العقائد الإسلامية - ج 3

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 1 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العقائد الإسلامية
عرض مقارن لأهم موضوعاتها من مصادر السنة والشيعة
قام بإعداده مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
برعاية المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني دام ظله
المجلد الثالث
يشتمل على مسائل الشفاعة
الطبعة الأولى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 2 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
العقائد الإسلامية : عرض مقارن لأهم موضوعاتها من مصادر
السنة والشيعة / مركز المصطفى للدراسات الإسلامية .
قم : مركز المصطفى للدراسات الإسلامية 1419 ه‍ .
ج 3 : 500 ص .
1 . الشفاعة . الف . العنوان .
447 م / 7 / bp 222 42 / 297
شابك ( ردمك ) 6 - 117 - 319 - 964 دورة 6 جزء احتمالا
vols 6 / 6 - 117 - 319 - Isbn 964
شابك ( ردمك ) 6 - 120 - 319 - 964 / ج 3 .
VOLS 3 - 6 - 120 - 319 - ISBN 964
الكتاب : العقائد الاسلامية - ج 3
المؤلف : مركز المصطفى للدراسات الاسلامية
الناشر : مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
العدد : 3000 نسخة
الطبعة : جمادى الأولى - 1419
المطبعة : ستاره
السعر : 7000 ريال
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 3 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا ونبينا محمد
وآله الطيبين الطاهرين
وبعد ، فهذا هو المجلد الثالث من كتاب
العقائد الإسلامية
وقد اشتمل على أكثر مسائل الشفاعة ، وعدد من البحوث النافعة فيها .
ونظرا لأهمية مسائل الشفاعة ، فقد حاولنا استقصاء الآراء فيها ،
وتعرضنا أحيانا لآراء غير المسلمين .
وسوف ترى أن هذه العقيدة الربانية من أكبر النعم الإلهية السابغة على العباد . .
وتلاحظ ما تعرضت له من تحريفات كبيرة بعد الأنبياء ( عليهم السلام )
خدمة لأغراض سياسية وثقافية ، بعيدة عن الدين الإلهي ! !
وقد ساعد على ذلك أنها من عقائد الغيب والآخرة غير المنظورة ،
التي يسهل على المحرفين التحريف فيها ، ويصعب كشف عملهم .
نسأله تعالى أن يجعلنا من المشمولين بشفاعة سيد المرسلين
وآله الطيبين الطاهرين ،
وأن يصلي عليهم أجمعين .
مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
علي الكوراني العاملي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 4 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 5 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الباب الثالث
في مسائل الشفاعة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 6 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 7 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

مسائل الشفاعة

الفصل الأول : تعريف الشفاعة وتاريخها

موقع الشفاعة من الرحمة الإلهية

الرحمة الإلهية وسعت كل شئ ، ولا يمكن للبشر أن يحصوا أعدادها . . ولا
أنواعها . . لكن نشير إلى ستة أنواع كبرى منها ، ليتضح موقع الشفاعة من بينها .
النوع الأول : التوبة ، التي تمحو السيئات .
النوع الثاني : أن السيئة بواحدة والحسنة بعشرة .
النوع الثالث : أن نية الحسنة تكتب ، ونية السيئة لا تكتب .
النوع الرابع : أن الحسنات يذهبن السيئات .
النوع الخامس : أنواع الرحمة الإلهية الخاصة بالآخرة .
النوع السادس : الشفاعة ، وهي نوع من الوساطة إلى الله تعالى من ولي مقرب عنده
ليغفر لمذنب ويسامحه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 8 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

شبهة حول أصل الشفاعة

يدور في ذهن البعض سؤال عن أصل الشفاعة مفاده : أن رحمة الله تعالى
ومغفرته وسعت وتسع كل شئ ، وهي تتم بشكل مباشر ، فلماذا يجعلها الله تعالى
تحتاج إلى واسطة عباده مثل الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) ؟
والجواب : أن الرحمة الإلهية المباشرة في الدنيا والآخرة أنواع كثيرة لا تحصى ،
ولا يمنع أن يكون منها رحمة غير مباشرة جعلها الله تعالى مرتبطة بالدعاء والشفاعة
لمصالح يعلمها سبحانه ، كأن يريد رحمة عدد كبير من عباده بالشفاعة ، ويظهر كرامة
أنبيائه وأوليائه عنده . .
فالشفاعة من ناحية عقلية لا مانع منها ولا إشكال فيها ، نعم ، لا تثبت إلا بدليل ،
وفي الحدود والدائرة التي يدل عليها الدليل .

مثال لتقريب فهم عقيدة الشفاعة

يمكن تقريب الشفاعة إلى الذهن بأنها ( قاعدة الاستفادة من الدرجات
الإضافية ) كأن يقال للطالب الذي حصل على معدل عال : يمكنك أن تستفيد من
النمرات الإضافية على معدل النجاح فتعطيها إلى أصدقائك ، الأقرب فالأقرب من
النجاح . .
ولنفرض أن الإنسان يحتاج للنجاة من النار ودخول الجنة إلى 51 درجة ( من
رجحت حسناته على سيئاته ) فالذي بلغ عمله 400 درجة مثلا يسمح له أن يوزع
349 درجة على أعزائه ، ولكن ضمن شروط ، مثل أن يكونوا من أقربائه القريبين ،
وأن يكون عند أحدهم ثلاثين درجة فما فوق ، وذلك لتحقيق أفضل استفادة
وأوسعها من هذه الدرجات الإضافية .
وقد نصت بعض الأحاديث عن الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) على أن شفاعة
المؤمن تكون على قدر عمله ، ففي مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 15 عن الإمام الباقر ( عليه السلام )
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 9 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في قوله تعالى : وترى كل أمة جاثية . . الآية ، قال : ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعلي ( عليه السلام ) يقوم
على كوم قد علا الخلايق فيشفع ثم يقول : يا علي إشفع ، فيشفع الرجل في القبيلة ،
ويشفع الرجل لأهل البيت ويشفع الرجل للرجلين على قدر عمله . فذلك المقام
المحمود . انتهى . وورد شبيه به في مصادر السنة أيضا .
وعلى هذا ، فالشفاعة مقننة بقوانين دقيقة حكيمة مثل كل الأعمال الإلهية
الدقيقة والحكيمة ، وليست كما يتصوره البعض من نوع الوساطات والمحسوبيات
والمنسوبيات الدنيوية .
وبما أن درجات الملائكة والأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم ودرجات
المؤمنين متفاوتة ، وأعظمهم عملا وأعلاهم درجة نبينا ( صلى الله عليه وآله ) فليس غريبا أن يكون
أعظمهم شفاعة عند الله تعالى .
وبما أن سيئات الناس تتفاوت دركاتها ويصل بعضها إلى تحت الصفر بألوف
الدرجات مثلا . . فإن الذين تشملهم الشفاعة هم الأقرب إلى النجاح والأفضل من
مجموع المسيئين ، وقد وردت في شروطهم عدة أحاديث ، منها عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ( إن
أدناكم مني وأوجبكم علي شفاعة : أصدقكم حديثا ، وأعظمكم أمانة ، وأحسنكم
خلقا ، وأقربكم من الناس ) . مستدرك الوسائل ج 11 ص 171 .
- قال أبو الصلاح الحلبي في الكافي ص 497 :
إن قيل : فإذا كانت الإثابة والمعاقبة مختصتين به تعالى ، فكيف يصح لكم ما
تذهبون إليه من الحوض واللواء والوقوف على الأعراف ، وقسمة النار وإدخال بعض
إليها وإخراج بعض منها ، مع كون ذلك ثوابا وعقابا ؟
قيل : لا شبهة في اختصاص أمور الآخرة أجمع به تعالى ، غير أنه تعالى ردها أو
رد منها إلى المصطفين من خلقه : رسول الله وأمير المؤمنين والأئمة من آلهما
صلوات الله عليهم ، فأوردوها عن أمره وأصدروها . كما يضاف تعذيب أهل النار
وتنزيل أهل الجنة حاصلا بالملائكة المأذون لهم فيه . . . وليس لأحد أن يقول : فأي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 10 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ميزة لهم بتولي هذه الأمور على غيرهم في الفضل وهي موقوفة على إذنه تعالى ، لأن
الآخرة لما كانت أفضل الدارين بكونها دار الجزاء وغاية المستحقين ، وجعل الله
سبحانه إلى هؤلاء المصطفين أفضل منازله وأسنى درجاته من اللواء والحوض
والشفاعة وقسمة النار ، دل على تخصصهم من الفضل بما لا مشارك لهم فيه .

محاولات المستشرقين التشكيك في الشفاعة

وقد حاول بعضهم الإشكال على قانون الشفاعة في الإسلام فتصوره أو صوره
بأنه من نوع الوساطات الدنيوية المخالفة للعدالة ، التي يفعلها الناس عند الحكام
الظلمة لمن يحبونه من المجرمين . . وقد مدح جولد تسيهر في كتابه مذاهب التفسير
الإسلامي ص 192 المعتزلة وزعم أنهم لم يقبلوا الشفاعة لأنها تنافي العدالة ، قال :
والمعتزلة . . لا يريدون التسليم بقبول الشفاعة على وجه أساسي حتى لمحمد ذلك
بأنه يتعارض مع اقتناعهم بالعدل الإلهي المطلق . انتهى .
ولكن لا يمكن لعاقل أن يدعي بأن زيادة الرحمة الإلهية والمغفرة للمذنبين
بأسباب متعددة ، أمر يتنافى مع العدالة الإلهية ! !
ثم إن الذي نفاه المعتزلة هو شمول الشفاعة لأهل الكبائر ، ولم ينفوا الشفاعة
لمرتكبي المعاصي الصغائر ، كما سيأتي في محله .
على أن تسيهر اليهودي نفسه يعتقد بالشفاعة التي يزعمها اليهود لكل بني
إسرائيل دون سواهم من البشر ، ولا يراها منافية للعدالة الإلهية ، فلا معنى لمدحه
المعتزلة بأنهم يرفضون الشفاعة لأنهم طلاب مساواة !

تهافت منطق الوهابيين في الشفاعة والاستشفاع

والأعجب من المستشرقين الوهابيون . . حيث يتوسعون في الشفاعة فيجعلونها
تشمل اليهود والنصارى وجميع الخلق ، على حد تعبير ابن تيمية ، قال في مجموعة
رسائله ج 1 ص 10 : أجمع المسلمون على أن النبي ( ص ) يشفع للخلق يوم القيامة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 11 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بعد أن يسأله الناس ذلك وبعد أن يأذن الله في الشفاعة . ثم أهل السنة والجماعة
متفقون على ما اتفقت عليه الصحابة . . . أنه يشفع لأهل الكبائر ، ويشفع أيضا لعموم
الخلق . انتهى .
ولكنهم في نفس الوقت يحرمون الاستشفاع والتوسل بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ويعتبرونه
شركا ، مع أن الاستشفاع هو طلب شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى الله تعالى في الآخرة ، أو في
أمر من أمور الدنيا !
إن التناسب بين الاعتقاد بسعة الشفاعة في الآخرة يقتضي تجويز الاستشفاع
بأهلها في الدنيا !
وبتعبير آخر : إن تحريم الاستشفاع والتوسل في الدنيا ، يناسبه إنكار الشفاعة في
الآخرة ، لا القول بسعتها لجميع الخلق !
وقد التفت إلى ضرورة هذا التناسب بعض المتأثرين بالفكر الوهابي في تحريم
التوسل والاستشفاع ، فأنكر شفاعة نبينا ( صلى الله عليه وآله ) بمعناها المعروف ، وفسرها بتفسير
شاذ جعل منها أمرا شكليا بعيدا عن أفعال الله تعالى .
قال فيما قال : إن الشفاعة هي كرامة من الله لبعض عباده فيما يريد أن يظهره من
فضلهم في الآخرة فيشفعهم في من يريد المغفرة له ورفع درجته عنده ، لتكون
المسألة في الشكل واسطة في النتائج التي يتمثل فيها العفو الإلهي الرباني ، تماما
كما لو كان النبي السبب أو الولي هو الواسطة .
إلى أن قال : وفي ضوء ذلك لا معنى للتقرب للأنبياء والأولياء ليحصل الناس على
شفاعتهم ، لأنهم لا يملكون من أمرها شيئا بالمعنى الذاتي المستقل . بل الله هو
المالك لذلك كله على جميع المستويات ، فهو الذي يأذن لهم بذلك في مواقع
محددة ليس لهم أن يتجاوزوها . الأمر الذي يفرض التقرب إلى الله في أن يجعلنا
ممن يأذن لهم بالشفاعة له . انتهى .
ولم يصرح صاحب هذا القول بحرمة طلب الشفاعة من الأنبياء والأولياء ( عليهم السلام ) ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 12 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولكن محمد ابن عبد الوهاب صرح بذلك ، واعتبر طلب الشفاعة منهم ( عليهم السلام ) شركا !
قال ( فالشفاعة كلها لله فاطلبها منه ، وقل : اللهم لا تحرمني شفاعته اللهم شفعه في .
وأمثال هذا .
فإن قال : النبي ( ص ) أعطي الشفاعة ، وأنا أطلب مما أعطاه الله .
فالجواب : أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا ، وقال : فلا تدعوا مع الله أحدا . .
. . الخ . ) .
وقد قسم ابن عبد الوهاب الشفاعة إلى شفاعة منفية ، وهي التي ( تطلب من غير
الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ) وشفاعة مثبتة ، وهي ( التي تطلب من الله الشافع
المكرم بالشفاعة . . . الخ . ) انتهى .
والجواب الكلي على هذه المقولة أنها دعوى بدون دليل ، نشأت من سوء الفهم
لمعنى الشفاعة ، ومعنى طلبها من الشافع ، ومعنى الاستشفاع والتوسل إلى الله تعالى
بالنبي وآله ( صلى الله عليه وآله ) وأوليائه المقربين ! فافترضت فيها معان لا توجد فيها ! !
والجواب عنها بشئ من التفصيل ، أنها تتضمن شبهتين ينبغي التفكيك بينهما :
فالشبهة الأولى حول الشفاعة ، ومفادها أن آيات الشفاعة وأحاديثها ، يجب أن
تحمل على المجاز ، لأن الشفاعة فيها أمر شكلي لا حقيقي !
ولم يذكر صاحب هذه الشبهة دليلا على لزوم ترك المعنى الحقيقي وحمل
نصوص الشفاعة على المجاز ، بل لم نجد أحدا من الوهابيين ذكر ذلك . . نعم ذكر
محمد رشيد رضا إشكال بعضهم على ذلك وأجاب عنه بما قد يفهم منه أن الشفاعة
أمر شكلي !
- قال في تفسير المنار ج 8 ص 13 :
فإن قيل : أليس الشفعاء يؤثرون في إرادته تعالى ، فيحملونه على العفو عن
المشفوع لهم والمغفرة لهم ؟
قلنا : كلا إن المخلوق لا يقدر على التأثير في صفات الخالق الأزلية الكاملة . . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 13 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فيكون ذلك إظهار كرامة وجاه لهم عنده ، لا إحداث تأثير الحادث في صفات القديم
وسلطان له عليها ، تعالى الله عن ذلك . انتهى .
ومفاد هذه الشبهة أن القول بالشفاعة الحقيقية يستلزم أن تكون إرادة الخالق
متأثرة بإرادة المخلوق ، وهو محال ، فلا بد من القول بأن الشفاعة شكلية ! !
وكذلك القول بتعليق بعض أفعاله تعالى على طلب أنبيائه وأوليائه منه ، مثل
الرزق ، والشفاء ، والمغفرة ، والنجاة من النار وإدخال الجنة . . لا بد أن يكون شكليا ،
لأن الحقيقي منه محال .
والجواب عنها : أن أصحاب هذه الشبهة أخطأوا في تخيلهم أن تعليق الله تعالى
لمغفرته أو عطائه على طلب مخلوق ، معناه تأثير المخلوق في إرادته سبحانه
وتعالى ! فإن تعليق الإرادة على شئ ممكن بالوجدان ، ولا محذور فيه ، لأنه بذاته
فعل إرادي وتأكيد للإرادة لا سلبها ، أو جعلها متأثرة بفعل آخر ، أو شئ آخر . . لقد
تصور هؤلاء أن الشفاعة من الله ، إذا أعطيت لأحد تصير شفاعة من دون الله تعالى ،
فوقعوا في هذه الشبهة !
أما إذا قالوا إن ذلك ممكن ولكن الله تعالى لا يفعله لأنه لا يجوز له ، فلا دليل لهم
عليه من عقل ، ولا قول الله تعالى ولا قول رسوله ( صلى الله عليه وآله ) .
وإن كانوا يمنعونه من عند أنفسهم ، فهو تعد على الله تعالى ، وتحديد
لصلاحيات من لا يسأل عما يفعل ، وهم يسألون !
ثم إن اللغة تأبى عليهم ما قالوه ، فآيات الشفاعة وأحاديثها ظاهرة في الشفاعة
الحقيقية لا الشكلية ، ولا يمكنهم صرفها عن ظاهرها !
والشبهة الثانية حول الاستشفاع بالنبي وآله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهي الشبهة التي يكررها ابن
تيمية والوهابيون ، وهي غير شبهة الشفاعة وإن كانت مرتبطة بها .
ومفادها أن طلب الشفاعة حتى ممن ثبت أن الله تعالى أعطاهم إياها حرام ، لأنه
شرك بالله ، وادعاء لهؤلاء المخلوقين بأنهم يملكون الشفاعة من دون الله تعالى ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 14 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد استدل ابن عبد الوهاب على ذلك بآيات النهي عن اتخاذ شريك مع الله
كقوله تعالى ( فلا تدعوا مع الله أحدا ) .
والجواب عنها : أنه ثبت من القرآن والسنة أن كثيرا من الأفعال الإلهية تتم بواسطة
الملائكة ، وليس في ذلك أي شرك لهم مع الله تعالى ، لا في ملكه ، ولا في أمره ، بل
هم عباد مكرمون مطيعون . ولا مانع من العقل أو النقل أن يجعل الله تعالى أنواعا من
أفعاله وعطائه بواسطة الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) أو يجعلها معلقة على طلبهم منه !
ولا يصح التفريق بين الأمرين والقول بأن ذلك إن كان بواسطة الملائكة فهو إيمان
لأنهم لا يصيرون شركاء ، أما إن كان بواسطة غيرهم فيصيرون شركاء لله تعالى !
أو القول بأن تعليق العطاء الإلهي على طلب الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) شراكة لله تعالى
وشرك به ، لكن شراكة الملائكة لله تعالى والشرك بهم لا بأس به ! ! .
نقول لأصحاب هذه الشبهة : إقرؤوا قول الله تعالى : ولله جنود السماوات
والأرض وكان الله عليما حكيما . الفتح - 4 .
وقوله تعالى : ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما . الفتح - 7 .
وقوله تعالى : وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر . المدثر - 31 .
ثم نقول لهم : نحن وأنتم لا يحق لنا أن نقسم رحمة الله تعالى أو نحصرها ، أو
نحصر طرقها ، أو نضع له لائحة فتاوى لما يجوز له أن يفعله وما لا يجوز ! .
ومعرفتنا ومعرفتكم بما يمكن له تعالى أن يفعله وما لا يمكن ، إنما جاءت مما دلنا
عليه العقل دلالة قطعية ، أو دلنا عليه كتاب الله وسنة رسوله ( صلى الله عليه وآله ) .
والعقل لا يرى مانعا في أن يربط الله تعالى أفعاله بطلب ملائكته أو أوليائه ، فيجعلهم
أدوات رحمته ، ووسائط فيضه ، ووسائل عطائه . . وذلك لا يعني تشريكهم في
ألوهيته ، بل هم عباده المكرمون المطيعون ، ووسائله وأدواته التي يرحم بها عباده .
هذا من ناحية نظرية . . وأما من ناحية الوقوع والثبوت ، فقد دل الدليل على أن
أنظمة الفعل الإلهي وقوانينه واسعة ومعقدة ، ودل على أنه تعالى جعل كثيرا من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 15 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عطائه - إن لم يكن كله - عن طريق خيرة عباده من الملائكة والأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام )
ودل الدليل على جواز الاستشفاع والتوسل بنبينا وآله ( صلى الله عليه وآله ) والطلب من الله تعالى
بحقهم وحرمتهم وواسطتهم ، سواء في ذلك أمور الدنيا والآخرة . .
ودل الدليل على أن موتهم ( عليهم السلام ) ليس كموت غيرهم ، وأن حرمتهم أمواتا
كحرمتهم أحياء صلوات الله عليهم .
وقد قال تعالى في آخر سورة أنزلها من كتابه : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا
إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون . المائدة - 35 ، ولا فرق في أصحاب
الوسيلة إلى الله تعالى بين الملائكة وغيرهم ، بل التوسل بنبينا ( صلى الله عليه وآله ) أفضل وأرجى
من التوسل بالملائكة ، لأنه أفضل مقاما عند الله منهم .
وسيأتي ذلك في بحث التوسل والاستشفاع ، إن شاء الله تعالى . ويأتي أنه يجوز
لنا أن نطلب العطاء الإلهي المعلق على شفاعة الأنبياء والأولياء ، أو غير المعلق ،
منهم أنفسهم ( عليهم السلام ) ولا يعتبر ذلك شركا ، بل هو طلب من الله تعالى .
وأن حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والاستشفاع بهم إلى الله تعالى ، لا يختلف
بين الأموات منهم والأحياء ( عليهم السلام ) . . إلى آخر المسائل التي خالف فيها الوهابيون عامة
المسلمين .
- وقد أجاب السيد جعفر مرتضى في كتابه خلفيات مأساة الزهراء ( عليها السلام ) ص 221 - 225
على الشبهتين المذكورتين ، ومما قاله :
1 - إن الكل يعلم : أن لا أحد يدعو محمدا ( صلى الله عليه وآله ) أو عليا ( عليه السلام ) أو أي نبي أو ولي
كوجودات منفصلة عن الله تعالى ومستقلة عنه بالتأثير ، ولم تحدث في كل هذا
التاريخ الطويل أن تكونت ذهنية شرك عند الشيعة نتيجة لذلك فضلا عن غيرهم .
2 - إننا نوضح معنى الشفاعة في ضمن النقاط التالية :
أ - إن الإنسان المذنب قد لا يجد في نفسه الأهلية أو الشجاعة لمخاطبة ذلك
الذي أحسن إليه وأجرم هو في حقه ، أو هكذا ينبغي أن يكون شعوره في مواقع
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 16 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كهذه ، فيوسط له من يحل مشكلته معه ممن لا يرد هذا المحسن طلبهم ولا يخيب
مسألتهم . .
ب - إن الله إنما يريد المغفرة للعبد المذنب بعد شفاعة الشفيع له . . ولم تكن تلك
الإرادة لتتعلق بالمغفرة لولا تحقق الشفاعة . . فلو أن الشفيع لم يبادر إلى الشفاعة
لكان العذاب قد نال ذلك العبد المذنب .
وهذا كما لو صدر من أحد أولادك ذنب فتبادر إلى عقوبته ، فإذا وقف في وجهك من
يعز عليك وتشفع به فإنك تعفو عنه إكراما له ، وإن لم يفعل ذلك كما لو لم يكن
حاضرا مثلا فإنك ستمضي عقوبتك في ذلك الولد المذنب لا محالة . . فالشفاعة
على هذا سبب في العفو أو جزء سببه له .
إذن فليس صحيحا ما يقوله البعض من أن الله تعالى له قد تعلقت إرادته بالمغفرة
للعبد قبل الشفاعة بحيث تكون المغفرة له حاصلة على كل حال ، ثم يكرم الله نبيه
ويقول له : هذا العبد أريد أن أغفر له فتعال وتشفع إلي فيه . .
ج - إذا كان الشخص المذنب قد أقام علاقة طيبة مع ذلك الشافع وتودد إليه ورأى
منه سلوكا حسنا واستقامة وانقيادا ، فإن الشافع يرى أن من اللائق المبادرة إلى
مساعدته في حل مشكلته أما إذا كان قد أغضبه وأساء إليه أو تعامل معه بصورة لا
توحي بالثقة ولا تشير إلى الاستقامة ، فإنه لا يبادر إلى مساعدته ولا يلتفت إليه . .
فسلوك المشفوع له أثر كبير في مبادرة الشافع إلى الشفاعة .
د - وحين يكون الشفيع لا يريد شيئا لنفسه من ذلك الشخص ولا من غيره ويكون
ما يرضيه هو ما يرضي الله سبحانه فإن تقديم الصدقات والقربات للفقراء والاهتمام
بما يرضى الشافع ، هو في الواقع إثباتات عملية على أن ذلك المذنب راغب في
تصحيح خطئه وتدارك ما فاته ، وهو براهين وإثباتات على أنه قد التزم جادة
الاستقامة وندم على ما فرط منه ، فإذا قدم مالا للفقراء أو أطعم أو ذبح شاة وفرقها
على المحتاجين ، فإن ذلك لا يكون رشوة للنبي أو الولي . . وهو يعلم أن النبي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 17 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والولي لا يأخذ ذلك لنفسه بل يعود نفعه إلى الفقراء والمحتاجين أو يستثمر في
سبيل الله وفي نشر الدين والباذل إنما يبذل ذلك رغبة في الحصول على رضا الشافع
الذي رضاه رضا الله .
ه‍ - أما إذا أدار ذلك المذنب ظهره للنبي والوصي ولم يلمس الشافع منه أنه
يتحرق لتحصيل العفو والرضا عنه ، ويقرع كل باب ويتوسل بكل ما من شأنه أن يحل
هذا الإشكال ، ويبادر إلى العمل بكل ما يعلم أنه يرضي سيده عنه ، فإنه لا يشفع له
ولا كرامة . .
و - ومن الواضح : أن من يكون جرمه هائلا وعظيما فإن إمكانية وفرص الإقدام
على الشفاعة له تتضاءل وتضعف . . فلا يضع النبي والوصي نفسه في مواضع كهذه
ولا يرضى الله سبحانه له ذلك . كما أن من يدير ظهره لأولياء الله ولا يهتم لرضاهم ولا
يزعجه سخطهم فإنه لا يستحق شفاعتهم قطعا ، لأن الاهتمام بهم وبرضاهم جزء من
عبادته تعالى ومن المقربات إليه وموجبات رضاه . . فالتوسل إليهم والفوز بمحبتهم
وبرضاهم سبيل نجاة وطريق هدى وسلامة وسعادة .
ز - إن من الواضح أن المجرم لا يمكن أن يتشفع في مجرم مثله ، وأن المقصر لا
يتشفع بنظيره ، لأن الشفاعة مقام عظيم وكرامة إلهية فلا يقبل الله سبحانه شفاعة كل
أحد ، بل الذين يشفعون هم أناس مخصصون بكرامة الله سبحانه لأنهم يستحقونها . .
ح - قد ظهر مما تقدم : أن إرادة الله لم تكن قد تعلقت بالمغفرة للمذنب قبل
الشفاعة لتكون شفاعة النبي أو الوصي بعدها - بالشكل - ومن دون أن يكون لها
تسبيب حقيقي . . بل هناك تسبيب حقيقي للشفاعة ، فإنها هي سبب المغفرة وهي
سبب إرادة الله بأن يغفر لذلك المذنب ولو لم يقم الشافع بها لم يغفر الله لذلك
المذنب .
ولولا ذلك فإنه لا يبقى معنى للشفاعة . . ولا يكون العفو إكراما للشافع واستجابة
له . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 18 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

تعريف الشفاعة في اللغة

- قال الخليل في كتاب العين ج 1 ص 260 :
الشافع : الطالب لغيره ، وتقول استشفعت بفلان فتشفع لي إليه فشفعه في .
والاسم : الشفاعة . واسم الطالب : الشفيع . قال :
زعمت معاشر أنني مستشفع * لما خرجت أزوره أقلامها
أي : زعموا أني أستشفع ( بأقلامهم ) أي بكتبهم إلى الممدوح ، لا بل إني أستغني
عن كتب المعاشر بنفسي عند الملك . والشفعة في الدار ونحوها معروفة يقضى
لصاحبها . والشافع : المعين ، يقال فلان يشفع لي بالعداوة ، أي يعين علي ويضادني
قال النابغة : أتاك امرؤ مستعلن شنآنه له من عدو مثل ذلك شافع أي : معين .
وقال الأحوص : بأن من لامني لأصرمها كانوا علينا بلومهم شفعوا أي : أعانوا .
- وقال الراغب في المفردات ص 263 :
الشفع : ضم الشئ إلى مثله ويقال للمشفوع شفع . والشفع والوتر : قيل الشفع
المخلوقات من حيث إنها مركبات كما قال : ومن كل شئ خلقنا زوجين . والوتر هو
الله من حيث إن له الوحدة من كل وجه .
وقيل : الشفع يوم النحر من حيث إن له نظيرا يليه ، والوتر يوم عرفة . وقيل الشفع
ولد آدم والوتر آدم لأنه لا عن والد .
والشفاعة : الانضمام إلى آخر ناصرا له وسائلا عنه ، وأكثر ما يستعمل في انضمام
من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من هو أدنى . ومنه الشفاعة في القيامة قال ( لا
يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا . لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له
الرحمن . لا تغني شفاعتهم شيئا . ولا يشفعون إلا لمن ارتضى . فما تنفعهم شفاعة
الشافعين ، أي لا يشفع لهم . ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة . من حميم
ولا شفيع . من يشفع شفاعة حسنة . ومن يشفع شفاعة سيئة ، أي من انضم إلى غيره
وعاونه وصار شفعا له أو شفعيا في فعل الخير والشر فعاونه وقواه وشاركه في
نفعه وضره .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 19 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقيل الشفاعة هاهنا أن يشرع الإنسان للآخر طريق خير أو طريق شر فيقتدي به ،
فصار كأنه شفع له وذلك كما قال ( عليه السلام ) : من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل
بها ، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها ، أي إثمها وإثم من عمل بها
وقوله : ما من شفيع إلا من بعد إذنه ، أي يدبر الأمر وحده لا ثاني له في فصل الأمر إلا
أن يأذن للمدبرات والمقسمات من الملائكة فيفعلون ما يفعلونه بعد إذنه .
واستشفعت بفلان على فلان فتشفع لي ، وشفعه أجاب شفاعته ، ومنه قوله ( عليه السلام ) :
القرآن شافع مشفع .
والشفعة : هو طلب مبيع في شركته بما بيع به ليضمه إلى ملكه ، وهو من الشفع
وقال ( عليه السلام ) : إذا وقعت الحدود فلا شفعة .
- وقال في المفردات ص 436 :
وأما قوله : من يشفع شفاعة حسنة إلى قوله : يكن له كفل منها ، فإن الكفل ههنا
ليس بمعنى الأول بل هو مستعار من الكفل وهو الشئ الردي .
- وقال الزبيدي في تاج العروس ج 5 ص 401 :
وشفعته فيه تشفيعا حين شفع كمنع شفاعة ، أي قبلت شفاعته ، كما في العباب
قال حاتم يخاطب النعمان :
فككت عديا كلها من إسارها * فأفضل وشفعني بقيس بن جحدر
وفي حديث الحدود : إذا بلغ الحد السلطان فلعن الله الشافع والمشفع .
وفي حديث أبي مسعود ( رضي الله عنه ) : القرآن شافع مشفع وماحل مصدق ، أي من اتبعه
وعمل بما فيه فهو شافع له مقبول الشفاعة من العفو عن فرطاته ، ومن ترك العمل به
ندم على إساءته وصدق عليه فيما يرفع من مساويه ، فالمشفع الذي يقبل الشفاعة .
والمشفع الذي تقبل شفاعته ، ومنه حديث الشفاعة : إشفع تشفع ، واستشفعه
إلينا ، وعبارة الصحاح واستشفعه إلى فلان أي سأله أن يشفع له إليه ، وأنشد
الصاغاني للأعشى :
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا * يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 20 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
واستشفعت من سراة الحي ذا شرف * فقد عصاها أبوها والذي شفعا
يريد والذي أعان وطلب الشفاعة فيها . وأنشد أبو ليلى :
زعمت معاشر أنني مستشفع * لما خرجت أزوره أقلامها
قال زعموا أني أستشفع بأقلامهم في الممدوح أي بكتبهم .
ومما يستدرك عليه الشفيع من الأعداد ما كان زوجا ، والشفع ما شفع به سمى
بالمصدر ، وجمعه شفاع ، قال كثير :
وأخو الإباءة إذ رأى خلانه * تلي شفاعا حوله كالإذخر
شبههم بالإذخر لأنه لا يكاد ينبت إلا زوجا زوجا . وشاة شفوع كشافع ويقال هذه شاة
الشافع كقولهم صلاة الأولى ومسجد الجامع .
وهكذا روى في الحديث الذي تقدم عن سعر بن ديسم ( رضي الله عنه ) ، وشاة مشفع كمكرم
ترضع كل بهيمة ، عن ابن الأعرابي . وتشفع إليه في فلان : طلب الشفاعة ، نقله
الجوهري . وتشفعه أيضا مطاوع استشفع به كما في المفردات . وتشفع صار شافعي
المذهب وهذه مولدة .
والشفاعة ذكرها المصنف ولم يفسرها وهي كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها
لغيره . وشفع إليه في معنى طلب إليه . وقال الراغب : الشفع ضم الشئ إلى مثله ،
والشفاعة الانضمام إلى آخر ناصرا له وسائلا عنه وأكثر ما تستعمل في انضمام من
هو أعلى مرتبة إلى من هو أدنى ومنه الشفاعة في القيامة . وقال غيره : الشفاعة
التجاوز عن الذنوب والجرائم . وقال ابن القطاع : الشفاعة المطالبة بوسيلة أو ذمام .

تعريف الشفاعة عند المتكلمين

- قال الشريف المرتضى في رسائله ج 1 ص 150 :
وحقيقة الشفاعة وفائدتها : طلب إسقاط العقاب عن مستحقه ، وإنما تستعمل في
طلب إيصال المنافع مجازا وتوسعا ، ولا خلاف في أن طلب إسقاط الضرر والعقاب
يكون شفاعة على الحقيقة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 21 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وقال في ج 3 ص 17 :
وشفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) إنما هي في إسقاط عقاب العاصي لا في زيادة المنافع ، لأن
حقيقة الشفاعة تختص بذلك ، من جهة أنها لو اشتركت لكنا شافعين في النبي ( صلى الله عليه وآله )
إذا سألنا في زيادة درجاته ومنازله . انتهى .
- وقال في ج 2 ص 273 :
الشفاعة : طلب رفع المضار عن الغير ممن هو أعلى رتبة منه ، لأجل طلبه .
- وقال أبو الصلاح الحلبي في الكافي ص 469 :
وقلنا : إن الشفاعة وجه عندنا لإجماع الأمة على ثبوتها له ( صلى الله عليه وآله ) ومضى إلى زمان
حدوث المعتزلة على الفتوى بتخصيصها بإسقاط العقاب ، فيجب الحكم بكونها
حقيقة في ذلك ، لانعقاد الإجماع في الأزمان السابقة لحدوث هذه الفرقة .
- تفسير التبيان ج 5 ص 334 :
قوله تعالى : إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى
على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ، ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا
تذكرون . . .
وقوله : وما من شفيع إلا من بعد إذنه ، فالشفيع هو السائل في غيره لإسقاط الضرر
عنه . وعند قوم أنه متى سأله في زيادة منفعة توصل إليه كان شفيعا . والذي اقتضى
ذكره هاهنا صفات التعظيم مع اليأس من الاتكال في دفع الحق على الشفيع .
والمعنى هاهنا أن تدبيره للأشياء وصنعته لها ، ليس يكون منه بشفاعة شفيع ، ولا
تدبير مدبر لها سواه ، وأنه لا يجسر أحد أن يشفع إليه إلا بعد أن يأذن له فيه ، من
حيث كان تعالى أعلم بموضع الحكمة والصواب من خلقه بمصالحهم . . .
وإنما ذكر الشفيع في الآية ولم يجر له ذكر ، لأن المخاطبين بذلك كانوا يقولون
الأصنام شفعاؤهم عند الله ، وذكر بعدها : ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 22 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، وإذا كانت الأصنام لا تعقل فكيف تكون
شافعة ! مع أنه لا يشفع عنده إلا من ارتضاه الله .
- كنز الدقائق ج 1 ص 238 :
واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها
عدل ولا هم ينصرون . واستدلت المعتزلة بهذه الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر .
قال البيضاوي : وأجيب بأنها مخصوصة بالكفار للآيات والأحاديث الواردة في
الشفاعة ، قال : ويؤيده أن الخطاب معهم ، والآية نزلت ردا لما كانت اليهود تزعم أن
آباءهم تشفع لهم .
أقول : الآية يحتمل أن تكون مخصصة للآيات والأحاديث الواردة في الشفاعة
الدالة على عمومها ، كما أن كون الخطاب معهم يحتمل أن يكون مؤيدا للتخصيص
بالكفار ، فلا يتم الاستدلال من الجانبين ، فتأمل .
- مجمع البحرين ج 2 ص 522 :
قال تعالى : ومن يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ، قيل معناه من يصلح
بين اثنين يكن له جزء منها . ومن يشفع شفاعة سيئة ، أي يمشي بالنميمة مثلا ، يكن
له كفل منها أي إثم منها .
وقيل المراد بالشفاعة الحسنة الدعاء للمؤمنين ، وبالشفاعة السيئة الدعاء عليهم .
قوله : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ، دينه ، وهو مروي عن الرضا ( عليه السلام ) وعن بعض
المفسرين ولا يشفعون إلا لمن ارتضى دينه من أهل الكبائر والصغائر ، فأما التائبون
من الذنوب فغير محتاجين إلى الشفاعة . قال الصدوق : المؤمن من تسره حسنته
وتسوءه سيئته لقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ، ومتى
ساءته سيئته ندم عليها والندم توبة ، والتائب مستحق الشفاعة والغفران . ومن لم
تسوؤه سيئته فليس بمؤمن ومن لم يكن مؤمنا لم يستحق الشفاعة ، لأن الله تعالى
غير مرتض دينه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 23 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قوله : فما تنفعهم شفاعة الشافعين قيل في معناه لا شافع ولا شفاعة ، فالنفي
راجع إلى الموصوف والصفة ، كقوله لا يسألون الناس إلحافا .
وفي الحديث تكرر ذكر الشفاعة فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة ، وهي السؤال
في التجاوز عن الذنوب والجرائم ، ومنه قوله ( صلى الله عليه وآله ) : أعطيت الشفاعة .
قال الشيخ أبو علي : واختلفت الأمة في كيفية شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة فقالت
المعتزلة ومن تابعهم : يشفع لأهل الجنة ليزيد في درجاتهم . وقال غيرهم من فرق
الأمة : بل يشفع لمذنبي أمته ممن ارتضى الله دينهم ، ليسقط عقابهم بشفاعته .
وفي حديث الصلاة على الميت : وإن كان المستضعف بسبيل منك فاستغفر له
على وجه الولاية . وفي الخبر : إشفع تشفع ، أي تقبل شفاعتك ، وفيه : أنت أول
شافع وأول مشفع ، هو بفتح الفاء ، أي أنت أول من يشفع وأول من تقبل شفاعته .
وفي الحديث : لا تشفع في حق امرئ مسلم إلا بإذنه . وفيه : يشفعون الملائكة
لإجابة دعاء من يسعى في المسعى كأنهم يقولون : اللهم استجب دعاء هذا العبد .
- تفسير الرازي ج 2 جزء 3 ص 55 :
أجمعت الأمة على أن لمحمد ( ص ) شفاعة في الآخرة ، وحمل على ذلك قوله
تعالى : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ، وقوله تعالى : ولسوف يعطيك
ربك فترضى . . . ثم اختلفوا بعد هذا في أن شفاعته ( عليه السلام ) لمن تكون ؟ أتكون للمؤمنين
المستحقين للثواب ، أم تكون لأهل الكبائر المستحقين للعقاب ؟ فذهب المعتزلة
إلى أنها للمستحقين للثواب . . . وقال أصحابنا تأثيرها في إسقاط العذاب عن
المستحقين للعقاب .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 24 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 25 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الثاني : تحريف اليهود والنصارى للشفاعة

أولا : مقولاتهم في الشفاعة من مصادرهم

عراقة عقيدة الشفاعة

- قاموس الكتاب المقدس ص 513 :
شفع - شفيع - شفاعة : وهي التوسط بين شخص وآخر . وهي دليل محبة الإنسان
لأخيه الإنسان . كما أنها مؤسسة على أن معاملة الله للبشر معاملة ليست فردية
فحسب بل جماعية أيضا .
والصلاة الشفاعية قديمة قدم نوح ( تك 8 : 20 و 22 ) وإبراهيم ( تك 17 : 18 و 23
- 33 ) وموسى ( خر 15 : 25 ) .
وخليفة موسى الذي رفع صلواته كقاضي وكاهن ونبي هو صموئيل ( 1 صم 7 : 5
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 26 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
و 8 ) وحياة المسيح كانت مليئة بالصلوات الشفاعية . بل إن الصلاة الربانية تحمل
روح الشفاعة في طلب الملكوت ومغفرة ذنوب الآخرين .
والصلاة الشفاعية يرفعها الإنسان لأجل صديق أو لأجل عدو ( مت 5 : 44 ) أما
الروح القدس فهو يشفع فينا ( رو 8 : 26 ) أما المسيح في حياته الشخصية وموته
على الصليب فهو شفيعنا الذي ساقته شفاعته للموت على الصليب كفارة لخطايا
البشرية . أنظر ( وسيط ) .
- قاموس الكتاب المقدس ص 933 :
وكان موسى وسيطا بين الله وشعب بني إسرائيل وهكذا المسيح هو وسيط بين
الله والناس .
- العهد القديم والجديد ج 3 ص 307 :
18 - لأنه إن كانت الوراثة من الناموس فلم تكن أيضا من موعد . ولكن الله وهبها
لإبراهيم بموعد .
19 - فلماذا الناموس . قد زيد بسبب التعديات إلى أن يأتي النسل الذي قد وعد
له مرتبا بملائكة في يد وسيط .
20 - وأما الوسيط فلا يكون لواحد ولكن الله واحد .

شفاعة إبراهيم للمؤمنين ولإسماعيل ولوط

- قاموس الكتاب المقدس ص 11 :
ثم أعلن الرب لإبراهيم خراب سدوم وعمورة بسبب شرهما فتشفع إبراهيم
لأجل الأبرار هناك فأنقذ الرب لوطا بيد ملاكين ( تك ص 18 و 19 ) . . . وحيثما سكن
إبراهيم كان يقيم مذبحا للرب ويدعو باسمه ( تك 12 : 7 و 8 ) وقد قدم صلوات
تشفعية لأجل الآخرين ففي تك 17 : 20 صلى لأجل إسماعيل وفي تك 18 : 23 - 32
تشفع لأجل لوط .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 27 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

شفاعة زكريا لبني إسرائيل

- قاموس الكتاب المقدس ص 441 :
كما ظهر لزكريا بروح النبوة واقفا على هذا الجبل شافعا في شعبه ( زك 14 : 4 ) .

البشارة بالشفيع الذي سيأتي ( البراقليطس )

- قاموس الكتاب المقدس ص 627 :
معز : ( يو 14 : 16 و 15 : 26 و 16 : 7 ) وهو الروح القدس . ولم ترد إلا في إنجيل
يوحنا . والكلمة الأصلية اليونانية ( پرا كليتيس ) وتعني ( معز ومعين وشفيع ومحام )
وتشير إلى عمل الروح القدس لأجلنا .

توسيع بولس للشفاعة وحصرها بالمسيح

- قاموس الكتاب المقدس ص 124 :
ومع أن بني الإنسان قد فقدوا الصورة الإلهية التي خلقوا عليها ، ومع أنهم وقعوا
تحت طائلة العقاب الإلهي الرهيب ، إلا أنهم بسبب عمل الفداء أهل لأن ينالوا
غفران خطاياهم غفرانا تاما كاملا إذا آمنوا بالرب يسوع المسيح ( الشفيع الوحيد بين
الله والناس ) وندموا على خطاياهم ندامة صحيحة حقيقية ، وأصبحوا أهلا للتحرر
من عبودية الخطيئة ورقها والانتقال إلى حرية أبناء الله بالنعمة المجانية .
- قاموس الكتاب المقدس ص 795 :
وقد وصف يسوع بأنه رئيس كهنة المؤمنين العظيم الذي نضح قدس الأقداس
السماوي بدمه ، والذي جلس عن يمين الآب هناك حيث هو الآن يشفع فيهم ( عب
4 : 14 و 7 : 25 و 9 : 12 ) الخ .
- قاموس الكتاب المقدس ص 869 :
وأعلن لهم أن يهوذا الذي كان واحدا منهم سيسلمه ( مر 14 : 18 - 21 ويو 13 21 -
30 ) ورسم لهم فريضة العشاء الرباني ( مت 26 : 26 - 29 وما يليه ) ثم قدم صلاته
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 28 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الشفاعية العظمى من أجل أتباعه ( يو 17 : 1 - 26 . من ثم قدم نفسه نهائيا للأب
وسلم إرادته تسليما كليا له في بستان جثسيماني ( مت 26 : 39 - 46 غيره ) .
- قاموس الكتاب المقدس ص 889 :
وسيط 1 تي 2 : 5 وسيط العهد الجديد عب 12 : 24 .
- قاموس الكتاب المقدس ص 904 :
وكذلك يذكر فيلو ( ملكي صادق ) كرمز ومجاز للعقل الصائب الخير ، بينما يذكره
كاتب الرسالة إلى العبرانيين رمزا للمسيح الفادي والوسيط الأعظم .
- العهد القديم والجديد ج 2 ص 57 :
لأن معاصينا كثرت أمامك وخطايانا تشهد علينا لأن معاصينا معنا وآثامنا نعرفها .
13 - تعدينا وكذبنا على الرب وحدنا من وراء إلهنا . تكلمنا بالظلم والمعصية ،
حبلنا ولهجنا من القلب بكلام الكذب .
14 - وقد ارتد الحق إلى الوراء والعدل يقف بعيدا . لأن الصدق سقط في الشارع
والاستقامة لا تستطيع الدخول .
15 - وصار الصدق معدوما والحائد عن الشر يسلب ، فرأى الرب وساء .
16 - فرأى أنه ليس إنسان وتحير من أنه ليس شفيع . . .
34 - من هو الذي يدين . المسيح هو الذي مات بل بالحري قام أيضا الذي هو
أيضا عن يمين الله الذي أيضا يشفع فينا .
- العهد القديم والجديد ج 3 ص 339 :
5 - لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس : الإنسان يسوع المسيح .
6 - الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع ، الشهادة في أوقاتها الخاصة .
7 - التي جعلت أنا لها كارزا ورسولا . الحق أقول في المسيح ولا أكذب . معلما
للأمم في الإيمان والحق .
8 - فأريد أن يصلي الرجال في كل مكان رافعين أيادي طاهرة بدون غضب ولا جدال
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 29 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- العهد القديم والجديد ج 3 ص 256 :
26 - وكذلك الروح أيضا يعين ضعفاءنا ، لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي
ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها .
27 - ولكن الذي يفحص القلوب يعلم ما هو اهتمام الروح ، لأنه بحسب مشيئة
الله يشفع في القديسين .
- العهد القديم والجديد ج 3 ص 358 :
25 - فمن ثم يقدر أن يخلص أيضا إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله ، إذ هو
حي في كل حين ليشفع فيهم .
26 - لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس ، قد انفصل عن
الخطاة وصار أعلى من السماوات .
27 - الذي ليس له اضطرار كل يوم مثل رؤساء الكهنة أن يقدم ذبائح أولا عن
خطايا نفسه ثم عن خطايا الشعب ، لأنه فعل هذا مرة واحدة إذ قدم نفسه .
- العهد القديم والجديد ج 3 ص 361 :
11 - وأما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة ، فبالمسكن الأعظم
والأكمل غير المصنوع بيد أي الذين ليس من هذه الخليقة .
12 - وليس بدم تيوس وعجول ، بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس ،
فوجد فداء أبديا .
- العهد القديم والجديد ج 3 ص 362 :
ولأجل هذا هو وسيط عهد جديد ، لكي يكون المدعوون إذ صار موت لفداء
التعديات التي في العهد الأول ، ينالون وعد الميراث الأبدي .
- العهد القديم والجديد ج 3 ص 367 :
22 - بل قد أتيتم إلى جبل صهيون ، وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية ،
وإلى ربوات هم محفل ملائكة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 30 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
23 - وكنيسة أبكار مكتوبين في السماوات ، وإلى الله ديان الجميع ، وإلى أرواح
أبرار مكملين .
24 - وإلى وسيط العهد الجديد يسوع ، وإلى دم رش يتكلم أفضل من هابيل .
25 - انظروا أن لا تستعفوا من المتكلم . لأنه إن كان أولئك لم ينجوا إذ استعفوا من
المتكلم على الأرض ، فبالأولى جدا لا ننجو نحن المرتدين عن الذي من السماء .
- العهد القديم والجديد ج 3 ص 386 :
1 - يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا ، وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند
الآب يسوع المسيح البار .
2 - وهو كفارة لخطايانا . ليس لخطايانا فقط ، بل لخطايا كل العالم أيضا .
3 - وبهذا نعرف أننا قد عرفناه إن حفظنا وصاياه .
* *
نفهم من هذه النصوص ملامح حقائق عديدة أهمها :
أولا : أن أصل شفاعة الأنبياء والأوصياء وخيار المؤمنين للخاطئين ، هي عندهم
كما عندنا ، أمر ثابت في الرسالات الإلهية من عهد إبراهيم ، بل من عهد نوح ( عليهما السلام ) .
ثانيا : أنها أخذت في اليهود شكل شفاعة رؤساء الكهنة ومسؤولي القرابين في
المعابد ، ثم وصلت إلى ادعاء اليهود أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وأنهم شعب الله
المختار ، وأنهم لا تمسهم النار إلا أياما معدودة . . فلا يحتاجون إلى شفاعة !
ثالثا : أن ( عقيدة الفداء المسيحية ) التي تدعي أن المسيح ( عليه السلام ) قد شفع في
خطايا كل البشر بتحمله الصلب والقتل . . هي توسيع لعقيدة الشفاعة اليهودية ، وقد
اخترعها بولس الذي نصر النصارى ، وعممها لغير القومية اليهودية .
- قال الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة بين الأديان ج 2 ص 245 تحت عنوان : الله في
التفكير المسيحي :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 31 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومن أجل هذا كان نقل المسيحية من الوحدانية إلى التثليث ونقل عيسى من
رسول إلى إله ، والقول بأن المسيحية رسالة عامة ، والقول بأن عيسى ابن الله نزل
ليضحي بنفسه للتكفير عن خطيئة البشر ، وأنه عاد مرة أخرى إلى السماء ليجلس
على يمين أبيه ، كان هذا كله عملا جديدا على المسيحية التي جاء بها عيسى .
كيف انتقلت المسيحية من حال إلى حال ومن الذي قام بذلك ومتى ؟
هذا ما سنحاول إبرازه فيما يلي :
ترتبط هذه الأمور بشخصية مهمة في المسيحية هي شخصية شاؤول ( بولس )
ولذلك يرى الباحثون الغربيون أن المسيحية الحالية بهذه العناصر الجديدة من صنع
هذا الرجل . . . !
وبولس كما يقول عن نفسه ( يهودي فريسي ابن فريسي على رجاء قيامة الأموات
- أعمال الرسل 23 : 6 ) وكان عدوا للمسيحيين وهو في ذلك يقول ( سمعتم بسيرتي
قبلا في الديانة اليهودية ، إني كنت أضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها ، وكنت أتقدم
في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي في جنسي ، إذ كنت أوفر غيرة في
تقليدات آبائي ( غلاطية 1 : 13 - 14 ) .
ويبدو أنه كان من وسائل بولس لتدمير المسيحية أن يحطم معتقداتها واتجاهاتها
المقدسة ، ووضع لذلك طريقة تكفل له الوقوف في وجه معارضيه عندما يظهر
بأفكاره الجديدة ، فادعى شاؤول أن السيد المسيح - بعد نهايته على الأرض - ظهر له
وصاح فيه وهو في طريقه إلى دمشق : لماذا تضطهدني ، فخاف شاؤول وصرخ : من
أنت يا سيد ؟ قال : أنا يسوع الذي تضطهده ! قال شاؤول : ماذا تريد أن أفعل ؟ قال
يسوع : قم وكرز بالمسيحية ! !
ويقول لوقا في ختام هذه القصة جملة ذات بال غيرت وجه التاريخ هي :
وللوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيح أنه ابن الله ( أعمال 9 : 3 - 30 ) انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 32 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رابعا : أن الاتجاه العام عند محرفي الأديان بعد أنبيائهم هو تسهيل أمر المغفرة
الإلهية ودخول الجنة لأتباعهم ، والإفراط في ذلك إلى حد إلغاء قانون العقوبة
الإلهية ، وفي المقابل التشدد مع خصومهم ومخالفيهم من التابعين لنفس الدين ،
والحكم عليهم بأنهم من أهل النار !
خامسا : بما أنه ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأحاديث صحيحة عند الجميع ، أن الأمة
الإسلامية سوف تتبع سنن اليهود والنصارى في انحرافها عن الإسلام وتحريفها له ،
وفي صراعاتها الداخلية . . فإن على الباحث أن يكون حذرا متثبتا في أحاديث
الصحابة في الشفاعة ، لكي يميز بين الثابت منها بنصوص متفق عليها عند جميع
المسلمين ، وبين الذي يتبناه صحابي نافذ ، أو فئة حاكمة ، وفي نفس الوقت يوجد
في الصحابة من ينفيه أو يكذبه !

ثانيا : مقولاتهم في الشفاعة من مصادرنا

قال الله تعالى : وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ، قل فلم يعذبكم
بذنوبكم ، بل أنتم بشر ممن خلق ، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك
السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير . يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين
لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير ، فقد جاءكم بشير
ونذير والله على كل شئ قدير . المائدة 18 - 19 .
- تفسير التبيان ج 3 ص 477 :
وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه . . . روي عن ابن عباس أن جماعة
من اليهود قالوا للنبي ( صلى الله عليه وآله ) حين حذرهم بنقمات الله وعقوباته فقالوا : لا تخوفنا فإنا
أبناء الله وأحباؤه .
وقال السدي : إن اليهود تزعم أن الله عز وجل أوحى إلى بني إسرائيل أن ولدك
بكر من الولد . وقال الحسن : إنما قالوا ذلك على معنى قرب الولد من الوالد .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 33 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأما قول النصارى فقيل فيه : إنهم تأولوا ما في الإنجيل من قول عيسى أذهب إلى
أبي وأبيكم . وقال قوم : لما قالوا المسيح ابن الله أجرى ذلك على جميعهم كما
يقولون : هذيل شعراء ، أي منهم شعراء . . .
وقوله : وأحباؤه ، جمع حبيب فقال الله لنبيه محمد ( صلى الله عليه وآله ) : قل لهؤلاء المفترين
على ربهم : فلم يعذبكم بذنوبكم ؟ فلأي شئ يعذبكم بذنوبكم إن كان الأمر على ما
زعمتم ، فإن الأب يشفق على ولده والحبيب على حبيبه .
واليهود تقر أنهم يعذبون أربعين يوما ، وهي عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل !
وقوله : بل أنتم بشر ، معناه قل لهم ليس الأمر على ما زعمتم أنكم أبناء الله
وأحباؤه ، بل أنتم بشر ممن خلق من بني آدم ، إن أحسنتم جوزيتم على إحسانكم
مثلهم ، وإن أسأتم جوزيتم على إساءتكم ، كما يجازى غيركم ، وليس لكم عند الله
إلا ما لغيركم من خلقه .
- تفسير التبيان ج 1 ص 486 :
أتحاجوننا في الله . . . وكانت محاجتهم له ( صلى الله عليه وآله ) أنهم زعموا أنهم أولى بالحق لأنهم
راسخون في العلم وفي الدين ، لتقدم النبوة فيهم والكتاب ، فهم أولى بأن يكون
الرسول منهم .
وقال قوم : بل قالوا نحن أحق بالإيمان ، لأنا لسنا من العرب الذين عبدوا الأوثان .
وقال الحسن : كانت محاجتهم أن قالوا نحن أولى بالله منكم ، وقالوا نحن أبناء الله
وأحباؤه ، وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ، وقالوا كونوا هودا أو
نصارى تهتدوا . وغرضهم بذلك الاحتجاج بأن الدين ينبغي أن يلتمس من جهتهم ،
وأن النبوة أولى أن تكون فيهم . وليس الأمر على ما ظنوا ، لأن الله أعلم حيث يجعل
رسالته ، ومن الذي يقوم بأعبائها ويتحملها على وجه يكون أصلح للخلق وأولى
بتدبيرهم . وقوله : لنا أعمالنا ، معناه الإنكار لاحتجاجهم بأعمالهم ، لأنهم مشركون
ونحن له مخلصون . وقيل معناه الإنكار للاحتجاج بعبادة العرب للأوثان ، فقيل : لا
حجة في ذلك ، إذ لكل أحد عمله لا يؤخذ بجرم غيره .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 34 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- سيرة ابن هشام ج 2 ص 403 :
وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضاء ، وبحري بن عمرو ، وشاس
بن عدي ، فكلموه وكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله وحذرهم
نقمته ، فقالوا : ما تخوفنا يا محمد ؟ ! نحن والله أبناء الله وأحباؤه ، كقول النصارى
فأنزل الله تعالى فيهم : وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ، قل فلم
يعذبكم بذنوبكم . . . الخ . ورواه في الدر المنثور ج 2 ص 269 عن ابن إسحاق وابن جرير
وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس .
- الدر المنثور ج 2 ص 14 :
عن قتادة : وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ، حين قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد : وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ،
قال : غرهم قولهم لن تمسنا النار إلا أياما معدودة .
- الدر المنثور ج 2 ص 170 :
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : ألم تر إلى
الذين يزكون أنفسهم ، قال : هم اليهود والنصارى ، قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ،
وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ، قال : نزلت
في اليهود قالوا : إنا نعلم أبناءنا التوراة صغارا فلا يكون لهم ذنوب ، وذنوبنا مثل
ذنوب أبنائنا ، ما عملنا بالنهار كفر عنا بالليل .
- الدر المنثور ج 3 ص 37 :
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : وخرقوا له بنين وبنات ،
قال كذبوا له ، أما اليهود والنصارى فقالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ، وأما مشركوا العرب
فكانوا يعبدون اللات والعزى ، فيقولون : العزى بنات الله ، سبحانه وتعالى عما
يصفون ، أي عما يكذبون . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 35 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله :
وخرقوا له بنين وبنات ، قال : وصفوا لله بنين وبنات افتراء عليه ، قال : وهل تعرف
العرب ذلك ؟ قال نعم ، أما سمعت حسان بن ثابت يقول :
اخترق القول بها لاهيا * مستقبلا أشعث عذب الكلام
- الدر المنثور ج 1 ص 89 :
أخرج ابن جرير عن أبي العالية قال : قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو
نصارى ، وقالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ، فأنزل الله : قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند
الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ، فلم يفعلوا .
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس في هذه الآية قال : قل لهم يا محمد إن
كانت لكم الدار الآخرة ، يعني الجنة كما زعمتم خالصة من دون الناس ، يعني
المؤمنين فتمنوا الموت إن كنتم صادقين أنها لكم خالصة من دون المؤمنين . فقال
لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنتم في مقالتكم صادقين قولوا : اللهم أمتنا ،
فوالذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلا غص بريقه فمات مكانه ، فأبوا أن يفعلوا
وكرهوا ما قال لهم ، فنزل : ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم ، يعني عملته أيديهم
والله عليم بالظالمين .
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : فتمنوا
الموت ، أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب ، فأبوا ذلك ، ولو تمنوه يوم قال
ذلك ما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات .
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : ولتجدنهم
أحرص الناس على حياة ، يعني اليهود ، ومن الذين أشركوا ، وذلك أن المشرك لا
يرجو بعثا بعد الموت فهو يحب طول الحياة ، وأن اليهودي قد عرف ما له في الآخرة
من الخزي بما ضيع ما عنده من العلم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 36 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال الله تعالى : وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ، قل أتخذتم عند الله عهدا
فلن يخلف الله عهده ، أم تقولون على الله ما لا تعلمون . بلى من كسب سيئة
وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . والذين آمنوا وعملوا
الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون . البقرة 80 - 82 .
- تفسير التبيان ج 1 ص 323 :
قالوا لن تمسنا النار ولن ندخلها إلا أياما معدودة ، وإنما لم يبين عددها في التنزيل
لأنه تعالى أخبر عنهم بذلك وهم عارفون بعدد الأيام التي يوقتونها في النار ، فلذلك
نزل تسمية عدد الأيام وسماها معدودة لما وصفنا . وقال أبو العالية وعكرمة
والسدي وقتادة : هي أربعون يوما . ورواه الضحاك عن ابن عباس . ومنهم قال : إنها
عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل .
وقال ابن عباس : إن اليهود تزعم أنهم وجدوا في التوراة مكتوبا إن ما بين طرفي
جهنم مسيرة أربعين سنة ، وهم يقطعون مسيرة كل سنة في يوم واحد ، فإذا انقطع
المسير انقطع العذاب ، وهلكت النار .
وقال مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس : إنها سبعة أيام ، لأن عمر الدنيا
سبعة آلاف سنة ، وإنهم يعذبون بعدد كل ألف سنة يوما واحدا من أيام الآخرة ، وهو
كألف سنة من أيام الدنيا .
ولما قالت اليهود ما قالت من قولها : لن تمسنا النار إلا أياما معدودة على ما بيناه ،
قال الله تعالى لنبيه : قل أتخذتم عند الله عهدا بما تقولون من ذلك أو ميثاقا ، فالله لا
ينقض عهده ، أم تقولون على الله ما لا تعلمون من الباطل جهلا وجرأة عليه . . .
قوله تعالى : بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم
فيها خالدون . . . قوله بلى جواب لقوله لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ، فرد الله
عليهم بأن قال : بلى من أحاطت به خطيئته . . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 37 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- كنز الدقائق ج 2 ص 47 :
بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة : بسبب تسهيلهم أمر العذاب . وغرهم
في دينهم ما كانوا يفترون ، من قولهم السابق ، أو أن آبائهم الأنبياء يشفعون لهم ، أو
أنه تعالى وعد يعقوب أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم ، وتكرير الكذب والافتراء
يصيره في صورة الصدق عند قائله ومفتريه .
- تفسير نور الثقلين ج 1 ص 93 :
في تفسير علي بن إبراهيم قوله : وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ، قال : قال
بنو إسرائيل : لن تمسنا النار ولن نعذب إلا الأيام المعدودات التي عبدنا فيها العجل ،
فرد الله عليهم : قل - يا محمد لهم - أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ، أم
تقولون على الله ما لا تعلمون .
- سيرة ابن هشام ج 2 ص 380 :
وقالوا : لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله
عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون .
قال ابن إسحاق : وحدثني مولى لزيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تقول : إنما
مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما يعذب الله الناس في النار بكل ألف سنة من أيام
الدنيا يوما واحدا في النار من أيام الآخرة ، وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب ،
فأنزل الله في ذلك من قولهم : وقالوا لن تمسنا النار إلا أيام معدودة ، قل أتخذتم عند
الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون . بلى من كسب سيئة
وأحاطت به خطيئته ، أي من عمل بمثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به حتى يحيط
كفره بما له عند الله من حسنة ، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ، أي خلدا
أبدا . والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون . أي
من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها ، يخبرهم أن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 38 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبدا ولا انقطاع له .
قال ابن إسحاق : ثم قال الله عز وجل يؤنبهم : وإذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل ، أي
ميثاقكم ، لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين
وقولوا للناس حسنا ، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، ثم توليتم إلا قليلا منكم ، وأنتم
معرضون . أي تركتم ذلك كله . . .
- الدر المنثور ج 1 ص 84 :
قوله تعالى : وقالوا لن تمسنا النار الآية . أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر
وابن أبي حاتم والطبراني والواحدي عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون مدة الدنيا
سبعة آلاف سنة . . . الخ .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال :
اجتمعت يهود يوما فخاصموا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : لن تمسنا النار إلا
أياما معدودات ، وسموا أربعين يوما ثم يخلفنا فيها ناس وأشاروا إلى النبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد يده على رؤسهم :
كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها لا نخلفكم فيها إن شاء الله تعالى أبدا ، ففيهم
أنزلت هذه الآية : وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ، يعنون أربعين ليلة .
وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لليهود :
أنشدكم بالله وبالتوراة التي أنزل الله على موسى يوم طور سيناء : من أهل النار الذين
أنزلهم الله في التوراة قالوا : إن ربهم غضب عليهم غضبة فنمكث في النار أربعين ليلة
ثم نخرج فتخلفوننا فيها ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبتم والله لا
نخلفكم فيها أبدا ، فنزل القرآن تصديقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبا لهم :
وقالوا لن تمسنا النار إلى قوله هم فيها خالدون .
- مجمع الزوائد ج 6 ص 314 :
قوله تعالى : وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة عن ابن عباس أن يهودا كانوا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 39 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يقولون هذه الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب لكل سنة يوما في النار وإنما سبعة
أيام معدودات ، فأنزل الله عز وجل : وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ، إلى قوله :
فيها خالدون .
* *
وقال الله تعالى : وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ، تلك أمانيهم ،
قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين . بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره
عند ربه ولا خوف عليهم وهم لا يحزنون . البقرة 111 - 112 .
- يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين .
واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل
ولا هم ينصرون . البقرة 47 - 48 .
- قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم .
آل عمران - 31 .
- إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، ومن يشرك بالله فقد افترى
إثما عظيما . ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا .
أنظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا . ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا
من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ، ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من
الذين آمنوا سبيلا . النساء 48 - 51 .
- تفسير التبيان ج 3 ص 221 :
وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ، تلك أمانيهم . قال الزجاج :
اليهود جاؤوا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأولادهم الأطفال فقالوا : يا محمد أعلى هؤلاء ذنوب ؟
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : لا ، فقالوا : كذلك نحن ما نعمل بالليل يغفر بالنهار ، وما نعمل بالنهار يغفر
بالليل ، فقال الله تعالى : بل الله يزكي من يشاء .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 40 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال : مجاهد وأبو مالك : كانوا يقدمونهم في الصلاة ويقولون : هؤلاء لا ذنب
لهم . وقال ابن عباس : كانوا يقولون : أطفالنا يشفعون لنا عند الله .
- كنز الدقائق ج 2 ص 58 :
قال الله تعالى : إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله
غفور رحيم . . .
قال البيضاوي : روي أنها نزلت لما قالت اليهود : نحن أبناء الله وأحباؤه ، وقيل :
نزلت في وفد نجران لما قالوا : إنا نعبد المسيح حبا لله . . انتهى .
- حقائق التأويل ص 126 :
وقال بعضهم إنهم قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه ، فالخلائق غيرنا عبيد لنا
ومنخفضون عن علونا ، فليس علينا جناح في أكل أموال عبيدنا ومن هم في الرتبة
دوننا . قال صاحب هذا القول : واليهود يتدينون باستحلال أموال كل من خالفهم
باستعمال الغش في معاملاتهم ، ويدعون أن ذلك فرض عليهم في دينهم ، وليس
تأولهم لذلك على حد ما يتأوله المسلمون في أهل الحرب .
وذهب أبو علي إلى أن قولهم : ليس علينا في الأميين سبيل ، إنما يعنون به ليس
علينا لهم سلطان ولا قدرة ، فلا يجب علينا اتباعهم ولا النزول تحت حكمهم ،
يريدون بذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه ، فلذلك استحلوا أموالهم . انتهى .
- تفسير التبيان ج 1 ص 213 :
وقوله : ولا يقبل منها شفاعة ، مخصوص عندنا بالكفار ، لأن حقيقة الشفاعة
عندنا أن يكون في إسقاط المضار دون زيادة المنافع . والمؤمنون عندنا يشفع لهم
النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيشفعه الله تعالى ويسقط بها العقاب عن المستحقين من أهل الصلاة ، لما
روي من قوله ( صلى الله عليه وآله ) : ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي . . .
والشفاعة ثبتت عندنا للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وكثير من أصحابه ، ولجميع الأئمة المعصومين ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 41 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وكثير من المؤمنين الصالحين .
وقيل إن نفي الشفاعة في هذه الآية يختص باليهود من بني إسرائيل ، لأنهم ادعوا
أنهم أبناء الله وأحباؤه وأولاد أنبيائه ، وأن آباءهم يشفعون إليه ، فآيسهم الله من ذلك
فأخرج الكلام مخرج العموم والمراد به الخصوص .
- تفسير التبيان ج 3 ص 221 :
قوله تعالى : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ، ولا يظلمون
فتيلا . . . قال الحسن والضحاك وقتادة وابن زيد وهو المروي عن أبي جعفر ( عليه السلام ) : إنهم
اليهود والنصارى في قولهم : نحن أبناء الله وأحباؤه ، وقالوا لن يدخل الجنة إلا من
كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم .
قال الزجاج : اليهود جاؤوا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأولادهم الأطفال فقالوا : يا محمد أعلى
هؤلاء ذنوب ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) : لا ، فقالوا : كذلك نحن ما نعمل بالليل يغفر بالنهار وما
نعمل بالنهار يغفر بالليل ، فقال الله تعالى : بل الله يزكي من يشاء . وقال : مجاهد وأبو
مالك : كانوا يقدمونهم في الصلاة ويقولون : هؤلاء لا ذنب لهم . وقال ابن عباس :
كانوا يقولون : أطفالنا يشفعون لنا عند الله .
- تفسير التبيان ج 3 ص 222 :
وافتراؤهم الكذب على الله هاهنا المراد به تزكيتهم لأنفسهم بأنا أبناء الله وأحباؤه ،
وأنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ، ذكره ابن جريج . وقوله : وكفى به
إثما مبينا ، معناه تعظيم إثمه ، وإنما يقال كفى به في العظم على جهة المدح أو الذم
كقولك كفى بحال المؤمن نبلا ، وكفى بحال الكافر إثما .
- تفسير التبيان ج 3 ص 76 :
وقوله : ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا . . . قال البلخي : إنهم قالوا : نحن أبناء
الله وأحباؤه وأهل الصوم والصلاة . وليسوا بأولياء الله ولا أحباؤه ولا أهل الصلاة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 42 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والصيام ، ولكنهم أهل شرك ونفاق . وهو المروي عن أبي جعفر ( عليه السلام ) . . .
- تفسير نور الثقلين ج 1 ص 489 :
في نهج البلاغة من كلام له ( عليه السلام ) يصف فيه المتقين : لا يرضون من أعمالهم القليل ولا
يستكثرون الكثير ، فهم لأنفسهم متهمون ، ومن أعمالهم مشفقون ، إذا زكي أحد
منهم خاف مما يقال له ، فيقول أنا أعلم بنفسي من غيري وربي أعلم بي من نفسي ،
اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني أفضل مما يظنون ، واغفر لي ما لا يعلمون .
انتهى .
* *
هذا ، والآيات والأحاديث في تحريفات اليهود للشفاعة ومقولاتهم فيها كثيرة ،
وسوف نرى أن بعض الصحابة قد أخذوا أفكار اليهود وتحريفاتهم للشفاعة حرفا
بحرف ، حذو القذة بالقذة ، والنعل بالنعل . . كما أخبر به الصادق الأمين
( صلى الله عليه وآله ) !
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 43 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الثالث : الشفاعة عند عرب الجاهلية

تدل آيات القرآن الكريم على أن عبادة العرب للأصنام كانت على أساس أنها
رموز لمخلوقات مقربة عند الله تعالى تشفع لهم عنده . قال الله عز وجل :
- ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ، ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا
بشركائهم كافرين . الروم 12 - 13 .
- أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا
ينقذون . إني إذا لفي ضلال مبين . يس 23 - 24 .
- أم اتخذوا من دون الله شفعاء ، قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون . قل لله
الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون . وإذا ذكر الله وحده
اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون .
الزمر 43 - 45 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 44 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله
زلفى ، إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون ، إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار
، لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء ، سبحانه هو الله الواحد
القهار . الزمر 3 - 4 .
- رسائل الشريف المرتضى ج 3 ص 223 :
حكى أبو عيسى الوراق في كتابه كتاب المقالات أن العرب صنوف شتى : صنف
أقر بالخالق وبالابتداء والإعادة وأنكروا الرسل وعبدوا الأصنام ، زعموا لتقربهم إلى
الله زلفى ومعبرا إليها ، ونحروا لها الهدايا ونسكوا لها النسائك ، وأحلوا لها وحرموا .
ومنهم صنف أقروا بالخالق وبابتداء الخلق وأنكروا الإعادة والبعث والنشور .
ومنهم صنف أنكروا الخالق والبعث والإعادة ، ومالوا إلى التعطيل والقول بالدهر ،
وهم الذين أخبر القرآن عن قولهم : ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا
إلا الدهر . ومنهم صنف مالوا إلى اليهودية ، وآخر إلى النصرانية .
- رسائل الشريف المرتضى ج 3 ص 228 :
وقد عبد الأصنام قوم من الأمم الماضية من أهل الهند والسند وغيرها ، وقد أخبر
الله تعالى عن قوم نوح أنهم عبدوها أيضا فقال : لا تذرن آلهتكم ودا ولا سواعا ولا
يغوث ويعوق ونسرا . . . وكان ( سواع ) لهذيل وكان ( برهاط ) وكان بدومة الجندل ،
وكان ( يغوث ) لمذحج ولقبائل اليمن ، وكان ( نسر ) لذي الكلاع بأرض حمير ، وكان
( يعوق ) لهمدان ، وكانت ( اللات ) لثقيف وكانت بالطائف ، وكانت ( العزى )
لقريش وجميع بني كنانة وسدنتها من بني سليم ، وكانت ( مناة ) للأوس والخزرج
وغسان وكانت بالمسلك ، وكان ( الهبل ) أعظم أصنامهم عند أنفسهم وكان على
الكعبة . وكان ( أساف ونائلة ) على الصفا والمروة ، ووضعهما عمرو بن يحيى فكان
يذبح عليهما تجاه الكعبة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 45 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- مجمع الزوائد ج 7 ص 115 :
عن ابن عباس أن العزى كانت ببطن نخلة ، وأن اللات كانت بالطائف ، وأن مناة
كانت بقديد ، قال علي بن الجعد : بطن نخلة هو بستان بني عامر .
- تفسير القمي ج 2 ص 250 :
قوله : أم اتخذوا من دون الله شفعاء ، يعني الأصنام ليشفعوا لهم يوم القيامة ،
وقالوا إن فلانا وفلانا يشفعون لنا عند الله يوم القيامة . وقوله : قل لله الشفاعة جميعا ،
قال : لا يشفع أحد إلا بإذن الله تعالى .
- تفسير القمي ج 2 ص 289 :
وقال علي بن إبراهيم : ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة ، قال : هم الذين
قد عبدوا في الدنيا ، لا يملكون الشفاعة لمن عبدهم .
- تفسير التبيان ج 4 ص 207 :
وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء . . . يقول تعالى لهؤلاء
الكفار : ما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء ، الذين كنتم تزعمون
في الدنيا أنهم يشفعون لكم عند ربكم يوم القيامة . وقال عكرمة : إن الآية نزلت في
النضر بن الحارث بن كلدة حيث قال : سوف يشفع في اللات والعزى ، فنزلت الآية .
وقوله : لقد تقطع بينكم ، أي وصلكم . وضل عنكم ما كنتم تزعمون ، أي جار عن
طريقكم ما كنتم تزعمون من آلهتكم أنه شريك لله تعالى ، وأنه يشفع لكم عند ربكم ،
فلا شفيع لكم اليوم .
- تفسير التبيان ج 9 ص 33 :
ثم أخبر عن هؤلاء الكفار فقال ( أم اتخذوا ) معناه بل اتخذ هؤلاء الكفار ( من
دون الله شفعاء ) بزعمهم من الأصنام والأوثان فقال ( قل ) لهم يا محمد : أو لو كانوا
لا يملكون شيئا ولا يعقلون ، تنبيها لهم على أنهم يتخذونهم شفعاء وإن كانوا لا
يقدرون على شئ من الشفاعة ، ولا غيرهما ولا يعقلون شيئا . والألف في ( أ ولو )
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 46 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ألف الاستفهام يراد به التنبيه .
ثم قال ( قل ) لهم يا محمد ( لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ) أي
الشفاعة لمن له التدبير والتصرف في السماوات والأرض ، ليس لأحد الاعتراض عليه
في ذلك .
ثم إليه ترجعون ، معاشر الخلق أي إلى حيث لا يملك أحد التصرف والأمر
والنهي سواه ، وهو يوم القيامة فيجازي كل إنسان على عمله على الطاعات بالثواب
وعلى المعاصي بالعقاب .
- الدر المنثور ج 3 ص 302 :
فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا . . . أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال قال
النضر : إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى ، فأنزل الله تعالى : فمن أظلم
ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون . ويعبدون من دون الله
ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله . ومثله في ج 3 ص 8
- الدر المنثور ج 5 ص 329 :
قوله تعالى : أم اتخذوا من دون الله شفعاء . . أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن
قتادة ( رضي الله عنه ) في قوله : أم اتخذوا من دون الله شفعاء قال : الآلهة .
- الدر المنثور ج 3 ص 149 :
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : وذروا الذين يلحدون في أسمائه
قال : اشتقوا العزى من العزيز ، واشتقوا اللات من الله .

مكانة اللات والعزى عند مشركي العرب

كان لصنمي اللات والعزى مكانة عظيمة عند قريش خاصة ، وعند بعض قبائل
العرب ، ويليهما صنم مناة ، أما هبل فهو وإن كان الإله الأكبر عندهم ولكن ارتباطهم
المباشر وقسمهم الرسمي ومراسم عبادتهم الأساسية إنما كانت لللات والعزى ،
وليس لهبل . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 47 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- قال المحدث البحراني في حلية الأبرار ج 1 ص 127 :
الشيخ في أماليه بإسناده عن ابن عباس قال : وقف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على قتلى بدر
فقال : جزاكم الله من عصابة شرا ! لقد كذبتموني صادقا ، وخونتموني أمينا . ثم
التفت إلى أبي جهل بن هشام فقال : إن هذا أعتى على الله من فرعون ! إن فرعون لما
أيقن بالهلاك وحد الله ، وهذا لما أيقن بالهلاك دعا باللات والعزى ! ! راجع أمالي
الطوسي ج 1 - 316 - والبحار ج 19 - 272 ح 11 ومثله في مجمع الزوائد ج 6 ص 91 ) .
- وقال في مجمع الزوائد ج 6 ص 21 :
وعن رجل من بني مالك بن كنانة قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
بسوق ذي المجاز يتخللها يقول : يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ، قال وأبو
جهل يحثي عليه التراب ويقول : لا يغوينكم هذا عن دينكم فإنما يريد لتتركوا آلهتكم
وتتركوا اللات والعزى ، وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ! قلت : إنعت
لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : بين بردين أحمرين ، مربوع ، كثير اللحم ،
حسن الوجه ، شديد سواد الشعر ، أبيض شديد البياض ، سابغ الشعر . رواه أحمد
ورجاله رجال الصحيح .
- وقال السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 408 :
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال : ما كان أبو لهب إلا من كفار
قريش ، ما هو حتى خرج من الشعب حين تمالأت قريش حتى حصرونا في الشعب
وظاهرهم ، فلما خرج أبو لهب من الشعب لقي هندا بنت عتبة بن ربيعة حين فارق
قومه فقال : يا ابنة عتبة هل نصرت اللات والعزى ؟ قالت : نعم فجزاك الله خيرا يا أبا
عتبة ! قال : إن محمدا يعدنا أشياء لا نراها كائنة ، يزعم أنها كائنة بعد الموت فما
ذاك ! وصنع في يدي ثم نفخ في يديه ، ثم قال : تبا لكما ما أرى فيكما شيئا مما يقول
محمد ! فنزلت : تبت يدا أبي لهب . قال ابن عباس : فحصرونا في الشعب ثلاث
سنين وقطعوا عنا الميرة ، حتى أن الرجل ليخرج منا بالنفقة فما يبايع حتى يرجع ،
حتى هلك فينا من هلك ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 48 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

اليمين الرسمي المقدس عند قريش باللات والعزى

- روى الحاكم في المستدرك ج 1 ص 163 :
عن ابن عباس قال دخلت فاطمة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهي تبكي فقال : يا بنية ما
يبكيك قالت : يا أبت ما لي لا أبكي وهؤلاء الملأ من قريش في الحجر يتعاقدون
باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى لو قد رأوك لقاموا إليك فيقتلونك ، وليس منهم
رجل إلا وقد عرف نصيبه من دمك ! فقال يا بنية إئتني بوضوء فتوضأ رسول الله
( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم خرج إلى المسجد فلما رأوه قالوا : ها هوذا ، فطأطأوا رؤوسهم وسقطت
أذقانهم بين يديهم ، فلم يرفعوا أبصارهم ! فتناول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبضة من تراب
فحصبهم بها وقال : شاهت الوجوه ، فما أصاب رجلا منهم حصاة من حصاته إلا قتل
يوم بدر كافرا . هذا حديث صحيح ، قد احتجا جميعا بيحيى بن سليم . واحتج مسلم بعبد الله بن
عثمان بن خثيم ولم يخرجاه . انتهى . ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 8 ص 228 وقال :
رواه أحمد بإسنادين ، ورجال أحدهما رجال الصحيح .
- وروى العياشي في تفسيره ج 2 ص 259 :
عن أبي بصير عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قوله : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث
الله من يموت ، قال : ما يقولون فيها ؟ قلت : يزعمون أن المشركين كانوا يحلفون
لرسول الله أن الله لا يبعث الموتى . قال : تبا لمن قال هذا ، ويلهم هل كان المشركون
يحلفون بالله أم باللات والعزى ؟ قلت : جعلت فداك فأوجدنيه أعرفه . قال : لو قد
قام قائمنا بعث الله إليه قوما من شيعتنا قبايع سيوفهم على عواتقهم ، فيبلغ ذلك قوما
من شيعتنا لم يموتوا فيقولون : بعث فلان وفلان من قبورهم مع القائم ، فيبلغ ذلك
قوما من أعدائنا فيقولون : يا معشر الشيعة ما أكذبكم ! هذه دولتكم وأنتم تكذبون
فيها ، لا والله ما عاشوا ولا تعيشوا إلى يوم القيامة ، فحكى الله قولهم فقال : وأقسموا
بالله جهد أيمانهم . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 49 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وتدل مصادر الفقه على أن عادة القسم باللات والعزى بقيت في أذهان القرشيين
وعلى ألسنتهم حتى بعد إسلامهم ! فقد روى البخاري في صحيحه ج 6 ص 51 : عن أبي
هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حلف فقال في حلفه واللات
والعزى فليقل لا إله إلا الله . ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق . انتهى .
ورواه في أربعة مواضع أخرى في ج 7 ص 97 و ص 144 وص 222 و 223 ، ورواه مسلم
في ج 5 ص 81 و ص 82 ، ورواه ابن ماجة في ج 1 ص 678 ، وروى بعده عن مصعب بن سعد
عن سعد بن أبي وقاص ! قال : حلفت باللات والعزى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل :
لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ثم انفث عن يسارك ثلاثا ، وتعوذ ولا تعد . ورواه أبو داود في
ج 2 ص 90 ، والترمذي في ج 3 ص 46 و ص 51 ، والنسائي في ج 7 ص 7 ، وأحمد في ج 1
ص 183 و 186 و ج 2 ص 309 ، والبيهقي في سننه ج 1 ص 149 و ج 10 ص 30 ، ومالك في
المدونة ج 2 ص 108 .
- وأفتى به ابن حزم في المحلى ج 8 ص 51 ، وابن قدامة في المغني ج 1 ص 169 و ج 11
ص 162 ، وعلله في ج 11 ص 163 بقوله :
لأن الحلف بغير الله سيئة والحسنة تمحو السيئة ، وقد قال الله تعالى : إن
الحسنات يذهبن السيئات ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا عملت سيئة
فأتبعها حسنة تمحها . ولأن من حلف بغير الله فقد عظم غير الله تعظيما يشبه تعظيم
الرب تبارك وتعالى ، ولهذا سمي شركا لكونه أشرك غير الله مع الله تعالى في تعظيمه
بالقسم به ، فيقول لا إله إلا الله توحيدا لله تعالى وبراءة من الشرك .

اعتقاد قريش بنفع اللات والعزى وضرهما

- مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 102 عن امرأة يقال لها زهرة قال :
أسلمت فأصيب بصرها ، فقالوا لها أصابك اللات والعزى ، فرد ( صلى الله عليه وآله ) عليها بصرها
فقالت قريش : لو كان ما جاء محمد خيرا ما سبقتنا إليه زهرة ! فنزل : وقال الذين
كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 50 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- مسند أحمد ج 1 ص 264 :
عن عبد الله بن عباس قال : بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عليه وأناخ بعيره على باب المسجد ثم عقله ،
ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه ، وكان ضمام
رجلا جلدا أشعر ذا غريرتين ، فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم
في أصحابه فقال : أيكم ابن عبد المطلب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا
ابن عبد المطلب . قال محمد ؟ قال نعم فقال : يا ابن عبد المطلب إني سائلك
ومغلظ في المسألة فلا تجدن في نفسك . قال : لا أجد في نفسي فسل عما بدا لك .
قال : أنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك ، آلله بعثك إلينا
رسولا ؟ فقال : اللهم نعم . قال : فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن
بعدك آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لا نشرك به شيئا وأن نخلع هذه الأنداد التي
كانت آباؤنا يعبدونها معه ؟ قال : اللهم نعم . قال : فأنشدك الله إلهك وإله من كان
قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس ؟ قال : اللهم
نعم . قال ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة الزكاة والصيام والحج وشرائع
الإسلام كلها يناشده عند كل فريضة كما يناشده في التي قبلها ، حتى إذا فرغ قال :
فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله ، وسأؤدي هذه
الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه ، ثم لا أزيد ولا أنقص .
قال ثم انصرف راجعا إلى بعيره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولى :
إن يصدق ذو العقيصتين يدخل الجنة . قال فأتى إلى بعيره فأطلق عقاله ثم خرج
حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه ، فكان أول ما تكلم به أن قال : بئست اللات
والعزى ! قالوا مه يا ضمام ، إتق البرص والجذام ، إتق الجنون . قال : ويلكم إنهما والله
لا يضران ولا ينفعان ، إن الله عز وجل قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا استنقذكم به
مما كنتم فيه ، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده
ورسوله ، إني قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه . قال فوالله ما أمسى من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 51 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلما !
قال يقول ابن عباس : فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة .

مصادرنا تروي بغض النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأصنام قريش

- كمال الدين وتمام النعمة ج 1 ص 184 :
قال بحيرى : يا غلام أسألك عن ثلاث خصال بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتنيها .
فغضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عند ذكر اللات والعزى وقال : لا تسألني بهما فوالله ما أبغضت
شيئا كبغضهما ، وإنما هما صنمان من حجارة لقومي ! فقال بحيرى : هذه واحدة ، ثم
قال : فبالله إلا ما أخبرتني ، فقال : سل عما بدا لك فإنك قد سألتني بإلهي وإلهك
الذي ليس كمثله شئ ، فقال : أسألك عن نومك ويقظتك ، فأخبره عن نومه ويقظته
وأموره وجميع شأنه ، فوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته التي عنده ، فانكب عليه
بحيرى فقبل رجليه وقال : يا بني ما أطيبك وأطيب ريحك ، يا أكثر النبيين أتباعا . . .
- الخرائج والجرائح ج 1 ص 71 :
في خبر الراهب بحيرى مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) : قال : يا غلام أتخبرني عن أشياء أسألك
عنها قال : سل . قال : أنشدك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه ، وإنما أراد
أن يعرف لأنه سمعهم يحلفون بهما فذكروا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال له : لا تسألني باللات
والعزى فإني والله لم أبغض بغضهما شيئا قط . قال : فبالله إلا أخبرتني عما أسألك
عنه قال : فجعل يسأله عن حاله في نومه وهيئته وأموره فجعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يخبره
فكان يجدها موافقة لما عنده . . . فأخذه الإفكل وهو الرعدة واهتز الديراني فقال :
من أبو هذا الغلام ؟ قال أبو طالب : هو ابني . قال : لا والله لا يكون أبوه حيا . قال أبو
طالب : إنه ابن أخي . قال : فما فعل أبوه قال : مات وهو ابن شهرين . قال صدقت ! -
وروى في ج 3 ص 1089 تتمة قول الراهب : كأني بك قد قدت الأجناب والخيل وقد
تبعك العرب والعجم طوعا وكرها ، وكأني باللات والعزى قد كسرتهما وقد صار
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 52 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
البيت العتيق تضع مفاتيحه حيث تريد . . . معك الذبح الأكبر وهلاك الأصنام . أنت
الذي لا تقوم الساعة حتى تدخل الملوك كلها في دينك صاغرة قمئة .

وتمسك سدنة اللات والعزى بهما إلى آخر نفس

- شرح الأخبار ج 2 ص 163 :
ولما فتح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الطائف سأله أهلها أن يدع لهم اللات - وكانوا يعبدونها -
لمدة ذكروها وقالوا : إنا نخشى في هدمها سفهاءنا ، فأبى عليهم .
- مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 52 :
ابن عباس في قوله : وإن كادوا ليفتنونك بالذي أوحينا ، قال وفد ثقيف : نبايعك
على ثلاث : لا ننحني ، ولا نكسر إلها بأيدينا ، وتمتعنا باللات سنة . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : لا خير
في دين ليس فيه ركوع وسجود ، فأما كسر أصنامكم بأيديكم فذاك لكم ، وأما
الطاغية اللات فإني غير ممتعكم بها .

وحطم النبي ( صلى الله عليه وآله ) كل الأصنام

- مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 399 :
وحدثني أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي ، عن إسماعيل بن أحمد الواعظ ،
عن أبي بكر البيهقي بإسناده عن أبي مريم عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله
( صلى الله عليه وآله ) : إحملني لنطرح الأصنام عن الكعبة ، فلم أطق حمله ! فحملني فلو شئت أتناول
السماء فعلت ! وفي خبر والله لو شئت أن أنال السماء بيدي لنلتها .
وروى القاضي أبو عمرو عثمان بن أحمد ، عن شيوخ بإسناده عن ابن عباس قال
قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) : قم بنا إلى الصنم في أعلى الكعبة لنكسره ، فقاما جميعا
فلما أتياه قال له النبي : قم على عاتقي حتى أرفعك عليه ، فأعطاه علي ثوبه فوضعه
رسول الله على عاتقه ثم رفعه حتى وضعه على البيت ، فأخذ علي الصنم وهو من
نحاس فرمى به من فوق الكعبة . . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 53 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- حلية الأبرار ج 2 ص 125 :
عن علي ( عليه السلام ) : أنا الذي قال في الأمين جبرئيل ( عليه السلام ) : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى
إلا علي ، أنا صاحب فتح مكة ، أنا كاسر اللات والعزى ، أنا هادم الهبل الأعلى ، ومناة
الثالثة الأخرى ، أنا علوت على كتف النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكسرت الأصنام ، أنا الذي كسرت
يغوث ويعوق ونسرا .

واخترعت قريش قصة الغرانيق انتصارا لللات والعزى

قال الله عز وجل : ثم دنا فتدلى . فكان قاب قوسين أو أدنى . فأوحى إلى عبده ما
أوحى . ما كذب الفؤاد ما رأى . أفتمارونه على ما يرى . ولقد رآه نزلة أخرى . عند
سدرة المنتهى . عندها جنة المأوى . إذ يغشى السدرة ما يغشى . ما زاغ البصر وما
طغى . لقد رأى من آيات ربه الكبرى . أفرأيتم اللات والعزى . ومناة الثالثة الأخرى .
ألكم الذكر وله الأنثى . تلك إذا قسمة ضيزى . إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم
وآباءكم ما أنزل الله بها من سلطان ، إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم
من ربهم الهدى . أم للإنسان ما تمنى . فلله الآخرة والأولى . وكم من ملك في
السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى . إن
الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى . وما لهم به من علم إن
يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا . فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم
يرد إلا الحياة الدنيا . ذلك مبلغهم من العلم ، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله
وهو أعلم بمن اهتدى . ولله ما في السماوات وما في الأرض ، ليجزي الذين أساءوا
بما عملوا ، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى . النجم 8 - 31 .
نزلت هذه الآيات في مكة بعد مرحلة ( أنذر عشيرتك الأقربين ) وبعد مرحلة
( فاصدع بما تؤمر ) وإعلان النبي ( صلى الله عليه وآله ) دعوته لجميع الناس ودخول عدد من
المستضعفين في الإسلام وتضييق قريش عليهم وتعذيبهم ، وهجرة بعضهم إلى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 54 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الحبشة . . ومن الواضح أن الصراع في تلك المرحلة كان يتفاقم بين الإسلام
والمشركين ، وكان أهم ما يتسلح به المشركون ويطرحونه سببا لمقاومتهم الإسلام
هو ( أن محمدا قد سب آلهتنا وسفه أحلامنا ) .
وقد كان موقف النبي ( صلى الله عليه وآله ) من آلهتهم موقفا صريحا قويا لا مساومة فيه ولا مهادنة . .
وقد اتضح ذلك من السور الأولى للقرآن ، وآياتها القاطعة في مسألة الأصنام . . ولم
تكن سورة النجم إلا استمرارا لذلك الخط الرباني الصريح القوي ، بل هي الحسم
الإلهي النهائي في المسألة ، ووضع النقاط على الحروف بتسمية أصنام قريش
المفضلة ( اللات والعزى ومناة ) بأسمائها ، وإسقاطها إلى الأبد !
ومن الطبيعي أن تكون هذه الآيات شديدة جدا على قريش ، وأن تثير كبرياءها
وعواطفها لأصنامها ، وأن تقوم بردة فعل بأشكال متعددة . وقصة الغرانيق ما هي إلا
واحدة من ردات الفعل القرشية . . !
لكن متى اخترعت ومن اخترعها ؟ !
يغلب على الظن ما ذكره الشريف المرتضى من أن المشركين عبدة هذه الأصنام
الثلاثة لما سمعوا ذمها في آيات السورة حرف بعضهم الآيات ، ووضع بعد أسماء
الأصنام الثلاثة عبارة ( تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ) فأعجب ذلك
القرشيين ، وتمنوا لو يضاف هذا المديح لآلهتهم في السورة !
ولكن كيف يمكن ذلك ؟ وكيف ينسجم مع السياق ، والسياق كله حملة شديدة
على فكر الأصنام وأهلها ؟ ! !
هكذا ولدت قصة الغرانيق على ألسنة القرشيين ، ولكنها كانت هذيانا ولغوا في
القرآن من قريش المشركة لا أكثر !
ولكن الجريمة الكبرى عندما حولت قريش المنافقة هذا اللغو في القرآن إلى
آيات الغرانيق واتهمت بها النبي بعد وفاته ( صلى الله عليه وآله ) لإثبات أنه لم يكن معصوما عصمة
مطلقة لتكون كل تصرفاته وأقواله حجة ، بل كان يخطئ حتى في تبليغ الوحي ! وفي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 55 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ذلك فوائد عديدة لقريش للالتفاف على أوامر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتبرير أخطاء حكامها
ومخالفاتهم لسنته ! !
وهكذا سجلت مصادر السنيين قصة الغرانيق التي تزعم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد ارتكب
خيانة والعياذ بالله في نص القرآن ، وشهد بالشفاعة لأصنام اللات والعزى ومناة ،
وسجد لها لكي ترضى عنه قريش !
وقد طار منافقو قريش بهذه القصة فرحا ، ثم طار بها فرحا ورثتهم الغربيون ! !
وقد روى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 6 ص 32 بعض روايات الغرانيق ، وروى السيوطي
عددا وافرا منها في الدر المنثور ج 4 ص 194 و ص 366 وبعضها صحيح السند ، خلافا لمن
برأ منها الرواة المعتمدين عند حكام قريش ! قال السيوطي في ص 366 :
وأخرج البزار والطبراني وابن مردويه والضياء في المختارة بسند رجاله ثقات من
طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ
أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن
لترتجى ! ففرح المشركون بذلك وقالوا قد ذكر آلهتنا ! فجاء جبريل فقال : إقرأ علي ما
جئتك به ، فقرأ : أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلى وإن
شفاعتهن لترتجى ! فقال ما أتيتك بهذا ، هذا من الشيطان ! ! فأنزل الله : وما أرسلنا من
قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى . . إلى آخر الآية . وأخرج ابن جرير وابن المنذر
وابن أبي حاتم وابن مردويه بسند صحيح عن سعيد بن جبير . . . الخ . ! ! انتهى .
وقد ورد في بعض رواياتهم الافتراء على النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه سجد للأصنام ! ( فقال :
وإنهن لهن الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى ، فكان ذلك من سجع
الشيطان وفتنته ، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة ، وذلقت بها
ألسنتهم وتباشروا بها ، وقالوا إن محمدا قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه . فلما بلغ
رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر النجم سجد وسجد كل من حضر من مسلم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 56 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومشرك ، ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة
فأنزل الله : وما أرسلنا من قبلك . . . ) .
وفي بعضها ( ألقى الشيطان على لسانه : وهي الغرانيق العلى شفاعتهن ترتجى
فلما فرغ من السورة سجد وسجد المسلمون والمشركون إلا أبا أحيحة سعيد بن
العاص فإنه أخذ كفا من تراب فسجد عليه وقال : قد آن لابن أبي كبشة أن يذكر آلهتنا
بخير ، فبلغ ذلك المسلمين الذين كانوا بالحبشة أن قريشا قد أسلمت ، فأرادوا أن
يقبلوا واشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه ما ألقى الشيطان
على لسانه فأنزل الله : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي . . الآية ) انتهى .
وقد تجرأ بعض العلماء السنيين وردوا روايات الغرانيق ولكنهم ضعفوا سندها
رغم صحته عندهم ، من أجل أن لا يطعنوا في مؤلفي صحاحهم والموثقين من
رواتهم !
- قال المجلسي في بحار الأنوار ج 17 ص 56 :
قوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك . . . قال الرازي : ذكر المفسرون في سبب نزول هذه
الآية أن الرسول لما رأى إعراض قومه عنه شق عليه ما رأى من مباعدتهم عما
جاءهم به تمنى في نفسه أن يأتيهم من الله ما يقارب بينه وبين قومه ، وذلك لحرصه
على إيمانهم فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش كثير أهله وأحب يومئذ أن لا
يأتيه من الله شئ ينفروا عنه وتمنى ذلك ! فأنزل تعالى سورة والنجم إذا هوى ، فقرأها
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ : أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى
ألقى الشيطان على لسانه : تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى ! فلما سمعت
قريش فرحوا ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته وقرأ السورة كلها ،
فسجد المسلمون لسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين ، فلم يبق
في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد ، سوى الوليد بن المغيرة وسعيد بن العاص ،
فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليها ، لأنهما كانا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 57 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
شيخين كبيرين لم يستطيعا السجود ، وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا وقالوا :
قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر ، فلما أمسى رسول الله أتاه جبرئيل فقال : ماذا
صنعت ! تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله ، وقلت ما لم أقل لك ! فحزن رسول
الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا وخاف من الله خوفا عظيما حتى نزل قوله : وما
أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي . . الآية .
هذا رواية عامة المفسرين الظاهريين ، وأما أهل التحقيق فقد قالوا : هذه الرواية
باطلة موضوعة واحتجوا بالقرآن ، والسنة ، والمعقول ، أما القرآن فوجوه :
أحدها : قوله تعالى : ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا
منه الوتين .
وثانيها : قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي .
وثالثها : قوله : وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى .
فلو أنه قرأ عقيب هذه الآية تلك الغرانيق العلى لكان قد أظهر كذب الله تعالى في
الحال ، وذلك لا يقول به مسلم .
ورابعها : قوله تعالى : وإن كادوا ليفتنونك ، وكاد معناه قرب أن يكون لأمر كذلك
مع أنه لم يحصل .
وخامسها : قوله : ولولا أن ثبتناك ، وكلمة ( لولا ) تفيد انتفاء الشئ لانتفاء غيره ،
فدل على أن الركون القليل لم يحصل .
وسادسها : قوله : كذلك لنثبت به فؤادك .
وسابعها : قوله : سنقرئك فلا تنسى .
وأما السنة فهي أنه روي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة
فقال : هذا من وضع الزنادقة ، وصنف فيه كتابا .
وقال الإمام أبو بكر البيهقي : هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ، ثم أخذ يتكلم
في أن رواة هذه القصة مطعونون ، وأيضا فقد روى البخاري في صحيحه أنه ( صلى الله عليه وآله ) قرأ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 58 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سورة ( والنجم ) وسجد فيها المسلمون والمشركون والإنس والجن وليس فيه
حديث الغرانيق ، وروي هذا الحديث من طرق كثيرة وليس فيها البتة حديث
الغرانيق .
وأما المعقول فمن وجوه : أحدها : أن من جوز على الرسول صلى الله عليه وسلم
تعظيم الأوثان فقد كفر ، لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه صلى الله عليه
وسلم كان في نفي الأوثان .
وثانيها : أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يمكنه في أول الأمر أن يصلي ويقرأ
القرآن عند الكعبة آمنا لأذى المشركين له ، حتى كانوا ربما مدوا أيديهم إليه ، وإنما
كان يصلي إذا لم يحضروها ليلا أو في أوقات خلوة ، وذلك يبطل قولهم .
وثالثها : أن معاداتهم للرسول ( صلى الله عليه وآله ) كانت أعظم من أن يقروا بهذا القدر من القراءة
دون أن يقفوا على حقيقة الأمر ، فكيف أجمعوا على أنه عظم آلهتهم حتى خروا
سجدا ، مع أنه لم يظهر عندهم موافقته لهم .
ورابعها : قوله : فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ، وذلك أن أحكام
الآيات بإزالة تلقية الشيطان عن الرسول أقوى من نسخه بهذه الآيات التي تنتفي
الشبهة معها ، فإذا أراد الله تعالى إحكام الآيات لئلا يلتبس ما ليس بقرآن قرآنا ، فبأن
يمنع الشيطان من ذلك أصلا ، أولى .
وخامسها : وهو أقوى الوجوه : أنا لو جوزنا ذلك ارتفع الأمان عن شرعه ، وجوزنا
في كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك ، ويبطل قوله تعالى : بلغ ما أنزل
إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ، فإنه لا فرق
بين النقصان من الوحي وبين الزيادة فيه !
فبهذه الوجوه عرفنا على سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة ، أكثر ما في
الباب أن جمعا من المفسرين ذكروها لكنهم ما بلغوا حد التواتر . وخبر الواحد لا
يعارض الدلائل العقلية والنقلية المتواترة . . . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 59 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولم يلتفت هذا المفسر الكبير إلى أن الآية التي ادعوا أنها نزلت على أثر القصة
مدنية ، نزلت بعد النجم بنحو عشر سنوات ! كما لم يلتفت إلى أن رواية البخاري
وغيره التي ذكرها هي قصة الغرانيق بعينها !

البخاري ومسلم رويا فرية الغرانيق

وينبغي أن نحسن الظن بالرازي وأمثاله الذين دافعوا عن البخاري والصحاح فقالوا
إنهم لم يرووا قصة الغرانيق ، حيث لم يقرؤوا الصحاح جيدا ، وإلا لوجدوا فيها قصة
الغرانيق بأكثر من رواية ! غاية الأمر أن أصحابها حذفوا منها أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) زاد في
السورة مدح أصنام المشركين ، ولكنهم ذكروا دليلا عليه وهو سجود المسلمين
والمشركين وحتى سجود أبي أحيحة أو أمية بن خلف أو غيرهما على كف من تراب
أو حصى ! ! فإن سجود المشركين بعد سماع القرآن لم ينقله أي مصدر على الإطلاق
في أي رواية على الإطلاق ، إلا في رواية الغرانيق ! ومضافا إلى رواية البخاري
الفظيعة التي ذكرها الرازي فقد روى البخاري أيضا في ج 5 ص 7 : عن عبد الله ( رضي الله عنه ) عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ والنجم فسجد بها وسجد من معه ، غير أن شيخا
أخذ كفا من تراب فرفعه إلى جبهته فقال يكفيني هذا ! قال عبد الله : فلقد رأيته بعد
قتل كافرا . انتهى . ورواه مسلم في ج 2 ص 88 .
- وروى البخاري أيضا في ج 6 ص 52 :
عن الأسود بن يزيد عن عبد الله ( رضي الله عنه ) قال : أول سورة أنزلت فيها سجدة والنجم ،
قال فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد من خلفه إلا رجلا رأيته أخذ كفا
من تراب فسجد عليه ، فرأيته بعد ذلك قتل كافرا ، وهو أمية بن خلف .
- وقال الحاكم في المستدرك ج 1 ص 221 :
عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله قال : أول سورة قرأها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على
الناس الحج ، حتى إذا قرأها سجد فسجد الناس إلا رجل أخذ التراب فسجد عليه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 60 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فرأيته قتل كافرا . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين بالإسنادين جميعا ولم
يخرجاه ، إنما اتفقا على حديث شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله أن
النبي ( صلى الله عليه وآله ) قرأ والنجم فذكره بنحوه ، وليس يعلل أحد الحديثين الآخرين فإني لا أعلم
أحدا تابع شعبة على ذكره النجم غير قيس بن الربيع . والذي يؤدي إليه الاجتهاد
صحة الحديثين ، والله أعلم .
ومعنى كلام الحاكم : أنه كان الأولى بالبخاري ومسلم أن يرويا رواية السجود في
سورة الحج لأنها أصح ، ولكنهما تركاها ورويا رواية سورة النجم ! !
- وقال البيهقي في سننه ج 2 ص 314 :
عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها ، يعني والنجم
وسجد فيها المسلمون والمشركون والجن والإنس . رواه البخاري في الصحيح عن
أبي معمر وغيره ، عن عبد الوارث .
- ورواها في مجمع الزوائد ج 7 ص 115 أيضا وصححها ، قال :
قوله تعالى ( أفرأيتم اللات والعزى ) عن ابن عباس فيما يحسب سعيد بن جبير
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بمكة فقرأ سورة والنجم حتى انتهى إلى ( أفرأيتم
اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ) فجرى على لسانه : تلك الغرانيق العلى الشفاعة
منهم ترتجى ، قال فسمع بذلك مشركو أهل مكة فسروا بذلك ، فاشتد على رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تبارك وتعالى ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا
نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله
آياته ) رواه البزار والطبراني وزاد إلى قوله ( عذاب يوم عقيم ) يوم بدر . ورجالهما رجال
الصحيح إلا أن الطبراني قال لا أعلمه إلا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد
تقدم حديث مرسل في سورة الحج أطول من هذا ، ولكنه ضعيف الإسناد . انتهى .
ويقصد بالرواية الطويلة الضعيفة ما رواه في مجمع الزوائد ج 7 ص 70 وقد ورد فيها :
حين أنزل الله السورة التي يذكر فيها ( والنجم إذا هوى ) فقال المشركون لو كان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 61 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه ، فإنه لا يذكر أحدا ممن خالف دينه من
اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر به آلهتنا من الشتم والشر ، فلما أنزل الله السورة
التي يذكر فيها والنجم وقرأ ( أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ) ألقى
الشيطان فيها عند ذلك ذكر الطواغيت فقال : وإنهم من الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهم
لترتجى ، وذلك من سجع الشيطان وفتنته ، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل
مشرك وذلقت بها ألسنتهم واستبشروا بها وقالوا إن محمدا قد رجع إلى دينه الأول
ودين قومه ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر السورة التي فيها النجم
سجد وسجد معه كل من حضره من مسلم ومشرك غير أن الوليد بن المغيرة كان كبيرا
فرفع ملء كفه تراب فسجد عليه ، فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود
لسجود رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما المسلمون فعجبوا من سجود المشركين
من غير إيمان ولا يقين ، ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان على ألسنة
المشركين ، وأما المشركون فاطمأنت أنفسهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،
وحدثهم الشيطان أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرأها في السجدة ، فسجدوا
لتعظيم آلهتهم ، ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت الحبشة !
فلما سمع عثمان بن مظعون وعبد الله بن مسعود ومن كان معهم من أهل مكة أن
الناس أسلموا وصاروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبلغهم سجود الوليد بن
المغيرة على التراب على كفه ، أقبلوا سراعا ! فكبر ذلك على رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فلما أمسى أتاه جبريل ( عليه السلام ) فشكا إليه فأمره فقرأ له ، فلما بلغها تبرأ منها
جبريل وقال : معاذ الله من هاتين ما أنزلهما ربي ولا أمرني بهما ربك ! ! فلما رأى ذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم شق عليه وقال : أطعت الشيطان وتكلمت بكلامه
وشركني في أمر الله ! ! فنسخ الله ما يلقي الشيطان وأنزل عليه ( وما أرسلنا من قبلك
من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان
ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ، ليجعل ما يلقي فتنة للذين في قلوبهم مرض
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 62 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والقاسية قلوبهم ، وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ) فلما برأه الله عز وجل من سجع
الشيطان وفتنته ، انقلب المشركون بضلالهم وعداوتهم ، فذكر الحديث ، وقد تقدم
في الهجرة إلى الحبشة . رواه الطبراني مرسلا وفيه ابن لهيعة ، ولا يحتمل هذا من ابن
لهيعة . انتهى .
فتبين من مجموع ذلك أن سند القصة في مصادر السنيين صحيح ، ولا يصح
القول بأن الواقدي تفرد بها ، أو أن الصحاح لم تروها ! !

نماذج من ردود علماء مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) على فرية الغرانيق

- قال الشريف المرتضى في تنزيه الأنبياء ص 106 :
مسألة : فإن قال فما معنى قوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا
إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله
عليم حكيم .
أوليس قد روي في ذلك أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما رأى تولي قومه عنه شق عليه ما
هم عليه من المباعدة والمنافرة وتمنى في نفسه أن يأتيه من الله تعالى ما يقارب بينه
وبينهم وتمكن حب ذلك في قلبه ، فلما أنزل الله تعالى عليه : والنجم إذا هوى ،
وتلاها عليهم ، ألقى الشيطان على لسانه لما كان تمكن في نفسه من محبة مقاربتهم :
تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ، فلما سمعت قريش ذلك سرت به
وأعجبهم ما زكى به آلهتهم ، حتى انتهى إلى السجدة فسجد المؤمنون وسجد أيضا
المشركون لما سمعوا من ذكر آلهتهم بما أعجبهم ، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا
مشرك إلا سجد ، إلا الوليد بن المغيرة فإنه كان شيخا كبيرا لا يستطيع السجود فأخذ
بيده حفنة من البطحاء فسجد عليها ، ثم تفرق الناس من المسجد وقريش مسرورة
بما سمعت . وأتى جبرائيل ( عليه السلام ) إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) معاتبا على ذلك فحزن له حزنا
شديدا . فأنزل الله تعالى عليه معزيا له ومسليا : وما أرسلنا من قبلك . . الآية .
قلنا : أما الآية فلا دلالة في ظاهرها على هذه الخرافة التي قصوها ، وليس يقتضي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 63 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الظاهر إلا أحد أمرين : إما أن يريد بالتمني التلاوة كما قال حسان بن ثابت :
تمنى كتاب الله أول ليله * وآخره لاقى حمام المقادر
أو أريد بالتمني تمني القلب .
فإن أراد التلاوة ، كان المراد من أرسلنا قبلك من الرسل ، كان إذا تلا ما يؤديه إلى
قومه حرفوا عليه وزادوا فيما يقوله ونقصوا ، كما فعلت اليهود في الكذب على نبيهم
فأضاف ذلك إلى الشيطان ، لأنه يقع بوسوسته وغروره . ثم بين أن الله تعالى يزيل
ذلك ويدحضه بظهور حجته وينسخه ، ويحسم مادة الشبهة به .
وإنما خرجت الآية على هذا الوجه مخرج التسلية له ( صلى الله عليه وآله ) لما كذب المشركون
عليه وأضافوا إلى تلاوته مدح آلهتهم ما لم يكن فيها .
وإن كان المراد تمني القلب ، فالوجه في الآية أن الشيطان متى تمنى النبي ( صلى الله عليه وآله )
بقلبه بعض ما يتمناه من الأمور يوسوس إليه بالباطل ويحدثه بالمعاصي ويغريه بها
ويدعوه إليها ، وأن الله تعالى ينسخ ذلك ويبطله بما يرشده إليه من مخالفة الشيطان
وعصيانه وترك استماع غروره .
وأما الأحاديث المروية في هذا الباب ، فلا يلتفت إليها من حيث تضمنت ما قد
نزهت العقول الرسل ( عليهم السلام ) عنه . هذا لو لم يكن في أنفسها مطعونة ضعيفة عند
أصحاب الحديث بما يستغني عن ذكره .
وكيف يجيز ذلك على النبي ( صلى الله عليه وآله ) من يسمع الله تعالى يقول : كذلك لنثبت به
فؤادك يعني القرآن ، وقوله تعالى : ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين
ثم لقطعنا منه الوتين ، وقوله تعالى : سنقرئك فلا تنسى !
على أن من يجيز السهو على الأنبياء ( عليهم السلام ) يجب أن لا يجيز ما تضمنته هذه الرواية
المنكرة لما فيها من غاية التنفير عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأن الله تعالى قد جنب نبيه من الأمور
الخارجة عن باب المعاصي كالغلظة والفظاظة وقول الشعر ، وغير ذلك مما هو دون
مدح الأصنام المعبودة دون الله تعالى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 64 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
على أنه لا يخلو ( صلى الله عليه وآله ) - وحوشي مما قذف به - من أن يكون تعمد ما حكوه
وفعله قاصدا أو فعله ساهيا . ولا حاجة بنا إلى إبطال القصد في هذا الباب
والعمد لظهوره ، وإن كان فعله ساهيا فالساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ
المطابقة لوزن السورة وطريقها ثم لمعنى ما تقدمها من الكلام ، لأنا نعلم ضرورة أن
من كان ساهيا لو أنشد قصيدة لما جاز أن يسهو حتى يتفق منه بيت شعر في وزنها
وفي معنى البيت الذي تقدمه ، وعلى الوجه الذي يقتضيه فائدته ، وهو مع ذلك يظن
أنه من القصيدة التي ينشدها . وهذا ظاهر في بطلان هذه الدعوى على النبي ( صلى الله عليه وآله )
على أن الموحى إليه من الله النازل بالوحي وتلاوة القرآن جبرائيل ( عليه السلام ) وكيف يجوز
السهو عليه ؟ !
على أن بعض أهل العلم قد قال : يمكن أن يكون وجه التباس الأمر أن رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) لما تلا هذه السورة في ناد غاص بأهله وكان أكثر الحاضرين من قريش
المشركين فانتهى إلى قوله تعالى : أفرأيتم اللات والعزى ، وعلم في قرب مكانه منه
من قريش أنه سيورد بعدها ما يسوؤهم به فيهن قال كالمعارض له والراد عليه :
تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ، فظن كثير ممن حضر أن ذلك من
قوله ( صلى الله عليه وآله ) واشتبه عليهم الأمر ، لأنهم كانوا يلغطون عند قراءته ( صلى الله عليه وآله ) ويكثر كلامهم
وضجاجهم طلبا لتغليطه وإخفاء قراءته .
ويمكن أن يكون هذا أيضا في الصلاة لأنهم كانوا يقربون منه في حال صلاته عند
الكعبة ويسمعون قراءته ويلغون فيها .
وقيل أيضا إنه ( صلى الله عليه وآله ) كان إذا تلا القرآن على قريش توقف في فصول الآيات وأتى
بكلام على سبيل الحجاج لهم ، فلما تلا : أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى
قال : تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى ؟ ! على سبيل الإنكار عليهم وأن الأمر
بخلاف ما ظنوه من ذلك . وليس يمتنع أن يكون هذا في الصلاة لأن الكلام في
الصلاة حينئذ كان مباحا وإنما نسخ من بعد .
وقيل إن المراد بالغرانيق الملائكة ، وقد جاء مثل ذلك في بعض الحديث فتوهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 65 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المشركون أنه يريد آلهتهم .
وقيل إن ذلك كان قرآنا منزلا في وصف الملائكة فتلاه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) فلما ظن
المشركون أن المراد به آلهتهم نسخت تلاوته .
وكل هذا يطابق ما ذكرناه من تأويل قوله : إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ، لأن
بغرور الشيطان ووسوسته أضيف إلى تلاوته ( صلى الله عليه وآله ) ما لم يرده بها . وكل هذا واضح
بحمد الله تعالى .
- نهج الحق للعلامة الحلي ص 139 :
ذهبت الإمامية كافة إلى أن الأنبياء ( عليهم السلام ) معصومون عن الصغائر والكبائر ومنزهون
عن المعاصي قبل النبوة وبعدها ، على سبيل العمد والنسيان ، وعن كل رذيلة
ومنقصة ، وما يدل على الخسة والضعة .
وخالفت الأشاعرة في ذلك وجوزوا عليهم المعاصي . وبعضهم جوزوا الكفر
عليهم قبل النبوة وبعدها ، وجوزوا عليهم السهو والغلط ، ونسبوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى
السهو في القرآن بما يوجب الكفر فقالوا : إنه صلى يوما وقرأ في سورة النجم عند
قوله تعالى : أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى : تلك الغرانيق العلى منها
الشفاعة ترتجى . وهذا اعتراف منه بأن تلك الأصنام ترتجى الشفاعة منها !
نعوذ بالله من هذه المقالة التي نسب النبي إليها ، وهي توجب الشرك ، فما
عذرهم عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ !
- مجمع البحرين للطريحي ج 4 ص 239 :
رووا أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان في الصلاة فقرأ سورة النجم في المسجد الحرام
وقريش يستمعون لقراءته ، فلما انتهى إلى هذه الآية : أفرأيتم اللات والعزى ومناة
الثالثة الأخرى ، أجرى إبليس على لسانه : فإنها الغرانيق العلى وشفاعتهن لترتجى !
ففرحت قريش وسجدوا وكان في ذلك القوم الوليد بن المغيرة المخزومي وهو شيخ
كبير فأخذ كفا من حصى فسجد عليه وهو قاعد ، وقالت قريش : قد أقر محمد
بشفاعة اللات والعزى . قال فنزل جبرئيل فقال له : قرأت ما لم أنزل به عليك ! انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 66 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد طار أعداء الإسلام بهذه القصة كما أشرنا وشنعوا بها على الإسلام ورسوله ،
محتجين بأنها وردت في مصادر المسلمين ! وكان آخر من استغلها المرتد سلمان
رشدي والدول التي وراءه ! وقد أخذها من المستشرقين بروكلمان ومونتغمري
وأمثالهما ، وأخذها هؤلاء من مصادر السنيين ! !
وقد نقد الباحث السوداني الدكتور عبد الله النعيم في كتابه ( الإستشراق في السيرة النبوية )
- المعهد العالمي للفكر الإسلامي 1417 ، استغلال المستشرقين لحديث الغرانيق ونقل
في ص 51 ، افتراء بروكلمان حيث قال عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ( ولكنه على ما يظهر اعترف
في السنوات الأولى من بعثته بآلهة الكعبة الثلاث اللواتي كان مواطنوه يعتبرونهن
بنات الله ، وقد أشار إليهن في إحدى الآيات الموحاة إليه بقوله : تلك الغرانيق العلى
وإن شفاعتهن لترجى . . . ثم ما لبث أن أنكر ذلك وتبرأ منه في اليوم التالي ) ! !
ونقل الدكتور النعيم في ص 96 زعم مونتغمري وات ( تلا محمد الآيات الشيطانية
باعتبارها جزءا من القرآن إذ ليس من المتصور أن تكون القصة من تأليف المسلمين
أو غير المسلمين ، وأن انزعاج محمد حينما علم بأن الآيات الشيطانية ليست جزء
من القرآن يدل على أنه تلاها ، وأن عبادة محمد بمكة لا تختلف عن عبادة العرب في
نخلة والطائف . . ولقد كان توحيد محمد غامضا ( ! ) ولا شك أنه يعد اللات والعزى
ومناة كائنات سماوية أقل من الله ) انتهى .
أما نحن فإننا تبعا لأهل البيت ( عليهم السلام ) نرفض رواية الغرانيق من أصلها ، ونعتقد أنها
واحدة من افتراءات قريش الكثيرة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حياته وبعد وفاته . . ونستدل
بوجودها على أن مطلب قريش كان الاعتراف بآلهتها وشفاعتهن ، وأن منافقي قريش
وضعوا هذه الروايات طعنا في عصمة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فخدموا بذلك هدف قريش
المشركة ، وهدف أعداء الإسلام في كل العصور !
ومع أن المستشرقين لا يحتاجون إلى الروايات الموضوعة ليتمسكوا بها ، فهم
يكذبون على نبينا ( صلى الله عليه وآله ) وعلى مصادرنا جهارا نهارا ، ولكنا نأسف لأن مصادر إخواننا
السنيين روت عدة افتراءات على النبي ( صلى الله عليه وآله ) على أنها حقائق ، منها قصة الغرانيق ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 67 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومنها قصة ورقة بن نوفل في بدء الوحي ، وغيرها من الروايات المخالفة للعقل
والتهذيب والاحترام الذي ينبغي لمقام النبي ( صلى الله عليه وآله ) . . ثم لم يرووا ما ورد في مصادرنا
من بغض النبي لأصنام قريش منذ طفولته ، ولم يرووا تكذيب أهل البيت ( عليهم السلام ) لرواية
ورقة بن نوفل ، وتأكيدهم على الأفق المبين الذي نص عليه القرآن وبدأ فيه الوحي .
وقد ذكر الدكتور النعيم في هامش كتابه المذكور المصادر التي روت حديث
الغرانيق وهي طبقات ابن سعد ج 1 ص 205 وتاريخ الطبري ج 2 ص 226 وتاريخ ابن الأثير
ج 2 ص 77 وسيرة ابن سيد الناس ج 1 ص 157 . . وقال في ص 97 ( يعتبر الواقدي أول من
روج لهذه الفرية ثم أخذها عنه ابن سعد والطبري وغيرهم ) وقال في ص 98 ( ولم
يرو ابن إسحاق وابن هشام هذه الواقعة إطلاقا ، ومهما يكن من أمر فالواقدي هو
أصلها . إن ما يدعو للتساؤل هو كيف أمكن تمرير هذه الواقعة مع علم أصحابها
بعصمة الرسل ! ) انتهى .
ولكن عرفت أن أصحاب الصحاح رووها ، فعلى الذي يرد سندها أن يرد جميع
أسانيدها ، لا سند الواقدي وحده !
ثم نقل الدكتور النعيم نقد القاضي عياض في كتابه ( الشفا ) لحديث الغرانيق سندا
ومتنا ، وكذلك نقد القرضاوي في كتابه ( كيف نتعامل مع السنة النبوية ) ونقل عنه
قوله في ص 93 ( ومعنى هذا أن تفهم السنة في ضوء القرآن ولهذا كان حديث
الغرانيق مردودا بلا ريب ، لأنه مناف للقرآن ) انتهى .
وليت بقية الباحثين من إخواننا السنيين يتمسكون بدليل مخالفة القرآن ويردون
به المكذوبات التي وضعها المنافقون ، وروجتها الخلافة القرشية ورواتها ، وما زالت
إلى عصرنا صحيحة أو موثقة ! !

تنبؤ عميق للنبي ( صلى الله عليه وآله ) حول اللات والعزى

روت مصادر السنيين بأسانيد صحيحة عندهم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخبر أن العرب
سوف يعبدون اللات والعزى مرة أخرى !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 68 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- فقد روى مسلم في صحيحه ج 8 ص 182 :
عن أبي سلمة عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا
يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى ! فقلت يا رسول الله إن كنت لأظن حين
أنزل الله : هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون ، أن ذلك تاما . قال : إنه سيكون من ذلك ما شاء الله انتهى .
ورواه الحاكم في مستدركه ج 4 ص 446 و ص 549 وقال في الموردين ( هذا حديث
صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ) ورواه البيهقي في سنه ج 9 ص 181 ورواه الهندي في
كنز العمال ج 14 ص 211 وقال عنه السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 61 : وأخرج مسلم
والحاكم وصححه . . وقال عن الحديث الأول في ج 3 ص 231 أخرج أحمد ومسلم والحاكم
وابن مردويه عن عائشة . انتهى .
وإذا صحت هذه الأحاديث فتفسيرها أن بعض العرب سوف يكفرون في
المستقبل ، ويرجعون إلى عبادة اللات والعزى !
ولكن الأقرب أن يكون مقصوده ( صلى الله عليه وآله ) أن الأمة سوف تنحرف من بعده وتطيع
شخصين من دون الله تعالى ، ويكون لهما تأثير اللات والعزى . . لأن من أطاع شخصا
في معصية الله تعالى أو من دون أمره ، فقد عبده من دون الله تعالى ! !
والنتيجة التي نخلص بها من هذا البحث ، أن الشفاعة كانت معروفة عند مشركي
العرب ، وكان يهمهم أن يثبتوا هذه المنزلة لأصنامهم . . وهي نقطة تنفعنا في فهم
السبب لوضع بعض الأحاديث التي تدعي توسيع شفاعة نبينا ( صلى الله عليه وآله ) لتشمل كل قريش
وكل المنافقين وغيرهم ، وتحل محل شفاعة اللات والعزى ، وتضاهي شفاعة اليهود
المزعومة لقوميتهم ! !
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 69 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الرابع : كليات الشفاعة في القرآن

آيات الشفاعة وعناوينها

الشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة في الدنيا
- من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ، ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له
كفل منها ، وكان الله على كل شئ مقيتا . النساء - 85 .
الشفعاء يوم القيامة يشفعون بعهد من الله تعالى
- لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا . مريم - 87 .
- يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا . طه - 109 .
الأولياء المكرمون ينفعون مواليهم بشفاعتهم
- إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين . يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم
ينصرون . إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم . الدخان - 40 - 42 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 70 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عباد الله المكرمون كلهم شفعاء
- وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون . لا يسبقونه بالقول وهم
بأمره يعملون . يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ، ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ، وهم
من خشيته مشفقون . الأنبياء 26 - 28 .
الشهداء بالحق شفعاء
- ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون .
الزخرف - 86 .
الملائكة يشفعون للناس بإذن الله تعالى
- وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن
يشاء ويرضى . النجم - 26 .
الشفيع الأكبر ( صلى الله عليه وآله )
- عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا . الإسراء - 79 .
- ولسوف يعطيك ربك فترضى . الضحى - 5 .
لا شفاعة من دون الله تعالى
- وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع
لعلهم يتقون . الأنعام - 51 .
- الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، ثم استوى على
العرش ، ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع ، أفلا تتذكرون . السجدة - 4 .
لا شفاعة إلا بإذنه ومن بعد إذنه
- الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، له ما في السماوات وما في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 71 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الأرض ، من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ، ولا
يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء ، وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده
حفظهما ، وهو العلي العظيم . البقرة - 255 .
- إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، ثم استوى على
العرش ، يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ، ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون .
يونس - 3 .
- ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ، حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال
ربكم ، قالوا الحق وهو العلي الكبير . سبأ - 23 .
- وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء
ويرضى . النجم - 26 .
الشفعاء المزعومون لا شفاعة لهم
- ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله !
قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض ، سبحانه وتعالى عما
يشركون . يونس - 18 .
- ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم ،
وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء ، لقد تقطع بينكم ، وضل
عنكم ما كنتم تزعمون . الأنعام - 94 .
- ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين . الروم - 13 .
- أأتخذ من دونه آلهة ، إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا
ينقذون . يس - 23 .
- أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون . قل لله
الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ، ثم إليه ترجعون . الزمر 43 - 44 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 72 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لا شفاعة في يوم القيامة كشفاعة الدنيا
- واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ، ولا يقبل منها شفاعة ، ولا يؤخذ منها
عدل ، ولا هم ينصرون . البقرة - 48 .
- واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ، ولا يقبل منها عدل ، ولا تنفعها
شفاعة ولا هم ينصرون . البقرة - 123 .
- يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ، ولا خلة ،
ولا شفاعة ، والكافرون هم الظالمون . البقرة - 254 .
- وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما
كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع ، وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها ، أولئك
الذين أبسلوا بما كسبوا ، لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون . الأنعام - 70 .
- فما لنا من شافعين ، ولا صديق حميم . الشعراء 100 - 101 .
- فما تنفعهم شفاعة الشافعين . المدثر - 48 .
الكفار يبحثون بحثا حثيثا عن الشفعاء
- هل ينظرون إلا تأويله ، يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت
رسل ربنا بالحق ، فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا ، أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل ،
قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون . الأعراف - 53 .
- يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون ، إلا من أذن له الرحمن ، وقال
صوابا . النبأ - 38 .
لا شفاعة للظالمين
- وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر ، كاظمين ما للظالمين من حميم ،
ولا شفيع يطاع . غافر - 18 .
- وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين . المدثر 46 - 48 .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 73 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الخامس : شفاعة نبينا ( صلى الله عليه وآله )

تفسير ( المقام المحمود ) لنبينا ( صلى الله عليه وآله )

قال الله تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس ، إلى غسق الليل ، وقرآن الفجر ، إن
قرآن الفجر كان مشهودا . ومن الليل فتهجد به نافلة لك ، عسى أن يبعثك ربك مقاما
محمودا . الإسراء - 79

مصادرنا تصف المقام المحمود لنبينا ( صلى الله عليه وآله ) في المحشر

لعل أقوى نص في متنه يبين أهمية المقام المحمود الذي وعد الله رسوله ( صلى الله عليه وآله ) بأن
يكرمه به يوم القيامة ، ما رواه الصدوق عن علي ( عليه السلام ) ، فقد بين فيه أن ليوم القيامة
مراحل ومراسم قبل الحساب ، وأن المقام المحمود لنبينا ( صلى الله عليه وآله ) يبدأ في أوائل مراحل
ذلك اليوم العظيم بتلك الخطبة ( الفريدة ) التي يفتتح بها نبينا المحشر ويلهمه الله
تعالى فيها أنواع المحامد لربه تعالى نيابة عن الخلائق ، ويعطى على أثرها لواء
الحمد الذي هو رئاسة المحشر ، وذلك قبل الحساب والشفاعة وحوض الكوثر . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 74 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- قال الصدوق في التوحيد في حديث طويل ص 255 - 262 :
حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال : حدثنا أحمد بن يحيى عن بكر بن عبد الله
بن حبيب قال : حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر قال : حدثنا محمد بن الحسن بن
عبد العزيز الأحدب الجند بنيسابور قال : وجدت في كتاب أبي بخطه : حدثنا طلحة
بن يزيد عن عبيد الله بن عبيد عن أبي معمر السعداني أن رجلا أتى أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقال :
يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل .
قال له ( عليه السلام ) : ثكلتك أمك وكيف شككت في كتاب الله المنزل !
قال : لأني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضا فكيف لا أشك فيه .
فقال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضا ولا يكذب بعضه
بعضا ولكنك لم ترزق عقلا تنتفع به ، فهات ما شككت فيه من كتاب الله عز وجل .
قال له الرجل : إني وجدت الله يقول : فاليوم ننسيهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ،
وقال أيضا : نسوا الله فنسيهم ، وقال : وما كان ربك نسيا . فمرة يخبر أنه ينسى ومرة
يخبر أنه لا ينسى ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين !
قال : هات ما شككت فيه أيضا . . .
فقال علي ( عليه السلام ) : قدوس ربنا قدوس ، تبارك وتعالى علوا كبيرا ، نشهد أنه هو الدائم
الذي لا يزول ، ولا نشك فيه ، وليس كمثله شئ وهو السميع البصير ، وأن الكتاب
حق ، والرسل حق ، وأن الثواب والعقاب حق ، فإن رزقت زيادة إيمان أو حرمته فإن
ذلك بيد الله إن شاء رزقك وإن شاء حرمك ذلك ، ولكن سأعلمك ما شككت فيه ولا
قوة إلا بالله ، فإن أراد الله بك خيرا أعلمك بعلمه وثبتك ، وإن يكن شرا ضللت
وهلكت .
أما قوله : نسوا الله فنسيهم إنما يعني نسوا الله في دار الدنيا لم يعملوا بطاعته
فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه شيئا ، فصاروا منسيين من الخير
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 75 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وكذلك تفسير قوله عز وجل : فاليوم ننسيهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ، يعني
بالنسيان أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين
آمنوا به وبرسله وخافوه بالغيب . وأما قوله : وما كان ربك نسيا ، فإن ربنا تبارك
وتعالى علوا كبيرا ليس بالذي ينسى ولا يغفل ، بل هو الحفيظ العليم ، وقد يقول
العرب في باب النسيان : قد نسينا فلان فلا يذكرنا أي أنه لا يأمر لنا بخير ولا يذكرنا
به ، فهل فهمت ما ذكر الله عز وجل ؟ قال : نعم ، فرجت عني فرج الله عنك ،
وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك .
فقال ( عليه السلام ) : وأما قوله : يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له
الرحمن وقال صوابا ، وقوله : والله ربنا ما كنا مشركين ، وقوله : يوم القيمة يكفر
بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ، وقوله : إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ، وقوله :
لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ، وقوله : اليوم نختم على أفواههم
وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ، فإن ذلك في موطن غير واحد
من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة ! يجمع الله عز وجل
الخلائق يومئذ في مواطن يتفرقون ويكلم بعضهم بعضا ، ويستغفر بعضهم لبعض ،
أولئك الذين كان منهم الطاعة في دار الدنيا . ويلعن أهل المعاصي الذين بدت منهم
البغضاء وتعاونوا على الظلم والعدوان في دار الدنيا ، الرؤساء والأتباع من
المستكبرين والمستضعفين يكفر بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا . والكفر في هذه
الآية : البراءة يقول يبرأ بعضهم من بعض ، ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان :
إني كفرت بما أشركتمون من قبل ، وقول إبراهيم خليل الرحمن : كفرنا بكم ، يعني
تبرأنا منكم .
ثم يجتمعون في موطن آخر يبكون فيه ، فلو أن تلك الأصوات بدت لأهل الدنيا
لأذهلت جميع الخلق عن معائشهم ، ولتصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله ، فلا يزالون
يبكون الدم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 76 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون : والله ربنا ما كنا مشركين ،
فيختم الله تبارك وتعالى على أفواههم ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود فتشهد
بكل معصية كانت منهم ، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم : لم شهدتم
علينا ، قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ .
ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون ، فيفر بعضهم من بعض ، فذلك قوله عز
وجل : يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ، فيستنطقون فلا يتكلمون
إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ، فيقوم الرسل صلى الله عليهم فيشهدون في هذا
الموطن ، فذلك قوله : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء
شهيدا .
ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد ( صلى الله عليه وآله ) وهو المقام
المحمود فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن عليه أحد قبله ، ثم يثني
على الملائكة كلهم فلا يبقى ملك إلا أثنى عليه محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم يثني
على الرسل : بما لم يثن عليهم أحد قبله ، ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة ،
يبدأ بالصديقين والشهداء ثم بالصالحين ، فيحمده أهل السماوات
والأرض ، فذلك قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ، فطوبى لمن
كان له في ذلك المقام حظ ، وويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظ ولا
نصيب .
ثم يجتمعون في موطن آخر ويدال بعضهم من بعض ، وهذا كله قبل
الحساب ، فإذا أخذ في الحساب شغل كل إنسان بما لديه . نسأل الله بركة
ذلك اليوم .
قال : فرجت عني فرج الله عنك يا أمير المؤمنين ، وحللت عني عقدة ،
فعظم الله أجرك . انتهى . ورواه في بحار الأنوار ج 7 ص 119
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 77 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- الصحيفة السجادية ج 1 ص 37 :
اللهم واجعله خطيب وفد المؤمنين إليك ، والمكسو حلل الأمان إذا وقف بين
يديك ، والناطق إذا خرست الألسن في الثناء عليك .
اللهم وابسط لسانه في الشفاعة لأمته ، وأر أهل الموقف من النبيين وأتباعهم
تمكن منزلته ، وأوهل أبصار أهل المعروف العلى بشعاع نور درجته ، وقفه في المقام
المحمود الذي وعدته ، واغفر ما أحدث المحدثون بعده في أمته ، مما كان
اجتهادهم فيه تحريا لمرضاتك ومرضاته ، وما لم يكن تأليبا على دينك ونقضا
لشريعته ، واحفظ من قبل بالتسليم والرضا دعوته ، واجعلنا ممن تكثر به وارديه ، ولا
يذاد عن حوضه إذا ورده ، واسقنا منه كأسا رويا لا نظمأ بعده .
- وروى في بحار الأنوار ج 7 ص 335 عن تفسير فرات الكوفي :
عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) عن أبيه عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله
تبارك وتعالى إذا جمع الناس يوم القيامة وعدني المقام المحمود ، وهو واف لي به .
إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر له ألف درجة فأصعد حتى أعلو فوقه فيأتيني
جبرئيل ( عليه السلام ) بلواء الحمد فيضعه في يدي ويقول : يا محمد هذا المقام المحمود
الذي وعدك الله تعالى ، فأقول لعلي : إصعد فيكون أسفل مني بدرجة ، فأضع لواء
الحمد في يده ، ثم يأتي رضوان بمفاتيح الجنة فيقول : يا محمد هذا المقام المحمود
الذي وعدك الله تعالى ، فيضعها في يدي فأضعها في حجر علي بن أبي طالب ، ثم
يأتي مالك خازن النار فيقول : يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى
هذه مفاتيح النار أدخل عدوك وعدو أمتك النار ، فآخذها وأضعها في حجر علي بن
أبي طالب ، فالنار والجنة يومئذ أسمع لي ولعلي من العروس لزوجها ، فهي قول الله
تعالى : ألقيا في جهنم كل كفار عنيد . انتهى .
ويؤيد هذا الحديث أنك لا تجد تفسيرا مقنعا لتثنية الخطاب في هذه الآية ، إلا
هذا الحديث !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 78 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- تفسير القمي ج 2 ص 25 :
وأما قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ، فإنه حدثني أبي عن الحسن بن
محبوب ، عن زرعة ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : سألته عن شفاعة النبي
( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة ؟ فقال : يلجم الناس يوم القيامة العرق فيقولون : إنطلقوا بنا إلى آدم
يشفع لنا عند ربنا فيأتون آدم فيقولون : يا آدم إشفع لنا عند ربك ، فيقول : إن لي ذنبا
وخطيئة فعليكم بنوح ، فيأتون نوحا فيردهم إلى من يليه ، ويردهم كل نبي إلى من
يليه ، حتى ينتهوا إلى عيسى فيقول : عليكم بمحمد رسول الله ، فيعرضون أنفسهم
عليه ويسألونه فيقول : إنطلقوا ، فينطلق بهم إلى باب الجنة ويستقبل باب الرحمة
ويخر ساجدا فيمكث ما شاء الله ، فيقول الله : إرفع رأسك واشفع تشفع ، واسأل
تعط ، وذلك هو قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا . انتهى . ورواه في تفسير
نور الثقلين ج 3 ص 206 .
- تفسير العياشي ج 2 ص 314 :
عن عبيد بن زرارة قال : سئل أبو عبد الله ( عليه السلام ) عن المؤمن هل له شفاعة ؟ قال : نعم
فقال له رجل من القوم : هل يحتاج المؤمن إلى شفاعة محمد يومئذ ؟ قال : نعم إن
للمؤمنين خطايا وذنوبا ، وما من أحد إلا ويحتاج إلى شفاعة محمد يومئذ . قال
وسأله رجل عن قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنا سيد ولد آدم ولا فخر ؟ قال : نعم يأخذ حلقة
باب الجنة فيفتحها فيخر ساجدا فيقول الله : إرفع رأسك إشفع تشفع ، أطلب تعط ،
فيرفع رأسه ثم يخر ساجدا فيقول الله : إرفع رأسك ، إشفع تشفع واطلب تعط ، ثم
يرفع رأسه فيشفع ، فيشفع ويطلب فيعطى .
- روضة الواعظين ص 500 :
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : المقام الذي أشفع فيه لأمتي .
وفي ص 273 : وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا قمت المقام المحمود تشفعت في
أصحاب الكبائر من أمتي فيشفعني الله فيهم ، والله لا تشفعت فيمن آذى ذريتي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 79 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- تفسير التبيان ج 6 ص 512 :
وقوله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ، معناه متى فعلت ما ندبناك إليه
من التهجد يبعثك الله مقاما محمودا ، وهي الشفاعة في قول ابن عباس والحسن
ومجاهد وقتادة ، وقال قوم : المقام المحمود : إعطاؤه لواء الحمد . وعسى من
الله واجبة .
- وقال أبو الصلاح الحلبي في الكافي ص 491 :
ولرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ،
صلوات الله عليه وآله في ذلك اليوم المقام الأشرف والمحل الأعظم ، له اللواء
المعقود لواء الحمد ، والحوض المورود ، والمقام المحمود ، والشفاعة المقبولة
والمنزلة العلية ، والدرجة المنيعة على جميع النبيين وأتباعهم . وكل شئ خص به
من التفضيل ورشح له من التأهيل فأخوه وصنوه ووارث علمه ووصيه في أمته
وخليفته على رعيته أمير المؤمنين وسيد المسلمين علي بن أبي طالب بن عبد
المطلب ( عليه السلام ) شريك فيه ، وهو صاحب الأعراف ، وقسيم الجنة والنار ، بنصه الصريح
وقوله الفصيح .
وأعلام الأزمنة وتراجمة الملة بعدهما صلوات الله عليهم أعوان عليه ومساهمون
فيه ، حسب ما أخبر به وأشار بذكره .
ولشيعتهم من ذلك الحظ الأوفر والقسط الأكبر ، لتحققهم بالإسلام ممن عداهم
وتخصصهم بالإيمان دون من سواهم .
- ونختم ما اخترناه من مصادرنا بحديث طريف ورد عن أهل البيت ( عليهم السلام ) في مواعظ الله
تعالى لنبيه عيسى ( عليه السلام ) وشاهدنا منه الفقرة الأخيرة المتعلقة ببشارته بنبينا ( صلى الله عليه وآله )
وشفاعته ، لكن نورده كاملا لكثرة فوائده .
- فقد روى الكليني في الكافي ج 8 ص 131 :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 80 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عنهم ( عليهم السلام ) فيما وعظ الله عز
وجل به عيسى ( عليه السلام ) :
يا عيسى ، أنا ربك ورب آبائك اسمي واحد ، وأنا الأحد المتفرد بخلق كل شئ ،
وكل شئ من صنعي ، وكل إلي راجع .
يا عيسى ، أنت المسيح بأمري ، وأنت تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني ، وأنت
تحيي الموتى بكلامي ، فكن إلي راغبا ومني راهبا ، ولن تجد مني ملجأ إلا إلي .
يا عيسى ، أوصيك وصية المتحنن عليك بالرحمة حتى حقت لك مني الولاية
بتحريك مني المسرة ، فبوركت كبيرا وبوركت صغيرا حيث ما كنت ، إشهد أنك
عبدي ابن أمتي ، أنزلني من نفسك كهمك واجعل ذكري لمعادك ، وتقرب إلي
بالنوافل ، وتوكل علي أكفك ، ولا توكل على غيري فآخذ لك .
يا عيسى ، اصبر على البلاء وارض بالقضاء ، وكن كمسرتي فيك ، فإن مسرتي أن
أطاع فلا أعصى .
يا عيسى ، أحي ذكري بلسانك ، وليكن ودي في قلبك .
يا عيسى ، تيقظ في ساعات الغفلة ، واحكم لي لطيف الحكمة .
يا عيسى ، كن راغبا راهبا ، وأمت قلبك بالخشية .
يا عيسى ، راع الليل لتحري مسرتي ، واظمأ نهارك ليوم حاجتك عندي .
يا عيسى ، نافس في الخير جهدك ، تعرف بالخير حيثما توجهت .
يا عيسى ، أحكم في عبادي بنصحي ، وقم فيهم بعدلي ، فقد أنزلت عليك شفاء
لما في الصدور من مرض الشيطان .
يا عيسى ، لا تكن جليسا لكل مفتون .
يا عيسى ، حقا أقول : ما آمنت بي خليقة إلا خشعت لي ، ولا خشعت لي إلا
رجوت ثوابي ، فاشهد أنها آمنة من عقابي ما لم تبدل أو تغير سنتي .
يا عيسى ابن البكر البتول ، إبك على نفسك بكاء من ودع الأهل وقلى الدنيا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 81 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وتركها لأهلها ، وصارت رغبته فيما عند إلهه .
يا عيسى ، كن مع ذلك لين الكلام وتفشي السلام ، يقظان إذا نامت عيون الأبرار ،
حذرا للمعاد والزلازل الشداد ، وأهوال يوم القيامة ، حيث لا ينفع أهل ولا ولد ولا
مال .
يا عيسى ، أكحل عينك بميل الحزن إذا ضحك البطالون .
يا عيسى ، كن خاشعا صابرا ، فطوبى لك إن نالك ما وعد الصابرون .
يا عيسى ، رح من الدنيا يوما فيوما ، وذق لما قد ذهب طعمه ، فحقا أقول : ما
أنت إلا بساعتك ويومك ، فرح من الدنيا ببلغة ، وليكفك الخشن الجشب ، فقد
رأيت إلى ما تصير ، ومكتوب ما أخذت وكيف أتلفت .
يا عيسى ، إنك مسؤول فارحم الضعيف كرحمتي إياك ، ولا تقهر اليتيم .
يا عيسى ، إبك على نفسك في الخلوات ، وانقل قدميك إلى مواقيت الصلوات
واسمعني لذاذة نطقك بذكري ، فإن صنيعي إليك حسن .
يا عيسى ، كم من أمة قد أهلكتها بسالف ذنوب قد عصمتك منها .
يا عيسى ، إرفق بالضعيف ، وارفع طرفك الكليل إلى السماء وادعني ، فإني منك
قريب ، ولا تدعني إلا متضرعا إلي ، وهمك هما واحدا ، فإنك متى تدعني كذلك
أجبك .
يا عيسى ، إني لم أرض بالدنيا ثوابا لمن كان قبلك ، ولا عقابا لمن انتقمت منه .
يا عيسى ، إنك تفنى وأنا أبقى ، ومني رزقك ، وعندي ميقات أجلك ، وإلي
إيابك ، وعلي حسابك ، فسلني ولا تسأل غيري فيحسن منك الدعاء ومني الإجابة .
يا عيسى ، ما أكثر البشر وأقل عدد من صبر ، الأشجار كثيرة وطيبها قليل ، فلا
يغرنك حسن شجرة حتى تذوق ثمرها .
يا عيسى ، لا يغرنك المتمرد علي بالعصيان ، يأكل رزقي ويعبد غيري ، ثم
يدعوني عند الكرب فأجيبه ، ثم يرجع إلى ما كان عليه ، فعلي يتمرد ؟ أم بسخطي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 82 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يتعرض ! فبي حلفت لآخذنه أخذة ليس له منها منجا ولا دوني ملجأ ، أين يهرب من
سمائي وأرضي ؟ !
يا عيسى ، قل لظلمة بني إسرائيل : لا تدعوني والسحت تحت أحضانكم ،
والأصنام في بيوتكم ، فإني آليت أن أجيب من دعاني ، وأن أجعل إجابتي إياهم لعنا
عليهم حتى يتفرقوا .
يا عيسى ، كم أطيل النظر ، وأحسن الطلب والقوم في غفلة لا يرجعون ، تخرج
الكلمة من أفواههم لا تعيها قلوبهم ، يتعرضون لمقتي ويتحببون بقربي إلى المؤمنين
يا عيسى ، لتكن في السر والعلانية واحدا ، وكذلك فليكن قلبك وبصرك ، واطو
قلبك ولسانك عن المحارم ، وكف بصرك عما لا خير فيه ، فكم من ناظر نظرة قد
زرعت في قلبه شهوة ، ووردت به موارد حياض الهلكة .
يا عيسى ، كن رحيما مترحما ، وكن كما تشاء أن يكون العباد لك ، وأكثر ذكر
الموت ومفارقة الأهلين ، ولا تله فإن اللهو يفسد صاحبه ، ولا تغفل فإن الغافل مني
بعيد ، واذكرني بالصالحات حتى أذكرك .
يا عيسى ، تب إلي بعد الذنب ، وذكر بي الأوابين ، وآمن بي وتقرب بي إلى
المؤمنين ، ومرهم يدعوني معك ، وإياك ودعوة المظلوم ، فإني آليت على نفسي أن
أفتح لها بابا من السماء بالقبول ، وأن أجيبه ولو بعد حين .
يا عيسى ، اعلم أن صاحب السوء يعدي ، وقرين السوء يردي ، واعلم من تقارن
واختر لنفسك إخوانا من المؤمنين .
يا عيسى ، تب إلي ، فإني لا يتعاظمني ذنب أن أغفره ، وأنا أرحم الراحمين .
إعمل لنفسك في مهلة من أجلك قبل أن لا يعمل لها غيرك ، واعبدني ليوم كألف
سنة مما تعدون ، فيه أجزي بالحسنة أضعافها ، وإن السيئة توبق صاحبها ، فامهد
لنفسك في مهلة ، ونافس في العمل الصالح ، فكم من مجلس قد نهض أهله وهم
مجارون من النار .
يا عيسى ، إزهد في الفاني المنقطع ، وطأ رسوم منازل من كان قبلك ، فادعهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 83 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وناجهم ، هل تحس منهم من أحد ، وخذ موعظتك منهم ، واعلم أنك ستلحقهم في
اللاحقين .
يا عيسى ، قل لمن تمرد علي بالعصيان وعمل بالإدهان : ليتوقع عقوبتي وينتظر
إهلاكي إياه ، سيصطلم مع الهالكين .
طوبى لك يا ابن مريم ثم طوبى لك إن أخذت بأدب إلهك الذي يتحنن عليك
ترحما ، وبدأ النعم منه تكرما ، وكان لك في الشدائد . لا تعصه يا عيسى فإنه لا
يحلك عصيانه . قد عهدت إليك ما عهدت إلى من كان قبلك وأنا على ذلك من
الشاهدين .
يا عيسى ، ما أكرمت خليقة بمثل ديني ، ولا أنعمت عليها بمثل رحمتي .
يا عيسى ، إغسل بالماء منك ما ظهر وداو بالحسنات منك ما بطن ، فإنك إلي
راجع .
يا عيسى ، أعطيتك ما أنعمت به عليك فيضا من غير تكدير ، وطلبت منك قرضا
لنفسك فبخلت به عليها ، لتكون من الهالكين .
يا عيسى ، تزين بالدين وحب المساكين ، وامش على الأرض هونا ، وصل على
البقاع ، فكلها طاهر .
يا عيسى ، شمر فكل ما هو آت قريب ، واقرأ كتابي وأنت طاهر ، وأسمعني منك
صوتا حزينا .
يا عيسى ، لا خير في لذاذة لا تدوم ، وعيش من صاحبه يزول .
يا ابن مريم ، لو رأت عينك ما أعددت لأوليائي الصالحين ذاب قلبك وزهقت
نفسك شوقا إليه ، فليس كدار الآخرة دار ، تجاور فيها الطيبون ، ويدخل عليهم فيها
الملائكة المقربون ، وهم مما يأتي يوم القيامة من أهوالهما آمنون ، دار لا يتغير فيها
النعيم ، ولا يزول عن أهلها .
يا ابن مريم ، نافس فيها مع المتنافسين ، فإنها أمنية المتمنين ، حسنة المنظر ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 84 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
طوبى لك يا ابن مريم إن كنت لها من العاملين ، مع آبائك آدم وإبراهيم في جنات
ونعيم ، لا تبغي لها بدلا ولا تحويلا ، كذلك أفعل بالمتقين .
يا عيسى ، أهرب إلي مع من يهرب من نار ذات لهب ، ونار ذات أغلال وأنكال ،
لا يدخلها روح ، ولا يخرج منها غم أبدا ، قطع كقطع الليل المظلم ، من ينج منها يفز ،
ولن ينجو منها من كان من الهالكين ، هي دار الجبارين والعتاة الظالمين ، وكل فظ
غليظ ، وكل مختار فخور .
يا عيسى ، بئست الدار لمن ركن إليها ، وبئس القرار دار الظالمين ، إني أحذرك
نفسك فكن بي خبيرا .
يا عيسى ، كن حيث ما كنت مراقبا لي ، واشهد على أني خلقتك وأنت عبدي .
يا عيسى ، لا يصلح لسانان في فم واحد ، ولا قلبان في صدر واحد ، وكذلك
الأذهان .
يا عيسى ، لا تستيقظن عاصيا ، ولا تستنبهن لاهيا ، وافطم نفسك عن الشهوات
الموبقات ، وكل شهوة تباعدك مني فاهجرها ، واعلم أنك مني بمكان الرسول
الأمين ، فكن مني على حذو العم . إن دنياك مؤديتك إلي وإني آخذك بعلمي ، فكن
ذليل النفس عند ذكري ، خاشع القلب حين تذكرني ، يقظانا عند نوم الغافلين .
يا عيسى ، هذه نصيحتي إياك وموعظتي لك ، فخذها مني ، وإني رب العالمين .
يا عيسى ، إذا صبر عبدي في جنبي كان ثواب عمله علي ، وكنت عنده حين
يدعوني ، وكفى بي منتقما ممن عصاني ، أين يهرب مني الظالمون ؟
يا عيسى ، أطب الكلام ، وكن حيثما كنت عالما متعلما .
يا عيسى ، أفض بالحسنات إلي ، حتى يكون لك ذكرها عندي ، وتمسك
بوصيتي فإن فيها شفاء للقلوب .
يا عيسى ، لا تأمن إذا مكرت مكري ، ولا تنس عند خلوات الدنيا ذكري .
يا عيسى ، حاسب نفسك بالرجوع إلي ، حتى تتنجز ثواب ما عمله العاملون ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 85 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أولئك يؤتون أجرهم وأنا خير المؤتين .
يا عيسى ، كنت خلقا بكلامي ، ولدتك مريم بأمري المرسل إليها روحي جبرئيل ،
الأمين من ملائكتي ، حتى قمت على الأرض حيا تمشي كل ذلك في سابق علمي .
يا عيسى ، زكريا بمنزلة أبيك وكفيل أمك ، إذ يدخل عليها المحراب فيجد عندها
رزقا ، ونظيرك يحيى من خلقي ، وهبته لأمه بعد الكبر من غير قوة بها ، أردت بذلك
أن يظهر لها سلطاني وتظهر قدرتي . أحبكم إلي أطوعكم لي ، وأشدكم خوفا مني .
يا عيسى ، تيقظ ولا تيأس من روحي ، وسبحني مع من يسبحني ، وبطيب الكلام
فقدسني .
يا عيسى ، كيف يكفر العباد بي ونواصيهم في قبضتي ، وتقلبهم في أرضي ،
يجهلون نعمتي ويتولون عدوي ، وكذلك يهلك الكافرون .
يا عيسى ، إن الدنيا سجن منتن الريح ، وحسن فيها ما قد ترى مما قد تذابح عليه
الجبارون ، وإياك والدنيا فكل نعيمها يزول ، وما نعيمها إلا قليل .
يا عيسى ، إبغني عند وسادك تجدني ، وادعني وأنت لي محب ، فإني أسمع
السامعين ، أستجيب للداعين إذا دعوني .
يا عيسى ، خفني وخوف بي عبادي ، لعل المذنبين أن يمسكوا عما هم عاملون
به ، فلا يهلكوا إلا وهم يعلمون .
يا عيسى ، إرهبني رهبتك من السبع والموت الذي أنت لاقيه ، فكل هذا أنا
خلقته ، فإياي فارهبون .
يا عيسى ، إن الملك لي وبيدي ، وأنا الملك فإن تطعني أدخلتك جنتي في جوار
الصالحين .
يا عيسى ، إني إذا غضبت عليك لم ينفعك رضى من رضي عنك ، وإن رضيت
عنك لم يضرك غضب المغضبين .
يا عيسى ، أذكرني في نفسك أذكرك في نفسي ، واذكرني في ملأك أذكرك في ملأ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 86 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خير من ملأ الآدميين .
يا عيسى ، أدعني دعاء الغريق الحزين ، الذي ليس له مغيث .
يا عيسى ، لا تحلف بي كاذبا فيهتز عرشي غضبا . الدنيا قصيرة العمر طويلة الأمل
وعندي دار خير مما تجمعون .
يا عيسى ، كيف أنتم صانعون إذا أخرجت لكم كتابا ينطق بالحق وأنتم تشهدون
بسرائر قد كتمتموها وأعمال كنتم بها عاملين .
يا عيسى ، قل لظلمة بني إسرائيل : غسلتم وجوهكم ودنستم قلوبكم ، أبي
تغترون أم علي تجترئون ؟ ! تطيبون بالطيب لأهل الدنيا وأجوافكم عندي بمنزلة
الجيف المنتنة ، كأنكم أقوام ميتون !
يا عيسى ، قل لهم : قلموا أظفاركم من كسب الحرام ، وأصموا أسماعكم عن ذكر
الخنا ، وأقبلوا علي بقلوبكم ، فإني لست أريد صوركم .
يا عيسى ، إفرح بالحسنة فإنها لي رضى ، وابك على السيئة فإنها شين ، وما لا
تحب أن يصنع بك فلا تصنعه بغيرك ، وإن لطم خدك الأيمن فأعطه الأيسر ، وتقرب
إلي بالمودة جهدك ، وأعرض عن الجاهلين .
يا عيسى ، ذل لأهل الحسنة وشاركهم فيها ، وكن عليهم شهيدا . وقل لظلمة بني
إسرائيل : يا أخدان السوء والجلساء عليه ، إن لم تنتهوا أمسخكم قردة وخنازير .
يا عيسى ، قل لظلمة بني إسرائيل : الحكمة تبكي فرقا مني ، وأنتم بالضحك
تهجرون ، أتتكم براءتي ، أم لديكم أمان من عذابي ، أم تعرضون لعقوبتي ؟ ! فبي
حلفت لأتركنكم مثلا للغابرين .
ثم أوصيك يا بن مريم البكر البتول ، بسيد المرسلين وحبيبي ، فهو أحمد صاحب
الجمل الأحمر ، والوجه الأقمر ، المشرق بالنور ، الطاهر القلب ، الشديد البأس ،
الحيي المتكرم ، فإنه رحمة للعالمين ، وسيد ولد آدم يوم يلقاني ، أكرم السابقين علي
وأقرب المرسلين مني ، العربي الأمين ، الديان بديني ، الصابر في ذاتي ، المجاهد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 87 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المشركين بيده عن ديني ، أن تخبر به بني إسرائيل ، وتأمرهم أن يصدقوا به وأن
يؤمنوا به وأن يتبعوه ، وأن ينصروه .
قال عيسى : إلهي من هو حتى أرضيه ، فلك الرضا ؟ قال : هو محمد رسول الله
إلى الناس كافة ، أقربهم مني منزلة ، وأحضرهم شفاعة ، طوبى له من نبي ، وطوبى
لأمته إن هم لقوني على سبيله ، يحمده أهل الأرض ويستغفر له أهل السماء ، أمين
ميمون ، طيب مطيب ، خير الباقين عندي ، يكون في آخر الزمان ، إذا خرج أرخت
السماء عزاليها ، وأخرجت الأرض زهرتها ، حتى يروا البركة ، وأبارك لهم فيما وضع
يده عليه ، كثير الأزواج ، قليل الأولاد ، يسكن بكة ، موضع أساس إبراهيم .
يا عيسى ، دينه الحنيفية ، وقبلته يمانية ، وهو من حزبي وأنا معه ، فطوبى له ثم
طوبى له ، له الكوثر والمقام الأكبر في جنات عدن ، يعيش أكرم من عاش ويقبض
شهيدا ، له حوض أكبر من بكة إلى مطلع الشمس ، من رحيق مختوم ، فيه آنية مثل
نجوم السماء ، وأكواب مثل مدر الأرض ، عذب فيه من كل شراب ، وطعم كل ثمار
في الجنة ، من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا ، وذلك من قسمي له وتفضيلي إياه .
على فترة بينك وبينه ، يوافق سره علانيته ، وقوله فعله ، لا يأمر الناس إلا بما يبدأهم
به ، دينه الجهاد في عسر ويسر ، تنقاد له البلاد ويخضع له صاحب الروم . على دين
إبراهيم ، يسمي عند الطعام ، ويفشي السلام ، ويصلي والناس نيام ، له كل يوم
خمس صلوات متواليات ، ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار ، ويفتتح بالتكبير
ويختتم بالتسليم ، ويصف قدميه في الصلاة كما تصف الملائكة أقدامها ، ويخشع
لي قلبه ورأسه ، النور في صدره والحق على لسانه ، وهو على الحق حيثما كان أصله .
يتيم ضال برهة من زمانه عما يراد به ، تنام عيناه ولا ينام قلبه ، له الشفاعة ، وعلى
أمته تقوم الساعة ، ويدي فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى
بما عاهد عليه أوفيت له بالجنة ، فمر ظلمة بني إسرائيل ألا يدرسوا كتبه ، ولا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 88 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يحرفوا سنته ، وأن يقرؤوه السلام ، فإن له في المقام شأنا من الشأن . انتهى .
وقد يكون حدث في هذا النص تغيير ما من الرواة ، ولكن فيه أفكارا وأمورا مهمة
يحسن مقارنتها وأمثالها مما ورد في مصادرنا عن عيسى ( عليه السلام ) بالنصوص التي تشابهها
من الإنجيل والتوراة ، لمعرفة التفاوت والتغيير فيها .
* *

تفسير إخواننا السنيين القريب من تفسيرنا

- مسند أحمد ج 2 ص 441 :
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : عسى أن يبعثك ربك
مقاما محمودا ، قال : هو المقام الذي أشفع لأمتي فيه .
- الدر المنثور ج 4 ص 197 :
أخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله
عنهما قال : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاء ، كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان
إشفع لنا ، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذلك يوم يبعثه الله
المقام المحمود .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي
في الدلائل عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : عسى أن
يبعثك ربك مقاما محمودا ، وسئل عنه قال : هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي .
وأخرج ابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : المقام المحمود الشفاعة .
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما
في قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ، قال مقام الشفاعة .
وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص ( رضي الله عنه ) قال : سئل رسول الله صلى الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 89 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عليه وسلم عن المقام المحمود فقال : هو الشفاعة .
- الدر المنثور ج 4 ص 198 :
وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان ( رضي الله عنه ) قال : يقال له : سل تعطه ، يعني النبي صلى
الله عليه وسلم ، واشفع تشفع ، وادع تجب ، فيرفع رأسه فيقول : أمتي مرتين أو ثلاثا فقال
سلمان ( رضي الله عنه ) : يشفع في كل من في قلبه مثقال حبة حنطة من إيمان ، أو مثقال شعيرة
من إيمان ، أو مثقال حبة خردل من إيمان . قال سلمان ( رضي الله عنه ) : فذلكم المقام المحمود .
- الدر المنثور ج 5 ص 98 :
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلت : بأبي أنت وأمي أين كنت وآدم في الجنة ؟ فتبسم حتى بدت نواجذه ثم قال :
إني كنت في صلبه ، وهبط إلى الأرض وأنا في صلبه ، وركبت السفينة في صلب أبي
نوح ، وقذفت في النار في صلب أبي إبراهيم ، لم يلتق أبواي قط على سفاح ، لم يزل
الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة ، مصفى مهذبا لا تتشعب
شعبتان إلا كنت في خيرهما ، قد أخذ الله بالنبوة ميثاقي وبالإسلام هداني وبين في
التوراة والإنجيل ذكري ، وبين كل شئ من صفتي في شرق الأرض وغربها ، وعلمني
كتابه ، ورقي بي في سمائه ، وشق لي من أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمد ،
ووعدني أن يحبوني بالحوض وأعطاني الكوثر ، وأنا أول شافع وأول مشفع ، ثم
أخرجني في خير قرون أمتي ، وأمتي الحمادون يأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر . انتهى .
- ورواه في كنز العمال ج 12 ص 427 وأضاف فيه : قال ابن عباس : فقال حسان بن
ثابت في النبي صلى الله عليه وسلم :
من قبلها طبت في الظلال وفي * مستودع حيث يخصف الورق
ثم سكنت البلاد لا بشر * أنت ولا نطفة ولا علق
مطهر تركب السفين وقد * ألجم أهل الضلالة الغرق
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 90 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تنقل من صلب إلى رحم * إذا مضى عالم بدا طبق
- تفسير الطبري ج 15 ص 97 :
وقوله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ، عن ابن عباس قال : المقام المحمود
مقام الشفاعة . .
- ومثله في طبقات المحدثين بأصبهان ج 1 ص 201 عن جابر وأبي سعيد مرفوعا وفي
مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ج 1 جزء 2 ص 165 عن ابن عباس .
- الشفا للقاضي عياض ج 1 ص 188 :
فصل في تفضيله صلى الله عليه وسلم بالشفاعة والمقام المحمود ، قال الله
تعالى : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا . . . عن آدم بن علي قال سمعت ابن عمر
يقول : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثى ، كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان إشفع لنا
يا فلان إشفع لنا ، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذلك يوم
يبعثه الله المقام المحمود .
- تفسير الرازي ج 11 جزء 21 ص 31 :
قال الواحدي : أجمع المفسرون على أنه ( المقام المحمود ) مقام الشفاعة . . . إن
احتياج الإنسان إلى دفع الآلام العظيمة عن النفس فوق احتياجه إلى تحصيل المنافع
الزائدة التي لا حاجة به إلى تحصيلها . وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من قوله :
عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ، هو الشفاعة في إسقاط العقاب . انتهى . وراجع
التفسير الوسيط للنيسابوري ج 3 ص 122 .
- وقال في ج 16 جزء 32 ص 127 : قوله تعالى : إنا أعطيناك الكوثر ، الكوثر هو المقام
المحمود الذي هو الشفاعة . . . شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 91 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

- صحيح البخاري ج 8 ص 183 :
فأستأذن على ربي في داره ! فيؤذن لي عليه ، فإذا رأيته وقعت ساجدا ، فيدعني
ما شاء الله أن يدعني فيقول : إرفع يا محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعط . قال
فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ، ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج
فأدخلهم الجنة . قال قتادة : وسمعته أيضا يقول : فأخرج فأخرجهم من النار
وأدخلهم الجنة ، ثم أعود فاستأذن على ربي في داره ! فيؤذن لي عليه فإذا رأيته
وقعت ساجدا ، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول : إرفع محمد وقل يسمع
واشفع تشفع وسل تعطه ، قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ،
قال ثم أشفع ، فيحد لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة . قال قتادة : وسمعته يقول
فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فأستأذن إلى ربي في داره !
فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ، ثم يقول إرفع
محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعطه ، قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء
وتحميد يعلمنيه ، قال ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة . قال قتادة :
وقد سمعته يقول : فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ، حتى ما يبقى في النار
إلا من حبسه القرآن ، أي وجب عليه الخلود . قال : ثم تلا الآية : عسى أن يبعثك ربك
مقاما محمودا ، قال وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم صلى الله عليه وسلم .
ونحوه في صحيح مسلم ج 1 ص 123 ومسند أحمد ج 3 ص 244 وشبيهه في مسند أحمد
ج 1 ص 398 وسنن الترمذي ج 4 ص 370 ومستدرك الحاكم ج 4 ص 496 والدر المنثور ج
3 ص 87 عن الطبري .
- وفي الدر المنثور ج 6 ص 257 في قصة الدجال :
عن ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه
والبيهقي في البعث والنشور عن ابن مسعود أنه ذكر عنده الدجال فقال . . . إلى آخر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 92 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الرواية . وستأتي بتمامها في بحث الخلود في الجنة والنار وفي بعض نصوصها
تجسيم صريح وفي بعضها رائحة التجسيم .
وكذلك ما رواه البخاري في تسعة مواضع من صحيحه ج 2 جزء 4 ص 105 و ج 3 جزء 5
ص 146 و ص 225 وص 228 و ج 7 ص 203 و ج 8 ص 172 و ص 183 وص 200 و ص
203 من حديث الشدة التي تكون على الناس في المحشر حتى يلجؤون ( كذا ) إلى آدم وغيره
من الأنبياء فيحولونهم على نبينا ( صلى الله عليه وآله ) فيشفع إلى الله تعالى فيشفعه . وروى ذلك في كنز العمال
ج 2 ص 26 وغيره .
- سنن الدارمي ج 2 ص 325 :
عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قيل له : ما المقام المحمود ؟
قال : ذاك يوم ينزل الله تعالى على كرسيه يئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه به ،
وهو كسعة ما بين السماء والأرض ، ويجاء بكم حفاة عراة غرلا ، فيكون أول من
يكسى إبراهيم ، يقول الله تعالى إكسوا خليلي فيؤتى بريطتين بيضاوين من رياط
الجنة ، ثم أكسى على أثره ، ثم أقوم عن يمين الله مقاما يغبطني الأولون والآخرون .
انتهى .
- ورواه الحاكم في ج 2 ص 364 والبغوي في مصابيحه ج 3 ص 552 والهندي في كنز العمال
ج 14 ص 412 والسيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 84 وروى نحوه في الدر المنثور ج 1 ص
34 و ص 328 و ص 324 قال : وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال قال
رجل : يا رسول الله ما المقام المحمود ؟ قال . . .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال كان الحسن يقول : الكرسي هو العرش . . فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . وسع كرسيه السماوات والأرض ، فهي تئط من
عظمته وجلاله كما يئط الرحل الجديد ! ! . انتهى . ورواه في كنز العمال ج 14 ص 636 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 93 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي فردوس الأخبار ج 3 ص 85 :
عن ابن عمر : عسى الله أن يبعثك ربك مقاما محمودا ، يجلسني معه على
السرير .
- وفي ج 4 ص 298 عن أنس بن مالك : من كرامتي على ربي عز وجل قعودي على
العرش .
- مجمع الزوائد ج 7 ص 51 :
وعن ابن عباس أنه قال في قول الله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ، يجلسه
بينه وبين جبريل ويشفع لأمته ، فذلك المقام المحمود . ورواه السيوطي في الدر
المنثور ج 4 ص 198 .
- وروى البيهقي في دلائل النبوة ج 5 ص 481 :
يأتي رسول الله ( ص ) يوم القيامة إلى الله وهو جالس على كرسيه .
- وقال الشوكاني في فتح القدير ج 3 ص 316 :
إن المقام المحمود هو أن الله سبحانه يجلس محمدا معه على كرسيه حكاه ابن
جرير . . . وقد ورد في ذلك حديث .
- وفي تاريخ بغداد ج 3 ص 22 عن ليث بن مجاهد في قوله : عسى أن يبعثك ربك
مقاما محمودا قال : يقعده معه على العرش . .
- وفي تاريخ بغداد ج 8 ص 52 :
عن عبد الله بن خليفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الكرسي الذي
يجلس عليه الرب عز وجل وما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع ، وإن له أطيطا كأطيط
الرحل الجديد !
قال أبو بكر المروذي قال لي أبو علي الحسين بن شبيب قال لي أبو بكر بن سلم
العابد حين قدمنا إلى بغداد : أخرج ذلك الحديث الذي كتبناه عن أبي حمزة ، فكتبه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 94 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أبو بكر بن سلم بخطه وسمعناه جميعا ، وقال أبو بكر بن سلم : إن الموضع الذي
يفضل لمحمد صلى الله عليه وسلم ليجلسه عليه ! قال أبو بكر الصيدلاني : من رد
هذا فإنما أراد الطعن على أبي بكر المروزي ، وعلى أبي بكر بن سلم العابد ! !

القعود على العرش فكرة يهودية مسيحية

- قال جولد تسيهر في مذاهب التفسير الإسلامي ص 122 :
سجلت فتنة ببغداد أثارها نزاع على مسألة من التفسير ذلك هو تفسير الآية 79 من
سورة الإسراء : ومن الليل فتهجد به نافلة عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ، ما
المراد من المقام المحمود ؟ ذهب الحنابلة . . . إلى أن الذي يفهم من ذلك هو أن الله
يقعد النبي معه على العرش . . . ربما كان هذا متأثرا بما جاء في إنجيل مرقص 16 -
19 ، وآخرون ذهبوا إلى أن المقام المحمود . . . هو مرتبة الشفاعة التي يرفع إليها
النبي . انتهى .
وقد أوردنا في المجلد الثاني من العقائد الإسلامية أن أفكار التجسيم والصفات
المادية لله تعالى وعرشه قد أخذها بعض المسلمين من اليهود وأدخلوها في الثقافة
الإسلامية ، وأضاف إليها هؤلاء المقلدة إجلاس نبيهم إلى جنب الله تعالى ! بينما
روى اليهود إجلاس موسى وداود إلى جنبه ! وروى المسيحيون جلوس عيسى على
السرير إلى جنب أبيه ! ! وقد تقدم ذلك في الشفاعة عند اليهود والنصارى .
ونلاحظ أن ابن سلام اليهودي الذي أسلم يقول عن نبينا ( صلى الله عليه وآله ) إنه لا يجلس إلى
جنب الله تعالى بل ( يلقى ) له كرسي في جنب المجلس مثلا فيجلس عليه ! قال
البيهقي في دلائل النبوة ج 5 ص 486 : عن عبد الله بن سلام : وينجو النبي ( ص )
والصالحون معه ، وتتلقاهم الملائكة يرونهم منازلهم . . حتى ينتهي إلى الله عز وجل
فيلقى له كرسي . انتهى .
وسوف تعرف في بحث الشفيع الأول أن مصادر السنيين تأثرت بالإسرائيليات
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 95 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وصححت رواياتها وجعلت شفاعة أنبياء بني إسرائيل قبل نبينا ( صلى الله عليه وآله ) وجعلته الشفيع
الرابع .
قال السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 198 : وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم
والطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود ( رضي الله عنه ) قال : يأذن الله تعالى في الشفاعة فيقوم
روح القدس جبريل ( عليه السلام ) ثم يقوم إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام ثم يقوم
عيسى وموسى ( عليهما السلام ) ثم يقوم نبيكم صلى الله عليه وسلم رابعا ليشفع . . . ورواه الحاكم
في المستدرك ج 4 ص 496 بسند صحيح على شرط الشيخين ! !
أما الفتنة التي ذكرها تسيهر فقد ذكرها ابن الأثير في تاريخه ج 5 ص 121 فقال : ( في
سنة 317 ه‍ ) وقعت فتنة عظيمة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المروزي الحنبلي وبين
غيرهم من العامة ، ودخل كثير من الجند فيها ، وسبب ذلك أصحاب المروزي قالوا
في تفسير قوله تعالى : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ، هو أن الله سبحانه يقعد
النبي ( ص ) معه على العرش ! وقالت طائفة إنما هو الشفاعة ، فوقعت الفتنة فقتل
بينهم قتلى كثيرة . انتهى . وذكرها الذهبي في تاريخ الإسلام ج 23 ص 384 وأنها بسبب
تفسير آية المقام المحمود ، حيث قالت الحنابلة إنها تعني أن الله يقعده على عرشه
كما قال مجاهد . وقال غيرهم : بل هي الشفاعة العظمى .

انتقاد بعض علماء السنة التفسير بالقعود على العرش

- قال السقاف في صحيح شرح العقيدة الطحاوية ج 1 ص 570 :
قال الإمام الطحاوي ( رحمه الله ) : والشفاعة التي ادخرها لهم حق كما روي في الأخبار
ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته ، ولا نأمن
عليهم ، ولا نشهد لهم بالجنة ، ونستغفر لمسيئهم ، ونخاف عليهم ولا نقنطهم .
الشرح : لقد ثبتت الشفاعة منطوقا ومفهوما في القرآن الكريم وخاصة للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )
ومن تلك الآيات قوله تعالى : ولسوف يعطيك ربك فترضى . الضحى - 3 وقال تعالى :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 96 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا . الإسراء - 79 وتفسير المقام المحمود بالشفاعة
ثابت في الصحيحين وغيرهما ( 338 ) .
وقال الله تعالى : يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا .
طه - 109 . وقال تعالى : ما من شفيع إلا من بعد إذنه . يونس - 3 .
وفي شفاعة الملائكة قوله تعالى : بل عباد مكرمون . لا يسبقونه بالقول . وهم
بأمره يعملون . يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من
خشيته مشفقون . الأنبياء - 78 .
وقال في هامشه : ( 338 ) أنظر البخاري 3 - 338 و 8 - 399 و 13 - 422 ومسلم
1 - 179 . ومن الغريب العجيب أن يعرض المجسمة والمشبهة عن هذا الوارد الثابت
في الصحيحين ، ويفسروا المقام المحمود بجلوس سيدنا محمد على العرش بجنب
الله ! تعالى الله عن إفكهم وكذبهم علوا كبيرا ، وهم يعتمدون على ذلك على ما يروى
عن مجاهد بسند ضعيف من أنه قال ما ذكرناه من التفسير المنكر المستشنع ، وتكفل
الخلال في كتابه السنة 1 - 209 بنصرة التفسير المخطئ المستبشع ، وقد نطق بما هو
مستنشع عند جميع العقلاء !
- وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص 170 :
وهذا الخلال يقول في سنته ص 232 ناقلا : لا أعلم أحدا من أهل العلم ممن
تقدم ولا في عصرنا هذا إلا وهو منكر لما أحدث الترمذي ( 99 ) من رد حديث
محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ،
قال يقعده على العرش ( 100 ) فهو عندنا جهمي يهجر ونحذر عنه .
وقال السقاف في هامشه : ( 99 ) مع أن التأويل والتفويض لم يحدثه ولم يخترعه
الترمذي ، . ومن الغريب العجيب أيضا أن محقق سنة الخلال عطية الزهراني حاول
أن ينفي أن كون الترمذي المراد هنا هو الإمام المعروف صاحب السنن فقال ص
224 في الهامش تعليق رقم 4 هو جهم بن صفوان ثم تراجع عن ذلك ص 232 فقال
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 97 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في الهامش التعليق رقم 8 ( كنت أظنه جهم ، ولكن اتضح من الروايات أنه يقصد
رجلا آخر لم أتوصل إلى معرفته ) فيا للعجب ! !
( 100 ) وهذا القعود الذي يتحدثون عنه هو قعود سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بجنب الله
تعالى على العرش ! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ! والدليل عليه قول الخلال هناك
ص 244 : حدثنا أبو معمر ثنا أبو الهذيل عن محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد
قال : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ، قال : يجلسه معه على العرش قال عبد
الله : سمعت هذا الحديث من جماعة وما رأيت أحدا من المحدثين ينكره ، وكان
عندنا في وقت ما سمعناه من المشائخ أن هذا الحديث إنما تنكره الجهمية .
أقول : ومن العجيب الغريب أن الألباني ينكر هذا ، ويقول بعدم صحته وأنه لم
يثبت كما سيأتي ، وكذلك محقق الكتاب وهو متمسلف معاصر ينكر ذلك أيضا
ويحكم على هذا الأثر بالضعف حيث يقول في هامش تلك الصحيفة تعليق رقم 19 :
إسناده ضعيف ! فهل هؤلاء جهمية ! وما هذا الخلاف الواقع بين هؤلاء في أصول
اعتقادهم !
ومن الغريب العجيب أيضا أنهم اعتبروا أن نفي قعود سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بجنب
الله نافيا ودافعا لفضيلة من فضائل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والدليل على ما قلناه قول الخلال
هناك ص 237 : ( وقال أبو علي إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي ( وهو مجهول بنظر
المحقق ) : إن هذا المعروف بالترمذي عندنا مبتدع جهمي ، ومن رد حديث مجاهد
فقد دفع فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن رد فضيلة الرسول صلى الله
عليه وسلم فهو عندنا كافر مرتد عن الإسلام ! ! ) وقال ص 234 ناقلا ( وأنا أشهد على
هذا الترمذي أنه جهمي خبيث ) ! انتهى .
* *

تفسير قوله تعالى ( ولسوف يعطيك ربك فترضى )

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 98 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال الله تعالى : والضحى والليل إذا سجى . ما ودعك ربك وما قلى . وللآخرة خير
لك من الأولى . ولسوف يعطيك ربك فترضى . الضحى 1 - 5 .
والعطاء في الآية مطلق شامل لأنواع ما يعطيه الله تعالى لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) ومن الطبيعي
أن يكون عطاء عظيما متناسبا مع كرم الله تعالى على حبيبه أشرف الخلق وسيد
المرسلين ( صلى الله عليه وآله ) . . ولم تنص الآية على أنه الشفاعة ولكن بعض الأحاديث نصت على
ذلك ، وبعضها نص على أنها الشفاعة في أهل بيته وبني هاشم وعبد المطلب ،
وبعضها نص على أنه العطاء في الجنة ، وبعضها أطلق . . وبعضها قال إنها الشفاعة في
أهل بيته وأمته . . وجعلها بعضهم الشفاعة في جميع أمته ( صلى الله عليه وآله ) بحيث لا يدخل أحد
منها النار أبدا ! ولكن ذلك لا يصح لأنه مخالف لما ثبت عنه ( صلى الله عليه وآله ) من دخول بعض
أمته النار ومخالف لقانون الجزاء الإلهي ، كما ستعرف .

تفسير الآية بالعطاء الإلهي الأعم من الشفاعة

- تفسير القمي ج 2 ص 427 :
حدثنا جعفر بن أحمد قال : حدثنا عبد الله بن موسى بن الحسن بن علي بن أبي
حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قوله : وللآخرة خير لك من
الأولى ، قال : يعني الكرة هي الآخرة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) . قلت قوله : ولسوف يعطيك ربك
فترضى ، قال : يعطيك من الجنة فترضى . ورواه في مختصر بصائر الدرجات ص 47
وفي بحار الأنوار ج 53 ص 59 وفي تفسير نور الثقلين ج 5 ص 594 .
- تفسير التبيان ج 10 ص 369 :
قوله : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، وعد من الله له أن يعطيه من النعيم والثواب
وفنون النعم ما يرضي النبي ( صلى الله عليه وآله ) به ويؤثره .
- تأويل الآيات ج 2 ص 810 :
قوله تعالى : وللآخرة خير لك من الأولى ، ولسوف يعطيك ربك فترضى . تأويله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 99 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ما رواه محمد بن العباس ( رحمه الله ) عن أبي داود ، عن بكار ، عن عبد الرحمان ، عن
إسماعيل بن عبد الله ، عن علي بن عبد الله بن العباس قال : عرض على رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) ما هو مفتوح على أمته من بعده كفرا كفرا فسر بذلك فأنزل الله عز وجل :
وللآخرة خير لك من الأولى ، ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال : فأعطاه الله
عز وجل ألف قصر في الجنة ترابه المسك ، وفي كل قصر ما ينبغي له من الأزواج
والخدم . وقوله : كفرا كفرا أي قرية ، والقرية تسمى كفرا . انتهى .
- ورواه في الدر المنثور ج 6 ص 361 :
عن ابن أبي حاتم وعبد بن حميد وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه
والبيهقي وابن مردويه وأبو نعيم كلاهما في الدلائل عن ابن عباس قال . . . الخ .
وقال : أخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عرض علي ما هو مفتوح لأمتي
بعدي فسرني ، فأنزل الله : وللآخرة خير لك من الأولى .
- بحار الأنوار ج 16 ص 136 :
ولسوف يعطيك ربك فترضى ، أي من الحوض والشفاعة وسائر ما أعد له من
الكرامة ، أو في الدنيا أيضا من إعلاء الدين وقمع الكافرين .
- سيرة ابن هشام ج 1 ص 278 :
قال ابن إسحاق : ثم فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة من ذلك
حتى شق ذلك عليه فأحزنه ، فجاءه جبريل بسورة الضحى يقسم له ربه وهو الذي
أكرمه بما أكرمه به : ما ودعه وما قلاه ، فقال تعالى : والضحى والليل إذا سجى ، ما
ودعك ربك وما قلى ، يقول : ما صرمك فتركك ، وما أبغضك منذ أحبك . وللآخرة
خير لك من الأولى ، أي لما عندي من مرجعك إلي خير لك مما عجلت لك من
الكرامة في الدنيا . ولسوف يعطيك ربك فترضى ، من الفلج في الدنيا والثواب في الآخرة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 100 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

تفسيرها بالشفاعة لأمته أو بالشفاعة مطلقا

- تفسير فرات الكوفي ص 570 :
فرات قال : حدثني محمد بن القاسم بن عبيد معنعنا : عن حرب بن شريح
البصري قال : قلت لمحمد بن علي ( عليهما السلام ) : أي آية في كتاب الله أرجى ؟ قال : ما يقول
فيها قومك قال قلت يقولون : يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من
رحمة الله ، قال : لكنا أهل البيت لا نقول ذلك . قال قلت : فأيش تقولون فيها ؟ قال
نقول : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، الشفاعة والله ، الشفاعة والله الشفاعة . ورواه
في بحار الأنوار ج 8 ص 57 .
- وقال في هامش تفسير فرات :
- وأخرج الحسكاني في شواهد التنزيل عن الحسين بن محمد الثقفي عن
الحسين بن محمد بن حبيش المقري ، عن محمد بن عمران بن أسد الموصلي ، عن
محمد بن أحمد المرادي ، عن حرب بن شريح البزاز ، عن محمد بن علي الباقر ، عن
ابن الحنفية ، عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أشفع لأمتي حتى
ينادي ربي : رضيت يا محمد ؟ فأقول : رب رضيت . ثم قال الباقر : إنكم معشر أهل
العراق تقولون إن أرجى آية في القرآن : يا عبادي الذين أسرفوا . . قلت : إنا لنقول
ذلك . قال : ولكنا أهل البيت نقول : إن أرجى آية في كتاب الله : ولسوف يعطيك ربك
فترضى ، وهي الشفاعة .
- وفي الدر المنثور ج 6 ص 361 :
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق حرب بن
شريح ( رضي الله عنه ) قال قلت : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين : أرأيت هذه الشفاعة
التي يتحدث بها أهل العراق أحق هي ؟ قال : إي والله ، حدثني عمي محمد بن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 101 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الحنفية ، عن علي أن رسول . . ( بما يشبه رواية الحسكاني ) . انتهى .
- وقال أيضا :
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن ( رضي الله عنه ) أنه سئل عن قوله : ولسوف يعطيك ربك
فترضى ؟ قال : هي الشفاعة . انتهى . وروى الأول منهما في كنز العمال ج 14 ص 636
عن مسند علي ، ورواه الواحدي النيسابوري في تفسيره ج 4 ص 510 والكاندهلوي في حياة
الصحابة ج 3 ص 46 والشوكاني في فتح القدير ج 5 ص 568 .
- مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 190 ، قال حسان :
لئن كلم الله موسى على * شريف من الطور يوم الندا
فإن النبي أبا قاسم * حبي بالرسالة فوق السما
وقد صار بالقرب من ربه * على قاب قوسين لما دنا
وإن فجر الماء موسى لهم * عيونا من الصخر ضرب العصا
فمن كف أحمد قد فجرت * عيون من الماء يوم الظمأ
وإن كان هارون من بعده * حبي بالوزارة يوم الملا
فإن الوزارة قد نالها * علي بلا شك يوم الفدا
وقال كعب بن مالك الأنصاري :
فإن يك موسى كلم الله جهرة * على جبل الطور المنيف المعظم
فقد كلم الله النبي محمدا * على الموضع الأعلى الرفيع المسوم
داود ( عليه السلام ) كان له سلسلة الحكومة ليميز الحق من الباطل ، ولمحمد القرآن : ما
فرطنا في الكتاب من شئ ، وليست السلسلة كالكتاب ، والسلسلة قد فنيت والقرآن
بقي إلى آخر الدهر . وكان له النغمة ، ولمحمد الحلاوة : وإذا سمعوا ما أنزل إلى
الرسول . . . قال حسان :
وإن كان داود قد أوبت * جبال لديه وطير الهوا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 102 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ففي كف أحمد قد سبحت * بتقديس ربي صغار الحصى
. . . وسليمان كان يصفدهم لعصيانهم ، ونبينا أتوه طائعين راغبين . وسأل سليمان
ملك دنيا : رب هب لي ملكا . . . وعرض مفاتيح خزائن الدنيا على محمد فردها ،
فشتان بين من يسأل وبين من يعطى فلا يقبل ، فأعطاه الله الكوثر والشفاعة والمقام
المحمود : ولسوف يعطيك ربك فترضى .
وقال لسليمان : أمنن أو امسك بغير حساب ، وقال لنبينا : ما آتاكم الرسول فخذوه
وما نهاكم عنه فانتهوا . قال حسان بن ثابت :
وإن كانت الجن قد ساسها * سليمان والريح تجري رخا
فشهر غدو به رابيا * وشهر رواح به إن يشا
فإن النبي سرى ليلة * من المسجدين إلى المرتقى
وقال كعب بن مالك :
وإن تك نمل البر بالوهم كلمت * سليمان ذا الملك الذي ليس بالعمي
فهذا نبي الله أحمد سبحت * صغار الحصى في كفه بالترنم
ورواه في بحار الأنوار ج 16 ص 415 .
- مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 103 :
وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يهتم لعشرة أشياء فآمنه الله منها وبشره بها :
لفراقه وطنه فأنزل الله : إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد .
ولتبديل القرآن بعده كما فعل بسائر الكتب ، فنزل : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا
له لحافظون .
ولأمته من العذاب ، فنزل : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم .
ولظهور الدين ، فنزل : ليظهره على الدين كله .
وللمؤمنين بعده ، فنزل : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي
الآخرة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 103 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولخصمائهم ، فنزل : يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا .
وللشفاعة ، فنزل : ولسوف يعطيك ربك فترضى .
وللفتنة بعده على وصيه ، فنزل : فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون يعني بعلي .
ولثبات الخلافة في أولاده ، فنزل : لنستخلفنهم في الأرض .
ولابنته حال الهجرة ، فنزل : الذين يذكرون الله قياما وقعودا . . . الآيات . انتهى .
- وقال الفخر الرازي في تفسيره ج 16 جزء 31 ص 213 :
قوله تعالى : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، فالمروي عن علي بن أبي طالب وابن
عباس أن هذا هو الشفاعة في الأمة . . . واعلم أن الحمل على الشفاعة متعين ويدل
عليه وجوه ( أحدها ) أنه تعالى أمره ( ص ) في الدنيا بالاستغفار . . . عن جعفر
الصادق أنه قال : رضا جدي أن لا يدخل النار موحد ، وعن الباقر : أهل العراق
يقولون : أرجى آية قوله ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ) . . . الخ .

تفسيرها بشفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأهل بيته خاصة

- تفسير فرات الكوفي ص 570 :
قال حدثني جعفر بن محمد الفزاري قال : حدثنا عباد ، عن نصر ، عن محمد بن
مروان ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) في قوله : ولسوف يعطيك
ربك فترضى ، قال : يدخل الله ذريته الجنة .
- تأويل الآيات ج 2 ص 810 :
وروى أيضا عن محمد بن أحمد بن الحكم ، عن محمد بن يونس ، عن حماد بن
عيسى ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه صلى الله عليهما ، عن جابر بن عبد
الله قال : دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على فاطمة ( عليها السلام ) وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من
جلة الإبل فلما نظر إليها بكى وقال لها : يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة
غدا ، فأنزل الله عليه : وللآخرة خير لك من الأولى ، ولسوف يعطيك ربك فترضى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 104 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وروى أيضا عن أحمد بن محمد النوفلي ، عن أحمد بن محمد الكاتب ، عن
عيسى بن مهران بإسناده إلى زيد بن علي ( عليه السلام ) في قول الله عز وجل : ولسوف يعطيك
ربك فترضى ، قال : إن رضى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إدخال الله أهل بيته وشيعتهم الجنة ،
وكيف لا وإنما خلقت الجنة لهم والنار لأعدائهم . فعلى أعدائهم لعنة الله والملائكة
والناس أجمعين .
- مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 120 :
تفسير الثعلبي عن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) وتفسير القشيري عن جابر الأنصاري أنه
رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاطمة وعليها كساء من جلة الإبل . . . الخ .
ورواه في تفسير نور الثقلين ج 5 ص 594 عن المناقب لابن شهرآشوب عن تفسير
الثعلبي ، وفي بحار الأنوار ج 39 ص 85 عن تفسير الثعلبي وعن تفسير القشيري عن جابر
الأنصاري .
- ورواه في الدر المنثور ج 6 ص 361 قال : وأخرج العسكري في المواعظ وابن مردويه
وابن هلال وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال : دخل رسول الله صلى الله عليه
وسلم على فاطمة وهي تطحن بالرحى . . . الخ .
- مناقب أمير المؤمنين ج 1 ص 153 :
محمد بن سليمان قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال :
وحدثني محمد بن الصباح الدولابي قال : حدثنا الحكم بن ظهير ، عن السدي في
قوله تعالى : ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ، قال : المودة في آل الرسول . وفي
قوله تعالى : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال : يدخل أهل بيته الجنة .
أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب إجازة أن أبا أحمد عمر بن عبد الله بن
شوذب أخبرهم قال : حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال : حدثنا محمد بن أحمد بن
أبي العوام ، حدثنا محمد بن الصباح الدولابي ، حدثنا الحكم بن ظهير ، عن السدي
في قوله عز وجل : ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ، قال : المودة في آل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 105 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الرسول ( صلى الله عليه وآله ) . وفي قوله : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، فقال : رضى محمد ( صلى الله عليه وآله ) أن
يدخل أهل بيته الجنة . انتهى .
وقال في هامشه : أقول : وقريبا منه رواه الحافظ الحسكاني في تفسير الآية 23 من
سورة الشورى والآية 5 من سورة الضحى في كتاب شواهد التنزيل ج 2 ص 147 و
344 .
- مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 15 :
تفسير وكيع ، قال ابن عباس في قوله : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، يعني
ولسوف يشفعك يا محمد يوم القيامة في جميع أهل بيتك فتدخلهم كلهم الجنة
ترضى بذلك عن ربك . انتهى . ورواه في بحار الأنوار ج 8 ص 43 .
- بحار الأنوار ج 24 ص 48 :
وروى عن ابن المغازلي أيضا بإسناده عن السدي مثله ، وزاد في آخره : وقال في
قوله تعالى : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال : رضى محمد ( صلى الله عليه وآله ) أن يدخل أهل
بيته الجنة .
- الدر المنثور ج 6 ص 361 :
وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله :
ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال : من رضا محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته
النار .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود ( رضي الله عنه ) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، ولسوف يعطيك ربك فترضى .

تفسيرها بشفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لجميع أمته !

- شعب الإيمان للبيهقي ج 2 ص 164 :
عن ابن عباس من قوله عز وجل : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال : رضاه أن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 106 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يدخل أمته كلهم الجنة .
- الدر المنثور ج 6 ص 361 :
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله
عنهما في قوله : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال : رضاه أن تدخل أمته الجنة كلهم .
وأخرج الخطيب في تلخيص المتشابه من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله
عنهما في قوله ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال : لا يرضى محمد واحد من أمته
في النار .
وأخرج مسلم عن ابن عمرو ( رضي الله عنه ) أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله في
إبراهيم : فمن تبعني فإنه مني ، وقول عيسى : إن تعذبهم فإنهم عبادك . . الآية ، فرفع
يديه وقال : اللهم أمتي أمتي وبكى ، فقال الله : يا جبريل إذهب إلى محمد فقل له إنا
سنرضيك في أمتك ، ولا نسوؤك .
- تفسير نور الثقلين ج 5 ص 595 :
في مجمع البيان عن الصادق ( عليه السلام ) قال : دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على فاطمة ( عليها السلام )
وعليها كساء من جلة الإبل وهي تطحن بيدها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) لما أبصرها فقال : يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله
علي : ولسوف يعطيك ربك فترضى .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : رضا جدي أن لا يبقى في النار موحد .
وروى حريث بن شريح ، عن محمد بن علي بن الحنفية أنه قال : يا أهل العراق
تزعمون أن أرجى آية في كتاب الله عز وجل : يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم . .
الآية ، وإنا أهل البيت نقول : أرجى آية في كتاب الله : ولسوف يعطيك ربك فترضى ،
وهي والله الشفاعة ليعطاها في أهل لا إله إلا الله حتى يقول : رب رضيت .
- مجمع البحرين ج 1 ص 115 :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 107 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي حديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) : كساه الله من حلل الأمان . قال بعض الشارحين : المراد
أمان أمته من النار ، فإن الله تعالى قال له : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، وهو ( صلى الله عليه وآله ) لا
يرضى بدخول أحد من أمته إلى النار ، كما ورد في الحديث .
- مجمع البحرين ج 2 ص 186 :
قوله تعالى : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال المفسرون : اللام في ( ولسوف )
لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة والمبتدأ محذوف ، والتقدير : ولأنت
سوف يعطيك ، وليست بلام قسم لأنها لا تدخل على المضارع إلا مع نون التأكيد .
وفي الرواية : إن أرجى آية في كتاب الله هذه الآية ، لأنه لا يرضى بدخول أحد من
أمته النار .
- بحار الأنوار ج 79 ص 91 :
( المكسو حلل الأمان ) قال الشيخ البهائي ( رحمه الله ) : المراد أمان أمته من النار ، فإن الله
تعالى قال له : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، وهو ( صلى الله عليه وآله ) لا يرضى بدخول أحد من
أمته في النار ، كما ورد في الحديث ، وحلل الأمان استعارة .
* *

ملاحظتان

الأولى : قد يشكل على بعض هذه الأحاديث بأن سورة الضحى مكية فكيف
نزلت في المدينة بعد ما قاله النبي للزهراء صلى الله عليه وعليها ؟ أو بعد أن سب
بعض القرشيين بني هاشم وقال ( إنما مثل محمد فيهم كمثل شجرة في كبا ) كما
ذكرت بعض الروايات ؟ .
والجواب : أنه لا مانع من القول بنزول بعض الآيات مرتين أو مرات ، كما قرر ذلك
علماء التفسير في أسباب النزول ، فيكون النزول الثاني مؤكدا ، أو مبينا لمصاديق
الآية ، أو تأويلا لها . . ومن الواضح أن هذه الآية من النوع الذي يصح نزوله في أكثر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 108 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من مناسبة لتطمين النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتذكيره بنعم الله تعالى الآتية ، ليتحمل أحقاد
المشركين ومؤامراتهم ، ومتاعب الأمة وأذاياها ، ومصاعب الدنيا ومراراتها .
ويؤيد نزولها مرة ثانية ما رواه السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 361 : وأخرج ابن
مردويه عن عكرمة ( رضي الله عنه ) قال : لما نزلت وللآخرة خير لك من الأولى ، قال العباس بن
عبد المطلب : لا يدع الله نبيه فيكم إلا قليلا لما هو خير له . انتهى .
ويؤيده أيضا ما رواه المجلسي في بحار الأنوار ج 22 ص 533 : عن أبي جعفر ( عليه السلام )
قال : لما حضرت النبي الوفاة استأذن عليه رجل فخرج إليه علي ( عليه السلام ) فقال :
حاجتك ؟ قال : أردت الدخول إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال علي ( عليه السلام ) : لست تصل إليه
فما حاجتك ؟ فقال الرجل : إنه لا بد من الدخول عليه ، فدخل علي فاستأذن
النبي ( عليهما السلام ) فأذن له فدخل وجلس عند رأس رسول الله ثم قال : يا نبي الله إني رسول
الله إليك ، قال : وأي رسل الله أنت قال : أنا ملك الموت ، أرسلني إليك يخيرك بين
لقائه والرجوع إلى الدنيا ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : فأمهلني حتى ينزل جبرئيل فأستشيره ،
ونزل جبرئيل ( عليه السلام ) فقال : يا رسول الله الآخرة خير لك من الأولى ، ولسوف يعطيك
ربك فترضى ، لقاء الله خير لك ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : لقاء ربي خير لي ، فامض لما أمرت به ،
فقال جبرئيل لملك الموت : لا تعجل حتى أعرج إلى ربي وأهبط . . . الخ . انتهى .
على أنا نلاحظ في بعض رواياتها أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لفاطمة ( عليها السلام ) ( يا بنتاه تعجلي
مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله علي : ولسوف يعطيك ربك فترضى ) وهو
يدل على أن النبي ذكر فاطمة بنزول الآية ، لا أنها نزلت في ذلك الوقت .
الثانية : نلاحظ في تفسير هذه الآية ملامح الاتجاه إلى توسيع الشفاعة لكل
المسلمين ، مؤمنهم ومنافقهم ظالمهم ومظلومهم محسنهم ومسيئهم ! وأنها وأمثالها
لم تستثن الظالمين والجبارين والطغاة ومحرفي الدين والمفسدين في أمور البلاد
والعباد ! ولا اشترطت شروطا لنيل الشفاعة والنجاة فقالت مثلا : من مات على
الشهادتين وكان من الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، ولم يكن في رقبته ظلم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 109 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
للعباد . . ولو أنها اشتملت على ذلك لكان لعمومها وجه يمكن الدفاع عنه . . ولكنها
وأمثالها من الروايات تريد أن تقول إن المسلمين كلهم يدخلون الجنة مهما ارتكبوا
من معاص ومظالم ، ومهما انحرفوا عن في سلوكهم الخاص والعام عن الإسلام
وخالفوا الله تعالى ورسوله ! بل مهما حرفوا الإسلام وأعملوا معاولهم في هدم أصوله
وتغيير فروعه . . ! فما داموا مسلمين بالاسم منتمين إلى أمة النبي فإن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لا
يرضى يوم القيامة حتى يدخلهم الجنة إلى آخر نفر ! !
وهذه نفس مقولة اليهود ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) ولا يمكن التوفيق بينها وبين
آيات القرآن والأحاديث التي اتفق الجميع على صدورها عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) . . مثل
إخباره بأن بعض أصحابه يمنعون من ورود الحوض ، ويؤمر بهم إلى النار . . كما
سيأتي في محاولات توسيع الشفاعة ، إن شاء الله تعالى ، وستعرف أن عددا من
الآيات والأحاديث الثابتة عند الجميع تنص على أن شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لا يمكن أن
تشمل أنواعا من المجرمين والظالمين ، حتى لو كانوا من أمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
وصحابته ، وحتى لو كان عندهم بعض الأعمال الحسنة ، لأن إجراء قوانين الجزاء
والعقاب من مقتضيات العدل الإلهي .
ولذلك فإن مقولة ( أن النبي لا يرضى ما دام أحد من أمته محكوما عليه بدخول
النار ) مقولة باطلة لا تصح نسبتها إلى النبي وآله صلى الله عليه وعليهم ، لأن الآيات
والأحاديث القطعية تعارضها ، ويعارضها حكم العقل أيضا ، لأنها تساوي بين
المحسنين والفجار ، بل تبطل القانون الإلهي في العقاب !
وبسبب ذلك نستظهر أن أصل الحديث شفاعته ( صلى الله عليه وآله ) لأهل بيته فجعلوه لأمته ،
كما حرفوا غيره من الأحاديث والمناقب الخاصة ببني هاشم أو بالعترة وجعلوه لكل
قريش أو لكل الأمة ، ومن ذلك حديث ( الأئمة من بعدي اثنا عشر من أهل بيتي )
فجعلوه من قريش ! ولا يتسع المجال للتفصيل .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 110 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
نعم يمكن القول بشمول شفاعته ( صلى الله عليه وآله ) لكل أمته إذا حددنا مفهوم أمته ( صلى الله عليه وآله ) بمن
يقبلهم ويرتضيهم بسبب صحة عقيدتهم وصحة خطهم العام ، فتشمل شفاعته خيار
الموحدين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، فهؤلاء قد يصح القول فيهم إن
النبي ( صلى الله عليه وآله ) لا يرضى أن يدخلوا النار .
وقد ورد معنى قريب مما ذكرنا في دعاء في بحار الأنوار ج 94 ص 119 يقول :
اللهم إنك قلت لنبيك ( صلى الله عليه وآله ) : ولسوف يعطيك ربك فترضى . اللهم إن نبيك ورسولك
وحبيبك وخيرتك من خلقك لا يرضى بأن تعذب أحدا من أمته دانك بموالاته
وموالاة الأئمة من أهل بيته وإن كان مذنبا خاطئا في نار جهنم ، فأجرني يا رب من
جهنم وعذابها ، وهبني لمحمد وآل محمد ، يا أرحم الراحمين . انتهى .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 111 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل السادس : حدود الشفاعة

من الطبيعي للباحث في مسائل الآخرة والحساب والشفاعة والجنة والنار ، أن
يتذكر دائما أن مصدر معلوماته عن ذلك العالم وكل عوالم الغيب إنما هو النصوص
الشريفة من القرآن والسنة ، وأن بحثه في مسائله يعني الاهتداء بالعقل والفكر في
إطار هذه النصوص لا خارجها . . ولذلك يحتاج في كثير من التفاصيل وأحيانا في أمر
أساسي ، إلى التوقف عند القدر المتيقن من النصوص ، حتى لا يقول في دين الله
تعالى بغير علم .
ومن الملاحظ في آيات الجنة والنار والشفاعة أن أحاديثها التي تصنف الناس
بأنهم من أهل النار أو من أهل الجنة ، لا تستوعب كل أصناف الناس ، بل تبقى
أصناف كثيرة خارجة عن القدر المتيقن من الطرفين . . وكذلك الأمر في الشفاعة
حيث نجد في القرآن الكريم شروطا للشفعاء وللمشفوع لهم ، ونجد في السنة
تفصيلات لها وذكرا لأصناف من الناس تشملهم الشفاعة ، أو لا تشملهم . . وتبقى
أصناف أخرى من الناس لا تذكرها النصوص ولا تشملها .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 112 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والحل في مثل هذه الحالة التوقف وعدم التورط في تصنيف عباد الله في الجنة أو
النار ، أو داخل الشفاعة أو خارجها ، بالظنون والاحتمالات ، كما يفعل البعض !

المذاهب في حدود الشفاعة ( من ارتضى )

هذا البحث من أهم بحوث الشفاعة من ناحية نظرية ، كما أنه بحث حساس من
ناحية تطبيقية ، لأنه يصنف المسلمين إلى مرضيين عند الله ورسوله وغير مرضيين . .
ولذلك اختلفت فيه آراء المذاهب والفئات ، وكثر في تاريخ المسلمين وكتبهم
البحث في الذين تشملهم شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) والذين لا تشملهم . .
وأهم الأقوال أو المذاهب في المسألة أربعة :
القول الأول : قول أهل البيت ( عليهم السلام ) الذي يشترط للشفاعة : الإسلام ، وعدم الشرك ،
وعدم الظلم ، وإطاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مودة أهل بيته ( عليهم السلام ) .
القول الثاني : القول بتوسيع الشفاعة ، وهو قول أكثر المذاهب السنية التي توسعها
إلى جميع المسلمين ، بل إلى غيرهم من اليهود والنصارى . . وستعرف أن فيه عدة
آراء بل مذاهب .
القول الثالث : إنكار شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) أصلا ، وهو قول قدماء الخوارج ، وقد رد
عليهم أهل البيت ( عليهم السلام ) وبقية المذاهب . وقد ولد هذا الرأي ردة فعل على مذهب
توسعة الشفاعة الذي تبنته الدولة وأفرطت فيه .
القول الرابع : قول المعتزلة بأن الشفاعة لا تشمل المسلم الذي يرتكب المعاصي
الكبائر لأنه يستحق النار ، بل تختص بالمسلم الذي يرتكب المحرمات الصغائر
المعفو عنها ، وفائدتها رفع درجته في الجنة .
وسوف نستعرض هذه المذاهب في الفقرات التالية إن شاء الله تعالى .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 113 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

حدود الشفاعة عند أهل البيت ( عليهم السلام )

ما دل على استثناء المشرك والظالم من الشفاعة

- التوحيد للصدوق ص 407 :
حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ( رضي الله عنه ) قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن
هاشم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير قال : سمعت موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) يقول :
لا يخلد الله في النار إلا أهل الكفر والجحود ، وأهل الضلال والشرك . ومن اجتنب
الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر ، قال الله تبارك وتعالى : إن تجتنبوا كبائر ما
تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما .
قال فقلت له : يا بن رسول الله فالشفاعة لمن تجب من المذنبين ؟
قال : حدثني أبي عن آبائه عن علي ( عليهم السلام ) قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : إنما
شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ، فأما المحسنون منهم فما عليهم من سبيل .
قال ابن أبي عمير فقلت له : يا بن رسول الله فكيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر
والله تعالى ذكره يقول : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ؟ ومن
يرتكب الكبائر لا يكون مرتضى !
فقال : يا أبا أحمد ما من مؤمن يرتكب ذنبا إلا ساءه ذلك وندم عليه ، وقد قال
النبي ( صلى الله عليه وآله ) : كفى بالندم توبة .
وقال ( صلى الله عليه وآله ) : من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ، فمن لم يندم على ذنب
يرتكبه فليس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة ، وكان ظالما والله تعالى ذكره يقول : ما
للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع .
فقلت له : يا ابن رسول الله وكيف لا يكون مؤمنا من لم يندم على ذنب يرتكبه ؟
فقال : يا أبا أحمد ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي وهو يعلم أنه سيعاقب
عليها إلا ندم على ما ارتكب ، ومتى ندم كان تائبا مستحقا للشفاعة ، ومتى لم يندم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 114 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عليها كان مصرا ، والمصر لا يغفر له ، لأنه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب ، ولو كان مؤمنا
بالعقوبة لندم . وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : لا كبيرة مع الاستغفار ، ولا صغيرة مع الإصرار .
وأما قول الله عز وجل : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ، فإنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى
الله دينه ، والدين الإقرار بالجزاء على الحسنات والسيئات ، فمن ارتضى الله دينه ندم
على ما ارتكبه من الذنوب ، لمعرفته بعاقبته في القيامة . انتهى . ورواه في وسائل
الشيعة ج 11 ص 266 ، وفي تفسير نور الثقلين ج 4 ص 517 .
- الإعتقادات للصدوق ص 44 :
إعتقادنا في الشفاعة : أنها لمن ارتضى دينه من أهل الكبائر والصغائر ، فأما
التائبون من الذنوب فغير محتاجين إلى الشفاعة .
قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي .
وقال ( صلى الله عليه وآله ) : لا شفيع أنجح من التوبة .
والشفاعة للأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) ، وفي المؤمنين من يشفع مثل ربيعة ومضر ،
وأقل المؤمنين من يشفع ثلاثين ألفا .
والشفاعة لا تكون لأهل الشك والشرك ، ولا لأهل الكفر والجحود ، بل تكون
للمذنبين من أهل التوحيد .
- من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 574 :
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا ، وأما التائبون فإن الله عز وجل
يقول : ما على المحسنين من سبيل . ورواهما في وسائل الشيعة ج 11 ص 264 .
- روضة الواعظين ص 501 :
قيل للرضا ( عليه السلام ) : يا بن رسول الله فما معنى قول الله تعالى : ولا يشفعون إلا لمن
ارتضى ؟ قال : لا يشفعون إلا لمن ارتضى دينه ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : شفاعتي لأهل
الكبائر من أمتي ما خلا الشرك والظلم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 115 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- الإختصاص للمفيد ص 33 :
باب فيه مسائل اليهودي التي ألقاها على النبي ( صلى الله عليه وآله )
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم قال : حدثنا الحسين بن مهران قال : حدثني
الحسين بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جده ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده
الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : جاء رجل من اليهود إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا
محمد أنت الذي تزعم أنك رسول الله وأنه يوحى إليك كما أوحي إلى موسى بن
عمران ؟ قال : نعم ، أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، أنا خاتم النبيين وإمام المتقين ورسول
رب العالمين .
فقال : يا محمد إلى العرب أرسلت أم إلى العجم أم إلينا ؟ قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إني
رسول الله إلى الناس كافة .
فقال : إني أسألك عن عشر كلمات أعطاها موسى في البقعة المباركة حيث ناجاه
لا يعلمها إلا نبي مرسل أو ملك مقرب .
فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : سل عما بدا لك .
فقال : يا محمد أخبرني عن الكلمات التي اختارها الله لإبراهيم ( عليه السلام ) حين بنى هذا
البيت ؟
فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : نعم : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .
فقال : يا محمد لأي شئ بنى إبراهيم ( عليه السلام ) الكعبة مربعا ؟
قال : لأن الكلمات أربعة .
قال : فلأي شئ سميت الكعبة كعبة ؟
قال : لأنها وسط الدنيا .
قال : فأخبرني عن تفسير سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ؟
فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : علم الله أن ابن آدم والجن يكذبون على الله تعالى فقال : سبحان
الله ، يعني برئ مما يقولون .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 116 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأما قوله : الحمد لله ، علم الله أن العباد لا يؤدون شكر نعمته ، فحمد نفسه
عز وجل قبل أن يحمده الخلائق ، وهي أول الكلام ، لولا ذلك لما أنعم الله على
أحد بنعمة .
وأما قوله : لا إله إلا الله ، وهي وحدانيته لا يقبل الله الأعمال إلا به ، ولا يدخل
الجنة أحد إلا به ، وهي كلمة التقوى سميت التقوى لما تثقل بالميزان يوم القيامة .
وأما قوله : الله أكبر ، فهي كلمة ليس أعلاها كلام وأحبها إلى الله ، يعني ليس أكبر
منه ، لأنه يستفتح الصلوات به لكرامته على الله ، وهو اسم من أسماء الله الأكبر .
فقال : صدقت يا محمد ما جزاء قائلها ؟
قال : إذا قال العبد : سبحان الله سبح كل شئ معه ما دون العرش ، فيعطى قائلها
عشر أمثالها . وإذا قال : الحمد لله أنعم الله عليه بنعيم الدنيا حتى يلقاه بنعيم الآخرة ،
وهي الكلمة التي يقولها أهل الجنة إذا دخلوها ، والكلام ينقطع في الدنيا ما خلا
الحمد ، وذلك قولهم : تحيتهم فيها سلام ، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين .
وأما ثواب : لا إله إلا الله فالجنة ، وذلك قوله : هل جزاء الإحسان إلا الإحسان .
وأما قوله : الله أكبر ، فهي أكبر درجات في الجنة وأعلاها منزلة عند الله .
فقال اليهودي : صدقت يا محمد ، أديت واحدة ، تأذن لي أن أسألك الثانية ؟
فقال : النبي ( صلى الله عليه وآله ) : سلني ما شئت - وجبرئيل عن يمين النبي ( صلى الله عليه وآله ) وميكائيل عن يساره
يلقنانه - فقال اليهودي : لأي شئ سميت محمدا وأحمد وأبا القاسم وبشيرا ونذيرا
وداعيا ؟
فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أما محمد فإني محمود في السماء ، وأما أحمد فإني محمود في
الأرض ، وأما أبو القاسم فإن الله تبارك وتعالى يقسم يوم القيامة قسمة النار بمن كفر
بي أو يكذبني من الأولين والآخرين ، وأما الداعي فإني أدعو الناس إلى دين ربي
إلى الإسلام ، وأما النذير فإني أنذر بالنار من عصاني ، وأما البشير فإني أبشر بالجنة
من أطاعني .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 117 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن الثالثة لأي شئ وقت الله هذه الصلوات
الخمس في خمس مواقيت على أمتك ، في ساعات الليل والنهار . . .
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن العاشرة : تسعة خصال أعطاك الله من بين
النبيين ، وأعطى أمتك من بين الأمم ؟
فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : فاتحة الكتاب ، والأذان ، والإقامة ، والجماعة في مساجد
المسلمين ، ويوم الجمعة ، والإجهار في ثلاث صلوات ، والرخصة لأمتي عند
الأمراض والسفر ، والصلاة على الجنائز ، والشفاعة في أصحاب الكبائر من أمتي . . .
وأما شفاعتي في أصحاب الكبائر من أمتي ما خلا الشرك والمظالم .
قال : صدقت يا محمد ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا
عبده ورسوله ، وأنك خاتم النبيين ، وإمام المتقين ، ورسول رب العالمين .
ثم أخرج ورقا أبيض من كمه مكتوب عليه جميع ما قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) حقا ، فقال . . .
يا محمد فقد كنت أمحي اسمك في التوراة أربعين سنة ، فكلما محوت وجدت
اسمك مكتوبا فيها ! وقد قرأت في التوراة هذه المسائل لا يخرجها غيرك ، وإن ساعة
ترد جواب هذه المسائل يكون جبرئيل عن يمينك وميكائيل عن يسارك .
فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : جبرئيل عن يميني وميكائيل عن يساري !
- الخصال للصدوق ص 355 :
حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن
أبي عبد الله البرقي ، عن أبي الحسن علي بن الحسين البرقي ، عن عبد الله بن جبلة ،
عن الحسن بن عبد الله ، عن آبائه ، عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) في
حديث طويل قال : جاء نفر من اليهود إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فسأله أعلمهم عن أشياء
فكان فيما سأله : أخبرنا عن سبع خصال أعطاك الله من بين النبيين وأعطى أمتك من
بين الأمم . . . الخ . وهو شبيه بما تقدم عن الإختصاص ، ولعل السبع تصحيف
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 118 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
للتسع ورواه في تفسير نور الثقلين ج 1 ص 77 وبعضه في مستدرك الوسائل ج 11 ص 364 .
- بشارة المصطفى ص 20 :
قال الصادق جعفر بن محمد ( عليه السلام ) : أغفل الناس قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في علي بن
أبي طالب يوم مشربة أم إبراهيم ، كما أغفلوا قوله فيه يوم غدير خم ! إن رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) كان في مشربة أم إبراهيم وعنده أصحابه إذ جاءه علي ( عليه السلام ) فلم يفرجوا له ،
فلما رآهم لم يفرجوا له قال لهم : يا معاشر الناس هذا علي من أهل بيتي ، وتستخفون
بهم وأنا حي بين ظهرانيكم ! أما والله لئن غبت عنكم فإن الله لا يغيب عنكم ، إن
الروح والراحة والبشر والبشارة لمن ائتم بعلي وتولاه ، وسلم له وللأوصياء من ولده .
إن حقا علي أن أدخلهم في شفاعتي لأنهم أتباعي فمن تبعني فإنه مني ، سنة جرت
في من إبراهيم لأني من إبراهيم وإبراهيم مني ، وفضلي فضله وفضله فضلي ، وأنا
أفضل منه ، تصديق قول ربي : ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم .
- التبيان في تفسير القرآن ج 10 ص 187 :
فقال الله تعالى لهم : فما تنفعهم شفاعة الشافعين ، الذين يشفعون لهم ، لأن
عذاب الكفر لا يسقطه الله بالشفاعة بالإجماع .

أصناف من الناس موعودون بالشفاعة

وردت في مصادر الفريقين أحاديث متعددة وعدت أصنافا من الناس بالشفاعة
جزاء لأعمالهم ، أو جعلتهم من أهل الشفاعة لغيرهم ، أو حذرتهم من الحرمان منها
عقابا على أعمالهم ، ونذكر منها نماذج من مصادرنا ، ومن مصادر السنيين في محلها :

1 - من قضى لأخيه المؤمن حاجة

- وسائل الشيعة ج 11 ص 588 :
في ثواب الأعمال ، عن أبيه ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 119 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عن سيف بن عميرة ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن شرحبيل بن سعد الأنصاري ،
عن أشيد بن حضيرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من أغاث أخاه المسلم حتى يخرجه من هم
وكربة وورطة ، كتب الله له عشر حسنات ورفع له عشر درجات ، وأعطاه ثواب عتق عشر
نسمات ، ودفع عنه عشر نقمات ، وأعد له يوم القيامة عشر شفاعات .
- مستدرك الوسائل ج 12 ص 405 :
عوالي اللآلي : عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : من قضى حاجة لأخيه كنت واقفا عند ميزانه ،
فإن رجح وإلا شفعت له .
- مستدرك الوسائل ج 12 ص 407 :
وعن إبراهيم التيمي قال : كنت في الطواف إذ أخذ أبو عبد الله ( عليه السلام ) بعضدي فسلم
علي ثم قال : ألا أخبرك بفضل الطواف حول هذا البيت ؟ قلت : بلى قال : أيما مسلم
طاف حول هذا البيت أسبوعا ثم أتى المقام فصلى خلفه ركعتين كتب الله له ألف
حسنة ، ومحا عنه ألف سيئة ، ورفع له ألف درجة ، وأثبت له ألف شفاعة ، ثم قال :
ألا أخبرك بأفضل من ذلك ؟ قلت : بلى قال : قضاء حاجة امرئ مسلم أفضل من
طواف أسبوع وأسبوع ، حتى بلغ عشرة .
- مستدرك الوسائل ج 12 ص 409 :
وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : من مشى في حاجة أخيه كتب الله له بها عشر حسنات ،
وأعطاه الله عشر شفاعات .

2 - من سعى في حوائج ذرية النبي ( صلى الله عليه وآله )

- الكافي ج 4 ص 60 :
وعنه ، عن أبيه ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
إني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا : رجل نصر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 120 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ذريتي ، ورجل بذل ماله لذريتي عند المضيق ، ورجل أحب ذريتي باللسان
وبالقلب ، ورجل يسعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا . ورواه في من لا
يحضره الفقيه ج 2 ص 65 وفي تهذيب الأحكام ج 4 ص 111 وفي تأويل الآيات ج 2
ص 109 وفي وسائل الشيعة ج 11 ص 556 وفي مستدرك الوسائل ج 12 ص 382 .

3 - من زار قبر النبي ( صلى الله عليه وآله )

- الكافي ج 4 ص 548 :
علي بن محمد بن بندار ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن محمد بن سليمان
الديلمي ، عن أبي حجر الأسلمي ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من
أتى مكة حاجا ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة ، ومن أتاني زائرا وجبت له
شفاعتي ، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة ، ومن مات في أحد الحرمين مكة
والمدينة لم يعرض ولم يحاسب ، ومن مات مهاجرا إلى الله عز وجل ، حشر يوم
القيامة مع أصحاب بدر .

4 - من زار أخاه المؤمن لوجه الله تعالى

- الكافي ج 2 ص 178 :
محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن
صالح بن عقبة ، عن عبد الله بن محمد الجعفي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : إن المؤمن
ليخرج إلى أخيه يزوره فيوكل الله عز وجل به ملكا فيضع جناحا في الأرض وجناحا
في السماء يظله ، فإذا دخل إلى منزله نادى الجبار تبارك وتعالى : أيها العبد المعظم
لحقي المتبع لآثار نبيي ، حق علي إعظامك ، سلني أعطك ، أدعني أجبك ، أسكت
أبتدئك ، فإذا انصرف شيعه الملك يظله بجناحه حتى يدخل إلى منزله ، ثم يناديه
تبارك وتعالى : أيها العبد المعظم لحقي حق علي إكرامك ، قد أوجبت لك جنتي ،
وشفعتك في عبادي .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 121 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- الكافي ج 2 ص 176 :
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ،
عن جابر ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : حدثني جبرئيل ( عليه السلام ) أن الله عز
وجل أهبط إلى الأرض ملكا فأقبل ذلك الملك يمشي حتى وقع إلى باب عليه رجل
يستأذن على رب الدار ، فقال له الملك ما حاجتك إلى رب هذه الدار ؟ قال : أخ لي
مسلم زرته في الله تبارك وتعالى ، قال له الملك : ما جاء بك إلا ذاك ؟ فقال : ما جاء
بي إلا ذاك ، فقال : إني رسول الله إليك وهو يقرؤك السلام ويقول : وجبت لك الجنة .
وقال الملك : إن الله عز وجل يقول : أيما مسلم زار مسلما ، فليس إياه زار ، إياي زار
وثوابه علي الجنة .

5 - من يدعو للمؤمنين

- الكافي ج 2 ص 507 :
علي بن محمد ، عن محمد بن سليمان ، عن إسماعيل بن إبراهيم ، عن جعفر بن
محمد التميمي ، عن حسين بن علوان ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
ما من مؤمن دعا للمؤمنين والمؤمنات إلا رد الله عز وجل عليه مثل الذي دعا لهم به من
كل مؤمن ومؤمنة مضى من أول الدهر أو هو آت إلى يوم القيامة . إن العبد ليؤمر به إلى
النار يوم القيامة فيسحب فيقول المؤمنون والمؤمنات : يا رب هذا الذي كان يدعو لنا
فشفعنا فيه ، فيشفعهم الله عز وجل فيه ، فينجو من النار برحمة الله عز وجل . ورواه في
وسائل الشيعة ج 4 ص 541 وفي مستدرك الوسائل ج 5 ص 242 عن أمالي الشيخ الطوسي .

6 - شفاعة الملائكة لأهل مجلس الدعاء

- الكافي ج 2 ص 187 :
الحسين بن محمد ومحمد بن يحيى جميعا ، عن علي بن محمد بن سعد ، عن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 122 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
محمد بن مسلم ، عن أحمد بن زكريا ، عن محمد بن خالد بن ميمون ، عن عبد الله
بن سنان ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ما اجتمع ثلاثة من
المؤمنين فصاعدا إلا حضر من الملائكة مثلهم فإن دعوا بخير أمنوا وإن استعاذوا من
شر دعوا الله ليصرفه عنهم ، وإن سألوا حاجة تشفعوا إلى الله وسألوه قضاها . وما
اجتمع ثلاثة من الجاحدين إلا حضرهم عشرة أضعافهم من الشياطين . ورواه في
وسائل الشيعة ج 11 ص 568 .

7 - من شيع جنازة مسلم

- الكافي ج 3 ص 173 :
أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ،
عن ميسر قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : من تبع جنازة مسلم أعطي يوم القيامة
أربع شفاعات ولم يقل شيئا إلا وقال الملك : ولك مثل ذلك . ورواه في من لا يحضره
الفقيه ج 1 ص 161 وفي تهذيب الأحكام ج 1 ص 455 .

8 - من حفظ على أمتي أربعين حديثا

- وسائل الشيعة ج 18 ص 67 :
وعن طاهر بن محمد ، عن حياة الفقيه ، عن محمد بن عثمان الهروي ، عن جعفر
بن محمد بن سوار ، عن علي بن حجر السعدي ، عن سعيد بن نجيح ، عن ابن
جريح ، عن عطاء عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : من حفظ على أمتي أربعين
حديثا من السنة كنت له شفيعا يوم القيامة .
- وسائل الشيعة ج 18 ص 70 :
محمد بن علي الفارسي في روضة الواعظين قال قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : من حفظ من
أمتي أربعين حديثا من السنة كنت له شفيعا يوم القيامة . ورواه في العمدة ص 17 بلفظ
( من حفظ على أمتي أربعين حديثا من سنتي أدخلته يوم القيامة في شفاعتي ) .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 123 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

9 - من عاهد أخاه المؤمن على الشفاعة

- مستدرك الوسائل ج 6 ص 278 :
قال في ضمن أعمال هذا اليوم المبارك ( يوم الغدير ) : وينبغي عقد الأخوة في
هذا اليوم مع الإخوان بأن يضع يده اليمنى على يمنى أخيه المؤمن ويقول : واخيتك
في الله وصافيتك في الله وصافحتك في الله ، وعاهدت الله وملائكته وكتبه ورسله
وأنبياءه والأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) على أني إن كنت من أهل الجنة والشفاعة وأذن لي
بأن أدخل الجنة ، لا أدخلها إلا وأنت معي . فيقول الأخ المؤمن : قبلت ، فيقول :
أسقطت عنك جميع حقوق الإخوة ما خلا الشفاعة ، والدعاء ، والزيارة .

10 - مجموعة أعمال وصفات توجب الشفاعة

- من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 17 :
ألا ومن مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكل خطوة سبعون ألف
حسنة ، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك ، فإن مات وهو على ذلك وكل الله عز وجل
به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره ويبشرونه ويؤنسونه في وحدته ويستغفرون له
حتى يبعث .
ألا ومن أذن محتسبا يريد بذلك وجه الله عز وجل أعطاه الله ثواب أربعين ألف شهيد
وأربعين ألف صديق ، ويدخل في شفاعته أربعون ألف مسئ من أمتي إلى الجنة .
ألا وإن المؤذن إذا قال ( أشهد أن لا إله إلا الله ) صلى عليه سبعون ألف ملك
ويستغفرون له وكان يوم القيامة في ظل العرش حتى يفرغ الله من حساب الخلائق
ويكتب له ثواب قوله ( أشهد أن محمدا رسول الله ) أربعون ألف ملك .
* *
هذا ، وتوجد أحاديث كثيرة ضمنت الجنة لبعض أصناف الناس على أعمالهم
الحسنة ، وهي تصلح بنحو للاستدلال على شمول الشفاعة لهم ، لأن الوعد من النبي
( صلى الله عليه وآله ) قد يكون بسبب شمولهم لشفاعته ، ونذكر منهم :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 124 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

من الأعمال التي توجب الجنة :

1 - من شفع لأخيه المؤمن في حاجة

- وسائل الشيعة ج 11 ص 562 :
عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : ومن شفع لأخيه شفاعة طلبها ، نظر الله إليه فكان حقا على
الله أن لا يعذبه أبدا ، فإن هو شفع لأخيه شفاعة من غير أن يطلبها ، كان له أجر
سبعين شهيدا .

2 - من قام بخدمة لمجتمع المسلمين

- الكافي ج 2 ص 164 :
عنه عن علي بن الحكم ، عن مثنى بن الوليد الحناط ، عن فطر بن خليفة ، عن
عمر بن علي بن الحسين ، عن أبيه صلوات الله عليهما قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من رد
عن قوم من المسلمين عادية ماء أو نار ، وجبت له الجنة .

3 - من ربى بنتا أو أكثر

- الكافي ج 6 ص 6 :
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن عمر بن
يزيد ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من عال ثلاث بنات أو ثلاث
أخوات ، وجبت له الجنة فقيل : يا رسول الله واثنتين ؟ فقال : واثنتين ، فقيل : يا
رسول الله وواحدة ؟ فقال : وواحدة .

4 - من احترم نعمة الله تعالى

- من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 27 :
ودخل أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ) الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر فأخذها وغسلها
ودفعها إلى مملوك كان معه فقال : تكون معك لآكلها إذا خرجت ، فلما خرج ( عليه السلام ) قال
للمملوك : أين اللقمة ؟ قال أكلتها يا ابن رسول الله ، فقال : إنها ما استقرت في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 125 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جوف أحد إلا وجبت له الجنة فاذهب فأنت حر ، فإني أكره أن استخدم رجلا من
أهل الجنة .

5 - أصناف أخرى موعودون بالجنة

- من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 140 :
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ضمنت لستة الجنة : رجل خرج بصدقة فمات فله
الجنة ، ورجل خرج يعود مريضا فمات فله الجنة ، ورجل خرج مجاهدا في سبيل
الله فمات فله الجنة ، ورجل خرج حاجا فمات فله الجنة ، ورجل خرج إلى الجمعة
فمات فله الجنة ، ورجل خرج في جنازة رجل مسلم فمات فله الجنة .
- من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 17 :
ألا ومن تصدق بصدقة ، فله بوزن كل درهم مثل جبل أحد من نعيم الجنة ، ومن
مشى بصدقة إلى محتاج ، كان له كأجر صاحبها من غير أن ينقص من أجره شئ ، ومن
صلى على ميت صلى عليه سبعون ألف ملك وغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ،
فإن أقام حتى يدفن ويحثى عليه التراب ، كان له بكل قدم نقلها قيراط من الأجر ،
والقيراط مثل جبل أحد .
ألا ومن ذرفت عيناه من خشية الله عز وجل كان له بكل قطرة قطرت من دموعه
قصر في الجنة مكللا بالدر والجوهر ، فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر
على قلب بشر .
* *

أصناف لا تنالهم الشفاعة

1 - السلطان الظالم الغشوم

- قرب الأسناد ص 64 :
وعنه ، عن مسعدة بن صدقة قال : حدثني جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : قال
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 126 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : صنفان لا تنالهما شفاعتي : سلطان غشوم عسوف ، وغال في الدين
مارق منه ، غير تائب ولا نازع .
- الخصال ص 63 :
حدثنا محمد بن الحسن ( رضي الله عنه ) قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن
أحمد ، عن محمد بن عبد الجبار بإسناده يرفعه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : رجلان لا
تنالهما شفاعتي : صاحب سلطان عسوف غشوم ، وغال في الدين مارق . ورواه في
مناقب أمير المؤمنين ج 2 ص 330 ونحوه في مستدرك الوسائل ج 12 ص 99 .
- تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 96 :
أربع من فعلهن فقد خرج من الإسلام : من رفع لواء ضلالة ، ومن أعان ظالما أو
سار معه أو مشى معه وهو يعلم أنه ظالم ، ومن اخترم بذمة .
ورجلان لا تنالهما شفاعتي يوم القيامة : أمير ظلوم ، ورجل غال في الدين مارق
منه . والأمير العادل لا ترد دعوته .

2 - المنان والبخيل والنمام

- من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 17 :
ثم قال ( عليه السلام ) : يقول الله عز وجل : حرمت الجنة على المنان والبخيل والقتات ،
وهو النمام . انتهى .
ولا نطيل في تعداد هذه الأصناف ، وهي في مصادرنا مشابهة لما يأتي في مصادر
إخواننا السنيين ، مع تأكيدها على عدم شمول الشفاعة لمن عصى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في
مودة أهل بيته وولايتهم وإطاعتهم .
الذين يخرجون من النار بالشفاعة يكونون أدنى درجة
تفردت مصادر أهل البيت ( عليهم السلام ) ببيان أن الموحدين الذين يخرجون من النار
داخلون جنة أخرى أدنى درجة ، وهي غير الجنة التي يسكنها أولياء الله تعالى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 127 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- ففي بحار الأنوار ج 8 ص 361 :
ين : فضالة ، عن عمر بن أبان ، عن آدم أخي أيوب ، عن حمران قال : قلت لأبي
عبد الله ( عليه السلام ) : إنهم يقولون ألا تعجبون من قوم يزعمون أن الله يخرج قوما من النار
فيجعلهم من أصحاب الجنة مع أوليائه ؟ فقال : أما يقرؤون قول الله تبارك وتعالى :
ومن دونهما جنتان ، إنها جنة دون جنة ، ونار دون نار ، إنهم لا يساكنون أولياء الله !
وقال : بينهما والله منزلة ، ولكن لا أستطيع أن أتكلم ، إن أمرهم لأضيق من الحلقة ،
إن القائم لو قام لبدأ بهؤلاء .
* *

رأي السنيين القريب من رأي أهل البيت ( عليهم السلام )

وهو الرأي القائل بأن الشفاعة تشمل بعض العاصين من المسلمين وليس كلهم .
ويدل عليه من مصادرهم :
أولا : أحاديث كثيرة صحيحة السند عندهم ، لكن دلالتها ضاعت ، لأنها مخلوطة
بأحاديث توسيع الشفاعة وشمولها لكل العاصين والمنافقين !
ونكتفي منها بالأحاديث التي نصت على أن عددا من صحابة النبي ( صلى الله عليه وآله )
سيغيرون ويبدلون بعده ، فلا يشفع لهم يوم القيامة ، فيؤمر بهم إلى النار . فقد روى
البخاري في صحيحه ج 7 ص 208 عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
بينا أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم ، فقلت
أين ؟ قال إلى النار والله ! قلت وما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم
القهقري ! ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم ، قلت
أين ؟ قال إلى النار والله ! قلت ما شأنهم ؟ ! قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم
القهقري ! ! فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 128 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وروى شبيها به في ج 7 ص 195 و ص 207 - 210 وفي نفس المجلد أيضا ص 84 و 87
و ج 8 ص 86 و 87 ، وروى نحوه مسلم في ج 1 ص 150 و ج 7 ص 66 وابن ماجة ج 2
ص 1440 وأحمد في ج 2 ص 25 و ص 408 و ج 3 ص 28 و ج 5 ص 21 و ص 24 و ص 50
و ج 6 ص 16 ، ورواه البيهقي في سننه ج 4 ص 14 ، ونقل رواياته المتعددة في كنز العمال في
ج 13 ص 157 و ج 14 ص 48 و ج 15 ص 647 وقال رواه ( مالك والشافعي حم م ن - عن
أبي هريرة ) انتهى .
فلو كانت الشفاعة تشمل كل الخلق أو كل الموحدين أو كل المسلمين ، لشملت
هؤلاء الصحابة المعروفين ! فلا بد من القول بأن شفاعته ( صلى الله عليه وآله ) مشروطة بشروط من
أولها الإسلام وعدم الانحراف الكبير الذي ارتكبه هؤلاء الصحابة المطرودون !
ثانيا : أحاديث اشترطت شروطا أخرى فوق الشهادتين للشفاعة ،
كالذي رواه البخاري ج 8 ص 139 : عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ! قالوا يا رسول الله ومن يأبى ؟ قال من
أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى . انتهى . وفيه تصريح أن المستثنى هم
الذين عصوا الرسول ( صلى الله عليه وآله ) من أمته وأنهم لا يدخلون الجنة ! ورواه الحاكم أيضا بلفظ
قريب منه في ج 1 ص 55 وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
والذي رواه النسائي في سننه ج 7 من ص 88 عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : من جاء يعبد الله ولا يشرك به شيئا ويقيم الصلاة ويؤتي
الزكاة ويجتنب الكبائر ، كان له الجنة . فسألوه عن الكبائر فقال : الإشراك بالله ، وقتل
النفس المسلمة ، والفرار يوم الزحف .
والذي رواه أحمد في ج 2 ص 176 عن عبد الله بن عمرو أن رجلا جاء إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ما عمل الجنة ؟ قال : الصدق ، وإذا صدق
العبد بر ، وإذا بر آمن ، وإذا آمن دخل الجنة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 129 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال يا رسول الله ما عمل النار ؟
قال : الكذب ، إذا كذب فجر ، وإذا فجر كفر ، وإذا كفر دخل . . يعني النار . انتهى .
فهذه الأحاديث تشترط لدخول الجنة شروطا أخرى غير التوحيد ، فلو كان
التوحيد وحده كافيا لما كان لهذه الشروط معنى .
ثالثا : أحاديث نصت على أن الشفاعة تشمل أصنافا معينين من الناس ، نذكر
منها :

1 - من قضى لأخيه حاجة

- الدر المنثور ج 3 ص 71 :
وأخرج أبو نعيم عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قضى
لأخيه حاجة كنت واقفا عند ميزانه ، فإن رجح ، وإلا شفعت له .
- الدر المنثور ج 3 ص 256 :
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا
كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ثم أمر مناديا ينادي : ألا ليقم أهل
المعروف في الدنيا فيقومون حتى يقفوا بين يدي الله فيقول الله أنتم أهل المعروف
في الدنيا ، فيقولون نعم فيقول : وأنتم أهل المعروف في الآخرة فقوموا مع الأنبياء
والرسل فاشفعوا لمن أحببتم فأدخلوه الجنة ، حتى تدخلوا عليهم المعروف في
الآخرة كما أدخلتم عليهم المعروف في الدنيا .

2 - من صلى على النبي ( صلى الله عليه وآله )

- في مسند أحمد ج 4 ص 108 :
من صلى على محمد وقال : اللهم أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة ،
وجبت له شفاعتي . ورواه في فردوس الأخبار ج 4 ص 21 ح 5555
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 130 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي فردوس الأخبار في ج 4 ص 61 ح 5680 :
أبو الدرداء : من صلى ( علي ) حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا ، أدركته
شفاعتي يوم القيامة . ورواه في مجمع الزوائد ج 10 ص 120 و 163 .

3 - من زار قبر النبي ( صلى الله عليه وآله )

- وفي الدر المنثور ج 1 ص 237 :
وأخرج الحكيم الترمذي والبزار وابن خزيمة وابن عدي والدارقطني والبيهقي
عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من زار قبري وجبت له
شفاعتي . ( ورواه في سنن الدارقطني ج 2 ص 278 ح 194 والذهبي في تاريخ الاسلام ج
11 ص 212 ورواه بنص آخر : من زارني بعد موتي وجبت شفاعتي ) .
وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جاءني
زائرا لم تنزعه حاجة إلا زيارتي كان حقا على أن أكون له شفيعا يوم القيامة .
وأخرج الطيالسي والبيهقي في الشعب عن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول : من زار قبري كنت له شفيعا أو شهيدا ، ومن مات في أحد الحرمين بعثه
الله في الآمنين يوم القيامة .
- مختصر تاريخ دمشق ج 1 جزء 2 ص 406 :
وعن علي بن أبي طالب قال : من سأل لرسول الله ( ص ) الدرجة الوسيلة حلت له
شفاعته يوم القيامة ومن زار قبر رسول الله ( ص ) كان في جوار رسول الله ( ص ) .
- هامش طبقات المحدثين بإصبهان ج 2 ص 420 ، 167 :
عن ابن عمر قال : قال رسول الله ( ص ) : من جاءني زائرا لم تنزعه حاجة إلا
زيارتي كان حقا على الله أن أكون له شفيعا يوم القيامة . وشبيهه في ج 1 ص 55 .
وراجع أيضا مجمع الزوائد ج 4 ص 2 وكنز العمال ج 15 ص 383 و ص 651 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 131 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد اقتصرنا من أحاديث زيارة قبره ( صلى الله عليه وآله ) على ما ورد فيه ذكر الشفاعة وسنورد بقية
أحاديثها في محلها إن شاء الله تعالى مع جواب شبهة الوهابيين في تحريمهم زيارة
القبور وخيرها وأشرفها قبر سيد المرسلين ( صلى الله عليه وآله ) !

4 - من دعا للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بالوسيلة

- روى البخاري ج 5 ص 228 :
من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت
محمدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ، حلت له شفاعتي
يوم القيامة .
ورواه أيضا في ج 1 جزء 1 ص 152 ورواه البيهقي في سننه ج 1 ص 409 ومجمع الزوائد
ج 1 ص 333 والنويري في نهاية الإرب ج 3 جزء 5 ص 308 .

5 - من حفظ من أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) أربعين حديثا

- روى الديلمي في فردوس الأخبار ج 4 ص 91 ح 5778 :
عن ابن عباس : من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها ، فهو من العلماء
وكنت له شفيعا يوم القيامة . ونحوه في كنز العمال ج 10 ص 158 .
- وفي كتاب المجروحين لابن حبان ج 2 ص 133 :
عن أبي الدرداء قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله
ما حد العلم الذي إذا بلغه الرجل كان فقيها ؟ فقال : من حفظ على أمتي أربعين
حديثا في أمر دينها بعثه الله فقيها ، وكنت له شافعا وشهيدا .

6 - من حفظ أسماء الله الحسنى

- صحيح البخاري ج 8 ص 169 :
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن لله تسعة وتسعين اسما
مائة إلا واحدا ، من أحصاها دخل الجنة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 132 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ونحوه في ج 7 ص 169 ونحوه في مستدرك الحاكم ج 1 ص 16 .

7 - من قرأ بعض سور القرآن

- روى في فردوس الأخبار ج 4 ص 30 ح 5587 :
أبو الدرداء : من قرأ مائتي آية في كل يوم شفع في سبع قبور حول قبره وخفف الله
عز وجل عن والديه وإن كانا مشركين . وفي ص 34 ح 5598 : ابن عباس : من قرأ سورة
الأعراف جعل الله بينه وبين إبليس سترا وكان آدم شفيعا له يوم القيامة . انتهى .
فهذه المجموعة من الأحاديث تدل على أن بعض المسلمين من أصحاب
الأعمال الحسنة يستحقون الدخول في شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) . ولو كانت الشفاعة تشمل
كل المسلمين لما صح جعلها ميزة لأصناف معينة من أصحاب الأعمال الحسنة ، كما
نصت هذه المجموعة .
ولا يضر بالاستدلال بها أن يكون بعضها ضعيفا أو مكذوبا ، لأن الاستدلال
بمجموعها ، بل حتى لو كانت كلها موضوعة فهي تدل على أن المرتكز في أذهان
المسلمين أن الشفاعة مخصوصة بأصناف من المسلمين وليست عامة .

من لا تنالهم الشفاعة

رابعا : أحاديث نصت على أن الشفاعة لا تشمل أصنافا من الناس ، أو دلت على
أنهم لا يدخلون الجنة ، بسبب سوء أعمالهم ، نذكر منها :

1 - السلطان الظلوم الغشوم

- روى الديلمي في فردوس الأخبار ج 2 ص 558 ح 3598 :
أبو أمامة : صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي ولن أشفع لهما ولن يدخلا
شفاعتي : سلطان ظلوم غشوم عسوف ، وغال مارق من الدين . انتهى . ورواه
السيوطي في الدر المنثور ج 1 صفحة 352 عن الطبراني وفي كنز العمال ج 6 ص 21 و ص 30
وفي مجمع الزوائد ج 5 ص 235 و ص 236 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 133 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أشد أهل النار عذابا
يوم القيامة من قتل نبيا ، أو قتله نبي ، أو إمام جائر . قلت : في الصحيح بعضه ، رواه
الطبراني وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وبقية رجاله ثقات . ورواه البزار إلا أنه
قال : وإمام ضلالة ، ورجاله ثقات ، وكذلك رواه أحمد .

2 - الذي يكذب على النبي ( صلى الله عليه وآله )

- روى البخاري في ج 1 ص 35 :
عن سلمة بن الأكوع قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من يقل علي
ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار .
وروى نحوه أيضا في ج 1 من ص 36 و ج 2 ص 81 و ج 4 ص 145 و ص 156 و ج 6 ص
84 و ص 118 ورواه مسلم في ج 1 ص 7 و 8 و ص 57 و ج 7 ورواه غيرهما من مصادر السنة
والشيعة .

3 - الذي يبغض ذرية النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو يظلمهم

- لسان الميزان ج 3 ص 276 :
عن أنس ( رضي الله عنه ) مرفوعا : من أحبني فليحب عليا ، ومن أبغض أحدا من أهل بيتي
حرم شفاعتي . . الحديث .
- كنز العمال ج 12 ص 103 :
عن الطبراني والرافعي عن ابن عباس : من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي
ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي فليوال عليا من بعدي ، وليوال وليه وليقتد بأهل
بيتي من بعدي ، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل
للمكذبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي . انتهى .
والأحاديث في ذلك كثيرة ، سنوردها في مسائل الإمامة إن شاء الله .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 134 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

4 - أصحاب البدع المخالفين للسنة

- قال الشاطبي في الإعتصام ج 1 ص 120 :
( البدعة ) مانعة من شفاعة محمد ، لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال : (
حلت شفاعتي لأمتي إلا صاحب بدعة ) .
- قال السبكي في طبقات الشافعية ج 6 ص 291 :
حديث : إن لله ملكا ينادي كل يوم : من خالف السنة لم تنله الشفاعة ( ورد في
إحياء الغزالي ) .

5 - من طلب العلم للدنيا أو طلب الدنيا بعمل الآخرة

- في مجمع الزوائد ج 1 ص 184 :
عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من طلب العلم ليباهي
به العلماء أو يماري به السفهاء في المجالس ، لم يرح رائحة الجنة . ورواه في كنز
العمال ج 10 ص 201 - 203 .
- وفي كنز العمال ج 3 ص 474 عن الديلمي عن ابن عباس : ريح الجنة توجد من مسيرة
خمسمائة عام ، ولا يجدها من طلب الدنيا بعمل الآخرة .

6 - من يؤذي جيرانه

- صحيح مسلم ج 1 ص 49 :
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يدخل الجنة من لا يأمن
جاره بوائقه .
- وفي مستدرك الحاكم ج 1 ص 11 :
عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : المؤمن من أمنه الناس ، والمسلم من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 135 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر السوء ، والذي نفسي بيده لا
يدخل الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقه .
- وفي مسند أحمد ج 2 ص 440 :
عن أبي هريرة قال قال رجل : يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها
وصدقتها ، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها ! قال : هي في النار . قال يا رسول الله فإن
فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها ، وأنها تصدق بالأتوار من الأقط ، ولا
تؤذي جيرانها بلسانها ، قال : هي في الجنة .

7 - الذي يسئ إدارة من تحت يده

- روى البخاري في ج 8 ص 107 بروايتين : عن معقل : سمعت النبي صلى الله عليه
وسلم يقول : ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة
الجنة . ونحوه في كنز العمال ج 4 ص 567 عن ابن سعد وابن عساكر ، وفي ج 6 ص 20
و ص 35 ( عق ش م حم طب وابن عساكر عن معقل بن يسار ) .
- وفي سنن الترمذي ج 3 ص 225 :
عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يدخل الجنة سئ
الملكة . انتهى . ورواه أحمد في مسنده ج 1 ص 7 و ص 12 و ج 5 ص 22 والهيثمي في
مجمع الزوائد ج 5 ص 211 .
- وفي كنز العمال ج 6 ص 39 :
من ولى ذا قرابة محاباة وهو يجد خيرا منه ، لم يجد رائحة الجنة .

8 - المتكبر ولو مثقال حبة خردل

- روى مسلم في صحيحه ج 1 ص 65 :
عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يدخل الجنة من كان في قلبه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 136 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مثقال ذرة من كبر . انتهى . ورواه ابن ماجة في ج 2 ص 1397 وأحمد ج 1 ص 412 و ص
416 و ص 451 و ج 2 ص 164 و ص 248 والحاكم في ج 3 ص 416 .
- وفي مجمع الزوائد ج 6 ص 255 :
وعن نافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : لا يدخل الجنة مسكين مستكبر ، ولا شيخ زان ، ولا منان على الله تعالى بعمله .
رواه الطبراني وتابعه الصباح بن خالد بن أبي أمية لم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات .
- وقال السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 116 :
وأخرج البيهقي عن جابر قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل رجل ، فلما
رآه القوم أثنوا عليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم قال : إني لأرى على وجهه
سفعة من النار ، فلما جاء وجلس قال : أنشدك بالله أجئت وأنت ترى أنك أفضل
القوم ؟ قال نعم . انتهى .
وقد ورد عن أهل البيت ( عليهم السلام ) أن التكبر المانع من دخول الجنة هو التكبر عن قبول
الحق وليس التكبر العادي وإن كان معصية كبيرة .
ويؤيده ما رواه الحاكم في المستدرك ج 1 ص 26 : عن عبد الله بن مسعود ( رضي الله عنه ) عن
النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : لا يدخل الجنة من كان في قلبه حبة من كبر ، فقال رجل : يا رسول
الله إنه ليعجبني أن يكون ثوبي جديدا ورأسي دهينا وشراك نعلي جديدا ، قال وذكر
أشياء حتى ذكر علاقة سوطه ، فقال : ذاك جمال ، والله جميل يحب الجمال ، ولكن
الكبر من بطر الحق وازدرى الناس . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد
احتجا جميعا برواته .

9 - من قتل نفسه

- مسند أحمد ج 2 ص 435 :
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : الذي يطعن نفسه إنما يطعنها في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 137 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
النار ، والذي يتقحم فيها يتقحم فيها في النار ، والذي يخنق نفسه يخنقها في النار .

10 - من نبت لحمه من سحت

- روى أحمد في ج 3 ص 321 :
قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) لكعب بن عجرة : يا كعب بن عجرة ، الصوم جنة ، والصدقة تطفئ
الخطيئة ، والصلاة قربان أو قال برهان . يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من
سحت ، النار أولى به .
ورواه في ج 3 ص 399 وفي مجمع الزوائد ج 10 ص 230 و ص 293 .

11 - من زنى بذات محرم

- في مجمع الزوائد ج 6 ص 269 :
وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يدخل الجنة من أتى ذات
محرم . رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ، غير يحيى بن حسان الكوفي وهو ثقة .

12 - من نسب نفسه إلى غير أبيه

- روى ابن ماجة في ج 2 ص 870 :
عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله ( ص ) : من ادعى إلى غير أبيه لم يرح
رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام . انتهى . ورواه أحمد في ج 2
ص 71 وفيه ( وإن ريحها ليوجد من قدر سبعين عاما ) ورواه في ج 2 ص 171 و ص 194
وفي مجمع الزوائد ج 1 ص 98 و ص 148 وكنز العمال ج 6 ص 195 و ج 16 ص 32 .

13 - مدمن الخمر وقاطع الرحم والنمام وقاسي القلب . . . الخ .

- مسند أحمد ج 4 ص 399 :
من حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثلاثة لا يدخلون
الجنة : مدمن خمر ، وقاطع رحم ، ومصدق بالسحر .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 138 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي ج 2 ص 69 : ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة : مدمن الخمر ، والعاق ، والديوث
الذي يقر في أهله الخبث .
ونحوه في ج 2 ص 164 و ص 201 و 203 وفي سنن البيهقي ج 8 ص 288 .
وفي ج 8 ص 166 : عن إبراهيم عن همام قال : كنت جالسا عند حذيفة فمر رجل
فقالوا : هذا يرفع الحديث إلى السلطان ، فقال حذيفة قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : لا يدخل الجنة قتات . قال الأعمش : والقتات النمام . أخرجه مسلم
في الصحيح .
- مسند أحمد ج 2 ص 134 :
قال عبد الله ( رضي الله عنه ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا يدخلون الجنة ولا
ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق والديه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال
والديوث . وثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق بوالديه ، والمدمن الخمر ،
والمنان بما أعطى . وروى نحوه في ج 2 ص 69 و ص 134 والحاكم ج 1 ص 72 .
- وفي مسند أحمد ج 1 ص 190 :
عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من أربى الربا الاستطالة
في عرض مسلم بغير حق ، وإن هذه الرحم شجنة من الرحمن فمن قطعها حرم الله
عليه الجنة .
- وفي مسند أحمد ج 3 ص 14 :
عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يدخل الجنة
صاحب خمس : مدمن خمر ، ولا مؤمن بسحر ، ولا قاطع رحم ، ولا كاهن ، ولا
منان . ونحوه مسند أحمد ج 3 ص 28 .
- وفي مجمع الزوائد ج 8 ص 149 ونحوه في ج 5 ص 125 :
فإن ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام ، والله لا يجده عاق ، ولا قاطع رحم ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 139 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والباغي فإنه ليس من عقوبة أسرع من عقوبة بغي ، ولا قاطع رحم ، ولا شيخ زان ،
ولا جار إزاره خيلاء .
- وفي مجمع الزوائد ج 6 ص 257 ونحوه في ج 8 ص 148 :
وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يدخل الجنة عاق ،
ولا مدمن خمر ، ولا منان ، ولا ولد زنية . قلت : رواه النسائي غير قوله ولا ولد زنية .
رواه أحمد والطبراني وفيه جابان وثقه ابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح .
- سنن الترمذي ج 3 ص 232 :
عن أبي بكر الصديق ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا يدخل الجنة خب ، ولا
بخيل ، ولا منان . هذا حديث حسن غريب . ونحوه في كنز العمال ج 3 ص 546 .
- وفي مجمع الزوائد ج 10 ص 243 :
وعن نافع قال سمع ابن عمر رجلا يقول : الشحيح أعذر من الظالم ، فقال ابن عمر :
كذبت ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الشحيح لا يدخل الجنة .
- وفي مجمع الزوائد ج 8 ص 155 :
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن لكل شجرة ثمرة وثمرة
القلب الولد ، إن الله لا يرحم من لا يرحم ولده . والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة إلا
رحيم . قلنا يا رسول الله : كلنا يرحم ، قال : ليس رحمته أن يرحم أحدكم صاحبه ،
إنما الرحمة أن يرحم الناس .
- وفي كنز العمال ج 16 ص 53 :
لا يدخل الجنة ولد زنى ، ولا مدمن خمر ، ولا عاق ، ولا منان ( ابن جرير ع - عن
أبي سعيد ) .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 140 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

14 - الذي يقتل أحدا من أهل الذمة

- في صحيح البخاري ج 4 ص 65 :
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من
قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما . ونحوه في
ج 8 ص 47 وابن ماجة ج 2 ص 896 والترمذي ج 2 ص 429 والحاكم في ج 2 ص 126
والبيهقي في سننه ج 8 ص 133 و ج 9 ص 205 والنسائي ج 8 ص 24 وفيه ( وإن ريحها
ليوجد من مسيرة سبعين عاما ) ورواه في مسند أحمد ج 2 ص 186 و ج 4 ص 61 و ص 237
و ج 5 ص 46 و 50 و 51 و 369 و 374 والهيثمي في مجمع الزوائد ج 6 ص 293 .
ونعم ما علق به الفخر الرازي على هذا الموضوع حيث قال في تفسيره ج 2 جزء 3 ص 151 :
عن الحسن ، عن أبي بكرة ، قال ( عليه السلام ) : من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة . وإذا
كان في قتل الكفار هكذا ، فما ظنك بقتل أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ !

15 - الذي يغش العرب

- في مسند أحمد ج 1 ص 72 :
عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من غش العرب لم
يدخل في شفاعتي ولم تنله مودتي . انتهى . ورواه البغوي في مصابيح السنة ج 4
ص 142 والديلمي في فردوس الأخبار ج 4 ص 180 ح 6075 وأبو الشيخ في طبقات
المحدثين بأصبهان ج 2 ص 640 .

16 - اللعان الفحاش

- صحيح مسلم ج 8 ص 24 :
حدثني سويد بن سعيد ، حدثني حفص بن ميسرة ، عن زيد بن أسلم أن عبد
الملك بن مروان بعث إلى أم الدرداء بأنجاد من عنده ، فلما أن كان ذات ليلة قام عبد
الملك من الليل فدعا خادمه فكأنه أبطأ عليه فلعنه ، فلما صبح قالت له أم الدرداء :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 141 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سمعتك الليلة لعنت خادمك حين دعوته ! فقالت سمعت أبا الدرداء يقول قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة .
انتهى . ورواه أبو داود في ج 2 ص 458 والحاكم ج 1 ص 48 والديلمي في فردوس الأخبار
ج 5 ص 311 ح 8009 وفي كنز العمال ج 3 ص 615 والسيوطي في الدر المنثور ج 1
ص 146 وقال : وأخرج مسلم وأبو داود والحكيم الترمذي عن أبي الدرداء . .
- وقال البخاري في تاريخه ج 6 ص 22 :
عن عبد الرحمن بن الحارث أن أم الدرداء رضي الله عنها قالت لعبد الملك بن
مروان : سمعت أبا الدرداء ( رضي الله عنه ) يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا
يكون الحليم لعانا ، ولا يؤذن في الشفاعة للعان .
- وفي كنز العمال ج 3 ص 353 :
عن الديلمي عن عائشة : رحم الله امرأ كف لسانه عن أعراض المسلمين ، لا تحل
شفاعتي لطعان ولا لعان . انتهى .
ولا بد أن يكون المراد باللعان في هذه الأحاديث بذئ اللسان الفحاش الذي
يسب المسلمين ويلعنهم ، وإلا فإن لعن الذين لعنهم الله تعالى ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) عمل
جائز أو واجب شرعا وفيه ثواب ، لأنه براءة ممن تبرأ منهم الله ورسوله ودعاء عليهم
باستمرار طردهم من رحمة الله تعالى .

17 - ورووا أن أكثر النساء في النار

- صحيح البخاري ج 7 ص 200 :
عن عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اطلعت في الجنة
فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء . . .
عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قمت على باب الجنة فكان عامة
من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون ، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 142 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إلى النار . وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء ! . انتهى .
ورواه أحمد في مسنده ج 2 ص 297 .
- وفي مجمع الزوائد ج 4 ص 274 :
قال كنا مع عمرو بن العاص في حج أو عمرة فلما كنا بمر الظهران إذ امرأة في
هودجها واضعة يدها على هودجها ، فلما نزل دخل الشعب ودخلنا معه ، قال كنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان فإذا نحن بغربان كثير وإذا بغراب
أعصم المنقار والرجل فقال : لا يدخل الجنة من النساء إلا كقدر الغراب في هذه
الغربان ، قال أبو عمر : الأعصم الأحمر . رواه الطبراني واللفظ له ، وأحمد ورجال
أحمد ثقات . انتهى .

18 - ورووا في من أطال إزاره أو ثوبه

- سنن النسائي ج 8 ص 207 :
عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تحت الكعبين من الإزار
ففي النار . وفي رواية : ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار . انتهى .
* *
فهذه الأحاديث تدل على أن بعض المسلمين لا يدخلون الجنة . . ولو كانت
الشفاعة تشمل كل المسلمين لم يكن لهذه الاستثناءات معنى ، بل للزم من إحدى
المجموعتين كذب المجموعة الأخرى !
ولا يضر بالاستدلال بمجموع أحاديث الاستثناء من الجنة ، أو الحكم باستحقاقها
أن بعضها ضعيف أو مكذوب كما ذكرنا ، لأن المكذوب أيضا يدل على أن المرتكز
في أذهان المسلمين اختصاص الشفاعة بأصناف من المسلمين ، لا بجميعهم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 143 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

شرط الشفاعة في المظالم الشخصية

روت مصادر الفريقين أحاديث تدل على إمكانية أن تشمل الشفاعة أهل المظالم
الشخصية ، بشرط أن يعفو صاحب المظلمة عن ظالمه .
- ففي تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) ص 204 :
وقال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : يا معشر شيعتنا اتقوا الله واحذروا أن تكونوا لتلك
النار حطبا ، وإن لم تكونوا بالله كافرين ، فتوقوها بتوقي ظلم إخوانكم المؤمنين ، فإنه
ليس من مؤمن ظلم أخاه المؤمن المشارك له في موالاتنا ، إلا ثقل الله في تلك النار
سلاسله وأغلاله ولم يفكه منها إلا شفاعتنا ، ولن نشفع إلى الله تعالى إلا بعد أن نشفع
له إلى أخيه المؤمن ، فإن عفا عنه شفعنا له ، وإلا طال في النار مكثه . انتهى .
ورواه في مستدرك الوسائل ج 12 ص 101 .
- وفي الإعتقادات للصدوق ص 29 :
قيل لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) : صف لنا الموت فقال : على الخبير سقطتم ، هو أحد
أمور ثلاثة يرد عليه : إما بشارة بنعيم الأبد ، وإما بشارة بعذاب الأبد ، وإما تخويف
وتهويل وأمر مبهم لا يدري من أي الفرق هو ؟ فأما ولينا والمطيع لأمرنا فهو المبشر
بنعيم الأبد ، وأما عدونا والمخالف لأمرنا فهو المبشر بعذاب الأبد ، وأما المبهم أمره
الذي لا يدري ما حاله فهو المؤمن المسرف على نفسه لا يدري ما يؤول إليه حاله
يأتيه الخبر مبهما مخوفا ، ثم لن يسويه الله تعالى بأعدائنا ، ولكن يخرجه من النار
بشفاعتنا فاعملوا وأطيعوا ولا تتكلوا ولا تستصغروا عقوبة الله ، فإن من المسرفين من
لا تلحقه شفاعتنا إلا بعد عذاب الله بثلاث مائة ألف سنة .
- وفي مسند أحمد ج 3 ص 13 :
عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يخلص
المؤمنون يوم القيامة من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 144 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا ، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول
الجنة . فوالذي نفسي بيده لأحدهم أهدى لمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا .
ورواه في ج 3 ص 63 و ص 74 .

نتيجة

النتيجة الواضحة من هذا الفصل أن قانون الشفاعة متفق عليه بين السنة والشيعة ،
على أصوله وخطوطه العامة أيضا ، وهي أنه يشمل من مات على الشهادتين ، ولم
يكن ظالما ، ولم يكن عاصيا للنبي في أهل بيته ( صلى الله عليه وآله ) .
ومنه نعرف أن كل ما خالف هذه الأصول فهو نشاز عن ثقافة الإسلام ، جاء إلى
أصحابه من خلل الرأي ، أو من التلقي والتأثر بثقافة اليهود ، والنصارى ، والمجوس
وغيرهم !
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 145 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل السابع : توسيعات الشفاعة عند الخليفة عمر وأتباعه

في مصادر السنيين اتجاه يقول بتوسيع الشفاعة أكثر من القدر المتفق عليه بين
الجميع ، وهو اتجاه خطير ، لأنه يلغي قانون العقوبة الإلهية جزئيا أو كليا ! وهو أربعة
آراء أو مذاهب نذكرها حسب توسيعها لدائرة الشفاعة :
الرأي الأول : أن الشفاعة تشمل كل من شهد الشهادتين حتى الطلقاء والمنافقين !
الرأي الثاني : أن الشفاعة تشمل كل من شهد بتوحيد الله تعالى ، حتى لو كفر
برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) !
الرأي الثالث : أن الشفاعة تشمل كل الخلق !
الرأي الرابع : أن العقاب في الآخرة ينتهي كليا ، وأن جهنم تفنى أو تبقى ، ولكن
ينقل أهلها كلهم إلى الجنة !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 146 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ونذكر هنا ملاحظات كلية على هذه المذاهب أو الأقوال :
الملاحظة الأولى : أن هذه التوسيعات في الشفاعة أو في دخول الجنة زادت على
توسيع اليهود لها ، لأن اليهود حصروا الشفاعة والجنة بقوميتهم اليهودية ، وهذه
التوسعات عممتها إلى العقائد المختلفة والقوميات المختلفة ، وإن كانت احتفظت
بميزة لكل قبائل قريش .
كما زادت على عقيدة الفداء النصرانية ، لأن بولس اشترط لشمول فداء المسيح
وشفاعته الدخول في النصرانية . . بينما أكثر هذه التوسيعات لا تشترط الدخول في
الإسلام !
الثانية : أن لكعب الأحبار وتلاميذه دورا أساسيا في توسيع الشفاعة ، بل كان
كعب مرجعا في الشفاعة بحيث أن الخليفة عمر يستفتيه فيها ويؤيد آراءه ، ويعمل
على نشرها ، كما سترى .
الثالثة : أن هذه التوسيعات لا تشمل أحدا ممن اعترض على الخلفاء أو خالفهم
في الرأي ، أو امتنع عن بيعتهم ، كما لا تشمل بني هاشم وبني عبد المطلب أسرة
النبي وآباءه ( صلى الله عليه وآله ) وخاصة أبا طالب والد علي ( عليه السلام ) ! وسترى هذه الغرائب وغيرها في
نصوص الشفاعة في مصادر إخواننا السنيين !
الرابعة : أن هذه الأفكار صارت أصلا ومنبعا لمذاهب فاسدة ، جرت على الأمة
مصائب ثقافية وسياسية ، مثل مذهب المرجئة والقدرية وغيرهما .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 147 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الرأي الأول : أن الشفاعة تشمل كل من شهد الشهادتين

حتى الطلقاء والمنافقين !
- روى البخاري في صحيحه ج 1 ص 41 :
قال حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على
الرحل قال : يا معاذ بن جبل ، قال لبيك يا رسول الله وسعديك . قال يا معاذ ، قال
لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثا ! قال ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله صدقا من قلبه ، إلا حرمه الله على النار . قال : يا رسول الله أفلا أخبر به
الناس فيستبشروا ؟ قال : إذا يتكلوا ، وأخبر بها معاذ عند موته تأثما ! انتهى .
- وروى البخاري في تاريخه ج 8 ص 41 :
عن عوف بن مالك قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فقال :
إن ربي خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة والشفاعة ، فاخترت الشفاعة . ورواه
الديلمي في فردوس الأخبار ج 2 ص 304 ح 2774 .
- وروى البخاري في تاريخه ج 1 ص 184 :
عن عوف بن مالك سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : الشفاعة لمن مات من
أمتي لا يشرك بالله شيئا .
- وروى مسلم في ج 1 ص 122 :
أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود ، فقال : . . . فتدعى
الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول ، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول : من
تنظرون ؟ فيقولون ننظر ربنا ! فيقول أنا ربكم ، فيقولون حتى ننظر إليك ، فيتجلى لهم
يضحك ! قال فينطلق بهم ويتبعونه ! ويعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا ثم
يتبعونه ، وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك ، تأخذ من شاء الله ، ثم يطفأ نور
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 148 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المنافقين ثم ينجو المؤمنون ، فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا
لا يحاسبون ، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء ، ثم كذلك .
ثم تحل الشفاعة ويشفعون حتى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه
من الخير ما يزن شعيرة ، فيجعلون بفناء الجنة ، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم
الماء حتى ينبتوا نبات الشئ في السيل ويذهب حراقه . ثم يسأل حتى تجعل له
الدنيا وعشرة أمثالها معها ! !
- وروى أبو داود في ج 1 ص 632 :
عن عامر بن سعد عن أبيه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من
مكة نريد المدينة ، فلما كنا قريبا من عزوراء نزل ثم رفع يديه فدعا الله ساعة ثم خر
ساجدا فمكث طويلا ، ثم قام فرفع يديه فدعا الله ساعة ثم خر ساجدا فمكث
طويلا ، ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجدا ذكره أحمد ثلاثا ، قال : إني سألت ربي
وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي ، فخررت ساجدا لربي شكرا ثم رفعت رأسي
فسألت ربي لأمتي فأعطاني ثلث أمتي ، فخررت ساجدا لربي شكرا ثم رفعت رأسي
فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر ، فخررت ساجدا لربي . ورواه البيهقي في
سننه ج 2 ص 370 .
- وروى أحمد في مسنده ج 5 ص 149 :
عن أبي ذر قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ، فقرأ بآية حتى أصبح
يركع بها ويسجد بها : إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ،
فلما أصبح قلت : يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت تركع بها وتسجد
بها ؟ قال : إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي فأعطانيها وهي نائلة إن شاء الله
لمن لا يشرك بالله عز وجل شيئا . ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه ج 7 ص 432 ح 104 عن
أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) . وفي الدر المنثور ج 3 ص 204 عن أحمد .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 149 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وروى أحمد في ج 5 ص 325 :
عن عبادة بن الصامت قال : فقد النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أصحابه ، وكانوا
إذا نزلوا أنزلوه أوسطهم ، ففزعوا وظنوا أن الله تبارك وتعالى اختار له أصحابا غيرهم !
فإذا هم بخيال النبي صلى الله عليه وسلم فكبروا حين رأوه وقالوا : يا رسول أشفقنا
أن يكون الله تبارك وتعالى اختار لك أصحابا غيرنا ! فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : لا بل أنتم أصحابي في الدنيا والآخرة ، إن الله تعالى أيقظني فقال يا محمد
إني لم أبعث نبيا ولا رسولا إلا وقد سألني مسألة أعطيتها إياه فاسأل يا محمد تعط ،
فقلت : مسألتي الشفاعة لأمتي يوم القيامة ، فقال أبو بكر : يا رسول الله وما الشفاعة ؟
قال أقول : يا رب شفاعتي التي اختبأت عندك ، فيقول الرب تبارك وتعالى : نعم ،
فيخرج ربي تبارك وتعالى بقية أمتي من النار ، فينبذهم في الجنة .
- وقال في مجمع الزوائد ج 10 ص 369 :
عن عوف بن مالك الأشجعي قال : سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
سفرا حتى إذا كان الليل أرقت عيناي فلم يأتني النوم ، فقمت فإذا ليس في العسكر
دابة إلا واضعة خدها إلى الأرض ، وأرى وقع كل شئ في نفسي ، فقلت لآتين رسول
الله صلى الله عليه وسلم فلأكلأ به الليلة حتى أصبح ، فخرجت أتخلل الرحال حتى
دفعت إلى رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو ليس في رحله ، فخرجت
أتخلل الرحال حتى خرجت من العسكر فإذا أنا بسواد ، فتيممت ذلك السواد فإذا
هو أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل فقالا لي : ما الذي أخرجك ؟ فقلت : الذي
أخرجكما ، فإذا نحن بغيطة منا غير بعيد فمشينا إلى الغيطة فإذا نحن نسمع فيها
كدوي النحل وتخفيق الرياح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هاهنا أبو عبيدة
بن الجراح ؟ قلنا نعم ، قال ومعاذ بن جبل ؟ قلنا نعم ، قال وعوف بن مالك ؟ قلنا
نعم ، فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نسأله عن شئ ولا يسألنا عن شئ
حتى رجع إلى رحله فقال : ألا أخبركم بما خيرني ربي آنفا ؟ قلنا بلى يا رسول الله ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 150 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال : خيرني بين أن يدخل ثلثي أمتي الجنة بغير حساب ولا عذاب ، وبين الشفاعة .
قلنا : يا رسول الله ما الذي اخترت ؟ قال : اخترت الشفاعة . قلنا جميعا : يا رسول الله
اجعلنا من أهل شفاعتك قال : إن شفاعتي لكل مسلم .
وفي رواية عن عوف أيضا قال : نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا
فاستيقظت من الليل فإذا أنا لا أرى في العسكر شيئا أطول من مؤخرة رحل ! قد لصق
كل إنسان وبعيره بالأرض ، فقمت أتخلل حتى جفلت إلى مضجع رسول الله صلى
الله عليه وسلم فإذا هو ليس فيه ! فوضعت يدي على الفراش فإذا هو بارد ، فقمت
أتخلل الناس وأقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فذكر نحوه إلا أنه قال : خيرني بين أن
يدخل نصف أمتي الجنة . وفي رواية جعل مكان أبي عبيدة أبا موسى . قلت : روى
الترمذي وابن ماجة طرفا منه ، رواه الطبراني بأسانيد ورجال بعضها ثقات .
وعن أبي كعب صاحب الحرير قال سألت النضر بن أنس فقلت : حدثني بحديث
ينفعني الله عز وجل به ، فقال نعم أحدثك بحديث كتب إلينا به من المدينة فقال
أنس : إحفظوا هذا فإنه من كنز الحديث ، قال : غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسار ذلك اليوم إلى الليل ، فلما كان الليل نزل وعسكر الناس حوله ونام هو وأبو
طلحة زوج أم سليم وفلان وفلان أربعة ، فتوسد النبي صلى الله عليه وسلم يد راحلته
ثم نام ونام الأربعة إلى جنبه ، فلما ذهب عتمة من الليل رفعوا رؤوسهم فلم يجدوا
النبي صلى الله عليه وسلم عند راحلته ، فذهبوا يلتمسون رسول الله صلى الله عليه
وسلم فلقوه مقبلا فقالوا : جعلنا الله فداك أين كنت فإنا قد فزعنا لك إذ لم نرك ؟ قال
النبي صلى الله عليه وسلم : كنت نائما حيث رأيتم فسمعت في نومي دويا كدوي
الرحا أو هزيز الرحى ففزعت في منامي فوثبت فمضيت ! فاستقبلني جبريل ( عليه السلام )
فقال : يا محمد إن الله بعثني إليك الساعة لأخيرك إما أن يدخل نصف أمتك الجنة
وإما الشفاعة يوم القيامة ، فاخترت الشفاعة لأمتي . فقال النفر الأربعة : يا رسول الله
اجعلنا ممن تشفع لهم ، فقال : وجبت لكم . ثم أقبل النبي صلى الله عليه وسلم والنفر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 151 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الأربعة حتى استقبله عشرة فقالوا : أين نبينا نبي الرحمة ؟ قال نحدثهم بالذي حدث
القوم فقالوا : جعلنا الله فداءك اجعلنا ممن تشفع لهم يوم القيامة ، فقال : وجبت لكم .
فجاؤوا جميعا إلى عظم الناس فنادوا في الناس : هذا نبينا نبي الرحمة ، فحدثهم
بالذي حدث القوم ، فنادوا بأجمعهم جعلنا الله فداءك جعلنا الله ممن تشفع لهم ،
فنادى ثلاثا : إني أشهد الله وأشهد من سمع أن شفاعتي لمن يموت لا يشرك بالله عز
وجل شيئا . رواه الطبراني في الأوسط وفيه علي بن قرة بن حبيب ولم أعرفه وبقية
رجاله ثقات . انتهى . ورواه في المعجم الكبير أيضا ج 18 ص 107 .
- وفي مجمع الزوائد ج 10 ص 377 :
وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : نعم الرجل أنا لشرار أمتي ،
فقال له رجل من جلساه : كيف أنت يا رسول الله لخيارهم ؟ قال : أما شرار أمتي
فيدخلهم الله الجنة بشفاعتي ، وأما خيارهم فيدخلهم الله الجنة بأعمالهم . ورواه
الديلمي في فردوس الأخبار ج 5 ص 9 ح 7004 .
- وقال في الدر المنثور ج 2 ص 115 :
وأخرج البيهقي عن ابن عابد قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة
رجل فلما وضع قال عمر بن الخطاب : لا تصل عليه يا رسول الله فإنه رجل فاجر ،
فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس وقال : هل آراه أحد منكم على
الإسلام ؟ فقال رجل : نعم يا رسول الله حرس ليلة في سبيل الله ، فصلى عليه رسول
الله صلى الله عليه وسلم وحثى عليه التراب وقال : أصحابك يظنون أنك من أهل
النار ، وأنا أشهد أنك من أهل الجنة ! وقال : يا عمر إنك لا تسأل عن أعمال الناس
ولكن تسأل عن الفطرة ! !
- وفي أسد الغابة ج 1 ص 156 :
عن أنيس الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إني لأشفع يوم القيامة
لأكثر مما على ظهر الأرض من حجر ومدر .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 152 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي تفسير الرازي ج 10 جزء 19 ص 192 :
فثبت أن ( إن المتقين في جنات وعيون ) يتناول جميع القائلين بلا إله إلا الله محمد
رسول الله قولا واعتقادا ، سواء كانوا من أهل الطاعة أو من أهل المعصية ! انتهى .
وهذا غريب من الرازي الذي هو حريص على العقلانية ، ولكن كثرة أحاديث
أصحابه غلبته وجعلته من المرجئة الذين ينتقدهم ! فقد حكم بأن المسلم يدخل
الجنة بالعقيدة فقط بدون عمل ، بل حتى لو كانت حياته سلسلة من المعاصي
والطغيان والإجرام !
ولم يزد عليه في ذلك إلا الديلمي حيث روى أن شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) إنما جعلت
من أجل جبابرة هذه الأمة وفراعنتها ! قال في فردوس الأخبار ج 2 ص 498 ح 3397 :
أنس بن مالك : شفاعتي للجبابرة من أمتي ! !
* *
وقد نقل السيوطي مجموعة كبيرة من الروايات مفادها أن الله تعالى يحاسب
المسلمين على أعمالهم ويدخل قسما منهم إلى الجنة وقسما آخر إلى النار ، ولكن
الكفار يعيرون المسلمين في جهنم بأنهم لم ينفعهم إسلامهم ، فيأنف الله تعالى
ويغضب وتأخذه الغيرة للمسلمين لتوحيدهم ، فينقلهم جميعا حتى جبابرتهم
ومجرميهم وشياطينهم إلى الجنة ، فعندئذ يتمنى الكفار لو كانوا مسلمين ، واستدل
هو وغيره بذلك على أن جميع المسلمين يدخلون الجنة !
وقد ورد شبيه هذا المعنى في أحاديثنا من طريق أهل البيت ( عليهم السلام ) ولكنه بالنسبة
إلى بعض أصناف الموحدين وليس لكل المسلمين كما تذكر هذه الروايات !
- قال السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 92 - 94 في تفسير قوله تعالى : ربما يود الذين
كفروا لو كانوا مسلمين :
وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 153 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
البعث عن ابن عباس وأنس ( رضي الله عنه ) أنهما تذاكرا هذه الآية : ربما يود الذين كفروا لو كانوا
مسلمين ، فقالا : هذا حيث يجمع الله بين أهل الخطايا من المسلمين والمشركين في
النار فيقول المشركون ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون ، فيغضب الله لهم فيخرجهم
بفضل رحمته .
وأخرج سعيد بن منصور وهناد والبيهقي عن مجاهد ( رضي الله عنه ) في قوله : ربما يود
الذين كفروا لو كانوا مسلمين ، قال : إذا خرج من النار من قال لا إله إلا الله .
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند صحيح عن جابر بن عبد الله ( رضي الله عنه )
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ناسا من أمتي يعذبون بذنوبهم فيكونون
في النار ما شاء الله أن يكونوا ، ثم يعيرهم أهل الشرك فيقولون : ما نرى ما كنتم فيه
من تصديقكم نفعكم ، فلا يبقى موحد إلا أخرجه الله تعالى من النار . ثم قرأ رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .
وأخرج ابن أبي عاصم في السنة وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم
وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي موسى الأشعري ( رضي الله عنه ) قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله
من أهل القبلة ، قال الكفار للمسلمين : ألم تكونوا مسلمين ؟ قالوا بلى ، قالوا : فما
أغنى عنكم الإسلام وقد صرتم معنا في النار ! قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها ،
فسمع الله ما قالوا فأمر بكل من كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا ، فلما رأى ذلك
من بقي من الكفار قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا ، ثم قرأ رسول الله
صلى الله عليه وسلم : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم : أ . ل . ر .
تلك آيات الكتاب وقرآن مبين . ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .
وأخرج إسحق بن راهويه وابن حبان والطبراني وابن مردويه عن أبي سعيد
الخدري أنه سئل هل عندك من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية شئ :
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ؟ قال نعم سمعته يقول : يخرج الله أناسا من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 154 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المؤمنين من النار بعد ما يأخذ نقمته منهم ، لما أدخلهم الله النار مع المشركين قال
لهم المشركون : ألستم كنتم تزعمون أنكم أولياء الله في الدنيا فما بالكم معنا في النار !
فإذا سمع الله ذلك منهم أذن في الشفاعة لهم فيشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون
حتى يخرجوا بإذن الله ، فإذا رأى المشركون ذلك قالوا : يا ليتنا كنا مثلهم فتدركنا
الشفاعة فنخرج معهم ، فذلك قول الله : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ، قال
فيسمون في الجنة الجهنميين من أجل سواد في وجوههم ، فيقولون : يا ربنا أذهب
عنا هذا الاسم ، فيأمرهم فيغتسلون في نهر الجنة فيذهب ذلك الاسم عنهم .
وأخرج هناد بن السري والطبراني في الأوسط وأبو نعيم عن أنس ( رضي الله عنه ) قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ناسا من أهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم
فيقول لهم أهل اللات والعزى : ما أغنى عنكم قول لا إله إلا الله وأنتم معنا في النار !
فيغضب الله لهم فيخرجهم فيلقيهم في نهر الحياة فيبرؤون من حرقهم كما يبرأ القمر
من خسوفه ، فيدخلون الجنة ويسمون فيها الجهنميين .
وأخرج الحاكم في الكنى عن حماد ( رضي الله عنه ) قال سألت إبراهيم عن هذه الآية : ربما
يود الذين كفروا كانوا مسلمين ، قال : حدثت أن أهل الشرك قالوا لمن دخل النار من
أهل الإسلام : ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون ، فيغضب الله لهم فيقول للملائكة
والنبيين : إشفعوا لهم فيشفعون لهم فيخرجون ، حتى أن إبليس ليتطاول رجاء أن
يدخل معهم ، فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود ( رضي الله عنه ) في قوله : ربما يود الذين كفروا لو كانوا
مسلمين ، قال : هذا في الجهنميين ، إذا رأوهم يخرجون من النار . انتهى .
وفي نفس الوقت روى السيوطي روايات تدل على أن تمني الكفار هذا ليس بعد
دخول النار بل في يوم القيامة قبل دخول الجنة والنار . . قال : وأخرج ابن جرير وابن
المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) في قوله : ربما يود
الذين كفروا قال : ذلك يوم القيامة يتمنى الذين كفروا لو كانوا مسلمين قال : موحدين .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 155 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأخرج سعيد بن منصور وهناد بن السرى في الزهد ابن جرير وابن المنذر
والحاكم وصححه والبيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) قال : ما زال الله
يشفع ويدخل الجنة ويشفع ويرحم ، حتى يقول من كان مسلما فليدخل الجنة فذلك
قوله : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين . انتهى .
* *
والإشكالات على هذا الرأي كثيرة يكفي منها ما تقدم من أدلة الرأي الأول .
ويكفي منها أن القول بإسقاط اشتراط العمل هو مذهب المرجئة الذين أسقطوا
قوانين العقوبة الإلهية ، كما فعل اليهود من قبلهم !
وينبغي التذكير هنا بأن القرآن الكريم والأحاديث الثابتة المتفق عليها هي الميزان
في قبول الأحاديث الأخرى أو ردها . . وبهذا الميزان نجد أنفسنا ملزمين برد
الأحاديث التي تكتفي بشرط إعلان الشهادتين فقط لدخول الجنة ، وتسقط كل
الشروط العملية ! لأنها تناقض عشرات الآيات والأحاديث القطعية المتفق عليها
عند الجميع !
على أنه يمكن لمن ثبتت عنده هذه الأحاديث أن يؤولها بأنها تقصد التأكيد على
أهمية الشهادتين ، ولا تقصد إسقاط بقية الشروط التي نصت عليها الآيات
والأحاديث الأخرى ، لأنها شرط ضمني فيها ، فتكون النتيجة إخضاع هذه
الأحاديث لمفاد أحاديث القول الأول ، وهو المطلوب .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 156 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الرأي الثاني : أن الشفاعة تشمل كل من شهد بتوحيد الله تعالى

حتى لو كفر بنبوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
والمستفيد الأول من هذه التوسعة هم المنافقون من قريش والأنصار ، الذين
كانت تظهر منهم ظواهر النفاق وعدم الإيمان بالنبي في حياته ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد جعل الله
تعالى لهم علامات يعرفهم المسلمون بها ، ومن أوضحها بغض علي بن أبي طالب ( عليه السلام )
باعتباره يمثل تحدي الإسلام للكفر والنفاق ، وباعتباره أول عترة النبي ووصيه ( صلى الله عليه وآله ) . .
فكان حب علي وبغضه في حياة رسول الله وبنصه ( صلى الله عليه وآله ) ميزانا للإيمان والنفاق ! وقد
روى الجميع أحاديثه وصححوها ، منها ما رواه أحمد في مسنده ج 1 ص 95 و ص 128
و ص 292 عن زر بن حبيش عن علي ( رضي الله عنه ) قال عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم أنه
لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق . ورواه الترمذي في سننه ج 5 ص 306 .
- وقال الترمذي في سننه ج 5 ص 298 :
عن أبي سعيد الخدري قال : إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم
علي بن أبي طالب . هذا حديث غريب . وقد تكلم شعبة في أبي هارون العبدي ،
وقد روى هذا عن الأعمش عن أبي صالح ، عن أبي سعيد .
- وروى الحاكم في المستدرك ج 3 ص 128 :
عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) قال نظر النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى علي فقال : يا علي أنت سيد في الدنيا سيد
في الآخرة ، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله ، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله ،
والويل لمن أبغضك بعدي ! ! صحيح على شرط الشيخين ، وأبو الأزهر بإجماعهم
ثقة ، وإذا تفرد الثقة بحديث فهو على أصلهم صحيح .
- وروى الحاكم في ج 3 ص 135 سمعت عمار بن ياسر ( رضي الله عنه ) يقول سمعت رسول
الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول لعلي : يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك ، وويل لمن أبغضك
وكذب فيك . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 157 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وروى الحاكم في ج 3 ص 142 أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخبر عليا بأن الأمة ستغدر به من
بعده ، قال : عن حيان الأسدي سمعت عليا يقول قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الأمة
ستغدر بك بعدي ، وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي ، من أحبك أحبني
ومن أبغضك أبغضني ، وإن هذه ستخضب من هذا ، يعني لحيته من رأسه . صحيح .
انتهى .
أما بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فصار بغض علي ( عليه السلام ) جهارا نهارا ، ولم يعد علامة على
النفاق بل صار علامة على ( الإيمان ) والتقوى والإخلاص للإسلام وتأييد السلطة
الجديدة التي يعارضها علي وشيعته ! وجهر المنافقون بنفاقهم مطمئنين ! فقد روى
البخاري ج 8 ص 100 عن حذيفة بن اليمان قوله ( إن المنافقين اليوم شر منهم على
عهد النبي صلى الله عليه وسلم ! كانوا يومئذ يسرون ، واليوم يجهرون ) !
هذه الحقيقة الثابتة تنفعنا في فهم أحاديث هذا الرأي التي تريد شمول المنافقين
بالشفاعة والجنة ! وهي كثيرة نورد عددا منها ثم نذكر الملاحظات عليها :
- روى مسلم في صحيحه ج 1 ص 44 :
عن أبي هريرة قال : كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا أبو بكر
وعمر في نفر ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا ، فأبطأ علينا
وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا ، فقمنا فكنت أول من فزع ، فخرجت أبتغي رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطا للأنصار لبني النجار ، فدرت به هل أجد له
بابا فلم أجد ، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة - والربيع الجدول -
فاحتفرت فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أبو هريرة ؟ فقلت
نعم يا رسول الله ، قال : ما شأنك ؟ قلت كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا
فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أول من فزع ، فأتيت هذا الحائط فاحتفرت كما
يحتفر الثعلب ، وهؤلاء الناس ورائي !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 158 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقال : يا أبا هريرة وأعطاني نعليه قال : إذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء
هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة ! فكان أول من لقيت
عمر فقال : ما هاتان النعلان يا أبا هريرة ؟ فقلت هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشرته بالجنة ،
فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لإستي ! فقال : إرجع يا أبا هريرة ، فرجعت إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهشت بكاء ، وركبني عمر فإذا هو على أثري ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لك يا أبا هريرة ؟ ! قلت : لقيت عمر فأخبرته
بالذي بعثتني به فضرب بين ثديي ضربة خررت لإستي قال إرجع !
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عمر ما حملك على ما فعلت ؟ قال : يا
رسول الله بأبي أنت وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن إله إلا الله
مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة ؟ قال : نعم . قال فلا تفعل ! فإني أخشى أن يتكل الناس
عليها فخلهم يعملون ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فخلهم ! !
- وروى البخاري في ج 1 ص 41 :
عن أنس : قال ذكر لي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ : من لقي الله لا
يشرك به شيئا دخل الجنة . قال ألا أبشر الناس ؟ قال : لا ، أخاف أن يتكلوا .
- وروى البخاري في ج 1 ص 109 :
قال أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري أن عتبان بن مالك وهو من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا من الأنصار ، أنه أتى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي ، فإذا كانت
الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم ،
ووددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى .
قال فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : سأفعل إن شاء الله ، قال عتبان : فغدا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 159 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار ، فاستأذن رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأذنت له فلم يجلس حين دخل البيت ، ثم قال : أين تحب أن أصلي
من بيتك ؟ قال : فأشرت له إلى ناحية من البيت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكبر فقمنا فصففنا فصلى ركعتين ثم سلم ، قال وحبسناه على خزيرة صنعناها له قال
فثاب في البيت رجال من أهل الدار ذووا عدد ، فاجتمعوا فقال قائل منهم : أين مالك
بن الدخيشن أو ابن الدخشن ؟ فقال بعضهم : ذلك منافق لا يحب الله ورسوله ، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقل ذلك ، ألا تراه قد قال لا إله إلا الله يريد بذلك
وجه الله ؟ قال : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين ! قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي
بذلك وجه الله ! ! ورواه في كنز العمال ج 1 ص 302 .
- وروى البخاري ج 2 ص 55 و ج 6 ص 202 :
فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله .
- وروى شبيهه في ج 1 ص 33 ، ورواه أحمد في مسنده ج 4 ص 44 .
- وروى البخاري في ج 7 ص 172 :
عن أحد بني سالم قال غدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لن يوافي
عبد يوم القيامة يقول لا إله إلا الله يبتغي به وجه الله إلا حرم الله عليه النار .
- وروى البخاري في ج 2 ص 69 :
عن أبي ذر ( رضي الله عنه ) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتاني آت من ربي
فأخبرني أو قال بشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ! قلت :
وإن زنى وإن سرق ؟ ! قال وإن زنى وإن سرق . . . عن عبد الله ( رضي الله عنه ) قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : من مات يشرك بالله شيئا دخل النار . وقلت أنا : من مات لا
يشرك بالله شيئا دخل الجنة ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 160 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وروى البخاري في ج 7 ص 43 :
أن أبا ذر حدثه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو
نائم ، ثم أتيته وقد استيقظ فقال : ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا
دخل الجنة ! قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ ! قال وإن زنى وإن سرق . قلت : وإن زنى وإن
سرق ؟ ! قال وإن زنى وإن سرق ! قلت وإن زنى وإن سرق ؟ ! قال وإن زنى وإن سرق ،
على رغم أنف أبي ذر ! ! وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال : وإن رغم أنف أبي ذر ! ! قال
أبو عبد الله : هذا عند الموت أو قبله . انتهى .
وأبو عبد الله هو البخاري نفسه ، وهو يريد بقوله هذا تخفيف إطلاق الحديث
ووضع شرط للتوحيد المذكور فيه ، بأنه المسلم المجرم يدخل الجنة بشرط أن يقول
( لا إله إلا الله ) قبل موته أو عند موته . ولكن الحديث مطلق وليس فيه هذا الشرط !
- وروى النسائي في ج 8 ص 112 :
عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما مجادلة
أحدكم في الحق يكون له في الدنيا بأشد من مجادلة المؤمنين لربهم في إخوانهم
الذين أدخلوا النار ، قال يقولون : ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا
ويحجون معنا فأدخلتهم النار ! قال فيقول : إذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم ، قال
فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم ، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ، ومنهم من
أخذته إلى كعبيه ، فيخرجونهم فيقولون : ربنا قد أخرجنا من أمرتنا ، قال : ويقول
أخرجوا من كان في قلبه وزن نصف دينار ، حتى يقول من كان في قلبه وزن ذرة ! قال
أبو سعيد : فمن لم يصدق فليقرأ هذه الآية : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون
ذلك لمن يشاء إلى عظيما .
- وروى أحمد في مسنده ج 4 ص 43 :
ذكروا المنافقين وما يلقون من أذاهم وشرهم حتى صيروا أمرهم إلى رجل منهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 161 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يقال له مالك بن الدخشم ، وقالوا : من حاله ، ومن حاله ، ورسول الله صلى الله عليه
وسلم ساكت ، فلما أكثروا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أليس يشهد أن لا إله
إلا الله ؟ ! فلما كان في الثالثة قالوا : إنه ليقوله . قال : والذي بعثني بالحق لئن قالها
صادقا من قلبه لا تأكله النار أبدا ! قالوا فما فرحوا بشئ قط كفرحهم بما قال ! ! . انتهى .
وابن الدخشن هذا ، أو الدخشم ، أو الدخيشن ، هو الذي ذكره البخاري وهو
رئيس المنافقين الرسمي بعد ابن سلول ! ! ويمكنك أن تفكر فيما يزعمه هذا
الحديث من أن أكبر فرحة للمسلمين كانت في ذلك اليوم ، أي يوم ساوى النبي ( صلى الله عليه وآله )
بين المسلمين والمنافقين الذين قال الله تعالى فيهم ما قال ! !
ولعمري إنها فرحة السلطة وأتباعها الذين أرادوا حل مشكلة المنافقين لتأييدهم
لهم ، فألصقوا ذلك بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ! !
- وروى أحمد في مسنده ج 4 ص 411 :
عن أبي بكر بن أبي موسى ( الأشعري ) عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال : أبشروا وبشروا الناس من قال لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة ،
فخرجوا يبشرون الناس ، فلقيهم عمر ( رضي الله عنه ) فبشروه فردهم ، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : من ردكم ؟ قالوا عمر ، قال : لم رددتهم يا عمر ؟ قال إذا يتكل الناس يا
رسول الله ! . انتهى . وقال عنه في مجمع الزوائد ج 1 ص 16 رجاله ثقات .
- وروى أحمد ج 1 ص 464 :
عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة وأنا أقول أخرى ! من
مات وهو يجعل لله ندا أدخله الله النار . قال وقال عبد الله : وأنا أقول : من مات وهو لا
يجعل لله ندا أدخله الله الجنة ! ! . انتهى .
- ولكن أحمد روى في ج 2 ص 170 أن عبد الله بن عمرو بن العاص نسب الكلمتين إلى
النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من لقي الله وهو لا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 162 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يشرك به شيئا دخل الجنة ولم تضره معه خطيئة ، كما لو لقيه وهو مشرك به دخل
النار ولم ينفعه معه حسنة . انتهى .
- ولكن أحمد روى هذا الحديث أيضا عن عبد الله بن مسعود وليس عبد الله بن عمرو !
قال في ج 1 ص 374 : قال ابن مسعود : خصلتان يعني إحداهما سمعتها من رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، والأخرى من نفسي : من مات وهو يجعل لله ندا دخل
النار . وأنا أقول من مات . . . الخ .
- وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 ص 23 :
عن عقبة بن عامر ( رضي الله عنه ) قال جئت في اثني عشر راكبا حتى حللنا برسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال أصحابي : من يرعى إبلنا وننطلق فنقتبس من رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فإذا راح اقتبسناه ما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت :
أنا ، ثم قلت في نفسي : لعلي مغبون ، يسمع أصحابي ما لا أسمع من نبي الله صلى
الله عليه وسلم ، فحضرت يوما فسمعت رجلا قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : من توضأ وضوء كاملا ثم قام إلى صلاة كان من خطيئته كيوم ولدته أمه ،
فتعجبت من ذلك ، فقال عمر بن الخطاب : فكيف لو سمعت الكلام الآخر كنت أشد
عجبا ! فقلت : أردد علي جعلني الله فداءك ، فقال عمر بن الخطاب : إن نبي الله صلى
الله عليه وسلم قال : من مات لا يشرك بالله شيئا فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها
شاء ، ولها ثمانية أبواب ! فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست
مستقبله فصرف وجهه عني ، فقمت فاستقبلته ففعل ذلك ثلاث مرات فلما كانت
الرابعة ، قلت يا نبي الله بأبي أنت وأمي لم تصرف وجهك عني ؟ ! فأقبل علي فقال :
أواحد أحب إليك أم اثنا عشر ؟ مرتين أو ثلاثا ! فلما رأيت ذلك رجعت إلى أصحابي !
- وفي مجمع الزوائد ج 1 ص 32 :
عن عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من مات
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 163 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يؤمن بالله واليوم الآخر ، قيل له أدخل من أي أبواب الجنة الثمانية شئت . رواه أحمد
وفي إسناده شهر بن حوشب وقد وثق . وأورده أيضا في ص 49 .
- وفي مجمع الزوائد ج 1 ص 22 :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص ( رضي الله عنه ) قال : جئت ورسول الله صلى الله عليه وسلم
قاعد في أناس من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) وأدركت آخر الحديث ورسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول : من صلى أربع ركعات قبل العصر لم تمسه النار ! فقلت
بيدي هكذا يحرك بيده إن هذا حديث جيد ، فقال عمر بن الخطاب : لما فاتك من صدر
الحديث أجود وأجود ! قلت يا ابن الخطاب فهات ، فقال عمر بن الخطاب : حدثنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة ! !
- وفي مجمع الزوائد ج 1 ص 16 :
عن أبي الدرداء ( رضي الله عنه ) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال لا إله إلا الله
وحده لا شريك له دخل الجنة . قال قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن
سرق ! قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ ! قال : وإن زنى وإن سرق ! قلت : وإن زنى وإن
سرق ؟ ! قال : وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء ! قال فخرجت لأنادي
بها في الناس فلقيني عمر فقال إرجع فإن الناس إن علموا بهذه اتكلوا عليها ! قال :
فرجعت فأخبرته صلى الله عليه وسلم فقال : صدق عمر .
رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط وإسناد أحمد أصح ، وفيه ابن لهيعة وقد
احتج به غير واحد . ورواه في الدر المنثور ج 2 ص 170 .
- وروى أحمد ج 5 ص 170 :
حدثتني جسرة بنت دجاجة أنها انطلقت معتمرة فانتهت إلى الربذة فسمعت
أبا ذر يقول : قام النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي في صلاة العشاء فصلى
بالقوم ثم تخلف أصحاب له يصلون ، فلما رأى قيامهم وتخلفهم انصرف إلى رحله ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 164 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فلما رأى القوم قد أخلوا المكان رجع إلى مكانه فصلى ، فجئت فقمت خلفه فأومأ
إلي بيمينه فقمت عن يمينه ، ثم جاء ابن مسعود فقام خلفي وخلفه ، فأومأ إليه
بشماله فقام عن شماله فقمنا ثلاثتنا ، يصلي كل رجل منا بنفسه ويتلو من القرآن ما
شاء الله أن يتلو ، فقام بآية من القرآن يرددها حتى صلى الغداة ، فبعد أن أصبحنا
أومأت إلى عبد الله بن مسعود أن سله ما أراد إلى ما صنع البارحة ؟ فقال ابن مسعود
بيده لا أسأله عن شئ حتى يحدث إلي ، فقلت : بأبي أنت وأمي قمت بآية من القرآن
ومعك القرآن ؟ ! لو فعل هذا بعضنا وجدنا عليه ، قال : دعوت لأمتي ، قال : فماذا
أجبت أو ماذا عليك ؟ قال : أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعة تركوا الصلاة !
قال : أفلا أبشر الناس ؟ قال بلى ، فانطلقت معنقا قريبا من قذفة بحجر ، فقال عمر : يا
رسول الله إنك إن تبعث إلى الناس بهذا نكلوا عن العبادة ، فنادى أن ارجع ، فرجع .
- وروى أحمد في مسنده ج 2 ص 307 وفي ص 518 :
عن أبي هريرة أنه سمعه يقول : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : ماذا رد
إليك ربك في الشفاعة ؟ فقال : والذي نفس محمد بيده لقد ظننت أنك أول من
يسألني عن ذلك من أمتي لما رأيت من حرصك على العلم ! والذي نفس محمد
بيده ما يهمني من انقصافهم على أبواب الجنة أهم عندي من تمام شفاعتي ،
وشفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه . ورواه
الديلمي في فردوس الأخبار ج 2 ص 197 ح 3395 .
- وقال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 324 :
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال : لما نزلت : فبشر عبادي الذين يستمعون
القول فيتبعون أحسنه ، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا فنادى : من مات
لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، فاستقبل عمر الرسول فرده ، فقال : يا رسول الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 165 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خشيت أن يتكل الناس فلا يعملون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو يعلم
الناس قدر رحمة الله لا تكلوا ولو يعلمون قدر سخط الله وعقابه لاستصغروا أعمالهم !
- الدر المنثور ج 4 ص 93 :
وأخرج ابن أبي حاتم وابن شاهين في السنة عن علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أصحاب الكبائر من موحدي الأمم كلها الذين
ماتوا على كبائرهم غير نادمين ولا تائبين ، من دخل منهم جهنم لا تزرق أعينهم ولا
تسود وجوههم ، ولا يقرنون بالشياطين ولا يغلون بالسلاسل ، ولا يجرعون الحميم
ولا يلبسون القطران ، حرم الله أجسادهم على الخلود من أجل التوحيد ، وصورهم
على النار من أجل السجود ، فمنهم من تأخذه النار إلى قدميه ، ومنهم من تأخذه النار
إلى عقبيه ، ومنهم من تأخذه النار إلى فخذيه ، ومنهم من تأخذه النار إلى حجزته ،
ومنهم من تأخذه النار إلى عنقه ، على قدر ذنوبهم وأعمالهم . ومنهم من يمكث فيها
شهرا ثم يخرج منها ، ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج منها ، وأطولهم فيها مكثا
بقدر الدنيا منذ يوم خلقت إلى أن تفنى .
فإذا أراد الله أن يخرجهم منها قالت اليهود والنصارى ومن في النار من أهل
الأديان والأوثان لمن في النار من أهل التوحيد : آمنتم بالله وكتبه ورسله فنحن وأنتم
اليوم في النار سواء ، فغضب الله غضبا لم يغضبه لشئ فيما مضى ، فيخرجهم إلى
عين بين الجنة والصراط فينبتون فيها نبات الطراثيث في حميل السيل ، ثم يدخلون
الجنة مكتوب في جباههم هؤلاء الجهنميون عتقاء الرحمن ، فيمكثون في الجنة ما
شاء الله أن يمكثوا ، ثم يسألون الله تعالى أن يمحو ذلك الاسم عنهم ، فيبعث الله
ملكا فيمحوه ثم يبعث الله ملائكة معهم مسامير من نار فيطبقونها على من بقي فيها
يسمرونها بتلك المسامير فينساهم الله على عرشه ، ويشتغل عنهم أهل الجنة
بنعيمهم ولذاتهم ، وذلك قوله : ربما بما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 166 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وقال ابن باز في فتاويه ج 1 ص 179 :
روى البخاري عن أبي هريرة أنه قال : يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك قال :
من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه . انتهى .
* *

ملاحظات على روايات هذا الرأي

أولا : نلاحظ في أحاديث هذا الرأي بل هذا المذهب ، اضطرابها وتعارضها
إلى حد التناقض ! ولعل أصلها رواية مسلم التي ضرب فيها عمر أبا هريرة حتى خر
لإسته ! والمقصود منها ومن أمثالها إثبات أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد ( اعترف وشهد ) بأن
توحيد الله تعالى فقط كاف لدخول الجنة ، وأنه لا يحتاج الأمر إلى الإيمان بنبوته ولا
شفاعته ( صلى الله عليه وآله ) !
ويلاحظ أنها تؤكد على أن الذي قال ذلك هو النبي نفسه ( صلى الله عليه وآله ) وليس عمر ! بل إن
عمر كان مخالفا لذلك ، وقد رد أبا هريرة من الطريق وضربه ، واعترض على النبي
مرات ومرات ، وقد أطاعه النبي ( صلى الله عليه وآله ) في بعض المرات ، ثم أصر النبي على هذا
القول فهو الذي يتحمل مسؤوليته ، وليس عمر ، ولا أبو موسى ، ولا أبو هريرة ، ولا
كعب الأحبار ! !
ثانيا : أن هذا المذهب يلغي حاجة المسلمين إلى الشفاعة أصلا ! ! فأحاديثه
تبشر بالجنة كل من قال ( لا إله إلا الله ) وتشمل رواياته اليهود والنصارى وغيرهم ،
فلا يبقى معنى للشفاعة ! !
ثالثا : أنه يلغي الحاجة إلى أصل الإسلام ونبوة نبينا ( صلى الله عليه وآله ) ! لأن رواياته تقول إن الله
تعالى يقبل إيمان الموحد ويدخله الجنة لتوحيده ، حتى لو كفر بنبوة محمد ( صلى الله عليه وآله ) !
فلا يبقى مبرر لجهاد النبي ( صلى الله عليه وآله ) وحروبه وشدته على الكافرين بنبوته ! ولا يبقى معنى
لقوله تعالى ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 167 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وكيف يجرأ مسلم على قبول رأي من رواة أو خليفة ، يستلزم إبطال دينه من أصله ؟ ! !
رابعا : تزعم روايات هذا المذهب عدم عصمة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأنه أخطأ في تبليغ
الرسالة وصحح له عمر وأقنعه بخطئه ! على أنه توجد رواية أخرى في تهذيب الكمال
ج 4 ص 31 وفي مجمع الزوائد ج 1 ص 16 تقول إن النبي لم يقتنع وأصر على رأيه ، وقال
لعمر : دعهم يتكلوا ! وتوجد رواية أخرى في مجمع الزوائد وفي مسند أحمد ج 4
ص 402 تقول إن النبي سكت ! . . الخ .
ومن جهة أخرى تدل هذه الروايات على عدم إيمان عمر بعصمة النبي ( صلى الله عليه وآله )
وتعطي لعمر دور الناظر على أعمال النبي ( صلى الله عليه وآله ) والولاية عليه لتصحيح أخطائه ! بينما
يؤكد الله تعالى عصمة رسوله ( صلى الله عليه وآله ) في كل كلمة يتفوه بها ، فيقول ( وما ينطق عن
الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) !
خامسا : تقدمت رواية أن عمر هو الذي بشر الناس ، ولعله اقترح على النبي أن
يبشر الناس بذلك فنهاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! ! وقد روى الهيثمي رواية فيها تصريح بأن الذي
أراد تبشير الناس هو عمر وإن كانت متناقضة ، قال ( وعن جابر ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ناد يا عمر في الناس إنه من مات يعبد الله مخلصا من قلبه
أدخله الله الجنة وحرم على النار ! قال فقال عمر : يا رسول الله أفلا أبشر الناس ؟ قال :
لا ، لا ، يتكلوا . انتهى .
فأول الرواية يقول : إن النبي أمر عمر بالنداء ، وآخرها يقول إن عمر اقترح النداء
فلم يقبل به النبي ( صلى الله عليه وآله ) ونهاه عنه !
وهذا يؤيد أن يكون أصل القضية كلها محاولة من عمر لتبشير الناس بعدم اشتراط
العمل للجنة ، فنهاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
سادسا : إن روايات ( ضياع النبي ! ) في غزوة من غزواته أو في المدينة ، قد
حملت من التناقض واللامعقول ما يوجب على الباحث بل على القارئ الشك فيها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 168 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من أصلها !
فحديث مسلم يقول : إنهم ( أضاعوا ) النبي ( صلى الله عليه وآله ) في المدينة حتى وجده
أبو هريرة في بستان في المدينة لبني النجار ! وروايتا الطبراني المتقدمتان عن عوف
بن مالك والنضر بن أنس تقولان إنهم أضاعوا النبي في إحدى الغزوات ! أو خرج
مبهوتا في وسط الليل ! وبعض رواياتها تقول إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يضع بل كان في بيته أو
في مسجده وأمر أبا موسى ونفرا من قومه أن يبشروا الناس فلما خرجوا من عنده
لقيهم عمر . . . الخ . وقد رواها أحمد ج 4 ص 402 و ص 411 وقال عنها مجمع الزوائد ج 1
ص 16 ( رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات ) .
ثم إن رواية مسلم تقول : إن بطل القصة المأمور بالنداء هو أبو هريرة وأن عمر
ضربه ! بينما تقول روايات أخرى إن المأمور بالنداء أبو موسى الأشعري ونفر من
الأشعريين وأن عمر رده ولم يضربه ! وأخرى تقول : إن المأمور هو أبو الدرداء ،
وأخرى تقول : إنه أبو ذر ، وأخرى تقول : إنه عمر . . إلخ . ورواية أبي سعيد تذكر
مأمورا بدون تسمية !
أما روايات الطبراني فتذكر بطلين آخرين للحادثة هما عوف والنضر ، وفي رواية
أخرى في مجمع الزوائد ج 1 ص 23 إنه عقبة بن عامر !
وتوجد رواية في مجمع الزوائد تقول إن البطل الوحيد هو عمر ، ولا يوجد غيره
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 ص 16 وعن عمر ( رضي الله عنه ) أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمره أن يؤذن في الناس أنه : من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصا
دخل الجنة ، فقال عمر : يا رسول الله إذا يتكلوا فقال : دعهم . رواه أبو يعلى والبزار إلا
أن عمر قال يا رسول الله إذا يتكلوا ! قال دعهم يتكلوا . انتهى .
أما رواية البخاري فتذكر أن بطل الرواية معاذ فقط ، وأنه اقترح تبشير الناس بذلك
فنهاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ورواية أحمد تذكر أن بطلها عبادة بن الصامت . . وقد تقدمت
الروايتان في الرأي الثاني لأنهما اشترطتا الشهادة بالنبوة ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 169 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولو أردنا مواصلة بحث ملف ضياع النبي المزعوم ، والنداء المزعوم ، لوجدنا
فيها تناقضات أخرى توجب سقوط أصل القصة عن الصلاحية لإثبات حكم شرعي
عادي ، فكيف تصلح لإثبات عقيدة خطيرة ، أخطر من مذهب المرجئة ؟ ! لأن
المرجئة يشترطون لدخول الجنة الشهادتين ، وهذه القصة تلغي الشهادة الثانية ! !
سابعا : توجد روايات تناقض هذا الرأي عن الخليفة عمر نفسه وتقول إن الذي
يسرق عباءة من الغنائم يحرم من دخول الجنة ، حتى لو كان السارق مسلما
واستشهد في سبيل الله تعالى ! وتقول إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد أمر عمر أن ينادي بنداء مضاد
لما ذكرته قصة ضياع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ونداء النعلين ! !
فقد روى أحمد في مسنده ج 1 ص 30 و ص 47 عن عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) قال لما كان
يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : فلان شهيد فلان
شهيد ، حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة ! ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يا بن الخطاب إذهب فناد في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون قال : فخرجت
فناديت : ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون . انتهى .
فإذا كانت سرقة عباءة تمنع صاحبها ( الشهيد ) من دخول الجنة ، فكيف تكون
شهادة ( لا إله إلا الله ) وحدها بدون عمل كافية لدخول الجنة ؟ !
وإذا كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد أمر عمر بهذا النداء ، فكيف أمر عمر نفسه أو غيره بنداء
مناقض له ؟ ! وكيف لم يعترض عليه عمر وهو المعروف بكثرة اعتراضاته ؟ !
ثم إن قصة سارق العباءة والنداء بشرط الإيمان والعمل الصالح ، كانتا في خيبر ،
وهذه ظاهرة تحديد في الرواية توجب نوعا من الثقة ، ولكنك لا تجد في قصة ضياع
النبي ( صلى الله عليه وآله ) والنداء المضاد المزعومين شيئا من التحديد ، لا اسم الغزوة ، ولا اسم
البستان ، بل لا تجد إلا مجملا في مجمل ، وتناقضا بعد تناقض !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 170 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وبما أن أغلب روايات هذه القصة تشترك في ذكر دور عمر ومناقشته للنبي ( صلى الله عليه وآله )
ونصحه إياه بضرر إعلان ذلك للناس ، يترجح في الذهن احتمال أن يكون أصل
القصة أن الخليفة عمر هو الذي بشر الناس كما نصت الروايات المتقدمة ، وقد يكون
اقترح على النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يأمره بذلك فلم يقبل ، وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ما ضاع لا في غزوتين
ولا في غزوة ، ولا خرج مذعورا في الليل من كلام جبرئيل ، ولا ضاع في المدينة ،
ولا اختبأ في بستان ، ولا أعطى نعليه لأبي هريرة علامة للناس بأنه مبعوث من
النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا ضرب عمر أبا هريرة حتى خر لإسته ! فعندما تتناقض الروايات ولا
يمكن الجمع بينها ، أو تكون مخالفة للقرآن وللسنة القطعية المتفق عليها . . فلا مجال
أمام الباحث إلا ترجيح هذا الاحتمال الأخير .
ثامنا ثبت عند الجميع أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد أرسل عليا ( عليه السلام ) إلى مكة بأمر من الله تعالى
لإبلاغ سورة براءة ، وأمره أن ينادي في الناس بعدة أمور ، منها ( لا يدخل الجنة إلا
نفس مؤمنة ) !
وقد روى ذلك أحمد ج 1 ص 47 و ص 79 والنسائي ج 5 ص 234 والدارمي ج 2 ص
230 وغيرهم ، وفي أحمد ج 5 ص 438 : نفس مسلمة ) .
وروايات هذا النداء ثابتة عند الطرفين ، وليست مهزوزة مثل نداء النعلين
المزعوم !
ثم إن هذا النداء كان بعد فتح مكة ، فلا بد للقائل بصحة روايات نداء النعلين أن
يقول إنه ناسخ لهذا النداء ، وأن يثبت صحة قصته وأنها كانت بعد نداء مكة . . ولكن
دون إثبات ذلك خرط القتاد !
أما الأحاديث الأخرى التي استدلوا بها على هذا المذهب ، فليست أحسن حالا
من حديث ( ضياع النبي ( صلى الله عليه وآله ) واختفائه واختبائه ونداء النعلين ) في تضاربها
وتعارضها مع غيرها . . ويكفي لردها الروايات التي تقدمت في الرأي الأول .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 171 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأخيرا ، فقد آن لإخواننا فقهاء السنة أن ينظروا بجدية إلى تناقضات روايات
الصحاح ومخالفاتها الصريحة للقرآن وضرورات الإسلام ، ويعيدوا النظر في
مفهومهم للصحيح والحجة الشرعية !
ذلك أن صريح العقل هو الأصل الذي وصلنا به إلى الإيمان بالله تعالى ورسوله
( صلى الله عليه وآله ) ثم وصلنا به إلى قطعيات الشرع الشريف . وحبنا للصحاح وأصحابها وأسانيدها
لا يجوز أن يوصلنا إلى التنازل عن قطعيات الشرع والعقل ، لأن إبطال الأصل يستلزم
إبطال الفرع الذي نحبه ، وبالنتيجة خسارة كل شئ ! !
* *

أحاديث أن الله تعالى يشفع عند نفسه !

بمقتضى أحاديثهم في استحقاق الموحد لدخول الجنة ، فلا يحتاج الأمر إلى
شفاعة ، بل تصير الشفاعة من نصيب المشركين !
ولكن أصحاب هذا الرأي احتاطوا في أمر أصحابهم فشملوهم بالشفاعة !
واختلفت رواياتهم في من يشفع فيهم ! فقال بعضها إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) هو الذي يشفع في
الموحدين ، وقال بعضها إن إسحاق هو شفيع الموحدين ، وقد صحح الحاكم روايته
على شرط الشيخين ، كما سيأتي في مسألة الذبيح ! وقال بعضها إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) يطلب
من الله تعالى أن يعطيه الشفاعة فيهم فلا يعطيه إياها بل يستأثر بها لنفسه ، فكأنه
تعالى يريد أن يجازيهم هو شخصيا ، لأنهم شهدوا بتوحيده ! !
- قال في كنز العمال ج 1 ص 56 :
ما زلت أشفع إلى ربي فيشفعني حتى أقول : شفعني فيمن قال لا إله إلا الله ،
فيقول : ليست هذه لك يا محمد ! إنما هي لي ! أنا وعزتي وحلمي ورحمتي لا أدع
في النار أحدا قال لا إله إلا الله - ع عن أنس . انتهى . وأورده الرازي في تفسيره ج 11
جزء 22 ص 10 . وفي كنز العمال ج 1 ص 64 فيقال : ليست هذه لك ولا لأحد ، هذا إلي ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 172 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فلا يبقى أحد قال لا إله إلا الله إلا أخرج منها - الديلمي عن أنس .
- طبقات الحنابلة لأبي يعلى ج 1 ص 312 :
قال أحمد بن حنبل : إذا لم يبق لأحد شفاعة قال الله تعالى : أنا أرحم الراحمين ،
فيدخل كفه في جهنم فيخرج منها ما لا يحصيه غيره .
- وروى البيهقي في سننه ج 10 ص 42 :
عن معبد بن هلال العنزي قال : أتيت أنس بن مالك ( رضي الله عنه ) في رهط من أهل البصرة
وسماهم لنا ، نسأله عن حديث الشفاعة ، فذكر الحديث بطوله في سؤاله وجوابه
وخروجهم من عنده ودخولهم عن الحسن بن أبي الحسن البصري ، قال الحسن
حدثني كما حدثكم ، قال ثم قال يعني النبي صلى الله عليه وسلم : فأجئ في الرابعة
فأحمد بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد إرفع رأسك قل يسمع
لك وسل تعطه واشفع تشفع ، فأقول يا رب إئذن لي فيمن قال لا إله إلا الله فيقول
ليس ذلك إليك ولكني وعزتي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله .
رواه البخاري في الصحيح عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد زاد فيه ( وجلالي ) ورواه
مسلم عن سعيد بن منصور وغيره .
- ولكن الديلمي روى في فردوس الأخبار ج 3 ص 276 ح 4695 :
أن الله تعالى يتنازل ويعطي الشفاعة فيهم لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) ! قال عمرو بن العاص :
قلت يا ربي شفعني فيمن قال لا إله إلا الله ، قال : لك ذلك ! انتهى .
- وقال الثعالبي في الجواهر الحسان ج 1 ص 351 في تفسير الآية 40 من سورة النساء :
فيقول الله عز وجل : شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا
أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط !
- وقال في ج 2 ص 360 :
وأحاديث الشفاعة قد استفاضت وبلغت حد التواتر من أعظمها شفاعة أرحم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 173 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الراحمين ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال : فيقول الله عز
وجل : شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون . . . الخ .
ورواه البغوي في مصابيح السنة ج 3 ص 542 .
وقد أوردنا روايات هذه ( الشفاعة ) من مصادر السنيين في المجلد الثاني
في ادعائهم رؤية الله تعالى بالعين في الآخرة ! ومعناها أن الله تعالى يتوسط عند
نفسه ، وهو معنى عامي للشفاعة ! والظاهر أن أصلها الحديث المروي في مصادرنا
عن الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) الذي رواه في بحار الأنوار ج 8 ص 361 عن حمران قال
سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : إن الكفار والمشركين يرون أهل التوحيد في النار
فيقولون ما نرى توحيدكم أغنى عنكم شيئا ، وما أنتم ونحن إلا سواء ! قال : فيأنف
لهم الرب عز وجل فيقول للملائكة : إشفعوا فيشفعون لمن شاء الله ، ويقول
للمؤمنين مثل ذلك ، حتى إذا لم يبق أحد تبلغه الشفاعة ، قال تبارك وتعالى : أنا
أرحم الراحمين ، أخرجوا برحمتي ، فيخرجون كما يخرج الفراش ، قال : ثم قال أبو
جعفر ( عليه السلام ) : ثم مدت العمد وأعمدت عليهم ، وكان والله الخلود . انتهى .
ورواه في تفسير نور الثقلين ج 5 ص 523 عن مجمع البيان عن العياشي .
والمقصود بأهل التوحيد الذين تشملهم الشفاعة في هذه الرواية ، المسلمون
الذين ارتضى الله دينهم وأماتهم على التوحيد . . فقد ورد عن أهل البيت ( عليهم السلام ) أن
بعض أصحاب المعاصي والانحرافات الكبيرة ، يسلب منهم التوحيد قبل موتهم ،
والعياذ بالله ! !
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 174 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الرأي الثالث : أن الشفاعة تشمل جميع الخلق !

- مجموعة الرسائل لابن تيمية ج 1 ص 10 :
أجمع المسلمون على أن النبي ( ص ) يشفع للخلق يوم القيامة بعد أن يسأله
الناس ذلك ، وبعد أن يأذن الله في الشفاعة . ثم أهل السنة والجماعة متفقون على ما
اتفقت عليه الصحابة . . . أنه يشفع لأهل الكبائر ويشفع أيضا لعموم الخلق . . . أما
الوعيدية من الخوارج والمعتزلة فزعموا أن شفاعته إنما هي للمؤمنين خاصة . . .
ومنهم من أنكر الشفاعة مطلقا . . . ومذهب أهل السنة والجماعة أنه يشفع في أهل
الكبائر ولا يخلد أحد في النار .
- ولكن ابن باز لم يأخذ بفتوى إمامه ابن تيمية فقال في فتاويه ج 4 ص 368 :
إن المشرك إذا مات على شركه فهو مخلد في النار أبد الآباد بإجماع أهل العلم ،
وذلك مثل الذي يعبد الأصنام أو الأحجار أو الأشجار أو الكواكب . . . أو يعبد
الأموات ومن يسمونهم بالأولياء ، أو يستغيث بهم ويطلب منهم المدد أو العون عند
قبورهم ، مثل قول بعضهم : يا سيدي فلان المدد المدد ، يا سيدي البدوي المدد
المدد . . . أو يا سيدي رسول الله المدد المدد الغوث الغوث ، أو يا سيدي الحسين أو
يا فاطمة أو يا ست زينب ، أو غير ذلك ممن يدعوه المشركون . . . وهذا كله من
الشرك الأكبر ، فإذا مات عليه صاحبه صار من أهل النار . انتهى .
فإن عجبت فاعجب لابن تيمية إمام الوهابيين حيث يحكم بدخول إبليس وقابيل
وفرعون ونمرود الجنة لأنهم من عموم الخلق ! ولإمامهم المعاصر ابن باز حيث
يحكم بأن ملايين المسلمين الذين يدعون الله تعالى ويطلبون من أوليائه مددا مما
أعطاهم الله تعالى كلهم ( مشركون ) مخلدون في النار أبد الآباد ! !
- مجمع الزوائد ج 10 ص 379 :
وعن أنيس الأنصاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إني
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 175 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لأشفع يوم القيامة في كل شئ مما على وجه الأرض من حجر ومدر . رواه الطبراني
في الأوسط ، وفيه أحمد بن عمرو صاحب علي بن المديني ويعرف بالقلوري ولم
أعرفه ، وبقية رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم . انتهى . ورواه ابن عبد البر في
الإستيعاب ج 1 ص 114 والديلمي في فردوس الأخبار ج 1 ص 93 ح 174 عن بريدة
الأسلمي وفيه ( لأكثر مما على وجه الأرض من حجر ومدر ) .
- الدر المنثور ج 6 ص 285 :
وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن ميمون أن كعبا دخل يوما على عمر بن
الخطاب فقال له عمر : حدثني إلى ما تنتهي شفاعة محمد يوم القيامة ؟ ! فقال كعب :
قد أخبرك الله في القرآن أن الله يقول ( ما سلككم في سقر إلى قوله اليقين ) قال
كعب : فيشفع يومئذ حتى يبلغ من لم يصل صلاة قط ويطعم مسكينا قط ومن لم
يؤمن ببعث قط ، فإذا بلغت هؤلاء لم يبق أحد فيه خير ! ) انتهى .
وإذا أراد كعب بقوله ( حتى يبلغ ، فإذا بلغت هؤلاء ) أن النبي يشفع حتى يبلغ
هؤلاء فيشفع لهم أيضا ، فلم يبق أحد في النار ! وإن أراد أنه يبلغهم ويقف عندهم ،
فمعناه أن كعبا لا يشترط لشمول الشفاعة إلا الإيمان بيوم الدين ، وعملا واحدا من
الأعمال المذكورة !
- كنز العمال ج 14 ص 511 عن ابن عساكر :
عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفسي بيده ! إني لسيد
الناس يوم القيامة ولا فخر ، وإن بيدي لواء الحمد وإن تحته آدم ومن دونه ولا فخر ،
ينادي الله يومئذ آدم فيقول : يا آدم ، فيقول لبيك رب وسعديك ، فيقول : أخرج من
ذريتك بعث النار ، فيقول : يا رب وما بعث النار ؟ فيقول : من كل ألف تسعمائة
وتسعة وتسعين ، فيخرج ما لا يعلم عدده إلا الله ، فيأتون آدم فيقولون : يا آدم أنت
أكرمك الله وخلقك بيده ، ونفخ فيك وروحه وأسكنك جنته ، وأمر الملائكة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 176 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فسجدوا لك ، فاشفع لذريتك أن لا تحرق اليوم بالنار ، فيقول آدم : ليس ذلك إلي
اليوم ، ولكن سأرشدكم ، عليكم بنوح فيأتون نوحا فيقولون : يا نوح إشفع لذرية آدم
فيقول : ليس ذلك إلي اليوم ولكن عليكم بعبد اصطفاه الله بكلامه ورسالته وصنع
على عينه وألقى عليه محبة منه موسى وأنا معكم ، فيأتون موسى فيقولون : يا موسى
أنت عبد اصطفاك الله برسالته وبكلامه وصنعت على عينه وألقى عليك محبة منه
إشفع لذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار ، فيقول : ليس ذلك إلي اليوم عليكم بروح الله
وكلمته عيسى فيأتون عيسى فيقولون : يا عيسى أنت روح الله وكلمته إشفع لذرية
آدم لا تحرق اليوم بالنار ، فيقول : ليس ذلك إلي اليوم ولكن سأرشدكم عليكم بعبد
جعله الله رحمة للعالمين أحمد وأنا معكم ، فيأتون أحمد فيقولون : يا أحمد جعلك
الله رحمة للعالمين إشفع لذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار ، فأقول : نعم أنا صاحبها
فآتي حتى آخذ بحلقة باب الجنة فيقال : من هذا أحمد ؟ فيفتح لي فإذا نظرت إلى
الجبار لا إله إلا هو خررت ساجدا ، ثم يفتح لي من التحميد والثناء على الرب شيئا لا
يفتح لأحد من الخلق ثم يقال : إرفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع ، فأقول : يا رب
ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار فيقول الرب جل جلاله : إذهبوا فمن وجدتم في قلبه
مثقال قدر قيراط من إيمان فأخرجوه !
ثم يعودون إلي فيقولون : ذرية آدم لا يحرقون اليوم بالنار فآتي حتى آخذ بحلقة
الجنة فيقال : من هذا ؟ فأقول أحمد ، فيفتح لي فإذا نظرت الجبار لا إله إلا هو خررت
ساجدا مثل سجودي أول مرة ومثله معه فيفتح لي من الثناء على الرب والتحميد
مثل ما فتح لي أول مرة ، فيقال : إرفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع ، فأقول : يا رب
ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار ! فيقول الرب : إذهبوا من وجدتم في قلبه مثقال دينار
من إيمان فأخرجوه !
ثم آتي حتى أصنع مثل ما صنعت أول مرة فإذا نظرت إلى الجبار عز جلاله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 177 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خررت ساجدا فأسجد كسجودي أول مرة ومثله معه فيفتح لي من الثناء والتحميد
مثل ذلك ثم يقال : إرفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول : يا رب ذرية آدم لا
تحرق اليوم بالنار ! فيقول الرب : إذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان
فأخرجوه فيخرجون ما لا يعلم عدده إلا الله ويبقى أكثر . ثم يؤذن لآدم في الشفاعة
فيشفع لعشرة آلاف ألف ثم يؤذن للملائكة والنبيين فيشفعون ثم يؤذن للمؤمنين
فيشفعون وإن المؤمن يشفع يومئذ لأكثر من ربيعة ومضر . انتهى .
ومن الواضح أن هذه الرواية تطرح ذرية آدم كلهم موضوعا للشفاعة ، ولكنها
( تحتاط ) من التصريح بشمول الشفاعة لهم ، على عكس الروايات والآراء المتقدمة
التي صرحت بشمول الشفاعة لجميع الخلق !
وإذا كان هذا الرأي يحتاج إلى رد ، فإن ما تقدم في أدلة الرأي الموافق لمذهبنا ،
وما تقدم في نقد الآراء التوسيعية السابقة كاف لرده .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 178 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الرأي الرابع أن العقاب في الآخرة ينتهي كليا

وأن جهنم تفنى وينقل أهلها إلى الجنة !
وهذه المسألة من مسائل المعاد لا الشفاعة ، ولكن بحثناها هنا لذكر الشفاعة في
كثير من رواياتها .
وأول من قال من المسلمين بفناء النار هو الخليفة عمر بن الخطاب ، وقد تأثر به
عدد من المذاهب الكلامية . ولكن أكثر المتعصبين لعمر لم يأخذوا بقوله هذا ،
ما عدا ابن تيمية وبعض تلاميذه ، كما سترى !
- قال السيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 350 :
وأخرج ابن المنذر عن الحسن عن عمر ( رضي الله عنه ) قال : لو لبث أهل النار في النار كقدر
رمل عالج لكان لهم يوم على ذلك يخرجون فيه . انتهى . ورواه الشوكاني في فتح
القدير ج 2 ص 658 وغيره ، وعالج : منطقة رملية في بين صحراء نجد والبحرين .
آراء المسلمين في آيات الخلود وأحاديثه
من عادة الكلاميين والمفسرين عندما يجدون قولا لصحابي يحبونه مخالفا
لآيات محكمة وأحاديث صريحة ، كمسألتنا هذه أنهم يحشدون للقارئ أقوالا وآراء
عديدة متضاربة متناقضة ، ويؤيدونها بروايات كثيرة متضاربة أيضا ، وكأن واحدهم
متحير يكتب للناس تحيره ويستغيث بهم ! أو كأن هدفه بدل التفسير والتوضيح
ترويض ذهن القارئ وتدويخه لكي يقبل التناقض الذي يريد إقناعه به !
وموضوعنا هذا واحد من هذه الموضوعات التي اتبع فيها المفسرون السنيون
هذه السياسة .
وتفاديا لذلك نقدم رأي أهل البيت ( عليهم السلام ) وعلماء مذهبهم في المسألة وما وافقهم
وما خالفهم من الآراء الأخرى ، ليعرف الباحث من أين جاء الخلل إلى الرواة السنيين
ومصادرهم في تفسير آيات الله تعالى ، وتفسير أقوال النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فإن الميزان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 179 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الشرعي لكل الآراء والأحاديث عند الجميع هو القرآن والمتفق عليه من السنة . .
ويضاف إليه عندنا ما ثبت عن المفسرين الشرعيين للقرآن بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) الذين هم
عترته بصريح قوله ( صلى الله عليه وآله ) ( إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي وإنهما لن يفترقا
حتى يردا علي الحوض ) وحديث الثقلين صحيح عند الجميع .

أجمع المسلمون على خلود الكفار في جهنم

- الإعتقادات للصدوق ص 53 :
باب الاعتقاد في الجنة والنار : قال الشيخ أبو جعفر ( رحمه الله ) : اعتقادنا في الجنة : أنها
دار البقاء ودار السلامة ، لا موت فيها ولا هرم ولا سقم ولا مرض ولا آفة ولا زوال ولا
زمانة ولا هم ولا غم ولا حاجة ولا فقر . وأنها دار الغنى ودار السعادة ، ودار المقامة
ودار الكرامة ، لا يمس أهلها نصب ولا يمسهم فيها لغوب ، لهم فيها ما تشتهي
الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون . وأنها دار أهلها جيران الله تعالى وأولياؤه
وأحباؤه وأهل كرامته .
وهم أنواع على مراتب : منهم المتنعمون بتقديس الله وتسبيحه وتكبيره في
جملة ملائكته ، ومنهم المتنعمون بأنواع المآكل والمشارب والفواكه والأرائك وحور
العين واستخدام الولدان المخلدين والجلوس على النمارق والزرابي ولباس
السندس ، كل منهم إنما يتلذذ بما يشتهي ويريد ، على حسب ما تعلقت همته ،
ويعطى ما عبد الله من أجله .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : إن الناس يعبدون الله على ثلاثة أصناف : فصنف منهم
يعبدون شوقا إلى جنته ورجاء ثوابه ، فتلك عبادة الخدام ، وصنف منهم يعبدونه
خوفا من ناره ، فتلك عبادة العبيد ، وصنف منهم يعبدونه حبا له ، فتلك عبادة
الكرام ، وهم الأمناء ، وذلك قوله عز وجل : وهم من فزع يومئذ آمنون .
واعتقادنا في النار : أنها دار الهوان ودار الانتقام من أهل الكفر والعصيان ، ولا
يخلد فيها إلا أهل الكفر والشرك .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 180 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- الإعتقادات ص 81 :
واعتقادنا في قتلة الأنبياء ( عليهم السلام ) وقتلة الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) أنهم كفار مشركون
مخلدون في أسفل درك من النار . ومن اعتقد بهم غير ما ذكرناه ، فليس عندنا من
دين الله في شئ .
- تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) ص 578 :
قال الله تعالى : وما هم بخارجين من النار ، كان عذابهم سرمدا دائما ، وكانت
ذنوبهم كفرا ، لا تلحقهم شفاعة نبي ولا وصي ، ولا خير من خيار شيعتهم .
- التبيان في تفسير القرآن ج 2 ص 524 :
الخلود في اللغة هو طول المكث ، ولذلك يقال : خلده في السجن وخلد الكتاب
في الديوان . وقيل للأثافي : خوالد ما دامت في موضعها ، فإذا زالت لا تسمى خوالد .
والفرق بين الخلود والدوام : أن الخلود يقتضي ( في ) كقولك خلد في الحبس ولا
يقتضي ذلك الدوام ، ولذلك جاز وصفه تعالى بالدوام دون الخلود .
إلا أن خلود الكفار المراد به التأبيد بلا خلاف بين الأمة . . . ومعنى خلودهم فيها
استحقاقهم لها دائما مع ما توجبه من أليم العقاب ، فأما من ليس بكافر من فساق أهل
الصلاة فلا يتوجه إليه الوعيد بالخلود ، لأنه لا يستحق إلا عقابا منقطعا به ، مع ثبوت
استحقاقه للثواب الدائم ، لأنه لو كان كذلك لأدى إلى اجتماع استحقاق الثواب
الدائم والعقاب الدائم لشخص واحد . والإجماع بخلافه .
- الطهارة للشيخ الأنصاري ص 388 :
ومن ذلك يعلم الجواب عما دل من الأخبار على عدم قبول توبته ، مثل قوله ( عليه السلام ) : من
رغب عن الإسلام وكفر بما أنزل على محمد ( صلى الله عليه وآله ) فلا توبة له وقد وجبت عليه وبانت
منه امرأته ، ويقسم ما ترك على ولده . هذا مع أن عدم قبول التوبة لا ينافي الإسلام ،
ودعوى المنافاة من جهة أن عدم القبول مستلزم للخلود في النار وهو ينافي الإسلام ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 181 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مدفوع بأنه لا إجماع على خلود الكافر في النار مطلقا حتى مثل هذا بعد التوبة .
هذا مضافا إلى معارضتها مع عمومات قبول التوبة ، حيث أن ظاهرها القبول فيما
يتعلق بأمر الآخرة من العقاب ، فتدل بظاهرها على أن المرتد تقبل توبته ولا يخلد
في النار بعد التوبة ، بل يدخل الجنة فيكون مسلما ، للإجماع على خلود الكافر في
النار .
فكما يمكن تقييد هذه بغير المرتد الفطري كذلك يمكن تقييد مثل الرواية
والأخبار المستفيضة بعدم قبول التوبة في دفع ما يحكم عليه بحدث الكفر من
مفارقة المال والزوجة والحياة . وبعد التعارض يجب الرجوع إلى الأصل .
هذا مضافا إلى قول الباقر ( عليه السلام ) المروي في باب إعادة الحج : من كان مؤمنا فحج
وعمل في إيمانه خيرا ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب وآمن ؟ قال : يحسب له كل عمل
صالح عمله في إيمانه ولا يبطل منه شئ .
هذا كله مع أن لنا أن نكتفي بالأصل ، ونستدل على طهارته بما دل على طهارة
المسلمين .

الروايات التي توافق هذا الرأي عند إخواننا السنيين

- صحيح البخاري ج 7 ص 203 :
عن أنس ( رضي الله عنه ) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجمع الله الناس يوم
القيامة فيقولون لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا ؟ فيأتون آدم فيقولون
أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك فاشفع لنا
عند ربنا ، فيقول : لست هناكم ويذكر خطيئته ويقول : إئتوا نوحا أول رسول بعثه الله
فيأتونه فيقول : لست هناكم ، ويذكر خطيئته ، إئتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلا ،
فيأتونه فيقول : لست هناكم ، ويذكر خطيئته ، ائتوا موسى الذي كلمه الله فيأتونه
فيقول : لست هناكم ، فيذكر خطيئته ، إئتوا عيسى فيأتونه فيقول : لست هناكم ، إئتوا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 182 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
محمدا فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فيأتوني فأستأذن على ربي فإذا رأيته
وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله ثم يقال : إرفع رأسك ، سل تعطه ، قل يسمع ،
واشفع تشفع ، فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمني ثم أشفع فيحد لي حدا ، ثم
أخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ، ثم أعود فأقع ساجدا مثله في الثالثة أو الرابعة
حتى ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن . وكان قتادة يقول عند هذا : أي وجب عليه
الخلود . انتهى .
وقد روت مصادر السنيين عبارة ( إلا من حبسه القرآن ) وفسرتها رواياتهم
ومفسروهم بالتأبيد . .
وممن رواها البخاري في ج 8 ص 183 كما تقدم
ورواها أيضا في ج 5 ص 147 وفيه ( إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود . ثم
قال البخاري : إلا من حبسه القرآن يعني قول الله تعالى : خالدين فيها ) .
وقال في ج 7 ص 203 ( إلا من حبسه القرآن ، وكان قتادة يقول عند هذا : أي وجب
عليه الخلود ) .
ورواها في ج 8 من ص 173 ( إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود ) .
وفي ج 8 ص 184 : إلا من حبسه القرآن ، أي وجب عليه الخلود . انتهى .
ورواها مسلم في ج 1 ص 124 و ص 125 وأحمد ج 3 ص 116 و ص 244 مثل رواية
البخاري الأخيرة .
ورواها ابن ماجة ج 2 ص 1443 ، وكنز العمال ج 14 ص 397 عن أحمد والبيهقي
والترمذي وغيرهم .
- سنن الترمذي ج 4 ص 95 :
باب ما جاء في خلود أهل الجنة وأهل النار : عن أبي هريرة أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ثم يطلع عليهم رب
العالمين فيقول ألا يتبع كل إنسان ما كانوا يعبدون . . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 183 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فإذا أدخل الله تعالى أهل الجنة الجنة وأهل النار النار أتى بالموت ملببا فيوقف
على السور الذي بين أهل الجنة وأهل النار ، ثم يقال : يا أهل الجنة فيطلعون خائفين
ثم يقال : يا أهل النار فيطلعون مستبشرين يرجون الشفاعة ، فيقال لأهل الجنة ولأهل
النار : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون هؤلاء وهؤلاء : قد عرفناه هو الموت الذي وكل بنا ،
فيضجع فيذبح ذبحا على السور ، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود لا موت ، ويا أهل النار
خلود لا موت . هذا حديث حسن صحيح . ورواه أحمد في ج 2 ص 368 .
- مستدرك الحاكم ج 4 ص 496 :
فإذا أراد الله عز وجل أن لا يخرج منها أحد غير وجوههم وألوانهم ، قال فيجئ
الرجل فينظر ولا يعرف أحدا فيناديه الرجل فيقول : يا فلان أنا فلان ، فيقول : ما
أعرفك ، فعند ذلك يقول : ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ، فيقول عند ذلك :
إخسؤوا فيها ولا تكلمون ، فإذا قال ذلك أطبقت عليهم فلا يخرج منهم بشر . هذا
حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
- الدر المنثور ج 1 ص 166 :
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله : وما هم بخارجين من النار قال : أولئك
أهلها الذين هم أهلها .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الأوزاعي قال سمعت ثابت بن معبد قال : ما زال
أهل النار يأملون الخروج منها حتى نزلت : وما هم بخارجين من النار .
- الدر المنثور ج 2 ص 163 :
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : وإن تك حسنة ، وزن ذرة زادت
على سيآته يضاعفها ، فأما المشرك فيخفف به عنه العذاب ولا يخرج من النار أبدا .
- الدر المنثور ج 6 ص 257 :
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 184 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والبيهقي في البعث والنشور عن ابن مسعود أنه ذكر عنده الدجال فقال : يفترق ثلاث
فرق فرقة تتبعه ، وفرقة تلحق بأرض آبائها منابت الشيح ، وفرقة تأخذ شط الفرات
فيقاتلهم ويقاتلونه حتى يجتمع المؤمنون بقرى الشام . . . وما يترك فيها أحدا فيه
خير ، فإذا أراد الله أن لا يخرج منها أحدا غير وجوههم وألوانهم ، فيجئ الرجل من
المؤمنين فيشفع فيقال له من عرف أحدا فيخرجه فيجئ الرجل فينظر فلا يعرف
أحدا فيقول الرجل للرجل يا فلان أنا فلان فيقول ما أعرفك فيقولون ربنا أخرجنا منها
فإن عدنا فإنا ظالمون ، فيقول إخسؤوا فيها ولا تكلمون ، فإذا قال ذلك أطبقت عليهم
فلم يخرج منهم بشر .
- مجمع الزوائد ج 10 ص 395 :
باب الخلود لأهل النار في النار وأهل الإيمان في الجنة . عن أنس قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : يؤتي بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة
والنار ثم ينادي مناد : يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا ، قال فيقال : هل تعرفون هذا ؟
فيقولون نعم ربنا هذا الموت ، فيذبح كما يذبح الكبش ، فيأمن هؤلاء وينقطع رجاء
هؤلاء . رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط بنحوه والبزار ورجالهم رجال الصحيح
غير نافع بن خالد الطاحي وهو ثقة .
وعن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فلما قدم
عليه قال : يا أيها الناس إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يخبركم أن
المرد إلى الله ، وإلى جنة أو نار ، خلود بلا موت ، وإقامة بلا ظعن .
- الدر المنثور ج 3 ص 350 :
وأخرج البيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس في قوله : إلا ما شاء ربك ، قال
فقد شاء ربك أن يخلد هؤلاء في النار ، وأن يخلد هؤلاء في الجنة .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله : فأما الذين شقوا . . . الآية ، قال : فجاء بعد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 185 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ذلك من مشيئة الله فنسخها فأنزل الله بالمدينة : إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله
ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا . . إلى آخر الآية ، فذهب الرجاء لأهل النار أن يخرجوا
منها وأوجب لهم خلود الأبد . وقوله وأما الذين سعدوا . . الآية قال : فجاء بعد ذلك
من مشيئة الله ما نسخها فأنزل بالمدينة : والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم
جنات . . إلى قوله ظلا ظليلا ، فأوجب لهم خلود الأبد .
- الأحكام في الحلال والحرام ج 1 ص 35 :
وأن من دخل الجنة أو النار من الأبرار والفجار فإنه غير خارج من أيهما ، صار إليها
وحل بفعله فيها أبد الأبد ، لا ما يقول الجاهلون من خروج المعذبين من العذاب
المهين إلى دار المتقين ومحل المؤمنين ، وفي ذلك ما يقول رب العالمين : خالدين
فيها أبدا ، ويقول عز وجل : يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم
عذاب مقيم . ففي كل ذلك يخبر أن كل من دخل النار فهو مقيم فيها ، غير خارج منها
من بعد مصيره إليها ، فنعوذ بالله من الجهل والعمى .

سبب خلود أهل النار فيها

- الكافي ج 2 ص 85 :
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقري ، عن أحمد بن
يونس ، عن أبي هاشم قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : إنما خلد أهل النار في النار ، لأن
نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا ، وإنما خلد أهل الجنة في
الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا ، فبالنيات خلد
هؤلاء وهؤلاء ، ثم تلا قوله تعالى : قل كل يعمل على شاكلته ، قال على نيته . ورواه
الصدوق في الهداية ص 12 وفي علل الشرائع ج 2 ص 523 والعياشي في تفسيره ج 2
ص 316 والبرقي في المحاسن ج 2 ص 36 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 186 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

آيات الخلود في الجنة والنار

- والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . البقرة - 39 .
- بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .
والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون . البقرة - 81 - 82 .
- خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون . البقرة - 162 .
- ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا
والآخرة ، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . البقرة - 217 .
- والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ، أولئك
أصحاب النار هم فيها خالدون . البقرة - 257 .
- الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ،
ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا ، وأحل الله البيع وحرم الربا ، فمن جاءه موعظة
من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ، ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها
خالدون . البقرة - 275 .
- أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، خالدين فيها لا
يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله
غفور رحيم . آل عمران 87 - 89 .
- إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب
النار هم فيها خالدون . آل عمران - 116 .
- ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين .
النساء - 14 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 187 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد
له عذابا عظيما . النساء - 93 .
- قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله ، إن ربك حكيم عليم . الأنعام - 128 .
- والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .
الأعراف - 36 .
- أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون . التوبة - 17 .
- ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ، ذلك الخزي
العظيم . التوبة - 63 .
- وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها ، هي حسبهم
ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم . التوبة - 68 .
- والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من
عاصم ، كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها
خالدون . يونس - 27 .
- ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون .
ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين . يونس 52 - 53 .
- فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ، خالدين فيها ما دامت
السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد ، وأما الذين سعدوا ففي
الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ، عطاء غير مجذوذ .
هود 106 - 108 .
- أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم ، وأولئك أصحاب النار
هم فيها خالدون . الرعد - 5 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 188 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها ، فلبئس مثوى المتكبرين . النحل - 29 .
- من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا ، خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة
حملا . طه 100 - 101 .
- إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ، لو كان هؤلاء آلهة
ما وردوها وكل فيها خالدون . الأنبياء 98 - 99 .
- ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ، تلفح
وجوههم النار وهم فيها كالحون ، ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون .
المؤمنون - 103 - 105 .
- وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون . السجدة - 14 .
- خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا . الأحزاب - 65 .
- قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين . الزمر - 72 .
- ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين . غافر - 76 .
- ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون .
فصلت - 28 .
- إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون ، لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ، وما
ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ، ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك ، قال إنكم
ماكثون . الزخرف - 74 - 77 .
- ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم ، كمن هو خالد في النار وسقوا ماء
حميما فقطع أمعاءهم . محمد - 15 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 189 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها
خالدون . المجادلة - 17 .
- فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها ، وذلك جزاء الظالمين . الحشر - 17 .
- والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير . التغابن - 10
- ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا . الجن - 23 .
- إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها ، أولئك
هم شر البرية . البينة - 6 .
- إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم
مشهود ، وما نؤخره إلا لأجل معدود ، يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي
وسعيد ، فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ، خالدين فيها ما دامت
السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد ، وأما الذين سعدوا ففي
الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ .
هود 103 - 108 .
- ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ، والذين آمنوا أشد
حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد
العذاب ، إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب ،
وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا ، كذلك يريهم الله أعمالهم
حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار . البقرة 165 - 167 .
- إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب
يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم ، يريدون أن يخرجوا من النار وما هم
بخارجين منها ولهم عذاب مقيم . المائدة 36 - 37 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 190 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

عدم خلود الموحدين في النار في مصادرنا

تقدم رأي أهل البيت ( عليهم السلام ) في شمول الشفاعة للمسلمين بشروط ، وأوردنا فيه
حديث ابن أبي عمير عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) من توحيد الصدوق ص 407 وفيه ( لا
يخلد الله في النار إلا أهل الكفر والجحود والضلال والشرك . . . ) انتهى . ورواه
المجلسي في بحار الأنوار ج 8 ص 351 ووصف الشيخ الأنصاري في مكاسبه ص 335
روايته بأنها حسنة .
- بحار الأنوار ج 8 ص 361 :
عيون أخبار الرضا : فيما كتب الرضا ( عليه السلام ) للمأمون من محض الإسلام : إن الله لا
يدخل النار مؤمنا وقد وعده الجنة ، ولا يخرج من النار كافرا وقد أوعده النار
والخلود فيها ، ومذنبو أهل التوحيد يدخلون النار ويخرجون منها ، والشفاعة
جائزة لهم .
- بحار الأنوار ج 8 ص 366 :
قال العلامة ( رحمه الله ) في شرحه على التجريد : أجمع المسلمون كافة على أن عذاب
الكافر مؤبد لا ينقطع ، واختلفوا في أصحاب الكبائر من المسلمين ، فالوعيدية على
أنه كذلك ، وذهبت الإمامية وطائفة كثيرة من المعتزلة والأشاعرة إلى أن عذابه
منقطع ، والحق أن عقابهم منقطع لوجهين :
الأول : أنه يستحق الثواب بإيمانه لقوله تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ،
والإيمان أعظم أفعال الخير ، فإذا استحق العقاب بالمعصية فإما يقدم الثواب على
العقاب وهو باطل بالإجماع ، لأن الثواب المستحق بالإيمان دائم على ما تقدم ، أو
بالعكس وهو المراد ، والجمع محال .
الثاني : يلزم أن يكون من عبد الله تعالى مدة عمره بأنواع القربات إليه ، ثم عصى
في آخر عمره معصية واحدة مع بقاء إيمانه ، مخلدا في النار ، كمن أشرك بالله مدة
عمره ! وذلك محال لقبحه عند العقلاء .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 191 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- الكافي للحلبي ص 481 :
إن قيل : فإذا كان الوعيد ثابتا بكل معصية ومن جملته صريح الخلود والتأبيد ،
كيف يتم لكم ما تذهبون إليه من انقطاع عقاب بعض العصاة ؟ .
قيل : ثبوت الوعيد على كل معصية لا ينافي قولنا في عصاة أهل القبلة ، لأنا نقول
بموجبه ، وإنما نمنع من دوامه لغير الكفار ، وثبوته منقطعا يجوز سقوطه بأحد ما
ذكرناه ، ولا يمنع منه إجماع ولا ظاهر قرآن ، من حيث كان الإجماع حاصلا
باستحقاق العقاب دون دوامه . . . وإنما يعلم به دوام عقاب الكفر .
- الكافي للحلبي ص 492 :
وأهل النار من الأولين والآخرين ضربان : كفار مخلدون وإن زاد عقاب بعض على
بعض بحسب كفره ، وفساق مقطوع على خروجهم من النار بعفو مبتدأ ، أو عند
شفاعة ، أو انتهاء عقابهم إلى غاية مستحقه ، وحالهم في مراتب التعذيب بحسب
عصيانهم . ولا يجوز أن يبلغ عقابهم في العظم عقاب الكفار ، لاقتران ما استحقوا به
العقاب من المعصية بالمعرفة بالمعصي تعالى والخوف منه والرجاء لفضله ،
وتسويف التوبة ، وانتفاء ذلك أجمع عن عصيان الكفار . ولا سبيل إلى العلم بمقدار
إقامتهم فيها .

عدم خلود الموحدين في النار في مصادر السنيين

- صحيح البخاري ج 1 ص 195 :
عن أبي هريرة : أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : هل
تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ قالوا لا ، يا رسول الله . قال : فهل
تمارون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا لا ، قال : فإنكم ترونه كذلك . يحشر
الناس يوم القيامة فيقول : من كان يعبد شيئا فليتبع ، فمنهم من يتبع الشمس ، ومنهم
من يتبع القمر ، ومنهم من يتبع الطواغيت . وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 192 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عز وجل فيقول أنا ربكم ! فيقولون : هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا جاء ربنا عرفناه
فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا ! فيدعوهم فيضرب الصراط بين
ظهراني جهنم ، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ، ولا يتكلم يومئذ أحد إلا
الرسل ، وكلام الرسل يومئذ : اللهم سلم سلم ، وفي جهنم كلاليب مثل شوك
السعدان ، هل رأيتم شوك السعدان ؟ قالوا نعم ، قال : فإنها مثل شوك السعدان غير
أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله ، تخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم من يوبق بعمله
ومنهم من يخردل ثم ينجو ، حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار ، أمر الله
الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود وحرم الله
على النار أن تأكل أثر السجود ، فيخرجون من النار ، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر
السجود ، فيخرجون من النار قد امتحشوا ، فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما
تنبت الحبة في حميل السيل . . . ورواه البخاري أيضا في ج 7 ص 205 .
- صحيح البخاري ج 1 ص 16 :
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله
وفي قلبه وزن شعيرة من خير ، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة
من خير ، ويخرج من النار من قال : لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير ، قال أبو
عبد الله قال أبان ، حدثنا قتادة ، حدثنا أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم : من
إيمان ، مكان خير .
- صحيح البخاري ج 7 ص 202 :
عن جابر ( رضي الله عنه ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يخرج من النار بالشفاعة كأنهم
الثعارير ! قلت : ما الثعارير ؟ قال الضغابيس ! وكان قد سقط فمه فقلت لعمرو بن
دينار : أبا محمد سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يقول : يخرج بالشفاعة من النار ؟ قال : نعم .
حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا همام ، عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالك عن النبي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 193 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
صلى الله عليه وسلم قال : يخرج قوم من النار بعد ما مسهم منها سفع فيدخلون الجنة
فيسميهم أهل الجنة الجهنميين . . .
عن أبي سعيد الخدري ( رضي الله عنه ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا دخل أهل
الجنة الجنة وأهل النار النار يقول الله : من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان
فأخرجوه ، فيخرجون قد امتحشوا وعادوا حمما ، فيلقون في نهر الحياة فينبتون كما
تنبت الحبة في حميل السيل ، أو قال حمية السيل ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
ألم تروا أنها تنبت صفراء ملتوية .
- وفي ص 203 :
عمران بن حصين ( رضي الله عنه ) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يخرج قوم من النار
بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فيدخلون الجنة ، يسمون الجهنميين .
- سنن النسائي ج 2 ص 229 :
عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد قال : كنت جالسا إلى أبي هريرة وأبي سعيد فحدث
أحدهما حديث الشفاعة والآخر منصت ، قال : فتأتي الملائكة فتشفع وتشفع الرسل ،
وذكر الصراط ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأكون أول من يجيز ، فإذا فرغ الله
عز وجل من القضاء بين خلقه ، وأخرج من النار من يريد أن يخرج أمر الله الملائكة
والرسل أن تشفع ، فيعرفون بعلاماتهم أن النار تأكل كل شئ من ابن آدم إلا موضع
السجود ، فيصب عليهم من ماء الجنة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل .
- الدر المنثور ج 3 ص 349 :
أما قوله فمنهم شقي وسعيد ، فهم قوم من أهل الكبائر من أهل هذه القبلة يعذبهم
الله بالنار ما شاء بذنوبهم ، ثم يأذن في الشفاعة لهم ، فيشفع لهم المؤمنون فيخرجهم
من النار فيدخلهم الجنة ، فسماهم أشقياء حين عذبهم في النار . فأما الذين شقوا
ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء
ربك ، حين أذن في الشفاعة لهم وأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ، وهم هم . وأما
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 194 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الذين سعدوا يعني بعد الشقاء الذي كانوا فيه ، ففي الجنة خالدين فيها ما دامت
السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ، يعني الذين كانوا في النار .
- الدر المنثور ج 2 ص 280 :
قوله تعالى ( إن الذين كفروا لو أن لهم ) الآيتين : أخرج مسلم وابن المنذر وابن
أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
يخرج من النار قوم فيدخلون الجنة ، قال يزيد بن الفقير : فقلت لجابر بن عبد الله :
يقول الله يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ؟ قال : أتل أول الآية : إن
الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم
القيامة ، ألا إنهم الذين كفروا .
وأخرج البخاري في الأدب المفرد وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن طلق بن
حبيب قال : كنت من أشد الناس تكذيبا للشفاعة ، حتى لقيت جابر بن عبد الله
فقرأت عليه كل آية أقدر عليها يذكر الله فيها خلود أهل النار ، قال : يا طلق أتراك أقرأ
لكتاب الله وأعلم لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مني ؟ ! إن الذين قرأت هم
أهلها هم المشركون ، ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوبا ثم خرجوا منها ، ثم أهوى بيده
إلى أذنيه فقال : صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
يخرجون من النار بعد ما دخلوا ، ونحن نقرأ كما قرأت .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس : وما هم
بخارجين منها ؟ فقال ابن عباس : ويحك إقرأ ما فوقها ، هذه للكفار .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : إن الله إذا فرغ من القضاء بين خلقه أخرج
كتابا من تحت عرشه فيه : رحمتي سبقت غضبي وأنا أرحم الراحمين ، قال فيخرج
من النار مثل أهل الجنة ، أو قال مثلي أهل الجنة ، مكتوب هاهنا منهم ، وأشار إلى
نحره عتقاء الله تعالى .
فقال رجل لعكرمة : يا أبا عبد الله فإن الله يقول : يريدون أن يخرجوا من النار وما هم
بخارجين منها ؟ قال : ويلك أولئك هم أهلها الذين هم أهلها .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 195 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- الدر المنثور ج 2 ص 111 :
ابن جرير والحاكم عن عمرو بن دينار قال : قدم علينا جابر بن عبد الله في عمرة
فانتهيت إليه أنا وعطاء فقلت : وما هم بخارجين من النار ؟ قال : أخبرني رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنهم الكفار ، قلت لجابر فقوله : إنك من تدخل النار فقد
أخزيته ؟ قال وما أخزاه حين أحرقه بالنار ؟ ! وإن دون ذلك خزيا .
- الدر المنثور ج 4 ص 93 :
وأخرج ابن أبي حاتم وابن شاهين في السنة عن علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أصحاب الكبائر من موحدي الأمم كلها الذين
ماتوا على كبائرهم غير نادمين ولا تائبين ، من دخل منهم جهنم لا تزرق أعينهم ولا
تسود وجوههم ، ولا يقرنون بالشياطين ولا يغلون بالسلاسل ، ولا يجرعون الحميم
ولا يلبسون القطران ، حرم الله أجسادهم على الخلود من أجل التوحيد . . . الخ . وقد
تقدم ذلك في روايات الرأي الثاني القائل بأن التوحيد وحده كاف لدخول الجنة ،
وأن الموحدين كلهم يخرجون من جهنم ويدخلون الجنة ، ويسمون الجهنميين ،
ويلاحظ كثرة روايات الجهنميين في مصادر السنيين .
- الإمام الصادق للشيخ محمد أبي زهرة ص 227 :
اتفقت الإمامية على أن من عذب بذنبه من أهل الإقرار والمعرفة لم يخلد في
العذاب . . . وإن هذا الرأي . . . يتفق مع رأي الجمهور . . . وقد نسبه إليه ( الإمام جعفر
الصادق ( عليه السلام ) ) أبو جعفر القمي . . .
- شرح مسلم للنووي ج 1 ص 69 :
لا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ، وهذه قاعدة متفق عليها عند
أهل السنة .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 196 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

روايات في الصحاح تقول بخلود الموحدين في النار

ولكن توجد في مصادر السنيين أحاديث تعارض الإجماع المذكور والأحاديث
المتقدمة ، وتنص على خلود بعض الأصناف من أهل القبلة في جهنم !
- كالذي رواه النسائي في ج 4 ص 66 :
عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من تردى من جبل فقتل
نفسه فهو في نار جهنم يتردى خالدا مخلدا فيها أبدا . ومن تحسى سما فقتل نفسه
فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا . ومن قتل نفسه بحديدة .
. . كانت حديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا . ورواه
أحمد في ج 2 ص 254 وبعضه أبو داود في ج 2 ص 222 .
- وكالذي رواه الدارمي في ج 2 ص 266 :
عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من اقتطع حق امرئ مسلم
بيمينه فقد أوجب الله له النار ، وحرم عليه الجنة . فقال له رجل : وإن كان شيئا يسيرا
يا رسول الله ! قال : وإن قضيبا من أراك ! !
- والذي رواه ابن ماجة في ج 2 ص 876 ح 2623 :
عن أبي شريح الخزاعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أصيب بدم
أو خبل ( والخبل الجرح ) فهو بالخيار بين إحدى ثلاث ، فإن أراد الرابعة فخذوا على
يديه : أن يقتل ، أو يعفو ، أو يأخذ الدية . فمن فعل شيئا من ذلك فعاد ، فإن له نار
جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا . انتهى .
- والذي رواه الطبراني في المعجم الكبير ج 12 ص 8 :
عن ابن عباس : ومن يقتل مؤمنا متعمدا قال : ليس لقاتل توبة ما نسختها آية !
- وقال النيسابوري في الوسيط ج 2 ص 96 : وقوله : فجزاؤه جهنم خالدا فيها . . إلى آخر
الآية ، وعيد شديد لمن قتل مؤمنا متعمدا حرم الله قتله وحظر سفك دمه ، وقد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 197 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وردت في قتل المؤمن أخبار شداد ، فإن ابن عباس سأله رجل فقال : رجل قتل مؤمنا
متعمدا ؟ فقال ابن عباس : جزاؤه جهنم خالدا فيها ، قال : فإن تاب وآمن وعمل
صالحا ؟ فقال ابن عباس : وأنى له التوبة ، وقد سمعت نبيكم يقول : ويح له قاتل
المؤمن . . .
عن القاسم بن أبي بزة أنه سأل سعيدا : هل لمن قتل مؤمنا توبة ؟ فقال لا . . . وعن
حميد عن أنس عن النبي قال : إن الله أبى أن يجعل لقاتل المؤمن توبة . . . وعن عبد
الله بن عمرو قال : قال رسول الله : والذي نفسي بيده لقتل المؤمن أعظم عند الله من
زوال الدنيا . . .
ومذهب أهل السنة : أن قاتل المؤمن عمدا له توبة ، عن عطاء عن ابن عباس أن رجلا
سأله : القاتل المؤمن توبة ؟ فقلت لك توبة ، لكي لا يلقي بيده إلى التهلكة . انتهى .
ولكن هذه الرواية التي استندوا عليها عن ابن عباس تؤكد عدم قبول توبته ، ولا
تدل عليها ! فلا بد لهم من طرح روايات خلود قاتل المسلم في النار وأمثالها ، والقول
بأن رواياته تشديد من الرواة لتخويف القاتل في مجتمع كان يستسهل القتل !
- وقد حاول النووي تأويلها فقال في شرح مسلم ج 9 جزء 17 ص 83 :
وأما قوله تعالى : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ، فالصواب
في معناها أن جزاؤه جهنم ، وقد يجازى به وقد يجازى بغيره ، وقد لا يجازى بل
يعفى عنه ، فإن قتل عمدا مستحلا له بغير حق ولا تأويل فهو كافر مرتد ، يخلد به في
جهنم بالإجماع . . . ثم أخبر أنه لا يخلد من مات موحدا فيها ، فلا يخلد هذا ولكن
قد يعفى عنه فلا يدخل النار أصلا . . . انتهى .
وقد تضمنت محاولة النووي عدة وجوه ضعيفة ، أقواها : القول بأن القاتل عمدا
يخرج بقتله عن التوحيد فيجري عليه حكم المشرك في الآخرة .
ونحن نعتقد بصحة الأحاديث التي تقول إن بعض الأعمال توجب سلب التوحيد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 198 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من صاحبها قبل الموت ، فلا يموت على التوحيد كما سيأتي ، ولكن ذلك يحتاج في
موردنا إلى دليل .

ما دل من مصادرنا على أن الدار الآخرة لا موت فيها

- بحار الأنوار ج 8 ص 349 :
الكافي : علي ، عن أبيه ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي
عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) وساق الحديث في مراتب خلق الأشياء يغلب كل
واحد منها الآخر حيث بغى وفخر ، إلى أن قال : ثم إن الإنسان طغى وقال : من أشد
مني قوة ؟ فخلق الله له الموت وقهره وذل الإنسان ، ثم إن الموت فخر في نفسه ،
فقال الله عز وجل لا تفخر فإني ذابحك بين الفريقين أهل الجنة وأهل النار ، ثم لا
أحييك أبدا فترجى أو تخاف . . الحديث .
تذنيب : إعلم أن خلود أهل الجنة في الجنة مما أجمع عليه المسلمون ، وكذا
خلود الكفار في النار ودوام تعذيبهم ، قال شارح المقاصد : أجمع المسلمون على
خلود أهل الجنة في الجنة وخلود الكفار في النار .
فإن قيل : القوى الجسمانية متناهية ، فلا يعقل خلود الحياة ، وأيضا الرطوبة التي
هي مادة الحياة تفنى بالحرارة سيما حرارة نار جهنم ، فيفضي إلى الفناء ضرورة ،
وأيضا دوام الإحراق مع بقاء الحياة خروج عن قضية العقل !
قلنا : هذه قواعد فلسفة غير مسلمة عند المليين ، ولا صحيحة عند القائلين
بإسناد الحوادث إلى القادر المختار ، على تقدير تناهي القوى وزوال الحياة ، لجواز
أن يخلق الله البدل فيدوم الثواب والعقاب ، قال الله تعالى : كلما نضجت جلودهم
بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب .
- تفسير القمي ج 2 ص 50 :
وقال علي بن إبراهيم في قوله : وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 199 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وهم لا يؤمنون ، فإنه حدثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي ولاد الحناط ،
عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال سئل عن قوله : وأنذرهم يوم الحسرة ؟ قال : ينادي مناد من
عند الله ، وذلك بعد ما صار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار : يا أهل الجنة ويا
أهل النار هل تعرفون الموت في صورة من الصور ؟ فيقولون لا ، فيؤتى بالموت في
صورة كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، ثم ينادون جميعا : أشرفوا وانظروا إلى
الموت فيشرفون ، ثم يأمر الله به فيذبح ، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت أبدا ،
ويا أهل النار خلود فلا موت أبدا . وهو قوله : وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر
وهم في غفلة . أي قضي على أهل الجنة بالخلود ، وعلى أهل النار بالخلود فيها .

ما دل من مصادر السنيين على أن الدار الآخرة لا موت فيها

- صحيح البخاري ج 7 ص 200 :
عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا صار أهل الجنة إلى الجنة
وأهل النار إلى النار ، جئ بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ، ثم يذبح ، ثم ينادي
مناد : يا أهل الجنة لا موت ، يا أهل النار لا موت ، فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم
ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم . ورواه أحمد في ج 2 ص 118 و ص 120 و ص 121 .
- وفي مسند أحمد ج 2 ص 130 :
عن عبد الله بن عمر قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يدخل أهل
الجنة الجنة ، قال أبي وحدثناه سعد قال : يدخل الله أهل الجنة الجنة ، وأهل النار
النار ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول : يا أهل الجنة لا موت ، ويا أهل النار ، لا موت ، كل
خالد فيما هو فيه . ورواه الترمذي في ج 4 ص 95 .
- وفي الدر المنثور ج 4 ص 272 :
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود ( رضي الله عنه ) في قوله : وأنذرهم يوم
الحسرة إذ قضي الأمر ، قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يأتي الموت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 200 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في صورة كبش أملح حتى يوقف بين الجنة والنار ، ثم ينادي منادي أهل الجنة : هذا
الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا ، ولا يبقى أحد في عليين ولا في أسفل
درجة من الجنة إلا نظر إليه ، ثم ينادي يا أهل النار هذا الموت الذي كان يميت الذي
في الدنيا ، فلا يبقى أحد في ضحضاح من النار ولا في أسفل درك من جهنم إلا نظر
إليه ، ثم يذبح بين الجنة والنار ، ثم ينادي يا أهل الجنة هو الخلود أبد الآبدين ، ويا
أهل النار هو الخلود أبد الآبدين ، فيفرح أهل الجنة فرحة لو كان أحد ميتا من فرحة
ماتوا ، ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحد ميتا من شهقة ماتوا ، فذلك قوله : وأنذرهم
يوم الحسرة إذ قضي الأمر ، يقول إذا ذبح الموت .
- وقال الرازي في تفسيره ج 13 جزء 26 ص 139 :
إن أهل الجنة لا يعلمون في أول دخولهم في الجنة أنهم لا يموتون ، فإذا جئ
بالموت على صورة كبش أملح وذبح ، فعند ذلك يعلمون أنهم لا يموتون .
- وقال في الأحاديث القدسية ج 1 ص 160 :
شرح حديث ذبح الموت وأنه يؤتى بالموت يوم القيامة فيوقف على الصراط . .
الخ . وإنه لا مانع عقلا من أن يخلق الله تعالى الموت على صورة حيوان ويوقف
ويذبح . . . ونحن نؤمن بما ثبت عن رسول الله ، ولا نبحث عن كيفية تحقيقه . انتهى .
* *

عودة إلى رأي عمر بفناء النار

في هذا الجو من آيات الخلود في النار وإجماع المسلمين على خلود الجنة والنار
. . نرى الخليفة عمر من دون الصحابة يخالف المتفق عليه بين الجميع ويقول بفناء
النار وانتهائها ، ونقل أهلها إلى الجنة ! !
وقد أخذ الخليفة ذلك من بعض أحبار اليهود الذين كان يثق بعلمهم ، لأن من
مقولاتهم أن الله تعالى وعد يعقوب بأن لا يدخل أبناءه إلى النار إلا تحلة القسم ، وأن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 201 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
النار أساسا عمرها قصير ثم تنتهي وتهلك ! !
وقد تقدم عنهم ذلك في تفسير قوله تعالى ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة
) في فصل الشفاعة عند اليهود ! !
ونظرا لغرابة هذا الرأي حاول البعض التشكيك في نسبته إلى الخليفة عمر ،
ولكنه ثابت عنه عند المحدثين والمؤرخين والمتكلمين كما تقدم ويأتي ! وأكثر أتباع
الخليفة لا يعرفون رأيه هذا ، فبعضهم ينكره . . وبعضهم ( يستحي ) به . . ولكن
بعضهم تجرأ وكتب ردا عليه !
- قال في مقدمة فتح القدير ج 1 ص 9 :
للشوكاني مؤلفات ، منها كتاب نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار . . . وكشف
الأستار في إبطال القول بفناء النار . انتهى .
وأكثر المتحمسين لتأييد رأي عمر ابن قيم الجوزية في رسالته حادي الأرواح تبعا
لأستاذه ابن تيمية . ومن المتأخرين الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار ج 8 ص 68
حيث أورد في كتابه رسالة ابن قيم كاملة ، وهي تبلغ نحو خمسين صفحة ، ولم يأت
صاحب المنار بجديد سوى المدح والغلو في ابن قيم . . لأنه مفكر إسلامي نابغة
استطاع أن يحل المشكلة ويثبت رأي الخليفة بخمس وعشرين دليلا !
وتدور رسالة ابن قيم على محور واحد هو أن النار تفنى كما يخرب السجن ، فلا
يبقى محل لأهلها إلا أن ينقلوا إلى الجنة ، وهو كلام لم يقله عمر ! !
قال ابن قيم وهو يعدد الأقوال في الخلود في جهنم :
السابع : قول من يقول بل يفنيها ربها وخالقها تبارك وتعالى ، فإنه جعل لها أمدا
تنتهي إليه ، ثم تفنى ويزول عذابها .
قال شيخ الإسلام ( ابن تيمية ) : وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبي
هريرة وأبي سعيد وغيرهم ، وقد روى عبد بن حميد وهو من أجل أئمة الحديث في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 202 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تفسيره المشهور : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن
الحسن ، قال قال عمر : لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج ، لكان لهم على
ذلك يوم يخرجون فيه .
وقال : حدثنا حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن أن
عمر بن الخطاب قال : لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج ، لكان لهم يوم يخرجون
فيه . ذكر ذلك في تفسير ثابت عند قوله تعالى ( لابثين فيها أحقابا ) فقد رواه عبد
وهو من الأئمة الحفاظ ، وعلماء السنة عن هذين الجليلين سليمان بن حرب وحجاج
بن منهال ، وكلاهما عن حماد بن سلمة وحسبك به ، وحماد يرويه عن ثابت وحميد
وكلاهما يرويه عن الحسن وحسبك بهذا الإسناد جلالة ، والحسن وإن لم يسمع من
عمر فإنما رواه عن بعض التابعين ، ولو لم يصح عنده ذلك عن عمر لما جزم به وقال
قال عمر بن الخطاب ، ولو قدر أنه لم يحفظ عن عمر فتداول هؤلاء الأئمة له غير
مقابلين له بالإنكار والرد ، مع أنهم ينكرون على من خالف السنة بدون هذا ، فلو كان
هذا القول عند هؤلاء الأئمة من البدع المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع
الأئمة ، لكانوا أول منكر له .
قال : ولا ريب أن من قال هذا القول عن عمر ونقله عنه إنما أراد بذلك جنس أهل
النار الذين هم أهلها ، فأما قوم أصيبوا بذنوبهم فقد علم هؤلاء وغيرهم أنهم يخرجون
منها ، وأنهم لا يلبثون قدر رمل عالج ولا قريبا منه ، ولفظ أهل النار لا يختص ( يقصد
لا يطلق ) بالموحدين بل يختص بمن عداهم ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
( أما أهل النار الذين هم أهلها فهم لا يموتون فيها ولا يحيون ) ولا يناقض هذا قوله
تعالى ( خالدين فيها ) وقوله ( وما هم منها بمخرجين ) بل ما أخبر الله به هو الحق
والصدق الذي لا يقع خلافه . لكن إذا انقضى أجلها وفنيت كما تفنى الدنيا ، لم تبق
نارا ولم يبق فيها عذاب ) . انتهى .
وقد استدل ابن قيم على رأي الخليفة عمر بخمس وعشرين وجها ! لا نطيل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 203 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الكلام بسردها وردها ، لأنها ما عدا واحد منها وجوه خطابية استحسانية ، وليست
علمية ، ويكفي في جوابها جميعا أنها لا تنهض بمعارضة الآيات والأحاديث
المتقدمة الدالة على خلود بعض الفجار في النار ، ولا على معارضة الإجماع الذي
تقدم من الفريقين !
أما الوجه الذي يحسن التعرض له فهو قول ابن القيم :
فصل . والذين قطعوا بدوام النار لهم ست طرق :
أحدها : اعتقاد الإجماع ، فكثير من الناس يعتقدون أن هذا مجمع عليه بين
الصحابة والتابعين ، لا يختلفون فيه ، وأن الاختلاف فيه حادث ، وهو من أقوال
أهل البدع .
الطريق الثاني : أن القرآن دل على ذلك دلالة قطعية ، فإنه سبحانه أخبر أنه عذاب
مقيم ، وأنه لا يفتر عنهم ، وأنه لن يزيدهم إلا عذابا ، وأنهم خالدون فيها أبدا ، وما
هم بخارجين من النار ، وما هم منها بمخرجين ، وأن الله حرم الجنة على الكافرين ،
وأنهم لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ، وأنهم لا يقضى عليهم
فيموتوا ، ولا يخفف عنهم من عذابها ، وأن عذابها كان غراما أي مقيما لازما . . قالوا
وهذا يفيد القطع بدوامه واستمراره .
الطريق الثالث : أن السنة المستفيضة أخبرت بخروج من كان في قلبه مثقال ذرة
من إيمان دون الكفار ، وأحاديث الشفاعة من أولها إلى آخرها صريحة في خروج
عصاة الموحدين من النار ، وأن هذا حكم مختص بهم فلو خرج الكفار منها لكانوا
بمنزلتهم ولم يختص الخروج بأهل الإيمان .
الطريق الرابع : أن الرسول وقفنا على ذلك وعلمناه من دينه بالضرورة من غير
حاجة بنا إلى نقل معين ، كما علمنا من دينه دوام الجنة وعدم فنائها .
الطريق الخامس : أن عقائد السلف وأهل السنة مصرحة بأن الجنة والنار
مخلوقتان وأنهما لا تفنيان بل هما دائمتان ، وإنما يذكرون فناءهما عن أهل البدع .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 204 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الطريق السادس : أن العقل يقضي بخلود الكفار في النار . وهذا مبني على قاعدة
وهي أن المعاد وثواب النفوس المطيعة وعقوبة النفوس الفاجرة هل هو مما يعلم
بالعقل أو لا يعلم إلا بالسمع فيه طريقتان لنظار المسلمين ، وكثير منهم يذهب إلى أن
ذلك يعلم بالعقل مع السمع كما دل عليه القرآن في غير موضع كإنكاره سبحانه على
من زعم أنه يسوي بين الأبرار والفجار في المحيا والممات ، وعلى من زعم أنه خلق
خلقه عبثا وأنهم إليه لا يرجعون وأنه يتركهم سدى أي لا يثيبهم ولا يعاقبهم ، وذلك
يقدح في حكمته وكماله وأنه نسبة إلى ما لا يليق به . وربما قرروه بأن النفوس
البشرية باقية واعتقاداتها وصفاتها لازمة لها لا تفارقها وإن ندمت عليها لما رأت
العذاب فلم تندم عليها لقبحها أو كراهة ربها لها ، بل لو فارقها العذاب رجعت كما
كانت أولا قال تعالى ( ولو ترى إذ وفقوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات
ربنا ونكون من المؤمنين ، بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا
عنه وأنهم لكاذبون ) فهؤلاء قد ذاقوا العذاب وباشروه ولم يزل سببه ومقتضيه من
نفوسهم بل خبثها قائم بها لم يفارقها بحيث لو ردوا لعادوا كفارا كما كانوا ، وهذا يدل
على أن دوام تعذيبهم يقضي به العقل كما جاء به السمع . انتهى .
ثم قال ابن قيم :
قال أصحاب الفناء على هذه الطرق يبين الصواب في هذه المسألة :
فأما الطريق الأول فالإجماع الذي ادعيتموه غير معلوم وإنما يظن الإجماع في
هذه المسألة من لم يعرف النزاع وقد عرف النزاع بها قديما وحديثا ، بل لو كلف
مدعي الإجماع أن ينقل عن عشرة من الصحابة فما دونهم إلى الواحد أنه قال إن النار
لا تفنى أبدا لم يجد إلى ذلك سبيلا ، ونحن قد نقلنا عنهم التصريح بخلاف ذلك ،
فما وجدنا عن واحد منهم خلاف ذلك ، بل التابعون حكوا عنهم هذا وهذا ، قالوا
والإجماع المعتد به نوعان متفق عليهما ونوع ثالث مختلف فيه ، ولم يوجد واحد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 205 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
منها في هذه المسألة :
النوع الأول ما يكون معلوما من ضرورة الدين كوجوب أركان الإسلام وتحريم
المحرمات الظاهرة .
الثاني ما ينقل عن أهل الاجتهاد التصريح بحكمه .
الثالث أن يقول بعضهم القول وينشر في الأمة ولا ينكره أحد . فأين معكم واحد من
هذه الأنواع ، ولو أن قائلا ادعى الإجماع من هذه الطريق واحتج بأن الصحابة صح
عنهم ولم ينكر أحد منهم عليه ، لكان أسعد بالإجماع منكم !
قالوا : وأما الطريق الثاني وهو دلالة القرآن على بقاء النار وعدم فنائها ، فأين في
القرآن دليل واحد يدل على ذلك ، نعم الذي دل عليه القرآن أن الكفار خالدون في
النار أبدا ، وأنهم غير خارجين منها ، وأنه لا يفتر عنهم من عذابها ، وأنهم لا يموتون
فيها ، وأن عذابهم فيها مقيم ، وأنه غرام أي لازم لهم . وهذا كله مما لا نزاع فيه بين
الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين ، وليس هذا مورد النزاع ، وإنما النزاع في أمر آخر
( ! ! ) وهو أنه هل النار أبدية أو مما كتب عليه الفناء ؟ وأما كون الكفار لا يخرجون
منها ، ولا يفتر عنهم من عذابها ، ولا يقضى عليهم فيموتوا ، ولا يدخلون الجنة حتى
يلج الجمل في سم الخياط ، فلم يختلف في ذلك الصحابة ولا التابعون ولا أهل
السنة . وإنما خالف في ذلك من قد حكينا أقوالهم من اليهود ( ! ! ) والاتحادية وبعض
أهل البدع ، وهذه النصوص وأمثالها تقتضي خلودهم في دار العذاب ما دامت باقية
ولا يخرجون منها مع بقائها البتة كما يخرج أهل التوحيد منها مع بقائها ، فالفرق
كالفرق بين من يخرج من الحبس وهو حبس على حاله ، وبين من يبطل حبسه
بخراب الحبس وانتقاضه .
قالوا : وأما الطريق الثالث وهو مجئ السنة المستفيضة بخروج أهل الكبائر من
النار دون أهل الشرك ، فهي حق لا شك فيه ، وهي إنما تدل على ما قلناه من خروج
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 206 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الموحدين منها وهي دار عذاب لم تفن ، ويبقى المشركون فيها ما دامت باقية .
والنصوص دلت على هذا وعلى هذا .
قالوا : وأما الطريق الرابع وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفنا على ذلك
ضرورة ، فلا ريب أنه من المعلوم من دينه بالضرورة أن الكفار باقون فيها ما دامت
باقية ، هذا معلوم من دينه بالضرورة ، وأما كونها أبدية لا انتهاء لها ولا تفنى كالجنة
فأين في القرآن والسنة دليل واحد يدل على ذلك ! ! انتهى .
وقد ذكر في 79 : قول أهل السنة ( إن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا فلا ريب
أن القول بفنائهما قول أهل البدع من الجهمية ) وأجاب عليه بقوله ( فقولكم إنه من
أقوال أهل البدع كلام من لا خبرة له بمقالات بني آدم وآرائهم واختلافهم . . . ) انتهى .
ونلاحظ أن ابن قيم اعترف بأن الذين نفوا خلود النار هم اليهود والاتحادية من
الوثنيين والماديين ، ثم قام بتغيير موضوع النزاع في المسألة ، لكي يوفق بين إجماع
المسلمين على الخلود في النار وبين قول عمر بفنائها ، وعمدة ما قاله : إنه لا مانع أن
نقول خالدين فيها إذا لم تخرب ، كما نقول مؤبد في السجن ما دام السجن موجودا
ولم يخرب . يريد بذلك أن أهل النار إنما ينقلون إلى الجنة بسبب خرابها !
ولو سلمنا هذا المنطق في المسألة ، فأين دليله على خراب السجن أو جهنم ؟ !
يكفي لرد ذلك أنه لو كان له أصل في الإسلام لكثرت فيه الآيات والأحاديث !
ولو كان له أصل لاحتج به الخليفة ، وذكر ولو كلمة عن فناء النار ، وما اقتصر على
رمل عالج ! !
إن فذلكات ابن قيم وأمثاله لا يمكنها أن تقاوم ما تقدم من الآيات والأحاديث
والإجماع ، ولا أن تقلب معاني ألفاظ اللغة فتلغي معنى الدوام والتأبيد والخلود
وتجعلها كلها لزمن محدود ينتهي .
وقد اغتر بهذه الفذلكة بعضهم وقال : ليس في اللغة العربية كلمة للوقت الممتد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 207 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بلا انقطاع ! وخير جواب لهؤلاء أن نسألهم : إذا أردتم التعبير بالعربية عن هذا المعنى
فبماذا تعبرون ؟ فلا بد أنهم سيستعملون ألفاظا من مادة الدوام والتأبيد والخلود . .
وهي المواد التي استعملها القرآن والحديث ! !

الجهمية أخذت من الخليفة عمر

- قال الأشعري في مقالات الإسلاميين ص 148 :
واختلفت المرجئة في تخليد الله الكفار . . . فقالت الفرقة الأولى منهم وهم
أصحاب جهم بن صفوان : الجنة والنار تفنيان وتبيدان ويفنى أهلهما . . . وأنه لا يجوز
أن يخلد الله أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ! !
وفي ص 279 :
والذي تفرد به جهم القول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان !
- تأويلات أهل السنة ص 75 - 76 :
الرد على الجهمية في قولهم بفناء الجنة وما فيها ، وقوله وهم فيها خالدون أي
مقيمون أبدا ، فالآية ترد على الجهمية قولهم لأنهم يقولون بفناء الجنة . . . لكن ذلك
وهم عندنا ، لأن الله تعالى هو الأول بذاته . . والباقي بذاته ، والجنة وما فيها باقية
بغيرها . إن الله تعالى جعل الجنة دارا مطهرة عن المعايب كلها . . ولو كان آخرها
للفناء لكان فيها أعظم المعايب إذ المرء لا يهنأ بعيش إذا نقص عليه بزواله . فلو كان
آخره للزوال كانت نعمته منغصة على أهلها . . .
- تأويلات أهل السنة ص 121 :
الرد على الجهمية في قولهم بفناء الجنة والنار وانقطاع ما فيهما : والذين كفروا
وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ، تنقض على الجهمية قولهم . . .
فلو كانت الجنة تفنى وينقطع ما فيها لكان فيها خوف وحزن لأن من خاف في الدنيا
زوال النعمة عنه وفوتها يحزن عليه . . فأخبر عز وجل أن لا خوف عليهم فيها ، خوف
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 208 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
التبعة ولا حزن فوات النعمة ، ولا هم يحزنون ، دل على أنها باقية وأن نعيمها دائم لا
يزول ، وكذلك أخبر عز وجل أن الكفار في النار خالدون .

والمرجئة أخذوا من عمر

- تاريخ الإسلام للذهبي ج 13 ص 160 :
وكان أبو المطيع فيما نقل الخطيب من رؤوس المرجئة . . وذكروا عنه أنه كان
يقول : الجنة والنار خلقتا وستفنيان ، وهذا كلام جهم .

وابن العاص أخذ من عمر

- فتح القدير للشوكاني ج 2 ص 658 :
عن ابن عمرو قال : ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد . ثم
قال صاحب الكشاف : ما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما عليا ما يشغله عن
تسيير هذا الحديث ! انتهى .
ويقصد الزمخشري أن عبد الله بن عمرو بن العاص راوي هذا الحديث لا يوثق
به ، لأنه كان مبغضا لعلي ( عليه السلام ) وقد قاتله في صفين بسيفين ، وكان الأولى به أن يكتفي
بفعلته تلك ولا ينقل مثل هذه الأحاديث الخارجة عن إجماع المسلمين !
قال في هامش اختيار معرفة الرجال ج 1 ص 157 : وقال في الكشاف : وما ظنك بقوم
نبذوا كتاب الله لما روى لهم بعض النوابت عبد الله بن عمرو بن العاص : ليأتين على
جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون أحقابا . وبلغني أن من
الضلال من اغتر بهذا الحديث فاعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار ، وهذا ونحوه والعياذ
بالله من الخذلان المبين زادنا الله هداية إلى الحق ومعرفة بكتابه وتنبها على أن نغفل عنه .
ولئن صح هذا عن ابن ابن العاص فمعناه أنهم يخرجون من حر النار إلى برد الزمهرير ،
فذلك خلق جهنم وصفق أبوابها ، وأقول : أما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما
علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) ما يشغله عن تسيير هذا الحديث . انتهى قول الكشاف .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 209 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

ورووا عن ابن مسعود أنه وافق عمر

- الدر المنثور ج 3 ص 350 :
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن إبراهيم قال : ما في القرآن آية أرجى لأهل النار
من هذه الآية : خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك قال وقال ابن
مسعود : ليأتين عليها زمان تخفق أبوابها .
- وفي تفسير التبيان ج 6 ص 68 وروي عن ابن مسعود أنه قال : ليأتين على جهنم زمان
تخفق أبوابها ليس فيها أحد ، وذلك بعد أن يلبثوا فيها أحقابا .

والشعبي أخذ من عمر

- تفسير التبيان ج 6 ص 68 :
وقال الشعبي : جهنم أسرع الدارين عمرانا ، وأسرعهما خرابا .
ويلاحظ على رواياتهم عن ابن العاص وابن مسعود والشعبي أن جهنم تبقى
ولكن تفرغ وينقل أهلها إلى الجنة ! وهذا هو موضوع كلام عمر ، لا ما ادعاه ابن قيم !

والمعتزلة أخذت من عمر

- الملل والنحل للشهرستاني - هامش الفصل ج 1 ص 64 :
الخامسة : قوله ( أبو الهذيل ) إن حركات أهل الخلدين تنقطع ، وإنهم يصيرون
إلى سكون دائم خمودا ، وتجتمع اللذات في ذلك السكون لأهل الجنة ، وتجتمع
الآلام في ذلك السكون لأهل النار .

والجاحظ أخذ من عمر

- الملل والنحل - هامش الفصل ج 1 جزء 1 ص 95 :
أقوال الجاحظ التي انفرد بها عن أصحابه . . منها : قوله في أهل النار إنهم لا
يخلدون فيها عذابا ، بل يصيرون إلى طبيعة النار .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 210 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

وابن عربي والجيلي أخذا من عمر

قال في تفسير المنار ج 8 ص 70 :
ويدخل فيه أنها تفنى كما تقول الجهمية ، أو تتحول إلى نعيم كما قال الشيخ
محيي الدين بن العربي وعبد الكريم الجيلي من الصوفية .

أما عمر فقد أخذ من كعب الأحبار واليهود

- سيرة ابن هشام ج 2 ص 380 :
وقالوا : لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله
عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون .
قال ابن إسحاق : وحدثني مولى لزيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد ابن جبير
عن ابن عباس قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تقول : إنما
مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما يعذب الله الناس في النار بكل ألف سنة من أيام
الدنيا يوما واحدا في النار من أيام الآخرة ، وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب ! !
فأنزل الله في ذلك من قولهم : وقالوا لن تمسنا النار إلا أيام معدودة ، قل أتخذتم عند
الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون . بلى من كسب سيئة
وأحاطت به خطيئته ، أي من عمل بمثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به حتى يحيط
كفره بما له عند الله من حسنة ، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ، أي خلدا
أبدا . والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون . أي
من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها ، يخبرهم أن
الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبدا ، ولا انقطاع له .
- الدر المنثور ج 1 ص 84 :
قوله تعالى : وقالوا لن تمسنا النار الآية . أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 211 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وابن أبي حاتم والطبراني والواحدي عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون مدة الدنيا
سبعة آلاف سنة . . . الخ . ورواه في مجمع الزوائد ج 6 ص 314 .
- تفسير التبيان ج 1 ص 323 :
قالوا لن تمسنا النار ولن ندخلها إلا أياما معدودة ، وإنما لم يبين عددها في
التنزيل ، لأنه تعالى أخبر عنهم بذلك وهم عارفون بعدد الأيام التي يوقتونها في النار ،
فلذلك نزل تسمية عدد الأيام وسماها معدودة لما وصفنا .
وقال أبو العالية وعكرمة والسدي وقتادة : هي أربعون يوما . ورواه الضحاك عن
ابن عباس . ومنهم قال : إنها عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل .
وقال ابن عباس : إن اليهود تزعم أنهم وجدوا في التوراة مكتوبا إن ما بين طرفي
جهنم مسيرة أربعين سنة ، وهم يقطعون مسيرة كل سنة في يوم واحد ، فإذا انقطع
المسير انقطع العذاب ، وهلكت النار ! !
- قال السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 285 :
وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن ميمون أن كعبا دخل يوما على عمر بن
الخطاب فقال له عمر : حدثني إلى ما تنتهي شفاعة محمد يوم القيامة ؟ فقال كعب
قد أخبرك الله في القرآن إن الله يقول : ما سلككم في سقر . . . إلى قوله اليقين قال
كعب : فيشفع يومئذ حتى يبلغ من لم يصل صلاة قط ، ويطعم مسكينا قط ، ومن لم
يؤمن ببعث قط ، فإذا بلغت هؤلاء لم يبق أحد فيه خير ! انتهى .
وقد ذكرنا أن كلام كعب هذا يحتل وجهين لأن قوله : حتى يبلغ ، وقوله فإذا
بلغت ، قد يقصد بهما أن الشفاعة تبلغ هؤلاء المكذبين بيوم الدين الذين لم يفعلوا
خيرا قط ! فلا يبقى أحد في النار وتنتهي . وقد يقصد بهما أن الشفاعة تقف عند
هؤلاء فيكون كلامه توسيعا لها لكل المؤمنين بالبعث من غير المسلمين !
ولا يبعد أن يكون هدف كعب القول بدخول الجميع الجنة وفناء النار ، لأن ذلك من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 212 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مقولات اليهود كما رأيت ! ويكون قصده أن سؤال أهل اليمين للمجرمين : ما سلككم
في سقر ؟ إنما هو مقدمة لإخراجهم من النار . . وبشفاعة نبينا ( صلى الله عليه وآله ) ! !
* *
وقد يتصور البعض أن من المبالغة أو التهمة للخليفة عمر بأنه أخذ هذه العقيدة
من كعب الأحبار ، ولكن الذي يقرأ احترام عمر لأحبار اليهود والنصارى ولكعب
الأحبار خاصة حتى قبل إسلام كعب . . لا يستبعد ذلك بل يطمئن إليه ، ويحسن
مراجعة ما كتبناه في ذلك موثقا في كتاب تدوين القرآن ، وأن الخليفة عمر كان يدرس
عند اليهود في المدينة في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأن النبي نهاه عن عن ذلك ولم يمتثل !
ونذكر هنا بعض النصوص التي تكشف ثقته العالية بكعب ، والمقام العظيم الذي
يحتله كعب في ذهنه وعواطفه !

عمر ينظر إلى كعب كأنه نبي ويتلقى منه

يلاحظ الباحث تعاملا فريدا للخليفة عمر مع كعب الأحبار ، وأنه كان يحترمه أكثر
من كل صحابة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويفضله عليهم علميا وسياسيا ، ويسأله عن عوالم
الغيب والشهادة والأنبياء والجنة والنار وتفسير القرآن ، وعن مستقبل الأمة ومستقبله
الشخصي ويثق به ثقة مطلقة ويقبل منه . . شبيها بتعامل الصحابي المؤمن مع نبيه
الذي ينزل عليه الوحي !
- قال السيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 6 :
وأخرج ابن جرير عن أبي المخارق زهير بن سالم قال قال عمر لكعب : ما أول
شئ ابتدأه الله من خلقه ؟ فقال كعب : كتب الله كتابا لم يكتبه قلم ولا مداد ،
ولكن كتب بإصبعه يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت : أنا الله لا إله إلا أنا سبقت
رحمتي غضبي ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 213 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وقال أحمد في مسنده ج 1 ص 42 :
قال عمر يعني لكعب : إني أسألك عن أمر فلا تكتمني ، قال : والله لا أكتمك شيئا
أعلمه قال : ما أخوف شئ تخوفه على أمة محمد ؟ قال أئمة مضلين . قال عمر :
صدقت قد أسر ذلك إلي وأعلمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم . ورواه الهيثمي في
مجمع الزوائد ج 5 ص 239 وقال : رجاله ثقات .
- وقال السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 57 :
عن الحسن البصري أن عمر قال لكعب : ما عدن ؟ قال : هو قصر في الجنة لا
يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حاكم عدل .
- وقال في ج 5 ص 347 :
عن قتادة قال : إن عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) قال : يا كعب ما عدن ؟ قال : قصور من
ذهب في الجنة يسكنها النبيون والصديقون وأئمة العدل .
- وقال في كنز العمال ج 12 ص 560 :
عن الحسن قال : قال عمر بن الخطاب : حدثني يا كعب عن جنات عدن . قال :
نعم يا أمير المؤمنين قصور في الجنة لا يسكنها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم
عدل ، فقال عمر : أما النبوة فقد مضت لأهلها ، وأما الصديقون فقد صدقت الله
ورسوله ، وأما الحكم العدل فإني أرجو الله أن لا أحكم بشئ إلا لم آل فيه عدلا ، وأما
الشهادة فأنى لعمر بالشهادة ؟ ! - ابن المبارك وأبو ذر الهروي في الجامع .
- وقال السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 57 :
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن ( رضي الله عنه ) أن عمر قال لكعب : ما عدن ؟ قال : هو
قصر في الجنة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حاكم عدل .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ( رضي الله عنه ) قال :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 214 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قرأ عمر ( رضي الله عنه ) على المنبر جنات عدن ، فقال : أيها الناس هل تدرون ما جنات عدن ؟
قصر في الجنة له عشرة آلاف باب ، على كل باب خمسة وعشرون ألفا من الحور
العين ، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد ! ! .
- وقال في الدر المنثور ج 5 ص 347 :
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة ( رضي الله عنه ) . . . في قوله : وأدخلهم جنات
عدن قال إن عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) قال : يا كعب ما عدن ؟ قال : قصور من ذهب في
الجنة يسكنها النبيون والصديقون وأئمة العدل .
- معجم ما استعجم ج 2 ص 74 :
الحثمة : بفتح أوله وإسكان ثانية : صخرات بأسفل مكة بها ربع عمر بن الخطاب .
روى عنه مجاهد أنه قرأ على المنبر : جنات عدن فقال : أيها الناس أتدرون ما جنات
عدن ؟ قصر في الجنة له خمسة آلاف باب على كل باب خمسة وعشرون ألفا من
الحور العين لا يدخله إلا نبي ، وهنيئا لصاحب القبر وأشار إلى النبي صلى الله عليه
وسلم ، أو صديق وهنيئا لأبي بكر وأشار إلى قبره ، أو شهيد وأنى لعمر بالشهادة وإن
الذي أخرجني من منزلي بالحثمة قادر أن يسوقها إلي ! ! انتهى .
وفي هذه الرواية دلالة على أن كعبا استطاع أن يقنع عمر أن مقصوده بالنبي
والصديق والشهيد الذين يسكنون عدن : رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأبا بكر وعمر ، وأن كعبا كان
من المخططين لقتله !
- وقال في الدر المنثور ج 5 ص 306 :
قوله تعالى : يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض الآية . أخرج الثعلبي من طريق
العوام بن حوشب قال حدثني رجل من قومي شهد عمر ( رضي الله عنه ) أنه سأل طلحة والزبير
وكعبا وسلمان : ما الخليفة من الملك ؟ قال طلحة والزبير : ما ندري ، فقال
سلمان ( رضي الله عنه ) : الخليفة الذي يعدل في الرعية ، ويقسم بينهم بالسوية ، ويشفق عليهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 215 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
شفقة الرجل على أهله ويقضي بكتاب الله تعالى . فقال كعب : ما كنت أحسب أحدا
يعرف الخليفة من الملك غيري !
- وفي كنز العمال ج 12 ص 567 :
عن طبقات ابن سعد : عن سفيان بن أبي العوجاء قال : قال عمر بن الخطاب :
والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك ؟ فإن كنت ملكا فهذا أمر عظيم ، قال قائل يا أمير
المؤمنين إن بينهما فرقا ، قال ما هو ؟ قال : الخليفة لا يأخذ إلا حقا ولا يضعه إلا في
حق ، فأنت بحمد الله كذلك ، والملك يعسف الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا ،
فسكت عمر ( ابن سعد ) .
- وقال في كنز العمال ج 12 ص 573 :
عن كعب أن عمر بن الخطاب قال : أنشدك بالله يا كعب أتجدني خليفة أم ملكا ؟
قال بل خليفة ، فاستحلفه فقال كعب : خليفة والله من خير الخلفاء ، وزمانك خير
زمان - نعيم بن حماد في الفتن .
- الدر المنثور ج 4 ص 293 :
سأل عمر كعبا عن آيات أول سورة الحديد فقال : معناها إن علمه بالأول كعلمه
بالآخر ، وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن ! انتهى .
* *
- كنز العمال ج 2 ص 488 :
عن عمر قال : ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة فعظم شأنه وشدته ،
قال : ويقول الرحمن لداود ( عليه السلام ) : مر بين يدي ، فيقول داود : يا رب أخاف أن
تدحضني خطيئتي ، فيقول : مر خلفي ، فيقول : يا رب أخاف أن تدحضني خطيئتي
فيقول : خذ بقدمي ! فيأخذ بقدمه عز وجل فيمر ! ! قال فتلك الزلفى التي قال الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 216 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تعالى : وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ! ورواه السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 305
عن ابن مردويه .
- الدر المنثور ج 5 ص 297 :
وأخرج الديلمي عن عمر ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينبغي
لأحد أن يقول إني أعبد من داود ! ! .
- الدر المنثور ج 5 ص 305 :
وأخرج عبد بن حميد ، عن السدي بن يحيى ، قال حدثني أبو حفص رجل قد
أدرك عمر بن الخطاب : إن الناس يصيبهم يوم القيامة عطش وحر شديد فينادي
المنادي داود فيسقى على رؤس العالمين ، فهو الذي ذكر الله : وإن له عندنا لزلفى
وحسن مآب ! انتهى .
ومن الواضح أن هذه الروايات عن داود ( عليه السلام ) من مقولات اليهود وكعب الأحبار
ولكن الخليفة عمر يقبلها منه ، والرواة ينسبونها إلى نبينا ( صلى الله عليه وآله ) ! !
- كنز العمال ج 14 ص 146 :
عن سعيد بن المسيب قال : استأذن رجل عمر بن الخطاب في إتيان بيت
المقدس فقال له : إذهب فتجهز فإذا تجهزت فأعلمني فلما تجهز جاءه فقال له عمر :
إجعلها عمرة !
* *
- مجمع الزوائد ج 9 ص 65 :
عن عمر بن ربيعة أن عمر بن الخطاب أرسل إلى كعب الأحبار فقال : يا كعب
كيف تجد نعتي ؟ قال : أجد نعتك قرن من حديد . قال : وما قرن من حديد ؟ قال :
أمير شديد لا تأخذه في الله لومة لائم . قال : ثم مه ؟ قال : ثم يكون من بعدك خليفة
تقتله فئة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 217 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- تاريخ الطبري ج 1 ص 459 :
عن أشعث عن سالم النصرى قال : بينما عمر بن الخطاب يصلي ويهوديان خلفه ،
وكان عمر إذا أراد أن يركع خوى ، فقال أحدهما لصاحبه : أهو هو ؟ قال فلما انفتل
عمر قال : أرأيت قول أحدكما لصاحبه أهو هو ؟ فقالا : إنا نجد في كتابنا قرنا من
حديد يعطى ما أعطي حزقيل الذي أحيا الموتى بإذن الله ! !
فقال عمر : ما نجد في كتابنا حزقيل ، ولا أحيا الموتى بإذن الله إلا عيسى بن
مريم ! فقالا : أما تجد في كتاب الله : ورسلا لم نقصصهم عليك ؟ فقال عمر : بلى ،
قالا : وأما إحياء الموتى فسنحدثك إن بني إسرائيل وقع فيهم الوباء ، فخرج منهم
قوم حتى إذا كانوا على رأس ميل أماتهم الله فبنوا عليهم حائطا حتى إذا بليت
عظامهم بعث الله حزقيل فقام عليهم فقال : ما شاء الله ، فبعثهم الله له فأنزل الله في
ذلك : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت . انتهى .
والأخوي : الذي لا يستطيع أن يركع أو يسجد بشكل طبيعي إلا بفتح قدميه
ونحوه . . والرواية تدل على اهتمام اليهود بإيمان عمر بثقافتهم ، ومحاولتهم التزلف
إليه بادعاء أن شخصيته مذكورة في كتبهم ، وأنه نبي يحيي الموتى مثل حزقيل !
- تاريخ المدينة لابن شبة ج 3 ص 110 :
لما قدم عمر ( رضي الله عنه ) من مكة في آخر حجة حجها أتاه كعب فقال : يا أمير المؤمنين
اعهد فإنك ميت في عامك ! قال عمر ( رضي الله عنه ) وما يدريك يا كعب ؟ قال : وجدته في
كتاب الله ! فقال : أنشدك الله يا كعب هل وجدتني باسمي ونسبي عمر بن الخطاب ؟
قال : اللهم لا ، ولكني وجدت صفتك وسيرتك وعملك وزمانك !
- ورواه في ج 3 ص 88 وزاد فيه : فلما أصبح الغد غدا عليه كعب فقال عمر ( رضي الله عنه ) : يا
كعب ، فقال كعب : بقيت ليلتان ، فلما أصبح الغد غدا عليه كعب - قال عبد العزيز :
فأخبرني عاصم بن عمر بن عبيد الله بن عمر قال : قال عمر ( رضي الله عنه ) :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 218 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يواعدني كعب ثلاثا يعدها * ولا شك أن القول ما قاله كعب
وما بي لقاء الموت إني لميت * ولكنما في الذنب يتبعه الذنب
فلما طعن عمر ( رضي الله عنه ) دخل عليه كعب فقال : ألم أنهك ؟ !
قال : بلى ، ولكن كان أمر الله قدرا مقدورا ! ! انتهى .
ولا يتسع المجال للرد على أفكار كعب التي تضمنتها رواياته ، وقد أوردنا عددا
منها في سبب نشأة التجسيم في المجلد الثاني .
والواقع أن كعب الأحبار من أكبر المصائب في مصادر إخواننا السنيين ، حيث تجده
مقيما فيها ، كامنا في المواقع الحساسة من أصول العقيدة والشريعة ! وهذا أمر
يحتاج إلى معالجات جريئة من علمائهم !
ولكن لا بد من الإلفات هنا إلى أن النصوص المتقدمة تدل بما لا يقبل الريب ،
على أن كعبا كان شريكا في مؤامرة قتل عمر !
ولكن إخواننا السنيين ما زالوا يبرئون كعبا ويثقون به ، كما برأ المسيحيون اليهود من
دم المسيح !
كما نشير إلى أن كعبا أخطأ في تفسير أول سورة الحديد ، لأنه فسر ( هو ) بعلمه ! !
ولكن الخليفة عمر يقبل منه كل ما يقوله ، بل يحدث به المسلمين على المنبر !
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 219 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الثامن : شفاعات وحرمانات غير معقولة روتها مصادر السنيين

النوع الأول : شفاعة اثنين لصاحب الجنازة

ليس من السهل أن نعترض على الأحاديث التي تحكم على نوع من الناس
باستحقاق الجنة أو النار . . لأن الخير والشر في داخل الإنسان عالم معقد ، وما يظهر
للعيان لا يجب أن يكون دائما هو الحقيقة ! فرب عمل صغير نقوم به يكون في
حساب الثواب والعقاب الإلهي كبيرا ، وبالعكس . . ورب ظرف يجعل العمل السئ
حسنا وبالعكس !
وبسبب هذه السعة والتعقيد في أعمال الناس وظروفها ، لا بد أن تكون أنظمة
الجزاء عميقة واسعة حتى تستوعبها .
ولكنا مع ذلك نملك يقينيات من العقل والشرع تسمح لنا أحيانا بالحكم بإمكان
هذا الجزاء الإلهي أو عدم إمكانه . . ومن هذه اليقينيات : لو أن شخصا قاتلا ظالما
جامعا للصفات الشريرة ، توفي وحملوا جنازته ، فمر بها شخصان مسلمان فقالا :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 220 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رحمه الله كان مؤمنا تقيا ، لأنهما جاهلان بحاله أو متعمدان ، فإن شهادتهما لا تغير
شيئا من قوانين المجازاة الإلهية !
لكن توجد ( أحاديث ) في مصادر السنيين تقول : إن مجرد شهادة اثنين بالخير
لصاحب الجنازة تجعله من أهل الجنة ! كما أن شهادتهما له بالسوء تجعله من أهل
النار ! !
فكأن الشهادة على الجنازة في منطق هذه الأحاديث وثيقة شرعية نهائية لا يقرأ
الملائكة غيرها ، أو ختم نهائي لا يقبل الله تعالى غيره ! !
لقد جاءنا هذا المنطق من الثقافة اليهودية ، ولكنه مهما كان مصدره ، ليس منطقا
إسلاميا ! لأن معناه السماح للمجرمين بأن يفعلوا ما شاؤوا ويهلكوا الحرث والنسل ،
ثم يوصي أحدهم بأن يشهد على جنازته عشرة شهود كذبا وزورا فيدخل الجنة !
والأخطر من ذلك أن الإنسان المؤمن الطيب الأمين المستقيم مهما عمل من خير
في حياته فإن عمله يتبخر بمجرد أن يرسل خصومه اثنين يشهدان على جنازته بأنه
كان سيئا ، فيدخلانه النار !
ولو كانت هذه المقولة توجد في مصادرهم من الدرجة الثانية لكان الأمر أسهل ،
ولكنها توجد في مصادر الدرجة الأولى مع الأسف ، وعن لسان أقدس الشخصيات
عندهم بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) الأمر الذي يتطلب من فقهائهم جرأة في معالجتها :
- روى البخاري في صحيحه ج 2 ص 100 :
عن أنس بن مالك قال : مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا ، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم : وجبت ، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال : وجبت ، فقال عمر بن
الخطاب ( رضي الله عنه ) : ما وجبت ؟ قال : هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة ، وهذا أثنيتم
عليه شرا فوجبت له النار ، أنتم شهداء الله في الأرض .
ورواه في ج 3 ص 148 وفيه ( قال شهادة القوم المؤمنين شهداء الله في الأرض ) .
ورواه مسلم في صحيحه ج 3 ص 53 وقد كرر فيه كلمة : وجبت وأنتم شهداء الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 221 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثلاث مرات .
ورواه النسائي ج 4 ص 50 ورواه الترمذي ج 2 ص 261 وقال ( وفي الباب عن عمر
وكعب بن عجرة وأبي هريرة . قال أبو عيسى : حديث أنس حديث حسن صحيح ) .
ورواه ابن ماجة في ج 1 ص 478 وفيه ( فقال : شهادة القوم والمؤمنون شهود الله
في الأرض ) . وفي هامشه ( ويوافقه حديث عمر رواه الترمذي والنسائي وإسناد ابن
ماجة صحيح ورجاله رجال الصحيحين ) .
ورواه أبو داود في ج 2 ص 86 وفيه ( إن بعضكم على بعض شهداء ) .
ورواه أحمد في ج 3 ص 179 و ج 2 ص 261 و ص 498 و ص 528 و ج 2 ص 466 و ص 470
وفيه ( بعضكم شهداء على بعض ) و ج 3 ص 186 وكرر فيه وجبت ثلاث مرات مثل مسلم .
وفي رواية أخرى ( قال شهادة القوم والمؤمنون شهداء الله في الأرض ) وفي ج 3 ص 197
و ص 211 و ص 245 و ص 281 .
ورواه البيهقي في سننه ج 4 ص 75 و ج 10 ص 123 و ص 209 .
* *
- وقال البخاري في صحيحه ج 2 ص 100 :
عن أبي الأسود قال : قدمت المدينة وقد وقع بها مرض فجلست إلى عمر بن
الخطاب ( رضي الله عنه ) فمرت بهم جنازة فأثنى على صاحبها خيرا فقال عمر ( رضي الله عنه ) : وجبت . ثم
مر بأخرى فأثنى على صاحبها خيرا ، فقال عمر ( رضي الله عنه ) : وجبت . ثم مر بالثالثة فأثنى
على صاحبها شرا ، فقال : وجبت . فقال أبو الأسود فقلت : وما وجبت يا أمير
المؤمنين ؟ قال : قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : أيما مسلم شهد له أربعة
بخير أدخله الله الجنة ، فقلنا وثلاثة قال : وثلاثة . فقلنا واثنان قال : واثنان . ثم لم
نسأله عن الواحد !
- ورواه البخاري أيضا في ج 3 ص 149 والنسائي في ج 4 ص 51 وفيه :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 222 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
( فقلت وما وجبت يا أمير المؤمنين ؟ قال : قلت كما قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : أيما مسلم شهد له أربعة قالوا خيرا أدخله الله الجنة . قلنا : أو ثلاثة ؟ قال : أو
ثلاثة . قلنا : أو اثنان ؟ قال : أو اثنان .
ورواه الترمذي في ج 2 ص 261 وقال ( قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح
وأبو الأسود الدؤلي اسمه ظالم بن عمر بن سفيان ) .
ورواه أحمد في ج 1 ص 21 و ص 22 و ص 27 و ص 30 و ص 45 و ص 46 ، والبيهقي في
سننه ج 10 ص 124 .
* *
إلى هنا تجد أن هذه المقولة بمقاييس إخواننا السنيين تامة السند والدلالة . .
ولكن توجد مؤشرات تفتح باب البحث حولها :
المؤشر الأول : أن الإمام أحمد روى أن بعض الذين سمعوا الحديث من الخليفة
عمر شككوا فيه لغرابته عن منطق النبي ( صلى الله عليه وآله ) وظنوا أنه رأي من عمر لا من قول النبي
( صلى الله عليه وآله ) فأكد له عمر أن النبي هو الذي قال ذلك !
- قال أحمد في ج 1 ص 54 :
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا عمر بن الوليد الشني عن عبد الله بن بريدة
قال : جلس عمر ( رضي الله عنه ) مجلسا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسه ، فمر عليه
الجنائز ، قال فمروا بجنازة فأثنوا خيرا فقال : وجبت . ثم مروا بجنازة فأثنوا خيرا
فقال : وجبت . ثم مروا بجنازة فقالوا خيرا فقال : وجبت . ثم مروا بجنازة فقالوا هذا
كان أكذب الناس ، فقال : إن أكذب الناس أكذبهم على الله ، ثم الذين يلونهم من كذب
على روحه في جسده ، قال قالوا : أرأيت إذا شهد أربعة ؟ قال : وجبت . قالوا : أو
ثلاثة ؟ قال : وثلاثة ، قال وجبت . قالوا : واثنين ؟ قال : وجبت ، ولأن أكون قلت
واحد أحب إلي من حمر النعم . قال فقيل لعمر : هذا شئ تقوله برأيك أم شئ سمعته
من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ، بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 223 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وسلم . انتهى .
والرواية تدل على أن الخليفة تفرد بهذه الرواية من دون الصحابة الحاضرين في
ذلك المجلس الرسمي الذي كان يجلسه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنهم تعجبوا لأنهم لم
يسمعوا ذلك ، وتجرؤوا أن يسألوا عمر رغم سطوته ، فأكد لهم أنه سمع ذلك !
المؤشر الثاني : يشير إلى أن الحادثة قضية شخصية في جنازة أشخاص معينين
في زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وليست قاعدة كلية لكل جنازة . .
فقد روى الحاكم في ج 1 ص 377 : عن أنس قال كنت قاعدا مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فمر
بجنازة فقال : ما هذه الجنازة ؟ قالوا جنازة فلان الفلاني كان يحب الله ورسوله ويعمل
بطاعة الله ويسعى فيها ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : وجبت وجبت وجبت . ومر بجنازة
أخرى قالوا جنازة فلان الفلاني كان يبغض الله ورسوله ويعمل بمعصية الله ويسعى
فيها ، فقال : وجبت وجبت وجبت . فقالوا يا رسول الله قولك في الجنازة والثناء
عليها ؟ أثني على الأول خير وعلى الآخر شر فقلت فيها وجبت وجبت وجبت ؟
فقال : نعم يا أبا بكر إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير
والشر . هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذا اللفظ . انتهى .
فلو صح الحديث لكان معناه أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) شهد ، بما عرفه الله تعالى ، بأن
الملائكة نطقت على ألسنة أولئك المادحين والذامين . . وليس معناه أن الملائكة
تنطق دائما على ألسنة المسلمين .
المؤشر الثالث : يدل على أن الخصوصية للشاهد أو الشافع في الجنازة . . ففي
مستدرك الحاكم ج 2 ص 268 : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كنت مع
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في جنازة فينا في بني سلمة وأنا أمشي إلى جنب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال
رجل : نعم المرء ما علمنا إن كان لعفيفا مسلما إن كان . . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنت
الذي تقول ؟ قال يا رسول الله ذاك بدا لنا والله أعلم بالسرائر . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
وجبت . قال وكنا معه في جنازة رجل من بني حارثة أو من بني عبد الأشهل ، فقال
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 224 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رجل : بئس المرء ما علمنا إن كان لفظا غليظا إن كان . . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنت
الذي تقول ؟ قال يا رسول الله الله أعلم بالسرائر فأما الذي بدا لنا منه فذاك . فقال
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : وجبت . ثم تلا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا
شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا . هذا حديث صحيح الإسناد ولم
يخرجاه ، إنما اتفقا على وجبت فقط . انتهى .
فقد أكد النبي ( صلى الله عليه وآله ) على شخص القائل الذي لم تسمه الرواية فقال له : أنت الذي
تقول ذلك وتشهد بهذه الشهادة لهذا الميت ؟ فقال نعم إني أشهد حسب ظاهر
حاله . فقال النبي إن الجنة قد وجبت له بشهادة ذلك الرجل ، أو إن شهادته طابقت
الواقع كما أوحى الله إلى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، فيحتمل أن تكون القضية شخصية كما في
الرواية السابقة ، وإذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال ، ولم يبق يقين بأنها قاعدة عامة .
المؤشر الرابع : أنه توجد أحاديث معارضة تجعل دعاء مئة مسلم موحد أو
أربعين بالشفاعة للميت موجبا للأمل بأن الله تعالى يشفعهم فيه ويدخله الجنة . . وقد
روت الصحاح رواية المئة ، ورواية الأربعين ، وفي بعض رواياتها ثلاثة صفوف ، وأمة
من الناس ، ونحوها . . الأمر الذي يدل على أن وجود كثرة من المسلمين المؤمنين
يصلون على جنازة الميت أو يدعون له ، أمر مفيد له ، وأن الله تعالى قد يستجيب
دعاءهم . . ولكن ليس في هذه الأحاديث تلك الحتمية و ( الأتوماتيكية ) التي في
أحاديث ( وجبت وجبت ) المتقدمة !
- ففي صحيح مسلم ج 3 ص 52 عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من
ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له ، إلا شفعوا فيه .
انتهى وفي رواية أخرى : أربعون . ورواه في سنن البيهقي ج 3 ص 180 - 181 .
- وفي سنن ابن ماجة ج 1 ص 477 :
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من صلى عليه مائة من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 225 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المسلمين غفر له . في الزوائد : قد جاء عن عائشة في الترمذي والنسائي مثله . وإسناده
صحيح ورجاله رجال الصحيحين . انتهى . وما ذكره موجود في سنن الترمذي ج 2 ص 247
وفي سنن النسائي ج 4 ص 75 بصيغة مائة وأمة من الناس ) .
- وفي فردوس الأخبار ج 4 ص 329 ح 6496 :
أنس وعائشة : ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغوا أن يكونوا مائة
يشفعون له إلا شفعوا فيه .
- وفي ص 371 ح 6609 : أبو هريرة : ما صف قوم صفوفا ثلاث على ميت فيستغفرون
له إلا شفعوا .
- وروى ابن ماجة في سننه ج 1 ص 477 :
عن كريب مولى عبد الله بن عباس قال : هلك ابن لعبد الله بن عباس فقال لي : يا
كريب قم فانظر هل اجتمع لابني أحد ؟ فقلت نعم . فقال ويحك كم تراهم أربعين ؟
قلت : لا ، بل هم أكثر . قال : فاخرجوا بابني فأشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول : ما من أربعين من مؤمن يشفعون لمؤمن ، إلا شفعهم الله .
- وروى ذلك أحمد بشروط أشد قال في ج 1 ص 277 :
عن كريب مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس أنه مات ابن له بقديد أو بعسفان
فقال : يا كريب أنظر ما اجتمع له من الناس ؟ قال فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له
فأخبرته ، قال يقول هم أربعون ؟ قال نعم ، قال أخرجوه فإني سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول : ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله
شيئا ، إلا شفعهم الله فيه . ورواها الديلمي في فردوس الأخبار ج 4 ص 318 ح 6469 .
المؤشر الخامس : يشير إلى احتمال اختلاط الحديث بغيره . .
- ففي مسند أحمد ج 3 ص 303 عن جابر قال : قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من كن له ثلاث بنات يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن ، وجبت له الجنة البتة . قال قيل يا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 226 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رسول الله فإن كانت اثنتين ؟ قال : وإن كانت اثنتين . قال فرأى بعض القوم أن لو قالوا
له واحدة لقال واحدة . انتهى .
- وفي مسند أحمد ج 4 ص 212 :
عن الحرث بن أقيش قال : كنا عند أبي برزة ليلة فحدث ليلتئذ عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال : ما من مسلمين يموت لهما أربعة أفراط ، إلا أدخلهما الله الجنة
بفضل رحمته . قالوا يا رسول الله وثلاثة ؟ قال : وثلاثة . قالوا : واثنان ؟ قال : واثنان .
انتهى .
فيحتمل أن يكون الأمر اشتبه على الخليفة فجعل أجر ( وجبت الجنة ) لمن ربى
ثلاث بنات أو اثنتين - جعله لمن شهد ثلاثة أو اثنان على جنازته ، لتشابه العدد فيهما
ووحدة التعبير ب‍ ( وجبت ) .
ولا يرد الإشكال على رواية تربية البنات تربية إسلامية كيف جعلت سببا قطعيا
لدخول الجنة ، لأنها تجعل الجزاء للأب أو الأم على عمل يقومان به ، بينما رواية
الشهادة للجنازة تجعل لصاحبها الجنة مجانا مهما كان فاجرا بمجرد قول غيره !
كما تجعل له النار مجانا بمجرد قول غيره ، مهما كان صالحا ! !
على أنه يمكن القول إن الله تعالى جعل ثواب تربية ثلاث بنات أو اثنتين الجنة
ليعالج مشكلة في مجتمع كانوا يئدون بناتهم ، وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه
مسودا وهو كظيم . . وأن هذا الثواب قد يشمل في عصرنا الأزواج الذين يئدون
أطفالهم بطرق أخرى ، خوفا من الفقر أو طلبا للراحة من الأطفال .
وفي أحاديث أهل البيت عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أن المسلمين قد سألوا النبي ( صلى الله عليه وآله )
عن تربية البنت الواحدة كما تقدم ، فقد روى في الكافي ج 6 ص 6 عن علي بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن عمر بن يزيد ، عن
أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 227 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وجبت له الجنة . فقيل : يا رسول الله واثنتين ؟ فقال : واثنتين . فقيل : يا رسول الله
وواحدة ؟ فقال : وواحدة . انتهى .
- وفي مسند أحمد ج 1 ص 223 :
عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ولدت له ابنة فلم
يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها يعني الذكر ، أدخله الله بها الجنة . انتهى .
والنتيجة : أن هذه المؤشرات تفتح باب البحث للشك في أحاديث ( وجبت
وجبت ) للجنازة ، وتضغط عليها لتكون منسجمة مع اليقينيات العقلية والشرعية غير
ناقضة لها .
وما دام الباب مفتوحا للتخلص من منطقها اليهودي ، فلا معنى للتشبث بها بحجة
الدفاع عن البخاري وعن الخليفة عمر ! !

رأي أهل البيت ( عليهم السلام ) في الشهادة للجنازة

لا أثر في أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) لروايات ( وجبت ) ولا لمنطقها ! بل نجد
الترغيب في الدعاء للميت والشفاعة به إلى الله تعالى ، والأمل بأن يستجيب الله
تعالى ويشمل هذا الميت برحمته . . كل ذلك على حسب قوانين الجزاء والشفاعة
التي يعلمها عز وجل بأصولها وتفاصيلها وتطبيقاتها ، ولا نعرف نحن منها إلا القليل .
- روى الكليني في الكافي ج 3 ص 188 :
عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن
غالب ، عن ثابت أبي المقدام قال : كنت مع أبي جعفر ( الباقر ) ( عليه السلام ) فإذا بجنازة لقوم
من جيرته فحضرها وكنت قريبا منه ، فسمعته يقول : اللهم إنك أنت خلقت هذه
النفوس وأنت تميتها وأنت تحييها ، وأنت أعلم بسرائرها وعلانيتها منا ومستقرها
ومستودعها . اللهم وهذا عبدك ولا أعلم منه شرا وأنت أعلم به ، وقد جئناك
شافعين لبعد موته فإن كان مستوجبا فشفعنا فيه واحشره مع من كان يتولاه . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 228 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ونحوه في الكافي ج 3 ص 185 ، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ج 3 ص 196 ورواه
الحر العاملي في وسائل الشيعة ج 2 ص 237
وينبغي الالتفات إلى عبارة ( فإن كان مستوجبا فشفعنا فيه ) فهي تدل على وجود
قانون استحقاق الشفاعة وعدم استحقاقها . وعبارة ( واحشره مع من كان يتولاه )
التي تدل على قانون ( يوم ندعو كل أناس بإمامهم ) وهما قانونان مترابطان .
أما منطق ( وجبت ) فيقول لو كان الميت فاجرا مثل فرعون ومدح جنازته
شخصان ، لوجب أن يصير من أهل الجنة ويحشر يوم القيامة إلى جنب الأنبياء ( عليهم السلام ) !
- هذا ، وقد روى في الكافي رواية صحيحة طريفة تتضمن أضواء مهمة على قانون
الشفاعة قال في ج 3 ص 187
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبي ،
عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن كان مستضعفا فقل : اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا
سبيلك وقهم عذاب الجحيم ، وإذا كنت لا تدري ما حاله فقل : اللهم إن كان يحب
الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ، وإن كان المستضعف منك بسبيل
فاستغفر له على وجه الشفاعة لا على وجه الولاية . انتهى .
وروى في نفس الصفحة عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أيضا قال : الترحم على جهتين :
جهة الولاية وجهة الشفاعة . ورواه في وسائل الشيعة ج 2 ص 237 .
ففي هذا الرواية منطق دقيق في التعامل مع الميت والشهادة له . . إن كنت لا
تدري ما حاله ، أو كان مستضعفا فكريا لا يعرف الحق من الباطل ، أو كان معاندا
يعرف الحق وينكره . . أو كان ممن يبغض أهل البيت ( عليهم السلام ) وينصب العداوة لهم . .
وادع له على نحو الولاية ووحدة الإمام الذي ستدعى أنت وإياه به يوم القيامة ، أو
على جهة الشفاعة لأرحامك إن لم يكن عارفا بحق أهل بيت نبيه . . إلى آخر النقاط
المنسجمة مع اليقينيات العقلية والشرعية .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 229 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قد يقال : يوجد في روايات أهل البيت ( عليهم السلام ) شبيه لرواية ( وجبت )
- فقد روى الكليني في الكافي ج 3 ص 173 عن أبي علي الأشعري ، عن محمد بن عبد
الجبار ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن ميسر قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام )
يقول : من تبع جنازة مسلم أعطي يوم القيامة أربع شفاعات ولم يقل شيئا إلا وقال
الملك : ولك مثل ذلك . انتهى .
ورواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 161 والشيخ في تهذيب الأحكام ج 1 ص
455 والحر في وسائل الشيعة ج 2 ص 288 وقال : ورواه في المجالس عن محمد بن
الحسن عن الصفار عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علي بن فضال . ورواه الشيخ
بإسناده عن أبي علي الأشعري مثله . انتهى .
ولكن الفرق كبير بين رواية تعطي حق الشفاعة لشخص على عمل يقوم به ، وبين
رواية تعطي الجنة أو النار مجانا بكلمة يقولها شخص أو اثنان بعد موته ! !
وقد وجدنا في مصادر إخواننا السنيين رواية شبيهة بما مصادرنا في الدعاء
للميت في الصلاة على جنازته رواها أحمد في مسنده ج 2 ص 256 قال : سمعت أبا
هريرة ومر عليه مروان فقال : بعض حديثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو
حديثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ثم رجع ، فقلنا الآن يقع به قال : كيف
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الجنائز ؟ قال سمعته يقول : أنت
خلقتها وأنت رزقتها وأنت هديتها للإسلام ، وأنت قبضت روحها تعلم سرها
وعلانيتها ، جئنا شفعاء فاغفر لها . انتهى .
* *

النوع الثاني : شفاعة النبي للظالمين من الأمة

قال الله تعالى : والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن
الله بعباده لخبير بصير . ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 230 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ، ذلك هو الفضل الكبير . جنات عدن
يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير . وقالوا الحمد
لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور . الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا
يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب . فاطر - 31 - 35 .
اتفق الجميع على أن موضوع الآية : الذين اصطفاهم الله تعالى وأورثهم الكتاب
بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بقرينة أن السياق قبلها عن الكتاب الموحى إلى نبينا ( صلى الله عليه وآله ) .
واتفقوا على أن الأقسام الثلاثة للذين اصطفاهم هم من أهل الجنة بدليل السياق
حيث انتقل الكلام بعد المصطفين إلى الكافرين .
والذي يتصل بموضوعنا من ذلك تعيين هؤلاء المصطفين ورثة الكتاب الإلهي . .
فقد ذهب السنيون إلى أنهم جميع المسلمين ، وأنهم جميعا في الجنة إما
بالاستحقاق أو بالشفاعة .
ومذهبنا أن هؤلاء المصطفين ورثة الكتاب هم ذرية النبي ( صلى الله عليه وآله ) من ابنته فاطمة ( عليها السلام )
وأن السابقين بالخيرات منهم هم الأئمة المعصومون ( عليهم السلام ) والمقتصدين أتباعهم ،
والظالمين لأنفسهم مخالفوهم . . وفيما يلي تفصيل هذه الآراء :

قال كعب الأحبار هم جميع المسلمين وهم في الجنة

الظاهر أن أقدم القائلين بهذا الرأي كعب الأحبار وأنه اعتمد على استنتاجه
الشخصي وليس على رواية عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقد قال السيوطي في الدر المنثور ج 5
ص 252 : وأخرج عبد بن حميد عن صالح أبي الخليل قال قال كعب : يلومني أحبار
بني إسرائيل أني دخلت في أمة فرقهم الله ثم جمعهم ثم أدخلهم الجنة ! ثم تلا هذه
الآية : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ، حتى بلغ جنات عدن يدخلونها
قال قال : فأدخلهم الله الجنة جميعا .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عبد الله بن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 231 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الحارث أن ابن عباس سأل كعبا عن قوله : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من
عبادنا . . الآية ، قال : نجوا كلهم . ثم قال : تحاكت مناكبهم ورب الكعبة ثم أعطوا
الفضل بأعمالهم .
- وفي تفسير الطبري ج 22 ص 88 ، عن كعب :
إن الظالم لنفسه من هذه الأمة والمقتصد والسابق بالخيرات كلهم في الجنة ، ألم
تر أن الله قال : ثم أورثنا الكتاب الذي اصطفينا . . . الخ . وروى أيضا بعض ما تقدم في
الدر المنثور .

وقال الخولاني إنه قرأ ذلك في كتب اليهود

- قال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 252 :
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مسلم الخولاني قال : قرأت في كتاب الله أن هذه
الأمة تصنف يوم القيامة على ثلاثة أصناف : صنف منهم يدخلون الجنة بغير
حساب ، وصنف يحاسبهم الله حسابا يسيرا ويدخلون الجنة ، وصنف يوقفون
ويؤخذ منهم ما شاء الله ، ثم يدركهم عفو الله وتجاوزه .

عائشة وعثمان يوافقان كعبا على تفسيره

- روى الحاكم أن عائشة وافقت كعبا على تفسيره قال في المستدرك ج 2 ص 426 :
عقبة بن صهبان الحراني قال : قلت لعائشة رضي الله عنها : يا أم المؤمنين أرأيت
قول الله عز وجل : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه
ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ؟ فقالت عائشة
رضي الله عنها : أما السباق فمن مضى في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فشهد له بالحياة
والرزق . وأما المقتصد فمن اتبع آثارهم فعمل بأعمالهم حتى يلحق بهم . وأما الظالم
لنفسه فمثلي ومثلك ومن اتبعنا ، وكل في الجنة ! ! صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
انتهى . ورواه في مجمع الزوائد ج 7 ص 96 . وقال عنه السيوطي في الدر المنثور ج 5
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 232 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ص 251 : وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم
وابن مردويه عن عقبة بن صهبان قلت لعائشة . . . الخ .
- وروى السيوطي في الدر المنثور أن الخليفة عثمان أيضا وافق كعبا على تفسيره
قال في ج 5 ص 252 :
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه
عن عثمان بن عفان أنه نزع بهذه الآية قال : إن سابقنا أهل جهاد ، ألا وإن مقتصدنا
ناج أهل حضرنا ، ألا وإن ظالمنا أهل بدونا . انتهى . ورواه في كنز العمال ج 2 ص 485
وواضح من الروايتين أن عائشة وعثمان اعتمدا على كعب الأحبار ، أو على
فهمهما للآيات ، ولم يذكرا رواية عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

الحسن البصري يرد تفسير كعب الأحبار

- قال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 252 :
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن كعب الأحبار
أنه تلا هذه الآية : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ، إلى قوله لغوب ، قال :
دخلوها ورب الكعبة . وفي لفظ قال : كلهم في الجنة ، ألا ترى على أثره والذين كفروا
لهم نار جهنم ، فهؤلاء أهل النار . فذكر ذلك للحسن فقال : أبت ذلك عليهم الواقعة ! .
وأخرج عبد بن حميد عن كعب في قوله : جنات عدن يدخلونها قال : دخلوها ورب
الكعبة ، فأخبر الحسن بذلك فقال : أبت والله ذلك عليهم الواقعة . انتهى .
ويقصد الحسن البصري بذلك أن التقسيم الثلاثي للناس الذي ورد في سورة
الواقعة يرد تفسير كعب وهو قوله تعالى : وكنتم أزواجا ثلاثة . فأصحاب الميمنة ما
أصحاب الميمنة . وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة . والسابقون السابقون .
أولئك المقربون . الواقعة 7 - 11 .
وكلام البصري قوي لأن الخطاب عنده في الآية للمسلمين ، ولو كان المقصود
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 233 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بالمصطفين الذين أورثهم الله الكتاب كل المسلمين لكانوا جميعا من أهل الجنة ،
ولما بقي معنى لتقسيمات القرآن لهم في سورة الواقعة إلى أصحاب يمين وشمال
وسابقين . فهذا التقسيم يدل على أن من المسلمين من يدخل النار .
وإن ناقشنا في استدلال الحسن البصري ، فتدل على رأيه الأحاديث والأدلة
المتقدمة في الرد على مذاهب توسيع الشفاعة !

الخليفة عمر يميل إلى تفسير كعب

- روى السيوطي في الدر المنثور عن الخليفة عمر أنه خالف تفسير كعب الأحبار ، وأن
رأيه كان كما قال الحسن البصري . . قال في ج 5 ص 252 :
وأخرج ابن مردويه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله فمنهم ظالم
لنفسه قال : الكافر . انتهى .
ويحتمل أن تكون هذه الرواية تفسيرا للآية 32 من سورة لقمان وهي قوله تعالى :
وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم
مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور . ولكنها على أي حال تنطبق على
موضوعنا لأنها تفسر معنى ( الظالم لنفسه ) .
ولكن من البعيد أن تصح هذه الرواية ، لأنه ورد عن عمر أنه كان يردد تفسير
كعب ، إلا أن نقول إنه كان يفسرها بذلك قبل أن يسمع تفسيرها من كعب !
- قال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 252 :
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي في البعث عن عمر
بن الخطاب أنه كان إذا نزع بهذه الآية قال : ألا إن سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا
مغفور له . انتهى . ( والشوكاني في فتح القدير ج 4 ص 441 ، ورواه في كنز العمال ج 2 ص
485 .
وقال في هامشه : نزع بهذه الآية . . . ومنه الحديث : لقد نزعت بمثل ما في التوراة ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 234 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أي : جئت بما يشبهها ا ه‍ . قلت : فكأن أمير المؤمنين عمر ( رضي الله عنه ) يأتي برأيه بما يشبه
ظاهر الآية ، ولا عجب فقد نزلت آيات توافق رأيه . انتهى .
غير أن معنى نزع بالآية : شرع فيها فقرأها أو فسرها ، لا أنه أتى بشبيهها ، كما زعم
مهمش كنز العمال ، وأين الشبيه الذي أتى به عمر !
وغرضنا هنا تفسير عمر للآية بأن الظالم مغفور له ، وهو مؤشر على أنه قبل تفسير
كعب بأن المقصود بالآية كل المسلمين .
وتوجد رواية نقلها السيوطي قد يفهم منها أن عمر روى ذلك عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
- قال في الدر المنثور ج 5 ص 252 :
وأخرج العقيلي وابن هلال وابن مردويه والبيهقي من وجه آخر عن عمر بن الخطاب
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا
مغفور له ، وقرأ عمر : فمنهم ظالم لنفسه الآية . انتهى .
وروى السيوطي نحوها عن أنس ، ورواها في كنز العمال ج 2 ص 10 وفي ص 485 عن
عمر وأضاف إلى رواتها : الديلمي في الفردوس والبيهقي في البعث والنشور . انتهى .
ولكن عمر لم يصرح فيها بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يقصد كل الأمة ، فقد يكون ( صلى الله عليه وآله ) قصد
بقوله : سابقنا ومقتصدنا وظالمنا ، ذريته وأهل بيته الذين أورثهم الله الكتاب كما
أورثه آل إبراهيم وآل عمران ، من نوع قوله ( صلى الله عليه وآله ) : المهدي منا ، بنا فتح الله وبنا يختم ،
وشهيدنا خير الشهداء . . الخ . وهو في كلامه كثير ( صلى الله عليه وآله ) .
وعلى هذا الاحتمال يبطل الاستدلال بأن المقصود بورثة الكتاب كل الأمة ، لأنه
يحتمل أن يكونوا بعضها . . خاصة بعد أن نصت أن بعض الأحاديث على أنهم بعض
الأمة وليس كلها :
- قال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 251 :
وأخرج الطبراني والبيهقي في البعث عن أسامة بن زيد ( رضي الله عنه ) : فمنهم ظالم لنفسه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 235 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
كلهم من هذه الأمة ، وكلهم في الجنة . انتهى . ونقله في كنز العمال ج 2 ص 486 .
ويؤيد ذلك ما رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 96 عن أسامة بن زيد قال :
فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ، الآية ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : كلهم من
هذه الأمة . رواه الطبراني وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو سئ الحفظ .
انتهى .
وتعبير كلهم من الأمة يدل على أنهم ليسوا كل الأمة ، ويكون هذا الحديث من ابن
أبي ليلى السئ الحفظ على حد تعبير الهيثمي معقولا أكثر من كلام غيره !
* *
إلى هنا يبدو أنه لا مشكلة في تفسير ورثة الكتاب ببعض الأمة وهم ذرية النبي
( صلى الله عليه وآله ) . . وأن هؤلاء الذرية كلهم مقبولون بشرط أن لا يدعوا الناس إلى أنفسهم كما
سيأتي ، وأن الذين يمثلون خط جدهم هم السابقون منهم صلى الله عليه وعليهم .
لكن تبقى مجموعة روايات في مصادر السنيين تؤكد على تفسير كعب وتنسبه
إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! لكنها تصطدم بسورة الواقعة على حد قول الحسن البصري ، كما
تصطدم بحكم العقل والأدلة المتقدمة التي لا تسمح بالقول إن كل مسلم في الجنة ! !
وأول سؤال عن هذه الروايات : أين كانت عندما فسر كعب وعائشة وعثمان وعمر
آيات ورثة الكتاب الإلهي ، وكانت موضوعا مهما يطرحه كعب الأحبار مع اليهود ،
ويطرحه الخليفة عمر في مجلسه أو على منبر الجمعة ؟ !
إن عدم احتجاج أحد بها ، يوجب الشك في سندها ، أو القول بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان
يتحدث عن اصطفاء الله تعالى لذريته من أولاد فاطمة وورثة خطه في الأمة ( عليهم السلام )
وقال كلهم من هذه الأمة ، فرواها الراوي ( كل هذه الأمة ) ويوجد لذلك نظائر ! فكم
من ميزة للعترة الطاهرة جعلت بسبب بساطة الرواة ، لكل الأمة !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 236 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومما يؤيد ذلك وجود روايات مترددة في جعل هؤلاء المصطفين مجموع الأمة . .
- كالذي رواه أحمد ج 3 ص 78 : عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد
ومنهم سابق بالخيرات ، قال : هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة ، وكلهم في الجنة ! ورواه
الترمذي في ج 5 ص 41 وقال ( هذا حديث غريب حسن ) ورواه في الدر المنثور ج 5
ص 251 عن الطيالسي وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن
أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري . . . انتهى .
- وقريب منه ما رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 10 ص 378 والطبراني كما في الدر
المنثور ج 5 ص 252 عن ابن عباس ، وكذا شهادة البراء بن عازب التي نقلها الهيثمي
عن سعيد بن منصور ، والبيهقي في البعث وجاء فيها ( أشهد على الله أنه يدخلهم
الجنة جميعا ) .
فكل هذه الروايات تنص على أنهم من أهل الجنة ، وأنهم من هذه الأمة لا كلها . .
الأمر الذي يوجب الشك في تعبير أنهم : كل الأمة !
هذا ، وقد ارتكب الحاكم خطأ في ميله إلى تصحيح حديث نسبوه إلى أبي الدرداء في
تفسير الآية يقول إن الظالمين من المسلمين يحاسبون حسابا يسيرا ثم يدخلون الجنة
بالشفاعة !
- قال في المستدرك ج 2 ص 426 :
عن أبي الدرداء ( رضي الله عنه ) قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول في قوله عز وجل : فمنهم
ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ، قال : السابق والمقتصد يدخلان
الجنة بغير حساب ، والظالم لنفسه يحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة . ثم قال
الحاكم : وقد اختلفت الروايات عن الأعمش في إسناد هذا الحديث فروي عن
الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي ثابت ، عن أبي الدرداء ( رضي الله عنه ) ، وقيل عن شعبة ، عن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 237 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الأعمش ، عن رجل من ثقيف ، عن أبي الدرداء . وقيل ، عن الثوري أيضا ، عن
الأعمش قال : ذكر أبو ثابت ، عن أبي الدرداء . وإذا كثرت الروايات في الحديث ظهر
أن للحديث أصلا . انتهى .
وحسب ما ذكره السيوطي فقد ارتكب البيهقي نفس الخطأ أيضا قال في الدر
المنثور ج 5 ص 251 : وأخرج الفريابي وأحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر
وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي عن أبي الدرداء . . . ثم قال
السيوطي : قال البيهقي : إن كثرت الروايات في حديث ظهر أن للحديث أصلا .
والخطأ هو تطبيق قاعدة أن ( كثرة الروايات في إسناد حديث تدل على أن له
أصلا ) على هذا الحديث الذي نسب بثلاث نسب إلى أبي الدرداء كلها بلفظ قيل ،
وإحداها عن رجل من ثقيف عن أبي الدرداء ، أو رجل لم يسم ! فهذا ليست كثرة
إسناد ، بل كثرة تردد في الإسناد وعدم قطع به ، وكثرة الاحتمالات من هذا النوع
ككثرة أسماء السنور لا تزيد في قيمته !
وقد كان الهيثمي أدق من الحاكم عندما علق صحة الحديث على احتمال أن
يكون الرجل المجهول ابن عمير فقال في مجمع الزوائد ج 7 ص 96 : رواه الطبراني عن
الأعمش عن رجل سماه ، فإن كان هو ثابت بن عمير الأنصاري كما تقدم عند أحمد
فرجال الطبراني رجال الصحيح . انتهى .
وقصده بما تقدم ما ذكره في نفس المجلد ص 95 حيث قال ( رواه أحمد بأسانيد رجال
أحدها رجال الصحيح ، وهي هذه إن كان علي بن عبد الله الأزدي سمع من أبي
الدرداء فإنه تابعي ) انتهى .
فأين كثرة الأسانيد إلى أبي الدرداء ! بل أين السند الواحد القطعي !
وأخيرا ، نلاحظ في بعض روايات تفسير الآية بكل الأمة ضعفا لا يتفق مع بلاغة
الحديث النبوي وقوة منطقه ، كحديث عوف بن مالك الذي سيأتي في نظرية الفداء
المزعومة من النار .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 238 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

قال أهل البيت ( عليهم السلام ) لا يمكن أن تشمل الآية كل الأمة

- الإعتقادات للصدوق ص 87 :
وسئل الصادق ( عليه السلام ) عن قول الله عز وجل : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من
عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ، قال :
الظالم لنفسه هنا من لم يعرف حق الإمام ، والمقتصد من عرف حقه ، والسابق
بالخيرات بإذن الله هو الإمام .
وسأل إسماعيل أباه الصادق ( عليه السلام ) قال : ما حال المذنبين منا ؟ فقال ( عليه السلام ) : ليس
بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ، من يعمل سوء يجز به ولا يجد له من دون الله وليا
ولا نصيرا .
- الإحتجاج ج 2 ص 301 :
وعن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن هذه الآية : ثم أورثنا الكتاب
الذين اصطفينا من عبادنا ؟ قال : أي شئ تقول ؟ قلت : إني أقول إنها خاصة لولد
فاطمة . فقال ( عليه السلام ) : أما من سل سيفه ودعا الناس إلى نفسه إلى الضلال من ولد فاطمة
وغيرهم فليس بداخل في الآية ، قلت : من يدخل فيها ؟ قال : الظالم لنفسه الذي لا
يدعو الناس إلى ضلال ولا هدى ، والمقتصد منا أهل البيت هو العارف حق الإمام ،
والسابق بالخيرات هو الإمام .
- بصائر الدرجات ص 44 :
حدثنا أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى
الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن ميسر ، عن سورة بن كليب ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أنه قال
في هذه الآية : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا . . الآية ، قال : السابق
بالخيرات الإمام فهي في ولد علي وفاطمة ( عليهم السلام ) .
- شرح الأخبار ج 2 ص 505 :
حماد بن عيسى بإسناده ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ( عليه السلام ) أنه سئل عن قول
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 239 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الله عز وجل : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ، ومنهم
مقتصد ومنهم سابق بالخيرات . قال : فينا أنزلت أورث الله عز وجل الكتاب الأئمة
منا ، وقوله : فمنهم ظالم لنفسه يعني منهم من لا يعرف إمام زمانه ولا يأتم به فهو
ظالم لنفسه بذلك ، وقوله : ومنهم مقتصد ، يعني من هو منهم في النسب ممن عرف
إمام زمانه وائتم به واتبعه فاقتصد سبيل ربه بذلك ، والسابق بالخيرات هو الإمام منا .
- شرح الأخبار ج 3 ص 472 :
الرازي قال : قال أبو جعفر محمد بن علي ( عليه السلام ) : ما يقول من قبلكم في هذه الآية :
ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم
سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها . . . ؟ قال قلت
يقولون : نزلت في أهل القبلة . قال : كلهم ؟ ! قلت كلهم . قال فينبغي أن يكونوا قد
غفر لهم كلهم ؟ ! قلت : يا بن رسول الله فيمن نزلت ؟ قال : فينا . قلت : فما لشيعتكم ؟
قال : لمن اتقى وأصلح منهم الجنة ، بنا يغفر الله ذنوبهم ، وبنا يقضي ديونهم ، ونحن
باب حطتهم كحطة بني إسرائيل .
- الثاقب في المناقب ص 566 :
وعنه قال : كنت عند أبي محمد ( عليه السلام ) فسألته عن قول الله تعالى : ثم أورثنا الكتاب
الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات
بإذن الله ؟ فقال ( عليه السلام ) : كلهم من آل محمد ( عليهم السلام ) الظالم لنفسه الذي لا يقر بالإمام ،
والمقتصد العارف بالإمام والسابق بالخيرات بإذن الله : الإمام .
- البحار ج 23 ص 218 :
روى السيد ابن طاووس في كتاب سعد السعود من تفسير محمد بن العباس بن
مروان قال : حدثنا علي بن عبد الله بن أسد ، عن إبراهيم بن محمد ، عن عثمان بن
سعيد ، عن إسحاق بن يزيد الفراء ، عن غالب الهمداني ، عن أبي إسحاق السبيعي
قال : خرجت حاجا فلقيت محمد بن علي فسألته عن هذه الآية : ثم أورثنا الكتاب . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 240 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الآية ؟ فقال : ما يقول فيها قومك يا أبا إسحاق ؟ يعني أهل الكوفة ، قال : قلت
يقولون إنها لهم ، قال : فما يخوفهم إذا كانوا من أهل الجنة ؟ ! قلت : فما تقول أنت
جعلت فداك ؟ فقال : هي لنا خاصة يا أبا إسحاق ، أما السابق بالخيرات فعلي بن أبي
طالب والحسن والحسين والشهيد منا أهل البيت ، وأما المقتصد فصائم بالنهار وقائم
بالليل ، وأما الظالم لنفسه ففيه ما جاء في التائبين وهو مغفور له .
يا أبا إسحاق بنا يفك الله عيوبكم ، وبنا يحل الله رباق الذل من أعناقكم ، وبنا
يغفر الله ذنوبكم ، وبنا يفتح الله وبنا يختم لا بكم ، ونحن كهفكم كأصحاب الكهف ،
ونحن سفينتكم كسفينة نوح ، ونحن باب حطتكم كباب حطة بني إسرائيل .
- وقال ابن شعبة الحراني في تحف العقول ص 425 :
لما حضر علي بن موسى ( عليهما السلام ) مجلس المأمون وقد اجتمع فيه جماعة علماء أهل
العراق وخراسان . فقال المأمون : أخبروني عن معنى هذه الآية : ثم أورثنا الكتاب
الذين اصطفينا من عبادنا . . الآية ؟
فقالت العلماء : أراد الله الأمة كلها .
فقال المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ؟
فقال الرضا ( عليه السلام ) : لا أقول كما قالوا ولكن أقول : أراد الله تبارك وتعالى بذلك العترة
الطاهرة ( عليهم السلام ) .
فقال المأمون : وكيف عنى العترة دون الأمة ؟
فقال الرضا لنفسه : ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل
الكبير . ثم جعلهم كلهم في الجنة فقال عز وجل : جنات عدن يدخلونها ، فصارت
الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم . ثم قال الرضا ( عليه السلام ) : هم الذين وصفهم الله في كتابه
فقال : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ، وهم الذين
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا
حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، يا أيها الناس لا تعلموهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 241 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فإنهم أعلم منكم .
قالت العلماء : أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة هم الآل أو غير الآل ؟
فقال الرضا ( عليه السلام ) : هم الآل .
فقالت العلماء : فهذا رسول الله يؤثر عنه أنه قال : أمتي آلي ، وهؤلاء أصحابه
يقولون بالخبر المستفيض ( ! ! ) الذي لا يمكن دفعه : آل محمد أمته !
فقال الرضا ( عليه السلام ) : أخبروني هل تحرم الصدقة على آل محمد ؟
قالوا : نعم .
قال ( عليه السلام ) : فتحرم على الأمة ؟
قالوا : لا .
قال ( عليه السلام ) : هذا فرق بين الآل وبين الأمة ، ويحكم أين يذهب بكم أصرفتم عن
الذكر صفحا أم أنتم قوم مسرفون ، أما علمتم أنما وقعت الرواية في الظاهر على
المصطفين المهتدين دون سائرهم !
قالوا : من أين قلت يا أبا الحسن ؟
قال ( عليه السلام ) : من قول الله : لقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة
والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ، فصارت وراثة النبوة والكتاب في
المهتدين دون الفاسقين . أما علمتم أن نوحا سأل ربه فقال : رب إن ابني من أهلي
وإن وعدك الحق ، وذلك أن الله وعده أن ينجيه وأهله ، فقال له ربه تبارك وتعالى : إنه
ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون
من الجاهلين .
فقال المأمون : فهل فضل الله العترة على سائر الناس ؟
فقال الرضا ( عليه السلام ) : إن الله العزيز الجبار فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه .
قال المأمون : أين ذلك من كتاب الله ؟
قال الرضا ( عليه السلام ) : في قوله تعالى إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 242 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
على العالمين ذرية بعضها من بعض ، وقال الله في موضع آخر : أم يحسدون الناس
على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا
عظيما ، ثم رد المخاطبة في أثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال : يا أيها الذين آمنوا
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم يعني الذين أورثهم الكتاب والحكمة
وحسدوا عليهما بقوله : أم يحسدون الناس على ما آتيهم الله من فضله فقد آتينا آل
إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ، يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين ،
والملك هاهنا الطاعة لهم .
قالت العلماء : هل فسر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب ؟
فقال الرضا ( عليه السلام ) : فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعا .
فأول ذلك قول الله : وأنذر عشيرتك الأقربين ، وهذه منزلة رفيعة وفضل عظيم
وشرف عال حين عنى الله عز وجل بذلك الآل فهذه واحدة .
والآية الثانية في الاصطفاء قول الله : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيرا ، وهذا الفضل الذي لا يجحده معاند ، لأنه فضل بين .
والآية الثالثة ، حين ميز الله الطاهرين من خلقه أمر نبيه في آية الابتهال فقال : قل يا
محمد تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل
فنجعل لعنة الله على الكاذبين ، فأبرز النبي ( صلى الله عليه وآله ) عليا والحسن والحسين وفاطمة ( عليهم السلام )
فقرن أنفسهم بنفسه . فهل تدرون ما معنى قوله : وأنفسنا وأنفسكم ؟
قالت العلماء : عنى به نفسه .
قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : غلطتم ، إنما عنى به عليا ( عليه السلام ) ، ومما يدل على ذلك قول
النبي ( صلى الله عليه وآله ) حين قال : لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلا كنفسي ، يعني عليا ( عليه السلام ) .
فهذه خصوصية لا يتقدمها أحد ، وفضل لا يختلف فيه بشر ، وشرف لا يسبقه إليه
خلق ، إذ جعل نفس علي ( عليه السلام ) كنفسه ، فهذه الثالثة .
وأما الرابعة : فإخراجه الناس من مسجده ما خلا العترة ، حين تكلم الناس في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 243 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ذلك وتكلم العباس فقال : يا رسول الله تركت عليا وأخرجتنا ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما
أنا تركته وأخرجتكم ، ولكن الله تركه وأخرجكم . وفي هذا بيان قوله لعلي ( عليه السلام ) : أنت
مني بمنزلة هارون من موسى .
قالت العلماء : فأين هذا من القرآن ؟
قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : أوجدكم في ذلك قرآنا أقرؤه عليكم .
قالوا : هات .
قال ( عليه السلام ) : قول الله عز وجل : وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر
بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة ، ففي هذه الآية منزلة هارون من موسى ، وفيها أيضا منزلة
علي ( عليه السلام ) عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . ومع هذا دليل ظاهر في قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين قال :
إن هذا المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض إلا لمحمد وآل محمد ( صلى الله عليه وآله )
فقالت العلماء : هذا الشرح وهذا البيان لا يوجد إلا عندكم معشر أهل بيت
رسول الله !
قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : ومن ينكر لنا ذلك ؟ ! ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : أنا مدينة العلم
وعلي بابها فمن أراد مدينة العلم فليأتها من بابها ، ففيما أوضحنا وشرحنا من الفضل
والشرف والتقدمة والاصطفاء والطهارة ما لا ينكره إلا معاند ، ولله عز وجل الحمد
على ذلك . فهذه الرابعة .
وأما الخامسة ، فقول الله عز وجل : وآت ذا القربى حقه ، خصوصية خصهم الله
العزيز الجبار بها ، واصطفاهم على الأمة ، فلما نزلت هذه الآية على رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
قال : ادعوا لي فاطمة فدعوها له فقال : يا فاطمة ، قالت : لبيك يا رسول الله ، فقال :
إن فدكا لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وهي لي خاصة دون المسلمين . وقد
جعلتها لك لما أمرني الله به فخذيها لك ولولدك ، فهذه الخامسة .
وأما السادسة : فقول الله عز وجل : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى
فهذه خصوصية للنبي ( صلى الله عليه وآله ) دون الأنبياء ، وخصوصية للآل دون غيرهم . وذلك أن الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 244 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حكى عن الأنبياء في ذكر نوح ( عليه السلام ) : يا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله
وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون ، وحكى عن
هود ( عليه السلام ) قال : لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون ، وقال
لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى .
ولم يفرض الله مودتهم إلا وقد علم أنهم لا يرتدون عن الدين أبدا ولا يرجعون إلى
ضلالة أبدا . . . إلى آخر الحديث .
ورواه في بشارة المصطفى ص 228 وفي بحار الأنوار ج 25 ص 220
* *

النوع الثالث : نظرية فداء المسلمين باليهود والنصارى !

- روى مسلم في ج 8 ص 104 :
عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان يوم
القيامة دفع الله عز وجل إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فكاكك من النار ! !
ورواه ابن ماجة ج 2 ص 1434 عن أنس وزاد في أوله ( إن هذه الأمة مرحومة عذابها بأيديها
) وقال في هامشه : في الزوائد : له شاهد في صحيح مسلم من حديث أبي بردة بن أبي موسى
عن أبيه . وقد أعله البخاري .
- وقال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 251 :
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم : أمتي ثلاثة أثلاث ، فثلث يدخلون الجنة بغير حساب ، وثلث يحاسبون
حسابا يسيرا ثم يدخلون الجنة ، وثلث يمحصون ويكسفون ، ثم تأتي الملائكة
فيقولون وجدناهم يقولون لا إله إلا الله وحده فيقول الله : أدخلوهم الجنة بقولهم لا
إله إلا الله وحده واحملوا خطاياهم على أهل التكذيب ، وهي التي قال الله :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 245 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وتصديقا في التي ذكر الملائكة قال الله تعالى : ثم
أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فجعلهم ثلاثة أنواع فمنهم ظالم لنفسه ، فهذا
الذي يكسف ويمحص ، ومنهم مقتصد وهو الذي يحاسب حسابا يسيرا ، ومنهم
سابق بالخيرات فهو الذي يلج الجنة بغير حساب ولا عذاب بإذن الله ، يدخلونها
جميعا لم يفرق بينهم ، يحلون فيها من أساور من ذهب إلى قوله لغوب . انتهى .
ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 95 وقال : رواه الطبراني وفيه سلامة بن رونج وثقه
ابن حبان وضعفه جماعة وبقية رجاله ثقات .
- وقال النبهاني في جامع الثناء على الله ص 41 :
روى الإمام أحمد ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يجمع
الله الأمم في صعيد واحد يوم القيامة ، فإذا بدأ الله يصدع بين خلقه مثل لكل قوم ما
كانوا يعبدون فيتبعونه حتى يقحموهم النار ، ثم يأتينا ربنا عز وجل ونحن على مكان
رفيع فيقول : من أنتم ؟ فنقول : نحن المسلمون ، فيقول : ما تنتظرون ؟ فنقول : ننتظر
ربنا ! فيقول : وهل تعرفونه إن رأيتموه ؟ فنقول : نعم ، فيقول كيف تعرفونه ولم
تعرفوه ؟ فنقول : نعم ، إنه لا عدل له فيتجلى لنا ضاحكا ! ! فيقول : أبشروا يا معشر
الاسلام فإنه ليس منكم أحد إلا جعلت في النار يهوديا أو نصرانيا مكانه ! ! انتهى
وما ذكره النبهاني رواه أحمد في ج 4 ص 407 و 408 ورواه أيضا في ج 4 ص 391
و ص 398 و ص 402 و ص 410 بروايات متعددة ، وفي كنز العمال ج 1 ص 73 و ص 86
و ج 12 ص 159 و ص 170 - 172 و ج 4 ص 149 عن مصادر متعددة .
وما تدعيه هذه الروايات من رفع جرائم أحد ووضعها على ظهر أحد لا علاقة له
بجرمه . . أمر لا يقبله دين ولا عقل ، ويرده قوله تعالى ( لا تزر وازرة وزر أخرى ) .
أما الذين قال الله تعالى إنهم يحملون أثقالا مع أثقالهم ، فإنهم المضلون الذين
يحملون من أثقال الذين أضلوهم ، لأنهم شركاء في كفرهم ومعاصيهم ، ثم لا ينقص
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 246 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من أثقال الضالين شئ ، لا أن جرائمهم تسقط كما تدعي هذه الرواية ! !
والظاهر أن هذه المقولات ردة فعل من بعض المسلمين على زعم اليهود بأنهم لا
تمسهم النار إلا أياما معدودة ثم يخلفهم فيها المسلمون ، كما تقدم في فصل الشفاعة
عند اليهود ! فاخترع لهم أبو موسى الأشعري أو غيره نظرية فداء المسلم من النار
بيهودي أو نصراني ! كما يفعل المجرم الشاطر فيفدي نفسه من مشكلة تحصل له في
الدنيا بأن يجعلها في رقبة غيره زورا وبهتانا ! !

النوع الرابع : إسقاط المحرمات عن أهل بدر

- قال البخاري في صحيحه ج 5 ص 10 :
عن علي ( رضي الله عنه ) قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد والزبير وكلنا
فارس قال : إنطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من
حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين ، فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، فقلنا : الكتاب ! فقالت : ما معنا كتاب ! فأنخناها فالتمسنا
فلم نر كتابا ، فقلنا : ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لتخرجن الكتاب أو
لنجردنك ، فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته ،
فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : يا رسول الله قد خان الله
ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
ما حملك على ما صنعت ؟ قال حاطب : والله ما بي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله
صلى الله عليه وسلم أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي ،
وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله .
فقال : صدق ، ولا تقولوا له إلا خيرا ، فقال عمر : إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين
فدعني فلأضرب عنقه ، فقال : أليس من أهل بدر ؟ فقال : لعل الله اطلع على أهل
بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة ، أو فقد غفرت لكم . فدمعت عينا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 247 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عمر وقال : الله ورسوله أعلم . انتهى .
ورواه مسلم في صحيحه ج 7 ص 168 وقال ( وليس في حديث أبي بكر وزهير ذكر الآية
وجعلها إسحاق في روايته من تلاوة سفيان ) .
ورواه أبو داود في سننه ج 1 ص 597 و ج 2 ص 403 والترمذي ج 5 ص 83 والحاكم ج 3
ص 134 و ص 301 و ج 4 ص 77 والبيهقي في سننه ج 9 ص 146 والدارمي في ج 2 ص
313 ورواه أحمد في ج 1 ص 80 و ص 105 و ص 331 و ج 2 ص 109 و ص 295 . . . الخ .
- ورواه البخاري أيضا في مواضع عديدة أخرى وجدنا منها سبعة : في ج 4 ص 19 وقال بعده
( قال سفيان وأي إسناد هذا ! ) وفي ج 4 ص 39 وفي ج 5 ص 89 وفي ج 6 ص 60 وفيه ( قال
عمرو ونزلت فيه يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي عدوكم . قال لا أدري الآية في الحديث
أو قول عمرو ) وفي ج 7 ص 134 وفي ج 8 ص 55 .
والموضعان الآخران روى البخاري فيهما طعنا على علي ( عليه السلام ) قال في ج 4 ص 38 :
عن أبي عبد الرحمن وكان عثمانيا فقال لابن عطية وكان علويا : إني لأعلم ما الذي
جرأ صاحبك على الدماء ! سمعته يقول : بعثني النبي صلى الله عليه وسلم والزبير
فقال إئتوا روضة كذا وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا . . . فقال : وما يدريك لعل
الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم ! فهذا الذي جرأه . انتهى . وروى نحوه
في ج 8 ص 54 .
ومن الواضح أن البخاري أعجبه قول أبي عبد الرحمان العثماني حتى رواه
مرتين بدون تعليق !
وجوابه : أن عليا ( عليه السلام ) لم يكن يعتقد بهذه المقولة التي نسبوها إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن
أهل بدر . . وأن حروبه الداخلية الثلاثة على تأويل القرآن كانت بعهد معهود إليه من
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كما رواه البخاري نفسه وغيره !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 248 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بل ثبت عندنا أن كل مواقفه وأعماله كانت بعهد ووصية من النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وعلى فرض تسليمنا ما يراه البخاري ، فالسؤال موجه إليه : ما دام الذي جرأ عليا
( عليه السلام ) على سفك دماء المسلمين بزعمك ، أنه رفع القلم عن أهل بدر ، وأن عليا ( عليه السلام )
معذور لذلك !
فما هو عذر عدوه معاوية في خروجه على الخليفة الشرعي وقتاله إياه وسفكه
لدماء المسلمين ؟
وما عذرك في الدفاع عن معاوية وتوثيقه والرواية عنه ؟
إلا أن يكون البخاري قد عد معاوية بدريا لأنه شهدها مع أبيه أبي سفيان في
صف المشركين ! !
ومن أشرف المواقف السنية في هذا الموضوع موقف الحافظ ابن الجوزي ،
حيث رد مقولة المغفرة المطلقة لأهل بدر ، وفسرها بأنها مغفرة ما مضى من ذنوبهم
لا ما سيأتي ، ثم رد على رواية البخاري بقوله :
ثم دعنا من معنى الحديث ، كيف يحل لمسلم أن يظن في أمير المؤمنين علي
رضي الله عنه فعل ما لا يجوز اعتمادا منه على أنه سيغفر له ؟ ! حوشي من هذا ،
وإنما قاتل بالدليل المضطر له إلى القتال ، فكان على الحق ، ولا يختلف العلماء أن
عليا لم يقاتل أحدا إلا والحق مع علي ، كيف وقد قال رسول الله ( ص ) : اللهم أدر
الحق معه كيفما دار ! فقد غلط أبو عبد الرحمن غلطا قبيحا ، حمله عليه أنه كان
عثمانيا ! انتهى . ( الصحيح في السيرة ج 5 ص 141 عن صيد الخاطر ص 385 )
* *
وينبغي أن نشير أولا إلى أن ما رووه من قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) ( لعل الله اطلع على أهل
بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم ) معناه القطع
بذلك وليس الاحتمال والرجاء . . فعلى هذا تعامل العلماء السنيون مع الحديث ،
وقد صرح بالقطع واليقين حديث آخر رواه الحاكم وصححه قال في المستدرك ج 4
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 249 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ص 77 : عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : إن الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال :
اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا اللفظ
على اليقين ( إن الله اطلع عليهم فغفر لهم ) إنما أخرجاه على الظن وما يدريك لعل
الله تعالى اطلع على أهل بدر . انتهى .
وروى مفاده في دلائل النبوة للبيهقي ج 3 ص 153 قال : عن جابر بن عبد الله : أن
عبدا لحاطب بن بلتعة جاء إلى رسول الله يشكو حاطبا فقال : يا رسول الله ليدخلن
حاطب النار ! فقال رسول الله ( ص ) : جذبت ، لا يدخلها فإنه شهد بدرا والحديبية ! .
انتهى .
ولكن هذه الأحاديث الصحيحة عندهم بمقاييس الجرح والتعديل وأحكامه ،
يواجهها حكم العقل وآيات القرآن وأحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) القطعية المتفق عليها عند
الجميع ! إذ لا يمكن لعاقل أن يقبل أن الصحابة من أهل بدر أو كل الصحابة كما تقول
روايات أخرى . . مبشرون بالجنة ، وأعمالهم مغفورة مهما كانت ، وولايتهم فريضة
من الله تعالى على المسلمين بعد ولاية الله تعالى وولاية رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ! وأن من
لا يتولاهم أو ينتقصهم فهو في النار محروم من الشفاعة والجنة ورائحة الجنة ،
وخارج عن ربقة الإسلام . . . إلى آخر الأحكام التي ذكروها للصحابة ، وجعلوها جزء
من شريعة الإسلام المقدسة ، بل جزء من عقائده الأساسية ! !
تقول لهم : يا إخواننا إن الصحابة أنفسهم قد سب بعضهم بعضا ، وتبرأ بعضهم من
بعضهم ، وكفر بعضهم بعضا ، وقاتل بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضا ! فمن المحق
ومن المبطل ؟ ومن المظلوم ومن الظالم ؟ ومن يستحق الشفاعة منهم ومن يستحق
الحرمان ؟
فيقولون : لا تخوضوا في موضوع الصحابة ، فكلهم عدول وكلهم في الجنة !
تقول لهم : لقد علمنا النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن نخوض في أمرهم ، فقد ثبت في الصحاح
أنه ( صلى الله عليه وآله ) أخبر بأن بعضهم يدخل النار وأنهم لا يرونه ولا يراهم في الآخرة ، وأن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 250 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بعضهم يردون عليه الحوض ، فيذودهم عنه ويطردهم كما تطرد الأباعر الغريبة ! !
فيقولون : لا تخوضوا في موضوع الصحابة ، فكلهم عدول وكلهم في الجنة !
وترجمة كلامهم : أنك يجب عليك في موضوع الصحابة أن تعطل عقلك ،
وتعطل آيات القرآن وأحاديث الرسول ( صلى الله عليه وآله ) حتى تحافظ على إيمانك بالصحابة
وتتمسك بهم !
ولكن التناقض لا فرق فيه بين صغير وكبير ، فإذا قبلنا به لحل مشكلة الصحابة ،
فلنقبل به لحل مشكلة الأديان ، ولنقل بصحة التثليث والتوحيد ، والإيمان والكفر ،
والوثنية والإسلام . . ولنحل به مشكلة إبليس ونقول إنه عدو الله وولي الله معا ! !
العقل يقول : إذا تناقض أمران أو شخصان في القول ولم يمكن الجمع بين
قوليهما ، فلا يمكن أن يكون كلا القولين حقا ، لأنه تناقض مستحيل .
وإذا تناقضا في الفعل واقتتلا فلا يمكن أن يكون كل منهما على الحق ، لأنه
تناقض مستحيل . . ولا معنى للقبول بالتناقض إلا تعطيل العقل والتنازل عن قوانين
العلية والبدهيات ! وإذا عطلنا العقل ، فلا يبقى إيمان بالله ورسله وكتبه ، ولا صحابة
ولا مصحوبون !
إن ما ننعاه على اليهود والنصارى بأن عندهم عقائد لا يقبلها العقل ، وأنهم يقبلون
ما يناقض عقولهم من أجلها . . يجب أن ننعاه على أنفسنا ، لأننا نزعم أن الله تعالى
أمرنا بإطاعة صحابة نبينا المتناقضين في أقوالهم وأفعالهم ، إلى حد كسر العظم
وقطع الرقاب !
ولأننا نقرأ قول الله تعالى ( ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا
سلما لرجل . . ) ثم ندعي أن الله تعالى قد سلم أمة نبيه ( صلى الله عليه وآله ) من بعده إلى صحابة
متشاكسين في الفقه والعقائد والسياسة إلى حد التناقض والتكفير والحرب ! !
- قال المفيد في الإفصاح ص 49 :
فإن قال : أليس قد روى أصحاب الحديث عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : خير القرون
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 251 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
القرن الذي أنا فيه ، ثم الذين يلونه ( 1 ) .
وقال ( عليه السلام ) : إن الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ( 2 ) .
وقال ( عليه السلام ) : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ( 3 ) .
فكيف يصح مع هذه الأحاديث أن يقترف أصحابه السيئات أو يقيموا على
الذنوب والكبائر الموبقات ؟ !
قيل له : هذه أحاديث آحاد ، وهي مضطربة الطرق والإسناد ، والخلل ظاهر في
معانيها والفساد ، وما كان بهذه الصورة لم يعارض الإجماع ، ولا يقابل حجج الله
تعالى وبيناته الواضحات ، مع أنه قد عارضها من الأخبار التي جاءت بالصحيح من
الإسناد ، ورواها الثقات عند أصحاب الآثار ، وأطبق على نقلها الفريقان من الشيعة
والناصبة على الاتفاق ، ما ضمن خلاف ما انطوت عليه فأبطلها على البيان :
فمنها : ما روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر
وذراعا بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم . فقالوا يا رسول الله اليهود
والنصارى ؟ قال : فمن إذن ؟ ! ( 4 ) .
وقال ( صلى الله عليه وآله ) في مرضه الذي توفي فيه : أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها
أولها ، الآخرة شر من الأولى ( 5 ) .
وقال ( صلى الله عليه وآله ) في حجة الوداع لأصحابه : ألا وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم
حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا ليبلغ الشاهد منكم
الغائب ، ألا لأعرفنكم ترتدون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، ألا إني قد
شهدت وغبتم ( 6 ) .
وقال ( عليه السلام ) لأصحابه أيضا : إنكم محشورون إلى الله تعالى يوم القيامة حفاة عراة ،
وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : يا رب أصحابي ؟ فيقال :
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ( 7 ) .
وقال ( عليه السلام ) : أيها الناس بينا أنا على الحوض إذ مر بكم زمرا ، فتفرق بكم الطرق
فأناديكم : ألا هلموا إلى الطريق ، فيناديني مناد من ورائي : إنهم بدلوا بعدك ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 252 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فأقول : ألا سحقا ألا سحقا ( 8 ) .
وقال ( عليه السلام ) : ما بال أقوام يقولون : إن رحم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لا تنفع يوم القيامة ؟ ! بلى
والله إن رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة ، وإني أيها الناس فرطكم على الحوض ،
فإذا جئتم قال الرجل منكم : يا رسول الله أنا فلان بن فلان ، وقال الآخر : أنا فلان بن
فلان ، فأقول : أما النسب فقد عرفته ، ولكنكم أحدثتم بعدي فارتددتم القهقري ( 9 ) .
وقال ( عليه السلام ) وقد ذكر عنده الدجال : أنا لفتنة بعضكم أخوف مني لفتنة الدجال ( 10 ) .
وقال ( عليه السلام ) : إن من أصحابي من لا يراني بعد أن يفارقني ( 11 ) .
في أحاديث من هذا الجنس يطول شرحها ، وأمرها في الكتب عند أصحاب الحديث
أشهر من أن يحتاج فيه إلى برهان ، على أن كتاب الله عز وجل شاهد بما ذكرناه ، ولو لم
يأت حديث فيه لكفى في بيان ما وصفناه : قال الله سبحانه وتعالى : وما محمد إلا رسول
قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ، ومن ينقلب على عقبيه
فلن يضر الله شيئا ، وسيجزي الله الشاكرين ، فأخبر تعالى عن ردتهم بعد نبيه ( صلى الله عليه وآله ) على
القطع والثبات ، وقال جل اسمه : واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا
أن الله شديد العقاب ، فأنذرهم الله سبحانه من الفتنة في الدين ، وأعلمهم أنها تشملهم
على العموم إلا من خرج بعصمة الله من الذنوب .
وقال سبحانه وتعالى : أ . ل . م . أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا
يفتنون ، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين . أم
حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون . وهذا صريح في الخبر
عن فتنتهم بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالاختبار ، وتمييزهم بالأعمال .
وقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم
يحبهم ويحبونه . . إلى آخر الآية ، دليل على ما ذكرناه .
وقوله تعالى : أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ، يزيد
ما شرحناه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 253 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولو ذهبنا إلى استقصاء ما في هذا الباب من آيات القرآن والأخبار عن رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) لانتشر القول فيه ، وطال به الكتاب .
وفي قول أنس بن مالك : دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المدينة فأضاء منها كل شئ ، فلما
مات ( عليه السلام ) أظلم منها كل شئ ، وما نفضنا عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) الأيدي ونحن في دفنه حتى
أنكرنا قلوبنا . ( 12 ) شاهد عدل على القوم بما بيناه .
مع أنا نقول لهذا السائل المتعلق بالأخبار الشواذ المتناقضة ما قدمنا حكايته
وأثبتنا أن أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذين توهمت أنهم لا يقارفون الذنوب ولا
يكتسبون السيئات ، هم الذين حصروا عثمان بن عفان وشهدوا عليه بالردة عن
الإسلام وخلعوه عن إمامة الأنام . . . إلى آخر كلامه المفيد ( رحمه الله ) .
وقال في هامشه :
( 1 ) مسند أحمد 2 : 228 سنن أبي داود 4 : 214 / 4657 صحيح مسلم 4 : 1962 / 210
وفيها : خير أمتي القرن . .
( 2 ) مسند أحمد 1 : 80 و 2 : 295 صحيح مسلم 4 : 1941 / 161 صحيح البخاري 6 :
363 / 383 سنن الدارمي 2 : 313 .
( 3 ) لسان الميزان 2 : 137 تفسير البحر المحيط 5 : 528 أعلام الموقعين 2 : 223 كنز
العمال 1 : 199 / 1002 كشف الخفاء ومزيل الألباس 1 / 132 . وانظر تلخيص الشافي 2 :
246 .
( 4 ) مسند أحمد 2 : 511 سنن ابن ماجة 2 : 1322 / 3994 صحيح البخاري 4 : 326 /
249 .
( 5 ) مسند أحمد 3 : 489 مجمع الزوائد 9 : 24 سنن ابن ماجة 2 : 1310 / 3961 .
( 6 ) الجامع الصحيح للترمذي 4 : 461 / 2159 و 486 / 2193 صحيح البخاري 7 :
182 و 8 : 285 / 14 و 9 : 90 / 27 صحيح مسلم 3 : 1305 / 29 - 31 سنن أبي داود 4 :
221 / 4686 قطعة منه مسند أحمد 1 : 230 سنن النسائي 7 : 127 قطعة منه سنن الدارمي
2 : 69 قطعة منه .
( 7 ) صحيح البخاري 6 : 108 صحيح مسلم 4 : 2194 / 58 الجامع الصحيح للترمذي 4 :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 254 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
615 / 2423 سنن النسائي 4 : 117 .
( 8 ) مسند أحمد 6 : 297 .
( 9 ) مسند أحمد 3 : 18 و 62 قطعة منه .
( 10 ) كنز العمال 14 : 322 / 28812 .
( 11 ) مسند أحمد 6 : 307 .
( 12 ) الجامع الصحيح للترمذي 5 : 588 / 3618 مسند أحمد بن حنبل 3 : 221 / 268
سنن ابن ماجة 1 : 522 / 1631 . انتهى .
* *

النوع الخامس : حرمان من سب الصحابة من الشفاعة

- روى الديلمي في فردوس الأخبار ج 2 ص 498 ح 3398 :
عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : شفاعتي مباحة إلا لمن سب
أصحابي .
- وفي ج 1 ص 98 ح 196 :
عن عبد الرحمن بن عوف أيضا وفيه : فشفاعتي محرمة على من شتم أصحابي .
ورواه أبو نعيم في حلية الأولياء كما ذكر في كنز العمال ج 14 ص 398 .
- وروى الشيرازي في الألقاب وابن النجار كما ذكر كنز العمال ج 14 ص 635 :
عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم الرجل أنا لشرار
أمتي ! فقال له رجل من مزينة : يا رسول الله أنت لشرارهم فكيف لخيارهم ؟ قال :
خيار أمتي يدخلون الجنة بأعمالهم ، وشرار أمتي ينتظرون شفاعتي . ألا إنها مباحة
يوم القيامة لجميع أمتي إلا رجل ينتقص أصحابي ! ونقله كاندهلوي في حياة الصحابة
ج 3 ص 45 .
ولا نقصد بنقد هذه الروايات الدفاع عن الذين يسبون بعض الصحابة ، فالسب
والشتم وكل أنواع البذاءة في المنطق لا يمكن لعاقل أن يدافع عنها ، بل لا يرتكبها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 255 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عاقل في حالة سيطرة عقله على منطقه ، فضلا عن الأتقياء الأبرار .
وإنما غرضنا بيان تهافت منطق هذه الأحاديث في منح الشفاعة والحرمان منها !
فهذا المنطق يقول : يجوز للصحابي أن يحكم بفسق الصحابي الآخر أو كفره ، وأن
يسبه ويهينه ويضربه ويحبسه ويشهر عليه سيفه ويقتله ، أو يكيد به ويقتله بالسم أو
بالاغتيال ، ويجوز له أن يستعمل كل أساليب السياسة والمناورة والمخادعة ضده ،
وأن يجمع حوله الناس بالرشوة والتهديد . . وأن يخرج على إمام زمانه ويسبب
انشقاقا في الأمة وحروبا يقتل فيها عشرات ألوف المسلمين ، وأن يرتكب كل
المحرمات . . ولا بأس بذلك كله ، لأنه مغفور له مشمول بشفاعة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أو
مستحق للجنة بدون شفاعة ! !
أما غير الصحابة من المسلمين فلو انتقد صحابيا ولو انتقادا صغيرا . . فقد شمله
مرسوم الحرمان النبوي من الشفاعة وصار مخلدا في النار ! !
إنه منطق يستشكل في الحبة ويأكل القبة ! ولا يمكن أن يكون مما أنزله الله تعالى
على رسوله ( صلى الله عليه وآله ) !
بل إن صيغة الحديث ( لا تسبوا أصحابي ) وأمثاله يصعب تعقل صدورها عن
النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأن مخاطبيه هم أصحابه ، فكيف يقول لهم : لا تسبوا أصحابي أو اقتدوا
بأصحابي !
* *
وأخيرا ، فإن أحاديث فضل الصحابة ووجوب مودتهم وموالاتهم وحرمة بغضهم
وانتقاصهم وانتقادهم . . يصعب فهمها بل لا يمكن فهمها إلا بالمقارنة مع الآيات
والأحاديث المشابهة الواردة في حق أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) مثل قوله تعالى : قل لا
أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ، وقوله : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهركم تطهيرا . . وأحاديث : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي
أهل بيتي ، وأهل بيتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ، ولا يؤمن أحدكم حتى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 256 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يحبهم لحبي ، وعشرات غيرها متفق على صدورها عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقد ركز فيها
الإسلام مكانة عترة النبي من بعده حتى أنه حرم عليهم الصرف من المصارف العامة
وجعل لهم مالية خاصة هي الخمس !
والباحث المتتبع يجد أن كل حديث قاله النبي ( صلى الله عليه وآله ) في أهل بيته . . نبت مقابله
حديث في أصحابه ! حتى أن حديث الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ،
نبت مقابله : أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة ، وحديث احفظوني في أهل بيتي
نبت مقابله : احفظوني في أصحابي . .
وقانون الحرمان من الشفاعة لمن ينتقص الصحابة ، ما هو إلا نبتة قريشية مقابل
قانون حرمان النواصب من الشفاعة الذي ثبت عند الجميع ، كما سيأتي إن شاء الله
تعالى .
* *

النوع السادس : الدخول إلى جهنم

لتحليل القسم الإلهي بأن يملأها
- روى البخاري في صحيحه ج 2 ص 72 :
عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يموت لمسلم ثلاثة من
الولد فيلج النار ، إلا تحلة القسم . ورواه أيضا في ج 7 ص 224 .
ورواه مسلم ج 8 ص 39 وفيه ( فتمسه النار )
ورواه ابن ماجة ج 1 ص 512 والنسائي ج 4 ص 22 و 25 بعدة روايات وفي بعضها : فتمسه
النار . . والترمذي ج 2 ص 262 وأحمد ج 2 ص 240 و ص 276 و ص 473 و ص 479
والبيهقي في سننه ج 4 ص 67 و ج 7 ص 78 والهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 ص 163 و ج 5
ص 287 والهندي في كنز العمال ج 3 ص 284 و ص 293 و ج 4 ص 323 و ج 10 ص 216
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 257 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والسيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 280 وفي عدد من رواياته : تمسه النار . وفي عدد آخر :
يلج النار وفي أكثرها ( تحلة القسم ) .
ورغم التفاوت في صيغ هذه الروايات إلا أنها تتفق على أن هذا الوالد الذي
تحمل ألم خسارة أولاده الثلاثة يستحق الجنة حتى لو كان مذنبا ، لكن يجب على
هذا المسكين أن يدفع ضريبة يمين الله تعالى ، ويدخل النار مدة قليلة تحلة لقسم الله
تعالى حتى لا يكون الله حانثا بقسمه ، ثم له من الله تعالى وعد شرف أن ينقله إلى
الجنة ! !
فما هي قصة هذا القسم ؟ وما ذنب هذا الوالد وغيره من المساكين الذين
أدخلتهم صحاح السنيين في جهنم لا لشئ إلا لتحليل يمين الله تعالى !
حاولت بعض الروايات أن تجعل القسم قوله تعالى ( وإن منكم إلا واردها كان
على ربك حتما مقضيا . ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ) مريم 70 - 71
وقالوا إن هذا القضاء الإلهي الحتمي هو القسم وهو عام للجميع .
ولكنه تفسير من الرواة لأن الصحاح لم ترو حديثا يفسر القسم بذلك !
- قال البيهقي في سننه ج 10 ص 64 :
قال أبو عبيد : نرى قوله تحلة القسم يعني قول الله تبارك وتعالى : وإن منكم إلا
واردها كان على ربك حتما مقضيا ، يقول فلا يردها إلا بقدر ما يبر الله قسمه فيه .
وفيه : أنه أحل للرجل يحلف ليفعلن كذا وكذا ثم يفعل منه شيئا دون شئ ، يبري في
يمينه . انتهى .
ولكن تفسيرهم هذا لا يصح :
أولا ، لما ذكره البيهقي من أنه يفتح الباب للناس للتلاعب بأيمانهم ، ولا تبقى
قيمة ليمين ! فإذا كان الله تعالى يستعمل الحيلة الشرعية للتحلل من يمينه ويسميها (
تحلة القسم ) فلا حرج على عباده أن يلعبوا بأيمانهم ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 258 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وثانيا ، لا يوجد في آية الورود قسم ، بينما ورد في كل روايات الصحاح أن سبب
دخول هذا الأب ( تحلة القسم ) .
وثالثا ، إن المؤمنين الذين يردون جهنم ويشرفون عليها في طريق عبورهم إلى الجنة
لا تمسهم نارها ، بينما ورد في عدد من صيغ الحديث التعبير بتمسه النار تحلة القسم .
ورابعا ، أن الورود المذكور في الآية أمر عام شامل ، وليس من البلاغة استثناء هذا
الوالد من استحقاق الجنة ، مع أن حال في الورود حال غيره ! !
وخامسا ، ورد في صيغة البخاري وغيره تعبير بالولوج وهو الدخول المحقق في
النار ، بينما الورود أعم من الدخول في النار والإشراف عليها عند المرور على
الصراط .
- قال في تفسير التبيان ج 7 ص 143 :
واختلفوا في كيفية ورودهم إليها فقال قوم وهو الصحيح : إن ورودهم هو
وصولهم إليها وإشرافهم عليها من غير دخول منهم فيها ، لأن الورود في اللغة هو
الوصول إلى المكان ، وأصله ورود الماء وهو خلاف الصدور عنه . ويقال : ورد الخبر
بكذا تشبيها بذلك .
ويدل على أن الورود هو الوصول إلى الشئ من غير دخول فيه قوله تعالى : ولما
ورد ماء مدين ، وأراد وصل إليه . وقال زهير :
فلما وردن الماء زرقا جمامه * وضعن عصي الحاضر المتخيم
وقال قتادة وعبد الله بن مسعود : ورودهم إليها هو ممرهم عليها .
وقال عكرمة : يردها الكافر دون المؤمن ، فخص الآية بالكافرين .
وقال قوم شذاذ : ورودهم إليها دخولهم فيها ولو تحلة القسم . روي ذلك عن ابن
عباس وكان من دعائه : اللهم أزحني من النار سالما وأدخلني الجنة غانما . وهذا
الوجه بعيد ، لأن الله قال : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 259 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فبين تعالى أن من سبقت له الحسنى من الله يكون بعيدا من النار ، فيكف يكون
مبعدا منها مع أنه يدخلها وذلك متناقض . فإذا المعني بورودهم : إشرافهم عليها
ووصولهم إليها . انتهى .
وعلى هذا يتعين أن يكون المقصود بتحلة القسم في هذه الأحاديث المزعومة :
قسمه تعالى بأن يملأ جهنم من الجنة والناس في قوله تعالى : ولو شاء ربك لجعل
الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين . إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ، وتمت كلمة
ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين . هود 118 - 119 ويكون معنى الحديث :
أن هذا الوالد يستحق الجنة ، ولكن بما أن الله تعالى أقسم أن يملأ النار ، وليس عنده
ما يكفي لملئها ، فإن على هذا الوالد المسكين أن يدفع الضريبة من جلده ! !
إن منطق هذا الحديث يصور الله تعالى كأنه حاكم دنيوي بنى سجنا وأقسم أن
يملأه من المجرمين ، وعندما وجد أن السجن كبير لم يمتلئ بالمجرمين الموجودين ،
أمر شرطته أن يقبضوا على الناس من الشارع ويضعوهم في السجن حتى يملأوه
ويفي حضرة الحاكم بيمينه ، ولا يكون كاذبا !
وهو تصور نجده عن الله تعالى في التوراة ولا نجده في القرآن . . الأمر الذي
يجعلنا نطمئن بأن فكرة إدخال الناس إلى النار لتحلة القسم فكرة توراتية أخذها
المسلمون من اليهود ، ففي تفسير كنز الدقائق ج 2 ص 47 ، جاء في رد مقولات اليهود
التي منها ( أنه تعالى وعد يعقوب أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم ) ! !
ولكن أين هذا المنطق من قوانين الحق والعدل الإلهي التي أقام الله تعالى عليها
الكون والحياة ، وأنزلها في كتابه وأوحى بها إلى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) فخضع لها العلماء
والفلاسفة والمفكرون !
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 260 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

النوع السابع : حرمان من الشفاعة بسبب صبغ الشعر

يمكن للباحث أن يتفهم أحاديث الحرمان من الشفاعة لمن ينتقد الصحابة ،
ويفسرها بأنها محاولة لتسكيت المسلمين عن الصحابي الحاكم وجماعته . ولكن
بعض الحرمانات الواردة في الصحاح لا يستطيع أن يفهم لها علة ولا معنى ، إلا بعد
جهد جهيد ، مثل حرمانهم الذي يصبغ شعره ولحيته بالسواد من الشفاعة والجنة !
فقد روت ذلك الصحاح كما في النسائي ج 8 ص 138 قال : عن ابن عباس رفعه
أنه قال قوم يخضبون بهذا السواد آخر الزمان كحواصل الحمام لا يريحون رائحة
الجنة . انتهى .
ورواه أبو داود في ج 2 ص 291 .
وأحمد في ج 1 ص 273 .
والبيهقي في سننه ج 7 ص 311 .
- وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 5 ص 163 رواية شديدة على المجرم الذي
يصبغ شعره ولحيته بالسواد ، وقال إنها موثقة عند ابن حنبل وابن معين وابن حبان
قال : عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من خضب بالسواد
سود الله وجهه يوم القيامة . رواه الطبراني وفيه الوضين بن عطاء وثقه أحمد وابن
معين وابن حبان ، وضعفه من هو دونهم في المنزلة وبقية رجاله ثقات . انتهى .
وقد تحير في ذلك بعض أصحاب الصحاح . . ومن حقهم أن يتحيروا . . فمع أنهم
عاشوا في القرن الثالث ولم يشهدوا القرن الأول ولا الثاني ، ولكن عهدهم كان قريبا
نسبيا ، والمسألة واضحة وضوح اللحى ! ومع ذلك وصلت إليهم أحاديث متناقضة
فيها ! فمنها أحاديث تقول إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر بتغيير الشيب ومخالفة اليهود الذين
يحرمون صبغ الشيب ، وأحاديث تقول إنه أمر بصبغه بالحناء ، أي باللون الأحمر
الذي تصبغ به العرب ونهى عن السواد لأنه خضاب الكفار ! وأخرى تقول إنه أمر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 261 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بالسواد ، وأخرى تقول بالكتم والوسم الأصفر . . . !
واختلفت رواياتهم في أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) هل صبع شيبه أم لا ، فرواية تقول إنه صبغه
بالحناء ، ولكنهم رجحوا أخرى تقول لم يدركه الشيب إلا شعرات قليلة ولم يصبغها ،
- قال مسلم في صحيحه ج 7 ص 84 و 85 : قال سئل أنس بن مالك عن خضاب النبي
صلى الله عليه وسلم فقال : لو شئت أن أعد شمطات كن في رأسه فعلت وقال : لم
يختضب وقد اختضب أبو بكر بالحناء والكتم واختضب عمر بالحناء بحتا . انتهى .
- وقد روى الجميع خضاب أبي بكر وعمر بالحناء والكتم كما في مسند أحمد ج 3 ص 100
و ج 3 ص 108 و ص 160 و ص 178 .
ولكن تحير أصحاب الصحاح كان على مستوى الرواية فقط ، أما الرأي
السائد المتبع عندهم فهو النهي المشدد عن الخضاب بالسواد ، لأنه رأي الدولة من
زمن أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية . . إلى آخر الخلافة الأموية !
ولذا جعل النسائي عنوان المسألة : النهي عن الخضاب بالسواد وقال في ج 8 ص 38
عن ابن عباس رفعه أنه قال : قوم يخضبون بهذا السواد آخر الزمان كحواصل الحمام
لا يريحون رائحة الجنة .
عن أبي الزبير عن جابر قال أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ، ورأسه ولحيته كالثغامة
بياضا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غيروا هذا بشئ واجتنبوا السواد . . . ثم
قال النسائي : والناس في ذلك مختلفون ، والله تعالى أعلم ، لعل المراد الخالص ،
وفيه أن الخضاب بالسواد حرام أو مكروه ، وللعلماء فيه كلام ، وقد مال بعض إلى
جوازه للغزاة ، ليكون أهيب في عين العدو ، والله تعالى أعلم .
أما الفقهاء فقد قننوا المسألة وأعطوها صيغتها الشرعية ، وأجمعوا على ذم
الخضاب بالسواد ، ذم تحريم ، وربما وجد فيهم نادر يقول بأنه ذم تنزيه !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 262 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- قال النووي في المجموع ج 1 ص 294 :
( فرع ) اتفقوا على ذم خضاب الرأس أو اللحية بالسواد ، ثم قال الغزالي في
الإحياء والبغوي في التهذيب وآخرون من الأصحاب هو مكروه ، وظاهر عباراتهم
أنه كراهة تنزيه ، والصحيح بل الصواب أنه حرام . وممن صرح بتحريمه صاحب
الحاوي في باب الصلاة بالنجاسة ، قال إلا أن يكون في الجهاد ، وقال في آخر كتابه
الأحكام السلطانية : يمنع المحتسب الناس من خضاب الشيب بالسواد إلا المجاهد .
ودليل تحريمه حديث جابر ( رضي الله عنه ) قال : أتي بأبي قحافة والد أبي بكر الصديق
رضي الله عنهما يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا ، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : غيروا هذا واجتنبوا السواد . رواه مسلم في صحيحه ، والثغامة بفتح
الثاء المثلثة وتخفيف الغين المعجمة نبات له ثمر أبيض . وعن ابن عباس ( رضي الله عنه ) قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد
كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة . رواه أبو داود والنسائي وغيرهما ، ولا فرق
في المنع من الخضاب بالسواد بين الرجل والمرأة ، هذا مذهبنا . انتهى .
- وقال ابن قدامة في المغني ج 1 ص 76 :
وعن الحكم بن عمر الغفاري قال : دخلت أنا وأخي رافع على أمير المؤمنين عمر
وأنا مخضوب بالحناء وأخي مخضوب بالصفرة ، فقال عمر بن الخطاب : هذا
خضاب الإسلام ، وقال لأخي رافع : هذا خضاب الإيمان . ويكره ( وكره ) الخضاب
بالسواد . قيل لأبي عبد الله تكره الخضاب بالسواد قال إي والله . . . ! انتهى .
- وروى الحاكم قصة أخرى مشابهة وجعل رأي الخليفة عمر حديثا مسندا قال في المستدرك
ج 3 ص 526 قال :
دخل عبد الله بن عمر على عبد الله بن عمرو وقد سود لحيته ، فقال عبد الله بن
عمر : السلام عليك أيها الشويب ! فقال له ابن عمرو : أما تعرفني يا أبا عبد الرحمن ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 263 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال بلى أعرفك شيخا فأنت اليوم شاب ! إني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : الصفرة
خضاب المؤمن ، والحمرة خضاب المسلم ، والسواد خضاب الكافر . انتهى .
وقال عنه في مجمع الزوائد ج 5 ص 163 : رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه . انتهى .
- وقد سئل الشيخ ابن باز في كما في فتاويه ج 4 ص 58 طبعة مكتبة المعارف بالرياض :
- ما مدى صحة الأحاديث التي وردت في صبغ اللحية بالسواد ، فقد انتشر صبغ
اللحية بالسواد عند كثير ممن ينتسبون إلى العلم ؟
فقال في جوابه : في هذا الباب أحاديث صحيحة كثيرة ، وذكر حديث حواصل
الحمام ، وقال بعده : وهذا وعيد شديد ، وفي ذلك أحاديث أخرى ، كلها تدل على
تحريم الخضاب بالسواد ، وعلى شرعية الخضاب بغيره . انتهى .
* *
والمتتبع لنصوص المسألة يصل إلى قناعة بأن مرسوم الحرمان من الجنة مرسوم
قرشي . . وسببه أن العرب ومنهم قريش كانوا يصبغون شيبهم بالحناء الذي يأتيهم من
الهند ، وبعضهم يصبغونه بالورس والزعفران الذي يأتيهم من اليمن وإيران ( لاحظ
مغني ابن قدامة ج 1 ص 76 ) .
وأول من خضب بالسواد من العرب عبد المطلب كما نص السهيلي في الروض
الأنف ج 1 ص 7 ونقله عنه النووي في المجموع ج 18 ص 254 .
ولا يبعد أنه صار بعد عبد المطلب رمزا لبني هاشم . وسيأتي أن الإسلام أقر عدة
تشريعات سنها عبد المطلب بإلهام من الله تعالى مثل : الطواف سبعا ، والدية ، ومنها
سنة الخضاب بالوسم .

ماذا يصنع رواة الخلافة القرشية بهذه الأحاديث

تدل الأحاديث من مصادر الجميع على أن الإسلام أقر سنة عبد المطلب في
صبغ الشيب بالسواد فقد روى ابن ماجة في سننه ج 2 ص 1197 عن صهيب قال : قال
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 264 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أحسن ما اختضبتم به لهذا السواد ، أرغب
لنسائكم فيكم ، وأهيب لكم في صدور عدوكم . انتهى .
وقالوا بعده : هذا الحديث معارض لحديث النهي عن السواد ، وهو أقوى إسنادا
وأيضا النهي يقدم عند المعارضة ، وفي الزوائد : إسناده حسن . انتهى .
وإذا صح ما ذكره رواة قريش من أن النهي دائما أقوى من الرخصة ، وأن الخضاب
بالسواد حرام وصاحبه لا يشم رائحة الجنة ! فهل يلتزمون بأن الإمام الحسين ( عليه السلام )
سيد شباب أهل الجنة لا يشم رائحتها !
- فقد روى البخاري في صحيحه ج 4 ص 216 :
عن أنس بن مالك ( رضي الله عنه ) : أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي فجعل في
طست فجعل ينكته وقال في حسنه شيئا فقال أنس : كان أشبههم برسول الله صلى
الله عليه وسلم وكان مخضوبا بالوسمة ! انتهى . والوسمة هي السواد .
- وفي مجمع الزوائد ج 5 ص 162 :
عن محمد بن علي أنه رأى الحسن بن علي ( رضي الله عنه ) مخضوبا بالسواد على فرس
ذنوب . رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ، خلا محمد بن إسماعيل بن رجاء وهو
ثقة . وعن سليم قال : رأيت جرير بن عبد الله يخضب رأسه ولحيته بالسواد . رواه
الطبراني وسليم والراوي عنه لم أعرفهما .
وعن محمد بن علي أن الحسين بن علي ( رضي الله عنه ) كان يخضب بالسواد . رواه الطبراني
ورجاله رجال الذي قبله ، وقد روى عنهما من طرق وهذه أصحها ورجالها رجال
الصحيح .
وعن عبد الرحمن بن بزرج قال : رأيت الحسن والحسين ابني فاطمة يخضبان
بالسواد ، وكان الحسين يدع العنفقة . رواه الطبراني وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن
وفيه ضعف ، وبقية رجاله ثقات .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 265 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وعن عبد الله بن أبي زهير قال : رأيت الحسين بن علي يخضب بالوسمة . رواه
الطبراني وعبد الله بن أبي زهير لم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات . انتهى .
وجرير بن عبد الله المذكور هو البجلي من كبار أصحاب علي ( عليه السلام ) ومن قادة جيشه
وقد حمل عددا من رسائله إلى معاوية .
فيتضح من ذلك أن أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم كانوا يخضبون شيبهم بالسواد . وأن
النهي عن السواد نهي قرشي لا نبوي ، وغرضه إبعاد الناس عن التشبه ببني هاشم
المعارضين للدولة !
بل ماذا يصنع الشيخ ابن باز بإمامه الزهري الذي روى عنه البخاري نحو 1200 رواية
في صحيحه ، فقد كان - بعد أن خفت حدة المسألة في القرن الثاني - يصبغ شيبه
بالسواد ، ويقول إن النبي أمر بتغيير الشيب ولم يحدد لون الصبغ !
- قال أحمد في مسنده ج 2 ص 309 :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم . قال
عبد الرزاق في حديثه : قال الزهري : والأمر بالإصباغ ، فأحلكها أحب إلينا . قال معمر :
وكان الزهري يخضب بالسواد . انتهى .

رأي أهل البيت ( عليهم السلام )

- روى الكليني في الكافي ج 6 ص 481 :
عن : أحمد بن محمد ، عن سعيد بن جناح ، عن أبي خالد الزيدي ، عن جابر ،
عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : دخل قوم على الحسين بن علي صلوات الله عليهما فرأوه
مختضبا بالسواد فسألوه عن ذلك ، فمد يده إلى لحيته ثم قال : أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في
غزاة غزاها أن يختضبوا بالسواد ، ليقووا به على المشركين .
- وفي الكافي ج 6 ص 483 :
عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عدة من أصحابه ، عن علي بن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 266 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : قتل الحسين صلوات الله
عليه وهو مختضب بالوسمة .
- وفي الكافي ج 6 ص 480 :
محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن مسكين بن أبي
الحكم ، عن رجل ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فنظر إلى
الشيب في لحيته فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : نور ، ثم قال : من شاب شيبة في الإسلام كانت له
نورا يوم القيامة . قال فخضب الرجل بالحناء ثم جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فلما رأى
الخضاب قال : نور وإسلام ، فخضب الرجل بالسواد ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : نور وإسلام
وإيمان ، ومحبة إلى نسائكم ، ورهبة في قلوب عدوكم .
- وفي الكافي ج 6 ص 480 :
محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن الجهم
قال : دخلت على أبي الحسن ( الرضا ) ( عليه السلام ) وقد اختضب بالسواد فقلت : أراك قد
اختضبت بالسواد ؟ فقال : إن في الخضاب أجرا ، والخضاب والتهيئة مما يزيد الله
عز وجل في عفة النساء ، ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن لهن التهيئة !
- وفي من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 122 :
قال الصادق ( عليه السلام ) : الخضاب بالسواد أنس للنساء ، ومهابة للعدو .
- وفي وسائل الشيعة ج 1 ص 403 :
محمد بن الحسين الرضي الموسوي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه
سئل عن قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : غيروا الشيب ، ولا تشبهوا باليهود فقال : إنما قال ذلك
والدين قل ، وأما الآن وقد اتسع نطاقه ، وضرب بجرانه فامرؤ وما اختار . انتهى .
ويفهم من هذا الحديث أن الأمر بتغيير الشيب ليس للوجوب ، بل هو لإثبات
الرخصة في مورد توهم الحظر والتحريم ، كما يعتقد اليهود .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 267 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

خلاصة المسألة

والخلاصة : أن الخضاب بالسواد سنة لعبد المطلب رضوان الله عليه ، خالف فيها
اليهود ، وخالف فيها الخضاب بالأحمر والأصفر المستعمل عند العرب ، وقد أقر
الإسلام هذه السنة وجعلها مستحبة ، ولم يحرم الخضاب بغيرها . بل لم يوجب في
الأصل تغيير لون الشيب ، وإنما جعله مستحبا في بعض الحالات .
ولكن دخلت قريش على الخط لتمسكها من جهة بالخضاب الأحمر والأصفر ،
وحساسيتها من جهة أخرى من عبد المطلب وأولاده الذين لم يعترفوا بخلافتها . .
فنتج عن ذلك تحريم الخضاب بالسواد ، وحرمان صاحبه من الجنة والشفاعة ،
وتسويد وجهه يوم القيامة ! !
ولكن العباسيين أولاد عبد المطلب ثأروا لخضاب جدهم ، فجعلوا راياتهم
سوداء حتى سماهم الناس ( المسودة ) وبعد انتصارهم فرضوا لبس السواد على
جميع المسلمين ، خاصة أتباع الدولة ، وجعلوه شعارا لهم ! فكان ذلك إفراطا في
الإنتصار لخضاب عبد المطلب !
لذلك رأينا أن الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) نهوا عن لبس السواد إلا في الحرب ،
والحزن ، خاصة لمصاب الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وفضلوا في الحالات العادية اللون
الأخضر الذي كان يفضله النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وعندما أراد المأمون أن يتقرب إلى الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) ويغيض العباسيين
الذين خلعوه ، نقل ولاية العهد من العباسيين وأوصى بها للإمام علي بن موسى
الرضا ( عليه السلام ) وأمر بتغيير اللباس الأسود في الدولة إلى اللباس الأخضر . . وبذلك استقر
اللون الأخضر شعارا لبني هاشم ، ثم شعارا للعرب ، والحمد لله .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 268 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأخيرا لا يفوتنا أن نشير إلى حديث الرايات السود الثابت عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في
علامات ولده المهدي الموعود ( عليه السلام ) وأن العباسيين حرصوا على مصادرته وتطبيقه
على راياتهم وثورتهم ، وسموا أحد خلفائهم بالمهدي ، وأشهدوا كبار قضاتهم
وفقهائهم على أنه المهدي الموعود المبشر به من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
ولكن المهدي العباسي لم يملأ الأرض قسطا وعدلا ، ولم يعط المال للناس حثيا
بدون عد كما ورد في صفات المهدي ( عليه السلام ) .
فقد ورد في سيرة هذا المهدي العباسي أن قصره كان خاليا من التقوى والعدل ،
وأنه كان يصادر أموال الناس أحيانا حثيا أو حثوا من غير عد ! !
* *

النوع الثامن : مرسوم بحرمان الزوجة التي تطلب الطلاق

ومن مراسيم الصحاح في الحرمان من الشفاعة مرسوم مفيد للرجال في حق
الزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها بدون سبب . .
- ففي سنن ابن ماجة ج 1 ص 662 :
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تسأل المرأة زوجها الطلاق
في غير كنهه فتجد ريح الجنة . وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما .
ورواه الترمذي في ج 2 ص 29 3
وأبو داود ج 1 ص 496
وأحمد ج 5 ص 277 و ص 283
والدارمي ج 2 ص 162
والحاكم في ج 2 ص 200
والبيهقي في سننه ج 7 ص 316
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 269 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والهندي في كنز العمال ج 16 ص 382 و ص 287 عن أحمد وأبي داود والترمذي وابن حبان
وابن عساكر .
وفي بعض روايات الحديث : بدون عذر ، والمقصود منه العذر القوي الذي يقبله
المجتمع .
ولكنه تشديد مبالغ فيه ، فلا نعرف أحدا من الفقهاء يفتي بأن قولها لزوجها
طلقني يعتبر جريمة تستحق عليها العقوبة الدنيوية أو الأخروية ، فإن أصل الطلاق
حلال وإن كان مكروها ، وطلبها الطلاق في أصله حلال وقد يطرأ عليه ما يجعله
مكروها أو منافيا للأخلاق ، أو يجعله حراما ، أو واجبا .
وإذا حدث أن صار حراما شرعا ، فلا يصير من المعاصي الكبائر التي يستحق
صاحبها عقاب الدخول في جهنم ، والحرمان من الجنة ومن شفاعة نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ! !
وقد حاول بعض الفقهاء أن يتخلصوا من الحديث بتضعيفه ، وساعدهم على
ذلك أن الشيخين البخاري ومسلما لم يروياه ، فقد ذكروا بعد روايته في ابن ماجة أن
الهيثمي في مجمع الزوائد ضعف إسناده . . ولكن ذلك لا يحل المشكلة لأن الحاكم
قال عنه في المستدرك : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
وحاولوا محاولة أخرى أن يجعلوا الحديث في طلب الزوجة الطلاق الخلعي من
زوجها بسبب كرهها له ، فقد وضع ابن ماجة الحديث تحت عنوان ( باب كراهية
الخلع للمرأة ) ولكن واجههم قوله تعالى ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) حيث
نصت الآية على جواز افتداء المرأة نفسها من زوجها ببذل مهرها وطلب الطلاق
الخلعي . . فاضطروا أن يحملوا الحديث على طلبها الخلع بدون سبب ويجعلوه
مكروها لا حراما !
- وهكذا فعل ابن قدامة في المغني ج 8 ص 176 :
قال شارحا قول الماتن ( ولو خالعته لغير ما ذكرنا كره لها ذلك ووقع الخلع ) :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 270 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والظاهر أنه أراد إذا خالعته لغير بغض وخشية من أن لا تقيم حدود الله ، لأنه لو أراد
الأول لقال كره له ، فلما قال كره لها دل على أنه أراد مخالعتها له والحال عامرة
والأخلاق ملتئمة ، فإنه يكره لها ذلك ، فإن فعلت صح الخلع في قول أكثر أهل العلم
منهم أبو حنيفة والثوري ومالك والأوزاعي والشافعي ، ويحتمل كلام أحمد تحريمه
فإنه قال : الخلع مثل حديث سهلة تكره الرجل فتعطيه المهر فهذا الخلع ، وهذا يدل
على أنه لا يكون الخلع صحيحا إلا في هذه الحال ، وهذا قول ابن المنذر وداود .
وقال ابن المنذر : وروي معنى ذلك عن ابن عباس وكثير من أهل العلم ، وذلك
لأن الله تعالى قال ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا
يقيما حدود الله ، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به )
فدل بمفهومه على أن الجناح لا حق بهما إذا افتدت من غير خوف ، ثم غلظ بالوعيد
فقال ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ) وروى
ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من
غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة ) رواه أبو داود . وعن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال ( المختلعات والمنتزعات هن المنافقات ) رواه أبو حفص ورواه
أحمد في المسند وذكره محتجا ، به وهذا يدل على تحريم المخالعة لغير حاجة ،
ولأنه إضرار بها وبزوجها وإزالة لمصالح النكاح من غير حاجة ، فحرم لقوله ( عليه السلام ) ( لا
ضرر ولا ضرار ) . واحتج من أجازه بقول الله سبحانه ( فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا
فكلوه هنيئا مريئا ) انتهى .
ولكن كل ذكاء هؤلاء الفقهاء لا يحل مشكلة الحديث أيضا :
أولا ، لأن الحديث في مجرد طلب الطلاق ، وليس في بذل المهر وطلب الخلع ،
وقد اعترف بذلك ابن حزم قال في المحلى ج 10 ص 236 حيث قال : قال أبو محمد
( يعني نفسه ) : واحتج من ذهب إلى هذا ( حرمة الخلع ) بما حدثناه عبد الله بن ربيع
نا محمد ابن إسحاق بن السليم نا ابن الأعرابي نا محمد بن إسماعيل الصائغ نا عفان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 271 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بن مسلم نا حماد نا أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان
قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها
رائحة الجنة .
وبما روينا من طريق أحمد بن شعيب نا إسحق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - أنا
المخزومي هو المغيرة بن سلمة - نا وهيب عن أيوب السختياني عن الحسن البصري
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : المنتزعات والمختلعات هن
المنافقات . قال الحسن : لم أسمعه من أبي هريرة .
قال أبو محمد : فسقط بقول الحسن أن تحتج بذلك الخبر . وأما الخبر الأول فلا
حجة فيه في المنع من الخلع لأنه إنما فيه الوعيد على السائلة الطلاق من غير بأس
وهكذا نقول . انتهى .
وثانيا ، لو سلمنا أن الحديث في طلب الخلع ، فلا بد لهم من القول بحرمته على
الزوجة مطلقا بسبب صيغة التشديد المؤكدة فيه ، وذلك مخالف لقوله تعالى ( فلا
جناح عليهما ) .
ولذلك اضطروا إلى التنازل كما رأيت إلى القول بالكراهة فقط !
ومعناه أنهم اضطروا أن يبطلوا مرسوم الحديث بحرمان هذه الزوجة من رائحة
الجنة ورائحة الشفاعة ! ولكنه إبطال له بصيغة الاستدلال به ، والاحترام له ! !
ولم يتسع لنا الوقت لبحث فتوى اليهود في هذه المسألة ، ومن المحتمل أن أصل
حديثها من الإسرائيليات التي تسربت إلى فقهنا ! !
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 272 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 273 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل التاسع : محاولة القرشيين حرمان بني هاشم من شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله )

توجد عدة مسائل تتعلق بأسرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بني عبد المطلب وبني هاشم .

المسألة الأولى ، في إيمان آباء النبي وأمهاته ( صلى الله عليه وآله ) : ومذهبنا أن كل آباء النبي

وأمهاته مؤمنون طاهرون مطهرون ، من آدم وحواء إلى عبد الله وآمنة ، صلوات الله
عليه وعليهم . وقد روينا في ذلك أحاديث صحيحة ودلت عليه آيات كريمة ،
ووافقنا على هذا الرأي عدد من علماء إخواننا السنة مثل الفخر الرازي والسيوطي
وغيرهما ، وألفوا في ذلك رسائل مستقلة .
بينما قال أكثر السنة إن آباء النبي وأمهاته ( صلى الله عليه وآله ) كفار مشركون ، وأنهم في النار ،
ورووا في ذلك روايات هي عندهم صحيحة ! منها رواية خشنة رواها مسلم في ج 1
ص 133 : أن رجلا قال يا رسول الله أين أبي ؟ قال في النار ، فلما قفى دعاه فقال : إن
أبي وأباك في النار ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 274 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

المسألة الثانية ، في شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لبني هاشم وبني عبد المطلب ، وهم ثلاثة

أصناف : صنف مات قبل البعثة . وصنف أسلموا وهاجروا وجاهدوا مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وصنف لم يذكر التاريخ أنهم أسلموا ولكنهم ناصروا النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مواجهة قريش
وتحملوا معه حصار الشعب ثلاث سنين ، وهم كل من بقي من بني هاشم وبني عبد
المطلب ما عدا أبي لهب .
ومذهبنا أن شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) تشمل أول ما تشمل بني هاشم وبني عبد المطلب
، من ارتضى الله منهم ، وكلهم عندنا مرضي إلا من ثبت فيه عدم الارتضاء وأنه من
أهل النار مثل أبي لهب . وقد ثبت عندنا إسلام أبي طالب وإيمانه ، وأنه كان يكتم
إيمانه مثل مؤمن آل فرعون .
ومذهب إخواننا السنة في هذه المسألة متفاوت ، ففي رواياتهم ما يوافقنا تقريبا ،
وفيها روايات تحاول حرمان كل بني هاشم من شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) !

المسألة الثالثة : في موقع علي ( عليه السلام ) وعترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة من الشفاعة

العظمى التي يعطاها ( صلى الله عليه وآله ) . . ومذهبنا أن عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) الذين نص عليهم بأسمائهم
هم أوصياؤه وخلفاؤه الشرعيون وأئمة المسلمين وهداتهم بأمر الله تعالى ، وأنهم
خيرة البشر بعد النبي صلى الله عليه وعليهم ، وهم معه يوم القيامة ، وبأيديهم ينفذ
الشفاعة المعطاة له من الله تعالى ، ويفوضهم في كثير من الأمور .
وقد ثبت عندنا وروي السنيون أن لواء الحمد الذي هو رئاسة المحشر يجعله
النبي ( صلى الله عليه وآله ) بيد علي ( عليه السلام ) كما كان صاحب لوائه في الدنيا .
وأن مقام الصديقة الزهراء ( عليها السلام ) في الشفاعة يوم القيامة مقام مميز حتى من بين
العترة .
أما السنيون فليس لهم مذهب واحد في مقام عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة ، بل
حتى في مقام صحابته ، لأن رواياتهم في ذلك متناقضة . . فهم يريدون إعطاء
الصحابة المرتبة الأولى بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولكن النصوص الصحيحة عندهم في دخول
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 275 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بعض الصحابة النار ، وفي المقام المميز للعترة الطاهرة ، تأبى عليهم ذلك ، فيقعون
في حيص بيص !

حساسية قريش من أسرة النبي ( صلى الله عليه وآله )

من الواضح للمطلع على السيرة أن الدافع الأساسي لتكذيب قبائل قريش بنبوة
النبي ( صلى الله عليه وآله ) ورفضهم لها ، كان دافعا سياسيا ، لأنهم إذا آمنوا بنبوة ابن عبد المطلب بن
هاشم ، فقد اعترفوا بالقيادة لبني هاشم وصاروا أتباعا لهم ، وانتهى الأمر !
ولذلك كانوا شديدين في تكذيبهم ، متحدين في موقفهم ، شرسين في
مواجهتهم ، صريحين في إظهار تخوفهم . .
وكان بعض قريش وغير قريش يفاوضون النبي ( صلى الله عليه وآله ) على الإيمان بنبوته ، بشرط
أن يكون لهم ( الأمر ) من بعده . . ولكن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان نبيا مبلغا عن ربه تعالى ، ولم
يكن مساوما على الأمر من بعده .
لقد ظهرت هذه الحقيقة القرشية العميقة منذ إعلان النبي بعثته الشريفة ثم
واجهته طوال نبوته ، ولم تنته حتى بعد وفاته !
وهي حقيقة ضخمة لم تعط حقها من الدراسة ، بسبب أن القرشيين بعد انتصار
النبي ( صلى الله عليه وآله ) عليهم ودخولهم تحت حكمه كرها وطوعا ، جعلوا مواجهتهم معه من نوع
الحرب الباردة ، ثم ما أن توفي النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى أخذوا السلطة وأبعدوا أهل بيته
وحاصروهم ! وألقوا بثقلهم لصياغة السنة والسيرة والتاريخ لمصلحة قبائل قريش ،
وضد العترة الطاهرة !
وغرضنا هنا أن نعرض نماذج من حساسية قريش من أسرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لكي نفهم
تأثيرها على رواياتهم في كفر آباء النبي ( صلى الله عليه وآله ) ورواياتهم في عدم انتفاع بني هاشم
بقرابتهم من النبي ( صلى الله عليه وآله ) وشفاعته !
وهو باب خطير والدراسات فيه ممنوعة ، ولكن القليل منه يجعل الباحث يتوقف
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 276 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مليا في قبول أي حديث سلبي عن أسرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) جاءت روايته عن طريق
القرشيين من غير أهل بيته !

حادثة خطيرة ، عتمتها الصحاح

- روى البخاري في ج 1 ص 32 : تحت عنوان : باب الغضب في الموعظة والتعليم :
عن أبي بردة عن أبي موسى قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء
كرهها فلما أكثر عليه غضب ثم قال للناس سلوني عما شئتم ! قال رجل : من أبي ؟
قال أبوك حذافة ! فقام آخر فقال : من أبي يا رسول الله ؟ فقال أبوك سالم مولى شيبة !
فلما رأى عمر ما في وجهه قال : يا رسول الله إنا نتوب إلى الله عز وجل !
باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث :
عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج
فقام عبد الله بن حذافة فقال من أبي ؟ فقال أبوك حذافة ، ثم أكثر أن يقول سلوني !
فبرك عمر على ركبتيه فقال : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه
وسلم نبيا ، فسكت ! انتهى .
عندما تقرأ هذا النص تحس أنه ليس طبيعيا ! فهو يقول : أكثروا عليه السؤال
فغضب . . ثم قال : سلوني عما شئتم . . ثم أكثر أن يقول سلوني . . فسألوه هل هم
أولاد شرعيون أو أولاد زنا ! ! فبرأ صحابيا وفضح آخر على رؤوس الأشهاد ، وشهد
بأنه ابن زنا ! ! ثم أصر عليهم : سلوني سلوني سلوني . . ! ! فقام عمر وأعلن التوبة
فهدأ الموقف وسكت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! !
فما هي القصة ، وما سبب هذا الغضب والتحدي والفضح النبوي ! والتوبة
العمرية ؟ !
الذي يساعد الباحث هنا أن القصة وإن قطعتها الصحاح ، لكنها روتها هي وغيرها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 277 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بأكثر من عشرين نصا . . فيمكن للباحث أن يجمع منها خيوطا كثيرة .
يقول مسلم في صحيحه لم يكن غضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) لسؤال كما قال البخاري ! بل بلغه عن
أصحابه شئ كريه ! فصعد المنبر وخطب وطلب منهم أن يسألوه ( عن أنسابهم )
وتحداهم فخافوا وبكوا ، فقام عمر وتاب ! !
- قال مسلم في صحيحه ج 7 ص 92 :
عن أنس بن مالك قال : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شئ
فخطب فقال : عرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر ، ولو تعلمون
ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا . قال فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم أشد منه ! ! قال غطوا رؤسهم ولهم خنين ! قال فقام عمر فقال : رضينا
بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ! قال فقام ذاك الرجل فقال : من أبي ؟ قال أبوك
فلان ، فنزلت : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ! انتهى .
وروى مسلم جزء منها أيضا في ج 3 ص 167
فالمسألة إذن غضب نبوي لما بلغه عن ( أصحابه ) وخطبة نارية . . وتحد نبوي
لهم في أنسابهم . . وأشد يوم مر عليهم مع نبيهم . . وبكاء الصحابة المعنيين خوفا من
إطاعة الرسول وسؤاله عن نسبهم . . والفضيحة . . وإعلان عمر توبته وتوبتهم . . ! !
وهكذا تبدأ خيوط الحادثة بالتجمع . . ويمكنك بعد ذلك أن تجمع من خيوطها
من نفس البخاري !
- قال البخاري في ج 1 ص 136 :
عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج
حين زاغت الشمس فصلى الظهر ، فقام على المنبر فذكر الساعة فذكر أن فيها أمورا
عظاما ، ثم قال : من أحب أن يسأل عن شئ فليسأل فلا تسألوني عن شئ إلا
أخبرتكم ما دمت في مقامي هذا ! ! فأكثر الناس في البكاء وأكثر أن يقول سلوني !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 278 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقام عبد الله بن حذافة السهمي فقال : من أبي ؟ قال أبوك حذافة !
ثم أكثر أن يقول سلوني ! ! فبرك عمر على ركبتيه فقال : رضينا بالله ربا
وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ! فسكت ، ثم قال : عرضت علي الجنة والنار آنفا في
عرض هذا الحائط فلم أر كالخير والشر !
- وقال البخاري في ج 7 ص 157 :
عن أنس ( رضي الله عنه ) سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه المسألة فغضب
فصعد المنبر فقال : لا تسألوني اليوم عن شئ إلا بينته لكم ، فجعلت أنظر يمينا
وشمالا فإذا كل رجل لاف رأسه في ثوبه يبكي ! فإذا رجل كان إذا لاحى الرجال
يدعى لغير أبيه ، فقال : يا رسول الله من أبي ؟ قال : حذافة ثم أنشأ عمر فقال : رضينا
بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا نعوذ بالله من الفتن .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط ! إنه
صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما وراء الحائط . وروى نحوه أيضا في ج 8 ص 94 .
- وقال البخاري في ج 8 ص 143 :
عن الزهري أخبرني أنس بن مالك ( رضي الله عنه ) عن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حين
زاغت الشمس فصلى الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة ، وذكر أن بين
يديها أمورا عظاما ثم قال : من أحب أن يسأل عن شئ فليسأل عنه ، فوالله لا تسألوني
عن شئ إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا ! قال أنس فأكثر الناس البكاء ! وأكثر
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول سلوني ! ! فقال أنس فقام إليه رجل فقال : أين
مدخلي يا رسول الله ؟ قال النار ! ! ! فقام عبد الله بن حذافة فقال : من أبي يا رسول
الله ؟ قال أبوك حذافة . قال ثم أكثر أن يقول سلوني سلوني ! ! فبرك عمر على ركبتيه
فقال : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا . قال
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك ! ثم قال رسول الله : أولى ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 279 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والذي نفسي بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وأنا
أصلي ، فلم أر كاليوم في الخير والشر !
- وقال البخاري في ج 4 ص 73 :
عن طارق بن شهاب قال سمعت عمر ( رضي الله عنه ) يقول :
قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاما فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل
الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم . . . ! حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه .
- وقال أبو داود ج 1 ص 542 :
عن أبي قتادة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله كيف
تصوم ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله ، فلما رأى ذلك عمر قال :
رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا نعوذ بالله من غضب الله ومن غضب
رسوله ، فلم يزل عمر يرددها . . حتى سكن غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
انتهى .
- وقال في مجمع الزوائد ج 1 ص 161 :
عن أبي فراس رجل من أسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم :
سلوني عما شئتم ؟ فقال رجل : يا رسول الله من أبي ؟ قال : أبوك فلان الذي تدعي
إليه ، وسأله رجل : في الجنة أنا ؟ قال : في الجنة . وسأله رجل : في الجنة أنا ؟ قال :
في النار ! ! ! فقال عمر : رضينا بالله ربا . رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال
الصحيح .
- وقال في مجمع الزوائد ج 7 ص 188 :
وعن أنس قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان ! فخطب الناس
فقال : لا تسألوني عن شئ اليوم إلا أخبرتكم به ، ونحن نرى أن جبريل معه ! قلت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 280 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فذكر الحديث إلى أن قال فقال عمر : يا رسول الله إنا كنا حديثي عهد بجاهلية فلا تبد
علينا سوآتنا فاعف عفا الله عنك ! رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح .
- وفي مجمع الزوائد ج 9 ص 170 :
وأتاه العباس فقال : يا رسول الله إني انتهيت إلى قوم يتحدثون فلما رأوني سكتوا
وما ذاك إلا لأنهم يبغضونا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو قد فعلوها ؟ !
والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدهم حتى يحبكم ، أيرجون أن يدخلوا الجنة
بشفاعتي ، ولا يرجوها بنو عبد المطلب !
- وفي مجمع الزوائد ج 9 ص 258 :
وجلس على المنبر ساعة وقال : أيها الناس ما لي أوذى في أهلي ؟ ! فوالله إن
شفاعتي لتنال حي حا ، وحكم ، وصدا ، وسلهب ، يوم القيامة !
- وفي مجمع الزوائد ج 8 ص 214 :
عقد الهيثمي بابا في عدة صفحات بعنوان : باب في كرامة أصله صلى الله عليه
وسلم . وأورد فيه أحاديث عن طهارة آباء النبي وأمهاته صلى الله عليه وعليهم ،
ونقل حوادث خطيرة أهان فيها القرشيون أسرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حياته ، وهم تحت
قيادته في المدينة ، وهم مسلمون مهاجرون ، أو طلقاء من عليهم بالعفو بالأمس في
فتح مكة ! فغضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأجابهم بشدة !
الحادثة الأولى :
عن عبد الله بن عمر قال إنا لقعود بفناء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرت
امرأة فقال رجل من القوم : هذه ابنة محمد ، فقال رجل من القوم : إن مثل محمد في
بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن ! فانطلقت المرأة فأخبرت النبي صلى الله
عليه وسلم فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب ، ثم قام على
القوم فقال : ما بال أقوال تبلغني عن أقوام ! إن الله عز وجل خلق السماوات سبعا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 281 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فاختار العليا منها فسكنها وأسكن سماواته من شاء من خلقه ، وخلق الخلق فاختار
من الخلق بني آدم ، واختار من بني آدم العرب ، واختار من العرب مضر ، واختار من
مضر قريشا ، واختار من قريش بني هاشم ، واختارني من بني هاشم ، فأنا من خيار
إلى خيار ، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم ، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم .
والثانية :
عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قال : أتى ناس من الأنصار
النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا نسمع من قومك حتى يقول القائل منهم إنما
مثل محمد نخلة نبتت في الكبا ( قال حسين الكبا الكناسة ) فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : أيها الناس من أنا ؟ قالوا أنت رسول الله ، قال : أنا محمد بن عبد الله بن
عبد المطلب - قال فما سمعناه ينتمي قبلها - ألا أن الله عز وجل خلق خلقه ثم فرقهم
فرقتين ، فجعلني في خير الفريقين ، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة ، ثم
جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا ، فأنا خيرهم بيتا وخيرهم نفسا . . . رواه أحمد
ورجاله رجال الصحيح .
والثالثة :
عن ابن عباس قال توفي ابن لصفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت
عليه وصاحت ، فأتاها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : يا عمة ما يبكيك ؟ قالت
توفي ابني ، قال : يا عمة من توفي له ولد في الإسلام فصبر ، بنى الله له بيتا في الجنة .
فسكتت ثم خرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبلها عمر بن
الخطاب فقال : يا صفية قد سمعت صراخك ، إن قرابتك من رسول الله صلى الله
عليه وسلم لن تغني عنك من الله شيئا ! فبكت فسمعها النبي صلى الله عليه وسلم
وكان يكرمها ويحبها ، فقال : يا عمة أتبكين وقد قلت لك ما قلت ؟ ! قالت : ليس ذاك
أبكاني يا رسول الله ، استقبلني عمر بن الخطاب فقال إن قرابتك من رسول الله صلى
الله عليه وسلم لن تغني عنك من الله شيئا ! قال فغضب النبي صلى الله عليه وسلم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 282 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال : يا بلال هجر بالصلاة فهجر بلال بالصلاة ، فصعد المنبر صلى الله عليه وسلم
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع ! ! كل سبب
ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ، فإنها موصولة في الدنيا والآخرة !
فقال عمر : فتزوجت أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهما لما سمعت من رسول الله
صلى الله عليه وسلم يومئذ ، أحببت أن يكون لي منه سبب ونسب .
ثم خرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررت على نفر من قريش فإذا
هم يتفاخرون ويذكرون أمر الجاهلية فقلت رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقالوا :
إن الشجرة لتنبت في الكبا ( المزبلة ) قال فمررت إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فأخبرته ! فقال يا بلال هجر بالصلاة فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيها الناس من
أنا ؟ قالوا أنت رسول الله ، قال أنسبوني ، قالوا أنت محمد بن عبد الله بن عبد
المطلب ، قال أجل أنا محمد بن عبد الله ، وأنا رسول الله ، فما بال أقوام يبتذلون
أصلي ! ! فوالله لأنا أفضلهم أصلا وخيرهم موضعا !
قال فلما سمعت الأنصار بذلك قالت قوموا فخذوا السلاح ، فإن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قد أغضب ، قال فأخذوا السلاح ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم لا
ترى منهم إلا الحدق ، حتى أحاطوا بالناس فجعلوهم في مثل الحرة ، حتى تضايقت
بهم أبواب المسجد والسكك ! ! ثم قاموا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالوا : يا رسول الله لا تأمرنا بأحد إلا أبرنا عترته . فلما رأى النفر من قريش ذلك
قاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذروا وتنصلوا ! ! فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : الناس دثار والأنصار شعار ، فأثنى عليهم وقال خيرا . انتهى .
- وقال في الدر المنثور ج 2 ص 335 :
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو غضبان محمار وجهه ، حتى جلس على المنبر فقام إليه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 283 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رجل فقال : أين آبائي ؟ قال في النار ! فقام آخر فقال من أبي ؟ فقال أبوك حذافة ،
فقام عمر بن الخطاب فقال : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن
إماما ، إنا يا رسول الله حديث عهد بجاهلية وشرك والله أعلم من آباؤنا ! ! فسكن
غضبه ، ونزلت هذه الآية : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم .
- وقال في الدر المنثور ج 4 ص 309 :
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سألت
عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) عن قول الله : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم
تسؤكم ؟ قال : كان رجال من المهاجرين في أنسابهم شئ فقالوا يوما والله لوددنا أن
الله أنزل قرآنا في نسبنا ، فأنزل الله ما قرأت .
ثم قال لي : إن صاحبكم هذا يعني علي بن أبي طالب إن ولي زهد ، ولكني
أخشى عجب نفسه أن يذهب به . قلت : يا أمير المؤمنين إن صاحبنا من قد علمت ،
والله ما نقول إنه غير ولا بدل ولا أسخط رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام صحبته !
فقال : يا بن عباس من ظن أنه يرد بحوركم فيغوص فيها حتى يبلغ قعرها فقد ظن
عجزا ! انتهى .
وراجع أيضا : سنن ابن ماجة ج 1 ص 546 ، ومسند أحمد ج 3 ص 162 و ص 177 و ج 5
ص 296 و 303 ، وسنن البيهقي ج 4 ص 286 ، ومصنف عبد الرزاق ج 11 ص 379 ، وكنز
العمال ج 4 ص 443 و ج 13 ص 453 .
* *
من مجموع هذه النصوص يصل الباحث إلى نتائج قطعية متعددة ، نذكر منها :
أولا - أن القرشيين لم يتركوا حساسيتهم من بني هاشم حتى بعد فتح مكة وإعلان
إسلامهم ! غاية الأمر أنهم استثنوا منهم شخص النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
بل من حق الباحث أن يشك في هذا أيضا ، فالطلقاء أسلموا مهزومين تحت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 284 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
السيف ! ولم يكونوا يستطيعون أن يتفوهوا بحرف على شخص النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وإلا
كفروا وعرضوا أنفسهم لسيوف الأنصار !
ثانيا - أن القرشيين كانوا في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وفي عاصمته ، وتحت لواء نبوته ،
وتحت سيوف الأنصار . . شرسين على أسرته وعشيرته ( صلى الله عليه وآله ) ، وكانت ألسنتهم بذيئة
على أصل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعشيرته ، حتى ضج من ذلك الأنصار ، وجاؤوا يشكون إلى
النبي ( صلى الله عليه وآله ) بذاءة قريش بحقه ، طالبين منه معالجة هذه الألسنة المنافقة ، أو إصدار أمر
بتقتيلهم . وقد قال الهيثمي عن حديث شكوى الأنصار : رجاله رجال الصحيح ! !
ثالثا - أن الحوادث التي تكلم فيها القرشيون على أسرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) متعددة ، فقد
نقلت كتب الحديث منها أكثر من عشرة حوادث ، ولا بد أن ما لم تنقله أكثر وأعظم ! !
رابعا - أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كانت حساسيته من هذا الموضوع عالية جدا ، وكان رده
دائما شديدا ، فهو يتعامل معه على أنه موضوع ديني وليس موضوعا شخصيا ، لأن
عدم الإيمان بأسرته الطاهرة ، يساوق عدم الإيمان به ( صلى الله عليه وآله )
خامسا - أن إحدى الحوادث كانت كبيرة بذاتها ، أو بالتراكم ، فغضب الله تعالى
لغضب نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ، وأمره بالرد على القرشيين ( المسلمين الصحابة ) وإتمام الحجة
عليهم ، وأنزل عليه جبرئيل ليكون إلى جانبه يوجهه ويجيبه عن أنساب القرشيين ،
وعن مستقبلهم في الجنة أو في النار ! ! ! .
سادسا - أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أحضرهم في المسجد وأمر الأنصار بمحاصرتهم بالسلاح ،
وخطب خطبة نبوية نارية بليغة عاصفة ، صب فيها الغضب الإلهي والنبوي على
القرشيين ، وتحداهم في أنسابهم وأعمالهم ونواياهم ! فلفوا رؤوسهم ! واستغشوا
ثيابهم ! وعلا خنينهم وبكاؤهم ! وكان ذلك أشد يوم عليهم ! ! !
فتدارك الموقف زعيمهم وتقدم وبرك على قدمي النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! وقبلها ! وبكى له !
ليعفو عنهم ! ولا يفضح أنسابهم ! وعشائرهم ! ولا يصدر عليهم حكمه بالقتل ، أو
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 285 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بالحرمان من الحقوق المدنية حتى أداء الشهادة ! ! فسكت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولم يقل لهم
كلمة قبول أو عفو ! وهدأت عاصفة الانتقام النبوي في الدنيا ! !
سابعا - إنها قضية ضخمة في الحساب العقائدي والفقهي والسياسي ، تستحق
الدراسة ووضع النقاط على الحروف . . ولكن الخلافة القرشية تعرف كيف تتخلص
منها ، فتعتم عليها إن استطاعت ، أو تحولها إلى مجد لقريش ، ولا تسمح لبني هاشم
أن يستفيدوا منها !
ومن أجل هذا كانت براعة الخليفة عمر في طريقة روايتها ، ثم كانت براعة الرواة
ومصنفي الصحاح في تجزئتها وتقطيع أوصالها وتغييب حقيقتها !
وهذه هي مهمة جيل ما بعد الأنبياء ! !
أما عبد الله بن الزبير الزهري ، فقد كان عنده عقدة من بني هاشم مع أنهم أخوال
أبيه ! وقد اشتهر عنه أنه لم يكن يطيق ذكرهم ، وأنه ترك حتى ذكر النبي ( صلى الله عليه وآله ) والصلاة
عليه في خطبة الجمعة حتى لا تشمخ أنوف بني هاشم بزعمه !
والظاهر أن القرشيين ربوه على كره بني هاشم منذ كان غلاما ، وأن له مشاركة في
قصة الغضب النبوي !
- فقد روى عنه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 8 ص 215 افتراء عجيبا على النبي في ذم
أهل بيته ( صلى الله عليه وآله ) حيث حول كلام قريش الذي غضب منه النبي ( صلى الله عليه وآله ) وغضب منه الله
تعالى من فوق عرشه كما رأيت . . إلى حديث مسند عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! !
- قال الهيثمي : وعن عبد الله ابن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثلي ومثل
أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في مزبلة . رواه الطبراني وهو منكر ، والظاهر أنه من قول
الزبير إن صح عنه ، فإن فيه ابن لهيعة ومن لم أعرفه .
وعن ابن الزبير أن قريشا قالت : إن مثل محمد مثل نخلة في كبوة . رواه البزار
بإسناد حسن ، وهذا الظن به .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 286 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

براعة البخاري في تضييع القضية

المحدث العادي - فضلا عن البخاري - يعرف أن هذا الحديث قصة واحدة كما
ذكر صاحب فتح الباري ، أو اثنتان في الأكثر . . وهنا تظهر براعة البخاري في اختراع
العناوين لجعل قطعة الحديث تحتها ، أو عقد باب مناسب لتغطية حقيقة الحديث !
ففي ج 1 ص 31 :
عقد له بابا باسم : باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره . فجعله من
نوع غضب المدرس والواعظ !
وفي ص 32 :
جعله من نوع تأدب التلميذ بين يدي معلمه فسمى الباب : باب من برك على
ركبتيه عند الإمام أو المحدث !
وفي ج 2 ص 136 :
وضع جزء منه تحت عنوان : باب وقت الظهر عند الزوال ! بحجة أن خطبة النبي
( صلى الله عليه وآله ) النارية القاصعة كانت عند الزوال !
وفي ج 4 ص 73 :
جعل جزء منه تحت عنوان : ما جاء في قول الله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم
يعيده وهو أهون عليه . . بحجة أن الراوي قال : قام فينا النبي ( ص ) مقاما فأخبرنا عن
بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم !
وفي ج 7 ص 157 :
عقد له بابا باسم : باب التعوذ من الفتن ! وكأن الموضوع كان حديثا هادئا عاما
لكل الأمة عن الفتن الآتية ، وأن عمر قال : رضينا بالله ربا وبمحمد رسولا . . . نعوذ
بالله من الفتن !
وفي ج 8 ص 142 :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 287 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عقد له بابا باسم : باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه وقوله تعالى : لا
تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم . . !
وكان ينبغي له أن يسمي الباب : باب وجوب امتثال أمر النبي إذا أمر بالسؤال ،
وأن لا يربط الآية به ، ولا يحشرها في هذا الموضوع أصلا كما فعلت قريش ، لأن
موضوع الآية كراهة السؤال ، وموضوع الحديث أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) المكرر المشدد
لقريش أن يسألوه !
اللهم إلا يقصد البخاري بكراهة السؤال : كراهة إلحاح المعلم على تلاميذه بقوله
سلوني ! فيكون الخطأ حينئذ من النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأنه ألح عليهم بالسؤال ! ويكون
موقف عمر تصحيحا لخطأ النبي ( صلى الله عليه وآله ) كما هي عادته المشكورة ! !

ماذا قال كبار الشراح ؟

لا خبر عند شراح الصحاح بالقضية ، فلا رأوا شيئا ولا سمعوا ولا قرؤوا ، ولا
شموا رائحة شئ يستوجب التساؤل والبحث ! !
- قال ابن حجر في فتح الباري :
قوله سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء . . كان منها السؤال عن الساعة وما
أشبه ذلك من المسائل ، كما سيأتي في حديث ابن عباس في تفسير المائدة !
- قوله قال رجل : هو عبد الله بن حذافة بضم أوله وبالذال المعجمة والفاء ،
القرشي السهمي ، كما سماه في حديث أنس الآتي .
- قوله فقام آخر : هو سعد بن سالم مولى شيبة بن ربيعة ، سماه بن عبد البر في
التمهيد في ترجمة سهيل بن أبي صالح ، وأغفله في الإستيعاب ولم يظفر به أحد
من الشارحين ، ولا من صنف في المبهمات ولا في أسماء الصحابة ، وهو صحابي
بلا مرية ، لقوله فقال من أبي يا رسول الله ؟ ووقع في تفسير مقاتل في نحو هذه القصة
أن رجلا من بني عبد الدار قال من أبي ؟ قال سعد : نسبه إلى غير أبيه ، بخلاف ابن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 288 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حذافة ! وسيأتي مزيد لهذا في تفسير سورة المائدة .
- قوله فلما رأى عمر . . هو بن الخطاب . . ما في وجهه ، أي من الغضب ، قال : يا
رسول الله إنا نتوب إلى الله ، أي مما يوجب غضبك ، وفي حديث أنس الآتي بعد أن
عمر برك على ركبتيه ، فقال : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ، والجمع
بينهما ظاهر ، بأنه قال جميع ذلك فنقل كل من الصحابيين ما حفظ ، ودل على اتحاد
المجلس اشتراكهما في نقل قصة عبد الله بن حذافة .
- تنبيه : قصر المصنف الغضب على الموعظة والتعليم دون الحكم لأن الحاكم
مأمور أن لا يقضي وهو غضبان ، والفرق أن الواعظ من شأنه أن يكون في صورة
الغضبان ، لأن مقامه يقتضي تكلف الانزعاج لأنه في صورة المنذر ! !
وكذا المعلم إذا أنكر على من يتعلم منه سوء فهم ونحوه ، لأنه قد يكون أدعى
للقبول منه ، وليس ذلك لازما في حق كل أحد ، بل يختلف باختلاف أحوال
المتعلمين . وأما الحاكم فهو بخلاف ذلك كما يأتي في بابه .
فإن قيل : فقد قضى عليه الصلاة والسلام في حال غضبه حيث قال : أبوك فلان !
فالجواب : أن يقال أولا ، ليس هذا من باب الحكم ! ! وعلى تقديره فيقال هذا من
خصوصياته لمحل العصمة ، فاستوى غضبه ورضاه ، ومجرد غضبه من الشئ دال
على تحريمه أو كراهته ، بخلاف غيره صلى الله عليه وسلم .
- قوله باب من برك : هو بفتح الموحدة والراء المخففة يقال : برك البعير إذا
استناخ ، واستعمل في الآدمي مجازا .
قوله خرج ، فقام عبد الله بن حذافة : فيه حذف يظهر من الرواية الأخرى ،
والتقدير خرج فسئل فأكثروا عليه ، فغضب ! ! فقال سلوني ، فقام عبد الله .
قوله فقال رضينا بالله ربا . . قال ابن بطال : فهم عمر منه أن تلك الأسئلة قد تكون
على سبيل التعنت أو الشك ، فخشي أن تنزل العقوبة بسبب ذلك ! فقال رضينا بالله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 289 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ربا الخ . فرضي النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فسكت !
- قوله وقال سلوني : في حديث أنس المذكور فصعد المنبر فقال : لا تسألوني عن
شئ إلا بينته لكم .
وفي رواية سعيد بن بشير عند قتادة عن أبي حاتم : فخرج ذات يوم حتى صعد
المنبر ، وبين في رواية الزهري المذكورة في هذا الباب وقت وقوع ذلك ، وأنه بعد أن
صلى الظهر ، ولفظه : خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فلما سلم قام على
المنبر فذكر الساعة ، ثم قال : من أحب ( ! ) أن يسأل عن شئ فليسأل عنه ، فذكر
نحوه .
- قوله فقام رجل فقال يا رسول الله من أبي ؟ بين في حديث أنس من رواية
الزهري اسمه ، وفي رواية قتادة سبب سؤاله ، قال فقام رجل كان إذا لاحى أي
خاصم دعي إلى غير أبيه ، وذكرت اسم السائل الثاني ، وأنه سعد ، وأني نقلته من
ترجمة سهيل بن أبي صالح من تمهيد ابن عبد البر .
وزاد في رواية الزهري الآتية بعد حديثين فقام إليه رجل فقال : أين مدخلي يا
رسول الله ؟ قال : النار ! ولم أقف على اسم هذا الرجل في شئ من الطرق كأنهم
أبهموه عمدا للستر عليه !
وللطبراني من حديث أبي فراس الأسلمي نحوه ، وزاد : وسأله رجل في الجنة
أنا ؟ قال : في الجنة ، ولم أقف على اسم هذا الآخر .
ونقل ابن عبد البر عن رواية مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته :
لا يسألني أحد عن شئ إلا أخبرته ، ولو سألني عن أبيه ، فقام عبد الله بن حذافة ،
وذكر فيه عتاب أمه له وجوابه ، وذكر فيه فقام رجل فسأل عن الحج فذكره ، وفيه فقام
سعد مولى شيبة فقال : من أنا يا رسول الله ؟ قال أنت سعد بن سالم مولى شيبة . وفيه
فقام رجل من بني أسد فقال : أين أنا ؟ قال : في النار ! ! فذكر قصة عمر ، قال فنزلت :
يا أيها الذي آمنوا لا تسألوا عن أشياء . . الآية .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 290 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال ، وكثرة السؤال ( ؟ ! ) وبهذه الزيادة
يتضح أن هذه القصة سبب نزول : لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ، فإن
المساءة في حق هذا جاءت صريحة بخلافها في حق عبد الله بن حذافة ، فإنها بطريق
الجواز أي لو قدر أنه في نفس الأمر لم يكن لأبيه ، فبين أباه الحقيقي لافتضحت أمه ،
كما صرحت بذلك أمه حين عاتبته على هذا السؤال ، كما تقدم في كتاب الفتن .
قوله : فلما رأى عمر ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغضب . . بين
في حديث أنس أن الصحابة كلهم فهموا ذلك ، ففي رواية هشام فإذا كل رجل لافا
رأسه في ثوبه يبكي ، وزاد في رواية سعيد بن بشير : وظنوا أن ذلك بين يدي أمر قد
حضر ! وفي رواية موسى بن أنس عن أنس الماضية في تفسير المائدة : فغطوا
رؤوسهم ولهم حنين . . زاد مسلم من هذا الوجه : فما أتى على أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوم كان أشد منه !
قوله : فقال إنا نتوب إلى الله عز وجل . . زاد في رواية الزهري : فبرك عمر على
ركبته فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا . وفي رواية قتادة من الزيادة
نعوذ بالله من شر الفتن . وفي مرسل السدي عند الطبري في نحو هذه القصة : فقام
إليه عمر فقبل رجله وقال رضينا بالله ربا فذكر مثله ، وزاد : وبالقرآن إماما فاعف عفى
الله عنك فلم يزل به . . . حتى رضي .
وفي هذا الحديث غير ما يتعلق بالترجمة مراقبة الصحابة أحوال النبي صلى الله
عليه وسلم وشدة إشفاقهم إذا غضب خشية أن يكون لأمر يعم فيعمهم ، وإدلال
عمر عليه وجواز تقبيل رجل الرجل ، وجواز الغضب في الموعظة ، وبروك الطالب
بين يدي من يستفيد منه ، وكذا التابع بين يدي المتبوع إذا سأله في حاجة ،
ومشروعية التعوذ من الفتن عند وجود شئ قد يظهر منه قرينة وقوعها ، واستعمال
المزاوجة في الدعاء في قوله اعف عفى الله عنك ، وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 291 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
معفو عنه قبل ذلك .
قال ابن عبد البر : سئل مالك عن معنى النهي عن كثرة السؤال ، فقال : ما أدري
أنهى عن الذي أنتم فيه من السؤال عن النوازل ، أو عن مسألة الناس المال .
قال ابن عبد البر : الظاهر الأول ، وأما الثاني فلا معنى للتفرقة بين كثرته وقلته ، لا
حيث يجوز ولا حيث لا يجوز .
قال : وقيل كانوا يسألون عن الشئ ويلحون فيه إلى أن يحرم . قال : وأكثر العلماء
على أن المراد كثرة السؤال عن النوازل والأغلوطيات والتوليدات ، كذا .
- وقال النووي في شرح مسلم ج 8 ص 49 - 50 في سبب غضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) كما تصوره أو صوره :
قوله : رجل أتى النبي فقال كيف تصوم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم . .
قال العلماء : سبب غضبه أنه كره مسألته ، لأنه يحتاج إلى أن يجيبه ويخشى من
جوابه مفسدة ، وهي أنه ربما اعتقد السائل وجوبه أو استقله أو اقتصر عليه ، وكان
يقتضي حاله أكثر منه ! !
- وقال في ج 15 - 16 ص 112 :
قوله : غطوا رؤوسهم ولهم خنين ، هو بالخاء المعجمة هكذا هو في معظم النسخ
ولمعظم الرواة ولبعضهم بالحاء المهملة . وممن ذكر الوجهين القاضي وصاحب
التحرير وآخرون ، قالوا : ومعناه بالمعجمة صوت البكاء وهو نوع من البكاء دون
الانتحاب . قالوا وأصل الخنين خروج الصوت من الأنف كالحنين بالمهملة من الفم .
وقال الخليل : هو صوت فيه غنة ، وقال الأصمعي : إذا تردد بكاؤه فصار في كونه غنة
فهو خنين . وقال أبو زيد : الخنين مثل الخنين وهو شديد البكاء .
قوله : فلما أكثر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يقول : سلوني برك عمر فقال : رضينا بالله ربا
وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا . فسكت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حين قال عمر ذلك . قال
العلماء : هذا القول منه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) محمول على أنه أوحي إليه وإلا فلا يعلم كل ما سئل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 292 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عنه من المغيبات إلا بإعلام الله تعالى .
قال القاضي : وظاهر الحديث أن قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : سلوني إنما كان غضبا كما قال في
الرواية الأخرى سئل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب ، ثم قال
للناس : سلوني . وكان اختياره صلى الله عليه وسلم ترك تلك المسائل ، لكن وافقهم
في جوابها ، لأنه لا يمكن رد السؤال ، ولما رآه من حرصهم عليها ! ! والله أعلم .
وأما بروك عمر ( رضي الله عنه ) وقوله : فإنما فعله أدبا وإكراما لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وشفقة على
المسلمين لئلا يؤذوا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيهلكوا ! !
ومعنى كلامه : رضينا بما عندنا من كتاب الله تعالى وسنة نبينا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم )
واكتفينا به عن السؤال . ففيه أبلغ كفاية . انتهى .
وأنت ترى أن ابن حجر والنووي غائبان عن كلام النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأن في كلامهما
تهافتا ونقاط ضعف كثيرة لا نطيل فيها . . وليس كلام غيرهما من الشراح أفضل ، وإن
كان فيه مادة مهمة لمن أراد أن يتتبع ملف القضية !

الحادثة في بعض روايات أهل البيت ( عليهم السلام )

- قال النيشابوري في الفضائل ص 134 :
عن سليم بن قيس يرفعه إلى أبي ذر والمقداد وسلمان قالوا : قال لنا أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب : إني مررت بفلان يوما فقال لي : ما مثل محمد في أهل بيته إلا
كمثل نخلة نبتت في كناسة ! قال : فأتيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فذكرت ذلك له ، فغضب
غضبا شديدا ، فقام فخرج مغضبا وصعد المنبر ففزعت الأنصار ولبسوا السلاح ، لما
رأوا من غضبه ، ثم قال : ما بال أقوام يعيرون أهل بيتي ؟ ! ! وقد سمعوني أقول في
فضلهم ما أقول ، وخصصتهم بما خصهم الله تعالى به ، وفضل عليا عليهم بالكرامة
وسبقه إلى الإسلام وبلائه ، وأنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي !
ثم إنهم يزعمون أن مثلي في أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في كناسة ! ألا إن الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 293 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سبحانه وتعالى خلق خلقه وفرقهم فرقتين ، وجعلني في خيرها شعبا وخيرها قبيلة ،
ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرها بيتا ، حتى حصلت في أهل بيتي وعشيرتي وبني
أبي ، أنا وأخي علي بن أبي طالب . . .
أنا خير النبيين والمرسلين ، وعلي خير الوصيين ، وأهل بيتي خير بيوت أهل
النبيين ، وفاطمة ابنتي سيدة نساء أهل الجنة أجمعين .
أيها الناس : أترجون شفاعتي لكم ، وأعجز عن أهل بيتي ؟ !
أيها الناس : ما من أحد غدا يلقى الله تعالى مؤمنا لا يشرك به شيئا إلا أجره الجنة ،
ولو أن ذنوبه كتراب الأرض .
أيها الناس : لو أخذت بحلقة باب الجنة ثم تجلى لي الله عز وجل ، فسجدت بين
يديه ثم أذن لي في الشفاعة ، لم أوثر على أهل بيتي أحدا .
أيها الناس : عظموا أهل بيتي في حياتي وبعد مماتي ، وأكرموهم وفضلوهم ، لا
يحل لأحد أن يقوم لأحد غير أهل بيتي ، فانسبوني من أنا ؟ !
قال فقام الأنصار وقد أخذوا بأيدهم السلاح ، وقالوا : نعوذ الله من غضب الله
وغضب رسوله ، أخبرنا يا رسول الله من آذاك في أهل بيتك حتى نضرب عنقه ؟ ! !
قال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، ثم انتهى بالنسب إلى نزار ، ثم مضى إلى
إسماعيل بن إبراهيم خليل الله ، ثم مضى منه إلى نوح ، ثم قال : أنا وأهل بيتي كطينة
آدم ( عليه السلام ) نكاح غير سفاح !
سلوني ، والله لا يسألني رجل إلا أخبرته عن نسبه وعن أبيه !
فقام إليه رجل فقال : من أنا يا رسول الله ؟ فقال : أبوك فلان الذي تدعى إليه ! قال
فارتد الرجل عن الإسلام .
ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) والغضب ظاهر في وجهه : ما يمنع هذا الرجل الذي يعيب على أهل
بيتي وأهلي وأخي ووزيري وخليفتي من بعدي وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي ، أن
يقوم ويسألني عن أبيه ، وأين هو في جنة أم في نار ؟ !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 294 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال فعند ذلك خشي فلان على نفسه أن يذكره رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويفضحه بين
الناس فقام وقال : نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله ، ونعوذ بالله من غضب الله
وغضب رسوله ، أعف عنا عفى الله عنك ، أقلنا أقالك الله ، أسترنا سترك الله ، إصفح
عنا جعلنا الله فداك . فاستحى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وسكت ، فإنه كان من أهل الحلم وأهل
الكرم وأهل العفو ثم نزل ( صلى الله عليه وآله ) ! !
- وقال فرات الكوفي في تفسيره ص 392 :
حدثنا عبد السلام بن مالك قال : حدثنا محمد بن موسى بن أحمد قال : حدثنا
محمد بن الحارث الهاشمي قال : حدثنا الحكم بن سنان الباهلي ، عن ابن جريج ،
عن عطاء بن أبي رباح قال : قلت لفاطمة بنت الحسين : أخبريني جعلت فداك
بحديث أحدث واحتج به على الناس . قالت : نعم أخبرني أبي أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان
نازلا بالمدينة ، وأن من أتاه من المهاجرين مرسوا أن يفرضوا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فريضة
يستعين بها على من أتاه ، فأتوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقالوا : قد رأينا ما ينوبك من النوائب ،
وإنا أتيناك لتفرض فريضة تستعين بها على من أتاك .
قال : فأطرق النبي ( صلى الله عليه وآله ) طويلا ، ثم رفع رأسه فقال : إني لم أؤمر أن آخذ منكم على
ما جئتم به شيئا ، إنطلقوا فإني لم أؤمر بشئ ، وإن أمرت به أعلمتكم .
قال : فنزل جبرئيل ( عليه السلام ) فقال : يا محمد إن ربك قد سمع مقالة قومك ، وما عرضوا
عليك ، وقد أنزل الله عليهم فريضة : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى .
قال فخرجوا وهم يقولون : ما أراد رسول الله إلا أن تذل الأشياء وتخضع الرقاب ما
دامت السماوات والأرض لبني عبد المطلب ! !
قال : فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى علي بن أبي طالب أن أصعد المنبر وادع الناس
إليك ثم قل : أيها الناس من انتقص أجيرا أجره فليتبوأ مقعده من النار ، ومن ادعى
إلى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار ، ومن انتفى من والديه فليتبوأ مقعده من النار ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 295 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال : فقام رجل وقال : يا أبا الحسن ما لهن من تأويل ؟ فقال : الله ورسوله أعلم .
فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره ، فقال رسول الله : ويل لقريش من تأويلهن ! ثلاث مرات .
ثم قال : يا علي انطلق فأخبرهم أني أنا الأجير الذي أثبت الله مودته من السماء ، ثم
أنا وأنت مولى المؤمنين ، وأنا وأنت أبوا المؤمنين .
ثم خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا معشر قريش والمهاجرين والأنصار . فلما
اجتمعوا قال : يا أيها الناس ، إن عليا أولكم إيمانا بالله وأقومكم بأمر الله ، وأوفاكم
بعهد الله ، وأعلمكم بالقضية ، وأقسمكم بالسوية ، وأرحمكم بالرعية ، وأفضلكم
عند الله مزية . ثم قال : إن الله مثل لي أمتي في الطين ، وعلمني أسماءهم كما علم
آدم الأسماء كلها ، ثم عرضهم فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرت لعلي وشيعته ،
وسألت ربي أن تستقيم أمتي على علي من بعدي ، فأبى إلا أن يضل من يشاء ويهدي
من يشاء . انتهى .
- وقال محمد بن سليمان في المناقب ج 2 ص 122 :
عن عبد المطلب بن أبي ربيعة قال : قال العباس : يا رسول الله إن قريشا إذا لقي
بعضهم بعضا لقوا ببشر حسن ، وإذا لقونا لقونا بوجوه ننكرها ! فغضب رسول
الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) غضبا شديدا ، ثم قال : والذي نفسي بيده لا يدخل قلب عبد الإيمان حتى
يحبكم لله ورسوله . هكذا قال خالد قال أبو خليفة ، فأما أبي فحدثناه عن يزيد بن
هارون ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبد الله بن الحارث ، عن العباس بن عبد
المطلب ( رضي الله عنه ) قال : قلت : يا رسول الله . . فذكر نحوه أو مثله .
وقال في هامشه :
وروى أبو بكر بن أبي شيبة في الحديث الأول والثالث من فضائل العباس من كتاب
الفضائل تحت الرقم : 12259 والرقم : 12261 من كتاب المصنف : ج 12 ص 108 -
109 قال : حدثنا ابن فضيل ، عن يزيد ، عن عبد الله بن الحارث قال : حدثني عبد المطلب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 296 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أن العباس دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو مغضب ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أغضبك ؟ قال : يا رسول الله
ما لنا ولقريش إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة وإذا لقونا لقونا بغير ذلك ؟ ! قال :
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمر وجهه ، وحتى استدر عرق بين عينيه ،
وكان إذا غضب استدر العرق - فلما سرى عنه قال : والذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب
رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله . ثم قال : أيها الناس من آذى العباس فقد آذاني إنما
عم الرجل صنو أبيه .
حدثنا ابن نمير عن سفيان عن أبيه عن أبي الضحى مسلم بن صبيح قال : قال العباس :
يا رسول الله إنا لنرى الضغائن في وجوه قوم من وقائع أوقعتها فيهم . فقال النبي صلى الله
عليه وسلم : لن يصيبوا خيرا حتى يحبوكم لله ولقرابتي ، ترجو سلهب شفاعتي ولا
يرجوها بنو عبد المطلب ؟ !
أقول : والحديث الأول رواه الحاكم في فضائل العباس من كتاب المستدرك ج 3 ص
332 قال : أخبرنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق أخبرنا إسماعيل بن قتيبة حدثنا يحيى بن
يحيى وإسحاق بن إبراهيم وأبو بكر بن أبي شيبة قالوا : . . .
وأيضا الأولان رواهما أحمد بن حنبل في مسند عبد المطلب بن ربيعة من كتاب
المسند ، ورواه عنه ابن كثير في تفسير آية المودة من سورة الشورى من تفسيره .
وقد روى الحافظ ابن عساكر معنى الحديث بوجوه وأسانيد في ترجمة العباس من
تاريخ دمشق ، كما أورده أيضا البدران في تهذيبه : ج 7 ص 239 فراجعهما .
وروى عمر بن شبه في عنوان : ذكر فضل بني هاشم . . . من تاريخ المدينة المنورة : ج
2 ص 639 قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن يزيد بن أبي
زياد عن عبد الله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب قال : قلت : يا رسول الله إن قريشا
إذا لقي بعضها بعضا لقوا ببشر حسن وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها ! فغضب النبي غضبا
شديدا فقال : والذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب عبد الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 297 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حدثنا خلف بن الوليد قال : حدثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث
عن المطلب بن ربيعه بنحوه .
حدثنا عمرو بن عون قال : أنبأنا بن عبد الله عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث
عن المطلب بن ربيعة قال : كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليه
العباس وهو مغضب فقال : يا نبي الله ما بال قريش إذا تلاقوا بينها فتلاقوا بوجوه مبشرة
وإذا لقونا لقونا بغير ذلك ! قال : فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى احمر وجهه وقال :
لا يدخل قلب رجال الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله .
وحدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي قال : حدثني أبي عن أبيه عن جده
قال : قال العباس : يا رسول الله إن قريشا تتلاقى بينهما بوجوه لا تلقانا بها ! فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : أما إن الإيمان لا يدخل أجوافهم حتى يحبوكم لي .
حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا سفيان عن أبيه عن أبي الضحى : عن ابن عباس قال : جاء
العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنك تركت فينا ضغائن منذ صنعت الذي
صنعت ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن يبلغوا الخير - أو قال الإيمان - حتى
يحبوكم لله لقرابتي ، أيرجو سؤلهم شفاعتي من مراد ولا يرجو بنو عبد المطلب شفاعتي .
انتهى .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 298 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

وسعوا شفاعة النبي لليهود والنصارى ولم يسمحوا أن تشمل أسرته ! !

شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) تتسع لكل المسلمين . . بل لكل الموحدين . . بل لكل الخلق . .
هذا ما تقوله مصادر إخواننا السنيين . . ولكن هذه المصادر عندما تصل إلى آباء
النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأسرته تختلف لهجتها ! فالشفاعة لا تشملهم ، بل هم في النار والعذاب . .
وأحسنهم حالا أبو طالب الذي ( يشفع ) له النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأنه نصره ، فلا تؤثر شفاعته
فيه بسبب شرك أبي طالب وكثرة ذنوبه ! فيضعه الله تعالى في ضحضاح ماء ناري
يغمر قدميه فيغلي منه دماغه ! !
وفيما يلي نستعرض ما رواه السيوطي في تفسير قوله تعالى : وأنذر عشيرتك
الأقربين ، ولك أن تلاحظ التأثيرات القرشية على هذه الروايات .
وينبغي أولا أن نشير إلى أن مرحلة ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) هي المرحلة
الأولى من دعوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهي مرحلة الدعوة الخاصة لأقاربه بني هاشم ، وقد
استمرت هذه المرحلة عدة سنين ، ثم بدأت بعدها المرحلة العامة ، عندما أمره الله
تعالى بأن يصدع بدعوته لعامة الناس . .
ولكن المؤرخين أتباع الخلافة القرشية يعتمون على هذه المرحلة ، أو يسمونها
المرحلة السرية ، أو مرحلة ما قبل دار الأرقم . . الخ . وقد أعطوا لدار الأرقم دورا
خياليا لطمس حقيقة أن الدعوة الإلهية اختصت في مرحلتها الأولى ببني هاشم ،
وأنهم وحدهم حموا النبي ( صلى الله عليه وآله ) من فراعنة قريش ، وقد فعل ذلك مسلمهم إيمانا ،
وكافرهم حمية ، وتحملوا جميعا ما عدا أبي لهب قرار المقاطعة والحصار القرشي
ثلاث سنوات بل أربع سنوات . . حتى فك الله حصارهم بمعجزة ! !
- قال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 95 :
قوله تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين .
أخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر
وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان وفي الدلائل عن أبي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 299 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
هريرة ( رضي الله عنه ) قال لما نزلت هذه الآية : وأنذر عشيرتك الأقربين ، دعا رسول الله صلى
الله عليه وسلم قريشا وعم وخص ، فقال :
يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرا ولا نفعا .
يا معشر بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار ، فإني لا أملك لكم ضرا ولا نفعا .
يا معشر بني قصي أنقذوا أنفسكم من النار ، فإني لا أملك لكم ضرا ولا نفعا .
يا معشر بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار ، فإني لا أملك لكم ضرا ولا نفعا .
يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار ، فإني لا أملك لكم ضرا ولا نفعا .
يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار ، فإني لا أملك لك ضرا ولا نفعا ، إلا
أن لكم رحما وسأبلها ببلالها .
- وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزلت
وأنذر عشيرتك الأقربين ، جعل يدعوهم قبائل قبائل . انتهى .
ففي هذه الرواية ( الصحيحة ) في مصادرهم صار معنى ( عشيرتك الأقربين ) كل
قريش ! وصار تعبير ( الأقربين ) غلطا قرآنيا يلزم على قريش أن تصححه ! لأنه لم يبق
معنى لعشيرته الأبعدين والأوسطين !
وصار أول ما قاله النبي ( صلى الله عليه وآله ) لهم : إن قرابتي لا تنفعكم وشفاعتي لا تنالكم ! وصار
كل القرشيين أرحام النبي الذين وعدهم بصلة الرحم والشفاعة يوم القيامة !
ولكن هذا الكلام يناسب منطق النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد انتصاره وفتحه مكة مثلا ، ولا
يناسب بداية نبوته ودعوته عشيرته الأقربين للتوحيد والإسلام ! وقد ورد شبيه
لذلك عند فتح مكة .
غير أن القرشيين يريدون سلب أي امتياز أعطاه الله ورسوله لبني هاشم ،
فالامتيازات لقريش كلها ، لا لبني هاشم ! وفي نفس الوقت يريدون خلط أنفسهم
بعشيرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) والاستفادة من قرابته أمام العالم !
وقد استفادوا منه فعلا في مقابل الأنصار في السقيفة ، وقامت خلافة أبي بكر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 300 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وعمر على حق ( قرابتهما ) من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! بل تجرأ رواة القرشيين ووضعوا على
لسان النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن عشيرته الأقربين هم كل قريش !
- قال في الدر المنثور ج 5 ص 96 :
وأخرج ابن مردويه عن عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قريشا
فقال : وأنذر عشيرتك الأقربين ، يعني قومي !
- وفي مسند أحمد ج 2 ص 333 :
عن أبي هريرة قال : لما نزلت : وأنذر عشيرتك الأقربين ، جعل يدعو بطون قريش
بطنا بطنا يا بني فلان أنقذوا أنفسكم من النار . . حتى انتهى إلى فاطمة فقال : يا فاطمة
ابنة محمد ، أنقذي نفسك من النار ، لا أملك لكم من الله شيئا ، غير أن لكم رحما
سأبلها ببلالها .
ولكن روايات أخرى فلتت منهم واعترفت بأن عشيرته الأقربين تعني بني هاشم
فقط !
- قال في الدر المنثور ج 5 ص 98 : قوله تعالى : واخفض جناحك . . الآيتين ، أخرج ابن
جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال لما نزلت : وأنذر عشيرتك الأقربين ، بدأ بأهل
بيته وفصيلته ، فشق ذلك على المسلمين فأنزل الله : واخفض جناحك . انتهى .
فالرواية تعترف بأن عشيرته الأقربين هم أهل بيته وفصيلته ، لكنها تجعل الآية
التي بعدها لبقية المسلمين ! ولكن من هم المسلمون الذين شق عليهم ذلك ! وهل
كان يوجد مسلم من غير بني هاشم عند نزول الآية ؟ !
لقد كان الأولى بالرواية أن تقول : شق ذلك على قريش قبل إسلامها ، وبعد أن
اضطرت للدخول في الإسلام ، فجعلت خلافة النبي ( صلى الله عليه وآله ) إرثا لها دون بني هاشم !

روايات أخرى غير منطقية أيضا

من عادة المفسرين عندما يصلون إلى آية في حق أهل البيت ( عليهم السلام ) أن يحشدوا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 301 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الآراء والاحتمالات والروايات المتناقضة فيها ، ليضيعوا بذلك مناقب عترة نبيهم
( صلى الله عليه وآله ) ! ومما حشده المفسرون هنا :
- ما رواه السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 96 قال :
- وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ( رضي الله عنه ) : وأنذر عشيرتك الأقربين ، قال ذكر لنا أن
نبي الله صلى الله عليه وسلم نادى على الصفا بأفخاذ عشيرته فخذا فخذا يدعوهم
إلى الله فقال في ذلك المشركون : لقد بات هذا الرجل يهوت منذ الليلة .
قال وقال الحسن ( رضي الله عنه ) : جمع نبي الله صلى الله عليه وسلم أهل بيته قبل موته
فقال : ألا إن لي عملي ولكم عملكم ، ألا إني لا أغني عنكم من الله شيئا ، ألا إن
أوليائي منكم المتقون ، ألا لا أعرفنكم يوم القيامة تأتون بالدنيا تحملونها على
رقابكم ، ويأتي الناس يحملون الآخرة . يا صفية بنت عبد المطلب يا فاطمة بنت
محمد إعملا فإني لا أغني عنكما من الله شيئا . انتهى .
أما رواية قتادة فإن النداء على الصفا يناسب المرحلة العامة التي أمر النبي فيها أن
يصدع بالدعوة لكل الناس . . أما إنذار عشيرته الخاصين الذين كان عدد رجالهم
أربعين نفرا فيناسبه أن يدعوهم إلى طعام ويحدثهم كما ورد في الروايات المعقولة .
وأما رواية قتادة عن الحسن البصري إن صحت فلا علاقة لها بالموضوع ، لأنها
عند وفاته ( صلى الله عليه وآله ) والآية نزلت في أول بعثته !
ومع أن الحسن البصري غلام فارسي ، فهو مع قبائل قريش وحساسيتها ضد أهل
بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويريد أن يقول بهذه الرواية إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يخاف من حرص ابنته
فاطمة وعمته صفية وعترته على الدنيا ، ولذلك جمعهم وحذرهم !
- وقال في الدر المنثور ج 5 ص 96 :
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا بني
هاشم ويا صفية عمة رسول الله ، إني لا أغني عنكم من الله شيئا ، إياكم أن يأتي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 302 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الناس يحملون الآخرة وتأتون أنتم تحملون الدنيا ، وإنكم تردون على الحوض ذات
الشمال وذات اليمين ، فيقول القائل منكم يا رسول الله أنا فلان ابن فلان ، فأعرف
الحسب وأنكر الوصف ، فإياكم أن يأتي أحدكم يوم القيامة وهو يحمل على ظهره
فرسا ذات حمحمة ، أو بعيرا له رغاء ، أو شاة لها ثغاء ، أو يحمل قشعا من أدم ،
فيختلجون من دوني ، ويقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ! فطيبوا نفسا وإياكم
أن ترجعوا القهقري من بعدي !
قال عكرمة ( رضي الله عنه ) : إنما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول حيث
أنزل الله عليه : وأنذر عشيرتك الأقربين . انتهى .
ومع أن عكرمة غلام لابن عباس الهاشمي ، لكنه معروف ببغضه لعترة النبي ( صلى الله عليه وآله )
حتى أنه انضم إلى الخوارج . وهو بهذا التفسير يقول إن عليا وفاطمة وعترة النبي
انحرفوا بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ورجعوا بعده القهقري ! لأنهم عارضوا خلافة قريش ولم
يطيبوا نفسا عن الخلافة لقريش ، ولذلك سوف يمنعون من ورود الحوض ، ولا
تنالهم شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
لقد أخذ عكرمة عبارات النبي ( صلى الله عليه وآله ) التي روت الصحاح أنه قالها عن صحابته
الذين يرتدون من بعده ويمنعون من ورود حوضه يوم القيامة ، وجعلها لعشيرة النبي
( صلى الله عليه وآله ) الأقربين ، ثم ادعى عكرمة أن النبي كان يعرف هذا الانحراف من أول يوم أمره
الله تعالى أن ينذر عشيرته الأقربين !
وقد روى السيوطي نفس مضمون عكرمة عن أبي أمامة أيضا .
- ثم قال في الدر المنثور ج 5 ص 97 :
وأخرج ابن مردويه وابن عساكر والديلمي عن عبد الواحد الدمشقي قال : رأيت
أبا الدرداء يحدث الناس ويفتيهم وولده وأهل بيته جلوس في جانب الدار
يتحدثون ، فقيل له : يا أبا الدرداء ما بال الناس يرغبون فيما عندك من العلم وأهل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 303 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بيتك جلوس لاهين ؟ ! فقال : إني سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن
أزهد الناس في الأنبياء وأشدهم عليهم الأقربون ! وذلك فيما أنزل الله : وأنذر
عشيرتك الأقربين . . إلى آخر الآية . انتهى .
فهؤلاء الرواة الشاميون يريدون أن يقولوا على لسان أبي الدرداء : إن أولاد النبي
وعترته ( صلى الله عليه وآله ) كانوا لاهين عن علمه كأولاد أبي الدرداء ! وإن بني هاشم كانوا أشد
الناس على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقد كذبوه وأرادوا قتله ، وحاصروه في شعب بني أمية ! ! لكن
القرشيين حموه من بني هاشم ، وتحملوا معه الحصار أربع سنوات ، فحق لهم أن
يرثوه ويحكموا من بعده ، خاصة آل أبي سفيان الكرام ! !
* *
ويطول بنا الكلام إذا أردنا أن ننقد كل ما رووه في تفسير هذه الآية ، وكيف جردوا
عترة النبي وعشيرته الأقربين ( صلى الله عليه وآله ) من كل فضيلة ، وحرموهم من كل امتياز أعطاهم
إياه الله تعالى ورسوله !
ولكنا نشير هنا إلى أن الرواة خلطوا عن عمد وبعضهم عن جهل بين أربع حوادث :
الأولى : نزول الآية وبداية إنذار النبي ( صلى الله عليه وآله ) لبني عبد المطلب بدعوتهم إلى طعام .
والثانية : مرحلة الإنذار العام عندما صعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) على الصفا في المرحلة الثانية
من الدعوة ، ونادى واصباحاه ، وبدأ يدعو قريشا والعالم .
والثالثة : عندما دخل النبي ( صلى الله عليه وآله ) مكة فاتحا ، وخضع له أبو سفيان وبقية أئمة الكفر
من قريش ، وأحس بعض بنو عبد المطلب بالنصر والفخر ، وامتلأت قلوب القرشيين
حسدا لهم ، وتفكيرا في مرحلة ما بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
والرابعة : في مرض وفاته ( صلى الله عليه وآله ) عندما شكى له بنو هاشم ما يحسونه من خطر
قبائل قريش عليهم من بعده وتحالفهم على إبعادهم .
وإليك أهم ما بقي من روايات السيوطي المخلوطة في تفسير آية الأقربين :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 304 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- قال في الدر المنثور ج 5 ص 96 :
وأخرج ابن مردويه عن البراء قال لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم :
وأنذر عشيرتك الأقربين ، صعد النبي صلى الله عليه وسلم ربوة من جبل فنادى : يا
صباحاه ، فاجتمعوا فحذرهم وأنذرهم ، ثم قال : لا أملك لكم من الله شيئا ، يا فاطمة
بنت محمد أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لك من الله شيئا . انتهى .
- وأخرج مسدد ومسلم والنسائي وابن جرير والبغوي في معجمه والباوردي
والطحاوي وأبو عوانة وابن قانع والطبراني وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في
الدلائل عن قبيصة بن مخارق وزفير بن عمرو قالا : لما نزلت : وأنذر عشيرتك
الأقربين ، انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربوة من جبل فعلا أعلاها حجرا
ثم قال : يا بني عبد مناف إني نذير لكم ، إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو
فانطلق يريد أهله فخشي أن يسبقوه إلى أهله ، فجعل يهتف يا صباحاه يا صباحاه ،
أتيتم أتيتم .
- وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن مردويه عن أبي موسى
الأشعري قال : لما نزلت : وأنذر عشيرتك الأقربين ، وضع رسول الله صلى الله عليه
وسلم إصبعيه في أذنيه ورفع صوته وقال : يا بني عبد مناف يا صباحاه .
- وأخرج ابن مردويه عن الزبير بن العوام قال : لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين ،
صاح على أبي قبيس : يا آل عبد مناف إني نذير فجاءته قريش فحذرهم وأنذرهم .
- وأخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن مردويه وابن جرير وابن المنذر وابن
أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين ،
ورهطك منهم المخلصين خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد على الصفا
فنادى : يا صباحاه فقالوا : من هذا الذي يهتف قالوا محمد فاجتمعوا إليه فجعل
الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 305 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟
قالوا : نعم ما جربنا عليك إلا صدقا .
قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد .
فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم ، ألهذا جمعتنا ؟ ! فنزلت : تبت يدا أبي لهب
وتب . انتهى .
فهذه الروايات تناسب بداية مرحلة الدعوة العامة كما أشرنا ، وقد جعلوها
لمرحلة الدعوة الخاصة ببني هاشم ، وذكروا فيها فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) قبل ولادتها ! !
- أما الرواية اليتيمة المعقولة التي رواها السيوطي فهي حديث الدار المعروف . .
- قال في الدر المنثور ج 5 ص 97 :
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي
في الدلائل من طرق عن علي ( رضي الله عنه ) قال : لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله
عليه وسلم : وانذر عشيرتك الأقربين ، دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعا ، وعرفت أني مهما
أبادؤهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فصمت عليها حتى جاء جبريل فقال : يا
محمد إنك إن لم تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك ، فاصنع لي صاعا من طعام واجعل
عليه رجل شاة واجعل لنا عسا من لبن ، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم
وأبلغ ما أمرت به ، ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له ، وهم يومئذ أربعون رجلا
يزيدون رجلا أو ينقصونه ، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب ، فلما
اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به ، فلما وضعته تناول النبي
صلى الله عليه وسلم بضعة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ، ثم
قال : كلوا بسم الله ، فأكل القوم حتى نهلوا عنه ، ما ترى إلا آثار أصابعهم ! والله إن كان
الرجل الواحد ليأكل ما قدمت لجميعهم !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 306 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثم قال : إسق القوم يا علي ، فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعا ،
وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله !
فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال :
لقد سحركم صاحبكم ! فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي صلى الله عليه وسلم .
فلما كان الغد قال : يا علي إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول
فتفرق القوم قبل أن أكلمهم ، فعد لنا بمثل الذي صنعت بالأمس من الطعام
والشراب ، ثم اجمعهم لي ففعلت ، ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته ففعل كما
فعل بالأمس ، فأكلوا وشربوا حتى نهلوا ، ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم أحدا في العرب جاء قومه بأفضل مما
جئتكم به ، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ،
فأيكم يوازرني على أمري هذا ؟ فقلت وأنا أحدثهم سنا : إنه أنا ، فقام القوم
يضحكون . انتهى .
ورواها السيوطي بسند آخر عن ابن مردويه عن البراء بن عازب ، قال : لما نزلت
هذه الآية : وأنذر عشيرتك الأقربين ، جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني
عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلا ، منهم العشرة يأكلون المسنة ويشربون العس
. . . الخ . انتهى .
- وقد روى المحدثون ومؤرخو السيرة هذا الحديث ، لكن السيوطي بتره هنا ولم يذكر
بقية كلام النبي ( صلى الله عليه وآله ) . . وهو أسلوب دأب رواة خلافة قريش على ارتكابه ضد عترة
النبي وأسرته ( صلى الله عليه وآله ) ، والسبب في ذلك أن بقية الحديث تقول إن الله أمر رسوله من
ذلك اليوم أن يختار وزيرا وخليفة من عشيرته الأقربين !
- قال الأميني في الغدير ج 1 ص 207 :
وها نحن نذكر لفظ الطبري بنصه حتى يتبين الرشد من الغي ، قال في تاريخه ج 2
ص 217 من الطبعة الأولى : إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 307 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أن أدعوكم إليه ، فأيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي
وخليفتي فيكم ؟
قال : فأحجم القوم عنها جميعا ، وقلت وإني لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا
وأعظمهم بطنا ، وأحمشهم ساقا : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه . فأخذ برقبتي ثم
قال : إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا .
قال : فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع ! !
- وقال الأميني في الغدير ج 2 ص 279 :
وبهذا اللفظ أخرجه أبو جعفر الإسكافي المتكلم المعتزلي البغدادي المتوفى
240 في كتابه نقض العثمانية وقال : إنه روي في الخبر الصحيح .
ورواه الفقيه برهان الدين في ( أنباء نجباء الأبناء ) ص 46 - 48 وابن الأثير في الكامل 2
ص 24 وأبو الفداء عماد الدين الدمشقي في تاريخه ج 1 ص 116 وشهاب الدين الخفاجي في
شرح الشفا للقاضي عياض ج 3 ص 37 ( وبتر آخره ) وقال : ذكر في دلايل البيهقي وغيره
بسند صحيح . والخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره ص 390 والحافظ السيوطي في جمع
الجوامع كما في ترتيبه ج 6 ص 392 نقلا عن الطبري وفي ص 397 عن الحفاظ الستة : ابن
إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي . وابن أبي الحديد في
شرح نهج البلاغة 3 ص 254 . انتهى .
ثم شكا صاحب الغدير من تحريف الذين حرفوا الحديث لإرضاء قريش ، ومنهم
الطبري الذي رواه في تفسيره بنفس سنده المتقدم في تاريخه ، ولكن أبهم كلام
النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حق علي ( رضي الله عنه ) فقال : ثم قال : إن هذا أخي وكذا وكذا . وتبعه على ذلك
ابن كثير في البداية والنهاية 3 ص 40 وفي تفسيره 3 ص 351 .
- وقال في مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 305 وما بعدها :
وأما بيعة العشيرة ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : بعثت إلى أهل بيتي خاصة ، وإلى الناس عامة
وهذا النص النبوي هو أصح تفسير لقوله تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 308 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد ذكر في المناقب أن السيد الحميري نظم هذه المنقبة لبني هاشم فقال :
وقيل له أنذر عشيرتك الألى * وهم من شباب أربعين وشيب
فقال لهم إني رسول إليكم * ولست أراني عندكم بكذوب
وقد جئتكم من عند رب مهيمن * جزيل العطايا للجزيل وهوب
فأيكم يقفوا مقالي فأمسكوا * فقال ألا من ناطق فمجيبي
ففاز بها منهم علي وسادهم * وما ذاك من عاداته بغريب
وله أيضا :
ويوم قال له جبريل قد علموا * أنذر عشيرتك الأدنين إن بصروا
فقام يدعوهم من دون أمته * فما تخلف عنه منهم بشر
فمنهم آكل في مجلس جذعا * وشارب مثل عس وهو مختفر
فصدهم عن نواحي قصعة شبعا * فيها من الحب صاع فوقه الوزر
فقال يا قوم إن الله أرسلني * إليكم فأجيبوا الله وادكروا
فأيكم يجتبي قولي ويؤمن بي * إني نبي رسول فانبرى غدر
فقال تبا أتدعونا لتلفتنا * عن ديننا ثم قام القوم فانشمروا
من الذي قال منهم وهو أحدثهم * سنا وخيرهم في الذكر إذ سطروا
آمنت بالله . . قد أعطيت نافلة * لم يعطها أحد جن ولا بشر
وإن ما قلته حق وإنهم * إن لم يجيبوا فقد خانوا وقد خسروا
ففاز قدما بها والله أكرمه * فكان سباق غايات إذا ابتدروا
وقال دعبل :
سقيا لبيعة أحمد ووصيه * أعني الإمام ولينا المحسودا
أعني الذي نصر النبي محمدا * قبل البرية ناشيا ووليدا
أعني الذي كشف الكروب ولم يكن * في الحرب عند لقائها رعديدا
أعني الموحد قبل كل موحد * لا عابدا وثنا ولا جلمودا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 309 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وقال في هامش بحار الأنوار ج 32 ص 272 :
وناهيك من ذلك مؤاخاته مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأمر من الله عز وجل في بدء الإسلام
حين نزل قوله تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين . . .
راجع تاريخ الطبري 2 - 321 ، كامل ابن الأثير 2 - 24 ، تاريخ أبي الفداء 1 - 116 ، والنهج
الحديدي 3 - 254 ، مسند الإمام ابن حنبل 1 - 159 ، جمع الجوامع ترتيبه 6 - 408 ، كنز
العمال 6 - 401 .
وهذه المؤاخاة مع أنها كانت بأمر الله عز وجل إنما تحققت بصورة البيعة
والمعاهدة ( الحلف ) ولم يكن للنبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يأخذ أخا ووزيرا وصاحبا وخليفة غيره
ولا لعلي أن يقصر في مؤازرته ونصرته والنصح له ولدينه كمؤازرة هارون لموسى
على ما حكاه الله عزو جل في القرآن الكريم . ولذلك ترى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين
يؤاخي بعد ذلك المجلس بين المهاجرين بمكة فيؤاخي بين كل رجل وشقيقه
وشكله : يؤاخي بين عمر وأبي بكر ، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف ، وبين
الزبير وعبد الله بن مسعود ، وبين عبيدة بن الحارث وبلال ، وبين مصعب بن عمير
وسعد بن أبي وقاص ، وبين أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ، وبين
حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة الكلبي ( راجع سيرة ابن هشام 1 - 504 المحبر
71 - 70 البلاذري 1 / 270 ) .
يقول لعلي ( عليه السلام ) : والذي بعثني بالحق نبيا ما أخرتك إلا لنفسي فأنت مني بمنزلة
هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وأنت أخي ووارثي وأنت معي في قصري في
الجنة . ثم قال له : وإذا ذاكرك أحد فقل : أنا عبد الله وأخو رسوله ، ولا يدعيها بعدي
إلا كاذب مفتر ( الرياض النضرة 2 - 168 منتخب كنز العمال 5 - 45 و 46 ) .
ولذلك نفسه تراه ( صلى الله عليه وآله ) حينما عرض نفسه على القبائل فلم يرفعوا إليه رؤسهم ثم
عرض نفسه على بني عامر بن صعصعة قال رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس بن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 310 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عبد الله بن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة : والله لو أني
أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب ثم قال لرسول الله : أرأيت إن بايعناك
على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ قال : الأمر إلى
الله يضعه حيث يشاء ! قال فقال له : أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله
كان الأمر لغيرنا ؟ ! لا حاجة لنا بأمرك ، فأبوا عليه ( راجع سيرة ابن هشام 1 - 424 الروض
الأنف 1 - 264 ، بهجة المحافل 1 - 128 ، سيرة زيني دحلان 1 - 302 ، السيرة الحلبية 2 - 3 ) .
فلولا أنه ( صلى الله عليه وآله ) كان تعاهد مع علي ( عليه السلام ) بالخلافة والوصاية بأمر من الله عز وجل ، قبل
ذلك لما ردهم بهذا الكلام المؤيس ، وهو بحاجة ماسة من ( . . ) نصرة أمثالهم . انتهى .
* *
وختاما فإن ما أوردناه يكفي لإثبات أن قبائل قريش كانت قبل الإسلام تحسد
قبيلة بني هاشم حسدا إلى العظم ، وأنها بعد إسلامها وخضوعها للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ابن بني
هاشم ! لم تشف من هذا المرض ، بل انتقل حسدها وحساسيتها إلى عشيرة النبي
وعترته من أهل بيته ( صلى الله عليه وآله ) واتفقوا عزلهم سياسيا بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وعلى هذا الأساس يجب على المؤمن والباحث أن يكون حذرا في تصديق
أحاديث المصادر القرشية في هذا الموضوع ، وفي كل ما يتعلق ببني هاشم . . ومن
ذلك الأحاديث التي تنفي وعد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لأسرته بالشفاعة الخاصة في الآخرة . .

أغرب شفاعة اخترعها القرشيون لرئيس بني هاشم

- كل مطلع على سيرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) يعرف أن عمه أبا طالب كان حاميه وناصره ، وأنه
بحمايته ونصرته استطاع أن يصدع بدعوته ، وبحكمة أبي طالب ونفوذه المعنوي
وقف الهاشميون في وجه قريش إلى جانب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وصمدوا في حصار الشعب
أربع سنوات ، وبإخلاصه واستماتته في الدفاع عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أفشل الله أكثر خطط
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 311 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قريش في إهانة النبي وقتله .
- ويعرف أن أبا طالب له ديوان شعر نقلته مصادر السيرة والتاريخ وكله في تأييد
النبي والإيمان به وفي ذم قادة المشركين الذين وقفوا ضده . . وأن رواة الخلافة
القرشية لو وجدوا بيتين من الشعر لشخصية قرشية يحبونها من المعاصرين لأبي
طالب لطبلوا بأحدهما وزمروا بالآخر واستخرجوا منهما عشرين دليلا على إيمانه .
- ويتفق فقهاء المذاهب أن القاضي إذا شك في إسلام شخص متوفى ، يكفيه
لإثبات إسلامه إقراره أو شهادة شاهدين عاديين بأنه كان مسلما . . ولكن إثبات إسلام
أبي طالب لا يكفي له عندهم إقراراته الصريحة ، ولا ألوف الشهود !
- ثم إن أهل البيت أدرى بما فيه والأبناء أعرف بآبائهم ، وإن عليا وأبناءه
الصادقين المصدقين الطاهرين المطهرين بنص القرآن ، قد شهدوا بأن أبا طالب كان
مسلما مؤمنا يكتم إيمانه ، وأن مثله مثل مؤمن آل فرعون . . ولكن ذلك لم يكف
أيضا في نظر قريش لإثبات إسلام أبي طالب !
- والسبب في كل هذا التشدد والتعنت أن قريشا لا تريد إعطاء هذا الوسام لأبي
طالب ، وعندها لذلك مبررات عديدة :
أولا : أبو طالب بن عبد المطلب ، هو رئيس بني هاشم وزعيم قريش بعد أبيه
عبد المطلب . وإذا أعطي هذا الوسام فإن أولاده أولى بملك ابن عمهم النبي
محمد ! ( صلى الله عليه وآله ) . . ولا إخالك تقول هنا إن هذا منطق قبلي غير إسلامي ، فإن نظام
الخلافة الإسلامي إنما قام على أساس القبلية ، وإنما كانت حجة عمر وأبي بكر في
السقيفة قرابتهما القبلية من محمد وأنه من قريش وقريش أولى بسلطانه !
فالمنطق الذي حكم بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقامت عليه خلافة قريش هو المنطق
القبلي وقد كان هو المنطق العام الحاكم عند الجميع ! لا يستثنى منه إلا منطق النص
الذي قال به أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم ، ولم يصغ لهم أحد إلا الأقلون عددا !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 312 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثانيا : إن شعر أبي طالب رضوان الله عليه ما زال يرن في آذان قادة قريش ! ! وفيه
لهم من التوبيخ والتعنيف لهم ، ووصفهم بالحسد والبغي والجحود والكفر وقطيعة
الرحم ، والحقارة . . وأسوأ الصفات ! ! فالاعتراف بإسلامه إعطاء شعره الصفة لشعره
الذي نشر به غسيل قريش !
ثالثا : إن أبا طالب والد علي ، وعلي يطالب بخلافة النبي بالنص ، وهو المعارض
الأول لأن تكون خلافة محمد لكل قريش تدور بين قبائلها بقاعدة من غلب ! وهذه
المعارضة ذنب يجب أن يدفع ثمنه علي وأولاده وأبوه أبو طالب !
والظاهر أن أكبر ذنب لأبي طالب عندهم أنه والد علي . . فلو كان والد معاوية لأحبته
قريش وقالت عنه إنه أسلم وحسن إسلامه ، وشملته شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
فقد غفرت قريش لأبي سفيان ما لم يغفره الله ورسوله ، ونسيت أنه إمام الكفر ،
ومحزب الأحزاب ، والعدو اللدود الذي لم يلق سلاحه في وجه الإسلام إلا مكرها ،
ولم يسلم إلا مكرها ! بل غفرت له قولته عندما وصلت الخلافة إلى بني أمية
( تلقفوها يا بني أمية تلقف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار ) !
لهذه الأسباب وغيرها صدر حكم قريش بحق أبي طالب بأن حمايته للنبي ( صلى الله عليه وآله )
ودفاعه عنه وتحمله الشدائد من أجله واتصالاته بالقبائل ورسائله إليهم وإلى
النجاشي وعمله الدائب من أجل تمكين النبي من نشر دعوته . . كل ذلك كان عصبية
هاشمية فقط ، وأنه مات كافرا وليس له أي حق في وراثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وليس لأولاده أي
امتياز بسبب حماية أبيهم للنبي ، بل هم من قريش وقريش هي التي ترث سلطان
محمد ! وقد قال عمر للأنصار في السقيفة : نحن قومه وعشيرته فمن ذا ينازعنا
سلطان محمد ؟ !
- انسجاما مع هذه الثقافة تجد في مصادر السنيين أعجب الأحاديث عن أبي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 313 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
طالب ، ولعل أعجبها على الإطلاق حديث شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لهذا العم الذي أحبه
ورباه وحماه وفداه بنفسه وأولاده . . فشفع له النبي ( صلى الله عليه وآله ) ووضعه في مكان من جهنم
يغلي منه دماغه !
- قال البخاري في ج 7 ص 203 :
عن أبي سعيد الخدري ( رضي الله عنه ) أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عنده
عمه أبو طالب ، فقال : لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار
يبلغ كعبيه يغلي منه أم دماغه ! !
ورواه في ج 4 ص 202 وروى نحوه أحمد في ج 1 ص 290 و ص 295 و ص 206 و ص
207 و ج 3 ص 9 و ص 50 و ص 55 والحاكم في ج 4 ص 582 والبيهقي في البعث والنشور
ص 59 والذهبي في تاريخ الإسلام ج 1 ص 234 وغيره من مصادرهم . وقال ابن الأثير في
النهاية ج 3 ص 13 : ضحضاح : الضحضاح : في الأصل مارق من الماء على وجه الأرض وما
يبلغ الكعبين فاستعاره للنار .
- وقال البخاري في ج 4 ص 247 :
باب قصة أبي طالب . حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن سفيان ، حدثنا عبد
الملك ، حدثنا عبد الله بن الحرث ، قال حدثنا العباس بن عبد المطلب ( رضي الله عنه ) : قال
للنبي صلى الله عليه وسلم : ما أغنيت عن عمك فوالله كان يحوطك ويغضب لك ؟
قال : هو في ضحضاح من نار ، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار ! !
ورواه في ج 7 ص 121 و ص 203 ورواه مسلم ج 1 ص 135 ورواه أحمد في ج 1 ص
206 و 207 و 210 و ج 3 ص 50 و 55 قال : عن عباس بن عبد المطلب قال : يا رسول الله هل
نفعت أبا طالب بشئ فإنه قد كان يحوطك ويغضب لك ! قال : نعم هو في ضحضاح من النار لولا
ذلك لكان في الدرك الأسفل من النار . انتهى .
فهذه الرواية تريد بيان التأثير الكبير لشفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعمه وأن أبا طالب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 314 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بالأساس يستحق الدرك الأسفل من النار مثل أبي لهب وأبي جهل وفراعنة قريش
الذين كذبوا النبي وأرادوا قتله ، والذين نص الله تعالى على طغيانهم وعقابهم !
فحماة الأنبياء في منطق هذه الأحاديث مثل أعدائهم ، بل أسوأ حالا منهم !
وقد رووا أن أبا طالب كان في طمطام من النار فخفف الله عنه ! وطمطام النار هو
وسطها الملتهب !
- قال في مجمع الزوائد ج 1 ص 118 عن لسان النبي ( صلى الله عليه وآله ) : وقد وجدت عمي أبا طالب
في طمطام من النار فأخرجه الله لمكانه مني وإحسانه إلي فجعله في ضحضاح من
النار . انتهى .
لقد تحير علماء ثقافة قريش في هذا النوع من الشفاعة المخترعة ، لأن الشفاعة
إما أن يأذن بها الله تعالى لرسوله فيخلص المشفوع له من النار ويدخله الجنة ، وإما أن
لا يأذن بها فيبقى الشخص في مكانه في النار . . وما ذكرته أحاديث الضحضاح ليس
بشفاعة ! ولكنهم ابتكروا له اسما خاصا وهو شفاعة التخفيف والنقل من الدرك
الأسفل من النار إلى مستنقع من النار وضحضاحها !
- قال القسطلاني في إرشاد الساري ج 9 ص 328 :
الشفاعات كما قال عياض خمسة . . . ، وقد زاد سادسة هي التخفيف عن أبي
طالب . انتهى .
ثم احتاط القسطلاني لئلا يقال كيف تسمون الضحضاح شفاعة ؟ فقال هي شفاعة
مجازية وليست حقيقية !
- قال في إرشاد الساري ج 9 ص 324 : إن أبا طالب لما بالغ في إكرام النبي ( ص )
والذب عنه ، جوزي بالتخفيف ، وأطلق على ذلك شفاعة ! انتهى .
وهكذا بالغ النبي بزعم رواة قريش في إكرام عمه كما بالغ عمه في إكرامه ! !
على أن مقصود القرشيين من رواية الضحضاح قد يكون تشديد العذاب على أبي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 315 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
طالب لا تخفيفه ، فيكون ما تصوره النووي من المبالغة في إكرام أبي طالب مبالغة في
عذابه ! فقد روت مصادر الثقافة القرشية أن العذاب في الضحضاح أشد من بقيتها !
قال السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 127 :
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : إن أهل النار إذا جزعوا من حرها
استغاثوا بضحضاح في النار ، فإذا أتوه تلقاهم عقارب كأنهن البغال الدهم ، وأفاع
كأنهن البخاتي ، فضربنهم ، فذلك الزيادة !

بماذا يفسرون قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) سأبلها ببلالها

لم يقنع حديث الضحضاح المسلمين بعدم شمول شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعمه
الحبيب أبي طالب ، خاصة أن رواة الضحضاح رووا أن أبا طالب له رحم مع
النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأن النبي وعد أنه سيبلها ببلالها ، فهل لهذا الوعد تفسير إلا الشفاعة ؟
وهل يسمى وضع أبي طالب في ضحضاح من نار بلالا من النبي لرحمه ؟ !
والطريف أن البخاري نقل حديثا عن عمرو بن العاص ( وزير معاوية ) تبرأ فيه
النبي من آل أبي طالب وأعلن قطع الولاية والرحم بينه وبينهم ! وفي نفس الحديث
وعد من النبي أن يبل رحمهم ببلالها ! !
- قال البخاري في ج 7 ص 73 : الرحم شجنة فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته .
باب يبل الرحم ببلالها . . . عن قيس بن أبي حازم أن عمرو بن العاص قال : سمعت
النبي صلى الله عليه وسلم جهارا غير سر يقول : إن آل ( أبي طالب ) قال عمر وفي
كتاب محمد بن جعفر بياض ، ليسوا بأوليائي إنما وليي الله وصالح المؤمنين . زاد
عنبسة بن عبد الواحد عن بيان عن قيس عن عمرو بن العاص قال : سمعت النبي
صلى الله عليه وسلم : ولكن لهم رحم أبلها ببلاها ، يعني أصلها بصلتها . قال أبو
عبد الله ( أي البخاري ) ببلاها كذا وقع وببلالها أجود وأصح وببلاها لا أعرف له
وجها . وروى نحوه مسلم في ج 1 ص 133 والترمذي ج 5 ص 19 والنسائي ج 6 ص 248 -
250 وأحمد ج 2 ص 360 و ص 519 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 316 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي بعض رواياتهم توجه الوعد النبوي إلى أبي طالب خاصة ، كما في كنز العمال
ج 12 ص 152 : إن لأبي طالب عندي رحما سأبلها ببلالها ( ابن عساكر عن عمرو بن
العاص ) . وراجع كنز العمال ج 16 ص 10 و ج 12 ص 42 .
ومعنى بلال الرحم : صلتها حتى ترضى . قال الجوهري في الصحاح ج 4 ص 1639 :
ويقال أيضا : في سقائك بلال أي ماء . . . ومنه قولهم : إنضحوا الرحم ببلالها أي
صلوها بصلتها وندوها . . . ويقال أيضا : لا تبلك عندي بلال مثال قطام قالت ليلى
الأخيلية :
فلا وأبيك يا ابن أبي عقيل * تبلك بعدها عندي بلال
وقال في الصحاح ج 5 ص 1929 : والرحم أيضا : القرابة والرحم بالكسر مثله .
قال الأعشى : أما لطالب نعمة يممتها * ووصال رحم قد بردت بلالها
وقال في الدرجات الرفيعة ص 514 :
إن المكارم أصبحت لهفانة * حرى وأنت بلالها وبليلها
وإذا المكارم ذللت أو ضللت * يوما فأنت دلالها ودليلها
- وقال ابن الأثير في البداية والنهاية ج 3 ص 51 : سأبلها ببلائها : وفي البيهقي ببلالها :
معناه سأصلها . شبهت قطيعة الرحم بالحرارة ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة . ومنه
بلوا أرحامكم : أي صلوها . انتهى .
والنبي ( صلى الله عليه وآله ) عندما استعمل هذا التعبير ووعد هذا الوعد كان يعرف أن معنى بلال
الرحم عند العرب إكرام القريب بسخاء حتى يرضى وفوق الرضا ، فهو ( صلى الله عليه وآله ) أفصح من
نطق بالضاد ، وأعرف الناس بمعانيها .
لهذا يبقى السؤال للبخاري وكافة علماء الخلافة القرشية : إذا وعد نبي أسرته
وأهل بيته بأنه سيصل رحمهم ويرضيهم ، فكيف تتعقلون أنه يجعل عمه العزيز عليه
منهم الذي له عليه فضل خاص ، في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه ؟ !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 317 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

ضحضاح النور لا ضحضاح النار

لعل الراوي الأساسي لحديث ضحضاح النار هو المغيرة بن شعبة الثقفي ، ثم
أخذه عنه الآخرون ، أو نسب إليهم . . وسبب إسلام المغيرة أنه كان في سفر في
تجارة مع عدد من رفقائه الثقفيين من أهل الطائف ، فغدر بهم وقتلهم جميعا وسرق
أموالهم ، وفر إلى المدينة و . . . أسلم ! وهو معروف بدهائه وفساد أخلاقه ، وبغضه
لعلي ( عليه السلام ) وبني هاشم ، وتاريخه مدون معروف !
ولا يبعد أن يكون أخذ تعبير ( الضحضاح ) من حديث ضحضاح النور الذي ورد
في حق أهل البيت ( عليهم السلام ) فجعله ضحضاح نار لأبي طالب !
- فقد روى الشيخ الطوسي في الغيبة ص 147 قال : وأخبرنا جماعة عن التلعكبري ، عن
أبي علي أحمد بن علي الرازي الأيادي قال : أخبرني الحسين بن علي ، عن علي بن
سنان الموصلي العدل ، عن أحمد بن محمد الخليلي ، عن محمد بن صالح
الهمداني ، عن سليمان بن أحمد ، عن زياد بن مسلم ، وعبد الرحمن بن يزيد بن
جابر ، عن سلام قال : سمعت أبا سلمى راعي النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول : سمعت رسول الله
( صلى الله عليه وآله ) يقول : سمعت ليلة أسري بي إلى السماء قال العزيز جل ثناؤه : آمن الرسول بما
أنزل إليه من ربه . قلت : والمؤمنون . قال : صدقت يا محمد . . . إني اطلعت على
الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسما من أسمائي فلا أذكر في موضع إلا
وذكرت معي ، فأنا المحمود وأنت محمد ، ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليا
وشققت له اسما من أسمائي فأنا الأعلى وهو علي . يا محمد إني خلقتك وخلقت
عليا وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده أشباح نور من نوري ، وعرضت
ولايتكم على السماوات وأهلها وعلى الأرضين ومن فيهن ، فمن قبل ولايتكم كان
عندي من المقربين ومن جحدها كان عندي من الكفار الضالين .
يا محمد لو أن عبدا عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي ، ثم أتاني جاحدا
لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 318 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

يا محمد تحب أن تراهم ؟ قلت : نعم يا رب قال التفت عن يمين العرش فالتفت

فإذا أنا بأشباح علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة كلهم حتى بلغ المهدي ، في
ضحضاح من نور قيام يصلون والمهدي في وسطهم كأنه كوكب دري ، فقال لي : يا
محمد هؤلاء الحجج ، وهو الثائر من عترتك ، فوعزتي وجلالي إنه حجة واجبة
لأوليائي منتقم من أعدائي . انتهى .
ورواه فرات الكوفي في تفسيره ص 74 عن الإمام الباقر 7 وقال في هامشه : وأخرجه
الحمويني في الفرائد 2 - 571 ط 1 والخوارزمي في مقتله والطوسي في الغيبة وصاحب
المقتضب كما في البرهان بأسانيدهم إلى أبي سلمى راعي إبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال سمعته يقول
. . . ( مثله تقريبا ) . وأخرج صدره القاضي أبو جعفر الكوفي في المناقب ح 130 وأورده
بكامله مع تاليه العلامة المجلسي في البحار 37 - 82 انتهى . ورواه ابن شاذان في المنقبة
السابعة عشرة من مناقب علي 7 . ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج 15 ص 247 و ج 18
ص 297 و ج 26 ص 301
محاولتهم التخلص من الوعد النبوي لبني هاشم
وجد المفسرون للثقافة القرشية أن أحسن طريقة للتخلص من الوعد النبوي الذي
انتشرت روايته في الناس ، أن يبعدوه عن الآخرة كليا ، ويقولوا إنه ليس وعدا
بالشفاعة !
- قال ابن الأثير في النهاية ج 1 ص 153 : سأبلها ببلالها : أي أصلكم في الدنيا ولا أغني
عنكم من الله شيئا ، والبلال جمع بلل . انتهى .
ولكن ذلك لا يصح :
أولا ، لأنه ورد في سياق حديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن الآخرة وإنقاذ النفس من النار
فالأصل أن يكون هذا استثناء متصلا من موضوع الحديث ومصبه ، لا من خارجه !
وثانيا ، أن الحديث في مقام نفع نسبه وسببه ( صلى الله عليه وآله ) في الآخرة وقد صح عند
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 319 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الجميع أنه النسب الوحيد الذي لا ينقطع يوم القيامة . وتقدمت روايته عن عمر أن
النبي : قال : ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع ؟ ! كل سبب ونسب منقطع يوم
القيامة إلا سببي ونسبي ، فإنها موصولة في الدنيا والآخرة !
وثالثا ، لم يكن النبي يملك دنيا عند نزول أمره تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين ،
حتى يعد أقاربه بها ، بل لا معنى لوعده إياهم في ذلك الوقت حتى بالشفاعة في
الآخرة ، لأنه في مرحلة عرض الإسلام عليهم . . وهذا مما يضعف الرواية بأن هذا
الوعد النبوي صدر عند نزول الآية .
ورابعا ، أنهم رووا هذا الحديث بشأن أبي طالب بعد وفاته كما تقدم في كنز
العمال عن ابن عساكر وغيره ، فهل وعده النبي بأن يعطيه مالا بعد وفاته ! أم وعد بأن
يعطي ذريته ثروة فلم يعطهم وتركهم فقراء !
وخامسا ، رووا في نفس هذا الوعد أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) خاطب كل قريش ووعدهم
ببلال الرحم ، فإن قالوا إنه وعد بإعطائهم مالا في الدنيا دون الآخرة ، لزم أن لا تشمل
شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) أحدا من قريش أبدا ! ، فهل يلتزمون بذلك !
- قال النووي في المجموع ج 15 ص 356 :
وأخرج الشيخان عن أبي هريرة واللفظ لمسلم ( لما نزلت هذه الآية : وأنذر
عشيرتك الأقربين ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فاجتمعوا ، فعم
وخص فقال : يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني مرة بن كعب
أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد مناف
أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار ، يا فاطمة
أنقذي نفسك من النار ، فإني لا أملك لكم من الله شيئا ، غير أن لكم رحما سأبلها
ببلالها ) وفي هذا دليل على أن كل من ناداهم النبي صلى الله عليه وسلم يطلق
عليهم لفظ الأقربين ، لأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ممتثلا لقوله تعالى : وأنذر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 320 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عشيرتك الأقربين ، وهو دليل على صحة ما ذهب إليه الشافعي ( رضي الله عنه ) من دخول
النساء لذكره فاطمة ، ودخول الكفار . انتهى .
وسادسا ، رووا أحاديث عديدة صرحت بالوعد النبوي بالشفاعة في الآخرة ،
كالذي رواه الحاكم في ج 3 ص 568 ورواه مجمع الزوائد ج 1 ص 88 وكنز العمال ج 12 ص
41 : والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدهم حتى يحبكم لحبي ! أيرجون أن يدخلوا
الجنة بشفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب ؟ ! انتهى .
بل روى في كنز العمال ج 12 ص 100 أن شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) مخصوصة بمن أحب
أهل بيته ، قال : شفاعتي لأمتي ، من أحب أهل بيتي وهم شيعتي ! انتهى .
وبذلك يتضح أن محاولة إبعاد وعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) لبني هاشم عن الشفاعة . . محاولة
مردودة ، بل مشبوهة .

عمل المعروف ينجي الكفار من النار إلا أبا طالب

- روى ابن ماجة في سننه ج 2 ص 1215 ح 3685 :
عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يصف الناس يوم
القيامة صفوفا ، وقال ابن نمير أهل الجنة ، فيمر الرجل من أهل النار على الرجل
فيقول : يا فلان أما تذكر يوم استسقيت فسقيتك شربة ؟ قال فيشفع له . ويمر الرجل
فيقول : أما تذكر يوم ناولتك طهورا ؟ فيشفع له . قال ابن نمير ويقول : يا فلان أما تذكر
يوم بعثتني في حاجة كذا وكذا فذهبت لك ؟ فيشفع له . انتهى .
والرجل من ( أهل النار ) يعني الكافر أو يشمل الكافر الذي قدم خدمة ولو صغيرة
للمسلم . . فإذا كانت مكانة المسلم العادي كبيرة عند الله تعالى بحيث يشفعه في من
قدم له خدمة ولو بسيطة ، فكيف بخدمات أبي طالب لأفضل الخلق ( صلى الله عليه وآله ) !
ويؤيد حديث ابن ماجة ما رواه السيوطي في الدر المنثور ج 2 ص 249 : عن ابن
مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : فيوفيهم أجورهم ويزيدهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 321 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من فضله ، قال : أجورهم يدخلهم الجنة ، ويزيدهم من فضله الشفاعة فيمن وجبت
لهم النار ممن صنع إليهم المعروف في الدنيا .
- وما رواه في الدر المنثور ج 3 ص 256 :
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان
يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ، ثم أمر مناديا ينادي : ألا ليقم أهل المعروف
في الدنيا ، فيقومون حتى يقفوا بين يدي الله ، فيقول الله : أنتم أهل المعروف في
الدنيا ؟ فيقولون نعم ، فيقول وأنتم أهل المعروف في الآخرة ، فقوموا مع الأنبياء
والرسل فاشفعوا لمن أحببتم فأدخلوه الجنة حتى تدخلوا عليهم المعروف في
الآخرة كما أدخلتم عليهم المعروف في الدنيا ! .
- ويؤيده من مصادرنا ما رواه المجلسي في بحار الأنوار ج 8 ص 288
عن ثواب الأعمال للصدوق ص 163 قال : أبي ، عن سعد ، عن النهدي ، عن ابن
محبوب ، عن علي بن يقطين ، عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) قال : كان في بني إسرائيل
رجل مؤمن وكان له جار كافر فكان يرفق بالمؤمن ويوليه المعروف في الدنيا ، فلما أن
مات الكافر بنى الله له بيتا في النار من طين ، فكان يقيه حرها ويأتيه الرزق من غيرها ،
وقيل له : هذا بما كنت تدخل على جارك المؤمن فلان بن فلان من الرفق ، وتوليه من
المعروف في الدنيا !
وقال المجلسي : هذا الخبر الحسن الذي لا يقصر عن الصحيح ، يدل على أن
بعض أهل النار من الكفار يرفع عنهم العذاب لبعض أعمالهم الحسنة ، فلا يبعد أن
يخصص الآيات الدالة على كونهم معذبين فيها لا يخفف عنهم العذاب ، لتأيده
بأخبار أخر .
- وفي بحار الأنوار ج 8 ص 41 عن ثواب الأعمال أيضا ص 167 :
عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن المؤمن منكم يوم القيامة ليمر به الرجل له المعرفة به
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 322 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في الدنيا وقد أمر به إلى النار والملك ينطلق به ، قال فيقول له : يا فلان أغثني فقد
كنت أصنع إليك المعروف في الدنيا وأسعفك في الحاجة تطلبها مني فهل عندك
اليوم مكافأة ؟ فيقول المؤمن للملك الموكل به : خل سبيله ، قال فيسمع الله قول
المؤمن فيأمر الملك أن يجيز قول المؤمن ، فيخلي سبيله . انتهى .
هذه الشفافية في الرحمة الإلهية وإكرامه تعالى لأنبيائه وعباده المؤمنين . . تتبخر
عند قبائل قريش ورواتهم عندما يصلون إلى أسرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
بل تتحول إلى قسوة وخشونة ينسبونها إلى الله ورسوله ضد هذه الأسرة التي
جعل الله مودتها أجرا لتبليغ الإسلام ، لأنه الضمانة الوحيدة لسلامة الإسلام ! !

أحاديث نجت من الرقابة القرشية

مع كل المحاولات المتقدمة بقيت أحاديث عديدة ، منها صحيح عندهم ،
استطاعت أن تعبر نقاط التفتيش ، وتنجو من رقابة الثقافة القرشية الحاكمة ، وفيما
يلي نماذج منها :
- تقدمت رواية الهيثمي في مجمع الزوائد ج 8 ص 216 عن عمر وما قاله لصفية عمة
النبي وما أجابه به النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقد جاء فيها :
قال فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا بلال هجر بالصلاة فهجر بلال
بالصلاة ، فصعد المنبر صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما بال
أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع ؟ ! كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي
ونسبي ! فإنها موصولة في الدنيا والآخرة ! انتهى .
وقد حاولت رواية أن تعتذر عن قول الخليفة عمر هذا باتهام أم هانئ أخت علي
( عليه السلام ) بأنها كانت متبرجة ، فنهاها عمر عن ذلك ، وقال لها ذلك القول ! ولكن الظاهر أن
حادثة أم هاني حادثة أخرى غير حادثة صفية ، وقد كان جواب النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيها أيضا
حاسما :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 323 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- قال في مجمع الزوائد ج 9 ص 257 :
عن عبد الرحمن بن أبي رافع أن أم هانئ بنت أبي طالب خرجت متبرجة قد بدا
قرطاها ، فقال لها عمر بن الخطاب : اعملي فإن محمدا لا يغني عنك شيئا ، فجاءت
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما
بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي ؟ ! وإن شفاعتي تنال حا وحكم ! !
وحا وحكم قبيلتان . انتهى .
- وذكرت مصادرنا كما في بحار الأنوار ج 93 ص 219 :
أن عمر قال لها : غطي قرطك فإن قرابتك من رسول الله لا تنفعك شيئا ! فقالت له :
هل رأيت لي قرطا يا ابن اللخناء ؟ ! ثم دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله
فأخبرته بذلك وبكت ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فنادى الصلاة جامعة ،
فاجتمع الناس فقال : ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع ! لو قمت المقام
المحمود لشفعت في حاء وحكم ! لا يسألني اليوم أحد من أبواه إلا أخبرته ! فقام إليه
رجل فقال : من أبي يا رسول الله ؟ فقال : أبوك غير الذي تدعى له ، أبوك فلان بن
فلان ! فقام آخر فقال : من أبي يا رسول الله ؟ قال : أبوك الذي تدعى له ! ثم قال رسول
الله صلى الله عليه وآله : ما بال الذي يزعم أن قرابتي لا تنفع لا يسألني عن أبيه ؟ فقام
إليه عمر فقال : أعوذ بالله يا رسول الله من غضب الله وغضب رسوله ، أعف عني عفا
الله عنك . . .
- ونقل البيهقي في البعث والنشور ص 59 :
حادثة ثالثة : عن أبي هريرة قال كانت امرأة من بني هاشم تحت رجل من قريش ،
فكان بينه وبينها شئ فقال لها ستعلمين والله أنه لا ينفعك قرابتك من رسول الله ( ص )
شيئا ! فخرج رسول الله مغضبا فقال : ما بال رجال يزعمون أن قرابتي لا تنفع ! وإني
لترجو شفاعتي صدى أو سهلب !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 324 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي الأنساب للسمعاني ج 1 ص 30 :
عن أبي هريرة وعمار بن ياسر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
أيها الناس ما لي أوذى في أهلي ؟ ! والله إن شفاعتي لتنال حاء وحكم وسلهب
وصداء ، تنالها يوم القيامة !
وسلهب في نسب اليمن من دوس . قال ابن إسحاق : هذا مما يصدق نسابة مضر
أن هذه القبائل من معد .
- وقال الديلمي في فردوس الأخبار ج 4 ص 399 ح 6683 :
أبو سعيد : ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا تنفع ؟ ! والله إن رحمي لموصولة في
الدنيا والآخرة .
- وقال ابن الأثير في أسد الغابة ج 1 ص 158 :
عن شهر بن حوشب قال أقام فلان ( يقصد معاوية ) خطباء يشتمون عليا رضي
الله عنه وأرضاه ويقعون فيه حتى كان آخرهم رجل من الأنصار أو غيرهم يقال له
أنيس ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إنكم قد أكثرتم اليوم في سب هذا الرجل
وشتمه ، وإني أقسم بالله أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إني
لأشفع يوم القيامة لأكثر مما على الأرض من مدر وشجر ، وأقسم بالله ما أحد أوصل
لرحمه منه ، أفترون شفاعته تصل إليكم وتعجز عن أهل بيته ؟ ! ورواه في مجمع
الزوائد ج 9 ص 170 : عن شهر بن حوشب وفيه ( أفيرجوها غيره ويقصر عن أهل بيته )
- تاريخ المدينة ج 2 ص 264 :
حدثنا أبو حذيفة ، قال حدثنا سفيان ، عن أبيه ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال : جاء العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنك
تركت فينا ضغائن منذ صنعت الذي صنعت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لن يبلغوا الخير - أو قال : الإيمان - حتى يحبوكم لله ولقرابتي ! أيرجو سؤلهم شفاعتي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 325 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من مراد ، ولا يرجو بنو عبد المطلب شفاعتي ! وروى نحوه في كنز العمال ج 13 ص
512 و ص 514 .
- الدر المنثور ج 6 ص 409 :
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر وأبي هريرة وعمار بن ياسر رضي الله عنهم قالوا :
قدمت درة بنت أبي لهب مهاجرة ، فقال لها نسوة أنت درة بنت أبي لهب الذي يقول
الله تبت يدا أبي لهب ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فخطب فقال : يا
أيها الناس ما لي أوذى في أهلي ، فوالله إن شفاعتي لتنال بقرابتي حتى أن حكما
وحاء وصدا وسلهبا تنالها يوم القيامة بقرابتي ! ورواه في كنز العمال ج 13 ص 644 عن
فردوس الديلمي .
- مجمع الزوائد ج 10 ص 380 :
باب في أول من يشفع لهم : عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أول من أشفع له من أمتي أهل بيتي ، ثم الأقرب فالأقرب من قريش والأنصار . انتهى .
ولو تتبعنا المصادر لوجدنا الكثير من هذه الأحاديث . وهي مليئة بالحقائق
والفوائد ، ونكتفي منها بما يلي :
أولا : أن حديث ( ما لي أؤذى في أهل بيتي ) أصله هنا ، ولكن صار نصه في
الصحاح ( ما لي أؤذى في أهلي ) وصار أهله ( صلى الله عليه وآله ) بمعنى زوجته عائشة ، فقد ادعوا
أن قصة الإفك التي اتهم فيها المنافقون المؤمنة الطاهرة الغافلة مارية القبطية ، كانت
المتهمة فيها عائشة ورضوا هنا أن تكون عائشة من ( المؤمنات الغافلات ) اللواتي
ذكرتهم الآية ، لكي تكون البراءة النازلة من السماء لها وليس لمارية ، وادعوا أن قول
النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما لي أؤذى في أهلي ، صدر بتلك المناسبة ! وصار المؤذي للنبي ( صلى الله عليه وآله )
عليا بن أبي طالب ، الذي زعموا أنه أشار على النبي ( صلى الله عليه وآله ) بطلاق عائشة !
ثانيا : أن أذى القرشيين للنبي في آله ( صلى الله عليه وآله ) كان كثيرا متكررا وقد نصت مصادر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 326 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
السنيين على عدد من حوادثه كما تقدم في حادثة ( برك على قدميه ) وتقدم هنا :
قول فلان من قريش ( كمثل نخلة نبتت في كناسة ) وقول عمر لصفية ، وقوله لأم
هانئ وقول ( صهر بني هاشم ) الذي لم يصرحوا باسمه ، وقصة بنت أبي لهب ،
وشكوى العباس المتكررة .
كما أن تعدد الإيذاء وتعدد جواب النبي ( صلى الله عليه وآله ) يفهم من تعدد أسماء القبائل الغريبة
البعيدة التي ذكرها النبي ( صلى الله عليه وآله ) عمدا ، بما آتاه الله من جوامع الكلم لتبقى أسماؤها ترن
في الأذان ويبقى حديثه في الأذهان . . الأمر الذي يدل على أن روح الإيذاء للنبي في
آله ( صلى الله عليه وآله ) كانت في القرشيين مرضا لا عرضا !
ثالثا : ينبغي أن يسأل الذين يدافعون عن جميع الصحابة ويقدسونهم ، عن حكم
هؤلاء الذين آذوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأغضبوه مرارا في أهل بيته ، فقد ثبت عليهم
الحكم الذي نزل به القرآن في حقهم ، ولم يثبت أنهم جددوا إسلامهم وخرجوا من
تبعات هذا الحكم .
رابعا : إن هذه الأحاديث وحدها تكفي للمسلم لأن يعرف أن في الأمر شيئا كبيرا
يتعلق بآل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأنه يجب إعادة النظر في الروايات التي تنفي أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم
يوص لهم ، ولم يجعل لهم حقا على الأمة ، ولم يعدهم بشفاعة خاصة . . وتكفيه لأن
يحتمل أن تكون رواياتهم في أبي طالب من هذا النوع . وهذا الاحتمال كاف للتوقف
عن تصديقها .

بخلهم على أبي طالب وخديجة وسخاؤهم على غيرهما

من ظلامة الخلافة القرشية أنها بخلت على أبي طالب بكلمة شكر ، في حين
تبنت مشركين في مقابله لم يؤمنوا بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) فجعلتهم من أهل الجنة ، بل جعلتهم
في مرتبة الأنبياء ! ومن أبرز هؤلاء ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل . . والنص
التالي يبين بعض الرتب التي أعطوها لهؤلاء في الجنة ، بالمقايسة إلى الرتبة النازلة
التي أعطوها لخديجة أم المؤمنين ورتبة الضحضاح لأبي طالب رضوان الله عليهما .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 327 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 9 ص 416 :
عن جابر بن عبد الله قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن عمه أبي طالب ،
هل تنفعه نبوتك ؟ قال : نعم أخرجته من غمرات جهنم إلى ضحضاح منها .
وسئل عن خديجة ، لأنها ماتت قبل الفرائض وأحكام القرآن ، فقال : أبصرتها
على نهر من أنهار الجنة في بيت من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب .
وسئل عن زيد بن عمرو بن نفيل فقال : يبعث يوم القيامة أمة وحده ، بيني وبين
عيسى ( عليه السلام ) . رواه أبو يعلى وفيه مجالد ، وهذا مما مدح من حديث مجالد ، وبقية
رجاله رجال الصحيح .
وعن جابر قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيد بن عمرو بن نفيل
فقلنا : يا رسول الله إنه كان يستقبل القبلة ويقول ديني دين إبراهيم وإلهي إله إبراهيم
وكان يصلي ويسجد ؟ قال : ذاك أمة وحده ، يحشر بيني وبين يدي عيسى بن مريم .
وسئل عن ورقة بن نوفل وقيل : يا رسول الله إنه كان يستقبل القبلة ويقول إل‍ هي إله
زيد وديني دين زيد ، وكان يتوجه ويقول :
رشدت فأنعمت ابن عمرو فإنما * عنيت بتنور من النار حاميا
بدينك دينا ليس دين كمثله * وتركك حنان الجبال كما هيا
قال : رأيته يمشي في بطنان الجنة ، عليه حلة من سندس . انتهى .
وإنما جعلوا بيت القصب لخديجة ، لأنها بزعمهم توفيت قبل فرائض الصلاة
والصوم والزكاة والحج ، فهي تستحق درجة سفلى في الجنة وبيتا عاديا من قصب أو
سعف النخل . . أما عائشة المحترمة عند دولة الخلافة فهي في الفردوس في قصر من
ياقوت ولؤلؤ !
ويتألم المسلم عندما يرى في المصادر الإسلامية افتراء على أم المؤمنين خديجة
يصل إلى حد اتهامها بأنها كانت تعبد اللات والعزى وتلح على النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يعبدهما
قبل منامه ، فيمتنع عن ذلك ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 328 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- فقد روى أحمد في مسنده ج 4 ص 222 و ج 5 ص 362 :
عن عروة بن الزبير يعني ابن أخت عائشة قال : حدثني جار لخديجة بنت خويلد
أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول لخديجة : أي خديجة ، والله لا أعبد
اللات والعزى ، والله لا أعبد أبدا ! ! قال فتقول خديجة : خل اللات ، خل العزى ، قال
كانت صنمهم التي كانوا يعبدون ثم يضطجعون ! ! انتهى .
فكأن مدح عائشة يستلزم ذم ضرتها ، والتي توفيت قبل أن يتزوج النبي بها ! لأن
النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يذكرها دائما بالخير ، ويباهي بها ! !
وأما ورقة المعاصر لأبي طالب أيضا ، فهو في بطنان الجنة أي في وسطها ، يرفل
بالسندس ، مع أنه مات بعد البعثة ولم يسلم ! والسبب في استحقاقه الجنة أنه كان
يقول : أنا على دين زيد بن نفيل ! بينما ذكروا أن الدليل على كفر أبي طالب أنه كان
يقول : أنا على دين عبد المطلب ! !
وأما زيد بن نفيل فقد عاش سنوات بعد البعثة ولم يسلم ، ورووا عنه أنه نهى
المشركين ذات مرة عن تعذيب بلال ، ولكنهم جعلوه في مرتبة نبي لأنه ابن عم
الخليفة عمر . . بل هو بزعمهم أتقى من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لأن النبي كان قبل البعثة مشركا
يذبح للأصنام ويأكل مما ذبح على النصب ، بينما كان زيد على دين إبراهيم لا يذبح
للأصنام ولا يأكل إلا ما ذكر اسم الله عليه ، وقد نصح النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذات مرة أن لا يأكل
مما ذبح على النصب فاقتدى النبي به ! !
إنها الكارثة الفكرية في الأمة . . عندما تفضل حكامها وأقاربهم على نبيها سيد
الأنبياء ، وأهل بيته الطاهرين ! ! ( صلى الله عليه وآله )
- قال في مجمع الزوائد ج 9 ص 417 : باب ما جاء في زيد بن عمرو بن نفيل . . .
قال فمر زيد بن عمرو بالنبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن حارثة ، وهما يأكلان
من سفرة فدعياه فقال : يا بن أخي لا آكل ما ذبح على النصب ، قال فما رؤي النبي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 329 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
صلى الله عليه وسلم يأكل ما ذبح على النصب من يومه ذلك ، حتى بعث .
قال : وجاء سعيد بن زيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن
زيدا كان كما رأيت أو كما بلغك ، فأستغفر له ؟ قال : نعم ، فاستغفروا له فإنه يبعث
يوم القيامة أمة وحده . رواه الطبراني والبزار باختصار عنه ، وفيه المسعودي وقد
اختلط ، وبقية رجاله ثقات .
وعن سعيد بن زيد قال : سألت أنا وعمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن زيد بن عمرو ؟ فقال : يأتي يوم القيامة أمة وحده . رواه أبو يعلى وإسناده
حسن .
وعن زيد بن حارثة قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حارا
من أيام مكة وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب ! وقد ذبحنا له ( أي للصنم ) شاة
فأنضجناها ، قال فلقيه زيد بن عمرو بن نفيل فحيا كل واحد منهما صاحبه بتحية
الجاهلية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا زيد ما لي أرى قومك قد شنفوا لك ؟
قال : والله يا محمد ذلك لغير نائلة لي منهم ، ولكني خرجت أبتغي هذا الدين حتى
أقدم على أحبار فدك ، وجدتهم يعبدون الله ويشركون به ، قال قلت ما هذا الدين
الذي أبتغي ، فخرجت حتى أقدم على أحبار الشام ، فوجدتهم يعبدون الله
ويشركون به ، قلت ما هذا الدين الذي أبتغي ، فقال شيخ منهم إنك لتسأل عن دين ما
نعلم أحدا يعبد الله به إلا شيخ بالحيرة ، قال فخرجت حتى أقدم عليه فلما رآني قال
ممن أنت ؟ قلت من أهل بيت الله ، من أهل الشوك والقرظ ، فقال إن الدين الذي
تطلب قد ظهر ببلادك قد بعث نبي قد ظهر نجمه ، وجميع من رأيتهم في ضلال ، فلم
أحس بشئ بعد يا محمد ! !
قال : وقرب إليه السفرة فقال : ما هذا يا محمد ؟ فقال شاة ذبحناها لنصب من
الأنصاب ! فقال : ما كنت لآكل مما لم يذكر اسم الله عليه !
قال زيد بن حارثة : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البيت فطاف به وأنا معه ، وبين
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 330 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الصفا والمروة صنمان من نحاس أحدهما يقال له يساف والآخر يقال له نائلة ، وكان
المشركون إذا طافوا تمسحوا بهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تمسحهما
فإنهما رجس ، فقلت في نفسي لأمسنهما حتى أنظر ما يقول النبي صلى الله عليه
وسلم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لزيد : إنه يبعث أمة وحده . رواه أبو يعلى
والبزار والطبراني إلا أنه قال فيه : فأخبرته بالذي خرجت له فقال : كل من رأيت في
ضلال وإنك لتسأل عن دين الله وملائكته ، وقد خرج في أرضك نبي أو هو خارج
فارجع فصدقه وآمن به . وقال أيضا فقال زيد إني لا آكل شيئا ذبح لغير الله ، ورجال
أبي يعلى والبزار وأحد أسانيد الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عمرو بن
علقمة وهو حسن الحديث .
وعن أسماء بنت أبي بكر قالت : كان زيد بن عمرو بن نفيل في الجاهلية يقف
عند الكعبة ويلزق ظهره إلى صفحتها ، ويقول : يا معشر قريش ما على الأرض على
دين إبراهيم غيري ، وكان يفدي الموؤودة أن تقتل ، وقال عمرو بن نفيل :
عزلت الجن والجنان عني * كذلك يفعل الجلد الصبور
رواه الطبراني وإسناده حسن . انتهى .
فقد ثبت عندهم بهذه الأحاديث الصحيحة والحسنة ، أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يعبد
الأصنام ويذبح لها ! وثبت أن زيد بن عمرو كان موحدا على دين إبراهيم ، وكان
ينتظر النبوة ، وكان أولى بها من محمد ، ولكن زيدا إلى تاريخ لقائه بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو
في طريقه إلى الصنم لم يحس بالوحي ولعله أحس به بعد ذلك ! !
- وقد روت الصحاح افتراءهم على النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه ذبح للصنم وقصة اللحم الذي كان يأكل
منه بزعمهم ويعافه ابن نفيل ! ! فقد رواها البخاري ج 4 ص 232 وأضاف فيها
( ثم قال زيد إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم ، ولا آكل إلا ما ذكر اسم
الله عليه ، وإن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول : الشاة خلقها الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 331 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأنزل لها من السماء الماء وأنبت لها من الأرض ثم تذبحونها على غير اسم الله ! !
إنكارا لذلك وإعظاما له ! ) انتهى .
وروى نحوها أيضا في ج 6 ص 225 وكذلك أحمد في ج 1 ص 189 و ج 2 ص 68 و 89 و 127
وعلى هذه الروايات الصحاح والحسان ! يكون زيد بن عمرو بن نفيل أتقى من
محمد ( صلى الله عليه وآله ) وأوعى منه ، وأولى بالنبوة منه ، ولكن الحظ جعلها لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) .
ولذلك لم يؤمن به زيد عندما بعث لأنه لا يحتاج إلى ذلك !
كما أن ابن عمه عمر يستحق النبوة ولكن الحظ جعلها لمحمد ، فقد نسبوا إلى
النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : لو لم أبعث لبعث عمر بن الخطاب ! ! وهذا يعطي الشرعية لكل
مناقشات عمر للنبي ( صلى الله عليه وآله ) واعتراضاته عليه ، بل ومخالفاته له ! !
ويلاحظ في رواياتهم عن زيد بن عمرو ، أن عددا منها عن لسان ولده سعيد وابن
عمه عمر ، وأنها تريد التأكيد على أن زيدا العدوي وحده كان على ملة إبراهيم لا
عبد المطلب الهاشمي ولا أبو طالب ، ولا حتى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو عمل يقصد منه
المساس بشخصية النبي وأجداده ( صلى الله عليه وآله ) من أجل تكبير شخصيات مشركة من أقارب
الحكام ! !
لكن المتأمل في رواياتهم يجد فيها حقيقة مهمة ، وهي أنهم شهدوا على زيد بن
عمرو بن نفيل بأنه لم يسلم ومات كافرا رغم معرفته المزعومة ببعثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولو
أنه أسلم لما سألوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) عنه ، ولملأوا الكتب بفضائله ومناقبه ! كما ملؤوها بذم
أبي طالب وضحضاحه ! !

أهم الأدلة على إيمان أبي طالب

تكفلت كتب مستقلة بإثبات إيمان أبي طالب رضوان الله عليه . . ومن أشهرها
كتاب ( أبو طالب مؤمن قريش ) لمؤلفه الشيخ عبد الله الخنيزي الذي صادره
الوهابيون وحبسوا مؤلفه ( السعودي ) بسببه ، وحكموا عليه بالإعدام ! ولكن الدولة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 332 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
السعودية خشيت من العواقب فأقنعت مفتيهم بتخفيف الحكم ، فخففه إلى الحبس
والتعزير ! !
وقد كتب علماؤنا عن إيمان أبي طالب بحوثا مستفيضة في مصادر السيرة
والعقائد ، من أهمها ما كتبه المجلسي في البحار ج 35 والأميني في الغدير ج 7 و 8
والشيخ نجم الدين العسكري في مقام الإمام علي ( عليه السلام ) والسيد جعفر مرتضى في الصحيح من
السيرة ج 3 ص 227 .
ونورد فيما يلي خمسة أدلة على إيمانه مستفادة من المصادر المذكورة وغيرها :
الدليل الأول : النصوص الصريحة الثابتة عندنا عن النبي والأئمة من آله ( صلى الله عليه وآله ) وهم
الطاهرون المطهرون الصادقون المصدقون ، غير المتهمين في شهادتهم لآبائهم
وأقربائهم وأنفسهم .
منها : عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال : والله ما عبد أبي ولا جدي عبد المطلب ولا
هاشم ولا عبد مناف ، صنما قط . قيل له فما كانوا يعبدون ؟ قال : كانوا يصلون إلى
البيت على دين إبراهيم متمسكين به . انتهى .
وقال عنه في الغدير ج 7 ص 384 : رواه شيخنا الصدوق بإسناده في كمال الدين ص 104
والشيخ أبو الفتوح في تفسيره 4 : 210 والسيد في البرهان 3 : 795 .
ومنها : عن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) قال : نزل جبرئيل ( عليه السلام ) على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال :
يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول : إني قد حرمت النار على صلب أنزلك وبطن
حملك وحجر كفلك . فالصلب صلب أبيه عبد الله بن عبد المطلب ، والبطن الذي
حملك آمنة بنت وهب ، وأما حجر كفلك فحجر أبي طالب . وزاد في رواية : وفاطمة
بنت أسد . انتهى .
وقال عنه في الغدير : روضة الواعظين ص 121 . راجع الكافي لثقة الإسلام الكليني ص
242 ، معاني الأخبار للصدوق ، كتاب الحجة السيد فخار بن معد ص 8 ، ورواه شيخنا للمفسر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 333 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الكبير أبو الفتوح الرازي في تفسيره 4 - 210 ، ولفظه : إن الله عز وجل حرم على النار صلبا
حملك وبطنا حملك وثديا أرضعك وحجرا كفلك . . إلخ .
ومنها : ما رواه في مقام الإمام علي ج 3 ص 140 : قال السيد الحجة فخار بن معد في
كتابه ( الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ) ص 16 بالإسناد إلى الكراجكي
عن رجاله ، عن أبان ، عن محمد بن يونس ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله أنه قال : يا
يونس ما تقول الناس في أبي طالب ؟ قلت جعلت فداك يقولون : هو في ضحضاح
من نار ، وفي رجليه نعلان من نار تغلي منهما أم رأسه ! فقال : كذب أعداء الله ! إن أبا
طالب من رفقاء النببين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
ومنها : في المصدر المذكور أيضا ، عن علي بن حسان ، عن عمه عبد الرحمن
بن كثير قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : إن الناس يزعمون أن أبا طالب في ضحضاح من
نار ؟ فقال : كذبوا ما بهذا نزل جبرئيل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! قلت وبما نزل ؟ قال : أتى
جبرئيل في بعض ما كان عليه فقال : يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول لك : إن
أصحاب الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين ، وإن أبا
طالب أسر الإيمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين ، وما خرج من الدنيا حتى أتته
البشارة من الله تعالى بالجنة . ثم قال ( عليه السلام ) : كيف يصفونه بهذا وقد نزل جبرئيل ليلة
مات أبو طالب فقال : يا محمد أخرج من مكة فما لك بها ناصر بعد أبي طالب !
ومنها : في المصدر المذكور أيضا عن أبي بصير ليث المرادي قال : قلت لأبي
جعفر : سيدي إن الناس يقولون : إن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه ؟
فقال ( عليه السلام ) : كذبوا ، والله إن إيمان أبي طالب لو وضع في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق
في كفة لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم ، ثم قال : كان والله أمير المؤمنين يأمر أن
يحج عن أب النبي وأمه ( صلى الله عليه وآله ) وعن أبي طالب في حياته ، ولقد أوصى في وصيته
بالحج عنهم بعد مماته . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 334 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الدليل الثاني : تصريحات أبي طالب رضي الله عليه بصدق النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأنه رسول
رب العالمين .
- قال السيد جعفر مرتضى في الصحيح من السيرة ج 3 ص 230 :
ويكفي أن نذكر نموذجا من أشعاره التي عبر عنها ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله
: إن كل هذه الأشعار قد جاءت مجئ التواتر من حيث مجموعها ( شرح النهج ج 14
ص 78 ) ونحن نذكر هنا اثني عشر شاهدا من شعره ، على عدد الأئمة المعصومين
من ولده عليه وعليهم السلام تبركا وتيمنا ، والشواهد هي :
1 - ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا * نبيا كموسى خط في أول الكتب
2 - نبي أتاه الوحي من عند ربه * ومن قال لا ، يقرع بها سن نادم
3 - يا شاهد الوحي من عند ربه * إني على دين النبي أحمد
4 - أنت الرسول رسول الله نعلمه * عليك نزل من ذي العزة الكتب
5 - أنت النبي محمد * قرم أغر مسود
6 - أو تؤمنوا بكتاب منزل عجب * على نبي كموسى أو كذي النون
7 - وظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى * وأمر أتى من عند ذي العرش قيم
8 - لقد أكرم الله النبي محمدا * فأكرم خلق الله في الناس أحمد
9 - وخير بني هاشم أحمد * رسول الإله على فترة
10 - والله لا أخذل النبي ولا * يخذله من بني ذو حسب
11 - وقال ( رحمه الله ) يخاطب ملك الحبشة ويدعوه إلى الإسلام :
أتعلم ملك الحسن أن محمدا * نبيا كموسى والمسيح ابن مريم
أتى بالهدى مثل الذي أتيا به * فكل بأمر الله يهدي ويعصم
وإنكم تتلوته في كتابكم * بصدق حديث لا حديث الترجم
فلا تجعلوا لله ندا فأسلموا * فإن طريق الحق ليس بمظلم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 335 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
12 - وقال مخاطبا أخيه حمزة ( رحمه الله ) :
فصبرا أبا يعلى على دين أحمد * وكن مظهر للدين وفقت صابرا
وحط من أتى بالحق من عند ربه * بصدق وعزم لا تكن حمز كافرا
فقد سرني أن قلت إنك مؤمن * فكن لرسول الله في الله ناصرا
وباد قريشا في الذي قد أتيته * جهارا وقل ما كان أحمد ساحرا
وأشعار أبي طالب الناطقة بإيمانه كثيرة ، وقد اقتصرنا منها على هذا القدر لنفسخ
المجال لذكر لمحة عن سائر ما قيل ويقال في هذا الموضوع . انتهى .
ونضيف إلى ما ذكره صاحب الصحيح ما قاله الطبرسي في الإحتجاج ج 1 ص 345 :
وقد اشتهر عن عبد الله المأمون أنه كان يقول : أسلم أبو طالب والله بقوله :
نصرت الرسول رسول المليك * ببيض تلألأ كلمع البروق
أذب وأحمي رسول الإله * حماية حام عليه شفيق
وما إن أدب لأعدائه * دبيب البكار حذار الفنيق
ولكن أزير لهم ساميا * كما زار ليث بغيل مضيق
وما ذكره أبو الفداء في تاريخه ج 1 ص 170 قال : ومن شعر أبي طالب مما يدل على
أنه كان مصدقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوله :
ودعوتني وعلمت أنك صادق * ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
الدليل الثالث : تحليل مقومات شخصية أبي طالب ( رضي الله عنه ) وعلاقته بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) منذ
أن أوصاه به أبوه عبد المطلب وكفله إياه ، ونصرته له من أول بعثته ، وفي أصعب
مراحلها . . إلى أن توفي في السنة العاشرة من البعثة . . فإن أي باحث ينظر في ذلك
يقتنع بأن نصرته وحمايته للنبي ( صلى الله عليه وآله ) لا يمكن أن تصدر إلا عن مؤمن قوي الإيمان .
بل لا يحتاج الأمر إلى دراسة مقومات شخصيته وكل حياته ، فيكفي دراسة بعض
مواقفه لإثبات ذلك .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 336 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
منها : الموقف الذي رواه في الغدير ج 7 ص 388 : عن الأصبغ بن نباته . . . قال :
سمعت أمير المؤمنين عليا ( عليه السلام ) يقول : مر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بنفر من قريش وقد نحروا
جزورا ، وكانوا يسمونها الفهيرة ويذبحونها على النصب ، فلم يسلم عليهم . فلما
انتهى إلى دار الندوة قالوا : يمر بنا يتيم أبي طالب فلا يسلم علينا ! فأيكم يأتيه فيفسد
عليه مصلاه ؟ فقال عبد الله بن الزبعري السهمي : أنا أفعل ، فأخذ الفرث والدم
فانتهى به إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو ساجد فملأ به ثيابه ومظاهره ، فانصرف النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى
أتى عمه أبا طالب فقال : يا عم من أنا ؟ فقال : ولم يا ابن أخي ؟ ! فقص عليه القصة
فقال : وأين تركتهم ؟ فقال : بالأبطح . فنادى في قومه : يا آل عبد المطلب ! يا آل
هاشم ! يا آل عبد مناف ! فأقبلوا إليه من كل مكان ملبين ، فقال : كم أنتم ؟ قالوا : نحن
أربعون ، قال : خذوا سلاحكم ، فأخذوا سلاحهم وانطلق بهم حتى انتهى إلى أولئك
النفر ، فلما رأوه أرادوا أن يتفرقوا ، فقال لهم : ورب هذه البنية لا يقومن منكم أحد إلا
جللته بالسيف ! ثم أتى إلى صفاة كانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات حتى قطعها
ثلاثة أفهار ، ثم قال : يا محمد سألتني من أنت ؟ ثم أنشأ يقول ويومي بيده إلى النبي
( صلى الله عليه وآله ) :
أنت النبي محمد * قرم أعز مسود
ثم قال : يا محمد أيهم الفاعل بك ؟ فأشار النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى عبد الله بن الزبعري
السهمي الشاعر ، فدعاه أبو طالب فوجأ أنفه حتى أدماها ! ثم أمر بالفرث والدم فأمر
على رؤس الملأ كلهم ! ثم قال : يا ابن أخ أرضيت ؟
ثم قال : سألتني من أنت ؟ أنت محمد بن عبد الله ثم نسبه إلى آدم ( عليه السلام ) ثم قال :
أنت والله أشرفهم حسبا وأرفعهم منصبا !
يا معشر قريش من شاء منكم يتحرك فليفعل أنا الذي تعرفوني !
رواه السيد ابن معد في الحجة ص 106 وذكر لدة هذه القضية الصفوري في نزهة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 337 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المجالس 2 : 122 وفي طبع ص 91 ، وابن حجة الحموي في ثمرات الأوراق بهامش
المستطرف 2 : 3 نقلا عن كتاب الأعلام للقرطبي 13 .
ومنها : الموقف الذي رواه الطبرسي في الإحتجاج ج 1 ص 345 قال :
لما رأى المشركون موقف أبي طالب من نصرة الرسول ، وسمعوا أقواله اجتمعوا
بينهم ، وقالوا ننافي بني هاشم ونكتب صحيفة ونودعها الكعبة ، أن لا نبايعهم ، ولا
نشاريهم ، ولا نحدثهم ، ولا نجتمع معهم في مجمع ، ولا نقضي لهم حاجة ، ولا
نقتضيها منهم ، ولا نقتبس منهم نارا ، حتى يسلموا إلينا محمدا ، ويخلوا بيننا وبينه
أو ينتهي عن تسفيه آبائنا ، وتضليل آلهتنا . وأجمع كفار مكة على ذلك .
فلما بلغ ذلك أبا طالب ، قال يخبرهم باستمراره على مناصرة الرسول ومؤازرته له
، ويحذرهم الحرب ، وينهاهم عن متابعة السفهاء :
ألا أبلغا عني على ذات بينها * لؤيا وخصا من لؤي بني كعب
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا * نبيا كموسى خط في أول الكتب
وأن عليه في العباد محبة * ولا حيف فيمن خصه الله بالحب
وأن الذي لفقتم في كتابكم * يكون لكم يوما كراغية السقب
أفيقوا أفيقوا قبل أن تحفر الزبى * ويصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنب
ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا * أواصرنا بعد المودة والقرب
وتستجلبوا حربا عوانا وربما * أمر على من ذاقه حلب الحرب
فلسنا وبيت الله نسلم أحمدا * لعزاء من عض الزمان ولا حرب
ولما تبن منا ومنكم سوالف * وأيد أبيدت بالمهندة الشهب
بمعترك ضنك ترى كسر القنا * به نوا لضباع العرج تعكف كالسرب
كأن مجال الخيل في حجراته * وغمغمة الأبطال معركة الحرب
أليس أبونا هاشم شد أزره * وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 338 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ورواها في البحار ج 35 ص 160 وزاد فيها :
ولسنا نمل الحرب حتى تملنا * ولا نشتكي مما ينوب من النكب
ولكننا أهل الحفائظ والنهى * إذا طار أرواح الكماة من الرعب
ومنها : إيمانه بمعجزات النبي وكراماته ( صلى الله عليه وآله ) ، ونظمه إياها شعرا .
- قال الطبرسي في الإحتجاج ج 1 ص 343 :
روي أن أبا جهل بن هشام جاء إلى رسول الله وهو ساجد وبيده حجر يريد أن
يرميه به ، فلما رفع يده لصق الحجر بكفه فلم يستطع ما أراد ، فقال أبو طالب :
أفيقوا بني غالب وانتهوا * عن الغي من بعض ذا المنطق
وإلا فإني إذن خائف * بوائق في داركم تلتقي
تكون لغيركم عبرة * ورب المغارب والمشرق
كما نال من كان من قبلكم * ثمود وعاد وماذا بقي
غداة أتاهم بها صرصر * وناقة ذي العرش قد تستقي
فحل عليهم بها سخطة * من الله في ضربة الأزرق
غداة يعض بعرقوبها * حساما من الهند ذا رونق
وأعجب من ذاك في أمركم * عجائب في الحجر الملصق
بكف الذي قام من خبثه * إلى الصابر الصادق المتقي
فأثبته الله في كفه * على رغمة الجائر الأحمق
أحيمق مخزومكم إذ غوى * لغي الغواة ولم يصدق
الدليل الرابع : استدل به سبط ابن الجوزي على إيمان أبي طالب ، ومفاده : أن
خصوم علي ( عليه السلام ) من الأمويين والزبيريين وغيرهم ، كانوا حريصين على انتقاصه بأي
عيب ممكن في نفسه وأبيه وأمه وعشيرته ، وقد سجل التاريخ مراسلات علي ( عليه السلام )
ومعاوية ومناظرات أنصارهم ، وقد تضمنت ما ذمهم علي ( عليه السلام ) به وإزراؤه عليهم بكفر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 339 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
آبائهم وأمهاتهم ، بل سجل التاريخ أن عليا ( عليه السلام ) فاخر معاوية بأبي طالب ، فكتب له
في رسالة ( ليس أمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب
، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق ) ومع ذلك لم يتكلم معاوية ولا غيره
من أعداء علي ( عليه السلام ) بكلمة ذم في أبي طالب ! !
فلو أنه كان مشركا ومات على الشرك كما يدعون ، لاغتنم أعداء علي هذه النقطة
وعيروه بها وشنعوا عليه بها . ولو كان حديث ضحضاح أبي طالب صادرا عن النبي
( صلى الله عليه وآله ) لسمعت أخباره شعرا ونثرا في صفين وبعدها . . !
وهذا يدل على أن أحاديث شرك أبي طالب وأنه في النار والضحضاح ، قد وضعت
في عهد الأمويين بعد شهادة علي ( عليه السلام ) !
الدليل الخامس : ترحم النبي ( صلى الله عليه وآله ) على أبي طالب واستغفاره له ، وتسميته عام
وفاته ووفاة خديجة رضوان الله عليهما ( عام الحزن ) .
- قال الأميني في الغدير ج 7 ص 372 :
أخرج ابن سعد في طبقاته 1 : 105 عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي قال : أخبرت
رسول الله صلى الله عليه وسلم بموت أبي طالب فبكى ثم قال : إذهب فاغسله وكفنه
وواره ، غفر الله له ورحمه .
وفي لفظ الواقدي : فبكى بكاء شديدا ثم قال : إذهب فاغسله . . الخ . وأخرجه ابن
عساكر كما في أسنى المطالب ص 21 والبيهقي في دلائل النبوة . وذكره سبط ابن الجوزي في
التذكرة ص 6 وابن أبي الحديد في شرحه 3 - 314 والحلبي في السيرة 1 - 373 والسيد زيني
دحلان في السيرة هامش الحلبية 1 - 90 والبرزنجي في نجاة أبي طالب وصححه كما في
أسنى المطالب ص 35 وقال : أخرجه أيضا أبو داود وابن الجارود وابن خزيمة وقال :
إنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم المشي في جنازته اتقاء من شر سفهاء قريش ،
وعدم صلاته لعدم مشروعية صلاة الجنازة يومئذ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 340 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عن الأسلمي وغيره : توفي أبو طالب للنصف من شوال في السنة العاشرة من حين
نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتوفيت خديجة بعده بشهر وخمسة أيام ،
فاجتمعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وعلى عمه حزنا شديدا ، حتى
سمى ذلك العام عام الحزن . انتهى .
وقد روى الخطيب البغدادي في تاريخه ج 13 ص 196 عن ابن عباس ترحم النبي ( صلى الله عليه وآله )
واستغفاره لأبي طالب بعد موته ، وكذا الذهبي في تاريخ الإسلام ج 1 ص 235 ، وروت
مصادرنا أحاديث كثيرة في ذلك كما في مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 150 عن آخرين وبحار
الأنوار ج 19 ص 15 و ص 25 و ج 22 ص 530
* *
هذا وقد ثبت أن أبا طالب كان على دين عبد المطلب ، وسوف يتضح لك إيمان
عبد المطلب ومقامه ، رضوان الله عليهما ، في فصل شفاعة الأنبياء ( عليهم السلام ) .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 341 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل العاشر : ولادة المذاهب المنحرفة من أفكار توسيع الشفاعة

عمل اليهود على إسقاط المحرمات من الأديان

كان اليهود أسبق الأمم إلى تحريف قانون العقوبة الإلهي ، فقد أسقطوا المحرمات
عن أنفسهم تجاه الأمم الأخرى ، وخففوا قانون العقوبة الإلهي وشوشوه بالنسبة إلى
الجرائم الأخرى التي يرتكبونها !
ومن الطبيعي أن يسرى ذلك إلى عقيدتهم بالله تعالى ، فصوروه بأنه قاس عصبي
المزاج ، ولذا فإن عقوباته شديدة وغير منطقية ! وذلك واضح لمن قرأ صفحات
قليلة من توراتهم .
وقد أخذ المسيحيون هذه الثقافة من اليهود ، وما زالوا . . وقد سمعت أن من
المسائل الفكرية المطروحة أخيرا عند الكتاب الغربيين ، خاصة في فرنسا ، موضوع :
هل يجب أن يكون في الدين الإلهي محرمات ، أم لا . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 342 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ذلك أن اليهود والكتاب المتأثرين بهم يريدون من الكنيسة المسيحية أن تقدم
دينا بلا محرمات ، وتفتي بأن المهم هو الإيمان الذي هو أمر في القلب ، مهما كان
عمل الناس !
وهذا بالضبط هو مذهب المرجئة الذي زرعه اليهود في عقائد المسلمين ، عن
طريق بعض الصحابة !
أما زارعوه الجدد فليسوا كعب الأحبار ولا وهب بن منبه ، بل هم ذراري النصارى
واليهود الصرحاء ! والمزروع فيهم ليسوا صحابة ، بل هم ذراري المسلمين المتغربين !

إخبار النبي ( صلى الله عليه وآله ) بظهور المرجئة والقدرية وتحذيره منهم

روت مصادر السنة والشيعة تنبؤ النبي ( صلى الله عليه وآله ) بظهور المرجئة والقدرية في أمته
وتحذيره من خطرهم ، وأنهم لا تنالهم شفاعته ، لأنهم يحرفون الإسلام ويشوشون
أمر الأمة من بعده .
- فقد روى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 207 :
عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صنفان من أمتي لا
يردان علي الحوض ولا يدخلان الجنة ، القدرية والمرجئة . رواه الطبراني في
الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسى الفروي وهو ثقة . انتهى . وروى
الترمذي شبيها به في ج 3 ص 308 .
- ورواه في كنز العمال ج 1 ص 119 عن حلية الأولياء لأبي نعيم عن أنس ، وعن مسند
الطيالسي ، عن واثلة عن جابر . وروى نحوه في ج 1 ص 362 عن السلفي في انتخاب حديث
القراء عن علي . ورواه ابن حبان في كتاب المجروحين ج 2 ص 112 عن عكرمة .
- وفي مجمع الزوائد ج 7 ص 204 :
عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى عليه وسلم : ما بعث الله نبيا قط إلا
وفي أمته قدرية ومرجئة يشوشون عليه أمر أمته . ألا وإن الله قد لعن القدرية
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 343 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والمرجئة على لسان سبعين نبيا . رواه الطبراني وفيه بقية بن الوليد وهو لين ويزيد بن
حصين لم أعرفه . انتهى .
ورواه ابن حبان عن أبي هريرة في كتاب المجروحين ج 1 ص 362 وفيه ( أمته من بعده . .
سبعين نبيا أنا آخرهم )
- وفي كتاب الخصال للصدوق ص 72 :
أخبرني الخليل بن أحمد قال : أخبرنا ابن منيع قال : حدثنا الحسن بن عرفة قال :
حدثنا علي بن ثابت عن إسماعيل بن أبي إسحاق ، عن ابن أبي ليلى ، عن نافع ، عن
ابن عمر قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب :
المرجئة والقدرية . انتهى .
ورواه في ثواب الأعمال ص 212 . وقال في صحيفة الرضا ص 278 : وبإسناده قال قال
رسول الله 9 : صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب : المرجئة والقدرية . رواه في
ثواب الأعمال : 252 ح 3 بالإسناد رقم 10 عنه البحار : 5 - 118 ح 52 . ورواه الشيخ حسن
بن سليمان في المختصر : 135 بالإسناد رقم 57 والكراجكي في كنزه : 51 بالإسناد رقم 14
عنه البحار : 5 - 7 ح 8 . ورواه الصدوق في الخصال : 1 - 72 ح 110 بإسناده عن ابن عمر
عن النبي 9 عنه البحار : 5 - 7 ح 7 .
- وفي دعائم الإسلام ج 2 ص 511 :
وعنه ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : لا تجوز شهادة أهل الأهواء على المؤمنين ، قال أبو جعفر ( عليه السلام ) :
لا تجوز شهادة حروري ، ولا قدري ومرجئ ، ولا أموي ، ولا ناصب ، ولا فاسق ،
يعني من باين بذلك وظهرت عداوته ونصبه ، فأما من كتم ذلك وأسره فظهر منه
الخير وكان عدلا في مذهبه ، جازت شهادته وعلى هذا العمل .

تعريف المرجئة ومذهبهم

- قال النووي في شرح مسلم ج 1 جزء 1 ص 218 :
قال القاضي عياض : اختلف الناس فيمن عصى الله من أهل الشهادتين فقالت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 344 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المرجئة : لا تضره المعصية ، وقالت الخوارج : تضره ويكفر بها ، وقالت المعتزلة :
يخلد في النار ، وقالت الأشعرية : بل هو مؤمن .
- شرح المواقف ج 4 جزء 8 ص 312 :
في أن الله تعالى يعفو عن الكبائر . الإجماع منعقد على أنه تعالى عفو ، وأن عفوه
ليس في حق الكافر بل في حق المؤمنين ، فقالت المعتزلة : هو عفو عن الصغائر قبل
التوبة ، وعن الكبائر بعدها . وقالت المرجئة : عفو عن الصغائر والكبائر مطلقا ! !
- تفسير الرازي ج 16 جزء 31 ص 203 :
قوله تعالى ( لا يصلاها إلا الأشقى ) إن المرجئة يتمسكون بهذه الآية في أنه لا
وعيد إلا على الكفار ! قال القاضي : ولا يمكن إجراء هذه الآية على ظاهرها ، ويدل
على ذلك ثلاثة أوجه : أحدها أنه يقتضي أن لا يدخل النار إلا الأشقى الذي كذب
وتولى . . . وثانيهما أن هذا إغراء بالمعاصي . . . وثالثهما . . . معلوم من حال الفاسق
أنه ليس بأتقى . . . الخ .
- وقال في هامش بحار الأنوار ج 8 ص 364 :
الوعيدية : فرقة من الخوارج يكفرون أصحاب الكبائر ، والكبيرة عندهم كفر
يخرج به عن الملة ، ويقابلهم المرجئة وهم يقولون : إنه لا يضر مع الإيمان معصية ،
كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، وليس العمل على مذهبهم ، وإن كان من الإيمان . فعليه
معنى الإرجاء تأخير العمل عن النية والعقد .
- وروى في الكافي ج 1 ص 403 :
محمد بن الحسن ، عن بعض أصحابنا ، عن علي بن الحكم ، عن الحكم بن
مسكين ، عن رجل من قريش من أهل مكة قال : قال سفيان الثوري : إذهب بنا إلى
جعفر بن محمد ، قال فذهبت معه إليه فوجدناه قد ركب دابته ، فقال له سفيان : يا أبا
عبد الله حدثنا بحديث خطبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في مسجد الخيف ، قال : دعني حتى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 345 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أذهب في حاجتي فإني قد ركبت فإذا جئت حدثتك ، فقال : أسألك بقرابتك من
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما حدثتني ، قال : فنزل فقال له سفيان : مر لي بدواة وقرطاس حتى
أثبته ، فدعا به ثم قال : أكتب : بسم الله الرحمن الرحيم . خطبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في
مسجد الخيف : نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ، وبلغها من لم تبلغه .
يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب ، فرب حامل فقه ليس بفقيه ، ورب حامل فقه
إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله ،
والنصيحة لأئمة المسلمين ، واللزوم لجماعتهم ، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم ،
المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم ، وهم يد على من سواهم ، يسعى بذمتهم أدناهم .
فكتبه سفيان ثم عرضه عليه ، وركب أبو عبد الله ( عليه السلام ) . وجئت أنا وسفيان ، فلما
كنا في بعض الطريق قال لي : كما أنت حتى أنظر في هذا الحديث ، قلت له : قد والله
ألزم أبو عبد الله رقبتك شيئا لا يذهب من رقبتك أبدا !
فقال : وأي شئ ذلك ؟
فقلت له : ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله ، قد عرفناه ،
والنصيحة لأئمة المسلمين ، من هؤلاء الأئمة الذين يجب علينا نصيحتهم ؟ معاوية
بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم ؟ وكل من لا تجوز الصلاة
خلفهم ؟ ! وقوله : واللزوم لجماعتهم ، فأي الجماعة ؟ مرجئ يقول : من لم يصل ولم
يصم ولم يغتسل من جنابة وهدم الكعبة ونكح أمه فهو على إيمان جبرئيل
وميكائيل ؟ ! أو قدري يقول : لا يكون ما شاء الله عز وجل ويكون ما شاء إبليس ؟ ! أو
حروري يتبرأ من علي بن أبي طالب ويشهد عليه بالكفر ؟ ! أو جهمي يقول إنما هي
معرفة الله وحده ليس الإيمان شئ غيرها ؟ !
قال : ويحك وأي شئ يقولون ؟ !
فقلت يقولون : إن علي بن أبي طالب والله الإمام الذي وجب علينا نصيحته ،
ولزوم جماعتهم : أهل بيته . قال : فأخذ الكتاب فخرقه ، ثم قال . لا تخبر بها أحدا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 346 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

المرجئة ولدوا من عهد الخليفة عمر

رأينا كيف وسعت دولة الخلافة القرشية شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى شملت كل من
يشهد بالتوحيد فقط ولو لم يشهد بالنبوة . .
ثم وسعتها إلى جميع الخلق ، كما تقدم من رواياتهم وكلام ابن تيمية .
ثم استغنت عن شفاعة الأنبياء جميعا ، وأوجبت الجنة بأعمال وكلمات بسيطة .
ثم استغنت عن كل ذلك ، وقالت بفناء النار ونقل أهلها إلى الجنة ! !
ولعل الخليفة عمر وكعب الأحبار رائدي هذه الأفكار ومن تابعهم عليها لم يلتفتوا
إلى خطورتها الزائدة ، وأنها تمثل مشروعا خطيرا لإسقاط كل المحرمات وتعويم
الإيمان ، في أمة نهضت بالإسلام والإيمان وأخذت تفتح بلاد الإمبراطورية الفارسية
والرومانية ، بلدا بعد آخر . . وهي بأمس الحاجة إلى حفظ شخصية جنودها
وجديتهم ، وعدم التساهل في مفاهيم إيمانهم .
على أي حال فالذي وقع في حياة الأمة ، أن هذه الأفكار بمساعدة فكرة الجبر
وأن الله تعالى قد فرغ من الأمر وكتب كل شئ وانتهى الأمر ولا بداء . . سرعان ما
أثمرت مذهبين عقائديين مواليين للسلطة هما : المرجئة والقدرية ، وقد تبنتهما
السلطة وأيدت علماءهما وهيأت لهم الظروف لنشر أفكارهم في الأمة .
ويتلخص مذهب المرجئة بمقولتهم المشهورة ( الإيمان لا تضر معه معصية )
فالإيمان عندهم مجرد القول بالشهادتين ، وبذلك يضمن الإنسان دخول الجنة مهما
كان عمله ! !
ويتلخص مذهب القدرية أو الجبرية : بأن مسؤولية الإنسان عن أعماله وجرائمه
محدودة أو منتفية ، لأن الخير والشر من الله تعالى ، وكل شئ مكتوب ومقدر
منه تعالى ! !
ومن الواضح أن هذين المذهبين هما نفس الأفكار والأحاديث التي رأيناها في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 347 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
توسيع الشفاعة وتوسيع دخول الجنة ، لكن بصيغة ( ممذهبة ) .
كما أن أحدهما مكمل للآخر في تخفيف مسؤولية الإنسان ، لأن جوهرهما واحد
وهو ( تعويم ) قانون العقوبة الإلهي ، بل تطمين الناس بأنه قد تم شطبه ! !
وقد مر معنا في بحث توسيعات الشفاعة ما رواه السيوطي في الدر المنثور ج 2 ص 116
عن البيهقي ، وادعاؤهم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لعمر : يا عمر إنك لا تسأل عن أعمال
الناس ، ولكن تسأل عن الفطرة ! وهذا نفس ما يقوله المرجئة !
- وفي سنن الترمذي ج 3 ص 87 :
أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) سمع ذات يوم رجلا يقول : الله أكبر الله أكبر ، فقال : على الفطرة .
فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، قال : خرجت من النار ! انتهى . ونحوه في صحيح مسلم ج 2
ص 4 ومسند أحمد ج 3 ص 241 وكنز العمال ج 8 ص 366 .
بل وجدنا نفس تعبير ( الإيمان لا تضر معه خطيئة ) في عدة روايات في مسند
أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص ج 2 ص 170 قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : من لقي الله لا يشرك به شيئا لم تضره معه خطيئة ! انتهى .
وقال عنه في مجمع الزوائد ج 1 ص 19 : رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله
رجال الصحيح ما خلا التابعي فإنه لم يسم ، ورواه الطبراني فجعله من رواية مسروق
عن عبد الله بن عمرو . وقال في كنز العمال ج 1 ص 81 إنه صحح ! انتهى .
ومصدر ابن عمرو إما أن يكون الخليفة عمر ، وإما أن يكون أخذه من أحاديث
( العدلين ) أي الكيسين الكبيرين اللذين أخذهما بعد معركة اليرموك من الشام من
روايات اليهود وكتبهم ، وكان يحدث المسلمين منهما ! !

أول من تصدى لمذهب المرجئة علي ( عليه السلام )

- روى الصدوق في علل الشرائع ج 2 ص 602 :
حدثنا الحسين بن أحمد ( رحمه الله ) عن أبيه عن محمد بن أحمد قال : حدثنا أبو عبد الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 348 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الرازي ، عن علي بن سليمان بن راشد ، بإسناده رفعه إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال :
يحشر المرجئة عميانا ، إمامهم أعمى ، فيقول بعض من يراهم من غير أمتنا : ما تكون
أمة محمد إلا عميانا ! فأقول لهم : ليسوا من أمة محمد ، لأنهم بدلوا فبدل ما بهم ،
وغيروا فغير ما بهم .
- وروى في الخصال ص 611 :
حدثنا أبي ( رضي الله عنه ) قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثني محمد بن عيسى بن
عبيد اليقطيني ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد ، عن أبي بصير
ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : حدثني أبي عن جدي عن آبائه ( عليهم السلام ) أن
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) علم أصحابه في مجلس واحد أربع مائة باب مما يصلح للمسلم
في دينه ودنياه .
قال ( عليه السلام ) : إن الحجامة تصحح البدن وتشد العقل ، والطيب في الشارب من أخلاق
النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكرامة الكاتبين ، والسواك من مرضات الله عز وجل وسنة النبي ( صلى الله عليه وآله )
ومطيبة للفم ، والدهن يلين البشرة ويزيد في الدماغ ويسهل مجاري الماء ويذهب
بالقشف ويسفر اللون ، وغسل الرأس يذهب بالدرن وينفي القذاء ، والمضمضة
والاستنشاق سنة وطهور للفم والأنف ، والسعوط مصحة للرأس وتنقية للبدن وسائر
أوجاع الرأس ، والنورة نشرة وطهور للجسد ، واستجادة الحذاء وقاية للبدن وعون
على الطهور والصلاة . وتقليم الأظفار يمنع الداء الأعظم . . . الخ .
وهو حديث طويل فيه تعليمات هامة دينية ودنيوية ، وقد جاء فيه عن المرجئة :
علموا صبيانكم ما ينفعهم الله به ، لا تغلب عليهم المرجئة برأيها . . . انتهى .
وقال في هامشه : قال العلامة المجلسي ( رحمه الله ) : إعلم أن أصل هذا الخبر في غاية
الوثاقة والاعتبار على طريقة القدماء ، وإن لم يكن صحيحا بزعم المتأخرين ،
واعتمد عليه الكليني ( رحمه الله ) وذكر أكثر أجزائه متفرقة في أبواب الكافي ، وكذا غيره من
أكابر المحدثين .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 349 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أقول : عدم صحة السند عند المتأخرين لمقام القاسم بن يحيى ، والظاهر أن
أصل الرواية في كتابه ، قال الشيخ في الفهرست : القاسم بن يحيى الراشدي له كتاب
فيه آداب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، والراشدي نسبة إلى جده الحسن بن راشد البغدادي
مولى المنصور الدوانيقي الذي كان وزيرا للمهدي وموسى وهارون الرشيد . قال ابن
الغضائري : ضعيف . وقال البهبهاني في التعليقة : لا وثوق بتضعيف ابن الغضائري
إياه ، ورواية الأجلة سيما مثل أحمد بن محمد بن عيسى عنه تشير إلى الاعتماد
عليه ، بل الوثاقة وكثرة رواياته والإفتاء بمضمونها يؤيده . ويؤيد فساد كلام
ابن الغضائري في المقام ، عدم تضعيف شيخ من المشايخ العظام الماهرين بأحوال
الرجال إياه ، وعدم طعن من أحد ممن ذكره في ترجمته وترجمة جده وغيرها ،
والعلامة ( رحمه الله ) تبع ابن الغضائري بناء على جواز عثوره على ما لم يعثروا عليه ، وفيه ما
فيه . انتهى . ورواه ابن شعبة الحراني مرسلا في تحف العقول ص 104 .
- هذا وقد صرح القاضي النعماني المغربي المتوفى سنة 363 بأن اسم المرجئة أول ما
أطلق على المتخلفين عن بيعة علي ( عليه السلام ) ونصرته على الفئة الباغية ، وهو يدل على
أن بعض الصحابة تمسكوا بفكرة كعب وعمر التي تكتفي لدخول الجنة بالتوحيد
بدون عمل ، فيكون مذهب المرجئة قد تمت ولادته بعد وفاة عمر بقليل وفي حياة
كعب الأحبار !
- قال القاضي النعماني في شرح الأخبار ج 2 ص 82 :
فأما المتخلفون عن الجهاد مع علي صلوات الله عليه ، وقتال من نكث بيعته ومن
حاربه وناصبه ، فإنه تخلف عنه في ذلك من المعروفين من الصحابة : سعد بن أبي
وقاص وكان أحد الستة الذين سماهم عمر للشورى ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ،
ومحمد بن سلمة ، واقتدى بهم جماعة فقعدوا بقعودهم عنه ، ولم يشهدوا شيئا من
حروبه معه ولا مع من حاربه . وهذه الفرقة هم أصل المرجئة وبهم اقتدوا ، وذهب
إلى ذلك من رأيهم جماعة من الناس وصوبوهم فيه وذهبوا إلى ما ذهبوا إليه ، فقالوا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 350 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في الفريقين في علي ( عليه السلام ) ومن قاتل معه وفي الذين حاربوه وناصبوه ومن قتل من
الفريقين : إنهم يخافون عليهم العذاب ويرجون لهم الخلاص والثواب ، ولم يقطعوا
عليهم بغير ذلك وتخلفوا عنهم . والإرجاء في اللغة التأخير فسموا مرجئة لتأخيرهم
القول فيهم ، وتأخرهم عنهم ولم يقطعوا عليهم بثواب ولا عقاب ، لأنهم زعموا أنهم
كلهم موحدون ولا عذاب عندهم على من قال : لا إله إلا الله ، فقدموا المقال وأخروا
الأعمال فكان هذا أصل الإرجاء ثم تفرق أهله فرقا إلى اليوم يزيدون على ذلك من
القول وينقصون . انتهى .
- وقال في شرح الأخبار ج 1 ص 365 :
ثم هذه الفرق التي ذكرناها تتشعب ويحدث في أهلها الاختلاف إلى اليوم
وأصلها ست فرق : شيعة وعامة وخوارج ومعتزلة ومرجئة وحشوية .
فالشيعة : هم شيعة علي صلوات الله عليه القائلون بإمامته ، وهم أقدم الفرق
وأصلها الذي تفرعت عنه ، ورسول الله صلوات الله عليه وآله سماها بهذا الاسم .
وقال : شيعة علي هم الفائزون . وقال لعلي ( عليه السلام ) : أنت وشيعتك . . في آثار كثيرة رويت
عنه . وسنذكر في هذا الكتاب ما يجري ذكره إن شاء الله تعالى . وغير ذلك من الفرق
محدثة أحدثت بعد النبي صلوات الله عليه وآله . انتهى .
* *
ويدل النصان التاليان على وجود المرجئة على شكل مذهب متكامل في عصر
الإمام الباقر ( عليه السلام ) المتوفى سنة 94 هجرية ، أي في الجيل الأول من التابعين بعد
الصحابة مباشرة .
- قال الصدوق في ثواب الأعمال ص 213 :
وحدثني محمد بن موسى بن المتوكل قال : حدثني محمد بن جعفر قال :
حدثني أحمد بن محمد العاصمي قال : حدثني علي بن عاصم الهمداني ، عن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 351 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
محمد بن عبد الرحمن المحرري ، عن يحيى بن سالم ، عن محمد بن سلمة ، عن
أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ما الليل بالليل ولا النهار بالنهار أشبه من المرجئة باليهود ، ولا من
القدرية بالنصرانية .
- وفي علل الشرائع ص 528 :
وبهذا الإسناد عن محمد بن أحمد ، عن ابن عيسى ، عن عثمان بن سعيد قال :
حدثنا عبد الكريم الهمداني ، عن أبي ثمامة قال : دخلت علي أبي جعفر ( عليه السلام ) وقلت
له : جعلت فداك إني رجل أريد أن ألازم مكة وعلي دين للمرجئة فما تقول ؟ قال :
قال إرجع ( وأد ) دينك وانظر أن تلقى الله تعالى وليس عليك دين ، فإن المؤمن لا
يخون . انتهى .
* *
أما في عصر الإمام الصادق ( عليه السلام ) وما بعده فقد كان للمرجئة وجود واسع وصولة ،
وانتشر مذهبهم حتى شمل أكثر الرواة وعلماء الدولة . . كما اتسع تصدي أهل
البيت ( عليهم السلام ) لأفكارهم ، ففي دعائم الإسلام للقاضي النعمان ج 1 ص 3 قال : روينا عن
جعفر بن محمد أنه قال : الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان ،
وهذا الذي لا يصح غيره ، لا كما زعمت المرجئة أن الإيمان قول بلا عمل ، ولا
كالذي قالت الجماعة من العامة إن الإيمان قول وعمل فقط ، وكيف يكون ما قالت
المرجئة إنه قول بلا عمل وهم والأمة مجمعون على أن من ترك العمل بفريضة من
فرائض الله عز وجل التي افترضها على عباده منكرا لها أنه كافر حلال الدم ما كان
مصرا على ذلك ، وإن أقر بالله ووحده وصدق رسوله بلسانه ، إلا أنه يقول هذه
الفريضة ليست مما جاء به ، وقد قال الله عز وجل : وويل للمشركين الذين لا يؤتون
الزكاة ، فأخرجهم من الإيمان بمنعهم الزكاة ، وبذلك استحل القوم أجمعون بعد
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دماء بني حنيفة وسبي ذراريهم ، وسموهم أهل الردة إذ منعوهم
الزكاة . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 352 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- قال الكليني في الكافي ج 2 ص 39 :
محمد بن الحسن ، عن بعض أصحابنا ، عن الأشعث بن محمد ، عن محمد بن
حفص بن خارجة قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : وسأله رجل عن قول المرجئة
في الكفر والإيمان ، وقال إنهم يحتجون علينا ويقولون كما أن الكافر عندنا هو الكافر
عند الله ، فكذلك نجد المؤمن إذا أقر بإيمانه أنه عند الله مؤمن ! فقال : سبحان الله
وكيف يستوي هذان ؟ ! والكفر إقرار من العبد ، فلا يكلف بعد إقراره ببينة ، والإيمان
دعوى لا يجوز إلا ببينة ، وبينته عمله ونيته ، فإذا اتفقا فالعبد عند الله مؤمن . والكفر
موجود بكل جهة من هذه الجهات الثلاث من نية أو قول أو عمل ، والأحكام تجري
على القول والعمل ، فما أكثر من يشهد له المؤمنون بالإيمان ويجري عليه أحكام
المؤمنين وهو عند الله كافر ، وقد أصاب من أجرى عليه أحكام المؤمنين بظاهر قوله
وعمله .
- وقال في الإيضاح ص 44 :
ومنهم المرجئة الذين يروي عنهم أعلامهم مثل إبراهيم النخعي وإبراهيم بن يزيد
التيمي ، ومن دونهما مثل سفيان الثوري وابن المبارك ووكيع وهشام وعلي بن
عاصم ، عن رجالهم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام
نصيب : القدرية والمرجئة . فقيل له : ما المرجئة قالوا : الذين يقولون : الإيمان قول
بلا عمل . وأصل ما هم عليه أنهم يدينون بأن أحدهم لو ذبح أباه وأمه وابنه وبنته
وأخاه وأخته وأحرقهم بالنار أو زنى أو سرق أو قتل النفس التي حرم الله أو أحرق
المصاحف أو هدم الكعبة أو نبش القبور أو أتى أي كبيرة نهى الله عنها . . أن ذلك لا
يفسد عليه إيمانه ولا يخرجه منه ، وأنه إذا أقر بلسانه بالشهادتين أنه مستكمل
الإيمان إيمانه كإيمان جبرئيل وميكائيل صلى الله عليهما ، فعل ما فعل وارتكب ما
ارتكب ما نهى الله عنه !
ويحتجون بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : أمرنا أن نقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 353 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وهذا قبل أن يفرض سائر الفرائض وهو منسوخ . وقد روى محمد بن الفضل ، عن
أبيه ، عن المغيرة بن سعيد ، عن أبيه ، عن مقسم ، عن سعيد بن جبير قال : المرجئة
يهود هذه الأمة . وقد نسخ احتجاجهم قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) حين قال : بني الإسلام على
خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ،
وحج البيت ، وصوم شهر رمضان .

كان المرجئة خداما لبني أمية ومبررين لجرائمهم

- الكافي ج 2 ص 409 :
محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن مروك بن عبيد ، عن رجل ، عن أبي
عبد الله ( عليه السلام ) قال : لعن الله القدرية ، لعن الله الخوارج ، لعن الله المرجئة ، لعن الله
المرجئة . قال قلت : لعنت هؤلاء مرة مرة ولعنت هؤلاء مرتين !
قال : إن هؤلاء يقولون : إن قتلتنا مؤمنون ! فدماؤنا متلطخة بثيابهم إلى يوم القيامة ،
إن الله حكى عن قوم في كتابه : لن نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، قل قد
جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين . . قال
كان بين القاتلين والقائلين خمسمائة عام فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا . انتهى .
ومعنى كلام الإمام الصادق ( عليه السلام ) : أن المرجئة زعموا أن قتلة الإمام الحسين ( عليه السلام )
مؤمنون من أهل الجنة ولا يعاقبون على جريمتهم ! وبذلك صار المرجئة شركاء لبني
أمية في الجريمة ، لأن من رضي بعمل قوم فقد شركهم فيه !
ويدل النص التالي على أن المرجئة كانوا يجادلون المعارضين لبني أمية ليأخذوا
عليهم مستمسكا للخليفة لكي يضطهدهم !
- وقال الكليني في الكافي ج 8 ص 270 :
عن عبد الحميد بن أبي العلاء قال : دخلت المسجد الحرام فرأيت مولى لأبي
عبد الله ( عليه السلام ) فملت إليه لأسأله عن أبي عبد الله ، فإذا أنا بأبي عبد الله ساجدا فانتظرته
طويلا فطال سجوده علي ، فقمت وصليت ركعات وانصرفت وهو بعد ساجد ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 354 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فسألت مولاه متى سجد ؟ فقال : قبل أن تأتينا ، فلما سمع كلامي رفع رأسه ثم قال :
أبا محمد أدن مني فدنوت منه فسلمت عليه ، فسمع صوتا خلفه فقال : ما هذه
الأصوات المرتفعة ؟ فقلت : هؤلاء قوم من المرجئة والقدرية والمعتزلة ، فقال : إن
القوم يريدوني فقم بنا ، فقمت معه فلما أن رأوه نهضوا نحوه فقال لهم : كفوا أنفسكم
عني ولا تؤذوني وتعرضوني للسلطان ، فإني لست بمفت لكم ، ثم أخذ بيدي
وتركهم ومضى ، فلما خرج من المسجد قال لي يا أبا محمد والله لو أن إبليس سجد
لله عز ذكره بعد المعصية والتكبر عمر الدنيا ما نفعه ذلك ولا قبله الله عز ذكره ما لم
يسجد لآدم ، كما أمره الله عز وجل أن يسجد له .
وكذلك هذه الأمة العاصية المفتونة بعد نبيها ( صلى الله عليه وآله ) وبعد تركهم الإمام الذي نصبه
نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) لهم فلن يقبل الله تبارك وتعالى لهم عملا ، ولن يرفع لهم حسنة حتى يأتوا
الله عز وجل من حيث أمرهم ، ويتولوا الإمام الذي أمروا بولايته ويدخلوا من الباب
الذي فتحه الله عز وجل ورسوله لهم .
يا أبا محمد إن الله افترض على أمة محمد ( صلى الله عليه وآله ) خمس فرائض : الصلاة والزكاة
والصيام والحج وولايتنا ، فرخص لهم في أشياء من الفرائض الأربعة ، ولم يرخص
لأحد من المسلمين في ترك ولايتنا ، لا والله ما فيها رخصة .

تورط أصحاب المذاهب الأربعة في الإرجاء

للمرجئة في المذاهب الأربعة وفي الصحاح الستة مكانة محترمة حتى أن بعض
أئمة المذاهب أنفسهم اتهموا بأنهم مرجئة . . قال في هامش كتاب المجروحين ج 3
ص 63 : هناك تعليقات كثيرة على المخطوطة هاجمت ابن حبان لتحامله على أبي
حنيفة ، ومما هوجم من أجله والد أبي حنيفة . . . بأنه كان خبازا واعتبر المعلق ذلك
غيبة تخرج عن حد الرأي في المحدث .
ونشير هنا إلى أن جد أبي حنيفة كان أحد أمراء بلاد الأفغان ( مرزبان ) واختلفت
أقوال حفيده في مسألة أسر جده ثم عتقه ، قال أحدهما : والله ما وقع لنا رق قط .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 355 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يراجع الإمام الأعظم : اتهام أبي حنيفة بالإرجاء وأنه داعية إلى البدع ، غير مقبول
من ابن حبان ومن شاركه هذا القول على إطلاقه ، ونلخص القول في ذلك بما جاء في
كتاب اللكنوي ( الرفع والتكميل 154 ) :
جملة التفرقة بين اعتقاد أهل السنة وبين اعتقاد المرجئة : أن المرجئة يكتفون في
الإيمان بمعرفة الله ونحوه ويجعلون ما سوى الإيمان من الطاعات وما سوى الكفر
من المعاصي غير مضرة ولا نافعة ويتشبثون بظاهر حديث : من قال لا إله إلا الله
دخل الجنة .
وأهل السنة يقولون : لا تكفي في الإيمان المعرفة ، بل لا بد من التصديق
الاختياري مع الإقرار اللساني ، وأن الطاعات مفيدة والمعاصي مضرة مع الإيمان
توصل صاحبها إلى دار الخسران .
والذي يجب علمه على العالم المشتغل بكتب التواريخ وأسماء الرجال أن (
يعرف أن ) الإرجاء يطلق على قسمين : أحدهما الإرجاء الذي هو ضلال . وثانيهما
الإرجاء الذي ليس بضلال ، ولا يكون صاحبه عن أهل السنة والجماعة خارجا .
ولهذا ذكروا أن المرجئة فرقتان : مرجئة الضلالة ، ومرجئة أهل السنة . وأبو حنيفة
وتلامذته وشيوخه وغيره من الرواة الإثبات إنما عدوا من مرجئة أهل السنة لا من
مرجئة الضلالة .
ثم يقول أيضا في ختام مناقشته لهذا الموضوع 161 : وخلاصة المرام في هذا
المقام أن الإرجاء : قد يطلق على أهل السنة والجماعة من مخالفيهم المعتزلة
الزاعمين بالخلود الناري لصاحب الكبيرة ، وقد يطلق على الأئمة القائلين بأن
الأعمال ليست بداخلة في الإيمان وبعدم الزيادة فيه والنقصان - وهو مذهب أبي
حنيفة وأتباعه - من جانب المحدثين القائلين بالزيادة والنقصان وبدخول الأعمال
في الإيمان . وهذا النزاع وإن كان لفظيا كما حققه المحققون من الأولين والآخرين
لكنه لما طال وآل الأمر إلى بسط كلام الفريقين من المتقدمين والمتأخرين ، أدى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 356 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ذلك إلى أن أطلقوا الإرجاء على مخالفيهم وشنعوا بذلك عليهم ، وهو ليس بطعن
في الحقيقة ، على ما لا يخفى على مهرة الشريعة .
أقول : إذا عرفت هذا علمت أن قول ابن حبان في إطلاقه الإرجاء على أبي حنيفة
وأصحابه فيه اتهام غير محدد وتعمية تضلل الباحث ، وهو يقصد إلى ذلك قصدا ما
كان يجدر به أن يقع في مثل ذلك . انتهى .
ولا كلام لنا في دفاعهم عن نسب أبي حنيفة وحسبه ، فقد كان على أتباعه أن
يجعلوه من ملوك الأفاغنة وأبناء المرازبة أو الأكاسرة ، حتى يواجهوا به مذهب أهل
بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ونسبهم الشامخ من عليا قريش وذروة بني هاشم . .
ولكنا نسأل : من أين جاؤوا بهذا التقسيم للمرجئة إلى مرجئة من أهل السنة
ومرجئة ضلالة ، وحكموا بأن أبا حنيفة من النوع الجيد لا الردئ . . ! فما هو الفرق
العلمي والعقائدي بين هذين النوعين حتى نقبل الجيد ونترك الردئ ؟ !
وهل يكفي التخلص اللفظي من مذهب المرجئة بمثل قول اللكنوي المتقدم بأن
مذهب أهل السنة ( أن الطاعات مفيدة والمعاصي مضرة مع الإيمان توصل صاحبها
إلى دار الخسران ) مع أن الأحاديث التي تشبث بها المرجئة على حد تعبيره ثابتة
وصحيحة عندهم !
* *

تورط أصحاب الصحاح الستة في الإرجاء

أما إذا نظرت إلى الصحاح فيأخذك العجب عندما تجد نسبة كبيرة من رواتها
المحترمين مرجئة ! ! وهو موضوع يحتاج إلى دراسة مستقلة ولا يتسع المجال لأكثر
من إشارة إلى بعضهم :
فمنهم : الفأفاء ، وهو رأس في المرجئة متعصب لبني أمية مبغض لعلي ( عليه السلام ) بل
مبغض للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ! وكان يقرأ لخلفاء بني أمية القصائد في هجاء النبي ! وقد قتله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 357 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العباسيون في ثورتهم . . ومع ذلك فهو معتمد عند ابن المديني شيخ البخاري ويقول
عنه قتل مظلوما ، ومعتمد عند البخاري فقد روى عنه في الأدب المفرد وكذلك عند
مسلم والنسائي وابن ماجة والترمذي وأبي داود ! قال في تهذيب التهذيب ج 3 ص 83 :
خالد بن سلمة بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي أبو سلمة ، ويقال أبو
المقسم المعروف بالفأفاء الكوفي ، أصله حجازي ، روى عن عبد الله البهي وعيسى
وموسى ابني طلحة بن عبيد الله ، وسعيد بن المسيب وأبي بردة بن أبي موسى
والشعبي وغيرهم . وعنه أولاده عكرمة ومحمد وعبد الرحمن ، والسفيانان ، وشعبة ،
ومسعر ، وزائدة ، وزكرياء بن أبي زائدة وابنه يحيى بن زكرياء ، وحماد بن زيد ،
وغيرهم . . وحدث عنه عمرو بن دينار ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وهما أكبر منه .
قال البخاري عن ابن المديني له نحو عشرة أحاديث .
وقال أحمد وابن معين وابن المديني ثقة ، وكذا قال ابن عمار ويعقوب بن شيبة
والنسائي .
وقال أبو حاتم شيخ يكتب حديثه .
وقال ابن عدي : هو في عداد من يجمع حديثه ، ولا أرى بروايته بأسا .
وذكره ابن حبان في الثقات .
وقال ابن سعد : هرب من الكوفة إلى واسط لما ظهرت دعوة بني العباس ، فقتل
مع ابن هبيرة .
وقال محمد بن حميد عن جرير : كان الفأفأ رأسا في المرجئة ، وكان يبغض عليا .
وقال يعقوب بن شيبة : يقال إن بعض الخلفاء قطع لسانه ثم قتله ، ذكره علي بن
المديني يوما فقال : قتل مظلوما .
وقال أبو داود عن الحسن بن علي الخلال : سمعت يزيد بن هارون يقول دخلت
المسودة واسط سنة 132 فنادى مناديهم بواسط : الناس آمنون إلا ثلاثة : العوام بن
حوشب ، وعمر بن ذر ، وخالد بن سلمة المخزومي . فأما خالد فقتل ، وأما العوام
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 358 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فهرب وكان يحرض على قتالهم ، وكان عمر بن ذر يقص بهم ويحرض على قتالهم
عندنا بواسط . له عند مسلم حديث واحد .
قلت : وقع في صحيح البخاري ضمنا حيث قال في الحيض وقالت عائشة كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه ، فإن مسلما أخرجه من
طريق خالد بن سلمة .
هذا وذكر ابن المديني في العلل الكبرى أن الفأفاء لم يسمع من عبد الله بن عمر ،
وذكر ابن عائشة : أنه كان ينشد بني مروان الأشعار التي هجي بها المصطفى صلى الله
عليه وسلم ! ! . انتهى .
ومنهم : الحماني ، الذي روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن
ماجة . . قال في تهذيب التهذيب ج 6 ص 109 : عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني
أبو يحيى الكوفي ولقبه بشمين . أصله خوارزمي . روى عن يزيد بن أبي بردة ،
والأعمش ، والسفيانين ، وأبي حنيفة وجماعة . وعنه أبو بكر ومحمد بن خلف
الحدادي ، والحسن بن علي الخلال ، وأحمد بن عمر الوكيعي ، وأبو كريب ،
وموسى بن عبد الرحمن المسروقي ، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة ، وسفيان بن
وكيع ، والحسين بن يزيد الكوفي ، ومحمد بن عبد بن ثعلبة ، ويحيى بن موسى
خت ، وعمرو بن علي الفلاس ، وأبو سعيد الأشج ، والحسن بن علي بن عفان
العامري ، وغيرهم . قال ابن معين : ثقة .
وقال أبو داود : كان داعية في الإرجاء ! !
وقال النسائي : ليس بقوي ، وقال في موضع آخر : ثقة ، وذكره ابن حبان في
الثقات . وقال ابن عدي : هو وابنه ممن يكتب حديثه . قال هارون الحمال مات سنة
اثنتين ومائتين . قلت : وفيها أرخه ابن قانع وزاد في جمادى الأولى وهو ثقة .
وقال ابن سعد وأحمد : كان ضعيفا . وقال العجلي : كوفي ضعيف الحديث مرجئ .
وقال البرقي : قال ابن معين : كان ثقة ، ولكنه ضعيف العقل ! . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 359 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومنهم : شعيب بن إسحاق مولى بني أمية الذي روى عنه البخاري ومسلم وأبو
داود والنسائي وابن ماجة . . قال في تهذيب التهذيب ج 4 ص 304 : شعيب بن إسحاق
بن عبد الرحمن بن عبد الله بن راشد الدمشقي الأموي ، مولى رملة بنت عثمان ،
أصله من البصرة . روى عن أبيه وأبي حنيفة وتمذهب له ، وابن جريج والأوزاعي ،
وسعيد بن أبي عروبة ، وعبيد الله بن عمرو ، وهشام بن عروة ، والثوري وغيرهم .
وعنه ابن ابنه عبد الرحمن بن عبد الصمد بن شعيب ، وداود بن رشيد ، والحكم بن
موسى ، وأبو النضر الفراديسي ، وعمرو بن عون ، وإبراهيم بن موسى الرازي ،
وإسحاق بن راهويه ، وسويد بن سعيد ، وأبو كريب محمد بن العلاء ، وهشام بن
عمار ، وغيرهم .
وحدث عنه الليث بن سعد ، وهو في عداد شيوخه .
قال أبو طالب عن أحمد : ثقة ما أصح حديثه وأوثقه .
وقال أبو داود : ثقة وهو مرجئ ، سمعت أحمد يقول : سمع من سعيد بن
أبي عروبة بآخر رمق .
وقال هشام بن عمار عن شعيب : سمعت من سعيد سنة 144 .
وقال ابن معين ودحيم والنسائي : ثقة .
وقال أبو حاتم : صدوق .
وقال الوليد بن مسلم : رأيت الأوزاعي يقربه ويدنيه .
قال دحيم : ولد سنة 18 ومات سنة 189 وكذا أرخه ابن مصفى وزاد في
رجب وفيها أرخه غير واحد . ووقع في الكمال سنة 98 وهو وهم .
قلت : وفي سنة 89 أرخه ابن حبان في الثقات ، ونقل أبو الوليد الباجي عن أبي
حاتم قال : شعيب ابن إسحاق ثقة مأمون . انتهى .
ومنهم : الغنوي الذي روى عنه مسلم والأربعة . . قال في تهذيب التهذيب ج 1
ص 411 : بشير بن المهاجر الغنوي الكوفي ، رأى أنس بن مالك ، وروى عن عبد الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 360 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بن بريدة والحسن البصري وعكرمة وغيرهم . وعنه ابن المبارك ، ووكيع ، وابن نمير ،
والثوري ، وجعفر بن عون ، وأبو نعيم ، وخلاد بن يحيى ، وغيرهم . . . وقال
العجلي : كوفي ثقة ، وقال العقيلي : مرجئ متهم متكلم فيه . وقال الساجي : منكر
الحديث عنده . انتهى .
* *
وقد سجل ابن شاذان هذا التناقض على أصحاب الصحاح فقال في الإيضاح
ص 502 : ومن جهة أخرى تروون عن المرجئة ويروون عنكم وتروون عن القدرية
ويروون عنكم وتروون عن الجهمية ويروون عنكم فتقبلون منهم بعض أقاويلهم
وتردون عليهم بعضها ، فلا الحق أنتم منه على ثقة ، ولا الباطل أنتم منه على يقين
وأنتم عند أنفسكم أهل السنة والجماعة . . .

حب المستشرقين للمرجئة وحزنهم عليهم

قال الدكتور حسن إبراهيم في كتابه تاريخ الإسلام ج 1 ص 416 عن المرجئة :
وهي طائفة المرجئة التي ظهرت في دمشق حاضرة الأمويين بتأثير بعض العوامل
المسيحية خلال النصف الثاني من القرن الأول الهجري .
وقد سميت هذه الطائفة المرجئة من الإرجاء هو التأخير ، لأنهم يرجئون الحكم
على العصاة من المسلمين إلى يوم البعث . كما يتحرجون عن إدانة أي مسلم مهما
كانت الذنوب التي اقترفها . . .
وهؤلاء هم في الحقيقة كتلة المسلمين التي رضيت حكم بني أمية ، مخالفين في
ذلك الشيعة والخوارج . ومع هذا فإنهم يتفقون في العقيدة إلى حد ما مع طائفة
المحافظين وهي أهل السنة ، وإن كانوا - كما يرى فون كريمر - قد ألانوا من شدة
عقائد هؤلاء السنيين باعتقادهم ( أنه لا يخلد مسلم مؤمن في النار ) وعلى العموم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 361 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فهم يضعون العقيدة فوق العمل .
وكانت آراؤهم تتفق تماما مع رجال البلاط الأموي ومن يلوذ به ، بحيث لا
يستطيع أحد من الشيعيين أو الخوارج أن يعيش بينهم ، في الوقت الذي تمكن فيه
المسيحيون وغيرهم من المسلمين أن ينالوا الحظوة لديهم ، أو يشغلوا المناصب
العالية ! . انتهى .
ويمكنك ملاحظة التناقض بين ما ذكره الدكتور والمستشرقون عن تقوى المرجئة
وتحرجهم عن إدانة أي مسلم مهما كانت الذنوب التي اقترفها وحكمهم عليه بأنه من
أهل الجنة بحكم عقيدتهم ، وبين تقواهم في أنهم كانوا يتعايشون مع الحكام
الأمويين والنصارى واليهود ولا يتعايشون مع من خالفهم من المسلمين .
ولعل السبب في ذلك أن الحكام الأمويون أساتذتهم في عملية إسقاط المحرمات ،
بينما اليهود والنصارى أساتذتهم في نظرية إسقاط المحرمات ! !
ثم قال الدكتور حسن إبراهيم :
وبزوال الدولة الأموية أفل نجم طائفة المرجئة ولم تصبح بعد حزبا مستقلا ، ومع
ذلك فقد ظهر من بينهم أبو حنيفة صاحب المذهب المشهور . انتهى .
ولكن حكمه بزوال المرجئة مع أسيادهم الأمويين غير دقيق ، لأنهم سقطوا
سياسيا لا ثقافيا ، فقد بقيت أفكارهم ورواياتهم وعقائدهم في مصادر المسلمين . .
ويكفي دليلا على ذلك اتهام أبي حنيفة وغيره بأنهم منهم . . فإن خط المرجئة عاد
إلى النفوذ والحكم بقرار من الدولة العباسية لكي تواجه به أهل البيت ( عليهم السلام ) ، غاية
الأمر أن اسمهم صار الأشعرية والحنابلة وأهل الحديث وأهل السنة ، فإن أكثرية
هؤلاء من المرجئة !
ويكفي دليلا على ذلك أن كبار علمائهم لا يستطيعون التفريق بين رأيهم في
الشفاعة وبين رأي المرجئة ، وأن إطاعتهم للعباسيين كإطاعة المرجئة للأمويين !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 362 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بل يمكن القول إنه بعد زوال العباسيين وكثير من الفرق لم ينته المرجئة ، لأن أساس
مذهبهم ومنبع أفكارهم الأحاديث التي دخلت الصحاح كما رأيت ، ومن أراد أن
يأخذ بها ويلتزم بلوازمها فلا بد له أن يكون مرجئا ويقول بسقوط المحرمات عمليا ،
ويكتفي بالشهادتين كما مر في توسيع الشفاعة ! !
* *
وأخيرا فقد نقل الدكتور المذكور تأسف المستشرق فون كريمر على ضياع تاريخ
المرجئة بعد زوالهم قال في ج 1 ص 418 :
ويقول فون كريمر : ومما يؤسف له كثيرا أنه ليس لدينا غير القيل من الأخبار
الصحيحة عن هذه الطائفة ، فقد استمروا طوال ذلك العصر وذاقوا حلوه ومره ، وقد
ضاعت جميع المصادر التاريخية العربية عن الأمويين ، حتى أن أقدم المصادر
التاريخية التي وصلت إلينا إنما ترجع إلى عهد العباسيين ، ومن ثم كان لزوما علينا أن
نستقي معلوماتنا عن المرجئة من تلك الشذرات المبعثرة في مؤلفات كتاب العرب
في ذلك العصر الثاني . انتهى .
وهو تأسف ظاهره علمي وواقعه البكاء على المرجئة لما اشتهر عنهم وعن
الأمويين من تفضيلهم التعايش مع المسيحيين واليهود على التعايش مع من خالفهم
من المسلمين . . وهو تأسف يجعلنا نلمس صدق قول الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) عن
المرجئة بأنهم أشبه باليهود من الليل بالليل ، وذلك لجرأتهم على إسقاط قانون
العقوبة الإلهي ، وقولهم إن المسلم مهما ارتكب من جرائم فلن تمسه النار حتى أياما
معدودة ، فليس غريبا أن يحبهم ويتأسف عليهم المستشرقون من اليهود والنصارى !
* *

المرجئة والجبرية شقيقان لأب وأم

مع أن مذهب المرجئة مذهب في الثواب والعقاب ولا علاقة له بالقضاء والقدر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 363 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والجبر والتفويض . . ومع أن النسبة بين المرجئة وبين القدرية والمفوضة عموم من
وجه ، لأن المرجئ في الأعمال قد يكون مفوضا أو قدريا ، كما أن القدري والمفوض
قد يكون مرجئا أو غير مرجئ . .
ولكن ذلك كله في مقام الإثبات والنظرية ، أما في مقام الثبوت والتطبيق فالأعم
الأغلب في المرجئة أنهم قدرية جبرية ، والسبب في ذلك أن الأحاديث التي
استندوا إليها في القول بالإرجاء أو ( تشبثوا ) بها على حد تعبير اللكنوي رافقتها
أحاديث الجبر التي تنسب أفعال الإنسان إلى الله تعالى وتحمله مسؤوليتها ، لكي
ترفعها عن الإنسان ، كما رأيت في أحاديث توسيع الشفاعة وفناء النار !
وبما أن مسائل القضاء والقدر متعددة ، لذا نكتفي هنا بإعطاء تصور كلي عنها
ليتضح ارتباطها بموضوع الشفاعة والإرجاء فنقول :
ورد تعريف القدر الإلهي في نص بديع عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) بأنه ( الهندسة ووضع
الحدود من البقاء والفناء ) كما سيأتي . وقد وقع الخلاف بين المسلمين في مسائله
العديدة ، وتكونت على أساس آرائهم مذاهبهم العقائدية .
- قال السيد الطباطبائي في هامش الكافي ج 1 ص 157 :
واعلم أن البحث عن القضاء والقدر كان في أول الأمر مسألة واحدة ثم تحول
ثلاث مسائل أصلية الأولى : مسألة القضاء وهو تعلق الإرادة الإلهية الحتمية بكل شئ
والأخبار تقضي فيها بالإثبات . . .
الثانية : مسألة القدر وهو ثبوت تأثير ما له تعالى في الأفعال والأخبار تدل فيها
أيضا على الإثبات .
الثالثة : مسألة الجبر والتفويض والأخبار تشير فيها إلى نفي كلا القولين وتثبت قولا
ثالثا وهو الأمر بين الأمرين لا ملكا لله فقط من غير ملك للإنسان ولا بالعكس بل ملكا
في طول ملك وسلطنة في ظرف سلطنة .
واعلم أيضا أن تسمية هؤلاء بالقدرية مأخوذة مما صح عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ( إن القدرية
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 364 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مجوس هذه الأمة الحديث ) فأخذت المجبرة تسمي المفوضة بالقدرية لأنهم
ينكرون القدر ويتكلمون عليه والمفوضة تسمي المجبرة بالقدرية لأنهم يثبتون القدر .
والذي يتحصل من أخبار أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) أنهم يسمون كلتا الفرقتين بالقدرية
ويطلقون الحديث النبوي عليهما .
أما المجبرة فلأنهم ينسبون الخير والشر والطاعة والمعصية جميعا إلى غير
الإنسان كما أن المجوس قائلون بكون فاعل الخير والشر جميعا غير الإنسان
وقوله ( عليه السلام ) في هذا الخبر مبني على هذا النظر .
وأما المفوضة فلأنهم قائلون بخالقين في العالم هما الإنسان بالنسبة إلى أفعاله
والله سبحانه بالنسبة إلى غيرها كما أن المجوس قائلون بإله الخير وإله الشر وقوله ( عليه السلام )
في الروايات التالية ( لا جبر ولا قدر ) ناظر إلى هذا الاعتبار . انتهى .
ونضيف إلى ما ذكره السيد الطباطبائي ( رحمه الله ) : مسألة البداء ، وهي هل أن تقدير الله
تعالى في كل الأمور حتمي عليه ، فلا يمكنه تغيير شئ منه ، لأنه فرغ من الأمر على
حد تعبير بعض المسلمين ، أو لأن يده مغلولة على حد تعبير اليهود . . أم أن القدر
مفتوح له تعالى ، وله الحق والقدرة على البداء والتغيير كما يشاء ، لأنه فرغ من الأمر
ولم يفرغ منه على حد تعبير أهل البيت ( عليهم السلام ) .

القدرية المفوضة ( الذين ينفون القدر )

محور الخلاف في مسألة القدر هو : سلطة الله تعالى على أفعال الإنسان وحركة
الطبيعة والكون ، وفعله فيها .
فالذين ينفون هذه السلطة يسمون ( المفوضة ) لأنهم يزعمون أن الإنسان مفوض
في أعماله ، ولا دخل لله تعالى ولا لسلطته فيها .
وقد يكون المفوضة مؤمنين بوجود الله تعالى ، ولكنهم يقولون إنه فوض ذلك إلى
الإنسان وقوانين الطبيعة . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 365 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد يكونون ملحدين دهريين أو مشككين ، ويعبر عنهم بالمفوضة أيضا ، لأنهم
ينفون سلطة الله تعالى وفاعليته في أفعال الإنسان وحركة الطبيعة .
وهم في عصرنا فئات الماديين من الملحدين والطبيعيين وأكثر العلمانيين ،
وبعض المتأثرين بالثقافة الغربية من المسلمين .
والتفويض في القدر مرفوض كليا عند أهل البيت ( عليهم السلام ) ومنه التفويض الذي
يذهب إليه أكثر المعتزلة أيضا . قال في شرح المواقف ج 8 ص 146 : وقالت المعتزلة أي
أكثرهم : هي ( الأفعال الاختيارية ) واقعة بقدرة العبد وحدها على سبيل الاستقلال
بلا إيجاب بل باختيار .
- وقال الكليني في الكافي ج 1 ص 157 :
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس بن عبد
الرحمن قال : قال لي أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) :
يا يونس ، لا تقل بقول القدرية فإن القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة ، ولا
بقول أهل النار ، ولا بقول إبليس !
فإن أهل الجنة قالوا : الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .
وقال أهل النار : ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين .
وقال إبليس : رب بما أغويتني .
فقلت : والله ما أقول بقولهم ولكني أقول : لا يكون إلا بما شاء الله وأراد
وقدر وقضى .
فقال : يا يونس ليس هكذا ، لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى .
يا يونس تعلم ما المشيئة ؟
قلت : لا .
قال : هي الذكر الأول .
فتعلم ما الإرادة ؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 366 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قلت : لا .
قال : هي العزيمة على ما يشاء .
فتعلم ما القدر ؟
قلت : لا .
قال : هو الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء .
قال ثم قال : والقضاء هو الإبرام وإقامة العين .
قال : فاستأذنته أن أقبل رأسه وقلت : فتحت لي شيئا كنت عنه في غفلة . انتهى .
- وفي مجمع الزوائد ج 7 ص 205 :
عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : القدرية مجوس هذه الأمة ،
إن مرضوا فلا تعودوهم ، وإن ماتوا فلا تشهدوهم . رواه الطبراني في الأوسط وفيه
زكريا بن منظور وثقه أحمد بن صالح وغيره وضعفه جماعة . انتهى . ورواه البيهقي في
سننه ج 10 ص 202 وقال : أخرجه أبو داود في كتاب السنن هكذا . انتهى .
فهذان النصان يردان على القدرية المفوضة .
وينبغي الالتفات إلى أن اسم المرجئة لا يستعمل في الأحاديث في ضد معناه ،
بينما يستعمل اسم القدرية للمؤمن بالقدر ولمنكر القدر . . ويعرف ذلك من سياق
الكلام .

القدرية الجبرية ( الذين يثبتون القدر )

أما الذين يثبتون فعل الله تعالى في حركة الكون وأفعال الإنسان فيسمون (
القدرية ) لأنهم يؤمنون بوجود سلطة لله تعالى على أفعال الإنسان وحركة الطبيعة
بشكل من الأشكال ، وهؤلاء منهم من يفرط في إثبات الفعل الإلهي في أفعال
الإنسان فينسبون أفعال الإنسان إلى الله تعالى نسبة كاملة فيسمون ( الجبرية ) وهم
أكثر المرجئة ، ولعلهم أكثر إخواننا السنة ، وإن لم يصرحوا بذلك . . والسبب في ذلك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 367 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وجود أحاديث ثبتت عندهم عن الخليفة عمر ومن تبعه من الصحابة توجب القول
بذلك ، وهي نقطة التقاء شديدة بينهم وبين المرجئة وقد أشرنا إلى أن السبب في
جبرية المرجئة أن أحاديث الإرجاء التي صحت عندهم رافقتها أحاديث الجبر
مرافقة الأخت لأختها ، بل كانت نفسها في بعض الأحيان . . ومن هنا قلنا إن الإرجاء
والجبر أخوان شقيقان لأب وأم .
- قال في شرح المواقف ج 8 ص 145 :
المقصد الأول في أن أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرة الله سبحانه وتعالى
وحدها ، وليس لقدرتهم تأثير فيها بل الله سبحانه أجرى عادته بأن يوجد في العبد
قدرة واختيارا ، فإذا لم يكن هناك مانع أوجد فيه فعله المقدور مقارنا لهما ، فيكون
فعل العبد مخلوقا لله إبداعا وإحداثا ، ومكسوبا للعبد ، والمراد بكسبه إياه مقارنته
لقدرته وإرادته من غير أن يكون هناك منه تأثير أو مدخل في وجوده سوى كونه
محلا له ! وهذا مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري . انتهى .
وأقدم الأحاديث في الجبر مروية عن الخليفة عمر وكعب الأحبار ، وقد تقدم
عدد منها في توسيع الشفاعة وفناء النار ، ونذكر فيما يلي بعضها :
- روى أحمد في مسنده ج 1 ص 29 :
عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أرأيت
ما نعمل فيه أقد فرغ منه أو في شئ مبتدأ أو أمر مبتدع ؟ قال : فيما قد فرغ منه . فقال
عمر ألا نتكل ؟ فقال : إعمل يا ابن الخطاب فكل ميسر ، أما من كان من أهل السعادة
فيعمل للسعادة ، وأما أهل الشقاء فيعمل للشقاء !
ورواه في ج 2 ص 77 ، ونحوه في الترمذي ج 4 ص 352 ونحوه الحاكم ج 2 ص 462
وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
ورواه في مجمع الزوائد ج 7 ص 194 عن أبي بكر وعن عمر وقال : رواه البزار ورجاله
رجال الصحيح . ورواه في كنز العمال بعدة روايات في ج 1 ص 128 و ص 339 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 368 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- ورواه البخاري بصيغة أخرى تذكر أن الله تعالى يتحمل مسؤولية خطيئة آدم ( عليه السلام ) ، عينا كما
في التوراة ! . . قال في صحيحه ج 4 ص 131
عن أبي هريرة : قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احتج آدم وموسى فقال
له موسى : أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة ؟ فقال له آدم : أنت موسى
الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ثم تلومني على أمر قدر علي قبل أن أخلق ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فحج آدم موسى مرتين ! انتهى .
ورواه بصيغة أخرى أيضا فيها تعنيف لآدم قال في ج 7 ص 214 فيها ( فقال له موسى يا
آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة ) ، وروى نحوه أيضا في ج 8 ص 203
فهذه النصوص الصحيحة عندهم تقول بالجبر في أفعال الإنسان ، وفي تكوين
الكون معا .

القدر عند أهل البيت ( عليهم السلام ) : لا جبر ولا تفويض

أما مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) فهو يثبت القدر ويؤمن بسلطة الله تعالى على أفعال
الإنسان وفعله فيها ، ولكنه يقول لا تصح نسبة المعصية إليه تعالى وإن كان الإقدار
عليها منه تعالى ، أما نسبتها التي تستلزم تحمل مسؤوليتها فهي لفاعلها الذي هو
الإنسان . .
فالإنسان في هذا المذهب ليس مجبورا في أفعاله الاختيارية ولا مفوضا إليه ، ولا
مجرد مجرى لأفعاله كمجرى النهار ، بل حاله من نوع آخر يوجد فيه القدر الإلهي
بشكل كامل لصغير الأمور وكبيرها ويوجد فيه حرية الإنسان ومسؤوليته . وهذا معنى
( لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين ) .
وقد أكد أهل البيت ( عليهم السلام ) على هذا النوع من القدر ، وقاوموا المفوضة لإنكارهم
سلطان الله تعالى على صغير الأمور وكبيرها . كما قاوموا القائلين بالجبر في أفعال
الإنسان لأنهم ينسبون المعاصي إلى الله تعالى ، وينسبون إليه الظلم بمجازاة الإنسان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 369 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عليها ! وكذلك القائلين بالجبر في الخلق والتكوين والتخطيط ، لأنهم يريدون تصوير
الكون بأنه آلة وضع الله مخططها وأطلقها ولا يمكنه البداء والتغيير والتبديل فيها
وهم اليهود الذين قالوا ( يد الله مغلولة ) والمسلمون الذين قلدوهم فقالوا ( فرغ من
الأمر ) .
- روى الصدوق في معاني الأخبار ص 18 :
عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه قال في قول الله عز وجل : وقالت اليهود يد الله مغلولة ،
لم يعنوا أنه هكذا ولكنهم قالوا : قد فرغ من الأمر فلا يزيد ولا ينقص ، فقال الله جل
جلاله تكذيبا لقولهم : غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف
يشاء . ألم تسمع الله عز وجل يقول : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .
- وقال الحويزي في تفسير نور الثقلين ج 2 ص 515 :
في عيون الأخبار في باب مجلس الرضا ( عليه السلام ) مع سليمان المروزي قال الرضا ( عليه السلام )
بعد كلام طويل لسليمان : ومن أين قلت ذلك وما الدليل على أن إرادته علمه ؟ وقد
يعلم ما لا يريده أبدا وذلك قوله تعالى : ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك فهو
يعلم كيف يذهب به ولا يذهب به أبدا ؟
قال سليمان : لأنه قد فرغ من الأمر فليس يزيد فيه شيئا .
قال الرضا ( عليه السلام ) : هذا قول اليهود ، فكيف قال : أدعوني أستجب لكم ؟
قال سليمان : إنما عنى بذلك أنه قادر عليه !
قال : أفيعد بما لا يفي به ؟ ! فكيف قال : يزيد في الخلق ما يشاء ؟ وقال عز وجل :
يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ، وقد فرغ من الأمر ؟ !
فلم يحر جوابا .
وفي هذا المجلس أيضا قال الرضا ( عليه السلام ) :
يا سليمان إن من الأمور أمورا موقوفة عند الله تعالى ، يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما
يشاء .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 370 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يا سليمان إن عليا ( عليه السلام ) كان يقول : العلم علمان ، فعلم علمه الله ملائكته ورسله
فإنه يكون ولا يكذب نفسه ولا ملائكته ورسله .
وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه ، يقدم منه ما يشاء ويؤخر ما
يشاء ، ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء . انتهى .
وبذلك يتضح أن البداء الذي يؤكد أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) على أنه جزء من
الإسلام ، وأنه ما عبد الله بشئ كما عبد به ، إنما هو نفي الجبرية على الله تعالى ،
ونفي زعم اليهود أن يده مغلولة بحجة أنه فرغ من الأمر !
ويتضح منه أن الذين يشنعون على الشيعة بعقيدة البداء . . لم يفهموها !

ردة فعل الخوارج على توسيع الدولة للشفاعة

من الواضح للباحث أن بذور تفكير الخوارج ولدت في عهد الخليفة عمر ،
وكانت تأخذ شكل اعتراضات على عدم تطبيق الخليفة للقرآن ، كما نلاحظ في
أسئلة الوفد المصري ( الدر المنثور ج 2 ص 145 ) .
ثم نمت في عهد الخليفة عثمان . .
ثم أخذت شكل اتجاه فكري في فهم الدين ، وشكل حزب سياسي معارض في
عهد الإمام علي ( عليه السلام ) .
ثم استمرت مذهبا وحزبا مسلحا في معارضة الأمويين والعباسيين وتكفيرهم
وقتالهم . .
ومن أبرز صفات الخوارج الفكرية : جمودهم في فهم الدين ، وميلهم إلى إصدار
الأحكام الكلية بدون شروط ولا تفاصيل ولا استثناءات ، وتكفيرهم من خالفهم من
فرق المسلمين ، وفتواهم بهدر دمائهم ووجوب جهادهم .
وهذا المنحى الذهني يقع في الجهة المضادة لمذهب المرجئة الذي تتبناه
السلطة ، المنحى المتساهل في أداء الواجبات وترك المحرمات ، المفرط في تأميل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 371 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الناس بالشفاعة والجنة مهما عصوا . . ما عدا المعارضين للدولة طبعا .
لقد ساعد مذهب الإرجاء الدولة وأتباعها في تخفيف المسؤولية المشددة في
القرآن والسنة على الحكام ، ولكنه سبب ردات فعل في الأمة فظهرت فئات تنكر
أصل الشفاعة التي تتذرع بها الدولة ، وتكذب كل أحاديثها وتؤول كل آياتها . . ولم
يكن ذلك منحصرا بالخوارج ، وإن اشتهروا به .
بل تدل روايات السنيين على أن ردود الفعل على توسيع الشفاعة بدأت من زمن
الخليفة عمر ، ولكنه لم يستطع أن يؤدب أصحابها بالسوط ، إما لأنه لم يعرفهم
بالضبط ، أو لسبب آخر ، فخطب محذرا منهم بشدة !
- قال في مجمع الزوائد ج 7 ص 207 :
عن ابن عباس قال : خطب عمر بن الخطاب فحمد الله وأثنى عليه فقال : ألا إنه
سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرجم وبالدجال وبالشفاعة !
وروى نحوه في مسند أحمد ج 1 ص 23 وفي الدر المنثور ج 3 ص 60 : عن سعيد بن
منصور والبيهقي عن ابن عباس وفي كنز العمال ج 1 ص 387 و ج 5 ص 429 و ص 431 وفيه
( قال أمر عمر بن الخطاب مناديا فنادى أن الصلاة جامعة ، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال . . . ) .
ويظهر من النص التالي أن بني أمية أفرطوا في التأكيد على الشفاعة أيضا ، ففي
فردوس الأخبار للديلمي ج 1 ص 116 ح 254 : عن معاوية : إشفعوا إلي تؤجروا ، فإن
الرجل ليسألني الحاجة فأرده كي تشفعوا له فتؤجروا ! . انتهى .
أما الخوارج فقد ثبت أنهم كانوا يقولون : إن مرتكب المعصية الكبيرة أو الصغيرة
كافر ، وإذا مات ولم يتب فهو مخلد في النار ، وأنه لا شفاعة لأحد أبدا ولا خروج من
النار !
وأول من تصدى لرد مقولتهم الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) ثم تبعهم غيرهم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 372 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- قال البرقي في المحاسن ج 1 ص 184 :
عن علي بن أبي حمزة قال : قال رجل لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : إن لنا جارا من الخوارج
يقول : إن محمدا ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة همه نفسه فكيف يشفع ؟ ! فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ما
أحد من الأولين والآخرين إلا وهو يحتاج إلى شفاعة محمد ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة .
- وقال العياشي في تفسيره ج 2 ص 314 :
عن عبيد بن زرارة قال : سئل أبو عبد الله ( عليه السلام ) عن المؤمن هل له شفاعة ؟ قال : نعم
، فقال له رجل من القوم : هل يحتاج المؤمن إلى شفاعة محمد يومئذ ؟ قال : نعم إن
للمؤمنين خطايا وذنوبا ، وما من أحد إلا ويحتاج إلى شفاعة محمد ( صلى الله عليه وآله ) يومئذ .
قال : وسأله رجل عن قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنا سيد ولد آدم ولا فخر ؟ قال : نعم ،
يأخذ حلقة باب الجنة فيفتحها فيخر ساجدا فيقول الله : إرفع رأسك إشفع تشفع
أطلب تعط ، فيرفع رأسه ثم يخر ساجدا فيقول الله : إرفع رأسك إشفع تشفع واطلب
تعط ، ثم يرفع رأسه فيشفع فيشفع ، ويطلب فيعطى .
- وفي تفسير القمي ج 2 ص 202 :
قال : حدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي العباس
المكبر قال : دخل مولى لامرأة علي بن الحسين ( عليه السلام ) على أبي جعفر ( عليه السلام ) يقال له أبو
أيمن فقال : يا أبا جعفر يغرون الناس ويقولون شفاعة محمد شفاعة محمد ؟ !
فغضب أبو جعفر ( عليه السلام ) حتى تربد وجهه ، ثم قال : ويحك يا أبا أيمن ! أغرك أن عف
بطنك وفرجك ؟ ! أما لو قد رأيت أفزاع القيامة لقد احتجت إلى شفاعة محمد ( صلى الله عليه وآله ) !
ويلك ! فهل يشفع إلا لمن وجبت له النار ؟ !
ثم قال : ما أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلى شفاعة محمد ( صلى الله عليه وآله ) يوم
القيامة .
ثم قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : إن لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الشفاعة في أمته ، ولنا الشفاعة في
شيعتنا ، ولشيعتنا الشفاعة في أهاليهم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 373 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثم قال : وإن المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر ، فإن المؤمن ليشفع حتى
لخادمه ويقول : يا رب حق خدمتي كان يقيني الحر والبرد . ورواه في بحار الأنوار ج 8
ص 38 وفي تفسير نور الثقلين ج 4 ص 102 و 334 .
- وفي الأدب المفرد للبخاري ص 224 :
عن طلق بن حبيب قال : كنت أشد الناس تكذيبا بالشفاعة فسألت جابرا فقال : يا
طلق سمعت النبي يقول : يخرجون من النار بعد الدخول .
- وقال السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 286 :
وأخرج ابن مردويه عن صهيب الفقير قال : كنا بمكة ومعي طلق بن حبيب ، وكنا
نرى رأي الخوارج ، فبلغنا أن جابر بن عبد الله يقول في الشفاعة فأتيناه فقلنا له : بلغنا
عنك في الشفاعة قول الله مخالف لك فيها في كتابه ! فنظر في وجوهنا فقال : من
أهل العراق أنتم ؟ ! قلنا نعم ، فتبسم وقال : وأين تجدون في كتاب الله ؟ قلت : حيث
يقول : ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته ، ويريدون أن يخرجوا من النار وما هم
بخارجين منها ، وكلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ، وأشباه هذا من
القرآن .
فقال : أنتم أعلم بكتاب الله أم أنا ؟ قلنا بل أنت أعلم به منا . قال : فوالله لقد
شهدت تنزيل هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشفاعة الشافعين ،
ولقد سمعت تأويله من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الشفاعة لنبيه في كتاب
الله ، قال في السورة التي تذكر فيها المدثر : ما سلككم في سقر ؟ قالوا لم نك من
المصلين الآية . ألا ترون أنها حلت لمن مات لم يشرك بالله شيئا ؟ ! .
- وفي تفسير الطبري ج 4 ص 141 :
عن الأشعث الحملي قال قلت للحسن : يا أبا سعيد أرأيت ما تذكر من الشفاعة
حق هو ؟ قال : نعم حق .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 374 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي فتح القدير للشوكاني ج 5 ص 567 :
وأخرج ابن المنذر . . . من طريق حرب بن شريح قال : قلت لأبي جعفر محمد بن
علي بن الحسين : أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحق هي ؟ قال :
إي والله .
- وفي دلائل النبوة للبيهقي ج 1 ص 25 :
عن شبيب بن أبي فضالة المالك ، قال : لما نبي هذا المسجد - مسجد الجامع -
إذا " عمران بن حصين " جالس ، فذكروا عند عمران الشفاعة ، فقال رجل من القوم :
يا أبا النجيد ، إنكم لتحدثونا بأحاديث لم نجد لها أصلا في القرآن ؟ قال : فغضب
عمران وقال للرجل : قرأت القرآن ؟ قال : نعم ، قال : فهل وجدت صلاة العشاء أربعا
ووجدت المغرب ثلاثا . . . ؟ قال : لا قال : فعمن أخذ ثم هذا الشأن ؟ ألستم عنا
أخذتموه ، وأخذنا عن نبي الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ووجدتم في كل أربعين درهما درهما وفي
كل كذا شاة وفي كل كذا بعير ؟ أوجدتم في القرآن هذا ؟ قال : لا . قال : فعمن أخذتم
هذا ؟ أخذناه عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأخذتموه عنا . . .
- وفي الجواهر الحسان للثعالبي ج 1 ص 356 :
قوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به . . . قالت المعتزلة : إذا كان صاحب
كبيرة فهو في النار ولا بد ، وقالت الخوارج إذا كان صاحب كبيرة أو صغيرة فهو في
النار مخلد .
- وفي تطهير الجنان لابن حجر ص 38 :
إن قلت : في هذا الحديث ( كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا رجل يموت كافرا أو
يقتل مؤمنا متعمدا ) دليل للمعتزلة والخوارج قبحهم الله تعالى على أن الكبيرة لا
تغفر ؟
قلت : لا دليل لهم فيها أبدا ، لقوله تعالى : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 375 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خالدا فيها ، لوجوب حملها على المستحل . . . بدليل قوله تعالى : إن الله لا يغفر أن
يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، وهو مخصص أيضا بقوله تعالى : إن الله يغفر
الذنوب جميعا . . . قد ضل . . . فرق من فرق الضلالة القائلون بأن مرتكب الكبيرة إذا
مات بلا توبة يخلد ، وهؤلاء المعتزلة والخوارج ، والفرق بينهما إنما هو من حديث
إن الميت فاسقا هل هو كافر أو لا مؤمن ولا كافر ؟ فالخوارج على الأول والمعتزلة
على الثاني .
- وفي مقالات الإسلاميين للأشعري ص 124 :
وأما الوعيد فقول المعتزلة فيه وقول الخوارج قول واحد ، لأنهم يقولون أن أهل
الكبائر الذين يموتون على كبائرهم في النار خالدون .
- وفي مقالات الإسلاميين ص 86 - 87 :
وأجمعوا ( الخوارج ) على أن كل كبيرة كفر إلا النجدات ، فإنها لا تقول ذلك .
وأجمعوا أن الله سبحانه يعذب أصحاب الكبائر عذابا دائما إلا النجدات .
والأزارقة ( من الخوارج ) تقول إن كل كبيرة كفر ، وإن الدار دار كفر يعنون دار
مخالفيهم ، وإن كل مرتكب معصية كبيرة ففي النار خالدا مخلدا ، ويكفرون عليا ( رضي الله عنه )
في التحكيم .
- وقال في شرح المواقف ج 4 جزء 8 ص 334 :
إن مرتكب الكبيرة من أهل الصلاة . . . مؤمن . . . ذهب الخوارج إلى أنه كافر ،
والحسن البصري إلى أنه منافق ، والمعتزلة إلى أنه لا مؤمن ولا كافر .
- وقال الرازي في تفسيره ج 1 جزء 2 ص 238 :
إن المعصية عند المعتزلة وعندنا لا توجب الكفر ، أما عندنا فلأن صاحب الكبيرة
مؤمن ، وأما عند المعتزلة فلأنه وإن خرج عن الإيمان فلم يدخل في الكفر ، وأما عند
الخوارج فكل معصية كفر .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 376 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وقال الرازي في تفسيره ج 6 جزء 12 ص 5 :
قالت الخوارج : كل من عصى الله فهو كافر . . . احتجوا بهذه الآية ( ومن لم
يحكم . . . ) وقالوا إنها نص في أن كل من حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر ، وكل من
أذنب فقد حكم بغير ما أنزل الله ، فوجب أن يكون كافرا .
- وقال الرازي في ج 15 جزء 30 ص 239 :
إن الخوارج احتجوا بهذه الآية ( إما شاكرا وإما كفورا ) على أنه لا واسطة بين
المطيع والكافر قالوا : لأن الشاكر هو المطيع والكفور هو الكافر ، والله تعالى نفى
الواسطة وذلك يقتضي أن يكون كل ذنب كفرا .
- وقال النووي في شرح مسلم ج 1 جزء 1 ص 218 :
قال القاضي عياض : اختلف الناس فيمن عصى الله من أهل الشهادتين ، فقالت
المرجئة : لا تضره المعصية ، وقالت الخوارج : تضره ويكفر بها ، وقالت المعتزلة :
يخلد في النار ، وقالت الأشعرية : بل هو مؤمن . .
- وقال المجلسي في بحار الأنوار ج 8 ص 62 :
وقال النووي في شرح صحيح مسلم : قال القاضي عياض : مذهب أهل السنة
جواز الشفاعة عقلا ، ووجوبها سمعا بصريح الآيات وبخبر الصادق ، وقد جاءت
الآثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين ،
وأجمع السلف الصالح ومن بعدهم من أهل السنة عليها . ومنعت الخوارج وبعض
المعتزلة منها ، وتعلقوا بمذاهبهم في تخليد المذنبين في النار ، واحتجوا بقوله
تعالى : فما تنفعهم شفاعة الشافعين وأمثاله وهي في الكفار .
وأما تأويلهم أحاديث الشفاعة بكونها في زيادة الدرجات فباطل ، وألفاظ
الأحاديث في الكتاب وغيره صريحة في بطلان مذهبهم وإخراج من استوجب النار .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 377 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
( راجع شرح مسلم للنووي ج 2 جزء 3 ص 35 ) .
- وفي شرح مسلم للنووي ج 2 جزء 3 ص 50 :
رأي الخوارج . . أنهم يرون أن أصحاب الكبائر يخلدون في النار .
- وفي إرشاد الساري للقسطلاني ج 1 ص 115 :
لا ينسب إلى الكفر باكتساب المعاصي والإتيان بها إلا بالشرك أي بارتكابه ،
خلافا للخوارج القائلين بتكفيره بالكبيرة ، والمعتزلة القائلين بأنه لا مؤمن ولا كافر .
- وفي فتاوي ابن باز ج 2 ص 27 :
وذهب الخوارج إلى أن صاحب المعصية مخلد في النار وهو بالمعاصي كافر
أيضا ووافقهم المعتزلة بتخليده في النار .
- وفي فتاوي ابن باز ج 3 ص 367 :
قول أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة . . . المعاصي التي دون
الشرك لا تحبط الأعمال الصالحة ولا تبطل ثوابها . .
* *
- وفي بحار الأنوار ج 8 ص 364 :
قال العلامة ( رحمه الله ) في شرحه على التجريد : أجمع المسلمون كافة على أن عذاب
الكافر مؤبد لا ينقطع ، واختلفوا في أصحاب الكبائر من المسلمين ، فالوعيدية على
أنه كذلك ، وذهبت الإمامية وطائفة كثيرة من المعتزلة والأشاعرة إلى أن عذابه
منقطع . والحق أن عقابهم منقطع لوجهين :
الأول ، أنه يستحق الثواب بإيمانه لقوله تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره .
والإيمان أعظم أفعال الخير فإذا استحق العقاب بالمعصية فإما يقدم الثواب على
العقاب وهو باطل بالإجماع ، لأن الثواب المستحق بالإيمان دائم على ما تقدم ، أو
بالعكس وهو المراد ، والجمع محال .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 378 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الثاني ، يلزم أن يكون من عبد الله تعالى مدة عمره بأنواع القربات إليه ثم عصى
في آخر عمره معصية واحدة مع بقاء إيمانه مخلدا في النار كمن أشرك بالله مدة
عمره ، وذلك محال لقبحه عند العقلاء . انتهى .
- وفي بحار الأنوار ج 8 ص 370 :
وقال شارح المقاصد : اختلف أهل الإسلام فيمن ارتكب الكبيرة من المؤمنين
ومات قبل التوبة ، فالمذهب عندنا عدم القطع بالعفو ولا بالعقاب بل كلاهما في
مشيئة الله تعالى ، لكن على تقدير التعذيب نقطع بأنه لا يخلد في النار بل يخرج
البتة ، لا بطريق الوجوب على الله تعالى ، بل مقتضى ما سبق من الوعد وثبت بالدليل
كتخليد أهل الجنة .
وعند المعتزلة القطع بالعذاب الدائم ، من غير عفو ولا إخراج من النار ، وما وقع
في كلام البعض من أن صاحب الكبيرة عند المعتزلة ليس في الجنة ولا في النار فغلط
نشأ من قولهم : إن له المنزلة بين المنزلتين ، أي حالة غير الإيمان والكفر .
وأما ما ذهب إليه مقاتل بن سليمان وبعض المرجئة من أن عصاة المؤمنين لا
يعذبون أصلا وإنما النار للكفار تمسكا بالآيات الدالة على اختصاص العذاب بالكفار
مثل : قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى ، إن الخزي اليوم والسوء على
الكافرين .
فجوابه : تخصيص ذلك العذاب بما يكون على سبيل الخلود .
وأما تمسكهم بمثل قوله ( عليه السلام ) : من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق ،
فضعيف ، لأنه إنما ينفي الخلود لا الدخول .
لنا وجوه : الأول ، وهو العمدة : الآيات والأحاديث الدالة على أن المؤمنين
يدخلون الجنة البتة ، وليس ذلك قبل دخول النار وفاقا ، فتعين أن يكون بعده وهو
مسألة انقطاع العذاب ، أو بدونه وهو مسألة العفو التام ، قال الله تعالى : فمن يعمل
مثقال ذرة خيرا يره . من عمل صالحا منكم من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 379 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يدخلون الجنة .

تبادل المواقع بين الخوارج والمرجئة !

يحسن هنا أن نسجل أمرا طريفا نلاحظه في عصرنا ، وهو تبادل المواقع بين ورثة
الخوارج ، وورثة الخلافة الأمويين والمرجئة !
فورثة الخوارج ( الأباضيون ) تنازلوا عن العنف الفكري وسجلوا ليونتهم
العقائدية والفقهية تجاه فرق المسلمين . . بينما ورثة الخلافة الأموية ( التكفير
والهجرة والوهابيون ) تخلوا عن أفكار الليونة والتسامح ، وتبنوا مذهب العنف
والشدة ، وأفتوا بكفر كل فرق المسلمين ، ما عدا فرقتهم ! ولعلهم يتخلون أيضا عن
شمول الشفاعة لكل المسلمين ويحصرونها بفرقتهم . . كما يشم ذلك من فكرهم !
وهكذا تتغير المواقع الفكرية والسياسية مع العصور من أقصى اليمين إلى أقصى
اليسار . . وسبحان من لا يتغير .

المعتزلة مثقفون متوسطون بين الدولة والخوارج

- قال ابن ناصر الدين في توضيح المشتبه ج 8 ص 203 :
ولد واصل سنة ثمانين بالمدينة وكان يجلس إلى الحسن البصري ، فلما ظهر بين
أهل السنة القول من الخوارج بتكفير أهل الكبائر ، ومن المرجئة بجعلهم إيمان أهل
الكبائر كإيمان جبرئيل وميكائيل ، أبدع واصل ( بن عطاء مولى بني ضبة ) قوله في
المنزلة بين المنزلتين . . . مات واصل سنة إحدى وثلاثين ومئة .

الصغائر تغفر والكبائر لا تغفر إلا بالتوبة

- مقالات الإسلاميين للأشعري ص 270 :
واختلفت المعتزلة . . في الصغائر والكبائر . . فقال قائلون منهم : كل ما أتى فيه
الوعيد فهو كبير ، وكل ما لم يأت فيه الوعيد فهو صغير . . وقال جعفر بن ميثر : كل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 380 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عمد كبير وكل مرتكب لمعصية متعمدا لها فهو مرتكب لكبيرة . . .
واختلفت المعتزلة في غفران الصغائر . . . فقال قائلون : إن الله سبحانه يغفر
الصغائر إذا اجتنبت الكبائر تفضلا . . وقال قائلون : لا يغفر الصغائر إلا بالتوبة .
- وقال في شرح المواقف ج 8 ص 303 :
أوجب جميع المعتزلة والخوارج عقاب صاحب الكبيرة إذا مات بلا توبة ، ولم
يجوزوا أن يعفو الله عنه ، لوجهين : الأول أنه تعالى أوعد بالعقاب على الكبائر وأخبر
به أي بالعقاب عليها ، فلو لم يعاقب على الكبيرة وعفا لزم الخلف في وعيده
والكذب في خبره ، وإنه محال .
الجواب : غايته وقوع العقاب فأين وجوبه الذي كلامنا فيه ، إذ لا شبهة في أن عد
الوجوب مع الوقوع لا يستلزم خلفا ولا كذبا .
قالت المعتزلة والخوارج : صاحب الكبيرة إذا لم يتب عنها مخلد في النار ولا
يخرج منها أبدا . وعمدتهم في إثبات ما ادعوه دليل عقلي هو أن الفاسق يستحق
العقاب بفسقه ، واستحقاق العقاب بل العقاب مضرة خالصة لا يشوبها ما يخالفها
دائمة لا تنقطع أبدا . واستحقاق الثواب بل الثواب منفعة خالصة عن الشوائب
دائمة . والجمع بينهما أي بين استحقاقهما محال ، كما أن الجمع بينهما محال .
- وقال في شرح المواقف ج 8 ص 334 :
مرتكب الكبيرة من أهل الصلاة أي من أهل القبلة مؤمن ، وقد تقدم بيانه في
مسألة حقيقة الإيمان وغرضنا هاهنا ذكر مذهب المخالفين والجواب عن شبهتهم :
ذهب الخوارج إلى أنه كافر ، والحسن البصري إلى أنه منافق ، والمعتزلة إلى أنه لا
مؤمن ولا كافر .
حجة الخوارج وجوه : الأول قوله تعالى : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم
الكافرون ، فإن كلمة ( من ) عامة في كل من لم يحكم بما أنزل ، فيدخل فيه الفاسق
المصدق . وأيضا فقد علل كفرهم بعدم الحكم ، فكل من لم يحكم بما أنزل الله كان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 381 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كافرا ، والفاسق لم يحكم بما أنزل الله .
قلنا : الموصولات لم توضع للعموم ، بل هي للجنس تحتمل العموم والخصوص .
- وفي ثمرات الأوراق بهامش المستطرف ص 13 :
المعتزلة طائفة من المسلمين يرون أن أفعال الخير من الله وأفعال الشر من الإنسان
وأن القرآن مخلوق محدث ليس بقديم وأن الله تعالى غير مرئي يوم القيامة ، وأن
المؤمن إذا ارتكب الذنب مثل الزنا وشرب الخمر كان في منزلة بين منزلتين .
- تأويلات أهل السنة للحنفي ص 630 :
وقوله تعالى : ويكفر عنكم سيئاتكم ، فيه دليل على أن من السيئات ما يكفرها
الصدقة . . . وهو نقض على المعتزلة لأنهم لا يرون تكفير الكبائر بغير التوبة عنها ، ولا
التعذيب على الصغائر . فأما إن كانت الآية في الكبائر فبطل قولهم ( لا يكفر بغير
التوبة ) أو في الصغائر يبطل قولهم إنها مغفورة ، إذ وعدت بالصدقة لأنهم يخلدون
صاحب الكبيرة في النار ، والله تعالى أطمع له تكفير السيئات بالصدقة .

وصاحب الكبيرة في النار ولا تشمله الشفاعة

- شرح المواقف ج 4 جزء 8 ص 312 :
أجمعت الأمة على ثبوت أصل الشفاعة المقبولة له عليه الصلاة والسلام ، ولكن
هي عندنا لأهل الكبائر من الأمة في إسقاط العقاب عنهم . . . وقالت المعتزلة : إنما
هي لزيادة الثواب لا لدرأ العقاب ، لقوله تعالى : واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس
شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ، وهو عام في شفاعة النبي عليه الصلاة
والسلام وغيره .
الجواب : أنه لا عموم له في الأعيان ، لأن الضمير لقوم معينين هم اليهود ، فلا
يلزم أن لا تنفع الشفاعة غيرهم .
- تأويلات أهل السنة ص 590 :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 382 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال المعتزلة : لا تكون الشفاعة إلا لأهل الخيرات خاصة ، الذين لا ذنب لهم أو
كان لهم ذنب فتابوا عنه .
- تفسير الرازي 11 جزء 22 ص 160 :
احتجت المعتزلة بقوله تعالى : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ، على أن الشفاعة في
الآخرة لا تكون لأهل الكبائر ، لأنه لا يقال في أهل الكبائر إن الله يرتضيهم .
- تفسير الرازي 11 جزء 22 ص 118 :
المعتزلة قالوا : الفاسق غير مرضي عند الله تعالى ، فوجب أن لا يشفع الرسول
( ص ) في حقه لأن هذه الآية ( يومئذ لا تنفع الشفاعة ) دلت على أن المشفوع له
لا بد وأن يكون مرضيا عند الله .
- تفسير الرازي ج 12 جزء 23 ص 66 :
أما قوله ( وما للظالمين من نصير ) احتجت المعتزلة بهذه الآية في نفي الشفاعة .
وقال في ج 14 جزء 27 ص 33 :
احتج الكعبي بهذه الآية على أن تأثير الشفاعة في حصول زيادة الثواب
للمؤمنين ، لا في إسقاط العقاب عن المذنبين .
- وقال في ج 4 جزء 7 ص 10 :
قال القفال : إنه لا يأذن في الشفاعة لغير المطيعين . . . وأقول إن هذا القفال عظيم
الرغبة في الاعتزال . . . ومع ذلك فقد كان قليل الإحاطة بأصولهم . وذلك لأن من
مذهب البصريين أن العفو عن صاحب الكبيرة حسن في العقول . . إلا أن السمع
دل . . . لا يقع ، وإذا كان كذلك كان الاستدلال العقلي على المنع من الشفاعة في حق
العصاة خطأ على قولهم .
- وفي إرشاد الساري للقسطلاني ج 8 ص 340 :
قوله تعالى : ومن يعمل سوءا يجز به ، استدل بهذه الآية المعتزلة على أنه تعالى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 383 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لا يعفو عن شئ من السيئات .
- وفي إرشاد الساري ج 9 ص 447 :
المعصية لا تخرج المسلم عن الإيمان ، خلافا للمعتزلة المكفرين بالذنب ،
القائلين بتخليد العاصي بالنار .
- وفي معجم الأدباء للحموي ج 9 جزء 18 ص 81 :
قال عبد العزيز بن محمد الطبري : كان أبو جعفر ( الطبري ) يذهب في جل
مذاهبه إلى ما عليه الجماعة من السلف . . . وكان يذهب إلى مخالفة أهل الاعتزال
في جميع ما خالفوا فيه الجماعة ، من القول بالقدر وخلق القرآن وإبطال رؤية الله في
القيامة ، وفي قولهم بتخليد أهل الكبائر في النار ، وإبطال شفاعة رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وفي قولهم إن استطاعة الإنسان قبل فعله .
- وفي طبقات الشافعية للسبكي ج 3 ص 347 :
يصف تحول الأشعري من الاعتزال إلى خط الدولة ( أهل السنة والجماعة ) قام
علي بن إسماعيل بن أبي بشر على الاعتزال أربعين سنة حتى صار للمعتزلة إماما . . .
وهو الذي قال : تكافأت عندي الأدلة ولم يترجح عندي شئ على شئ فاستهديت
الله فهداني إلى اعتقاد ما أودعته في كتبي هذه وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده . .
ودفع الكتب التي ألفها على مذاهب أهل السنة للناس . . وأخذ في نصرة الأحاديث
في الرؤية والشفاعة . انتهى .
هذا وقد تقدمت نصوص عن رأي المعتزلة في آراء المرجئة والخوارج في هذا
الفصل وفي تعريف الشفاعة في الفصل الأول .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 384 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 385 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الحادي عشر : المزيد من تأثير الإسرائيليات على أحاديث الشفاعة

اتفق الجميع نظريا على أن الشفاعة من مختصات نبينا ( صلى الله عليه وآله )

قد يستشكل على أحاديث اختصاص الشفاعة بنبينا ( صلى الله عليه وآله ) الواردة في مصادر
الفريقين ، بأنها تنافي الأحاديث الصحيحة التي تثبت الشفاعة لغير نبينا ( صلى الله عليه وآله ) .
والجواب : أن وجه الجمع بين الأحاديث أن باب الشفاعة إنما يفتح يوم القيامة
إكراما لنبينا ( صلى الله عليه وآله ) . . وكل من يشفع من الملائكة والأنبياء والأوصياء والعلماء والشهداء
والمؤمنين ، فإنما يشفع بإجازته وبالسهم الذي يعطيه إياه شفيع المحشر ( صلى الله عليه وآله ) !
فلا منافاة بين أحاديث اختصاصه بالشفاعة ( صلى الله عليه وآله ) وبين ما دل على ثبوتها لغيره من
الأنبياء ( عليهم السلام ) إلا ما دل منها على أن لغيره شفاعة مستقلة أو أنه يشفع قبله كما في
أحاديث الإسرائيليات الآتية .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 386 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 240 :
قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي : جعلت لي الأرض مسجدا
وطهورا ، ونصرت بالرعب ، وأحل لي المغنم ، وأعطيت جوامع الكلم ، وأعطيت
الشفاعة . ورواه في وسائل الشيعة ج 2 ص 438 وفي سائل الشيعة ج 3 ص 422 وفي
مستدرك الوسائل ج 2 ص 529 .
- علل الشرائع ج 1 ص 127 :
حدثنا أبو الحسين محمد بن علي بن الشاه قال : حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر بن
أحمد البغدادي بآمد قال : حدثنا أبي قال : حدثنا أحمد بن السخت قال : حدثنا
محمد بن الأسود الوراق عن أيوب بن سليمان عن حفص بن البختري عن محمد بن
حميد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
أنا أشبه الناس بآدم وإبراهيم أشبه الناس بي خلقه وخلقه .
وسماني الله من فوق عرشه عشرة أسماء وبين الله وصفي وبشرني على لسان كل
رسول بعثه الله إلى قومه .
وسماني ونشر في التوراة باسمي وبث ذكري في أهل التوراة والإنجيل وعلمني
كتابه ورفعني في سمائه وشق لي اسما من أسمائه فسماني محمدا وهو محمود .
وأخرجني في خير قرن من أمتي وجعل اسمي في التوراة أحيد فبالتوحيد حرم
أجساد أمتي على النار .
وسماني في الإنجيل أحمد فأنا محمود في أهل السماء .
وجعل أمتي الحامدين وجعل اسمي في الزبور ماحي محى الله عز وجل بي من
الأرض عبادة الأوثان .
وجعل اسمي في القرآن محمدا فأنا محمود في جميع القيامة في فصل القضاء لا
يشفع أحد غيري .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 387 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وسماني في القيامة حاشرا يحشر الناس على قدمي .
وسماني الموقف أوقف الناس بين يدي الله عز وجل .
وسماني العاقب أنا عقب النبيين ليس بعدي رسول .
وجعلني رسول الرحمة ورسول الملاحم والمقتفي قفيت النبيين جماعة وأنا
المقيم الكامل الجامع ومن علي ربي وقال لي يا محمد صلى الله عليك فقد أرسلت
كل رسول إلى أمته بلسانها وأرسلتك إلى كل أحمر وأسود من خلقي ونصرتك
بالرعب الذي لم أنصر به أحدا وأحللت لك الغنيمة ولم تحل لأحد قبلك وأعطيتك
لك ولأمتك الأرض كلها مسجدا وترابها طهورا وأعطيتك ولأمتك التكبير وقرنت
ذكرك بذكري حتى لا يذكرني أحد من أمتك إلا ذكرك مع ذكري فطوبى لك يا محمد
ولأمتك .
- تفسير القمي ج 1 ص 194 :
ثم قال حكاية عن قريش : وقالوا لولا أنزل عليه ملك ، يعني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولو
أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ، فأخبر عز وجل أن الآية إذا جاءت والملك إذا
نزل ولم يؤمنوا هلكوا ، فاستعفى النبي ( صلى الله عليه وآله ) من الآيات رأفة ورحمة على أمته ،
وأعطاه الله الشفاعة .
* *
- صحيح البخاري ج 1 ص 86 :
جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أعطيت خمسا لم يعطهن
أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما
رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ،
وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 388 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ورواه أيضا في ص ج 1 جزء 1 ص 113 و ج 2 جزء 2 ص 105 ونحوه في مسلم ج 2 ص
63 وفي سنن النسائي ج 1 ص 209 وفي سيرة ابن هشام ج 2 ص 234 وفي مسند أحمد ج 5
ص 149 .
- وفي ج 4 ص 417 منه :
عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعطيت خمسا : بعثت
إلى الأحمر والأسود ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، وأحلت لي الغنائم ولم
تحل لمن كان قبلي ، ونصرت بالرعب شهرا ، وأعطيت الشفاعة وليس من نبي إلا
وقد سأل شفاعة وإني أخبأت شفاعتي ثم جعلتها لمن مات من أمتي لم يشرك بالله
شيئا . ونحوه في ج 1 ص 301 وفي الدر المنثور ج 3 ص 204 و ج 5 ص 237 وسنن
الدارمي ج 1 ص 322 وسنن البيهقي ج 9 ص 4 وتفسير الطبري ج 3 ص 2 وصفة الصفوة
لابن الجوزي جزء 1 و 2 ص 76 وتفسير المنار لرشيد رضا ج 9 ص 300 .
- ولكن الهيثمي ضعف روايته في مجمع الزوائد ج 8 ص 259 فقال :
ابن يزيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فضلت على الأنبياء بخمس :
بعثت إلى الناس كافة ، ودخرت شفاعتي لأمتي ، ونصرت بالرعب شهرا أمامي
وشهرا خلفي ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل
لأحد قبلي . رواه الطبراني وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وهو متروك .
* *

نبينا ( صلى الله عليه وآله ) أول شافع يوم القيامة

في مصادرنا نصوص واضحة صريحة في أن نبينا ( صلى الله عليه وآله ) هو خطيب المحشر
والشفيع الأول قبل الأنبياء ، بل هو شفيع الأنبياء صلوات الله عليهم جميعا . . وقد
تقدم بعضها آنفا وفي تفسير قوله تعالى ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) وفي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 389 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بعضها أن الله تعالى قد أذن لنبينا ( صلى الله عليه وآله ) بالشفاعة وهو في الدنيا فلا يحتاج إلى إذن يوم
القيامة .
- في تفسير القمي ج 2 ص 202 :
قال : حدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي العباس
المكبر قال : دخل مولى لامرأة علي بن الحسين ( عليه السلام ) على أبي جعفر ( عليه السلام ) يقال له أبو
أيمن فقال : يا أبا جعفر يغرون الناس ويقولون شفاعة محمد شفاعة محمد فغضب
أبو جعفر ( عليه السلام ) حتى تربد وجهه ثم قال : ويحك يا أبا أيمن أغرك أن عف بطنك
وفرجك ! أما لو قد رأيت أفزاع القيامة لقد احتجت إلى شفاعة محمد ( صلى الله عليه وآله ) ! ويلك
فهل يشفع إلا لمن وجبت له النار ثم قال : ما أحد من الأولين والآخرين إلا وهو
محتاج إلى شفاعة محمد ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة .
ثم قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : إن لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الشفاعة في أمته ولنا الشفاعة في شيعتنا
ولشيعتنا الشفاعة في أهاليهم .
ثم قال : وإن المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر فإن المؤمن ليشفع حتى لخادمه
ويقول : يا رب حق خدمتي كان يقيني الحر والبرد . ورواه في بحار الأنوار ج 8 ص 38
وفي تفسير نور الثقلين ج 4 ص 334 ، وقد تقدم ذلك في الرد على الخوارج .
- الصحيفة السجادية ج 2 ص 290 :
اللهم أنزل محمدا في أشرف منازل الأبرار ، اللهم اجعل محمدا أول شافع وأول
مشفع ، وأول قائل وأنجح سائل . . . اللهم أحسن عنا جزاءه ، وعظم حباءه ، وأكرم
مثواه ، وتقبل شفاعته في أمته ، وفي من سواهم من الأمم ، واجعلنا ممن تشفعه فيه ،
واجعلنا برحمتك ممن يرد حوضه يوم القيامة . ونحوه في المقنعة ص 411 .
- الصحيفة السجادية ج 2 ص 30 :
اللهم فارفعه بما كدح فيك إلى الدرجة العليا من جنتك ، حتى لا يساوى في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 390 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
منزلة ، ولا يكافأ في مرتبة ، ولا يوازيه لديك ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، وعرفه في
أهله الطاهرين وأمته المؤمنين من حسن الشفاعة أجل ما وعدته ، يا نافذ العدة ، يا
وافي القول ، يا مبدل السيئات بأضعافها من الحسنات ، إنك ذو الفضل العظيم .
ونحوه في المقنعة ص 125 .
- تهذيب الأحكام ج 3 ص 121 :
اللهم إني أسألك من فضلك بأفضله . اللهم واجعل محمدا ( صلى الله عليه وآله ) أدنى المرسلين
منك مجلسا ، وأفسحهم في الجنة عندك منزلا ، وأقربهم إليك وسيلة ، واجعله أول
شافع وأول مشفع ، وأول قائل وأنجح سائل ، وابعثه المقام المحمود الذي يغبطه به
الأولون والآخرون يا أرحم الراحمين .
- تأويل الآيات ج 2 ص 37 :
قال علي بن إبراهيم : روي عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه قال : لا يقبل الله الشفاعة يوم
القيامة لأحد من الأنبياء والرسل حتى يأذن في الشفاعة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فإن الله قد
أذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة فالشفاعة له ولأمير المؤمنين وللأئمة من ولده
ثم بعد ذلك للأنبياء ( عليهم السلام ) أجمعين . ( ورواه في تفسير القمي ج 2 ص 201 ونحوه في
تفسير نور الثقلين ج 4 ص 334 ) .
- بحار الأنوار ج 16 ص 326 :
الأمالي : أبو عمرو عبد الواحد بن محمد بن مهدي ، عن ابن عقدة ، عن الحسن
بن جعفر بن مدرار ، عن عمه طاهر ، عن الحسن بن عمار ، عن عمرو بن مرة ، عن
عبد الله بن الحارث ، عن علي ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنا سيد ولد آدم يوم
القيامة ولا فخر ، وأنا أول من تنشق الأرض عنه ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع
( أمالي ابن الشيخ 170 ) .
- بحار الأنوار ج 16 ص 304 :
عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا . عسى من الله واجبة ، والمقام بمعنى البعث
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 391 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فهو مصدر من غير جنسه ، أي يبعثك يوم القيامة بعثا أنت محمود فيه ، ويجوز أن
يجعل البعث بمعنى الإقامة أي يقيمك ربك مقاما يحمدك فيه الأولون والآخرون ،
وهو مقام الشفاعة يشرف فيه على جميع الخلائق يسأل فيعطى ويشفع فيشفع ، وقد
أجمع المفسرون على أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة وهو المقام الذي يشفع
فيه للناس ، وهو المقام الذي يعطى فيه لواء الحمد فيوضع في كفه وتجتمع تحته
الأنبياء والملائكة ، فيكون صلى الله عليه وآله أول شافع وأول مشفع .
- بحار الأنوار ج 8 ص 47 :
تفسير العياشي : عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) إن أناسا من بني هاشم
أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي وقالوا : يكون لنا
هذا السهم الذي جعله للعاملين عليها فنحن أولى به فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا بني
عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم ، ولكني وعدت الشفاعة - ثم قال : والله
أشهد أنه قد وعدها - فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة الباب أتروني
مؤثرا عليكم غيركم ؟ ثم قال : إن الجن والإنس يجلسون يوم القيامة في صعيد
واحد ، فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة فيقولون : إلى من ؟ فيأتون نوحا
فيسألونه الشفاعة فقال : هيهات قد رفعت حاجتي ، فيقولون : إلى من إلى إبراهيم ،
فيأتون إلى إبراهيم فيسألونه الشفاعة فيقول : هيهات قدر رفعت حاجتي ، فيقولون :
إلى من فيقال : إيتوا موسى فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقول : هيهات قد رفعت
حاجتي ، فيقولون إلى من ؟ فيقال إيتوا محمدا ، فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقوم
مدلا حتى يأتي باب الجنة فيأخذ بحلقة الباب ثم يقرعه ، فيقال : من هذا ؟ فيقول :
أحمد فيرحبون ويفتحون الباب ، فإذا نظر إلى الجنة خر ساجدا يمجد ربه بالعظمة ،
فيأتيه ملك فيقول : إرفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع ، فيرفع رأسه ، فيدخل من
باب الجنة فيخر ساجدا ويمجد ربه ويعظمه فيأتيه ملك فيقول : إرفع رأسك وسل
تعط واشفع تشفع ، فيقوم فما يسأل شيئا إلا أعطاه إياه . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 392 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد تقدمت الأحاديث بهذا المضمون ، وهي محل اتفاق في مصادر الطرفين ، وفيها
دلالة على أن نبينا ( صلى الله عليه وآله ) هو أول من يتقدم للشفاعة يوم القيامة .

الأحاديث الموافقة لمذهبنا في مصادر السنيين

في مصادر السنيين نوعان من الأحاديث في هذا الموضوع : فمنها ما يوافق
مصادرنا ، وقد روته صحاحهم كالذي رواه ابن ماجة ج 2 ص 724 : عن الطفيل بن أبي
بن كعب ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان يوم القيامة كنت
إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم ، غير فخر .
- والذي رواه مسلم في ج 1 ص 130 :
عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أول الناس يشفع
في الجنة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعا . . .
عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أكثر الأنبياء تبعا
يوم القيامة ، وأنا أول من يقرع باب الجنة . . .
أنس بن مالك قال النبي صلى الله عليه وسلم : أنا أول شفيع في الجنة ، لم يصدق
نبي من الأنبياء ما صدقت ، وإن من الأنبياء نبيا ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد .
- وروى في ج 7 ص 59 :
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا سيد ولد آدم يوم
القيامة ، وأول من ينشق عنه القبر ، وأول شافع وأول مشفع . انتهى .
- وفي سنن الترمذي ج 5 ص 248 :
عن ابن عباس قال : جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينتظرونه قال فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم فقال
بعضهم : عجبا إن الله اتخذ من خلقه خليلا اتخذ من إبراهيم خليلا . وقال آخر : ماذا
بأعجب من كلام موسى كلمه تكليما . وقال آخر : فعيسى كلمة الله وروحه . وقال
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 393 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
آخر : آدم اصطفاه الله . فخرج عليهم فسلم وقال : قد سمعت كلامكم وعجبكم ، إن
إبراهيم خليل الله وهو كذلك ، وموسى نجي الله وهو كذلك ، وعيسى روحه وكلمته
وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل
لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر ، وأنا
أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فحر ،
وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر . هذا حديث غريب . انتهى . وروى نحوه ابن ماجة
ج 2 ص 1440 وأحمد في ج 3 ص 2 .
- وفي سنن الدارمي ج 1 ص 26 :
عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أولهم خروجا ، وأنا قائدهم
إذا وفدوا ، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا ، وأنا مشفعهم إذا حبسوا ، وأنا مبشرهم إذا أيسوا .
الكرامة والمفاتيح يومئذ بيدي ، وأنا أكرم ولد آدم على ربي .
- وفي فردوس الأخبار ج 1 ص 80 ح 124 :
أنس بن مالك : أنا أول شفيع يوم القيامة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة ، إن من
الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة ما معه مصدق غير واحد . انتهى .
- وفي شعب الإيمان للبيهقي ج 2 ص 133 و ص 179 :
أبو هريرة قال قال رسول الله ( ص ) : أنا سيد ولد آدم ، وأول شافع وأول مشفع .
- وفي شعب الإيمان ص 181 :
عن أنس قال : سمعت النبي ( ص ) يقول : إني أول الناس تنشق الأرض عن
جمجمتي يوم القيامة ، وأنا أول من يدخل الجنة . . . ونحوه في تهذيب الكمال ج 15
ص 425 و ج 22 ص 551 وسير أعلام النبلاء ج 8 ص 293 وكنز العمال ج 11 ص 404 فما
بعدها بروايات متعددة ، وفي ج 14 ص 393 فما بعدها . وفيه في ج 11 ص 435 : أنا سيد
المرسلين إذا بعثوا وسابقهم إذا وردوا ، ومبشرهم إذا أيسوا ، وإمامهم إذا سجدوا ، وأقربهم
مجلسا إذا اجتمعوا ، أتكلم فيصدقني ، وأشفع فيشفعني ، وأسأل فيعطيني .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 394 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي الدر المنثور ج 4 ص 93 :
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك ( رضي الله عنه ) قال وأول ما يأذن الله عز وجل له يوم
القيامة في الكلام والشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فيقال له قل تسمع وسل
تعطه قال : فيخر ساجدا فيثني على الله ثناء لم يثن عليه أحد فيقال إرفع رأسك . . .
- وفي سيرة ابن كثير ج 1 ص 195 :
فروى الحافظ أبو القاسم بن عساكر من طريق أبي الحسن بن أبي الحديد . . . عن
ابن عباس قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : فداك أبي وأمي أين
كنت وآدم في الجنة ؟ قال : فتبسم حتى بدت نواجذه ، ثم قال : كنت في صلبه
وركب بي السفينة في صلب أبي نوح ، وقذف بي في صلب أبي إبراهيم ، لم يلتق
أبواي على سفاح قط ، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الحسيبة إلى الأرحام الطاهرة ،
صفيا مهذبا ، لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما ، وقد أخذ الله بالنبوة ميثاقي
وبالإسلام عهدي ، ونشر في التوراة والإنجيل ذكري ، وبين كل نبي صفتي تشرق
الأرض بنوري والغمام بوجهي ، وعلمني كتابه وزادني شرفا في سمائه ، وشق لي
اسما من أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمد وأحمد ، ووعدني أن يحبوني
بالحوض والكوثر ، وأن يجعلني أول شافع وأول مشفع ، ثم أخرجني من خير قرن
لأمتي ، وهم الحمادون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
- فتاوى ابن باز ج 1 ص 187 :
قال رسول الله : أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة ، وأنا أول شافع وأول
مشفع . انتهى .
* *

الأحاديث المتأثرة بالإسرائيليات في مصادر السنيين

والنوع الثاني من أحاديث السنيين : أحاديث تجعل الشفاعة أولا لإبراهيم ، ثم
لموسى ، ثم لعيسى ( عليهم السلام ) وتجعل نبينا الشفيع الرابع ( صلى الله عليه وآله ) ! !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 395 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- روى الحاكم في المستدرك ج 4 ص 496 حديثا طويلا عن الدجال ويأجوج ومأجوج
وأشراط الساعة والقيامة والشفاعة ، وصححه على شرط الشيخين ، وفيه أمور وتفصيلات
غير معقولة ، جاء فيه :
عن أبي الزعراء قال كنا عند عبد الله بن مسعود ( رضي الله عنه ) فذكر عنده الدجال فقال عبد
الله بن مسعود : تفترقون أيها الناس لخروجه على ثلاث فرق ، فرقة تتبعه وفرقة تلحق
بأرض آبائها بمنابت الشيح ، وفرقة تأخذ شط الفرات يقاتلهم ويقاتلونه حتى يجتمع
المؤمنون بقرى الشام ، فيبعثون إليهم طليعة فيهم فارس على فرس أشقر وأبلق قال
فيقتتلون فلا يرجع منهم بشر . . .
قال : ثم تقوم الساعة على شرار الناس ثم يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض
فينفخ فيه . والصور قرن ، فلا يبقى خلق في السماوات والأرض إلا مات إلا من شاء
ربك . . .
قال : ثم يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض فينفخ فيه فينطلق كل نفس إلى
جسدها حتى يدخل فيه ثم يقومون فيحيون حياة رجل واحد قياما لرب العالمين .
قال : ثم يتمثل الله تعالى إلى الخلق فيلقاهم فليس أحد يعبد من دون الله شيئا إلا
وهو مرفوع له يتبعه ، قال فيلقى اليهود فيقول من تعبدون ؟ قال فيقولون نعبد عزيرا
قال هل يسركم الماء ؟ فيقولون نعم ، إذ يريهم جهنم كهيئة السراب ! قال ثم قرأ عبد
الله : وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ، قال ثم يلقى النصارى فيقول من
تعبدون ؟ فيقولون المسيح ، قال فيقول هل يسركم الماء ؟ قال فيقولون نعم ، قال
فيريهم جهنم كهيئة السراب ! ثم كذلك لمن كان يعبد من دون الله شيئا . قال : ثم قرأ
عبد الله : وقفوهم إنهم مسؤولون .
قال : ثم يتمثل الله تعالى للخلق حتى يمر على المسلمين قال فيقول من
تعبدون ؟ فيقولون نعبد الله ولا نشرك به شيئا ، فينتهرهم مرتين أو ثلاثا فيقول من
تعبدون ؟ فيقولون نعبد الله ولا نشرك به شيئا . قال فيقول هل تعرفون ربكم ؟ قال
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 396 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فيقولون سبحانه إذا اعترف لنا عرفناه ! قال فعند ذلك يكشف عن ساق فلا يبقى
مؤمن إلا خر لله ساجدا ، ويبقى المنافقون ظهورهم طبقا واحدا كأنما فيها السفافيد !
قال فيقولون : ربنا فيقول قد كنتم تدعون إلى السجود وأنتم سالمون .
قال ثم يأمر بالصراط فيضرب على جهنم فيمر الناس كقدر أعمالهم زمرا كلمح البرق
ثم كمر الريح ثم كمر الطير ثم كأسرع البهائم ، ثم كذلك حتى يمر الرجل سعيا ثم
مشيا ، ثم يكون آخرهم رجلا يتلبط على بطنه !
قال فيقول أي رب لماذا أبطأت بي ؟ فيقول لم أبطئ بك ، إنما أبطأ بك عملك .
قال ثم يأذن الله تعالى في الشفاعة فيكون أول شافع روح القدس جبريل عليه
الصلاة والسلام ، ثم إبراهيم خليل الله ، ثم موسى ، ثم عيسى عليهما الصلاة والسلام
قال : ثم يقوم نبيكم رابعا ، لا يشفع أحد بعده فيما يشفع فيه ، وهو المقام المحمود
الذي ذكره الله تبارك وتعالى : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا .
قال فليس من نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة أو بيت في النار . . .
قال : ثم يشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون والمؤمنون فيشفعهم الله .
قال ثم يقول الله : أنا أرحم الراحمين فيخرج من النار أكثر مما أخرج من جميع
الخلق برحمته ، قال ثم يقول : أنا أرحم الراحمين ، قال ثم قرأ عبد الله : ما سلككم في
سقر ؟ قالوا لم نك من المصلين ، ولم نك نطعم المسكين ، وكنا نخوض مع
الخائضين ، وكنا نكذب بيوم الدين ، قال فعقد عبد الله بيده أربعا ثم قال : هل ترون
في هؤلاء من خير ؟ ما ينزل فيها أحد فيه . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين
ولم يخرجاه . انتهى .
ورواه البيهقي في البعث والنشور ص 326 والديلمي في فردوس الأخبار ج 1 ص 54
و ص 80 والنيسابوري في الوسيط ج 4 ص 387 وابن منظور في مختصر تاريخ دمشق ج 1
جزء 2 ص 170 . وغيرهم .
أما الهيثمي فقد روى في مجمع الزوائد ج 9 ص 30 حديث أنه ( صلى الله عليه وآله ) أول شافع ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 397 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ووصفه بأنه موضوع ، وقال عن بعض طرقه في ج 8 ص 254 ( وفيه صالح بن عطاء بن
خباب ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات )
ولكنه في نفس الوقت رد الحديث الذي صححه الحاكم على شرط الشيخين في ج 10
ص 330 وقال ( رواه الطبراني وهو موقوف ، مخالف للحديث الصحيح وقول النبي :
أنا أول شافع ) ! فيبدو أنه اطلع على طريق آخر صحيح للحديث ، غير الطريقين
اللذين ضعفهما . ولكنا لم نطلع عليه .

البخاري يفضل أنبياء بني إسرائيل على نبينا ( صلى الله عليه وآله )

أما البخاري فقد روى في تاريخه الذي ألفه قبل صحيحه أن نبينا ( صلى الله عليه وآله ) هو الشفيع
الأول ، وتوقف في رواية أنه الشفيع الرابع ، لوجود ما يعارضها .
- قال في تاريخه ج 4 ص 286 :
عن جابر بن عبد الله : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أنا قائد المسلمين ، ولا
فخر ، وأنا خاتم النبيين ولا فخر ، وأنا أول شافع ومشفع ولا فخر .
- وقال في تاريخه ج 5 ص 221 :
عبد الله بن هانئ أبو الزعراء الكوفي سمع ابن مسعود ( رضي الله عنه ) سمع منه سلمة بن
كهيل يقال عن أبي نعيم إنه الكندي روى عن ابن مسعود ( رضي الله عنه ) في الشفاعة : ثم يقوم
نبيكم رابعهم والمعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنا أول شافع . ولا يتابع في
حديثه . انتهى .
ولكنه في صحيحه لم يرو هذه الرواية ولا غيرها مما ينص على أن نبينا ( صلى الله عليه وآله ) أول
شافع !
نعم ، روى أن الشفاعة من مختصات نبينا ( صلى الله عليه وآله ) دون الأنبياء ( عليهم السلام ) :
قال في ج 1 ص 113 :
جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعطيت خمسا لم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 398 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض
مسجدا وطهورا وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ،
وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة ، وأعطيت الشفاعة . انتهى .
- وروى في صحيحه ج 5 ص 226 :
رواية الشفاعة المعروفة في المصادر وأن الأنبياء ( عليهم السلام ) يهابون التقدم للشفاعة
للخلق ، ويطلبون من نبينا ( صلى الله عليه وآله ) أن يشفع إلى الله تعالى فيتقدم ويشفع . . وهي تدل
على أنه ( صلى الله عليه وآله ) الشفيع الأول ، قال فيها : إذهبوا إلى محمد فيأتون محمدا فيقولون يا
محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ،
إشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ! فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا
لربي عز وجل ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على
أحد قبلي ، ثم يقال يا محمد إرفع رأسك ، سل تعطه واشفع تشفع . انتهى .
وإلى هنا يبدو أنه لا مشكلة . .
ولكن البخاري روى في صحيحه ما يعارض ذلك ، ويجعل درجة نبي الله موسى ( عليه السلام )
في درجة نبينا ( صلى الله عليه وآله ) أو أفضل منه ! فقد روى أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) نهى المسلمين أن يفضلوه
على موسى ، وقال إنه عندما يبعث من قبره يجد موسى جالسا عند العرش قبله ! !
- قال البخاري في صحيحه ج 7 ص 193 :
عن أبي هريرة قال : استب رجلان ، رجل من المسلمين ورجل من اليهود ، فقال
المسلم : والذي اصطفى محمدا على العالمين ، فقال اليهودي والذي اصطفى
موسى على العالمين ، قال فغضب المسلم عند ذلك فلطم وجه اليهودي ، فذهب
اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تخيروني على موسى ، فإن الناس يصعقون
يوم القيامة فأكون أول من يفيق ، فإذا موسى باطش بجانب العرش ، فلا أدري أكان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 399 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
موسى فيمن صعق فأفاق قبلي ؟ أو كان ممن استثنى الله ؟ ! . انتهى .
- ورواه في صحيحه في سبعة مواضع أخرى على الأقل ! في ج 3 ص 89 ، و ج 4 ص 126 ،
و ج 5 ص 196 ، و ج 6 ص 34 ، و ج 8 ص 48 ، و ص 177 ، و ص 192 ، وهي روايات
متفاوتة في دلالتها على تفضيل موسى ، ولكن مجموعها كاف في الدلالة عليه ،
مهما حاول الشراح تأويلها !
فقد نصت الرواية المذكورة كما رأيت على نهي النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن تفضيله على
موسى ، ووردت هذه العبارة ( لا تخيروني على موسى ) في رواية البخاري الأخرى ج
7 ص 193 وفي ج 8 ص 192 وكذا في مسلم ج 7 ص 101 ، وسنن أبي داود ج 2 ص 407 ،
وأحمد ج 2 ص 264 . وورد في رواية ج 5 ص 196 ( قال لا تخيروني من بين الأنبياء ) .
كما نصت على أن موسى ( عليه السلام ) مستثنى دون نبينا ( صلى الله عليه وآله ) من الصعقة التي يقول الله
تعالى عنها : ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض ، إلا من شاء
الله ، ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون . الزمر - 68 ، وهذا امتياز له على جميع
الأنبياء ! وروى مثلها في ج 8 ص 192 .
- وجاء في ج 8 ص 177 :
( فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ) وزاد في ج 5 ص 196 و ج 8 ص 48
( فلا أدري أفاق قبلي ، أم جزي بصعقة الطور )
قد يقال : إن رواية البخاري لا تدل على أن موسى أفضل من نبينا ( صلى الله عليه وآله ) لأنها تنص
على أن استثناءه من الصعقة إنما هو بسبب صعقته في الطور ولا علاقة له بالأفضلية .
والجواب : أن الرواية واردة أساسا في مقام بيان أفضلية موسى ، أو بالأقل عدم
أفضلية نبينا عليه ، فهذا هو موضوع الخلاف بين المسلم واليهودي ، وهو موضوع
الحديث ، وموضوع النهي المزعوم من النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن تفضيله على موسى ! !
وقد يقال : لو سلمنا أن الرواية تدل على مساواة موسى لنبينا ( صلى الله عليه وآله ) أو أفضليته
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 400 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عليه ، فهي لا تدل على أن موسى هو الشفيع الأول .
والجواب : أن مقام الشفاعة الأول إنما أعطي لنبينا ( صلى الله عليه وآله ) بسبب أنه أفضل الأنبياء
صلوات الله عليهم جميعا ، فإذا ثبت أن موسى أفضل منه ، فلا يبعد أن يكون هو
رئيس المحشر وشفيعه . . الخ .
وقد حاولت بعض الروايات أن تحل المسألة مع الإسرائيليات حلا سلميا ،
فتجعل الأفضلية لموسى ، وتحتفظ بدرجة الشفيع الأول لنبينا ( صلى الله عليه وآله ) كالتي رواها
الطبري في تفسيره ج 24 ص 20 قال : عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله قال : : أتاني ملك
فقال يا محمد إختر نبيا ملكا أو نبيا عبدا ، فأومأ إلي أن تواضع ، قال نبيا عبدا ، قال
فأعطيت خصلتين : أن جعلت أول من تنشق عنه الأرض ، وأول شافع ، فأرفع رأسي
فأجد موسى آخذا بالعرش ، فالله أعلم أصعق بعد الصعقة الأولى ، أم لا . انتهى .
ولكنها على أي حال محاولات في مصلحة تصديق الإسرائيليات التي لا نثق بها !
ومن جهة أخرى . . فإن تأويل الروايات الواردة في موسى على نبينا وآله وعليه
السلام حتى لو أمكن فهو لا يحل المشكلة ، لأنه توجد في صحاح إخواننا
ومصادرهم روايات مشابهة عن كبار أنبياء بني إسرائيل ، فهي تفضلهم على نبينا ( صلى الله عليه وآله )
أو تجعلهم في درجته ، فلا بد من معالجتها جميعا !
ويحاول العلماء السنيون حل المشكلة بالتأويلات والاحتمالات البعيدة ، حتى لا
يقعوا في محذور رد الأحاديث الصحيحة أو تكذيب رواتها . . والدخول في هذا
البحث يخرجنا عن موضوعنا ، وإن كان من بحوث السيرة المهمة ، لكن نكتفي بذكر
نماذج من هذه الأحاديث :
فمنها حديث الحاكم المتقدم الصحيح على شرط الشيخين ، الذي يعطي الشفاعة
في الموحدين ليعقوب ( عليه السلام ) قبل نبينا ( صلى الله عليه وآله ) بحجة أن يعقوب هو الذبيح ! !
ومنها حديث البخاري المتقدم في ج 4 ص 133 حيث جاء فيه ( فإنه ينفخ في الصور
فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 401 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أول من بعث ، فإذا موسى آخذ بالعرش ، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور ، أم
بعث قبلي . ولا أقول إن أحدا أفضل من يونس بن متى ! ) ومثله في مسلم ج 7 ص 100 .
- وفي البخاري ج 4 ص 125 :
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من
يونس بن متى ، ونسبه إلى أبيه .
- وفي ج 4 ص 132 :
عن ابن عباس أيضا ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يقولن أحدكم إني خير
من يونس ، زاد مسدد يونس بن متى . ونحوه في ج 4 ص 132 و ج 4 ص 133 و ج 5 ص
185 و ص 193 بروايتين ، وفي ج 8 ص 213 .
وقد صرحت رواية مسلم ج 7 ص 102 بأنه حديث قدسي ! ! وأنه يشمل كل الناس
حتى نبينا ( صلى الله عليه وآله ) قال :
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يعني الله تبارك وتعالى : لا ينبغي لعبد لي -
وقال ابن المثنى لعبدي - أن يقول أنا خير من يونس بن متى عليه السلام ) ! وروى
نحوه في ص 103 .
أما ابن ماجة فقد شدد على الموضوع فروى في ج 2 ص 1428 عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال (
ومن قال : أنا خير من يونس بن متى فقد كذب ! . في الزوائد : إسناده صحيح رجاله ثقات .
وروى نحو ما في البخاري أبو داود في سننه ج 2 ص 406 والترمذي - ج 1 ص 118 و ج 5
ص 51 .
- وعلل أفضلية يونس في كنز العمال ج 12 ص 476 :
فروى عن عدة مصادر ، عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا ينبغي
لأحد - وفي لفظ لعبد - أن يقول أنا خير من يونس بن متى ، سبح الله في الظلمات !
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 402 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أما رواياتهم عن نبي الله داود ( عليه السلام ) فقد تكون أكثر صراحة بتفضيله على نبينا ( صلى الله عليه وآله ) ! !
- ففي مجمع الزوائد ج 8 ص 206 :
عن أبي الدرداء قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر داود صلى الله
عليه وسلم قال : كان أعبد البشر . رواه البزار في حديث طويل وإسناده حسن .
- وفي كنز العمال ج 12 ص 476 :
عن ابن عساكر ، عن أنس أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا خير الناس ،
قال : ذاك إبراهيم ! قال : يا أعبد الناس ، قال : ذاك داود ! ! . وفي ج 3 ص 671 ( إن أخي
داود كان أعبد البشر )
- وفي صحيح البخاري ج 6 ص 31 ونحوه في ج 4 ص 135 :
قال سألت مجاهدا عن سجدة ( سورة ) ( ص ) فقال سألت ابن عباس : من أين
سجدت ( يعني لماذا ) فقال : أو ما تقرأ : ومن ذريته داود وسليمان أولئك الذين
هدى الله فبهداهم اقتده ، فكان داود ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدي
به ، فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ! !
* *
ونفس المشكلة تجدها في رواياتهم عن يحيى ( عليه السلام ) ، فقد روى الهندي في كنز
العمال ج 11 ص 521 عن مسند أحمد وطبقات ابن سعد وغيرهما ، عن ابن عباس :
ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة ، إلا يحيى بن زكريا ، فإنه لم يهم
بها ولم يعملها )
- وفي كنز العمال ج 11 ص 522 عن ابن عساكر : لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من
يحيى بن زكريا ، ما هم يخطيئة ولا جالت في صدره امرأة .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 403 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والنتيجة : أنه لا بد للباحث من القول بأن روايات بني إسرائيل وجدت طريقها إلى
مصادر إخواننا السنيين في عقيدة الشفاعة ، وبقيت ضعيفة في بعض الحالات ،
ولكنها في حالات أخرى صارت إلى صف الروايات الإسلامية وبمستواها من
الصحة . . وأحيانا صارت أقوى منها وحلت محلها ! !
* *

أحسن تصور في مصادر السنيين عن شفاعة نبينا ( صلى الله عليه وآله )

- حاول القاضي عياض في كتابه ( الشفا ) أن يقدم أفضل صورة عن شفاعة
النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولذلك لم يتقيد بروايات الصحاح ، وجمع روايات لم يصححوها ،
وجردها من كثير من الإسرائيليات التي تفضل أنبياء بني إسرائيل على نبينا ، كما
جرد بعض رواياتها من تجسيم الإسرائيليات ، وبقي في بعضها ، ولم يجردها من
التهم التي تضمنتها لآدم وإبراهيم وموسى وعيسى ( عليهم السلام ) عندما يطلب الناس منهم
الشفاعة يوم القيامة فيتكلمون عن خطاياهم وجرائمهم التي لم تغفر ! فجاءت صورة
عياض قريبة إلى أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وكانت أحسن تصور قدمها عالم سني
عن شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وفيما يلي مقتطفات من كلامه من ص 216 وما بعدها :
- وعن أبي هريرة سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني قوله : عسى أن
يبعثك ربك مقاما محمودا ، فقال : هي الشفاعة .
- وروى كعب بن مالك عنه صلى الله عليه وسلم : يحشر الناس يوم القيامة فأكون
أنا وأمتي على تل ، ويكسوني ربي حلة خضراء ، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن
أقول ، فذلك المقام المحمود .
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما وذكر حديث الشفاعة قال : فيمشي حتى يأخذ
بحلقة الجنة ، فيومئذ يبعثه الله المقام المحمود الذي وعده .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 404 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لقائم المقام
المحمود ، قيل وما هو ؟ قال : ذلك يوم ينزل الله تبارك وتعالى على كرسيه . . . ! !
- وقال جابر بن عبد الله ليزيد الفقير : سمعت بمقام محمد يعني الذي يبعثه الله
فيه : قال قلت نعم ، قال : فإنه مقام محمد المحمود ، الذي يخرج الله به من يخرج
يعني من النار ، وذكر حديث الشفاعة في إخراج الجهنميين .
- وفي رواية أنس وأبي هريرة وغيرهما دخل حديث بعضهم في حديث بعض
قال صلى الله عليه وسلم : يجمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة فيلهمون فيقولون
لو استشفعنا إلى ربنا . ومن طريق آخر عنه ماج الناس بعضهم في بعض ، وعن أبي
هريرة : وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم ما لا يطيقون ولا يحتملون ، فيقولون ألا
تنظرون من يشفع لكم فيأتون آدم فيقولون . . .
- وفي رواية : فآتي تحت العرش فأخر ساجدا ، وفي رواية فأقوم بين يديه
فأحمده بمحامد لا أقدر عليها ، إلا أنه يلهمنيها الله ، وفي رواية : فيفتح الله علي من
محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي . . .
- وفي رواية قتادة عنه قال فلا أدري في الثالثة أو الرابعة فأقول يا رب ما بقي في
النار إلا من حبسه القرآن أي من وجب عليه الخلود . . .
- ومن طريق زياد النميري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أنا
أول من تنفلق الأرض عن جمجمته ولا فخر ، وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر ،
ومعي لواء الحمد يوم القيامة ، وأنا أول من تفتح له الجنة ولا فخر ، فآتي فآخذ بحلقة
الجنة ، فيقال من هذا ؟ فأقول محمد ، فيفتح لي فيستقبلني الجبار تعالى ! فأخر
ساجدا . . .
- وفي رواية أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لأشفعن يوم
القيامة لأكثر مما في الأرض من حجر وشجر .
فقد اجتمع من اختلاف ألفاظ هذه الآثار أن شفاعته صلى الله عليه وسلم ومقامه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 405 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المحمود من أول الشفاعات إلى آخرها ، من حين يجتمع الناس للحشر وتضيق بهم
الحاجر ، ويبلغ منهم العرق والشمس والوقوف مبلغه ، وذلك قبل الحساب ، فيشفع
حينئذ لإراحة الناس من الموقف ، ثم يوضع الصراط ويحاسب الناس كما جاء في
الحديث عن أبي هريرة وحذيفة ، وهذا الحديث أتقن ، فيشفع في تعجيل من لا
حساب عليه من أمته إلى الجنة . . .
ثم يشفع فيمن وجب عليه العذاب ودخل النار منهم حسبما تقتضيه الأحاديث
الصحيحة ثم فيمن قال لا إله إلا الله . وليس هذا لسواه صلى الله عليه وسلم . . .
- وفي ص 207 :
أورد القاضي عياض أحاديث في أن نبينا ( صلى الله عليه وآله ) هو الشفيع الأول قبل غيره من
الأنبياء منها :
أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا ، وأنا قائدهم إذا وفدوا ، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا ،
وأنا شفيعهم إذا حبسوا ، وأنا مبشرهم إذا أبلسوا ، لواء الكرم بيدي وأنا أكرم ولد آدم
على ربي ولا فخر ، ويطوف علي ألف خادم كأنهم لؤلؤ مكنون .
وعن أبي هريرة : وأكسى حلة من حلل الجنة ، ثم أقوم عن يمين العرش ليس أحد
من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري .
وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا سيد ولد
آدم يوم القيامة ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت
لوائي ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر .
- وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، وأنا
أول شافع وأول مشفع ولا فخر ، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح لي فأدخلها
فيدخل معي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر .
وعن أنس ( رضي الله عنه ) قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : أنا سيد الناس يوم القيامة ،
وتدرون لم ذلك ؟ يجمع الله الأولين والآخرين . . وذكر حديث الشفاعة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 406 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي حديث آخر : أما ترضون أن يكون إبراهيم وعيسى فيكم يوم القيامة ، ثم
قال إنهما في أمتي يوم القيامة ، أما إبراهيم فيقول أنت دعوتي وذريتي فاجعلني من
أمتك ، وأما عيسى فالأنبياء إخوة بنو علات أمهاتهم شتى ، وإن عيسى أخي ليس
بيني وبينه نبي ، وأنا أولى الناس به . . .
- قوله أنا سيد الناس يوم القيامة : هو سيدهم في الدنيا ويوم القيامة ولكن أشار
صلى الله عليه وسلم لإنفراده فيه بالسؤدد والشفاعة دون غيره ، إذ لجأ الناس إليه في
ذلك فلم يجدوا سواه . والسيد هو الذي يلجأ الناس إليه في حوائجهم ، فكان حينئذ
سيدا منفردا من بين البشر لم يزاحمه أحد في ذلك ولا ادعاه . انتهى .
* *
والنتيجة أن روايات الشفيع الأول في مصادر السنيين متعارضة بشكل لا يمكن
الجمع بينها فلا بد من ترجيح طائفة منها وإسقاط الأخرى ، ولا شك في أن
الأرجحية للطائفة الموافقة لأحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) وللعقل ، المخالفة لليهود .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 407 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

مسألتا : الذبيح وأول من يكسى كسوة الجنة يوم القيامة

يوجد مسألتان على الأقل ترتبطان بمسألة الشفيع الأول ، تغلب فيهما
الإسرائيليات في مصادر السنيين يناسب أن نتعرض لهما باختصار ، خاصة أن
شفاعة إسحاق وإبراهيم ( عليهما السلام ) وردت في رواياتهما :
الأولى منهما في تعيين الذبيح المذكور في القرآن ، وهل هو إسحاق أو إسماعيل ؟
والثانية في أول من يكسى كسوة الجنة يوم القيامة ، هل هو إبراهيم أم نبينا صلى الله
عليهما وآلهما !
المسألة الأولى
رأي الشيعة أن الذبيح هو إسماعيل ( عليه السلام ) كما سيأتي .
وقالت اليهود إن الذبيح هو إسحاق وليس إسماعيل .
قال السيد جعفر مرتضى في ( الصحيح ) من السيرة ج 2 ص 47 :
السؤال الذي يلح في طلب الإجابة عليه هو : من أين جاء هذا الأمر الغريب : أن
الذبيح هو إسحاق ؟
والجواب : هو ما قاله ابن كثير وغيره ( إنما أخذوه والله أعلم من كعب الأحبار أو
من صحف أهل الكتاب ، وليس في ذلك حديث صحيح عن المعصوم حتى نترك
من أجله ظاهر الكتاب . ( 1 )
فاليهود إذن قد أرادوا ترويج عقيدتهم بين المسلمين ، وتخصيص هذه الفضيلة
بجدهم إسحاق حسب زعمهم . ولكن اليهود أنفسهم قد فاتهم أن التوراة المتداولة
نفسها متناقضة في هذا الأمر ، فإنها في حين تقول ( خذ ابنك وحيدك الذي تحبه
إسحاق . واذهب إلى أرض المريا وأصعده هناك محرقة على . . الخ . ( 2 ) فقد عبرت
هنا بكلمة وحيدك الدالة على أن إسحاق هو أكبر ولد إبراهيم ، ولكنها تعود فتكذب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 408 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
نفسها وتنص على أن إسحاق لم يكن وحيدا وإنما ولد وعمر إسماعيل أربعة عشر
سنة . انتهى .
وقال في هامشه :
( 1 ) البداية والنهاية ج 1 ص 161 و 159 وراجع السيرة الحلبية ج 1 ص 38 عن ابن تيمية .
( 2 ) سفر التكوين : الإصحاح 22 الفقرة 1 - 33 ولتراجع سائر فقرات الإصحاح أيضا .
( 3 ) سفر التكوين الإصحاح 16 فقرة 15 - 16 نص على أن عمر إبراهيم حين ولادة إسماعيل 86 سنة .
وفي سفر التكوين الإصحاح 17 والإصحاح 18 نص على أنه ولد له إسماعيل وهو ابن 99 أو مئة سنة . انتهى .
أما السنيون فقد تحيروا تحيرا شديدا في من هو الذبيح ، وروت مصادرهم
روايات ( صحيحة ) متناقضة ! فقد روى الحاكم مثلا عدة روايات في أن الذبيح
المذكور في القرآن هو إسماعيل ، وصحح بعضها على شرط الشيخين !
- قال الحاكم في ج 2 ص 430 :
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل :
وإن من شيعته لإبراهيم ، قال من شيعة نوح إبراهيم على منهاجه وسنته . بلغ معه
السعي : شب حتى بلغ سعيه إبراهيم في العمل . فلما أسلما : ما أمرا به .
وتله للجبين : وضع وجهه إلى الأرض فقال لا تذبحني وأنت تنظر عسى أن ترحمني
فلا تجهز علي ، إربط يدي إلى رقبتي ثم ضع وجهي على الأرض ، فلما أدخل يده
ليذبحه فلم يحرك المدية حتى نودي : أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فأمسك يده
ورفع .
قوله فديناه بذبح عظيم : بكبش عظيم متقبل . وزعم ابن عباس أن الذبيح
إسماعيل ، هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . انتهى .
وقال في ج 2 ص 554 :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الذبيح إسماعيل . هذا حديث صحيح على
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 409 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
شرط الشيخين ولم يخرجاه . انتهى .
وروى في الصفحة التي بعدها :
عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال : المفدى
إسماعيل ، وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود . انتهى .
ثم روى الحاكم عدة روايات في أن الذبيح هو إسحاق ، وأنه هو الذي يشفع
للموحدين ! ولم يذكر فيها شيئا عن شفاعة نبينا ( صلى الله عليه وآله ) وصحح بعضها أيضا على شرط
الشيخين ! قال في ج 2 ص 557 عن إحدى رواياته : قال الحاكم : سياقة هذا الحديث
من كلام كعب بن ماتع الأحبار ، ولو ظهر فيه سند لحكمت بالصحة على شرط
الشيخين ، فإن هذا إسناد صحيح لا غبار عليه !
- وقال في ص 559 :
حدثنا إسماعيل بن الفضل بن محمد الشعراني ، ثنا جدي ، ثنا سنيد بن داود ، ثنا
حجاج بن محمد ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال
عبد الله قال : الذبيح إسحاق . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
وحدثنا محمد بن عمرو الأويسي ، عن أبي الزبير ، عن جابر ( رضي الله عنه ) قال : لما رأى
إبراهيم في المنام أن يذبح إسحاق أخذ بيده . فذكره بطوله . . . قال الحاكم : وقد ذكره
الواقدي بأسانيده . وهذا القول عن أبي هريرة ، وعبد الله بن سلام ، وعمير بن قتادة
الليثي ، وعثمان بن عفان ، وأبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر ،
وعبد الله بن عمرو ، والله أعلم . وقد كنت أرى مشائخ الحديث قبلنا وفي سائر المدن
التي طلبنا الحديث فيها ، وهم لا يختلفون أن الذبيح إسماعيل ، وقاعدتهم فيه قول
النبي صلى الله عليه وسلم : أنا ابن الذبيحين ، إذ لا خلاف أنه من ولد إسماعيل ، وأن
الذبيح الآخر أبوه الأدنى عبد الله بن عبد المطلب . والآن فإني أجد مصنفي هذه
الأدلة يختارون قول من قال إنه إسحاق . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 410 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقد بين الحاكم أنه يوجد عند السنيين اتجاهان في تعيين الذبيح : قول بأنه
إسماعيل ، وهو الاتجاه الشعبي عند الناس وعند مشايخ الحديث الأكثر تقديسا
للنبي ( صلى الله عليه وآله ) واختلاطا بالناس ، ولم يكن عندهم شك ولا خلاف بأن الذبيح إسماعيل .
وقول بأنه إسحاق ، وهو اتجاه ( مصنفي هذه الأدلة ) أي مجموعات الأحاديث
التي أمرت دولة الخلافة بتصنيفها ، وكانت تكتبها على دفاتر وتبعث بها إلى الآفاق ،
ومن راجع قصص دفاتر الزهري والعلماء الذين صنفوا الحديث برعاية الدولة ،
يعرف أن مقصود الحاكم هؤلاء المصنفين ! ثم أشار الحاكم إلى أن هذه الأحاديث
أوجبت عليه أن يتوقف فيما هو مشهور عند مشائخ الحديث ، وأن يميل إلى اتجاه
المصنفين ، وأن الذبيح إسحاق وليس إسماعيل !
ثم أورد رواية عن وهب بن منبه ( اليهودي المقبول في مصادرهم ) تؤكد أن
الذبيح إسحاق وأنه هو شفيع الموحدين ! ! قال الحاكم :
عن وهب بن منبه قال : حديث إسحاق حين أمر الله إبراهيم أن يذبحه : وهب الله
لإبراهيم إسحاق في الليلة التي فارقته الملائكة ، فلما كان ابن سبع أوحى الله إلى
إبراهيم أن يذبحه ويجعله قربانا ، وكان القربان يومئذ يتقبل ويرفع ، فكتم إبراهيم
ذلك إسحاق وجميع الناس وأسره إلى خليل له ، فقال العازر الصديق وهو أول من
آمن بإبراهيم وقوله ، فقال له الصديق : إن الله لا يبتلي بمثل هذا مثلك ولكنه يريد أن
يجربك ويختبرك ، فلا تسوأن بالله ظنك ، فإن الله يجعلك للناس إماما ولا حول ولا
قوة لإبراهيم وإسحاق إلا بالله الرحمن الرحيم . فذكر وهب حديثا طويلا إلى أن قال
وهب : وبلغني أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : لقد سبق إسحاق الناس إلى دعوة ما سبقها إليه
أحد ! ويقومن يوم القيامة فليشفعن لأهل هذه الدعوة ، وأقبل الله على إبراهيم في
ذلك المقام فقال :
إسمع مني يا إبراهيم أصدق الصادقين . وقال لإسحاق : إسمع مني يا أصبر
الصابرين ، فإني قد ابتليتكما اليوم ببلاء عظيم لم أبتل به أحدا من خلقي ، ابتليتك يا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 411 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إبراهيم بالحريق فصبر صبرا لم يصبر مثله أحد من العالمين ، وابتليتك بالجهاد في
وأنت وحيد وضعيف فصدقت وصبرت صبرا وصدقا لم يصدق مثله أحد من
العالمين ، وابتليتك يا إسحاق بالذبح فلم تبخل بنفسك ولم تعظم ذلك في طاعة
أبيك ، ورأيت ذلك هنيئا صغيرا في الله كما يرجو من أحسن ثوابه ويسر به حسن لقائه ،
وإني أعاهدكما اليوم عهدا لا أحبسن به : أما أنت يا إبراهيم فقد وجبت لك الجنة علي
فأنت خليلي من بين أهل الأرض دون رجال العالمين ، وهي فضيلة لم ينلها أحد قبلك
ولا أحد بعدك ، فخر إبراهيم ساجدا تعظيما لما سمع من قول الله متشكرا لله .
وأما أنت يا إسحاق فتمن علي بما شئت ، وسلني واحتكم ، أوتك سؤلك .
قال : أسألك يا إلهي أن تصطفيني لنفسك ، وأن تشفعني في عبادك الموحدين ،
فلا يلقاك عبد لا يشرك بك شيئا إلا أجرته من النار .
قال له ربه : أوجبت لك ما سألت وضمنت لك ولأبيك ما وعدتكما على نفسي ،
وعدا لا أخلفه ، وعهدا لا أحبسن به ، وعطاء هنيئا ليس بمردود . انتهى .
والنتيجة أن الحاكم يشهد بأن الروايات القائلة بأن الذبيح إسماعيل صحيحة
ومشهورة عند مشائخ الحديث وعامة الناس .
ويشهد أيضا بأن الروايات القائلة بأن الذبيح إسحاق صحيحة أيضا عند أهل
المصنفات ، وهو يرجحها مع أنها مخالفة للمشهور !
لكن يبقى السؤال : من أين جاء هذان الاتجاهان في المسألة !
أما البخاري فقد تهرب في صحيحه من تعيين الذبيح ولكنه اختار في تاريخه أنه
إسحاق وليس إسماعيل رغم وجود عدة روايات صحيحة على شرطه تقول إنه
إسماعيل ومن البعيد جدا أنه لم يرها !
- قال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 282 :
وأخرج عبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 412 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حاتم وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال : الذبيح إسحاق . انتهى .
بل يمكن القول إن البخاري اختار في صحيحه أيضا أن الذبيح إسحاق لأن الرواية
اليتيمة التي رواها عن الموضوع اقتطعها وانتقاها من رواية مجاهد المتقدمة في
مستدرك الحاكم ، وقد حذف منها أن الذبيح إسماعيل ! !
- قال البخاري في صحيحه ج 8 ص 70 :
باب رؤيا إبراهيم وقوله تعالى : فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام
أني أذبحك فانظر ماذا ترى . . . قال مجاهد : أسلما : سلما ما أمرا به ، وتله : وضع
وجهه بالأرض . انتهى .
ولا بد أن البخاري لم يرتض رأي مجاهد في أصل هذه الرواية وغيرها بأن الذبيح
إسماعيل ، ولذلك حذفه من تفسيره للآيات الذي نقله عنه ! ولكنه لم يشير إلى ما
فعل مع الأسف !
وما يدل على أن رأي مجاهد القاطع بأن الذبيح إسماعيل : ما رواه السيوطي في
الدر المنثور ج 5 ص 281 قال :
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق مجاهد ويوسف
بن ماهك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الذبيح إسماعيل ( عليه السلام ) .
- وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق يوسف بن مهران وأبي الطفيل عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال : الذبيح إسماعيل ( عليه السلام ) .
- وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير قالا : الذي أراد
إبراهيم ( عليه السلام ) ذبحه إسماعيل ( عليه السلام ) .
- وأخرج ابن جرير عن الشعبي ومجاهد والحسن ويوسف بن مهران ومحمد بن
كعب القرظي مثله . انتهى .
وأما مسلم ، فلم نجد فيه رواية تعين الذبيح ! ولو كان يرى أنه إسماعيل لذكره ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 413 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لوجود روايات عديدة صحيحة على شرطه في ذلك ، ومن البعيد أنه لم يرها ! فلا بد
أنه كالبخاري والحاكم رجح أن الذبيح إسحاق .
أما لماذا فعل أصحاب المصنفات والصحاح ذلك ؟
ولماذا أسقطوا الأحاديث الصحيحة بأن الذبيح إسماعيل !
فالجواب : أنهم فعلوه لحاجة في نفس يعقوب ! !
والحاجة التي في نفس يعقوب هنا : أن قريشا تبنت القول بأن الذبيح هو إسحاق
حتى لا تضطر إلى الاعتراف بحديث ( أنا ابن الذبيحين ) لأن هذا الحديث يعطي
لعبد المطلب مقاما شبيها بمقام إبراهيم ( عليه السلام ) وأنه كان وليا ملهما كالأنبياء وأن الله
تعالى امتحنه فأمره بذبح أحد أبنائه . . وإذا اعترفت بذلك ، فإن حق الحكم بعد
النبي يجب أن يكون في ذرية عبد المطلب دون غيرهم من بيوتات قريش وقبائلها ! !
فالأفضل للقرشيين في تصورهم أن يقولوا إن عبد المطلب وأبا طالب وكل أسرة
النبي الماضين ، كانوا كفارا وأنهم في النار ، وأن ورثة سلطان النبي ( صلى الله عليه وآله ) هم جيل
قريش الذين عاصروه من جميع قبائل قريش الثلاث والعشرين !
ولهذا نجد أن شخص ( الخليفة ) يتدخل في هذا الموضوع ويصير راويا ، ويقول
إن النبي لم يقل إنه ابن الذبيحين ، ولكن بدويا فقيرا تقرب إليه بهذه العبارة ، فتبسم
لها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! وقد كان تبسمه اشتباها ورأيا رآه من عنده ولم ينزل عليه به وحي ! !
- روى الحاكم في المستدرك ج 2 ص 554 عن : عبد الله بن سعيد الصنابحي قال :
حضرنا مجلس معاوية بن أبي سفيان فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق بن إبراهيم فقال
بعضهم : بل إسحاق الذبيح فقال معاوية : سقطتم على الخبير كنا عند رسول الله فأتاه
الأعرابي فقال : يا رسول الله خلفت البلاد يابسة والماء يابسا هلك المال وضاع
العيال فعد علي بما أفاء الله عليك يا بن الذبيحين فتبسم رسول الله ولم ينكر عليه ! !
فقلنا يا أمير المؤمنين وما الذبيحان قال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله
إن سهل الله أمرها أن ينحر بعض ولده فأخرجهم فأسهم بينهم فخرج السهم لعبد الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 414 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا : أرض ربك وافد ابنك . قال ففداه
بمائة ناقة فهو الذبيح وإسماعيل الثاني . انتهى .
وفي ظني أن الراوي تصرف في القسم الأخير من كلام معاوية ، لأنه في القسم
الأول نفى مسألة الذبيح من أصلها ! ولا بد أن تكون بقية حديث معاوية في نفي
الذبيحين بلسان معاوية أو عن لسان النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
لقد التقت مصلحة القرشيين في هذه المسألة مع مصلحة اليهود ! وكعب الأحبار
وجماعته حاضرون لاغتنام هذه الفرصة ، ليثبتوا أن الذبيح إسحاق ، وليس
إسماعيل ، وينقضوا على الشفاعة للموحدين فيأخذوها من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ويجعلوها
لإسحاق ! !
ويتضح عمل كعب في الموضوع من الرواية التالية التي رواها عبد الرزاق في
تفسيره ج 2 ص 123 عن الزهري عن القاسم بن محمد في قوله : إني أرى في المنام
أني أذبحك ، قال : اجتمع أبو هريرة وكعب فجعل أبو هريرة يحدث كعبا عن النبي
( ص ) وجعل كعب يحدث أبا هريرة عن الكتب ! ! فقال : أبو هريرة قال النبي ( ص ) :
إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فقال له
كعب : أنت سمعت هذا من رسول الله ! قال نعم .
قال كعب : فداه أبي وأمي أفلا أخبرك عن إبراهيم إنه لما رأى ذبح ابنه إسحاق
قال الشيطان : إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهما أبدا فخرج إبراهيم بابنه ليذبحه
فذهب الشيطان فدخل على سارة فقال : أين ذهب إبراهيم بابنك قالت : غدا به
لبعض حاجته فقال : إنه لم يغد به لحاجة إنما ذهب ليذبحه . قالت : ولم يذبحه ! قال :
يزعم أن ربه أمره بذلك ! قالت : فقد أحسن أن يطيع ربه في ذلك فخرج الشيطان في
أثرهما فقال للغلام أين يذهب بك أبوك قال لحاجته قال إنما يذهب بك ليذبحك !
قال لم يذبحني قال يزعم أن ربه أمره بذلك ! قال والله لئن كان أمره بذلك ليفعلن .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 415 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال فتركه ولحق بإبراهيم فقال : أين غدوت بابنك فقال لحاجة قال : فإنك لم تغد به
لحاجة إنما غدوت لتذبحنه ! قال ولم أذبحه قال تزعم أن ربك أمرك بذلك ! قال :
فوالله لئن كان أمرني بذلك لأفعلن . قال : فتركه ويئس أن يطاع . انتهى .
- وروى الطبري في تاريخه ج 1 ص 187 :
رواية معاوية وعدة روايات عن كعب الأحبار في أن الذبيح إسحاق ، ومنها رواية
عبد الرزاق بألفاظ مشابهة وزاد فيها : فلما أخذ إبراهيم إسحاق ليذبحه وسلم إسحاق
أعفاه الله وفداه بذبح عظيم قال إبراهيم لإسحاق قم أي بني فإن الله قد أعفاك
فأوحى الله إلى إسحاق إني أعطيك دعوة أستجيب لك فيها قال إسحاق : اللهم فإني
أدعوك أن تستجيب لي أيما عبد لقيك من الأولين والآخرين لا يشرك بك شيئا
فأدخله الجنة . انتهى .
وبذلك يقول لنا كعب : إن الذبيح هو إسحاق جد اليهود وليس جد العرب ، ثم
إنكم تزعمون أن محمدا يشفع في الموحدين ، وقد سبقه إلى ذلك إسحاق فلم يبق
معنى لشفاعة نبيكم !
- وقال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 282 :
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم
والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن كعب ( رضي الله عنه ) أنه قال لأبي هريرة : ألا
أخبرك عن إسحاق قال بلى قال : لما رأى إبراهيم أن يذبح إسحاق . . . وذكر شفاعة
إسحاق للموحدين بنحو رواية الطبري المتقدمة !
- وقال ابن خلدون في تاريخه ج 2 ص 38 :
واختلف في ذلك الذبيح من ولديه ، فقيل إسماعيل وقيل إسحاق وذهب إلى كلا
القولين جماعة من الصحابة والتابعين فالقول بإسمعيل لابن عباس وابن عمر
والشعبي ومجاهد والحسن ومحمد بن كعب القرظي وقد يحتجون له بقوله صلى الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 416 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عليه وسلم : أنا ابن الذبيحين ولا تقوى الحجة به لأن عم الرجل قد يجعل أباه
بضرب من التجوز لا سيما في مثل هذا الفخر ! !
ويحتجون أيضا بقوله تعالى : فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ولو
كان ذبيحا في زمن الصبا لم تصح البشارة بابن يكون له لأن الذبح في الصبا ينافي
وجود الولد ولا تقوم من ذلك حجة لأن البشارة إنما وقعت على وفق العلم بأنه لا
يذبح وأنما كان ابتلاء لإبراهيم .
والقول بإسحاق للعباس وعمر وعلي وابن مسعود وكعب الأحبار وزيد بن أسلم
ومسروق وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء والزهري ومكحول والسدي وقتادة .
انتهى .
وينبغي الالتفات هنا إلى أن أصل القول بأن الذبيح إسحاق من شخصين حسب
رواية ابن خلدون وغيره :
الأول : الخليفة عمر مؤسس الخلافة القرشية وصاحب مشروع عزل بني هاشم
عن الخلافة .
والثاني : كعب الأحبار حامل راية الثقافة الإسرائيلية .
وقد ذكر الرواة المؤيدون للخلافة القرشية اسم علي والعباس ، ورووا عنهما أن
الذبيح إسحاق لأنهما من أولاد عبد المطلب ، ومن المناسب الاحتجاج بشهادتهما
لسلب هذه المنقبة العظيمة عن عبد المطلب ، التي تجعله بنص الرسول ( صلى الله عليه وآله ) إبراهيم
الثاني !
ويظهر أن قريشا وكعبا لم يستطيعوا إقناع جمهور المسلمين بمقولتهم المخالفة
لظاهر القرآن ، ولا إسكات بني هاشم ومنهم ابن عباس بأن الذبيح هو إسحاق ، وإن
رووا ذلك عنهم ، فقد بقي عوام المسلمين مع ظاهر القرآن وفطرتهم ، وبقيت
روايات أهل البيت الصريحة ، وروايات ابن عباس التي تقدمت في مستدرك الحاكم ج
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 417 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 ص 555 : قال : المفدى إسماعيل وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود . انتهى .
بقي كل ذلك يتحدى رواة الخلافة القرشية وإسرائيلياتها !
رأي أهل البيت ( عليهم السلام )
تؤكد مصادر أهل البيت ( عليهم السلام ) أن الذبيح هو إسماعيل ( عليه السلام ) وقد قوى العلماء رواياته
وضعفوا رواية أن الذبيح إسحاق حتى صار ذلك من مختصات مذهبنا . . ففي تفسير
القمي ج 2 ص 226 : قال : وحدثني أبي عن صفوان بن يحيى وحماد عن عبد الله بن
المغيرة عن ابن سنان عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال سألناه عن صاحب الذبح فقال :
إسماعيل . وروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : أنا ابن الذبيحين يعني إسماعيل وعبد
الله بن عبد المطلب .
- وفي تفسير التبيان ج 8 ص 517 :
واختلفوا في الذبيح فقال ابن عباس وعبد الله بن عمر ومحمد بن كعب القرظي
وسعيد بن المسيب والحسن في إحدى الروايتين عنه والشعبي : إنه كان إسماعيل
وهو الظاهر في روايات أصحابنا ويقويه قوله بعد هذه القصة وتمامها : وبشرناه
بإسحاق نبيا من الصالحين فدل على أن الذبيح كان إسماعيل . ومن قال : إنه بشر
بنبوة إسحاق دون مولده فقد ترك الظاهر لأن الظاهر يقتضي البشارة بإسحاق دون
نبوته .
ويدل أيضا عليه قوله : فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ولم يذكر
إسماعيل . فدل على أنه كان مولودا قبله .
وأيضا فإنه بشره بإسحاق وأنه سيولد له يعقوب فكيف يأمره بذبحه مع ذلك ؟
وأجابوا عن ذلك بأن الله لم يقل إن يعقوب يكون من ولد إسحاق .
وقالوا أيضا يجوز أن يكون أمره بذبحه بعد ولادة يعقوب . والأول هو الأقوى
على ما بيناه . وقد روى عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : أنا ابن الذبيحين ولا خلاف أنه كان من
ولد إسماعيل والذبيح الآخر عبد الله أبوه . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 418 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي تفسير نور الثقلين ج 4 ص 421 :
في أمالي شيخ الطائفة ( قدس سره ) بإسناده إلى سليمان بن يزيد قال : حدثنا علي بن
موسى قال : حدثني أبي عن أبيه عن أبي جعفر عن أبيه عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : الذبيح
إسماعيل ( عليه السلام ) .
وفي مهج الدعوات في دعاء مروي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا من
فدى إسماعيل من الذبح .
- وفي مستدرك الوسائل ج 16 ص 98 :
وفي العيون : عن أحمد بن الحسن القطان عن أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي
عن علي بن حسن بن فضال عن أبيه قال : سألت أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) عن معنى قول
النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أنا ابن الذبيحين قال : يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل ( عليهما السلام ) وعبد الله بن
عبد المطلب . . . إلى أن قال : وأما الآخر فإن عبد المطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة
ودعا الله عز وجل أن يرزقه عشرة بنين ونذر لله عز وجل أن يذبح واحدا منهم متى
أجاب الله دعوته فلما بلغوا عشرة قال : قد وفى الله تعالى لي فلأفين لله عز وجل
فأدخل ولده الكعبة وأسهم بينهم فخرج سهم عبد الله . . الخبر .
- ابن شهرآشوب في المناقب : تصور لعبد المطلب أن ذبح الولد أفضل قربة لما
علم من حال إسماعيل فنذر أنه متى رزق عشرة أولاد ذكورا أن ينحر أحدهم في
الكعبة شكرا لربه فلما وجدهم عشرة قال لهم : يا بني ما تقولون في نذري فقالوا :
الأمر إليك ونحن بين يديك . . الخبر . انتهى .

بحث في إيمان عبد المطلب ورواية أنا ابن الذبيحين

نظرا لأهمية هذه المسألة وارتباطها بشفاعة النبي وشخصية أبيه وجده ( صلى الله عليه وآله ) . .
نستعرضها بشكل موجز ، ونبين ظلامة عبد المطلب في مصادر السنيين :
فقد روت مصادرهم بأسانيد صحيحة عن لسان أصدق الصادقين الناطق بإلهام
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 419 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رب العالمين ( صلى الله عليه وآله ) ، نقاطا ملفتة في مدح عبد المطلب ، توجب الاعتقاد بأن
شخصيته شخصية ربانية ، وتوجب رفض الروايات التي تعارضها وتتهمه بالشرك
وعبادة الأصنام !
فمن هذه الأحاديث :
أنه عندما انهزم المسلمون في حنين وتركوا نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) بين سهام الكفار ورماحهم
وسيوفهم في أشد ظروف الخطر ، ولم يبق معه إلا الملائكة وعلي وبعض بني هاشم
. . ترجل ( صلى الله عليه وآله ) للحرب وافتخر على الكفار بأمرين : نبوته ، وأنه ابن عبد المطلب
وباهاهم بذلك بين يدي الله تعالى وقاتلهم !
والنبي العادي لا يفتخر بجده وآبائه إذا كانوا كفارا ، فكيف بسيد الأنبياء والمرسلين
وأتقى الموحدين ( صلى الله عليه وآله ) !
- قال البخاري في صحيحه ج 5 ص 98 :
عن أبي إسحاق قال سمعت البراء وجاءه رجل فقال : يا أبا عمارة أتوليت يوم
حنين ! فقال أما أنا فأشهد على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يول ولكن عجل
سرعان القوم فرشقتهم هوازن وأبو سفيان بن الحرث ( بن عبد المطلب ) آخذ برأس
بغلته البيضاء ( وهو ) يقول : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
- وقال البخاري في ج 3 ص 220 :
قال : لا والله ما ولى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن ولى سرعان الناس ، فلقيهم
هوازن بالنبل ، والنبي صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء ، وأبو سفيان بن
الحرث آخذ بلجامها ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
- وقال في ج 4 ص 28 :
. . . فلما غشيه المشركون نزل فجعل يقول : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد
المطلب قال : فما رؤي من الناس يومئذ أشد منه ! ورواه مسلم في ج 5 ص 168 و 169 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 420 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وقال البخاري في صحيحه ج 4 ص 161 :
باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية . وقال ابن عمرو وأبو هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم : إن الكريم ابن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن
يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله . وقال البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم :
أنا ابن عبد المطلب .
ومن هذه الأحاديث :
ما دل أن الله تعالى جعل في شريعته الخالدة مالية خاصة لأبناء عبد المطلب إلى
يوم القيامة ، فحرم عليهم الصدقات لأنها أوساخ الناس ، وجعل لهم بدلها الخمس .
وإن شخصا يكون في ذريته أبرار وأخيار بهذا المستوى إلى يوم القيامة ، يستبعد
أن يكون مشركا عابدا للأصنام !
- قال النسائي في سننه ج 7 ص 134 :
عن مجاهد قال الخمس الذي لله وللرسول كان للنبي صلى الله عليه وسلم وقرابته
لا يأكلون من الصدقة شيئا . . . قال الله جل ثناؤه : واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله
خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل .
- وقال أبو داود في سننه ج 2 ص 26 :
حدثنا حسين بن علي العجلي ، ثنا وكيع ، عن الحسن بن صالح ، عن السدي ، في
ذي القربى قال : هم بنو عبد المطلب .
- وقال النسائي ج 5 ص 105 :
باب استعمال آل النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة . . . أخبرنا عمرو بن
سواد بن الأسود بن عمرو عن ابن وهب قال حدثنا يونس عن ابن شهاب عن عبد الله
بن الحرث بن نوفل الهاشمي أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب
أخبره أن أباه ربيعة بن الحرث قال لعبد المطلب بن ربيعة بن الحرث والفضل بن
العباس بن عبد المطلب ائتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولا له استعملنا يا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 421 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رسول الله على الصدقات ، فأتى علي بن أبي طالب ونحن على تلك الحال فقال
لهما : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستعمل منكم أحدا على الصدقة ، قال
عبد المطلب : فانطلقت أنا والفضل حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال
لنا : إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس ، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد !
- وفي صحيح مسلم ج 3 ص 118 :
عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد ، إنما هي أوساخ الناس . . .
وقال أيضا : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادعوا لي محمية بن جزء ، وهو
رجل من بني أسد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على الأخماس .
انتهى .
ونحوه في سنن أبي داود ج 2 ص 28 ومسند أحمد ج 4 ص 166 والبيهقي في سننه ج 7
ص 31 - وشبهه في ج 6 ص 338
وروى إحدى رواياته الحاكم في المستدرك ج 3 ص 484 وقال : هذا حديث صحيح
الإسناد ولم يخرجاه . وروى نحوه في كنز العمال ج 6 ص 458 بعدة روايات .
ومعنى قوله ادعوا لي محمية : ادعوا لي المسؤول عن الأخماس التي هي شرعا
لبني عبد المطلب ، حتى أعطي هؤلاء منها . وهو يدل على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) نفذ في
حياته الحكم الشرعي في الخمس ، وجعل له مسؤولا هو محمية بن جزء ، ولكن
ذلك انتهى بوفاته ، ولم يبق له أثر عند خلفاء قريش !
* *
وقد يشكل على هذا التشريع الإسلامي : بأنه قد أسس الطبقية في المجتمع
الإسلامي ، وجعل أسرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) من بني هاشم وعبد المطلب ، أسرة مميزة
اجتماعيا وماليا ، بل ومترفعة على غيرها ، فهي لا تأكل من أموال بيت المال التي
تتجمع من الزكوات والضرائب لأنها أوساخ الناس ، بل لها ماليتها الخاصة في موارد
الدولة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 422 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد اختلف الفقهاء في موارد مالية بني عبد المطلب هذه ، فحصرها فقهاء الخلافة
القرشية بغنائم الحرب وجعلوا خمسها لذوي قربى النبي من بني هاشم . . وعممها
فقهاء الشيعة لكل ما يغنم في الحرب والكسب ، مما زاد على مصارف المسلم
السنوية . . فقد يقال إن هذه الأموال تشكل ميزانية دولة ، فكيف يجعلها الله تعالى
لأسرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ !
والجواب : أولا ، أن الخمس ليس لأغنياء بني هاشم ، بل هو مختص بفقرائهم
المؤمنين .
وثانيا ، إن الاهتمام بالفقراء من أسر الأنبياء والنابغين أمر حضاري ، فلو أن
مجلس العموم البريطاني مثلا أقر قانونا بإعطاء أبناء آينشتاين من أموال الدولة ما
يكفي لمعيشة فقراءهم ، بسبب أنهم من ذرية عالم نابغ ، ويؤمل أن ينبغ منهم
آخرون . . لرأى فيه المعترضون على الخمس الإسلامي عملا عصريا صحيحا ،
واهتماما جيدا من دولة متحضرة !
فما هو الإشكال في أن تهتم الشريعة الخاتمة بذرية سيد الأنبياء وأسرته ( صلى الله عليه وآله )
وتجعل لهم ميزانية من أزكى الموارد ، لمن كان منهم مؤمنا محتاجا .
وثالثا ، إن الذي يشكل على تشريع الخمس لآل النبي ( صلى الله عليه وآله ) عليه أن يرجع إلى القرآن
ليرى ما هو أعظم من الخمس ، فإن نبينا ( صلى الله عليه وآله ) هو الوحيد من بين الأنبياء الذي أوجب
الله تعالى على أمته إعطاءه أجرا على تبليغ الرسالة ، وجعل هذا الأجر : مودة آله
فقال ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ولذا أفتى كل فقهاء المذاهب
بنفاق الناصبي الذي يكره آل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأفتى بعضهم بكفره !
إن المتأمل في آيات القرآن وتاريخ الأديان ، لا مفر له من القول بأن الله تعالى من
الأصل قد اختار الأنبياء وأسرهم لتبليغ الدين الإلهي ، وإقامة الحكم به في
المجتمعات البشرية . فالأسرة المختارة أساس في نظام الدين الإلهي ، ولكنها أسرة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 423 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مصطفاة من الله العليم بشخصيات عباده ، الحكيم في اختيار أنبيائه وأوليائه . . لا
كالأسر التي يختارها الناس بأهوائهم ، أو بعلمهم المحدود ، أو الأسر التي تتسلط
بالقوة وتفرض نفسها على الناس !
قال الله تعالى : إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين .
ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم . آل عمران 33 - 34
- وقال عن جمهرة أسر الأنبياء :
- وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم
عليم .
ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود
وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين . وزكريا
ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين . وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا
فضلنا على العالمين . ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى
صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما
كانوا يعملون .
أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها
قوما ليسوا بها بكافرين . الأنعام - 83 - 89 .
- وقال عن دعاء زكريا بالذرية الطيبة :
هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء .
آل عمران - 38 .
- وقال عن ذرية نبينا ( صلى الله عليه وآله ) وكثرتهم :
وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من
الله من ولي ولا واق . ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 424 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب . الرعد 37 - 38
- إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر . الكوثر 1 - 3
- وقال عن دعاء الملائكة للذريات المؤمنة :
الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون
للذين آمنوا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم
عذاب الجحيم . ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم
وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم . وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ
فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم . غافر 7 - 9
- وقال عن نظام الذرية والأسر في الآخرة أيضا :
والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية
ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار . جنات عدن يدخلونها ومن صلح
من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب . سلام عليكم
بما صبرتم فنعم عقبى الدار . الرعد - 22 - 24
- متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين . والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم
بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شئ كل امرئ بما كسب رهين .
الطور 20 - 21 انتهى .
فنظام الأسرة والذرية نظام طبيعي في بني آدم ، وقد أقره الله تعالى واستفاد منه
في الدين الإلهي .
وإذا كانت البشرية قد عانت الويلات والمآسي وأنواع الظلم والاضطهاد من نظام
الأسر الفاسدة المتجبرة . . فإن ذلك يرجع إلى فساد تلك الأسر ولا يصح أن يكون
سببا لرفض بنية الأسرة وفكرتها . . فهذه البنية تختزن إيجابيات كبرى لحمل الرسالة
واستمرارها كما أن فيها خطر سلبيات كبرى أيضا وأن تتحول إلى ملك عضوض . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 425 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد تحدث القرآن عن الأجيال التي فسدت من أسر الأنبياء وأتباعهم فقال تعالى :
أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن
ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا
سجدا وبكيا . فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف
يلقون غيا . إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا .
مريم 58 - 60 .
لكن عندما يختار الله تعالى أسرة كأسرة نبينا ( صلى الله عليه وآله ) ويصطفيها فليس معناه أنه يختار
كل أفرادها على علاتهم بل معناه أنه يختارها بصورة عامة بسبب علمه بأنه سيوجد
منها أفراد معصومون يختارهم لهداية الأمة وقيادتها .
ولو فكرت فيما نقلته الصحاح من قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حديث الثقلين ( ولقد
أخبرني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) لما وجدت له معنى
إلا أن الله تعالى أخبر نبيه بأنه سيكون من عترته شخص معصوم يواصل خط نبوته
في كل عصر إلى يوم القيامة ! فالاختيار لبني عبد المطلب كلي عام لأنهم معدن النبي
( صلى الله عليه وآله ) ومعدن الأئمة من عترته ( عليهم السلام ) ولأنهم الأفضل بالمقايسة مع غيرهم من الأسر ،
فهي أقلهم سلبيات وأكثرهم إيجابيات . . وهو اختيار ترافقه تشريعات حازمة شرعها
الله تعالى بشأنهم تتلخص بما يلي :
- أن المودة والاحترام لجميع بني هاشم ، بشرط الإسلام والإيمان .
- أن الخمس لفقرائهم المؤمنين بمقدار كفايتهم وتمشية أمور معيشتهم .
- أن وجوب الإطاعة فقط لأولي الأمر المعصومين منهم ( عليهم السلام ) الذين هم الأئمة
الإثنا عشر لا غير . . وقد تقدم في الفصل الثامن تفسير آية المصطفين الذين أورثهم
الله الكتاب بعد نبينا ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنهم محصورون في ذرية فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، وأن
الصالحين منهم ثلاثة أنواع : سابق بالخيرات وهم الأئمة ( عليهم السلام ) ومقتصد وظالم لنفسه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 426 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومن الأمور الطريفة أن الذين ينتقدون الشيعة لتمسكهم بمودة أهل البيت
وولايتهم ( عليهم السلام ) ويقولون إن مذهب التشيع مذهب أسري ، ينسون أنهم أسريون أكثر
منا ! فنحن نعتقد أن الخلافة في هذه الأمة إلى يوم القيامة مخصوصة في ذرية النبي
عملا بنصه ( صلى الله عليه وآله ) . . بينما هم يقولون إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم ينص على أحد ، وبعضهم يقول
إنه على أن الخلافة في قريش إلى يوم القيامة ، لأنهم قبيلة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
فنحن أسريون بالنص ، وهم قبليون بغير نص ، أو بنص !
ونطاق ولائنا نحن لبني هاشم وعبد المطلب بصورة عامة ، ولاثني عشر إماما
منهم بصورة خاصة . . بينما نطاق ولائهم لبضع وعشرين قبيلة ، هم مجموعة قبائل
قريش ، ومنهم أئمة الشرك ، والكفر ، والنفاق !
وقد روينا ورووا أن عليا ( عليه السلام ) بعد أن فرغ من مراسم تغسيل النبي والصلاة عليه
ودفنه ( صلى الله عليه وآله ) بلغه أن بعض زعماء قريش ذهبوا إلى السقيفة حيث كان رئيس الأنصار
مريضا ، واحتجوا على الأنصار بأنهم قوم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعشيرته وأولى منهم بسلطانه !
فقال علي ( عليه السلام ) فيما قال : احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة ! !
وغرضنا هنا أن نوضح أن جميع المسلمين ما عدا من شذ قد أجمعوا على أن
نظام الحكم في الإسلام بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) إما أن يكون أسريا مخصوصا بعترته ( صلى الله عليه وآله ) ، أو
قبليا مخصوصا بقبائل قريش الثلاث والعشرين أو الخمس والعشرين .
فنحن نقول إنه نظام أسري بالنص واختيار الله تعالى كما قال ( ذرية بعضها من
بعض ) ، والسنة يقولون إنه نظام قبلي باختيار الناس لكن من داخل قريش ، ولا يجب
أن يكون الحاكم عندهم من أسرة النبي ( عليه السلام ) ، بل لعله يستحبون أن يكون من غيرها !
ومن الأحاديث والنصوص الدالة على إيمان عبد المطلب :
ما ثبت في الحديث والتاريخ من كرامات بل معجزات لعبد المطلب ، في حملة
أبرهة لهدم الكعبة تدل على توحيده وإيمانه ويقينه ، وعلى أنه كان يعرف أن الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 427 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تعالى سيرسل عليهم طيرا أبابيل ، وكان يرسل بعص أولاده إلى الجبل لينظروا هل
جاء سرب الطيور من قبل البحر !
ورووا كذلك مخاطبته للفيل وجواب الفيل له بالإشارة بأنه لن يدخل إلى محيط
الكعبة . . . إلى آخر ما اتفق عليه المؤرخون والمحدثون مما لا يمكن أن يصدر إلا عن
ولي مقرب !
ومن هذه الأحاديث والنصوص :
ما دل على الكرامة التي أكرمه الله بها بأن أعاد نبع زمزم على يده وما رافق ذلك
من آيات فقد كان الله تعالى أكرم بهذا النبع جده إسماعيل وأمه هاجر ثم نضب
وعفي على مر الزمن حتى أعاده الله تعالى على يد عبد المطلب عن طريق الرؤيا
الصادقة التي لا تكون إلا للأنبياء والأوصياء وكبار الأولياء .
ومن هذه الأحاديث والنصوص :
ما دل على معرفته بنبوة حفيده ( صلى الله عليه وآله ) ، واهتمامه الخاص به ورعايته المميزة له في
طفولته وصباه ، وتوصيته به إلى أرشد أبنائه أبي طالب ، وإخباره إياه بأمره . . . إلى
آخر ما اتفق عليه المؤرخون والمحدثون ، مما لا يمكن أن يصدر إلا عن ولي مقرب !
ومن هذه الأحاديث والنصوص :
ما دل على المكانة الدينية التي كانت لعبد المطلب في قلوب قبائل العرب
وجماهيرها والتي لم يكن لأحد مثلها حتى لرؤساء قبائلهم . . . كل ذلك مع حسد
قريش له وعمل رؤسائها للحط من مكانته خاصة بنو عبد الدار أصحاب لواء قريش
الذين قادوا معركة بدر وبنو المغيرة الذين كان يرأسهم أبو جهل وبنو أمية الذين كان
يرأسهم صخر .
وقد نصت مصادر التاريخ على هذه المكانة وأن طابعها كان تقديسا دينيا غير
وثني بل مرتبطا بالكعبة وزمزم وإسماعيل وإبراهيم ( عليهم السلام ) . ويلاحظ ذلك من مواقف
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 428 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عقلاء العرب وأصحاب الأذهان الحرة منهم واحترامهم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) باعتباره ابن
عبد المطلب لأن عبد المطلب عندهم وارث أمجاد إسماعيل وإبراهيم وبركتهما !
- روى النسائي في سننه ج 4 ص 124 :
عن أبي هريرة قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ( إذ ) جاء رجل
من أهل البادية قال : أيكم ابن عبد المطلب
قالوا : هذا الأمغر المرتفق . قال حمزة : الأمغر الأبيض مشرب حمرة .
فقال : إني سائلك فمشتد عليك في المسألة .
قال : سل عما بدا لك .
قال : أسألك بربك ورب من قبلك ورب من بعدك آلله أرسلك .
قال : اللهم نعم .
قال : فأنشدك به آلله أمرك أن تصلي خمس صلوات في كل يوم وليلة .
قال : اللهم نعم .
قال : فأنشدك به آلله أمرك أن تأخذ من أموال أغنيائنا فترده على فقرائنا .
قال : اللهم نعم .
قال : فأنشدك به آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من اثني عشر شهرا .
قال : اللهم نعم .
قال : فأنشدك به آلله أمرك أن يحج هذا البيت من استطاع إليه سبيلا .
قال : اللهم نعم .
فقال : فإني آمنت وصدقت وأنا ضمام بن ثعلبة . انتهى .
ورواه البخاري مختصرا في صحيحه ج 1 ص 23 وأبو داود في سننه ج 1 ص 117 - 118
ويفهم من هذا النص أن لعبد المطلب وأولاده مكانة خاصة في قلوب المتفكرين من
العرب . .
بل يشير النص التالي في صحيح البخاري إلى أن أولاد بني عبد المطلب لهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 429 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مميزات نورانية خاصة . ففي ج 5 ص 140 : أن علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) خرج من عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس : يا أبا الحسن
كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصبح بحمد الله بارئا فأخذ بيده
عباس بن عبد المطلب فقال له : أنت والله بعد ثلاث عبد العصا وإني والله لأرى
رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى من وجعه هذا إني لأعرف وجوه بني
عبد المطلب عند الموت . . . ! ! ورواه البخاري أيضا في ج 7 ص 136 .
ومن هذه الأحاديث والنصوص :
ما دل على العاطفة النبوية الجياشة التي كانت تفيض من قلب نبينا ( صلى الله عليه وآله ) على بني
هاشم وبني عبد المطلب وذريتهما وأحاديث ذلك كثيرة صحيحة مليئة بالدلالات
لمن تأملها وجرد ذهنه عن ستار التلقين القرشي ضد عبد المطلب .
قال البخاري في صحيحه ج 2 ص 204 :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة
استقبله أغيلمة بني عبد المطلب فحمل واحدا بين يديه وآخر خلفه . . ورواه في ج 7
ص 67 .
فهل كانت هذه العاطفة النبوية والحفاوة المحمدية بأطفال كافرين ! أم بأطفال
آباؤهم طلقاء أسلموا لتوهم تحت السيف !
كلا بل كانت عاطفة على غصون شجرة مباركة يحملون إرث أجدادهم الأنبياء
والأوصياء ، ولم يظهر منهم إلى الآن انحراف عنها ! !
وروى البخاري أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) تعمد في حجة الوداع أن يوعي الأمة على ظلم
قريش للنبوة ، ولكل بني هاشم وعبد المطلب !
- قال البخاري في ج 2 ص 158 :
عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من الغد يوم النحر وهو
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 430 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بمنى : نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر . يعني بذلك
المحصب ، وذلك أن قريشا وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب أو
بني المطلب ، أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه
وسلم . انتهى .
ثم لاحظ ذلك التعبير النبوي الملئ بالعاطفة والحنان والإيمان بنوعية أبناء
عبد المطلب المميزة حيث قال ( صلى الله عليه وآله ) كما حديث الكافي الآتي ( فما ظنكم يا بني
عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أتروني مؤثرا عليكم غيركم ! ) .
- ويؤيده ما رواه ابن شبة في تاريخ المدينة ج 2 ص 264 قال :
حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا سفيان عن أبيه عن أبي الضحى عن ابن عباس رضي
الله عنهما قال : جاء العباس ( رضي الله عنه ) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنك تركت
فينا ضغائن منذ صنعت الذي صنعت ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن
يبلغوا الخير أو قال الإيمان حتى يحبوكم لله ولقرابتي أيرجو سؤلهم شفاعتي عن
مراد ولا يرجو بنو عبد المطلب شفاعتي انتهى . وروى نحوه غيره .
ومن هذه الأحاديث :
ما دل على أن أولاده سادة أهل الجنة هم بنو عبد المطلب السبعة من بني
عبد المطلب ! فقد روى ابن ماجة في سننه ج 2 ص 1368 : حدثنا هدية بن عبد الوهاب
ثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر عن علي بن زياد اليمامي عن عكرمة بن عمار عن
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول : نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة : أنا وحمزة وعلي وجعفر
والحسن والحسين والمهدي . انتهى . وهو حديث صحيح عند إخواننا السنة وقد
أوردنا مصادره وطرقه العديدة في معجم أحاديث الإمام المهدي ( عليه السلام ) فزادت على
مئة مصدر . وصحح العديد منها علماء الجرح والتعديل .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 431 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إن المجموعة الواحدة من هذه النصوص تكفي الباحث السوي الذهن ، لأن يعيد
النظر في الأحكام التي أصدرتها الخلافة القرشية وفقهاؤها على عبد المطلب . . !
فكيف بهذه المجموعات الثمانية مجتمعة ، ومثلها معها !
وإذا أنهار البناء القرشي ضد عبد المطلب ، انهارت الجدران القرشية الأخرى
وانكشفت محاصرتهم الجديدة لبني هاشم وبني عبد المطلب . . التي أحكموها أكثر
من محاصرتهم لهم في شعب أبي طالب ، لأنهم فعلوها هذه المرة باسم الإسلام
فطالت قرونا ، وعمت أجيالا ، إلا من رحم ربك من أصحاب البصائر !

عبد المطلب عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك

اتفقت أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) على أن عبد المطلب رضوان الله عليه مؤمن بالله
الواحد الأحد على ملة جده إبراهيم ولي من أولياء الله ملهم بواسطة الملائكة
والرؤية الصادقة . . بل يحتمل الناظر في هذه الأحاديث أن عبد المطلب كان من
الأنبياء وأنه كان مأمورا أن يعبد ربه على دين إبراهيم ويأمر أولاده بذلك .
- وقد روت ذلك مصادرنا وبعض مصادر السنيين قال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 98 :
وأخرج ابن أبي عمر العدني في مسنده والبزار وابن أبي حاتم والطبراني وابن
مردويه والبيهقي في الدلائل عن مجاهد في قوله : وتقلبك في الساجدين قال : من
نبي إلى نبي حتى أخرجت نبيا . انتهى .
- قال المجلسي في بحار الأنوار ج 31 ص 155 :
روي عن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) أنه قال : يبعث الله عبد المطلب يوم القيامة وعليه
سيماء الأنبياء وبهاء الملوك .
- وروى الكليني في الكافي ج 4 ص 58 :
عن أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار ومحمد بن إسماعيل عن الفضل
بن شاذان جميعا عن صفوان بن يحيى عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 432 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إن أناسا من بني هاشم أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فسألوه أن يستعملهم على صدقات
المواشي وقالوا : يكون لنا هذا السهم الذي جعله الله للعاملين عليها فنحن أولى به
فقال رسول ( صلى الله عليه وآله ) الله : يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم ولكني قد
وعدت الشفاعة - ثم قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : والله لقد وعدها - فما ظنكم يا بني عبد
المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أتروني مؤثرا عليكم غيركم !
ثم قال : إن الجن والإنس يجلسون يوم القيمة في صعيد واحد فإذا طال بهم
الموقف طلبوا الشفاعة فيقولون : إلى من فيأتون نوحا فيسألونه الشفاعة فيقول :
هيهات قد رفعت حاجتي فيقولون إلى من فيقال : إلى إبراهيم فيأتون إلى إبراهيم
فيسألونه الشفاعة فيقول : هيهات قد رفعت حاجتي فيقولون إلى من فيقال : إيتوا
موسى فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقول : هيهات قد رفعت حاجتي فيقولون : إلى من
فيقال : إيتوا عيسى فيأتونه ويسألونه الشفاعة فيقول : هيهات قد رفعت حاجتي
فيقولون : إلى من فيقال إيتوا محمدا فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقوم مدلا حتى يأتي
باب الجنة فيأخذ بحلقة الباب ثم يقرعه فيقال : من هذا ؟ فيقول : أحمد فيرحبون
ويفتحون الباب فإذا نظر إلى الجنة خر ساجدا يمجد ربه ويعظمه فيأتيه ملك فيقول :
إرفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع فيرفع رأسه فيدخل من باب الجنة فيخر ساجدا
ويمجد ربه ويعظمه فيأتيه ملك فيقول : إرفع رأسك وسل تعط وأشفع تشفع فيقوم
فما يسأل شيئا إلا أعطاه إياه .
ورواه في تهذيب الأحكام ج 4 ص 58 وتفسير العياشي ج 2 ص 93 وتفسير نور الثقلين ج
2 ص 235 ووسائل الشيعة ج 6 ص 185 ومستدرك الوسائل ج 7 ص 119 وتفسير نور
الثقلين ج 3 ص 210 .
هذا وقد تكفلت مصادر الحديث والتفسير عندنا بإثبات إيمان عبد المطلب
وجميع آباء النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد وافقنا على ذلك عدد من العلماء السنيين منهم
السيوطي والفخر الرازي والشعراني . . وغيرهم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 433 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

آراء شيعية مخالفة للمشهور في الذبيحين

رأي الشيخ الصدوق بأن إسحاق ذبيح أيضا !

- من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 230 : وسئل الصادق ( عليه السلام ) عن الذبيح من كان فقال :
إسماعيل ( عليه السلام ) لأن الله عز وجل ذكر قصته في كتابه ثم قال : وبشرناه بإسحاق نبيا من
الصالحين .
وقد اختلفت الروايات في الذبيح فمنها ما ورد بأنه إسماعيل ومنها ما ورد بأنه
إسحاق ولا سبيل إلى رد الأخبار متى صح طرقها وكان الذبيح إسماعيل لكن إسحاق
لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه وكان يصبر لأمر الله عز
وجل ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب فعلم الله عز
وجل ذلك من قبله فسماه بين ملائكته ذبيحا لتمنيه لذلك وقد ذكرت إسناد ذلك في
كتاب النبوة متصلا بالصادق ( عليه السلام ) . انتهى .
- وقال الجزائري في هامش تفسير القمي ج 1 ص 351 :
قال جدي السيد الجزائري ( رحمه الله ) في قصص الأنبياء : اختلف علماء الإسلام في
تعيين الذبيح هل هو إسماعيل أو إسحاق فذهبت الطائفة المحقة من أصحابنا
وجماعة من العامة إلى أنه إسماعيل والأخبار الصحيحة دالة عليه مع دلالة غيرها من
الآيات ودلائل العقل . وذهبت طائفة من الجمهور إلى أنه إسحاق وبه أخبار واردة
من الطرفين وطريق تأويلها إما أن تحمل على التقية وأما حملها على ما قاله الصدوق
صار ذبيحا بالنية والتمني . . . حمل ( رحمه الله ) قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) ( أنا ابن الذبيحين ) على ذلك .
أقول : إن بعض الروايات المعتبرة كرواية هذا التفسير وغيره آب عن الحمل فإنها
مصرحة بذبح إسحاق حقيقة لا مجازا وفداه بكبش فعليه لا مجال إلى ما ذهب إليه
الصدوق ( رحمه الله ) من الحمل فإما أن تحمل هذه الروايات كما قال جدي ( رحمه الله ) على التقية أو
على تعدد الواقعة . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 434 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظة : إن الشيخ الصدوق ( رحمه الله ) صحت عنده رواية أن الذبيح هو إسماعيل ورواية
أنه إسحاق بالمجاز وصحت عنده رواية نذر عبد المطلب ذبح ولده عبد الله وقول
النبي ( صلى الله عليه وآله ) ( أنا ابن الذبيحين ) ففسره بأنه ابن الذبيحين من وجهين : أي من جهة عبد
الله وإسماعيل ومن جهة إسماعيل وإسحاق . وقد صرح بذلك في آخر كلامه في
الخصال . ولكن كلامه جاء متداخلا فالتبس الأمر على الجزائري وعلى الغفاري
وتصورا أنه يفسره بالوجه الثاني فقط ويرفض الوجه الأول !
وروايته التي استند عليها في أن إسحاق ذبيح مجازي رواية عامية من نوع
روايات معاصره الحاكم النيسابوري . ولو صحت لتعين ترجيح الموافق لمذهب أهل
البيت ( عليهم السلام ) على الموافق لليهود والنواصب . أو حملها كما ذكر السيد الجزائري على
التقية من الحكام خاصة أن المسألة كانت مطروحة في دار الخلافة في المدينة وفي
قصور الخلافة في الشام كما رأيت من رواياتها .

محاولة أحد المعاصرين تفسير الذبيحين بإسماعيل وإسحاق

- من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 89 :
روى حماد بن عيسى عمن أخبره عن حريز عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : أول من
سوهم عليه مريم بنت عمران وهو قول الله عز وجل : وما كنت لديهم إذ يلقون
أقلامهم أيهم يكفل مريم والسهام ستة ثم استهموا في يونس ( عليه السلام ) لما ركب مع القوم
فوقعت السفينة في اللجة فاستهموا فوقع السهم على يونس ثلاث مرات قال :
فمضى يونس ( عليه السلام ) إلى صدر السفينة فإذا الحوت فاتح فاه فرمى نفسه .
ثم كان عند عبد المطلب تسعة بنين فنذر في العاشر إن رزقه الله غلاما أن يذبحه
فلما ولد عبد الله لم يكن يقدر أن يذبحه ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في صلبه فجاء بعشر من
الإبل فساهم عليها وعلى عبد الله فخرجت السهام على عبد الله فزاد عشرا فلم تزل
السهام تخرج على عبد الله ويزيد عشرا فلما أن خرجت مائة خرجت السهام على
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 435 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الإبل فقال عبد المطلب : ما أنصفت ربي فأعاد السهام ثلاثا فخرجت على الإبل
فقال : الآن علمت أن ربي قد رضي فنحرها . انتهى .
- وقال الأستاذ علي أكبر غفاري في تعليقه على هذا الحديث :
جاءت هذه القصة في كثير من كتب الحديث من الطريقين ، واشتهرت بين الناس
وأرسلها جماعة من المؤلفين إرسال المسلمات ، ونقلوها في مصنفاتهم دون أي
نكير ، وهي كما ترى تضمنت أمرا غريبا بل منكرا لا يجوز أن ينسب إلى أحد من
أوساط الناس والسذج منهم ، فضلا عن مثل عبد المطلب الذي كان من الأصفياء
وهو في العقل والكياسة والفطنة على حد يكاد أن لا يدانيه أحد من معاصريه ، وقد
يفتخر النبي ( صلى الله عليه وآله ) مع مقامه السامي بكونه من أحفاده وذراريه ويباهي به القوم ويقول :
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
وفي الكافي روايات تدل على عظمته وجلالته وكمال إيمانه وعقله ودرايته ،
ورئاسته في قومه ، ففي المجلد الأول منه ص 446 في الصحيح عن زرارة عن أبي
عبد الله ( عليه السلام ) قال : يحشر عبد المطلب يوم القيامة أمة وحده ، عليه سيماء الأنبياء
وهيبة الملوك . يعني إذا حشر الناس فوجا فوجا يحشر هو وحده ، لأنه كان في زمانه
منفردا بدين الحق من بين قومه ، كما قاله العلامة المجلسي ( رحمه الله ) . وفي حديث آخر
رواه الكليني أيضا مسندا عن الصادق ( عليه السلام ) قال : يبعث عبد المطلب أمة وحده عليه
بهاء الملوك وسيماء الأنبياء ، وذلك أنه أول من قال بالبداء .
وفي الحسن كالصحيح عن رفاعة عن أبي عبد الله ( عليها السلام ) قال : كان عبد المطلب
يفرش له بفناء الكعبة لا يفرش لأحد غيره ، وكان له ولد يقومون على رأسه فيمنعون
من دنا منه . . . إلى أمثالها الكثير الطيب كلها تدل على كمال إيمانه وعقله وحصافة
رأيه . . وإن أردت أن تحيط بذلك خبرا فانظر إلى تاريخ اليعقوبي المتوفى في أواخر
القرن الثالث ، وما ذكر من سننه التي سنها وجاء بها الإسلام مثل تحريمه الخمر ،
والزنا ، ووضع الحد عليه ، وقطع يد السارق ، ونفي ذوات الرايات ، ونهيه عن قتل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 436 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المؤودة ، ونكاح المحارم ، وإتيان البيوت من ظهورها ، وطواف البيت عريانا
وحكمه بوجوب الوفاء بالنذر ، وتعظيم الأشهر الحرم ، وبالمباهلة بمائة إبل في
الدية . ثم تأمل كيفية سلوكه مع أبرهة صاحب الفيل في تلك الغائلة المهلكة
المهدمة ، كيف حفظ بحسن تدبيره وسديد رأيه قومه ودماءهم وأموالهم من الدمار
والبوار ، دون أي مؤونة ، وقال : أنا رب الإبل ولهذا البيت رب يمنعه ، مع أن الواقعة
موحشة بحيث تضطرب في أمثالها قلوب أكثر السائسين .
فإذا كان الأمر كذلك فكيف يصح أن يقال : إنه نذر أن يذبح سليله وثمرة مهجته
وقرة عينه قربة إلى الله سبحانه ، وأن يتقرب بفعل منهي عنه في جميع الشرايع ،
والقتل من أشنع الأمور وأقبحها ، والعقل مستقل بقبحه بل يعده من أعظم الجنايات ،
مضافا إلى كل ذلك أن النذر بذبح الولد قربانا للمعبود من سنن الوثنيين والصابئين ،
وقد ذكره الله تعالى في جملة ما شنع به على المشركين ، وقال في كتابه العزيز بعد
نقل جمل من بدعهم ومفترياتهم : كذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم
شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون .
الأنعام - 137 .
وهذا غير مسألة الوأد المعروف الذي كان بنو تميم من العرب يعلمون به ، فإن
المفهوم من ظاهر لفظ الأولاد أعم من المذكور منهم والبنات ، والوأد مخصوص
بالبنات ، وأيضا غير قتلهم أولادهم من إملاق أو خشيته ، بل هو عنوان آخر يفعلونه
على سبيل التقرب إلى الآلهة .
فإن قيل : لعله كان مأمورا من جانب الله سبحانه كما كان جده إبراهيم ( عليه السلام ) مأمورا ؟
قلنا : هذا التوجيه مخالف لظاهر الروايات ، فإنه صرح في جميعها بأنه نذر مضافا إلى
أنه لو كان مأمورا فلا محيص له عنه ويجب عليه أن يفعله كما أمر ، فكيف فداه
بالإبل ولم لم يقل في جواب من منعه كما في الروايات : إني مأمور بذلك .
وبالجملة في طرق هذه القصة وما شاكلها مثل خبر ( أنا ابن الذبيحين ) رواه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 437 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جماعة كانوا ضعفاء أو مجهولين أو مهملين ، أو على غير مذهبنا مثل أحمد بن
سعيد الهمداني المعروف بابن عقدة ، وهو زيدي جارودي أو أحمد بن الحسن
القطان ، وهو شيخ من أصحاب الحديث عامي ويروي عنه المؤلف في كتبه بدون أن
يردفه بالترضية ، مع أن دأبه أن يتبع مشايخه بها إن كانوا إمامية ، وكذا محمد بن جعفر
بن بطة الذي ضعفه ابن الوليد وقال : كان مخلطا فيما يسنده ، وهكذا عبد الله بن
داهر الأحمري وهو ضعيف كما في الخلاصة والنجاشي ، وأبو قتادة ووكيع بن
الجراح وهما من رجال العامة ورواتهم ولا يحتج بحديثهم إذا كان مخالفا لأصول
المذهب ، وإن كانوا يسندون خبرهم إلى أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
وإنك إذا تتبعت أسانيد هذه القصة وما شابهها ما شككت في أنها من مفتعلات
القصاصين ومخترعاتهم نقلها المحدثون من العامة لجرح عبد المطلب ونسبة الشرك
والعياذ بالله إليه ، رغما للإمامية حيث أنهم نزهوا آباء النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن دنس الشرك .
ويؤيد ذلك أن كثيرا من قدماء مفسريهم كالزمخشري والفخر الرازي والنيشابوري
وأضرابهم ، والمتأخرين كالمراغي وسيد قطب وزمرة كبيرة منهم ، نقلوا هذه القصة
أو أشاروا إليها عند تفسير قوله تعالى : وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم ،
وجعلوا عبد المطلب مصداقا للآية انتصارا لمذهبهم الباطل في اعتقاد الشرك في
آباء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأجداده .
قال العلامة المجلسي ( رحمه الله ) : اتفقت الإمامية رضوان الله عليهم على أن والدي
الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وكل أجداده إلى آدم ( عليه السلام ) كانوا مسلمين بل كانوا من الصديقين إما أنبياء
مرسلين أو أوصياء معصومين ثم نقل عن الفخر الرازي أنه قال : قالت الشيعة إن
أحدا من آباء الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وأجداده ما كان كافرا . ثم قال : نقلت ذلك عن إمامهم
الرازي ليعلم أن اتفاق الشيعة على ذلك كان معلوما بحيث اشتهر بين المخالفين .
وإن قيل : لا ملازمة بين هذا النذر وبين الشرك ، ويمكن أن يقال إن نذر
عبد المطلب كان لله ، وأما المشركون فنذروا لآلهتهم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 438 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قلت : ظاهر الآية أن النذر بذبح الولد من سنن المشركين دون الموحدين ، فالناذر
إما مشرك أو تابع لسنن الشرك وجلت ساحة عبد المطلب أن يكون مشركا والعياذ
بالله أو تابعا لسنن المشركين ، والإصرار بتصحيح أمثال هذه القصص مع نكارتها كثيرا
ما يكون من الغفلة عما جنته يد الافتعال .
ثم اعلم أن المصنف رضوان الله تعالى عليه لم يحتج بهذا الخبر في حكم من
الأحكام ، إنما أورده في هذا الكتاب طردا للباب ، ويكون مراده جواز القرعة فقط
وهو ظاهر من الخبر . انتهى .
ثم كرر الأستاذ الغفاري رأيه في ج 4 ص 368 فقال :
قال المصنف ( رحمه الله ) في الخصال ( ص 27 باب الاثنين ) قد اختلفت الروايات في
الذبيح ، فمنها ما ورد بأنه إسماعيل لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو
الذي أمر أبوه بذبحه فكان يصبر لأمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه ، فينال بذلك
درجته في الثواب ، فعلم الله عز وجل ذلك من قلبه فسماه بين الملائكة ذبيحا ،
لتمنيه لذلك . انتهى .
أقول : على هذا فالمراد بالذبيحين إسماعيل وإسحاق : أحدهما ذبيح بالحقيقة
والآخر ذبيح بالمجاز ، مع أن كليهما لم يذبحا بعد . وتقدم فيه كلام ج 3 ص 89
والإشكال بأن إسحاق كان عما له دون أب ممنوع لأن إطلاق الأب على العم شايع ،
وفي رواية سليمان بن مهران عن الصادق ( عليه السلام ) في قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أنا ابن الذبيحين
يريد بذلك العم ، لأن قد سماه الله عز وجل أبا في قوله : أم كنتم شهداء إذا حضر
يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم
وإسماعيل وإسحاق . وكان إسماعيل عم يعقوب فسماه الله في هذه الموضع أبا ،
وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : العم والد . فعلى هذا الأصل أيضا يطرد قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أنا ابن
الذبيحين أحدهما ذبيح بالحقيقة والآخر ذبيح بالمجاز . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 439 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- والجواب على ما ذكره الأستاذ الغفاري :
أولا : أن الرواية التي استدل بها الصدوق على أن إسحاق ذبيح أيضا مجازا ، عامية
ضعيفة ، وقد ضعف سندها الأستاذ الغفاري نفسه من حيث لا يدري كما سترى !
ثم إن إطلاق العم على الأب في اللغة وإن كان أمرا شائعا ، ولكن لا ينطبق على قول
القائل ( أنا ابن فلان ) مفتخرا أو مباهيا ، لأن المتبادر منه الافتخار بعمود نسبه من
آبائه وأن منهم ذبيحين قربانين لله تعالى ، لا من أعمامه ، وإلا لقال : أنا من قوم فيهم
ذبيحان أو من آل إبراهيم آل الذبيحين .
كما أن إطلاق اسم الذبيح المجازي على إسحاق أيضا ضعيف لغة ، لأن كلمة (
الذبيح ) لا تصدق إلا على من قصدوا ذبحه لله تعالى قصدا عمليا حقيقيا ورضي به ،
ولو كان يكفي لإطلاقها مجازا أن الشخص قد أحب ذلك ونواه كما في إسحاق ،
لصح أن تطلق على كل آباء النبي أو جلهم ، بل على كثير من المؤمنين ، لأن أكثر
الأنبياء والأوصياء والمؤمنين يحبون مقام إسماعيل وينوون أن لو كانوا مكانه لقبلوا
بما قبل به .
فارتكاب المجاز في معنى الابن وجعله العم ، ثم ارتكاب المجاز في الذبيح وجعله
من يحب أن يكون ذبيحا . . خلاف الظاهر جدا ، وهو يكاد يفرغ الكلمة من هدفها بل
من معناها !
ثانيا : لعل الغفاري لم يطلع على تاريخ القربان لله تعالى في الشرائع الإلهية
السابقة ، فقد كان عامة الناس يقدمون قرابين من الأنعام ، وكان من المشروع أن يقدم
كبار المؤمنين أحد أولاده قربانا لله تعالى ، وعلى أساسه كان منام إبراهيم ( صلى الله عليه وآله ) . . ولم
يثبت نسخ هذا التشريع قبل الإسلام .
فالمشركون لم يخترعوا القربان لأوثانهم ، وإنما أخذوه من الأديان وجعلوه
لآلهتهم المزعومة بدل الله تعالى . وما عابه الله تعالى عليهم من قتلهم أولادهم
وتقديمهم إياهم قرابين لآلهتهم ، إنما عاب فيه شركهم وتقربهم للأوثان .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 440 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثالثا : إن وجود عبد المطلب في مجتمع وثني يتقرب إلى الأصنام بالقرابين وقد
يذبح أحدهم ولده قربانا لصنمه . . وإعلان عبد المطلب أنه على ملة أبيه
إبراهيم ( صلى الله عليه وآله ) ، وإحيائه عددا من سننها ، وما جرى في عهده من حفظ الله تعالى لكعبة
إبراهيم في حادثة الفيل ، وإعادة ماء زمزم المفقود على يده . . . كل ذلك يساعد على
فهم نذر عبد المطلب أنه إذا رزقه الله عشرة أولاد أن يذبح أحدهم قربانا لله تعالى
على ملة إبراهيم ، ويجعل هذا النذر أمرا طبيعيا مشروعا في ذلك الوقت ، بل دعوة
لعبدة الأصنام أن يعبدوا رب البيت رب إبراهيم ، ويقدموا له قرابينهم ، ولا يقدموها
لأصنامهم .
أما لماذا نذر عبد المطلب ذلك ، ولماذا عزم على تنفيذ نذره جديا فشاور أولاده
فأطاعوه ، وأقرع بينهم فرست القرعة على عبد الله ، وقال لأبيه كما قال إسماعيل . .
ثم كيف تحلل من عبد المطلب من نذره بطريقة القرعة بين ذبح ولده أو نحر الإبل . .
فهي إشكالات واردة . وجوابها : أنها واردة على شريعتنا لا على شريعة إبراهيم وعبد
المطلب . وهي واردة عندنا لعدم معرفتنا بتفاصيل الحادث وبالمستند الشرعي
الذي استند عليه عبد المطلب في نذره وطريقة وفائه به .
ولكن معرفتنا بشخصية عبد المطلب وإيمانه العميق ، تكفي للقول بأنه لم يكن
يقدم على نذره ثم على التحلل منه بالقرعة إلا بحجة بينة من ربه تعالى .
ويكفينا لإثبات هذه الصفة في شخصيته ، حادثتا زمزم والفيل حيث ظهر للناس
على نحو اليقين أنه كان يتلقى أوامره من ربه عز وجل !
فما المانع أن تكون قصة نذر ولده من هذه الإلهامات ، خاصة أن الولد الذي
رست عليه القرعة هو والد النبي ( صلى الله عليه وآله ) الذي أعطاه الله تعالى ما أعطى جده إسماعيل
من شرف الرضا بأن يذبحه أبوه قربانا لله تعالى ، ثم فداه الله بطريقة ألهمها لأبيه
ليعطيه شرف أبوة سيد المرسلين ( صلى الله عليه وآله ) .
هذا ، وقد روى الدكتور شوقي ضيف في تاريخ الأدب العربي ص 41 ط دار
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 441 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المعارف المصرية ، أن المنذر بن ماء السماء ملك المناذرة المعاصر لعبد المطلب ،
والذي كان أعظم ملك وثني في العرب ، قد أسر ابن الحارث بن شمر ملك الغساسنة
النصراني في حربه معه ، فذبحه قربانا للعزى ! !
فلعل نذر عبد المطلب أن يذبح واحدا من أولاده لرب البيت سبحانه ، كان
تعزيزا لدين إبراهيم ، وردا على عمل المنذر ، وإبطالا لتأثير عمله في تعزيز مكانة
صنم العزى !
وأخيرا ، فإن نذر عبد المطلب رضوان الله عليه لم يكن ارتجالا بل امتد وقته
طويلا ، فقد ذكرت الروايات أنه كان في أيام رؤيته الصادقة في حفر زمزم ، وكان له
ولد واحد ، فنذر إن رزقه الله عشرة أولاد وكبروا أن يذبح واحدا منهم قربانا لله تعالى
. . وقد يكون نذره تحقق بعد عشرين سنة أو ثلاثين !
رابعا : إن خصوم عبد المطلب أحرص الناس على أن يجدوا له مذمة أو منقصة ،
وقد رأيت في رواية الحاكم المتقدمة أن معاوية ذكر نذر عبد المطلب ، وأنه كان نذرا
لله تعالى مرتبطا بأمر الله له بحفر زمزم ( قال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله
إن سهل الله أمرها أن ينحر بعض ولده فأخرجهم فأسهم بينهم فخرج السهم لعبد الله ،
فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا : أرض ربك وافد ابنك ) .
فقد كان الأمر بحفر زمزم أمرا من الله تعالى وقد انكشفت صحته . . وهذا يقرب أن
يكون النذر لله تعالى بأمره سبحانه ، ويشير إليه أن عبد المطلب أخذ أولاده العشرة
إلى داخل الكعبة وأقرع بينهم فخرجت القرعة على عبد الله ورضي عبد الله بها
واستعد للذبح مختارا ، وقرر عبد المطلب تنفيذ ذلك كما قرر جده إبراهيم . . ولكن
أسرته ومحبيه من قريش وأخوال عبد الله طلبوا منه أن يرضي ربه بفدائه ، فتريث
عبد المطلب يومه حتى أمره الله بطريقته التي كان يتلقى بها أن يقرع بين عبد الله
وبين فدائه من الإبل ، ويزيد في عدد الفداء حتى تخرج القرعة عليه فيفديه به .
إنه لو كان في عمل عبد المطلب منقصة لشنعوا بها عليه ، ولكنها كرامة زادت من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 442 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مكانته في حياته ، وذكرت له باحترام وإجلال حتى من أعدائه بعد وفاته .
بل زادت من تفكير الناس الوثنيين بإله إبراهيم وعبد المطلب ، وهيأتهم للدعوة إلى
عبادته بدل أصنامهم .
خامسا : لقد وقع الغفاري في اشتباهين كبيرين : أولهما أنه جعل سند رواية
الذبيح المجازي لرواية نذر عبد المطلب وضعفها بسببه ! فإن ابن داهر وأبا قتادة
ووكيع لم يردوا في سند رواية النذر عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، بل وردوا في رواية أن
الذبيح المجازي إسحاق ! وقد التبس الأمر عليه لأن الصدوق ذكر مضمونها قبل
سندها ، فيكون الأستاذ الغفاري قد ضعف دليله متصورا أنه ضعف رواية نذر عبد
المطلب ! وليس في رواية النذر ممن ضعفهم الغفاري إلا القطان الذي قال فيه (
ويروي عنه المؤلف في كتبه بدون أن يردفه بالترضية ) فإن كان هذا مستنده في
التضعيف فقد قال في طرائف المقال ص 155 عن القطان هذا ( كثيرا ما يروي عنه
الصدوق مترضيا ) !
ولو سلمنا ضعفه ، فإن روايته المعتضدة بالشهرة التي سنذكر طرفا منها والمخالفة
لليهود والخط القرشي المعادي لعبد المطلب ، والمؤيدة بتصحيح عدد من العلماء
منهم الصدوق . . لهي جديرة بالقبول .
والاشتباه الثاني الذي وقع فيه الأستاذ الغفاري أنه حسب أن رواية
الإمام الصادق ( عليه السلام ) تتعلق بإطلاق الأب على العم وترتبط بموضوع الذبيحين ، مع
أنها لا علاقة لها بالعم والأب ، وإنما استشهد الصدوق على ذلك بالآية وبقول
النبي ( صلى الله عليه وآله ) : العم أب . ويتضح الأمر من ملاحظة النص بتمامه وهو في الخصال
للصدوق كما يلي :
- قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أنا ابن الذبيحين حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال : أخبرنا أحمد
بن محمد بن سعيد الكوفي قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه
قال : سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا ( عليهما السلام ) عن معنى قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أنا ابن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 443 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الذبيحين قال : يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل ( عليهما السلام ) وعبد الله بن عبد المطلب .
أما إسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشر الله به إبراهيم : فلما بلغ معه السعي قال يا
بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ( ولم
يقل له يا أبت افعل ما رأيت ) ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما عزم على ذبحه
فداه الله بذبح عظيم بكبش أملح يأكل في سواد ويشرب في سواد وينظر في سواد
ويمشي في سواد ويبول ويبعر في سواد وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة أربعين
عاما وما خرج من رحم أنثى وإنما قال الله عز وجل له كن فكان ليفدي به إسماعيل
فكل ما يذبح بمنى فهو فدية لإسماعيل إلى يوم القيامة فهذا أحد الذبيحين .
وأما الآخر فإن عبد المطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة ودعا الله عز وجل أن
يرزقه عشرة بنين ونذر لله عز وجل أن يذبح واحدا منهم متى أجاب الله دعوته فلما
بلغوا عشرة أولاد قال : قد وفى الله لي فلأفين لله عز وجل فأدخل ولده الكعبة وأسهم
بينهم فخرج سهم عبد الله أبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكان أحب ولده إليه ثم أجالها ثانية
فخرج سهم عبد الله ثم أجالها ثالثة فخرج سهم عبد الله فأخذه وحبسه وعزم على
ذبحه فاجتمعت قريش ومنعته من ذلك واجتمع نساء عبد المطلب يبكين ويصحن
فقالت له ابنته عاتكة : يا أبتاه أعذر فيما بينك وبين الله عز وجل في قتل ابنك : قال :
فكيف أعذر يا بنية فإنك مباركة قالت : إعمد إلى تلك السوائم التي لك في الحرم
فاضرب بالقداح على ابنك وعلى الإبل وأعط ربك حتى يرضى . فبعث
عبد المطلب إلى إبله فأحضرها وعزل منها عشرا وضرب السهام فخرج سهم عبد الله
فما زال يزيد عشرا عشرا حتى بلغت مائة فضرب فخرج السهم على الإبل فكبرت
قريش تكبيرة ارتجت لها جبال تهامة فقال عبد المطلب لا حتى أضرب بالقداح
ثلاث مرات فضرب ثلاثا كل ذلك يخرج السهم على الإبل فلما كان في الثالث
اجتذبه الزبير وأبو طالب وإخوانه من تحت رجليه فحملوه وقد انسلخت جلدة خده
الذي كان على الأرض وأقبلوا يرفعونه ويقبلونه ويمسحون عنه التراب وأمر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 444 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عبد المطلب أن تنحر الإبل بالحسرة ولا يمنع أحد منها وكانت مائة .
وكانت لعبد المطلب خمس سنن أجراها الله عز وجل في الإسلام : حرم نساء
الآباء على الأبناء وسن الدية في القتل مائة من الإبل وكان يطوف بالبيت سبعة
أشواط ووجد كنزا فأخرج منه الخمس وسمى زمزم لما حفرها سقاية الحاج ولولا أن
عبد المطلب كان حجة وأن عزمه على ذبح ابنه عبد الله شبيه بعزم إبراهيم على ذبح
ابنه إسماعيل لما افتخر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالانتساب إليهما لأجل أنهما الذبيحان في
قوله ( عليه السلام ) : أنا ابن الذبيحين .
والعلة التي من أجلها رفع الله عز وجل الذبح عن إسماعيل هي العلة التي من
أجلها رفع الذبح عن عبد الله وهي كون النبي ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة ( عليهم السلام ) في صلبهما فببركة
النبي والأئمة ( صلى الله عليه وآله ) رفع الله الذبح عنهما فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم ولولا
ذلك لوجب على الناس كل أضحى التقرب إلى الله تعالى ذكره بقتل أولادهم وكل ما
يتقرب الناس به إلى الله عز وجل من أضحية فهو فداء لإسماعيل إلى يوم القيامة .
قال مصنف هذا الكتاب أدام الله عزه : قد اختلف الروايات في الذبيح فمنها ما
ورد بأنه إسماعيل ومنها ما ورد بأنه إسحاق ولا سبيل إلى رد الأخبار متى صح طرقها
وكان الذبيح إسماعيل لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي أمر
أبوه بذبحه فكان يصبر لأمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في
الثواب فعلم الله عز وجل ذلك من قلبه فسماه الله عز وجل بين ملائكته ذبيحا لتمنيه
لذلك . وحدثنا بذلك محمد بن علي البشاري القزويني ( رضي الله عنه ) قال : حدثنا المظفر بن
أحمد القزويني قال : حدثنا محمد بن جعفر الكوفي الأسدي عن محمد بن
إسماعيل البرمكي عن عبد الله بن داهر عن أبي قتادة الحراني عن وكيع بن الجراح
عن سليمان بن مهران عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) .
وقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أنا ابن الذبيحين يريد بذلك العم لأن العم قد سماه الله عز وجل
أبا في قوله أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 445 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قالوا نعبد إلهك وآله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق . وكان إسماعيل عم يعقوب
فسماه الله في هذا الموضع أبا وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : العم والد .
فعلى هذا الأصل أيضا يطرد قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أنا ابن الذبيحين أحدهما ذبيح
بالحقيقة والآخر ذبيح بالمجاز واستحقاق الثواب على النية والتمني فالنبي ( صلى الله عليه وآله ) هو
ابن الذبيحين من وجهين على ما ذكرناه . انتهى .
وأورده في البحار ج 12 ص 22 عن العيون والخصال .
وفي هذا النص أمور متعددة تكفي للرد على رأي الأستاذ الغفاري حفظه الله في
إنكار قصة نذر عبد المطلب . . ومن هذه الأمور أن الصدوق حكم بصحة الرواية من
عنوانها الذي وضعه لها .
ومنها قوة حجج الإمام الرضا ( عليه السلام ) فيها وسنذكر بعضها .
ومنها أن الصدوق قبل تفسير الذبيحين بعبد الله وإسماعيل من وجه ،
وبإسماعيل وإسحاق من وجه آخر ، كما صرح في آخر كلامه .
والواقع أن نقطة الضعف الوحيدة فيها هي اعتماد الصدوق ( رحمه الله ) على رواية الذبيح
بالمجاز العامية . . والتي ضعفها الغفاري ، والحمد لله !
سادسا : ولو أن المحقق الغفاري تأمل في قول الإمام الرضا ( عليه السلام ) في رواية الصدوق
( ولولا أن عبد المطلب كان حجة وأن عزمه على ذبح ابنه عبد الله شبيه بعزم إبراهيم
على ذبح ابنه إسماعيل ، لما افتخر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالانتساب إليهما لأجل أنهما الذبيحان
في قوله ( عليه السلام ) : أنا ابن الذبيحين .
والعلة التي من أجلها رفع الله عز وجل الذبح عن إسماعيل هي العلة التي من
أجلها رفع الذبح عن عبد الله ، وهي كون النبي ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة ( عليهم السلام ) في صلبهما . . فببركة
النبي والأئمة ( صلى الله عليه وآله ) رفع الله الذبح عنهما ، فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم )
لعرف أن إشكاله على نذر عبد المطلب يرد بعينه على إبراهيم ( صلى الله عليه وآله ) لأنهما عملان من
نوع واحد ، غاية الأمر أن إبراهيم أمر بالذبح في المنام وأمر بالفداء بالوحي . وما دام
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 446 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عبد المطلب لا نعرف كيف أمر بنذر الذبح والفداء ، ولكن نعرف أنه حجة وعمله
صحيح ، ولا بد أنه كان عنده حجة شرعية على نذره وفدائه .
وحينئذ فما يجاب به عن عمل إبراهيم ، يجاب به عن عمل عبد المطلب بلا فرق ،
فلا معنى لاستظهار أن ذبح الولد كان من عادات المشركين ، ولا معنى للقول بأنه لو
كان عبد المطلب نذر ذلك فلماذا لم يقدم عليه . . . الخ .
سابعا : إن ما ذكره حفظه الله من ملاحظات روائية ليس شاملا ولا مقنعا ، والظاهر
أنه لم يطلع على مصادر رواية ( أنا ابن الذبيحين ) وطرقها ، واشتهارها عند الشيعة
من العصر الأول ، بل عند السنة أيضا حتى أن فقهاءهم أخذوا بها ، وإن لم يأخذ بها
أهل صحاحهم ، وممن صححها من الأحناف أبو بكر الكاشاني في بدائع الصنائع ج 5
ص 85 قال : ( ودليل ما قلنا الحديث وضرب من المعقول . أما الحديث فقول النبي
عليه الصلاة والسلام : أنا ابن الذبيحين أراد أول آبائه من العرب وهو سيدنا إسماعيل
عليه الصلاة والسلام وآخر آبائه حقيقة وهو عبد الله بن عبد المطلب سماهما عليه
الصلاة والسلام ذبيحين ومعلوم أنهما ما كانا ذبيحين حقيقة فكانا ذبيحين تقديرا
بطريق الخلافة لقيام الخلاف مقام الأصل . انتهى .
- وقال ابن كثير في السيرة النبوية ج 1 ص 184 :
( وهو ابن عبد الله وكان أصغر ولد أبيه عبد المطلب وهو الذبيح الثاني المفدي
بمائة من الإبل كما تقدم ) . انتهى .
وفي اطمئناني أن المتتبع يجد لهذا الحديث طرقا أخرى سواء في مصادرنا أو في
مصادر السنيين ، ويجد المزيد ممن صححه من علماء الفريقين .

المسألة الثانية : أول من يكسى كسوة الجنة

ذكرت بعض الروايات أن الناس يخرجون من قبورهم عريا يوم القيامة ثم يكسون
على حسب عملهم . ولكن الظاهر أن المقصود بحديث أول من يكسى هنا ليس
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 447 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الكسوة من العري ، بل كسوة الجنة كما ورد في النص .
وقد ادعى اليهود أن إبراهيم أول من يكسى كسوة الجنة يوم القيامة . . ولا أظن أن
هذه المسألة كانت مطروحة في ثقافتهم ، ولكن لما رأوا المسلمين يروون عن
نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) أنه رئيس المحشر ، والشفيع الأول ، وخطيب الأنبياء ، وأول من يكسى
يوم القيامة . . ادعى اليهود أن أول من يكسى إبراهيم ، وروى ذلك أحبارهم الذين
أسلموا ( ؟ ) عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! ! وأخذها عنهم من أخذها من الرواة فدخلت في
مصادر المسلمين وثقافتهم ، وساعد عليها أن إبراهيم هو جد النبي صلى الله عليهما
وآلهما ، وأن من المعقول أن يكون إكرام الله تعالى للجد قبل إكرام الابن .
وقد اختار البخاري أن أول من يكسى إبراهيم وليس محمدا صلى الله عليهما وآلهما ! قال
في صحيحه ج 4 ص 110 :
ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنكم تحشرون
حفاة عراة غرلا ثم قرأ : كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين . وأول من
يكسى يوم القيامة إبراهيم وإن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول
أصحابي أصحابي فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ! فأقول كما
قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم إلى قوله الحكيم . انتهى .
ورواه أيضا في ج 4 ص 142 وروته بقية الصحاح وغيرها بألفاظ متقاربة مثل الترمذي
في ج 4 ص 38 والنسائي ج 4 ص 117 والدارمي ج 2 ص 325 وفيه ( فيكون أول من
يكسى إبراهيم يقول الله تعالى : إكسوا خليلي فيؤتى بريطتين بيضاوين من رياط
الجنة ثم أكسى على أثره ) .
وروى نحوه في أحمد ج 1 ص 398 ورواه أيضا موجزا في ج 1 ص 223 و ص 229
ورواه السيوطي في الدر المنثور ج 1 ص 116 عن أبي نعيم في الحلية وابن أبي شيبة
وأحمد . ورواه في ج 2 ص 231 عن البيهقي في الأسماء والصفات ، وفي ج 4 ص 197 عن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 448 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أحمد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن ابن مسعود .
- ورواه في ج 3 ص 284 :
وفيه من تجسيمات اليهود لله تعالى ( قال ذاك يوم ينزل الله فيه على كرسيه يئط
فيه كما يئط الرحل الجديد من تضايقه وهو كسعة ما بين السماء والأرض ويجاء بكم
حفاة عراة غرلا فيكون أول من يكسى إبراهيم يقول الله إكسوا خليلي ) .
وقد حاول القسطلاني في إرشاد الساري ج 5 ص 343 أن يخفف من وقع الحديث
على المسلمين فقال ( ولا يلزم من تخصيص إبراهيم بأولية الكسوة هنا أفضليته على
نبينا ( ص ) لأن حلة نبينا ( ص ) أعلى وأكمل وكم لنبينا ( ص ) من فضائل مختصه به
لم يسبق إليها ولم يشارك فيها ولو لم يكن له سوى خصوصية الشفاعة العظمى
لكفى ) . انتهى .
ولعل القسطلاني رأى أن اليهود أخذوا الشفاعة في الموحدين من نبينا ( صلى الله عليه وآله )
وأعطوها لإسحاق ( عليه السلام ) ! وصارت حديثا صحيحا على شرط الشيخين كما تقدم في
مستدرك الحاكم !
ومن المؤكد أنه رأى الأحاديث التي تنفي أن تكون الشفاعة خصوصية لنبينا ( صلى الله عليه وآله ) ،
ورأى الروايات التي تفضل أنبياء بني إسرائيل حتى يونس ويحيى على نبينا ( صلى الله عليه وآله ) ،
لأن البخاري رواها وشرحها القسطلاني وفسرها !
والذي يدخل في بحثنا هنا أن نعرف لماذا وافقت الحكومة القرشية اليهود من
في تقديمهم إبراهيم على نبينا ( صلى الله عليه وآله ) في الكسوة وفي الشفاعة ، وتبناها رواتهم ؟ !
يتوقف الجواب على التأمل في النص الذي روته صحاحهم ، فقد تضمن
موضوعين : أولهما أن أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم . والثاني أن بعض الصحابة
يؤمر بهم إلى النار ، لأنهم انحرفوا وكفروا بمجرد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) . ولم يبين الحديث
العلاقة بين الموضوعين ! وبما أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أفصح من نطق بالضاد وقد أوتي جوامع
الكلم ، وكلامه دائما مترابط . . فلا بد أن تكون في الحديث حلقة مفقودة . . عن عدم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 449 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كسوة بعض الصحابة مثلا فما هي !
هذه الحلقة تجدها في مصادر السنيين مجزأة ، ولكنك تجدها في أحاديث أهل
البيت ( عليهم السلام ) مجتمعة ، لأنها تذكر نص النبي ( صلى الله عليه وآله ) على أن عليا يوم القيامة هو أول ينشق
عنه قبره بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو أول من يصافحه ، وهو أول من يكسى بعده ، وهو حامل
لوائه لواء الحمد ، وهو وزيره في المحشر ، وهو الساقي على حوض النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
- قال القاضي النعماني في شرح الأخبار ج 2 ص 475 :
في حديث وصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) : يا علي أنا أكرم ولد آدم ولا فخر ، وليس
بيني وبين ربي حجاب إلا النور ، وأول من يكسى كسوة الجنة ولا فخر ، وأول من
يؤذن له في الكلام ولا فخر ، وأول من يؤذن له في السجود ولا فخر ، وأول من يؤذن
له في الشفاعة ولا فخر ، وأول من يسعى نوره أمامه ولا فخر .
- وقال الصدوق في من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 374 :
يا علي : إن الله تبارك وتعالى أعطاني فيك سبع خصال : أنت أول من ينشق عنه
القبر معي ، وأنت أول من يقف على الصراط معي ، وأنت أول من يكسى إذا كسيت ،
ويحيى إذا حييت ، وأنت أول من يسكن معي في عليين ، وأنت أول من يشرب معي
من الرحيق المختوم الذي ختامه مسك . انتهى . ورواه في الخصال ص 342 .
- وروى محمد بن عباس في تأويل الآيات ج 2 ص 657 :
يا علي أول من تنشق عنه الأرض محمد ثم أنت ، وأول من يحيى محمد ثم أنت ،
وأول من يكسى محمد ثم أنت . فانكب علي ( عليه السلام ) ساجدا وعيناه تذرفان بالدموع .
انتهى .
- وقال ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 26 : قال الحميري :
يدعو النبي فيكسوه ويكرمه * رب العباد إذا ما أحضر الأمما
ثم الوصي فيكسى مثل حلته * خضراء يرغم منها أنف من رغما
وله أيضا :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 450 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
علي غدا يدعى ويكسوه ربه * ويدنوه منه في رفيع مكرم
فإن كنت منه حيث يكسوه راغما * وتبدي الرضى كرها من الآن فارغم
وقال أعرابي :
إن رسول الله يعطي لواء * الحمد عليا حين يلقاه
يدعى فيعطى كسوة المصطفى * وعن يمين العرش مثواه . انتهى .
فحديث الكسوة يوم القيامة فيه إذن سهم لعلي ( عليه السلام ) ، فلا عجب إذا قفزت عنه
قبائل قريش .
لكن السهم الأكبر لعلي والأخطر على قريش أنه هو الساقي على حوض
النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو الذي يذود الذين قال عنهم البخاري ( وإن أناسا من أصحابي يؤخذ
بهم ذات الشمال ) وقال عنهم في ج 8 ص 86 ( قال أنا على حوضي انتظر من يرد علي
فيؤخذ بناس من دوني فأقول أمتي فيقول لا تدري مشوا على القهقري ) . انتهى .
وقال عنهم مسلم في ج 7 ص 68 - 70 ( قال رسول الله ( ص ) أنا فرطكم على الحوض
ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم ، فأقول يا رب أصحابي أصحابي ! فيقال إنك لا
تدري ما أحدثوا بعدك ! ! . . . قال لأذودن عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة من
الإبل ) ونحوه في ج 1 ص 150 .
وقد صرحت أحاديث أخرى بأن الذائد عن حوض النبي ( صلى الله عليه وآله ) هو علي ( عليه السلام ) ، من
ذلك ما رواه الحاكم وصححه قال في ج 3 ص 138 :
عن علي بن أبي طلحة قال : حججنا فمررنا على الحسن بن علي بالمدينة ومعنا
معاوية بن حديج فقيل للحسن إن هذا معاوية بن حديج الساب لعلي فقال علي به
فأتي به فقال أنت الساب لعلي فقال : ما فعلت فقال والله إن لقيته وما أحسبك تلقاه
يوم القيامة لتجده قائما على حوض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يذود عنه رايات المنافقين بيده
عصا من عوسج ! حدثنيه الصادق المصدوق ( صلى الله عليه وآله ) وقد خاب من افترى . هذا حديث
صحيح الإسناد ولم يخرجاه . انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 451 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وروى الديلمي في فردوس الأخبار ج 5 ص 408 ح 8314 عن أبي سعيد :
يا علي أنت يوم القيامة بيدك عصا من الجنة تذود بها المنافقين ! !
- وروى في مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 12 - 14 عن الفائق للزمخشري :
أن النبي قال لعلي : أنت الذايد عن حوضي يوم القيامة ، تذود عنه الرجال كما
يذاد الأصيد . البعير الصادي أي الذي به الصيد والصيد داء يلوي عنقه .
ونقل في المناقب قول حسان بن ثابت :
له الحوض لا شك يحبى به * فمن شاء أسقي برغم العدى
ومن ناصب القوم لم يسقه * ويدعو إلى الورد للأولياء
وقول الحميري :
أؤمل في حبه شربة * من الحوض تجمع أمنا وريا
إذا ما وردنا غدا حوضه * فأدنى السعيد وذاد الشقيا
متى يدن مولاه منه يقل * رد الحوض واشرب هنيئا مريا
وإن يدن منه عدو له * يذده علي مكانا قصيا . انتهى .
وعلى هذا فذكر كسوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) أولا وعلي ثانيا ( عليه السلام ) ، وأنه يذود الصحابة
المنحرفين عن الحوض ، حديث ليس في مصلحة القرشيين ، لأن معناه أن موقف
علي هو الصحيح وموقف من يعارضه خطأ . . فالأسلم لهم الأخذ بحديث يكسى
إبراهيم أولا والنبي ثانيا ، لأنه ليس فيه ذكر لعلي !
وهكذا التقت مصلحة قريش مع مصلحة اليهود . . وصار حديث كعب الأحبار
أسلم طريق للتخلص من علي بن أبي طالب حتى لو صححه الحاكم ، ولم يروه
الشيخان !
وهكذا يدون الخلفاء السنة ، كما يكتب الحكام التاريخ ! !
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 452 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 453 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الثاني عشر : شفاعة الملائكة والأنبياء والعلماء والشهداء

من مصادرنا

- قال الحميري في قرب الإسناد ص 64 :
عن مسعدة بن صدقة قال : حدثني جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه : أن رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : ثلاثة يشفعون إلى الله اليوم القيامة فيشفعهم : الأنبياء ، ثم العلماء ، ثم
الشهداء . انتهى .
ورواه في مستدرك الوسائل ج 11 ص 20 وتفسير نور الثقلين ج 5 ص 264
- من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 399 :
إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الناس في صعيد واحد ، ووضعت الموازين
فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء ، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء .
- علل الشرائع للصدوق ج 2 ص 394 :
عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إذا كان يوم القيامة بعث الله عز وجل العالم والعابد ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 454 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فإذا وقفا بين يدي الله عز وجل قيل للعابد : انطلق إلى الجنة ، وقيل للعالم قف تشفع
للناس بحسن تأديبك لهم .
- تفسير الإمام العسكري 7 ص 344 :
وقال علي بن موسى الرضا ( عليهما السلام ) : يقال للعابد يوم القيامة : نعم الرجل كنت ،
همتك ذات نفسك وكفيت الناس مؤنتك ، فادخل الجنة . إلا إن الفقيه من أفاض
على الناس خيره ، وأنقذهم من أعدائهم ، ووفر عليهم نعم جنان الله ، وحصل لهم
رضوان الله تعالى . ويقال للفقيه : يا أيها الكافل لأيتام آل محمد الهادي لضعفاء
محبيه ومواليه ، قف حتى تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلم منك ، فيقف فيدخل
الجنة ومعه فئاما وفئاما حتى قال عشرا ، وهم الذين أخذوا عنه علومه ، وأخذوا
عمن أخذ عنه ، إلى يوم القيامة ، فانظروا كم فرق ما بين المنزلتين !
- وروى المجلسي في البحار حديثا يدل على أن العالم الذي يشفع يوم القيامة
ليس من العلماء السبعة المذمومين . . قال في بحار الأنوار 8 ص 307 : قال أبو عبد
الله ( عليه السلام ) : إن من العلماء من يحب أن يخزن علمه ولا يؤخذ عنه ، فذاك في الدرك
الأسفل من النار .
ومن العلماء من إذا وعظ أنف ، وإذا وعظ عنف ، فذاك في الدرك الثاني من النار .
ومن العلماء من يرى أن يضع العلم عند ذوي الثروة ، ولا يرى له في المساكين ،
فذاك في الدرك الثالث من النار .
ومن العلماء من يذهب في علمه مذهب الجبابرة والسلاطين ، فإن رد عليه شئ
من قوله أو قصر في شئ من أمره غضب ، فذاك في الدرك الرابع من النار .
ومن العلماء من يطلب أحاديث اليهود والنصارى ليغزر به علمه ويكثر به
حديثه ، فذاك في الدرك الخامس من النار .
ومن العلماء من يضع نفسه للفتيا ويقول : سلوني ولعله لا يصيب حرفا واحدا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 455 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والله لا يحب المتكلفين ، فذاك في الدرك السادس من النار .
ومن العلماء من يتخذ علمه مروة وعقلا ، فذلك في الدرك السابع من النار ( نقلا
عن الخصال ج 2 ص 7 ) .
- وفي تفسير التبيان ج 9 ص 65 :
وقوله : ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ، نفي من الله أن يكون للظالمين
شفيع يطاع ، ويحتمل أن يكون المراد بالظالمين الكفار فهؤلاء لا يلحقهم شفاعة
شافع أصلا ، وإن حملنا على عموم كل ظالم من كافر وغيره جاز أن يكون إنما أراد
نفي شفيع يطاع ، وليس في ذلك نفي شفيع يجاب ، ويكون المعنى : إن الذين
يشفعون يوم القيامة من الأنبياء والملائكة والمؤمنين إنما يشفعون على وجه المسألة
إليه والاستكانة إليه ، لا أنه يجب على الله أن يطيعهم فيه .
- تفسير التبيان ج 9 ص 429 :
قوله تعالى : وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن
يأذن الله لمن يشاء ويرضى . . . يقول الله تعالى مخبرا بأن كثيرا من ملائكة السماوات
لا تغني شفاعتهم ، أي لا تنفع شفاعتهم في غيرهم بإسقاط العقاب عنهم شيئا ، إلا
من بعد أن يأذن الله لمن يشاء أن يشفعوا فيه ويطلق لهم ذلك ويرضى ذلك .
وقيل : إن الغرض بذلك الإنكار على عبدة الأوثان وقولهم إنها تشفع لا الملك ، إذا لم
تغن شفاعته شيئا فشفاعة من دونه أبعد من ذلك . وفي ذلك التحذير من الاتكال
على الشفاعة لأنه إذا لم تغن شفاعة الملائكة كانت شفاعة غيرهم أبعد من ذلك .
ولا ينافي ما نذهب إليه من أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة والمؤمنين يشفعون في كثير من
أصحاب المعاصي فيسقط عقابهم لمكان شفاعتهم ، لأن هؤلاء عندنا لا يشفعون إلا
بإذن من الله ورضاه ، ومع ذلك يجوز أن لا يشفعوا فيه ، فالزجر واقع موقعه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 456 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- تفسير التبيان ج 7 ص 209 :
قوله تعالى : يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا
تسمع إلا همسا ، يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا . . .
أخبر الله تعالى أن ذلك اليوم لا تنفع شفاعة أحد في غيره ، إلا شفاعة من أذن الله له
أن يشفع ورضي قوله فيها ، من الأنبياء والأولياء والصديقين والمؤمنين .
- مجمع البحرين ج 4 ص 467 :
وفي الحديث : الساعي بين الصفا والمروة تشفع له الملائكة بالإيجاب ، أي
القبول ، يعني أن الله تعالى يثبت لهم الشفاعة .
- دعائم الإسلام ج 1 ص 343 :
روينا عن رسول الله ( ص ) أنه قال : كل مؤمن من أمتي صديق شهيد ، ويكرم الله
بهذا السيف من شاء من خلقه ، ثم تلا قول الله عز وجل : والذين آمنوا بالله ورسله
أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم .
- دعائم الإسلام ج 1 ص 217 :
وعن علي ( عليه السلام ) أنه قال : المريض في سجن الله ما لم يشك إلى عواده ، تمحى
سيئاته . وأي مؤمن مات مريضا مات شهيدا ، وكل مؤمن شهيد ، وكل مؤمنة حوراء ،
وأي ميتة مات بها المؤمن فهو شهيد ، وتلا قول الله جل ذكره : والذين آمنوا بالله
ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم .

من مصادر السنيين

- تاريخ البخاري ج 9 ص 37 :
عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يحمل الناس على الصراط يوم
القيامة فيتقاذع بهم جنبتا الصراط تقاذع الفراش في النار : ثم يؤذن للملائكة والنبيين
والشهداء والصالحين فيشفعون ، ويخرجون فيشفعون ويرجون فيشفعون فيجابون .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 457 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- سنن النسائي ج 2 ص 229 :
عن عطاء بن يزيد قال كنت جالسا إلى أبي هريرة وأبي سعيد فحدث أحدهما
حديث الشفاعة والآخر منصت ، قال : فتأتي الملائكة فتشفع وتشفع الرسل ، وذكر
الصراط قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأكون أول من يجيز ، فإذا فرغ الله
عز وجل من القضاء بين خلقه ، وأخرج من النار من يريد أن يخرج ، أمر الله الملائكة
والرسل أن تشفع فيعرفون بعلاماتهم أن النار تأكل كل شئ من ابن آدم إلا موضع
السجود ، فيصب عليهم من ماء الجنة ، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل .
- سنن ابن ماجة ج 2 ص 724 ح 4313 :
عن عثمان بن عفان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يشفع يوم القيامة
ثلاثة : الأنبياء ، ثم العلماء ، ثم الشهداء .
- ورواه البيهقي في شعب الإيمان ج 2 ص 265 والديلمي في فردوس الأخبار ج 5 ص 428
وكنز العمال ج 10 ص 151 وتهذيب الكمال ج 22 ص 551 وتهذيب التهذيب ج 8 ص 195
ومجمع الزوائد ج 10 ص 381 راجع أيضا سنن البيهقي ج 9 ص 164 .
- سنن الترمذي ج 4 ص 46 :
عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن من أمتي من يشفع
للفئام من الناس ، ومنهم من يشفع للقبيلة ، ومنهم من يشفع للعصبة ، ومنهم من
يشفع للرجل حتى يدخلوا الجنة . هذا حديث حسن .
- مسند أحمد ج 3 ص 20 :
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قد أعطى كل نبي
عطية فكل قد تعجلها وإني أخرت عطيتي شفاعة لأمتي ، وإن الرجل من أمتي
ليشفع للفئام من الناس فيدخلون الجنة ، إن الرجل ليشفع للقبيلة وإن الرجل ليشفع
للعصبة ، وإن الرجل ليشفع للثلاثة ، وللرجلين ، وللرجل .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 458 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- مجمع الزوائد ج 10 ص 381 :
باب شفاعة الصالحين . وعن أبي برزة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول : إن من أمتي لمن يشفع لأكثر من ربيعة ومضر وإن من أمتي لمن يعظم
للنار حتى يكون ركنا من أركانها . رواه أحمد ورجاله ثقات . . .
وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الرجل ليشفع
للرجلين والثلاثة . رواه البزار ورجاله رجال الصحيح .
وعن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سلك رجلان مفازة أحدهما
عابد والآخر به رهق ، فعطش العابد حتى سقط فجعل صاحبه ينظر إليه وهو صريع
فقال والله لئن مات هذا العبد الصالح عطشا ومعي ماء لا أصيب من الله خيرا وإن
سقيته مائي لأموتن فاتكل على الله وعزم ورش عليه من مائه وسقاه من فضله قال
فقام حتى قطع المفازة قال فيوقف الذي به رهق يوم القيامة للحساب فيؤمر به إلى
النار فتسوقه الملائكة فيرى العابد فيقول يا فلان أما تعرفني قال فيقول من أنت قال
أنا فلان الذي آثرتك على نفسي يوم المفازة قال فيقول بلى أعرفك قال فيقول
للملائكة قفوا ويجئ حتى يقف ويدعو ربه فيقول يا رب قد تعرف يده عندي وكيف
آثرني على نفسه يا رب هبه لي قال فيقول : هو لك ويأخذ بيده فيدخله الجنة . رواه
أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير أبي ظلال القسملي قد وثقه ابن حبان وغيره
وضعفه غير واحد .
- فردوس الأخبار للديلمي ج 1 ص 396 ح 1300 :
ابن عباس : إذا اجتمع العالم والعابد على الصراط قيل للعابد : أدخل الجنة وتنعم
بعبادتك ، وقيل للعالم هاهنا فاشفع لمن أحببت فإنك لا تشفع لأحد إلا شفعت ،
فقام مقام الأنبياء . ورواه في كنز العمال ج 10 ص 136 و ص 173 و ص 256 .
- مجمع الزوائد ج 5 ص 293 :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن للشهيد عند الله عز وجل ست خصال :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 459 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أن يغفر له في أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويحلى حلة الإيمان ،
ويزوج من الحور العين ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر ، ويوضع
على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج ثنتين وسبعين
زوجه من الحور العين ، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه . رواه أحمد هكذا قال
مثل ذلك ، والبزار والطبراني إلا أنه قال سبع خصال وهي كذلك ، ورجال أحمد
والطبراني ثقات .
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الشهيد يغفر له في أول
كل دفقة من دمه ، ويزوج حوراوين ويشفع في سبعين من أهل بيته ، والمرابط إذا
مات في رباطه كتب له أجر عمله إلى يوم القيامة ، وأتى عليه ريح برزقه ، ويزوج
سبعين حوراء ، وقيل له قف فاشفع إلى أن يفرغ من الحساب - قلت روى ابن ماجة
بعضه - رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه بكر بن سهل الدمياطي ، قال الذهبي
مقارب الحديث وضعفه النسائي . انتهى . وروى عددا من هذه الروايات في مجمع
الزوائد 2 ص 98 و ص 115 و ج 4 ص 398 و ص 401 و ص 405 و ص 410 .
- الدر المنثور ج 6 ص 24 :
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله : ولا يملك
الذين يدعون من دونه الشفاعة ، قال : عيسى وعزير والملائكة . إلا من شهد بالحق
قال كلمة الإخلاص . وهم يعلمون أن الله حق . . .
- وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله : إلا
من شهد بالحق وهم يعلمون ، قال : الملائكة وعيسى وعزير فإن لهم عند الله شفاعة .
- الدر المنثور ج 4 ص 94 :
وأخرج الحاكم في الكنى عن حماد ( رضي الله عنه ) قال : سألت إبراهيم عن هذه الآية : ربما
يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ، قال : حدثت أن أهل الشرك قالوا لمن دخل النار
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 460 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من أهل الإسلام ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون ، فيغضب الله لهم فيقول للملائكة
والنبيين : اشفعوا لهم فيشفعون لهم فيخرجون حتى أن إبليس ليتطاول رجاء أن
يدخل معهم ، فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .
- تفسير الطبري ج 25 ص 62 :
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم : معنى ذلك ولا يملك عيسى
وعزيز والملائكة الذين يعبدهم هؤلاء المشركين لشفاعة عند الله لأحد إلا من شهد
بالحق فوحد الله وأطاعه . . . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى
ذكره أخبره أنه لا يملك الذين يعبدهم المشركون من الله الشفاعة عنده لأحد ، إلا من
شهد بالحق . . ويعني بذلك أنهم يملكون الشفاعة عنده بإذنه لهم بها ، كما قال جل
ثناؤه : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ، فأثبت جل ثناؤه للملائكة وعيسى وعزيز ملكهم
من الشفاعة ما نفاه عن الآلهة والأوثان ، باستثنائه الذي استثناه .
- تفسير الطبري ج 27 ص 37 :
وقوله : وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا يقول تعالى ذكره : وكم
من ملك في السماوات لا تنفع شفاعتهم ، عند الله لمن شفعوا له شيئا إلا أن يشفعوا له
من بعد أن يأذن الله لهم ، بالشفاعة لمن يشاء منهم أن يشفعوا له ويرضى ، يقول ومن
بعد أن يرضى لملائكته الذين يشفعون له أن يشفعوا له ، فتنفعه حينئذ شفاعتهم . .
- تفسير الرازي ج 4 جزء 7 ص 11 :
هؤلاء المذكورون في هذه الآية ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) يحتمل أن يكونوا
هم الملائكة وسائر من يشفع يوم القيامة من النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين .
- الجواهر الحسان للثعالبي ج 1 ص 351 :
فيقول الله عز وجل : شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ، ولم يبق إلا
أرحم الراحمين ، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعلموا خيرا قط .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 461 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- الأنساب ج 5 ص 623 :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سبعة
لهم شفاعة كشفاعة الأنبياء : المؤذن ، والإمام ، والشهيد وحامل القرآن ، والعالم ،
والمتعلم ، والتائب .
* *

ما يوجب أمل المسلم بشفاعة إخوانه المؤمنين له

- الكافي ج 2 ص 248 :
عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن عبد الله عن خالد العمي عن
خضر بن عمرو عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : المؤمن مؤمنان : مؤمن وفي لله بشروطه التي
شرطها عليه فذلك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
وذلك من يشفع ولا يشفع له وذلك ممن لا تصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الآخرة .
ومؤمن زلت به قدم فذلك كخامة الزرع كيفما كفأته الريح انكفأ وذلك ممن تصيبه
أهوال الدنيا والآخرة ويشفع له وهو على خير . وروى نحوه في الكافي ج 2 ص 188
وفي تفسير نور الثقلين ج 1 ص 514 و ج 4 ص 260 .
- الكافي ج 6 ص 3 :
محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن يحيى عن طلحة
بن زيد عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن أولاد المسلمين موسومون عند الله شافع ومشفع
فإذا بلغوا اثنتي عشرة سنة كانت لهم الحسنات فإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم
السيئات .
- الكافي ج 8 ص 101 :
محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن
علي بن عقبة عن عمر بن أبان عن عبد الحميد الوابشي عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال . . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 462 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وإن المؤمن ليشفع لجاره وما له حسنة فيقول : يا رب جاري كان يكف عني الأذى
فيشفع فيه فيقول الله تبارك وتعالى : أنا ربك وأنا أحق من كافى عنك فيدخله الجنة
وما له من حسنة ! وإن أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنسانا فعند ذلك يقول
أهل النار : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم .
- وسائل الشيعة ج 8 ص 407 :
وعن إبراهيم بن الغفاري عن جعفر بن إبراهيم عن جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال :
أكثروا من الأصدقاء في الدنيا فإنهم ينفعون في الدنيا والآخرة أما في الدنيا
فحوائج يقومون بها وأما في الآخرة فإن أهل جهنم قالوا : فما لنا من شافعين
ولا صديق حميم .
- وعن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن بعض أصحابه قال : قال أبو
عبد الله ( عليه السلام ) : استكثروا من الأخوان فإن لكل مؤمن دعوة مستجابة وقال : استكثروا
من الإخوان فإن لكل مؤمن شفاعة . وقال : أكثروا من مؤاخاة المؤمنين فإن لهم عند
الله يدا يكافئهم بها يوم القيامة .
- مستدرك الوسائل ج 8 ص 323 :
وقال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : عليكم بالإخوان فإنهم عدة في الدنيا والآخرة ألا
تسمعون إلى قوله تعالى : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم .
- بحار الأنوار ج 8 ص 41 :
ثواب الأعمال : أبي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن
أبي ولاد عن ميسر عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن المؤمن منكم يوم القيامة ليمر به الرجل
له المعرفة به في الدنيا وقد أمر به إلى النار والملك ينطلق به قال : فيقول له : يا فلان
أغثني فقد كنت أصنع إليك المعروف في الدنيا وأسعفك في الحاجة تطلبها مني
فهل عندك اليوم مكافاة فيقول المؤمن للملك الموكل به : خل سبيل قال : فيسمع الله
قول المؤمن فيأمر الملك أن يجيز قول المؤمن فيخلي سبيله . ( المصدر ص 167 )
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 463 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من مصادر السنيين
- تاريخ البخاري ج 6 ص 533 :
روى وكيع عن محمد بن قيس قال : أدنى أهل الجنة منزلة الذي يشفع في الرجل
من أهل بيته .
- مسند أبي يعلى ج 2 ص 292 :
حدثنا أبو بكر حدثنا محمد بن بشر حدثنا زكريا بن أبي زائدة حدثني عطية عن
أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أمتي من يشفع للرجل وأهل بيته
فيدخلون الجنة بشفاعته .
- فردوس الأخبار للديلمي ج 1 ص 105 :
أنس بن مالك : أكثروا من المعارف من المؤمنين ، فإن لكل مؤمن شفاعة عند الله
يوم القيامة .
- الدر المنثور ج 6 ص 8 :
وأخرج ابن جرير من طريق قتادة عن أبي إبراهيم اللخمي في قوله : ويزيدهم من
فضله قال يشفعون في إخوان إخوانهم .
- تفسير الطبري ج 25 ص 19 :
قوله تعالى : ويزيدهم من فضله . . . وقيل إن ذلك الفضل الذي ضمن جل ثناؤه
أن يزيدهموه هو أن يشفعهم في إخوان إخوانهم ، إذا هم شفعوا في إخوانهم
فشفعوا فيهم .
- تفسير الطبري ج 29 ص 105 :
فما تنفعهم شفاعة الشافعين ، يقول فما يشفع لهم الذين شفعهم الله في أهل
الذنوب . . وفي هذه الآية دلالة واضحة على أن الله مشفع بعض خلقه في بعض .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 464 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- هامش طبقات المحدثين بأصبهان ج 2 ص 346 :
عن أبي أمامة عن النبي ( ص ) قال : إن ذراري المسلمين يوم القيامة تحت العرش
شافع مشفع .
- الإيمان لابن تيمية ص 115 :
أبو الحسن الأشعري نصر قول جهم في الإيمان مع أنه نصر المشهور من أهل
السنة في أنه يستثني في الإيمان فيقول : أنا مؤمن إن شاء الله لأنه نصر مذهب أهل
السنة في أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة ولا يخلدون في النار وتقبل منهم الشفاعة
ونحو ذلك .
- فتاوي الألباني ص 286 :
سؤال : هل تارك الصلاة كافر ولا ينفعه أي عمل ؟
جواب : نحن قلنا إن إخواننا كانوا يصلون ويصومون إلى آخره ، فيأذن الله عز
وجل بأن يشفع لهم فيشفعون ، ثم يشفعون لوجبة أخرى .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 465 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الفصل الثالث عشر : شفاعة القرآن ، والكعبة ، والحجاج ، والزوار

وأصناف أخرى من الناس . . .
وردت في مصادر الفريقين أحاديث عن شفاعة القرآن ، وصرح بعضها بأن القرآن
يتجسد يوم القيامة على صورة إنسان وملك نوراني ، ويتكلم مع أهل المحشر .
وقد ورد في أحاديث البعث والقيامة والحساب والجنة والنار ، من طرق الجميع
ما يدل على تجسد القرآن ، وتجسد بعض الأعمال ، والأمور والأمكنة والأزمنة . .
وقد كان هذا الأمر صعب التصديق بل صعب التصور في العصور السابقة ، أما في
عصر الذرة والجينات فقد عرف الناس حقائق مدهشة من خلق الله تعالى وقوانينه ،
وصار الإيمان بضبط أعمال الإنسان وتجسدها في هذه الدنيا أمرا معقولا فضلا عن
عالم الآخرة !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 466 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

شفاعة القرآن

- في نهج البلاغة ج 2 ص 91 :
واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش ، والهادي الذي لا يضل ،
والمحدث الذي لا يكذب .
وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان : زيادة في هدى أو نقصان في
عمى .
واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة ، ولا لأحد قبل القرآن من غنى ،
فاستشفوه من أدوائكم ، واستعينوا به على لأوائكم ، فإن فيه شفاء من أكبر الداء ،
وهو الكفر والنفاق والغي والضلال .
فاسألوا الله به ، وتوجهوا إليه بحبه ، ولا تسألوا به خلقه ، إنه ما توجه العباد إلى الله
بمثله .
واعلموا أنه شافع مشفع ، وقائل مصدق ، وإنه من شفع له القرآن يوم القيامة شفع
فيه ، ومن محل به القرآن يوم القيامة صدق عليه ، فإنه ينادي مناد يوم القيامة : ألا إن
كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله ، غير حرثة القرآن ، فكونوا من حرثته
وأتباعه ، واستدلوه على ربكم ، واستنصحوه على أنفسكم ، واتهموا عليه آراءكم ،
واستغشوا فيه أهواءكم . العمل العمل ، ثم النهاية النهاية . انتهى .
- وفي الكافي ج 2 ص 596 - كتاب فضل القرآن :
علي بن محمد ، عن علي بن العباس ، عن الحسين بن عبد الرحمن ، عن سفيان
الحريري ، عن أبيه ، عن سعد الخفاف ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : يا سعد تعلموا
القرآن ، فإن القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر إليها الخلق ، والناس
صفوف عشرون ومائة ألف صف ، ثمانون ألف صف أمة محمد ( صلى الله عليه وآله ) وأربعون ألف
صف من سائر الأمم ، فيأتي على صف المسلمين في صورة رجل فيسلم ، فينظرون
إليه ثم يقولون : لا إله إلا الله الحليم الكريم ، إن هذا الرجل من المسلمين نعرفه بنعته
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 467 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وصفته ، غير أنه كان أشد اجتهادا منا في القرآن ، فمن هناك أعطي من البهاء
والجمال والنور ما لم نعطه ، ثم يجاوز حتى يأتي على صف الشهداء ، فينظرون إليه
ثم يقولون : لا إله إلا الله الرب الرحيم ، إن هذا الرجل من الشهداء نعرفه بسمته
وصفته ، غير أنه من شهداء البحر ، فمن هناك أعطي من البهاء والفضل ما لم نعطه ،
قال : فيتجاوز حتى يأتي على صف شهداء البحر في صورة شهيد ، فينظر إليه شهداء
البحر فيكثر تعجبهم يقولون : إن هذا من شهداء البحر نعرفه بسمته وصفته ، غير أن
الجزيرة التي أصيب فيها كانت أعظم هولا من الجزيرة التي أصبنا فيها ، فمن هناك
أعطي من البهاء والجمال والنور ما لم نعطه ، ثم يجاوز حتى يأتي صف النبيين
والمرسلين في صورة نبي مرسل ، فينظر النبيون والمرسلون إليه ، فيشتد لذلك
تعجبهم ويقولون : لا إله إلا الله الحليم الكريم ، إن هذا النبي مرسل نعرفه بسمته
وصفته ، غير أنه أعطي فضلا كثيرا ، قال : فيجتمعون فيأتون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيسألونه
ويقولون : يا محمد من هذا ؟ فيقول لهم : أو ما تعرفونه ؟ فيقولون ما نعرفه ، هذا ممن
لم يغضب الله عليه ، فيقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : هذا حجة الله على خلقه .
فيسلم ثم يجاوز حتى يأتي على صف الملائكة في صورة ملك مقرب ، فتنظر إليه
الملائكة فيشتد تعجبهم ، ويكبر ذلك عليهم لما رأوا من فضله ، ويقولون : تعالى ربنا
وتقدس إن هذا العبد من الملائكة نعرفه بسمته وصفته ، غير أنه كان أقرب الملائكة
إلى الله عز وجل ، مقاما ، فمن هناك ألبس من النور والجمال ما لم نلبس ، ثم يجاوز
حتى ينتهي إلى رب العزة تبارك وتعالى ، فيخر تحت العرش ، فيناديه تبارك وتعالى :
يا حجتي في الأرض وكلامي الصادق الناطق ، إرفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع ،
فيرفع رأسه ، فيقول الله تبارك وتعالى : كيف رأيت عبادي ؟ فيقول : يا رب منهم من
صانني وحافظ علي ولم يضيع شيئا ، ومنهم من ضيعني واستخف بحقي وكذب بي
وأنا حجتك على جميع خلقك ، فيقول الله تبارك وتعالى : وعزتي وجلالي ، وارتفاع
مكاني لأثيبن عليك اليوم أحسن الثواب ، ولأعاقبن عليك اليوم أليم العقاب . ( ورواه
في وسائل الشيعة ج 4 ص 213 ) .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 468 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله ، عن
آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أيها الناس إنكم في دار هدنة ، وأنتم على ظهر
سفر ، والسير بكم سريع ، وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كل جديد ،
ويقربان كل بعيد ، ويأتيان بكل موعود ، فأعدوا الجهاز لبعد المجاز .
قال : فقام المقداد بن الأسود فقال : يا رسول الله وما دار الهدنة ؟ قال : دار بلاغ
وانقطاع ، فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم ، فعليكم بالقرآن فإنه شافع
مشفع ، وماحل مصدق ، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى
النار ، وهو الدليل يدل على خير سبيل ، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل ، وهو
الفصل ليس بالهزل ، وله ظهر وبطن ، فظاهره حكم وباطنه علم ، ظاهره أنيق وباطنه
عميق ، له نجوم وعلى نجومه نجوم ، لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه ، فيه
مصابيح الهدى ، ومنار الحكمة ، ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة . . فليجل
جال بصره ، وليبلغ الصفة نظره ، ينج من عطب ، ويتخلص من نشب ، فإن التفكر
حياة قلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور ، فعليكم بحسن التخلص
وقلة التربص . انتهى .
ورواه في وسائل الشيعة ج 4 ص 218 وفي تفسير نور الثقلين ج 4 ص 13 .
* *
- وفي صحيح مسلم ج 2 ص 197 :
عن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إقرؤوا
القرآن ، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه . اقرأوا الزهراوين البقرة وسورة آل
عمران ، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان ، أو كأنهما فرقان
من طير ، صواف تحاجان عن أصحابهما . اقرأوا سورة البقرة ، فإن أخذها بركة ،
وتركها حسرة ، ولا يستطيعها البطلة . قال معاوية بلغني أن البطلة السحرة . انتهى .
ورواه أحمد في ج 5 ص 248 - 249 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 469 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي مستدرك الحاكم ج 1 ص 554 :
عن عبد الله بن عمرو ( رضي الله عنه ) أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : الصيام والقرآن يشفعان للعبد ،
يقول الصيام رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ، ويقول القرآن : منعته
النوم بالليل فيشفعان . هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه . انتهى . ورواه
أحمد في مسنده ج 2 ص 174 وقال عنه في مجمع الزوائد ج 10 ص 380 : رواه أحمد
وإسناده حسن على شعف في ابن لهيعة وقد وثق . وقال في عنه الدر المنثور ج 1 ص 182 :
وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب الجوع والطبراني والحاكم وصححه عن عبد الله بن
عمرو . ورواه الديلمي في فردوس الأخبار ج 2 ص 568 ح 3631 وكنز العمال ج 8 ص 444 .
- وفي مستدرك الحاكم ج 1 ص 568 :
عن معقل بن يسار ( رضي الله عنه ) قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اعملوا بالقرآن ، أحلوا حلاله
وحرموا حرامه ، واقتدوا به ولا تكفروا بشئ منه ، وما تشابه عليكم منه فردوه إلى الله
وإلى أولي الأمر من بعدي كيما يخبروكم .
وآمنوا بالتوراة والإنجيل والزبور ، وما أوتي النبيون من ربهم .
وليسعكم القرآن وما فيه من البيان ، فإنه شافع مشفع وماحل مصدق . ألا ولكل آية
نور يوم القيامة ، وإني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول ، وأعطيت طه وطواسين
والحواميم من ألواح موسى ، وأعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش . هذا حديث
صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وروى نحوه في ج 3 ص 578 ورواه في كنز العمال ج 1 ص
190 .
- وفي مسند أحمد ج 5 ص 348 :
عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : إن القرآن يلقى صاحبه يوم
القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب ، فيقول له : هل تعرفني ؟ فيقول ما
أعرفك ! فيقول له : هل تعرفني ؟ فيقول ما أعرفك ! فيقول : أنا صاحبك القرآن الذي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 470 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أظمأتك في الهواجر ، وأسهرت ليلك ، وإن كل تاجر من وراء تجارته ، وإنك اليوم من
وراء كل تجارة ، فيعطى الملك بيمينه ، والخلد بشماله ، ويوضع على رأسه تاج
الوقار ، ويكسي والداه حلتين ، لا يقوم لهما أهل الدنيا ، فيقولان بم كسينا هذه ؟
فيقال بأخذ ولدكما القرآن ! ثم يقال له : إقرأ واصعد في درجة الجنة وغرفها ، فهو في
صعود ما دام يقرأ هذا كان أو ترتيلا . وروى نحوه في الدر المنثور ج 6 ص 277 : عن ابن
أبي شيبة وابن الضريس عن مجاهد .
- وفي الدر المنثور ج 3 ص 56 :
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد ، وابن الضريس ، ومحمد بن نصر ،
والطبراني عن ابن مسعود قال : إن هذا القرآن شافع مشفع وماحل مصدق ، من جعله
أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعل خلفه ساقه إلى النار . انتهى . وروى نحوه في كنز
العمال ج 1 ص 552 ونحوه في ج 1 ص 516 و ص 519 و ج 2 ص 292 عن ابن مسعود وكذا
في فردوس الأخبار ج 3 ص 281 ح 4710 وفي المعجم الكبير للطبراني ج 9 ص 132 .
- وفي كنز العمال ج 14 ص 390 :
عن فردوس الأخبار عن أبي هريرة : الشفعاء خمسة : القرآن ، والرحم ، والأمانة ،
ونبيكم ، وأهل بيته .
- وفي سنن الدارمي ج 2 ص 430 :
عن أبي هريرة يقول : إقرؤوا القرآن ، فإنه نعم الشفيع يوم القيامة ، إنه يقول يوم
القيامة : يا رب حله حلية الكرامة ، فيحلى حلية الكرامة ، يا رب أكسه كسوة الكرامة ،
فيكسى كسوة الكرامة ، يا رب ألبسه تاج الكرامة ، يا رب إرض عنه ، فليس بعد
رضاك شئ .
عن ابن عمر قال : يجئ القرآن يشفع لصاحبه يقول : يا رب لكل عامل عمالة من
عمله ، وإني كنت أمنعه اللذة والنوم فأكرمه ، فيقال : أبسط يمينك فيملأ من رضوان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 471 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الله ، ثم يقال أبسط شمالك فيملأ من رضوان الله ، ويكسى كسوة الكرامة ، ويحلى
حلية الكرامة ، ويلبس تاج الكرامة .
عن أبي صالح قال : القرآن يشفع لصاحبه فيكسى حلة الكرامة ، ثم يقول : رب
زده ، فيكسى تاج الكرامة ، قال فيقول رب زده فآته فآته ، يقول : رضائي .
قال أبو محمد : قال وهيب بن الورد : اجعل قراءتك القرآن علما ولا تجعله عملا .
- وفي سنن الدارمي ج 2 ص 433 :
عن ابن مسعود كان يقول : يجئ القرآن يوم القيامة فيشفع لصاحبه ، فيكون له
قائدا إلى الجنة ، ويشهد عليه ، ويكون سائقا به إلى النار .
- وفي الدر المنثور ج 1 ص 18 :
وأخرج أبو عبيد وأحمد وحميد بن زنجويه في فضائل القرآن ومسلم وابن
الضريس وابن حبان والطبري وأبو ذر الهروي في فضائله والحاكم والبيهقي في سننه
عن أبي أمامة الباهلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إقرؤا
القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه . انتهى .
ورواه الطبراني في المعجم الكبير ج 8 ص 118 .
* *
- وقد بالغ بعضهم في شفاعة القرآن حتى جعلها أعظم من شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! قال
السبكي في طبقات الشافعية ج 6 ص 301 نقلا عن إحياء الدين للغزالي : ما من شفيع
أعظم عند الله منزلة من القرآن !
* *

شفاعة سور القرآن وآياته

روت مصادر الشيعة والسنة أحاديث كثيرة في فضل سور القرآن وآياته ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 472 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وشفاعتها لمن قرأها أو حفظها أو علمها أو تعلمها أو عمل بها ، أو إعطائه حق
الشفاعة بسبب ذلك . . ويطول الكلام لو أردنا استعراض هذه الأحاديث لكثرتها
وضعف سند بعضها أو متنه . . لذا نكتفي بتقديم نماذج منها من مصادر الفريقين :
- ففي وسائل الشيعة ج 4 ص 199 :
عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : لا تدعوا قراءة سورة الرحمن والقيام بها ،
فإنها لا تقر في قلوب المنافقين ، وتأتي بها يوم القيامة في صورة آدمي في أحسن
صورة وأطيب ريح ، حتى تقف من الله موقفا لا يكون أحد أقرب إلى الله منها ، فيقول
لها : من الذي كان يقوم بك في الحياة الدنيا ويدمن قراءتك ؟ فتقول : يا رب فلان
وفلان ، فتبيض وجوههم ، فيقول لهم : إشفعوا فيمن أجبتم ، فيشفعون حتى لا يبقى
لهم غاية ولا أحد يشفعون له ، فيقول لهم : أدخلوا الجنة واسكنوا فيها حيث شئتم .
عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : من قرأ التغابن في فريضة كانت شفيعة له يوم القيامة ،
وشاهد عدل عند من يجيز شهادتها ، ثم لا يفارقها حتى يدخل الجنة .
- وفي تفسير نور الثقلين ج 2 ص 2 :
- في كتاب ثواب الأعمال بإسناده إلى أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : من قرأ سورة الأعراف
في كل شهر ، كان يوم القيامة من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . فلا تدعوا
قراءتها ، فإنها تشهد يوم القيامة لمن قرأها .
وفي مصباح الكفعمي عنه ( صلى الله عليه وآله ) : من قرأها جعل الله بينه وبين إبليس سترا ، وكان
آدم ( عليه السلام ) شفيعا له يوم القيامة . ( ورواه في فردوس الأخبار ج 4 ص 34 ح 8 559 )
- وفي مستدرك الوسائل ج 4 ص 351 :
وعنه ( صلى الله عليه وآله ) قال : ومن قرأ سورة الممتحنة ، كان المؤمنون والمؤمنات له شفعاء يوم
القيامة .
وفي مستدرك الوسائل ج 4 ص 335 :
وقال ( صلى الله عليه وآله ) : من قرأ آية الكرسي مرة ، محي اسمه من ديوان الأشقياء ، ومن قرأها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 473 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثلاث مرات ، استغفرت له الملائكة ، ومن قرأها أربع مرات شفع له الأنبياء ، ومن
قرأها خمس مرات كتب الله اسمه في ديوان الأبرار ، واستغفرت له الحيتان في البحار
ووقي شر الشيطان ، ومن قرأها سبع مرات أغلقت عنه أبواب النيران ، ومن قرأها ثماني
مرات فتحت له أبواب الجنان ، ومن قرأها تسع مرات كفي هم الدنيا والآخرة ، ومن قرأها
عشر مرات نظر الله إليه بالرحمة ، ومن نظر الله إليه بالرحمة فلا يعذبه .
- وفي مستدرك الوسائل ج 4 ص 323 :
عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن لكل شئ قلبا وقلب القرآن يس ، فمن قرأ يس في
نهاره قبل أن يمسي ، كان في نهاره من المحفوظين والمرزوقين حتى يمسي ، ومن
قرأها في ليلة قبل أن ينام وكل به ألف ملك يحفظونه من كل شيطان رجيم ، ومن كل
آفة وإن مات في يومه أدخله الله الجنة . . . ثم يقول له الرب تعالى : إشفع عبدي
اشفعك في جميع ما تشفع ، وسلني عبدي أعطك جميع ما تسأل ، فيسأل ويعطى
ويشفع فيشفع ، ولا يحاسب فيمن يحاسب ، ولا يذل مع من يذل ، ولا يبكت
بخطيئته ولا بشئ من سوء عمله ، ويعطى كتابا منشورا فيقول الناس بأجمعهم :
سبحان الله ما كان لهذا العبد خطيئة واحدة ، ويكون من رفقاء محمد ( صلى الله عليه وآله ) .
- وفي مستدرك الوسائل ج 6 ص 356 :
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يصلي ليلة السبت أربع ركعات ، يقرأ في
كل ركعة الحمد مرة وآية الكرسي ثلاث مرات ، وقل هو الله أحد مرة ، فإذا سلم ، قرأ
في دبر هذه الصلاة آية الكرسي ثلاث مرات ، غفر الله تبارك وتعالى له ولوالديه ،
وكان ممن يشفع له محمد ( صلى الله عليه وآله ) .
* *
- وفي سنن ابن ماجة ج 2 ص 932 ح 2786 :
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن سورة في القرآن ، ثلاثون
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 474 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
آية ، شفعت لصاحبها حتى غفر له : تبارك الذي بيده الملك .
ورواه أبو داود ج 1 ص 316 والترمذي ج 4 ص 238 والحاكم ج 1 ص 565 وأحمد ج 2
ص 299 وكنز العمال ج 1 ص 583 و ص 594 وفردوس الأخبار ج 2 ص 470 ح 3318 .
- وفي سنن الدارمي ج 2 ص 454 :
عن خالد بن معدان قال : إقرؤا المنجية ، وهي أ . ل . م . تنزيل ، فإنه بلغني أن رجلا
كان يقرؤها ما يقرأ شيئا غيرها ، وكان كثير الخطايا ، فنشرت جناحها عليه ، وقالت :
رب اغفر له ، فإنه كان يكثر قراءتي ، فشفعها الرب فيه وقال : اكتبوا له بكل خطيئة
حسنة ، وارفعوا له درجة .
- وفي سنن الدارمي ج 2 ص 459 :
عن سعيد بن المسيب يقول إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : من قرأ قل هو
الله أحد عشر مرات بني له بها قصر في الجنة ، ومن قرأها عشرين مرة بني له بها
قصران في الجنة ، ومن قرأها ثلاثين مرة بني له بها ثلاثة قصور في الجنة . فقال عمر
بن الخطاب : والله يا رسول الله إذن لتكثرن قصورنا ! فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : الله أوسع من ذلك .
- وفي الدر المنثور ج 6 ص 247 :
وأخرج الديلمي عن أنس مرفوعا قال : يبعث رجل يوم القيامة لم يترك شيئا من
المعاصي إلا ركبها ، إلا أنه كان يوحد الله ، ولم يكن يقرأ من القرآن إلا سورة واحدة ،
فيؤمر به إلى النار ، فطار من جوفه شئ كالشهاب ، فقالت : اللهم إني مما أنزلت على
نبيك صلى الله عليه وسلم ، وكان عبدك هذا يقرؤني ، فما زالت تشفع ، حتى أدخلته
الجنة ، وهي المنجية : تبارك الذي بيده الملك .
- وفي فردوس الأخبار ج 4 ص 30 ح 5587 :
أبو الدرداء : من قرأ مائتي آية في كل يوم ، شفع في سبع قبور حول قبره ، وخفف
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 475 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الله عز وجل عن والديه ، وإن كانا مشركين . ورواه في كنز العمال ج 1 ص 537 2408 عن
ابن أبي داود في المصاحف والديلمي .

شفاعة القرآن لمن يتعلمه ويعلمه

- في سنن ابن ماجة ج 1 ص 78 :
عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قرأ القرآن وحفظه
أدخله الله الجنة ، وشفعه في عشرة من أهل بيته ، كلهم قد استوجب النار .
ورواه أحمد في مسنده ج 1 ص 148 وفي ج 1 ص 149 عن علي أيضا ، ورواه الترمذي
في ج 4 ص 245 عن علي ( عليه السلام ) أيضا ورواه البيهقي في شعب الإيمان ج 2 ص 328 و ص 329
و ص 552 وكنز العمال ج 1 ص 521 وروى الخطيب في تاريخ بغداد ج 11 ص 395 نحوه
عن عائشة .
- وفي مسند أحمد ج 3 ص 440 :
عن سهل ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : من قال سبحان
الله العظيم نبت له غرس في الجنة . ومن قرأ القرآن فأكمله وعمل بما فيه ، ألبس
والديه يوم القيامة تاجا هو أحسن من ضوء الشمس في بيوت من بيوت الدنيا لو
كانت فيه ، فما ظنكم بالذي عمل به !
* *
كما روت المصادر ذم من يتعلم القرآن للدنيا ، ففي سنن النسائي ج 6 ص 23 :
عن أبي هريرة فقال له قائل من أهل الشام : أيها الشيخ حدثني حديثا سمعته من رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أول
الناس يقضى لهم يوم القيامة ثلاثة : رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمة فعرفها ، قال : فما
عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت . قال : كذبت ، ولكنك قاتلت ليقال فلان
جرئ فقد قيل ! ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار !
ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن ، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها ، قال فما
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 476 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن . قال : كذبت ، ولكنك
تعلمت العلم ليقال عالم ! وقرأت القرآن ليقال قارئ ، فقد قيل ! ثم أمر به فسحب
على وجهه حتى ألقي في النار .
ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله ، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها
فقال : ما عملت فيها ؟ قال ما تركت من سبيل تحب كما أردت أن ينفق فيها إلا أنفقت
فيها لك . قال كذبت ، ولكن ليقال إنه جواد ، فقد قيل ! ثم أمر به فسحب على وجهه
فألقي في النار ! ورواه الحاكم في المستدرك ج 1 ص 107 وقال : هذا حديث صحيح على
شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة . انتهى .

شفاعة الكعبة لمن زارها

- في الدر المنثور ج 1 ص 137 :
وأخرج ابن مردويه والإصبهاني في الترغيب والديلمي عن جابر قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان يوم القيامة زفت الكعبة البيت الحرام إلى قبري ،
فتقول : السلام عليك يا محمد ، فأقول وعليك السلام يا بيت الله ، ما صنع بك أمتي
بعدي ؟ فتقول : يا محمد من أتاني فأنا أكفيه وأكون له شفيعا ، ومن لم يأتني فأنت
تكفيه وتكون له شفيعا .
وروى في مستدرك الوسائل ج 8 ص 40 رواية أخرى في تجسد الكعبة وشفاعتها
أشبه من رواية السيوطي بالإسرائيليات وإن كان موضوعها الكعبة الشريفة ! قال :
عن وهب بن منبه أنه قال : مكتوب في التوراة : إن الله تعالى يبعث يوم القيامة
سبعمائة ألف ملك ، ومعهم سلاسل من الذهب ليأتوا بالكعبة إلى عرصات القيامة ،
فيأتون بها بسلاسل الذهب إلى موقف القيامة فيقول لها ملك : يا كعبة الله سيري ،
فتقول : لا أذهب حتى تقضي حاجتي ، فيقول ما حاجتك ؟ إلى أن قال ما حاجتك
سلي حتى تعطي ؟ فتقول : إلهي عبادك العصاة ، أتوا إلي من كل فج عميق ، شعثا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 477 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
غبرا وخلفوا أهليهم وأولادهم وبيوتهم ، وودعوا أحباءهم وأصحابهم لزيارتي وأداء
المناسك كما أمرت ، إلهي فاشفع لهم لتؤمنهم من الفزع الأكبر ، فاقبل شفاعتي
واجعلهم في كنفي .
فينادي ملك : إن فيهم أصحاب الكبائر والمصرين على الذنوب ، المستحقين النار !
فتقول الكعبة : أنا أشفع في أهل الكبائر ، فيقول الله تعالى : قبلت شفاعتك وقضيت
حاجتك ، فينادي ملك : ألا من كان من أهل الكعبة فليخرج من بين أهل الجمع ،
فيخرج جميع الحاج من بينهم ، ويحتوشون الكعبة بيض الوجوه آمنون من الجحيم ،
يطوفون حول الكعبة ، وينادون لبيك ، فينادي ملك : يا كعبة الله سيري ، فتسير
الكعبة وتنادي : لبيك اللهم لبيك لبيك ، إن الحمد والملك والنعمة لك لا شريك لك
لبيك ، وأهلها يتبعونها . انتهى .
* *
وقد روت المصادر أحاديث في شفاعة الحجر الأسود أعزه الله تعالى ، كالذي في الدر
المنثور ج 1 ص 136 عن عائشة : قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشهدوا
هذا الحجر خيرا ، فإنه يأتي يوم القيامة شافع مشفع ، له لسان وشفتان يشهد لمن
استلمه . وقد رواه في مجمع الزوائد ج 3 ص 242 وفي كنز العمال ج 12 ص 217 .
وورد في مصادر الطرفين أن الحجر الأسود ملك من ملائكة الجنة ، وأنه شهد
على ميثاق بني آدم ، ثم أنزله الله تعالى مع آدم إلى الأرض ، ولا يتسع المجال لبحث
ذلك .

شفاعة حجاج بيت الله الحرام

- في الكافي ج 4 ص 255 :
محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن عيسى ، عن زكريا المؤمن ،
عن إبراهيم بن صالح ، عن رجل من أصحابنا ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : الحاج
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 478 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والمعتمر وفد الله ، إن سألوه أعطاهم ، وإن دعوه أجابهم ، وإن شفعوا شفعهم ، وإن
سكتوا ابتدأهم ، ويعوضون بالدرهم ألف درهم . ( وفي نسخة ألف ألف درهم )
ورواه في وسائل الشيعة ج 8 ص 68 وروى أحاديث متعددة عن استحقاق الحجاج للجنة .
- وفي من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 217 :
ومن حج أربعين حجة قيل له : إشفع فيمن أحببت ، ويفتح له باب من أبواب
الجنة ، يدخل منه هو ومن يشفع له .
- وفي وسائل الشيعة ج 8 ص 92 :
عن زكريا الموصلي كوكب الدم ، قال : سمعت العبد الصالح ( عليه السلام ) يقول : من حج
أربعين حجة ، قيل له : إشفع فيمن أحببت ، ويفتح له باب من أبواب الجنة ، يدخل
منه هو ومن يشفع له .
- وفي سائل الشيعة ج 9 ص 512 :
وقال علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : الساعي بين الصفا والمروة ، تشفع له الملائكة ،
فيشفع فيه بالإيجاب .
* *
- وفي مجمع الزوائد ج 3 ص 211 :
الحاج يشفع في أربعمائة أهل بيت ، أو قال من أهل بيته ، ويخرج من ذنوبه كيوم
ولدته أمه . ورواه في كنز العمال ج 5 ص 14 وفي الدر المنثور ج 1 ص 210 .
- وفي ذكر أخبار أصبهان ج 1 ص 148 :
عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان عشية يوم
عرفة أشرف الرب عز وجل من عرشه إلى عباده فيقول : يا ملائكتي أنظروا إلى
عبادي شعثا غبرا ، قد أقبلوا يضربون إلى من كل فج عميق ، أشهدكم أني قد شفعت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 479 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
محسنهم في مسيئهم ، وأني قد غفرت لهم جميع ذنوبهم ، إلا التبعات التي بينهم
وبين خلقي . قال : فإذا أتوا المزدلفة وشهدوا جمعا ، ثم أتوا مني فرموا الجمار
وذبحوا وحلقوا ثم زاروا البيت ، قال : يا ملائكتي أشهدكم أني قد شفعت محسنهم
في مسيئهم ، وأني غفرت لهم جميع ذنوبهم ، وأني قد خلفتهم في عيالاتهم ، وأني
قد استجبت لهم جميع ما دعوا به ، وأني قد غفرت لهم التبعات التي بينهم وبين
خلقي ، وعلي رضاء عبادي .
- وفي مجمع الزوائد ج 3 ص 275 :
عن أنس بن مالك قال : كنت قاعدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد
منى ، فأتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف فسلما عليه ودعيا له دعاء حسنا فقالا :
يا رسول الله جئنا لنسألك ، فقال : إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه فعلت ،
وإن شئتما أسكت وتسألاني فعلت ؟ فقالا : أخبرنا يا رسول الله نزدد إيمانا أو يقينا -
الشك من إسماعيل قال لا أدري أيهما قال إيمانا أو يقينا - فقال الأنصاري للثقفي :
سل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال الثقفي : بل أنت فسله فإني أعرف لك
حقك ، فسأله فقال : أخبرني يا رسول الله .
قال : جئت تسألني عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام ، ومالك فيه ، وعن
طوافك بالبيت وما لك فيه ، وعن ركعتيك بعد الطواف ومالك فيهما ، وعن طوافك
بالصفا والمروة وما لك فيه ، وعن وقوفك عشية عرفة وما لك فيه ، وعن رميك
الجمار ومالك فيه ، وعن نحرك ومالك فيه ، وعن حلقك ورأسك ومالك فيه ، وعن
طوافك بالبيت بعد ذلك يعني طواف الإفاضة .
قال : والذي بعثك بالحق عن هذا جئت أسألك .
قال : فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام ، لا تضع ناقتك خفا ولا ترفعه
إلا كتب الله لك به حسنة وحط عنك به خطيئة ورفعك درجة ، وأما ركعتاك بعد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 480 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الطواف كعتق رقبة من بني إسماعيل .
وأما طوافك بين الصفا والمروة بعد ذلك ، كعتق سبعين رقبة .
وأما وقوفك عشية عرفة ، فإن الله تبارك وتعالى يهبط إلى السماء الدنيا يباهي بكم
الملائكة ، يقول هؤلاء عبادي جاؤوا شعثا شفعاء من كل فج عميق ، يرجون رحمتي
ومغفرتي ، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل وكعدد القطر وكزبد البحر لغفرتها !
أفيضوا عبادي مغفورا لكم ولمن شفعتم له . . .
وروى بعضه في كنز العمال ج 5 ص 71 وروى في ص 74 :
ما من مسلم يقف عشية عرفة بالموقف فيستقبل القبلة ثم يقول : لا إله إلا الله
وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شئ قدير ، مائة مرة
ثم يقرأ أم الكتاب مائة مرة ، ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن
محمدا عبده ورسوله مائة مرة ، ثم يسبح الله مائة مرة فيقول : سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم يقرأ قل هو الله أحد مائة مرة ، ثم
يقول : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم
إنك حميد مجيد وعلينا معهم مائة مرة ، إلا قال الله تعالى : يا ملائكتي ما جزاء
عبدي هذا سبحني وهللني وكبرني وعظمني ومجدني ونسبني وعرفني وأثنى علي
وصلى على نبيي . . اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له وشفعته في نفسه ، ولو شاء
أن يشفع في أهل الموقف لشفعته . ( هب وابن النجار والديلمي عن جابر ) قال أبو
بكر بن مهران الحافظ : تفرد به عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن محمد بن سوقة
وقال ( هب ) : هذا متن غريب وليس في إسناده من نسب إلى الوضع . انتهى .
وقد أوردنا عددا من أحاديث عرفة في المجلد الثاني ، في أحاديث النزول
وغيرها ، ونقدنا ما فيها من تجسيد !
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 481 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) الخاصة لزوار قبره

- في الكافي ج 4 ص 548 :
أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبان عن السدوسي عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من أتاني زائرا كنت شفيعه يوم القيامة . ورواه في تهذيب الأحكام ج 6 ص 4 .
- وفي تفسير نور الثقلين ج 1 ص 541 :
علي بن محمد بن بندار عن إبراهيم بن إسحاق عن محمد بن سليمان الديلمي
عن أبي حجر الأسلمي عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من أتى مكة
حاجا ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة ومن أتاني زائرا وجبت له شفاعتي
ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة . ورواه في من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 565
وفي تهذيب الأحكام ج 6 ص 4 وفي وسائل الشيعة ج 10 ص 261 .
- وروى في الوسائل ج 10 ص 263 :
عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : من زارني
حيا أو ميتا كنت له شفيعا يوم القيامة .
- وفي المقنعة للمفيد ص 457 :
روي عن الصادق ( عليه السلام ) ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم قال : قال
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من زارني بعد موتي كان كمن هاجر إلي في حياتي ، فإن لم تستطيعوا
فابعثوا إلي بالسلام ، فإنه يبلغني .
وقال ( عليه السلام ) : من أتاني زائرا ، كنت شفيعه يوم القيامة .
- وفي مستدرك الوسائل ج 10 ص 185 :
القطب الراوندي في لب اللباب : عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : من زار قبري وجبت له
شفاعتي ، ومن زارني ميتا فكأنما زارني حيا .
وعنه ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : من زار قبري حلت له شفاعتي .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 482 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- وفي سنن الدارقطني ج 2 ص 278 ح 194 :
عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من زار قبري وجبت له
شفاعتي .
ورواه الذهبي في تاريخ الإسلام ج 11 ص 212 ورواه بنص آخر : من زارني بعد موتي
وجبت شفاعتي .
- وفي هامش طبقات المحدثين بأصبهان ج 2 ص 167 ونحوه في ج 1 ص 55 :
عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جاءني زائرا لم تنزعه
حاجة إلا زيارتي ، كان حقا على الله أن أكون له شفيعا يوم القيامة . انتهى .
* *
وقد اقتصرنا من أحاديث زيارة قبره ( صلى الله عليه وآله ) على ما ورد فيه ذكر الشفاعة ، وسنورد
بقية أحاديثها في محلها إن شاء الله تعالى ، مع الجواب على شبهة الوهابيين في
تحريمهم زيارة القبور وخيرها وأشرفها قبر سيد المرسلين ( صلى الله عليه وآله ) !
هذا وقد تقدم ذكر عدد من الأصناف الذين يستحقون الشفاعة فتشملهم ، أو
يعطيهم الله تعالى حق الشفاعة بغيرهم ويقبل شفاعتهم ، في الفصل السادس (
حدود الشفاعة ) وهم أنواع عديدة .
وكل هذه الأحاديث تدل على أن شفاعة المؤمنين حقيقة مسلمة عند الجميع ،
فلا عجب أن تكون شفاعة الأئمة الأطهار من عترة النبي أعظم من جميع الشفاعات
بعد شفاعة جدهم ، وأشمل وأكمل ، صلى الله عليه وعليهم ، ورزقنا شفاعتهم .