وأبو جعفر مُحْتَبٍ بحمائل سيفه على بساط ليس تحته وسادة ولا مصلى ، وإذا هو منكس رأسه ينقر بجُرْز في يده ، قال فأخبرني الربيع أنها حاله من حين صلى العتمة إلى تلك الساعة! قال: فما زلت واقفاً حتى إني لأنتظر نداء الصبح وأجد لذلك فرجاً فما يكلمني بكلمة! ثم رفع رأسه إليَّ فقال: يا ابن الفاعلة أين محمد وإبراهيم ! قال: ثم نكس رأسه ونكت أطول ، ثم رفع رأسه الثانية فقال: يا ابن الفاعلة أين محمد وإبراهيم، قتلني الله إن لم أقتلك ! قال قلت له: أنت نفرتهما عنك! بعثت رسولاً بالمال الذي أمرت بقسمه على بني هاشم فنزل القادسية ثم أخرج سكيناً يحده وقال: بعثني أميرالمؤمنين لأذبح محمداً وإبراهيم فجاءتهما بذلك الأخبار فهربا ) !

وقال الطبري(6/157): ( اشترى أبو جعفر رقيقاً من رقيق الأعراب ، ثم أعطى الرجل منهم البعير والرجل البعيرين والرجل الذَّوْد ( عدة أباعر ) وفرقهم في طلب محمد في ظهر المدينة ، فكان الرجل منهم يرد الماء كالمار وكالضال فيفرون عنه).

ذهب محمد (المهدي) الى البصرة فلم يستقبلوه فرجع

قال الطبري(6/157): قدم محمد البصرة مختفياً في أربعين فأتوا عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال له عبد الرحمن: أهلكتني وشهرتني ، فانزل عندي وفرق أصحابك ، فأبى ! فقال: ليس لك عندي منزل !

فنزل على عبد الله بن شيبان أحد بني مرة بن عبيد فأقام ستة أيام ثم خرج فبلغ أبا جعفر مقدمه البصرة فأقبل مغذاً حتى نزل الجسر الأكبر..وكان محمد قد خرج قبل مقدم أبي جعفر ).

نجا الإمام الصادق عليه السلام من بطش المنصور ثم اعتقل الحسنيين !

في الخرائج(2/635) عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( دعاني أبو جعفر الخليفة ومعي عبد الله بن الحسن ، وهو يومئذ نازل بالحيرة قبل أن تبنى بغداد ، يريد قتلنا لا يشك الناس فيه . فلما دخلت عليه دعوت الله بكلام ، وقد قال لابن نهيك وهو القائم على رأسه: إذا ضربت بإحدى يديَّ على الأخرى فلا تناظره حتى تضرب عنقه ! فلما تكلمت بما أريد نزع الله من قلب أبي جعفر الخليفة الغيظ ! فلما دخلت أجلسني مجلسه وأمر لي بجائزة ) .

ثم عاود اعتقال الحسنيين.قال الذهبي في تاريخه(9/15): (فلما طال أمر الأخوين على المنصور أمر رياحاً (والي المدينة) بأخذ بني حسن وحبسهم ، فأخذ حسناً وإبراهيم ابني حسن بن حسن ، وحسن بن جعفر بن حسن بن حسن ، وسليمان وعبد الله ابني داود بن حسن بن حسن ، وأخاه علياً العابد ، ثم قيدهم وجهر على المنبر بسب محمد بن عبد الله وأخيه فسبح الناس وعظموا ما قال! فقال رياح: ألصق الله بوجوهكم الهوان، لأكتبن إلى خليفتكم غشكم وقلة نصحكم ! فقالوا: لا سمع منك يا بن المحدودة ! وبادروه يرمونه بالحصى، فنزل واقتحم دار مروان وأغلق الباب فحف بها الناس فرموه وشتموه  .

ثم إن آل حسن حملوا في أقيادهم إلى العراق ، ولما نظر إليهم جعفر الصادق وهم يُخرج بهم من دار مروان جرت دموعه على لحيته ، ثم قال: والله لا تحفظ لله حرمة بعد هؤلاء ، وأخذ معهم أخوهم من أمهم محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ، وهو ابن فاطمة بنت الحسين .

وقال الواقدي: أنا رأيت عبد الله بن حسن وأهل بيته يخرجون من دار مروان ، وهم في الحديد فيجعلون في المحامل عراة ليس تحتهم وطاء ! وأنا يومئذ قد راهقت الإحتلام..وأخذ معهم يومئذ نحو من أربع مائة نفس من جهينة ومزينة وغيرهم ، فأراهم بالربذة ملتفين في الشمس مع عبد الله بن حسن فوافى المنصور الربذة منصرفاً من الحج فسأل المنصور أن يأذن له في الدخول فامتنع ) .

وقد حذف الذهبي منه ما رواه في أنساب الأشراف(3/89): (بعث المنصور عيسى بن علي عمه إلى عبد الله وهو بالربذة فقال له: أذكرك الله في نفسك وأهل بيتك أظهر ابنيك وخذ على أمير المؤمنين ما شئت من عهد وميثاق !

فقال: إني لا أجيب بشيئ إلا أن يأذن لي أمير المؤمنين عليه فأكلمه . فأبي المنصور أن يأذن له عليه وقال: يسحرني بلسانه كما سحر غيري )!

وفي الطبري (6/175 ): ( لما حمل بنو حسن كان محمد وإبراهيم يأتيان معتمين كهيئة الأعراب فيسايران أبا هما ويسائلانه ويستأذناه في الخروج فيقول:لا تعجلا حتى يمكنكما ذلك ويقول: إن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين فلا يمنعكما أن تموتا كريمين ) .

وقتل المنصور حفيد عثمان بن عفان لأنه كان مع بني الحسن (الطبري:6/176) .

وفي مقاتل الطالبيين/150: ( دخل محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان على أبي جعفر ، وعليه قميص وساج وإزار رقيق تحت قميصه ، فلما وقف بين يديه قال: إيهاً يا ديوث ! قال محمد: سبحان الله ، والله لقد عرفتني بغير ذلك صغيراً وكبيراً !

وأمر بشق ثيابه فشق قميصه عن إزاره فأشف عن عورته ! ثم أمر به فضرب خمسين ومائة سوط فبلغت منه كل مبلغ وأبو جعفر يفتري عليه ولا يكنِّي ! فأصاب سوط منها وجهه فقال له: ويحك أكفف عن وجهي فإن له حرمة من رسول الله ! قال فأغري أبو جعفر فقال للجلاد: الرأس الرأس ! قال فضرب على رأسه نحواً من ثلاثين سوطاً ، ثم دعا بساجور من خشب شبيه به في طوله وكان طويلاً ، فشد في عنقه وشدت به يده ثم أخرج به ملبباً ، فلما طلع به من حجرة أبي جعفر وثب إليه مولى له فقال: بأبي أنت وأمي ألا ألوثك بردائي؟ قال: بلى جزيت خيراً ، فوالله لشفوف إزاري أشد عليَّ من الضرب الذي نالني ! فألقى عليه المولى الثوب ومضى به إلى أصحابه المحبسين كأنه زنجي قد غيرت السياط لونه وأسالت دمه وأصاب سوط منها إحدى عينيه فسالت !

ثم لبثنا هنيهة فخرج أبو جعفر في شق محمل معادله الربيع في شقه الأيمن على بغلة شقراء فناداه عبد الله بن الحسن: يا أبا جعفر ، والله ما هكذا فعلنا بأسراكم يوم بدر ! قال: فأخسأه أبو جعفر وتفل عليه ، ومضى ولم يعرِّج ) !

يقصد ما فعلنا بكم هكذا يوم أسرنا أباكم العباس في بدر !

وقتل المنصور منهم شاباً حسنياً موصوفاً بالجَمال ، فبنى عليه أسطوانة !

وقتل الباقين بأنواع من القتل ! قال في مقاتل الطالبيين/153: (يعقوب وإسحاق ومحمداً وإبراهيم بني الحسن قتلوا في الحبس بضروب من القتل ، وإن إبراهيم بن الحسن دفن حياً وطرح على عبد الله بن الحسن بيت ) !

وقال اليعقوبي(2/370): ( فلم يزالوا في الحبس حتى ماتوا ، وقد قيل إنهم وجدوا مسمرين في الحيطان ) .

موسى أخ (المهدي) يروي قصة خروج أخيه وقتله

روى في الكافي(1/343) بعنوان: باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة، تسعة عشر حديثاً مليئة بالفوائد، منها حديث عبد الله بن إبراهيم بن محمد الجعفري قال: (أتينا خديجة بنت عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام نعزيها بابن بنتها ، فوجدنا عندها موسى بن عبد الله بن الحسن ، فإذا هي في ناحية قريباً من النساء فعزيناهم ، ثم أقبلنا عليه..فقال موسى بن عبد الله: والله لأخبرنكم بالعجب ! رأيت أبي رحمه الله لما أخذ في أمر محمد بن عبد الله وأجمع على لقاء أصحابه فقال: لا أجد هذا الأمر يستقيم إلا أن ألقى أبا عبد الله جعفر بن محمد ، فانطلق وهو متكئ عليَّ فانطلقت معه حتى أتينا أبا عبد الله ، فلقيناه خارجاً يريد المسجد فاستوقفه أبي وكلمه فقال له أبو عبد الله عليه السلام : ليس هذا موضع ذلك ، نلتقي إن شاء الله . فرجع أبي مسروراً ثم أقام حتى إذا كان الغد أو بعده بيوم انطلقنا حتى أتيناه فدخل عليه أبي وأنا معه ، فابتدأ الكلام ثم قال له فيما يقول: قد علمت جعلت فداك أن السن لي عليك فإن في قومك من هو أسن منك لكن الله عزّ وجلّ قد قدم لك فضلاً ليس هو لأحد من قومك، وقد جئتك معتمداً لما أعلم من برك. وأعلم فديتك أنك إذا أجبتني لم يتخلف عني أحد من أصحابك ، و لم يختلف علي اثنان من قريش ولا غيرهم. فقال له أبو عبد الله عليه السلام : إنك تجد غيري أطوع لك مني ولا حاجة لك فيَّ ، فوالله إنك لتعلم أني أريد البادية أو أهم بها فأثقل عنها ، وأريد الحج فما أدركه إلا بعد كد وتعب ومشقة على نفسي ، فاطلب غيري وسله ذلك ولا تعلمهم أنك جئتني. فقال له: إن الناس مادُّون أعناقهم إليك وإن أجبتني لم يتخلف عني أحد ولك أن لا تكلف قتالاً ولا مكروهاً . قال: وهجم علينا ناس فدخلوا وقطعوا كلامنا فقال أبي: جعلت فداك ما تقول؟ فقال: نلتقي إن شاء الله ، فقال: أليس على ما أحب ؟ قال: على ما تحب إن شاء الله من إصلاح حالك. ثم انصرف حتى جاء البيت فبعث رسولاً إلى محمد في جبل بجهينة يقال له الأشقر ، على ليلتين من المدينة ، فبشره وأعلمه أنه قد ظفر له بوجه حاجته وما طلب ، ثم عاد بعد ثلاثة أيام فوقفنا بالباب ولم نكن نحجب إذا جئنا فأبطأ الرسول ثم أذن لنا ، فدخلنا عليه فجلست في ناحية الحجرة ودنا أبي إليه فقبل رأسه ثم قال: جعلت فداك قد عدت إليك راجياً مؤملاً قد انبسط رجائي وأملي، ورجوت الدرك لحاجتي .

فقال له أبو عبد الله عليه السلام : يا ابن عم إني أعيذك بالله من التعرض لهذا الأمر الذي أمسيت فيه ، وإني لخائف عليك أن يكسبك شراً! فجرى الكلام بينهما حتى أفضى إلى ما لم يكن يريد ، وكان من قوله: بأي شئ كان الحسين أحق بها من الحسن؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : رحم الله الحسن ورحم الحسين وكيف ذكرت هذا ؟ قال: لأن الحسين كان ينبغي له إذا عدل أن يجعلها في الأسن من ولد الحسن !

فقال أبو عبد الله عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى لما أن أوحى إلى محمد صلى الله عليه وآله أوحى إليه بما شاء ولم يؤامر أحداً من خلقه ، وأمر محمد صلى الله عليه وآله علياً بما شاء ففعل ما أُمر به ، ولسنا نقول فيه إلا ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله من تبجيله وتصديقه ، فلو كان أمر الحسين عليه السلام أن يصيرها في الأسن ، أو ينقلها في ولدهما يعني الوصية لفعل ذلك الحسين ، وما هو بالمتهم عندنا في الذخيرة لنفسه ، ولقد ولى وترك ذلك ، ولكنه مضى لما أمره جدك وعمك ، فإن قلت خيراً فما أولاك به ، وإن قلت هجراً فيغفر الله لك . أطعني يا ابن عم واسمع كلامي فوالله الذي لا إله إلا هو لا آلوك نصحاً وحرصاً  ، فكيف ولا أراك تفعل وما لأمر الله من مردّ ، فسُرَّ أبي عند ذلك .

فقال له أبو عبد الله عليه السلام : والله إنك لتعلم أنه الأحول الأكشف الأخضر المقتول بسدة أشجع بين دورها عند بطن مسيلها ، فقال أبي: ليس هو ذاك ، والله لنجازين باليوم يوماً وبالساعة ساعة وبالسنة سنة ، ولنقومن بثار بني أبي طالب جميعاً .

فقال له أبو عبد الله عليه السلام : يغفر الله لك ما أخوفني أن يكون هذا البيت يلحق صاحبنا: مَنَّتْكَ نفسُك في الخَلاء ضلالاً ! لا والله لايملك أكثر من حيطان المدينة ولا يبلغ عمله الطائف إذا أحفل يعني إذا أجهد نفسه ، وما للأمر من بد أن يقع فاتق الله وارحم نفسك وبني أبيك، فوالله إني لأراه أشأم سلحة أخرجتها أصلاب الرجال إلى أرحام النساء ! والله إنه المقتول بسدة أشجع بين دورها ، والله لكأني به صريعاً مسلوباً بزته بين رجليه لبنة ، ولا ينفع هذا الغلام ما يسمع!

قال موسى بن عبد الله: يعنيني! وليخرجن معه فينهزم ويُقتل صاحبه ، ثم يمضي فيخرج مع راية أخرى فيقتل كبشها ويتفرق جيشها ، فإن أطاعني فليطلب الأمان عند ذلك من بني العباس حتى يأتيه الله بالفرج ! ولقد علمت بأن هذا الأمر لايتم ، وإنك لتعلم ونعلم أن ابنك الأحولُ الأخضرُ الأكشفُ المقتول بسدة أشجع ، بين دورها عند بطن مسيلها !

فقام أبي وهو يقول: بل يغني الله عنك ، ولتعودن أو ليفئ الله بك وبغيرك ، وما أردت بهذا إلا امتناع غيرك ، وأن تكون ذريعتهم إلى ذاك !

فقال أبو عبد الله عليه السلام : الله يعلم ما أريد إلا نصحك ورشدك وما عليَّ إلا الجهد ! فقام أبي يجر ثوبه مغضباً فلحقه أبو عبد الله عليه السلام فقال له: أخبرك أني سمعت عمك وهو خالك يذكر أنك وبني أبيك ستقتلون ، فإن أطعتني ورأيت أن تدفع بالتي هي أحسن فافعل، ووالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الكبير المتعال على خلقه ، لوددت أني فديتك بولدي وبأحبهم إليَّ وبأحب أهل بيتي إليَّ ، ما يعدلك عندي شئ فلا ترى أني غششتك !

فخرج أبي من عنده مغضباً أسفاً ! قال: فما أقمنا بعد ذلك إلا قليلاً عشرين ليلة أو نحوها ، حتى قدمت رسل أبي جعفر فأخذوا أبي وعمومتي سليمان بن حسن ، وحسن بن حسن ، وإبراهيم بن حسن ، وداود بن حسن ، وعلي بن حسن ، وسليمان بن داود بن حسن ، وعلي بن إبراهيم بن حسن ، وحسن بن جعفر بن حسن ، وطباطبا إبراهيم بن إسماعيل بن حسن ، وعبد الله بن داود ، وقال: فصُفِّدوا في الحديد ، ثم حملوا في محامل أعراء لاوطاء فيها ، ووقفوا بالمصلى لكي يشتمهم الناس قال: فكفَّ الناس عنهم ورقُّوا لهم للحال التي هم فيها ، ثم انطلقوا بهم حتى وقفوا عند باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله .

قال عبد الله بن إبراهيم الجعفري: فحدثتنا خديجة بنت عمر بن علي أنهم لما أوقفوا عند باب المسجد ، الباب الذي يقال له باب جبرئيل اطَّلَعَ عليهم أبو عبد الله عليه السلام وعامة ردائه مطروح بالأرض ثم اطلع من باب المسجد فقال: لعنكم الله يا معشر الأنصار ثلاثاً، ما على هذا عاهدتم رسول الله صلى الله عليه وآله ولا بايعتموه، أما والله إن كنت حريصاً ولكني غلبت وليس للقضاء مدفع ، ثم قام وأخذ إحدى نعليه فأدخلها رجله والأخرى في يده وعامة ردائه يجره في الأرض ثم دخل في بيته ، فحُمَّ عشرين ليلة لم يزل يبكي فيها الليل والنهار ، حتى خفنا عليه !

فهذا حديث خديجة . قال الجعفري: وحدثنا موسى بن عبد الله بن الحسن أنه لما طلع بالقوم في المحامل قام أبو عبد الله عليه السلام من المسجد ثم أهوى إلى المحمل الذي فيه عبد الله بن الحسن يريد كلامه ، فمنع أشد المنع وأهوى إليه الحرسي فدفعه وقال: تنح عن هذا فإن الله سيكفيك ويكفي غيرك ثم دخل بهم الزقاق !

ورجع أبو عبد الله عليه السلام إلى منزله فلم يبلغ بهم البقيع حتى ابتلي الحرسي بلاء شديداً ! رمحته ناقته فدقت وركه فمات فيها ، ومضى القوم . فأقمنا بعد ذلك حيناً ثم أتى محمد بن عبد الله بن الحسن فأخبر أن أباه وعمومته قتلوا قتلهم أبو جعفر ، إلا حسن بن جعفر وطباطبا وعلي بن إبراهيم وسليمان بن داود وداود بن حسن وعبد الله بن داود . قال: فظهر محمد بن عبد الله عند ذلك ودعا الناس لبيعته قال: فكنت ثالث ثلاثة بايعوه واستوثق الناس لبيعته ، ولم يختلف عليه قرشي ولا أنصاري ولا عربي قال: وشاور عيسى بن زيد وكان من ثقاته ، وكان على شرطته فشاوره في البعثة إلى وجوه قومه ، فقال له عيسى بن زيد: إن دعوتهم دعاء يسيراً لم يجيبوك أو تُغلظ عليهم فخلني وإياهم .

فقال له محمد: إمض إلى من أردت منهم فقال: إبعث إلى رئيسهم وكبيرهم يعني أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام فإنك إذا أغلظت عليه علموا جميعاً أنك ستمرهم على الطريق التي أمررت عليها أبا عبد الله . قال: فوالله ما لبثنا أن أتيَ بأبي عبد الله عليه السلام حتى أوقف بين يديه فقال له عيسى بن زيد: أسلم تسلم ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : أحَدَثَتْ نبوةٌ بعد محمد صلى الله عليه وآله ؟ فقال له محمد: لا ، ولكن بايع تأمن على نفسك ومالك وولدك ، ولا تكلفن حرباً .

فقال له أبو عبد الله: ما فيَّ حرب ولا قتال ، ولقد تقدمت إلى أبيك وحذرته الذي حاق به ولكن لا ينفع حذر من قدر ، يا ابن أخي عليك بالشباب ودع عنك الشيوخ . فقال له محمد: ما أقرب ما بيني وبينك في السن ، فقال له أبو عبد الله: إني لم أعازَّك ولم أجئ لأتقدم عليك في الذي أنت فيه ، فقال له محمد:لاوالله لا بد من أن تبايع ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : ما فيَّ يا ابن أخي طلب ولا هرب ، وإني لأريد الخروج إلى البادية فيصدني ذلك ويثقل عليَّ حتى يكلمني في ذلك الأهل غير مرة ، وما يمنعني منه إلا الضعف ، والله والرحم أن تدبر عنا ونشقى بك! فقال له: يا أبا عبد الله قد والله مات أبو الدوانيق يعني أبا جعفر! فقال له أبو عبد الله: وما تصنع بي وقد مات ؟ قال: أريد الجَمالَ بك ، قال: ما إلى ما تريد سبيل ، لا والله ما مات أبو الدوانيق ، إلا أن يكون مات موت النوم !

قال: والله لتبايعني طائعاً ، أو مكرهاً ولا تحمد في بيعتك !

فأبى عليه إباءً شديداً فأمر به إلى الحبس ! فقال له عيسى بن زيد: أما إن طرحناه في السجن وقد خرب السجن وليس عليه اليوم غلق خفنا أن يهرب منه . فضحك أبو عبد الله عليه السلام ثم قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أو تراك تسجنني! قال: نعم والذي أكرم محمداً صلى الله عليه وآله بالنبوة لأسجننك ولأشددن عليك !

فقال عيسى بن زيد: إحبسوه في المخبأ ، وذلك دار ريطة اليوم ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : أما والله إني سأقول ثم أصدق ، فقال له عيسى بن زيد: لوتكلمت لكسرت فمك! فقال له أبو عبد الله عليه السلام : أما والله يا أكشف يا أزرق ، لكأني بك تطلب لنفسك جُحْراً تدخل فيه ! وما أنت في المذكورين عند اللقاء ! وإني لأظنك إذا صُفَّق خلفك طرت مثل الهيق (العجل) النافر ، فنفر عليه محمد بانتهار: إحبسه وشدد عليه وأغلظ عليه. فقال له أبو عبد الله عليه السلام : أما والله لكأني بك خارجاً من سدة أشجع إلى بطن الوادي وقد حمل عليك فارس معلم ، في يده طرادة نصفها أبيض ونصفها أسود ، على فرس كميت أقرح فطعنك فلم يصنع فيك شيئاً ، وضربت خيشوم فرسه فطرحته وحمل عليك آخر خارج من زقاق آل أبي عمار الدئليين ، عليه غديرتان مضفورتان قد خرجتا من تحت بيضته كثير شعر الشاربين ، فهو والله صاحبك فلا رحم الله رمته !

فقال له محمد: يا أبا عبد الله حَسَبْتَ فأخطأت! وقام إليه السراقي ابن سلخ الحوت فدفع في ظهره حتى أدخل السجن ! واصطفى ما كان له من مال وما كان لقومه ممن لم يخرج مع محمد !

قال: فطلع بإسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهو شيخ كبير ضعيف قد ذهبت إحدى عينيه وذهبت رجلاه وهو يحمل حملاً ، فدعاه إلى البيعة فقال له: يا ابن أخي إني شيخ كبير ضعيف ، وأنا إلى برِّك وعونك أحوج !فقال له: لا بد من أن تبايع ، فقال له: وأي شئ تنتفع ببيعتي ، والله إني لأضيِّق عليك مكان إسم رجل إن كتبته ! قال: لا بد لك أن تفعل ، فأغلظ عليه في القول فقال له إسماعيل: أدع لي جعفر بن محمد فلعلنا نبايع جميعاً. قال: فدعا جعفراً عليه السلام فقال له إسماعيل: جعلت فداك إن رأيت أن تبين له فافعل لعل الله يكفه عنا ، قال: قد أجمعتُ ألا أكلمه فَلْيَرَ فيَّ رأيه ! فقال إسماعيل لأبي عبد الله عليه السلام : أنشدك الله هل تذكر يوماً أتيت أباك محمد بن علي عليه السلام وعليَّ حلتان صفراوان فأدام النظر إليَّ ثم بكى ، فقلت له: ما يبكيك ؟ فقال لي: يبكيني أنك تقتل عند كبر سنك ضياعاً ، لا ينتطح في دمك عنزان ! قال فقلت: متى ذاك ؟ قال: إذا دعيت إلى الباطل فأبيته ، وإذا نظرت إلى أحول مشوم قومه ينتمي من آل الحسن على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله يدعو إلى نفسه قد تسمى بغير اسمه ، فأحدث عهدك واكتب وصيتك فإنك مقتول من يومك أو من غد؟ فقال له أبو عبد الله عليه السلام : نعم وهذا ورب الكعبة لا يصوم من شهر رمضان إلا أقله ، فأستودعك الله يا أبا الحسن، وأعظم الله أجرنا فيك ، وأحسن الخلاقة على من خلفت ، وإنا لله وإنا إليه راجعون !

قال: ثم احْتُمِل إسماعيلُ ورُدَّ جعفر إلى الحبس. قال: فوالله ما أمسينا حتى دخل عليه بنو أخيه بنو معاوية بن عبد الله بن جعفر فتوطؤوه حتى قتلوه ! وبعث محمد بن عبد الله إلى جعفر عليه السلام فخلى سبيله !

قال: وأقمنا بعد ذلك حتى استهللنا شهر رمضان فبلغنا خروج عيسى بن موسى يريد المدينة قال: فتقدم محمد بن عبد الله على مقدمته يزيد بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، وكان على مقدمة عيسى بن موسى ولد الحسن بن زيد بن الحسن بن الحسن وقاسم ومحمد بن زيد وعلي وإبراهيم بنو الحسن بن زيد ، فهزم يزيد بن معاوية وقدم عيسى بن موسى المدينة وصار القتال بالمدينة فنزل بذباب .

ودخلت علينا المسودة من خلفنا وخرج محمد في أصحابه ، حتى بلغ السوق فأوصلهم ومضى ، ثم تبعهم حتى انتهى إلى مسجد الخوامين ، فنظر إلى ما هناك فضاء ليس مسود ولا مبيض ، فاستقدم حتى انتهى إلى شعب فزارة ، ثم دخل هذيل ثم مضى إلى أشجع ، فخرج إليه الفارس الذي قال أبو عبد الله عليه السلام من خلفه من سكة هذيل فطعنه فلم يصنع فيه شيئاً ، وحمل على الفارس وضرب خيشوم فرسه بالسيف فطعنه الفارس فأنفذه في الدرع وانثنى عليه محمد فضربه فأثخنه ، وخرج إليه حميد بن قحطبة وهو مدبر على الفارس يضربه من زقاق العماريين ، فطعنه طعنة أنفذ السنان فيه فكسر الرمح وحمل على حميد ، فطعنه حميد بزج الرمح فصرعه ، ثم نزل فضربه حتى أثخنه وقتله وأخذ رأسه ، ودخل الجند من كل جانب وأخذت المدينة ، وأجلينا هرباً في البلاد .

قال موسى بن عبد الله: فانطلقت حتى لحقت بإبراهيم بن عبد الله ، فوجدت عيسى بن زيد مكمناً عنده فأخبرته بسوء تدبيره وخرجنا معه حتى أصيب .

ثم مضيت مع ابن أخي الأشتر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن حسن حتى أصيب بالسند ، ثم رجعت شريداً طريداً تضيق عليَّ البلاد ، فلما ضاقت علي الأرض واشتد الخوف ، ذكرت ما قال أبو عبد الله عليه السلام فجئت إلى المهدي وقد حج وهو يخطب الناس في ظل الكعبة ، فما شعر إلا وأني قد قمت من تحت المنبر فقلت: لي الأمان يا أمير المؤمنين وأدلك على نصيحة لك عندي؟ فقال: نعم ، ما هي؟قلت: أدلك على موسى بن عبد الله بن حسن ، فقال: نعم لك الأمان فقلت له: أعطني ما أثق به ، فأخذت منه عهوداً ومواثيق ووثقت لنفسي ثم قلت: أنا موسى بن عبد الله ، فقال لي: إذاً تكرم وتحبى! فقلت له: أقطعني إلى بعض أهل بيتك يقوم بأمري عنده . فقال: أنظر إلى من أردت فقلت: عمك العباس بن محمد ، فقال العباس: لا حاجة لي فيك ! فقلت: ولكن لي فيك الحاجة أسألك بحق أمير المؤمنين إلا قبلتني فقبلني شاء أو أبى ، وقال لي المهدي: من يعرفك وحوله أصحابنا أو أكثرهم فقلت: هذا الحسن بن زيد يعرفني ، وهذا موسى بن جعفر يعرفني ، وهذا الحسن بن عبيد الله بن عباس يعرفني . فقالوا: نعم يا أمير المؤمنين كأنه لم يغب عنا ! ثم قلت للمهدي: يا أمير المؤمنين لقد أخبرني بهذا المقام أبو هذا الرجل ، وأشرت إلى موسى بن جعفر عليه السلام . قال موسى بن عبد الله: وكذبت على جعفر كذبة فقلت له: وأمرني أن أقرئك السلام وقال: إنه إمام عدل وسخي ، قال: فأمر لموسى بن جعفر عليه السلام بخمسة آلاف دينار ، فأمر لي موسى عليه السلام منها بألفي دينار ، ووصل عامة أصحابه ووصلني فأحسن صلتي !

فحيث ما ذكر وُلد محمد بن علي بن الحسين فقولوا:صلى الله عليهم وملائكته وحملة عرشه والكرام الكاتبون ، وخصوا أبا عبد الله عليه السلام بأطيب ذلك ، وجزى موسى بن جعفر عني خيراً فأنا والله مولاهم بعد الله) وروى بعضه الطبري:6/188.

ثم بايع أهل البصرة إبراهيم فتوجه ليحتل الكوفة ويقتل المنصور

في تذكرة ابن حمدون/494، وسمط النجوم(4/177): ( أرسله أخوه محمد النفس الزكية إليها ، فاستولى عليها فبلغه الخبر بمقتل أخيه يوم العيد غرة شهر شوال ، سنة 45 1، فخطب الناس ونعاه إليهم ، وأنشد:

سأبكيـك بالبيـض الصفـاح وبالقنا
فـإنَّ بها ما يدرك الطالب الوتـرا
ولسـت كمـن يبـكي أخـاه بعبـرة
يُعَصّـِرها من ماء مقلتــه عصـرا
ولكن أروي النفس مني بغارة
تَلَهَّـبُ في قصـريْ كتاتيبها جمـرا
وإنا أناسٌ لا تفيض دموعنا
على هالـك منـا وان قصم الظهرا

فبايعوه واستولى على واسط والأهواز وما والاها من بلاد فارس ونهض لقتال المنصور).

قريب الكوفة جاء إبراهيم سهم فقُتل وانهزم جيشه وانتصر المنصور

وفهم ابراهيم أن السهم الذي أصابه رسالة ! قال الطبري(6/232): (قال أبو صلابة إني لأنظر إليه واقفاً على دابة ينظر إلى أصحاب عيسى قد ولوا ومنحوه أكتافهم ونكص عيسى بدابته القهقرى وأصحابه يقتلونهم وعليه قباء زرد فآذاه الحر فحل أزرار قبائه فشال الزرد حتى سال عن ثدييه وحسر عن لبته فأتته نشابة عائرة فأصابته في لبته فرأيته اعتنق فرسه وكر راجعاً وأطافت به الزيدية وقال أنزلوني فأنزلوه عن مركبه وهو يقول: وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَرًا مَقْدُورًا . أردنا أمراً وأراد الله غيره ! فأنزل إلى الأرض وهو مثخن واجتمع عليه أصحابه وخاصته يحمونه ويقاتلون دونه ، ورأى حميد بن قحطبة اجتماعهم فأنكرهم فقال لأصحابه شدوا على تلك الجماعة حتى تزيلوهم عن موضعهم وتعلموا ما اجتمعوا عليه ، فشدوا عليهم فقاتلوهم أشد القتال حتى أفرجوهم عن إبراهيم وخلصوا إليه ، فحزوا رأسه فأتوا به عيسى بن موسى فأراه ابن أبي الكرام الجعفري فقال: نعم هذا رأسه فنزل عيسى إلى الأرض فسجد ، وبعث برأسه إلى أبي جعفر المنصور وكان قتله يوم الاثنين لخمس ليال بقين من ذي القعدة سنة 145، وكان يوم قتل ابن ثمان وأربعين سنة ومكث منذ خرج إلى أن قتل ثلاثة أشهر إلا خمسة أيام ). وفيه يقول دعبل:

وقبر بأرض الجوزجان محله
وقبر بباخمرا لدى الغربات

(معجم البلدان:1/316).

أقول: كان الإمام الصادق أخبره بهذا السهم ، ولما أصابه عرف أنها مقاديرالله تعالى وأن الله عزّ وجلّ لا يريد للإمام الحسن عليه السلام أن يبتلي أبناؤه بما ابتلي به بنو أمية وبنو العباس !

قبض المنصور على بقية الحسنيين وعذبهم بوحشية !

نعيد ما تقدم من مقاتل الطالبيين/150: (عن محمد بن هاشم بن البريد مولى معاوية قال: كنت بالربذة فأتي ببني الحسن مغلولين معهم العثماني كأنه خُلق من فضة ، فأقعدوا فلم يلبثوا أن خرج رجل من عند أبي جعفر المنصور فقال: أين محمد بن عبد الله العثماني؟ فقام فدخل فلم نلبث أن سمعنا وقع السياط . قال: فأخرج كأنه زنجي قد غيرت السياط لونه وأسالت دمه وأصاب سوط منها إحدى عينيه فسالت وأقعد إلى جنب أخيه عبد الله بن الحسن فعطش فاستسقى، فقال عبد الله بن الحسن: من يسقي ابن رسول الله صلى الله عليه وآله ماء ؟ فتحاماه الناس وجاءه خراساني بماء فسلمه إليه فشرب ، ثم لبث هنيهة فخرج أبو جعفر في محمل والربيع معادله . فقال عبد الله بن الحسن: يا أبا جعفر والله ما هكذا فعلنا بأسراكم يوم بدر . فأخسأه أبو جعفر وتقل عليه ومضى ولم يعرج) .

( حبس من بني حسن ثلاثة عشر رجلاً ، وحبس معهم العثماني وابنان له ، في قصر ابن هبيرة ، وكان في شرقي الكوفة مما يلي بغداد فكان أول من مات منهم إبراهيم بن حسن ، ثم عبد الله بن حسن ) . ( الطبري: 6 / 179 ) .

ثم نقل الحسنيين من سجن المدينة إلى الهاشميات في العراق: ( لم يزل بنو حسن محبوسين عند رياح حتى حج أبو جعفر سنة 144 فتلقاه رياح بالربذة فرده إلى المدينة ، وأمره بإشخاص بني حسن إليه ) . ( الطبري: 6 / 173 ) .

وقتل منهم شاباً حسنياً موصوفاً بالجَمال فبنى عليه أسطوانة ! وقتل الباقين بأنواع من القتل !

قال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين/153: (يعقوب وإسحاق ومحمداً وإبراهيم بني الحسن قتلوا في الحبس بضروب من القتل ، وإن إبراهيم بن الحسن دفن حياً وطرح على عبد الله بن الحسن بيت ) !

وقال اليعقوبي(2/370): ( فلم يزالوا في الحبس حتى ماتوا ، وقد قيل إنهم وجدوا مسمرين في الحيطان ) .

تعاطف الإمام الصادق عليه السلام مع الحسنيين

( ثم إن آل حسن حملوا في أقيادهم إلى العراق ، ولما نظر إليهم جعفر الصادق وهم يخرج بهم من دار مروان جرت دموعه على لحيته ، ثم قال: والله لا تحفظ لله حرمة بعد هؤلاء ، وأخذ معهم أخوهم من أمهم محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان وهو ابن فاطمة بنت الحسين . وقال الواقدي: أنا رأيت عبد الله بن حسن وأهل بيته يخرجون من دار مروان ، وهم في الحديد فيجعلون في المحامل عراة ليس تحتهم وطاء ! وأنا يومئذ قد راهقت الاحتلام... وأخذ معهم يومئذ نحو من أربع مائة نفس من جهينة ومزينة وغيرهم ، فأراهم بالربذة ملتفين في الشمس ، وسجنت مع عبد الله بن حسن فوافى المنصور الربذة منصرفاً من الحج فسأل المنصور أن يأذن له في الدخول فامتنع ) . ( تاريخ الذهبي: 9/15).

في مقاتل الطالبيين/148: ( إني لواقف بين القبر والمنبر إذ رأيت بني الحسن يخرج بهم من دار مروان مع أبي الأزهر يراد بهم الربذة فأرسل إلي جعفر بن محمد فقال: ما وراءك ؟ قلت: رأيت بني الحسن يخرج بهم في محامل . فقال: أجلس فجلست قال: فدعا غلاماً له ثم دعا ربه كثيراً ثم قال لغلامه: إذهب فإذا حملوا فأت فأخبرني . قال: فأتاه الرسول فقال: قد أقبل بهم . فقام جعفر فوقف وراء ستر شعر ابيض من ورائه فطلع بعبد الله بن الحسن وإبراهيم بن الحسن وجميع أهلهم كل واحد منهم معاد له مسود فلما نظر إليهم جعفر بن محمد هملت عيناه حتى جرت دموعه على لحيته ثم أقبل علي فقال: يا أبا عبد الله ، والله لا تحفظ لله حرمة بعد هذا ، والله ما وفت الأنصار ولا أبناء الأنصار لرسول الله « صلى الله عليه وآله » بما أعطوه من البيعة على العقبة...على أن تمنعوا رسول الله وذريته مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم . قال: فوالله ما وفوا له حتى خرج من بين أظهرهم ثم لا أحد يمنع يد لامس ! اللهم فاشدد وطأتك على الأنصار ) .

واعتقل العباسيون عبد الله بن الحسن وجماعته ، وعندما قُتل ولداه محمد وإبراهيم كتب له الإمام عليه السلام رسالة تعزية رواها ابن طاووس في الإقبال(3 /82) جاء فيها: (بسم الرحمن الرحيم . إلى الخلف الصالح والذرية الطيبة من ولد أخيه وابن عمه ، أما بعد فلئن كنتَ تفردتَ أنت وأهل بيتك ممن حمل معك بما أصابكم ، ما انفردت بالحزن والغبطة والكآبة وأليم وجل القلب دوني ، فلقد نالني من ذلك من الجزع والقلق وحر المصيبة مثلما نالك ، ولكن رجعت إلى ما أمر الله جل جلاله به المتقين من الصبر وحسن العزاء حين يقول لنبيه صلى الله عليه وآله : وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا . وحين يقول: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ... وذكرت الرواية آيات عديدة وتابعت: واعلم أي عم وابن عم أن الله جل جلاله لم يبال بضر الدنيا لوليه ساعة قط ، ولا شئ أحب إليه من الضر والجهد والأذى مع الصبر ، وأنه تبارك وتعالى لم يبال بنعيم الدنيا لعدوه ساعة قط ، ولولا ذلك ما كان أعداؤه يقتلون أولياءه ويخيفونهم ويمنعونهم ، وأعداؤه آمنون مطمئنون عالون ظاهرون . ولولا ذلك ما قتل زكريا ويحيى ، ظلماً وعدواناً في بغي من البغايا . ولولا ذلك ما قتل جدك علي بن أبي طالب عليه السلام لمَّا قام بأمر الله جل وعز ظلماً ، وعمك الحسين بن فاطمة صلى الله عليهما اضطهاداً وعدواناً.ولولا ذلك ما قال الله عزّ وجلّ في كتابه:وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ولولا ذلك لما قال في كتابه: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ، نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ... فعليكم يا عم وابن عم وبني عمومتي وإخوتي ، بالصبر والرضا والتسليم والتفويض إلى الله جل وعز ، والرضا والصبر على قضائه والتمسك بطاعته والنزول عند أمره . أفرغ الله علينا وعليكم الصبر ، وختم لنا ولكم بالأجر والسعادة ، وأنقذكم وإيانا من كل هلكة ، بحوله وقوته إنه سميع قريب ، وصلى الله على صفوته من خلقه محمد النبي وأهل بيته ) .

رجال شجعان وقفوا في وجه المنصور

ففي تاريخ الطبري(6/228 و 229) أن المنصور قال لمحمد بن عثمان بن خالد الزبيري: (هيهْ يا عثمان! أنت الخارج على أمير المؤمنين والمعين عليه ! قال: بايعت أنا وأنت رجلاً بمكة فوفيتُ ببيعتي وغدرتَ بيعتك! قال: أين المال الذي عندك؟ قال: دفعته إلى أمير المؤمنين ! قال: ومن أمير المؤمنين؟ قال محمد بن عبد الله! قال: أبايعته؟ قال: نعم كما بايعتَه [أنت] ! قال يا ابن اللخناء! قال: ذاك من قامت عنه الإماء [يقصد المنصور] ! قال: إضرب عنقه . قال فأمر فضربت عنقه ) .

وكثيرمن الفقهاء بايعوا مهدي الحسنيين،قال الذهبي في تاريخه(9/23)والطبري(6/188): (إن مالكاً استفتيَ في الخروج مع محمد وقيل له: إن في أعناقنا بيعة للمنصورفقال: إنما بايعتم مكرهين وليس على مكره يمين! فأسرع الناس إلى محمد ولزم مالك بيته..واختفى جعفر الصادق وذهب إلى ماله بالفرع معتزلاً الفتنة..).

وفي الطبري( 6/211): ( أتيَ باابن هرمز إلى عيسى بعدما قتل محمد فقال: أيها الشيخ أمَا وَزَعَك فقهك عن الخروج مع من خرج ! قال: كانت فتنة شملت الناس فشملتنا فيهم ! قال: إذهب راشداً ).

كان الأئمة عليهم السلام يرون أن الحسنيين في الحكم كالعباسيين

إن لم يكونوا أسوأ منهم ! وقد أخبر الإمام الصادق عليه السلام أن المنصور الذي كان يأخذ بركاب محمد سيقتله ويقتل أخاه !

ففي رجال الطوسي(2 /473): ( عن أبي غيلان قال: أتيت الفضيل بن يسار فأخبرته أن محمداً وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن قد خرجا فقال لي: ليس أمرهما بشئ قال: فصنعت ذلك مراراً ، كل ذلك يرد علي مثل هذا الرد . قال قلت: رحمك الله قد أتيتك غير مرة أخبرك فتقول ليس أمرهما بشئ أفبرأيك تقول هذا ؟ قال فقال: لا والله ، ولكن سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن خرجا قتلا ) .

وفي تاريخ الطبري (6/ 223): ( حدثتني أمي أم حسين بنت عبد الله بن محمد بن علي بن حسين قالت: قلت لعمي جعفر بن محمد: إني فديتك ما أمْر محمد بن عبد الله ؟ قال: فتنة يقتل فيها محمد عند بيت رومي، ويقتل أخوه لأبيه وأمه بالعراق وحوافر فرسه في ماء ). .

وممن اقتدى بالإمام الصادق عليه السلام سليمان بن الأعمش ولذلك نجا من فخ المنصور وقد زوَّرَ المنصور كتاباً للأعمش(الطبري:6/203): ( على لسان محمد يدعوه إلى نصرته ، فلما قرأه قال: قد خبرناكم يا بني هاشم فإذا أنتم تحبون الثريد ، فلما رجع الرسول إلى المنصور فأخبره ، قال: أشهد أن هذا كلام الأعمش ) !

خسر عبد الله وابناه فرصاً مهمة لضعف قيادتهم

حج إبراهيم بن محمد ومعه قحطبة سنة 129، فطلب من عبد الله بن الحسن أن يذهب هو أو يرسل ولده محمداً ليبايعوا له في خراسان!( تاريخ الدولة العباسية /387)

وقد أخطأ عبد الله إذ لم يرسل ابنه إلى خراسان إلى جنب أبي مسلم ، أو موازياً له .

كما لم يستفد الحسنيون جيداً من الزيدية وهو مقاتلون مميزون .

ولم يستخلف إبراهيم أحداً بعده ، ولو فعل لدخل خليفته الكوفة وانتصر لأن المنصور كان يتحضر للهرب !كما أخطؤوا برد عرض المنصور بالأمان والإكرام .وبرأينا أخطؤوا حيث لم يسمعوا نصيحة الإمام الصادق عليه السلام .

موقف الإمام الباقر والصادق عليهما السلام من العباسيين

أخبر الإمامان الباقر والصادق عليهما السلام بدولة العباسيين، وأن حكمهم عسر لايسرفيه !

وقد بحثنا هنا موقف الإمام الباقر عليه السلام من ابن عباس، وبينوا أن حقيقة علمه العمل بالرأي والظن ، وقد أدان الأئمة عليهم السلام كل من يعمل في الدين بالرأي !

وقد كتبنا بحثاً شاملاً بعنوان: العباسيون وأهل البيت عليهم السلام فلا نعيده هنا. ونكتفي بإعادة الرواية الصحيحة السند عن الإمام الباقر عليه السلام (الكافي:8/210) عن أبي بصير قال: (كنت مع أبي جعفر عليه السلام جالساً في المسجد إذ أقبل داود بن علي وسليمان بن خالد وأبو جعفر عبد الله بن محمد أبو الدوانيق ، فقعدوا ناحية من المسجد فقيل لهم: هذا محمد بن علي جالس ، فقام إليه داود بن علي وسليمان بن خالد ، وقعد أبو الدوانيق مكانه حتى سلموا على أبي جعفر فقال لهم أبو جعفر: ما منع جباركم من أن يأتيني؟ فعذروه عنده ، فقال: أما والله لا تذهب الليالي والأيام حتى يملك ما بين قطريها ، ثم ليطأن الرجال عقبه ، ثم لتذلن له رقاب الرجال ، ثم ليملكن ملكا شديدا ! فقال له داود بن علي: وإن ملكنا قبل ملككم ؟ قال: نعم يا داود إن ملككم قبل ملكنا وسلطانكم قبل سلطاننا . فقال له داود: أصلحك الله ، فهل له من مدة ؟ فقال: نعم يا داود والله لا يملك بنو أمية يوماً إلا ملكتم مثليه ، ولا سنة إلا ملكتم مثليها ، وليتلقفها الصبيان منكم كما تلقف الصبيان الكرة !

فقام داود بن علي من عند أبي جعفر فرحاً ، يريد أن يخبر أبا الدوانيق بذلك ، فلما نهضا جميعا هو وسليمان بن خالد ، ناداه أبو جعفر من خلفه: يا سليمان بن خالد: لا يزال القوم في فسحة من ملكهم ما لم يصيبوا منا دماً حراماً ، وأومأ بيده إلى صدره ، فإذا أصابوا ذلك الدم فبطن الأرض خير لهم من ظهرها، فيومئذ لا يكون لهم في الأرض ناصر ولا في السماء عاذر ، ثم انطلق سليمان بن خالد فأخبر أبا الدوانيق . فجاء أبو الدوانيق إلى أبي جعفر فسلم عليه ، ثم أخبره بما قال له داود بن علي وسليمان بن خالد ، فقال له: نعم يا أبا جعفر دولتكم قبل دولتنا وسلطانكم قبل سلطاننا ، سلطانكم شديد عسر لا يسر فيه ، وله مدة طويلة والله لا يملك بنو أمية يوماً إلا ملكتم مثليه ولا سنة إلا ملكتم مثليها ، ليتلقفها صبيان منكم فضلاً عن رجالكم كما يتلقف الصبيان الكرة ! أفهمت ! ثم قال عليه السلام : لا تزالون في عنفوان الملك ترغدون فيه ما لم تصيبوا منا دماً حراماً ، فإذا أصبتم ذلك الدم غضب الله عزّ وجلّ عليكم فذهب بملككم وسلطانكم وذهب بريحكم ، وسلط الله عزّ وجلّ عليكم عبداً من عبيده أعور وليس بأعور ، من آل أبي سفيان يكون استيصالكم على يديه وأيدي أصحابه . ثم قطع الكلام)!

وفي دلائل الإمامة للطبري/219، بسند صحيح عن الأعمش رحمه الله قال: (قال لي المنصور: كنت هارباً من بني أمية أنا وأخي أبو العباس ، فمررنا بمسجد المدينة ومحمد بن علي الباقر جالس ، فقال لرجل إلى جانبه: كأني بهذا الأمر وقد صار إلى هذين ! فأتى الرجل فبشرنا به فملنا إليه وقلنا: يا بن رسول الله ما الذي قلت؟ فقال: هذا الأمر صائر إليكم عن قريب ولكنكم تسيئون إلى ذريتي وعترتي فالويل لكم عن قريب ! فما مضت الأيام حتى ملك أخي وملكتها ).

وفرح العباسيون بخبر الإمام الباقر عليه السلام بأنهم سيحكمون ! ولذلك كان المنصور يذكر الإمام الباقر عليه السلام بإجلال ، ليقينه بأن ما يقوله من علم النبوة الذي ورثوه !

فقد روى في الكافي(8/209) عن سيف بن عميرة قال: (كنت عند أبي الدوانيق فسمعته يقول ابتداء من نفسه:يا سيف بن عميرة: لابد من مناد ينادي باسم رجل من ولد أبي طالب ! قلت: يرويه أحد من الناس ؟ قال: والذي نفسي بيده لسمعت أذني منه يقول: لا بد من مناد ينادي باسم رجل. قلت: يا أمير المؤمنين إن هذا الحديث ما سمعت بمثله قط ! فقال لي: يا سيف إذا كان ذلك فنحن أول من يجيبه ، أما إنه أحد بني عمنا! قلت: أي بني عمكم؟ قال:رجل من ولد فاطمة عليها السلام . ثم قال: يا سيف لولا أني سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقوله ثم حدثني به أهل الأرض ما قبلته منهم ولكنه محمد بن علي)!

الفصل السادس عشر

الخليل بن أحمد الفراهيدي

الخليل بن أحمد أعظم علماء اللغة العربية

والخليل الفراهيدي أول من أحصى اللغة العربية مستعملها ومهملها في كتابه (العين) وهو مبتكر علم العروض ، وروي أنه أخذه من تلميذ للإمام الباقر عليه السلام وأن ماعنده خرج من بيت علي عليه السلام . وروى فلسفة الحج عن الإمام الصادق عليه السلام .

ونسبته الى فراهيد بطن من قبيلة الأزد العمانية أو اليمانية . (لسان العرب:3/335 ، وتهذيب اللغة للأزهري:6/280، والمزهر للسيوطي:2/379) أو الى محلة في البصرة . (ثقات ابن حبان:8/229) ولعلها محلة الفراهيد الأزديين .

(قال الأصمعي: سأَلْتُ الخَلِيلَ بنَ أَحمدَ: مِمّن هو؟ فقال: من أَزْدِ عُمَانَ من فراهيد . قلت: وما فَرَاهِيدُ ؟ قال: جَرْوُ الأَسد بلُغَة عُمَانَ) .

(تاج العروس:8/494 ، ونحوه نور القبس للمرزباني/20) .

لكن الصفدي قال في الوافي:13/241: (وعلماء الفرس تدعي مشاركتهم في هذه الفضيلة.. ومن الفرس كان أصله لأنه من فراهيد اليمن ، وكانوا من بقايا أولاد الفرس الذين فتحوا بلاد اليمن لكسرى وكان جد الخليل من أولئك ).

وذكر الزبيدي في تاج العروس(13/534) أن جَنْكُ إسم جَدِّ الخليل بن أَحمد وقال: (وهو من محدثي سجستان ، قاله الصاغاني . قلت: وكنيته أبو سعيد).

وقال المرزباني في نور القبس/20: ( وكان من أهل عمان من قرية من قراها ، ثم انتقل إلى البصرة ، وكان من أزهد الناس وأعلاهم نفساً . وكان يعيش من بستان له بالخريبة خلفه له أبوه... وقال: قدمت من عمان ورأيي رأي الصفرية ، فجلست إلى أيوب بن أبي تميمة السختياني فلزمته ، فنفعني الله به .

قال يونس: قلت للخليل: مابال أصحاب رسول الله (ص) كأنهم بنو أم واحدة وعليّ بن أبي طالب عليه السلام كأنه ابن عَلَّة؟ فقال: من أين لك هذا السؤال؟ قلت: أريد أن تجيبني ! فقال: على أن تكتم عليَّ مادمت حياً ! قلت: أجل ، فقال: تقدمهم إسلاماً ، وبذهم شرفاً ، وفاقهم علماً ، ورجحهم حلماً ، وكاثرهم زهداً ، وأنجدهم شجاعة فحسدوه ! والناس إلى أمثالهم وأشكالهم أميل منهم إلى من فاقهم وكثرهم ورجحهم ) ! ثم روى المرزباني مجموعة من أقواله وشعره .

وقال ياقوت في معجم الأدباء(3/300): ( وكان سفيان الثوري يقول: من أحب أن ينظر إلى رجل خلق من الذهب والمسك ، فلينظر إلى الخليل بن أحمد !

ويروى عن النضر بن شميل أنه قال: ما رأيت رجلاً أعلم بالسنة بعد ابن عون من الخليل بن أحمد.. أكلت الدنيا بعلم الخليل وكتبه ، وهو في خص لا يشعر به). أي كان ابن شميل وغيره يأخذون كتبه ويبيعونها الى الخليفة والوزراء !

أقول: يتضح بهذا أن الخليل كان شيعياً يكتم تشيعه ، وكان يروي عن أيوب السختياني وسفيان الثوري اللذين يميلان الى الإمام الصادق عليه السلام وكانا يعيشان في البصرة ، وقد روى الخليل عن سفيان عن الإمام الصادق عليه السلام حديث فلسفة الحج ففي تهذيب الكمال(5/93) قال الخليل: (سمعت سفيان بن سعيد الثوري يقول: قدمت إلى مكة فإذا أنا بأبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام قد أناخ بالأبطح فقلت: يا ابن رسول الله لم جعل الموقف من وراء الحرم ، ولم يصير في المشعر الحرام؟ فقال: الكعبة بيت الله عزّ وجلّ والحرم حجابه والموقف بابه ، فلما قصده الوافدون أوقفهم بالباب يتضرعون ، فلما أذن لهم بالدخول أدناهم من الباب الثاني وهو المزدلفة ، فلما نظر إلى كثرة تضرعهم وطول اجتهادهم رحمهم ، فلما رحمهم أمرهم بتقريب قربانهم ، فلما قربوا قربانهم وقضوا تفثهم وتطهروا من الذنوب التي كانت حجاباً بينه وبينهم ، أمرهم بزيارة بيته على طهارة منهم ، قال: فقال له: فلما كره الصوم أيام التشريق؟ فقال: إن القوم في ضيافة الله عزّ وجلّ ولا يجب على الضيف أن يصوم عند من أضافه . قال قلت: جعلت فداك فما بال الناس يتعلقون بأستار الكعبة وهي خرق لا تنفع شيئاً؟ فقال: ذلك مثل رجل بينه وبين رجل جرم ، فهو يتعلق به ويطوف حوله رجاء أن يهب له ذلك الجرم) .

والذهبي في سيره:6/264، وتاريخه:9/92 . والبيهقي مختصراً في فضائل الأوقات/408 ، عن علي عليه السلام ،والشعراني في العهود المحمدية/238، والمنذري في الترغيب:2/133.بينما نسب شبيهه في شعب الإيمان:3/469 الى ذي النون المصري، وابن عساكر:6/352 .

ومعناه أن الخليل كان يأخذ علم أئمة أهل البيت عليهم السلام من تلاميذهم . وقد روي أنه أخذ أصول علمه من الإمام الصادق أو أبيه صلى الله عليه وآله وبنى عليها في البصرة علم العروض واللغة ، كما أخذ أبو الأسود الدؤلي رحمه الله أصول علم النحو من أمير المؤمنين عليه السلام وبنى عليها في البصرة .

روى في مناقب آل أبي طالب(1/326) عن تاريخ البلاذري أن علم العروض خرج من دار علي عليه السلام قال: (ومنهم العروضيون ومن داره خرجت العروض ، روي أن الخليل بن أحمد أخذ رسم العروض عن رجل من أصحاب محمد الباقر أو علي بن الحسين فوضع لذلك أصولاً).

ورواه في شرح إحقاق الحق:12/169 ، عن الحافظ أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي في كتابه: الزينة في الكلمات الإسلامية العربية/80 ، طبعة القاهرة .

وروت مصادر الجميع أن أبا الأسود الدؤلي رحمه الله أول من وضع علم العربية بتوجيه أمير المؤمنين عليه السلام (مثلاً تاريخ دمشق:25/194) ، وأكمله الخليل رحمه الله فوضع تشكيل الحروف من المد والتشديد والفتحة الكسرة والضمة والسكون والتنوين والروْم والإشمام. (الإتقان للسيوطي:2/171، والبحار:40/161، القرآن للطباطبائي/155).

توثيق علمائنا للخليل بن أحمد رحمه الله

قال العلامة في خلاصة الأقول/140: ( كان أفضل الناس في الأدب وقوله حجة فيه ، واخترع علم العروض وفضله أشهر من أن يذكر ، وكان إمامي المذهب) .

وعده في أعيان الشيعة (6/337) وكذا في الذريعة (2/325) وذكر له كتاب الإمامة.. تممه أبو الفتح محمد بن جعفر المراغي المتوفى سنة371 ).

وقال في جواهر الكلام (7/221) في معنى العشي والإبكار: (ومنهم الخليل بن أحمد في كتاب العين ، الذي هو الأصل في اللغة ، وعليه المعول والمرجع).

كتاب العين

قال الصفدي في وفيات الأعيان:2/244: (وهو الذي استنبط علم العروض وأخرجه إلى الوجود وحصر أقسامه في خمس دوائر ، يستخرج منها خمسة عشر بحراً ، ثم زاد فيه الأخفش بحراً آخر وسماه الخبب).

وقال ابن النديم في الفهرست/48: (أصله من الأزد من فراهيد.. وكان غاية في استخراج مسائل النحو وتصحيح القياس. وهو أول من استخرج العروض وخص به أشعار العرب . وكان من الزهاد في الدنيا المنقطعين إلى العلم..

توفي بالبصرة سنة سبعين ومائة وعمره أربع وسبعون سنة. وله من الكتب المصنفة: كتاب العين . قرأت بخط أبي الفتح بن النحوي صاحب بني الفرات ، وكان صدوقاً منقراً بحاثاً: قال أبو بكر بن دريد: وقع بالبصرة كتاب العين سنة ثمان وأربعين ومائتين قدم به وراق من خراسان ، وكان في ثمانية وأربعين جزءً فباعه بخمسين ديناراً . وكنا نسمع بهذا الكتاب أنه بخراسان في خزائن الطاهرية حتى قدم به هذا الوراق .

وقد استدرك على الخليل جماعة من العلماء في كتاب العين خطأ وتصحيفاً وشيئاً ذكر أنه مهمل وهو مستعمل ، وشيئاً ذكر أنه مستعمل وهو مهمل.

فمنهم أبو طالب المفضل بن سلمة وعبد الله بن محمد الكرماني وأبو بكر بن دريد والجهضمي والسدوسي والهناني الدوسي . وقد انتصر له جماعة من العلماء وخطأ بعضهم بعضاً. وللخليل أيضا من الكتب: كتاب النغم . كتاب العروض . كتاب الشواهد . كتاب النقط والشكل . كتاب فائت العين . كتاب الإيقاع . أسماء فصحاء الأعراب المشهرين ) .

وقال في الذريعة:1/38: (آلات الإعراب ، المعبر عنه بكتاب النقط والشكل.. في خزانة كتب أياصوفية رقم4456 ). وذكر له في:5/143، كتاب جمل الإعراب . وفي:9/ق1/303 ، ديوان الخليل . وفي:15/364، كتاب العين ، وقال: (ذكر في العين عدد أبنية كلام العرب المهمل والمستعمل على مراتبها الأربع من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي من غير تكرار، في اثني عشر ألف ألف وثلاث مأة وخمسة آلاف وأربعمأة وستة. فالثنائي سبع مأة وستة وخمسون ، والثلاثي تسعة عشر الف وست مأة وخمسون. والرباعي أربع مأة الف واحد وتسعون الف وأربع مأة. والخماسي أحد عشر ألف ألف وسبع مأة وثلاثة وتسعون ألف وست مأة وهو موجود في مكتبة (كوپرلى زاده/ رقم1445) .

ثم ذكر مؤلفات حول العين فقال: ( وقد كتب نضر بن شميل المتوفى204: المدخل على كتاب العين. ولأبي طالب مفضل بن سلمة الكوفي المتوفى250: استدراك على كتاب العين ، ولأبي بكر محمد بن دريد المتوفى 321: استدراك آخر عليه . ولغلام ثعلب المتوفى 344 فائت العين . ولابن درستويه المتوفى 347: نقض العين . ولأحمد الخارزنجي المتوفى 348: تكملة العين. ولأبي بكر محمد الزبيدي المتوفى 379: مختصر العين . ولمحمد بن عبد الله الإسكافي الخطيب المتوفى 421: غلط العين . ولسهام بن غالب بن التباني المتوفى 436: فتح العين . ولعبد الله بن محمد الكرماني: استدراك العين) .

وفي تهذيب ابن حجر:3/141: (قيل لسيبويه هل رأيت مع الخليل كتباً يملي عليك منها؟ قال: لم أجد معه كتباً إلا عشرين رطلاً ، فيها بخط دقيق ما سمعته من لغات العرب. وما سمعت من النحو فأملاه من قلبه . وكانت وفاة الخليل سنة 175 وقيل سنة 70 وقيل سنة نيف وستين ومائة . قرأت الأولين بخط الخطيب).

وروى في مناقب آل أبي طالب (1/326 )عن تاريخ البلاذري ، أن علم العروض خرج من دار علي عليه السلام قال: ( ومنهم العروضيون ومن داره خرجت العروض ، روي أن الخليل بن أحمد أخذ رسم العروض عن رجل من أصحاب محمد الباقر أو علي بن الحسين عليهم السلام فوضع لذلك أصولاً ) .

ورواه في شرح إحقاق الحق(12/169) عن الحافظ أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي في كتابه: الزينة في الكلمات الإسلامية العربية / 80 ، طبعة القاهرة .

وروت مصادر الجميع أن أبا الأسود الدؤلي وضع علم العربية بتوجيه أمير المؤمنين عليه السلام ( مثلاً تاريخ دمشق:25/194) وأكمله الخليل فوضع تشكيل الحروف من المد والتشديد والفتحة الكسرة والضمة والسكون والتنوين والروْم والإشمام . (القرآن للطباطبائي/ 155، والإتقان للسيوطي(2/171) وتاريخ القرآن للزرندي/161) .

خلاصة عن علم العروض

جعل الزمخشري أصناف العلوم الأدبية اثني عشر صنفاً: (القسطاس في علم العروض(1/15).

الأول: علم اللغة .

والثاني: علم الأبنية .

والثالث: علم الإشتقاق .

والرابع: علم الإعراب .

والخامس: علم المعاني .

والسادس: علم البيان .

والسابع: علم العروض .

والثامن: علم القوافي .

والتاسع: إنشاء النثر .

والعاشر: قرض الشعر .

والحادي عشر: علم الكتابة .

والثاني عشر: المحاضرات .

وقد ألف عدد من القدماء والمتأخرين في علم العروض منهم ابن جني المتوفي392 هـ كتاب العروض، والزمخشري المتوفى538هـ كتاب: القسطاس في علم العروض.ومن المتأخرين عبد العزيز عتيق ألف كتاب: علم العروض والقافية .

وقد عرفوا العروض بأنه: علم يبحث فيه عن أحوال الأوزان المعتبرة ، واتفقوا على أن الخليل هو الذي استنبط علم العروض وجعله خمس دوائر يستخرج منها خمسة عشر بحراً ، ثم زاد الأخفش بحراً وسماه الخبب ، ووصفوا الخليل بأنه سيد الأدباء في علمه وزهده ، وأنه نحوي لغوي عروضي ، ولم يسبقه سابق في استنباط علم العروض . والبحور الستة عشر هي:

الأول: بحر الطويل، وزنه:

فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن * فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن .

الثاني: المديد ، وزنه:

فاعلاتن فاعلن فاعلاتن * فاعلاتن فاعلن فاعلاتن

الثالث: البسيط ، وزنه:

مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن * مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن

الرابع: الوافر ، وزنه:

مفاعلتن مفاعلتن فعولن * مفاعلتن مفاعلتن فعولن

الخامس: الكامل ، وزنه:

متفاعلن متفاعلن متفاعلن * متفاعلن متفاعلن متفاعلن

السادس: الهزج ، وزنه:

مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن * مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن

السابع: الرجز ، وزنه:

مستفعلن مستفعلن مستفعلن * مستفعلن مستفعلن مستفعلن

الثامن: الرمل ، وزنه:

فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن * فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن

التاسع: السريع ، وزنه:

مستفعلن مستفعلن مفعولات * مستفعلن مستفعلن مفعولات

العاشر: المنسرح ، وزنه:

مستفعلن مفعولات مستفعلن * مستفعلن مفعولات مستفعلن .

الحادي عشر: الخفيف ، وزنه:

فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن * فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن

الثاني عشر: المضارع ، وزنه:

مفاعيلن فاع لاتن مفاعيلن * مفاعيلن فاع لاتن مفاعيلن

الثالث عشر: المقتضب ، وزنه:

مفعولات مستفعلن مستفعلن * مفعولات مستفعلن مستفعلن

الرابع عشر: المجتث ، وزنه:

مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن * مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن

الخامس عشر: المتقارب ، وزنه:

فعولن فعولن فعولن فعولن * فعولن فعولن فعولن فعولن

السادس عشر: المتدارك ، سماه به مكتشفه الأخفش لأنه تداركه على الخليل ، وزنه:

فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن * فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن

أما القافية: فهي آخر كلمة في بيت الشعر ، ويلزم الشاعر أن يختم البيت بمشابهها الى آخر القصيدة . وقد جعلوها عِلْماً ، وليس فيها بحوث تستوجب ذلك .

من أخلاق الخليل رحمه الله وأقواله المميزة

(كان الخليل رجلاً صالحاً عاقلاً حليماً وقوراً.. قال تلميذه النضر بن شميل: (وفيات الأعيان:2/244) أقام الخليل في خُصّ(كوخ من قصب) من أخصاص البصرة لا يقدر على فلسين ، وأصحابه يكسبون بعلمه الأموال ! ولقد سمعته يوماً يقول: إني لأغلق عليَّ بابي فما يجاوزه همي . وكان يقول: أكمل ما يكون الإنسان عقلاً وذهناً إذا بلغ أربعين سنة ، وهي السن التي بعث الله تعالى فيها محمداً صلى الله عليه وآله .

ثم يتغير وينقص إذا بلغ ثلاثاً وستين سنة ، وهي السن التي قبض فيها رسول الله صلى الله عليه وآله . وأصفى ما يكون ذهن الإنسان في وقت السحر).

وقال: (أحثُّ كلمة على طلب علم قول علي: قدر كل امرئ ما يحسن) . ( أمالي الطوسي/494).

وقال: (الإنسان لا يعرف خطأ معلمه حتى يجالس غيره) . (مستطرفات السرائر/652) .

وقال: (الدنيا بأسرها لا تتسع لمتباغضين ، وإن شبراً في شبر يسع متحابين).(كشف الخفاء:2/189) .

وقال: (إذا نسخ الكتاب ثلاث مرار تحول بالفارسية . يعني يكثر سقطه). (مذيل الطبري/151).

(كان من الزهاد في الدنيا والمنقطعين إلى العلم ، ويروى عنه أنه قال: إن لم تكن هذه الطائفة، يعني أهل العلم ، أولياء الله فليس لله ولي). (تهذيب الكمال:8/330).

(قال ابن حبان: كان من عباد الله المتقشفين في العبادة.. ولد سنة مائة ومات سنة سبعين أو خمس وسبعين). (خلاصة تذهيب تهذيب الكمال للخزرجي/106).

وقال الخليل: ( الناس أربعة: فرجل يدري وهو يدري أنه يدري فذاك عالم فخذوا عنه ، ورجل يدري وهو لا يدري أنه يدري فذاك ناس فذكروه ، ورجل لا يدري وهو يدري أنه لا يدري فذاك مسترشد فعلموه ، ورجل لا يدري وهولا يدري أنه لا يدري فذاك جاهل فارفضوه). (تهذيب الكمال:8/327).

قيل له: (ما الدليل على أن علياً إمام الكل؟ قال: احتياج الكل إليه واستغناؤه عن الكل . وقيل له: ما تقول في علي بن أبي طالب عليه السلام ؟ فقال: ما أقول في حق امرئ ، كتم مناقبه أولياؤه خوفاً وأعداؤه حسداً ، ثم ظهر من بين الكتمانين ما ملأ الخافقين). (المهذب البارع:4/293).

وقيل له: ( لِمَ هجرَ الناس علياً عليه السلام وقرباه من رسول الله عليهما السلام قرباه ، وموضعه من المسلمين موضعه ، وعناؤه في الاسلام عناؤه ؟ فقال: بهر والله نوره أنوارهم وغلبهم على صفو كل منهل ، والناس إلى أشكالهم أميل ، أما سمعت الأول حيث قال:

وكـل شكـل لشكلـه ألـفٌ
أمـا تـرى الفيلَ يألفُ الفيلا) .

(مناقب آل أبي طالب:3/15 ، وأمالي الصدوق/300 ، وعلل الشرائع:1/145).

وله رحمه الله وصف لطيف للخليفة الأموي الوليد بن يزيد الذي حكم سنة125، قال: (حضرت مجلس الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان ، وقد اسحنفر في سب علي عليه السلام  ، واثعنجر في ثلبه ، إذ خرج عليه أعرابي على ناقة له ، وذفراها يسيلان لإغذاذ السير دماً ، فلما رآه الوليد في منظرته قال: إئذنوا لهذا الأعرابي فإني أراه قد قصدنا ، وجاء الأعرابي فعقل ناقته بطرف زمامها ، ثم أذن له فدخل ، فأورده قصيدة لم يسمع السامعون مثلها جودة قط ، إلى أن انتهي إلى قوله:

ولما أن رأيت الدهر آلى
عليَّ ولحَّ في إضعاف حالي
وفدت إليك أبغي حسن عقبى
أسدُّ بها خصاصات العيال..الخ.

قال: فقبل مدحته وأجزل عطيته وقال له: يا أخا العرب قد قبلنا مدحتك وأجزلنا صلتك فاهجُ لنا علياً أبا تراب ، فوثب الأعرابي يتهافت قطعاً ويزأر حنقاً ويشمذر شفقاً ، وقال: والله إن الذي عنيته بالهجاء لهو أحق منك بالمديح ، وأنت أولى منه بالهجاء ! فقال له جلساؤه: اسكت نزحك الله قال: علام ترجوني؟ وبم تبشروني؟ ولما أبديت سقطاً ولا قلت شططاً ولا ذهبت غلطاً ، على أنني فضلت عليه من هو أولى بالفضل منه ، علي بن أبي طالب الذي تجلبب بالوقار ، ونبذ الشنار وعاف العار... وأفاض في مدح علي عليه السلام ومواقفه مع النبي صلى الله عليه وآله وبعده ، قال الخليل: (فأربد وجه الوليد وتغير لونه ، وغص بريقه ، وشرق بعبرته ، كأنما فقئ في عينه حب المضِّ الحاذق ، فأشار عليه بعض جلسائه بالإنصراف وهو لا يشك أنه مقتول به ، فخرج فوجد بعض الأعراب الداخلين فقال له: هل لك أن تأخذ خلعتي الصفراء وآخذ خلعتك السوداء ، وأجعل لك بعض الجائزة حظاً ؟ ففعل الرجل وخرج الأعرابي فاستوى على راحلته وغاص في صحرائه وتوغل في بيدائه ، واعتقل الرجل الآخر فضرب عنقه وجيئ به إلى الوليد ، فقال: ليس هو هذا بصاحبنا.. قال: أجد على قلبي غمة كالجبل من فوت هذا الأعرابي).

(العدد القوية للحلي/253، والبحار:46/321 ، ومواقف الشيعة:1/358) .

ويروى له رحمه الله (تهذيب الكمال:8/330):

لو كنتَ تعلم ما أقول عذرتني
أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا
لكن جهلت مقالتي فعذلتني
وعلمـتُ أنـك جاهـلٌ فعذرتكـا).

(كان الخليل بن أحمد يحب أن يرى عبد الله بن المقفع ، وكان ابن المقفع يحب ذلك فجمعهما عباد بن عباد المهلي فتحادثا ثلاثة أيام ولياليهن ، فقيل للخليل: كيف رأيت عبد الله؟ قال: ما رأيت مثله وعلمه أكثر من عقله . وقيل لابن المقفع: كيف رأيت الخليل؟ قال: ما رأيت مثله ، وعقله أكثر من علمه .

قال المغيرة: فصدقا ، أدى عقل الخليل الخليل إلى أن مات أزهد الناس ! وجهل ابن المقفع أداه إلى أن كتب أماناً لعبد الله بن علي فقال فيه: ومتى غدر أمير المؤمنين بعمه عبد الله فنساؤه طوالق ودوابه حبس وعبيده أحرار والمسلمون في حل من بيعته! فاشتد ذلك على المنصور جداً خاصة أمر البيعة.. وكتب إلى سفيان بن معاوية المهلبي وهو أمير البصرة من قبله بقتله فقتله)!(أمالي المرتضى:1/94 ).

أقول: كانت طريقة قتل ابن المقفع فجيعة ! فقد دخل على الوالي العباسي في البصرة وكان خادمه ينتظره ، فأدخله الوالي وقتله وقطعه وألقى قطعه في التنور ، ثم أنكر مجيئه اليه ! ورد المنصور الشهود وصدق واليه في دعواه الكاذبة !

أخفى أكثرهم تشيع الخليل ونقصوه حقه !

وثقه علماء السنة ورووا عنه ، كما في المحلى:8/162، وتاريخ بغداد:11/325، وتذكرة الحفاظ:3/1082، وقال عنه الذهبي في سيره:7/429: (حدث عن: أيوب السختياني ، وعاصم الأحول ، والعوام بن حوشب ، وغالب القطان... أقام الخليل في خص له بالبصرة ، لا يقدر على فلسين ، وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال ! قال أيوب بن المتوكل: كان الخليل إذا أفاد إنساناً شيئاً لم يره بأنه أفاده وإن استفاد من أحد شيئاً أراه بأنه استفاد منه . قلت: صار طوائف في زماننا بالعكس) .

وقال الذهبي في تاريخه:9/383 ، يمدح التعايش بين أهل الأديان والمذاهب في البصرة: (قال خلف بن المثنى: كان يجتمع بالبصرة عشرة في مجلس ، لا يعرف مثلهم في تضاد أديانهم ونحلهم: الخليل بن أحمد سني ، والسيد بن محمد الحميري رافضي ، وصالح بن عبد القدوس ثنوي ، وسفيان بن مجاشع صفري ، وبشار بن برد خليع ماجن ، وحماد عجرد زنديق ، وابن رأس الجالوت يهودي ، وابن نطيرا متكلم النصارى ، وعمرو بن أخت المؤيد المجوسي ، وروح بن سنان الحراني صابئي ، فيتناشد الجماعة أشعاراً ، فكان بشار يقول: أبياتك هذه يا فلان أحسن من سورة كذا وكذا ! وبهذا المزاح ونحوه كفروا بشاراً).

لكن عرفت تشيع الخليل رحمه الله  ، وقد ترجم الذهبي لابنه في لسان الميزان (1/55) فقال: (ابراهيم بن الخليل الفراهيدي ، شيعي).

وفي الأعلام للزركلي (2/314): ( من أئمة اللغة والأدب وواضع علم العروض ، أخذه من الموسيقى وكان عارفا بها... وهو أستاذ سيبويه النحوي ولد ومات في البصرة وعاش فقيراً صابراً . كان شعث الرأس شاحب اللون قشف الهيئة متمزق الثياب متقطع القدمين ، مغموراً في الناس لا يعرف... وفكر في ابتكار طريقة في الحساب تسهله على العامة ، فدخل المسجد وهو يعمل فكره فصدمته سارية وهو غافل ، فكانت سبب موته) .

أقول: لا تصدق ذمهم للخليل ، ولعلهم قتلوه كما قتلوا ابن المقفع لكلمة بلغتهم عنه ، فالعباسيون كالأمويين لاتتسع صدورهم لمن خالفهم ،حتى لو كان عبقرياً !

الفصل السابع عشر

شعراء الإمام الباقر عليه السلام

مدح الفرذق أباه زين العابدين عليه السلام بقصيده الشهيرة

كان تأثير الشاعر في تلك العصور كتأثير الإذاعة في عصرنا ، ولذا اهتم النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام بالشعر لإسناد الحق ودحض الباطل .

وذكر المحدثون عدة شعراء كانوا في خط الإمام الباقر عليه السلام : الفرزدق ، وكُثيِّر عزة ، وابنه ، والكميت ، وأخاه الورد ، وابنه المستهل .

واشتهرت مواجهة الفرزدق لهشام بن عبد الملك يوم كان ولي عهد عبد الملك واشتهرت قصيدته الخالدة في مدح الإمام زين العابدين عليه السلام وأتم رواياتها في مناقب آل أبي طالب(3 /306) قال: ( الحلية ، والأغاني ، وغيرهما: حج هشام بن عبد الملك فلم يقدر على الإستلام من الزحام ، فنُصب له منبر وجلس عليه وأطاف به أهل الشام ، فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين وعليه إزار ورداء ، من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم رائحة ، بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز ، فجعل يطوف فإذا بلغ موضع الحجر تنحى الناس حتى يستلمه هيبة له ! فقال شامي:مَن هذا يا أمير؟ فقال: لا أعرفه ، لئلا يرغب فيه أهل الشام ، فقال الفرزدق وكان حاضراً: لكني أنا أعرفه ، فقال الشامي: من هو يا أبا فراس؟ فأنشأ :

يا سائلي أينَ حلَّ الـجودُ والكرمُ
عندي بيانٌ إذا طلابُهُ قدموا
هذا الذي تعرفُ البطحاءُ وطأتَهُ
والبيتُ يعرفُهُ والحلُّ والحَرَمُ
هذا ابنُ خَيْرِ عبادِ الله كلِّهِمُ
هـذا التّقـيُّ النقـيُّ الطاهـرُ العَلَـمُ
هذا الذي أحمدُ المختارُ والدُه
صلـى عليـه إلهـي مـا جـرى القلـمُ
لو يعلـمُ الركـنُ من قد جـاء يلثِمُـهُ
لَخَرَّ يَلْثِمُ منهُ ما وطى القَدَمُ
هذا عليٌّ رسولُ الله والدُه
أمست بنـور هـداه تهتـدي الأمـم
هذا الذي عمُّه الطيارُ جعفرُ والمَق
تولُ حمزةُ ليثٌ حُبُّهُ قَسَمُ
هذا ابنُ سيدة النسوانِ فاطمةٌ
وابـنُ الوصـيِّ الـذي في سيفـه نِقَـمُ
إذا رأتهُ قريشٌ قال قائلُها
إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يكـادُ يُمْسكُـهُ عرفـانُ راحتِـهِ
ركـنُ الحطيـم إذا مـا جـاءُ يَستلـم
وليـسَ قولُـك مـن هـذا بِضَائِـرِهِ
العُـرْبُ تعـرفُ مـن أنكرتَ والعجم
يُنْمَـى إلى ذِرْوَةِ العـزِّ التـي قَصُـرَتْ
عـن نيلهـا عربُ الإسلام والعجم
يُغـْضي حَيَاءً ويُغْـضى من مَـهَابَتِـهِ
فما يُكَلَّمُ إلا حينَ يَبْتَسٍمُ
يِنْجَـابُ نُورُ الدُّجى عن نور غُـرَّتِه
كالشمس يَنْجَابُ عن إشراقها الظلم

الى آخر القصيدة المسددة بروح القدس ..

تبنى الإمام الباقر عليه السلام كُثَيِّر عَزَّة والكُمَيْت والسيد الحميري

كثير عزة الخزاعي من فحول الشعراء

قال السيد المدني في الدرجات الرفيعة/581: (كثير بن عبد الرحمن بن أبي جمعة الأسود بن عامر بن عويمر بن خالد بن سعيد بن خثيمة بن سعد ...الخزاعي الحجازي الشاعر المشهور ، أحد عشاق العرب المشهورين به ، صاحب عزة بنت حميل ، له معها حكايات ونوادر ، وأمور مشهورة ، وأكثر شعره فيها .

وكان ابن إسحاق يقول: كثير أشعر أهل الإسلام ، وكانت له منزلة عند قريش وقدر، وكان عبد الملك معجباً بشعره فقال يوماً: كيف ترى شعري يا أمير المؤمنين؟ فقال: أراه يسبق السحر ويغلب الشعر، فقال: من أشعر الناس يا أبا صخر؟ فقال من يروى أميرالمؤمنين شعره ، فقال له عبد الملك إنك لمنهم .

ويحكى أن الفرزدق لقي كثيراً فقال له: أنت يا أبا صخر أنسب العرب حيث نقول:

أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثل لي ليلى بكل سبيل

ثم قال: وأنت يا أبا فراس أفخر العرب حيث تقول :

ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا
وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا).

(سمع به عبد الملك بن مروان فاستحضره ، ولما دخل عليه رآه قصيراً تزدريه العين فقال: تسمع بالمعيدي لا أن تراه ! فقال: ( مهلاً يا أمير المؤمنين فإنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه ، إن ضرب ضرب بجنان ، وإن نطق نطق ببيان !

تـرى الرجـل النحيـف فتـزدريـه
وفـي أثوابـه أسـد هصـورُ
ويعجـبـك الطـريـر فتخـتبـره
فيخلـف ظنـك الرجـل الطريـرُ
وقـد عظـم البعيـر بغيـر لـبٍّ
فلـم يستغـن بالعِظَـم البعيـر
فيُـركب ثم يُـضـرب بالهـراوي
فـلا عـرفٌ لديـه ولا نكيـر

فاعتذر إليه عبد الملك ورفع مجلسه ) . ( تاريخ دمشق : 50 / 86 ) .

قال الصفدي في وفيات الأعيان(4/106): ( أحد عشاق العرب المشهورين..وهو صاحب عزة بنت حميل..وله معها حكايات ونوادر وأمور مشهورة ، وأكثر شعره فيها ، وكان يدخل على عبد الملك بن مروان وينشده ، وكان رافضياً شديد التعصب لآل أبي طالب ، حكى ابن قتيبة في طبقات الشعراء أن كثيراً دخل يوماً على عبد الملك فقال له عبد الملك: بحق علي بن أبي طالب هل رأيت أحداً أعشق منك ؟ قال: يا أمير المؤمنين لو نشدتني بحقك أخبرتك) .

وحدثه عن شاب بدوي نصب حُبَالة ليصيد ما يسد به جوعه وجوع والديه ، فصاد غزالة ، ثم رأى عينيها تشبه عيني حبيبته فأطلقها ، وانتظر الى اليوم الثاني ليصيد !

ولما عزم عبد الملك على حرب مصعب بن الزبير في العراق ، ناشدته زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية أن لا يخرج بنفسه وأن يستنيب غيره. فقال: قاتلَ الله ابن أبي جمعة يعني كثيِّراً كأنه رأى موقفنا هذا حين قال:

إذا مـا أراد الغـزو لـم يثـن عـزمـه
حصـان عليهـا نظـم در يزينـهـا
نهتـه فلمـا لـم تـرَ النهـي عاقـه
بكـت فبكـى مما شجاهـا قطينهـا

وذهب عبد الملك إلى المعسكر فقال لكثير:( يا ابن أبي جمعة ذكرتك بشئ من شعرك الساعة فإن أصبته فلك حكمك! قال: نعم يا أمير المؤمنين ، أردت الخروج فبكت عاتكة بنت يزيد وحشمها فذكرت قولي: إذا ما أراد الغزو لم يثن همه..

قال: أصبت والله . إحتكم. قال مائة ناقة من نوقك المختارة . قال: هي لك. فلما كان الغد نظر عبد الملك إلى كثيِّر يسير في عرض الناس ضارباً بذقنه على صدره يفكر فقال: أرأيت إن أخبرتك بما كنت تفكر به تعطيني حكمي؟ قال: نعم . قال له عبد الملك إنك تقول في نفسك: هذا رجل ليس هو على مذهبي، وهو ذاهب إلى قتال رجل ليس هو على مذهبي، فإن أصابني سهم غرب من بينهما خسرت الدنيا والآخرة ! فقال: إي والله يا أمير المؤمنين فاحتكمْ . قال: حكمي أن أردك إلى أهلك وأحسن جائزتك . فأعطاه مالاً وأذن له بالإنصراف).( تاريخ دمشق:50 / 86 ) .

وروى في مناقب آل أبي طالب (3 / 337) أن الإمام الباقر عليه السلام سأل كثير عزة يوماً: امتدحت عبد الملك؟ فقال: ما قلت له يا إمام الهدى ، وإنما قلت: يا أسد والأسد كلب ، ويا شمس والشمس جماد ، ويا بحر والبحر موات ، ويا حية والحية دويبة منتنة ، ويا جبل وإنما هو حجر أصم . قال: فتبسم عليه السلام ) .

وبعد عبد الملك ضعفت علاقة كثيِّر بأبناء عبد الملك ، حتى استخلف عمر بن عبد العزيز وأصدر مرسومه بمنع سب علي عليه السلام في خطب الجمعة ، فقال كثير يمدحه:

وَليـتَ فلـم تشتـم عليـاً ولم تُخـف
برياً ولم تقبل إشارة مُجرمِ
وصدَّقـت بالفعـل المقـال مـع الذي
أتيـت فأمسـى راضيـاً كـل مسلـم
فما بيـن شرق الأرض والغرب كلها
منـاد ينـادي مـن فصيـح وأعجـم
يقول أمير المؤمنين ظلمتني
بأخـذك دينـاري ولا أخـذ درهـم
ولا بسط كف لامرئ غير مجرم
ولا السفـك منـه ظالمـاً مـلء محجم
ولو يستطيـع المسلمـون لقسمـوا
لـك الشطـر من أعمارهـم غير ندم
فعشت بها ما حج لله راكب
مغذ مطيف بالمقام وزمزم.

( تاريخ دمشق: 50 /92 ، ومناقب آل أبي طالب: 3 /22)

أقوى موقف لكثير عزة

( كتب هشام إلى والي المدينة أن يأخذ الناس بسب علي بن أبي طالب ، فقال كثيِّر:

لعن الله من يسبُّ علياً
وبنيه ، من سَوْقَة وإمام
ورمى الله من يسبُّ علياً
بصدامٍ وأولقٍ وجذام
طبْتَ بيتاً وطاب أهلك أهلاً
أهل بيت النبي والإسلام
رحمةُ الله والسلامُ عليكم
كلما قام قائمٌ بسلام
يأمنُ الطيرُ والظباء ولا
يأمن رهط النبي عند المقام

فحبسه الوالي وكتب إلى هشام بما فعل فكتب إليه هشام يأمره بإطلاقه وأمر له بعطاء )!

( مجمع الأمثال للنيسابوري:1/309 ).

وروى ابن الشجري في أماليه/211 ، أن كثيِّراً قال وهو في حبس والي المدينة:

إنَّ امْرَءاً كانَت مَساوِيهِ
حُبُّ النَبِيِّ لغَيْرُ ذي عُتْبِ
وبَنِي أبي حَسَن ووالِدِهِم
مَنْ طابَ في الأرحام والصُّلبِ
أيَرَونَ ذَنْباً أنْ أُحِبَّهُمُ
بَل حُبُّهُم كَفّارَةُ الذَّنْبِ).

أقول: يدل إطلاق الخليفة لكثيِّر على قوة الجو العام ضد بني أمية ! كما يدل على أن مرسوم ابن عبد العزيز في منع سب أميرالمؤمنين عليه السلام انحصر في مدة حكمه القصيرة ثم أعاده خلفاء بني أمية كما كان !

بل لعل مرسوم ابن عبد العزيز لم يطبق إلا في حياته ، وبشكل جزئي !

كان كثير والسيد الحميري كَيْسَانيين

أي يقولان بقول كيسان بأن الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وآله أربعة فقط: علي عليه السلام وأولاده الثلاثة ، وأن محمد بن الحنفية هوالمهدي، وأنه لم يمت بل غاب في جبل رضوى.

قال المفيد في الفصول المختارة/299:(وكان كثير عزة كيسانياً ومات على ذلك ، وله في مذهب الكيسانية قوله:

ألا إن الأئمة من قريش
ولاة الحق أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيه
هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبر
وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتى
يقود الخيل يقدمها اللواء
يغيب فلا يرى فيهم زمانا
برضوى عنده عسل وماء ).

وقال البلاذري في أنساب الأشراف(3/289): (وخرج ابن الحنفية وأصحابه يريدون الشام ، وخرج كثير عزّة أمامه وهو يقول:

هديت يا مهدينا ابن المهتدى
أنت الذي نرضى به ونرتجي
أنت ابن خير الناس من بعد النبي
أنت إمام الحقّ لسنا نمتري

يا ابن علي سر ومن مثل علي

وأتى ابن الحنفية مَدْيَن و بها مظهر بن حبي العكي من قبل عبد الملك ، فحدثه أصحابه بما كان من غدر عبد الملك بعمرو بن سعيد بن العاص بعد أن آتاه العهود المؤكدة فحذره ، ونزل إيلة وتحدث الناس بفضل محمد وكثرة صلاته وزهده وحسن هديه ، فلما بلغ ذلك عبد الملك ندم على إذنه له في قدوم بلده ، فكتب إليه: إنك قدمت بلادنا بإذن منا ، وقد رأيت أن لا يكون في سلطاني رجل لم يبايعني ، فلك ألف ألف درهم أعجل لك منها مأتي ألف درهم ، ولك السفن التي أرفأت إليك من مصر . وكانت سفناً بعث إليه فيها بأمتعة وأطعمة .

فكتب إليه ابن الحنفية: قد قدمنا بلادك بإذنك إذ كان ذلك لك موافقاً ، وارتحلنا عنها إذ أنت لجوارنا كنت كارهاً ).

خص الله السيد الحميري بمعجزة ظهرت له على يد الصادق عليه السلام

كان كثير عزة والسيد الحميري على مذهب كيسان غلام محمد بن الحنفية ، يقولان إنه المهدي الموعود ، وأنه غائب في جبل رضوى ! وكانا على صلة بالإمام الباقر والصادق عليهما السلام . فخص الله السيد الحميري منها بمعجزة فترك الكيسانية .

روى في المناقب (3/370) عن داود الرقى قال: (بلغ السيد الحميري أنه ذكر عند الصادق عليه السلام فقال:السيد كافر، فأتاه وسأل: يا سيدي أنا كافر مع شدة حبي لكم ومعاداتي الناس فيكم؟ قال: وما ينفعك ذاك وأنت كافر بحجة الدهر والزمان ثم أخذ بيده وأدخله بيتاً فإذا في البيت قبر فصلى ركعتين ثم ضرب بيده على القبر فصار القبرقطعاً،فخرج شخص من قبره ينفض التراب عن رأسه ولحيته فقال له الصادق: من أنت؟قال: أنا محمد بن علي المسمى بابن الحنفية ، فقال: فمن أنا؟ فقال:جعفر بن محمد حجة الدهر والزمان! فخرج السيد يقول: تجعفرت باسم الله فيمن تجعفرا ) .

وحكى الحميري قصته كما في كمال الدين/36: (عن حيان السراج قال: سمعت السيد بن محمد الحميري يقول: كنت أقول بالغلو وأعتقد غيبة محمد بن علي بن الحنفية ! قد ضللت في ذلك زماناً ، فمنَّ الله علي بالصادق جعفر بن محمد عليهما السلام وأنقذني به من النار وهداني إلى سواء الصراط ، فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله عليَّ وعلى جميع أهل زمانه ، وأنه الإمام الذي فرض الله طاعته وأوجب الإقتداء به ، فقلت له: يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة وصحة كونها فأخبرني بمن تقع؟ فقال عليه السلام : إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض وصاحب الزمان ، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح عليه السلام في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً .

قال السيد: فلما سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد عليهم السلام تبت إلى الله تعالى ذكره على يديه ، وقلت قصيدتي التي أولها:

فلمـا رأيت الناس في الدين قد غووا
تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا
وناديت باسم الله والله أكبر
وأيقنت أن الله يعفو ويغفر
ودنت بدين الله ما كنت ديناً
به ونهاني سيد الناس جعفر
فقلـت فهبنـي قـد تهـودت برهـة
وإلا فديني دين من يـتنصـر
وإني إلى الرحمن من ذاك تائب
إني قد أسلمت والله أكبر
فلسـت بغـال ما حييـت وراجـع
إلى ما عليـه كنـت أخفـي وأظهـر
ولا قائل حي برضوى محمد
وإن عاب جهال مقالي وأكثـروا
ولكنـه ممـن مضـى لسبيلـه
علـى أفضل الحـالات يقفـي ويخبر
مـع الطيبـين الطاهريـن الأولـى لهم
مـن المصطـفى فـرع زكي وعنصر.

وقلت بعد ذلك قصيدة أخرى:

أيا راكباً نحو المدينة جَسْـرة
عذافرةً يطوى بها كل سبسب
إذا ما هداك الله عاينت جعفراً
فقل لولي الله وابن المهذب
ألا يا أمين الله وابن أمينه
أتوب إلى الرحمن ثم تأوبي
إليك من الأمر الذي كنت مطنباً
أحارب فيه جاهداً كل معرب
وما كان قولي في ابن خولة مطنباً
معاندة مني لنسل المطيب
ولكن روينا عن وصي محمد
وما كان فيما قال بالمتكذب
بأن ولي الأمر يفقد لا يرى
ستيراً كفعل الخائف المترقب
فتقسـم أمـوال الفقيـد كأنـما
تغيبـه بيـن الصفيـح المنصـب
فيمكـث حينـاً ثـم ينبـع نبعـةً
كنبعـة جـدي مـن الأفـق كوكـب
يسير بنصـر الله من بيت ربه
على سؤدد منه وأمر مسبب
يسير إلى أعدائه بلوائه
فيقتلهـم قتـلاً كحـران مغضـب
فلما روى أن ابن خولة غائب
صرفنا إليه قولنا لم نكذب
وقلنـا هـو المهـدي والقائـم الـذي
يعيـش بـه مـن عدلـه كـل مجـدب
فإن قلت لا فالحق قولك والذي
أمـرت فحتـم غيـر ما متعصـب
وأشهد ربي أن قولك حجة
على الناس طراً من مطيع ومذنب
بأن ولي الأمر والقائم الذي
تـطلـع نفسـي نـحوه بتـطـرب
له غيبة لابد من أن يغيبها
فصلى عليه الله من متغيب
فيمكـث حينـاً ثـم يظهـر حينـه
فيملـك مـن في شرقهـا والمغـرب
بـذاك أديـن الله سـراً وجهـرةً
ولسـت وإن عوتبـت فيـه بمعتـب

وكان حيان السراج الراوي لهذا الحديث من الكيسانية ، ومتى صح موت محمد بن علي بن الحنفية بطل أن تكون الغيبة التي رويت في الأخبار واقعة به ).

وقال السيد المدني في الدرجات الرفيعة/589: (إن صح انه كان كيسانياً فالظن أنه رجع عن ذلك كالسيد الحميري فقد اتفق النقل عن المخالف والمؤالف أن الباقر عليه السلام حضر جنازته ورفعها. وذكر ابن شهرآشوب في معالم العلماء أنه كان من أصحاب الباقر عليه السلام  . وروي أن الباقر عليه السلام قال له يوماً: تزعم أنك من شيعتنا وتمدح آل مروان؟ قال: إنما أسخر منهم وأجعلهم حيات وعقارب وآخذ أموالهم ..

وذكر أيضاً في الكتاب المذكور أن رجل نظر إلى كثير وهو راكب وأبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام يمشى فقيل له أتركب وأبو جعفر يمشي! فقال هو أمرني بذلك وأنا بطاعته في الركوب أفضل من عصياني إياه بالمشي.

وهذا كله مما يدل عن حسن عقيدته ، والعامة لعلمهم بتشيعه رموه تارة باعتقاده مذهب الكيسانية ، وتارة بالقول بالتناسخ ، وتارة بعدم الدين والحمق ، وأخرى بالزندقة والإلحاد ، وغير ذلك )!

أقول: يؤيد ما ذكره المدني في الدرجات الرفيعة أن ابن شهراشوب عده من الشعراء الأتقياء ، قال في معالم العلماء/186): (والمتقون منهم نحو كثير عزة ، ولما مات رفع جنازته الباقر عليه السلام وعرقه يجرى وكان من أصحابه ).

مات كثير وعكرمة في يوم واحد فصلى الباقر عليه السلام على جنازة كثير

قال في مقدمة فتح الباري/426: (قال الدراوردي: توفي عكرمة وكثير عزة في يوم واحد فعجب الناس لموتهما واختلاف رأيهما: عكرمة يظن به رأي الخوارج يكفِّر بالذنب ، وكثير شيعي مؤمن بالرجعة إلى الدنيا ..

قال أبو طالب قلت لأحمد: ما كان شأن عكرمة قال كان ابن سيرين لا يرضاه .

قال كان يرى رأي الخوارج وكان يأتي الأمراء يطلب جوائزهم ، ولم يترك موضعاً إلا خرج إليه !وقال عبد العزيز بن أبي رواد: رأيت عكرمة بنيشابور فقلت له تركت الحرمين وجئت إلى خراسان ! قال: جئت أسعى على عيالي ).

وحضر الإمام الباقر عليه السلام تشييع كثير قال: ( أفرجوا لي عن جنازة كثير لأرفعها ، فرفع جنازته وعرقه يجري) ! في حين تركوا جنازة عكرمة فلم يوجد من يحملها! (الدرجات الرفيعة/590 ، وتهذيب الكمال:20/290) .وروى في خزانة الأدب (5/221)وعامة من ترجموا له قوله في احتضاره:

برئت إلى الإله من ابن أروى
(عثمـان) ومـن دين الخوارج أجمعينا
ومن عمر برئت ، ومن عتيق
( أبا بكر) غـداة دعـي أمير المؤمنينا).

كان عكرمة يجول في البلاد يستعطي الأمراء ، وكان في العقائد فترة تابعاً لابن عباس ، ثم مال الى الخوارج ، ثم عاد الى بني أمية فكان مع والي المدينة الأموي .

وبسبب هذا التغيير في عقائده ، وما نسبوا اليه من الشغف بمجالس الغناء ولعب النرد ، أعرض الناس عنه ولم يحضروا جنازته ، وازدحموا على جنازة كثير !

قال في نهاية الإرب(8/132): (لما مات كثير عزة لم تتخلف بالمدينة امرأة ولا رجل عن جنازته وغلب النساء عليها ، وجعلن يبكينه ويذكرن عزة في ندبهن له فقال أبو جعفر محمد بن علي الباقر: أفرجوا لي عن جنازة كثير لأرفعها ، فجعلنا ندفع النساء عنها) . وتركوا جنازة عكرمة فلم يوجد من يحملها ! (تهذيب الكمال (20 / 290 ). وقيل استأجر له الوالي أربعة سودان فحملوه !

قصة حب كثير وعزة

1- (كان أول أمره مع عزة أنه مر بنسوة من بني خمرة (من قبيلة غفار) ومعه جلَب غنم ، فأرسلن إليه عزة وهي صغيرة فقالت: يقول لك النسوة بعنا كبشاً من هذه الغنم وأنسئنا بثمنه إلى أن ترجع . فأعطاها كبشاً فأعجبته فلما رجع جاءته امرأة منهن بدراهمه فقال: وأين الصبية التي أخذت مني الكبش؟ قالت: وما تصنع بها هذه دراهمك . قال: لا آخذ دراهمي إلا ممن دفعت إليها الكبش .

فقلن له أبيت إلا هذه وأبرزنها له وهي كارهة ، ثم إنها أحبته بعد ذلك حباً شديداً أشد من حبه لها ). (الدرجات الرفيعة/582).

2- (وكان عفيفاً في حبه ، قيل له: هل نلت من عزة شيئاً طول مدتك؟ فقال: لا والله إنما كنت إذا اشتد بي الأمر أخذت يدها فإذا وضعتها على جبيني وجدت لذلك راحة . وللزبير ابن بكار: أخبار كثيِّر ). (الأعلام (5/219).

3- وفي التوابين لابن قدامة/15:(دخلت عزة صاحبة كثير على أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان أخت عمر ، فقالت لها: يا عزة ! ما معنى قول كثير:

قـضى كـل ذي ديـن علمـت غريمه
وعزة ممطول مُعَنّىً غريمها

ما هذا الدين الذي يذكره؟ قالت: إعفيني . قالت: لا بد من إعلامك إياي . فقالت عزة: كنت وعدته قبلة ، فأتاني ليتنجزها فتحرجت عليه ولم أف له ، فقالت لها أم البنين: أنجزيها منه وعليَّ إثمها ).

4- استشهد الإمام الصادق عليه السلام (الكافي:8/373)بصدق حب كثير لعزة على عدم صدق بعض الشيعة: (قال يونس بن ظبيان قلت له عليه السلام : ألا تنهى حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة عن المفضل بن عمر؟ فقال: يا يونس قد سألتهما أن يكفَّا عنه فلم يفعلا فدعوتهما وسألتهما وكتبت إليهما وجعلته حاجتي إليهما فلم يكفَّا عنه! فلا غفر الله لهما . فوالله لكثير عزة أصدق في مودته منهما فيما ينتحلان من مودتي حيث يقول:

ألا زعَمت بالغيب ألا أحبُّها
إذا أنا لم يُكرم عليَّ كريمها

أما والله لو أحباني لأحبا من أحب ).

5- قال كثير عزة (شرح النهج:20/238):

وإني لأرضى منك يا عز بالذي
لو ابصـرالواشـي لقرت بلابله
بلا وبا لا أستطيع وبالمنى
وبالوعد حتى يسأم الوعد آمله
وبالنظرة العجلى وبالحول ينقضـي
أواخره لا نلتقي وأوائله ).

6- وقال كثير (فيض القدير:3/736):

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة
لدنيا ولا مقلبة إن تقلت)

7- (وعن الهيثم بن عدي أن عبد الملك سأل كثيراً عن أعجب خبر له مع عزة فقال: حججت سنة من السنين وحج زوج عزة بها ولا يعلم أحد بصاحبه ، فلما كنا في بعض الطريق أمرها زوجها بابتياع سمن يصلح به طعاماً لأهل رفقته ، فجعلت تدور الخيام خيمة خيمة حتى دخلت إليَّ وهي لا تعلم أنها خيمتي ، وكنت أبري أسهماً لي فلما رأيتها جعلت أبري وأنا أنظر إليها ولا أعلم حتى بريت ذراعي مرات وأنا لا أشعر والدم يجرى ! فلما تبينت ذلك دخلت إليَّ وأمسكت يدي وجعلت تمسح الدم عنها بثوبها . وكان عندي نِحْيٌ من سمن فحلفت لتأخذنه فأخذته وجاءت إلى زوجها بالسمن ، فلما رأى ثوبها سألها عن خبره فكاتمته حتى حلف عليها لتصدقنه فصدقته فضربها وحلف لتشتمني في وجهي ! فوقفت عليَّ وهو معها فقالت: لي يا بن الزانية وهي تبكي ثم انصرفا . فذلك حين أقول:

يكـلفهـا الـخنزيـر شتمـي ومـا بها
هوانـي ولكـن للمليـك استذلـت

وهذا البيت من قصيدة له هي من محاسن شعره أولها:

خليلي هذا ربع عزة فاعقلا
قلوصيكما ثم أبكيـا حيث حلـت
وما كنت أدري قبل عـزة مـا البكـا
ولا موجعات القلب حتى تولت
فلا يحسب الواشون أن صبابتي
بعزة كانت غمرة فتجلت
فوالله ثم الله ما حل قبلها
ولا بعدها من خلة حيث حلت
وما مر من يوم عليَّ كيومها
وان عظمت أيام أخرى وجلت
وكانـت لقطـع الحبل بيني وبينهـما
كنـاذرة نـذراً فأوفـت وبـرت
فقلت لها يا عز كل مصيبة
إذا وطنـت يومـا لهـا النفـس ذلـت
ولـم يلـق إنسـان مـن الحـب منعـة
تعـم ولا عميـاء الا تجلـت
أباحت حمى لم ترعها النفس قبلها
وحلت تلاعاً لم تكن قبل حلت
أريد ثواء عندها وأظنها
إذا ما أطلنا عندها المكث ملت
فوالله ما قاربت إلا تباعدت
بهجر ولا أكثرت إلا أقلت
يكلفهـا الـخنزير شتمي ومـا بها
هواني ولكـن للمليـك استذلـت
هنيئـا مريئـاً غيـر داء مخامـر
لعـزة من أعراضنـا ما استحلـت
فــإن تكـن العتبـى فأهـلاً ومرحبـاً
وحقـت لهـا العتبـى علينـا وقلَّـت
وإن تكن الأخرى فإن ورائنا
مناويح لو سارت بها العيس كلت
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة
لدينا ولا مقلية إن تقلت
فما انا بالداعي لعزة بالردى
ولا شامـت إن نعـل عزة زلـت
وإني وتهيامي بعزة بعدما
تخليت عما بيننا وتخلت
لكالمبتغى ظل الغمامة كلما
تبـوأ منهـا للمقيـل اضمحلـت
كأني وإياها غمامة ممحل
رجاها فلما جاوزته استهلت..الخ.)

8- (كان لكثير غلام تاجر فبايع عزة وهو لايعرفها فماطلته فقال يوماً وهو يتقاضاها:

قـضـى كل ذي دين فوفى غريمـه
وعزة ممطولٌ مُعَنّىً غريمها

فقالت له المرأة التي ابتاعت منه الثياب:فهذه والله دار عزة ولها ابتعت منك الثياب! قال: والله فأنا غلام كثير فأشهد الله أن الثياب لها وأني لا آخذ من ثمنها شيئاً ! فبلغ ذلك كثيراً فقال: وأنا أشهد الله أنه حر، وأن ما بقي معه من المال فله)! (تاريخ دمشق:50/103).

9- (دخلت عزة على عبد الملك بن مروان وهو لا يعرفها ترفع مظلمة لها فلما سمع كلامها تعجب منه فقال له بعض جلسائه هذه عزة كثير؟ فقال عبد الملك إن أردت أن أرد عليك مظلمك فأنشديني ما قال فيك كثير ، فاستحيت وقالت: والله ما أعرف كثيراً لكني سمعتهم يحكون عنه أنه قال فيَّ (تاريخ دمشق:69/279):

قضـى كـل ذي ديـن علمت غريمه
وعـزة ممطـول معنـى غريمهـا

فقال عبد الملك ليس عن هذا أسألك ولكن أنشديني من قوله:

وقـد زعمـت أني تغيـرت بعدهـا
ومـن ذا الـذي يا عـز لا يتغيـر
تغيـر جسمـي والخليفـة كالـذي
عـهـدت ولـم يخـبر بســرك مخـبـر

قالت قد سمعت هذا ولكني سمعت الناس يحكون أنه قال فيَّ:

كأني أنادي صخرة حين أعرضت
من الصم لو تمشـي بها العصم زلت
صفـوح فما تلقـاك إلا بخيلـة
فمـن مل منها ذلك الوصل ملت

فقضى حاجتها ورد مظلمتها وقال: أدخلوها على الجواري يأخذن من أدبها ).

10- قال أبو الفرج في الأغاني(9/120): (رحم اللَّه كثيّراً وعزّة ما كان أوفاهما وأكرمهما وأصونهما لأنفسهما ! لقد ذكرت بهذه الأودية التي نحن فيها خبر عزّة حين خضبت كثيِّراً . خرج كثيِّر يريد عزة وهي منتجعة بالصواري وهي الأودية بناحية فدك ، فلما كان منها قريباً وعلم أن القوم جلسوا عند أنديتهم للحديث بعث أعرابياً فقال له: إذهب إلى ذلك الماء فإنك ترى امرأة جسيمة لحيمة فإذا رأيتها فناد: من رأى الجمل الأحمر مراراً . ففعل. فقالت له: ويحك قد أسمعت فانصرف إليه فأخبره. فلم يلبث أن أقبلت جارية معها طست وتور وقربة ماء حتى انتهت إليه ، ثم جاءت بعد ذلك عزة فرأته جالساً محتبياً قريباً من ذراع راحلته . فقالت له: ما على هذا فارقتك! فركب راحلته وهي باركة وقامت إلى لحيته فأخذت التور فخضبته وهو على ظهر جمله حتى فرغت من خضابه ، ثم نزل فجعلا يتحدثان حتى علق الخضاب ، ثم قامت إليه فغسلت لحيته ودهنته ، ثم قام فركب وقال:

إنّ أهل الخضـاب قـد تـركونـي
موزعـاً مولعـاً بأهـل الخضاب).

الكميت بن زيد الأسدي رحمه الله

كان عمه رئيس بني أسد ورأى فيه النبوغ

قال المبرد(تاريخ دمشق:50 /233): (كان عم الكميت رئيس قومه فقال له يوماً: يا كميت لم لا تقول الشعر ، ثم أخذه فأدخله ماء كان لهم (نبع ماء) وقال لا أخرجتك منه أو تقول الشعر ، فمرت به قبرة فأنشأ متمثلاً يقول:

يا لك من قبرة بمعمر
خـلا لك الجو فـبيضـي واصفري

ونقري ما شئت أن تنقري

فقال له عمه: إنما حلفت أنك تقول شعراُ، وقد قلته فاخرج ).

كان الكميت لغوياً حفظ العربية بشعره

ترجم له الذهبي وهو المبغض للشيعة ، فقال في سيره (5/388): (الكميت بن زيد الأسدي الكوفي ، مقدم شعراء وقته ، قيل بلغ شعره خمسة آلاف بيت ، روى عن الفرزدق وأبي جعفر الباقر.. قال أبو عبيدة: لو لم يكن لبني أسد منقبة غير الكميت لكفاهم حببهم إلى الناس وأبقى لهم ذكراً .

وقال أبو عكرمة الضبي: لولا شعر الكميت لم يكن للغة ترجمان..

وكان الكميت شيعياً مدح علي بن الحسين فأعطاه من عنده ومن بني هاشم أربع مئة ألف وقال: خذ هذه يا أبا المستهل ، فقال: لو وصلتني بدانق لكان شرفاً ، ولكن أحسن إليَّ بثوب يلي جسدك أتبرك به فنزع ثيابه كلها فدفعها إليه ودعا له . فكان الكميت يقول: ما زلت أعرف بركة دعائه ).

تميز الكميت بعشر خصال !

في تاريخ دمشق(50/232): (كان في الكميت عشر خصال ، لم تكن في شاعر: كان خطيب بني أسد ، وفقيه الشيعة ، وحافظ القرآن ، وثبت الجنان ، وكان كاتباً حسن الخط، وكان نسابة وكان جدلاً ، وكان أول من ناظر في التشيع ، وكان رامياً لم يكن في أسد أرمى منه بنبل ، وكان فارساً ، وكان شجاعاً ، وكان سخياً ديناً) .

وكان الكميت نسابة

في تاريخ الذهبي(3/486): (عن أبي عكرمة الضبي، عن أبيه قال: كان يقال: ما جمع أحد من علم العرب ومناقبها ومعرفة أنسابها ما جمع الكميت ، فمن صحح الكميت نسبه صح ، ومن طعن فيه وهن) .

بدأ شعره بالهاشميات ورأى ثلاثة أئمة ومدحهم

فقد أنشد للإمام زين العابدين والباقر والصادق عليهم السلام ولم يقبل جائزة مادية ، بل طلب منهم الدعاء والتبرك بثيابهم ليجعلها في كفنه ، قال: ( والله ما أحببتكم للدنيا ولو أردتها لأتيت من هو في يديه ، ولكنني أحببتكم للآخرة ، فأما الثياب التي أصابت أجسادكم فإني أقبلها لبركتها ، وأما المال فلا أقبله). (خزانة الأدب:1/155) .

كان شاباً فذهب الى البصرة وعرض هاشمياته على الفرزدق

قال المسعودي في مروج الذهب (3/228) : (لما قال الكميت بن زيد الأسدي الهاشميات ، قدم البصرة فأتى الفرزدق فقال: يا أبافراس ، أنا ابن أخيك ، قال: ومن أنت ؟ فانتسب له فقال: صدقت فما حاجتك ؟ قال: نفث على لساني ، وأنت شيخ مضر وشاعرها ، وأحببت أن أعرض عليك ما قلت ، فإن كان حسناً أمرتني بإذاعته ، وإن كان غير ذلك أمرتني بستره وسترته عليَّ .

فقال: يا ابن أخي أحسب شعرك على قدرعقلك ، فهات ما قلت راشداً ، فأنشده:

طربت وما شوقاً إلى البيض أطـرب
ولا لعبـاً منـي وذو الشيـب يلعـب

قال : بلى فالعب ، فقال:

ولم يلهنـي دار ولا رسم منـزل
ولـم يتطـربني بنـان مخضـب

قال : فما يطربك إذاً ؟ قال:

ومـا أنـا ممـن يزجـر الطيـر همـه
أصـاح غـراب أو تعـرض ثعلـب

قال: فما أنت ويحك ، وإلى من تسمو؟ فقال:

ومـا السانحـات البارحاـت عشيـة
أمـرَّ سليـم القـرن أم مـر أعضـب

قال: أما هذا فقد أحسنت فيه ، فقال:

ولكـن إلى أهل الفضائـل والنهـى
وخيـر بنـي حـواء والخيـر يطلـب

قال : ومن هم ويحك ؟ قال:

إلى النفـر البيـض الذيـن بحبهـم
إلى الله فيـما نابنـي أتقـرب

قال: أرحني ويحك ! من هؤلاء ؟ قال:

بنـي هاشـم رهـط النبـي فإننـي
بهـم ولهـم أرضـى مـراراً وأغضب

قال: لله درك يا بني ، أصبت فأحسنت إذ عدلت عن الزعانف الأوباش ، إذاً لا يصرد سهمك ولا يكذب قولك ، ثم مر فيها فقال له: أظهر ثم أظهر وكد الأعداء ، فأنت والله أشعر من مضى وأشعر من بقي ) .

وزار الكميت الإمام زين العابدين عليه السلام ( الروضة المختارة / 164): (فقال: إني قد مدحتك بما أرجو أن يكون لي وسيلة عند رسول الله صلى الله عليه وآله ثم أنشده قصيدته:

من لقلب متيم مستهام.. فلما أتى على آخرها قال له: ثوابك نعجز عنه ، ولكن ما عجزنا عنه فإن الله لا يعجز عن مكافأتك ، وأراد أن يحسن إليه فقال له إن أردت أن تحسن إلي فادفع إلي بعض ثيابك التي تلي جسدك أتبرك بها ، فنزع ثيابه ودفعها إليه ثم قال: اللهم إن الكميت جاد في آل رسول الله وذرية نبيك صلى الله عليه وآله بنفسه حين ضن الناس ، وأظهر ما كتمه غيره من الحق ، فأحيه وأمته شهيداً ، وأره الجزاء عاجلاً فإنا قد عجزنا عن مكافأته! قال الكميت:ما زلت أعرف بركة دعائه عليه السلام ).

وفي رواية: (فقال له خذ هذه يا أبا المستهل فاستعن بها على سفرك فقال: لو وصلتني بدانق لكان شرفاً ولكن على مدحكم لا آخذ ثمناً ولا آجراً إلا ممن أردت به وجهه والوسيلة عنده . ولكن إن أحببت أن تحسن إلي فادفع بعض ثيابك التي تلي جسدك أتبرك به فقام علي بن الحسين عليه السلام فنزع ثيابه فدفعها كلها إليه وأمر بجبة له كانت يصلي فيها فدفعت إليه، ثم قال اللهم إن الكميت جاد في آل رسولك وذرية نبيك بنفسه حين ضن الناس..الخ..)

أقول: هذا دعاء عظيم من الإمام زين العابدين صلوات الله عليه ، يجعل الكميت من كبار أولياء الله تعالى ، وقد استجاب الله قول الإمام زين العابدين عليه السلام فيه: فأحياه حميداً وأماته شهيداً ، وختم له بالسعادة .

وفي تاريخ دمشق(50/237):(عن المدائني قال: قال الكميت لمحمد بن علي إني قد قلت أبياتاً إن أظهرتها خشيت على نفسي ، وإن أخفيتها خشيت على ديني!

قال هاتها ، فأنشده هذه الأبيات:

نفى عن عينك الأرقُ الهجوعا
وهمٌّ يمتري منها الدموعا
ويوم الدوحِ دوحِ غديرِ خمٍّ
أبانَ له الولايةَ لو أطيعا
ولكنَّ الرجال تبايعوها
فلم أر مثلها خطراَ مبيعا
فلم أبلغ بهم لعناً ولكن
أساء بذاك أولهم صنيعا
فصار بذاك أقربهم لعدل
إلى جور وأحفظهم مضيعا
فقل لبني أمية حيث حلوا
وإن خفت المهندَ والقطيعا
ألا أف لدهر كنت فيه
هِداناً طائعاً لكم مطيعا
أجاع الله من أشبعتموه
وأشبـع مـن بجـوركم أجـيعـا

فاستدار علي بن الحسين إلى القبلة ثم رفع يديه وقال:اللهم اغفر للكميت ثلاث مرات).

ثم زار الإمام الباقر عليه السلام ( مروج الذهب: 3 / 228 ) ليلاً فأنشده ، فلما بلغ قوله:

وقتيل بالطـف غودر منهم
بين غوغاء أمة وطغام

بكى أبو جعفر ثم قال: ياكميت ، لو كان عندنا مال لأعطيناك ، ولكن لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لحسان بن ثابت: لا زلت مؤيداً بروح القدس ما ذببت عنا أهل البيت . ونهض عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، فأخذ ثوباً جلداً فدفعه إلى أربعة من غلمانه ، ثم جعل يدخل دور بني هاشم ويقول: يا بني هاشم ، هذا الكميت قال فيكم الشعر حين صمت الناس عن فضلكم ، وعرض دمه لبني أمية فأثيبوه بما قدرتم ، فيطرح الرجل في الثوب ما قدر عليه من دنانير ودراهم ، وأعلم النساء بذلك فكانت المرأة تبعث ما أمكنها ، حتى إنها لتخلع الحلي عن جسدها، فاجتمع من الدنانيروالدراهم ما قيمته مائة ألف درهم ، فجاء بها إلى الكميت فقال: يا أبا المستهل أتيناك بجهد المقل ، ونحن في دولة عدونا وقد جمعنا لك هذا المال وفيه حلي النساء كما ترى ، فاستعن به على دهرك ، فقال: بأبي أنت وأمي قد أكثرتم وأطبتم ، وما أردت بمدحي إياكم إلا الله ورسوله صلى الله عليه وآله ولم أك لآخذ لذلك ثمناً من الدنيا فاردده إلى أهله . فجهد به عبد الله أن يقبله بكل حيلة ، فأبى ).

مكيدة والي العراق ضد الكميت

اشتهرت هاشمياته، وساعد على شهرتها عدوه والي العراق ، فقد أراد أن يحرض عليه الخليفة ليقتله ( خزانة الأدب:1/87) ( فقال: والله لأقتلنه ! ثم اشترى ثلاثين جارية في نهاية الحسن ، فروَّاهن القصايد الهاشميات للكميت ، ودسهن مع نخاس إلى هشام بن عبد الملك فاشتراهن ، فأنشدنه يوماً القصائد المذكورة ، فكتب إلى خالد وكان يومئذ عامله بالعراق: أن ابعث إلي برأس الكميت !

فأخذه خالد وحبسه فوجه الكميت إلى امرأته ولبس ثيابها وتركها في موضعه وهرب من الحبس، فلما علم خالد أراد أن ينكل بالمرأة فاجتمعت بنو أسد إليه وقالوا: ما سبيلك على امرأة لنا خدعت ، فخافهم وخلى سبيلها)!

وفي خزانة الأدب: (فاختار جوارٍ مغنيات وحفَّظهنَّ هاشميات الكميت وأرسلهن الى هشام ، فطلب هشام من إحداهن أن تغنيه فغنت بشعر الكميت في مدح بني هاشم وذم بني أمية ! فغصب وطلب من الثانية أن تغني فغنت بشعر الكميت أيضاً ! فكتب إلى خالد: ( أن ابعث إليَّ برأس الكميت ! فأخذه خالد وحبسه ، فوجه الكميت إلى امرأته ولبس ثيابها وتركها في موضعه وهرب من الحبس ، فلما علم خالد أراد أن ينكل بالمرأة ، فاجتمعت بنو أسد إليه وقالوا: ما سبيلك على امرأة لنا خدعت؟! فخافهم وخلى سبيلها). (خزانة الأدب:1/87 ).

وفي أنساب الأشراف (8 /401): (فجاء كتاب هشام بقطع يدي الكميت ورجليه ولسانه ، فأخبر خالد بن عنبسة بذلك ، فأخبر ابن عنبسة المستهل بذلك ليعلمه إياه فيوصي ويعهد ، فأخبر المستهل أمه فلبست درعين وخمارين ونطاقين ، ثم أتت الكميت فأخبرته فلبس أحد درعيها وأحد خماريها وأحد نطاقيتها ، ثم خرج على البوابين فلم ينكروه ومضى من فوره إلى مسلمة بن هشام فأجاره مسلمة وأخواه . فكتب إليه هشام : أما امرأته فخاطرت بنفسها لزوجها فلا سبيل عليها فأطلقها . وأما أنت فقد ضيّعت) . وعاش الكميت مطارداً سنين ، ثم تصالح مع الخليفة ، فرفع عنه سلطة والي العراق ورجع ، ثم قتله والي العراق في سنة 126، فنال الشهادة .

قال ابنه المستهل: ( حضرت أبي عند الموت وهو يجود بنفسه ثم أفاق ففتح عينيه ثم قال: اللهم آل محمد ، اللهم آل محمد ، اللهم آل محمد ، ثلاثاً ) .

وروى في تاريخ دمشق(50/238) (قال جعفر بن محمد: الكميت سيف آل محمد في كل قلب معاند مغمد ).

القصائد الهاشميات: رددها المسلمون وغنَّتْ بها المغنيات

أحب المسلمون الكميت وأحصوا شعره: ( قال محمد بن مسلمة: كان مبلغ شعر الكميت حين مات خمسة آلاف ومائتين وتسعاً وثمانين بيتاً ، وكانت ولادته أيام مقتل الحسين بن علي سنة ستين ، وتوفي شهيداً سنة ست وعشرين ومائة في خلافة مروان بن محمد ). (معاهد التنصيص/555) .

وعلموا شعره لأولادهم، ففي تاريخ دمشق (50/238): (سمعت مشايخ أهل البيت يقولون: خذوا أولادكم بتعليم الهاشميات ، فإنها تُنبت الولاية في قلوبهم...

قال جعفر بن محمد: الكميت سيف آل محمد ، في كل قلب معاند مغمد) !

وفي تاريخ دمشق(50/247) عن أبي عبد الله المفجع قال: ( رأيت أمير المؤمنين في النوم فقلت: أشتهي أقول الشعر في أهل البيت ، فقال: عليك بالكميت فاقتف أثره فإنه إمام شعرائنا أهل البيت ، وبيده لواؤهم يوم القيامة حتى يقودهم إلينا).

وقال المفيد رحمه الله في الفصول المختارة (2/85): (إنما نظم الكميت معنى كلام أمير المؤمنين عليه السلام في منثور كلامه في الحجة على معاوية ، فلم يزل آل محمد عليهم السلام بعد أمير المؤمنين عليه السلام يحتجون بذلك ، ومتكلموا الشيعة قبل الكميت وفي زمانه وبعده).

شروح القصائد الهاشميات

شرح العلماء والأدباء الهاشميات وأقدم شرح وصلنا: (شرح هاشميات الكميت لأبي رياش أحمد بن إبراهيم القيسي أو الشيباني، (متوفى 339.. وهي سبع قصائد.. ومجموعها خمس مائة وبضعة وسبعون بيتاً.. ولعبد المتعال الصعيدي كتاب: الكميت بن زيد شاعر العصر المرواني ، طبع القاهرة ، ولصلاح الدين نجا: الكميت بن زيد الأسدي شاعر الشيعة السياسي ، طبع في بيروت.. ويوجد شرح الهاشميات في دار الكتب المصرية ، وطبع في ليدن سنة 1904م مع مقدمة وتصحيحات بالألمانية ليوسف هوروفتس، طبع بالقاهرة في مطبعة شركة التمدن الصناعية سنة1912م مع مقدمة لمحمد محمود الرافعي في ترجمة الكميت ، طبع في بيروت بتحقيق الدكتور داود سلوم ).(مجلة تراثنا:14/49).

وذكروا شرحين مطبوعين لمعاصرين هما: لمحمد شاكر الخياط ، ومحمد محمود الرافعي. راجع: الغدير:2/180، والأعلام:1/85 ، ومعجم المطبوعات العربية:1/311 ، و925 .

ولا يتسع المجال هنا إلا لنماذج من هاشمياته:

1- قال الكميت رحمه الله :

ألا هل عمٍ في رأيه متأملُ
وهل مدبرٌ بعد الإساءة مقبلُ
وهل أمة مستيقظون لرشدهم
فيكشف عنه النعسة المتزمل
وعطلت الأحكام حتى كأننا
على ملة غير التي نتنحل
كلام النبيين الهداة كلامنا
وأفعال أهل الجاهلية نفعل
فيا ساسةً هاتوا لنا من حديثكم
ففيكم لعمري ذو أفانينَ مقول
أأهل كتاب نحن فيه وأنتم
على الحق نقضـي بالكتاب ونعدل
فكيف ومن أنى وإذ نحن خلفة
فريقان شتى: تسمنون ونهزل؟
فتلك ملوك السوء قد طال ملكهم
فحتى م حتى م العناء المطول
لهم كل عام بدعة يحدثونها
أزلوا بها أتباعهم ثم أوجلوا
تحل دماء المسلمين لديهم
ويحرم طلع النخلة المتهدل
فيـا رب هل إلا بك النصـر يـرتجى
عليهم وهل إلا عليك المعول
وغاب نبي الله عنهم وفقده
على الناس رزء ما هناك مجلل
فلم أر مخذولاً أجلَّ مصيبةً
وأوجب منه نصـرةً حيـن يُخذل
يصيب به الرامون عن قوس غيرهم
فيا آخراً أسدى له الغيَّ أول
تهافت ذبان المطامع حوله
فريقان شتى ذو سلاح وأعزل

2- وقال رحمه الله :

طربت وما شوقاً إلى البيض أطربُ
ولا لعباً مني وذو الشوق يلعبُ
ولم يُلهني دار ولا رسم منزل
ولم يتطرَّبْني بنانٌ مخضب
ولكن إلى أهل الفضائل والنهى
وخير بني حواء والخير يطلب
إلى النفر البيض الذين بحبهم
إلى الله فيما نالني أتقرب
بني هاشم رهط النبي فإنني
بهم ولهم أرضى مراراً وأغضب
بأي كتاب أم بأيَّة سنةٍ
ترى حبهم عاراً علي وتحسب
فطائفة قد كفرتني بحبكم
وطائفة قالوا مسئٌ ومذنب
فما ساءني تكفير هاتيك منهم
ولا عيب هاتيك التي هي أعيب
وقالوا ترابيٌّ هواه ورأيُهُ
بذلك أدعى فيهمُ وألقب
بحقكم أمست قريش تقودنا
وبالفذ منها والرديفين نُركب
إذا اتضعونا كارهين لبيعة
أناخوا لأخرى والأزمة تجذبُ
وقالوا ورثناها أبانا وأمنا
وما ورَّثتهم ذاك أمٌّ ولا أبُ
ولكن مواريث ابن آمنة الذي
به دان شرقيٌّ لكم ومُغَرِّب
فدىً لك موروثاً أبي وأبو أبي
ونفسـي ونفسـي بعـدُ بالنـاس أطيـب
بـك اجتمعـت أنسابنـا بعـد فرقـة
فنحـن بنـو الإسـلام ندعـى وننسـب
لقد غيبوا براً وصدقاً ونائلاً
عشية واراك الصفيح المنصب
يقولون لم يورث ولولا تراثه
لقد شركت فيه بكيلٌ وأرْحَبُ
وعِكٌّ ولَخْمٌ والسَّكونُ وحِمْيرٌ
وكِندةُ والحيَّانِ بكْرٌ وتَغْلبُ
فيا لك أمراً قد أشتَّتْ أموره
ودنياً أرى أسبابها تتقضب
فيا موقداً ناراً لغيرك ضوؤها
ويا حاطباً في غير حبلك تحطب

3- وقال رحمه الله :

من لقلب متيم مستهام
غير ما صبوة ولا أحلام
بل هواي الذي أجن وأبدي
لبني هاشم فروع الأنام
للقريبين من ندى والبعيد
يـن مـن الـجور في عـرى الأحـكـام
والمـصـيبـين باب ما أخطـأ النــا
س ومرسي قواعد الاسلام
ساسةٌ لا كمن يرَّعي الناس
سواءً ورعية الأنعام
لا كعبد المليك أو كوليد
أو كسليمان بعد أو كهشام
ما أبالي إذا حفظت أبا
القـــاسم فيهم ملامة اللوام
فهم شيعتي وقسمي من الأمــة
حسبي من سائر الأقسام
إن أمـت لا أمـت ونفسـي نفسـا
ن من الشك في عمىً أو تعامي
أخلص الله لي هوايَ فما
أغــرق نزعاً ولا تطيش سهامي

وروي أن الإمام الصادق عليه السلام قال له: (لا تقل هكذا ولكن قل: فقد أغرق نزعاً وما تطيش سهامي. فقال الكميت: يا مولاي أنت أشعر مني).(الكافي:8/215 ، والمناقب:3/337) .

4- وقال رحمه الله :

أنى ومن أين آبك الطرب
من حيث لا صبوةٌ ولا رِيَبُ
وقيل أفرطت بل قصدت ولو
عنفني القائلون أو ثلبوا
إليك يا خير من تضمنت ال‍
أرض وإن عاب قولي العيب
لجَّ بتفضيلك اللسان ولو
أكثر فيك الضجاج واللجب
أنت المصفى المهذب المحض في النسبة
إن نص قومك النسب
أكرم عيداننا وأطيبها
عودك عود النضار لا الغرب
ما بين حواء إن نسبت إلى
آمنة اعتم نبتك الهدب
قرن فقرن تناسخوك لك ال‍
فضة منها بيضاء والذهب
حتى علا بيتك المهذب من
خندف علياء تحتها العرب

5- وقال رحمه الله :

نفى عن عينك الأرقُ الهجوعا
وهمٌّ يمتري منها الدموعا
ويوم الدوحِ دوحِ غديرِ خمٍّ
أبانَ له الولايةَ لو أطيعا
ولكنَّ الرجال تبايعوها
فلم أر مثلها خطراَ مبيعا
فلم أبلغ بهم لعناً ولكن
أساء بذاك أولهم صنيعا
فصار بذاك أقربهم لعدل
إلى جور وأحفظهم مضيعا
فقل لبني أمية حيث حلوا
وإن خفت المهندَ والقطيعا
ألا أف لدهر كنت فيه
هداناً طائعاً لكم مطيعا
أجاع الله من أشبعتموه
وأشبع من بجوركم أجيعا

6- وقال رحمه الله :

علي أمير المؤمنين وحقه
من الله مفروض على كل مسلم
وزوجته صديقة لم يكن لها
معادلة غير البتولة مريم
وردَّم أبوابَ الذين بنى لهم
بيوتاً سوى أبوابه لم يُردم

7- وقال رحمه الله :

بأبي أنت وأمي
يا أمير المؤمنينا
وفدتك النفس مني
يا إمام المتقينا
وأمين الله والوارث
علم الأولينا
ووصي المصطفى
أحمد خير المرسلينا
وولي الحوض و
الـذائد عنه المحدثينا

طاردت السلطة الكميت سنوات فلم تظفر به !

قال في العقد الفريد:3/183، وفي طبعة/281: (كان الكميت بن زيد يمدح بني هاشم ويعرِّض ببني أمية ، فطلبه هشام فهرب منه عشرين سنة ، لا يستقر به القرار من خوف هشام). وتقصد الرواية كل خلافة هشام من سنة (115-120)

وفيها مبالغة ، لكن الكميت أمضى سنوات عديدة كان يتحرك فيها مع أخيه الورد ومجموعة فرسان من فتيانه ، في أحياء بني أسد وبوادي العراق والحجاز والأهواز وكانت السلطة تطارده للقبض عليه فلم تستطع !

ولما طال تشرده استأذن الإمام الباقر عليه السلام أن يمدح الخليفة بقصيدة فأجازه .

قال أخوه الورد: (أرسلني الكميت إلى أبي جعفر عليه السلام فقلت له: إن الكميت أرسلني إليك وقد صنع بنفسه ما صنع ، فتأذن له أن يمدح بني أمية؟

قال: نعم هو في حل فليقل ما شاء . فنظم قصيدته الرائية التي يقول فيها:

فالآن صرت إلى أمية والأمور إلى مصائر). (الأغاني:15/126).

وعاش الكميت بعد هشام حتى كتب الله الشهادة بدعوة الإمام زين العابدين عليه السلام لما أنشده قصيدته: من لقلب متيم مستهام ) .( خزانة الأدب:1/ 69) .

وقد رووا في سبب وفاته أنه كان ينشد عند والي الكوفة ، فهاجمه حراسه الثمانية وكانوا من اليمانية المتعصبين عليه لأنه مضري( الوافي: 24 / 277 ) ولا نثق بمثل هذه الرواية ، بل المرجح أنه قتل بسبب الثأر الأموي المزمن عليه .

ورووا أن الكميت أنشد الإمام الباقر عليه السلام :

إنّ المُصَـرَّيْنِ على ذنبيهما
والمخفيا الفتنة في قلبيهما
والخالعـا العقـدة مـن عنقيهـما
والحاملا الوزر على ظهريهما
كالجبـت والطاغوت في مثليهمـا.

(العقد النضيد/165).

كما رووا أنه سأل الإمام الباقر والصادق صلى الله عليه وآله عن أبي بكر وعمر ، فأجاباه بالنفي فقال: الله أكبر الله أكبر ، حسبي حسبي ! (الكافي:8/102 ، والبحار:30/240).

كرامة للكميت والحميري

قال في الخرائج(2/941):(ولايخفى أن السباع كلها تذل لآل محمد المعصومين عليهم السلام وتنتهي إلى أوامرهم ، فإن الباقر عليه السلام دعا للكميت لما أراد أعداء آل محمد أخذه وإهلاكه وكان متوارياً ، فخرج في ظلمة الليل هارباً وقد أقعدوا على كل طريق جماعة ليأخذوه إن خرج في خفية ، فلما وصل الكميت إلى الفضاء وأراد أن يسلك طريقاً جاء أسد فمنعه من أن يسري فيها ، فسلك أخرى فمنعه منها أيضاً ، وكأنه أشار إلى الكميت أن يسلك خلفه ، ومضى الأسد في جانب والكميت خلفه إلى أن أمن وتخلص من الأعداء .

وكذلك كان حال السيد الحميري ، دعا له الصادق عليه السلام لما هرب من أبويه وقد حرشا عليه السلطان فدله سبع على طريق ، ونجا منهما ) .

استجار بقبر ابن الخليفة فنجا من القتل

قال السيد المدني في الدرجات الرفيعة/576:(لما أجاره مسلمة بن هشام (بن عبد الملك أخ الخليفة) وبلغ هشاماً (الخليفة) دعا به وقال له: أتجير على أمير المؤمنين بغير أمره! فقال: لاولكني انتظرت سكون غضبه . قال: أحضره الساعة فإنه لا جوار لك . فقال مسلمة للكميت: يا أبا المستهل إن أميرالمؤمنين قد أمرني بإحضارك !

قال أوَتسلمني يا أبا شاكر؟ قال كلا ، ولكني أحتال لك ، ثم قال إن معاوية بن هشام (ابن الخليفة) قد مات قريباً وقد جزع عليه جزعاً شديداً، فإذا كان من الليل فاضرب رواقك على قبره ، وأنا أبعث إليك ببنيه يكونون معك في الرواق فإذا دعا بك تقدمت إليهم أن يربطوا ثيابهم بثيابك ويقولون: هذا استجار بقبر أبينا ، ونحن أحق من أجاره ، فأصبح هشام على عادته متطلعاً من قصره إلى القبر فرأى فسطاطاً فقال: ما هذا فقالوا لعله مستجير بالقبر فقال يجار من كان إلا الكميت فإنه لا جوار له ! فقيل فإنه الكميت قال يحضرأعنف إحضار فلما دعي به ربط الصبيان ثيابهم بثيابه ! فلما نظر هشام إليهم أغرورقت عيناه واستعبر وهم يقولون: يا أمير المؤمنين استجار بقبر أبينا وقد مات ومات حظه في الدنيا ، فاجعله هبة لنا وله ، ولا تفضحنا فيمن استجار به! فبكى هشام حتى انتحب ثم أقبل على الكميت فقال: يا كميت أنت القائل:

وإلا تقولوا غيرنا تتعرفوا
نواصيها تردى بنا وهي تشـرب

قال كلا ولا أتانٌ من أتن الحجاز! ثم إنه حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله ثم قال: أما بعد فإني كنت أتدهدى في غمرة جهالة ، وأعوم في بحر غواية ، أخنى على خطلها ، واستفزني وهلها ، فتحيرت في الضلالة ، وتسكعت في الجهالة . مهرعاً عن الحق ، جائراً عن القصد ، أقول الباطل ضلالاً ، وأفوه بالبهتان وبالاً ، وهذا مقام عائذ أبصرالهدى ، ورفض العمى ، فاغسل يا أمير المؤمنين الحوبة بالتوبة ، واصفح عن الزلة ، واعف عن الجرم ، ثم قال شعراً:

كم قال قائلكم لعا
لك عند عثرته لعاثر
وغفرتم لذوي الذنوب
من الأكابر والأصاغر
أبني أمية انكم
أهل الوسائل والأوامر
ثقتي لكل ملمة
وعشيرتي دون العشائر
أنتم معادن للخلافة
كابراً من بعد كابر
بالتسعة المتتابعين
خلائفاً وبخير عاشر

ثم انه قطع الإنشاد وعاد إلى خطبته فقال: إغضاء أمير المؤمنين وسماحته وصباحته مناط المنتجعين من لا يحل حبوته لإساءة المذنبين ، فضلاً عن استشاطة غضبه لجهل الجاهلين ، فقال له:ويلك يا كميت من زين لك الغواية ودلاك في العماية؟ قال الذي أخرج أبانا من الجنة ، وأنساه العهد فلم يجد له عزماً .

فقال له: إيه يا كميت أنت القائل:

فيـا موقـدا نـاراً لغيـرك ضـوؤها
ويـا حاطبـاً في غيـر حبلـك تحطب

فقال بل أنا القائل:

إلى آل بيت أبي مالك
مناخ هو الأرحب الأسهل

فقال له وأنت القائل:

وكعبد المليك أو كوليد
أو سليمان بعد أو كهشام
من يمت لا يمت فقيداً ومن
يحيا فلا ذو إلٍ ولا ذو ذمام

فقال له ويلك يا كميت جعلتنا ممن لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة !

فقال: بل أنا القائل يا أمير المؤمنين:

والآن صرت إلى أمية
والأمور إلى مصائر
والآن صرت بها المصيب
كمهتدي بالأمس حائر
يا ابن العقائل والأماثل
والجحاجحة الأخابر
من عبد شمس والأكابر
من أمية فالأكابر
إن الخلافة والإلاف
برغم ذي حسد وواغر
دلفـا مـن الشـرف التلـيـد
إليك بالرفد الموافر
فحللت معتلج البطاح
وحل غيرك بالظواهر

فقال له: إيه وأنت القائل :

فقل لبني أمية حيث كانوا
وان خفت المهند والقطيعا
أجاع الله من أشبعتموه
وأشبع من بجوركم أجيعا
بمرضي السياسة هاشمي
يكون حيا لامته ربيعا

فقال لاتثريب يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تمحو عني قولي الكاذب بقول الصادق فقال وما هو؟ فقال:

أورثته الحصان أم هشام
نسباً ثاقباً ووجهاً نضيرا
وتعاطـى بـه ابـن عايشـة البـدر
فأمسى له رقيباً نظيرا
وكساه أبو الخلائف مروان
سناء المكارم المأثورا
لم تجهم له البطاح ولكن
وجدتها له مغان ودورا

وكان هشام متكئاً فاستوى جالساً وقال: هكذا فليكن الشعر ، يقولها لسالم بن عبد الله بن عمروكان إلى جانبه . ثم قال: قد رضيت عنك يا كميت فقبل يده ثم قال: يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تزيد في تشريفي فلا تجعل لخالد عليَّ أمارة. قال: قد فعلت ، وكتب له بذلك وأمر له بأربعين ألف درهم وثلاثين ثوباً شامية . وكتب إلى خالد أن يخلى سبيل امرأته ويعطيها عشرين ألف درهم وثلاثين ثوباً ففعل).

أين دفن الكميت ؟

في الدرجات الرفيعة/581، والأغاني (17/30): (وحدث المستهل بن الكميت قال: حضرت أبي عند الموت وهو يجود بنفسه فأغمي عليه ثم أفاق ، ففتح عينيه ثم قال: اللهم آل محمد اللهم آل محمد اللهم آل محمد ثلاثاً.

ثم قال: يا بني إنه بلغني في الروايات أنه يحفر بظهر الكوفة خندق يخرج فيه الموتى من قبورهم ، وينبشون منها فيحولون إلى قبور غيرهم . فلا تدفني في الظهر ولكن إذا مت فامض بي إلى موضع يقال له مكران فادفني فيه فدفن في ذلك الموضع وكان أول من دفن فيه ، وهو مقبرة بني أسد إلى الساعة . وكان مبلغ شعره حين مات خمسة آلاف ومائتين وتسعة وثمانين بيتاً..

عن المستهلّ بن الكميت أنه قال: حضرت أبي عند الموت وهو يجود بنفسه ، ثم أفاق ففتح عينيه ثم قال: اللهمّ آل محمد ، اللهم آل محمد ، اللهم آل محمد ثلاثاً، ثم قال لي: يا بنيّ وددت أني لم أكن هجوت نساء بني كلب بهذا البيت:

مع العضروط والعسفاء ألقوا برادعهنّ غير محصّنينا. فعممتهنّ قذفاً بالفجور ! واللَّه ما خرجت بليل قطَّ إلَّا خشيت أن أرمى بنجوم السماء لذلك ).

أولاد الكميت

ورد ذكرالمستهل بن الكميت ، والورد بن الكميت على اسم عمه الورد ، وريا بنت الكميت وداود بن الكميت ، وحُبيش بن الكميت .

قال في تاريخ دمشق(57/390): (مستهل بن الكميت بن زيد .. شاعر ابن شاعر، وفد على هشام بن عبد الملك مع أبيه حين هرب من خالد القسري .

عن الأصمعي قال:حبس عبد الله بن علي المستهل بن الكميت فكتب إليه:

لئـن نحـن خفنـا في زمان عدوكـم
وخفنـاكم إن البـاء لراكد فأطلقه).

(دخل المستهل بن الكميت على عبد الصمد بن عليّ فقال له من أنت؟ فأخبره فقال: لا حياك الله ولا حيا أباك ، هو الذي يقول: فالآن صرت إلى أمية والأمور إلى مصاير

قال فأطرقت استحياء مما قال . قال ثم قال لي: إرفع رأسك يا بني ، فلئن كان قال هذا ، فلقد قال: بخاتمكم كرهاً تجوز أمورهم.. فلم أر غصباً مثله حين يغصب .

قال: فسلَّى بعض ما كان بي وحادثني ساعة.. وأمر له بجائزة ). (الأغاني:17/18).

وروى في النهاية(6/92) عن داود بن الكميت ، عن عمه المستهل بن زيد ، عن أبيه زيد بن سلهب عن جويرية بنت شهر قالت: خرجت مع علي بن أبي طالب فقال: يا جويرية إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يوحى إليه ورأسه في حجري).

في الأغاني(17/19): (قال الطلحي: أخبرني حبيش بن الكميت أخو المستهلّ بن الكميت بن زيد قال: وفد الكميت بن زيد على يزيد بن عبد الملك ، فدخل عليه يوماً وقد اشتريت له سلَّامة القسّ فأدخلها إليه والكميت حاضر فقال له: يا أبا المستهل هذه جارية تباع أفترى أن نبتاعها؟ قال: إي واللَّه يا أمير المؤمنين وما أرى أن لها مثلاً في الدنيا فلا تفوتنك؟ قال:فصفها في شعر حتى أقبل رأيك فقال:

هي شمس النهار في الحسن
إلَّا أنها فضّلت بقتل الظَّراف
غضّة بضّة رخيم لعوب
وعثة المتن شختة الأطراف
زانها دلَّها وثغر نقيٌّ
وحديث مرتّل غير جافي
خلقت فوق منية المتمني
فاقبل النصح يا بن عبد مناف

فضحك يزيد وقال: قد قبلنا نصحك يا أبا المستهلّ ، وأمر له بجائزة سنّية ).

وقال في الأغاني(17/30): (التقت ريَّا بنت الكميت بن زيد ، وفاطمة بنت أبان بن الوليد بمكة وهما حاجتان ، فتساءلتا حتى تعارفتا ، فدفعت بنت أبان إلى بنت الكميت خلخالي ذهب كانا عليها ، فقالت لها بنت الكميت: جزاكم اللَّه خيراً يا آل أبان ، فما تتركون برّكم بنا قديماً ولا حديثاً ! فقالت لها بنت أبان: بل أنتم فجزاكم الله خيراً فإنّا أعطيناكم ما يبيد ويفنى ، وأعطيتمونا من المجد والشرف ما يبقى أبداً ولا يبيد ، يتناشده الناس في المحافل فيحيي ميت الذكر ، ويرفع بقية العقب) .

السيد الحميري إسماعيل بن محمد بن يزيد رحمه الله

نسبه وصفته

إسماعيل بن محمد بن يزيد بن وداع الحميري ، الملقب بالسيد ، ولد عام 105 بعُمان ونشأ في البصرة ، وكان والده أباضياً يلعن علياً عليه السلام !

وكان هو بفطرته يحب علياً عليه السلام ويكره فعل أبويه ، وربما ترك البيت ونام في المسجد حتى لا يسمع لعن أمير المؤمنين عليه السلام .

ولما كبر سكن الكوفة أخذ الحديث عن سليمان الأعمش ، وكفى به أستاذاً !

وقد ألف المرزباني كتاب أخبار السيد ، وروى فيه أن السيد قال: والله طالما شُتِم أمير المؤمنين عليه السلام ولُعن في هذا البيت ! قلت: ومن فعل ذلك ؟ قال أبواي كانا إباضيين ! قلت: فكيف صرت شيعياً ؟ قال : غاصت عليَّ الرحمة فاستنقذتني !

وروي عنه أن أمه كانت توقظه ليتوب ولا يموت على الضلال وولاية علي! فيذهب إلى المسجد.. ثم شكى حاله لوالي البصرة مسلم بن عقبة ، وكان يميل إلى التشيع فأعطاه بيتاً . ( أعيان الشيعة : 12 / 408 ).

( كان السيد الحميري أسمر ، تام القامة ، جميل الوجه ، رحيب الجبهة ، عريض ما بين السالفتين ، حسن الألفاظ ، جميل الخطاب ، إذا تحدث في مجلس قوم أعطى كل رجل في المجلس نصيبه من حديثه ، وكان من أظرف الناس.. وكان أشنب أي له شاربان ، ذا وفرة ، أي كثيف شعر الرأس). (الغدير:2/271).

ميزات شعره

السيد الحميري شاعر مطبوع ، تميز شعره بالسلاسة والجزالة ، فكان يسري كالنور في الناس في طول العالم الإسلامي وعرضه . أنظر الى قوله:

أقسم بالله وآلائه
والمرء عما قال مسؤول
أن علي بن أبي طالب
على التقى والبر مجبول
وأنه الهادي الإمام الذي
له على الأمة تفضيل
يقول بالحق ويقضـي به
وليس تلهيه الأباطيل
كان إذا الحرب مرتها القنا
وأحجمت عنها البهاليل
مشى إلى القرن وفي كفه
أبيض ماضي الحد مصقول
مشــي العِفَـرْنى بيـن أشبالـه
أبرزه للقُنَّص الغيل

قال العتبي: أحسن والله ما شاء! هذا والله الشعرالذي يهجم على القلب بلا حجاب !

كان كيسانياً يقول بإمامة محمد بن الحنفية فتجعفر

قال المفيد في الفصول المختارة/289: ( أبو هاشم إسماعيل بن محمد الحميري الشاعر وكان من الكيسانية وله في مذهبهم أشعار كثيرة ، ثم رجع عن القول بالكيسانية وبرئ منه ، ودان بالحق ) .

وقد وثقه علماؤنا ، فقال العلامة في الخلاصة/58 : ( إسماعيل بن محمد الحميري ثقة جليل القدر ، عظيم الشأن والمنزلة رحمه الله ) .

سبب ثقافة الحميري أنه تتلمذ على يد سليمان الأعمش

قال ابن حجر في لسان الميزان (1/438): (قال المدايني كان السيد يأتي الأعمش فيكتب عنه فضائل علي ، ثم يخرج فيقول في تلك المعاني شعراً ).

وفي أخبار السيد للمرزباني/170، والأغاني(7/187): (فيكتب عنه فضايل علي أميرالمؤمنين عليه السلام ويخرج من عنده ويقول في تلك المعاني شعراً ، فخرج ذات يوم من عند بعض أمراء الكوفة وقد حمله على فرس وخلع عليه ، فوقف بالكناسة ثم قال: يا معشر الكوفيين من جاءني منكم بفضيلة لعلي بن أبي طالب لم أقل فيها شعراً أعطيته فرسي هذا وما عليها !فجعلوا يحدثونه وينشدهم حتى أتاه رجل منهم وقال: إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه عزم على الركوب فلبس ثيابه وأراد لبس الخف فلبس أحد خفيه ثم أهوى إلى الآخر ليأخذه فانقض عقاب من السماء فحلق به ثم ألقاه ، فسقط منه أسود وانساب فدخل جحراً فلبس علي عليه السلام الخف قال: ولم يكن قال في ذلك شيئاً ، ففكر هنيهة ثم قال:

ألا يا قوم للعجب العجاب
لخفِّ أبي الحسين وللحباب
أتى خفًّا له وانساب فيه
لينهش رجله منه بناب
فخرَّ من السماء له عقاب
من العقبان أو شبه العقاب
فطار به فحلَّق ثم أهوى
به للأرض من دون السّحاب
إلـى جحـر لـه فانسـاب فيـه
بعيد القعر لم يرتج بباب
كريـه الوجـه أسـود ذو بصـيـص
حديد الناب أزرق ذو لعاب
ودوفع عن أبي حسن عليٍّ
نقيع سمامه بعد انسياب

ثم حرك فرسه وثناها وأعطاه ما كان معه من المال والفرس) !

أستاذه سليمان الأعمش شخصية مميزة

سليمان الأعمش رحمه الله من أهل طبرستان ، يمتاز بقوة العقيدة والبصيرة ، وقوة الشخصية وتقدمت ترجمته ، وكان محدثاً حافظاً للقرآن والحديث ، وإمام الحديث المتفق عليه في الكوفة بعد جابر الجعفي رحمه الله يقصده الناس لأخذ القرآن والحديث منه . وقد سأل الخليفة المنصور الأعمش: كم تحفظ في فضائل علي؟ فقال: قليلاً عشرة آلاف حديث ! وقد انعكس يقينه وولاؤه في تلميذه السيد الحميري ، وكان يستمع اليه بكل حواسه ، حتى صار مغرماً بحب أمير المؤمنين عليه السلام .

قال السيد الحميري ( أعيان الشيعة: 3 / 127) :

أشهد بالله وآلائه
والمرء عما قاله يسأل
أن علي بن أبي طالب
خليفة الله الذي يعدل
وأنه قد كان من أحمد
كمثل هارون ولا مرسل
لكن وصياً خازناً عنده
علمٌ من الله به يعمل
قد قام يوم الدوح خير الورى
بوجهه للناس يستقبل
وقال من قد كنت مولى له
فذا له مولى لكم موئل
لكن تواصوا بعلي الهدى
أن لا يولوه ولا يخذلوا ) .

وقال رحمه الله في مولد أمير المؤمنين عليه السلام :

ولدتـه فـي حـرم الإلـه وأمنـه
والبيـت حيـث فنـاؤه والمسجـد
بيضـاء طاهـرة الثيـاب كريمـة
طابـت وطـاب وليـدها والمولـد
فـي ليلـة غابـت نحـوس نجومهـا
وبـدت مـع القمـر المنيـر الأسعـد
ما لف في خرق القوابل مثله
إلا ابن آمنة النبي محمد

قال في أعيان الشيعة ( 1 / 170 ) :

( قال التوزي : لو أن شعراً يستحق أن لا ينشد إلا في المساجد لحسنه ، لكان هذا ، ولو خطب به خاطب على المنبر في يوم جمعة لأتى حسناً وحاز أجراً .

وقال الناصبي مروان بن أبي حفصة لما سمع المذهبة: ما سمعت شعراً قط أفيض وأغزر معان ، وأفصح وأقوى من هذا !

وقال له عدوه بشار بن برد: لولا أن الله شغلك بمدح أهل البيت لافتقرنا !

وقال السيد (أعيان الشيعة: 3 / 413 ) :

ولقد عجبت لقائل لي مرة
علامة فهم من الفقهاء
سماك قومك سيداً صدقوا به
أنت الموفق سيد الشعراء
ما أنت حين تخص آل محمد
بالمدح منك وشاعر بسواء
مـدح الملـوك ذوي الغنـى لعطائهـم
والمـدح منـك لهـم بغـير عطـاء
فابشــر فإنـك فائـزٌ فـي حبهـم
لـو قـد وردت عليهـم بجـزاء
ما يعدل الدنيا جميعاً كلها
من حوض أحمد شربة من ماء

قال حفيد أبي الأسود الدؤلي: تذاكرنا السيد فجاء فجلس ، وخضنا في ذكر الزرع والنخل ساعة فنهض فقلنا: يا أباهاشم ممَّ القيام ؟ فقال:

إني لأكره أن أطيل بمجلس
لا ذكر فيه لفضل آل محمد
لا ذكر فيه لأحمد ووصيه
وبنيه ذلك مجلس نطِفٌ ردي
إن الذي ينساهم في مجلس
حتى يفارقه لغير مسدد

وقال رحمه الله في مقامات أمير المؤمنين عليه السلام :

ألا أيها العاني الذي ليس في الأذى
ولا اللـوم عنـدي في عـلي بمحجـم
ستأتيك مني في علي مقالة
تسوؤك فاستأخر لها أو تقدم
عليٌّ له عندي على من يعيبه
من الناس نصـر باليدين وبالفم
متـى ما يـرد عنـدي معاديـه عيبـه
يـجد ناصراً من دونـه غيـر مفحـم
علي أحب الناس إلا محمداً
إلي فدعني من ملامك أو لم
علي وصي المصطفى وابن عمه
وأول من صلى ووحد فاعلم
علي هو الهادي الإمام الذي به
أنار لنا من ديننا كل مظلم
علي ولي الحوض والذائد الذي
يذبب عن أرجائه كل مجرم
علي قسيم النار من قوله لها
ذري ذا وهذا فاشربي منه واطعمي
خـذي بالشـوى ممـن يصيبك منهم
ولا تقـربي مـن كـان حزبي فتظلمي
علي غداً يدعى فيكسوه ربه
ويدنيه حقاً من رفيق مكرم
فإن كنـت منـه يوم يدنيـه راغمـا
وتبـدي الرضـا عنه من الآن فارغم
فإنـك تلقـاه لدى الحوض قائما
مع المصطفى الهادي النبي المعظم
يجيزان من والاهما في حياته
إلى الروح والظـل الظليـل المكمـم
علي أمير المؤمنين وحقه
من الله مفروض على كل مسلم
لأن رسول الله أوصى بحقه
وأشركه في كل فئ ومغنم
وزوجته صديقة لم يكن لها
مقارنة غير البتولة مريم
وكان كهارون بن عمران عنده
من المصطفى موسى النجيب المكلم
أما والذي يهوى إلى ركن بيته
بشعث النواصي كل وجناء عيهم
يوافين بالركبان من كل بلدة
لقد ضل يوم الدوح من لم يسلم
وأوصى اليه يوم ولى بأمره
وميراث علم من عرى الدين محكم
فمه لا تلمني في علي فإنه
جـرى حبـه ما بين جلدي وأعظمي
ولـو لم تكـن أعمـى به وبفضلـه
عذرت ولكن أنت عن فضله عمي
أليـس بسلـع قنـع المسـرف الـذي
طغى وبغى بالسيف فوق المعمم
وبدر وأحد فيهما من بلائه
بلاء بحمد الله غير مذمم
ولله جل الله في فتح خيبر
عليه ومنه نعمة بعد أنعم
مشى بين جبريل وميكال حوله
ملائكة شبه الهزبر المصمم
ليشهدهـم رب السـماء جهـاده
ويعلمهم إقدامه غير محجم
فأعطوا بأيديهم صغاراً وذلة
وقالـوا لـه نرضى بحكمك فاحكم
فيـا رب إنـي لـم أرد بالـذي بـه
مدحـت عليـا غير وجهك فارحم.

وقال رحمه الله في بيعة الغدير (الغدير:2 / 228) :

وقام محمد بغدير خم
فنادى معلنا صوتاً ندياً
لمن وافاه من عرب وعجم
وحفوا حول دوحته حنياً
ألا من كنت مولاه فهذا
له مولى وكان به حفياً
إلهي عاد من عادى علياً
وكن لوليه ربي ولياً

وقال رحمه الله :

نفسـي فداء رسول الله يوم أتى
جبريل يأمر بالتبليغ إعلانا
إن لـم تبلـغ فمـا بلغـت فانتصـب
النبي ممتثلاً أمراً لمن دانا
وقال للناس من مولاكم قبُلاً
يـوم الغديـرفقالـوا أنـت مـولانـا
أنت الرسول ونحن الشاهدون على
أن قد نصحت وقد بينت تبيانا
هذا وليكم بعدي أمرت به
حتما فكونوا له حزباً وأعوانا
هذا أبركم براً وأكثركم
علماً وأولكم بالله إيماناً
هذا له قربة مني ومنزلة
كانت لهارون من موسى بن عمرانا

وقال رحمه الله في حضور أمير المؤمنين عليه السلام عند المحتضر :

قول علي لحارث عجب
كم ثم أعجوبة له حملا
يا حار همدان من يمت يرني
من مؤمن أو منافق قبلا
يعرفني طرفه وأعرفه
بعينه واسمه وما فعلا
وأنـت عنـد الصــراط تعرفنـي
فـلا تخـف عثـرة ولا زلـلا
أسقيـك مـن بـارد عـلى ظمـأ
تخاله في الحلاوة العسلا
أقـول للنـار حين توقف للعـرض
على جسـرها ذري الرجلا
ذريه لا تقربيه إن له
حبلا بحبل الوصي متصلا
هذا لنا شيعة وشيعتنا
أعطاني الله فيهم الأملا .

واشتهرت قصيدته المذهبة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام وقد أعجب بها الأدباء ، وشرحها الشريف المرتضى بطلب والده نقيب العلويين رحمهما الله .

وهي 111 بيتاً حسب ديوان السيد الحميري/37 ، ونوردها كاملة ، لأنها تضمنت عدة مناقب لأمير المؤمنين عليه السلام وهي:

هـلَّا وقفـت على المكـان المعشـب
بيـن الطويلـع فاللـوى من كبكـب
فنجـاد توضـح فالنضائـد فالشظـا
فريـاض سنحـة فالنقـا من جونـب
طال الثواء على منازل أقفرت
من بعـد هنـد والربـاب وزينـب
أدم حللـن بها وهـن أوانـس
كالعين ترعى في مسالك أهضب
يضحكـن مـن طـرب بهـن تبسـماً
عـن كـل أبيض ذي غروب أشنب
حور مدامعها كأن ثغورها
وهنا صوافي لؤلؤ لم تثقب
أنـس حللـن بها نواعـم كالـدمى
من بيـن محصنـة وبكـر خـرعـب
لعساء واضحة الجبين أسيلة
وعث المؤزر جثلة المتنقب
كنـا وهـن بنضـرة وغضـارة
في خفض عيش راغد مستعذب
أيام لي في بطن طيبة منزل
عن ريب دهر خائن متقلب
فعفـا وصار إلى البـلا بعد البنـا
وأزال ذلـك صـرف دهـر قلـب
ولقد حلفت وقلت قولاً صادقاً
بالله لم آثم ولم أتريب
من حمير أهل السماحة والندى
وقريش الغر الكرام وتغلب
أين التطرب بالولاء وبالهوى
أإلى الكواذب من بروق الخلب
أإلى أمية أم إلى شيع التي
جاءت على الجمل الخدب الشوقب
تهوي من البلد الحرام فنبهت
بعد الهدو كلاب أهل الحوأب
يحـدو الـزبير بهـا وطلحـة عسكـراً
يا للـرجال لـرأي أم مشجـب
يا للرجال لرأي أم قادها
ذئبان يكتنـفـانهـا في أذؤب
ذئبان قادهما الشقا وقادها
للحين فاقتحما بها في منشب
في ورطة لحجا بها فتحملت
منها على قتب بإثم محقب
أم تدب إلى ابنها ووليها
بالمؤذيات له دبيب العقرب
أما الـزبيـر فحـاص حيـن بـدت له
جأْواء تبرق في الحديد الأشهب
حتى إذا أمن الحتوف وتحته
عاري النواهق ذو نجاء ملهب
أثـوى ابـن جرمـوز عميـر شلـوه
في القـاع منعفـراً كشلـو التولـب
واغتـر طلحـة عنـد مختلـف القنـا
عبـل الذراع شديـد أصـل المنكـب
فاختـل حبـة قلبـه بمذلـق
ريـان مـن دم جوفـه المتصبـب
في مارقين من الجماعة فارقوا
بـاب الهـدى وحيا الربيع المخصب
خير البرية بعد أحمد من له
مني الهوى والى بنيه تطرُّبي
أمسـي وأصبـح معصماً مني له
بهوى وحبل ولاية لم يقضب
ونصيحـة خلص الصفاء له بها
مني وشاهـد نصـرة لم يعزب
ردت عليه الشمس لما فاته
وقت الصلاة وقد دنت للمغرب
حتى تبلج نورها في وقتها
للعصـر ثم هـوت هـوي الكوكب
وعليه قد حبست ببابل مرة
أخرى وما حبست لخلق مغرب
إلا ليوشع أو له من بعده
ولردها تأويل أمر معجب
ولقد سرى فيما يسير بليلة
بعد العشاء بكربلا في موكب
حتى أتى متبتلا في قائم
ألقى قواعده بقاع مجدب
تأتيـه ليـس بحيـث تلقـى عـامـراً
غير الوحـوش وغير أصلـع أشيب
في مدمجٍ زلق أشم كأنه
حلقوم أبيض ضيق مستصعب
فدنا فصاح به فأشرف ماثلاً
كالنسـر فوق شظيـة من مرقب
هل قرب قائمك الذي بوأته
ماء يصـاب فقال ما مـن مشـرب
إلا بغاية فرسخين ومن لنا
بالماء بين نقا وقي سبسب
فثنـى الأعنـة نحـو وعـث فاجتـلى
ملساء تبرق كاللجين المذهب
قال اقلبوها إنكم إن تقلبوا
ترووا ولا تروون إن لم تقلب
فاعصوصبوا في قلعها فتمنعت
منهم تمنع صعبة لم تركب
حتى إذا أعيتهم أهوى لها
كفا متى ترد المغالب
تغلـب فكأنهـا كـرة بكـف حـزور
عبـل الـذراع رحـا بهـا في ملعـب
فسقـاهـم مـن تحتهـا متسـلسـلاً
عذباً يزيد على الألذ الأعذب
حتى إذا شربوا جميعا ردها
ومضـى فخـلـت مكـانهـا لم يقرب
أعني ابن فاطمة الوصي ومن يقل
في فضله وفعاله لم يكذب
ليسـت ببالغـة عشيـر عشيـر ما
قـد كـان أعطيـه مقالـة مطنـب
صهـر النبـي وجاره في مسجـد
طهـر بطيبـة للرسـول مطيـب
سيـان فيـه عليـه غير مذمـم
ممشاه إن جـنبـاً وإن لـم يجنـب
وسرى بمكة حين بات مبيته
ومضـى بروعة خائـف متـرقب
خير البرية هاربا من شرها
بالليـل مكتتمـاً ولم يستصحـب
باتـوا وبـات علـى الفـراش ملفعـاً
فيـرون أن محمداً لم يذهب
حتى إذا طلع الشميط كأنه
في الليـل صفحـة خـد أدهم مغرب
ثاروا لأخذ أخي الفراش فصادفت
غير الذي طلبت أكف الخيب
فوقاه بادرة الحتوف بنفسه
حذرا عليـه من العـدو المجلـب
حتـى تغيـب عنهـم في مدخـل
صلى الإله عليه من متغيب
وجزاه خير جزاء مرسل أمة
أدى رسالته ولم يتهيب
فتراجعوا لما رأوه وعاينوا
أسد الإله مجالدا في منهب
قالـوا اطلبـوه فوجهـوا من راكـب
في مبتغاه وطالب لم يركب
حتى إذا قصدوا لباب مغارة
ألفـوا عليـه نسيـج غزل العنكـب
صنع الإله له فقال فريقهم
مـا في المغـار لطالـب مـن مطلـب
ميلـوا وصدهم المليك ومن يرد
عنـه الدفـاع مليكـه لايعطـب
حتى إذا أمن العيون رمت به
خـوص الركـاب إلى مدينـة يثرب
فاحـتل دار كـرامة في معـشـر
آووه في سعة المحل الأرحب
وله بخيبر إذ دعاه لراية
ردت عليه هناك أكرم منقب
إذ جاء حاملها فأقبل متعباً
يهوي بها العدوي أو كالمتعب
يهوي بها وفتى اليهود يشله
كالثور ولى من لواحق أكلب
غضب النبي لها فأنبه بها
ودعا أخا ثقة لكل منجب
رجلا كلا طرفيه من سام وما
حام له بأب ولا بأبي أب
من لا يفر ولا يرى في نجدة
إلا وصارمه خضيب المضرب
فمشـى بهـا قبـل اليهـود مصممـاً
يرجو الشهـادة لا كمشـي الأنكب
تهتز في يمنى يدي متعرض
للموت أروع في الكريهة محرب
في فيلق فيه السوابغ والقنا
والبيـض تلمـع كالحريـق الملهـب
والمـشـرفيـة فـي الأكـف كأنهـا
لمع البروق بعارض متحلب
وذووا البصائر فوق كل مقلص
نهد المراكل ذي سبيب سلهب
حتى إذا دنت الأسنة منهم
ورموا فنالهم سهام المقنب
شدوا عليه ليرجلوه فردهم
عنه بأسمر مستقيم الثعلب
ومضـى فأقبل مرحب متذمـراً
بالسيف يخطر كالهزبـر المغضب
فتخالسـا مهـج النفـوس فأقلعـا
عن جـري أحمـر سائـل من مرحب
فهـوى بمختلـف القنـا متجـدلاً
ودم الجبـين بخـده المتتـرب
أجـلي فوارسـه وأجـلي رجلـه
عـن مقعـص بدمائـه متخضـب
فكـأن زوره العواكـف حولـه
مـن بين خامعـة ونسـر أهـدب
شعـث لعافطـة دعـوا لوليمـة
أو ياسـرون تخالسـوا في منهـب
فاسأل فإنك سوف تخبر عنهم
وعـن ابـن فاطمـة الأغـر الأغلـب
وعن ابن عبد الله عمرو قبله
وعن الوليد وعن أبيه الصقعب
وبني قريظـة يـوم فـرق جمعهـم
مـن هاربـين وما لهـم من مهـرب
وموائلين إلى أزل ممنع
رأسـي القواعـد مشمخـر حوشب
رد الخـيول عليهـم فتحصنـوا
مـن بعـد أرعـن جحفـل متحـزب
إن الضبـاع متـى تحـس بنبـأة
مـن صـوت أشوس تقشعر وتهرب
فدعوا ليمضـي حكم أحمد فيهم
حكم العزيز على الذليل المذنب
فرضوا بآخر كان أقرب منهم
دارا فمتوا بالجوار الأقرب
قالـوا الـجوار مـن الكـريـم بمنزل
يجـري لديـه كنسبـة المتنسـب
فقضـى بما رضي الإله لهم به
بالحـرب والقتـل الملـح المخـرب
قتـل الكهـول وكل أمرد منهـم
وسبـى عقائـل بدنـا كالـربـرب
وقضـى عقارهم لكل مهاجر
دون الألى نصـروا ولم يتهيب
وبخم إذ قال الإله بعزمة
قـم يا محمـد بالولايـة فاخطـب
وانصب أباحسن لقومك إنه
هاد وما بلغت إن لم تنصب
فدعاه ثم دعاهم فأقامه
لهم فبين مصدق ومكذب
جعل الولاية بعده لمهذب
ما كان يجعلها لغير مهذب
وله مناقب لا ترام متى يرد
ساع تناول بعضها يتذبذب
إنا ندين بحب آل محمد
دينا ومن يحببهم يستوجب
منا المودة والولاء ومن يرد
بدلا بآل محمد لا يحبب
ومتـى يمـت يـرد الجحيـم ولا يـرد
حوض الرسول وإن يـرده يضـرب
ضرب المحاذر أن تعر ركابه
بالسوط سالفة البعير الأجرب
وكأن قلبي حين يذكر أحمداً
ووصـي أحمـد نيـط من ذي مخلـب
بذرى القـوادم من جنـاح مصعـد
في الـجو أو بـذرى جنـاح مصـوب
حتى يكاد من النزاع إليهما
يفري الحجاب عن الضلوع الصلب
هبة وما يهب الإله لعبده
يزدد ومهما لا يهب لا يوهب
يمحـو ويثبـت مـا يشـاء وعنـده
علـم الكتـاب وعلم ما لم يكتـب)

كما اشتهرت قصيدته: لأم عمرو باللوا مربع. وقيل إن النبي صلى الله عليه وآله في المنام استنشده إياها:

لأم عمرو باللوى مربع
طامسة أعلامه بلقع
تروح عنه الطير وحشية
والأسد من خيفته تفزع

إلى أن يقول:

عجبت من قوم أتوا أحمداً
بخطبة ليس لها موضع
قالوا له لو شئت أعلمتنا
إلى من الغاية والمفزع
إذا توفيت وفارقتنا
وفيهم في الملك من يطمع
فقـال لـو أعلمتكـم مفزعـاً
كنتـم عسيتـم فيـه أن تصنعـوا
صنيـع أهـل العجـل إذ فارقـوا
هارون فالتـرك له أودع
وفي الذي قال بيان لمن
كان إذن يعقل أو يسمع
ثم أتته بعد ذا عزمة
من ربه ليس لها مدفع
أبلغ وإلا لم تكن مبلغاً
والله منهم عاصم يمنع
فعندها قام النبي الذي
كان بما يأمره يصدع
يخطب مأموراً وفي كفه
كف علي ظاهراً يلمع
رافعها أكرم بكف الذي
يرفع والكف التي ترفع
يقول والأملاك من حوله
والله فيهم شاهد يسمع
من كنت مولاه فهذا له
مولى فلم يرضوا ولم يقنعوا
فاتهموه وخبت فيهم
على خلاف الصادق الأصلع
وضل قوم غاظهم فعله
كأنما آنافهم تجدع
حتى إذا واروه في قبره
وانصـرفوا عن دفنه ضيعوا
ما قال بالأمس وأوصى به
واشتروا الضـر بما ينفع
وقطعوا أرحامه بعده
فسوف يجزون بما قطعوا
وأزمعوا غدراً بمولاهم
تباً بما كان به أزمعوا
لاهم عليه يردوا حوضه
غداً ولا هو فيهم يشفع
حوض له ما بين صنعا إلى
أيلة أرض الشام أو أوسع
ينصب فيه علم للهدى
والحوض من ماء له مترع
يفيض من رحمته كوثر
أبيض كالفضة أو أنصع
حصاه ياقوت ومرجانة
ولؤلؤ لم تجنه إصبع
بطحاؤه مسك وحافاته
يهتز منها مونق مربع
أخضــر مـادون الـورى ناضـر
وفاقع أصفر أو أنصع
فيه أباريق وقدحانه
يذب عنها الرجل الأصلع
يذب عنها ابن أبي طالب
ذبك جربى إبل تشـرع
والعطر والريحان أنواعه
ذاك وقد هبت به زعزع
ريح من الجنة مأمورة
ذاهبة ليس لها مرجع
إذا دنوا منه لكي يشـربوا
قال لهم تباً لكم فارجعوا
دونكم فالتمسوا منهلاً
يرويكم أو مطعماً يشبع
هذا لمن والى بني أحمد
ولم يكن غيرهم يتبع
فالفـوز للشـارب مـن حوضـه
والويل والذل لمن يمنع
والنـاس يـوم الحـشـر راياتـهـم
خمس فمنها هالك أربع
فراية العجل وفرعونها
وسامري الأمة المشنع
وراية يقدمها أدلمٌ
عبد لئيم لكع أكوع
وراية يقدمها حبتر
للزور والبهتان قد أبدعوا
وراية يقدمها نعثل
لا يبردن له مضجع
أربعة في سقر أودعوا
ليس لهم من قعرها مطلع
وراية يقدمها حيدر
ووجهه كالشمس إذ تطلع
غداً يلاقي المصطفى حيدر
وراية الحمد له ترفع
مولى له الجنة مأمورة
والنار من إجلاله تفزع
إمام صدق وله شيعة
يرووا من الحوض ولم يمنعوا
بذاك جاء الوحي من ربنا
يا شيعة الحق فلا فلا تجزعوا
الحميري مادحكم لم يزل
ولو يقطع إصبع إصبع
وبعدها صلوا على المصطفى
وصنوه حيدر الأصلع

وقال في آية: وأنذرْ عَشِيرَتَكَ الأقرَبين:

بأبي أنت وأمي
يا أميرالمؤمنينا
بأبي أنت وأمي
وبرهطي أجمعينا
وبأهلي وبمالي
وبناتي والبنينا
وفدتك النفس مني
يا إمام المتقينا
وأمين الله والوارث
علم الأولينا
ووصي المصطفى
أحمد خير المرسلينا
وولي الحوض والذائد
عنه المحدثينا
أنت أولى الناس بالناس
وخير الناس دينا
كنت في الدنيا أخاه
يوم يدعو الأقربينا
ليجيبوه إلى الله
فكانوا أربعينا
بين عم وابن عم
حوله كانوا عرينا
فورثت العلم منه
والكتاب المستبينا
طبت كهلاً وغلاماً
ورضيعاً وجنينا
ولدى الميثاق طينا
يوم كان الخلق طينا
كنت مأموناً وجيها
عند ذي العرش مكينا
في حجاب النور حيا
طيبا للطاهرينا

قال ابن عائشة: وقف السيد على بشار وهو ينشد الشعر ، فأقبل عليه وقال:

أيها المادح العباد ليعطى
إن لله ما بأيدي العباد
فاسأل الله ما طلبت إليهم
وأرج نفع المنزل العواد
لا تقـل في الـجواد مـا ليـس فيـه
وتسمـي البخيـل باسـم الجـواد

قال بشار من هذا فعرفه ، فقال: لولا أن هذا الرجل قد شغل عنا بمدح بني هاشم لشغَلَنا ، ولوشاركنا في مذهبنا لافتقرنا ). ( أعيان الشيعة : 3 / 416 ) .

وقال السيد الحميري رحمه الله ( أسد الغابة : 4 / 40 ):

سائـل قريشاً إذا مـا كنـت ذا عَمَـهٍ
مـن كـان أثبتهـم في الديـن أوتـادا
من كان أولها سلماً وأكثرها
علماً وأطيبها أهلاً وأولادا
من كان أعدلهم حكماً وأقسطهم
فتيـاً وأصدقهـم وعـداً وإيعـادا
من صدق الله إذ كانت مكذبة
تدعو مع الله أوثاناً وأندادا
إن يصدقـوك فلـن يعـدو أبـا حسن
إن أنت لم تلق للأبرار حسادا).

أقول: اختزل ابن الأثير وابن عبد البر في الإستيعاب(3 / 1128) قصيدة السيد الحميري هذه لأنه فضل فيها أمير المؤمنين عليه السلام على أبي بكر وعمر . لكن المسعودي رواها كاملة مسندة قال (مروج الذهب3 / 14) :

( وحدث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، عن محمد بن حميد الرازي ، أبي مجاهد ، عن محمد بن إسحاق ، عن ابن أبي نجيح ، قال: لما حج معاوية طاف بالبيت ومعه سعد فلما فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة ، فأجلسه معه على سريره ، ووقع معاوية في علي وشرع في سبه ، فزحف سعد ثم قال: أجلستني معك على سريرك ثم شرعت في سب علي ! والله لأن يكون في خصلة واحدة من خصال كانت لعلي أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس: والله لأن أكون صهراً لرسول الله صلى الله عليه وآله وأن لي من الولد ما لعلي أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ! والله لأن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي ما قاله يوم خيبر : لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ، ويحب الله ورسوله ، ليس بفرار يفتح الله على يديه ، أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس !

والله لأن يكون رسول الله عليه السلام قال لي ما قال له في غزوة تبوك: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي ، أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ! وأيم الله لا دخلت لك داراً ما بقيت ، ثم نهض ليقوم فضرط له معاوية ، وقال له : أقعد حتى تسمع جواب ما قلت ، ما كنت عندي قط ألأم منك الآن ، فهلا نصرته ، ولم قعدت عن بيعته ؟ فإني لو سمعت من النبي صلى الله عليه وآله مثل الذي سمعت فيه لكنت خادماً لعلي ما عشت ! فقال سعد: والله إني لأحق بموضعك منك ، فقال معاوية: يأبى عليك ذلك بنو عذرة ، وكان سعد فيما يقال لرجل من بني عذرة . قال النوفلي: وفي ذلك يقول السيد بن محمد الحميري:

سائل قريشاً بها إن كنت ذا عَمَـهٍ
من كان أثبتهـا في الديـن أوتـادا
من كـان أقدمهـا سلـما وأكثرهـا
علما وأطهرها أهلا وأولادا
من وحد الله إذ كانت مكذبة
تدعو مع الله أوثاناً وأندادا
من كان يقدم في الهيجاء إن نكلوا
عنهـا وإن بخلـوا في أزمـة جـادا
مـن كـان أعدلهـا حكـماً وأقسطهـا
حلمـاً ، وأصدقهـا وعـداً وإيعـاد
إن يصدقـوك فلـم يعـدوا أبا حسن
إن أنـت لم تلـق للأبـرار حسـادا
إن أنت لم تلق من تيم أخا صلف
ومن عدي لحق الله جحادا
أو من بني عامر أو من بني أسد
رهـط العبيـد ذوي جهـل وأوغـادا
أو رهط سعد وسعد كان قد علموا
عـن مستقيـم صـراط الله صـدادا
قوم تداعوا زنيماً ثم سادهم
لـولا خمـول بنـي زهر لمـا سـادا

وكان سعد وأسامة بن زيد ، وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة ، ممن قعد عن علي بن أبي طالب ، وأبوا أن يبايعوه هم وغيرهم ممن ذكرنا من القعاد عن بيعته وذلك أنهم قالوا: إنها فتنة، ومنهم من قال لعلي: أعطنا سيوفاً نقاتل بها معك فإذا ضربنا بها المؤمنين لم تعمل فيهم ونبت عن أجسامهم ، وإذا ضربنا بها الكافرين سرت في أبدانهم ! فأعرض عنهم علي وقال: وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ .

وقال السيد الحميري في رثاء الحسين عليه السلام

أمرر على جدث الحسين
وقل لأعظمه الزكية
يا أعظماً لا زلت من
وطفاء ساكبة رويه
ما لذ عيش بعد رضك
بالجياد الأعوجيه
قبر تضمن طيباً
آباؤه خير البرية
آباؤه أهل الرياسة
والخلافة والوصية
والخير والشيم المهذبة
المطيبة الرضيه
فإذا مررت بقبره
فأطل به وقف المطيه
وابك المطهر للمطهر
والمطهرة الزكية
كبكاء معولة غدت
يوماً بواحدها المنيه
والعن صدى عمر بن
سعد والملمـع بالنقيه
شمـر بن جوشن الذي
طاحت به نفس شقيه
جعلوا ابن بنت نبيهـم
غرضا كما ترمى الدريه
لم يدعهم لقتاله
إلا الجعالة والعطيه
لما دعوه لكي تحكـ
م فيه أولاد البغيه
أولاد أخبث من مشى
مرحاً وأخبثهم سجيه
فعصاهم وأبت له
نفس معززة أبيه
فغدوا له بالسابغات
عليهـم والـمـشـرفيـه
والبيـض واليلـب اليمـاني
والطوال السمهريه
وهم ألوف وهو في
سبعين نفس هاشميه
فلقوه في خلف لأحمد
مقبلين من الثنيه
مستيقنين بأنهم
سيقوا لأسباب المنيه
يا عين فابكي ما حييت
على ذوي الذمم الوفيه
لا عذر في ترك البكاء
دماً وأنت به حرية).

( أعيان الشيعة : 3 / 22 ).

أقول: تعبيرالسيد رحمه الله بالأعظم الزكية للحسين عليه السلام على جري العرب ، فهم يقولون عن جثمانه وجنازته: عظامه ، بل يقولون رحم الله عظامه ، أي نفسه ، وإلا فإن الأنبياء والأوصياء عليهم السلام لا تأكل أجسامهم الأرض ولا الوحوش . وقال رحمه الله في مدح أمير المؤمنين عليه السلام (ديوانه:1/50 ):

علي أمير المؤمنين وعزهم
إذا الناس خافوا مهلكات العواقب
علي هو الحامي المرجى بفعله
لـدى كـل يوم باسـل الشـر عاصـب
علي هو المرهوب والذائد الذي
يذود عن الإسلام كل مناصب
علي هـو الغيث الربيـع مـع الحـىا
إذا نزلـت بالنـاس إحدى المصائـب
علي هو العدل الموفق والرضا
وفارج لبس المبهمات الغرائب
علي هو المأوى لكل مطرد
شريد ومنحوب من الشـر هارب
علي هو المهدي والمقتدى به
إذا الناس حاروا في فنون المذاهب
علي هو القاضي الخطيب بقوله
يجيـئ بمـا يعيـى به كـل خاطـب
علي هو الخصم القؤول بحجة
يرد بها قول العدو المشاغب
علي هو البـدر المنيـر ضياؤه
يـضيـئ سـنـاه فـي ظـلام الغيـاهـب
علي أعز الناس جاراً وحامياً
وأقتلهم للقرن يوم الكتائب
علي أعم الناس حلماً ونائلاً
وأجودهـم بالـمال حقـاً لطالـب
علي أكف الناس عن كل محرم
وأتقـاهـم لله فـي كـل جانـب.

الفصل الثامن عشر

أهل البيت عليهم السلام عدلاء القرآن

وصية النبي صلى الله عليه وآله بكتاب الله وعترته

أجمع المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وآله أوصى المسلمين بأمرين:كتاب الله وعترته عليهم السلام .

وأكثر ما أكد على ذلك في حجة الوداع ، وفي مرض وفاته .

فمن نصوص حجة الوداع: ما رويناه بسند صحيح في تفسير القمي (1/171): (حج رسول الله صلى الله عليه وآله حجة الوداع لتمام عشر حجج من مقدمه المدينة فكان من قوله بمنى أن حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس: إسمعوا قولي واعقلوه عني ، فإني لا أدري لا ألقاكم بعد عامي هذا . ثم قال: هل تعلمون أي يوم أعظم حرمة ؟

قال الناس: هذا اليوم .

قال: فأي شهر ؟

قال الناس: هذا .

قال: وأي بلد أعظم حرمة ؟

قالوا: بلدنا هذا .

قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، إلى يوم تلقون ربكم ، فيسألكم عن أعمالكم .

ألا هل بلغت أيها الناس ؟ قالوا: نعم .قال: اللهم اشهد .

ثم قال: ألا وكل مأثرة أو بدعة كانت في الجاهلية ، أو دم أو مال ، فهو تحت قدمي هاتين ، ليس أحد أكرم من أحد إلا بالتقوى .

ألا هل بلغت ؟ قالوا: نعم . قال: اللهم اشهد .

ثم قال: ألا وكل رباً كان في الجاهلية فهو موضوع ، وأول موضوع منه ربا العباس بن عبد المطلب .

ألا وكل دم كان في الجاهلية فهو موضوع ، وأول موضوع دم ربيعة .

ألا هل بلغت ؟ قالوا: نعم . قال: اللهم اشهد .

ثم قال:ألا وإن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ، ولكنه راض بما تحتقرون من أعمالكم ، ألا وإنه إذا أطيع فقد عبد !

ألا أيها الناس: إن المسلم أخو المسلم حقاً ، لا يحل لا مرىء مسلم دم امرئ مسلم وماله إلا ما أعطاه بطيبة نفس منه .

وإني أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحقها ، وحسابهم على الله .

ألا هل بلغت أيها الناس ؟ قالوا: نعم . قال: اللهم اشهد .

ثم قال: أيها الناس: إحفظوا قولي تنتفعوا به بعدي وافهموه تنعشوا. ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف على الدنيا ، فإن فعلتم ذلك ولتفعلن لتجدوني في كتيبة بين جبرئيل وميكائيل أضرب وجوهكم بالسيف ثم التفت عن يمينه فسكت ساعة ، ثم قال: إن شاء الله ، أو علي بن أبي طالب .

ثم قال: ألا وإني قد تركت فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلوا: كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض . ألا فمن اعتصم بهما فقد نجا ، ومن خالفهما فقد هلك .

ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم . قال: اللهم اشهد .

ثم قال: ألاوإنه سيرد علي الحوض منكم رجال فيدفعون عني، فأقول: رب أصحابي؟ فيقول: يا محمد إنهم أحدثوا بعدك وغيروا سنتك! فأقول:سحقاً سحقاً.

فلما كان آخر يوم من أيام التشريق أنزل الله: إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله وَالْفَتْحُ..

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : نعيت إلى نفسي ، ثم نادى الصلاة جامعة في مسجد الخيف فاجتمع الناس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال: نضرالله امرء سمع مقالتي فوعاها ، وبلغها من لم يسمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه . ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله ، والنصيحة لأئمة المسلمين ، ولزم جماعتهم ، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم . المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم ، يسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم .

أيها الناس: إني تارك فيكم الثقلين . قالوا: يا رسول الله وما الثقلان ؟قال: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض كإصبعي هاتين وجمع بين سبابتيه ولا أقول كهاتين وجمع سبابته والوسطى ، فتفضل هذه على هذه .

فاجتمع قوم من أصحابه وقالوا يريد محمد أن يجعل الإمامة في أهل بيته ، فخرج أربعة نفر منهم إلى مكة ودخلوا الكعبة ، وتعاهدوا وتعاقدوا وكتبوا فيما بينهم كتاباً: إن مات محمد أو قتل أن لا يردوا هذا الأمر في أهل بيته أبداً ! فأنزل الله على نبيه في ذلك: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ . أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ).

ومعنى أن الثقلين كالسبابتين: أي في وجوب الإتباع ، فلا يكفي التمسك بأحدهما دون الآخر ، ولا يجوز التقصير في حق أحدهما بحجة التمسك بالآخر .

وليس الحديث في مقام بيان الأفضل منهما . وعندنا أن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيت عليهم السلام أفضل من جميع الخلق ومنه القرآن .

وفي صحيح مسلم (7 /122): (قال يزيد بن حيان: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً ، رأيت رسول الله (ص) وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه ، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً ، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله(ص) قال: يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله(ص)فما حدثتكم فاقبلوا ومالا ، فلا تكلفونيه ، ثم قال:

قام رسول الله (ص) يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي. فقال له حصين ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته ! ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده . قال: ومن هم؟ قال هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس ، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم ).

وفي مسند أحمد (3/17): (عن أبي سعيد الخدري عن النبي(ص) قال: إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عزّ وجلّ وعترتي . كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي . وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروني بمَ تخلفوني فيهما ).

وفي سنن الترمذي(5/328 ): (عن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله (ص) في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول: يا أيها الناس إني تركت فيكم من ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي. وفي الباب عن أبي ذر ، وأبى سعيد ، وزيد بن أرقم ، وحذيفة ) .

وفي فضائل الصحابة للنسائي/15: (عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله (ص) عن حجة الوداع ونزل غديرخم أمر بدوحات فقُممن ، ثم قال: كأني قد دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض .

ثم قال: إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ، ثم أخذ بيدي علي فقال: من كنت وليه فهذا وليه . اللهم وال من والاه وعاد من عاداه . فقلت لزيد: سمعته من رسول الله (ص)؟ قال: ما كان رجل إلا رآه بعينه وسمعه بأذنه).

أما البخاري فحذف من الحديث: أهل بيتي وعترتي ! وهذه عادته !

قال في صحيحه (5/126): (عن أبي بكرة عن النبي(ص) قال: الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان .أي شهر هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم .

فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس ذا الحجة ؟ قلنا: بلى .

قال: فأي بلد هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم .

فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس البلدة ؟ قلنا: بلى .

قال: فأي يوم هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم .

فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس يوم النحر ؟ قلنا: بلى .

قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ، وستلقون ربكم فسيسألكم عن أعمالكم .

ألا فلا ترجعوا بعدي ضُلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض .ألا ليبلغ الشاهد الغائب ، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه ).

وقد يقال: إن هذه الفقرة ليست جامعة لشروط البخاري ومن شروطه سماع الراوي مباشرة ، لكن الحاكم قال إنها جامعة لشروطه ، لكنه تعمد تركها!

قال الحاكم(3/110): (عن زيد بن أرقم قال: نزل رسول الله (ص) بين مكة والمدينة عند شجرات ، خمس دوحات عظام فكنس الناس ما تحت الشجرات، ثم راح رسول الله (ص) عشية فصلى ، ثم قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر ووعظ فقال ما شاء الله أن يقول ، ثم قال: أيها الناس إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن اتبعتموهما ، وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي . ثم قال أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثلاث مرات ؟ قالوا: نعم . فقال رسول الله (ص) : من كنت مولاه فعلي مولاه . وحديث بريدة الأسلمي صحيح على شرط الشيخين ).

معنى وصية النبي صلى الله عليه وآله بهما أنهما كانا موجودين !

وأنهما كانا موجودين. فالعترة محددة نزلت فيهم آية التطهير وحددهم النبي صلى الله عليه وآله في حديث الكساء بعلي وفاطمة والحسنين ، وتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام .

والقرآن موجود ومجموع ، فكيف صار متفرقاً وجمعوه بعد النبي صلى الله عليه وآله !

بل كان جمعه في زمن النبي صلى الله عليه وآله متيسراً لمن أراد أن يكتبه ويجمعه .

ففي الكافي (5122) بسند صحيح: (عن روح بن عبد الرحيم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن شراء المصاحف وبيعها فقال: إنما كان يوضع الورق عند المنبر وكان ما بين المنبر والحائط قدر ما تمر الشاة أو رجل منحرف ، قال: فكان الرجل يأتي ويكتب من ذلك ، ثم إنهم اشتروا بعد ذلك ).

وكفى بهذا دليلاً على أن القرآن كان موجوداً مكتوباً عند علي عليه السلام ، وفي صدور عدد من الصحابة ، وفي مكتوبات متفرقة عند آخرين . وإنما احتاجوا الى جمعه لما خافوا من مصحف علي عليه السلام فرفضوا أن يأخذوه منه ! فاحتاجوا الى جمعه من أيدي الناس !

معنى لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض

حتى المتعصب الناصبي الألباني صححه في السراج المنير فقال (2/276): (إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ).(صحيح) (حم طب)عن زيد بن ثابت . (الروض النضير977) إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما. (صحيح ) ( ت ) عن زيد بن أرقم .

وقال المنصوري في كتابه: فضائل أهل البيت في صحيحة الألباني/21:(إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي الثقلين أحدهما أكبر من الآخر:كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي.ألا إنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. أخرجه أحمد ( 3/14 و 17 و 26 و 59 ) ، وابن أبي عاصم ( 1555-1553) والطبراني (2678 - 2679 ) ، والديلمي (2/1/45). وهو إسناد حسن في الشواهد وله شواهد أخرى من حديث أبي هريرة عند الدارقطني ( 529 ) والحاكم ( 3/93 ) ، والخطيب في الفقيه والمتفقه ( 56/1) . وابن عباس عند الحاكم وصححه ، ووافقه الذهبي . وعمرو بن عوف عند ابن عبد البر في جامع بيان العلم ).

وقد تركه البخاري متعمداً وهو جامع لشروطه ! قال الحاكم في المستدرك (3/148): (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي ، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض. صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه ).

أما تفسير (لن يفترقا ) فأغمضوا عيونهم عنه إلا النادر الذي حرفه كالهيتمي والمناوي .

قال ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة/151: ( وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة .

كما أن الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي ، ويشهد لذلك الخبر السابق في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ..إلى آخره).

وقال المناوي فيض القدير(3/14): (لن يفترقا) أي الكتاب والعترة أي يستمرا متلازمين (حتى يردا على الحوض ) أي الكوثر يوم القيامة .

زاد في رواية كهاتين وأشار بأصبعيه ، وفي هذا مع قوله أولاً إني تارك فيكم تلويح بل تصريح بأنهما كتوأمين خلفهما ووصى أمته بحسن معاملتهما وإيثار حقهما على أنفسها والإستمساك بهما في الدين. أما الكتاب فلأنه معدن العلوم الدينية والأسرار والحكم الشرعية وكنوز الحقائق وخفايا الدقائق.

وأما العترة فلأن العنصر إذا طاب أعان على فهم الدين ، فطيب العنصر يؤدي إلى حسن الأخلاق ، ومحاسنها تؤدي إلى صفاء القلب ونزاهته وطهارته .

قال الحكيم: والمراد بعترته هنا العلماء العاملون إذ هم الذين لا يفارقون القرآن، أما نحو جاهل وعالم مخلط فأجنبي من هذا المقام ، وإنما ينظر للأصل والعنصر عند التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل فإذا كان العلم النافع في غير عنصرهم لزمنا اتباعه كائناً ما كان. ولا يعارض حثه هنا على اتباع عترته حثه في خبر على اتباع قريش لأن الحكم على فرد من أفراد العام بحكم العام لا يوجب قصرالعام على ذلك الفرد على الأصح، بل فائدته مزيد الإهتمام بشأن ذلك الفرد والتنويه برفعة قدره . قال الشريف: من هذا الخبر يفهم وجود من يكون أهلاً للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمن إلى قيام الساعة ، حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به ، كما أن الكتاب كذلك ، فلذلك كانوا أماناً لأهل الأرض فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض ).

أقول: فسر ابن حجر الهيتمي والمناوي عدم افتراق القرآن عن العترة بأن الله تكفل لنبيه صلى الله عليه وآله أن يكون في كل عصر منهم علماء ، ويجب على الأمة الإستفادة منهم قبل غيرهم ، وهذا تضييع لمعنى العترة ولمعنى التمسك والإتباع !

والتفسير الصحيح أن العترة أناس محددون، حددهم النبي صلى الله عليه وآله في حديث الكساء وحصرهم بعلي وفاطمة والحسين والحسين عليهم السلام فأدار عليهم الكساء وقال: هؤلاء أهل بيتي ، هؤلاء آل محمد . ومنع أم سلمة من الدخول معهم .

وفي روايتنا أنه قال: وتسعة من ذرية الحسين خاتمهم المهدي عليهم السلام .

فمن جعلهم كل العلماء من أبناء علي وفاطمة عليهما السلام أو من كل بني هاشم ، فقد خالف رسول الله صلى الله عليه وآله . ومن جعل التمسك بهم كالإستفادة من العلماء غيرهم ، فقد حرف حديث النبي صلى الله عليه وآله لأن مقصوده أن عترته كالقرآن مرجعُ الأمة ، فمنهم يجب أن تأخذ القرآن وتفسيره ، ومنهم تأخذ سنته وتفسيرها ، لا من غيرهم .

كيف طبق الشيعة حديث القرآن والعترة وكيف طبقه غيرهم ؟

القرآن كتاب صامت والعترة ناطقة ، ولما جعلهما النبي صلى الله عليه وآله أمانته في الأمة وأمرها بالتمسك بهما ، فمعناه: أطيعوا العترة وخذوا القرآن والسنة من العترة .

وهذا ما فعله الشيعة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله فأطاعوا علياً عليه السلام كبير العترة ، ولم يطيعوا الذين تركوه وأعلنوا بيعة شخص غيره ! ثم اتبع الشيعة بعد علي أئمة العترة الحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام وأخذوا منهم القرآن والسنة .

ثم غيب الله الثاني عشر منهم ومد في عمره كالخضر عليهما السلام فثبتوا على القول بإمامته وقالوا ننتظر ظهوره مهما طالت غيبته ، ونحن متمسكون به وبالقرآن .

قال الإمام الباقر عليه السلام بسند صحيح (الكافي:1/533):(يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم..الإثنا عشرالإمام من آل محمد صلى الله عليه وآله كلهم محدث من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وولد علي بن أبي طالب عليه السلام فرسول الله وعلي هما الوالدان).

وأما الآخرون فتركوا العترة وسارعوا- وأهل البيت مشغولون بجنازة النبي صلى الله عليه وآله - فصفقوا على يد أبي بكر بدل العترة وسموه خليفة ، ثم اعترف عمر في أواخر خلافته بأن كانت بيعة أبي بكر فلتة ، فمن دعا إلى مثلها فاقتلوه !

فقد روى البخاري(8/25) عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال لعمر:(يا أميرالمؤمنين هل لك في فلان يقول لي قد مات عمر لقد بايعت فلاناً فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت . فغضب عمر ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم. قال عبد الرحمن: فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم ، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس ، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير وأن لايعوها وأن لا يضعوها على مواضعها ، فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة ، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكناً فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها .

فقال عمر: أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة . قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة فلما كان يوم الجمعة عجلنا الرواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالساً إلى ركن المنبر فجلست حوله تمس ركبتي ركبته ، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب فلما رأيته مقبلاً قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف قط قبله ! فأنكر عليَّ وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله؟ فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال:

أما بعد ، فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي ، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي....ثم إنه بلغني أن قائلاً منكم يقول: والله لو مات عمر بايعت فلاناً ! فلا يغترن امرؤ أن يقول ، إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ، ألا وإنها كانت كذلك ولكن الله وقى شرها ! وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر. من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه ، تَغِرَّةَ (خشية) أن يقتلا ).

وقال الشيعة: بل كانت بيعة أبي بكر فلتة وما وقى الله شرها ، فقد خالفت الأمة وصية نبيها ، وتركت عترته وعزلتهم وقتلتهم وشردتهم ، ولم تأخذ دينها منهم .

وأخذت بالقرآن المقبول عند العترة ، لكنها جعلت تفسيره لقريش وحدها ، مع أن علم الكتاب عند العترة . ثم أخذت دينها عن عائشة ، وأبي هريرة ، وكعب الأحبار ، وأمثالهم ، وكلهم أمرهم النبي صلى الله عليه وآله بطاعة العترة !

قال الإمام الباقر عليه السلام (بصائر الدرجات/433):(دعا رسول الله أصحابه بمنى وقال: يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض .

ثم قال: أيها الناس إني تارك فيكم حرمات الله كتاب الله وعترتي والكعبة البيت الحرام . ثم قال أبو جعفر عليه السلام : أما كتاب الله فحرفوا ، وأما الكعبة فهدموا ، وأما العترة فقتلوا ، وكل ودايع الله فقد تبروا ) !

ما دام القرآن موجوداً فالإمام من العترة موجود !

فمعنى قوله صلى الله عليه وآله (نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) أنه لا بد أن يوجد في كل عصر إمام من العترة ليتمسكوا به مع القرآن . فما دام القرآن موجوداً فالإمام من العترة النبوية موجود . فمن يكون هؤلاء الأئمة غير الأئمة من أهل البيت عليهم السلام ، ومن هو الإمام من العترة في عصرنا غيرالمهدي عليه السلام ؟

لاجواب عند غيرنا والذين يدعون لهم الإمامة ليسوا من العترة ، وهم في العلم لم يكونوا يعرفون مفردات القرآن ، فكيف يكونون أئمة مبشراً بهم ؟!

وعلىه ، فالإمام الباقر عليه السلام أحد الأئمة المبشر بهم في حديث الوصية بالثقلين .

علم القرآن عند أئمة العترة عليهم السلام

في هذا الباب أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الإمام الباقر وغيره من الأئمة عليهم السلام . ونكتفي هنا بعدد منها عن الإمام الباقر عليه السلام خاصة:

1- (عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: تفسير القرآن على سبعة أحرف ، منه ما كان ، ومنه ما لم يكن ، بعد ذلك تعرفه الأئمة) (بصائر الدرجات/٢16).

2- في بصائر الدرجات/٢٣٣، وبعدها:(عن نجم، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ : قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ. قال: صاحب علم الكتاب علي عليه السلام . وفي رواية: نزلت في علي عليه السلام عالم هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله

وفي رواية: إيانا عنى وعلي عليه السلام أولنا وعليٌّ أفضلنا وخيرنا بعد النبي صلى الله عليه وآله .

وفي رواية أبي مريم: قلت لأبي جعفر عليه السلام : هذا ابن عبد الله بن سلام يزعم أن أباه الذي يقول الله: قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ. قال: كذب ذاك علي بن أبي طالب عليه السلام  . وفي رواية: قال: لا، إنما ذلك علي عليه السلام نزلت فيه خمس آيات إحداها: قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ).

أقول: الآيات التي نزلت في علي عليه السلام كثيرة ، وقد ألف أبو نعيم الأصفهاني كتاب: ما نزل في علي من القرآن . لكن لعل مقصود الإمام الباقر عليه السلام أوضحها كالآية المتقدمة ، وآية: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ . وآية: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وآية: إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً . وآية: وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلا الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ .

وعن بريد العجلي، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأوِيلَهُ إِلا الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ . قال: رسول الله صلى الله عليه وآله أفضل الراسخين، قد علمه الله جميع ما أنزل الله إليه من التنزيل والتأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئاً لم يعلمه تأويله ، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله. والذين لايعلمون تأويله إذا قال العالم فيه العلم يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا . والقرآن له خاص وعام ، ومحكم ومتشابه ، وناسخ ومنسوخ). (الكافي:1/533).

3- (عن بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا.

قال: جعل منهم الرسل والأنبياء والأئمة ، فكيف يقرون في آل إبراهيم عليه السلام وينكرونه في آل محمد صلى الله عليه وآله .

قلت: وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا؟ قال: الملك العظيم أن جعل فيهم أئمة، من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله ، فهو الملك العظيم ). (الكافي:1/206).

4- (عن بريد قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ؟ فكان جوابه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ للَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ الله وَمَنْ يَلْعَنِ الله فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا .أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذَا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا .

نحن الناس الذين عنى الله ، والنقير النقطة التي في وسط النواة .

أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ ! نحن الناس المحسودون على ما آتانا الله من الإمامة دون خلق الله أجمعين .فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ، يقول:جعلنا منهم الرسل والأنبياء والأئمة، فكيف يُقِرُّون به في آل إبراهيم وينكرونه في آل محمد صلى الله عليه وآله ! فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا . إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ). (الكافي:1/205).

5- (عن أبي بصير: قال أبو جعفر عليه السلام :نحن الراسخون في العلم ، ونحن نعلم تأويله) . (بصائر الدرجات/٢٢٣).

6- (عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام : قلت له: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، قال: إيانا عنى..من عسى أن يكونوا غيرنا؟

7- (عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام : قلت له: جعلت فداك قول العالم: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ؟ قال فقا ل:يا جابر إن الله جعل إسمه الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً، فكان عند العالم منها حرف واحد فانخسفت الأرض ما بينه وبين السرير حتى التقت القطعتان وحول من هذه على هذه.

وعندنا من إسم الله الأعظم اثنان وسبعون حرفاً، وحرف في علم الغيب المكنون عنده). (بصائر الدرجات/٢٢4).

8- في الكافي(1/222) قال الإمام الباقر عليه السلام :( إن العلم الذي نزل مع آدم عليه السلام لم يرفع ، والعلم يتوارث ، وكان علي عليه السلام عالم هذه الأمة ، وإنه لم يهلك منا عالم قط إلا خلفه من أهله من علم مثل علمه ، أو ما شاء الله .

وقال عليه السلام :يمصون الثماد ويدعون النهر العظيم ، قيل له: وما النهر العظيم ؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وآله والعلم الذي أعطاه الله ، إن الله عزّ وجلّ جمع لمحمد صلى الله عليه وآله سنن النبيين من آدم وهلم جراً إلى محمد صلى الله عليه وآله قيل له: وما تلك السنن؟ قال: علم النبيين بأسره ، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله صير ذلك كله عند أمير المؤمنين عليه السلام فقال له رجل: يا ابن رسول الله فأميرالمؤمنين أعلم أم بعض النبيين؟

فقال أبو جعفر عليه السلام : إسمعوا ما يقول ! إن الله يفتح مسامع من يشاء ، إني حدثته أن الله جمع لمحمد صلى الله عليه وآله علم النبيين وأنه جمع ذلك كله عند أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو يسألني أهو أعلم أم بعض النبيين )!

حرمة تفسير القرآن بالرأي والظن والفتوى بالرأي والظن

(عن أبي جعفر عليه السلام قال: من أفتى الناس بغير علم ولا هدى ، لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه .

عن زياد بن أبي رجاء ، عن أبي جعفر×قال: ما علمتم فقولوا ، و ما لم تعلموا فقولوا: الله أعلم ، إن الرجل لينزع بالآية من القرآن يخر فيها أبعد ما بين السماء والأرض). لأنه فسر القرآن بظنه ورأيه ! (الكافي:1/42).
(عن سالم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله .
قال السابق بالخيرات: الإمام ، والمقتصد: العارف للإمام ، والظالم لنفسه الذي لا يعرف الإمام ) . (الكافي:1/214).

(محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قلت:إن من عندنا يزعمون أن قول الله عزّ وجلّ : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.أنهم اليهود والنصارى، قال:إذاً يدعونكم إلى دينهم! وقال بيده إلى صدره: نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون ).(الكافي:1/211).

كل اتجاه علمي ودم جديد في الأمة مديونٌ لأهل البيت عليهم السلام

كان التشيع دائماً طاقة تجديد لحياة الأمة ، وعندما قال الله تعالى لعرب الجزيرة في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وآله : وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ . قصد أن عنده بديلاً خيراً منهم إذا هم تقاعسوا . فلو لم تدخل اليمن في الإسلام وتغنيه بمخزونها ، لأكلت قبائل الجزيرة بعضها بعضاً باسم الإسلام ، ثم أماتوه وماتوا !

على أن العنصر الأهم في المخطط الإلهي لبقاء الإسلام ، هو مخزون العترة النبوية ومأساتها ، فلولا وجود أهل البيت عليهم السلام لفرضت القبائل القرشية خلافتها بدون معارض ، ولَسَارَ التاريخ بعقلية قبلية محضة ، وتقاسمت مغانم تلك الدولة وَما عرفت بديلاً حتى دين الخلافة والإجتهاد ودور العقل ، والإنفتاح على العلوم..

وقد رأيت كيف غيَّر الإمام الباقر عليه السلام وضع الأمة العام تغييراً أساسياً ، فيكفي أن تنظر الى حالتها الثقافية قبل الإمام عليه السلام في عهد عبد الملك وأولاده ، وحالتها بعد الإمام عليه السلام أي في بقية حكم هشام الى سنة 125 ، ثم في عهد الذين خلفوه : الوليد، ويزيد ، وإبراهيم ، ومروان الحمار، لترى أن الإمامين الباقر والصادق صلى الله عليه وآله وتلاميذهما أسسوا لعلوم اللغة والطبيعة ، والإنفتاح على ثقافة الشعوب وثروتها العلمية ، وأنهم كسروا الجمود القبلي باسم الدين وبعثوا تيار الحرية في الأمة ، فاتخذ أشكالاً متعددة ، في طليعتها التشيع ، والإعتزال ، ونزعة التحرر .

إن هذه الموجة التي شق طريقها الإمام الباقر عليه السلام ودفع بها ولده الصادق عليه السلام هي التي مهدت لثورة زيد رحمه الله ، ثم لثورة الخراسانيين على عمال بني أمية ، وانتصارهم على جيوش النظام الأموي وإسقاطه .

لقد ضَخّ فيها أخ الإمام الباقر زيد بن علي عليه السلام روحَ الثورة والتغيير؟ فارتفع في الأمة شعار: يالثارات الحسين عليهما السلام ؟

لقد كان التشيع وما زال مضخةً تُجدِّد دم الأمة كلما تراكم فيها الفساد والمرض! فهو النفحةً النبوية التي تُرَوْحِنها كلما دفعها الهجير البدوي الى اليَبَس !

ألا ترى كيف تَخَثَّر المخزون الديني والإنساني في أواخر خلافة عثمان ؟ فثار الصحابة وولوا علياً عليه السلام فأيقظ حيويتها وأغنى مخزونها ؟

وعندما أفرط ملوك بني عباس في طغيانهم ، كيف مدَّت ثورات العلويين الأمة بالقيم ، وعلمتها انتزاع حقها في الثورة والتغيير ؟

وعندما غرقت الدولة العباسية في المادية اليونانية والفارسية ، كيف أثرى الإمام الرضا عليه السلام مخزونها من صريح الإسلام ووحي النبوة ؟

وعندما تهرَّأ النظام العباسي، كيف جاءت الموجة الفاطمية من الغرب وقدمت بديلاً منافساً جدَّد الحياة في الأمة ؟ ثم رفدتها موجة البويهيين الشيعية فأخرجت العاصمة من جمودها الحنبلي ، وأحيت حرية التفكير !

وعندما ضعفت دولة البويهيين وجاءت موجة التعصب السلجوقي كيف حولت الخلافة الى استغراق في الترف حتى فَقَدَ جسم الأمة قدرته على المقاومة والدفاع فجاءتها دفعة المضادات الحيوية من وحشية المغول لتحرك كرياتها البيضاء ولم تكن هذه الكريات إلا الشيعة ومذهب أهل البيت عليهم السلام ؟

وعندما زاد ضغط الصليبيين على سواحلها وأعماقها ، كيف قادت المقاومة دول وإمارات الشيعة في حلب ومصر والشام ولبنان !

ينسى أتباع الخلافة قرنين من مقاومة الجيش المصري الشيعي للروم والفرنجة ويُطبِّلون لصلاح الدين السني، وما كان عمله إلا أنه تسلق الى قيادة الجيش المصري الشيعي وجيش الحمدانيين في حلب الذين اشترطوا على ابن الزنكي حريتهم المذهبية فوقَّع لهم على شروطهم ؟!

ثم انظر كيف جاءت موجة الأتراك العثمانيين لضرب القوة الشيعية وفرض الخلافة السنية ، حاملة كل تعصب العباسيين والأمويين ، فرافقتها موجة شيعية أقامت الدولة الصفوية في إيران لحفظ حريتها المذهبية !

وعندما انهارت الخلافة العثمانية بحروب الإنكليز والوهابيين ضدها ، ودفنوا الخلافة والخليفة في استانبول ! كيف انهارت المؤسسة الدينية في العالم السني وصمدت المؤسسة الشيعية وحفظت وجودها واستقلالها ؟

وأخيراً ، عندما فشلت مقاومات الأمة القومية اليسارية والسنية ، كيف ظهرت المرجعية الشيعية في إيران ، فضخَّت في الأمة روح المقاومة والحياة ؟

وعندما انهزمت الجيوش والأنظمة العربية أمام إسرائيل ، كيف ظهرت موجة المقاومة الحسينية في شيعة لبنان فهزمت دولة إسرائيل الأسطورية ، وضخَّت في الأمة دماً جديداً للحياة والمقاومة ؟!

إن بقاء الأمة اليوم بعناصرالقوة في ثقافتها ومقاومتها ، مدينً للفكر الشيعي الذي تمسك بالنص ولم يخضع لمنطق القبيلة في السقيفة .

وبهذا تعرف سبب هذا التوجه المعاصر في شعوب الأمة الى أهل البيت عليهم السلام تريد أن تفهم قصتهم ومذهبهم ، لأنهم في عمقها الذهني والتاريخي مشروع نجاة عندما يستنفد مذهب الخلافة طاقته وخطابه !

الفصل التاسع عشر

$الإمام الباقر عليه السلام عديل القرآن

مكانة القرآن على لسان الإمام الباقر عليه السلام

1- (عن عمر بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام :إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأمة إلا أنزله في كتابه وبينه لرسوله صلى الله عليه وآله ، وجعل لكل شئ حداً وجعل عليه دليلاً يدل عليه ، وجعل على من تعدى ذلك الحد حداً ). (الكافي:1/59).

2- (عن فضيل بن يسار قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الرواية: ما من القرآن آية الا ولها ظهر وبطن ، فقال: ظهره تنزيله وبطنه تأويله، منه ما قد مضى ومنه ما لم يكن، يجرى كما يجرى الشمس والقمر كما جاء تأويل شئ منه يكون على الأموات كما يكون على الأحياء، قال الله عزّ وجلّ : وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلا الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ، نحن نعلمه). (بصائر الدرجات/٢14).

3- (عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا أول وافد على العزيز الجبار يوم القيامة ، وكتابه ، وأهل بيتي ثم أمتي ، ثم أسألهم ما فعلتم بكتاب الله وبأهل بيتي ؟). (الكافي:2/600) .

4- (عن جابر الجعفي قال:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب ، وما جمعه وحفظه كما نزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده عليهم السلام .

عن سلمة بن محرز قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن من علم ما أوتينا تفسير القرآن وأحكامه ، وعلم تغيير الزمان وحدثانه . إذا أراد الله بقوم خيراً أسمعهم (أي هذه الحقيقة) ولو أسمع من لم يسمع لولَّى معرضاً كأن لم يسمع. ثم أمسك هنيئة ثم قال: ولو وجدنا أوعية أو مستراحاً لقلنا. والله المستعان). (الكافي:1/228).

علم أصحابه أن يسألوه عن مستند قوله من القرآن

في الكافي(1/60) بسند صحيح:(قال أبو جعفر عليه السلام : إذا حدثتكم بشئ فاسألوني من كتاب الله ، ثم قال في بعض حديثه ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال، فقيل له:يا ابن رسول الله أين هذا من كتاب الله؟ قال: إن الله عزّ وجلّ يقول: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ. وقال: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ الله لَكُمْ قِيَاماً . وقال:لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ).

وسأله عمر بن عبيد عن المعاصي الكبائر في القرآن .

ففي الكافي(2/285) بسند صحيح عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال:حدثني أبو جعفر(الجواد عليه السلام )قال:سمعت أبي يقول: سمعت أبي موسى بن جعفر عليه السلام يقول:

دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد الله عليه السلام فلما سلم وجلس تلا هذه الآية: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ.. ثم أمسك ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : ما أسكتك ؟ قال: أحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله عزّ وجلّ  .فقال: نعم يا عمرو:

1- أكبر الكبائر الإشراك بالله ، يقول الله: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيْهِ الْجَنَّةَ .

2- وبعده الإياس من روح الله لأن الله عزّ وجلّ يقول: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ الله إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ .

3- ثم الأمن لمكر الله لأن الله عزّ وجلّ يقول: فَلا يَامَنُ مَكْرَ الله إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ .

4- ومنها عقوق الوالدين لأن الله سبحانه جعل العاق جباراً شقياً .

5- وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق لأن الله عزّ وجلّ يقول: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا .

6- وقذف المحصنة لأن الله عزّ وجلّ يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ .

7-وأكل مال اليتيم لأن الله عزّ وجلّ يقول:إِنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا .

8- والفرار من الزحف لان الله عزّ وجلّ يقول: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ الله وَمَاْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ .

9- وأكل الربا لأن الله عزّ وجلّ يقول: الَّذِينَ يَاكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطَهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ .

10- والسحر لأن الله عزّ وجلّ يقول:وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ.

11- والزنا لأن الله عزّ وجلّ يقول: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا .

12- واليمين الغموس الفاجرة لأن الله عزّ وجلّ يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ.

13- والغلول لأن الله عزّ وجلّ يقول: وَمَنْ يَغْللَّ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

14- ومنع الزكاة المفروضة لأن الله عزّ وجلّ يقول: يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُم وَظُهُورُهُمْ .

15- وشهادة الزور وكتمان الشهادة لأن الله عزّ وجلّ يقول: وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ.

16-وشرب الخمر لأن الله عزّ وجلّ نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان .

17- وترك الصلاة متعمداً أو شيئاً مما فرض الله ، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من ترك الصلاة متعمداً فقد برئ من ذمة الله وذمة رسول الله صلى الله عليه وآله .

18- ونقض العهد وقطيعة الرحم لأن الله عزّ وجلّ يقول: أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ . قال: فخرج عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول: هلك من قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم ).

أئمة العترة عليهم السلام يستندون الى القرآن بعكس غيرهم

إذا قرأت كتب الحديث السنية:البخاري ومسلم وأخواتهما ، وقارنتها بكتب الحديث الشيعية كالكافي ومن لا يحضره الفقيه وأخواتهما ..

أو قرأت كتب الفقه السني مثل كتاب الأم للشافعي والمدونة الكبرى لمالك ، وقرأت مقابلها كتاب المقنعة للمفيد والمبسوط للطوسي ..

فستجد فرقاً أساسياً في نمط الفكر السني والشيعي هو أن النص القرآني والنص النبوي أكثر حضوراً في مصادر الشيعة منه في مصادر السنة .

فمحور المسائل والأحاديث في كتب الشيعة النص القرآني والنبوي .

أما غيرهم فمحور المسائل عندهم قال عمر وقالت عائشة وروى أبو هريرة .

ولا يتسع المجال للمقارنة الشاملة ، فنكتفي بالأمثلة :

والمثال الأول من السيرة: في بدء الوحي يقول الله تعالى: وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ . وَلَقَدْ رَآهُ بِالآفُقِ الْمُبِينِ.وقد روى الشيعة عن أئمتهم: (فلما استكمل أربعين سنة ، نظر الله عزّ وجلّ إلى قلبه فوجده أفضل القلوب وأجلها وأطوعها وأخشعها وأخضعها ، فأذن لأبواب السماء ففتحت ومحمد صلى الله عليه وآله ينظر إليها وأذن للملائكة فنزلوا ومحمد صلى الله عليه وآله ينظر إليهم ، وأمر بالرحمة فأنزلت عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمد وغمرته ، ونظر إلى جبرئيل الروح الأمين المطوق بالنور ، طاووس الملائكة هبط إليه وأخذ بضبعه وهزه ، وقال: يا محمد إقرأ . قال: وما أقرأ ؟ قال: يا محمد: إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ . إقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ . الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ . عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ . ثم أوحى إليه ربه عزّ وجلّ ما أوحى إليه ، ثم صعد جبرئيل إلى العلو . ونزل محمد صلى الله عليه وآله من الجبل وقد غشيه من تعظيم جلال الله ، وورد عليه من كبير شأنه ما ركبه به الحمى والنافض ، وقد اشتد عليه ما يخافه من تكذيب قريش في خبره ونسبتهم إياه إلى الجنون ، وأنه يعتريه شيطان ، وكان من أول أمره أعقل خليقة الله وأكرم براياه ، وأبغض الأشياء إليه الشيطان وأفعال المجانين وأقوالهم . فأراد الله عزّ وجلّ أن يشرح صدره ويشجع قلبه ، فأنطق الجبال والصخور والمدر وكلما وصل إلى شئ منها ناداه: السلام عليك يا محمد ، السلام عليك يا ولي الله، السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا حبيب الله، أبشر فإن الله عزّ وجلّ قد فضلك وجمَّلك وزيَّنك وأكرمك فوق الخلائق أجمعين من الأولين والآخرين . لا يحزنك قول قريش: إنك مجنون وعن الدين مفتون ، فإن الفاضل من فضَّله رب العالمين ، والكريم من كرَّمه خالق الخلق أجمعين ، فلا يضيقن صدرك من تكذيب قريش وعتاة العرب لك ، فسوف يبلغك ربك أقصى منتهى الكرامات ، ويرفعك إلى أرفع الدرجات). (تفسير الامام العسكري/155) .

أما غير الشيعة فوجدوا أنفسهم بين قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ ، ومعه قوله تعالى: إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ المُرْسَلُونَ . وقول عائشة إنه رآه في أفق مرعب وشك مؤلم ، فاحتاج إلى نصراني ليهدئ من رعبه وشكه ! ولم يعرف جبرئيل عليه السلام بسب رعبه منه ، وبسبب خنقه له ، ولا فهم كلامه ! فعاد يرتجف شاكياً إلى زوجته، فطمأنته لكنهما بقيا في شك ! فأخذته إلى طبيب هو عمها القسيس ورقة بن نوفل وعرضته عليه كما تأخذ المرأة زوجها إلى فوال! فطمأنها بأنه نبي، فاطمأنت واطمأن النبي !

لكن الوحي انقطع عنه فعاد إليه شكه فقرر أن ينتحر! وذهب مراراً الى رأس الجبل لينتحر ! لكن جبرئيل جاءه من بعيد ، ومنعه من إلقاء نفسه من الجبل !

وقد اختاروا قول عائشة وتركوا آيات القرآن مع الأسف ، وثَبَّتوا ذلك في أصح كتاب عندهم ! قال بخاري في صحيحه ( 8 / 67): « أول ما بدئ به رسول الله ( ص) من الوحي..عن عائشة أنها قالت: حتى فجأه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فيه فقال: إقرأ ، فقال له النبي: ما أنا بقارئ ، قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجَهد! ثم أرسلني فقال: إقرأ ! فقلت: ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ! ثم أرسلني فقال: إقرأ ! فقلت: ما أنا بقارئ فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجَهْد ! ثم أرسلني فقال: إقرأ باسم ربك ! ثم أرسلني فقال: إقرأ باسم ربك الذي خلق . حتى بلغ ما لم يعلم . فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: زمِّلوني زمِّلوني ، فزمَّلوه حتى ذهب عنه الروع فقال يا خديجة مالي! وأخبرها الخبر وقال: قد خشيت على نفسي ! فقالت له: كلا ، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكَل وتُقري الضيف وتعين على نوائب الحق . ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، وهو ابن عم خديجة أخو أبيها ، وكان امرءاً تنصَّر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبري فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخاً كبيراً قد عمي.الى آخر الأسطورة.. والإنجيل لم يكن بالعبرية!).

هكذا تقع الكارثة في ثقافة الأمة فيتركون القرآن والعترة ، ويتبعون امرأة تسمع من عجائز مكة وعجائز اليهود في المدينة وتقدمه الى المسلمين على أنه دينهم ! وكأن النبي صلى الله عليه وآله أوصاهم باتباع بنت من رأَّسوه عليهم ، وإن خالفت القرآن !

والمثال الثاني في أهم عقيدة عند المسلمين: وهي توحيد الله تعالى وتنزيهه.. فهم يجدون أنفسهم بين آيات الله المنزهة كقوله تعالى:لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَالسَّمِيعُ الْبَصِيرُ.. لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ..

وبين فتاوى أئمتهم بأن الله جسم طوله ستون ذراعاً ! رآه النبي صلى الله عليه وآله في المعراج شاباً أمرد ، شعره أجعد ، يلبس نعلين ذهب، ويقف على أرض خضراء .. الخ.!

وأصل هذا الحديث كما بينه الإمام الرضا عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله رأى شخصاً يشتم صاحبه ويقول له: قبح الله وجهك ، فقال له: لا تقبح وجهه فإن الله خلق آدم على صورته، أي خلقه على صورة المشتوم ، فلا تلعن صورة أخيك التي اختارها الله لأبينا آدم وأولاده . فحرفوه وقالوا كما قال اليهود إن الله على صورة البشر ، وإن النبي صلى الله عليه وآله قال إن الله خلق آدم على صورة الرحمن ، وطوله ستون ذراعاً !

قال ابن باز في فتاويه( 4 / 368) فتوى رقم 2331: (خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً.. وهو حديث صحيح ، ولا غرابة في متنه فإن له معنيان: الأول: أن الله لم يخلق آدم صغيراً قصيراً كالأطفال من ذريته ثم نما وطال حتى بلغ ستين ذراعاً ، بل جعله يوم خلقه طويلاً على صورة نفسه النهائية طوله ستون ذراعاً . والثاني: أن الضمير في قوله (على صورته) يعود على الله بدليل ما جاء في رواية أخرى صحيحة: على صورة الرحمن ) !

وقال ابن تيمية في التأسيس/241:( كما في الحديث الصحيح المرفوع عن قتادة ، عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص): رأيتُ ربي في صورة أمرد ، له وفرة ، جعد ، قطط في روضة خضراء ) !

فيأخذون بفتاوى التجسيم والتشبيه ويتركون صريح القرآن: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.. لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ.. !

والمثال الثالث في النبوة: فقد نزه الله نبيه صلى الله عليه وآله عن الهوى والخطأ فقال: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى. وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلا وَحْىٌ يُوحَى .

والذي يتكفل الله منطقه فلايكون فيه باطل ولا خطأ ، فبطريق أولى أن يتكفل عمله فلا يكون فيه باطلٌ ولا خطأ . ولهذا نعتقد أن نبينا صلى الله عليه وآله كان من طفولته على هدى ربه ، وأنه في الأربعين بُعثَ رسولاً، فقد قال علي عليه السلام 🙁 ولقد قرن الله به من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره) . ( نهج البلاغة : 2 / 157 ) .

أما أتباع مذاهب الخلافة فزعموا أن النبي صلى الله عليه وآله كان يعمل بالظن ويخطئ ، وكان يحب ويغضب فينطق عن الهوى! لكن عمر لا يخطئ ولا ينطق عن الهوى !

قال المناوي في فيض القدير(2/278): ( إن الله جعل الحق ، يعني أجراه على لسان عمر ، فكان كالسيف الصارم والحسام القاطع ) .

وزعموا أن النبي صلى الله عليه وآله قال لعمر: إن غضبك عِزٌّ ورضاك حكم. رواه ابن حبان في طبقات المحدثين بأصبهان: 2 / 34 ، وابن أبي شيبة في المصنف: 7 / 486 و 487 ، والطبراني الأوسط: 6 / 242 ، والكبير: 12 / 48 ، والزوائد: 9 / 69 ، وكنز العمال: 10 / 365 ، وفي : 12 / 596 و 603 وج : 11 / 578 و 579 ، بروايات كثيرة فيها: إن الله عزّ وجلّ عند لسان عمر وقلبه. إن الله جعل الحق على قلب عمر ولسانه. لو لم أبعث فيكم لبعث عمر. أيد الله عزّ وجلّ عمر بملكين يوفقانه ويسددانه ، فإذا أخطأ صرفاه حتى يكون صواباً )!

قال البخاري(5/ 149 و: 6 / 24): ( قال عمر: وافقت الله في ثلاث ، أو وافقني ربي في ثلاث: قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى..الخ).

وقد جمعوا موافقات عمر فبلغت سبعاً وعشرين ! ونظموا فيها القصائد وألفوا الكتب! وقالوا كان ينزل جبرئل أحياناً بتخطئة النبي صلى الله عليه وآله وتوبيخه وتأييد عمر!

وروى البيهقي(2 / 210): (بينا رسول الله يدعو على قريش إذ جاءه جبرئيل فأومأ اليه أن اسكت فسكت فقال: يا محمد إن الله لم يبعثك سَبَّاباً ولا لعاناً ! وإنما بعثك رحمة ولم يبعثك عذاباً ، ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون . ثم علمه هذا القنوت..). وهو قنوت ركيك الألفاظ كان يقنت به عمر ، وسماه سورة الحفد وسورة الخلع ، وقد بحثناه في كتاب: تدوين القرآن !

والنتيجة: أن الشيعة يعتقدون أن النبي صلى الله عليه وآله معصوم عصمة كاملة شاملة في منطقه وجميع أفعاله ، فيجب اتباعه حرفياً. وغيرهم يتبعون النبي صلى الله عليه وآله لكن إذا تعارض فعله وقوله مع عمر فهم يتبعون عمر لأن معه ملكاً ينطق على لسانه ! شبيه رأيهم بعائشئة !

والمثال الرابع في الولاية على البنت والمرأة: فقد جعلول للعصبة أي العشيرة ولاية ما أنزل الله بها من سلطان ، لا في آية ، ولا حديث نبوي .

والعصبة عندهم نفسها في عرف الجاهلية ، الأقارب من الأب دون الأم ، وأصحاب الحق منهم الرجال دون النساء . فمن مات أبوها فوليها عصبتها ، أي أقارب أبيها من جهة أبيه .

وإن كانت الوارث الوحيد فهي ترث نصف التركة فقط والباقي للعصبة ، وولي أمرها العصبة كلها فيستطيع أي شخص من العشيرة أن يزوجها..الى آخر أحكامهم!

وقد أنكر أهل البيت العصبة وقالوا إن كانت متزوجة ومطلقة أو مات زوجها فهي ولية نفسها . وإن كانت باكراً مات أبوها فهي ولية نفسها . وهي ترث التركة كاملة ، ولايصل الإرث الى العصبة ..الخ.

بعض ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام في التوحيد والصفات

تقدم في فصول الكتاب العديد من أحاديث التوحيد والصفات نعيد منها حديثين أولهما: قوله عليه السلام لجابر الجعفي: (يا جابر ما أعظم فرية أهل الشام على الله عزّ وجلّ ! يزعمون أن الله تبارك وتعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على صخرة بيت المقدس! ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه على حجرٍ فأمرنا الله تبارك وتعالى أن نتخذه مصلى .

يا جابر ، إن الله تبارك وتعالى لا نظير له ولا شبيه ، تعالى عن صفة الواصفين وجل عن أوهام المتوهمين واحتجب عن أعين الناظرين لا يزول مع الزائلين ولا يأفل مع الآفلين . لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئٌْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ).

ويقصد عليه السلام بأهل الشام علماء الأمويين الذين ينشرون عقيدة كعب في التجسيم !

وثانيهما: قول محمد بن مسلم : (سألت أبا جعفر عليه السلام عما يروون أن الله خلق آدم على صورته! فقال هي: صورة محدثة مخلوقة اصطفاها الله واختارها على سائر الصور المختلفة ، فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه والروح إلى نفسه ، فقال: بيتي ، وقال: فَإِذَا سَوَيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِى فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) .

كان الله ولم يكن شيئ معه

قال جابر الجعفي: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن شئ من التوحيد فقال: إن الله تباركت أسماؤه التي يدعى بها وتعالى في علو كنهه واحد توحد بالتوحيد في توحده ، ثم أجراه على خلقه فهو واحد ، صمد ، قدوس ، يعبده كل شئ ويصمد إليه كل شئ ووسع كل شئ علماً. فهذا هو المعنى الصحيح في تأويل الصمد ، لا ما ذهب إليه المشبهة أن تأويل الصمد المصمت الذي لا جوف له ، لأن ذلك لا يكون إلا من صفة الجسم والله جل ذكره متعال عن ذلك ، هو أعظم وأجل من أن تقع الأوهام على صفته أو تدرك كنه عظمته . ولو كان تأويل الصمد في صفة الله عزّ وجلّ المصمت ، لكان مخالفاً لقوله عزّ وجلّ : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئٌْ ، لأن ذلك من صفة الأجسام المصمتة التي لا أجواف لها ، مثل الحجر والحديد وسائر الأشياء المصمتة التي لا أجواف لها ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً) . (الكافي:1/123).

رأته القلوب بحقائق الإيمان

(عن عبد الله بن سنان عن أبيه قال: حضرت أبا جعفر عليه السلام فدخل عليه رجل من الخوارج فقال له: يا أبا جعفر أي شئ تعبد؟ قال:الله ، قال: رأيته ؟ قال: لم تره العيون بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان لا يعرف بالقياس ، ولا يدرك بالحواس ، ولا يشبه بالناس ، موصوف بالآيات ، معروف بالعلامات ، لا يجور في حكمه ، ذلك الله لا إله إلا هو. قال: فخرج الرجل وهو يقول: الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ). (التوحيد/108).

ويلك إنما يقال لشئ لم يكن: متى كان؟

(قال أبي بصير: جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام فقال له: أخبرني عن ربك متى كان ؟ فقال: ويلك إنما يقال لشئ لم يكن: متى كان ، إن ربي تبارك وتعالى كان ولم يزل حياً بلا كيف ، ولم يكن له كان ، ولا كان لكونه كون ، كيف ولا كان له أين ، ولا كان في شئ ، ولا كان على شئ ، ولا ابتدع لمكانه مكاناً ولا قوي بعد ما كون الأشياء ، ولا كان ضعيفاً قبل أن يكون شيئاً ، ولا كان مستوحشاً قبل أن يبتدع شيئاً ولا يشبه شيئاً مذكوراً ، ولا كان خلواً من الملك قبل إنشائه ولا يكون منه خلواً بعد ذهابه ، لم يزل حياً بلا حياة ، وملكاً قادراً قبل أن ينشئ شيئاً، وملكا جباراً بعد إنشائه للكون ، فليس لكونه كيف ، ولا له أين ، ولا له حد ، ولا يعرف بشئ يشبهه ولا يهرم لطول البقاء ، ولا يصعق لشئ ، بل لخوفه تصعق الأشياء كلها .

كان حياً بلا حياة حادثة ولا كون موصوف ، ولا كيف محدود ولا أين موقوف عليه ولا مكان جاور شيئاً ، بل حي يعرف وملك لم يزل له القدرة والملك أنشأ ما شاء حين شاء بمشيئته ، لا يحد ولا يبعض ولا يفنى ، كان أولاً بلا كيف ويكون آخراً بلا أين وكل شئ هالك إلا وجهه ، له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين.

ويلك أيها السائل إن ربي لا تغشاه الأوهام ولا تنزل به الشبهات ، ولا يحار ولا يجاوزه شئ، ولاتنزل به الأحداث ، ولايسأل عن شئ، ولايندم على شئ ، ولا تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ .. لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى . ).(الكافي:1/88).

لا تفكروا في ذات الله.. لن تدركوه !

(عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إياكم والتفكر في الله ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظيم خلقه). (الكافي:1/93).

أول ما خلق الله عزّ وجلّ

قال جابر الجعفي: (جاء رجل من علماء أهل الشام إلى أبي جعفر عليه السلام فقال: جئت أسألك عن مسألة لم أجد أحداً يفسرها لي ، وقد سألت ثلاثة أصناف من الناس ، فقال كل صنف غير ما قال الآخر، فقال أبو جعفر عليه السلام : وما ذلك؟ فقال: أسألك ما أول ما خلق الله عزّ وجلّ من خلقه؟ فإن بعض من سألته قال: القدرة ، وقال بعضهم العلم ، وقال بعضهم الروح ، فقال أبو جعفر عليه السلام : ما قالوا شيئاً ، أخبرك أن الله علا ذكره كان ولا شئ غيره ، وكان عزيزاً ولا عز لأنه كان قبل عزه وذلك قوله: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ . وكان خالقاً ولا مخلوق، فأول شئ خلقه من خلقه الشئ الذي جميع الأشياء منه ، وهو الماء فقال السائل: فالشئ خلقه من شئ أو من لا شئ ؟ فقال: خلق الشئ لا من شئ كان قبله ، ولو خلق الشئ من شئ إذا لم يكن له انقطاع أبداً ، ولم يزل الله إذاً ومعه شئ ! ولكن كان الله ولا شئ معه ، فخلق الشئ الذي جميع الأشياء منه ، وهو الماء ). (التوحيد للصدوق/145).

خلق العرش من أربعة أنوار

قال أبو جعفر الباقر عليه السلام : (قال علي بن الحسين عليه السلام : إن الله عزّ وجلّ خلق العرش أرباعاً لم يخلق قبله إلا ثلاثة أشياء: الهواء والقلم والنور ، ثم خلقه من أنوار مختلفة: فمن ذلك النور نور أخضر اخْضَرَّت منه الخضرة ونور أصفر اصْفَرَّت منه الصفرة ، ونور أحمر احْمَرَّت منه الحمرة ، ونور أبيض وهو نور الأنوار ومنه ضوء النهار . ثم جعله سبعين ألف طبق ، غلظ كل طبق كأول العرش إلى أسفل السافلين ، ليس من ذلك طبق إلا يسبح بحمد ربه ويقدسه بأصوات مختلفة وألسنة غير مشتبهة ، ولو أذن للسان منها فأسمع شيئاً مما تحته لهدم الجبال والمدائن والحصون ولخسف البحار ولأهلك ما دونه! له ثمانية أركان على كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصي عددهم إلا الله عزّ وجلّ  ، يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، ولو حس شئ مما فوقه ما قام لذلك طرفة عين . بينه وبين الإحساس الجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرحمة ثم العلم . وليس وراء هذا مقال ) . (التوحيد للصدوق/325).

امتحن الله الخلق في عالم الذر

قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ . أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ .

في الكافي(2/8 ) بسند صحيح(عن حبيب السجستاني قال:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن الله عزّ وجلّ لما أخرج ذرية آدم عليه السلام من ظهره ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبية له وبالنبوة لكل نبي فكان أول من أخذ له عليهم الميثاق بنبوته محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله . ثم قال الله عزّ وجلّ لآدم: انظر ماذا ترى ، قال: فنظر آدم عليه السلام إلى ذريته وهم ذر قد ملأوا السماء ، قال آدم عليه السلام : يا رب ما أكثر ذريتي ، ولأمر ما خلقتهم؟ فما تريد منهم بأخذك الميثاق عليهم؟قال الله عزّ وجلّ : يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ويؤمنون برسلي ويتبعونهم .

قال آدم عليه السلام : يا رب فمالي أرى بعض الذر أعظم من بعض وبعضهم له نور كثير وبعضهم له نور قليل وبعضهم ليس له نور؟ فقال الله عزّ وجلّ : كذلك خلقتهم لأبلوهم في كل حالاتهم .

قال آدم عليه السلام : يا رب فتأذن لي في الكلام فأتكلم؟ قال الله عزّ وجلّ : تكلم فإن روحك من روحي وطبيعتك من خلاف كينونتي: قال آدم: يا رب فلو كنت خلقتهم على مثال واحد وقدر واحد وطبيعة واحدة وجبلة واحدة وألوان واحدة وأعمار واحدة وأرزاق سواء ، لم يبغ بعضهم على بعض ، ولم يكن بينهم تحاسد ولا تباغض ، ولا اختلاف في شئ من الأشياء .

قال الله عزّ وجلّ يا آدم بروحي نطقت وبضعف طبيعتك تكلفت ما لا علم لك به وأنا الخالق العالم ، بعلمي خالفت بين خلقهم ، وبمشيئتي يمضي فيهم أمري ، وإلى تدبيري وتقديري صائرون ، لا تبديل لخلقي ، إنما خلقت الجن والإنس ليعبدون ، وخلقت الجنة لمن أطاعني وعبدني منهم واتبع رسلي ولا أبالي ، وخلقت النار لمن كفر بي و عصاني ولم يتبع رسلي ولا أبالي. وخلقتك وخلقت ذريتك من غير فاقة بي إليك وإليهم ، وإنما خلقتك وخلقتهم لأبلوك وأبلوهم أيكم أحسن عملاً في دار الدنيا في حياتكم وقبل مماتكم ، فلذلك خلقت الدنيا والآخرة والحياة والموت والطاعة والمعصية والجنة والنار.

وكذلك أردت في تقديري وتدبيري ، وبعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم وأجسامهم وألوانهم وأعمارهم وأرزاقهم وطاعتهم ومعصيتهم ، فجعلت منهم الشقي والسعيد ، والبصير والأعمى، والقصير والطويل ، والجميل والدميم ، والعالم والجاهل ، والغني والفقير ، والمطيع والعاصي ، والصحيح والسقيم ، ومن به الزمانة ومن لا عاهة به ، فينظر الصحيح إلى الذي به العاهة فيحمدني على عافيته ، وينظر الذي به العاهة إلى الصحيح فيدعوني ويسألني أن أعافيه ، ويصبر على بلائي فأثيبه جزيل عطائي ، وينظر الغني إلى الفقير فيحمدني ويشكرني ، وينظر الفقير إلى الغني فيدعوني ويسألني،وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني على ما هديته. فلذلك خلقتهم لأبلوهم في السراء والضراء وفيما أعافيهم وفيما أبتليهم وفيما أعطيهم وفيما أمنعهم ، وأنا الله الملك القادر ، ولي أن أمضي جميع ما قدرت على ما دبرت ، ولي أن أغير من ذلك ما شئت إلى ما شئت ، وأقدم من ذلك ما أخرت وأؤخر من ذلك ما قدمت ، وأنا الله الفعال لما أريد ، لا أُسأل عما أفعل وأنا أسألُ خلقي عما هم فاعلون .

وفي رواية: ثم دعاهم إلى الإقرار بالنبيين فأقر بعضهم وأنكر بعض، ثم دعوهم إلى ولايتنا فأقر بها والله من أحب وأنكرها من أبغض، وهو قوله:وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ. ثم قال أبو جعفر عليه السلام : كان التكذيب ثَمَّ ).

من تفسيره قل هو الله أحد

(الإمام الصادق عن أبيه الباقر عليهما السلام في قول الله تبارك وتعالى: قُلْ هُوَاللَّهُ أَحَدٌ . قال: قُلْ: أي أظهر ما أوحينا إليك ونبأناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من ألقى السمع وهو شهيد ، وهو إسم مكنى مشار إلى غائب ، فالهاء تنبيه على معنى ثابت ، والواو إشارة إلى الغائب عن الحواس ، كما أن قولك هذا إشارة إلى الشاهد عند الحواس . وذلك أن الكفار نبهوا عن آلهتهم بحرف إشارة الشاهد المدرك فقالوا: هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالأبصار، فأشر أنت يا محمد إلى إلهك الذي تدعو إليه حتى نراه وندركه ولا نألَهُ فيه (نتحير).

فأنزل الله تبارك وتعالى قل هو الله أحد . فالهاء تثبيت للثابت ، والواو إشارة إلى الغائب عن درك الأبصار ولمس الحواس ، وأنه تعالى عن ذلك ، بل هو مُدرك الأبصار ، ومُبدع الحواس ). (التوحيد للصدوق/88).

الله: المعبود الذي يأله اليه الخلق !

(قال أمير المؤمنين عليه السلام : الله معناه المعبود الذي يألَهُ فيه الخلق ويؤله إليه ، والله هو المستور عن درك الأبصار ، المحجوب عن الأوهام والخطرات .

وقال الباقر عليه السلام :الله معناه المعبود الذي أله الخلق عن درك ماهيته والإحاطة بكيفيته ويقول العرب: أله الرجل إذا تحير في الشئ فلم يحط به علماً ، ووَلِهَ إذا فزع إلى شئ مما يحذره ويخافه . فالإله هو المستور عن حواس الخلق  .

قال الباقر عليه السلام : الأحد الفرد المتفرد ، والأحد والواحد بمعنى واحد ، وهو المتفرد الذي لا نظير له ، والتوحيد الإقرار بالوحدة وهو الإنفراد ، والواحد المتبائن الذي لا ينبعث من شئ ولا يتحد بشئ ، ومن ثم قالوا: إن بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد ، لأن العدد لايقع على الواحد بل يقع على الإثنين فمعنى قوله: الله أحد: المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه والإحاطة بكيفيته فرد بإلهيته ، متعال عن صفات خلقه ). (التوحيد للصدوق/89).

معنى الصمد: المتعالي عن الكون والفساد

(قال الباقر عليه السلام : حدثني أبي زين العابدين ، عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام أنه قال: الصمد الذي لا جوف له والصمد الذي قد انتهى سؤدده ، والصمد الذي لا يأكل ولا يشرب ، والصمد الذي لا ينام ، والصمد الدائم الذي لم يزل ولا يزال .

قال الباقر عليه السلام : الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر وناه .

قال: وسئل علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام عن الصمد ، فقال: الصمد الذي لا شريك له ، ولا يؤوده حفظ شئ ، ولا يعزب عنه شئ .

قال زيد بن علي زين العابدين عليهما السلام : الصمد هو الذي إذا أراد شيئاً قال له: كن فيكون ، والصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها أضداداً وأشكالاً وأزواجاً ، وتفرد بالوحدة بلا ضد ولا شكل ولا مثَلٌ ولا نِد .

وعن الباقر عن أبيه عليهم السلام أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي عليه السلام يسألونه عن الصمد فكتب إليهم: بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد فلا تخوضوا في القرآن ، ولا تجادلوا فيه ، ولا تتكلموا فيه بغير علم ، فقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار .

وإن الله سبحانه قد فسر الصمد فقال: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ .

لَمْ يَلِدْ:لم يخرج منه شئ كثيف كالولد وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ولا شئ لطيف كالنفس، ولا يتشعب منه البدوات كالسنة والنوم والخطرة والهم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرغبة والسأمة والجوع والشبع ، تعالى أن يخرج منه شئ ، وأن يتولد منه شئ كثيف أو لطيف .

وَلَمْ يُولَدْ: لم يتولد من شئ ولم يخرج من شئ كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشئ من الشئ والدابة من الدابة والنبات من الأرض والماء من الينابيع والثمار من الأشجار ، ولا كما يخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الأذن والشم من الأنف والذوق من الفم والكلام من اللسان والمعرفة والتميز من القلب ، وكالنار من الحجر ، لا بل هو الله الصمد الذي لا من شئ ، ولا في شئ ولا على شئ ، مبدع الأشياء وخالقها ، ومنشئ الأشياء بقدرته ، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته ، ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه ، فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ).

أقول: تقدمت رواية الوفد الذي جاء من فلسطين يسألون الباقر عليه السلام عن معنى الصمد .

يجوز أن تقول: الله شيئ لا كالأشياء !

(سئل أبو جعفر عليه السلام أيجوز أن يقال: إن الله عزّ وجلّ شئ ؟ قال: نعم ، تخرجه عن الحدين: حد التعطيل وحد التشبيه ). (التوحيد/104).

أي لا يجوز أن تقول كما قال ابن تيمية: جسم لا كالأجسام .

الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه  !

(عن خيثمة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى خلو من خلقه ، وخلقه خلو منه ، وكل ما وقع عليه اسم شئ ما خلا الله عزّ وجلّ فهو مخلوق ، والله تعالى خالق كل شئ). (التوحيد/105).

علمه بخلقه قبل خلقهم كعلمه بعد خلقهم

(عن محمد بن مسلم سمعته عليه السلام يقول:كان الله ولا شئ غيره، ولم يزل عالماً بما كَوَّنَ فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد ما كوَّنه ). (التوحيد للصدوق/145).

معنى: وما قدروا الله حق قدره

قال زرارة بن أعين: (قال أبو جعفر عليه السلام :إن الله عزّ وجلّ لا يوصف . وكيف يوصف وقد قال في كتابه: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ؟ فلايوصف بقدر ، إلا كان أعظم من ذلك). (التوحيد/108).

عن جابر الجعفي قال: (قال أبو جعفر عليه السلام : إن الله تباركت أسماؤه وتعالى في علو كنهه أحد ، توحد بالتوحيد في توحيده ، ثم أجراه على خلقه ، فهو أحد ، صمد ، ملك قدوس ، يعبده كل شئ ويصمد إليه، فوق الذي عسينا أن نبلغ ربنا . رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَئٍ عِلْمًا). (التوحيد/136).

الله نور لا ظلمة فيه وعلم لا جهل فيه..

(عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: إن الله نور لا ظلمة فيه ، وعلم لا جهل فيه ، وحياة لا موت فيه. اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ). (التوحيد/138).

(عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى كان ولا شئ غيره ، نوراً لا ظلام فيه ، وصادقاً لا كذب فيه ، وعالماً لا جهل فيه ، وحياً لا موت فيه ، وكذلك

هو اليوم ، وكذلك لا يزال أبداً ). (التوحيد/141).

يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع !

(عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: من صفة القديم أنه واحد أحد صمد ، أحدي المعنى ، وليس بمعان كثيرة مختلفة ، قال قلت: جعلت فداك يزعم قوم من أهل العراق أنه يسمع بغير الذي يبصر ، ويبصر بغير الذي يسمع ، قال: فقال: كذبوا وألحدوا وشبهوا ، تعالى الله عن ذلك ، إنه سميع بصير ، يسمع بما يبصر ، ويبصر بما يسمع .قال: قلت: يزعمون أنه بصير على ما يعقلونه ، قال فقال: تعالى الله إنما يعقل ما كان بصفة المخلوقين ، وليس الله كذلك ) . (التوحيد/144).

من عبد الإسم دون المسمى لم يعبد شيئاًً !

( عن ابن أبي نجران قال:كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام : جعلني الله فداك نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد؟فقال: إن من عبد الإسم دون المسمى بالأسماء أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئاً، بل أعبدِ الله الواحد الأحد الصمد المسمى بهذه الأسماء ، دون الأسماء ، إن الأسماء صفات وصف بها نفسه ). (الكافي:1/87).

بعض ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام في خلق الكون

أول ماخلق الله من الكون

( عن محمد بن مسلم قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام : كان كل شئ ماءً وكان عرشه على الماء فأمر الله عز ذكره الماء فاضطرم ناراً ثم أمر النار فخمدت فارتفع من خمودها دخان فخلق الله السماوات من ذلك الدخان ، وخلق الأرض من الرماد ، ثم اختصم الماء والنار والريح فقال الماء أنا جند الله الأكبر وقالت الريح أنا جند الله الأكبر ، وقالت النار أنا جند الله الأكبر ، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى الريح أنت جندي الأكبر ). (الكافي:8/94).

(عن محمد بن عطية قال: جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام من أهل الشام من علمائهم فقال: يا أبا جعفر جئت أسألك عن مسألة قد أعيت علي أن أجد أحداً يفسرها وقد سألت عنها ثلاثة أصناف من الناس فقال كل صنف منهم شيئاً غير الذي قال الصنف الآخر فقال له أبو جعفر عليه السلام : ما ذاك ؟ قال : فإني أسألك عن أول ما خلق الله من خلقه ، فإن بعض من سألته قال: القدر وقال بعضهم: القلم وقال بعضهم: الروح فقال أبو جعفر عليه السلام : ما قالوا شيئاً ، أخبرك أن الله تبارك وتعالى كان ولا شئ غيره ، وكان عزيزاً ، ولا أحد كان قبل عزه وذلك قوله: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ . وكان الخالق قبل المخلوق ولو كان أول ما خلق من خلقه الشئ من الشئ إذا لم يكن له انقطاع أبداً ولم يزل الله إذاً ومعه شئ ليس هو يتقدمه ، ولكنه كان إذ لاشئ غيره ، وخلق الشئ الذي جميع الأشياء منه ، وهو الماء الذي خلق الأشياء منه فجعل نسب كل شئ إلى الماء ولم يجعل للماء نسباً يضاف إليه، وخلق الريح من الماء ثم سلط الريح على الماء فشققت الريح متن الماء حتى ثار من الماء ، زبد على قدر ما شاء أن يثور ، فخلق من ذلك الزبد أرضاً بيضاء نقية ، ليس فيها صدع ولا ثقب ، ولا صعود ولا هبوط ، ولا شجرة ، ثم طواها فوضعها فوق الماء ، ثم خلق الله النار من الماء فشققت النار متن الماء حتى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء الله أن يثور ، فخلق من ذلك الدخان سماءً صافية نقية ليس فيها صدع ولا ثقب ، وذلك قوله: أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا . رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَاهَا. وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا . قال: ولا شمس ولا قمر ولا نجوم ولا سحاب ، ثم طواها فوضعها فوق الأرض ثم نسب الخليقتين فرفع السماء فذلك قوله عز ذكره . وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا .يقول بسطها ، فقال له الشامي: يا أبا جعفر قول الله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَئٍ حَىٍّ؟ فقال له أبو جعفر عليه السلام : فلعلك تزعم أنهما كانتا رتقاً ملتزقتين ملتصقتين ففتقت إحداهما من الأخرى؟ فقال: نعم ، فقال أبو جعفر عليه السلام : أستغفر ربك ، فإن قول الله عزّ وجلّ : كَانَتَا رَتْقًا يقول: كانت السماء رتقاً لا تنزل المطر وكانت الأرض رتقاً لا تنبت الحب ، فلما خلق الله تبارك وتعالى الخلق وبث فيها من كل دابة ، فتق السماء بالمطر والأرض بنبات الحب ، فقال الشامي أشهد أنك من ولد الأنبياء وأن علمك علمهم) . (الكافي:8/94).

أقول: هذا الحديث يصف أول ما خلق الله تعالى في المرحلة الثانية من الخلق ، وإلا فقد روينا وروى غيرنا أن أول ما خلق الله في المرحلة الأولى نور نبينا وآله صلى الله عليه وآله .فعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قلت يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شئ خلقه الله قبل الأشياء ؟ قال : يا جابر ، إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره ، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله ، ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جني ولا إنسي ! فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء ، فخلق من الجزء الأول القلم ، ومن الثاني اللوح ، ومن الثالث العرش..الخ. (كشف الخفاء:1 / 265)

خلق الله الجنة قبل النار

(عن سلام بن المستنير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله عزّ وجلّ خلق الجنة قبل أن يخلق النار ، وخلق الطاعة قبل أن يخلق المعصية ، وخلق الرحمة قبل الغضب ، وخلق الخير قبل الشر ، وخلق الأرض قبل السماء ، وخلق الحياة قبل الموت ، وخلق الشمس قبل القمر ، وخلق النور قبل الظلمة) . (الكافي:8/144).

خلق الله من أديم الأرض سبعة أنواع قبل آدم

(عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لقد خلق الله عزوجل في الأرض منذ خلقها سبعة عالمين ليس هم من ولد آدم، خلقهم من أديم الأرض فأسكنهم فيها واحداً بعد واحد مع عالمه، ثم خلق الله عزّ وجلّ آدم أبا هذا البشر وخلق ذريته منه، ولا والله ما خلت الجنة من أرواح المؤمنين منذ خلقها، ولا خلت النار من أرواح الكفار والعصاة منذ خلقها عزّ وجلّ ، لعلكم ترون أنه كان يوم القيامة وصير الله أبدان أهل الجنة مع أرواحهم في الجنة ، وصير أبدان أهل النار مع أرواحهم في النار ، أن الله عزوجل لا يعبد في بلاده ، ولا يخلق خلقاً يعبدونه ويوحدونه ويعظمونه؟ بلى والله، ليخلقن الله خلقاً من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحدونه ويعظمونه، ويخلق لهم أرضاً تحملهم وسماء تظلهم ، أليس الله عزوجل يقول: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ ،وقال الله عزّ وجلّ : أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ) . (الخصال/357).

لله جنة في المغرب ونار في المشرق !

(عن ضريس الكناسي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام أن الناس يذكرون أن فراتنا يخرج من الجنة فكيف هو وهو يقبل من المغرب وتصب فيه العيون والأودية ؟ قال : فقال أبو جعفر عليه السلام وأنا أسمع: إن لله جنة خلقها الله في المغرب وماء فراتكم يخرج منها، وإليها تخرج أرواح المؤمنين من حفرهم عند كل مساء فتسقط على ثمارها وتأكل منها وتتنعم فيها ، وتتلاقى وتتعارف ، فإذا طلع الفجر هاجت من الجنة فكانت في الهواء فيما بين السماء والأرض ، تطير ذاهبة وجائية ، وتعهد حفرها إذا طلعت الشمس ، وتتلاقى في الهواء وتتعارف .

قال: وإن لله ناراً في المشرق خلقها ليسكنها أرواح الكفار ويأكلون من زقومها ويشربون من حميمها ليلهم فإذا طلع الفجر هاجت إلى واد باليمين يقال له: برهوت أشد حراً من نيران الدنيا ، فيها يتلاقون ويتعارفون فإذا كان المساء عادوا إلى النار ، فهم كذلك إلى يوم القيامة. قال قلت: أصلحك الله فما حال الموحدين المقرين بنبوة محمد صلى الله عليه وآله من المسلمين المذنبين الذين يموتون وليس لهم إمام ولا يعرفون ولايتكم؟ فقال: أما هؤلاء فإنهم في حفرتهم لا يخرجون منها فمن كان منهم له عمل صالح ولم يظهر منه عداوة فإنه يخد له خد إلى الجنة التي خلقها الله في المغرب فيدخل عليه منها الروح في حفرته إلى يوم القيامة فيلقى الله فيحاسبه بحسناته وسيئاته ، فإما إلى الجنة وإما إلى النار ، فهؤلاء موقوفون لأمرالله .قال: وكذلك يفعل الله بالمستضعفين والبله والأطفال وأولاد المسلمين الذين لم يبلغوا الحلم ، فأما النصاب من أهل القبلة فإنهم يخد لهم خد إلى النار التي خلقها الله في المشرق فيدخل عليهم منها اللهب والشرر والدخان وفورة الحميم إلى يوم القيامة ، ثم مصيرهم إلى الحميم ثم في النار يسجرون ثم قيل لهم: أينما كنتم تدعون من دون الله ؟ أين إمامكم الذي اتخذتموه دون الامام الذي جعله الله للناس إماماً) . (الكافي:3/246).

أول بناء للكعبة بيد جبرئيل عليه السلام

(عن محمد بن إسحاق ، عن أبي جعفر ، عن آبائه عليهم السلام أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى جبرئيل عليه السلام أنا الله الرحمن الرحيم وأني قد رحمت آدم وحواء لما شكيا إلي ما شكيا فأهبط عليهما بخيمة من خيم الجنة وعزهما عني بفراق الجنة وأجمع بينهما في الخيمة فإني قد رحمتهما لبكائهما ووحشتهما في وحدتهما وأنصب الخيمة على الترعة التي بين جبال مكة ، قال : والترعة مكان البيت وقواعده التي رفعتها الملائكة قبل آدم فهبط جبرئيل عليه السلام على آدم بالخيمة على مقدار أركان البيت وقواعده فنصبها ، قال : وأنزل جبرئيل آدم من الصفا وأنزل حواء من المروة وجمع بينهما في الخيمة قال : وكان عمود الخيمة قضيب ياقوت أحمر فأضاء نوره وضوؤه جبال مكة وما حولها قال : وامتد ضوء العمود قال : فهو مواضع الحرم اليوم من كل ناحية من حيث بلغ ضوء العمود قال : فجعله الله حرما لحرمة الخيمة والعمود لأنهما من الجنة قال: ولذلك جعل الله عزّ وجلّ الحسنات في الحرم مضاعفة والسيئات مضاعفة ، قال: ومدت أطناب الخيمة حولها فمنتهى أوتادها ما حول المسجد الحرام ، قال: وكانت أوتادها من عقيان الجنة وأطنابها من ضفائر الأرجوان .

قال: وأوحى الله عزّ وجلّ إلى جبرئيل أهبط على الخيمة سبعين ألف ملك يحرسونها من مردة الشياطين ويؤنسون آدم ويطوفون حول الخيمة تعظيماً للبيت والخيمة ، قال: فهبط بالملائكة فكانوا بحضرة الخيمة يحرسونها من مردة الشياطين العتاة ويطوفون حول أركان البيت والخيمة كل يوم وليلة كما كانوا يطوفون في السماء حول البيت المعمور. قال: وأركان البيت الحرام في الأرض حيال البيت المعمورالذي في السماء ، ثم قال: إن الله عزّ وجلّ أوحى إلى جبرئيل بعد ذلك أن اهبط إلى آدم وحواء فنحهما عن مواضع قواعد بيتي وارفع قواعد بيتي لملائكتي ، ثم ولد آدم فهبط جبرئيل على آدم وحواء فأخرجهما من الخيمة ونحاهما عن ترعة البيت ، ونحى الخيمة عن موضع الترعة ، قال: ووضع آدم على الصفا وحواء على المروة فقال آدم: يا جبرئيل أبسخط من الله عزّ وجلّ حولتنا وفرقت بيننا أم برضى وتقدير علينا؟ فقال لهما: لم يكن ذلك بسخط من الله عليكما ولكن الله لا يسأل عما يفعل . يا آدم إن السبعين ألف ملك الذين أنزلهم الله إلى الأرض ليؤنسوك ويطوفوا حول أركان البيت والخيمة سألوا الله أن يبنى لهم مكان الخيمة بيتاً على موضع الترعة المباركة حيال البيت المعمور فيطوفون حوله ، كما كانوا يطوفون في السماء حول البيت المعمور ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليَّ أن أنحيك وأرفع الخيمة .

فقال آدم: قد رضينا بتقدير الله ونافذ أمره فينا ، فرفع القواعد البيت الحرام بحجر من الصفا وحجر من المروة وحجر من طور سيناء وحجر من جبل السلام ، وهو ظهر الكوفة. وأوحى الله عزّ وجلّ إلى جبرئيل أن ابنه وأتمه فاقتلع جبرئيل الأحجار الأربعة بأمر الله عزّ وجلّ من مواضعهن بجناحه فوضعها حيث أمر الله عزّ وجلّ في أركان البيت على قواعده التي قدرها الجبار ونصب أعلامها ، ثم أوحى الله عزّ وجلّ إلى جبرئيل عليه السلام أن ابنه وأتمه بحجارة من أبي قبيس ، واجعل له بابين باباً شرقياً وباباً غربياً ، قال: فأتمه جبرئيل عليه السلام فما أن فرغ طافت حوله الملائكة فلما نظر آدم وحواء إلى الملائكة يطوفون حول البيت انطلقا فطافا سبعة أشواط ثم خرجا يطلبان ما يأكلان ). (الكافي:4/195).

مسجد كوفان روضة من رياض الجنة

(عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : مسجد كوفان روضة من رياض الجنة صلى فيه ألف نبي وسبعون نبياً، وميمنته رحمة  ، وميسرته مكر فيه عصا موسى ، وشجرة يقطين وخاتم سليمان ، ومنه فار التنور ونجرت السفينة و هي صرة بابل ومجمع الأنبياء عليهم السلام ) . (الكافي:3/493).

بعض ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام في نبينا صلى الله عليه وآله

النبي والرسول والمحدث

(عن بريد ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام في قوله عزّ وجلّ : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِىٍّ – ولا محدَّث. قلت: جعلت فداك ليست هذه قراءتنا فما الرسول والنبي والمحدث؟قال: الرسول الذي يظهر له الملك فيكلمه. والنبي هو الذي يرى في منامه وربما اجتمعت النبوة والرسالة لواحد. والمحدث الذي يسمع الصوت ولا يرى الصورة ، قال قلت: أصلحك الله كيف يعلم أن الذي رأى في النوم حق ، وأنه من الملك ؟ قال: يوفق لذلك حتى يعرفه ، لقد ختم الله بكتابكم الكتب وختم بنبيكم الأنبياء) . (الكافي:1/177).

(قال الأحول سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرسول والنبي والمحدث، قال: الرسول الذي يأتيه جبرئيل قبلا فيراه ويكلمه فهذا الرسول ، وأما النبي فهو الذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم ونحو ما كان رأى رسول الله من أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه جبرئيل عليه السلام من عند الله بالرسالة وكان محمد صلى الله عليه وآله حين جمع له النبوة وجاءته الرسالة من عند الله يجيئه بها جبرئيل ويكلمه بها قبُلُاً، ومن الأنبياء من جمع له النبوة ويرى في منامه ويأتيه الروح ويكلمه ويحدثه من غير أن يكون يرى في اليقظة.وأما المحدث فهو الذي يحدث فيسمع ولايعاين ولايرى في منامه). (الكافي:1/176).

أسماء النبي صلى الله عليه وآله في كتب الأنبياء عليهم السلام

(عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال: إن اسم النبي صلى الله عليه وآله في صحف إبراهيم الماحي، وفي توراة موسى الحادّ ، وفي إنجيل عيسى أحمد ، وفي الفرقان محمد . قيل: فما تأويل الماحي؟ قال: الماحي صورة الأصنام وماحي الأوثان والأزلام وكل معبود دون الرحمن . وقيل: فما تأويل الحادّ ؟ قال: يحادُّ من حاد الله ودينه قريباً كان أو بعيداً. قيل: فما تأويل أحمد؟قال: حَسُن ثناء الله عزّ وجلّ عليه في الكتب بما حمد من أفعاله. قيل: فما تأويل محمد؟ قال: إن الله وملائكته وجميع أنبيائه ورسله وجميع أممهم يحمدونه ويصلون عليه ، وإن إسمه المكتوب على العرش محمد رسول الله ). (من لايحضره الفقيه:4/172).

(عن ثعلبة بن ميمون عن أبي جعفر عليه السلام قال: أصدق الأسماء ما سمي بالعبودية وأفضلها أسماء الأنبياء عليهم السلام ) . (الكافي:6/18).

أذكروا عيش رسول الله صلى الله عليه وآله

(عن عمرو بن هلال قال: قال أبو جعفر عليه السلام : إياك أن تطمح بصرك إلى من هو فوقك ، فكفى بما قال الله عزّ وجلّ لنبيه صلى الله عليه وآله : ولا تعجبك أموالهم ولا أولادهم وقال: ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا فإن دخلك من ذلك شئ فاذكر عيش رسول الله صلى الله عليه وآله ، فإنما كان قوته الشعير ، وحلواه التمر، ووقوده السعف إذا وجده )! (الكافي (2/137).

ثلاث خصائص للنبي صلى الله عليه وآله دون غيره

(عن سالم بن أبي حفصة العجلي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان في رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثة لم تكن في أحد غيره: لم يكن له فيئ ، وكان لا يمر في طريق فيمر فيه بعد يومين أو ثلاثة إلا عرف أنه قد مر فيه لطيب عرفه . وكان لا يمر بحجر ولا بشجر إلا سجد له). (الكافي:1/442).

لما عرج بالنبي صلى الله عليه وآله صلى إماماً بالأنبياء عليهم السلام

(عن زرارة والفضل، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وآله إلى السماء فبلغ البيت المعمور وحضرت الصلاة ، فأذن جبرئيل وأقام فتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وصف الملائكة والنبيون خلف محمد صلى الله عليه وآله ).(الكافي:3/302).

وصف البُراق

(عن عبد الله بن عطاء ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتى جبرئيل رسول الله صلى الله عليه وآله بالبراق أصغر من البغل وأكبر من الحمار، مضطرب الأذنين ، عيناه في حافره ، وخطاه مد بصره، وإذا انتهى إلى جبل قصرت يداه وطالت رجلاه ، فإذا هبط طالت يداه وقصرت رجلاه. أهدب العرف الأيمن ، له جناحان من خلفه) . (الكافي:8/376).

تفسير: ثم دنا فتدلى ..

(عن حبيب السجستاني، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله عزّ وجلّ : ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى.فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى .

قال أبو جعفر عليه السلام : يا حبيب: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى .عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى. يعني عندها وافى به جبرئيل حين صعد إلى السماء، قال: فلما انتهى إلى محل السدرة وقف جبرئيل دونها وقال: يا محمد إن هذا موقفي الذي وضعني الله عزّ وجلّ فيه ولن أقدر على أن أتقدمه ، ولكن إمض أنت أمامك إلى السدرة فقف عندها، قال: فتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى السدرة وتخلف جبرئيل عليه السلام .

قال أبو جعفر عليه السلام : إنما سميت سدرة المنتهى لأن اعمال أهل الأرض تصعد بها الملائكة الحفظة إلى محل السدرة ، والحفظة الكرام البررة دون السدرة يكتبون ما ترفع إليهم الملائكة من أعمال العباد في الأرض، قال: فينتهون بها إلى محل السدرة ، قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله فرأى أغصانها تحت العرش وحوله ، قال: فتجلى بمحمد صلى الله عليه نور الجبار عزّ وجلّ ، فلما غشى محمداً النور شخص ببصره وارتعدت فرائصه، قال: فشد الله تعالى لمحمد قلبه وقوى له بصره حتى رأى من آيات ربه ما رأى، وذلك قول الله عزّ وجلّ : وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى .عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى. قال: يعنى الموافاة، فرأى محمد صلى الله عليه وآله ما رأى ببصره من آيات ربه الكبرى، يعني أكبر الآيات ). (علل الشرائع/278).

أقول: المعتمد عند عامة علمائنا في المعراج كالذي رواه الصدوق في أماليه /213: (عن ثابت بن دينار قال: سألت زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام عن الله جل جلاله: هل يوصف بمكان؟ فقال: تعالى الله عن ذلك . قلت: فلم أسرى بنبيه محمد صلى الله عليه وآله إلى السماء؟ قال:ليريه ملكوت السماوات وما فيها من عجائب صنعه وبدائع خلقه. قلت: فقول الله عزّ وجلّ : ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى.فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ؟ قال : ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله دنا من حجب النور ، فرأى ملكوت السماوات ، ثم تدلى صلى الله عليه وآله فنظر من تحته إلى ملكوت الأرض حتى ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى ) .

وفي نوادر المعجزات/66: (عن إسماعيل الجعفي قال: كنت في المسجد الحرام قاعداً وأبو جعفرمحمد بن علي عليهما السلام في ناحية فرفع رأسه إلى السماء مرة وإلى الكعبة مرة ثم قال : سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ.. فكرر ذلك ثلاث مرات ثم التفت إلي وقال: أي شئ يقول أهل العراق في هذه الآية يا عراقي؟ قلت: يقولون أسري به من المسجد الحرام إلى بيت المقدس . قال : ليس كما يقولون ، لكنه أسري به من هذه يعني الأرض إلى هذه وأومى بيده إلى السماء وما بينهما .(يقصد أن إسراء الأرض صغير أمام الإسراء الأصلي الذي هو الى السماء) .

ثم قال عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى لما أراد زيارة نبيه صلى الله عليه وآله بعث إليه ثلاثة من عظماء الملائكة: جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ورفعته معهم حمولة من حمولته تعالى ، يقال لها البراق. فأخذ له جبرئيل بالركاب ، وأخذ ميكائيل باللجام ، وكان إسرافيل عليه السلام يسوي عليه ثيابه ، فتصاعد به في العلو في الهواء ، فانفتحت لهم السماء الدنيا والثانية والثالثة والرابعة ، فلقي فيها إبراهيم عليه السلام فقال له: يا محمد ، أبلغ أمتك السلام أن أهل الجنة مشتاقون إليهم . ثم تصاعد بهم في الهواء ، ففتحت لهم السماء الخامسة والسادسة ، واجتمعوا عند السابعة .ثم فتح لهم فتصاعد بهم في الهواء حتى انتهى إلى سدرة المنتهى وهو الموضع الذي لم يكن يجوزه جبرئيل عليه السلام وقد تخلف صاحباه قبل ذلك ، وكان يأنس بجبرئيل مالايأنس بغيره ، فلما تخلف جبرئيل عليه السلام قال: ياجبرئيل في هذا الموضع تخذلني! فقال له: تقدم أمامك ، فوالله لقد بلغت مبلغاً ما بلغه خلق لله عزّ وجلّ قبلك ).

وفي من لايحضره الفقيه(1/306): (عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الصلاة وقد كان الحسين أبطأ عن الكلام حتى تخوفوا أنه لا يتكلم وأن يكون به خرس ، فخرج به حاملاً إياه على عاتقه وصف الناس خلفه، فأقامه على يمينه فافتتح رسول الله صلى الله عليه وآله فكبر الحسين عليه السلام ، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله تكبيره عاد فكبر وكبر الحسين حتى كبر رسول الله صلى الله عليه وآله سبع تكبيرات ، وكبر الحسين عليه السلام فجرت السنة بذلك . وقد روى هشام بن الحكم ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام لذلك علة أخرى ، وهي أن النبي صلى الله عليه وآله لما أسري به إلى السماء قطع سبعة حجب ، فكبر عند كل حجاب تكبيرة ، فأوصله الله عزّ وجلّ بذلك إلى منتهى الكرامة . وهذه العلل كلها صحيحة وكثرة العلل للشئ تزيده تأكيداً ، ولا يدخل هذا في التناقض).

أقول: في أحاديث المعراج أن النبي صلى الله عليه وآله زُجَّ به في حجب النور السبعة ، ورأى ما فيها حجاباً حجاباً حتى أوقف بين يدي الله عزّ وجلّ عند العرش فكلمه وأوحى اليه ما شاء .

وفي رواية عن أبي ذر (كفاية الأثر/72): (ثم زُجَّ بي في النور ما شاء الله ، فأوحى الله إلي: يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبياً ، ثم اطلعت ثانيا فاخترت منها علياً فجعلته وصيك ووارث علمك والإمام بعدك ، وأخرج من أصلابكما الذرية الطاهرة والأئمة المعصومين خزان علمي ، فلولاكم ما خلقت الدنيا ولا الآخرة ولا الجنة ولا النار . يا محمد أتحب أن تراهم؟قلت: نعم يا رب ، فنوديت: يا محمد إرفع رأسك ، فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ، والحجة يتلألأ من بينهم كأنه كوكب دري ، فقلت: يا رب من هؤلاء ، ومن هذا؟ قال: يا محمد هم الأئمة بعدك المطهرون من صلبك ، وهو الحجة الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ويشفي صدور قوم مؤمنين . قلنا: بآبائنا وأمهاتنا أنت يا رسول الله لقد قلت عجباً . فقال: وأعجب من هذا أن قوماً يسمعون مني هذا ثم يرجعون على أعقابهم بعد إذ هداهم الله ويؤذوني فيهم ، لا أنالهم الله شفاعتي ).

فيكون معنى ثُمَّ دَنَا: قطع الحجب حتى مَثُل بين يدي الله تعالى فكلمه .

فَتَدَلَّى: نظر الى الأرض من هناك ليراها على حقيقتها . وبعد كلام الله عزّ وجلّ معه رجع الى سدرة المنتهى، وكان جبرئيل عليه السلام ينتظره ، فذهب معه الى الجنة .

وقالت عائشة(فتح الباري:13/404): (إن الذي دنا فتدلى جبريل ، ورد عليها كثيرون .

علَّم النبي صلى الله عليه وآله المسلمين التوسل به الى الله عزّ وجلّ

(عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إني ذو عيال و عليَّ دين وقد اشتدت حالي فعلمني دعاء إذا دعوت به رزقني الله ما أقضي به ديني وأستعين به على عيالي فقال: يا عبد الله توضأ وأسبغ وضوءك ثم صل ركعتين تتم الركوع و السجود فيهما ، ثم قل: يا ماجد يا واحد يا كريم أتوجه إليك بمحمد نبيك نبي الرحمة ، يا محمد يا رسول الله إني أتوجه بك إلى الله ربك ورب كل شئ أن تصلي على محمد وعلى أهل بيته وأسألك نفحة من نفحاتك وفتحاً يسيراً ورزقاً واسعاً ألمُّ به شعثي وأقضي به ديني وأستعين به على عيالي ). (الكافي:3/473).

(عن شرحبيل الكندي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أردت أمراً تسأله ربك فتوضأ وأحسن الوضوء ثم صل ركعتين وعظم الله وصل على النبي صلى الله عليه وآله وقل بعد التسليم: اللهم إني أسألك بأنك ملك وأنك على كل شئ قدير مقتدر ، وبأنك ما تشاء من أمر يكون ، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وآله . يا محمد يا رسول الله إني أتوجه بك إلى الله ربك وربي لينجح لي طلبتي ، اللهم بنبيك أنجح لي طلبتي بمحمد . ثم سل حاجتك). (الكافي:3/478).

هذا ، وقد روى السنة حديث الأعمى كما رويناه ، وحاول ابن تيمية ومن تبعه تحريف معناه ، وقد بحثناه في كتاب ألف سؤال وإشكال على المخالفين لأهل البيت (1/121) وقد أخرجه الترمذي (5/569) عن عثمان بن حنيف:« أن رجلاً ضرير البصرأتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: أدع الله أن يعافيني، قال: إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك ، قال: فادعه ، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يامحمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضي لي حاجتي اللهم فشفعه فيَّ » .

فرضت الصلاة في المعراج

(عن عبد الله بن سليمان العامري، عن أبي جعفر عليه السلام قال :لما عرج برسول الله صلى الله عليه وآله نزل بالصلاة عشر ركعات ، ركعتين ركعتين ، فلما ولد الحسن والحسين عليهما السلام زاد رسول الله صلى الله عليه وآله سبع ركعات شكراً لله ، فأجاز الله له ذلك .

وترك الفجر لم يزد فيها لضيق وقتها لأنه تحضرها ملائكة الليل وملائكة النهار ، فلما أمره الله بالتقصير في السفر وضع عن أمته ست ركعات وترك المغرب لم ينقص منها شيئاً ، وإنما يجب السهو فيما زاد رسول الله صلى الله عليه وآله . فمن شك في أصل الفرض في الركعتين الأولتين استقبل صلاته ). (الكافي:3/287).

(العامري ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: فلما أمره الله بالتقصير في السفر وضع عن أمته ست ركعات وترك المغرب لم ينقص منها شيئاً ، وإنما يجب السهو فيما زاد رسول الله فمن شك في أصل الفرض في الركعتين الأولتين استقبل صلاته . (الكافي:3/487).

وصف الإمام عليه السلام صلاة النبي صلى الله عليه وآله

(قال أبو جعفر عليه السلام :كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يصلي من النهار شيئاً حتى تزول الشمس ، فإذا زالت صلى ثماني ركعات وهي صلاة الأوابين، تفتح في تلك الساعة أبواب السماء ويستجاب الدعاء ، وتهب الريح وينظر الله إلى خلقه ، فإذا فاء الفئ ذراعاً صلى الظهر أربعاً ، وصلى بعد الظهر ركعتين ، ثم صلى ركعتين أخراوتين ، ثم صلى العصر أربعاً إذا فاء الفئ ذراعاً، ثم لايصلي بعد العصر شيئاً حتى تؤوب الشمس، فإذا آبت وهو أن تغيب صلى المغرب ثلاثاً وبعد المغرب أربعاً، ثم لا يصلي شيئاً حتى يسقط الشفق،فإذا سقط الشفق صلى العشاء ، ثم أوى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى فراشه ولم يصل شيئاً حتى يزول نصف الليل، فإذا زال نصف الليل صلى ثماني ركعات ، وأوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات ـ فقرأ فيهن فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ، ويفصل بين الثلاث بتسليمة ـ ويتكلم ويأمر بالحاجة، ولا يخرج من مصلاه حتى يصلي الثالثة التي يوتر فيها، ويقنت فيها قبل الركوع ، ثم يسلم . ويصلي ركعتي الفجر قبيل الفجر وعنده وبعده ، ثم يصلي ركعتي الصبح وهو الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء حسناً . فهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله التي قبضه الله عزوجل عليها) . (من لايحضره الفقيه:١/٢٢٥).

وصف الإمام عليه السلام وضوء النبي صلى الله عليه وآله

(عن زرارة قال: حكى لنا أبو جعفر عليه السلام وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله فدعا بقدح فأخذ كفاً من ماء فأسدله على وجهه ، ثم مسح وجهه من الجانبين جميعاً، ثم أعاد يده اليسرى في الإناء فأسدلها على يده اليمنى ثم مسح جوانبها ، ثم أعاد اليمنى في الإناء فصبها على اليسرى ، ثم صنع بها كما صنع باليمنى ، ثم مسح بما بقي في يده رأسه ورجليه ، ولم يعدهما في الإناء ). (الكافي:3/24).

وصف الإمام عليه السلام حج النبي صلى الله عليه وآله

تقدم في المجلد الأول أن الإمام الباقر عليه السلام وصف حج النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع بأكمل وصف . قال النووي في المجموع(7/216): (وهو حديث عظيم الفوائد فيه مناسك ومعظمها ذكر فيه كل ما فعله (ص) من حين خروجه إلى فراغه ، رواه مسلم (4/39) وأبو داود وغيرهما بطوله ، ولم يروه البخاري بطوله ) .

كلامه صلى الله عليه وآله في تسلية خديجة عليها السلام حين مات ابنها االقاسم

(عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على خديجة حين مات القاسم ابنها وهي تبكي فقال لها: ما يبكيك ؟ فقالت: درت دريرة فبكيت!

فقال: يا خديجة أما ترضين إذا كان يوم القيامة أن تجيئي إلى باب الجنة وهو قائم فيأخذ بيدك فيدخلك الجنة وينزلك أفضلها ، وذلك لكل مؤمن ، إن الله عزّ وجلّ أحكم وأكرم أن يسلب المؤمن ثمرة فؤاده ، ثم يعذبه بعدها أبداً ). (الكافي:3/218).

زار النبي صلى الله عليه وآله أحد أصحابه وهو يحتضر

(عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: حضر رسول الله صلى الله عليه وآله رجلاً من الأنصار وكانت له حالة حسنة عند رسول الله صلى الله عليه وآله فحضره عند موته فنظر إلى ملك الموت عند رأسه فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله :إرفق بصاحبي فإنه مؤمن ، فقال له ملك الموت: يا محمد طب نفساً وقَرَّ عيناً فإني بكل مؤمن رفيق شفيق .

واعلم يا محمد أني لأحضر ابن آدم عند قبض روحه فإذا قبضته صرخ صارخ من أهله عند ذلك ، فأتنحى في جانب الدار ومعي روحه فأقول لهم: والله ما ظلمناه ولا سبقنا به أجله ولا استعجلنا به قدره ، وما كان لنا في قبض روحه من ذنب ، فإن ترضوا بما صنع الله به وتصبروا تؤجروا وتحمدوا ، و إن تجزعوا وتسخطوا تأثموا وتوزروا ، وما لكم عندنا من عُتبى، وإن لنا عندكم أيضاً لبقية وعودة فالحذر الحذر ، فما من أهل بيت مدر ولا شعر في بر ولا بحر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات عند مواقيت الصلاة ، حتى لأنا أعلم منهم بأنفسهم .

ولو أني يا محمد أردت قبض نفس بعوضة ما قدرت على قبضها حتى يكون الله عزّ وجلّ هو الآمر بقبضها ! وإني لملقن المؤمن عند موته شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله ).(الكافي:3/136).

كان النبي صلى الله عليه وآله يميز قبور بني هاشم

(عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصنع بمن مات من بني هاشم خاصة شيئاً لا يصنعه بأحد من المسلمين. كان إذا صلى على الهاشمي ونضح قبره بالماء ، وضع كفه على القبر حتى ترى أصابعه في الطين ، فكان الغريب يقدم أو المسافر من أهل المدينة ، فيرى القبر الجديد عليه أثر كف رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول: من مات من آل محمد صلى الله عليه وآله ).(الكافي:3/200).

غضب النبي صلى الله عليه وآله من بعض نسائه فاعتزلهن شهراً

(عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن الله عزّ وجلّ أنف لرسول الله صلى الله عليه وآله من مقالة قالتها بعض نسائه ، فأنزل الله آية التخيير). (الكافي:6/137).

(عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن زينب بنت جحش قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله : لا تعدل وأنت نبي! فقال : تربت يداك إذا لم أعدل فمن يعدل! فقالت: دعوت الله يا رسول الله ليقطع يدي؟ فقال: لا، ولكن لتتربان ، فقالت: إنك إن طلقتنا وجدنا في قومنا أكفاءنا فاحتبس الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وآله تسعاً وعشرين ليلة .

ثم قال أبو جعفر عليه السلام : فأنف الله عزّ وجلّ لرسوله فأنزل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً . وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ للَّمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا .

فاخترن الله ورسوله صلى الله عليه وآله  ، ولو اخترن أنفسهن لبِنَّ ). (الكافي:6/139).

تشديد النبي صلى الله عليه وآله في تحريم الخمر

عن حمران ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (مدمن الخمر كعابد وثن ). (الكافي: 6/ 404)

عن أبي جعفر عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله :كل مسكر حرام وكل مسكر خمر).(الكافي: 6/408).

(عن إسماعيل الكاتب قال: أقبل أبو جعفر عليه السلام في المسجد الحرام فنظر إليه قوم من قريش فقالوا: من هذا ؟ فقيل لهم: إمام أهل العراق فقال بعضهم لو بعثتم إليه ببعضكم يسأله ، فأتاه شاب منهم فقال له: يا ابن عم ما أكبر الكبائر؟ قال: شرب الخمر فأتاهم فأخبرهم فقالوا له: عد إليه فعاد إليه فقال له: ألم أقل لك يا ابن أخ شرب الخمر ، فأتاهم فأخبرهم فقالوا له: عد إليه فلم يزالوا به حتى عاد إليه فسأله فقال له : ألم أقل لك يا ابن أخ شرب الخمر . إن شرب الخمر يدخل صاحبه في الزنا والسرقة وقتل النفس التي حرم الله وفي الشرك بالله وأفاعيل الخمر تعلو على كل ذنب كما يعلو شجرها على كل الشجر .

عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وآله في الخمر عشرة: غارسها، وحارسها ، وبايعها ، ومشتريها ، وشاربها ، والآكل ثمنها ، وعاصرها ، وحاملها، والمحمولة إليه ، وساقيها ). (الكافي: 6/429).

الإيمان يمان والحكمة يمانية

(عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله ثم وقف فعرضت عليه الخيل فمر به فرس فقال عيينة بن حصن: إن من أمر هذا الفرس كيت وكيت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ذرنا فأنا أعلم بالخيل منك فقال: عيينة وأنا أعلم بالرجال منك ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله حتى ظهر الدم في وجهه فقال له: فأي الرجال أفضل؟ فقال عيينة بن حصن: رجال يكونون بنجد يضعون سيوفهم على عواتقهم ورماحهم على كواثب خيلهم ، ثم يضربون بها قدماً قدماً !

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : كذبت ! بل رجال أهل اليمن أفضل ، الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية ، ولولا الهجرة لكنت امرءً من أهل اليمن ، الجفا والقسوة في الفدادين (الذين يصيحون بالحيوانات ) أصحاب الوبر ، ربيعة ومضر من حيث يطلع قرن الشمس . ومذحج أكثر قبيل يدخلون الجنة ، وحضرموت خير من عامر بن صعصعة ، وروي بعضهم خير من الحارث بن معاوية ، وبجيلة خير من رعل وذكوان ، وإن يهلك لِحيان فلا أبالي. ثم قال:لعن الله الملوك الأربعة جمداً ومخوساً ومشرحاً وأبضعة وأختهم العمردة ، لعن الله المحلل والمحلل له ، ومن يوالي غير مواليه ، ومن ادعي نسباً لا يعرف ، والمتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ، ومن أحدث حدثاً في الاسلام أو آوى محدثاً ، ومن قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه ، ومن لعن أبويه فقال رجل: يا رسول الله أيوجد رجل يلعن أبويه؟ فقال: نعم ، يلعن آباء الرجال وأمهاتهم فيلعنون أبويه. لعن الله رعلاً وذكوان وعضلاً ولحيان والمجذمين من أسد وغطفان ، وأبا سفيان بن حرب وشهبلاً ذا الأسنان ، وابني مليكة بن جزيم ، ومروان وهوْذة ، وهوْنة ). (الكافي:8/60).

أطلق النبي صلى الله عليه وآله قاعدة لا ضرر ولا ضرار

(عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار وكان منزل الأنصاري بباب البستان وكان يمر به إلى نخلته ولا يستأذن فكلمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء ، فأبى سمرة ! فلما تأبى جاء الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فشكا إليه وخبره الخبر، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وخبره بقول الأنصاري وما شكى وقال: إن أردت الدخول فاستأذن فأبى ، فلما أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله فأبى أن يبيع ، فقال صلى الله عليه وآله : لك بها عذق يمد لك في الجنة فأبى أن يقبل! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للأنصاري: إذهب فاقلعها وارم بها إليه ، فإنه لا ضرر ولا ضرار) . (الكافي:5/292).

تفسير: يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا

(عن محمد بن إسحاق المدني ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله سئل عن قول الله عزّ وجلّ : يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا. فقال: يا علي إن الوفد لا يكون إلا ركباناً أولئك رجال اتقوا الله فأحبهم الله واختصهم ورضي أعمالهم فسماهم المتقين ، ثم قال له: يا علي أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنهم ليخرجون من قبورهم وإن الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق العز عليها رحائل الذهب مكللة بالدر والياقوت وجلائلها الإستبرق والسندس وخطمها جدل الأرجوان ، تطير بهم إلى المحشر مع كل رجل منهم ألف ملك من قدامه وعن يمينه وعن شماله ، يزفونهم زفاً حتى ينتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم ، وعلى باب الجنة شجرة إن الورقة منها ليستظل تحتها ألف رجل من الناس ، وعن يمين الشجرة عين مطهرة مزكية قال فيسقون منها شربة فيطهر الله بها قلوبهم من الحسد ويسقط من أبشارهم الشعر ، وذلك قول الله عزّ وجلّ : وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا. من تلك العين المطهرة ، قال: ثم ينصرفون إلى عين أخرى عن يسار الشجرة فيغتسلون فيها وهي عين الحياة فلا يموتون أبداً ، قال: ثم يوقف بهم قدام العرش وقد سلموا من الآفات والأسقام والحر والبرد أبداً ، قال: فيقول الجبار جل ذكره للملائكة الذين معهم: أحشروا أوليائي إلى الجنة ولا توقفوهم مع الخلائق فقد سبق رضاي عنهم ووجبت رحمتي لهم ، وكيف أريد أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات والسيئات ، قال: فتسوقهم الملائكة إلى الجنة ، فإذا انتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم ضرب الملائكة الحلقة ضربة فتصر صريراً يبلغ صوت صريرها كل حوراء أعدها الله عزّ وجلّ لأوليائه في الجنان فيتباشرون بهم إذا سمعوا صرير الحلقة فيقول بعضهن لبعض: قد جاءنا أولياء الله ، فيفتح لهم الباب فيدخلون الجنة وتشرف عليهم أزواجهم من الحور العين والآدميين فيقلن مرحباً بكم ، فما كان أشد شوقنا إليكم ، ويقول لهن أولياء الله مثل ذلك. فقال علي عليه السلام : يا ر سول الله أخبرنا عن قول الله عزّ وجلّ : لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ ، بماذا بنيت يا رسول الله؟ فقال: يا علي تلك غرف بناها الله عزّ وجلّ لأوليائه بالدر والياقوت والزبرجد ، سقوفها الذهب محبوكة بالفضة ، لكل غرفة منها ألف باب من ذهب ، على كل باب منها ملك موكل به ، فيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض من الحرير و الديباج بألوان مختلفة وحشوها المسك والكافور والعنبر وذلك قول الله عزّ وجلّ : وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ . إذا ادخل المؤمن إلى منازله في الجنة ووضع على رأسه تاج الملك والكرامة ألبس حلل الذهب والفضة والياقوت والدر المنظوم في الإكليل تحت التاج. قال: وألبس سبعين حلة حرير بألوان مختلفة وضروب مختلفة منسوجة بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت الأحمر فذلك قوله عزّ وجلّ : يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ . فإذا جلس المؤمن على سريره اهتز سريره فرحاً فإذا استقر لولي الله عزّ وجلّ منازله في الجنان استأذن عليه الملك الموكل بجنانه ليهنئه بكرامة الله عزّ وجلّ إياه فيقول له خدام المؤمن من الوصفاء والوصائف: مكانك فإن ولي الله قد اتكأ على أريكته ، وزوجته الحوراء تهيأ له فاصبر لولي الله . قال: فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمة لها تمشى مقبله وحولها وصائفها وعليها سبعون حلة منسوجة بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد وهي من مسك وعنبر ، وعلى رأسها تاج الكرامة وعليها نعلان من ذهب مكللتان بالياقوت واللؤلؤ ، شراكها ياقوت أحمر ، فإذا دنت من ولي الله فهمَّ أن يقوم إليها شوقاً فتقول له: يا ولي الله ليس هذا يوم تعب ولا نصب فلا تقم أنا لك وأنت لي ، قال: فيعتنقان مقدار خمسمائة عام من أعوام الدنيا لا يملها ولا تمله ! قال فإذا فتر بعض الفتور من غير ملالة نظر إلى عنقها فإذا عليها قلائد من قصب من ياقوت أحمر وسطها لوح صفحته درة مكتوب فيها: أنت يا ولي الله حبيبي وأنا الحوراء حبيبتك ، إليك تناهت نفسي وإلي تناهت نفسك ، ثم يبعث الله إليه ألف ملك يهنئونه بالجنة ويزوجونه بالحوراء ، قال: فينتهون إلى أول باب من جنانه فيقولون للملك الموكل بأبواب جنانه: استأذن لنا على ولي الله فإن الله بعثنا إليه نهنئه ، فيقول لهم الملك: حتى أقول للحاجب فيعلمه بمكانكم قال: فيدخل الملك إلى الحاجب وبينه و بين الحاجب ثلاث جنان حتى ينتهي إلى أول باب فيقول للحاجب: إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العالمين تبارك وتعالى ليهنئوا ولي الله وقد سألوني أن آذن لهم عليه فيقول الحاجب: إنه ليعظم علي أن أستأذن لأحد على ولي الله وهو مع زوجته الحوراء ، قال: وبين الحاجب وبين ولي الله جنتان ، قال: فيدخل الحاجب إلى القيم فيقول له: إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العزة يهنئون ولي الله فاستأذن لهم فيتقدم القيم إلى الخدام فيقول لهم: إن رسل الجبار على باب العرصة وهم ألف ملك أرسلهم الله يهنئون ولي الله فأعلموه مكانهم قال: فيعلمونه فيؤذن للملائكة فيدخلون على ولي الله وهو في الغرفة ولها ألف باب وعلى كل باب من أبوابها ملك موكل به ، فإذا أذن للملائكة بالدخول على ولي الله فتح كل ملك بابه الموكل به قال: فيدخل القيم كل ملك من باب من أبواب الغرفة قال: فيبلغونه رسالة الجبار جل و عز وذلك قول الله تعالى: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ . من أبواب الغرفة: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ . قال: وذلك قوله عزّ وجلّ : وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا . يعنى بذلك ولي الله وما هو فيه من الكرامة والنعيم والملك العظيم الكبير ، إن الملائكة من رسل الله عز ذكره يستأذنون عليه فلا يدخلون عليه إلا بإذنه فلذلك الملك العظيم الكبير ، قال: والأنهار تجري من تحت مساكنهم وذلك قول الله عزّ وجلّ : تَجْرِى مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ ، والثمار دانية منهم وهو قوله عزّ وجلّ : وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُللَّتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً . من قربها منهم يتناول المؤمن من النوع الذي يشتهيه من الثمار بفيه وهو متكئ ، وإن الأنواع من الفاكهة ليقلن لولي الله: يا ولي الله كلني قبل أن تأكل هذا قبلي، قال: وليس من مؤمن في الجنة إلا وله جنان كثيرة معروشات ، وغير معروشات ، وأنهار من خمر وأنهار من ماء ، وأنهار من لبن ، وأنهار من عسل ، فإذا دعا ولي الله بغذائه أُتيَ بما تشتهي نفسه عند طلبه الغذاء من غيرأن يسمى شهوته . قال: ثم يختلي مع إخوانه ويزور بعضهم بعضاً، ويتنعمون في جناتهم ). (الكافي:8/95).

أول من يشفع لهم النبي صلى الله عليه وآله بنو عبد المطلب

(عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الصدقة أوساخ أيدي الناس ، وإن الله قد حرم عليَّ منها ومن غيرها ما قد حرمه ، وإن الصدقة لا تحل لبني عبد المطلب ، ثم قال: أما والله لو قد قمت على باب الجنة ثم أخذت بحلقته لقد علمتم أني لا أوثر عليكم ، فارضوا لأنفسكم بما رضي الله ورسوله لكم ، قالوا: قد رضينا ). (الكافي:4/58).

في ذؤابة سيف النبي صلى الله عليه وآله قاعدة الولاية والبراءة !

(عن أبي إسحاق إبراهيم الصيقل قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام : وجد في ذؤابة سيف رسول الله صلى الله عليه وآله صحيفة فإذا فيها بسم الله الرحمن الرحيم ، إن أعتى الناس على الله عزّ وجلّ يوم القيامة من قتل غير قاتله ، والضارب غير ضاربه ، ومن تولى غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله على محمد ، ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً لم يقبل الله عزّ وجلّ منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً ، قال ثم قال لي: أتدري ما يعني من تولى غير مواليه؟ قلت: ما يعني به ؟ قال: يعني أهل الدين . والصرف التوبة في قول أبي جعفر عليه السلام ، والعدل الفداء في قول أبي عبد الله عليه السلام ).(الكافي:3/274).

كيف صلى المسلمون على النبي صلى الله عليه وآله

(عن أبي مريم الأنصاري، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: كيف كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله ؟ قال: لما غسله أمير المؤمنين عليه السلام وكفنه سجاه ثم أدخل عليه عشرة فداروا حوله ثم وقف أمير المؤمنين عليه السلام في وسطهم فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا، فيقول القوم كما يقول حتى صلى عليه أهل المدينة وأهل العوالي) . وعن أبي جعفر عليه السلام قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وآله صلت عليه الملائكة والمهاجرون والأنصار فوجاً فوجاً.وقال أميرالمؤمنين عليه السلام :سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في صحته وسلامته: إنما أنزلت هذه الآية علي في الصلاة عليَّ بعد قبض الله لي) . (الكافي:1/450).

أرسل الله ملائكة فعزَّوْا أهل البيت عليهم السلام

في الكافي(1/445)عن أبي جعفر عليه السلام قال:(لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله بات آل محمد عليهم السلام بأطول ليلة حتى ظنوا أن لا سماء تظلهم ولا أرض تقلهم لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وَتَرَ الأقربين والأبعدين في الله ! فبينا هم كذلك إذ أتاهم آت لا يرونه ويسمعون كلامه فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته . إن في الله عزاء من كل للمصيبة ، ونجاة من كل هلكة ، ودركاً لما فات: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ.

إن الله اختاركم وفضلكم وطهركم وجعلكم أهل بيت نبيه ، واستودعكم علمه ، وأورثكم كتابه ، وجعلكم تابوت علمه ، وعصا عزه ، وضرب لكم مثلاً من نوره، وعصمكم من الزلل ، وآمنكم من الفتن ، فتعزوا بعزاء الله فإن الله لم ينزع منكم رحمته ولن يزيل عنكم نعمته ، فأنتم أهل الله عزّ وجلّ الذين بهم تمت النعمة واجتمعت الفرقة وائتلفت الكلمة ، وأنتم أولياؤه فمن تولاكم فاز ومن ظلم حقكم زهق ، مودتكم من الله واجبة في كتابه على عباده المؤمنين ، ثم الله على نصركم إذا يشاء قدير ، فاصبروا لعواقب الأمور ، فإنها إلى الله تصير .

قد قبلكم الله من نبيه وديعة ، واستودعكم أولياءه المؤمنين في الأرض ، فمن أدى أمانته آتاه الله صدقه ، فأنتم الأمانة المستودعة ، ولكم المودة الواجبة ، والطاعة المفروضة ، وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أكمل لكم الدين وبين لكم سبيل المخرج فلم يترك لجاهل حجة ، فمن جهل أو تجاهل أو أنكر أو نسي أو تناسى ، فعلى الله حسابه والله من وراء حوائجكم ، وأستودعكم الله . والسلام عليكم .

فسألت أبا جعفر عليه السلام ممن أتاهم التعزية ، فقال: من الله تبارك وتعالى ).

الفصل العشرون

معالم التشيع في حديث الإمام الباقر عليه السلام

سعة الروايات التي بثها الإمام الباقر عليه السلام

تتعجب من وسعة الروايات عن الإمام الباقر عليه السلام ولعل نصف تلاميذه كانوا يكتبون عنه ، ثم بث الإمام الصادق روايات بقية علم أبيه عليهما السلام . فماذا تتضمن ألوف الأحاديث التي بثها الباقر×في العواصم العلمية للمسلمين ؟

لقد شملت رواياته كل معالم الإسلام ، من إثبات وجود الله تعالى ، ثم التوحيد ، والنبوة ، وفقه الشريعة الإسلامية ، ومسائل المعاد .

لكن أكثر ما وصل الينا منها في أبواب الفقه لأنه محل حاجة الناس يتداولونه ، فرووا عنه دورة فقه كاملة تقريباً ، من أحكام الطهارة والوضوء الى آخر أبواب الفقه ، وهي نحو خمسين باباً ، آخرها الحدود والديات.

ثم مسائل الإمامة لأنها محل خلاف الشيعة مع غيرهم ، وقد رووا عنه أصول مذهب الشيعة ، والعديد من تفاصيله .

وقد جاء في حديث صحيفة الوصية البرنامج الرباني للإمام الباقر عليه السلام :

( فسِّرْ كتاب الله تعالى ، وصدِّقْ أباك ، وورِّثْ ابنك ، واصطنع الأمة وقم بحق الله عزّ وجلّ  ، وقل الحق في الخوف والأمن ، ولا تخش إلا الله ) .

وغرضنا منها الفقرة الأخيرة التي ترفع التقية عن الإمام عليه السلام ليجهر بالحق في الخوف والأمن ، ويكشف التحريف .

فقد كان عمر بن عبد العزيز معجباً بالإمام زين العابدين عليه السلام أيما إعجاب يذكره بلهفة ويقول:(ذهب سراج وجمال الإسلام وزين العابدين) ( تاريخ اليعقوبي:2 / 306 ) . وقد انتقل إعجابه إلى ولده محمد الباقر عليه السلام فانفتح الباب لانطلاقة الإمام طوال أربع عشرة سنة من عمره الشريف ، منها خمس سنوات في عهد ابن عبد العزيز وخلفه يزيد بن عبد الملك ، ثم واصل جهاده في عهد الطاغية هشام بن عبد الملك حتى استشهد بيده بعد تسع سنين !

في هذه المدة جهر الإمام الباقر عليه السلام بالحق في حديثه ومواقفه ، فبيَّنَ معالم الإسلام النبوي ومركزية ولاية أهل البيت عليهم السلام فيه ، وبَلْوَرَ معالم فقه الإسلام وشريعته ، ورسَّخَ أسس التشيع التي أرساها آباؤه عليهم السلام وفضح عمل قريش وتآمرها . وربى على ذلك جيلاً من العلماء والرواة ، ونشر مذهب أهل البيت في العراق وخراسان والشام والحجاز ، وغيرها من مناطق الدولة .

ونقدم فيما يلي أهم معالم التشيع لأهل البيت عليهم السلام كما علمه الإمام الباقر عليه السلام .

قال له الخليفة هشام: ألسنا بني عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟

قال محمد بن جرير الطبري في دلائل الإمامة/233: (قال الإمام الصادق عليه السلام :فلما دخل أبي وأنا خلفه ما زال يستدنينا منه حتى حاذيناه وجلسنا قليلاً ، فقال لأبي: يا أبا جعفر لو رميت مع أشياخ قومك الغرض؟ وإنما أراد أن يضحك بأبي ظناً منه أنه يقصر فلايصيب الغرض لكبر سنه فيشتفي منه !

فاعتذر أبي وقال: إني قد كبرت فإن رأيتَ أن تعفيني، فلم يقبل وقال: لا والذي أعزنا بدينه ونبيه ، ثم أومأ إلى شيخ من بني أمية أن أعطه قوسك ، فتناولها منه أبي وتناول منه الكنانة فوضع سهماً في كبد القوس فرمى وسط الغرض فأثبته فيه ، ثم رمى الثاني فشق فوق السهم الأول إلى نصله! ثم تابع حتى شق تسعة أسهم ، فصار بعضها في جوف بعض ، وهشام يضطرب في مجلسه ، فلم يتمالك أن قال: أجدت يا أبا جعفر فأنت أرمى العرب والعجم! زعمت أنك قد كبرت،كلا!

ثم ندم على مقالته وتكنيته له وكان من تكبره لا يكني أحداً في خلافته ! فأطرق إطراقة يرتئي فيه رأياً ، وأبي واقف إزاءه ومواجه له وأنا وراء أبي ، فلما طال الوقوف غضب أبي وكان إذا نظر السماء نظر غضبان يتبين الغضب في وجهه !

فلما نظر هشام ذلك من أبي قال: إصعد يا محمد فصعد أبي السرير وصعدت ، فلما دنا من هشام قام إليه واعتنقه وأقعده عن يمينه ، ثم اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي، وأقبل على أبي بوجهه وقال: يا محمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك ولله درك ، من علمك هذا الرمي وفي كم تعلمته؟! فقال أبي: قد علمتَ أن أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيام حداثتي ثم تركته ، فلما أراد أمير المؤمنين مني ذلك عدت إليه ، فقال: ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت ، وما ظننت أن أحداً في أهل الأرض يرمي مثل هذا ! فأين رميُ جعفر من رميك؟ فقال: إنا نتوارث الكمال والتمام والدين اللذين أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله في قوله:الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً. والأرض لا تخلو ممن يكمل دينَه من هذه الأمور التي يقصرعنها غيرنا ، فكان ذلك علامة ! فلما سمع ذلك انقلبت عينه اليمنى فاحْوَلَّتْ واحْمَرَّ وجهه ، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب ، ثم أطرق هنيهة ورفع رأسه إلى أبي وقال: ألسنا بني عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟ فقال أبي: نحن كذلك ولكن الله جل ثناؤه اختصنا بمكنون سره وخالص علمه ، ما لم يختص أحداً غيرنا .

فقال: أليس الله بعث محمداً من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة أبيضها وأسودها وأحمرها ، فمن أين ورثتم ما ليس لغيركم ورسول الله مبعوث إلى الناس كافة؟ومن أين أورثتم هذا العلم وليس بعد محمد نبي وما أنتم أنبياء !

فقال أبي: من قوله تعالى: لاتُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ، فالذي أبداه فهو للناس كافة والذي لم يحرك به لسانه أمر الله تعالى أن يخصنا به دون غيرنا ، فلذلك كان يناجي به أخاه علياً دون أصحابه ، وأنزل الله تعالى قرآناً فقال:وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : بين أصحابه سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي، ولذلك قال علي بالكوفة: علمني رسول الله ألف باب من العلم ، ينفتح من كل باب ألف باب ! خصه رسول الله من مكنون علمه ما خصه الله به ، فصار إلينا وتوارثناه من دون قومنا . فقال له هشام: إن علياً كان يدعي علم الغيب ، والله لم يطلع على غيبه أحداً فكيف ادعى ذلك ومن أين؟ فقال أبي: إن الله أنزل على نبيه كتاباً بين فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة في قوله تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْئٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين. وفي قوله تعالى: وَكُلَّ شَئٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِين .

وفي قوله: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَئٍ  .

وفي قوله: وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأرض إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ .

وأوحى إلى نبيه أن لايبقي في غيبه وسره ومكنون علمه شيئاً إلا ناجاه به ، وأمر أن يؤلف القرآن من بعده ، ويتولى غسله وتحنيطه وتكفينه من دون قومه ، وقال لأهله وأصحابه: حرام أن تنظروا إلى عورتي(بدني) غير أخي علي فهو مني وأنا منه له ما لي وعليه ما عليَّ ، وهو قاضي ديني ومنجز وعدي .

وقال لأصحابه: عليٌّ يقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله . ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلا عند علي ، ولذلك قال لأصحابه: أقضاكم علي. وقال عمر بن الخطاب:لولا علي لهلك عمر! أفيشهد له عمر ، ويجحد غيره !

فأطرق هشام ثم رفع رأسه وقال: سل حاجتك . فقال: خلفت أهلي وعيالي مستوحشين لخروجي! فقال: قد آمن الله وحشتهم برجوعك إليهم ، فلا تقم أكثر من يومك ، فاعتنقه أبي وودعه وفعلت فعله ، ونهض ونهضت).

قال عليه السلام : نحن الناس المحسودون على ما آتانا الله من الإمامة

(عن بُريد العجلي قال:سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ :أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ؟ فكان جوابه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ للَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ الله وَمَنْ يَلْعَنِ الله فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا .أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذَا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا .

نحن الناس الذين عنى الله ، والنقير النقطة التي في وسط النواة .

أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ ! نحن الناس المحسودون على ما آتانا الله من الإمامة دون خلق الله أجمعين . فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ، يقول:جعلنا منهم الرسل والأنبياء والأئمة، فكيف يُقِرُّون به في آل إبراهيم وينكرونه في آل محمد صلى الله عليه وآله ! فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا . إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ). (الكافي:1/205).

(عن بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تبارك وتعالى: فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ. قال: جعل منهم الرسل والأنبياء والأئمة ، فكيف يقرون في آل إبراهيم عليه السلام وينكرونه في آل محمد صلى الله عليه وآله !قال قلت: وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ؟ قال: الملك العظيم أن جعل فيهم أئمة ، من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله ، فهو الملك العظيم). (الكافي:1/206).

الإمامة محصورة في آل إبراهيم عليهم السلام

(قال عليه السلام : إنما الحجة في آل إبراهيم لقول الله عزّ وجلّ : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا . والحجة الأنبياء وأهل بيوتات الأنبياء حتى تقوم الساعة لأن كتاب الله ينطق بذلك ووصية الله جرت بذلك في العقب ، من البيوت التي رفعها الله تبارك وتعالى على الناس فقال:فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ.رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ، وهي بيوتات الأنبياء والرسل والحكماء وأئمة الهدى) . (الكافي:8 /394 ).

(فلما قضى محمد صلى الله عليه وآله نبوته واستكملت أيامه أوحى الله تبارك وتعالى إليه: يا محمد قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك ، فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والإسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في أهل بيتك ، عند علي بن أبي طالب عليه السلام فإني لم أقطع العلم والإيمان والإسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك ، كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم . وذلك قوله الله تبارك وتعالى : إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ . ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . وإن الله تبارك وتعالى لم يجعل العلم جهلاً ولم يكل أمره إلى أحد من خلقه لا إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل ـ ولكنه أرسل رسولاً من ملائكته فقال له: قل كذا وكذا فأمرهم بما يحب ونهاهم عما يكره ، فقص إليهم أمر خلقه بعلم ، فعلَّم ذلك العلم وعلم أنبياءه وأصفياءه من الأنبياء والإخوان والذرية التي بعضها من بعض ، فذلك قوله عزّ وجلّ : فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا . فأما الكتاب فهو النبوة وأما الحكمة فهم الحكماء من الأنبياء من الصفوة ، وأما الملك العظيم فهم الأئمة الهداة من الصفوة ، وكل هؤلاء من الذرية التي بعضها من بعض ، والعلماء الذين جعل الله فيهم البقية وفيهم العاقبة وحفظ الميثاق ، حتى تنقضي الدنيا والعلماء ، ولولاة الأمر استنباط العلم وللهداة ، فهذا شأن الفضل من الصفوة والرسل والأنبياء والحكماء وأئمة الهدى والخلفاء الذين هم ولاة أمر الله عزّ وجلّ واستنباط علم الله وأهل آثار علم الله من الذرية التي بعضها من بعض من الصفوة بعد الأنبياء عليهم السلام من الآباء والإخوان والذرية من الأنبياء ، فمن اعتصم بالفضل انتهى بعلمهم ونجا بنصرتهم ، ومن وضع ولاة أمر الله عزّ وجلّ وأهل استنباط علمه في غير الصفوة من بيوتات الأنبياء عليهم السلام فقد خالف أمر الله عزّ وجلّ وجعل الجهال ولاة أمر الله والمتكلفين ، بغير هدى من الله عزّ وجلّ  ، وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله فقد كذبوا على الله ورسوله ورغبوا عن وصيه عليه السلام وطاعته ، ولم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله تبارك وتعالى ، فضلوا وأضلوا أتباعهم ، ولم يكن لهم حجة يوم القيامة إنما الحجة في آل إبراهيم عليه السلام لقول الله عزّ وجلّ : فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا . فالحجة الأنبياء عليهم السلام وأهل بيوتات الأنبياء حتى تقوم الساعة لان كتاب الله ينطق بذلك ، وصية الله بعضها من بعض التي وضعها على الناس فقال عزّ وجلّ : في بيوت أذن الله أن ترفع ، وهي بيو تات الأنبياء والرسل والحكماء وأئمة الهدى ، فهذا بنيان عروة الإيمان التي نجا بها من نجا قبلكم ، وبها ينجو من يتبع الأئمة .

وقال الله عزّ وجلّ في كتابه : وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ . وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ . وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ . فإنه وكل بالفضل من أهل بيته والإخوان والذرية بالإيمان الذي أرسلتك به فلا يكفرون به أبداً، ولا أضيع الإيمان الذي أرسلتك به .

من أهل بيتك من بعدك علماء أمتك ، وولاة أمري بعدك ، وأهل استنباط العلم الذي ليس فيه كذب ولا إثم ولا زور ، ولا بطر ولا رياء ، فهذا بنيان ما ينتهي إليه أمر هذه الأمة ، إن الله عزّ وجلّ طهر أهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله وسألهم أجر المودة وأجرى لهم الولاية ، وجعلهم أوصياءه وأحباءه ثابتة بعده في أمته .

فاعتبروا يا أيها الناس فيما قلت حيث وضع الله عزّ وجلّ ولايته وطاعته ومودته واستنباط علمه وحججه ، فإياه فتقبلوا وبه فاستمسكوا تنجوا به ، وتكون لكم الحجة يوم القيامة ، وطريق ربكم جل وعز ، ولا تصل ولاية إلى الله عزّ وجلّ إلا بهم ، فمن فعل ذلك كان حقاً على الله أن يكرمه ولا يعذبه ، ومن يأت الله عزّ وجلّ بغير ما أمره كان حقاً على الله عزّ وجلّ أن يذله وأن يعذبه )! (الكافي:8 /380 ).

أمير المؤمنين عليه السلام هو أول الأئمة والمحور

عقد في الكافي(1/279)باباً بعنوان: (باب أن الأئمة عليهم السلام لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلا بعهد من الله عزّ وجلّ وأمر منه لا يتجاوزونه ، روى فيه عدة أحاديث منها: (عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:إن الوصية نزلت من السماء على محمد كتاباً لم ينزل على محمد صلى الله عليه وآله كتاب مختوم إلا الوصية ، فقال جبرئيل عليه السلام : يا محمد هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أيُّ أهل بيتي يا جبرئيل؟ قال: نجيب الله وذريته ، ليرثك علم النبوة كما ورَّثه إبراهيم عليه السلام وميراثك لعلي عليه السلام وذريتك من صلبه ، قال: وكان عليها خواتيم قال: ففتح علي عليه السلام الخاتم الأول ومضى لما أمر به فيها ، ثم فتح الحسن عليه السلام الخاتم الثاني ومضى لما أمر به فيها ، فلما توفي الحسن ومضى فتح الحسين عليه السلام الخاتم الثالث فوجد فيها أن قاتل فاقتل وتقتل ، واخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلا معك ، قال: ففعل عليه السلام . فلما مضى دفعها إلى علي بن الحسين عليه السلام قبل ذلك ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها أن اصمت وأطرق لمَّا حجب العلم .

فلما توفي ومضى دفعها إلى محمد بن علي صلى الله عليه وآله ففتح الخاتم الخامس فوجد فيها: أن فسر كتاب الله تعالى ، وصدق أباك ، وورث ابنك ، واصطنع الأمة ، وقم بحق الله عزّ وجلّ  ، وقل الحق في الخوف والأمن ، ولا تخش إلا الله ، ففعل .

ثم دفعها إلى الذي يليه قال: قلت له: جعلت فداك فأنت هو؟ قال فقال: ما بي إلا أن تذهب يا معاذ فتروي عليَّ !

قال فقلت: أسأل الله الذي رزقك من آبائك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات . قال: قد فعل الله ذلك يا معاذ .

قال: فقلت: فمن هو جعلت فداك؟ قال: هذا الراقد وأشار بيده إلى العبد الصالح وهو راقد). يقصد ابنه موسى بن جعفر عليه السلام  .

وروى عن ضريس الكناسي عن أبي جعفر عليه السلام قال: ( قال له حمران: جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر علي والحسن والحسين عليهم السلام  ، وخروجهم وقيامهم بدين الله عزّ وجلّ  ، وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : يا حمران إن الله تبارك وتعالى كان قدَّر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه ثم أجراه . فبتقدم علم ذلك إليهم من رسول الله صلى الله عليه وآله ، قام علي والحسن والحسين عليهم السلام ، وبعلمٍ صمت من صمت منا ).

كما روى حديثاً عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (حين نزل برسول الله صلى الله عليه وآله الأمر نزلت الوصية من عند الله كتاباً مسجلاً ، نزل به جبرئيل مع أمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة ، فقال جبرئيل: يا محمد مُرْ بإخراج من عندك إلا وصيك ليقبضها منا وتُشهدنا بدفعك إياها إليه ضامناً لها يعني علياً عليه السلام .

فأمر النبي صلى الله عليه وآله بإخراج من كان في البيت ما خلا علياً عليه السلام وفاطمة عليها السلام فيما بين الستر والباب فقال جبرئيل: يا محمد ربك يقرؤك السلام ويقول: هذا كتاب ما كنت عهدت إليك وشرطت عليك وشهدت به عليك وأشهدت به عليك ملائكتي، وكفى بي يا محمد شهيداً ! قال: فارتعدت مفاصل النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا جبرئيل ربي هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام ، صدق عزّ وجلّ وبر ، هات الكتاب ، فدفعه إليه وأمره بدفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له: إقرأه . فقرأه حرفاً حرفاً فقال: يا علي هذا عهد ربي تبارك وتعالى إليَّ وشرطه عليَّ وأمانته وقد بلغت ونصحت وأديت ، فقال علي عليه السلام : وأنا أشهد لك بأبي وأمي أنت بالبلاغ والنصيحة والتصديق على ما قلت ، ويشهد لك به سمعي وبصري ولحمي ودمي ! فقال: جبرئيل عليه السلام : وأنا لكما على ذلك من الشاهدين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي أخذتَ وصيتي وعرفتَها وضمنتَ لله ولي الوفاء بما فيها ؟ فقال علي عليه السلام : نعم بأبي أنت وأمي ، عليَّ ضمانها وعلى الله عوني وتوفيقي على أدائها . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله :ياعلي إني أريد أن أشْهِدَ عليك بموافاتي بها يوم القيامة . فقال علي عليه السلام نعم أشْهِدْ ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : إن جبرئيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن وهما حاضران ، معهما الملائكة المقربون لأشهدهم عليك!

فقال: نعم ليشهدوا وأنا بأبي أنت وأمي أشهدهم فأشهدهم رسول الله صلى الله عليه وآله  ، وكان فيما اشترط عليه النبي صلى الله عليه وآله بأمر جبرئيل عليه السلام فيما أمر الله عزّ وجلّ أن قال له: يا علي تفي بما فيها من موالاة من والى الله ورسوله والبراءة والعداوة لمن عادى الله ورسوله ، والبراءة منهم على الصبر منك وكظم الغيظ ، وعلى ذهاب حقك وغصب خمسك ، وانتهاك حرمتك ؟ فقال: نعم يا رسول الله .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد سمعت جبرئيل يقول للنبي: يا محمد عرِّفْهُ أنه تنتهك الحرمة وهي حرمة الله وحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعلى أن تُخضب لحيته من رأسه بدم عبيط !

قال أمير المؤمنين عليه السلام : فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل حتى سقطت على وجهي ، وقلت: نعم قبلت ورضيت وإن انتهكت الحرمة وعطلت السنن ومزق الكتاب وهُدمت الكعبة ، وخُضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط ، صابراً محتسباً أبداً ، حتى أقدم عليك ! ثم دعا رسول الله عليهما السلام فاطمة والحسن والحسين ، وأعلمهم مثل ما أعلم أمير المؤمنين عليه السلام ، فقالوا مثل قوله !

فختمت الوصية بخواتيم من ذهب لم تمسه النار ، ودفعت إلى أمير المؤمنين عليه السلام !

فقلت لأبي الحسن عليه السلام : بأبي أنت وأمي ألا تذكر ما كان في الوصية؟ فقال: سنن الله وسنن رسوله صلى الله عليه وآله فقلت:أكان في الوصية توثبهم وخلافهم على أمير المؤمنين؟ فقال: نعم والله شيئاً شيئاً وحرفاً حرفاً ، أما سمعت قول الله عزّ وجلّ : إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَئٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ؟

والله لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأميرالمؤمنين وفاطمة عليهم السلام : أليس قد فهمتما ما تقدمت به إليكما وقبلتماه ؟ فقالا:بلى وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا) .

أقول:رفعت قريش أكثر من مرة في وجه النبي صلى الله عليه وآله ورقة التهديد بإعلان الردة عن الإسلام ! وكان النبي صلى الله عليه وآله مأموراً أن يقبل من الناس ظاهر إسلامهم وأن يداريهم ، وأن يوجه العرب الى قتال الفرس والروم ويطمعهم في كنوزهم !

ولذلك تحمَّل النبي صلى الله عليه وآله محاولة قريش لاغتياله في عودته من تبوك ، وكتم أسماء الذين شاركوا فيها ، وتحمل منع قريش له أن يكتب وصيته بالخلافة لعترته عليهم السلام !

وأخبر أن قريشاً ستأخذ خلافته من بعده وتظلم أهل بيته عليهم السلام ، فكان المهم عنده أن لا يجرد علي عليه السلام ذا الفقار ويبطش بقريش ، لأنها ستعلن الردة ويرتد معها عامة العرب ، ويكون أصل وجود الإسلام في خطر، فأكد على علي عليه السلام بالسكوت وعلى أهل بيته بالتحمل والصبر ، حتى تمر موجة قريش العاتية ! ونزلت الوصية من الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وآله ، وأمره الله تعالى أن يأخذ العهد والميثاق على علي بالسكوت ، وعلى فاطمة والحسنين عليهم السلام بالصبر ، فأخذ منهم .

فليشرِّق الحكم وليغرِّب .. لاعلم إلا من هذا البيت !

في الكافي(1/400): (عن أبي بصير قال قال لي: إن الحكم بن عتيبة ممن قال الله:وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ.فليشرِّق الحكم وليغرب ، أما والله لا يصيب العلم إلا من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل ).

في الكافي(6/256 ) بسند صحيح، عن أبي حمزة الثمالي ،قال:(فسكت قتادة طويلاً ثم قال: أصلحك الله والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك !

قال له أبو جعفر عليه السلام : ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ.رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ . فأنت ثم ونحن أولئك . فقال له قتادة: صدقت والله جعلني الله فداك ، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين )!

في الكافي(8/311): (عن زيد الشحام قال: دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر عليه السلام فقال : يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة ؟ قال : هكذا يزعمون فقال أبو جعفر عليه السلام : بلغني أنك تفسر القرآن؟ فقال له قتادة: نعم ، فقال له أبو جعفر عليه السلام بعلم تفسره أم بجهل؟ قال: لا بعلم ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : فإن كنت تفسره بعلم فأنت أنت ، وأنا أسألك ؟ قال قتادة: سل قال : أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ في سبأ: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّامًا آمِنِينَ . فقال قتادة: ذلك من خرج من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت كان آمناً حتى يرجع إلى أهله ، فقال أبو جعفر عليه السلام : نشدتك الله يا قتادة هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال ، يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق فتذهب نفقته ويضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه ! قال قتادة : اللهم نعم ، فقال أبو جعفر عليه السلام : ويحك يا قتادة إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت وإن كنت قد أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ، ويحك يا قتادة ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم هذا البيت عارفاً بحقنا يهوانا قلبه كما قال الله عزّ وجلّ : فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ . ولم يعن البيت فيقول: إليه ، فنحن والله دعوة إبراهيم عليه السلام التي من هوانا قلبه قبلت حجته وإلا فلا ، يا قتادة فإذا كان كذلك كان آمناً من عذاب جهنم يوم القيامة .

قال قتادة: لا جرم والله لا فسرتها إلا هكذا ، فقال أبو جعفر عليه السلام : ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به ).

وفي الكافي(6/256 ) بسند صحيح، عن أبي حمزة الثمالي قال: (كنت جالساً في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله إذا أقبل رجل فسلم فقال: من أنت يا عبد الله ؟ قلت: رجل من أهل الكوفة، فقلت: ما حاجتك فقال لي: أتعرف أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام ؟ فقلت: نعم فما حاجتك إليه؟ قال: هيأت له أربعين مسألة أسأله عنها فما كان من حق أخذته وما كان من باطل تركته !

قال أبو حمزة: فقلت له: هل تعرف ما بين الحق والباطل؟ قال: نعم ، فقلت له: فما حاجتك إليه إذا كنت تعرف ما بين الحق والباطل! فقال لي: يا أهل الكوفة أنتم قوم ما تطاقون ! إذا رأيت أبا جعفر عليه السلام فأخبرني، فما انقطع كلامي معه حتى أقبل أبو جعفر عليه السلام وحوله أهل خراسان و غيرهم ، يسألونه عن مناسك الحج ، فمضى حتى جلس مجلسه وجلس الرجل قريباً منه .

قال أبو حمزة: فجلست حيث أسمع الكلام وحوله عالم من الناس ، فلما قضى حوائجهم وانصرفوا التفت إلى الرجل فقال له: من أنت ؟ قال: أنا قتادة بن دعامة البصري ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : أنت فقيه أهل البصرة ؟ قال: نعم ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : ويحك يا قتادة إن الله جل وعز خلق خلقاً من خلقه فجعلهم حججاً على خلقه فهم أوتاد في أرضه ، قُوَّامٌ بأمره ، نجباء في علمه ، اصطفاهم قبل خلقه أظلة عن يمين عرشه . قال: فسكت قتادة طويلاً ثم قال: أصلحك الله والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك ! قال له أبو جعفر عليه السلام : ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ . رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ . فأنت ثم ونحن أولئك ، فقال له قتادة: صدقت والله جعلني الله فداك . والله ما هي بيوت حجارة ولا طين !

قال قتادة: فأخبرني عن الجبن قال:فتبسم أبو جعفر عليه السلام ثم قال: رجعت مسائلك إلى هذا ؟ قال: ضلت عليَّ ، فقال: لا بأس به ، فقال: إنه ربما جعلت فيه إنفحة الميت ، قال: ليس بها بأس إن الإنفحة ليس لها عروق ولا فيها دم ولا لها عظم ، إنما تخرج من بين فرث ودم ، ثم قال: وإنما الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة أخرجت منها بيضة ، فهل تؤكل تلك البيضة ، فقال قتادة: لا ، ولا آمر بأكلها ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : ولمَ ؟ فقال: لأنها من الميتة ، قال له فإن حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أتأكلها؟ قال: نعم. قال:فما حرم عليك البيضة وحلل لك الدجاجة؟ ثم قال عليه السلام : فكذلك الإنفحة مثل البيضة فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلين ولا تسأل عنه ، إلا أن يأتيك من يخبرك عنه ) .

وفي الكافي(8/311) بسند صحيح: (عن زيد الشحام قال: دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر عليه السلام فقال: يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة ؟ قال: هكذا يزعمون فقال أبو جعفر عليه السلام : بلغني أنك تفسر القرآن ؟ فقال له قتادة: نعم ، فقال له أبو جعفر عليه السلام بعلم تفسره أم بجهل؟ قال:لا بعلم، فقال له أبو جعفر عليه السلام : فإن كنت تفسره بعلم فأنت أنت ! وأنا أسألك؟ قال قتادة: سل قال: أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ في سبأ:وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّامًا آمِنِينَ؟ فقال قتادة: ذلك من خرج من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت كان آمنا حتى يرجع إلى أهله .

فقال أبو جعفر عليه السلام : نشدتك الله يا قتادة هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق فتذهب نفقته ويضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه ؟!

قال قتادة: اللهم نعم ، فقال أبو جعفر عليه السلام : ويحك يا قتادة إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت قد أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ، ويحك يا قتادة ! ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم هذا البيت عارفاً بحقنا يهوانا قلبه كما قال الله عزّ وجلّ : فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ ، ولم يعن البيت فيقول: إليه، فنحن والله دعوة إبراهيم عليه السلام التي من هوانا قلبه قبلت حجته وإلا فلا ، يا قتادة فإذا كان كذلك كان آمناً من عذاب جهنم يوم القيامة ، قال قتادة: لا جرم والله لا فسرتها إلا هكذا ، فقال أبو جعفر عليه السلام : ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به ).

الولاية والبراءة ركن في التشيع

1- لا إله إلا الله.. نصفها الأول براءة ونصفها الثاني ولاية . تبرؤ من كل إله مدعى غير الله ، وولاية الله تعالى وحده. فالإسلام كله قائم على الولاية والبراءة .

فأصل البراءة واللعن من أصول الإسلام ، فضلاً عن كونه من أصول المذهب .

2- قال فقهاء الشيعة: تجب الولاية لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وأهل بيته المعصومين الذين أمر النبي بموالاتهم والتمسك بهم . وتجب البراءة من أعدائهم ومبغضيهم ومخالفيهم ، وأن من نصب العداوة لأهل البيت عليهم السلام كافر مكن نصب العداوة لرسول الله صلى الله عليه وآله .

3- رووا أن الكميت سأل الإمام الباقر والصادق عليهما السلام عن أبي بكر وعمر ، فأجاباه بالنفي فقال: الله أكبر الله أكبر ، حسبي حسبي ! ( الكافي : 8 / 102 ).

4- إقرأ آيات اللعن والبراءة في القرآن فإن كنت لا تلعن إبليس والذين لعنهم الله تعالى ورسله واللاعنون ، فأعد النظر في إسلامك !

5- اعترف الجرجاني في المواقف(8 / 376 ) فقال: ( قال الآمدي: كان المسلمون عند وفاة النبي عليه السلام على عقيدة واحدة وطريقة واحدة ، إلا من كان يبطن النفاق ويظهر الوفاق . ثم نشأ الخلاف فيما بينهم أولاً في أمور اجتهادية ، لا توجب إيماناً ولا كفراً ، وكان غرضهم منها إقامة مراسم الدين ، وإدامة مناهج الشرع القويم ! وذلك كاختلافهم عند قول النبي في مرض موته: إئتوني بقرطاس أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي حتى قال عمر: إن النبي قد غلبه الوجع ، حسبنا كتاب الله ! وكثر اللغط في ذلك حتى قال النبي: قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع ! وكاختلافهم بعد ذلك في التخلف عن جيش أسامة ، فقال قوم بوجوب الإتباع لقوله عليه السلام : جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عنه ، وقال قوم بالتخلف انتظاراً لما يكون من رسول الله في مرضه !

6- هذا كله مقتضى الآيات الكريمة كقوله تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لاسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله مِنْ شَئٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ . الممتحنة:4 رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً للَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَالْغَنِىُّ الْحَمِيدُ . عَسَى الله أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

وقوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الآيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِىَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ الله أَلا إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْمُفْلِحُونَ .

7- (قال عن سدير : دخلت على أبي جعفر الباقر عليه السلام ومعي سلمة بن كهيل وأبو المقدام ثابت الحداد وسالم بن أبي حفصة وكثير النواء وجماعة منهم ، وعند أبي جعفرأخوه زيد بن علي عليهما السلام فقالوا لأبي جعفر: نتولى علياً وحسناً وحسيناً ونتبرأ من أعدائهم؟ قال نعم ، قالوا: فنتولى أبا بكر وعمر ونتبرأ من أعدائهم ، قال: فالتفت إليهم زيد بن علي عليه السلام وقال لهم: أتتبرؤون من فاطمة عليها السلام بترتم أمرنا بتركم الله ، فيومئذ سموا البترية ). (من لا يحضره الفقيه:4/445).

فلا يجوز أن تتولى أهل البيت ومن ظلمهم ، لأن الولاية بلا براءة بتر للولاية !

8- وفي البحار(30/384) (عن بشير، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن فلان وفلان فلم يجبني ثم سألته فلم يجبني ، فلما كان في الثالثة قلت: جعلت فداك أخبرني عنهما؟ فقال: ما قطرت قطرة من دمائنا ، ولا من دماء أحد من المسلمين إلا وهي في أعناقهما إلى يوم القيامة ).

9- عن أبي الجارود قال: كنت أنا وكثير النوى عند أبي جعفر عليه السلام فقال كثير: يا أبا جعفر ، هذا أبو الجارود يبرأ من فلان وفلان ، فقلت لأبي جعفر عليه السلام : قال: كذب والله الذي لا إله إلا هو ما سمع ذلك مني قط ، وعنده عبد الله بن علي أخو أبي جعفر عليه السلام فقال: هلم إلي أقبل إلي يا كثير:كانا والله أول من ظلمنا حقنا وأضغنا بآبائنا ، وحملا الناس على رقابنا ، فلا غفر الله لهما ولا غفر لك معهما يا كثير .

10- ورووا عن بشير بن أراكة النبال قال:سألنا أبا جعفر عليه السلام عن أبي بكر وعمر، فقال كهيئة المنتهر: ما تريد من صنمي العرب ! أنتم تُقتلون على دم عثمان بن عفان فكيف لو أظهرتم البراءة منهما ، إذا لما ناظروكم طرفة عين )!

وسئل عليه السلام عن أبي بكر وعمر، فقال: هما أول من ظلمنا وقبض حقنا، وتوثب على رقابنا ، وفتح علينا باب لا يسده شئ إلى يوم القيامة، فلاغفر الله لهما ظلمهما إيانا .

11- وعن سالم بن أبي حفصة قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقلت: أئمتنا وسادتنا نوالي من واليتم ، ونعادي من عاديتم ، ونبرأ من عدوكم .فقال : بخ بخ يا شيخ ! إن كان لقولك حقيقة . قلت: جعلت فداك ، إن له حقيقة . قال : ما تقول في أبي بكر وعمر؟ قال: إماما عدل رحمهما الله ؟ قال: يا شيخ ! والله لقد أشركت في هذا الأمر من لم يجعل الله له فيه نصيباً ).

رجال الكشي(2/465):(قال الكميت: يا سيدي أسألك عن مسألة وكان متكئا فاستوى جالساً وكسر في صدره وسادة ثم قال: سل فقال: أسألك عن الرجلين ؟ فقال: يا كميت بن زيد ما أهريق في الإسلام محجمة من دم ، ولا اكتسب مال من غير حله ، ولا نكح فرج حرام الا وذلك في أعناقهما إلى يوم يقوم قائمنا ، ونحن معاشر بني هاشم نأمر كبارنا بسبهما والبرائة منهما ). ونحوه أبو الصلاح الحلبي/245.

12- (عن أبي حمزة: قال أبو جعفر عليه السلام : إنما يعبد الله من يعرف الله ، فأما من لا يعرف الله فإنما يعبده هكذا ضلالاً! قلت: جعلت فداك فما معرفة الله؟ قال: تصديق الله عزّ وجلّ وتصديق رسوله صلى الله عليه وآله وموالاة علي عليه السلام والإئتمام به وبأئمة الهدى عليهم السلام والبراءة إلى الله عزّ وجلّ من عدوهم ، هكذا يعرف الله عزّ وجلّ (الكافي:1/180).

13- رووا أن الكميت أنشد الباقر عليه السلام :

إنّ المُـصَـرَّيْنِ على ذنـبيـهما
والمـخفيا الفـتنة في قـلبيهما
والخـالعا العقدة من عنقيهـما
والحامـلا الوزر على ظهريهـما
كـالجبـت والطاغوت في مثليهـما .

( العقد النضيد/165) .

والله ما أحد أقرب من عرش الله عزّ وجلّ بعدنا من شيعتنا

وصف الباقر عليه السلام اضطهاد بني أمية لأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم فقال (شرح النهج:11/43): (يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا ! وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس! إن رسول الله صلى الله عليه وآله قبض وقد أخبر أنا أولى الناس بالناس ، فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه ، واحتجَّت على الأنصار بحقنا وحجتنا ! ثم تداولتها قريش واحد بعد واحد ، حتى رجعت إلينا ، فنكثت بيعتنا ونصبت الحرب لنا ، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كؤود حتى قتل ، فبويع الحسن ابنه وعوهد ثم غُدر به وأُسلم ، ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه ونهبت عسكره وعولجت خلاليل أمهات أولاده ! فوادع معاوية وحقن دمه ودماء أهل بيته ، وهم قليل حق قليل !

ثم بايع الحسين عليه السلام من أهل العراق عشرون ألفاً ، ثم غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم ، وقتلوه !

ثم لم نزل أهل البيت نستذل ونستضام ونقصى ونمتهن ونحرم ونقتل ونخوف! ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا !

ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء وعمال السوء في كل بلدة ، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ، ليبغضونا إلى الناس !

وكان عِظَمُ ذلك وكِبْرُه زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام فقتلت شيعتنا بكل بلدة ، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة ، وكان من يذكر بحبنا والإنقطاع إلينا سجن أو نهب ماله ، أو هدمت داره ! ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين عليه السلام . ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة ، وأخذهم بكل ظنة وتهمة ، حتى أن الرجل ليقال له زنديق أو كافر ، أحب إليه من أن يقال شيعة علي عليه السلام ! وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير ولعله يكون ورعاً صدوقاً، يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة ، ولم يخلق الله تعالى شيئاً منها ولا كانت ولا وقعت! وهو يحسب أنها حق ، لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب ولا بقلة ورع ) !

الإمام عليه السلام يشيد بالشيعة إشادة خاصة !

وروى الصدوق في فضائل الشيعة/8 عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (خرجت أنا وأبي ذات يوم إلى المسجد فإذا هو بأناس من أصحابه بين القبر والمنبر ، قال فدنى منهم وسلم عليهم وقال: إني والله لأحب ريحكم وأرواحكم فأعينوا على ذلك بورع واجتهاد ، واعلموا أن ولايتنا لا تنال إلا بالورع والإجتهاد ، من أئتم منكم بقوم فليعمل بعلمهم . أنتم شيعة الله ، وأنتم أنصار الله ، وأنتم السابقون الأولون والسابقون الآخرون ، والسابقون في الدنيا إلى محبتنا ، والسابقون في الآخرة إلى الجنة . ضمنت لكم الجنة بضمان الله عزّ وجلّ وضمان النبي صلى الله عليه وآله !

أنتم الطيبون ، ونساؤكم الطيبات ، كل مؤمنة حوراء وكل مؤمن صديق . بكم من مَرَّةٍ قال أمير المؤمنين عليه السلام لقنبر: أبشروا وبشروا ، فوالله مات رسول الله عليهما السلام وهو ساخط على أمته إلا الشيعة !

ألا وإن لكل شئ شرفاً وشرف الدين الشيعة .

ألا وإن لكل شي إماماً وإمام الأرض أرض تسكنها الشيعة .

ألا وإن لكل شئ سيداً وسيد المجالس مجالس الشيعة . ألا وإن لكل شئ شهوة ، وإن شهوة الدنيا سكنى شيعتنا فيها . والله لولا ما في الأرض منكم ما استكمل أهل خلافكم طيباتهم في الدنيا ، وما لهم في الآخرة من نصيب .

كل ناصب وإن تعبد واجتهد ، منسوب إلى هذه الآية:عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً. من دعا منكم دعوة فله مئة ، ومن طلب منكم إلى الله تبارك وتعالى حاجة فله مائة ومن دعا دعوة فله مائة ، ومن عمل حسنة فلا يحصى تضاعيفها ، ومن أساء سيئة فمحمد رسول الله عليهما السلام حجته على تبعتها .

والله إن صائمكم ليرتع في رياض الجنة تدعو له الملائكة بالفوز حتى يفطر ، وإن حاجكم ومعتمركم لخاصة الله عزّ وجلّ  . وإنكم جميعاً لأهل دعوة الله وأهل ولايته ، لاخوف عليكم ولا حزن ، كلكم في الجنة ، فتنافسوا الصالحات .

والله ما أحد أقرب من عرش الله عزّ وجلّ بعدنا من شيعتنا .

ما أحسن صنع الله إليهم ! لولا أن تفشوا ويشمت به عدوكم ويُعظم الناس ذلك لسلَّمَتْ عليكم الملائكة قبيلاً ! قال أمير المؤمنين عليه السلام : ٍيخرج أهل ولايتنا من قبورهم يخاف الناس وهم لا يخافون ، ويحزن الناس وهم لا يحزنون ) .

دعوة إبراهيم عليه السلام لخاصة ذريته وشيعتهم

قال أبو جعفر عليه السلام : عاب آلهتهم فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ.فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ . قال أبو جعفر عليه السلام : والله ما كان سقيماً وما كذب، فلما تولوا عَنْهُ مُدْبِرِينَ إلى عيد لهم دخل إبراهيم عليه السلام إلى آلهتهم بقدوم فكسرها إلا كبيراً لهم ، ووضع القدوم في عنقه فرجعوا إلى آلهتهم فنظروا إلى ما صُنع بها فقالوا: لا والله ما اجترأ عليها ولا كسرها إلا الفتى الذي كان يعيبها ويبرأ منها ، فلم يجدوا له قتلة أعظم من النار ، فجمع له الحطب واستجادوه حتى إذا كان اليوم الذي يحرق فيه ، برز له نمرود وجنوده وقد بنى له بناءً لينظر إليه كيف تأخذه النار،ووضع إبراهيم عليه السلام في منجنيق ، وقالت الأرض: يا رب ليس على ظهري أحد يعبدك غيره ، يحرق بالنار؟ قال الرب: إن دعاني كفيته . قال أبو جعفر عليه السلام :إن دعاء إبراهيم عليه السلام يومئذ كان: يا أحد يا صمد ، يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد . ثم قال: توكلت على الله . فقال الرب تبارك وتعالى: كفيت ، فقال للنار: كوني برداً قال: فاضطربت أسنان إبراهيم عليه السلام من البرد حتى قال الله عزّ وجلّ : وسلاماً على إبراهيم، وانحط جبرئيل عليه السلام وإذا هو جالس مع إبراهيم عليه السلام يحدثه في النار ، قال نمرود: من اتخذ إلها فليتخذ مثل إله إبراهيم ، قال: فقال عظيم من عظمائهم: إني عزمت على النار أن لا تحرقه! قال فأخذ عنق من النار نحوه حتى أحرقه ، قال: فآمن له لوط ، وخرج مهاجراً إلى الشام هو وسارة ولوط). (الكافي:8 / 368).

(عن القضاعي عن أبي جعفر قال عليه السلام :أصبح إبراهيم عليه السلام فرأى في لحيته شعرة بيضاء فقال:الحمد لله رب العالمين الذي بلغني هذا المبلغ لم أعص الله طرفة عين .

قال عليه السلام : لما اتخذ الله عزّ وجلّ إبراهيم عليه السلام خليلاً أتاه بشراه بالخلة فجاءه ملك الموت في صورة شاب أبيض عليه ثوبان أبيضان يقطر رأسه ماءً ودهناً فدخل إبراهيم عليه السلام الدار فاستقبله خارجاً من الدار وكان إبراهيم عليه السلام رجلاً غيوراً وكان إذا خرج في حاجة أغلق بابه واخذ مفتاحه معه ثم رجع ، ففتح فإذا هو برجل قائم أحسن ما يكون من الرجال فأخذه بيده وقال: يا عبد الله من أدخلك داري فقال ربها أدخلنيها فقال: ربها أحق بها مني فمن أنت؟ قال: أنا ملك الموت ففزع إبراهيم عليه السلام فقال : جئتني لتسلبني روحي؟ قال: لا ولكن اتخذ الله عبداً خليلاً فجئت لبشارته قال: فمن هو لعلي أخدمه حتى أموت؟ قال: أنت هو ، فدخل على سارة عليها السلام فقال لها: إن الله تبارك وتعالى اتخذني خليلاً). (الكافي:8 /391 ).

(عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام أن إبراهيم عليه السلام خرج ذات يوم يسير ببعير فمر بفلاة من الأرض فإذا هو برجل قائم يصلي قد قطع الأرض إلى السماء طوله ولباسه شعر ، قال فوقف عليه إبراهيم عليه السلام وعجب منه وجلس ينتظر فراغه ، فلما طال عليه حركه بيده فقال له: إن لي حاجة فخفف قال فخفف الرجل وجلس إبراهيم عليه السلام فقال له إبراهيم عليه السلام : لمن تصلي؟ فقال: لإله إبراهيم فقال له: ومن إله إبراهيم، فقال: الذي خلقك وخلقني . فقال له إبراهيم عليه السلام : قد أعجبني نحوك وأنا أحب أن أو أخيك في الله ، أين منزلك إذا أردت زيارتك ولقاءك ؟ فقال له الرجل: منزلي خلف هذه النطفة - وأشار بيده إلى البحر- وأما مصلاي فهذا الموضع تصيبني فيه إذا أردتني إن شاء الله .

قال الرجل لإبراهيم عليه السلام : ألك حاجة ؟ فقال إبراهيم: نعم ، فقال له: وما هي؟ قال: تدعو الله وأؤمِّن على دعائك وأدعو أنا فتؤمن على دعائي، فقال الرجل: فبم ندعو الله؟ فقال إبراهيم عليه السلام : للمذنبين من المؤمنين، فقال الرجل لا، فقال إبراهيم عليه السلام : ولم ؟ فقال :لأني قد دعوت الله عزّ وجلّ منذ ثلاث سنين بدعوة لم أر إجابتها حتى الساعة وأنا أستحيي من الله تعالى أن أدعوه حتى أعلم أنه قد أجابني! فقال إبراهيم عليه السلام : فبم دعوته؟ فقال له الرجل: إني في مصلاي هذا ذات يوم إذ مر بي غلام أروع النور يطلع من جبهته ، له ذؤابة من خلفه ومعه بقر يسوقها كأنما دهنت دهناً ، وغنم يسوقها كأنما دخست دخساً فأعجبني ما رأيت منه فقلت له: يا غلام لمن هذا البقر والغنم؟ فقال لي: لإبراهيم عليه السلام ، فقلت ومن أنت ؟ فقال: أنا إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن فدعوت الله عزّ وجلّ وسألته أن يريني خليله فقال له إبراهيم عليه السلام : فأنا إبراهيم خليل الرحمن وذلك الغلام ابني! فقال له الرجل عند ذلك: الحمد لله الذي أجاب دعوتي ، ثم قبل الرجل صفحتي إبراهيم عليه السلام وعانقة ، ثم قال: أما الآن فقم فادع حتى أؤمِّن على دعائك فدعا إبراهيم عليه السلام للمؤمنين والمؤمنات والمذنبين من يومه ذلك بالمغفرة والرضا عنهم ، قال: وأمن الرجل على دعائه . قال أبو جعفر عليه السلام : فدعوة إبراهيم عليه السلام بالغة للمؤمنين المذنبين من شيعتنا إلى يوم القيامة ). (الكافي:8/393).

أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم على دين إبراهيم عليه السلام

(قال أبو حمزة الثمالي: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما أحد من هذه الأمة يدين بدين إبراهيم عليه السلام إلا نحن وشيعتنا ، ولا هدي من هدي هذه الأمة ، إلا بنا ، ولا ضل من ضل من هذه الأمة إلا بنا ). ( الكافي:8إ254) .

حصر الله الأنبياء والأوصياء في ذرية إبراهيم عليه السلام

(عن عبد الله ابن عجلان،عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ للَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا.قال:هم الأئمة عليهم السلام ومن اتبعهم .(الكافي:1/416).

(قال الباقر عليه السلام : إنما الحجة في آل إبراهيم صلى الله عليه وآله لقول الله عزّ وجلّ : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا . والحجة الأنبياء وأهل بيوتات الأنبياء عليهم السلام حتى تقوم الساعة لأن كتاب الله ينطق بذلك ووصية الله جرت بذلك في العقب، من البيوت التي رفعها الله تبارك وتعالى على الناس فقال:فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ.رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ، وهي بيوتات الأنبياء والرسل والحكماء وأئمة الهدى عليهم السلام ). (الكافي:8 /394 ).

آية إمامة إبراهيم صلى الله عليه وآله

قال الله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ للنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ .

(عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال:إن الله اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً ، واتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً، واتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً، واتخذه خليلاً قبل أن يتخذه إماماً . فلما جمع له هذه الأشياء وقبض يده قال له: يا إبراهيم إِنِّي جَاعِلُكَ للنَّاسِ إِمَاماً ، فمن عظمها في عين إبراهيم عليه السلام قال: يا رب ومن ذريتي ، قال: قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). (الكافي:1/175).

(عن بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى: فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ. قال: جعل منهم الرسل والأنبياء والأئمة ، فكيف يقرون في آل إبراهيم عليه السلام وينكرونه في آل محمد صلى الله عليه وآله !

قال قلت: وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ؟ قال: الملك العظيم أن جعل فيهم أئمة ، من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله ، فهو الملك العظيم). (الكافي:1/206).

الشيعة في محشر القيامة مميزون بنورهم ومكانتهم !

في أمالي الصدوق/157: (عن جابر بن عبد الله ، قال: لما قدم علي على رسول الله صلى الله عليه وآله بفتح خيبر، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله :لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى للمسيح عيسى بن مريم ، لقلت فيك اليوم قولاً لا تمر بملإ إلا أخذوا التراب من تحت رجليك ، ومن فضل طهورك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك ، ترثني وأرثك وأنك مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي ، وإنك تبرئ ذمتي وتقاتل على سنتي ، وإنك غداً على الحوض خليفتي ، وإنك أول من يرد علي الحوض ، وإنك أول من يكسى معي ، وإنك أول داخل الجنة من أمتي ، وإن شيعتك على منابر من نور ، مبيضة وجوههم حولي أشفع لهم ، يكونون غداً في الجنة جيراني. وإن حربك حربي ، وسلمك سلمي ، وإن سرك سري وعلانيتك علانيتي ، وإن سريرة صدرك كسريرتي ، وإن ولدك ولدي ، وإنك تنجز عداتي ، وإن الحق معك ، وإن الحق على لسانك وقلبك وبين عينيك. الإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي،وإنه لن يرد علي الحوض مبغض لك ولن يغيب عنه محب لك حتى يرد الحوض معك .

قال: فخرَّ علي عليه السلام ساجداً ثم قال: الحمد لله الذي أنعم علي بالإسلام، وعلمني القرآن وحببني إلى خير البرية خاتم النبيين وسيد المرسلين ، إحساناً منه وفضلاً منه عليَّ . فقال النبي صلى الله عليه وآله : لولا أنت لم يعرف المؤمنون بعدي ).

وفي أمالي الصدوق/656: (يا علي حربك حربي وسلمك سلمي ، وحربي حرب الله ، ومن سالمك فقد سالمني ومن سالمني فقد سالم الله عزّ وجلّ  .

يا علي ، بشر إخوانك ، فإن الله عزّ وجلّ قد رضي عنهم إذ رضيك لهم قائداً ورضوا بك ولياً . يا علي ، أنت أمير المؤمنين ، وقائد الغر المحجلين .

يا علي ، شيعتك المنتجبون ، ولولا أنت وشيعتك ما قام لله عزّ وجلّ دين ، ولولا من في الأرض منكم لما أنزلت السماء قطرها ).

وفي نوادر المعجزات للطبري الشيعي/76: (عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : رأيت ليلة أسري بي إلى السماء قصوراً من ياقوت أحمر وزبرجد أخضر ودر ومرجان ، ملاطها المسك الأذفر ، وترابها الزعفران ، وفيها فاكهة ونخل ورمان وحور خيرات حسان ، وأنهار لبن ، وأنهار عسل تجري على الدر والجوهر وقباب على حافتي تلك الأنهار ، وغرف وخيام وخدم وولدان ، فرشها الإستبرق والسندس والحرير ، وفيها أطيار . فقلت: يا حبيبي جبرئيل ، لمن هذه القصور وما شأنها ؟ قال لي جبرئيل: هذه القصور وما فيها ، خلقها الله عزّ وجلّ كذلك وأعد فيها ما ترى ومثلها أضعافا مضاعفة لشيعة أخيك علي بن أبي الب عليه السلام وخليفتك من بعدك على أمتك ).

المرجَوْنَ لأمر الله يرجى نجاتهم

قال زرارة رحمه الله (الكافي:2/ 382 ): (دخلت أنا وحمران أو أنا وبكير على أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: إنا نمد المطمار قال: وما المطمار؟ قلت: الترُّ، فمن وافقنا من علوي أو غيره توليناه ومن خالفنا من علوي أو غيره برئنا منه ، فقال لي: يا زرارة قول الله أصدق من قولك ، فأين الذين قال الله عزّ وجلّ : إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً . أين المرجون لأمر الله ؟ أين الذين خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ؟ أين أصحاب الأعراف ؟ أين المؤلفة قلوبهم؟ وزاد حماد في الحديث قال: فارتفع صوت أبي جعفر عليه السلام وصوتي حتى كان يسمعه من على باب الدار . وزاد فيه جميل ، عن زرارة: فلما كثر الكلام بيني وبينه قال لي: يا زرارة حقاً على الله أن [لا] يدخل الضُّلَّال الجنة).

والذي أطمئن به أن أصله: يدخل الضُلَّال ، لكن زاد النساخ فيه:لا.

وقد نص على ذلك صحيح زرارة (غيبة الطوسي/461) عن الصادق عليه السلام قال: حقيق على الله أن يدخل الضُّلال الجنة. فقال زرارة: كيف ذلك جعلت فداك؟ قال: يموت الناطق ولا ينطق الصامت ، فيموت المرء بينهما فيدخله الله الجنة ) !و عليه السلام (معاني الأخبار/200): (إن المستضعفين ضروب يخالف بعضهم بعضاً ، ومن لم يكن من أهل القبلة ناصباً ، فهو مستضعف ).

أقول: ورد المستضعف في القرآن والسنة بمعان متفاوتة ، أهمها: المستضعف الذي لم تبلغه الحجة:

وهذا داخل في المرجون، ففي الكافي(2/405): (قال علي بن سويد: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الضعفاء ، فكتب إلي: الضعيف من لم ترفع إليه حجة ولم يعرف الإختلاف، فإذا عرف الإختلاف فليس بمستضعف ).

وعن سفيان بن السمط قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام :ما تقول في المستضعفين؟ فقال لي شبيهاً بالفزع:أفتركتم أحداً يكون مستضعفاً وأين المستضعفون ؟ فوالله لقد مشى بأمركم هذا العواتق إلى العواتق في خدورهن وتحدث به السقايات في طريق المدينة ). ومعناه أن بلوغ الحجة يخص من لهم قدرة ذهنية على التمييز فيجب عليهم البحث عن الحق ، أما الذين ليس لهم قدرة ذهنية كافية ، فيبقون مستضعفين.

والحاصل: أن بعض أقسام المستضعف لاعلاقة لها بالمرجون لأمر الله تعالى ، وبعض أقسامه تدخل في المرجون ، وهم قسم عظيم من البشر . وهم يدخلون الجنة ، ويدل عليه ما روي في الصحيح من أن بعض المؤمنين خاف أن يكون هو والمستضعفين في درجة واحدة في الجنة .

قال جميل بن دراج (الكافي:2/406): قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إني ربما ذكرت هؤلاء المستضعفين فأقول نحن وهم في منازل الجنة ، فقال: أبو عبد الله عليه السلام : لا يفعل الله ذلك بكم. وفي رواية: إنا نخاف أن ننزل بذنوبنا منازل المستضعفين ، قال فقال: لا والله لا يفعل الله ذلك بكم أبداً ) !

هذا، وذكر الوحيد البهبهاني في فوائده/459، أن المرجون لأمر الله ليسوا بالمشركين قطعاً وإجماعاً ، ولا كافرين جزماً واتفاقاً ، بل هم من المسلمين يقيناً ووفاقاً ، ويعاملون معاملة المؤمنين بلا تأمل ، فتأمل جداً ).

وقال الباقر عليه السلام في بيان فضل علماء الشيعة

(علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته ، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا ، وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته النواصب . ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة لأنه يدفع عن أديان محبينا وذلك يدفع عن أبدانهم). ( الإحتجاج:1/8) .

في أمالي الطوسي/405:(قال يعقوب بن ميثم التمار: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقلت له : جعلت فداك يا بن رسول الله ، إنّي وجدت في كتب أبي أنّ عليّاً عليه السلام قال لأبي ميثم: إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول: إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ أُوْلِئكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ، ثمّ التفت إليّ وقال: هم والله أنت وشيعتك يا عليّ ، وميعادك وميعادهم الحوض غداً ، غُرّاً محجّلين مكتحلين متوَّجين . فقال أبو جعفر عليه السلام : هكذا هو عياناً في كتاب عليّ عليه السلام ).

في البصائر/104: ( عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه : اللهم لقني إخواني مرتين ، فقال من حوله من أصحابه : أما نحن إخوانك يا رسول الله ؟ فقال : لا ، إنكم أصحابي ، وإخواني قوم من آخر الزمان آمنوا بي ولم يروني ، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم ، من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ، لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء ، أو كالقابض على جمر الغضا . أولئك مصابيح الدجى ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة ) .

ويؤيده ما رواه البخاري (7 /206): ( أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول يا رب أصحابي! فيقال انك لاتدري ما أحدثوا بعدك)!

وفي صحيح مسلم(1/150): (وددت أنا قد رأينا إخواننا . قالوا أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد . فقالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله . قال: فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء ، وأنا فرطهم على الحوض . ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال ! أناديهم ألا هلمَّ ، فيقال إنهم قد بدلوا بعدك ! فأقول سحقاً سحقاً ! ) . إلى آخر ما ورد وما أتي من خصائصهم وكراماتهم .

وفي صحيح مسلم(1/150): ( وددت أنا قد رأينا إخواننا . قالوا : أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد . فقالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال : أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ، ألا يعرف خيله ؟ قالوا: بلى يا رسول الله . قال: فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء ، وأنا فرطهم على الحوض ، ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال ! أناديهم ألا هلمَّ ، فيقال إنهم قد بدلوا بعدك ! فأقول سحقاً سحقاً ! ) .

(تم الكتاب والحمد لله رب العالمين)