مفردات الراغب الإصفهاني مع ملاحظات العاملي - الطبعة الثانية

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 1 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بسم الله الرحمن الرحيم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 2 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 3 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مفردات الراغب الإصفهاني
مع ملاحظات العاملي
الطبعة الثانية - منقحة ومزيدة
1439 - 2018
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 4 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مفردات الراغب الإصفهاني مع ملاحظات العاملي
الشيخ علي الكوراني العاملي
جميع الحقوق محفوظة ومسجلة للمؤلف
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 5 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 6 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 7 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

مقدمة

بسـم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا ونبينا محمد
وآله الطيبين الطاهرين ، أفصح من نطق بالضاد ، وتكلم بجوامع الكلم .

ميزات مفردات الراغب

نال كتاب مفردات الراغب الأصفهاني إعجاب المعاهد العلمية ، وصار في القرون الأخيرة مرجعاً للطلبة والعلماء والباحثين ، لما يتصف به من ميزات ، وإن كان فيه نقاط ضعف كثيرة .
فأهم ميزاته : أنه الكتاب اللغوي الوحيد الذي وصل الينا ، مقتصراً على ألفاظ القرآن ، وقد استوعب أكثرها .
ومن ميزاته : أنه يصوغ المادة بتسلسل ، ويحاول استيفاء فروعها ، وقد يفوته بعضها ، أو بعض أوجه استعمالها .
ومن ميزاته : قوة ذهن مؤلفه ، فهو يتعمق ويجيد أحياناً ، كما يتكلف أحياناً ، ويغفل أحياناً .
ومن ميزاته : أنه يهتم بتجذير الكلمات وإرجاعها الى أصل واحد ، وقد يحالفه التوفيق ، وقد يوقعه في أخطاء .
ومن ميزاته : أنه اعتمد على كتب أئمة اللغة الكبار قبله ، فأخذ كثيراً من كتاب العين للخليل الفراهيدي « توفي سنة 160 » والصحاح للجوهري « توفي سنة 381 » ومقاييس اللغة لأحمد بن فارس الرازي « توفي سنة 385 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 8 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد انتقده بعضهم بأنه فاته كثيرٌ من الألفاظ ، لكن هذا إشكال عامٌّ يَرِدُ على المؤلفات في مفردات القرآن ، أو مفردات اللغة العربية . كما انتقدوه بأخطائه في ترتيب المفردات داخل الحرف الواحد ، وهو إشكال عام كسابقه .
وأكبر نقاط ضعف الراغب : أنه عاش في أصفهان ، ولم يسافر إلا الى الري ، ولم يعايش العرب ويدقق في كلامهم ليتكون له حس المعرفة بلغتهم . ولذلك وقع في أخطاء ذريعة !
ونقصد بالحس اللغوي : مَلَكة الخبرة باللغة ، بحيث يُميز صاحبها أن هذه الكلمة تشبه ألفاظ العربية أو لا تشبهها ، وتستعمل عند أهل العربية بهذا المعنى أو لا تستعمل ، وتتضمن هذا البعد من المعنى أو لا تتضمنه ، وترتبط بتلك الكلمة أو لاترتبط . . الخ . وسترى في الكتاب أنواع ذلك .
ومن نقاط ضعفه وقوته معاً : أن اللغة العربية ليست اللغة الأم لمؤلفه ، فهذا نقطة قوة أيضاً ، لأن ابن اللغة قد يَتَلَبَّدُ حِسُّهُ بحكم الأُلفة فلا يلتفت الى بعض خصائص ألفاظها والربط بينها ، بينما يلتفت الى ذلك من لم تكن لغته الأم .
ومن نقاط ضعفه وقوته معاً : اتجاهه دائماً الى رد ألفاظ المادة الى أصل واحد ، وقد يوفق أحياناً ، وقد يَشُذُّ ويتكلف !
ومن نقاط ضعفه : أنه قد لا يذكر الآية في المادة ، أو لايستوفي آياتها ومعانيها في القرآن ، وقد اهتممنا باستيفاء ذلك .
ومن نقاط ضعفه : أنه مغرم بإضافة قيود على معنى الكلمة ، يردُها استعمال الكلمة وكلام اللغويين ! فكلما وجدته وضع قيداً أوشرطاً لمعنى الكلمة ، فاحتملْ أنه أضافه من عنده ، تأثراً ببعض موارد استعمالها ، أو حُبّاً بالتفذلك !
ولم يرتض هذه الملاحظة الدكتورحسن الشافعي رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة ، فكتب لي في رسالة ، تعليقاً على قولي عن الراغب : « كأنه مغرم بإضافة قيود على الكلمة » فقال : « فهو يراعي فيما يؤثره من معنى السياق القرآني في غالب الأمر ، وليس ما جاء عن نقلة اللغة بوجه عام . . فالقيود مستمدة من السياق القرآني لا مما نقله رواة اللغة » .
وهذا تعصب للراغب بدون علم ، لأن استعمال القرآن يرد قيود الراغب ، فقد قال مثلاً : « وآتيناهم : يقال
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 9 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فيمن كان منه قبول » لكن فاته قوله تعالى : الَّذِينَ آتَيْنَـاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإن فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ . فقد آتاهم الكتاب فحرفوه ولم يقبلوه ! فالسياق القرآني يخالف رأي الراغب وما صح من اللغة .
ومن نقاط ضعفه : أنه لايراعي في الألفاظ التي يوردها في المادة أن تكون كثيرة الإستعمال ، أو معروفة للناطقين بالعربية ، فتراه يذكر ألفاظاً نادرة الإستعمال أو مهجورة ! وضررها أن القارئ يتصورأنها الكلمات المشهورة المتداولة من المادة !
ومن نقاط ضعفه : أن أسلوبه في العربية ضعيف ، فيه عُجمة غليظة أحياناً تصل الى حد الإغلاق بحيث يصعب فهمها إلا على من تعلم فهم الأعْوَج .
وهو مدمن الخطأ في المذكَّر والمؤنث ، حتى أنه يُذَكِّر المؤنثات الحقيقية كالفرس ، كما أنه يستعمل أفعالاً بدون حروف تعدية ، فيقول : دلَّ كذا ، ونَبَّهَ كذا ، وتنبيهاً كذا . وقد راجعت نسخاً مخطوطة ، فوجدته يستعمل مادة نَبَّهَ وغيرها بدون حرف تعدية إلا نادراً ، فأضفت اليها [على] بين قوسين .
ومن نقاط ضعفه : أنه فَسَّرَعدداً من الآيات ، وتضمن تفسيره أخطاء لغويةً أو فكريةً . كما تَعَرَّضَ الى مسائل كلامية خارجة عن كتاب لغة ، وفي كلامه نظر أو عليه إشكال ، وقد اقتصرنا على مناقشة الضروري من ذلك .
ولو أردنا مناقشة كافة أخطائه لبلغت ملاحظاتنا أضعاف ما دوناه .

إفراط البعض في تقليد الراغب

بسبب ميزات مفردات الراغب أُعْجِبَ به البعض الى حَدِّ التقليد ، كما ترى في تفسير الميزان ، وقد بلغني عن بعض الفقهاء حفظهم الله أنه يعتمد على رأيه ويُفتي بموجبه ، بدون أن يراجع رأي غيره من اللغويين !
وقد ذكرتُ لأحد كبار الفقهاء أني أكتب نقداً لمفردات الراغب ، فقال متعجباً : لمفردات الراغب ! فقلتُ : نعم ، ولماذا التعجب؟ قال : كان صاحب تفسير الميزان رحمه الله يقول : كما أن القرآن معجزة النبي صلى الله عليه وآله فإن مفردات الراغب معجزة القرآن ! فقلت له : إن إعجابه به ليس حجةً علينا ، لأنه على جلالة قدره رحمه الله ليس متخصصاً في اللغة العربية ! وقد فاته أن الراغب عايش العربية في الكتب والنصوص ، وليس مع أهلها ليتكوَّنَ له حِسٌّ لغويٌّ سليم !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 10 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولصاحب الميزان رأيٌ آخر لا يمكننا الأخذ به أيضاً ، فهو يرى أن اللغة التركية أصل اللغات ، لأن جَرْسَها يتناسب مع معاني الكلمات ، ويظهر أن صاحب كل لغة ألفها وعايشها ، قد يرى ذلك فيها .
وقد قال بعضهم إن أهم إشكال على تفسير الميزان ضعف خبرة مؤلفه بالعربية وتقليده للراغب في أكثر من خمس مئة مورد نص عليها . والإشكال الثاني مشربه الفلسفي الذي أوقعه في أخطاء كبيرة أيضاً ، تحتاج الى كتاب خاص .
وينبغي الشهادة هنا أني وجدت في حوزة قم المشرفة نقاطاً إيجابية كبيرة من حقنا أن تفتخر بها على حوزات العالم ، كما وجدت نقاط ضعف صغيرة كإعجابهم بأشخاص وإعطائهم مكانة علمية لا يستحقونها ، كالراغب الأصفهاني ، والفخر الرازي ، والغزالي ، وابن عربي ، والحلاج . وقد كتبت في المجلد الثالث من كتاب ألف سؤال وإشكال ، عن الفخر الرازي واعترافه بأنه يستعمل المهارة الذهنية للتلبيس والتزوير « تاريخ الذهبي : 43/219 » واستخرجت من تفسيره نحو ثلاثين تلبيسة ، وكتبت عن اعتراف الغزالي بأن الغاية عنده تبرر الوسيلة ، ولو كانت خيانة وقتلاً ! وأنه ألَّف كتابه سِرُّالعالمَيَنْ لابن تومرت يعلمه ذلك ! فهو مؤسس الميكافيلة قبل ميكافيلي الإيطالي . « راجع المجلد الثالث من ألف سؤال وإشكال » .

أكثر كلامهم في الوضع وتجذير اللغة ظنون واحتمالات !

ونشير هنا الى مسألة الإشتقاق ، لأنا سنتعامل فيها مع الراغب كثيراً : فاعلم أن اللغات عوائل كأبناء آدم ، وهذا من آيات الله فينا ، وقد جعل سبحانه اختلاف ألسنتنا آيةً كبرى تلي خلق السماوات والأرض ، وتتقدم على آية ألوان البشر ! فقال تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ « الروم : 22 » .
كما جعل في عوائل بني آدم وأفرادهم ، وفي عوائل اللغة ومفرداتها ، مشتركاتٍ إذا مشيت معها فقد تصل الى ما وصل اليه صديقنا البروفوسور رشيد بن عيسى الجزائري ، في نظريته « الإشتقاق الأكبر » التي تقول إن كل لغات العالم متفرعة من اللغة السريانية القديمة ، أم اللغة العربية ، وأن العربية أكبرخزان لأصول كلمات لغات العالم . وما زال يعمل منذ عشرين سنة في جمع الأدلة من عشر لغات لإثبات نظريته ، وقد توصل الى نتائج مهمة ، ونرجو أن ينشركتابه .
ومن جهة أخرى ، جعل الله في مفردات اللغات ميزاتٍ ، إذا مشيتَ معها تأكدتَ أنه لايوجد ترادفٌ في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 11 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
اللغة ، لأن كل لفظ تتناول المعنى من زاويةٍ غير الآخر . فلفظ منزل مثلاً ، يلحظ النزول من سفرأو الإستقرار بعد بحث ، ولفظة بيت تلحظ المبيت ليلاً ، ولفظة مسكن تلحظ السكون والهدوء من الحركة .
ولمـَّا واجه اللغويون مسألة الإشتقاق رأوا أن النحويين سَمَّوْا لفظاً من العائلة مصدراً ، فقالوا إنه أصل فروع الكلمة . لكنهم اصطدموا بواقع الألفاظ الذي يخالفه ، فتركوا هذه المقولة ، ووسعوا الإشتقاق الى الأسماء ، بل الى الحروف ، فصار المصدر مصدراً بالمعنى النحوي وليس اللغوي .
قال الزركشي في البحر المحيط « 1/459 » : « لايدخل الإشتقاق في سبعة أشياء وهي : الأسماء العجمية كإسماعيل ، والأصوات ، كغاق ، والحروف وما أشبهها من المتوغلة في البناء ، نحو مَن ومَا ، والأسماء النادرة ، نحو طوبى له ، إسمٌ للنعمة . واللغات المتداخلة ، نحو الهُون للأسود والأبيض ، والأسماء الخماسية ، كسفرجل . ويدخل فيما عدا ذلك . وأثبت ابن جني الإشتقاق في الحروف » .
وعندما فتحوا باب الإشتقاق حتى من الحروف كما هو الحال في اللغة الألمانية ، اتسع أمامهم باب الإفتراض وهم يبحثون عن مناسبة لاشتقاق الفرع من أصله ، وكثرت اجتهاداتهم ، وأكثرها ظنونٌ وبعضها احتمال لا يصل الى الظن .
وسترى اختلافاً كثيراً بين الراغب وابن فارس ، فالراغب يميل الى جعل الألفاظ أصلاً واحداً ، وقد يتكلف لذلك . وابن فارس أقل تعصباً ، فعندما يرى أن مفردات المادة لا يمكن إرجاعها الى أصل واحد ، يجعلها أصلين أو أكثر . وسترى أن الحق يوافق ابن فارس غالباً .
أما الخليل فلم يتبنَّ منهج الراغب ولا ابن فارس في إرجاع فروع الكلمة الى جذر واحد ، بل اختار أن يذكرمعاني الكلمة واستعمالاتها ، وقلَّما ذكر مصدر اشتقاقها . فمن وَفْرَة عقله أنه نأى بنفسه عن التخمين والظنون ، لأن الله وحده يعلم خريطة نشوء اللغة وتكونها ، وكيف وضع الإنسان ألفاظها بإلهام ربه عبر مئات السنين ، وأي كلمة وضعها أولاً ، ثم وضع الثانية في ضوئها ، أو وضعها مستقلة ، فجاءت تُشبه الأولى في حروفها . . الخ .
ونعرف قيمة منهج الخليل رحمه الله في التحفظ عن الحكم في تجذير الألفاظ ، عندما نواجه أودية الظنون التي وقع فيها علماء اللغة وعلماء الأصول ! يقول الآخوند الخراساني رحمه الله وهو قمة في مباحث الأصول اللفظية ، في كتابه الكفاية :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 12 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
« الوضع هو نحوُ اختصاصٍ لِلَّفظ بالمعنى وارتباطٍ خاصٍّ بينهما ، ناشئٍ من تخصيصه به تارة ، ومن كثرة استعماله فيه أخرى . وبهذا المعنى صح تقسيمه إلى التعييني والتعيني ، كما لا يخفى .
ثم إن الملحوظ حال الوضع إما يكون معنى عاماً فيوضع اللفظ له تارةً ولأفراده ومصاديقه أخرى ، وإما يكون معنى خاصاً لا يكاد يصح إلا وضع اللفظ له دون العام ، فتكون الأقسام ثلاثة . وذلك لأن العام يصلح لأن يكون آلة للحاظ أفراده ومصاديقه بما هو كذلك فإنه من وجوهها ، ومعرفة وجه الشئ معرفته بوجه ، بخلاف الخاص فإنه بما هو خاص لايكون وجهاً للعام ولا لسائر الأفراد ، فلا يكون معرفته وتصوره معرفة له ولا لها أصلاً ولو بوجه ، نعم ربما يوجب تصوره تصور العام بنفسه فيوضع له اللفظ فيكون الوضع عاماً كما كان الموضوع له عاماً » . انتهى .
لكن عن أي وضعٍ يتحدث هذا المرجع الجليل ، وهل الموضوع شخصٌ مكلفٌ بوضع لغة وكيف سيعمل؟ إن الموضوع : كيف تم الوضع ، من يوم عَلَّمَ الله اللغة لآدم وحواء عليهما السلام ، وأنزل بها صحائف يقرآنها ويورثانها لأبنائهما ، ثم تكامل الوضع مع العصور الى يومنا هذا ؟ !
وإذا عجزنا عن تكوين تصور علمي لولادة اللغة ، فلا يبقى لنا من مسائل وضع ألفاظها إلا أقل القليل ! إن لُبَّ المسألة في : عَلَّمَهُ الْبَيَان . و : اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ . فكيف يصح أن نفترض صيغة ظنية لولادة الكلمة ، ونجعلها محوراً لبحثنا !
إني كلما تأملت في ألفاظ اللغة ، وعلاقتها بمعانيها وببعضها ، كلما أكبرت عقلية المرجع االميرزا حسين النائيني قدس سره فهو الوحيد الذي اكتشف حقيقة وضع ألفاظ اللغات .
قال رحمه الله في أجود التقريرات « 1/12 » : « اختلف العلماء في أن دلالة الألفاظ هل هي ذاتية محضة ، أم جعلية صرفة ، أو بهما معاً؟ والحق هو الثالث ، فإنا نقطع بحسب التواريخ التي بأيدينا أنه ليس هناك شخص أو جماعة وضعوا الألفاظ المتكثرة في لغة واحدة لمعانيها التي تدل عليها ، فضلاً عن سائر اللغات .
كما أنا نرى وجداناً عدم الدلالة الذاتية بحيث يفهم كل شخص من كل لفظ معناه المختص به ، بل الله تبارك وتعالى هو الواضع الحكيم ، جعل لكل معنى لفظاً مخصوصاً ، باعتبار مناسبة بينهما ، مجهولة عندنا . وَجَعْلُهُ تبارك وتعالى هذا واسطةٌ بين جعل الأحكام الشرعية المحتاج إيصالها إلى إرسال رسل وإنزال كتب ، وجعل الأمور التكوينية التي جبل الإنسان على إدراكها كحدوث العطش عند احتياج المعدة إلى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 13 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الماء ، ونحو ذلك . فالوضع جعلٌ متوسطٌ بينهما ، لا تكويني محض حتى لا يحتاج إلى أمر آخر ، ولا تشريعي صرف حتى يحتاج إلى تبليغ نبي أو وصي ، بل يلهم الله تبارك وتعالى عباده على اختلافهم كل طائفة بالتكلم بلفظ مخصوص عند إرادة معنى خاص .
ومما يؤكد المطلب أنا لو فرضنا جماعة أرادوا إحداث ألفاظ جديدة بقدر ألفاظ أي لغة ، لما قدروا عليه ، فما ظنك بشخص واحد . مضافاً إلى كثرة المعاني التي يتعذر تصورها من شخص ، أو أشخاص متعددة . ومنه ظهر أن حقيقة الوضع هو التخصيص والجعل الإلهي ، والتعبير عنه بالتعهد والإلتزام ، مما لا محصل له » .
ورحم الله الخليل ما أوفر عقله ، وغفرالله للغويين والأصوليين الذين بنوا صروحاً في نظريات الوضع على افتراضات أوظنون !

اللغويون عيالٌ على الخليل الفراهيدي

جعل علي عليه السلام جميع علماء النحو عيالاً على أبي الأسود الدؤلي الكناني ، عندما كتب أصول علم النحو في صحيفة وأعطاه إياها ، وعلمه أن يُفَرِّع عليها ، وقال له : أُنْحُ هذا النحو ، فسُمِّيَ علم النحو .
وكان في الصحيفة : « الكلام ثلاثة أشياء : إسمٌ وفعلٌ وحرفٌ جاء لمعنى ، فالإسم ما أنبأ عن المسمى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى ، والحرف ما أوجد معنى في غيره » . وكان أبو الأسود يُفَرِّعُ عليها ويراجع أمير المؤمنين عليه السلام فيوجهه ، حتى استكمل وضع علم النحو . قال الزجاج : أخذه عنه عتبة ، ثم ابن أبي إسحق ، ثم عيسى ، ثم الخليل ، ثم سيبويه ، ثم الأخفش ، ثم المازني ، ثم المبرد ، ثم أبو بكر بن السراج ، ثم أبو علي الفارسي ، ثم علي بن عيسى ، ثم الحسن بن حمدان ، ثم أحمد بن يعقوب . « راجع : سبب وضع علم العربية/34 ، وتاريخ الخلفاء /141 ، للسيوطي » .
ثم جاء الإمام محمد الباقر عليه السلام فجعل علماء اللغة عيالاً على الخليل بن أحمد ، فهو نابغة عصره ، ومَن جاء بعده عيالٌ عليه ، فهو أستاذ سيبويه ، وواضع علم العروض ، ومؤلف كتاب العين ، أول كتب اللغة وأهمها .
روى في مناقب آل أبي طالب « 1/326 » عن تاريخ البلاذري ، أن علم العروض خرج من دار علي عليه السلام قال : « ومنهم العروضيون ومن داره خرجت العروض . رويَ أن الخليل بن أحمد أخذ رسم العروض عن رجل من أصحاب محمد الباقر ، أو علي بن الحسين عليهم السلام ، فوضع لذلك أصولاً » . ورواه في شرح إحقاق
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 14 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الحق « 12/169 » عن الحافظ أبي حاتم أحمد بن حمدان الرازي ، في كتابه : الزينة في الكلمات الإسلامية العربية/80 ، طبعة القاهرة . قال : « كان الخليل بن أحمد أول من استخرج العروض ، فاستنبط منها ومن علل النحو ما لم يستخرجه أحد ولم يسبق إلى مثله سابق . وسمعت بعض أهل العلم يذكر أن الخليل بن أحمد أخذ رسم العروض عن رجل من أصحاب محمد بن علي ، أو من أصحاب علي بن الحسين ، فوضع له أصولاً ، وقسَّم الشعر ضروباً وسمَّاه بها ، وجعل لتلك الأقسام دوائر وأسطراً ، وبناه على الساكن والمتحرك من أحرف الكلمة والخفيف والثقيل . فكل كلمة فيها حرف متحرك وحرف ساكن سماه سبباً . . إلخ » .
وقال في صبح الأعشى « 1/478 » : « أول من عمل العروض الخليل بن أحمد ، وهو أول من ضبط اللغة مرتبة على حروف المعجم ، صنف كتابه : العين » .
وقال في معجم الأدباء « 3/300 » : « وكان سفيان الثوري يقول : من أحب أن ينظر إلى رجل خُلق من الذهب والمسك ، فلينظر إلى الخليل بن أحمد ! ويروى عن النضر بن شُمَّيْل أنه قال : ما رأيت رجلاً أعلم بالسنة بعد ابن عون من الخليل بن أحمد . أكلتُ الدنيا بعلم الخليل وكتبه ، وهو في خُصٍّ لا يشعر به » .
وتدل شهادة سفيان الثوري على أن الخليل ملك إعجابه بدرجة عالية . ويدل قول تلميذه ابن شُمَّيل على أنه كان يأخذ كتب الخليل ويبيعها إلى الخليفة والوزراء ، والخليل يعيش في كوخ في البصرة ، ولايعرف ما يفعل ابن شميل !
لكن الخليل كان يعرف ، وكان يريد نشركتبه بواسطة الخليفة والمسؤولين ، ولو قبض ثمنها ابن شميل ، وكان يريد أن يبقى بعيداً عن تناول أموالهم ، يتنعم بعيش الفقراء ، ويملأ الدنيا بعلمه !
وفي أعيان الشيعة « 6/337 » : « إن الخليل كان من أزهد الناس وأرفعهم نفساً ، وكان الملوك يقصدونه ويبذلون له فلا يقبل » . وكان الخليل يداري في تشيعه ، ويروي عن أيوب السختياني ، وسفيان الثوري تلميذي الإمام الصادق عليه السلام ، فقد كانا يعيشان معه في البصرة . وقد روى عنه علماء السنة ، عن سفيان ، عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، حديث فلسفة الحج ، وسبب جعل الموقف وراء الحرم . « تهذيب الكمال : 5/93 » .
وفي الذريعة « 15/364 » : « ذكر في العين عدد أبنية كلام العرب المهمل والمستعمل على مراتبها الأربع ، من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي ، من غير تكرار ، في اثني عشر ألف ألف وثلاث مأة وخمسة آلاف وأربع مأة وستة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 15 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فالثنائي سبع مأة وستة وخمسون . والثلاثي تسعة عشر ألف وست مأة وخمسون . والرباعي أربع مأة ألف وأحد وتسعون ألف وأربع مأة . والخماسي أحد عشرألف ألف وسبع مأة وثلاثة وتسعون ألف وست مأة » .
و قال العلامة الحلي في الخلاصة/140 : « كان أفضل الناس في الأدب ، وقوله حجة فيه . واخترع علم العروض . وفضله أشهر من أن يذكر . وكان إماميَّ المذهب » .
أقول : استفاد الراغب من كتاب العين ، ومن كتب الخليل الأخرى ، ونسب اليه أقواله في نحو ثلاثين مورداً فقط ، فلا يردُ عليه كبير إشكال . لكن أخذ كثيراً من ابن فارس ، ثم من الجوهري ، ولم ينسب اليهما ، وهذا يوجب اتهامه بنقص أمانته العلمية .

نَمَّى الله اللغة العربية ليخاطب بها الناس

من آيات الله تعالى التي يخشع لها الباحث المنصف : أنه جعل العرب لقرونٍ طويلة يعشقون لغتهم عشقاً عجيباً ، فنَضَّجُوها وطوَّروها ، حتى صارت صالحة لأن يُنزل بها كتابه عز وجل ، ويكلم بها عباده .
إن اللغة تتكون تلبيةً لحاجة مجتمعها فيضعون اللفظ عند حاجتهم الى التعبير عن معنى ، فهناك تناسب بين ألفاظ اللغة وحاجة ذلك المجتمع ، إلا في اللغة العربية فهي استثناءٌ ، لأن العرب لم يكن له حاجات بحجم هذه الثروة من الألفاظ ، فهم مجتمع صحراوي أو زراعي أو تجاري ، لكن لغتهم شجرةٌ عملاقةٌ بين لغات العالم !
وهذا يعني أن الإرادة الغيبية تدخلت وأعدت اللغة العربية لينزل بها القرآن ! وقد دهش المستشرقون لشدة اهتمام العرب بلغتهم ، فقال فيليب حِتِّي « مجلة البيان : 204/9 » : « والعرب لم يبدعوا أن ينشئوا فناً عظيماً خاصاً بهم ، من الفنون المعروفة ، ولكنهم عبروا عن الغريزة الفنية بصورة واحدة هي الكلام . فإن فاخَرَ الإغريقي بما عنده من تماثيل الفن ومنشآت هندسة البناء ، فالعربي يرى قصيدته أفضل ما يعبر عن خلجاته الداخلية » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 16 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

تأصيل النبي صلى الله عليه وآله قومية اللغة بدل قومية النسب !

بعد انتصاره على قريش ودخوله مكة أعلن النبي صلى الله عليه وآله أن العروبة باللغة العربية وليس بالنسب !
قال الإمام محمد الباقر عليه السلام « الكافي : 8/246 » : « صعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر يوم فتح مكة فقال : أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها ، ألا إنكم من آدم وآدم من طين ، ألا إن خير عباد الله عبدٌ اتقاه ، إن العربية ليست بأبٍ والد ، ولكنها لسانٌ ناطقٌ ، فمن قصر به عمله لم يبلغه حسبه . ألا إن كان دم كان في الجاهلية أو إحنة ، فهي تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة » .
وفي رواية تفسير القمي « 2/94 » : « إن العربية ليست بأب وجد ، وإنما هي لسان ناطق ، فمن تكلم به فهو عربي » .
ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وآله كل مسلم عربياً ، وحصر المولى بالمحارب الذي أخذ أسيراً .
قال الإمام الباقر عليه السلام : « من ولد في الاسلام فهو عربي ، ومن دخل فيه طوعاً أفضل ممن دخل فيه كرهاً ، والمولى هو الذي يؤخذ أسيراً من أرضه ويسلم ، فذلك المولى » . « معاني الأخبار للصدوق/44 » .
وقد تبنى أهل البيت عليهم السلام هذا المبدأ النبوي ، لكن الحكومات القرشية غيبته إلا في النادر كالذي رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق « 21 /407 » عن الزهري ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « يا أيها الناس إن الرب واحد والأب واحد ، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم ، وإنما هي اللسان ، فمن تكلم بالعربية فهو عربي » .
وهذا التشريع لا يلغي أحكام الأنساب والأرحام ، بل يلغي التعصب القومي الذي عانت منه المجتمعات ، ويضع العصبة للغة العربية بدل العصبة للقومية ، فهو مبدأٌ يحل مشكلة التعصبات و يكرم اللغة العربية وثقافتها تكريماً عظيماً !
قال الإمام الصادق عليه السلام « الخصال/258 » : « تعلموا العربية ، فإنها كلام الله الذي يكلم به خلقه » .
وقوله عليه السلام : « يُكلم به خلقه » يدل على استمرار تكليمه تعالى للخلق بالقرآن . وهذا خارج موضوعنا .

أمثلة من أخطاء الراغب

سترى في الكتاب المئات من أخطائه ، وهذا فهرس لعدد منها :
1 . قال في مادة أتى : « الإتيان : مجئٌ بسهولة » ولم يقله لغوي ، ولا عليه شاهد من كلام العرب . فالسهولة أو العنف قد تُفهم من نفس الآتي ، أو الآتي به ، أو المأتي به ، أو الظرف ، كما فهم في قوله تعـالى : مَا تَذَرُ مِنْ شَيْئٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيم ، من الريح ، وليس من نفس الإتيان .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 17 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 . قال إن تعبير : آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ، يدل على أنهم قبلوه وآمنوا به . لكن الصحيح أنه استعمل فيمن لم يقبلوه ولم يؤمنوا به وحرفوه ، في قوله تعالى : الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ أَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ .
3 . فسر الماء الأُجَاج بأنه شديد الحرارة ، من قولهم أجيج النار ، مع أنه المالح المر !
4 . جعل أرَبَّ الرجلُ مالَه ، من الإرْبَة ، بمعنى صار له به حاجة ، بينما هو من : ربَّه وأربَّه ، أي رَبَّاه ونَمَّاه .
5 . خلط بين الإدام وآدم ، وفسر يؤدم في حديث : لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ، بأنه من الأدمة ، مع أن معناه : يوفق بينكما كما وُفِّق بين الخبز والإدام ، فهو من الإدام ليس من الأدمة .
هذا وكنا أوردنا أكثر من 200 مورد من أخطائه لكن رجحنا في هذه الطبعة حذفها حتى لايتضخم الكتاب .

الراغب الأصفهاني وابن فارس

ابن فارس أكثر من أخذ الراغب من كتبه ، لكن لا يُعلم أنه أدركه . قال الحموي في معجم الأدباء « 4/80 » عن ابن فارس : « كان الصاحب بن عباد يكرمه ويتتلمذ له ويقول : شيخنا أبو الحسين ممن رزق حسن التصنيف وأُمِنَ فيه في التصحيف . وله من التصانيف : كتاب المجمل ، وكتاب متخير الألفاظ ، كتاب فقه اللغة ، كتاب غريب إعراب القرآن . . كتاب مقاييس اللغة ، وهو كتاب جليل لم يصنف مثله » .
وروى عنه الصدوق « كمال الدين : 2/453 » وذكر أنه استبصر في آخر عمره . وترجم له الطوسي . « الفهرست/83 » .
وكان أهم مرجعين في اللغة الى عصر ابن فارس : العين للخليل ، والجمهرة لابن دريد ، ثم رجع العلماء الى مجمل اللغة لابن فارس بعد ظهوره ، ودرَّسوه لتلاميذهم ، واستجازوا روايته من مؤلفه ، كما ترى في إجازة العلامة لآل زهرة .
ولم يكن لمفردات الراغب ذكرٌ طول هذه القرون ، حتى جاء الفيروزآبادي صاحب القاموس فشهره في القرن الحادي عشر . لاحظ : مجموع النووي : 9/98 ، وأنساب السمعاني : 2/406 ، والسرائر لابن إدريس : 3/92 .
قال الداودي في مقدمة المفردات : « اعتمد الراغب على مؤلفات العلماء قبله ، فبحث فيها وناقش أصحابها ، وارتضى أقوالاًورد أخرى ، وأهم هذه المصادر : كتاب المجمل في اللغة لابن فارس . ويبدو أن الراغب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 18 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قد اعتمد عليه كثيراً ، مع أنه لم يذكره باسمه ، ويتضح ذلك من نفس ترتيب الكتاب ، والتشابه الكبير في العبارة ، وربما ينقل عنه حرفياً ، والموافقة في الأبيات الشعرية . . أنظر مثلاً مادة : أبَّ ، أسَّ ، جَنَفَ ، خَصَفَ ، رَكَزَ ، سَجَلَ ، صَفَدَ ، تجد تقارباً تاماً في العبارات ، إلا أن الراغب اختصر ، وقلل الأبيات الشعرية » .
ثم ذكر الداودي عشرين مصدراً أخذ منها الراغب ، وفاتَهُ أن الراغب ألقى بكَلِّهِ على كتابي ابن فارس : المجمل والمقاييس ، وكتاب العين للخليل ، والصحاح للجوهري ، فأخذ منها فقرات وعبارات تامة ، ولم يذكر مصدرها ، فصار من المؤلفين الذين لا ينسبون جهد غيرهم الى صاحبه !

الهوية الشخصية للراغب الأصفهاني

هو الحسين بن محمد بن المفضل ، المعروف بالراغب الأصفهاني . ولد في أصفهان وتوفي فيها . ولم أجد نصاً معتمداً يدل على أنه خرج من إيران حتى الى الحج ، فقد غلب عليه حب العزلة والتصوف .
وهو لغوي موسوعي ، اشتهر بمؤلفه مفردات ألفاظ القرآن ، ثم بكتابه المحاضرات ، في بضعة عشرمجلداً .
وَعَدَّهُ بعض علمائنا شيعياً ، كالسيد الأمين ، قال في أعيان الشيعة « 6/160 » : « الشيخ الإمام الراغب أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل بن محمد الأصفهاني ، العالم الفاضل الأديب المفسراللغوي المتكلم الحكيم الصوفي ، المعروف بالراغب الأصفهاني ، كان من مشاهير حكماء الإسلام . .
اختلف في كونه شيعياً فالعامة صرحوا بكونه معتزلياً ، وبعض الخاصة صرح بذلك ، ولكن الشيخ حسن بن علي الطبرسي قد صرح في آخر كتاب أسرار الإمامة بأنه كان من حكماء الشيعة . ثم استشهد السيد الأمين على تشيعه بكثرة روايته في كتبه عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وتعبيره عن علي دون غيره بأمير المؤمنين ، وروايته عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله قال : إن خليلي ووزيري وخليفتي ، وخير من أترك من بعدي ، يقضي ديني وينجز موعدي ، علي بن أبي طالب » . ثم استشهد برواية الراغب لعدد من نصوص الوصية لعلي عليه السلام ، وأن غيره لايستحق الخلافة . « راجع : اليقين لابن طاووس/523 ، ومحاضرات الراغب : 2/213 » .
لكن السيوطي قال في بغية الوعاة « 2/297 » : « الراغب صاحب المصنفات ، كان في أوائل المائة الخامسة . له : مفردات القرآن وأفانين البلاغة والمحاضرات . وقفت على الثلاثة . وقد كان في ظني أن الراغب معتزلي حتى رأيت بخط الشيخ بدر الدين الزركشي على ظهر نسخة من القواعد الصغرى لابن عبد السلام ما نصه : ذكر الإمام فخر الدين الرازي في تأسيس التقديس في الأصول أن أبا القاسم الراغب من أئمة السنة ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 19 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقرنه بالغزالي . قال : وهي فائدة حسنة ، فإن كثيراً من الناس يظنون أنه معتزلي » .
ونقل الداودي في مقدمة المفردات عن رسالة الراغب في الإعتقاد/52 ، أنه مدح فيها الشيخين ، ونص على ضلال فرقة الشيعة لأنها حسب تعبيره : « تظهر موالاة أمير المؤمنين ، وبها إضلال المؤمنين ، يتوصلون بمدحه وإظهار محبته إلى ذم الصحابة وأزواج النبي رضي الله عنهم . . الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة ، الذين اقتدوا بالصحابة » .
فتبين أن الراغب سنيٌّ منفتحٌ على التشيع ، والظاهر أنه صوفيٌّ يعيش حالات تسنن وحالات تشيع ، وأنه كان يراعي أهل عصره حيث عاش في أواخر الدولة البويهية ، وأدرك الوزير الشيعي الأديب واللغوي المشهور الصاحب بن عَبَّاد لكنه كان صغيراً فلم يدرس عنده ودرس عند تلاميذه ، ومنهم علماء كبارٌ .
قال الحموي في معجم الأدباء « 6/171 » : « والصاحب : مع شهرته بالعلوم وأخذه من كل فن منها بالنصيب الوافر والحظ الزائد الظاهر ، وما أوتيه من الفصاحة ، ووفق لحسن السياسة والرجاحة ، مستغنٍ عن الوصف ، مكتفٍ عن الإخبار عنه والرصف . . فذكره الثعالبي قال : واحتفَّ به من نجوم الأرض ، وأفراد العصر ، وأبناء الفضل ، وفرسان الشعر ، من يَرْبَى عددهم على شعراء الرشيد ، ولايقصرون عنهم في الأخذ برقاب القوافي ، وملك رِقَّ المعاني » .
ثم اتصل الراغب بالوزير الشيعي الضبي ، الذي قال عنه في الوافي « 6/129 » : « الوزير أحمد بن إبراهيم الوزير الضبي أبو العباس ، الملقب بالكافي الأوحد ، الوزير بعد الصاحب بن عباد لفخر الدولة بن أبي الحسن علي بن ركن الدولة بُويَه ، توفي في صفر سنة تسع وتسعين وثلاث مائة . ذكره الثعالبي قال : هو جذوة من نار الصاحب أبي القاسم ، ونهر من بحره ، وخليفته النائب منابه في حياته ، القائم مقامه بعد وفاته » .
وقال الذهبي في تاريخه « 20/295 » : « إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن المدبر ، الوزير أبو إسحاق الضَّبِّي ، الكاتب الأديب الشاعر . كان أحد من جمع بين الرياسة والأدب والبلاغة . كان جليلاً عالماً ، ليس في الكُتَّاب من يدانيه » .
وقد ألف الراغب للوزير الضبي كتاباً ، سماه كما في مقدمة المفردات للداودي/9 : تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين . وقد طبع مرات منها طبعة دار الغرب الإسلامي بمصر ، بتحقيق الدكتور عبد المجيد النجار .
وقال الداودي : « ذكر في كتاب مراتب العلوم ما نصه : لكن طال تعجبي في ذلك من الشيخ الفاضل حرسه الله ، لأمور رأيتها منه طريفة : أحدها إنكاره عليَّ التفوه بلفظ القوة ، اعتلالاً بأن هذه اللفظة يستعملها ذووا الفلسفة ، وأن أقول بدله : القدرة ، كأنه لم يعلم ما بينهما من الفرق في تعارف عوام الناس
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 20 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فضلاً عن خواصهم . ثم ما كان من إبهاماته وتعريضاته بل تصريحاته ، تنفق منه على أشياعه وأتباعه بالوضع مني والغض مني ، وازدياده بعد المقال مقالاً لما رأى مني في مجاوبته جملاً ثقالاً ، ولم أكن أرى بأساً وضيراً في احتمال شيخ كريم عليَّ بما لا يعود بمعاب في الحقيقة عليَّ !
وكلامه هذا يوحي بأنه اختلف مع الوزير ، وأن أتباع الوزير آذوه ، ولم يسكت له ، فلعل هذا أدى إلى سجنه » .
أقول : رأيت كتابه تفصيل النشأتين ، وهو مختصر في الأخلاق والعقائد ، على نمط كتب الفلاسفة . وهو يستشهد فيه كثيراً بكلام منسوب الى أمير المؤمنين عليه السلام لأنه ألفه لرئيس وزراء شيعي . ومعناه أنه كان مؤلِّفاً في حياة الضبي ، ثم اختلف معه ، وقد توفي الضبي سنة 399 . وهذا يضعِّف قولهم إن الراغب مات سنة 502 ، فالمرجح أنه مات سنة أربع مئة وكسراً . ولم نعرف سبب سجن الوزير له ، وما ذكره من اعتراض الوزير عليه لتعابيره الفلسفية ليس سبباً كافياً لسجنه ، فلعل السبب سلوكه مع الوزير وجماعته ، أو سلوكه الشخصي .

أستاذ الراغب أبو منصور الجبَّان

يظهرأن أستاذ الراغب الأساسي : أبو منصور الجبان ، محمد بن علي بن عمر . فقد ذكروا في ترجمته أنه إمام مشهور في الحديث واللغة ، وأنه كان حياً سنة 416 .
قال الداودي في مقدمة المفردات : « والظاهرأن المؤلف كان مغموراً يحبُّ الخمول كما يتضح لنا من شعره . لكن الذي يغلب على ظني ويترجح عندي أنه قرأ العربية على أبي منصور الجبان ، وإسمه محمد بن علي بن عمر ، قال عنه ياقوت : أحد حسنات الري وعلمائها الأعيان ، جيد المعرفة باللغة ، باقِعَةُ الوقت ، وفَرد الدَّهر ، وبحر العلم . . صنف كتاب الشامل في اللغة ، كثَّر فيه الألفاظ اللغوية ، قليل الشواهد ، فهو في غاية الإفادة من حيث الكثرة . وله أيضاً كتاب كبير سماه لسان العرب ، استوفى فيه اللغة غاية إمكانه ، لكنه مات قبل إخراجه من المسودة » .
وقال القفطي في إنباه الرواة « 4/176 » : « وهو إمام في اللغة مبرز في زمانه . وقد كان الصاحب كافي الكفاة يُعزه ويُجِلَّه ، ويعلم مقداره ويقرب داره . وحضر أبو منصور الجبان في مجلس علاء الدولة بن فخر الدولة ابن بويه ، وفي المجلس أبو علي بن سينا الرئيس ، وهو يومئذ وزير لعلاء الدولة ، وجرى فصل من اللغة ، تكلم فيه الرئيس ابن سينا ، فقال له أبو منصور : أنت منطيقي ما نعارضك ، وكلامك في لغة العرب ما نرضاه ! فسكت أبو علي خجلاً ، وبعد انفصاله من المجلس نظر في اللغة وتبحر فيها ، وعمل رسائل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 21 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أودعها نوعاً متوفراً من اللغة . وسأل علاء الدولة ابن الجبان عما تضمنه من الغريب ، فعلِمَ بعضه وأنكر بعضاً ، فقال أبو علي : الكلمة الفلانية معناها كذا ، وهي مذكورة في الكتاب الفلاني . . وشرح جميعها ، وأحال على الأصول ، فخجل أبو منصور بن الجبان وفطن لما فعله ابن سينا ، واعتذر إليه اعتذاراً طويلاً » .
وقال في الوافي « 4/128 » : محمد بن علي بن عمر بن الجبان أبو منصور اللغوي ، من أهل الري ، سكن بأصبهان وكان إماماً في اللغة ، وله مصنفات حسنة في الأدب . قدم بغداد سنة إحدى وتسعين وثلاث مائة ، وروى بها كتاب انتهاز الفرص في تبيين المقلوب من كلام العرب ، من تصنيفه ، قرأه عليه عبد الواحد بن علي بن برهان الأسدي ورواه عنه ، وقرئ عليه مسند الروياني ، وتكلموا فيه من قبل مذهبه ، كذا قاله ابن النجار . قلت : لعله كان معتزلياً . وكان ينخرط في سلك ندماء الصاحب بن عباد ، ثم استوحش من خدمته ، وتمادت به أحوال شتى حتى علق غلاماً من الديلم يقال له البركاني ، واتفق للغلام أنه أحرم بالحج ولم يجد هو بداً من موافقته ومرافقته ، حتى بلغا الميقات ، فلما أخذ في التلبية قال : لبيك اللهم لبيك ، والبركاني ساقني إليك ! وكان يواصل إنشاد هذين البيتين :
يا مليحُ الدَّلِّ والغَنَجِ لكَ سُلْطَانٌ على المُهَجِ
إن بيتاً أنتَ ساكنُهُ غيرُ محتــاجٍ إلى السُّـرُجِ
وقال في الوافي « 8/5 » : قال الصاحب ابن عباد : فاز بالعلم من أصبهان ثلاثة : حائك ، وحلاج ، وإسكاف ! فالحائك هو المرزوقي ، والحلاج أبو منصور بن ماشذه « يقصد ابن الجبان » ، والإسكاف أبو عبد الله الخطيب بالري ، صاحب التصانيف في اللغة ، كان معلم أولاد بني بويه بأصبهان .
ولعل الصاحب أبعد ابن الجبان لافتضاحه !

سبب كتابة هذه الملاحظات النقدية

1 . سألني بعض الأصدقاء : لماذا تُنفق من وقتك على اللغة ، أليست بحوث سيرة المعصومين عليهم السلام أولى بوقتك؟ فذكَّرته بأهمية اللغة في عقائدنا ، وأن مشكلة المسلمين في اختلافاتهم : التعسف في مفردات اللغة !
وأحمد الله تعالى أن النقد اللغوي لا يأخذ مني جهداً كبيراً ، فقد أحببت اللغة العربية من نشأتي في قريتنا وكانت فيها أجواء أدبية ، ثم من دراستي عند أستاذي آية الله الشيخ إبراهيم سليمان رحمه الله وكانت أجواؤه فيها أدب وشعر ، و قد بدأت فيها بنظم الشعر صغيراً ، ثم هاجرت الى النجف ، واشتغلت باللغة العربية دراسةً وتدريساً وبحثاً ، ومشاركات في محافلها ، فأنا أعايش اللغة العربية من صغري وأتأمل فيها .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 22 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 . أذكر أني عندما كنت وكيل المرجعية الدينية في الكويت تعرفت على الدكتور عبد السلام هارون ، اللغوي المصـري المعروف ، وكان يزورنا في مكتبة المسجد ، ونتحدث في الأدب واللغة ، فيبدي إعجابه بخبرتي وآرائي فيها ، بل يسألني عن معنى بعض المفردات وأصولها . قال لي ذات يوم إنه تكلم مع أصدقائه في كلمة بَدْري ، وقال لهم : إن الذي يُطَلِّع أصل هذه الكلمة هو الشيخ علي ، قال : من أين جاءتنا في مصر؟ قلت له : من رواح الفلاحين الى الحقل مبكراً قبل الفجر والبدر موجود . قال : هذا هو .
3 . رأيت العلماء والطلاب في الحوزة العلمية بقم المشرفة يحترمون شخصيات علمية أكثر من حقهم ، وهم : الفخر الرازي ، والغزالي ، والراغب ، وابن عربي ، والحلاج . وبعضهم يبالغ في احترامهم ! فأحببت أن أصحح هذا الغلو ، فكتبت في الرازي والغزالي ، ثم كتبت نقد مفردات الراغب ، وقدرت أن نشره سيُغضب الذين تربوا على تجليله ، لكني رجوت أن يوجد من يعرفون قيمة عملي ، والحمد لله أني سمعت نقداً قليلاً وإعجاباً كثيراً ، وقد أوصل صديق بعض نسخه الى القاهرة فأعجبوا بها ، واتصل بي رئيس مجمع اللغة العربية الشيخ حسن الشافعي ، والدكتور عبد الرزاق شوشة ، وأبديا إعجابهما بالكتاب . قال الدكتور شوشة : شكراً لك يا أستاذ عاملي على هذا الأثر النفيس ، حفظك الله مصوباً للغة العربية . فأجبته : حفظ الله مصر وعلماءها ، وحفظ بهم اللغة العربية .
وكلمني الشيخ حسن الشافعي بالتلفون مادحاً الكتاب ، وهو أخ السياسي الناصري المعروف حسين الشافعي ، وطلب منه صديقنا أن يكتب مقدمة للطبعة الثانية فرحَّبَ ، ولما قرأت مقدمته المطولة فُجعت بها لأنها تدل على جهله باللغة العربية وأبعاد مفرداتها ، ولما عاتبت صديقي على تكليفه بكتابة مقدمة قال لي : نعم ، لك الحق ، وقد غرني منصبه « رئيس المجمع العلم العربي » والآن عرفت صحة ما يقال إنهم أعطوه هذا المنصب ترضيةً لأخيه وليس لكفاءته !
وقد حشر في مقدمته أحاديث عن شخصه وبعض أصدقائه ، فرأيتها لا تصلح للنشر في هذا الكتاب !
وقد بلغني إعجاب عدد من المثقفين المصريين بالكتاب كالدكتور شوشة ، وعدد من علماء النجف ، وأن المرجع السيد علي الحسيني السيستاني أبدى إعجابه به ومدحه ، وقال إن الراغب تنقصه الدقة ، وهذا من تعمقه في الفتوى واللغة .
وقد طلب مني بعض الإخوة توسيع الملاحظات في الطبعة الثانية ، وقد توفقت لتحقيق رغبتهم والحمد لله ، فنقحت الكتاب ، وأضفت فيه أكثر من مئة ملاحظة ، وتحقيقات جديدة عديدة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 23 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

من لا يكون متخصصا في العربيةً لا يكون فقيهاً

ذلك أن العربية لغة الإسلام ، فلا بد للباحث والفقيه من معرفة قواعدها ، وفهم معانيها ، والخبرة بتراكيبها ، ليستطيع القول إن مقصود الله تعالى أو النبي صلى الله عليه وآله هو هذا ، فيبني عليه ويفتي به . فالإجتهاد يتوقف على استظهار المعنى من النص ، ولا يمكن الإستظهار إلا بفهم المقصود من النص فهماً يقينياً لا ظنياً .
وليس هذا انتقاصاً من الباحث والفقيه غير العربي ، لكن المسألة ليست بالبساطة التي يتصورها بعضهم ، فما لم تصبح اللغة الثانية أماً لك كلغتك ، أو خالةً ، فلا تعتبر نفسك متخصصاً فيها ، لأنك قد تعطي رأياً في لفظ وأبعاد معناه ، ثم يُلفتك بعض أبنائها الى أنك شطحتَ بعيداً ، وقد يكون شطحك مضحكاً !
لقد عشتُ في إيران نحو عشرين سنة ، واختلطت بالفرس وتكلمت بالفارسية وترجمت منها ، لكني لم أعش بين أهلها محضاً ، ولذلك لا أعدُّ نفسي صاحب خبيراً ، لأجزم دائماً بمداليل نصوصها .
إن كثيرين من غير العرب عاشوا في بلاد العرب ، فصارت العربية لغتهم الأم أو أمهم الثانية ، وصاروا مرجعاً في العربية للعرب ، كسيبويه والكسائي والزجاج والمبرد والفارسي ، وأكثر اللغويين والنحويين .
أما في عصرنا فقلَّ من علمائهم من عايش العربية بين أهلها ، ومنهم منصفون يرجعون الى الخبير بها فيسألونه عن معنى هذه العبارة ، وهذه الكلمة عند العرب ، يسألونك مثلاً عن اليوم هل هو من طلوع الشمس أو من طلوع الفجر الى غروب الشمس؟ وتترتب عليه أحكام في الصوم ، وعدة الطلاق ، وأحكام السفر ، والعقود الموقتة بالأيام .
ويسألون مثلاً عن قوله تعالى : وَأَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِي . هل المقصود : أقم الصلاة لأجل ذكر الله تعالى ، أو أقم الصلاة التي نِمْتَ عنها أو نسيتها عندما تذكرها . أو أنها تشمل المعنيين؟ وتترتب عليه أحكام كذلك .
لكنَّ المشكلة فيمن يرى أنه أخبرُ بالعربية من أهلها ، فتراه يأخذ بأول معنى يَعِنُّ له ، ويجادلك فيه ، ولايقنع بفهمك لمعنى اللفظ ، ولا باستعمال العرب له ، كأنه هو واضع اللغة ووليها !
لهذا ، كان من الضروري لمن أراد التخصص بالعربية أن يعيش فترة كافية بين أهلها ، وقد رأيتُ أن الراغب لم يستوف هذا الشرط فكثرت أخطاؤه ، فرجوت أن يكون تصحيح مفرداته ، قربةً الى الله تعالى ، وخدمةً لدينه وكتابه .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 24 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

نقاط حول عملنا في الكتاب

1 . نستطيع القول إن هذه النسخة أصح نسخ مفردات الراغب ، لأنا رجعنا الى المخطوطات والى مصادر اللغة التي أخذ منها الراغب . وقد ذكرنا ذلك أحياناً في محله .
2 . بعد العنوان الذي وضعه الراغب للمفردة ، أضفنا أهم عائلتها ، لتضئ على معناها ، فصار عنوان المفردة ثنائياً أو أكثر ، والكلمة الأولى المميزة بلونها للراغب والباقي أضفناه ، واكتفينا بهذا التنبيه عن وضعه بين قوسين .
3 . ذكرنا رقم الآية وسورتها في متن الراغب ، ولم نذكره في الملاحظات ، لئلا يتضخم حجم الكتاب .
4 . أضفنا الى النسخة عدد مفردات الراغب الأصلية في كل باب ، وعدد الملاحظات .
5 . لم يستوف الراغب في موارد عديدة استعمال المفردة في القرآن ، فاستوفينا ما فاته .
6 . أضفنا الآل أحياناً في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله ، والسلام على أئمة العترة النبوية عليهم السلام .
كتبه : العاملي في السادس من شهر ربيع المولد 1437
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 25 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

مفردات ألفاظ القرآن

للشيخ أبي القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب الأصفهاني رحمه الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 26 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 27 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

مقدمة الراغب الأصفهاني

بسـم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلواته على نبيه محمد وآله أجمعين .
قال الشيخ أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب رحمه الله : أسأل الله أن يجعل لنا من أنواره نوراً ، يرينا الخير والشر بصورتيهما ، ويعرفنا الحق والباطل بحقيقتيهما ، حتى نكون ممن يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ، ومن الموصوفين بقوله تعالى : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ، وبقوله : أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ . كنت قد ذكرت في الرسالة المنبهة على فوائد القرآن ، أن الله تعالى كما جعل النبوة بنبينا صلى الله عليه وآله مختتمة ، وجعل شرائعهم بشريعته من وجه منتسخة ، ومن وجه مكملة متممة ، كما قال تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً ، جعل كتابه المنزل عليه متضمناً ثمرة كتبه التي أولاها أوائل الأمم ، كما نبه عليه بقوله تعالى : يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً ، فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ . وجعل من معجزة هذا الكتاب أنه مع قلة الحجم متضمن للمعنى الجم ، بحيث تقصر الألباب البشرية عن إحصائه ، والآلات الدنيوية عن استيفائه ، كما نبه عليه بقوله تعالى : وَلَوْ أنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إن اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، وأشرت في كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة [الى] أن القرآن وإن كان لا يخلو الناظر فيه من نورٍ مّا يريه ، ونفعٍ مّا يوليه ، فإنه :
كالبـدر من حيثُ التفـتَّ رأيتَــهُ يُهـدي إلى عينيـك نوراً ثاقبـــا
كالشمس في كبد السماء وضوئها يَغشى البلادَ مَشارقاً ومغاربــا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 28 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لكن محاسن أنواره لا يثقفها إلا البصائر الجلية ، وأطايب ثمره لا يقطفها إلا الأيدي الزكية ، ومنافع شفائه لاينالها إلا النفوس النقية ، كما صرح تعالى به فقال في وصف متناوليه : إنهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ، لايَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ . وقال في وصف سامعيه : قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لايُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً .
وذكرتُ أنه كما لا تدخل الملائكة الحاملة للبركات بيتاً فيه صورةٌ أو كلبٌ ، كذلك لا تدخل السكينات الجالبة للبينات قلباً فيه كبرٌ وحِرْصٌ ، فالخبيثات للخبيثين ، والخبيثون للخبيثات ، والطيبات للطيبين ، والطيبون للطيبات .
ودللت في تلك الرسالة على كيفية اكتساب الزاد ، الذي يرقى كاسبه في درجات المعارف ، حتى يبلغ من معرفته أقصى ما في قوة البشر أن يدركه ، من الأحكام والحكم ، فيطلع من كتاب الله على ملكوت السماوات والأرض ، ويتحقق أن كلامه كما وصفه بقوله : مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَئٍْ .
جعلنا الله ممن تولى هدايته حتى يبلغه هذه المنزلة ، ويخوله هذه المكرمة ، فلن يهديه البشر من لم يهده الله كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله : إنكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ .
وذكرتُ أن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية . ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة ، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المُعاون لمن يريد أن يدرك معانيه ، كتحصيل اللِّبْن في كونه من أول المُعاون في بناء ما يريد أن يبنيه ، ليس ذلك نافعاً في علم القرآن فقط ، بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع ، فألفاظ القرآن هي لُبُّ كلام العرب وزُبدته ، وواسطته وكرائمه ، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم ، وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم . وما عداها وعدا الألفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها ، هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى ، بالإضافة إلى أطايب الثمرة ، وكالحثالة والتبن بالإضافة إلى لبوب الحنطة .
وقد استخرت الله تعالى في إملاء كتاب مستوفى ، فيه مفردات ألفاظ القرآن على حروف التهجي ، فنقدم ما أوله الألف ثم الباء ، على ترتيب حروف المعجم ، معتبراً فيه أوائل حروفه الأصلية دون الزوائد ، والإشارة فيه إلى المناسبات التي بين الألفاظ المستعارات منها والمشتقات ، حسبما يحتمل التوسع في هذا الكتاب ، وأحيل بالقوانين الدالة على تحقيق مناسبات الألفاظ على الرسالة التي عملتها مختصة بهذا الباب ، ففي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 29 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
اعتماد ما حررته من هذا النحو استغناء في بابه من [عن] المثبطات عن المسارعة في سبيل الخيرات ، وعن المسابقة إلى ما حثنا عليه بقوله تعالى : سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ، سهل الله علينا الطريق إليها .
وأُتْبِعُ هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ونسأ في الأجل ، بكتاب ينبئ عن تحقيق الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد ، وما بينها من الفروق الغامضة ، فبذلك يعرف اختصاص كل خبر بلفظ من الألفاظ المترادفة ، دون غيره من أخواته نحو ذكره القلب مرة ، والفؤاد مرة ، والصدر مرة . ونحو ذكره تعالى في عقب قصة : إن فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُــونَ ، وفي أخرى : لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ، وفي أخرى : لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ، وفي أخرى : لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ، وفي أخرى : لأُولِي الأَبْصَارِ ، وفي أخرى : لِذِي حِجْرٍ ، وفي أخرى : لأُولِي النُّهَى . ونحو ذلك مما يعده من لا يُحق الحق ويُبطل الباطل أنه باب واحد ، فيُقدر أنه إذا فسر الحمد لله بقوله الشكر لله ، لاريب فيه ، ولا شك فيه ، قد فسر القرآن ووفاه التبيان .
جعل الله لنا التوفيق رائداً ، والتقوى سائقاً ، ونفعنا بما أولانا ، وجعله لنا من معاون تحصيل الزاد ، المأمور به في قوله تعالى : وَتَزَوَّدُوا فَإن خَيْرَ الزَّادِ التقْوَى .
ملاحظات
تدل مقدمة الراغب على أن المفردات آخر مؤلفاته أو من أواخرها ، لأنه لم يؤلف ما وعد به إن نسئ في أجله . وهذا حُسْنٌ في الكتاب ، لأن أواخر مؤلفات العالم تتضمن خبرات عمره العلمية .
أما قوله في وصف العارف : « فيطلع من كتاب الله على ملكوت السماوات والأرض » فيدل على مذهبه العرفاني الفلسفي ، وهو مذهب مفرط يعطي للمتصوف درجات الأنبياء عليهم السلام ، ولايوافقه عليه علماء المسلمين .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 30 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب الألف

أ
يشمل 77 مفردة و 74 ملاحظة
أبَا - أب - آباء - أبوة - أبوته - آبوه - أبتي - بابا- أبَوَا الأمة - أبوالأضياف
الأب : الوالد ، ويسمى كل من كان سبباً في إيجاد شئ أو إصلاحه أو ظهوره أباً ، ولذلك يسمى النبي صلى الله عليه وآله أبا المؤمنين ، قال الله تعـالى : النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ، وفي بعض القراءات : وهو أبٌ لهم . ورويَ أنه قال لعلي : أنا وأنت أبَوَا هذه الأمة . [وإلى هذا أشار بقوله : كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي] .
وقيل : أبو الأضياف لتفقده إياهم ، وأبو الحرب لمهيجها ، وأبو عذرتها لمفتضها . ويسمى العم مع الأب أبوين ، وكذلك الأم مع الأب ، وكذلك الجد مع الأب ، قال تعالى في قصة يعقوب : مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِداً . وإسماعيل لم يكن من آبائهم وإنما كان عمهم .
وسمي معلم الإنسان أباه لما تقدم ذكره ، وقد حمل قوله تعالى : وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ على ذلك ، أي علماءنا الذين ربَّوْنا بالعلم ، بدلالة قوله تعالى : رَبَّنَا إنا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا .
وقيل في قوله : أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ، إنه عنى الأب الذي ولده ، والمعلم الذي علمه . وقوله تعالى : مَا كَأن مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ، إنما هو نفي الولادة ، وتنبيهٌ [على] أن التبني لا يجرى مجرى البنوة الحقيقية .
وجمع الأب : آباء وأُبُوَّةٌ ، نحو بُعُولَةٌ وخَؤُولَة . وأصل أب : فَعَلَ ، وقد أجري مجرى قَفَا في قول الشاعر :
إن أباها وأباأباها
ويقال : أبَوْتُ القومَ أأبوهم : كنتُ لهم أباً ، وفلان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 31 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يأبو بُهْمَهُ ، أي يتفقدها تفقد الأب . وزادوا في النداء فيه تاء فقالوا : يا أبت . وقولهم : بأبأ الصبي ، فهو حكاية صوت الصبي إذا قال : بابا .
ملاحظات
1 . الوالد : الذي منه نطفة الولد ، والأب : أعم من الوالد والمربي والأستاذ ، وقد يعبرعنه بالوالد مجازاً . وآزر في قوله تعالى : وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَر ، هو عم إبراهيم عليه السلام ومربيه ، لأن إسم والده تارخ . ويدل على ذلك قوله تعالى : وَمَا كَأن اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِـدَةٍ وَعَدَهَـا إِيَّاهُ فَلما تَبَيَّنَ لَهُ إنهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ . فقـد كان استغفاره له في بابل ثم لم يستغفر له . ثم استغفر لوالديه غندما بنى الكعبة ، وليس لأبيه فقال : الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ . ربَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ . فالمتبرأ منه في بابل أبوه آزر ، والمستغفر له في أواخر عمره والده تارخ . « راجع الخصال : 318 » .
وقد استعمل القرآن أب ومشتقاتها في أكثر من مئة مورد ، وكلها تقصد المربي وقد يكون هو الوالد ، إلا إذا ثُنِّيت ودخلت معها الأم فتكون بمعنى الوالدين لاغير ، كقوله تعالى : وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ .
واستعمل القرآن الوالد مفرداً وجمعاً ثلاثاً وعشرين مرة . وقوله تعالى : أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ، لايشمل المعلم والمربي كما تصور بعضهم ، لأنه ليس والداً ، وإن لزم شكره بملاك آخر . ولعله لذلك قال الراغب : وقيل .
2 . قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : أنا وأنت أبوا هذه الأمة ، لأن النبي صلى الله عليه وآله مؤسس الأمة ، وعلي عليه السلام وزيره وعضده في جهاده ، وولي الأمة بعده . رواه الصدوق في أماليه بأسانيد/65 و411 و755 . وفي معاني الأخبار/118 : « قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : أنا وأنت أبوا هذه الأمة ، فلعن الله من عقنا . قل آمين ، فقلت : آمين » . وهي أبوة معنوية من نوع أبوة إبراهيم عليه السلام لأمتنا : مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ . وهي أعلى رتبةً من الأبوة الحقيقية .
وقد وضعنا قول الراغب : [وإلى هذا أشار بقوله : كل سبب ونسب ] بين قوسين ، لأنه لامعنى له هنا . فالنسب في أبوة النبي وعلي صلى الله عليهما للأمة مجازي ، وفي الحديث حقيقي ، وقد استشهد به عمر بن الخطاب لما خطب ابنة فاطمة الزهراء عليها السلام ، فاعتذر له علي عليه السلام بأنها لابن أخيه جعفر .
3 . قال الخليل في العين « 8419 » : « أبوت الرجل آبوه ، إذا كنت له أباً . ويقال في المثل : لا أباً لك كأنه يمدحه . والأبوة : الفعل من الأب كقولك : تأبيت أباً ، وتبنيت إبناً ، وتأممت أماً » .
أبَيَ - إباءً - تأبى - آبي - أبواء
الإباء : شدة الإمتناع ، فكل إباء امتناع وليس كل امتناع إباء . قـال تعالى : وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ، وقال : وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ ، وقال : أَبَى وَاسْتَكْبَرَ ، وقوله : إِلا إِبْلِيسَ أَبَى . ورويَ : كلكم في الجنة إلا من أبى . ومنه رجل أبيٌّ : ممتنع من تحمُّل الضيم . وأبيت الضَّيْرَ تأبى . وتيس آبي ، وعنز أبواء ، إذا أخذها من شرب ماء فيه بول الأروى داءٌ يمنعها من شرب الماء .
ملاحظات .
الإباء : مطلق الإمتناع ، وتفرد الراغب بتقييده بالشدة ، ولا يصح ، لأن العرب تقول : أبى إباءً شديداً ، فأصل الإباء أعم من الشديد . كما جعل الراغب الإمتناع أعم منه وقال : فكل إباء امتناع وليس كل امتناع إباء . ولا يصح ، لأن كل امتناع إباءٌ ، لكن الإمتناع يكون عند مقتضي الفعل من طلب أو استحقاق ، فيقال امتنع ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 32 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والإباء أعم من ذلك فقد يكون ابتداءً . كما أن الإمتناع فيه معنى الإستعصام ، والإباء ليس فيه معنى الرفض .
2 . قال الخليل « 8/419 » : « أبى فلان يأبى إباءً : أي ترك الطاعة ومال إلى المعصية ، قال الله عز وجل : فكذب وأبى . ووجهٌ آخر : كل من ترك أمراً ورده فقد أبى . ورجل أبيٌّ ذو إِبَاء ، وقوم أبِيُّونَ وأُباة » . وقال ابن فارس « 1/45 » : « تدل على الإمتناع . أبيت الشئ آباه . والإباء أن تعرض على الرجل الشئ فيأبى قبوله فتقول : ماهذا الإباء؟ بالضم والكسر . والأبية من الإبل : الصعبة » .
والصحيح : أن أبى بمعنى رفض ، سواء عُرض عليه الأمر أم لا . أما امتنع فلا يقال إلا في جواب العرض عليه . ومعنى : أبيت اللعن : أنه لا موضوع له عندك ولا سبب . وليس معناه أنه عرض عليه .
3 . وقول العرب : تَيْسٌ أبيٌّ ، من الوباء وليس من الإباء بمعنى الإمتناع ، ومعناه أصابه الوباء فصار أبياً أي وبياً . فالإباء لفظ مشترك بين الإمتناع وبين الإصابة بالوباء من شرب بول الأروى أي العنزة البرية ، أو شمه . قال الجوهري « 6/2259 » : « تيس آبى بيِّن الإباء ، إذا شم بول الأروى فمرض منه » .
4 . معنى حديث : كلكم في الجنة إلا من أبى ، أي عصى وعَمِلَ عَمَلَ من يأبى دخولها ، فهو إباء بالمآل . رواه أحمد « 2/361 » وغيره وصححوه . ورواه من علمائنا الصدوق في كمال الدين/250 من حديث قدسي فيه : « يا محمد لأدخلن جميع أمتك الجنة إلا من أبى فقلت : إلهي وأحدٌ يأبى من دخول الجنة؟ فأوحى الله عز وجل إلي : بلى فقلت : وكيف يأبى؟ فأوحى الله إلي : يا محمد اخترتك من خلقي ، واخترت لك وصياً من بعدك ، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدك ، وألقيت محبته في قلبك ، وجعلته أبالولدك ، فحقه بعدك على أمتك كحقك عليهم في حياتك ، فمن جحد حقه فقد جحد حقك ، ومن أبى أن يواليه فقد أبى أن يواليك ، ومن أبى أن يواليك فقد أبى أن يدخل الجنة ، فخررت لله عز وجل ساجداً شكراً لما أنعم علي . . الخ . » .
4 . استعمل القرآن مادة أبى بضع عشرة مرة ، في أن الله تعالى يأبى إلا أن يتم نوره ، وفي إباء السماوات والأرض والجبال أن يحملن الأمانة ، وفي إباء إبليس واستكباره عن السجود لآدم عليه السلام . وفي إباء الظالمين وأكثر الناس إلا كفوراً . وفي إباء أهل القرية تضييف الخضر وموسى عليهما السلام ، وفي وصف المشركين : يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ . وفي إباء فرعون : وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى .
أبَّ - أبّاً - إباباً - إبَّانَ
قوله تعالى : وَفَاكِهَةً وَأَبًّا . الأبُّ : المرعى المتهئ للرعي والجزّ ، من قولهم أبَّ لكذا أي تهيأ ، أبّاً وإبابةً وإباباً . وأبَّ إلى وطنه : إذا نزع إلى وطنه نزوعاً تهيأَ لقصده ، وكذا أبَّ لسيفه إذا تهيأ لِسَلِّه . وإبَّانَ ذلك : فِعْلانَ ، منه ، وهو الزمان المهيأ لفعله ومجيئه .
ملاحظات
الأبُّ : النبات الذي ترعاه الأنعام ، قال تعالى : وَفَاكِهَةً وَأَبّاً مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ . والمرعى : مكان الرعي ويطلق على نباته مجازاً ، فيصح تفسير الراغب للأب بالمرعى ، لكنه أعم من المتهئ للرعي وغيره . وقولهم : أبَّ الى وطنه ، وأبَّ الى سيفه كقولهم آب اليه ، بمعنى رجع اليه ، أو هب اليه بمعنى نهض مسرعاً .
قال ابن فارس « 1/6 » : « قال أبو إسحاق الزجاج : الأب جميع الكلأ الذي تعتلفه الماشية . . قال الخليل وابن دريد :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 33 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الأب مصدر أبَّ فلان إلى سيفه ، إذا رد يده إليه ليستله . . وقال الخليل وحده : أبَّ هذا الشئ إذا تهيأ واستقامت طريقته إبابةً . . والأب : القصد ، يقال أببت أبَّهُ وأممت أمه » . وقال ابن حجر في فتح الباري « 6/212 » : « وروى ابن جرير من طريق إبراهيم التيمي ، أن أبابكر الصديق سئل عن الأب فقال : أيُّ سماء تُظلني وأي أرض تُقلني إذا قلت في كتاب الله بغير علم . وعن عمر أنه قال : عرفنا الفاكهة فما الأب؟ ثم قال : إن هذا لهو التكلف » . وقال ابن حزم « 1/61 » : « ثبت عن الصديق أنه قال : أي أرض تقلني أو أي سماء تظلني » .
وروى المفيد في الإرشاد : 1/200 ، قول علي عليه السلام : « يا سبحان الله ، أما علم أن الأبَّ هو الكلأ والمرعى ، وأن قوله عز اسمه : وفاكهةً وأباً ، اعتدادٌ من الله سبحانه بإنعامه على خلقه فيما غذاهم به وخلقه لهم ولأنعامهم » .
أبَدٌ - آبد - أَبِيدٌ - آبدة - أوابد
قال تعالى : خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً . الأبد : عبارة عن مدة الزمان الممتد الذي لايتجزأ كما يتجزأ الزمان ، وذلك أنه يقال : زمانُ كذا ، ولا يقال أبدُ كذا . وكان حقه أن لا يثنى ولا يجمع ، إذ لا يتصورحصول أبدٍ آخر يُضم إليه فيثنى به ، لكن قيل آباد ، وذلك على حسب تخصيصه في بعض ما يتناوله ، كتخصيص إسم الجنس في بعضه ، ثم يثنى ويجمع . على أنه ذكر بعض الناس أن آباداً مولَّد ، وليس من كلام العرب العرباء .
وقيل : أبدٌ آبدٌ وأبيد ، أي دائمٌ ، وذلك على التأكيد . وتأبد الشئ : بقي أبداً ، ويعبر به عما يبقى مدة طويلة . والآبدة : البقرة الوحشية . والأوابد الوحشيات . وتأبَّد البعير : توحش فصار كالأوابد . وتأبد وجه فلان : توحَّشَ . وأبَّدَ كذلك ، وقد فسر بالغضب .
ملاحظات
1 . لا يصح تعريف الراغب للأبد ، بل هو الزمن الذي له بداية ، وله أربعة معان :
الأول : ما له بداية ويمتد مدة طويلة بدون خلود ، فيصح أن تشترط فيه فتقول : لن أفعل ذلك أبداً حتى كذا ، أو إلا إذا حدث كذا . قال الله تعالى : وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ .
أما الخلود في مثل قوله تعالى : خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ، فيفهم من خالدين وليس من التأبيد ، ولذلك لاتقول : خالدين حتى كذا ، نعم يصح شرطه بمشيئة الله تعالى وبقاء الكون ، كقوله تعالى : خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرض إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ .
الثاني : ما له بداية ويمتد الى ما لانهاية ، فهو كالأزل للماضي الممتد الى ابتداء الكون ، أو الى ما لانهاية . وبهذا المعنى تقول : إن الله تعالى أزلي أبدي ، أي لاحدَّ لأوليته ولامنتهى لآخريته ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « لم يخلق الأشـياء من أصول أزليـة ولا أوائل أبـــدية » . « نهج البلاغة : 2/66 » .
الثالث : بمعنى آباد الدهر الماضية ، فيقال للشئ القديم أبدي .
الرابع : بمعانٍ أخر ، فيقال للحيوان : أبَدَ وتأبَّدَ أي تَوَحَّشَ ، وتأبَّدَت الدار : خَلَت . وقَوَافٍ أوابد وشوارد : أي نادرة . « العين : 8/85 » .
2 . قال الخليل « 8/85 » : « آباد الدهر : طوال الدهر ، والأبيد مثل الآباد . والآبدة : الغريبة من الكلام والجميع أوابد . والأوابد : الوحش . وتأبد فلان : طالت غربته . وتأبدت الدار : خلت من أهلها » .
أبَقَ - إباق - أُبَّاق
قال الله تعالى : إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ . يقال أبَقَ العبد يأبَق إباقاً ، وأبِق يأبق إذا هرب . وعبدٌ آبق وجمعه أُبَّاق ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 34 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وتأبَّق الرجل : تشبه به في الإستتار ، وقول الشاعر :
قد أُحْكِمَتْ حَكَمَات القَدِّ والأبَقا
قيل : هو القُنَّب .
ملاحظات
جعل الراغب الإباق مطلق الهرب ، وجعله الخليل الهرب : « من غير خوف ولا كد عمل » . وقال ابن فارس « 1/39 » : « تقول : أبق به : أخذه ، وأبق الى كذا : هرب اليه » . لكن ليس كل هرب إباقاً ، بل هو هروب خاص .
واستعمله الله تعالى لنبيه يونس عليه السلام : إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ » . ومعناه أنه هرب من عمله في نينوى ، وسمى ذهابه الى نبي الله داود عليه السلام هروباً لأنه لم يستأذن ربه في ترك قومه : وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ، أي نضيق عليه . فسمى تركه لقومه إباقاً ، وهو مجاز .
إبِلٌ - مؤبلة - آبل - إبالة - أبابيل - إبِّيل
قال الله تعـالى : وَمِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ . الإبل : يقع على البعران الكثيرة ، ولا واحد له من لفظه . وقوله تعالى : أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ، قيل أريد بها السحاب ، فإن يكن ذلك صحيحاً فعلى تشبيه السحاب بالإبل وأحواله بأحوالها .
وأبَلَ الوحشيُّ يأبَلُ أبُولاًوأبَل أبْلاً : اجتزأ عن الماء ، تشبهاً بالإبل في صبرها عن الماء . وكذلك تأبَّلَ الرجل عن امرأته ، إذا ترك مقاربتها . وأبَّلَ الرجل : كثرت إبله . وفلان لا يأبل ، أي لا يثبت على الإبل إذا ركبها .
ورجل آبِلٌ وَابِل : حسن القيام على إبله . وإبل مؤبَّلة : مجموعة . والإبالة : الحزمة من الحطب تشبيهاً به .
وقوله تعالى : وَأَرْسَلَ عَلَيْهِـمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ، أي متفرقة كقطعات إبل ، الواحد أَبِيل .
ملاحظات
الإبِل بكسر الباء ، وقد تسكَّن : إسم جنس للأباعر والجمال والنوق لامفرد له ، وقد ذكر الله عز وجل خلقتها المميزة وتسخيرها للإنسان فقال : أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَت . وقال : وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ . وقال : وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِـير . وقد توسع العرب في الإشتقاق منها فقالوا لمجموعة الخيل المغيرة : خيلٌ أبابيل . « العين : 8/343 » .
واختار الراغب أن مفردها أَبيل ، والصحيح أنه لامفرد لها ، حيث لم يسمع من العرب إلا إِبِّيل بالتشديد ، وهو كلمة سريانية بمعنى المتبتل ، وسمي عيسى عليه السلام إبِّيل الإبِّيلين . ومعنى : طيراً أبابيل : مجموعات متتابعة ، وصفوها أنها كطير السنونو ، مع كل طائر : « ثلاثة أحجار في منقاره ويديه ، يقتل بكل حصاة منها واحداً من القوم » . « لسان العرب : 11/7 » .
وكان عبد المطلب ينتظرها ، فدعا ابنه عبدالله والد النبي صلى الله عليه وآله وإنه لغلام حين أيفع وعليه ذؤابه تضرب إلى عجزه ، فقال له : « إذهب فداك أبي وأمي فاعلُ أباقبيس وانظر ماذا ترى يجئ من البحر؟ فنزل مسرعاً فقال : يا سيد النادي ، رأيت سحاباً من قِبل البحر مُقبلاً ، يُسْفِلُ تارةً ويرتفع أخرى ! إن قلت غيماً قلتُه ، وإن قلت جِهاماً خلتُه ، يرتفع تارةً وينحدر أخرى ! فنادى عبد المطلب : يا معشر قريش ، أدخلوا منازلكم فقد أتاكم الله بالنصر من عنده ، فأقبلت الطير الأبابيل في منقار كل طير حجر وفي رجليه حجران ، فكان الطائرالواحد يقتل ثلاثة من أصحاب أبرهة » . « كنز الفوائد/81 » .
أتَيَ - إتياناً - أتِيٌ - أتاوي -أتوةً - مأتياً - آتاه - إيتاء
الإتيان : مجئٌ بسهولة ، ومنه قيل للسيل المارِّ على وجهه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 35 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أتِيٌّ وأتاوِيٌّ ، وبه سمي الغريب فقيل : أتاويٌّ . والإتيان : يقال للمجئ بالذات ، وبالأمر وبالتدبير . ويقال في الخير ، وفي الشر ، وفي الأعيان ، والأعراض ، نحو قوله تعالى : إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ . وقوله تعالى : أَتَى أَمْرُ اللهِ . وقولـه : فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ ، أي بالأمر والتدبير ، نحو : جَاءَ رَبُّكَ . وعلى هذا النحو قول الشاعر :
أتيت المروءة من بابها
فَلَنَاتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا .
وقوله : وَلا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى ، أي لا يتعاطون . وقوله : يَأتِينَ الْفَاحِشَةَ ، وفي قراءة عبد الله : تأتي الفاحشة ، فاستعمال الإتيان منها كاستعمال المجئ في قوله : لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا .
يقال : أتيته وأتوتُه . ويقال للسقاء إذا مُخض وجاء زِبْدُه : أتْوَةً ، وتحقيقه : جاء ما من شأنه أن يأتي منه ، فهو مصدر في معنى الفاعل . وهذه أرض كثيرة الإتاء ، أي الريْع .
وقوله تعالى : كَان وَعْدُهُ مَأْتِيّـاً ، مفعول من أتيته . قال بعضهم : معناه آتياً فجعل المفعول فاعلاً وليس كذلك ، بل يقال أتيت الأمر وأتاني الأمر . ويقال أتيته بكذا وآتيته كذا ، قال تعالى : وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ، وقال : فَلَنَاتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا ، وقال : وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا .
وكل موضع ذكر في وصف الكتاب : آتَيْنَا ، فهو أبلغ من كل موضع ذكر فيه : أُوتُوا ، لأن أوتوا قد يقال إذا أوليَ من لم يكن منه قبول ، وآتيناهم يقال فيمن كان منه قبول .
وقوله : آتُونِي زُبَرَ الْحَـدِيدِ « الكهف : 96 » وقرأها حمزة موصولة ، أي جيئوني . والإِيتاء : الإعطاء .
وخُصَّ دفع الصدقة في القرآن بالإيتاء نحو : وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ « البقـرة : 277 » وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ « الأنبياء : 73 » وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً « البقرة : 229 » وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ « البقرة : 247 » .
ملاحظات
1 . الإتيان : المجئ مطلقاً ، بسهولةٍ كان أو صعوبة ، فلم يشترط أحدٌ معنى السهولة في الإتيان فهو أعم . ولا يصح تعليل تسمية السيل بالأتيٍّ بأنه يأتي بسهولة . نعم قد تفهم السهولة والصعوبة من نفس الآتي ، أو الآتي به ، أو المأتي به ، أو ظرف الإتيان ، والعنف والشدة في مثـل قولــه تعـالى : مَا تَذَرُ مِـنْ شَئٍْ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيم . فُهِمَ من الريح وليس من الإتيان .
2 . يتغير معنى الإتيان بحروف التعدية أو حروف المعاني ، وتختلف قاعدته بين : يأتي ويُؤتي ، ويغلط بعضهم فيستعمل إتيان المرأة كناية عن مقاربتها ، للزكاة فيقول : يجب إتيان الزكاة ! ولا يصح إلا بحرف تعدية ، أو يقول إيتاء الزكاة .
قال تعـالى : قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الآنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لايَأْتُونَ بِمِثْلِهِ . وقال : وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ .
3 . يقال أتاه وأتى به وَأُتِيَ به : مثل جاءه وجاء به وجئ به . وأوتي وأُتيَ ، وأوتوا وأتوا : مثل أُعْطِيَ وأعْطُوا . قال تعالى : فَلما أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى . أَنَا آتِيكَ بِهِ .
4 . ورد الإتيان للمجئ المجازي بالإغراء والإغواء كقول إبليس : ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ .
5 . تقول : يؤتى على يده : أي تغلبه نفسه على الخطأ . وكتب علي عليه السلام الى حاكم مصـر يأمره بالصفح عن الناس لأنهم : « يؤتى على أيديهم في العمد والخطأ » . « نهج البلاغة : 3/84 » . ولا يصح تفسيره بأنهـم يُجبرون من غيرهم كما قال البعض « شرح النهج : 17/33 » لأن سياقه الصفح ، وإن أجبرهم غيرهم فلا عقوبة عليهم ليكون صفح ، بينما
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 36 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال عليه السلام بعده : « فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه ، فإنك فوقهم ، ووالي الأمر عليك فوقك ، والله فوق من ولاك » .
6 . آتينا وأوتوا : يستعملان في المُؤْتَوْنَ الممدوحين والمذمومين ، ولا يصح قول الراغب إن معنى آتيناهم الكتاب : قبلوه ، فقد أوتوه ولم يقبلوه كما قال تعالى : الَّذِينَ آتَيْنَـاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإن فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ . وقد يقال إن المبني للمعلوم فيه اهتمام أكثر ، والمبني للمجهول يستعمل في ذم الذين لم يستفيدوا منه كقوله تعالى : وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ . وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ . لكنه استعمله للمدح في قوله تعالى : يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات .
7 . قول الراغب صحيح : وخُصَّ دفع الصدقة في القرآن بالإيتاء ، بمعنى أن أكثر ما يعبر به عن إعطائها بالإيتاء ، وقد يعبر بالإعطاء كقوله تعالى : فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى . فهو يشمل الزكاة .
أما استشهاده بإيتاء المهور والسعة من المال ، فهما من موارد استعمال مطلق الإيتاء ، ولاعلاقة لهما بإيتاء الزكاة .
أثَّ - أثاثاً - تأثث
الأثاث : متاع البيت الكثير ، وأصله من أثَّ أي كثر وتكاثف ، وقيل للمال كله إذا كثر : أثاث . ولا واحد له كالمتاع ، وجمعه أثاث . ونساء أثائث : كثيرات اللحم كأن عليهن أثاث . وتأثث فلان : أصاب أثاثاً .
ملاحظات
لا يشترط في المتاع الكثرة ، ومنه متاع البيت لأنه يقال أثاث قليل ، بل معناه المتراكم اللين وليس الكثير ، كما نص ابن فارس « 1/8 » ولم يذكر الراغب اللين مع أنه دخيل في أثَّ .
وقد وُصف الأثاث بالمتاع ، قال تعالى : وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلى حِينٍ . لأنه قد لا يتمتـع به ، وليس في مفهومه وقت . وقال تعالى : وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ . « النساء : 102 » . فلم يعبر بالأثاث لأن فيه معنى الليونة والنعومة ، وهي قليلة في أدوات السفر للحرب .
ولذا قال ابن منظور « 2/110 » : « أثث الشئ : وطأه ووثَّره » . وقال الخليل « 8/253 » : « يوصف به الشَّعر الكثير والنبات الملتفّ » . والشرط فيه ليس الكثرة بل التراكم واللين .
أثَرْ - أثارة - أَثْرَة - أثارة - أثارَ - مأثور - إيثار-استئثار
أَثَرُ الشئ : حصول ما يدل على وجوده . يقال : أثَرٌ وأثِرٌ ، والجمع الآثار . قـال الله تعـالى : ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا « الحديد : 27 » وَآثاراً فِي الْأَرْضِ « غافر : 21 » وقوله : فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ الله . « الروم : 50 » .
ومن هذا يقال للطريق المستدل به على من تقدم : آثار ، نحو قوله تعالى : فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ « الصافات : 70 » وقوله : هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي « طه : 84 » .
ومنه : سمنت الإبل على أثارةٍ ، أي على أثر من شحم . وأَثَرْتُ البعير : جعلت على خُفِّهِ أُثْرَةً ، أي علامة تؤثر في الأرض ليستدل بها على أثره ، وتسمى الحديدة التي يعمل بها ذلك المئثرة .
وأَثْرُ السيف : جوهره ، وأثر جودته وهو الفِرَنْد ، وسيف مأثور . وأَثَرْتُ العلم : رويته ، آثُرُهُ أَثْراً وأَثَارَةً وأُثْرَةً ، وأصله : تتبعت أثره . أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ . « الأحقاف : 4 » وقرئ : أثَرَةٌ ، وهو ما يروى أو يكتب فيبقى له أثر . والمآثر : ما يروى من مكارم الإنسان .
ويستعار الأثر للفضل ، والإيثار للتفضل ، ومنه : آثرته .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 37 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقوله تعالى : وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ « الحشر : 9 » وقال : تَالله لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا « يوسف : 91 » بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا . « الأعلى : 16 » .
وفي الحديث : سيكون بعدي أثرة . أي يستأثر بعضكم على بعض . والإستئثار : التفرُّد بالشيئ من دون غيره ، وقولهم : استأثر الله بفلان ، كناية عن موته ، تنبيهٌ على أنه ممن اصطفاه وتفرد تعالى به من دون الورى تشريفاً له .
ورجل أَثِرٌ : يستأثر على أصحابه . وحكى اللحياني : خذه آثراً ما ، وإثراً ما ، وأثر ذي أثير .
ملاحظات
1 . أثَرُ الشئ : ما ينتج عن وجوده ، وجمعه آثار ، قال تعالى : فَأنظر إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ الله . أو ما ينتج عن فعله : سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُود .
2 . أكثر ما ورد الأثر في آثار السابقين : وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ . أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُـوَةً وَآثَارًا فِي الأرض . وقد يتضمن المكـان : فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً . والزمـان والمكان : قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَري . واستعمل للزمان بعد الأنبيــاء عليهم السلام : وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ . ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا . وبمعنى دِين الآباء والمعلمين : فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ . وَإنا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ . وبمعنى الموقف : فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا .
وأثَرَ فلانٌ العِلْمَ : أي تَتَبَّعَهُ وتعلمه ورواه ، فهو آثرٌ ، والعلم مأثور ، وواحده أثَرٌ وأثَـارَةٌ : ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ .
3 . قال الراغب : ويستعار الأثر للفضل والإيثار للتفضل ، ومنه آثرته . لكن آثر الشئ ، ليس استعارةً ، بل معناه : اتَّبَعَ أثَرَه ، قال تعالى : فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . ومعنى آثره على نفسه : أعطاه الأثر وحرم منه نفسه ، فهو من الأثر أيضاً وليس استعارة ، وإن صار يتضمن معنى التفضيل . ومنه قوله تعالى : قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ . أي أعطاك الأثر دوننا وفضلك .
4 . جعل الراغب مادة أَثَرَ أصلاً واحداً ، ولم يستوف استعمالها في القرآن . وأخطأ في تعريف الأثر فجعله : حصول ما يدل على وجود الشئ ، ثم جعل الأثر الطريق ، من قوله تعالى : على آثارهم ! وهو هنا طريق معنوي .
وقد أصاب الخليل في تعريفه « 8/236 » : « الأثر : بقية ما ترى من كل شئ . وما لا يرى بعدما يُبْقِي عُلْقَة » . أي علامة .
وجعله ابن فارس ثلاثة أصول ، قال « 1/53 » : « ثلاثة أصول : تقديم الشئ ، وذكر الشئ ، ورسم الشئ الباقي » . لكن يصعب إرجاع فروع المادة الى هذه الأصول .
5 . أما ثار وأثار ، فهي من ثَوَرَ لا من أَثَرَ . قال تعالى : وَأَثَارُوا الأرض وَعَمَرُوهَا . وقال تعالى : فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً . وستأتي في ثَوَر .
6 . قال الخليل « 8/236 » : « ذهبت في إثْر فلان أي استقفيته ، لا يشتق منه فعل . والمأثرة : المكرمة ، لأنها يأثرها قرن عن قرن . ومآثر كل قوم : مساعي آبائهم . والأثير : الكريم ، تؤثره بفضلك على غيره . له عندنا إثرة . والميثرةخفيفة : شبه مرفقة تتخذ للسرج » .
7 . قال ابن فارس « 1/53 » : « والأثير : من الدواب العظيم الأثر في الأرض بخفه أو حافره . ويقولون تدع العين وتطلب الأثر ! يضرب لمن يترك السهولة إلى الصعوبة » .
أَثَلَ- تأثَّلَ - أثَلَتُه
قال تعـالى : ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَئْ ٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ . الأثْل : شجر ثابت الأصل ، وشجر متأثل : ثابت ثبوته . وتأثل كذا : ثبت ثبوته . وقوله صلى الله عليه وآله في الوصي : غير متأثل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 38 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مالاً ، أي غير مقتنٍ له ومدخر ، فاستعار التأثل له ، ومنه استعير : نحتُّ أثلته إذا اغتبته .
ملاحظات
1 . فسر الراغب التأثل بالثبوت ، لأنه تخيل أن الأثل الشجر ثابت الأصل ، ولم يذكر ذلك أحد ! بل أصل تأثل مالاً بمعنى : ملك بستاناً محاطاً بالأثل ، لأنهم يستعملون الأثل سياجاً بدل الحائط ، ثم استعمل للتملك والحيازة . روي عن النبي صلى الله عليه وآله وقـد سـأله بعضهم : « في حجري يتيم وله مال ، أفآكل من ماله؟ قال : نعم بالمعروف غير متأثل مالاً ، ولا واق مالك بماله » . « تفسير عبد الرزاق : 1/148 » . فمعنى غير متأثل : غير متملك من مال اليتيم . ومعنى ولا واقٍ مالك بماله : أي تجعل الخسارة عليه لتحفظ مالك .
2 . ورد الأثل في آية واحدة : فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَئٍْ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ . وسياقها التقليل من شأن الجنتين البديلتين ، وليس فيها مدح للأثل بالثبوت ، ولا في لفظه دلالة على الثبوت ! والأثل : شجرعادي يشبه السَّرْو ، وما تزال بقية الجنتين من سدر وأثلٍ قليل في سهل مأرب باليمن ، وقد رأيتها .
3 . الأثَلة : إسم للبستان وللمكان الذي يكثر فيه الأثل ، يقال أثلة المدينة ، وأثلة الكوفة وجمعها أثلات ، وأثلة الرجل بستانه ، لأنه عادةً يحاط بالأثل . ويستعار لعِرْضِه . فلا يصح قول الراغب : « ومنه استعير : نحتُّ أثلته ، إذا اغتبته » بل هو مستعار من اجتثثت بستانه ، وقالوا : هو لا تُنْحَتُ أثلته ، أي لايمكن الإنتقاص منه . « تعاريف المناوي/34 » . وفي مقامات الزمخشري/37 : « وحاشا لمثلك أن يتولى مُثْلَتَهْ ، ويَنْحَتَ بفأسه أثْلَتَهْ » .
أثِمَ إثماً وآثاماً - تأثم - أثاماً - أثمٌ - أثيمٌ - آثمٌ
الإثم والآثام : إسم للأفعال المُبَطئة عن الثواب ، وجمعه آثام ، ولتضمُّنه لمعنى البطء قال الشاعر :
جماليةٌ تغتلي بالروادف
إذا كـذَّبَ الآثـماتُ الهَجِيرَا
وقوله تعالى : فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ : أي في تناولهما إبطاء عن الخيرات .
وقد أثم إثماً وأثاماً ، فهو آثمٌ وأثِمٌ وأثيم .
وتأثَّمَ : خرج من إثمه ، كقولهم تحوَّبَ خرج من حُوبه وحَرَجه ، أي ضيقه .
وتسمية الكذب إثماً : لكون الكذب من جملة الإثم ، وذلك كتسمية الإنسان حيواناً لكونه من جملته . وقوله تعالى : أَخَذَتْهُ الْعزةُ بِالإثْمِ ، أي حملته عزته على فعل ما يؤثمه . وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً : أي عذاباً ، فسماه أثاماً لما كان منه ، وذلك كتسمية النبات والشحم ندىً ، لما كانا منه في قول الشاعر :
تَعَلَّى الندى في مَتنه وتَحَدَّرَا
وقيل معنى يلق أثاماً : أي يحمله ذلك على ارتكاب آثام ، وذلك لاستدعاء الأمور الصغيرة إلى الكبيرة . وعلى الوجهين حمل قوله تعالى : فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً .
والأَثِم : المتحمل الإثم ، قال تعالى : آثمٌ قلبه . وقوبل الإثم بالبر فقال صلى الله عليه وآله : البرُّ ما اطمأنت إليه النفس ، والإثم ما حاك في صدرك . وهذا القول منه حكم البر والإثم لا تفسيرهما . وقوله تعالى : مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ، أي آثم .
وقوله : يُسَارِعُونَ فِي الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ ، قيل أشار بالإثم إلى نحو قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ، وبالعدوان إلى قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . فالإثم : أعم من العدوان .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 39 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
1 . أصل الإثم في العربية : البطؤ عن السير ، ومنه الناقة الآثمة كما في « مقاييس اللغة : 1/60 » واستعمله القرآن للذنب الذي يُبَطِّئُ الإنسان عن تكامله وكأنه ذَنَب ، واستعمله وصفاً للإنسان : وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً . إنا إِذاً لَمِنَ الآثِمِين . ووصفاً للقلب : وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإنهُ آثِمٌ قَلْبُهُ . وسمى به ارتكاب محرمات عقدية وسلوكية ، فجعل الشـرك إثماً مبيناً « النساء : 50 » وظلم الناس وإخراجهم من بيوتهم « البقرة : 85 » وأكل اللحم الحرام : « البقرة : 173 » وأكل أموال الناس بالباطل « البقرة : 188 » والتكبر : « البقرة : 206 » والفاحشة العلنية والخفية : ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ . « الأنعام : 120 » .
2 . الأثيم والأثوم : الذي يرتكب الإثم كثيراً ، وهوخَوَّانٌ أَثِيم « النساء : 107 » وأفَّاكٌ أًثِيم « الشعراء : 222 » وكَفَّارٌ أَثِيم « البقرة : 276 » ومُعْتَدٍ أَثِيم « القلم : 12 » .
3 . قسَّم القرآن الإثم الى كبائر وصغائر ، وأخرج منه اللمم ، قال تعالى : الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلأ اللَّمَمَ . ورويَ تفسير الفواحش بالزنا والسرقة ، وكبائر الإثم بالشـرك بالله ، والإياس من روح الله ، والأمن من مكر الله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس التي حرم الله ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، والفرار من الزحف ، وأكل الربا . . الخ . « الكافي : 2/285 » .
واللمَم : الذنب يُلم به الرجل بين الفينة والفينة ، وليس من طبيعته . « الكافي : 2/442 » .
4 . أصل الحديث الذي ذكره الراغب : أن النبي صلى الله عليه وآله قال لأحدهم : « جئتَ تسأل عن البر والإثم . قال : نعم . فضرب بيده على صدره ثم قال : يا وابصة البر ما أطمأن به الصدر ، والإثم ما تردد في الصدر وجال في القلب ، وإن أفتاك الناس » . « قرب الإسناد/322 » .
« ونحوه مسند أحمد : 4/227 » فجعل الإثم مقابل البر ، وجعل الفطرة دليلاً على المشتبه منه .
5 . الأثام : عقوبة الإثم ونتيجته ، قال تعالى : وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . وآثَمَـهُ : أوقعــه في الإثم وأثَّمَــهُ : قال له أثِمْتَ . « الصحاح : 5/1857 » .
6 . كل إثم ذنب وبالعكس ، فهما يُبَطِّئَان حركة تكامل الإنسان ، لكن الإثم يجعل في قلبه ما يبطؤه ، والذنب يضيف اليه ما يبطؤه كأنه ذنَب . « العين : 8/190 » .
7 . ويسمى الإثم الحَرج والحُوب ، والآثم حارجاً وحَابَاً . وأحرجه : آثمَهُ . وتَأثَّمَ وتَحَرَّجَ وتحوَّبَ : خاف الوقوع في إثم ، أو امتنع من شئ أو قام به مخافة الإثم . أو خرج من إثمه وجبر خطأه ، وقد فسره الراغب بجزء معناه ! ومنه قالوا : رجل متأثم ومتحرج ومتحوِّب ، أي كافٌّ عن الإثم .
وأصل الحرَج والحرْج : الضيق ، وأصل الحُوب الحاجة التي تدعو الى الإثم ، ولايصح قولهم إن الحوب الإثم الكبير ، لأن وصفه به يقتضـي التغاير ، قال تعـــالى : وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُـمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إنهُ كَأن حُوباً كَبِيراً . « العين : 3/763 » .
8 . الوِزْر : الحمل الثقيل من الإثم « العين : 7/380 » لكن المقصود بقوله تعالى : أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ، وَوَضَعْنَـا عَنْكَ وِزْرَكَ . هو التفكير والهم ، لأن الإثم منفي عن النبي صلى الله عليه وآله قبل البعثة وبعدها . والمَعَرَّة : الإثم « الصحاح : 2/742 » . والوَكَف : الإثم في عيب ، يقال : ما عليك وكَفٌ « إصلاح المنطق/402 » وسميت اليمين الكاذبة : الغَمُوس لأنها تغمس صاحبها في الإثم « الصحاح : 3/956 » . وسميت الخمر الإثم ، لأنها تجرُّ اليه « الصحاح : 5/1857 » وسميت جُماع الآثام . « الفقيه : 4/377 » .
9 . قال ابن الأثير « 1/52 » إن الإصْر هو الإثم . والصحيح
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 40 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أنه الثقل الحاصل من الإثم شبيهاً بالوزر ، قال تعالى : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَأنتْ عَلَيْهِمْ . رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً . ومعنى لاجناح عليك : لا إثمَ عليك .
أَجَّ - أجاجاً - ائتج - أجيج- يأجوج ومأجوج
قال تعالى : هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ، شديد الملوحة والحرارة ، من قولهم أجيج النار وأُجَّتُها ، وقد أجَّت ، وائتجَّ النهار . ويأجوج ومأجوج منه ، شُبهوا بالنار المضطرمة والمياه المتموجة ، لكثرة اضطرابهم .
وأجَّ الظليم : إذا عدا أجيجاً ، تشبيهاً بأجيج النار .
ملاحظات
1 . تقول : أججتُ النار فهي مؤججة ، أي مضطرمة . وتقول : أجن الماء فهو آجن ، وأجَّ الماء فهو أُجاج ، أي صار مُرّاً مالحاً غير صالح للشرب . فأجج بمعنى شدة الحرارة ، وأج بمعنى شدة المرارة ، وقد خلطهما الراغب فقال إن الأجاج شديد الملوحة والحرارة من أجيج النار . ولو صح كلامه لكانت المحيطات المالحة حارة ! وقد وقع في الخطأ لعدم فهمه كلام ابن فارس « 1/9 » ، قال : « والماء الأجاج الملح . وقال قوم الأجاج الحار المشتعل المتوهج وهو من تأججت النار » . فتصور الراغب أن الأجاج الثاني هو الأول . وقد يكون قرأ المرارة حرارة وفي كل نسخه بالحاء ، قال الخليل « 6/198 » : « الأجاج : الماء المر المالح ، قال الله تعالى : وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ، وهو الشديد الملوحة والمرارة ، مثل ماء البحر » .
2 . يوجد أصل ثالث هو : الإجَّة بكسر الهمزة ، التي يجمع فيها المال ، واشتهرت في إجة الأطفال . وهي غير الأَجَّة بفتح الهمزة وهي أجة النار ، قال ابن منظور « 2/206 » : « والأَجَّةُ : شدة الحرِّ وتَوَهُّجه ، والجمع إِجاجٌ ، مثل جَفْنَةٍ وجِفَانٍ » . وهي بالكسر مستعارة منها لأنها مجمع الشئ ، كما استعير منها : أجَّ أَجَّة الظليم ، أي أسرع أوج سرعته .
3 . أما أجن الماء بمعنى تغير ، فلا علاقة له بالأجاج ، والظاهر أنه نفس أسن بإبدال السين جيماً . قال ابن فارس « 1/66 » : « أجن الماء يأجن ويأجن ، إذا تغير » .
4 . وردت كلمة الأُجاج في آيتين وصفاً للماء غير الصالح للشرب ، أي المالح المُرّ ، مقابل العذب الفرات السائغ شرابه . وقد بالغ الثعالبي في فقه اللغة/37 ، فقال : « لا يُقالُ للماءِ المِلْحُ أُجاج إلاّ إذا كانَ مَعَ مُلوحَتِهِ مُرًّا » مع ان الله تعالى وصف به البحار وليست كلها مرة . وزاد عليه في القاموس « 2/24 » فقال : « الخمجر . . الماء الملح ، أو الذي لا يبلغ الأجاج ، وتشربه الدواب » .
والصحيح قول الزبيدي « 4/213 » : « ماءٌ أُجَاجٌ ، وقُعَاعٌ ، وزُعَاقٌ ، وحُرَاقٌ ، وماءٌ يَفْقَأُ عينَ الطّائر ، وهو الماءُ المالِحُ » .
5 . قال الخليل « 6/198 » : « يأجوج ومأجوج يقرأ بالهمز وبغير الهمز ، ومن لم يهمز قال : هو مأخوذ من يج ومج على بناء فاعول » . وقد ذكرتهــم آيتـان : قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إن يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرض . حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ . والظاهر أنهما إسمان سريانيان ، لاعلاقة لهما بأج وأجج . واللغويون يجعلون كل كلمة من أصل عربي ! راجع : فَتَح ، حَدَب ، نَسَل .
أَجْرٌ - أجرة - آجره - آجره الله - أجَّره - أجير- استئجار
الأجر : ما يعود من ثواب لعمل ، دنيوياً كان أو أخروياً ، نحو قوله تعالى : إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللهِ . وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَـا وَإنهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ . وَلأجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا . والأجرة : في الثواب الدنيوي . وجمع الأجر أجور . وقوله : فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ، كناية عن المهور .
والأجر والأجرة : يقال فيما كان عن عقد وما يجرى مجرى العقد ، ولا يقال إلا في النفع دون الضر ، نحو قوله : فَلَهُمْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 41 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ، وقوله تعالى : فَأجْرُهُ عَلَى الله .
والجزاء : يقال فيما كان عن عقد وغير عقد ، ويقال في النافع والضــار ، نحو قولـه : وَجَزَاهُمْ بِمَــا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً . وقوله : فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ . يقال أجَّر زيد عمراً يأجره أجراً : أعطاه الشئ بأجرة . وأجَّر عمرو زيداً : أعطاه الأجرة ، قــال تعـالى : عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ، وآجر كذلك . والفرق بينهما أن أجَّرْتُه يقال إذا اعتبر فعل أحدهما ، وآجَرْتُه يقال إذا اعتبر فعلاهما . وكلاهما يرجعان إلى معنى واحد .
ويقال آجره الله وأجَره الله . والأجير : فعيل بمعنى فاعل أو مفاعل . والإستئجار : طلب الشئ بالأجرة ، ثم يعبر به عن تناوله بالأجرة ، نحو الإستيجاب في استعارته الإيجاب ، وعلى هذا قوله : اسْتَأْجِرْهُ إن خَيْرَ مَنِ اسْتَاجَرْتَ الْقَوِىُّ الأَمِينُ .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن الأجر والأجرة بمعناهما اللغوي العادي كقوله تعالى : فَلما جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإن لَنَا لأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِين . واستعمله بشكل واســـع في أجر الله تعالى للإنسان على إيمانه وعمله ، وأجر الرسول صلى الله عليه وآله من أمته على تبليغ الرسالة .
2 . سمى الله مهور النساء صدقاتٍ فقال : وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً . وفرق بينه وبين مهـر المتمتع بها لوقت ، فسماه أجرة : فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً . وكلاهما مهر وصداق وكأنه علامة صدق الزوج ، لكن سماه أجرة لتسهيل حركة التعامل به .
3 . لا دليل على ما ذكره الراغب من دخالة العقد في تسمية الأجرة والجزاء ، فالأجر هو الجزاء كما في لسان العرب ، وقد سمى الله الجزاء أجراً فقال : أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ، الى قوله : وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ .
والأجر يكون بالحسنة فقط ، والجزاء يكون بها وبالسيئة ، كما ذكر الراغب ، لكن لا يشترط أن يكون محدداً ، وإن كان غالباً كذلك . كما لادليل على قول الراغب إنَّ أجَّر تستعمل لطرف الإجارة ، وآجَرَ لطرفيها ! كما أن قول الراغب : أجَّر بمعنى أعطاه الأجرة ، من تخيله ولا وجود له في اللغة العربية !
4 . قال تعالى عن نوح عليه السلام : فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلا عَلَى اللهِ . وقال : لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللهِ . وقال : وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ أَلْعَالَمِينَ . وقال عن هود عليه السلام : لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْريَ إِلا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي . إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ . وقال عن صالح ولوط وشعيب عليهم السلام : وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ . وقال عن ثلاثة رسل : اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ .
واستعمله في أجر نبينا صلى الله عليه وآله في عشر آيات فقال إنه كبقية الأنبياء عليهم السلام لايطلب الأجر : قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ . قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْـهِ أَجْرًا . أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ . وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ . وقـال عن أجره في الآخرة : وَإن لَكَ لأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ .
ثم جعل الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله أجراً على الأمة لا يؤديه إلا خاصة المسلمين : قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً . وجعل هذا الأجر ولاية عترة نبيه عليهم السلام : قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى .
ثم قال إن نفع مودتهم يعود الى الأمة لا إلي النبي صلى الله عليه وآله : قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللهِ .
5 . أكثر ما استعمل الأجر في أجر الآخرة ، أي ثوابها بالنعيم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 42 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والخلود ، فقال عنه تعالى : وَلأجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَأنوا يَعْلَمُونَ . وقال : وَلأجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا . وجعله نفس الجزاء فقال : أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ .
ووصفه بأنه : أَجْرٌ عَظِيمٌ : آل عمران : 172 ، و179 ، المائدة : 9 ، الأنفال : 28 ، التوبة : 22 ، النساء : 40 ، و67 و74 و95 و114و146 ، و162 ، الأحزاب : 29و35 ، الفتح : 10و29 ، الطلاق : 5 ، المزمل : 20 ، الحجرات : 3 ، التغابن : 15 .
وأَجْرٌ كَبِيرٌ : هـــود : 11 ، الإســراء : 9 ، فاطـــر : 7 ، الحـــديــد : 7 ، الملك : 12 .
وَأَجْرٍ كَرِيمٍ : يس : 11 ، الحديد : 11 ، و18 ، الأحزاب : 44 .
وأَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ : فُصِّلَتْ : 8 ، والإنشقاق : 25 ، والتين : 6 .
وأجْرٌ حَسَنٌ : الكهف : 2 ، والفتح : 16 .
أَجَلْ - أجَّلَ - آجل
الأجَل : المدة المضروبة للشئ . قال تعالى : وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى . أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ . ويقـال : دَيْنُه مؤجل . وقد أجَّلته : جعلت له أجلاً . ويقال للمدة المضروبة لحياة الإنسان : أجل ، فيقال : دنا أجله ، عبارةٌ عن دنو الموت . وأصله استيفاء الأجل ، أي مدة الحياة .
وقوله تعالى : وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ، أي حد الموت ، وقيل حد الهرم ، وهما واحد في التحقيق .
وقولـه : ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ، فالأول هو البقاء في الدنيا ، والثاني البقاء في الآخرة ، وقيل الأول هو البقاء في الدنيا ، والثاني مدة ما بين الموت إلى النشور ، عن الحسن . وقيل الأول للنوم ، والثاني للموت ، إشارة إلى قوله : اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ، عن ابن عباس . وقيل : الأجلان جميعاً للموت ، فمنهم من أجلُه بعارض كالسيف والحرق والغرق وكل شئ غير موافق ، وغير ذلك من الأسباب المؤدية إلى قطع الحياة . ومنهم من يوقى ويعافي حتى يأتيه الموت حتف أنفه ، وهذان هما المشار إليهما بقوله : من أخطأته سهم الرزية لم تُخْطِهِ سهم المنية . وقيل : للناس أجلان ، منهم من يموت عَبْطَةً ، ومنهم من يبلغ حداً لم يجعل الله في طبيعة الدنيا أن يبقى أحد أكثر منه فيها . وإليها أشار بقوله تعالى : وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ، وقصدهما الشاعر بقوله :
رأيتُ المنايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ تُصِبْ
تُمِتْهُ وقول الآخر : من لم يمت عَبْطةً هَرِماً
والآجل : ضد العاجل . والأجْل : الجناية التي يخاف منها آجلاً ، فكل أجْلٍ جناية وليس كل جنايةٍ أجْلاً . يقال : فعلت كذا من أجْلِهِ ، قال تعالى : مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَـا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، أي من جرَّاء ، وقرئ من إِجْلِ ذلك بالكسر ، أي من جناية ذلك . ويقال : أَجَلْ ، في تحقيق خبر سمعته .
وبلوغ الأجَل في قوله تعالى : وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ هو المدة المضروبة بين الطلاق وبين انقضاء العدة . وقوله : وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ ، إشـارة إلى حين انقضاء العدة ، وحينئذ : فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ .
ملاحظات
1 . الأجَل : قطعة من الزمان طويلة أو قصيرة . والتأجيل : تمديد الأجل أو تعيينه ، قال تعالى : وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا . ولم يرد في القرآن بمعنى تمديد الأجل بل ورد بمعنى تأخير الأجل ، قال تعالى : لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيب . إن أَجَلَ اللهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّـر . وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 43 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا .
2 . والأجَل : التوقيت ، وهو قانونٌ في خلق الله تعالى وأفعاله : مَا خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحق وَأَجَلٍ مُسَمًّى . وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كل يَجْرِى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى .
وتكوين الإنسان تمَّ بأجَل : وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى .
ونفسه وروحه بأجَل : اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الآخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى .
والأمم والحضارات لها أجَل : وَلِكل أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَاخِرُونَ سَاعَةً .
وإرسال الأنبياء عليهم السلام وإنزال الآيات بأجل : وَمَا كَأن لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ لِكل أَجَلٍ كِتَابٌ .
والقيــامة لها أجل معدود عداً : وَمَـا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأَجَلٍ مَعْدُودٍ .
3 . الأجَلُ محددٌ في علمه سبحانه : ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ، ومكتوب عنده : لِكل أَجَلٍ كِتَابٌ . وسماه أجل الله تعالى : فَإن أَجَلَ اللهِ لآتٍ . إن أَجَلَ اللهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ .
4 . أطال المفسرون بدون طائل في تفسير الأجلين في قوله تعالى : ثُمَّ قَضَى أجلاً وَأجل مُسَمّىً عِنْدَهُ . وقال الإمـام الباقر عليه السلام : « هما أجلان : أجل محتـوم وأجل موقوف » . « الكافي : 1/147 » . وقال الإمام الصادق عليه السلام : « الأجل الأول : هو الذي نبذه إلى الملائكة والرسل والأنبياء عليهم السلام . والأجل المسمى عنده : هو الذي ستره عن الخلائق » . « الفصول المهمة : 1/268 » .
5 . أمرَ الله الناس باعتماد التوقيت والأجل حتى في ديونهم الصغيرة ، فقال في أطول آية في القرآن : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَـلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ . . وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ .
6 . أغْرَبَ الراغب فجعل أجَل التي بمعنى نعم ، مشتقةً من الأجَل بمعنى الزمن ! والصحيح أنها حرف جواب ، أما أجَل الزمنية فإسم . وقد قلد في ذلك الزَّجَّاج . وأغْرَبَ الزجاج فجعل أجْل في آية : مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أنهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسـاً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرض فَكَانمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيـعاً ، بمعنى الجناية لأنها تتضمن الجــزاء على جريمة ! وتبعــه الراغب فقال : « والأجْل : الجناية التي يخاف منهــا آجلاً ، فكل أجْلٍ جناية وليس كل جناية أجْلاً ، يقال : فعلت كذا من أجله . قال تعالى : مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ . أي من جراء » ! قال في التبيان « 3/501 » : « معنى من أجْل ذلك : من جراء ذلك وجريرته . وقال الزجاج : معناه من جناية ذلك » . ونحوه القرطبي « 6/145 » .
والصحيح : أن أجْل كلمة مستقلة لاعلاقة لها بالأجَل ، وهي للتعليل والتفريع ، ولا مدح فيها ولا ذم ولا جناية ، ومعناها : بسبب ذلك . ومعنى الجريمة في الآية فُهِمَ من جريمة قابيل ، وقد شُبِّهَ به بنو إسرائيل لاشتراكهم في الحسد . ويدل عليه أنه ورد في الحديث القدسي في الصائم لأنه : ترك شهوته من أجلي . « المحاسن : 1/15 ، والبخارى : 2/226 » فأي جريمة فيه ! ومثله حديث النبي صلى الله عليه وآله مع المخزومي : أرأيت لو فعلت هذا ، أكنتُ من أجل هذا نبياً ؟ « الإحتجاج : 1/33 » ولا جريمة في ذلك !
أَحَدٌ - يوم الأحد
أحَدٌ : يستعمل على ضربين ، أحدهما في النفي فقط ، والثاني في الإثبات . فأما المختص بالنفي فلاستغراق جنس الناطقين ، ويتناول القليل والكثير على طريق
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 44 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الإجتماع والإفتراق ، نحو : ما في الدار أحدٌ ، أي واحد ، ولا اثنان فصاعداً لا مجتمعين ولا مفترقين . ولهذا المعنى لم يصح استعماله في الإثبات ، لأن نفي المتضادين يصح ، ولا يصح إثباتهما ، فلو قيل في الدار واحد ، لكان فيه إثبات واحد منفرد مع إثبات ما فوق الواحد مجتمعين ومفترقين ، وذلك ظاهر لا محالة . ولتناول ذلك ما فوق الواحد يصح أن يقال : ما من أحد فاضِلينَ ، كقوله تعالى : فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ . « الحاقة : 47 » .
وأما المستعمل في الإثبات فعلى ثلاثة أوجه : الأول : في الواحد المضموم إلى العشرات نحو : أحد عشر وأحد وعشرين .
والثاني : أن يستعمل مضافاً أو مضافاً إليه بمعنى الأول ، كقوله تعـالى : أما أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً « يوسف : 41 » . وقولهم : يوم الأحد ، أي يوم الأول ، ويوم الإثنين .
والثالث : أن يستعمل مطلقاً وصفاً ، وليس ذلك إلا في وصف الله تعالى بقولـه : قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ « الإخـلاص : 1 » وأصله : وحد ، ولكن وحد يستعمل في غيره نحو قول النابغة :
كأن رَحلي وقد زالَ النهارُ بنا بذي الجليل على مستأنسٍ وَحَدِ
ملاحظات
1 . رأى الراغب أن ما النافية مع أحَدٍ تدل على نفي الجنس ، فتخيل أن أحداً هي التي تدل على النفي ، فقال : « أحَدٌ : يستعمل على ضربين : أحدهما في النفي فقط ، والثاني في الإثبات » . ولم يلتفت الى أن النفي جاء من ما والتنكير ، وليس من أحد !
2 . لم يستوف الراغب استعمالات أحَد في القرآن ، فاهتم باستعمالها بعد ما النافية ، وذكر آيتين لاستعمالها بغير نفي . وقد وردت في القرآن في أكثر من مئة مورد ، منها تسعة موارد في نفي الجنس ، ستة بعد النفي بما ، كقوله تعالى : مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ . وواحــد بالنفي بـإن : وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ . وموردان بالإستفهام بهل : هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَد . هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ .
وتستعمل أحدٌ في صيغة التسوية ويحذف أحد طرفيها كقوله تعالى : لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ، أي بين أحد وأحد من رسله .
وتأتي بصيغة المذكر للمؤنث كقوله تعالى : يَا نِسَاءَ النَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ . أي كواحدة .
وبمعنى كل كقوله تعالى : يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سنة .
وقوله تعالى : وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ . بمعنى واحدة منهما : القافلة أو الجيش .
وقوله تعالى : إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ . أي كانوا من خوفهـم ورُعبهـم لايلتفتون الى من يناديهم .
3 . استعملت أحدٌ بمعنى من لاثاني له ، مقابل واحد الذي له ثان . قال تعالى : قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ . وجاء في تفسيره في التوحيد للصدوق/83 : « أن أعرابياً قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين أتقول : إن الله واحد؟ قال : فحمل الناس عليه قالوا : يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : دعوه فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم ، ثم قال : يا أعرابي إن القول في أن الله واحدعلى أربعة أقسام : فوجهان منها لا يجوزان على الله عز وجل ، ووجهان يثبتان فيه . فأما اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل : واحد يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 45 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أنه كفَّر من قال : ثالث ثلاثة . وقول القائل : هو واحد من الناس ، يريد به النوع من الجنس ، فبهذا ما لا يجوز عليه لأنه تشبيه ، وجل ربنا عن ذلك وتعالى .
وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شِبْهٌ ، كذلك ربنا ، وقول القائل : إنه عز وجل أحديُّ المعنى يعني به أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم . كذلك ربنا عز وجل » .
ومعني : « دعوه ، فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم » : أن هدفنا من حربنا مع أصحاب الجمل ، أن نصحح توحيدهم لأنه مثلوم ، لأنهم نصبوا لهم أنداداً من دون الله ودعوا الى طاعتها !
أَخَذَ- أخذاً - أخيذ - مأخوذ - إخاذة - اتخاذ
أخذ أخذهم
الأَخْذُ : حَوْزُ الشئ وتحصيله ، وذلك تارةً بالتناول نحو : مَعاذَ الله أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ « يوسف : 79 » وتارةً بالقهر نحو قوله تعالى : لا تَأْخُذُهُ سنة وَلا نَوْمٌ . « البقرة : 255 » .
ويقال : أخذته الحمَّى . وقال تعالى : وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ « هود : 67 » فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِـرَةِ وَالْأُولى . « النازعات : 25 » . وقال : وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى . « هود : 102 » .
ويُعبر عن الأسير بالأَخِيذِ والمأخوذ . والإتخاذ : افتعال منه ، ويُعدَّى إلى مفعولين ويجري مجرى الجعل ، نحو قوله تعالى : لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ . « المائدة : 51 » أَمِ اتَّخَـذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ « الشوري : 9 » فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا « المؤمنون : 110 » أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ : اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ الله « المائدة : 116 » .
وقوله تعالى : وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ . « النحل : 61 » فتخصيص لفظ المؤاخذة تنبيهٌ على معنى المجازاة والمقابلة لما أخذوه من النعم ، فلم يقابلوه بالشكر .
ويقال : فلان مأخوذٌ ، وبه أَخْذَةٌ من الجن ، وفلان يأخذ مَأْخَذَ فلان ، أي يفعل فعله ويسلك مسلكه ، ورجل أَخِيذٌ ، وبه أُخُذٌ كناية عن الرَّمَد . والإخاذة والإخاذ : أرض يأخذها الرجل لنفسه . وذهبوا ومن أخذ أَخْذَهُمْ وإِخْذَهُمْ .
ملاحظات
1 . الأخذ أوسع من « حوْز الشئ وتحصيله » الذي عرَّفه به الراغب ، فقد استعملت أخَذَ واتخذ وآخذ في القرآن في أكثر من 200 آية ، كفعل مساعد لعديد من الأفعال والأوصاف ، ومنها ما لا ينتظم تحت الحيازة والتناول .
فالأخذ في قوله تعالى : حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ ، ليس فيه حيازة واستيلاء ، وهو بمعنى استكملت زخرفها وتجللت به كأنها لبسته . وكذا قوله تعالى : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ . وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ . فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبـاً . فَمَنْ شَـاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً .
2 . ذكر الراغب أن وصف العقوبة بالمؤاخذة في آية : وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ . لأنه أخذٌ مقابل ما أخذ العاصي من النعم ولم يشكرها . والأصح تفسيره بأن الظلم أخْذٌ من حق الله أو حق الناس ، فالجزاء به أخذٌ عليه .
أَخٌ - إخوة - أخت - تأخيت - أخيَّةٌ
الأصل أَخَوٌ ، وهو المشارك آخرَ في الولادة من الطرفين أو من أحدهما ، أو من الرضاع . ويستعار في كل مشارك لغيره في القبيلة ، أو في الدين ، أو في صنعة ، أو في معاملة ، أو في مودة ، وفي غير ذلك من المناسبات .
قوله تعالى : لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ « آل عمران : 156 » أي لمشاركيهم في الكفر . وقال تعالى : إنمَا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 46 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ « الحجرات : 10 » أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً « الحجرات : 12 » .
وقوله : فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ « النساء : 11 » أي إخوانٌ وأخوات . وقوله تعالى : إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ « الحجــر : 47 » تنبيهٌ على انتفاء المخالفة من بينهم .
والأخت : تأنيث الأخ ، وجعل التاء فيه كالعوض من المحذوف منه . وقوله تعالى : يا أُخْتَ هارُونَ « مريم : 28 » يعني : أخته في الصلاح لا في النسبة ، وذلك كقولهم : يا أخا تميم .
وقوله تعـالى : أَخَا عَادٍ « الأحقاف : 21 » سماه أخاً تنبيهاً على إشفاقه عليهم شفقة الأخ على أخيه .
وعلى هذا قوله تعالى : وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ « الأعراف : 73 » وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ « الأعراف : 65 » وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ « الأعراف : 85 » . وقوله : وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهــا « الزخرف : 48 » أي من الآية التي تقدمتها ، وسماها أختاً لها لاشتراكهما في الصحة والإبانة والصدق .
وقوله تعالى : كلما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها « الأعراف : 38 » فإشارة إلى أوليائهم المذكورين في نحو قوله تعالى : أَوْلِياؤُهُمُ الطاغُوتُ « البقرة : 257 » .
وتأخَّيْت : أي تحريت تحري الأخ للأخ . واعتُبِرَ من الأخُوَّة معنى الملازمة فقيل : أخِيَّةُ الدابة .
ملاحظات
1 . التاء في أخت للتأنيث ، وليس فيها محذوف لتكون التاء بدله ، وعلى القول بأن أصل أخ أخوٌ ، فأصل أخت أخَوَةٌ وحذفت واوها .
2 . سمى القرآن الرسول أخاً لقومه في ثلاث عشـرة آية . وقرر الأخوة بين المؤمنين في آيات مثل قوله تعالى : فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً . إنمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُـوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ . وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً . فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ . رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولإ خْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ .
وحكم بالأخوة بين المنـافقيـن في آيات : الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا . وَ إِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ .
واستعمل الأخوة بمعنى أخوة النسب كقوله تعالى : وَإِنْ كَأن رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكل وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ . أما قولهم لمريم عليها السلام : يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَأن أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ ، فلم تكن مريم أخته ، لكن أخت هارون كانت مضـرب المثل في العفة .
3 . قال الخليل : 4/319 : « أخ وأخوان وإخوة وإخوان . وبيني وبينه أُخُوَّةٌ وإخَاءٌ . وتقول : آخيته . ولغة طئ : واخيته . والأخية : عود يعرض في الحائط ، تشد إليه الدابة ، وتجمع على الأواخي . وكذلك قالوا : إخوان ، وهم الإخوة إذا كانوا لأب ، وهم الإخوان إذا لم يكونوا لأب . وفي القرآن : فأصْلِحُوا بينَ أخَوَيْكم .
والأخت : كان حدها أَخَهْ والإعراب على الهاء والخاء في موضع الرفع ، ولكنها انفتحت لحال هاء التأنيث ، لأنها لاتعتمد إلا على حرف متحرك بالفتحة ، وأسكنت الخاء فحول صرفها على الألف ، وصارت الهاء تاء كأنها من أصل الكلمة ، ووقع الإعراب على التاء ، وألزمت الضمة التي كانت في الخاء الألف » .
4 . فسر الراغب تأخيت بأنه : تحري الأخ لأخيه ، والظاهر أنه من توخَّى الشئ بمعنى قَصَدَه . قال ابن منظور « 15/383 » : « التَّوَخِّي بمعنى التَّحَري للحق . . وربما قلبت الواو أَلفاً فقيل : تأَخَّيْت » . ففيه معنى القصد والتحري ، وليس فيه معنى الأخوة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 47 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
آخِر- آخرة - أُخَر- أخَّرَ - تأخيراً - أَخِرَة
آخِر : يقابل به الأول وآخَر يقابل به الواحد . ويعبَّر بالدار الآخرة عن النشأة الثانية ، كما يعبَّر بالدار الدنيا عن النشأة الأولى ، نحو : وَإن الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ . « العنكبوت : 64 » . وربما تُرك ذكر الدار نحو قوله تعالى : أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ « هود : 16 » .
وقد توصف الدار بالآخرة تارةً ، وتضاف إليها تارةً نحو قوله تعالى : وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ « الأنعام : 32 » وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا « يوسف : 109 » . وتقدير الإضافة : دار الحياة الآخرة .
وأُخَر : معدولٌ عن تقدير ما فيه الألف واللام وليس له نظير في كلامهم ، فإن أفعل من كذا إما أن يذكر معه مِنْ لفظاً أو تقديراً ، فلا يثنى ولايجمع ولا يؤنث . وإما أن تحذف منه مِنْ فيدخل عليه الألف واللام فيثنى ويجمع . وهذه اللفظة من بين أخواتها جُوَّز فيها ذلك من غير الألف واللام .
والتأخير : مقابل للتقديم ، قال تعالى : بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ « القيامة : 13 » ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ « الفتح : 2 » إنما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ « إبراهيم : 42 » رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ « إبراهيم : 44 » .
وبعته بِأَخِرَةٍ . أي بتأخير أجل ، كقوله : بِنَظِرَة . وقولهم : أبعد الله الأَخِرَ ، أي المتأخر عن الفضيلة وعن تحرِّي الحق .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 48 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
1 . استعمل القرآن تأخَّرَ بالمعنى الحقيقي : وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْه . والمجازي للتأخر في الإيمان : لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ .
2 . واستعمل وصْف النشأة الأولى والآخرى والآخرة : وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأولى . وَإن عَلَيْهِ النَّشْـأَةَ الأُخْرَى ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ . واستعمل وصْـــف الأولى والآخـرة : لَهُ الْحَمْـدُ فِي الأولى وَالآخِرَةِ . وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولى .
3 . والأوَّلِين والآخرين لأمم الأنبياء عليهم السلام : وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِىٍّ فِي الأولينَ . ثُلَّةٌ مِنَ الأولينَ . وَقَلِيــلٌ مِنَ الآخِـرِينَ . وَاجْعَلْ لِي لِسَـــانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ . والمستقــدمين والمستأخرين : وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ .
4 . والآخــرون : مفهومهــا نسـبي : أَلَمْ نُهْلِكِ الأولينَ . ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ . كَذَلِكَ نَفْعَــلُ بِالْمُجْرِمِينَ . مَا سَـمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ .
5 . واستعمل الأخرى بمعنى آخر الهاربين في أحد : وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ .
6 . واستعمل وعد الأولى والآخرة ، لعقوبة بني إسرائيل : فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَـا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا . فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ .
7 . ووصف الآخرة بأوصاف عديدة وسمى الدنيا الحياة الدنيا ، ولم يعبر عن الآخرة بالحياة أبداً ، بل بالدار : وَإن الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ، إشارة الى أنها أكبر من الحياة التي نعرفها .
8 . استعمل الإمام الهادي عليه السلام في الزيارة الجامعة الآخرة والأولى مقابل الدنيا ، فقال : « السلام على أئمة الهدى . وحجج الله على أهل الدنيا ، والآخرة والأولى » . لأن العوالم ثلاثة ، أولها عالم الذر ، وعبر عنه بالأولى ، ثم الدنيا ثم الآخرة .
أدَّ - إدّاً - أديداً
قال تعالى : لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا « مريم : 89 » أي أمراً منكراً يقع فيه جَلَبَة ، من قولهم : أدَّت الناقة تئدُّ ، أي رجَّعت حنينها ترجيعاً شديداً . والأديد : الجلبة ، وأدَّ قيل : من الود ، أو من : أدَّت الناقة .
ملاحظات
1 . فسر اللغويون الإدَّ بالأمر الفظيع ، ولم يذكر أحدالجَلَبَة التي أدخلها الراغب في معناه ، كما أنه أخذ أديد الناقة من الجوهري « 2/440 » لكن أضاف اليه الشدة ! وقد يستوجب الأدُّ الجَلَبة والضجة ويكون شديداً ، لكنهما ليسا جزءً من معناه . قال الخليل « 8/101 » : « لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا ، أي أمراً فظيعاً » . وقال ابن فارس « 1/12 » : « فالإدّ هو الأمر العظيم . قال الله تعالى : لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا ، أي عظيماً من الكفر » .
2 . يبدو أن آدَهُ يؤوده ، وأدَّهُ يئدُّه من أصل واحد بمعنى أثقله ، والعجيب أن الراغب وغيره لم يذكروا ذلك . قال ابن منظور : « 3/74 » : « أود : آدَه الأَمرُ أَوْداً وأُوُوداً : بلغ منه المجهود والمشقة ، وفي التنزيل العزيز : ولا يؤُوده حفظهما؛ قال أَهل التفسير وأَهل اللغة معاً : معناه ولا يكرثه ولا يثقله ولا يشق عليه مِن آده يؤُوده أَوْداً » .
وقال : « 2/71 » : « أَدّه الأَمر يؤُدّه ويئدّه إِذا دهاه . . وفي حديث عليّ رضي الله تعالى عنه ، قال : رأَيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت : ما لقيت بعدك من الإِدَدِ والأَوَدِ؛ الإِدد بكسر الهمزة : الدواهي العظام واحدتها إِدّة بالكسر والتشديد . والأَوَدُ : العوج . . وأَدُّ الناقة : حنينها ومدّها لصوتها . وأَدّ البعيرُ يؤدّ أَدّاً : هَدَرَ » .
فيكون معنى أدت الناقت : حَنَّت لما دهاها .
أدَاء - استأدى
الأداء : دفع الحق دفعةً وتوفيته ، كأداء الخراج والجزية ، ورد الأمانة قال تعالى : فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ . إن اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا . وقال : وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ . وأصل ذلك من الأداة ، يقال أدَوْتَ تفعل كذا أي احتلت ، وأصله تناولت الأداة التي بها يتوصل إليه . واسْتَأْدَيْتُ على فلان : نحو استعديت .
ملاحظات
1 . الأداء مطلق دفع الحق ، سواء أدَّاه دفعةً أو دفعات ، وسواء كان أداؤه ناقصاً أو كاملاً ، والأداء الناقص نوعٌ من الأداء .
2 . جعل الراغب الأداء مشتقاً من الأداة ، قال : « وأصل ذلك من الأداة ، يقال : أدَوْتَ تفعل كذا أي احتلت » . والصحيح أن الأداة من أدَوَ ، ومعناها الوسيلة والحيلة . والأداء من أدَيَ ، ومعناه الإيصال ، فهما أصلان لا أصلٌ واحد .
قال ابن فارس « 1/73 » : « الأدْوُ : كالختل والمراوغة ، يقال أدَى يأدُو أدْوَاً . وهذا شئ مشتق من الأداة لأنها تعمل أعمالاً حتى يوصل بها إلى ما يراد . ومن هذا الباب استأديت على فلان بمعنى استعديت ، كأنك طلبت به أداة تمكنك من خصمك . وآدَيْتُ فلاناً أي أعنته » . ثم قال ابن فارس : « أَدَيَ . إيصال الشئ إلى الشئ ، أو من تلقاء نفسه . قال الخليل أدَّى فلانٌ يؤدي ما عليه أداءً وتأدية . وتقول : فلان آدى للأمانة منك » .
لكن الراغب خلطهما فجعل أداء الأمانة من الأداة ! ولعله وقع في الخطأ من عبارة الخليل التي فيها انتقال موهم من أدَيَ الى أدَوَ ! قال « 8/98 » : « وأدَّى فلان ما عليه أداء وتأدية ، وفلان آدَى للأمانة من فلان . وألف الأداة هي الواو ، لأنك تقول أدوات » .
واستأدَيْتُ على فلان : التي جعلها ابن فارس من أَدَوَ ، لا تستعمل إلا نادراً ، وهي غير استأديْتُ فلاناً ، من أديَ ، وهي السائدة .
3 . لم أجد : أدوت تفعل كذا في لغة العرب ، وأظنه من مخترعات الراغب !
4 . لم يستعمل القرآن الأداة أبداً ، واستعمل الأداء ست
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 49 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مرات ، أربع منها في أداء الأمانة ، كقوله تعالى : إن اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَـا . فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ . وواحدة في الدية : فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ . وواحدة في مطالبة موسى عليه السلام بأداء بني إسرائيل اليه : أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللهِ .
آدَمُ - أديم - إدام - يؤدم
آدم : أبو البشر ، قيل سُمِّي بذلك لكون جسده من أديم الأرض . وقيل لسمرةٍ في لونه ، يقال رجل آدم نحو أسمر . وقيل سمي بذلك لكونه من عناصر مختلفة وقوى متفرقة ، كما قال تعالى : مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ « الإنسان : 2 » . ويقال : جعلت فلاناً أَدَمَة أهلي ، أي خلطته بهم . وقيل سُمي بذلك لما طُيِّبَ به من الروح المنفوخ فيه ، المذكور في قوله تعالى : وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي « الحجر : 29 » وجعل له العقل والفهم والرَّوِيَّة التي فُضِّل بها على غيره ، كما قال تعالى : وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا « الإسراء : 70 » وذلك من قولهم : الإدام ، وهو ما يُطَيَّبُ به الطعام ، وفي الحديث : لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما . أي يؤلف ويطيب .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن إسم آدم أبي البشر عليه السلام خمساً وعشرين مرة . وذكر اللغويون وجهين في اشتقاقه : من أديم الأرض ، أو من الأدمة بمعنى الإتفاق . قال الخليل « 8/88 » : « الأدم : الإتفاق ، وأدَمَ الله بينهما يأدم أدماً ، وآدم بينهما إيداماً . ويقال بينهما أدمة وملحة أي خلطة . وأديم كل شئ ظاهرٌ جلده ، وأدمة الأرض وجهها ، وقيل سمي آدم لأنه خلق من أدمة الأرض . والإدام والأدم : مايؤتدم به مع الخبز » .
والمعروف أن آدم عليه السلام سمي به لأنه خلق من أديم الأرض أي وجهها ، وهو المروي عن الإمام الصادق عليه السلام « علل الشرائع : 1/15 » . وقد يكون توافق الجسد والروح وائتدامهما ملحوظاً في إسمه ، بل لعله ملحوظٌ في تسمية أديم الأرض الذي خلق منه آدم عليه السلام .
2 . قال ابن فارس « 1/71 » : « أدم : أصل واحد وهو الموافقة والملاءمة ، وذلك قول النبي صلى الله عليه وآله للمغيرة بن شعبة وخطب امرأة : لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما . قال أبو عبيد : ولا أرى هذا إلا من أدم الطعام لأن صلاحه وطيبه إنما يكون بالإدام . وكذلك يقال طعام مأدوم . آدم الله بينهما يؤدم إيداماً ، فهو مؤدم بينهما » . فمعنى الحديث « الوسائل : 14/61 ، وأحمد : 4/245 » : يوفق بينكما كما وُفِّق بين الخبز والإدام . فهو من الإدام وليس الأدمة . كما تخيل الراغب .
3 . جعل الراغب الإدام ما يُطَيِّبُ الطعام ، وهو الطعام نفسه ، الذي يؤتدم به مع الخبز , ليس ما يطيبه .
أُذُنً - إذَن - أذن - أذان - مؤذن - استئذان - إذَن
الأذُن : الجارحة ، وشُبِّه به من حيث الحلقة أذن القدر وغيرها ، ويستعار لمن كثر استماعه وقوله لما يسمع ، قال تعالى : وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ « التوبة : 61 » أي استماعه لما يعود بخيرٍ لكم .
وقوله تعالى : وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً « الأنعام : 25 » إشارة إلى جهلهم ، لا إلى عدم سمعهم .
وأَذِنَ : استمع ، نحو قوله : وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحقتْ « الإنشقاق : 2 » ويستعمل ذلك في العلم الذي يتوصل إليه بالسماع ، نحو قوله : فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ الله وَرَسُولِهِ . « البقرة : 279 » .
والأُذن والأذان : لما يسمع . ويعبر بذلك عن العلم ، إذ هو مبدأ كثيرٍ من العلم فينا ، قال الله تعـالى : ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي « التـوبة : 49 » وقـال : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ « إبراهيـم : 7 » . وأذنته بكذا وآذنته بمعنى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 50 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والمُؤَذِّن : كل من يُعْلِم بشئ نداءً ، قال تعالى : ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ « يوسف : 70 » فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ « الأعراف : 44 » وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ . « الحج : 27 » . والأَذِين : المكان الذي يأتيه الأذان .
والإِذنُ في الشئ : إعلام بإجازته والرخصة فيه ، نحو : وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ الله « النساء : 64 » أي بإرادته وأمره .
وقوله : وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ الله « آل عمران : 166 » وقوله : وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ الله « البقرة : 102 » وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ الله « المجادلة : 10 » قيل : معناه بعلمه ، لكن بين العلم والإذن فرقٌ ، فإن الإذن أخص ولا يكاد يستعمل إلا فيما فيه مشيئة به ، راضياً منه الفعل أم لم يرض به ، فإن قوله : وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ الله « يونس : 100 » فمعلوم أن فيه مشيئته وأمره .
وقوله : وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ الله « البقرة : 102 » ففيه مشيئته من وجهٍ ، وهو أنه لاخلاف أن الله تعالى أوجد في الإنسان قوة فيها إمكان قبول الضرب من جهة من يظلمه فيضرُّه ، ولم يجعله كالحجر الذي لا يوجعه الضرب ، ولا خلاف أن إيجاد هذا الإمكان من فعل الله ، فمن هذا الوجه يصح أن يقال : إنه بإذن الله ومشيئته يلحق الضرر من جهة الظالم ، ولبسط هذا الكلام كتاب غير هذا .
والإستئذان : طلب الإذن ، قال تعالى : إنما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالله « التوبة : 45 » فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ « النور : 62 » .
وإِذَنْ : جواب وجزاء ، ومعنى ذلك إنه يقتضي جواباً أو تقدير جواب ، ويتضمن ما يصحبه من الكلام جزاءً .
ومتى صُدِّرَ به الكلام وتعقَّبه فعلٌ مضارعٌ ينصبه لا محالة ، نحو : إذن أخرجَ . ومتى تقدمه كلام ثم تبعه فعلٌ مضارعٌ يجوز نصبه ورفعه نحو : أنا إذن أخرجَ وأخرجُ . ومتى تأخر عن الفعل أو لم يكن معه الفعل المضارع لم يعمل ، نحو : أنا أخرجُ إذن ، قال تعالى : إنكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ . « النساء : 140 » .
ملاحظات
1 . جعل الراغب مادة أَذِنَ مشتقة من الأُذن الجارحة ، فاضطر أن يدخل فيها معنى السمع أو العلم الناتج عن السمع ، فجعل قوله تعالى : وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحقتْ ، بمعنى سمعت . وجعـل : إئْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي ، يتضمن معنى السـماع والعلم ، أي أعلمني .
والصحيح قول ابن فارس « 1/75 » : « أصلان . . أحدهما : أذُن كلِّ ذي أُذُن . ويقال للرجل السامع من كل أحد : أذُن . والأصل الآخر : العلم والإعلام . تقول العرب : قد أُذِنْتُ بهذا الأمر أي عَلِمت . وآذنني فلانٌ : أعلمني . والمصدر : الإذن والإيذان » .
فقد رأى ابن فارس أنه لا يمكن إرجاع مشتقات أذن الى الأذن الجارحة ، ولا الى السماع بها ، فجعلها أصلين : بمعنى الإذن والعلم . وهو كلامٌ قويٌّ . ويفهم ذلك من كلام الخليل أيضاً « 8/200 » .
2 . معنى قوله تعالى : إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحقتْ ، أنها انصاعت بالحق الذي لربها عليه ، ففي تفسير القمي « 2/413 » : « أي أطاعت ربها وحُقت ، وحَقَّ لها أن تطيع ربها » . ومعنى قوله تعالى : إئْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي : لا تجبرني على الذهاب الى الحرب فأفتتن وأكفر . فالإذن فيها بمعنى الإجازة ، وليس فيه معنى السماع . وقوله تعالى : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ ، وقوله : فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ . بمعنى الإعلان والإعلام ، وليس فيه سماع .
3 . استعمل الإذن في القرآن بمعانٍ :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 51 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
منها : إذن الله بوقوع الشئ تكويناً كقوله تعالى : فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ . وَمَا كَأن لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللهِ . يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ . تُؤْتِي أُكُلَهَا كل حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا .
ومنها : إذنٌ بمعنى الإجازة ، كقوله : شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الله فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ . أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ . حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي . لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ .
ومنهــا : بمعنى الأمر به : فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ .
ومنها : تأذَّنَ به بمعنى تعهَّد وأعلن : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ . وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
ومنها : آذنه ، بمعنى أقرَّ له : وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ .
أذَى - إيذاءً - تأذى - أذيَّة - مؤذٍ -آذي
الأذَى : ما يصل إلى الحيوان من الضرر ، إما في نفسه أو جسمه أو تبعاته ، دنيوياً كان أو أخروياً ، قال تعالى : لاتُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى « البقرة : 264 » .
قوله تعالى : فَآذُوهُما « النساء : 16 » إشارة إلى الضرب . ونحو ذلك في سورة التوبة : وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ « التوبة : 61 » ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى « الأحزاب : 69 » وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا . « الأنعام : 34 » . وقال : لِمَ تُؤْذُونَنِي « الصف : 5 » . وقوله : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً . « البقرة : 222 » فسمَّى ذلك أذىً باعتبار الشرع ، وباعتبار الطب على حسب ما يذكره أصحاب هذه الصناعة .
يقال : آذَيْتُهُ أو أَذَيْتُهُ إِيذاءً وأذيَّةً وأذىً . ومنه الآذيّ ، وهو الموج المؤذي لركاب البحر .
ملاحظات
1 . يشمل الأذى كل ما يؤذي إنساناً أو غيره ، قال الخليل « 3/50و : 8/206 » : « وكل شئ نحيته عن شئ ، فقد نقحته من أذى . وهو الشئ تتكرهه » . وقال ابن فارس « 1/78 » : « الأذى كل ما تأذيت به ، ورجل أذيٌّ أي شديد التأذي » .
2 . ذكر القرآن الُمؤْذِينَ لله ورسـوله صلى الله عليه وآله : إن الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ . وَمَا كَأن لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ . والمؤذين للمؤمنين والمؤمنات ، قال تعالى : وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا . وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً .
وذكر أذى من يعطي الصـدقـة : لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى . خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً .
وأذى المرض : أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِه . إِنْ كَان بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ . وأذى المحيض : وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً .
وأذى العقوبة : وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا .
إِذَا - إذ
إذا : يعبر به عن كل زمان مستقبل ، وقد يُضَمَّن معنى الشرط فيجزم به وذلك في الشعر أكثر .
وإذْ : يعبر به عن الزمان الماضي ، ولا يجازى به إلا إذا ضُمَّ إليه ما نحو : إذْمَا أتيت على الرسول فقل له .
ملاحظات
1 . معنى كلام الراغب أن إذا الفجائية أكثر استعمالاً من الشرطية ، لكن الشرطية أكثر استعمالاً ، وكلاهما أصل .
2 . ذكر الراغب « إِذَنْ » في فعل أذِنَ ، ومكانها هنا ، وقد استعملها القرآن بشكل واسع ، وكذلك إذَا وإذْ .
3 . فيما يلي خلاصة عن إذا وأخواتها من المغني لابن هشام
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 52 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
« 1/87 » : إذا الفجائية : تختص بالجمل الإسمية ولا تحتاج إلى جواب ، ومعناها الحال لا الإستقبال نحو : خرجت فإذا الأسد بالباب .
ولم يقع الخبر معها في التنزيل إلا مصرحاً به نحو : فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى . فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ . فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ . فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ . فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ .
إذا الشـرطية : ظرفٌ للمستقبل ، وتختص بالجملة الفعلية عكس الفجائية ، وقد اجتمعا في قوله تعالى : ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُـمْ تَخْرُجُـونَ . وقوله تعالى : فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ . ويكون الفعل بعدها ماضياً ، ومضارعاً .
وقد تجئ للماضي كقوله تعــالى : وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُــمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْـهِ تَوَلَّوا . وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا . أو للحال بعد القسم نحو : وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى . وقد يقرن جوابها بإذا الفجائية نحو : ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ . وقيل إنَّها في قوله تعالى : وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ . وقوله : وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ . ظرف لخبر المبتدأ بعدها ، ولو كانت شرطية لاقترنت بالفاء مثل : وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَئ قَدِيرٌ .
إِذَنْ : قال الجمهور إنها حرف ، حذفت بعده الجملة وعوض عنها بالتنوين كقـولـه تعالى : وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا . فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا .
إذْ : تأتي إسماً للزمن الماضي ، فتكون ظرفاً ، نحو : فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّـهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا . أو مفعولاً به ، نحو : وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا . وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ . أو مضافاً إليها إسـم زمان نحو : يَوْمَئِذٍ ، بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا .
وتأتي إذْ للتعليل ، نحو : وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ . وتأتي مضافة إلى جملة نحو : وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ . وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ . وقد تحذف الجملة ويعوض عنها التنوين نحو : وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . « المغني : 1/80 » .
أَرَبَ - إرْباً - أريب - أرَّبَ - أرَبَّ - آراب
الأرَب : فَرْطُ الحاجة المقتضي للإحتيال في دفعه ، فكل أربٍ حاجة وليس كل حاجة أرباً . ثم يستعمل تارة في الحاجة المفردة ، وتارة في الإحتيال وإن لم يكن حاجة ، كقولهم : فلان ذو أربٍ ، وأريب ، أي ذو احتيال ، وقد أَرِبَ إلى كذا ، أي احتاج إليه حاجةً شديدة . وقد أَرِبَ إلى كذا أَرَباً وأُرْبَةً وإِرْبَةً ومَأْرَبَةً .
قال تعـالى : وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى . « طه : 18 » . ولا أَرَبَ لي في كذا ، أي ليس بي شدة حاجة إليه ، وقوله : أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ « النور : 31 » كناية عن الحاجـة إلى النكاح . وهي الأُرْبَى ، للداهية المقتضية للإحتيال .
وتسمَّى الأعضاء التي تشتد الحاجة إليها آراباً الواحد : إِرْب ، وذلك أن الإعضاء ضربان : ضربٌ أوجد لحاجة الحيوان إليه كاليد والرجل والعين . وضربٌ للزينة ، كالحاجب واللحية . ثم التي للحاجة ضربان : ضرب لا تشتد الحاجة إليه . وضرب تشتد الحاجة إليه ، حتى لو تُوُهِّمَ مرتفعاً لاختل البدن به اختلالًا عظيماً وهي التي تسمى آراباً . وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال : إذا سجد العبد سجد معه سبعة آرابٍ : وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه .
ويقال : أَرَّبَ نصيبه أي عَظَّمه ، وذلك إذا جعله قَدْراً يكون له فيه أرَب . ومنه : أرَّبَ ماله أي كثَّر . وأرَّبت العقدة : أحكمتها .
ملاحظات
1 . تبعَ الراغب بعض اللغويين الذين تكلفوا في معاني الإربة فجعل أرَبَ أصلاً واحداً ، وحاول تضمين فروعها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 53 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
معنى الحاجة الشديدة والحيلة ، وأفرط في ذلك حتى جعل أرَبَّ الرجل ماله ، من الإربة والحاجة ، وهو من ربَّه وأربَّه بمعنى ربَّاه ونمَّاه . وكذلك فعل في واربتُ العقدة أي أحكمتها ، وهو من وَارَبَ ، والعقدة المَوْرُوبة : المُحكمة .
فالإربة : من أرَب أصل . ورَبَّ المالَ وأربَّه : من ربَّى وأربَّ أصل . ووَارَبَ : بمعنى استعمل الحيلة للإربة أصل ، والآراب : بمعنى قطع البدن أصل . وقد وحدها الراغب فأفسد معناها ، وأجاد ابن فارس فقال « 1/89 » : « أرب : لها أربعة أصول إليها ترجع الفروع وهي : الحاجة ، والعقل ، والنصيب ، والعقد » .
2 . مما يدل على خطإ إدخال الحيلة في معنى الإِرْبَة ، أن الأريب العاقل ، قال الخليل « 8/289 » : « والإرْب : الحاجة المهمة ، الأريب : العاقل . وأرب الرجل يأرب إرباً . والمؤاربة : مداهاة الرجل ومخاتلته ، وفي الحديث : مؤاربة الأريب جهل وعناء ، لأن الأريب لا يخدع عن عقله » .
3 . لا أصل لحديث : السجود على سبعة آراب في مصادرالمسلمين . بل هو : على سبعة أعظم ، أو أعضاء . والآراب : كما نص الخليل قطع اللحم ، نعم شاع استعمال : قَطَّعَهُ إرباً إرباً ، بمعنى عضواً عضواً ، لكنه باعتبار تقطيع اللحم . وذكر ابن منظور أن الإرب العضو الكامل من البدن وليس كل قطعة ، وفسر حديث : أُتِيَ النبي صلى الله عليه وآله بكتف مُوَرَّب ، بكتف كامل ، ولعل تسميته بالإرب ، لأن قطعه يحتاج الى مواربة .
4 . يظهر من استعمال الإربة أن معناها الحاجة الملحة وليس المهمة . وسميت الشهوة الجنسية إربة ، كما في الصحيح عن زرارة قال : « سألت أباجعفر عليه السلام عن قول الله عز وجـل : أَوِ التابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ ؟ قال : الأحمق الذي لا يأتي النساء » . « الكافي : 5/523 » . وفي « نهج البلاغة : 2/184 » قال أمير المؤمنين عليه السلام : « و الله ما كانت لي في الخلافة رغبة ، ولا في الولاية إربة . ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها » . فاستعمل الإربة مقابل الرغبة ، وكأنها رغبة مع شهوة .
5 . قال الخليل « 8/289 » : « قطعت اللحم آراباً ، أي قطعاً . والإرْب : الحاجة المهمة » . وقال ابن فارس « 1/89 » : « الإرب العقل . قال ابن الإعرابي : يقال للعقل أيضاً إرب وإربة ، كما يقال للحاجة إربة وإرب . والنعت من الإرب : أريب ، والفعل أَرُبَ بضم الراء . ومن هذا الباب الفوز والمهارة بالشئ يقال : أربت بالشئ ، أي صرت به ماهراً . ومن هذا الباب المؤاربة وهي المداهاة ، كذا قال الخليل » . وبهذا تعرف كم ابتعد الراغب عن الجادة في هذه المادة .
أرَضَ - أرضون - تأرَّض - أريضة - أرََضة
الأرض : الجُرم المقابل للسماء ، وجمعه أرضون ولم تجئ مجموعةً في القرآن ، ويعبر بها عن أسفل الشئ كما يعبر بالسماء عن أعلاه . قال الشاعر في صفة فرس :
وأحمرُ كالديباج أما سماؤُه فَرَيَّا
وأمَّا أرْضُهُ فمُحُولُ وقوله تعالى : إعْلَمُوا إن الله يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهـا « الحديد : 17 » عبارة عن كل تكوين بعد إفساد ، وعودٍ بعد بدء ، ولذلك قال بعض المفسرين : يعني به تليين القلوب بعد قساوتها .
ويقال : أرضٌ أريضة ، أي حسنة النبت . وتأرَّضَ النَّبْتُ : تمكَّن على الأرض فكثر ، وتأرَّض الجَدْيُ : إذا تناول نبت الأرض .
والأَرَضَة : الدودة التي تقع في الخشب من الأرض . يقال : أُرِضَتِ الخشبة فهي مأروضة .
ملاحظات
1 . تعريف الراغب للأرض ركيك ، فكل كوكب ونجم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 54 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جرم يقابل السماء ، وأجاد الخليل فترك تعريفها لوضوحه ، قال « 7/55 » : « أرض : أرض وجمعها أرضون » . وقال ابن فارس فقال « 1/80 » : « والأرض التي نحن عليها ، وتجمع أرضين . ولم تجئ في كتاب الله مجموعة » .
2 . استعملت الأرض في القرآن ثلاث مئة وإحدى وستين مرة ، في موضوعات عن خلق السماوات والأرض ، وإسكان الإنسان وحياته ومستقبله فيها . فقد خلقها الله بالحق بقوانين صحيحة وهدف صحيح : خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض بِالْحق . ولم يخلقها عبثاً بدون قصد : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ . ولا باطلاً بدون هدف : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرض وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً .
وخلقها في ست مراحل ، اثنتان منها لتكوينها العام ، وأربع لإعدادها لحياة الإنسان : قُلْ أَإنكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُــونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ . وَجَعَلَ فِيهَـــا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ .
ورتب فيها نظام الزمن السنوي والشهري : إن عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض .
وأنظمة الإمطار والإنبات والإنهار : وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كل دَابَّةٍ .
وجعلها مهداً ، وسلك فيها سبلاً ، وجعلها كفاتاً وبساطاً وفراشاً ومهاداً وذلولاً ، ووضعها للأنام . وجعل فيها معايش ، وسخر ذلك للانسان . وجعل فيها أنواع الأمم من الدواب والطيور ، وتكفل رزق جميع من عليها .
فانتظمت قوانينها وفق إرادته ومشيئته : يُدَبِّرُ الأمر مِنَ السَّمَــاءِ إِلَى الأرض ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَأن مِقْدَارُهُ أَلْفَ سنة مِمَّا تَعُدُّونَ .
وهي في كل ذلك طائعة راضية ، لأنها وجود حي على خلاف ما نتصور ، وفي كل ذرة منها حياة وروح : تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَـاوَاتُ السَّــبْعُ وَالأرض وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ .
وقد دعاها الله عز وجل هي والسماء فأجابتا وأعلنتا خضوعهما : قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ .
وهي موحدة لله تعالى تمقت الشرك ، وتكاد تنشق من ادعاء المشركين وتَخِرُّ جبالها هداً . وبذلك استحقت أن تسمى الأرض المباركة .
وخلق الله الإنسان من ترابها ، ونطف ذرياته من غذائها ، وجعل حياتنا فيها تشبه دورة حياة النبات : وَ اللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرض نَبَاتاً ، فالعناصر الستة عشر التي يتركب منها جسم الانسان ، يتركب منها تراب الأرض . وأسكن آدم وأبناءه فيها : هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرض وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا .
والهدف منها الإعداد للحياة الآخرة : وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ : وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإن الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ . والطريق الى نيلها عبادة الله تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ .
وأراد تعالى أن تبقى معادلة الصراع بين الحق والباطل في الأرض قائمة ، فلم يسمح أن يعمها الفساد : وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْض .
وسمح أن يتداول حكمها الأبرار والفجار : أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَــا . حتى يحين وعده فيورثها للمؤمنين ويمكن لهم .
2 . وضع القرآن خمسة عشـر مصطلحاً تتعلق بالأرض ، هي : الخلافة في الأرض ، والباغون في الأرض ، والفرحون في الأرض ، والماشون في الأرض مرحاً وهوناً ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 55 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والمستكبرون والمستضعفون والعالون في الأرض ، والمثَّاقلون الى الأرض ، والتمكين في الأرض ، والإستقرار في الأرض ، والهجرة في الأرض ، والوارثون للأرض ، والأرض المباركة والمقدسة ، وأدنى الأرض وأقصاها ، والسير في الأرض ، والضرب والإنتشار في الأرض ، والإسكان والإستعمار في الأرض .
3 . الأرض الأريضة : الأرض الحسنة بنبتها أو بغيره . والأرضة : حشرة في الأرض ، والجدران ، والخشب ، والكتب ، وغيرها .
أَرِيك - أريكة - أرائك - أراك
الأريكة : حَجَلَة على سرير ، جمعها أرائك . وتسميتها بذلك إما لكونها في الأرض متخذة من أراك وهو شجرة ، أو لكونها مكاناً للإقامة من قولهم : أَرَكَ بالمكان أروكاً ، وأصل الأروك الإقامة على رعي الأراك ، ثم تجوز به في غيره من الإقامات .
ملاحظات
1 . الأريكة : السرير أو الكرسي الموضوع في حجلة أو مقصورة ، وقد جعلهما الخليل أريكة ، قال « 5/404 » : « الأريكة : سرير في حجلة ، فالحجلة والسرير أريكة » . ولايصح قولهم إنها سميت أريكة لأنها صنعت من شجر الأراك . والصحيح أنها من الأروك وهو المقام المريح ، وقد استعملت في القرآن لكراسٍ ذات جلسة مريحة ، في قوله تعـالى : مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْســـاً وَلا زَمْهَرِيرا . عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ .
2 . عبَّر النبي صلى الله عليه وآله بالأريكة عن كرسي الحكم بعده فقال : « لا ألفينَّ أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر مما أمرتُ به أو نهيتُ عنه ، فيقول : لا أدري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه » ! وقد صححه النقاد ، وهو من إخباره بالمغيبات بما حدث بعده ، حيث منعوا تدوين سنته صلى الله عليه وآله ! راجع : كتابألف سؤال وإشكال : 2/42 .
إِرَم- إرَّم - آرام - أريم
الإرَم : عَلَمٌ يبنى من الحجارة ، وجمعه آرَام . وقيل للحجارة إرمٌ ، ومنه قيل للمتغيظ يُحرِّق الإرَّم ، وقوله تعالى : إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ « الفجر : 7 » إشارة إلى أعمدة مرفوعة مزخرفة . وما بها إرمٌ وأريمٌ ، أي أحَدٌ ، وأصله اللازم للإرم .
وخص به النفي كقولهم : ما بها ديَّار ، وأصله للمقيم في الدار .
ملاحظات
1 . الآرامي : نسبة الى حضارة إرَم القديمة . واللغة الآرامية من اللغات المدونة المعروفة الى اليوم ، وكان يتكلم بها المسيح عليه السلام ، وبها نزل الإنجيل « قاموس الكتاب المقدس/44 » .
ويرى الباحث سعيد اللحام أنها مطورة عن النبطية والسـريانية ، وأنها هي العرمية التي تطورت الى العربية القديمة ثم الجديدة . « ابن أبي شيبة : 7/156 » .
وذكر في معجم المطبوعات العربية « 1/497 » كتاب الأصول الجليلة في نحو اللغة الأرامية ، تأليف : يعقوب أوجين الكلداني- 1896م . وترجم في الأعلام « 8/100 » لهنريك صموئيل نيبرغ S H Nyberg : من كبار المستشرقين من السويد أستاذ اللغات السامية ، وأتقن منها الآرامية والفهلوية ، وغيرها .
والذي يدخل في غرضنا كلمة « إرَم » التي وردت في قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ . إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ . الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ . ويظهر أنهــا إسم لعاصمة قبيلة عاد ، وأنها وصفت بذات العماد لأساطين قصورها الرخامية ، فجعلوا إسمها بمعنى الأعمدة أو الأعلام ، ورووا عنها أساطير . وروى الصدوق في كمال
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 56 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الدين/552 ، أثراً عن أبي وائل ، بعنوان : « حديث شداد بن عاد بن أرم ، وصفة إرم ذات العماد » . والمشهور أنها الأحقاف قرب حضرموت . وروي أنها دمشق . « معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام : 5/255 » .
2 . المؤكد أن إرم لفظة غير عربية ، فهي تعني الآراميين . وأقوال اللغويين فيها وتفريعاتهم عليها كلها احتمالات ، فقد جعلها الراغب العَلَم ، وجعلها الخليل ملتقى قبائل الرأس ، وجعل الأرمي العَلَمَ العادي نسبة الى عاد « العين : 8/296 » وجعلها الأصمعي الأصابع « غريب ابن قتيبة : 1/359 » وجعلها الجوهري « 5/1860 » الأضراس ، ومنه قولهم يحرَّق عليه الإرَّمَ ! وجعل ابن منظور « 12/13 » أرَّمَ بمعنى أكل . الخ . وقد تكون هوه الكلمات متأثرة بها . فلا يصح قول الراغب : وقيل للحجارة إرم ، ومنه قيل للمتغيظ يحرق عليه الإرم . بل هو من تحريق الأضراس من الغيظ !
أَزَّ - أزَّاً - أزيزاً
قال تعالى : تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ، أي ترجعهم إرجاع القدر إذا أزَّتْ ، أي اشتد غليانها . وروى أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي ولجَوْفِهِ أزيزٌ كأزيز المرجل . وأزَّهُ أبلغ من هَزَّهُ .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن أزَّ في آية واحدة : أَلَمْ تَرَ إنا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا . أي تدفعهم الى الكفر والشر دفعاً ، لا أنها تُفَوِّرُهم كغلي المرجل ، كما تخيل الراغب . قال الخليل في العين : 7/397 : « الأز ُّ : أن تَؤُزَّ إنساناً ، أي أن تحمله على أمر برفق واحتيال حتى يفعله ، كأنه يزين له » . ونحوه الصحاح : 3/854 ، ومقاييس اللغة : 1/13 .
وفي تفسير القمي : 2/55 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « مد لهم في طغيانهم وضلالهم ، وأرسل عليهم شياطين الإنس والجن تؤزهم أزاً ، أي تنخسهم نخساً ، وتحضُّهم على طاعتهم وعبادتهم » .
2 . فالأ زَّ : الدفع بحيلة ، ولا علاقة له بالأزيز الذي هو صوت غلْي القدر ، وصوت الرعد . فهما أصلان ، لا أصل واحد .
3 . لعل دزَّهُ ، لغة في أزَّهُ ، ويستعمله العراقيون فيقولون : دزَّ فلاناً أي دفعه الى عمل ، شر أو خير .
أزَرَ- إزار- مئزر- أزْرُه - آزره - تأزَّر - آزر
أصل الأزْر : الإزار الذي هو اللباس ، يقال : إزار وإزارة ومئزر . ويكنى بالإزار عن المرأة قال الشاعر :
ألا بلغ أباحفص رسولاً
فدىً لك من أخي ثقةٍ إزاري
وتسميتها بذلك لما قال تعالى : هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ « البقرة : 187 » . وقوله تعالى : أُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي « طه : 31 » أي أتقوى به .
والأزر : القوة الشديدة ، وآزره : أعانه وقوَّاه ، وأصله من شد الإزار ، قال تعالى : كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ « الفتح : 29 » يقال : آزرته فتأزّر ، أي شددت أزره ، وهو حسن الإزرة .
وأزرت البناء وآزرته : قوَّيت أسافله ، وتأزَّر النَّبْتُ : طال وقوي . وآزرته ووازرته : صرت وزيره ، وأصله الواو . وفرس آزر : انتهى بياض قوائمه إلى موضع شد الإزار . قال تعالى : وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ « الأنعام : 74 » قيل : كان إسم أبيه تارخ فعُرِّب فجعل آزر ، وقيل : آزر معناه الضال في كلامهم .
ملاحظات
1 . وردت مادة أزَرَ في آيتين ، في طلب موسى من ربه أن يشد أزره بأخيه : هَارُونَ أَخِي أشْدُدْ بِهِ أَزْرِي . أي قوِّ به ظهري .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 57 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي وصف أئمة العترة عليهم السلام بأبناء الزرع الذي يشد أزر أصله صلى الله عليه وآله : وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ .
وقد تفاوت كلام الراغب في أزَرَ ، فقال هنا إن أصله الإزار ، وفرع عليه مواده ، وقال في أواخر كتابه : « الوزَر الملجأ الذي يُلْتَجَأُ إليه من الجبل . والوِزْر الثقل تشبيهاً بوَزَر الجبل » وفرَّعَ عليه مواده !
والصحيح ما ذكره الخليل من أن الأزر الظهر ، ومنه الإزار والمئزر لأنه يشده ، ومنه الوزير لأنه يشد الأزر . ومنه الوِزْر بمعنى الإثم كأنه ثقل على الظهر .
أما آزر ، فلا علاقة له بالأزر ، لأنه ليس عربياً وتقدم أن آزر عمُّ إبراهيم عليه السلام ووالده تارخ ، لأنه استغفر له في أواخر عمره .
والأصح تفسير قول الشاعر :
فدىً لك من أخي ثقةٍ إزاري
بأنه قصد نفسه وأهله
لأن العرب لا تفدي بالزوجة
أَزِفَ - أزِفَةً - آزفة
قال تعالى : أَزِفَتِ الْآزِفَةُ « النجم : 57 » أي دَنَت القيامة . وأزِفَ وأفِدَ يتقاربان ، لكن أزف يقال اعتباراً بضيق وقتها ، ويقال : أزف الشخوص .
والأَزَفُ : ضيق الوقت ، وسميت به لقرب كونها ، وعلى ذلك عبَّر عنها بالسـاعة . وقيل : أَتى أَمْرُ الله « النحل : 1 » فعبر عنها بالماضي لقربها وضيق وقتها ، قال تعالى : وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ . « غافر : 18 » .
ملاحظات .
استعملت مادة أزَفَ في آيتين : أَزِفَتِ الآزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ . ومعنى أَزِفَ : قَرُبَ أن يقع . وسميَ يوم القيامة يوم الأزفة ، قال تعالى : وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الأَزِفَةِ . أما الآزفة : بالمد فهي التي ستأزف ، ومعناه أن وقوعها أو قرب وقوعها قطعي .
أَسَّ - أساس - آساس - أُسُس
أَسَّسَ بنيانه : جعل له أُسّاً ، وهو قاعدته التي يبتنى عليها ، يقال : أُسٌّ وأَسَاسٌ . وجمع الأس : إِسَاسٌ ، وجمع الإساس : أُسُس ، يقال : كان ذلك على أُسِّ الدهر كقولهم : على وجه الدهر .
ملاحظات
استعمل الأساس في قوله تعالى : لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التقْوَى . في النية والهدف من البناء ، وهو أعمق من الأساس المادي .
أَسِفَ - أسفاً - أسيف
الأَسَفُ : الحزن والغضب معاً ، وقد يقال لكل واحدٍ منهما على الإنفراد . وحقيقته : ثوران دم القلب من شهوة الإنتقام ، فمتى كان ذلك على من دونه انتشـر فصار غضباً ، ومتى كان على من فوقه انقبض فصار حزناً . ولذلك سئل ابن عباس عن الحزن والغضب فقال : مخرجهما واحد واللفظ مختلف ، فمن نازع من يقوى عليه أظهره غيظاً وغضباً ، ومن نازع من لا يقوى عليه أظهره حزناً وجزعاً . وبهذا النظر قال الشاعر :
فَحُزْنُ كل أخي حُزْنٍ أخو الغَضَبِ
وقوله تعالى : فَلما آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ . « الزخرف : 55 » أي أغضبونا . قال أبو عبد الله ابن الرضا : إن الله لا يأسف كأسفنا ، ولكن له أولياء يأسفون ويرضون ، فجعل رضاهم رضاه وغضبهم غضبه ، قال : وعلى ذلك قال : من أهان لي وليّاً فقد بارزني بالمحاربة . وقال تعالى : مَنْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 58 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله .
وقوله تعالى : غَضْبانَ أَسِفاً . « الأعراف : 150 » . والأسيف : الغضبان ، ويستعار للمستخدم المسخَّر ، ولمن لا يكاد يسمى فيقال : هو أسيف .
ملاحظات
فسر كثير من اللغويين الأسف بالغضب مع أنهما غير متلازمين ، ولذا تقول : أسف فغضب ، قال تعالى : وَلما رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً . أي غاضباً متحسراً لما حدث . ومعنى : فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَـذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا : هل تقتل نفسك بتأسفك عليهم لعدم إيمانهم؟ ! « تفسير القمي : 2 : 31 » .
وسبب نسبة الحكومات الأسف والغضب الى الله تعالى أن وهب بن منبه وهو حاخام أو قسيس مقرب من السلطة ، غضب على شخص : « فضربه على قرنه بعصاً فإذا دماؤه تشخب . فقال وهب : وما لي لا أغضب وقد غضب خالق الأحلام ! إن الله تعالى يقـول : فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ ، يقول أغضبونا » . « تهذيب الكمال : 20/33 » . وقد ردَّ ذلك أهل البيت عليهم السلام .
وما ذكره الراغب عن الإمام الرضا فهو عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام رواه في الكافي : 1/144 ، قال : « إن الله عز وجل لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون ، وهم مخلوقون مربوبون ، فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه ، لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه . ولو كان يصل إلى الله الأسف والضجر وهو الذي خلقهما وأنشأهما لجاز لقائل هذا أن يقول : إن الخالق يبيد يوماً ما ، لأنه إذا دخله الغضب والضجر دخله التغيير ، وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة ، ثم لم يعرف المكوِّن من المكوَّن ولا القادر من المقدور عليه ، ولا الخالق من المخلوق ، تعالى الله عن هذا القول علواً كبيراً ، بل هو الخالق للأشياء لا لحاجة ، فإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه » .
وقصده بهؤلاء الأولياء : النبي صلى الله عليه وآله وعترته الأئمة عليهم السلام .
أسَرَ- أسراً - أسير - مأسور
الأسْر : الشدُّ بالقيد من قولهم أسَرْتُ القَتَب ، وسمي الأسير بذلك ، ثم قيل لكل مأخوذ ومقيد وإن لم يكن مشدوداً ذلك . وقيل في جمعه أُسَارى وأَسَارى وأسْرى . وقال : وَيَتِيماً وَأَسِيراً . ويتجوز به فيقال أنا أسير نعمتك . وأسرة الرجل : من يتقوى به . قال تعالى : وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ . « الإنسان : 28 » إشارة إلى حكمته تعالى في تراكيب الإنسان ، المأمور بتأملها وتدبرها في قوله تعالى : وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ « الذاريات : 21 » . يقال : أراد الخلق ، ويقال : بل أراد مجري ما يخرج من السبيلين .
والأَسْر : احتباس البول ، ورجل مَأْسُور : أصابه أسرٌ ، كأنه سد منفذ بوله . والأسر في البول كالحصر في الغائط .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن لفظ الأسير : وَيُطْعِمُونَ الطعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . والأسارى : وَإِنْ يَاتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ . والمضارع من أسر : فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً .
2 . لا يصح القول إن شددنا أسرهم مأخوذ من الأسير وأسر البول . فالأسر هنا بمعنى الخلق ، قال ابن منظور : 4/19 : « الأسر : في كلام العرب : الخلق . قال الفراء : أسْرُ فلان أحسن الأسر أي أحسن الخلق ، وأسره الله أي خلقه ، وهذا الشئ لك بأسره أي بقده ، يعني كما يقال برمته » . والعين : 7/32 ، وإصلاح المنطق/185 . فالمعنى شددنا خلقهم وبناءهم ، شبيهاً بقولك شددنا أزرهم . وقد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 59 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ساوى الراغب بين القولين فقال : « وشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ، يقال أراد الخلق ، ويقال بل أراد مجرى مايخرج من السبيلين » . ولعله رجح الثاني ، وهو ركيك !
أسَنَ - آسن
يقال أسِنَ الماءُ يَأْسَنُ ، وأسن يأسن : إذا تغير ريحه تغيراً منكراً . وماءٌ آسن . قال تعالى : مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ . « محمد : 15 » . وأَسِنَ الرجل : مرض . من أسن الماء ، إذا غشيَ عليه . قال الشاعر :
يَمِيدُ في الرُّمْحِ مَيْدَ المائحِ الأسِنِ
وقيل تأسن الرجل : إذا اعتل ، تشبيهاً به .
ملاحظات
أَسِنَ الماء : تغير طَعمه « العين : 7/307 » ولا يشترط فيه شدة التغير ولا تغير رائحته . قال الله تعالى لنبيه عزير عليه السلام : فَأنظر إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ . ومعنى قوله تعالى : فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُه : أن مـاءها ولبنها لايقبـل التغير ذاتاً .
أسَوَ - أُسوةً - أسى - آسى - أسوان - أسَوَ
الأسوة : كالقدوة ، والقدوة هي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره ، إن حَسَناً وإن قبيحاً ، وإن سارَّاً وإن ضارَّاً ، ولهذا قـال تعالى : لَقَدْ كَأن لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسنة ، فوصفها بالحسنة ، ويقال : تأسيت به .
والأسى : الحزن ، وحقيقته إتْباع الفائت بالغم ، يقال : أسَيْتُ عليه أسَىً وأسيت له . قال تعالى : فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ . « المائدة : 68 » وقال الشاعر :
أَسِيتُ لأخوالي ربيعة
وأصله من الواو ، لقولهم : رجل أسوان ، أي حزين . والأَسْوُ : إصلاح الجرح ، وأصله إزالة الأسى نحو : كربت النخل : أزلت الكرب عنه ، وقد أسوْته أسْوُوهُ أسْوَاً . والآسي : طبيب الجرح جمعه أُساة وإِساة . والمجروح مَأسِيٌّ وأسِيٌّ مَعاً . ويقال أسَيْتُ بين القوم أي أصلحت وآسيت ، قال الشاعر :
آسَى أخَاه بنفسه
وقال آخر :
فآسى وآدَاه فكان كمَنْ جَنَى
وآسي : هو فاعل من قولهم يواسي .
وقول الشاعر :
يكفون أثقالَ ثَأَى المسْتَأسِي
فهو مستفعل من ذلك . فأما الإساءة ، فليست من هذا الباب ، وإنما هي منقولة عن ساء .
ملاحظات
1 . الأُسْوَة بضم الهمزة وكسرها : يعني السواسية . قال الله تعالى : لَقَدْ كَأن لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسنة . . قَدْ كَأنتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسنة فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ . وقال النبي صلى الله عليه وآله : الناسُ فيَّ أُسْوَةٌ سواء . « الكافي : 7/267 » .
وفي رسالة علي عليه السلام الى طلحة والزبير جواباً لاعتراضهما على تسويته في العطاء : « أما ما ذكرتما من أمر الأسوة ، فإن ذلك أمرٌ لم أحكم أنا فيه برأيي ولا وليته هوى مني ، بل وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله قد فرغ منه ، فلم أحتج إليكما فيما فرغ الله من قسمه ، وأمضى فيه حكمه » . « نهج البلاغة : 2/185 » .
2 . جعل الراغب وغيره الأسوة كالقدوة ، ولم يذكر الفرق بينهما ، ولم يذكر في كتابه مادة : قَدَوَ ! والفرق بينهما أن الأسوة تعني الأمر بمساواة نفسك في هذا الأمر بفلان . بينما القدوة تعني أن تتخذ شخصيته وسلوكه قدوة لك في كل شئ . فالتأسي اقتداء جزئي . قال ابن فارس « 5/66 » : « قَدَوَ : أصل صحيح يدل على اقتباس بالشئ واهتداء . .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 60 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فلانٌ قدوةٌ يقتدى به ، ويقولون إن القَدْو الأصل الذي يتشعب منه الفروع » .
كما لم يبين الراغب تعدد أصول المادة ، فالأسوة بمعنى القدوة ، من أسَوَ . والأسى بمعنى الحزن ، من أسَيَ . والمواساة بمعنى المشاركة من وَاسى . راجع العين « 7/333 » والمقاييس « 1/105 » .
3 . اسـتعمل القـرآن آسَى : فكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ . والمضـارع : فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَـوْمِ الْكَافِرِينَ . فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ . لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ . ولم يسـتعمل أسَوَ بمعنى عالج جرحه . كما استعمل الإقتداء في قوله تعالى : أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ . إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ .
أما : واساه مواساةً ، فتستعمل في الحزن والمرض والمصيبة ، ونحوها .
أشَرَ- أَشَراً - أشَّر
الأَشَرُ : شدة البطر ، وقد أَشِرَ يَأْشَرُ أَشَراً . قال تعالى : سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ . « القمر : 26 » فالأشَر أبلغ من البطر ، والبطر أبلغ من الفرح ، فإن الفرح وإن كان في أغلب أحواله مذموماً لقوله تعـالى : إن الله لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ . « القصص : 76 » فقـد يحمــد تارة إذا كـان على قدر ما يجب ، وفي الموضع الذي يجب ، كما قال تعالى : فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا « يونس : 58 » . وذلك أن الفرح قد يكون من سرور بحسب قضية العقل . والأَشَرُ لا يكون إلا فرحاً بحسب قضية الهوى ، ويقال : ناقة مِئْشِير ، أي نشيطة على طريق التشبيه ، أو ضامر من قولهم : أشرت الخشبة .
ملاحظات
1 . لا يصح تفسير الأشَر بأنه شدة البطر ، بل البطر أشد منه ، بدليل قول الإمام الحسين عليه السلام وهو من أفصح من نطق بالضاد : « وإني لم أخرج أشراً ، ولا بطراً ، ولا مفسداً ، ولا ظالماً ، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله » « كلمات الإمام الحسين/254 » .
لم أخرج أشراً : أي متكبراً ، ولا بطراً : أي طاغياً ، فهو أشد من الأشر . ووصف الكفار لنبيهم بأنه كذاب أشر يعني أنه يريد أن يتكبر عليهم ويحكمهم . وقوله تعالى : كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا ، أي تكبراً وطغياناً . وتفسير اللغويين للأشر بأنه نوعٌ من الفخر والغرور ، وأن أشْرَانٌ وأُشَارَى ، مثل سكران وسكارى « الصحاح : 2/579 » . صحيح لكنه تفسير باللوازم .
ويتضمن الأشر الفخر ، قال الرضا عليه السلام : « ما أدفع عباد الله عن التحدث بنعم الله عليَّ ، وإن كنت لا أبغي أشراً ، ولا بطراً » . « عيون أخبار الرضا : 1/182 » .
والفرق بين الأشر والفرح أن الأشر والبطر باطل والفرح منه باطل ، قال تعالى : ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الْحق .
ومنه ممدوح ، قال تعالى : قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا . وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ .
2 . ورد الأشر في القرآن صفة للمفرد فقط ، قال تعالى : بَلْ هُوَكَذَّابٌ أَشِرٌ . أي كذاب مغرور بنفسه ، وهو غير الفرِح .
3 . تصور بعضهم أن تأشير الأسنان بمعنى تحزيزها وتحديد أطرافها ، وتأشير الخشبة بالمئشار وهو شبه المنشار ، مشتقة من أشِرَ .
و الصحيح أنها من أشَّرَ ، أي جعل فيه إشارة ، ومنه التأشيرة للدخول الى بلد ، ونحوها .
أَصَرَ - إصْراً - آصاراً - مأصور - إصار
الأَصْرُ : عقد الشيئ وحبسه بقهره ، يقال : أَصَرْتُهُ فهو
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 61 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مَأْصُورٌ ، والمَأْصَرُ والمَأْصِرُ : محبس السفينة . قال الله تعالى : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ . « الأعراف : 157 » أي الأمور التي تثبطهم وتقيدهم عن الخيرات ، وعن الوصول إلى الثـواب . وعـلى ذلك : وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً « البقرة : 286 » وقيل : ثقلاً . وتحقيقه ما ذكرت .
والإِصْرُ : العهد المؤكد الذي يثبط ناقضه عن الثواب والخيرات ، قال تعالى : أَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي . « آل عمران : 81 » . والإصار : الطنب والأوتاد التي بها يعمد البيت .
وما يَأْصِرُنِي عنك شئ أي ما يحبسني . والأَيْصَرُ : كساء يشد فيه الحشيش فيثنى على السنام ليمكن ركوبه .
ملاحظات
1 . ورد الإصْر في ثلاث آيات ، قال تعالى : أأقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا . أي هل قبلتــم على ذلك عهدي .
وقـال تعالى : وَيَضَعُ عَنْهُــمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَأنتْ عَلَيْهِمْ . أي ثقل ذنوبهم وقيودهم . رَبَّنَــا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَـا حَمَلْتَـهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا : أي عبئاً يحبس عن الخير . « الكشاف : 1/110 » .
2 . وردت كلمة آصار في حديث النبي صلى الله عليه وآله . وقال الإمام الرضا عليه السلام لكبير النصارى كما في توحيد الصدوق/428 : « وفي الإنجيل مكتوب : إن ابن البَرَّة ذاهبٌ والفارقليطا جائي من بعده ، وهو الذي يخفف الآصار ، ويفسر لكم كل شئ ، ويشهد لي كما شهدت له ، أنا جئتكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل » . وتفسير الطبري : 3/383 .
3 . قال الخليل « 7/146 » : « الوَصْرة ، معربة : الصك . . روي عن شريح أن رجلين احتكما إليه فقال أحدهما : إن هذا اشترى مني داراً وقبض مني وصْرها ، فلا هو يعطيني الثمن ولا هو يرد علي الوصْر .
الإصر : الثقل . والأصر : الحبس . . ويقال : ليس بيني وبينه آصِرة رحم تأصرني عليه ، وما يأصرني عليه حق أي يعطفني » .
أقول : بذلك تفرد الخليل بذكر جذر لمادة أصر هو أنها معربة عن الصك وأصلها الوصرة . وقد فات الراغب أنه يمكن إرجاع كل فروعها الى الصك والوصرة ، حتى الإصر بمعنى العهد وبمعنى الذنب .
إصْبَع
الإصبع : إسم يقع على السُّلَامَى والظفر والأنملة والأطرة والبرجمة معاً . ويستعار للأثر الحسي فيقال : لك على فلان إصبع ، كقولك لك عليه يدٌ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 62 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
قال تعالى : كلمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ . فضربه مثلاً لمن لايريد اتباع الحق .
وضربه مثلاً للمنافقين : يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ .
واستعمل البنان في آيتين ، فقال تعالى : بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّىَ بَنَانَهُ . وقال للملائكة : وَاضْرِبوُا مِنْهُمْ كل بَنَانٍ .
أصَلَ - أصْل - أصيل - آصال
بالغدو والآصال : أي العشايا . يقال للعشية : أصيل وأصيلة . فجمع الأصيل أُصُل وآصَال ، وجمع الأصيلة أصائل . قال تعالى : بُكْرَةً وَأَصِيلاً . « الفتح : 9 » .
وأصل الشئ : قاعدته التي لو توهمت مرتفعة لارتفع بارتفاعه سائره لذلك ، قال تعالى : أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ . « إبراهيم : 24 » . وقد تَأَصَّلَ كذا ، وأَصَّلَهُ ، ومجد أصيل ، وفلان لا أصل له ولا فصل .
ملاحظات
1 . قال الله تعالى : يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ . والغدو أوائل النهار والآصال أواخره . وجعل الراغب الأصيل والعشية واحداً ، ومثله ابن منظور « 11/16 » . وقال الجوهري « 4/1623 » : « الأصيل : الوقت بعد العصـر إلى المغرب » .
وقال تعالى : وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا . أي في أول النهار وآخره . وقال ابن فارس « 1/110 » : « الأصيل بعد العشي » .
وتستعمل العشية لأول الليل من بعد صلاة المغرب الى العتمة ، قالوا : « الغَدَوات في القَيْظ أَطْوَلُ وأَطْيَبُ ، والعَشِيَّاتُ في الشِّتاءِ أَطولُ وأَطيبُ » . « لسان العرب : 15/61 » .
2 . استعمل القرآن كلمة أصل لشجرة إبراهيم عليه السلام : أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ . واستعمل كلمة : أصول للنخلة : مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ . « الكافي : 6/376 » .
وقال عن منبت شجرة الزقـوم : إنهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ . واستعمل الآصال ثلاث مرات ، وأصيل أربع مرات .
أُفٍّ - أفف - تأفف
أصل الأُفِّ : كل مستقذر من وسخ وقلامة ظفر ، وما يجري مجراها . ويقال ذلك لكل مُسْتَخَفٍّ به استقذاراً له نحو : أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله « الأنبياء : 67 » .
وقد أَفَّفْتُ لكذا : إذا قلت ذلك استقذاراً له ، ومنه قيل للضجر من استقذار شئ : أفَّفَ فلان .
ملاحظات
1 . جعل الراغب الأف المستقذر ، لكنه التضجر وقد يكون من القذر . ولعله تأثر بمعناها بالفارسية ! « راجع : العين : 8/410 ، والصحاح : 4/1331 ، ولسان العرب : 9/6 » .
2 . في أفٍّ وجوهٌ ، أفصحها استعمالها بالجر والتنوين ، كما وردت في القرآن في التضجر من شئ : أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُون من دون الله . وقوله تعالى : فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَـا . وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ . وقال علي عليه السلام : أفٍّ لكم لقد سئمت عتابكم . أفٍّ لكم لقد لقيت منكم برحاً . « نهج البلاغة : 1/82 » .
أُفُقٌ - آفاق - أفِقَ
قــال تعالى : سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ « فصلت : 53 » أي في النواحي ، الواحد أفُق وأفْق . ويقال في النسبة إليه أفُقي . وقد أفِق فلان : إذا ذهب في الآفاق . وقيل الآفق الذي يبلغ النهاية في الكرم ، تشبيهاً بالآفق الذاهب في الآفاق .
ملاحظات
الآفاق : النواحي ، وتشمل آفاق الأرض وآفاق السماء . قال الخليل « 5/227 » : « وواحد الآفاق : أُفُق ، وهي النواحي من الأرض ، وكذلك آفاق السماء نواحيها » .
وقوله تعالى : سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ : وعدٌ من الله تعالى ، روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه سيتحقق عند ظهور المهدي عليه السلام قال : « يريهم في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم فيرون قدرة الله عز وجل في أنفسهم وفي الآفاق . قلت له : حتى يتبين لهم أنه الحق ، قال : خروج القائم هو الحق من عند الله عز وجل » . الكافي « 8/381 » . فهو هنا بمعنى آفاق الأرض .
وفي آية المعراج : ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأفُقِ الأعلى ، بمعنى أفق السماوات العلى .
وفي آية بدء الوحي : وَلَقَدْ رَآهُ بِالآفُقِ الْمُبِينِ . أي رآه بوضوح ويقين في أفق السماء الدنيا .
أفِكَ - مؤتفكة - يؤفك - مأفوك العقل
الإفك : كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 63 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عليه ، ومنه قيل للرياح العادلة عن المهابّ : مُؤْتَفِكَة . قال تعالى : وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ . « الحاقة : 9 » . وقال تعالى : وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى « النجم : 53 » .
وقوله تعالى : قاتَلَهُمُ اللهُ إنى يُؤْفَكُونَ « التوبة : 30 » أي يصرفون عن الحق في الإعتقاد إلى الباطل ، ومن الصدق في المقال إلى الكذب ، ومن الجميل في الفعل إلى القبيح ، ومنه قوله تعالى : يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ « الذاريات : 9 » فَأنى تُؤْفَكُونَ « الأنعام : 95 » وقوله تعالى : أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا « الأحقاف : 22 » فاستعملوا الإفك في ذلك لما اعتقدوا أن ذلك صرفٌ من الحق إلى الباطل ، فاستعمل ذلك في الكذب لما قلنا .
وقال تعالى : إن الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ « النور : 11 » وقال : لِكل أَفَّاكٍ أَثِيمٍ « الجاثية : 7 » . وقوله : أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ الله تُرِيدُونَ « الصافات : 86 » فيصح أن يجعل تقديره : أتريدون آلهة من الإفك ، ويصح أن يجعل إفكاً مفعول تريدون ويجعل آلهة بدلاً منه ، ويكون قد سماهم إفكاً .
ورجل مَأْفُوك : مصروف عن الحق إلى الباطل ، قال الشاعر :
فإن تكُ عن أحسن المروءة مأفو
كاً ففــي آخريــن قد أُفكــوا
وأُفِكَ يُؤْفَكُ : صرف عقله . ورجل مَأْفُوكُ العقل .
ملاحظات
1 . أفِكَ فلانٌ الكلامَ والأمر والشئَ : قَلَبَهُ ، ومنه : أفكْتُهُ عن الأمر : صرفته عنه بالكذب والباطل « العين : 5/416 » « يدل على قلب الشئ وصرفه عن جهته » . « المقاييس : 1/118 » .
وهو أشد من الكذب ، قال الله تعالى : أَلا إنهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللهُ وَإنهُمْ لَكَاذِبُونَ . وقال : هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ اَلشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كل أَفَّاكٍ أَثِيمٍ . قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا . أي لتقلبنا عنها الى التوحيد .
2 . سمى الله عبادتهم للأصنام إفكاً وافتراءً فقال : إنمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا . وسمى ردهم الإسلام ائتفاكاً عن الحق فقال : إنكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ ، يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ . وسمى المشركون الإسلام إفكاً ، قال تعالى : وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُوَ . وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ .
3 . وسمى فعل السحَرة إفكاً ، لأنه تزوير للحقائق ، قال : فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ .
وسمى اتهام زوجـــة النبي صلى الله عليه وآله إفكاً : إن الَّذِينَ جَاءُوا بِالآفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ .
وسمى المدائن المخسوفة مؤتفكة ، أي منقلبة بإفكها ، فقال : وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى . وَجَـاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ .
فالمؤتفكات إسم لأمكنة منقلبة ، وليس للرياح العادلة عن المهابّ التي أفكتها ، كما تصور الراغب .
أفَلَ - آفل - أفال - أفيل
الأفول : غيبوبة النَّيِّرات كالقمر والنجوم ، قال تعالى : فَلما أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ، وقال : فَلما أَفَلَتْ . والأفَال : صغار الغنم ، والأفِيل : الفصيل الضئيل .
ملاحظات
الأفول : هو غياب الشيئ ولا يختص بالنيرات كما تصور الراغب ، قال الخليل « 8/337 » : « وكل شئ غاب فقد أفل ، وهو آفل » . وذكر ابن فارس « 1/119 » أن الأفيل « أصلان : أحدهما الغيبة ، والثاني الصغار من الإبل » .
والظاهر أن قولهم : سيفٌ أفِل ، أي في حده كسرٌ أو كلل ، مستعار من أفول الشمس والشئ . راجع ابن منظور : « 11/530 »
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 64 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أكَلَ - أكلاً - آكل - أكيل - أكيلة - أكال - أكول - أكال - إكال
الأكْل : تناول المطعم ، وعلى طريق التشبيه قيل أكلت النار الحطب . والأُكُل : لما يؤكل بضم الكاف وسكونه ، قال تعـالى : أكُلُهَا دَائِمٌ . والأَكْلة للمرة ، والأُكْلة كاللقمة . وأكيلة الأسد : فريسته التي يأكلها . والأكولة من الغنم : ما يؤكل . والأكيل المؤاكل . وفلان مُؤْكِل ومُطْعِم : استعارة للمرزوق . وثوب ذو أكُل : كثير الغزل كذلك . والتمر مأكلة للفم . قال تعالى : ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ . « سبأ : 16 » .
ويُعبر به عن النصيب فيقال : فلان ذو أُكُلٍ من الدنيا ، وفلان استوفى أُكُلَهُ ، كناية عن انقضاء الأجل ، وأَكَلَ فلانٌ فلاناً : اغتابه ، وكذا أكل لحمه . قال تعالى : أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً « الحجرات : 12 » وقال الشاعر :
فإن كنتُ مأكولاً فكُنْ أنتَ آكلي
وما ذقت أَكَالًا ، أي شيئاً يؤكل . وعبَّر بالأكل عن إنفاق المال لما كان الأكل أعظم ما يحتاج فيه إلى المال ، نحو : وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ « البقرة : 188 » وقال : إن الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْمـــاً « النساء : 10 » فأكـل المال بالباطل صرفه إلى ما ينافيه الحق .
وقوله تعالى : إنما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً « النساء : 10 » تنبيهاً [على] أن تناولهم لذلك يؤدي بهم إلى النار .
والأَكُول والأَكَّال : الكثير الأكل ، قال تعالى : أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ « المائدة : 42 » .
والأَكَلَة : جمع آكِل ، وقولهم : هم أَكَلَةُ رأس ، عبارة عن ناس من قلتهم يشبعهم رأس .
وقد يُعَبَّر بالأَكْلِ عن الفساد ، نحو : كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ « الفيل : 5 » وتَأَكَّلَ كذا : فسد . وأصابه إِكَالٌ في رأسه وفي أسنانه أي تأكَّل . وأكلني رأسي . وميكائيل : ليس بعربي .
ملاحظات
1 . الأكولة : الشاة تُرعى للأكل . والمأكلة : الطعمة . وأكائل النخل : المحبوسة للأكل . وائتكل الرجل : اشتد غضبه . وأصابه أَكَالٌ في رأسه : حِكاك . « العين : 5/409 » .
2 . استعمل القرآن الأكْل بمعناه المعروف ، وأمر بأكل الحلال ، وإطعام المحتاج : فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً . فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير . ونهى عن أكل اللحـم غير المذكي : وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ .
وذم الذيـن همُّهـم الأكـل : وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ .
ونهـى عن أكل السحت : سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ . والربـا : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّـيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ . وفي الحديث : لعن الله آكل الربا ومؤكله .
وعبَّر بأكل التراث : وَتَأْكُلُونَ الترَاثَ أَكْلاً لما . وبأكل السنين لما يُدَّخر : سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ .
وقال في أكل أهل جهنـم : طَلْعُهَا كَأنهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ ، لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِئُونَ .
واستعمله في أكل النحل الرحيق : ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ . واستعمل الأُكُل بضم الكاف لثمار الجنة : أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا .
واستعمله لثمر شجرة ذرية إبراهيم عليهم السلام : تُؤْتِي أُكُلَهَا كل حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا . ولجنائن الأرض : كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً .
2 . استعمل النبي صلى الله عليه وآله المأكول بمعنى المحكوم فقال : « الإيمان يمان ، إلى لخم وجذام وعاملة ، ومأكول حِمْيَر خير من آكلها » . « مسند أحمد : 4/378 » . أي محكوم حمير خير من حاكمها .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 65 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إلُّ - أَلَّ- آلة - إيل - مؤللة - إلال
الإلُّ : كل حالة ظاهرة من عهد حِلف وقرابة تَؤلُّ [أي] تَلمعُ ، فلا يمكن إنكارها . قال تعالى : لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاً وَلا ذِمَّةً . وأَلَّ الفرس : أي أسرع . حقيقتــه لمعَ ، وذلك استعارة في باب الإسراع نحو برق وطار .
والآلة : الحربة اللامعة . وألَّ بها : ضَرَبَ . وقيل إلٌّ وإيلٌ إسم الله تعالى ، وليس ذلك بصحيح .
وأذن مؤللة . والإلال : صفحتا السكين .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن الإلَّ ، بمعنى العهد : لايَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاً وَلا ذِمَّةً .
والإيلاء : الحلف على هجر الزوجة : لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ .
واستعمل الآل بمعنى الأهل في 29 مورداً . واستعمل إيلَ جزءً من إسماعيل وإسرائيل وجبرائيل ، في عدة آيات .
ولا يبعد أن تكون كلمة الآل بمعنى أهل البيت ، مشتقة من الإيل المستعملة في اللغات القديمة بمعنى الرب والجد والقبيلة . قال الجوهري « 41626 » : « الإل بالكسر ، هو الله عز وجل . والإل أيضاً : العهد والقرابة » .
2 . أخطأ الراغب في نفيه أن يكون إيل إسماً لله تعالى ، فقد وردت به الرواية ، ونص عليه اللغويون ، ففي علل الشرائع « 1/43 » عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « ويعقوب هو إسرائيل ، ومعنى إسرائيل عبد الله ، لأن إسرا هو عبد وإيل هو الله عز وجل » . وقال الخليل « 8/357 » : « إيل : إسم من أسماء الله عز وجل بالعبرانية » . « قاموس الكتاب المقدس/111 » . ولعلها جاءت الى العبرية من البابلية التي هي أصل العربية أيضاً . وتستعمل في التركية والفارسية بمعنى الجد والقبيلة . وترجع اليه بعض مفردات العربية التي تتناسب مع الرب والجد والقبيلة .
3 . اختار الراغب أن ألَّ بمعنى لمع « لسان العرب : 11/25 » فجعل اللمعان أصل المادة ، لكن اللمعان ليس مطرداً في مفرداتها ، فاختياره استنسابٌ لا دليل عليه من كلام العرب ! وصيغ هذه المادة متعددة ، فمنها ألَّ يئلُّ بمعنى لمع وأسرع . وآل يؤول ، بمعنى انتهى اليه ، وآلى يؤلي بمعنى حلف ، ومنه إلٌّ مكسور الهمزة .
ولا يبعد أن يكون الإلُّ والإيلاءُ بمعنى العهد والحلف ، مشتقاً من الإيل ، فيكون معنى آلَّ وآلى : عاهد وحلَف بالإيل عز وجل .
ومنه قوله تعالى : لايَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاً وَلا ذِمَّةً . أي لا يرقبون يميناً ولا جواراً . وسيأتي ذكر الإيلاء .
أما ألَّ الفرس ، والآلة ، وألَّ بها بمعنى ضرب ، وأذنٌ مؤَّللة بمعنى محددة ، والإلال بمعنى صفحتي السكين ، وغيرها من المفردات ، فلا بد أن تكون من أصول أخرى لأنها لا يمكن إرجاعها الى أصل واحد . « راجع : العين : 8/360 ، وإصلاح المنطق/57 والصحاح : 4/1626 » .
الألِفَ - أَلَّفَ - ألفة - إلْف - مؤلف- إيلاف -
أَوَالف - ألْف - آلف
الأَلِفُ : من حروف التهجي . والإِلْفُ : اجتماع مع التئام ، يقال : أَلَّفْتُ بينهم . ومنه : الأُلْفَة ، ويقال للمألوف : إِلْفٌ وأَلِيفٌ . قال تعالى : إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُــوبِكُمْ . « آل عمران : 103 » وقـال : لَوْ أَنْفَقْتَ مـا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِـمْ . « الأنفال : 63 » .
والمُؤَلَّف : ما جمع من أجزاء مختلفة ورُتِّبَ ترتيباً قُدِّمَ فيه ما حقه أن يقدم ، وأُخِّر فيه ما حقه أن يؤخر .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 66 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولِإِيلافِ قُرَيْشٍ : مصدر من أَلِفَ .
والمؤلَّفة قلوبهم : هم الذين يتحرى فيهم بتفقدهم أن يصيروا من جملة من وصفهم الله ، لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ « الأنفال : 63 » . وأَوَالِفُ الطير : ما أَلِفَتِ الدار .
والأَلْفُ : العدد المخصوص ، وسمي بذلك لكون الأعداد فيه مؤتلفة ، فإن الأعداد أربعة : آحاد وعشرات ومئات وألوف ، فإذا بلغت الألف فقد ائتلفت ، وما بعده يكون مكرراً . قال بعضهم : الأَلْفُ من ذلك ، لأنه مبدأ النظام ، وقيل : آلَفْتُ الدراهم ، أي بلغت بها الألف ، نحو ماءيت ، وآلفتُ هي نحو أمأتُ .
ملاحظات
جعل الراغب العنوان حرف الألف ، وأورد مادة ألِفَ يَألف وألَّف ويُؤلف ، ولا علاقة بينها وبين الألف ، فالأولى جعل العنوان فعل أَلِفَ ، فيكون العنوان بدون ألف ولام .
والإلْفُ بالكسر ، والأُلْفَة بالضم : حالة التئام ومودة بين أشخاص . والمؤلَّفة قلوبهم : الكفار الذين يُستمالون إلى الجهاد . « الحدائق : 12/176 » . ويشمل الذين يستمالون الى الإسلام .
واستعمل القرآن التأليف بين القلوب : وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، وبين الناس : وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ .
وتأليف السحاب : يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ . والتأليف : يكون بين شخصين ، أو شيئين .
والإيلاف : إيناسٌ بعمل أوشئ . وإيلاف قريش : رحلة الصيف التي رتبها هاشم الى فارس والشام ومصر . ورحلة الشتاء التي رتبها هاشم وعبد المطلب رضي الله عنهما الى اليمن والحبشة . ومعنى إيلافهم إياها أنه جعلها مألوفة لهم مأنوسة .
ألَكَ - يألك - مألكة - ملائكة
مَلَك : أصله مَأْلَك ، وقيل هو مقلوب عن مَلْأك . والمألك والمألكة والألوك : الرسالة ، ومنه أَلَكْنِي ، أي أبلغه رسالتي .
والملائكة : تقع على الواحد والجمع ، قال تعالى : اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا « الحج : 75 » .
قال الخليل : المألكة : الرسالة ، لأنها تؤلك في الفم ، من قولهم فرس يألك اللجام ويعلك .
ملاحظات
قال اللغويون : الملأك : حامل الرسالة ، وقدخُفِّفَ الى مَلك . وقالوا إن المألكة والألوكة مشتقة من ألكَ بمعنى علك ، لأنها توضع أو تعلك في الفم ، أو تنطق منه ،
وقال ابن منظور « 10/394 » : « قال أَبو منصور : أَلِكْني أَلِكْ لي ، وقال ابن الأَنباري : أَلِكْني إِليه أَي كُنْ رسولي إِليه . وقال أَبو عبيد : والمَلَكُ مشتق منه وأَصله مَأْلَك ، ثم قلبت الهمزة إِلى موضع اللام فقيل مَلأَك ، ثم خففت الهمزة بأَن أُلقيت حركتها على الساكن الذي قبلها فقيل مَلَك . والجمع ملائكة ، دخلت فيها الهاء لا لعجمة ولا لنسب ، ولكن على حد دخولها في القَشاعِمَة والصيَّاقلة ، وقد قالوا المَلائك » .
فهذا غاية ما ذكره اللغويون ، وهو غير مقنع خاصة في تسمية الملائكة عليهم السلام لأن الرسل منهم قلة قليلة . ولا أستبعد أن يكون إسم الملائكة غير عربي فحاولوا جعل أصله عربياً . « راجع : العين : 5/409 ، إصلاح المنطق/365 ، شرح الشافية : 4/287 ، القاموس : 3/293 » .
ألَمَ - ألماً - آلم - أليم
الأَلَمُ : الوجع الشديد ، يقال : أَلَمَ يَأْلَمُ أَلَماً فهو آلِمٌ . قال تعالى : فَإنهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ « النساء : 104 » وقد آلمتُ فلاناً .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 67 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وعذابٌ أليم ، أي مؤلم . وقوله : ألَمْ يَأْتِكُمْ « الأنعام : 130 » فهو ألف الإستفهام ، وقد دخل على لم .
ملاحظات
1 . جعل الراغب الألم الوجع الشديد ، لكن الألم أخف من الوجع ، قال أبو هلال في الفروق/569 : « الوجع أعم من الألم ، تقول : آلمني زيد بضـربته إياي ، وأوجعني بذلك » . بل الألم أخف مما قاله أبو هلال ، فالتألم يشمل كل انزعاج ، قال ابن فارس « 1/126 » : « والعرب تقول الحر يعطي والعبد يألم قلبه » وعرف المتكلمون اللذة بأنها رفع الألم ، ولهذا قال الله تعالى عن عقابه : إن أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ . فالأليم ليس بالضرورة شديداً ، بل قد يكون أليماً خفيفاً . لكن ورد في وصف الإمام زين العابدين عليه السلام للنار قوله : « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ نَارٍ . . نُورُهَا ظُلْمَةٌ ، وهَيِّنُهَا أَلِيمٌ ، وبَعِيدُهَا قَرِيبٌ » .
2 . استعمل الأليم في القرآن صفةً للعذاب الأخروي والدنيوي في عشـرات الآيات ، ويدل استعماله على أنه أمر نسبي .
3 . نبه الراغب على أن « أَلَمْ » همزة إستفهام دخلت على لَم النافية ، فهي غير الألم ، وكذا « أ . ل . م » في افتتاح ست سور .
الله - آلهة - تألَّهَ - يأله - اللهم
الله : قيل : أصله إِلَهٌ فحذفت همزته ، وأدخل عليها الألف واللام ، فخصَّ بالباري تعالى . ولتخصصه به قال تعالى : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمياً « مريم : 65 » .
وإلهٌ : جعلوه إسماً لكل معبود لهم ، وكذا اللات ، وسمَّوْا الشمس إِلَاهَة ، لاتخاذهم إياها معبوداً .
وأَلَهَ فلان يَأْلُهُ الآلهة : عَبَدَ . وقيل تَأَلَّهَ . فالإله على هذا هو المعبود . وقيل هو من : أَلِهَ ، أي تحيَّر ، وتسميته بذلك إشارة إلى ما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام : كل دون صفاته تحبير الصفات ، وضلَّ هناك تصاريف اللغات . وذلك أن العبد إذا تفكر في صفاته تحيَّر فيها ، ولهذا روي : تفكروا في آلاء الله ، ولا تفكروا في الله .
وقيل أصله : وَلَاه ، فأبدل من الواو همزة ، وتسميته بذلك لكون كل مخلوق والهاً نحوه ، إما بالتسخير فقط كالجمادات والحيوانات ، وإما بالتسخير والإرادة معاً كبعض الناس ، ومن هذا الوجه قال بعض الحكماء : الله محبوب الأشياء كلها ، وعليه دل قوله تعالى : وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ . « الإسراء : 44 » .
وقيل أصله من لاهَ يلوهُ لِيَاهاً ، أي احتجب . قالوا : وذلك إشــارة إلى ما قال تعالى : لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ . « الأنعام : 103 » والمشار إليه بالباطن في قوله : وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ « الحديد : 3 » .
وإِلَهٌ : حقه ألا يجمع إذ لا معبود سواه ، لكن العرب لاعتقادهم أن هاهنا معبودات ، جمعوه فقالوا : الآلهة . قال تعالى : أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا « الأنبياء : 43 » وقال : وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ . « الأعراف : 127 » وقرئ : وإلاهتك ، أي عبادتك . ولاهِ أنت ، أي لله ، وحذف إحدى اللامين .
اللهم : قيل معناه يا الله ، فأبدل من الياء في أوله الميمان في آخره ، وخُص بدعاء الله . وقيل تقديره : يا الله أُمَّنَا بخير ، مركب تركيب حيَّهلا .
ملاحظات
1 . لفظ الجلالة « الله » مشتق من أَلَهَ ووًلًهً بمعنى تَعَلَّقَ وتَوَلَّع ، فقد صح عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله : الله معناه المعبود الذي يأله فيه الخلق ويؤله إليه . « توحيدالصدوق/89 » . وورد في الحديث « متأله » بمعنى متعبد . والظاهر أن توله وتأله وتولع وتعله بمعنى واحد ، قال الخليل « 4/88 » :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 68 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
« الوله : ذهاب العقل والفؤاد من فقدان حبيب . . وفي الحديث : لا توله والدة عن ولدها » . وقال ابن فارس « 4/111 » في عَلَهَ : « ويمكن أن يكون من باب إبدال الهمزة عيناً لأنه يجرى مجرى الإله والوله ، وهؤلاء الكلمات الثلاث من واد واحد ، يشتمل على حيرة وتلدد . . يقال علهت إلى الشئ إذا تاقت نفسك إليه » .
2 . يستعمل ألَهَ متعدياً مباشرة فيقال : ألهَهَ ، أي أجاره « توحيدالصدوق/196 » ومتعدياً بفي وإلى ، يقال : أَلِهَ اليه يأله ، أي اشتاق اليه ، أو فزع إليه من أمر نزل به . ومتعدياً بعن بمعنى عجز عن معرفته وتحير فيه .
3 . لايصح قول بعضهم إن معنى اللهم : « يا ألله أُمَّ بخير ، أو أُمَّنا بخير . والصحيح قول الخليل وسيبويه وغيرهما : اللهم : بمعنى يا ألله ، والميم المشددة عوض من يا » . « لسان العرب : 13/470 » .
أَلَيّ - آلَى - ألَى - ألوَ- ائتلى - إيلاء - آلاء - أولاء
إلى : حرف يُحَدُّ به النهاية من الجوانب الست . وأَلَوْتُ في الأمر : قصَّرت فيه ، هو منه ، كأنه رأى فيه الإنتهاء .
وأَلَوْتُ فلاناً : أي أوليته تقصيراً ، نحو كسبته أي أوليته كسباً . وما ألوته جهداً ، أي ما أوليته تقصيراً بحسب الجهد ، فقولك : جهداً تمييز ، وكذلك : ما ألوته نصحاً . وقوله تعالى : لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا « آل عمران : 118 » منـه أي لايقصرون في جلب الخبال .
وقال تعالى : وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ . « النور : 22 » قيل هو يفتعل من ألوتُ . وقيل هو من آليت : حلفت . وقيل : نزل ذلك في أبي بكر ، وكان قد حلف على مسطح أن يزوي عنه فضله . وردَّ هذا بعضهم بأن افتعل قلما يبنى من أفعل إنما يبنى من فعل ، وذلك مثل كسبت واكتسبت ، وصنعت واصطنعت ، ورأيت وارتأيت . وروي : لادريت ولا ائتليت وذلك : افتعلت من قولك : ما ألوته شيئاً ، كأنه قيل : ولا استطعت .
وحقيقة الإيلاء والأَلِيَّة : الحلف المقتضي لتقصير في الأمر الذي يحلف عليه . وجُعل الإيلاء في الشرع للحلف المانع من جماع المرأة . وكيفيته وأحكامه مختصة بكتب الفقه .
فَاذْكُرُوا آلاءَ الله « الأعراف : 69 » أي نعمه ، الواحد ألاً وإِلىً ، نحو أناً وإنىً لواحد الآناء .
وقال بعضهم في قوله تعـالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ « القيامة : 22 » إن معناه إلى نعمة ربها منتظرة ، وفي هذا تعسف من حيث البلاغة .
وأَلَا : للإستفتاح ، وإِلَّا : للإستثناء ، وأُولَاءِ ، في قوله تعالى : ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ . وقوله : أولئك : إسم مبهم موضوع للإشارة إلى جمع المذكر والمؤنث ، ولا واحد له من لفظه ، وقد يقصر نحو قول الأعشى :
هؤلا ثم هؤلا كلاً أعطـيْــتَ نوالاً محذوَّةً بِمِثَالِ
ملاحظات
1 . جعل الراغب ألَوَ مشتقة من حرف الجر : الى ، ولو صح الإشتقاق من الحرف فلا يصح هنا لأنه لا يوجد معنى انتهاء في فعل : ألَوَ بمعنى قصَّر ، وليس فيه معنى الإنهاء !
2 . كما دمج الراغب عدة أصول وجعلها مادةً واحدةً ! ونسجل ما يلي :
أ . ألَوَ أو آلى ، تقول : أَلَوْتُ في الأمر أليّاً بمعنى قصَّرت فيه ، وأكثر ما يستعمل مع النفي تقول : ما آلاه وما يألوه ألواً ، بمعنى ما استطاعه ، لا آلو ، وما ألوتُ ، أي لم أقصر فيه ، بل بذلت جهدي ، ومنه قوله تعالى : لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً . وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى . ويستعمل بعكسه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 69 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بمعنى عجزت عنه ، تقول : ألوتُهُ ألواً وائتليتُ ائتلاءً ، أي عجزتُ عنه . وعده ابن فارس « 1/127 » أصلاً مستقلاً ، قال : « أصلان متباعدان أحدهما الإجتهاد والمبالغة والآخر التقصير » . لكن الكلمات المستعملة في عكسها في العربية كثيرة ، كالسليم والبصير .
ب . آليتُ بمعنى حلفتُ وعاهدتُ تقول : آلى على نفسه فهو مؤلٍ ومؤالٍ . وائتلى فهو مؤتل . وآليتُ ألوةً وإليةً وألاياً ، وآلى يولي يؤلى ويأتلي ويتألى ، وائتلى يأتلي ، وتألى يتألى ، ومنه قوله تعالى : لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ . أي يحلفون على هجرهن ، ومصدره الإيلاء والإئتلاء والتألي ، وهو من ملحقات باب الطلاق ، وهو أصل مستقل ، لكن الراغب اخترع له معنى التقصير ، وجعله من ألوْتُ بمعنى قصَّرْتُ !
ج . إلى حرف جر يدل على الحد ونوع من الإنتهاء ، ولايشير الى الشـروع والإبتداء كما تخيل البعض ، فقوله تعالى : فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِق ِ ، يدل على حد الغَسل بقطع النظر عن البدء من أعلى أو أسفل ، كقولك : إصبغ الجدار الى عُلُوِّ ذراع ، فليس فيه شرط الإبتداء من أسفل أو أعلى ، بل يعرف البدء إذا كان مطلوباً ، من غيره .
د . إلى بمعنى النعمة ، وجمعها إلىً وآلاء ، قال تعالى : فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَـوْا فِي الأرض مُفْسـِدِينَ . فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى . فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . وقد وردت آلاء في سورة الرحمن 31 مرة .
هـ . إلْيَةٌ : عجز الحيوان ، أو ما ينبت عليه من لحم وشحم ، تقول : شاة ألِيَّة وكبش ألَيَان ونعجة ألَيَانة ، بفتح اللام ، أي ذات إلْيَة .
3 . جعل الراغب جهداً في قولك : لا آلوك جهداً ، تمييزاً ، والأقوى قول ابن هشام في المغني « 2/525 » : « عُدِّيَ ألوتُ بقصـر الهمزة بمعنى قَصَّرتُ إلى مفعولين بعدما كان قاصراً ، وذلك في قولهم : لا آلوك نصحاً ولا آلوك جهداً ، لما ضمن معنى لا أمنعك » . ونحوه التفتازاني في المختصر/16 . راجع : العين : 8/356 ، والصحاح : 6/2270 ، والمقاييس : 1/127 ، ولسان العرب : 14/39 ، والقاموس : 4/300 .
4 . اختار الراغب أن يكون معنى قوله تعالى : إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ، أنها تنظر الى ذاته تعالى ، وقال إن تفسيرها بأنها : « إلى نعمة ربها منتظرة ، تعسف من حيث البلاغة » وهذا يدل على أن الراغب ليس شيعياً ، لأن مذهبنا أن الله تعالى يُرى بالعقل والبصيرة ، ولا يرى بالعين لا في الدنيا ولا في الآخرة . والتعسف إنما هو في جعل الله تعالى جسماً ينعكس عليه الضوء ، ورد قوله تعالى : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئْ . والصحيح أن ناظـرة هنا من نوع : وَإني مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ، أي منتظرة . ويدل عليه أن سياق الآية في مشاهد الحشر حيث يأمل المؤمنون الدخول الى الجنة ، ويخشى الكفار أن تحل بهم فاقـرة : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَة ٌ . وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ . تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ . قال الإمام الرضا عليه السلام : يعني مشرفة ٌتنتظر ثواب ربها . « التوحيد /116 » . وبهذا يتضح خطأ الراغب في تفسير قوله تعالى : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ ، بأنهم ينظرون إلى ذات الله ، تعالى عن ذلك .
أَمَّ - أمَمَ - أمْ - أمَّه - أَمَّا - إمام - أُمة - أئمة - أُمِّيٌّ
الأم : بإزاء الأب ، وهي الوالدة القريبة التي ولدته ، والبعيدة التي ولدت من ولدته . ولهذا قيل لحواء هي أمنا ، وإن كان بيننا وبينها وسائط . ويقال لكل ما كان أصلاً لوجود شئ أو تربيته أو إصلاحه أو مبدئه : أم .
قال الخليل : كل شئ ضم إليه سائر ما يليه يسمى أماً .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 70 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال تعالى : وَإنهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ « الزخرف : 4 » أي اللوح المحفوظ ، وذلك لكون العلوم كلها منسوبة إليه ومتولدة منه . وقيل لمكة أم القرى ، وذلك لما رويَ أن الدنيا دحيت من تحتها ، وقال تعالى : لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها « الأنعام : 92 » . وأم النجوم : المجرة ، قال الشاعر :
حيثُ اهتدَتْ أمُّ النُّجُومِ الشَّوَابِكِ
وقيل أم الأضياف وأم المساكين ، كقولهم أبو الأضياف . ويقال للرئيس أم الجيش كقول الشاعر :
وأم عيالٍ قد شهدتُ نفوسهم
وقيل لفاتحة الكتاب أم الكتاب ، لكونها مبدأ الكتاب .
وقوله تعالى : فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ « القارعة : 9 » أي مثواه النار فجعلها أماً له ، قال وهو نحو : مَأْواكُمُ النَّارُ « الحديد : 15 » . وسمى الله تعالى أزواج النبي أمهات المؤمنين فقال : وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ « الأحزاب : 6 » لما تقدم في الأب . وقال : يَا ابْنَ أُمَّ ، وكذا قوله : وَيْلُ امِّهِ ، وكذا : هَوَتْ أُمُّهُ .
والأم : قيل أصله أمهة ، لقولهم جمعاً أمهات وأميهة ، وقيل أصله من المضاعف لقولهم أُمَّات وأُمَيْمَة . قال بعضهم أكثر ما يقال أمات في البهائم ونحوها ، وأمهات في الإنسان .
والأمَّة : كل جماعة يجمعهم أمرٌ ما ، إما دين واحد ، أو زمان واحد ، أو مكان واحد ، سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيراً أو اختياراً . وجمعها أُمَمٌ .
وقوله تعالى : وَمـا مِنْ دَابَّـةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ « الأنعام : 38 » أي كل نوع منها على طريقة قد سخرها الله عليها بالطبع ، فهي من بين ناسجة كالعنكبوت ، وبانية كالسُّـرْفة بالضم والتشديد ، ومدخرة كالنمل ، ومعتمدة على قوت وقته كالعصفور والحمام ، إلى غير ذلك من الطبائع التي تخصص بها كل نوع .
وقوله تعالى : كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً . « البقرة : 213 » أي صنفاً واحداً وعلى طريقة واحدة في الضلال والكفر . وقوله : وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً . « هود : 118 » أي في الإيمان .
وقوله : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ . « آل عمــران : 104 » أي جماعة يتخيرون العلم والعمل الصالح ، يكونون أسوة لغيرهم . وقوله : إنا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ . « الزخرف : 22 » أي على دين مجتمع ، قال الشاعر :
وهل يأثَمَنْ ذو أمَّةٍ وَهْوَ طَائِعُ
وقوله تعالى : وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ « يوسف : 45 » أي حين . وقرئ بعد أمَهٍ أي بعد نسيان . وحقيقة ذلك بعد انقضاء أهل عصر أو أهل دين .
وقوله : إن إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِله « النحل : 120 » أي قائماً مقام جماعة في عبادة الله ، نحو قولهم فلان في نفسه قبيلة . ورويَ أنه يحشر زيد بن عمرو بن نفيل أمة وحده .
وقوله تعالى : لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ « آل عمــران : 113 » أي جماعة وجعلهـــا الزجَّاج هاهنا للإستقامة وقال : تقديره ذو طريقة واحدة فترك الإضمار .
والأمِّيُّ : هو الذي لايكتب ولا يقرأ من كتاب وعليه حمـل : هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُميينَ رَسُولًا مِنْهُمْ « الجمعـــة : 2 » . قال قطرب : الأُمِّيَّة الغفلة والجهالة فالأميُّ منه ، وذلك هو قلة المعرفة . ومنه قوله تعالى : وَمِنْهُمْ أُميونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ « البقرة : 78 » أي إلا أن يتلى عليهم . قـال الفراء : هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب .
و : النَّبِيَّ الْأُمي الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ « الأعراف : 157 » قيل منسوب إلى الأمة الذين لم يكتبوا لكونه على عادتهم ، كقولك عامي لكونه على عادة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 71 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العامة . وقيل سميَ بذلك لأنه لم يكن يكتب ولا يقرأ من كتاب ، وذلك فضيلة له لاستغنائه بحفظه واعتماده على ضمان الله منه بقوله : سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى « الأعلى : 6 » . وقيل سميَ بذلك لنسبته إلى أم القرى .
والإِمام : المؤتمُّ به ، إنساناً كأن يقتدى بقوله أو فعله ، أو كتاباً ، أو غير ذلك محقاً كان أو مبطلاً ، وجمعه : أئمة .
وقوله تعالى : يَوْمَ نَدْعُوا كل أُناسٍ بِإِمامِهِمْ « الإسراء : 71 » أي بالذي يقتدون به . وقيل بكتابهم . وقوله : وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً « الفرقان : 74 » . قال أبو الحسن : جمع آمَ ، وقال غيره : هو من باب دِرْعٌ دلاصٌ ودروع دلاص .
وقوله : وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً « القصص : 5 » . وقال : وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ « القصص : 41 » جمع إمام . وقوله تعالى : وَكل شَئٍْ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ « يس : 12 » فقـد قيـل إشــارةٌ إلى اللوح المحفوظ .
والأَمُّ : القصد المستقيم وهو التوجه نحو مقصود ، وعلى ذلك : وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ . « المائدة : 2 » .
وقولهـم : أَمَّهُ : شجَّه ، فحقيقته إنما هو أن يصيب أُمَُ دماغه ، وذلك على حد ما يبنون من إصابة الجارحة لفظ فَعَلْتَ منه ، وذلك نحو رَأَسْتُهُ ورَجَلْتُه وكَبَدْته وبَطَنته ، إذا أصيبت هذه الجوارح .
وأَمْ : إذا قوبل به ألف الإستفهام فمعناه أي ، نحو : أزيد في الدار أمْ عمرو ، أي أيهما؟وإذا جُرد عن ألف الإستفهام فمعناه بل نحو : أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ « صاد : 63 » أي بل زاغت .
وأمَّا : حرفٌ تقتضي معنى أحد الشيئين . وتُكرر ، نحو : أما أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وأما الْآخَرُ فَيُصْلَبُ . « يوسف : 41 » . ويبتدأ بها الكلام ، نحو : أما بعد فإنه كذا .
ملاحظات
1 . تبع الراغب البخاري « 5/146 » في أن الفاتحة سميت أم الكتاب لأنها مبدأ الكتاب . وهي مبدأ الكتاب الآن ، لكن الوحي بدأ بسورة إقرأ ، وسميت الفاتحة أم الكتاب لمركزيتها ، وجمعها كل ما فيه « إعانة الطالبين : 1/10 » .
2 . روي أن مكة سميت أم القرى ، لأن الأرض دحيت من تحتها ، وروي أنها سميت بذلك ، لأنها أم القرى حقيقة ، قال تعالى : وَمَا كَأن رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً . وقال : لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا . وفي معاني الأخبار/54 : « وإنما سمي الأمي لأنه كان من أهل مكة . ومكة من أمهات القرى وذلك قول الله عز وجل : لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى » .
3 . أم المساكين : لقب لزينب الهلالية زوجة النبي صلى الله عليه وآله « الطبقات : 8/219 » . وقد وصفوا الراية بأنها أم الجيش « مسند الشافعي : 1/48 » . لكن لم أجد وصف قائد الجيش بذلك .
4 . فسر الراغب قوله تعالى : فأمُّهُ هاوية ، بأن النار أمه التي يهوي فيها ، فتكون النار أمه مجازاً . والصحيح أن المعنى أن أم رأسه هاوية في النار يقال : هوت به أمه ، وهوت أمه ، وهوت أم رأسه ، فيكون الضمير في مَاهِيَهْ راجعاً الى النار المهوي اليها ، وليس الى أمه . قال علي عليه السلام لما بلغه قتل رئيس بني ناجية : هوت أمه ، ما كان أنقص عقله وأجرأه على ربه » . « الغارات : 1/371 » .
وقـال تعالى : وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى . وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى . فقوله تعــالى : فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ، من هذا النوع . « راجع : الكشاف : 4/280 ، والقمي : 2/440 ، ومجمع البيان : 10/429 ، والطبري : 3/361 » .
5 . قوله : رويَ أن زيد بن عمرو بن نفيل يحشر أمة وحده .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 72 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد غالى رواة السلطة في زيد هذا لأنه ابن عم عمر بن الخطاب ، وزعم البخاري أنه أفضل من نبينا صلى الله عليه وآله لأنه كان لا يأكل ما ذبح للنصب وكان النبي يأكل منه ! راجع : ألف سؤال وإشكال : 1/140 .
6 . فسر الراغب وغيره الأمة المعدودة في قوله تعالى : وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ . بالمدة المعدودة ، لكن أمة لم تأت في استعمال العرب بمعنى مدة . والصحيح تفسير أهل البيت عليهم السلام لهم بأنهم أصحاب المهدي الموعود عليه السلام . « الكافي : 8/313 » .
أمَد - أبد
قال تعالى : تَوَدُّ لَوْ إن بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيداً « آل عمران : 30 » . الأمد والأبَد : يتقاربان ، لكن الأبَد عبارة عن مدة الزمان التي ليس لها حد محدود ولا تتقيد ، لايقال أبَدُ كذا .
والأمد مدةٌ لها حدٌّ مجهول إذا أطلق ، وقد ينحصر نحو أن يقال : أمَدُ كذا ، كما يقال زَمَانُ كذا .
والفرق بين الزمان والأمد : أن الأمد يقال باعتبار الغاية ، والزمان عام في المبدأ والغاية . ولذلك قال بعضهم : المدى والأمد يتقاربان .
ملاحظات
1 . قال الخليل « 8/89 » : « الأمد : منتهى كل شئ وآخره » . وقال ابن فارس « 1/137 » : « الأمد : الغاية . كلمة واحدة لا يقاس عليها » . وقال الراغب : « الأمد : مدةٌ لها حدٌّ مجهول إذا أطلق ، وقد ينحصر » . فانظر الى ركة تعريفه ! وكيف ترك التعاريف العلمية الواضحة واختار المبهم والخطأ ! فالأمد ليس مدة ، بل انتهاء مدة ، أو انتهاء شئ .
وكذلك أخطأ أبو هلال/71 ، فقال : « يكون الأمد ظرفاً من الزمان والمكان ، فالزمان قوله تعالى : فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ . والمكان قوله تعالى : تَوَدُّ لَوْ إن بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيداً » . لأن الأمد أمد الشئ أي شئ ، وليس الظرف فقط !
2 . كل شئ له أمد إلا الله تعالى ، وما هو خالدٌ بأمره عز وجل . قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصف الله تعالى : « أنت الأبد لا أمد لك . . لا يقال له متى ، ولا يضرب له أمد بحتى » . « النهج : 1/210 ، و : 265 » الممتنعة من الصفات ذاته ، ومن الابصار رؤيته ومن الأوهان الإحاطة به ، لا أمد لكونه ، ولا غاية لبقائه ، لا تشمله » . « الكافي : 1/139 » . « الحمد لله الذي لم يكن له أول معلوم ، ولا آخر متناه ، ولا قبل مدرك ، ولا بعد محدود ، ولا أمد بحتى ، ولا شخص فيتجزأ » . « التوحيد للصدوق/45 »
وقال عليه السلام في صفة الجنة : « لا ينقطع نعيمها ، ولا يظعن مقيمها . ولا يهرم خالدها . ولا يبأس ساكنها » . « النهج : 1/149 » .
وللإمام زين العابدين عليه السلام عبارة بليغة عميقة في وصف الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله ، قال : « رَبِّ صَلِّ عَلَيْه وعَلَيْهِمْ صَلَاةً لَا أَمَدَ فِي أَوَّلِهَا ، ولَا غَايَةَ لأَمَدِهَا ، ولَا نِهَايَةَ لِآخِرِهَا » .
3 . ورد الأمد في ثلاث آيات أخرى لم يذكرها الراغب : أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا . قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَاتُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً . وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ . ومعنى : طال عليهم الأمد : أي في الفترةٍ بين الرسل .
أمَرَ - أمور - أمَّر - أَمِرَ - ائتمر- آمرون
الأَمْرُ : الشأن وجمعه أُمُور . ومصدر أمرته : إذا كلفته أن يفعل شيئاً . وهو لفظ عام للأفعال والأقوال كلها ، وعلى ذلك قوله تعالى : إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كلهُ « هود : 123 » . وقال : قُلْ إن الْأَمْرَ كلهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ ، يَقُولُونَ : لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَئٌ « آل عمران : 154 »
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 73 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أَمْرُهُ إِلَى الله « البقرة : 275 » ويقال للإبداع أمر ، نحو : أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ « الأعراف : 54 » . ويختص ذلك بالله تعالى دون الخلائق . وقد حمل على ذلك قوله تعالى : وَأَوْحَى فِي كل سَماءٍ أَمْرَها . « فصلت : 12 » وعلى ذلك حمل الحكماء قوله : قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي « الإسراء : 85 » أي من إبداعه .
وقوله : إنما قَوْلُنا لِشَئْ ٍإِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ « النحل : 40 » فإشارة إلى إبداعه ، وعُبر عنه بأقصر لفظة وأبلغ ما يتقدم فيه فيما بيننا بفعل الشئ . وعلى ذلك قوله : وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ « القمر : 50 » فعبر عن سـرعة إيجاده بأسرع ما يدركه وهمنا .
والأمر : التقدم بالشئ سواء كان ذلك بقولهم : إفعل وليفعل ، أو كان ذلك بلفظ خبر نحو : وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ « البقرة : 228 » أو كان بإشارة أو غير ذلك . ألا ترى أنه قد سمَّى ما رأى إبراهيم في المنام من ذبح ابنه أمراً ، حيث قــال : إني أَرى فِي الْمَنامِ إني أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ « الصافات : 102 » فسمى ما رآه في المنام من تعاطي الذبح أمراً .
وقوله تعالى : وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ « هود : 97 » فعامٌّ في أقواله وأفعاله .
وقوله : أَتى أَمْرُ الله « النحل : 1 » إشارة إلى القيامة ، فذكره بأعم الألفاظ .
وقولـه : بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً « يوسف : 18 » أي ماتأمر النفس الأمارة بالسوء .
وقيل : أَمِرَ القومُ : كثروا ، وذلك لأن القوم إذا كثروا صاروا ذا أمير من حيث إنهم لا بد لهم من سائس يسوسهم ، ولذلك قال الشاعر :
لا يصلح الناس فَوْضَى لا سُرَاةَ لهمْ
وقوله تعالى : أَمَرْنا مُتْرَفِيها « الإسراء : 16 » أي أمرناهم بالطاعة ، وقيل معناه كثرناهم .
وقال أبو عمرو : لا يقال أمَرْتُ بالتخفيف في معنى كثرت ، وإنما يقال : أمَّرت وآمرت . وقال أبو عبيدة قد يقال : أمرت بالتخفيف نحو : خير المال مهرة مأمورة وسكة مأبورة . وفعله : أمرت . وقرئ : أَمَّرْنَا ، أي جعلناهم أمراء ، وكثرة الأمراء في القرية الواحدة سبب لوقوع هلاكهم ، ولذلك قيل : لا خير في كثرة الأمراء ، وعلى هذا حمل قوله تعالى : وَكَذلِكَ جَعَلْنـا فِي كل قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها « الأنعام : 123 » وقرئ : آمَرْنَا ، بمعنى : أكثرنا .
والائْتِمَارُ : قبول الأمر ، ويقال للتشاور : ائتمار ، لقبول بعضهم أمر بعض فيما أشار به .
قال تعالى : إن الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ « القصص : 20 » قال الشاعر :
وآمرت نفسي أيَّ أمْرَيَّ أفعلُ
وقوله تعالى : لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً « الكهف : 71 » . أي منكراً ، من قولهم : أَمِرَ الأَمْرُ ، أي كَبُرَ وكَثُرَ كقولهم : استفحل الأمر .
وقولـه : وَأُولِي الْأَمْر « النساء : 59 » قيل عَنَى الأمراء في زمن النبي عليه الصلاة والسلام ، وقيل الأئمة من أهل البيت . وقيل : الآمرون بالمعروف . وقال ابن عباس : هم الفقهاء وأهل الدين المطيعون لله . وكل هذه الأقوال صحيحة ، ووجه ذلك أن أولي الأمر الذين بهم يرتدع الناس أربعة : الأنبياء : وحكمهم على ظاهر العامة والخاصة وعلى بواطنهم . والولاة : وحكمهم على ظاهر الكافة دون باطنهم . والحكماء : وحكمهم على باطن الخاصة دون الظاهر . والوَعَظَة : وحكمهم على بواطن العامة دون ظواهرهم .
ملاحظات
1 . الأمر : مصطلح نبوي بمعنى ولاية الأمر بعده ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 74 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أي الخلافة . فقد كان يعرض نفسه على القبائل فيقولون له : إن نصرناك أتجعل الأمر لنا بعدك؟ فيقول : كلا إن الأمر لله يجعله حيث شاء . ثم كان يأخذ البيعة من المسلمين على أن لا ينازعوا الأمر أهله . لكن علماء الســـلطة أبهموا الأمر ليقولوا إن النبي صلى الله عليه وآله لم يعين أحداً للأمر بعده ! وتبعهم الراغب فوسع أولي الأمر في الآية لتشمل مع أهل البيت عليهم السلام أنواع الناس حتى وعاظ المساجد والتكايا والقصاصين ! ومحالٌ أن يأمر الله تعالى بطاعة أناس مختلفين ، وقد تقاتلوا على الحكم ، وقتل بعضهم بعضاً !
قال ابن هشام « 2/289 » : « أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه ، فقال له رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس . أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ، ثم أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال : الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء . قال فقال له : أفنهدف نحورنا للعرب دونك ، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا ! لا حاجة لنا بأمرك . فأبوا عليه » .
وورد في بيعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وآله قبل الهجرة : « قال : تبايعوني على أن تشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة ، والسمع والطاعة ، وأن لا تنازعوا الأمر أهله ، وأن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم » . « مجمع الزوائد : 6/49 » .
وروى البخاري : 8/122 ، في بيعة الشجرة : « عن عبادة بن الصامت قال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله على السمع والطاعة في المنشط والمكره ، وأن لا ننازع الأمر أهله » . ومسلم : 6/16 ، والنسائي : 7 /137 ، وابن ماجة : 2/957 . وأحمد : 5/316 .
فهذا يفسر قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ . ويضاف اليه تأكيده صلى الله عليه وآله على أن علياً وليكم من بعدي ، وعلى التمسك بالقرآن وعترته عليهم السلام وأنهما باقيان الى يوم القيامة . « مسند أحمد : 3/17 » .
ويضاف اليه أن الأمر بالطاعة مطلقاً يوجب العصمة ، قال الفخر الرازي في تفسيره « 10/144 » : « أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لابد وأن يكون معصوماً عن الخطأ ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته ، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ ، والخطأ لكونه خطأ منهي عنه ، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد ، بالإعتبار الواحد ، وإنه محالٌ » .
2 . يستعمل الأمر في كل أمر ، وقد ورد في القرآن بمعان منها :
أ . أمر الخلق والتكوين والإدارة : قال تعالى : أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمر تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِين .
ب . بمعنى قضاء الله : وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً .
ج . بمعنى خططه في المجتمع البشري : وَ اللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ .
د . بمعنى الروح : وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي .
د . الأمر مقابـل النهي : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ .
أمَنَ - أمناً - آمَنَ - إيمان - أمِنَ - أمانة - أمَّنَ - آمين
أصل الأَمْن : طمأنينة النفس وزوال الخوف . والأَمْنُ والأَمَانَةُ والأَمَانُ في الأصل مصادر ، ويجعل الأمان تارة إسماً للحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن ، وتارة إسماً لما يؤمن عليه الإنسان ، نحو قوله تعالى : وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ « الأنفال : 27 » أي ما ائتمنتم عليه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 75 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقوله : إنا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « الأحزاب : 72 » قيل : هي كلمة التوحيد ، وقيل العدالة ، وقيل حروف التهجي ، وقيل العقل ، وهو صحيح فإن العقل هو الذي بحصوله يتحصل معرفة التوحيد ، وتجري العدالة ، وتُعلم حروف التهجي ، بل بحصوله تُعلم كل ما في طوق البشر تعلُّمه ، وفعل ما في طوقهم من الجميل فعله ، وبه فُضِّلَ على كثير ممن خلقه .
وقوله : وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً « آل عمران : 97 » أي آمناً من النار . وقيل من بلايا الدنيا التي تصيب من قال فيهم : إنما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا . « التوبة : 55 » . ومنهم من قال : لفظه خبر ومعناه أمر . وقيل يأمن الإصطلام . وقيل آمنٌ في حكم الله وذلك كقولك : هذا حلال وهذا حرام ، أي في حكم الله ، والمعنى : لايجب أن يقتص منه ولا يقتل فيه إلا أن يخرج .
وعلى هذه الوجـــوه : أَوَلَمْ يَرَوْا إنا جَعَلْنــــــا حَرَماً آمِناً « العنكبوت : 67 » . وقال تعــــــالى : وَإِذْ جَعَلْنَــــــــا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً « البقــرة : 125 » . وقولـــــه : أَمَنَةً نُعاساً « آل عمــران : 154 » أي أمناً ، وقيل : هي جمع كالكَتَبَة وفي حديث نزول المسيح : وتقع الأمنة في الأرض . وقوله تعالى : ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ « التـــوبة : 6 » أي منزله الذي فيه أمنه .
وآمَنَ : إنما يقال على وجهين ، أحدهما : متعدياً بنفسه يقال : آمنته ، أي جعلت له الأمن ، ومنه قيل لله : مؤمن .
والثاني : غير متعدٍّ ، ومعناه : صار ذا أمن .
والإِيمان : يستعمل تارة إسماً للشريعة التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام ، وعلى ذلك : الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ « المائدة : 69 » ويوصف به كل من دخل في شريعته مقراً بالله وبنبوته . قيل : وعلى هذا قال تعالى : وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ . « يوسف : 106 » .
وتارة يستعمل على سبيل المدح ، ويراد به إذعان النفس للحق على سبيل التصديق ، وذلك باجتماع ثلاثة أشياء : تحقيق بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بحسب ذلك بالجوارح . وعلى هذا قوله تعالى : وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ « الحديد : 19 » .
ويقال لكل واحد من الإعتقاد والقول الصدق والعمل الصالح : إيمان . قال تعالى : وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ « البقرة : 143 » أي صلاتكم ، وجعل الحياء وإماطة الأذى من الإيمان . قال تعالى : وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ . « يوسف : 17 » قيل معناه : بمصدق لنا ، إلا أن الإيمان هو التصديق الذي معه أمْن .
وقوله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطاغُوتِ « النساء : 51 » فذلك مذكور على سبيل الذم لهم ، وأنه قد حصل لهم الأمن بما لا يقع به الأمن ، إذ ليس من شأن القلب ، ما لم يكن مطبوعاً عليه ، أن يطمئن إلى الباطل ، وإنما ذلك كقوله : مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ الله وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ « النحل : 106 » وهذا كما يقال : إيمانه الكفر ، وتحيته الضرب ، ونحو ذلك .
وجعل النبي صلى الله عليه وآله أصل الإيمان ستة أشياء في خبر جبريل حيث سأله فقال : ما الإيمان؟ والخبر معروف .
ويقال : رجل أَمْنَةٌ وأَمَنَةٌ ، يثق بكل أحد ، وأَمِينٌ وأَمَانٌ يؤمن به . والأَمُون : الناقة يؤمن فتورها وعثورها .
آمين : يقال بالمد والقصر ، وهو إسم للفعل نحو : صه ومه . قال الحسن : معناه : إستجب . وأَمَّنَ فلان : إذا قال : آمين . وقيل : آمين إسم من أسماء الله تعالى . وقال أبو علي الفسوي : أراد هذا القائل أن في آمين ضميراً لله تعالى ، لأن معناه : إستجب .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 76 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقوله تعالى : أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ « الزمر : 9 » تقديره أم من . وقرئ أمَنْ . وليسا من هذا الباب .
ملاحظات
1 . أصل الأمن بمعنى طمأنينة النفس من الخوف والقلق ، وسمي التصديق بالله تعالى ورسوله إيماناً ، لأن النفس تطمئن به وتخرج من الشك والقلق .
2 . استعمل الإيمان ، والمؤمنون ، والذين آمنوا ، في القرآن ، في درجات متفاوتة من أدنى درجات الإيمان الى أعلاه ، كما قال تعالى : وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ .
وأدناها من ادعى الإيمان ، قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً . وَإن مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً . قال الإمام الصادق عليه السلام : لو أن هذه الكلمة قالها أهل المشـرق وأهل المغرب لكانوا بها خارجين من الإيمان ، ولكن قد سماهم الله مؤمنين بإقرارهم » . « تفسير القمي : 1/30 » .
وذكر القمي في تفسيرها أن الإيمان في كتاب الله على أربعة وجوه : بمعنى الإقرار باللسان . والتصديق بالقلب . والأداء . والتأييد المكتوب في قلوب المؤمنين . ولذلك قال الله تعالى : قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلما يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ . وقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ .
والحديث الذي أشار اليه الراغب رواه البخاري « 1/18 » : « قال : الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث . قال : ما الإسلام؟ قال : الإسلام أن تعبد الله ولاتشرك به وتقيم الصلاة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان » .
3 . الإيمان والمؤمن في مصطلح مذهبنا : الشيعي الموالي للنبي والأئمة عليهم السلام . ويوجد في المذاهب الأخرى مصطلحات مشابهة للمؤمن ، ولا مشاحة في الإصطلاح .
4 . سميت الوديعة أمانة ، لأنها جعلت في مكان يُؤْمَنُ عليها . أما الأمانة في قوله تعالى : إن اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ، فهي أمانـة الحكم ، وأن يؤدي الحاكم السابق الأمانة الى الحاكم بعده . قال ابن أبي شيبة « 7/571 » : أنزلت في ولاة الأمر . ونحوه الطبري في تفسيره : 5/200 . وقال الإمام الصادق عليه السلام : إيانا عنى ، أن يؤدي الأول إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلاح .
وقال الإمام الرضا عليه السلام : هم الأئمة يؤدي الإمام إلى الإمام من بعده ، ولا يخص بها غيره ولا يزويها عنه . « الكافي : 1/276 » .
وقال العيني في عمدة القاري : 12/227 ، إن أكثر المفسـرين قالوا إنها نزلت في مفتاح الكعبة عندما أخذه النبي صلى الله عليه وآله في فتح مكة ، فأمره الله تعالى أن يرده الى بني شيبة !
أقول : هذا من عمل السلطة ورواتها ، فقد زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام ليس لهم حق في سدانة الكعبة ، مع أن الكعبة إنما رفع الله قواعدها لهم ، وهم دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام : رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ .
وقد اختار الراغب أن تكون الأمانة المعروضة على السماوات هي العقل ، فقال : وقيل : العقل ، وهو صحيح . . الخ . ولا يصح ذلك لأن معناه أن السماوات والأرض لم تقبل العقل ، وأنه لا يوجد عاقل في الكون إلا الإنسان !
5 . اختار الراغب أول الأمر في تفسير : وَمَنْ دَخَلَـهُ كَأن آمِناً ، أن معناها الأمن في الآخرة ، قال : « أي آمناً من النار »
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 77 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثم تردد فذكر وجوهاً أخرى ولم يختر منها شيئاً : أنه آمنٌ من عذاب الله في الحياة الدنيا ، أو آمنٌ من الإصطلام والإهلاك ، أو آمنٌ من القصاص حتى يخرج . والصحيح تفسير أهل البيت عليهم السلام وأنه لا يمكن تفسيرها بالأمن الدنيوي ، فهي مثل الطيبات للطيبين ، وقد فسروها :
أ . « من أمَّ هذا البيت وهو يعلم أنه البيت الذي أمره الله عز وجل به ، وعرفنا أهل البيت حق معرفتنا ، كان آمناً » . « الكافي : 4/545 » .
ب . « من دخل الحرم من الناس مستجيراً به فهو آمنٌ من سَخَط الله ، ومن دخله من الوحش والطير كان آمناً من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم . إن سرق سارق بغير مكة أو جنى جناية ففرَّ إلى مكة لم يؤخذ مادام في الحرم . وإن أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه » . « الكافي : 4/226 » .
ج . قال الإمام الصادق عليه السلام لأبي حنيفة : « أنت فقيه أهل العراق؟ قال نعم ، قال : بما تفتيهم؟ قال : بكتاب الله وسنة نبيه . قال : يا أباحنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال : نعم ، قال : يا أباحنيفة لقد ادعيت علماً ، ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم ، ويلك ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا صلى الله عليه وآله ، ما ورَّثك الله من كتابه حرفاً ، فإن كنت كما تقول ولستَ كما تقول ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ، أين ذلك من الأرض؟ قال : أحسـبه ما بين مكة والمدينـة ، فالتفت أبو عبد الله عليه السلام إلى أصحابه فقال : تعلمون أن الناس يُقطع عليهم بين المدينة ومكة فتؤخذ أموالهم ولا يؤمنون على أنفسهم ، ويقتلون؟ قالوا نعم ! قال : فسكت أبو حنيفة ! فقال : يا أباحنيفة أخبرني عن قول الله عز وجل : وَمَنْ دَخَلَهُ كَأن آمِنًا ، أين ذلك من الأرض؟ قال : الكعبة . قال : أفتعلم أن الحجاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله ، كان آمناً فيها؟ قال : فسكت . فقال أبوبكر الحضرمي : جعلت فداك ، الجواب في المســألتين؟ فقال : يا أبابكر ، سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ، مع قائمنا أهل البيت . وأما قوله : وَمَنْ دَخَلَهُ كَأن آمِنًا ، فمن بايعه ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقد أصحابه كان آمناً » . « الكافي : 8/312 » .
6 . آمين : ليست مشتقة من أمِن ، بل معربة من الآرامية ، وأصل معناها « حقاً أقول لكم » واستعملت في العربية بمعنى : اللهم استجب . ففي الإنجيل طبعــة دار الكتاب المقدس/548 : « آمين » « حقــاً » كلمة من الكلمات الآرامية الأربع التي حفظت في النص اليوناني ، في صيغ العهد الجديد الطقسية . إنها تؤكد على أمانة الرب وإيمان الإنسان ، خلافاً لما كان يفعل الربانيون ، كان يسوع يستهل أقواله بقوله : آمين أقول لكم » . وقد أضافها الحكام في الصلاة ونسبوها الى النبي صلى الله عليه وآله . لكن أهل البيت عليهم السلام قالوا إنها بدعة . « المقنعة/105 ، والمعتبر : 2/185 ، وشرائع الإسلام : 1/66 ، وتدوين القرآن/455 » .
إِنَّ - أَنَّ - أنْ
إنَّ وأنَّ ينصبان الإسم ويرفعان الخبر ، والفرق بينهما أنَّ إنَّ يكون ما بعده جملة مستقلة ، وأنَّ يكون ما بعده في حكم مفرد ، يقع موقع مرفوع ومنصوب ومجرور ، نحو : أعجبني أنكَ تخرج ، وعلمت أنكَ تخرج ، وتعجبت من أنك تخرج .
وإذا أدخل عليه « ما » يبطل عمله ، ويقتضي إثبات الحكم للمذكور وصرفه عما عداه ، نحو : إنمَا الْمُشْرِكُونَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 78 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
نَجَسٌ « التـــوبة : 28 » تنبيهاً [على] أن النجاسة التامة هي حاصلة للمختص بالشرك . وقوله عز وجل : إنما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ . « البقرة : 173 « أي : ما حرم ذلك إلا تنبيهاً [على] أن أعظم المحرمات من المطعومات في أصل الشرع هو هذه المذكورات .
وأَنْ : على أربعة أوجه : الداخلة على المعدومين من الفعل الماضي أو المستقبل ، ويكون ما بعده في تقدير مصدر ، وينصب المستقبل نحو : أعجبني أن تخرج ، وأن خرجت .
والمخففة من الثقيلة : نحو : أعجبني أنْ زيداً منطلق . والمؤكدة للما نحو : فَلما أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ . « يوسف : 96 » . والمفسرة لما يكون بمعنى القول ، نحو : وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا « صاد : 6 » أي قالوا إمشوا .
وكذلك إِنْ على أربعة أوجه : للشرط نحو : إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإنهُمْ عِبادُكَ « المائدة : 118 » .
والمخفّفة من الثقيلة : ويلزمها اللام نحو : إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا . « الفرقان : 42 » .
والنافية : وأكثر ما يجئ يتعقّبه إلا ، نحو : إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا . « الجاثية : 32 » إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ « المدثـر : 25 » إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ . « هود : 54 » .
والمؤكدة لما النافية : نحو : ما إن يخرج زيد .
ملاحظات
استعمال أنَّ وأخواتها في القرآن أوسع مما ذكره الراغب ، وفيها بحوثٌ مفصلة ، تجدها في كتب النحو ، مثل مغني اللبيب : 1/21 .
أنَثَ - أنثى - أنيث - تأنيث
الأنثى : خلاف الذكر ، ويقالان في الأصل اعتباراً بالفرجين ، قال عز وجل : وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى . « النساء : 124 » . ولما كان الأنثى في جميع الحيوان تضعف عن الذكَر اعتبر فيها الضعف ، فقيل لما يضعف عمله : أنثى ، ومنه قيل حديد أنيث ، قال الشاعر :
عندي جَرازٌ لا أَفَلُّ ولا أنِيثُ .
وقيل : أرض أنيث سهل ، اعتباراً بالسهولة التي في الأنثى ، أو يقال ذلك اعتباراً بجودة إنباتها تشبيهاً بالأنثى ، ولذا قال : أرض حرَّة وولودة .
ولما شُبِّهَ في حكم اللفظ بعض الأشياء بالذكَر فذُكِّر أحكامه ، وبعضها بالأنثى فأنثَ أحكامها ، نحو : اليد والأذن والخصية ، سميت الخصية لتأنيث لفظ الأنثيين ، وكذلك الأذن . قال الشاعر :
ضربناهُ تحت الأنثيينِ على الكَرْدِ
وقـال آخـر : وَمَا ذَكَرٌ وإن يَسْمَنْ فأنثى
يعني : القراد فإنه يقال له إذا كبر : حَلَمَة ، فيؤنَّث .
وقوله تعالى : إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً . « النساء : 117 » فمن المفسرين من اعتبرحكم اللفظ فقال : لما كانت أسماء معبوداتهم مؤنثة نحو : اللَّات وَالْعزى وَمَناة ، قال ذلك .
ومنهم ، وهو أصح ، من اعتبر حكم المعنى ، وقال : المنفعل يقال له : أنيث ، ومنه قيل للحديد الليِّن : أنيث ، فقال : ولما كانت الموجودات بإضافة بعضها إلى بعض ثلاثة أضرب : فاعلاً غير منفعل ، وذلك هو الباري عز وجل فقط ، ومنفعلاً غير فاعل ، وذلك هو الجمادات . ومنفعلاً من وجه كالملائكة والإنس والجن ، وهم بالإضافة إلى الله تعالى منفعلة ، وبالإضافة إلى مصنوعاتهم فاعلة . ولما كانت معبوداتهم من جملة الجمادات التي هي منفعلة غير فاعلة ، سماها الله تعالى أنثى وبكَّتَهُمْ بها ، ونبَّههم على جهلهم في اعتقاداتهم فيها أنها آلهة ، مع أنها لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر ، بل لا تفعل فعلاً بوجه . وعلى هذا قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام : يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 79 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً . « مريم : 42 » . وأما قوله عز وجل : وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً « الزخرف : 19 » فلزعم الذين قالوا : إن الملائكة بنات الله .
ملاحظات
1 . أصل التأنيث في اللغة العربية للمؤنث الحقيقي كالمرأة . وتوسع العرب فيه فقسموا الموجودات والأمور الى مذكر ومؤنث .
ثم حاول اللغويون استخراج الملاك في ذلك فاختلفوا . ولا يصح قول الراغب إن الملاك في التأنيث والتذكير الفعل والإنفعال أوالقوة والضعف ، لأنه في العربية أوسع من ذلك ، فلابد من القول إن التذكير والتأنيث سماعيان يقل فيهما القياسي . وهما آخر ما يجيده من يتعلم العربية ، ولذا تكثر أخطاؤهم ويؤنثون المذكر ويذكرون المؤنث حتى الحقيقي ، كما يفعل الراغب الأصفهاني !
والتذكير والتأنيث أقسامٌ ، ولها أحكامٌ ذكرتها كتب النحو .
2 . استعملت مادة أَنِثَ في بضع وعشرين مورداً في القرآن ، في موضوعات متعددة ، أهمها :
أ . أن الله تعالى بنى المجتمع على نظام الزوجية : ثُمَّ كَأن عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَى . فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالآنْثَى . . يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى . وأشار الى مُوَرِّثَات الذكورة والأنوثة بقوله : وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالآنْثَى .
ب . في تنظيم خلق الذكر والأنثى وتحقيق التوازن بينهما : اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كل أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكل شَئٍْ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ .
ج . قانون المساواة عند الله تعالى بين الذكر والأنثى : لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ .
هـ . إدانة نظرة الجاهلية السلبية الى الأنثى : وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالآنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَكَظِيمٌ .
و . فرض توريث النساء ، مع أن نفقتهن على الرجــال : يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الآنْثَيَيْنِ .
إنْسٌ - أُنْس - أنَِس - إيناس - إنسان - إنسي - أُناسي - إيناس
الإِنْس : خلاف الجن . والأُنْس : خلاف النفور . والإنسـيُّ : منسوب إلى الإنس ، يقال ذلك لمن كثر أنْسُه ، ولكل ما يؤنس به ، ولهذا قيل إنسـيُّ الدابة للجانب الذي يلي الراكب ، وإنسِيُّ القوس للجانب الذي يقبل على الرامي . والإنسي من كل شئ ما يلي الإنسان ، والوحشي ما يلي الجانب الآخر له .
وجمع الإنس أناسـي ، قال الله تعالى : وَأَناسِيَّ كَثِيراً « الفرقان : 49 » . وقيل أَبِنْ أُنْسَك للنفس . وقوله عز وجل : فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً « النساء : 6 » أي أبصرتم أنساً به . وآنَسْتُ ناراً « طه : 10 » . وقوله : حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا « النور : 27 » أي تجدوا إيناساً .
والإنسان : قيل سمي بذلك لأنه خلق خلقة لا قوام له إلا بأنس بعضهم ببعض ، ولهذا قيل الإنسان مدني بالطبع ، من حيث لاقوام لبعضهم إلا ببعض ، ولا يمكنه أن يقوم بجميع أسبابه .
وقيل سمي بذلك لأنه يأنس بكل ما يألفه . وقيل هو إفعلان وأصله إنْسِيَان ، سمي بذلك لأنه عُهد إليه فنسي .
ملاحظات
1 . قيل إن الإنسان مشتق من الأنس ، في مقابل الوحشـي أو مقابل الجن المخفي ، ومنه استأنس لشئ ، قال تعالى : وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ . لكن روى في علل الشرائع « 1/15 » عن الإمام الصادق عليه السلام أنه مشتق من النسيان ، قال : « سمي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 80 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الإنسان إنساناً لأنه ينسى ، وقال الله عز وجل : وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ » . ونحوه مجمع الزوائد « 7/67 » . واختاره الخليل « 7/304 » وقال : « أصله إنْسِيَانٌ لأن جماعته أناسي وتصغيره أُنَيْسِيَانٌ » .
2 . ورد الإنسان في القرآن محوراً لموضوعات عديدة ، من أهمها :
أ . خلق الإنسان : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ .
ب . تكريم الله تعالى له : خَلَقَ الإنْسَانَ ، عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ . وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ .
ج . عداوة الشيطان للإنسان : إن الشَّيْطَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ .
د . ضعف الإنسان في تكوينه وسلوكه : وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا . إنهُ كَان ظَلُومًا جَهُولاً .
أنَفَ- أنفَ - أنفةً - استأنف - آنفاً
أصل الأنْف : الجارحة ، ثم يسمى به طرف الشئ وأشرفه ، فيقال : أنف الجبل ، وأنف اللحية . ونُسب الحمية والغضب والعزة والذلة إلى الأنف ، حتى قال الشاعر :
إذا غضبتْ تلك الأنوفُ لم أرضها
ولم أطلبِ العُتبى ولكن أزيدُهَا
وقيل شمخ فلان بأنفه للمتكبر ، وتَرِبَ أنفه للذليل ، وأنِفَ فلانٌ من كذا ، بمعنى استَنْكَفَ .
وأَنِفْتُهُ : أصبت أنفه ، وقيل الأنَفَة الحمية . واستأنفت الشئ : أخذت أنفه أي مبدأه . ومنه قوله عز وجل : مَاذَا قَالَ آنِفاً . « محمد : 16 » أي مُبْتَدَأً .
ملاحظات
تقول : جاء آنفاً ، أي قبل قليل ، قال تعالى : قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا . وهو من استأنف الأمر أي بدأه من أوله . ولا يصح تفسير : أنفته بأصبت أنفه ، بل معناه بكسر النون شمخت بأنفي عنه ، من الأنفة والحمية . والراغب يقصد بفتح النون ، ولم أجد استعماله عند العرب .
والبيت الذي استشهد به في وزنه خلل ، إلا أن تقول فأرضها بدل لم أرضها ، لكن المعنى يتغير ، ويبدو لي أنه من نظم الراغب ، ففيه عجمة ولم يروه غيره . وقد استشهد به في رغم أيضاً .
أنْمُل - أنملة - نَمِل
قال الله تعالى : عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ « آل عمران : 119 » الأنامل : جمع الأنملة وهي المفصل الأعلى من الأصابع التي فيها الظفر ، وفلان مؤنمل الأصابع ، أي غليظ أطرافها في قصر ، والهمزة فيها زائدة ، بدليل قولهم هو نَمِلُ الأصابع ، وذكَّرَها هنا للفظه .
ملاحظات
1 . وردت الأنامل في آية واحدة : وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ . وقد خلط الراغب بين الأنامل والنَّمْل ، فنَمِلُ الأصابع ونَمِلُ القوائم ، أي كأن عليها النمل . وهي غير النَّمَل بفتح الميم ، قال الخليل « 8/330 » : « رجل نمل الأصابع : لايكاد يكف عن العبث بأصابعه ، وكذلك يقال للفرس الذي لا يكاد يستقر : إنه لنمل القوائم . والنمَل : الخدَر ، تقول : نملت يده نملاً » . أي أصابعه تنمل وتحكه كأن عليها النمل .
أما البنـان فورد في آيتيــن : بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّىَ بَنَانَه . فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعنَاقِ وَاضْرِبوُا مِنْهُمْ كل بَنَانٍ . قال ابن فارس « 1/191 » : « قال الخليل البنان أطراف
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 81 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الأصابع في اليدين . والبنان في قوله تعالى : وَاضْرِبوُا مِنْهُمْ كل بَنَانٍ ، يعني الشِّوى وهي الأيدي والأرجل » . وقد عمم اللغويون والمفسرون البنان في الآية الى كل الأطراف ، وكأنهم استقلوا ضرب الملائكة على الأصابع فقط ، لكنا لا نعرف نوع ضرب الملائكة ولا تأثيره ، فلا موجب لترك الظهور . كما ذكروا أن البنان مشتق من الإبنان وهو الإقامة واللزوم ، وهو بعيد فلا ربط للأصابع بالإقامة . وذكر الخليل أن البِنَّة رائحة أرباض البقر والغنم والظباء ، وقد يستعمل في الطيب ، والروضة المعشبة .
أَنَّى - اين - كيف
أَنَّى : للبحث عن الحال والمكان ، ولذلك قيل هو بمعنى أين وكيف ، لتضمنه معناهما ، قال الله عز وجل : أَنَّى لَكِ هَذَا . « آل عمران : 37 » أي من أين وكيف .
ملاحظات
وردت أنَّى في القرآن بضعاً وعشرين مرة بمعنى كيف « العين : 8/399 » سؤالاً عن الحال والمكان وعن أصل إمكان الفعل ، وغير ذلك ، وقد يتضمن معناها الإستنكار والتعجب . فقوله تعالى : أنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتي عَاقِراً : إستفهام عن الحَمْل مع فقد شروطه .
وقولـه : فَاسْـتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأنى يُبْصِرُونَ : سؤال عن الرؤية مع فقد شروطها .
وقوله : أنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ : سؤال عن الإهتداء بغير النبي والوحي .
وقوله : أنى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا : سؤال عن اسـتحقاق طالوت عليه السلام للملك مع قلة ماله .
وهكذا قولـه : سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ فَأنَّى تُسْـحَرُونَ . فَأنَّى يُؤْفَكُونَ . أنَّى يُصْرَفُونَ . وَأنَّى لَهُمُ التنَاوُشُ . فمصبُّ أنَّى في هذه الآيات أوسع من البحث عن الحال والمكان كما قال الراغب .
أنَا - إنىً -إِناه - آناء - إناء
أَنَا : ضمير المخبر عن نفسه ، وتحذف ألفه في الوصل في لغة ، وتثبت في لغة . وقوله عز وجل : لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي « الكهف : 38 » فقد قيل : تقديره : لكن أنا هو الله ربي ، فحذف الهمزة من أوله وأدغم النون في النون . وقرئ : لكنَّ هو الله ربي ، فحذف الألف أيضاً من آخره .
ويقال : إِنِّيَّة الشئ وأَنِيَّتُه ، كما يقال ذاته ، وذلك إشارة إلى وجود الشئ ، وهو لفظ محدث ليس من كلام العرب .
وآناء الليل : ساعاته ، الواحد : إِنْيٌ وإِنىً وأَناً ، قال عز وجل : يَتْلُونَ آياتِ الله آناءَ اللَّيْلِ . « آل عمران : 113 » وقال تعالى : وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ . « طه : 130 » وقوله تعالى : غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ « الأحزاب : 53 » أي وقته .
والإنا : إذا كُسر أوله قُصِر ، وإذا فُتح مُدَّ ، نحو قول الحطيئة :
وآنيتُ العشاءَ إلى سهيلٍ أو الشِّعرى فطالَ بيَ الأناءُ
ملاحظات
الإنية والمائية والكيفية والهوية ، تعابير عربية استعملها النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام ولم يطلع عليها الراغب ، ففي التوحيد للصدوق/80 : « خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس في مسجد الكوفة ، فقال : الحمد لله الذي لا من شئ كان ، ولا من شئ كون ما قد كان ، مستشهد بحدوث الأشياء على أزليته ، وبما وسمها به من العجز على قدرته ، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه ، لم يخل منه مكان فيدرك بأينية ، ولا له شبه مثال فيوصف بكيفية ، ولم يغب عن علمه شئ فيعلم بحيثية ، مبائن لجميع ما أحدث في الصفات ، وممتنع عن الإدراك بما ابتدع من تصريف الذوات ، وخارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرف الحالات » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 82 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي الكافي « 1/85 » في حديث الزنديق مع الإمام الصادق عليه السلام قال له : « فله إنية ومائية؟ قال : نعم لا يثبت الشئ إلا بإنية ومائية . قال له السائل : فله كيفية؟ قال : لا ، لأن الكيفية جهة الصفة والإحاطة ، ولكن لا بد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه ، لأن من نفاه فقد أنكره ، ودفع ربوبيته وأبطله » .
أَنَى - َآنٍ - أناة - تأنى - استأنيته - إناء - أواني
آن الشئ : قرب إناه . وحَمِيمٍ آنٍ « الرحمن : 44 » بلغ إناه من شدة الحر ، ومنه قوله تعالى : مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ « الغاشية : 5 » . وقوله تعالى : أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا « الحديد : 16 » أي : ألم يقرب إناه . ويقال : آنَيْتُ الشئ أُنِيّاً ، أي أخرته عن أوانه .
وتَأنيْتُ : تأخرت . والأَنَاة التؤدة . وتَأنى فلان تَأنياً ، وأَنَى يَأْنِي فهو آنٍ ، أي وقور .
واستأنيته : انتظرت أوانه ، ويجوز في معنى استبطأته . واستأنيت الطعام كذلك .
والإِنَاء : ما يوضع فيه الشئ وجمعه آنِيَة ، نحو كساء وأكسية ، والأَوَانِي : جمع الجمع .
أيْنَ - الآن - يئينُ - إناه - الأين
أيْنَ : لفظ يبحث به عن المكان ، كما أن متى يبحث به عن الزمان . والآن : كل زمان مقدر بين زمانين ماض ومستقبل نحو : أنَا الآن أفعل كذا . وخص الآن بالألف واللام المعرف بهما ولزماه . وأفعلُ كذا آونةً : أي وقتاً بعد وقت . وهو من قولهم الآن . وقولهم : هذا أوان ذلك ، أي زمانه المختص به وبفعله ، قال سيبويه : يقال الآنَ آنُك : أي هذا الوقت وقتك . وآن يؤون : قال أبو العباس رحمه الله : ليس من الأول وإنما هو فعل على حدته . والأين : الإعياء ، يقال آن يئين أيناً ، وكذلك أنَى يأني أنياً : إذا حان . وأما بلغ إناه ، فقد قيل هو مقلوب من أنى وقد تقدم . قال أبو العباس : قال قوم : آنَ يئين أيناً ، الهمزة مقلوبة فيه عن الحاء ، وأصله حان يحين حيناً ، قال : وأصل الكلمة من الحين .
ملاحظات
1 . أجاد ابن فارس بقوله « 1/141 » : « أنَى . له أصول أربعة : البطء ، وما أشبهه من الحلم وغيره ، وساعة من الزمان ، وإدراك الشئ ، وظرف من الظروف » . ثم ذكر الأناة بمعنى الحلم ، والإنَى والأنَى : وهي من ساعات الليل جمعها آناء . واستأنيتُ الطعام أي انتظرت إدراكه ، وأنَى لك يأني أنياً أي حان ، وأتيت فلاناً آينةً بعد آينة ، أي أحياناً أو تارةً . وتقول إناء من الآنية ، والأواني جمع جمع . « راجع العين : 8/400 » .
2 . استَعْمَل القرآن كلمة الآن ست مرات بدون همزة إسـتفهام ، ومرتين معهــا ، قال تعـالى : الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ . أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُـمْ بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنْتُـمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ . آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ .
3 . أنَى الشئ يأني إنىً : بلغ نضجه وإدراكه وأوْجَهُ . ومنه قوله تعالى : لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ . أي منتظرين نضجه . وقوله تعالى : يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ : أي ماءٌ بلغ إناه في الحرارة . تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ : حارة .
4 . واستعمل القرآن أيَّانَ ست مرات للسؤال عن القيامة : يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا .
5 . واستعمل أيْن سبع مرات ، خمسة منها في السؤال عن الشركاء : وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ . واثنان في التعجب من موقف المكذبين : فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ . . وسؤال الإنسان يوم القيامة : أَيْنَ الْمَفَرُّ .
6 . واستعمل أينما اثنتي عشر مرة . إحداها مع ما الموصولة وليس فيها معنى الشرط ، قال تعالى : وَقِيلَ لَهُمْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 83 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ .
7 . قوله تعالى : وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ ، أي ظروف فضية ، وقد تكون سميت آنية لأنه يوضع فيها طعامٌ نضج وبلغ إناه .
أهْل - أهلَّ الرجل - أهِلَ به - أهلي - أهل - أهلاً - أهلون - أهلات
أهل الرجل : من يجمعه وإياهم نسب أو دين ، أو ما يجرى مجراهما من صناعة وبيت وبلد . فأهل الرجل : في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد ، ثم تُجُوِّز به فقيل أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب . وتُعُورف في أسرة النبي عليه الصلاة والسلام مطلقاً إذا قيل أهل البيت ، لقوله عز وجل : إنما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ . « الأحزاب : 33 » .
وعبَّر بأهل الرجل عن امرأته . وأهل الإسلام : من يجمعهم . ولما كانت الشريعة حَكمت برفع حكم النسب في كثير من الأحكام بين المسلم والكافر ، قال تعالى : إنهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إنهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ . « هود : 46 » وقال تعالى : وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ « هود : 40 » .
وقيل : أَهَلَ الرجل يَأْهَلُ أُهُولًا ، وقيل : مكان مأهول : فيه أهله . وأُهِلَ به : إذا صار ذا ناس وأهل . وكل دابة ألف مكاناً يقال : أَهِلٌ وأَهْلِيٌّ . وتأهَّلَ : إذا تزوج ، ومنه قيل أهَّلك الله في الجنة ، أي زوجك فيها ، وجعل لك فيها أهلاً يجمعك وإياهم . ويقال فلان أهل لكذا ، أي خليق به . ومرحباً وأهلاً : في التحية للنازل بالإنسان ، أي وجدت سعة مكان عندنا ، ومن هو أهل بيت لك في الشفقة . وجمع الأهل أهلون ، وأهال ، وأهلات .
الآل - أُهَيْل - أُوَيْل - إيل - آلٌ - آلَ - يؤول
الآلُ : مقلوب من الأهل ، ويُصَغَّر على أُهَيْل ، إلا أنه خُصَّ بالإضافة إلى الأعلام الناطقين دون النكرات ، ودون الأزمنة والأمكنة ، يقال : آلُ فلان ، ولا يقال : آلُ رجل ، ولا آلُ زمان كذا ، أو موضع كذا ، ولا يقال : آلُ الخياط ، بل يضاف إلى الأشرف الأفضل ، يقال : آلُ الله ، وآلُ السلطان . والأهل : يضاف إلى الكل يقال : أهل الله ، وأهل الخياط ، كما يقال : أهل زمن كذا ، وبلد كذا . وقيل : هو في الأصل إسم الشخص ، ويُصَغَّر أُوَيْلًا ، ويستعمل فيمن يختص بالإنسان اختصاصاً ذاتياً إما بقرابة قريبة أو بموالاة ، قال الله عز وجل : وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ « آل عمران : 33 » وقال : أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ « غافر : 46 » .
قيل : آل النبي : أقاربه . وقيل المختصون به من حيث العلم ، وذلك أن أهل الدين ضربان : ضرب متخصص بالعلم المتقن والعمل المحكم ، فيقال لهم : آل النبي وأمته . وضرب يختصون بالعلم على سبيل التقليد ، يقال لهم أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، ولا يقال لهم آله ، فكل آل للنبي أمته ، وليس كل أمة له آله .
وقيل لجعفر الصادق عليه السلام : الناس يقولون : المسلمون كلهم آل النبي ، فقال : كذبوا وصدقوا ، فقيل له : ما معنى ذلك؟ فقال : كذبوا في أن الأمة كافتهم آله ، وصدقوا في أنهم إذا قاموا بشرائط شريعته آله .
وقوله تعالى : رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ « غافر : 28 » أي من المختصين به وبشريعته ، وجعله منهم من حيث النسب ، أو المسكن ، لا من حيث تقدير القوم أنه على شريعتهم .
وقيل في جبرائيل وميكائيل : إن إيل إسم الله تعالى ، وهذا لا يصح بحسب كلام العرب ، لأنه كان يقتضي أن يضاف إليه فيجرَّ إيل ، فيقال : جَبْرُإيلٍ . وآل الشخص : شخصه المتردد . قال الشاعر :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 84 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولم يبق إلا آل خيمٍ منضَّدِ
والآل أيضاً : الحال التي يؤول إليها أمره ، قال الشاعر :
سَأَحْمِلُ نَفْسِي عَلَى آلةٍ
فَإمَّا عَلَيْهَا وإمَّا لهَـا
وقيل لما يبدو من السراب : آلٌ ، وذلك لشخص يبدو من حيث المنظر وإن كان كاذباً ، أو لتردد هواء وتموُّج ، فيكون من آل يؤول . وآلَ اللبن يَؤُولُ : إذا خَثُرَ ، كأنه رجوع إلى نقصان ، كقولهم في الشئ الناقص .
ملاحظات
1 . معنى أهل بيت الرجل : أسرته ، وهو موجود في كل لغات العالم ، وقد يتسع ليشمل عشيرته ، فأهل بيت هرقل ، أو كسـرى ، أو إبراهيم ، أو إسماعيل ، أو امرئ القيس ، بمعنى أسرهم ، وقد يستعمل بمعنى عشيرتهم ! لكن عندما يصل الأمر الى النبي صلى الله عليه وآله يفاجؤك العلماء (الأتقياء) أتباع السلطان بتوسيع معنى أهل بيته وآله ، ليشمل كل قبائل قريش ، بل كل أمة الإسلام !
لذلك ينبغي الحذر من تحريفهم الكلم عن مواضعه ، وإلباسهم إياه ثوباً علمياً ! ومنه قول الراغب : « أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين » ! فكلمة « أو دين » تحريف لمصادرة حق أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وإعطائه الى قبائل قريش والأمة ، ليصيروا كلهم : آل النبي صلى الله عليه وآله ! ويكفي لرد ذلك : صحة سلب إسم الآل وأهل البيت عن غير أسرته وعشيرته ، فتقول : الروم ليسوا كلهم آل هرقل وأهل بيته ، والفرس ليسوا كلهم أهل بيت كسرى ، والعرب ليسوا كلهم آل النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله . وكفى بصحة السلب دليلاً .
2 . روى الجميع أن النبي صلى الله عليه وآله وضع مصطلحاً إسلامياً لأهل بيت عليهم السلام فأدار عليهم كساء وقال : اللهم هؤلاء آل محمد ، هؤلاء أهل بيتي . وأرادت زوجته أن تدخل معهم فجذب منها الكساء وقال : لا ، إنك الى خير ، ولكن هؤلاء أهل بيتي !
ومع ذلك قفز خدام السلطة على هذا المصطلح الصريح وقالوا آل النبي زوجاته ، وكل قريش ، والعلماء ، والأمة !
لقد نسي الراغب هنا أن الآل غير الأمة ! ونسي آيات القرآن ومنها آية التطهير وأن الأمة كلها لا يمكن أن تكون مطهرة ، وفيها القتلة والمجرمون ! ثم حاول أن يقنعك أن أهل العلم من أمثاله من آل النبي صلى الله عليه وآله !
إن اليهود لم يفعلوا مع آل أنبيائهم عليهم السلام ما فعلته هذه الأمة مع آل نبيها صلى الله عليه وآله ! فلم يَدَّعِ اليهود أنهم كلهم من آل موسى ، أو آل هارون !
ولكي يبرر علماء السلطة تحريفهم نسبوا ذلك الى إمام العترة جعفر الصادق عليه السلام أنه قال : « كل من قام بشرائط شريعته هم آله » ! وقد قام بشرائطها بنو أمية وبنو العباس والعثمانيون والوهابية ، وحكام المسلمين ، فكلهم آل النبي وأهل بيته ! ومعناه : لايوجد شئ إسمه « أهل البيت النبوي » !
3 . قال بعض علماء السلطة إن « أهل البيت » وردت في القرآن بالمعنى اللغوي في قوله تعالى : قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إنهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ . فزوجة إبراهيم عليه السلام من أهل بيته لغةً ، وكذلك زوجات النبي صلى الله عليه وآله من أهل بيته لغةً .
وجوابه : هذا يصح قبل قول النبي صلى الله عليه وآله إن أهل بيتي مصطلح ، أما بعده فلا يصح الإستدراك على النبي صلى الله عليه وآله وتفسيرهم بالمعنى اللغوي . وكيف نضع المصطلح النبوي وراء ظهورنا ، وقدخصص أهل بيته وآل محمد بمن أدار عليهم الكساء ! فهل هذا إلا كمن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 85 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يقول : الصلاةُ في اللغة الدعاء فأنا أدعو ، ولا أصلي بالمعنى الإصطلاحي !
روى أحمد بن حنبل : 6/323 : « عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لفاطمة : إئتيني بزوجك وابنيك فجاءت بهم ، فألقى عليهم كساء فدكياً ، قال ثم وضع يده عليهم ، ثم قال : اللهم إن هؤلاء آل محمد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد مجيد . قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال : إنك على خير » . وروى في : 1/185 : « ثم تلا هذه الآية : إنما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ، وقال : اللهــم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق » .
4 . العترة في اللغة أخص من الآل فهم الأقارب القريبون خاصة ، وهم الذين حددهم النبي صلى الله عليه وآله وجعلهم وصيته في أمته مع القرآن في الحديث المتواتر عند الجميع : « قال إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عز وجل وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروني بمَ تخلفوني فيهما » . « مسند أحمد : 3/17 » . وصح عندنا أنه صلى الله عليه وآله قال : وتسعة من ذرية الحسين آخرهم المهدي عليهم السلام .
5 . استعمل القرآن كلمة « آل » ستاً وعشرين مرة ، في آل إبراهيم وعمران ويعقوب وموسى وهارون عليهم السلام . وفي آل فرعون . وقال تعالى : سَلامٌ عَلَى إِلْيَاسِينَ ، وقرئ : سَلامٌ عَلَى آل يَاسِين ، أي آل محمد صلى الله عليه وآله ، وهو الصحيح . وفي صحيح بخاري : 4 /138 ، في قوله تعالى : إن اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحـاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ : « قال ابن عباس . . وآل عمـران وآل ياسين وآل محمد » .
6 . ورد تعبير « أهل الكتاب » في القرآن ثلاثين مرة ، وأهل الإنجيل مرة واحدة : وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيه ، ولم يستعمل « أهل التوراة » !
وورد تعبير أهل النار : إن ذَلِكَ لَحق تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ، ولم يرد تعبير « أهل الجنة » بل ورد التعبير بأصحاب الجنة وأصحاب النار ! كما ورد في القرآن أهل المدينة ، وأهل يثرب ، وأهل القرى ، وأهل مدين ، وأهل قرية ، وفي صفات الله تعالى : أَهْلُ التقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ . وورد تعبير « أهلك » لنبينا ونوح وموسى ولوط وأيوب وصالح ويوسف عليهم السلام . وعزيز مصر .
واستعمل القرآن تعبير : أهل الأمانات ، وأهل السفينة ، وأهل الفتيات : فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ . وأهلونا في آية ، وأهليكم في آيتين ، وأهل الذكر مرتين : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ .
أوَبَ - أوباً - أوْبٌ - إياب - مآب- أواب - تأويب - آب - أؤوب
الأَوْبُ : ضربٌ من الرجوع ، وذلك أن الأوب لا يقال إلا في الحيوان الذي له إرادة . والرجوع : يقال فيه وفي غيره ، يقال : آب أَوْباً وإِيَاباً ومَآباً . قال الله تعالى : إن إِلَيْنا إِيابَهُمْ « الغاشية : 25 » وقال : فَمَنْ شاءَ اتَّخَــذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً « النبـــأ : 39 » . والمآب : المصدر منه ، وإسم الزمان ، والمكان ، قال الله تعالى : وَ اللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ « آل عمــران : 14 » .
والأوَّاب : كالتواب ، وهو الراجع إلى الله تعالى بترك المعاصي وفعل الطاعات . قال تعالى : أَوَّابٍ حَفِيظٍ « ق : 32 » وقال : إنهُ أَوَّابٌ « صاد : 30 » ومنه قيل للتوبة : أَوْبَة .
والتأويب : يقال في سير النهار . وقيل : آبت يد الرامي إلى السهم ، وذلك فعل الرامي في الحقيقة ، وإن كان منسوباً
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 86 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إلى اليد . ولا ينقض ما قدمناه من أن ذلك رجوع بإرادة واختيار . وكذا ناقة أَؤُوب : سريعة رجع اليدين .
ملاحظات
1 . لاوجه لحصر الأوْب في الحيوان الذي له إرادة . فكل شئ رجع إلى مكانه فقد آب يؤوب أوباً وإياباً . وفي الحديث النبوي : حتى آبت الشمس . « لسان العرب : 1/219 » . وقال الكميت : أنَّى ومن أين آبكَ الطرب . « المقاييس : 1/152 » . والشمس والطرب جامدان .
2 . استعمل القرآن أوَّاب خمس مرات ، منها : وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إنهُ أَوَابٌ ، أي سريع الرجوع أو كثير الرجوع الى الله ، وذلك إذا ارتكب خلاف الأولى ، لأنه لايصح نسبة المعصية الى الأنبياء عليهم السلام . واستعمل القرآن الأوابين للتائبين فقال : فَإنهُ كَأن للأَوَابِينَ غَفُــورًا . والأواب لرجوع الطيــور الى داود عليه السلام : وَالطيْرَ مَحْشُورَةً كل لَهُ أَوَابٌ .
واستعمل مآب ، بمعنى الرجوع والمرجع ، تسع مرات ، قال تعالى : وَ اللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ . فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً . وَإن لِلطاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ . وقــال : إن إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ، أي رجوعهم . وقــال : يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطيْرَ ، أي رَجِّعِي تسبيحهُ .
3 . آب الغائب يؤوب مآباً وأوبةً : رجع . وفي الحديث : كان صلى الله عليه وآله إذا أقبل من سفر قال : آيبون تائبون ، لربنا حامدون .
4 . جمع آيب : أُوَّبٌ وُأوَّابٌ وأُيَّابٌ ، بضم الألف وتشديد الواو . والمتأوب سريع الرجوع وأوَّبت الشمس في مآبها : غابت في مغيبها . وجاءوا من كل أوْب : من كل ناحية . وأبْتُ الى بني فلان : جئتهم بالليل . وتأوَّبتهم : جئتهم أول الليل . وآب إلى سيفه : أي رد يده ليسلَّه .
5 . التأويب : السير نهاراً والنزول ليلاً . والإسآد السير ليلاً . يقال : أوَّب القوم تأويباً ، أي ساروا بالنهار ، وأسأدوا إذا ساروا بالليل .
6 . لم أجد تفريقاً مقنعاً بين آب ورجع ، وكلاهما يشتركان في أنهما رجوع الى المرجع المفترض أساساً ، وكأن الأوب رجوع اختياري والرجوع أعم من الإختياري وغيره .
7 . آب : من أسماء الشهور ، عجمي معرب . ومآب : إســم بلد بالبلقــاء . وأيوب عليه السلام : من آب يؤوب . « معاني الأخبار/50 » . وبنو أيوب : قبيلة . وفي الزيارة الجامعة : مؤمن بإيابكم ، مصدق برجعتكم . « التهذيب : 6/99 » .
أيَدَ - أيْد - تأييد - إياد - آده - يؤوده
قال الله عز وجل : أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ « المائدة : 110 » فَعَلْتُ ، من الأيْد ، أي القوة الشديدة . وقال تعالى : وَاللَّه يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ « آل عمــران : 13 » أي يكثر تأييده . ويقال : إِدْتُهُ أَئِيدُهُ أَيْداً نحو : بعته أبيعه بيعاً ، وأيدته على التكثير .
قال عز وجل : وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ . « الذاريات : 47 » ويقال : له أيْدٌ ، ومنه قيل للأمر العظيم مؤيد . وإِيَاد الشئ ما يقيه ، وقرئ : أَأْيَدْتُكَ ، وهو أفعلت من ذلك . قال الزجاج : يجوز أن يكون فاعلت نحو : عاونت ، وقوله عز وجل : وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما « البقرة : 255 » أي لا يثقله .
وأصله من الأود ، آد يؤود أوداً وإياداً : إذا أثقله ، نحو : قال يقول قولاً ، وفي الحكاية عن نفسك : أُدْتُ مثل قُلْتُ ، فتحقيق آدَهُ : عوجه من ثقله [في ممرِّه ] .
ملاحظات
1 . وردت مادة أيَّدَ في القرآن تسع مرات . وورد الأَيْد بمعنى القوة مرتين : هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ . فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِه ِ . وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإنا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 87 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لَمُوسِعُون . وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إنهُ أَوَّابٌ .
ووردت مادة أوَدَ مرة واحدة : وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأرض وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا ، أي لايثقله ولايشـق عليه . تقول : آدني هذا الأمر يؤودني ، أي شق عليَّ . ومنه التأوُّد بمعنى الإعوجاج من الثقل تقول : تأود الغصن والعود . قال ابن منظور « 1/154 » : « هو العطف والإنثناء ، أُدْتُ الشئ : عطفته ، وتأوَّد النبت مثل تعطف وتعوج » . « راجع : العين : 8/97 » .
وقد وضعنا قوله « في ممره » بين قوسين لأنها لا معنى لها ، ونشك في صحة النسخة .
2 . آده بمعنى أثقله وهي من أوَدَ . وأيده بمعنى قواه ، وهي من أَيَدَ . فهما أصلان مختلفان ، ولا يصح جعلهما واحداً كما فعل الراغب وابن فارس .
أَيْك - أيكة
الأيك : شجرٌ مُلْتَفٌّ . وأصحاب الأيكة : قيل نسبوا إلى غيضة كانوا يسكنونها ، وقيل هي إسم بلد .
ملاحظات
الأيكة : الواحة ذات الشجر المثمر . « العين : 1/423 » وقد ورد ذكر أصحاب الأيكة في أربع آيات ، قال تعالى : كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ أَلْمُرْسَلِينَ . وَإِنْ كَأن أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ . وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُولَئِكَ الأَحْزَابُ . وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ .
وقيل هم أهل تبوك . « معجم البلدان : 1/291 ، ومجمع البيان : 6/127 » . وقيل هم أهل مَدْيَن الذين قال الله فيهـم : وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً . لكن العذاب المذكور لهم الصيحة ، ولأصحاب الأيكةعذاب يوم الظلة . وقد يكون رسولهم شعيباً آخر .
أوَلَ - تأويل - آلَ - أوَّلاً - أولى - يؤول
التأويل : من الأوْل أي الرجوع إلى الأصل ، ومنه المَوْئِلُ للموضع الذي يرجع إليه ، وذلك هو رد الشئ إلى الغاية المرادة منه ، عِلْماً كان أو فعلاً ، ففي العلم نحو : وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ « آل عمران : 7 » وفي الفعل كقول الشاعر :
وللنَّوى قبل يوم البين تأويلُ
وقولـه تعالى : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ « الأعراف : 53 » أي بيانه الذي [هو] غايته المقصودة منه . وقوله تعالى : ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا « النساء : 59 » قيل : أحسن معنى ترجمةً ، وقيل : أحسن ثواباً في الآخرة . والأَوْلُ : السياسة التي تراعي مآلها يقال : أُلْنَا وإِيلَ علينا .
وأوَّلُ : قال الخليل : تأسيسه من همزة وواو ولام ، فيكون فَعَّل ، وقد قيل من واوين ولام فيكون أفعل ، والأول أفصح لقلة وجود ما فاؤه وعينه حرف واحد ، كددن ، فعلى الأول يكون من : آل يؤول ، وأصله : آول فأدغمت المدة لكثرة الكلمة . وهو في الأصل صفة لقولهم في مؤنثه : أُولى ، نحو : أُخرى .
فالأول : هو الذي يترتب عليه غيره ، ويستعمل على أوجه : أحدها : المتقدم بالزمان كقولك : عبد الملك أولاً ، ثم المنصور .
الثاني : المتقدم بالرئاسة في الشئ ، وكون غيره محتذياً به ، نحو : الأمير أولاً ، ثم الوزير .
الثالث : المتقدم بالوضع والنسبة ، كقولك للخارج من العراق : القادسية أولاً ، ثم فيد ، وتقول للخارج من مكة : فيد ، أولاً ، ثم القادسية . الرابع : المتقدم بالنظام الصناعي ، نحو أن يقال : الأساس أولاً ، ثم البناء .
وإذا قيل في صفة الله : هوالأول فمعناه : أنه الذي لم يسبقه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 88 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في الوجود شئ ، وإلى هذا يرجع قول من قال : هو الذي لا يحتاج إلى غيره ، ومن قال : هو المستغني بنفسه .
وقوله تعالى : وَأَنَا أول الْمُسْلِمِينَ « الأنعام : 163 » وَأَنَا أول الْمُؤْمِنِينَ « الأعراف : 143 » فمعناه : أنا المقتدَى بي في الإسلام والإيمان ، وقال تعالى : وَلا تَكُونُوا أول كافِرٍ بِهِ « البقرة : 41 » أي لاتكونوا ممن يُقتدى بكم في الكفر .
ويستعمل أولُ ظرفاً فيبنى على الضم نحو جئتك أَوَّلُ ، ويقال : بمعنى قديم نحو : جئتك أولاً وآخراً ، أي قديماً وحديثاً .
وقوله تعالى : أَوْلى لَكَ فَأَوْلى « القيامة : 34 » كلمــة تهديد وتخويف يخاطب بها من أشرف على هلاك فيحثُّ بها على التحرز . أو يخاطب بها من نجا ذليلاً منه فيُنهى عن مثله ثانياً . وأكثر ما يستعمل مكرراً وكأنه حثٌّ على تأمُّل ما يؤول إليه أمره ليتنبَّه للتحرز منه .
ملاحظات
1 . التفسير : بيان معنى ألفاظ الكلام . والتأويل : بيان ما يقصد منه ويؤول اليه . تقول : أوَّلتُه وتأولته تأوُّلاً وتأويلاً . وتقول : مآل الكلام وموئله . قال الله تعالى : وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحق وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا . وقال عن القرآن : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأوِيلَهُ إِلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ .
وقال عن يوسف عليه السلام : وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ . يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاىَ مِنْ قَبْلُ .
وقال في الخضر : سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا .
والتأويل في هذه الآيات تأويلُ حَدَثٍ أو كلامٍ مضى ، وقد يكون تأويل شئ سيأتي ، كقوله عن يوسف : لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي .
وقال عن البيع والتعامل : وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً .
وقال عن رد الأخبار الهامة الى أولي الأمــر : ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَاوِيلاً .
2 . استعمل لفظ الأوَّل في القرآن بضعاً وستين مرة ، منها ثلاثون مرة مفرداً ، والباقي جمعاً . واستعمل أولاهم مرتين ، وأولاهما مرة . وكلها بمعنى السبق والأولية في الشئ ، وليس فيها معنى الإقتداء الذي ذكره الراغب .
3 . أولى لك : أي أحق لك أو أحْرَى بك ، وهي من وَلِيَ وليست من أول ، وقد ذكرها الراغب في وليَ .
4 . تقول : رأيته عاماً أولَ وعامَ أول . والجمع أولون ، وجمع أُولى : أولَيَات ، وجمع أخرى أخْرَيات . ومُثَنَّى أوْلى أوْلَيان ، وجمعه أوْلَوْن . « العين : 8/368 » .
أيَمَ - آمَ- تأيمَ - أيِّم - أيامى
الأيامى : جمع الأيِّم ، وهي المرأة التي لا بعل لها ، وقد قيل للرجل الذي لا زوج له ، وذلك على طريق التشبيه بالمرأة فيمن لا غناء عنه ، لاعلى التحقيق ، والمصدر الأيِّمَة . وقد آم الرجل وآمت المرأة وتأيَّم وتأيَّمت . وامرأة أيِّمة ورجل أيِّم . والحرب مأيَمَة ، أي تفرق بين الزوج والزوجة ، والأيْمُ : الحيَّة .
ملاحظات
1 . لم ترد كلمة أيِّم في القــرآن ، وورد جمعهـا في قوله تعــالى : وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ .
2 . جعل الراغب الأيْم أي الحية من نفس مادة أيَمَ ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 89 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لكن الصحيح ما ذكره صاحب المقاييس : 1/165 ، من أن أَيَمَ ثلاثة أصول متباينة : الدخان ، والحية ، والمرأة لازوج لها ، أو الرجل لازوجة له . وذكر الخليل أن الأيِّم مشتقة من الدخان ، ومعناها الذي ما زال فيه دخان زواج . « راجع : العين : 8/425 ، والصحاح : 5/1868 ، ولسان العرب : 12/39 » .
وقدجعل الراغب الأيم في الأصل للمرأة ، وللرجل تشبيهاً بها ، لكن مقتضى الآية واستعمال العرب تساويهما في التسمية به .
أوَهَ - أَوَّاهٌ - إيهاً - ويهاً- واهاً
الأوَّاه : الذي يكثر التأوُّه وهو أن يقول : أُوهْ ، وكل كلام يدل على حزن يقال له : التأوه . ويعبر بالأوَّاه عمن يُظهر خشية الله تعالى ، وقيل في قوله تعالى : أوَّاهٌ مُنِيبْ ، أي المؤمن الداعي . وأصله راجع إلى ما تقدم .
قال أبو العباس رحمه الله : يقال إيهاً إذا كففته ، ووَيْهاً إذا أغريته ، ووَاهاً إذا تعجبت منه .
ملاحظات
قال تعالى : إن إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ . وقال : إن إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ . وورد في تفسيره أنه عليه السلام كان دَعَّاءً أي كثير الدعاء والتضرع ، وكان يسمع له في صلاته أزيز كأزيز المِرْجَل . وورد ذلك في وصف عبادة النبي صلى الله عليه وآله « تفسير العياشي : 2/154 ، وعدةالداعي/138 » . وورد في وصف عبادة فاطمة الزهراء عليها السلام أنها كانت تَنْهَجُ من خيفة الله . « مستدرك الوسائل : 4/100 » .
وسمى الله إبراهيم عليه السلام أوَّاهاً ، لكثرة تحزُّنه في دعائه ومناجاته . فالمتأوه المتضرع كثيرُ الحزن . وقد يكون التأوه من الشكاية ، كما في قول النبي صلى الله عليه وآله لمعاذ بن جبل : « واهاً لفراخ آل محمد من خليفة يقتل خلفي وخلف الخلف » . « الطبراني الكبير : 20/38 » .
وقد يقلبون الواو ألفاً فيقولون : آهٍ من كذا ، وأوَّهْ منه . وروي الحديث المتقدم : « أوَّهْ لفراخ آل محمد » . « نهاية ابن الأثير : 1/82 ، ولسان العرب : 9/232 » . وفي تاج العروس « 19/10 » : « أُوَّهْ لفراخ محمد . ضبطوه بتشديد الواو وسكون الهاء » . وفي حديث علي عليه السلام : « أُوَّهْ على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه » . « مجمع البحرين : 1/136 » .
وتقول : آهٍ وأُوهٍ بكسر الهاء وتنوينها ، وتأوَّهَ فلان آهاً وآهةً كآهةِ المجروح . وتقول : آهْ وآو وأوتاه . وتقول متلهفاً : واهاً . ومستزيداً من حديث أو عمل : إيهٍ . وفي التحريض والإغراء : ويهاً ، وويهُ فلان . « الصحــاح : 6/2257 ، والعيــن : 4/104 ، وإصلاح المنطق/71 ، والمقاييس : 6/80 » .
أيٌّ - أيُّما
أي : في الإستخبار موضوعٌ للبحث عن بعض الجنس والنوع ، وعن تعيينه ، ويستعمل ذلك في الخبر والجزاء ، نحـو : أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسماء الْحُسْنَى . أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ .
آية - آيات - آيٌ
والآية : هي العلامة الظاهرة ، وحقيقته لكل شئ ظاهر ، وهو ملازم لشئ لا يظهر ظهوره . فمتى أدرك مدركٌ الظاهر منهما ، علم أنه أدرك الآخر الذي لم يدركه بذاته ، إذ كان حكمهما سواء . وذلك ظاهر في المحسوسات والمعقولات ، فمن علم ملازمة العَلَم للطريق المنهج ، ثم وجد العَلم ، علم أنه وجد الطريق . وكذا إذا علم شيئاً مصنوعاً علم أنه لا بد له من صانع .
واشتقاق الآية إما من أيٍّ فإنها هي التي تبين أيّاً من أي ، أو من قولهم : أوى إليه . والصحيح أنها مشتقة من التأيِّي الذي هو التثبت والإقامة على الشئ . يقال : تأيَّ ، أي إرفق ، أو من قولهم : أوى إليه . وقيل للبناء العالي :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 90 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
آية ، نحو : أَتَبْنُونَ بِكل رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ . « الشعراء : 128 » . وكل جملة من القرآن دالة على حكم ، آية ، سورةً كانت أو فصولاً أو فصلاً من سورة . وقد يقال لكل كلام منه منفصل بفصل لفظي : آية . وعلى هذا اعتبار السور التي تعدُّ بها السورة .
وقوله تعالى : إن فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ . « الجاثية : 3 » فهي من الآيات المعقولة التي تتفاوت بها المعرفة بحسب تفاوت منازل الناس في العلم . وكذلك قوله : بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ . « العنكبوت : 49 » وكذا قوله تعالى : وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ . « يوسف : 105 » .
وذكر في مواضع آية ، وفي مواضع آيات ، وذلك لمعنى مخصوص ، ليس هذا الكتاب موضع ذكره . وإنما قال : وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً « المؤمنون : 50 » ولم يقل : آيتين ، لأن كل واحد صار آية بالآخر .
وقوله عز وجل : وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً . « الإسراء : 59 » فالآيات هاهنا قيل : إشارة إلى الجراد والقُمَّل والضفادع ، ونحوها من الآيات التي أرسلت إلى الأمم المتقدمة ، فنبَّه [على] أن ذلك إنما يفعل بمن يفعله تخويفاً ، وذلك أخسُّ المنازل للمأمورين ، فإن الإنسان يتحرى فعل الخير لأحد ثلاثة أشياء : إما أن يتحراه لرغبة أو رهبة ، وهو أدنى منزلة . وإما أن يتحراه لطلب محمدة ، وإما أن يتحراه للفضيلة ، وهو أن يكون ذلك الشئ فاضلاً في نفسه ، وذلك أشرف المنازل . فلما كانت هذه الأمة خير أمة كما قال تعالى : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ، « آل عمــران : 110 » رفعهم عن هذه المنزلة ، ونبه [على] أنه لا يعمهم بالعذاب ، وإن كانت الجهلة منهم كانوا يقولون : فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ . « الأنفال : 32 » .
وقيل : الآيات إشارة إلى الأدلة ، ونبه [على] أنه يقتصرمعهم على الأدلة ، ويصانون عن العذاب الذي يستعجلون به في قوله عز وجل : يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ « العنكبوت : 54 » .
وفي بناء آية ثلاثة أقوال ، قيل : هي فَعْلَة ، وحق مثلها أن يكون لامه معلّا دون عينه ، نحو حياة ونواة ، لكن صُحِّحَ لامُهُ لوقوع الياء قبلها ، نحو : راية . وقيل : هي فَعْلَة إلا أنها قُلِبَتْ كراهة التضعيف ، كطائي في طيئ . وقيل : هي فاعلة وأصلها : آيِيَة فخففت فصار آية . وذلك ضعيف لقولهم في تصغيرها : أُيَيَّة ، ولو كانت فاعلة لقيل : أوية .
ملاحظات
1 . جمع الآية : آيٌ وآياتٌ وآيايٌ وآياءٌ . وعرَّفها الراغب بأنها العَلاَمة ، ثم قال : « واشتقاق الآية إما من أيٍّ فإنها هي التي تبين أيّاً من أي ، أو من قولهم أوى إليه . والصحيح أنها مشتقة من التأيِّي ، الذي هو التثبت والإقامة على الشئ » . وهو شبيه بقول ابن فارس « 1/167 » إنها مشتقة من تأيَّى يتأيَّى تأيِّيَاً ، أي تَمَهَّل وتمكَّث ، أو تأمَّل ونظر ، وكأنها سميت آية لأنها توجب التأمل والنظر .
لكن لا يصح اشتقاقها من المكث والتثبت ، لأنه لا يوجد في معناها مكث وتثبت . فنحن نجهل مصدر اشتقاقها .
و أصلها عند الخليل : أَأْية ، قلبت ألفها ياء فصارت أيِيَّة ، ثم حذفت فصارت آية كراية وغاية . « العين : 8/440 »
وأصلها عند سيبويه أوِيَّة . وقال البغدادي في خزانة الأدب « 6/469 » : « اختلف في أصلها على ستة أقوال : أحدها ، أن أصلها أيية كقصبة فالقياس في إعلالها أياة فتصح العين وتعل اللام . . وهذا قول الخليل .
الثاني : أن أصلها أيية بسكون العين كحية ، فأعلت بقلب الياء الأولى . . قاله الفراء ، وعزي لسيبويه ، واختاره ابن مالك .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 91 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الثالث : أن أصلها آيية كضاربة حذفت العين استثقالاً لتوالي ياءين . .
الرابع : أن أصلها أيُية بضم الياء الأولى كسمرة فقلبت العين ألفاً . .
الخامس : أن أصلها أيِية بكسر الياء الأولى كنبقة فقلبت الياء الأولى ألفاً . .
السادس : أن أصلها أيَية كقصبة كالأول إلا أنه أعلت الثانية على القياس . .
أقول : لا دليل عندهم على هذه الأقوال إلا الإستحسان . والمهم معناها ولا يضر أنا لم نطمئن بأصلها واشتقاقها .
2 . استعملت آية : في القرآن مفردةً أربعاً وثمانين مرة . وآيات : مئة وثمانية وأربعين مرة ، وآياتنا : اثنين وتسعين مرة . وآياته : سبعاً وثلاثين مرة . . الخ . وهذا الإستعمال الواسع للمادة يدل على سعة مصاديقها .
وقد وردت في حديث الإسراء ، في قوله صلى الله عليه وآله : « وآية ذلك أني مررت بعير لأبي سفيان على ماء لبني فلان وقد أضلوا جملاً » . « الكافي : 8/364 » . وفي وصف الخوارج : « آية ذلك أن فيهم رجلاً أسود مُخَدَّج اليد » . « أحمد : 1/88 » .
أيَّانَ - أيُّ - إيَّا - إي - آ - أيا
وأَيَّانَ : عبارة عن وقت الشئ ، ويقارب معنى متى ، قال تعالى : أَيَّانَ مُرْسَاهَا « الأعراف : 187 » أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ « الذاريات : 12 » من قولهم : أي . وقيل أصله : أيُّ أوان ، أي أيُّ وقت ، فحذف الألف ثم جعل الواو ياء ، فأدغم فصار أيَّان .
وإيَّا : لفظ موضوع ليتوصل به إلى ضمير المنصوب إذا انقطع عما يتصل به ، وذلك يستعمل إذا تقدم الضمير نحو : إيَّاكَ نَعْبُدُ ، أو فصل بينهما بمعطوف عليه أو بإلا ، نحو : نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ . ونحو : وَقَضَى رَبُّكَ ألاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ .
وإي : كلمــة موضوعة لتحقيق كلام متقدم نحو : إِي وَرَبِّي إنهُ لَحق .
وأي ، وآ ، وأيا : من حروف النداء ، تقول : أي زيد ، وأيا زيد ، وآزيد . وأيٌّ : كلمة ينبه بها أن ما يذكر بعدها شرح وتفسير لما قبلها .
ملاحظات
وضع الراغب هذه الكلمات تحت عنوان « أي » لكن أصولها متعددة ، ويبدو أن أيّاً الإستفهامية والتفسيرية وأيَّانَ أصلٌ ، وإيَّاكَ وأخواتها أصل ، وإِي بمعنى بلى أصل ، وأَيْ للنداء وأخواتها أصل .
وقد استعملت أيَّانَ في القرآن ست مرات ، وكلها للسؤال عن القيامة ، كقوله تعالى : يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا . أما إيَّا ، فقد جاءت متصلة بكاف الخطاب للمفرد والجمع « إياك ، إياكم » وبضمير المفرد الغائب والجمع « إياه ، إياهم » والمفرد المتكلم وجمعه « إياي ، إيانا » .
وقد استعمل القرآن هذه الضمائر في إسناد الفعل لله بصيغة المفرد والجمع ، للمتكلم والغائب ، وهذا يكشف عن فاعليات الله تعالى بواسطة الملائكة والنبي وآله صلى الله عليه وآله .
وأما إي ، بمعنى نعم ، فقال ابن منظور : 14/59 : « توصل باليمين فيقال : إي و الله ، وتبدل منها هاء فيقال : هِي » .
وأما أيٌّ التي للنداء ، فوردت في القرآن مئة وخمسين مرةً مع حرف النداء مضافاً اليها الهاء والألف « يا أيها » ومرة واحدة فقط بدونه . وصح دخول حرف النداء عليها لأنها إسم . قال الجوهري : 6/2275 : « يا أيها الرجل ويا أيتها المرأة ، فأي : إسم مبهم مفرد معرفة بالنداء مبني على الضمير ، وها : حرف تنبيه وهي عوض مما كانت أيٌّ تضاف إليه » .
وقال ابن هشام في المغني « 1/77 » : « أي : بفتح الهمزة وتشديد الياء : إسم يأتي على خمسة أوجه : شرطاً ، نحو :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 92 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسماء الْحُسْنَى . أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ . وإستفهامـاً نحو : أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً . فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُون . وموصولاً نحو : ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كل شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ . والخامس : أن تكون وصلة إلى نداء ما فيه أل نحو : يا أيها الرجل » .
وقال ابن منظور « 14/56 » : « أيْ : حرف إستفهام عما يعقل وما لا يعقل . ويقول لك قائل : رأيت ظبياً فتجيبه : أيّاً . ويقول : رأيت ظبيين فتقول : أيَّيْن ، ويقول : رأيت ظباء فتقول : أَيَّات . ويقول : رأيت ظبية ، فتقول : أيَّةَ . تقول يا أيها الرجل أقبل ولا يجوز يا الرجل . وقال الكوفيون : لأن أياً وما ومن والذي أسماء ناقصة ، لا تتم إلا بالصلات » .
هذا ، وقد زادت نداءات القرآن على مئة نداء . وهي موضوع غني في أدواته ، وأغراضه ، وأنواع المنادَيْن ، ومواضيع النداء .
أوَى -إيواءً - مأوى - آواه - مأوية
المَأْوَى : مصدر أَوَى يَأْوِي أَوِيّاً ومَأْوًى . تقول : أوَى إلى كذا : انضم إليه يأوي أويّاً ومأوى ، وآوَاهُ غيره يُؤْوِيهِ إِيوَاءً . قال عز وجل : إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ « الكهف : 10 » وقال : سَآوِي إِلى جَبَلٍ « هود : 43 » وقال تعالى : آوى إِلَيْهِ أَخاهُ « يوسف : 69 » وقال : تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ « الأحزاب : 51 » وقال : وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ « المعارج : 13 » وقوله تعالى : جَنَّةُ الْمَأْوى « النجم : 15 » كقوله : دارُ الْخُلْدِ « فصلت : 28 » في كون الدار مضافة إلى المصدر ، وقوله تعالى : مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ . « آل عمــران : 197 » إسم للمكان الذي يأوي إليه .
وأَوَيْتُ له : رحمته ، أَوِيّاً وأَيَّةً ومَأْوِيَةً ، ومَأْوَاةً . وتحقيقه : رجعت إليه بقلبي . وآوَى إِلَيْهِ أَخاهُ . « يوسف : 69 » أي ضمه إلى نفسه . يقال : أواه وآواه . والماوية : في قول حاتم طيئ : أماويُّ إن المال غادٍ ورائحُ .
مأويَّة ، فقد قيل : هي من هذا الباب ، فكأنها سميت بذلك لكونها مأوى الصورة . وقيل : هي منسوبة للماء ، وأصلها مائية ، فجعلت الهمزة واواً .
ملاحظات
استعمل القرآن من هذه المادة بضع عشرة مفردة هي زبدة كلماتها : المأوى ، جنة المأوى ، مأواه ، مأواهم ، مأواكم ، آواكم ، آوينا ، أوينا . . الخ . وجعلها صاحب المقاييس « 1/151 » أصلين قال : « أحدهما التجمع ، والثاني الإشفاق . وهو رأي قوي ، والتجمع أعم من المأوى المادي والمعنوي ، والإشفاق مأوى أو إيواء معنوي .
الألِفَات
الألِفَاتُ : التي تدخل لمعنى ، على ثلاثة أنواع : نوع في صدر الكلام ، ونوع في وسطه ، ونوع في آخره . فالذي في صدر الكلام أضرب : الأول : ألف الإستخبار ، وتفسيره بالإستخبار أولى من تفسيره بالإستفهام ، إذ كان ذلك يعمُّه وغيره نحو : الإنكار ، والتبكيت ، والنفي ، والتسوية . فالإستفهام نحو قوله تعالى : أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها « البقرة : 30 » . والتبكيت إما للمخاطب أو لغيره نحو : أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُم « الأحقاف : 20 » أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ الله عَهْداً « البـقرة : 80 » آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ « يونس : 91 » أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ « آل عمــران : 144 » أَفَإِنْ مِتَّ فَهُــمُ الْخـالِدُونَ « الأنبيـــاء : 34 » أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً « يونس : 2 » آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ . « الأنعام : 144 » . والتسوية نحو : سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا « إبراهيم : 21 » سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ « البقرة : 6 » .
وهذه الألف متى دخلت على الإثبات تجعله نفياً ، نحو : أَخَرَجَ . هذا اللفظ ينفي الخروج ، فلهذا سأل عن إثباته نحو ما تقدم . وإذا دخلت على نفي تجعله إثباتاً ، لأنه يصير معها نفياً يحصل منهما إثبات ، نحو : أَلَسْتُ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 93 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بِرَبِّكُمْ « الأعراف : 172 » أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ « التين : 8 » أَوَلَمْ يَرَوْا أنا نَأْتِي الْأَرْضَ « الرعد : 41 » أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ « طه : 133 » أَوَلا يَرَوْنَ « التوبة : 126 » أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ « فاطر : 37 » .
الثاني : ألف المخبر عن نفسه نحو : أسمعُ وأبصرُ . الثالث : ألف الأمر ، قطعاً كان أو وصلاً ، نحو : أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ « المائدة : 114 » ابْنِ لِي عِنْدَك َ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ « التحريم : 11 » ونحوهما .
الرابع : الألف مع لام التعريف ، نحو : العالمين . الخامس : ألف النداء نحو : أَزَيْدُ ، أي يا زيد .
والنوع الذي في الوسط : الألف التي للتثنية ، والألف في بعض الجموع في نحو مسلمات ، ونحو مساكين .
والنوع الذي في آخره : ألف التأنيث في حبلى وبيضاء ، وألف الضمير في التثنية ، نحو إذهبا .
والذي في أواخر الآيات الجارية مجرى أواخر الأبيات ، نحو : وَتَظُنُّونَ بِالله الظُّنُونَا « الأحزاب : 10 » فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا « الأحزاب : 67 » لكن هذه الألف لاتثبت معنى ، وإنما ذلك لإصلاح اللفظ .
ملاحظات
وضع الراغب هذا العنوان في ختام الباب اتباعاً لغيره من اللغويين . ويقصد بالألِفَات : المهموزة ، واللينة ، وفيها بحوث لايتسع لها الكتاب ، فنكتفي ببعض كلمات اللغويين فيها :
قال الجوهري : 6/2542 : « الألف على ضربين : ليِّنَة ومتحركة . فاللينة تسمى ألفاً ، والمتحركة تسمى همزة » .
وقال ابن منظور : 1/17 : « الهمزة لا هجاء لها ، إنما تكتب مرة ألفاً ومرة ياء ومرة واواً ، والألف اللينة لاحرف لها ، إنما هي جزء من مَدة بعد فَتحة . والحروف ثمانية وعشرون حرفاً مع الواو والألف والياء ، وتتم بالهمزة تسعة وعشرين حرفاً » .
وفي مختار الصحاح /9 : « الألف من حروف المد واللين والزيادات . وحروف الزيادات عشرة يجمعها قولك : اليوم تنساه . وقد تكون الألف في الأفعال ضمير الإثنين نحو فَعَلا ويفعلان ، وقد تكون في الأسماء علامة للإثنين ودليلاً على الرفع نحو : رجلان ، فإذا تحركت فهي همزة » .
وفي المغني « 1/13 » ملخصاً : « الألف المفردة : تكون حرفاً ينادى به القريب . وتكون للإستفهام وهي أصل أدواته ، ولهذا خصت بأحكام : أحدها : جواز حذفها ، سواء تقدمت على أم ، أم لم تتقدمها .
تدخل على النفي : ألم نشرح لك صدرك . أو لما أصابتكم مصيبة . تأتي للإنكار الإبطالي ، وتقتضي أن ما بعدها غير واقع ومدعيه كاذب نحو : أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ . وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا . فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ . أَفَسِحْرٌ هَـذَا . أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ . أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ . وللإنكار التوبيخي ، فيقتضي أن ما بعدها واقع ، وأن فاعله ملوم نحو : أتعبدون مــا تنحتون : أَغَيْرَ اللَّـهِ تَدْعُونَ . أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّـهِ تُرِيدُونَ . أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ . أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا . وللتقرير ، ومعناه حملك المخاطب على الإقرار والإعتراف بأمر قد استقر عنده ثبوته أو نفيه ، كقوله تعالى : أَأَنتَ فَعَلْتَ هَـذَا ، وهو يحتمل إرادة الإستفهام الحقيقي .
وللتهكم : أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا . وللأمر : أأسلمتم ، أي : أسلموا . وللتعجب : أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ . وللإستبطاء ، نحو : أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا » . « راجع : لسان العرب : 15/427 ، وتاج العروس : 20/361 » .
تمَّ كتاب الألف .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 94 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب الباء وما يتصل بها

ب
يشمل 89 مفردة و 87 ملاحظة
بَتْك - بَشَك - بَشْكى - بَتَّ - بَتَّةٌ - بَتاتاً - بَتْلةٌ
البَتْكُ : يقارب البتّ ، لكن البتك يستعمل في قطع الأعضاء والشعر ، يقال بتك شعره وأذنه ، قال الله تعالى : فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ « النساء : 119 » ومنه : سيف باتك ، قاطع للأعضاء . وبتكت الشعر : تناولت قطعة منه .
والبتكة : القطعة المنجذبة جمعها بتك ، قال الشاعر :
طارت وفي يدها من ريشها بَتْكُ
وأما البتُّ : فيقال في قطع الحبل والوصل ، ويقال طلقت المرأة بتةً وبتلةً ، وبَتَتُّ الحكم بينهما . وروي : لاصيام لمن لم يَبُتَّ الصوم من الليل .
والبَشْكُ : مثله ، يقال في قطع الثوب ، ويستعمل في الناقة السريعة : ناقة بشكى ، وذلك لتشبيه يدها في السرعة بيد الناسجة ، في نحو قول الشاعر :
فِعْلُ السريعة بادرتْ حدَّادَها قبل المســـاء تَهِمُّ بالإسراعِ
ملاحظات
1 . استعمل القرآن هذه المادة في آية واحدة ، فقال تعالى عن لسان إبليس : وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلامَنِّيَنَّهُمْ وَلامُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ . والبتك قطع يترك المبتوك مشوهاً ، ولم أجد استعماله عند المتقدمين إلا في قطع أذن الحيوان وقطع ريشه . والبتر قطع يترك المبتور ناقصاً ، وقد استعمل في بتر الذنب وبتر العمر وبتر العقب الوارثين . أما البت فهو قطع باتٌّ نهائي مادي أو معنوي . وأما البتل فهو بمعنى الفصل عن الشيئ « فالتبتل الانقطاع إلى الله تعالى ، أي أخلص إليه إخلاصاً . والبتول : كل امرأة تنقبض عن الرجال فلا حاجة لها فيهم ولا شهوة . . البتيل : فسيل النخل يبتل عنه أي يقطع عنه ويعزل » « العين : 8/124 » .
وبهذا تتضح الحكمة في استعمال البتك في القرآن ، لأن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 95 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إبليس يأمرهم فيشوهون آذان الأنعام . وفي استعمال الأبتر في مقطوع الذرية في قوله تعالى : إنَّ شانِئَكَ هُوَ الأبتر . لأنه هو في الحقيقة مقطوع الذرية وليس النبي صلى الله عليه وآله .
2 . ذكر ابن فارس أن أصل البتك قطع الشعر ونحوه باليد ، فهو نوع من النتف ، ولا يصح ذلك بل يقال سيف باتك أي قاطع ، وقال الثعلبي في تفسيره « 3/192 » : ما يقطع بالسكين ، ومنه الآية : فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ . ومثله المتْك . أما البتُّ فهو القطع ، قطع العلاقة ، وقطع الشئ ، وقطع الأمر عن الرجوع فيه ، ومنه اليمين الباتُّ ، والرأي الباتُّ ، والبَتُّ .
بَتَرَ - أبتر - بتراء
البتر : يقارب ما تقدم لكن يستعمل في قطع الذنَب ، ثم أجرى قطع العقب مجراه فقيل : فلان أبتر ، إذا لم يكن له عقب يخلفه ، ورجل أبتر وأباتر : انقطع ذِكْرُهُ عن الخير ، ورجل أباتر : يقطع رحمه .
وقيل على طريق التشبيه : خطبة بتراء ، لما لم يذكر فيها اسم الله تعالى ، وذلك لقوله عليه السلام : كل أمر لايبدأ فيه بذكر الله فهو أبتر . وقوله تعالى : إن شَانِئَكَ هُوَالأَبْتَرُ . « الكوثر : 3 » أي المقطوع الذِّكْر ، وذلك أنهم زعموا أن محمداً ينقطع ذكره إذا انقطع عمره لفقدان نسله ، فنبه تعالى أن الذي ينقطع ذكره هو الذي يشنؤه ، فأما هو فكما وصفه الله تعالى بقوله : وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ « الشرح : 4 » وذلك لجعله أباً للمؤمنين ، وتقييض من يراعيه ويراعى دينه الحق ، وإلى هذا المعنى أشار أميرالمؤمنين عليه السلام بقوله : العلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة . هذا في العلماء الذين هم أتباع النبي صلى الله عليه وآله فكيف هو وقد رفع الله عز وجل ذكره ، وجعله خاتم الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام .
ملاحظات
1 . حاول رواة السلطة أن يُبعدوا الأبتر والكوثر عن الذرية ، لإخفاء فضيلة لذرية النبي صلى الله عليه وآله ! مع أن قوله تعالى : إن شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ، جواب لقول العاص بن وائل دعوا محمداً صلى الله عليه وآله فإنه أبتر لا عقب له . فأجابهم الله تعالى بأنه أعطاه الكوثر من الذرية ، وحوض الكوثر في المحشر ، ونهر الكوثر في الجنة . وقال له : لست أبتر ، بل عدوك العاص الأبتر مقطوع العقب ، ولذلك قال بعضهم إن العاص أبتر ونفى أبوَّته لعمرو . ومن الملفت أن علياً عليه السلام لم ينسب عمرواً الى العاص أبداً ، بل كان يسميه : ابن النابغة !
2 . تبع الراغب علماء السلطة وتخبط في تفسير الأبتر والكوثر ! فجعله خاصاً ببتر الذنب وأبعده عن النسب ! ثم جعل الكوثر رفع الذكر ، ثم جعله الذرية ، لكن جعله كل الأمة لأنهم بمثابة أولاد النبي صلى الله عليه وآله ثم جعله علماء أمة النبي صلى الله عليه وآله لأنهم يرفعون ذكره ولم يجعله نسل النبي صلى الله عليه وآله من فاطمة الزهراء عليها السلام كما هو ظاهر اللفظ ! ولا جعلهم جزءً من الكوثر . وهذا من عجيب تعصبهم .
بَتَلَ - تبتلَ - بتول - نخلةٌ بَتلةٌ ومُبتل
قال تعالى : وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا « المزمل : 8 » أي انقطع في العبادة وإخلاص النية انقطاعاً يختص به . وإلى هذا المعنى أشار بقوله عز وجل : قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ « الأنعام : 91 » وليس هذا منافياً لقوله عليه الصلاة والسلام : لا رهبانية ولا تَبَتُّلَ في الإسلام ، فإن التبتل هاهنا هو الإنقطاع عن النكاح ، ومنه قيل لمريم : العذراء البَتُول ، أي المنقطعة عن الرجال .
والإنقطاع عن النكاح والرغبة عنه محظور لقوله عز وجل : وأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ . « النور : 32 » وقوله عليه الصلاة والسلام : تناكحوا تكاثروا ، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 96 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ونخلة مُبْتِل : إذا انفرد عنها صغيرة معها . ومثله البَتْل .
ملاحظات
البتل : كما عرفه ابن فارس « 1/195 » : « إبانة الشئ من غيره ، يقال بتلت الشئ إذا أبنته من غيره » . فهو نوع من القطع ، يعرف معناه من القرائن وحرف التعدية ، ويأتي بمعنى الإنقطاع الى الله ، قال تعالى : وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً . ومنه البتول المنقطعة الى ربها كالزهراء عليها السلام ، أو المنقطعة عن الزواج كمريم عليها السلام . ولعل عدم استعمال القرآن لفعل بَتَلَ ، واستبداله بفعل تبتل بمعنى انقطع الى الله تعالى ، إشارة الى تعدد البتل ، وأن المتبتل يحتاج الى أن يجدد انقطاعه الى الله تعالى .
بَثَّ - بثّاً - بثثتُ - أبثَّه - مبثوث
أصل البَثِّ : التفريق وإثارة الشئ كبث الريح التراب ، وبثُّ النفس ما انطوت عليه من الغم والسر ، يقال : بَثَثْتُهُ فَانْبَثَّ ، ومنه قوله عز وجل : فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا « الواقعة : 6 » .
وقوله عز وجل : وَبَثَّ فِيها مِنْ كل دَابَّةٍ « البقرة : 164 » إشارة إلى إيجاده تعالى ما لم يكن موجوداً وإظهاره إياه .
وقوله عز وجل : كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ « القارعة : 4 » أي المهيَّج بعد ركونه وخفائه .
وقوله عز وجل : إنما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي « يوسف : 86 » أي غمِّي الذي أبثُّه عن كتمان ، فهو مصدر في تقدير مفعول ، أو بمعنى : غمي الذي بثَّ فكري ، نحو : توزَّعني الفكر . فيكون في معنى الفاعل .
ملاحظات
البث : توزيعٌ غير منظم مقابل ما هو مجتمع أو مصفوف ، وقوله تعالى : وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ، وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ، أي مقاعد مصفوفة بانتظام ، ومتكآت منثورة بشكل جميل غير منظم . واستعمل البث في القرآن مضافاً الى ما تقدم في خلق نسل آدم وحواء عليهما السلام ونشـره في الأرض : وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً .
وفي نشر الحيوانات في الأرض والسماوات : وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ .
وفي بث هباء الجبال بعد بسها وتفتيتها ، قال تعالى : وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا . فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا . أي فُتتت ونُثر غبارها . « الفائق : 2/4114 » .
بَجَسَ - انبجس - انبجاس - فجَّر الماء
يقال : بَجَسَ الماء وانْبَجَسَ : انفجر ، لكن الإنبجاس أكثر ما يقال فيما يخرج من شئ ضيق ، والإنفجار يستعمل فيه ، وفيما يخرج من شئ واسع ، ولذلك قال عز وجل : فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً « الأعراف : 160 » وقال في موضع آخر : فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً « البقرة : 60 » فاستعمل حيث ضاق المخرج اللفظان .
قال تعالى : وَفَجَّرْنا خِلالهما نَهَراً « الكهف : 33 » وقال : وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً « القمر : 12 » ولم يقل : بجسنا .
ملاحظات
ربط الراغب معنى الإنبجاس بمكان خروج الماء . والصحيح أنه صفة لخروج الماء بقطع النظرعن مكان خروجه ، ويستعمل له : انبثق لأول خروجه ، وانبجس لخروجه متواصلاً ، وانفجر وانثجر لقوة خروجه ، وأفعال أخرى لا علاقة لها بمكان خروجه . قال الله تعــالى : وَإن مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ ، وَإن مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ . فجعل تفجر الماء غير خروجه .
وعبَّر عن العيون التي فجرها النبي موسى عليه السلام بانفجر وانبجس ، حسب الغرض في وصف حركة الماء في أول انبجاسه ، أو في تفجره بقوة واستمرار ، ولم يميز اللغويون بدقة بين الإنبجاس والإنفجار .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 97 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفَجَر الينبوع : جعله يتفجر ، قال تعالى : حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً . ومنه التفجير ، قال تعالى : عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا .
وفَجَرَ الشخص فُجوراً : أصر على الباطل ، كأنه انفجر منه الكذب فخرج عن حدود الشرع والأدب . قال تعالى : بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ . أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ . وسمي فَجْر النهار فجراً ، لأنه نور ينفجر من الظلام ويطلع منه ، قال تعالى : سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ .
بَحَثَ - بحثاً - بحوث - بحاثة
البحث : الكشف والطلب ، يقال بحثت عن الأمر وبحثت كذا ، قال الله تعالى : فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ . وقيل : بحثت الناقة الأرض برجلها في السير إذا شدَّدَت الوطأ ، تشبيهاً بذلك .
ملاحظات
قال الخليل « 3/207 » : « البحث : طلبك شيئاً في التراب . وسؤالك مستخبراً . تقول : أستبحث عنه وأبحث ، وهو يبحث بحثاً . والبَحُوث من الإبل التي إذا سارت بحثت التراب بأيديها آخراً آخراً ، ترمي به إلى خلفها » . أي تحثو التراب بيديها الى خلفها ، تفعل ذلك باستمرار . فليس في البحث معنى الكشف كما تخيل الراغب ، بل هو استكشاف بهدف الكشف . ولم ترد في القرآن إلا في قوله تعالى : بَعَثَ اللهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأرض . وذكر اللغويون أن أصله البحث في التراب ، ثم استعمل بمعنى التفتيش والإستكشاف .
بَحْر - تَبَحَّر - بحِيرة - بحرة - بنات بحر
أصل البحر : كل مكان واسع جامع للماء الكثير ، هذا هو الأصل ، ثم اعتبر تارة سعته المكانية فيقال بحرت كذا ، أوسعته سعة البحر تشبيهاً به . ومنه بَحَرْتُ البعير شققت أذنه شقاً واسعاً ، ومنه سميت البَحِيرَة ، قال تعالى : مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ ، وذلك ما كانوا يجعلونه بالناقة إذا ولدت عشرة أبطن ، شقوا أذنها فيُسِيِّبُوها ، فلا تُركب ولا يحُمل عليها .
وسموا كل متوسع في شئ بحراً ، حتى قالوا فرسٌ بحر باعتبار سعة جريه . وقال صلى الله عليه وآله في فرس ركبه : وجدته بحراً . وللمتوسع في علمه : بحر ، وقد تَبَحَّرَ : أي توسع في كذا ، والتبحر في العلم : التوسع . واعتبر من البحر تارة ملوحته ، فقيل ماء بحراني أي مالح ، وقد أبحر الماء ، قال الشاعر :
وقد عادَ ماءُ الأرضِ بَحْرَاً فَزَادَنِي
إلى مَرَضي أن أُبْحِرَ المَشْـرَبَ العَذْبَا
وقال بعضهم : البحر يقال في الأصل للماء المالح دون العذب ، وقوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ، إنما سمى العذب بحراً لكونه مع الملح ، كما يقال للشمس والقمر : قمران .
وقيل للسحاب الذي كثر ماؤه : بنات بحر . وقوله تعالى : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، قيل أراد في البوادي والأرياف لافيما بين الماء . وقولهم : لقيته صَحْرَةً بَحْرَة ، أي ظاهراً حيث لا بناء يستره .
ملاحظات
اختلفوا في سبب تسمية البحر والبحِيرة . وجعله الجوهري « 2/585 » من السعة والعمق . وجعل الخليل « 3/219 » اليَمَّ البحر الذي لا يدرك قعره ولا شطاه . « 8/431 » . وأخذ به الراغب .
والأسباب التي ذكروها غير مقنعة لأن في لفظ البحر عناصر أخرى ، فقد قالت العرب للأحمق والكذاب : البـاحـر ، لأنه إذا تكـلــم بُحِرَ وبقي كالمبهـوت « القاموس : 1/368 » . وقد يكون من البَهَر ، بإبدال الهاء جيماً .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 98 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والعنصر المؤكد في أصل تسميته : الماء والسعة ، وهي سعة نسبية ، لأن العرب يسمون النهر بحراً ، قال تعالى : وَمَا يَسْتَوِى الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ . مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ . فعبر عن العذب بالبحر وهو قليل . وقال تعـالى : حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِىَ حُقُبـاً . ومعناه حتى أبلغَ ملتقى البحرين المالحين ، أو العذبين ، أو المالح والعذب .
كما عبر عن البحر المحيط بالبحر أيضاً ، فقال تعالى : وَلَوْ أن مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ . وقال عن كل مياه الأرض : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ .
واستعمل البحر في القرآن نحو أربعين مرة ، وسمى السفن : الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعلامِ . وقال تعالى : وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إنهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ وفسر بعضهم رهواً بأنها صفة حال البحر . وفسرها الخليل « 4/83 » وجماعة بأنها صفة مشي موسى بمعنى سيراً سهلاً ، وهو الصحيح . وجمع ابن فارس « 2/446 » بين القولين فجعل الرهو أصلين : نعتاً للمشي ، ومنه نعت للبحر .
وقال تعالى يصف عمل الكفار : أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّىٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ . واللجة : وسط البحر ، حيث لاتُرى أرض . « العين : 6/19 » . وأبحر القوم إذا ركبوا البحر ، وأبروا أخذوا في البر . وبحرت الإبل أكلت شجر البحر ، كما سموا الروضة البحرة .
وقالوا لنوع من السحاب : بنات بحر ، وبنات بَخَر من البخار ، وقال بعضهم : بنات مَخَر بالميم . وتصور الداودي أن الراغب أخطأ فسماها بنات بحر وهي بالخاء ، لكن الخليل وغيره أوردوها بالحاء المهملة . « 3/220 » .
بَخْس - باخس - مبخوس - تباخسوا
البَخْسُ : نقص الشئ على سبيل الظلم ، قال تعالى : وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ « هود : 15 » وقال تعالى : وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ « الأعراف : 85 » .
والبَخْسُ والبَاخِسُ : الشئ الطفيف الناقص . وقوله تعالى : وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ « يوسف : 20 » قيل : معنــاه : بَاخِس ، أي ناقص ، وقيل مَبْخُوس أي منقوص . ويقال : تَبَاخَسُوا أي تناقصوا وتغابنوا فبخس بعضهم بعضاً .
ملاحظات
أجاد الراغب في تعميمه البخس ليشمل ظلم الناس . قال ابن السكيت /74 : « البخس النقصان من الحق » . وقال الخليل « 4/203 » : « البخس : الظلم ، تبخس أخاك حقه فتنقصه » . ويؤيده قوله تعــالى : فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ .
وذكر الفقهاء أن البخس قد يكون أيضاً بأن يزيد في السلعة ما لا يرغب فيه المشتري ، كما لو زاد على الباب قفلاً لا يريده المشتري .
وأشار عزّ وجل بقوله : وَلا تَبْخَسُـوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ، الى أن البخس يكون في الحق المادي والمعنوي ، بينما استعمل التطفيف في الأعم فقال تعالى : وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ . فشمل الكيل لهم وكيلهم أنفسهم .
أما البخص بالصاد فهو لحْمَةُ العين ، ويقال بَخَص عينه إذا ضربه عليها ، أو فقأها . « المقاييس : 1/206 » . ويستعار للتطفيف فيقال بخصه حقه ، أي نقصه وطففه .
بَخَعَ - بُخوعاً - باخع
البَخْعُ : قتل النفس غمّاً ، قال تعالى : فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ « الكهف : 6 » حثٌّ على ترك التأسـف ، نحو : فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ « فاطر : 8 » قال الشاعر :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 99 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ألا أيُّ هَذا البَاخِعُ الوَجْدِ نفسَه
لشئ نَحَتْهُ عن يَدَيْكَ المقَادِرُ
وبخع فلان بالطاعة ، وبما عليه من الحق ، إذا أقرَّ به وأذعن ، مع كراهة شديدة تجري مجرى بخع نفسه في شدته .
ملاحظات
أجاد الراغب في تدوين المادة لكن البخوع قد يكون عن رضا بدون كراهة ، وقد جاء في وصف أهل اليمن : هم أبخع طاعة . فالبخوع : مطلق الخضوع . وبخع نفسه : قتلها أسفاً على كذا . وجعلهما ابن فارس وغيره من أصل واحد فقال « 1/206 » : « أصل واحد وهو القتل وما داناه ، من إذلال وقهر » .
ولم يذكر الخليل أصلهما على عادته ، قال « 1/123 » : « بخع نفسه : قتلها غيظاً من شدة الوجد . بخعتُ به بخوعاً : أي أقررتُ به على نفسي . وبخع بالطاعة : أي أذعن وانقاد وسلس » .
لكن يصعب القول بوحدة أصل بخع بمعنى أقر وأطاع وخضع وبمعنى قتل نفسه ، فلا بد من اعتبارهما أصلين !
وفي تفسير القمي « 2/31 » : « عن أبي جعفر عليه السلام قوله : فلعلك باخع نفسك ، يقول : قاتل نفسك على آثارهم . أما أسفاً يقول حزناً » .
وفي الزيارة الجامعة « طأطأ كل شريف لشرفكم وبخع كل متكبر لطاعتكم » . « الفقيه : 2/615 »
وقال ابن منظور « 8/5 » : « بَخَعَ نفْسَه يَبْخَعُها بَخْعاً وبُخوعاً : قتلَها غيْظاً أَو غَمّاً . وفي التنزيل : فلعلَّك باخعٌ نفْسَك على آثارِهم ، قال الفرّاء : أَي مُخْرِجٌ نفسَك وقاتلٌ نفسَك . . وبخَعَ له بحقّه يَبْخَعُ بُخوعاً وبَخاعةً : أَقرَّ به وخضَع له . . وبَخَعْت له : تذَلَّلْت وأَطَعت وأَقرَرْت . . وفي حديث عُقْبة بن عامر أَن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : أَتاكُم أَهلُ اليَمنِ هم أَرَقُّ قُلوباً وأَلْيَنُ أَفئدةً وأَبْخَعُ طاعةً . أَي أَنْصَحُ وأَبْلَغُ في الطاعةِ من غيرهم ، كأَنهم بالَغُوا في بَخْعِ أَنفسهم أَي قَهرِها وإِذْلالِها بالطاعةِ » .
وفي الدر المنثور « 4/211 » : « عن ابن عباس قال : اجتمع عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، والنضر بن الحارث وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب ، وأبو البختري ، في نفر من قريش وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه وإنكارهم ما جاء به من النصيحة ، فأحزنه حزناً شديداً فأنزل الله : فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ . . الآية . ثم نقل السيوطي تفسير باخع نفسك بقاتل نفسك .
بَخِلَ - بُخلاً - بخيل - باخل - بَخَّله
البُخْل : إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه ، ويقابله الجود . يقال بخل فهو باخل ، وأما البخيل فالذي يكثر منه البخل كالرحيم من الراحم . والبخل ضربان : بخلٌ بقُنْيَاتِ نفسه ، وبخلٌ بقنيات غيره ، وهو أكثرهما ذماً . دليلنا على ذلك قوله تعالى : الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ .
ملاحظات
1 . قال الشريف المرتضى كما في مجموعة رسائله : 2/265 : « البخل : منع المحتاج حقه الواجب من ماله » . وأيده أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف/125 ، فقال : « ولو كان إسماً لمن منع نفعاً خالصاً لوجب وصف كافة العقلاء به حتى الأنبياء والأوصياء عليهم السلام والفضلاء ، لأنه لا أحد منهم إلا وهو مانع ماله هذه الصفة ، وإنما هو مختص بمانع الواجب عليه لغيره » .
لكن البخل لاينحصر بمنع العطاء الواجب شرعاً ، فالغني الذي يمتنع عن إعطاء أقاربه ما هو لازمٌ عرفاً ، يصح تسميته بخيلاً . فقد روى الصدوق في معاني الأخبار/245 ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « البخيل حق البخيل :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 100 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الذي يمنع الزكاة المفروضة من ماله ويمنع البائنة في قومه ، وهو في ما سوى ذلك يُبَذِّر » . والبائنة : العطية اللازمة عرفاً ، لأنها تَبِينُ من ماله .
أما الشح فهو شدة البخل مع حرص . « الصحاح : 1/378 » .
2 . لا يختص البخل بالمال ، قال تعالى : وَلايَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَخَيْرًا لَهُمْ . وما آتاهم أعم من المال .
3 . ذم القرآن الأغنياء الذين يبخلون فقال تعالى : وأما مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وقال في الأغنياء بعد الفقر : فَلما آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ .
وقال في تخفيف الله على الناس : إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ .
وكشف عن أن البخيل يبخل عن نفسه : وَمَنْ يَبْخَلْ فَإنمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ .
وذم الباخلين المبخلين لغيرهم : الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ .
وقال في جزاء البخلاء : بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
بدَرَ- بِداراً - بادرّ- مُبادرة - بدرة - بيدر
قال تعالى : وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً « النساء : 6 » أي مسارعةً ، يقال بَدَرْتُ إليه وبَادَرْتُ ، ويعبر عن الخطأ الذي يقع عن حدة : بَادِرَة . يقال : كانت من فلان بَوَادِر في هذا الأمر .
والبَدْرُ : قيل سمي بذلك لمبادرته الشمس بالطلوع ، وقيل : لامتلائه تشبيهاً بالبَدْرَةِ ، فعلى ما قيل يكون مصدراً في معنى الفاعل . والأقرب عندي أن يجعل البدر أصلاً في الباب ثم تعتبر معانيه التي تظهر منه ، فيقال تارة : بَدَرَ كذا ، أي طلع طلوع البدر ، ويعتبر امتلاؤه تارة فشبه البدرة به .
والبَيْدَرُ : المكان المرشح لجمع الغِلَّة فيه وملئه منه ، لامتلائه من الطعام .
وقال تعالى : وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ « آل عمــران : 123 » وهو موضع مخصوص بين مكة والمدينة .
ملاحظات
الصحيح ما ذكره الخليل « 8/34 » من أنه سمي بدراً لأنه بادر بالطلوع عند غروب الشمس . وقد جعله ابن فارس « 1/28 » أصلين ، والثاني الإسراع في الشيء ، وهو ضعيف .
ويقول المصريون : بدري ، لمن يذهب الي الحقل مبكراً ، كأنه ذهب علي ضوء البدر قبل الفجر .
بَدَعَ - بدعاً - أبدع - إبداعاً - بَديع - مبدع - بِدْع - بِدعةٌ - إبداع
الإِبْدَاع : إنشاء صنعة بلا احتذاء واقتداء ، ومنه قيل : رَكِيَّةٌ بَدِيع أي جديدة الحفر ، وإذا استعمل في الله تعالى فهو إيجاد الشئ بغير آلة ولا مادة ولا زمان ولا مكان ، وليس ذلك إلا لله . والبديع : يقال للمُبْدِعِ ، نحو قوله تعالى : بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « البقرة : 117 » ويقـال للمُبْدَع نحو : ركية بديع .
وكذلك البِدْعُ يقال لهما جميعاً بمعنى الفاعل والمفعول . وقوله تعالى : قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ « الأحقاف : 9 » قيل : معناه : مبدعاً لم يتقدمني رسول ، وقيل : مبدعاً فيما أقوله .
والبِدْعةُ في المذهب : إيراد قول لم يستن قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة وأماثلها المتقدمة وأصولها المتقنة ، وروي : كل مُحْدَثَةٍ بِدعة ، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
والإِبْدَاع بالرجل : انقطاع الظهر به ، من كلال راحلته وهزالها .
ملاحظات
قال ابن فارس في المجمل : « أبدعت الشئ : لا عن مثال . و الله عـز وجل : بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ . وابتدع فلان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 101 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الركيَّ : استنبطهُ . وفلان بدعٌ في هذا الأمر . وأبدعتِ الراحلة : كَلَّتْ . وسميت البدعة ، لأن قائلها ابتدعها من غير مقال إمام » .
وجعله ابن فارس في المقاييس « 1/210 » أصلين فقال : « والآخر الانقطاع والكلال . . قولهم أبدعت الراحلة إذا كلت وعطبت . . وفي الحديث : أن رجلاً أتاه فقال يا رسول الله إني أبدع بي فاحملني » .
لكن الظاهر أنه استعارة من أبدع ، لأن الإنقطاع والكلال فيه حالة غير مسبوقة .
وقال الراغب في قوله تعالى : قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ : مبدعاً لم يتقدمني رسول ، وقيل : مبدعاً فيما أقوله . والصحيح الأول ، قال الخليل « 3/56 » : « البِدْع : الشئ الذي يكون أولاً في كل أمر ، كما قال الله عز وجل : قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ ، أي : لست بأول مرسل . . والبدعة : ما استحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله من أهواء وأعمال ، ويجمع على البدع » .
بَدَلَ - تبدَّل - تبديلاً- استبدل - أبدال - بأدلة - بادل
الإبدال والتبديل والتبَدُّل والإستبدال : جعل شئ مكان آخر ، وهو أعمُّ من العوض ، فإن العوض هو أن يصيرلك الثاني بإعطاء الأول ، والتبديل قد يقال للتغيير مطلقاً وإن لم يأت ببدله . قال تعالى : فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيـلَ لَهُمْ « البقرة : 59 » وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً « النور : 55 » . وقال تعالى : فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ . « الفرقان : 70 » قيل : أن يعملوا أعمالاً صالحة تبطل ما قدموه من الإساءة . وقيل : هو أن يعفو تعالى عن سيئاتهم ويحتسب بحسناتهم .
وقال تعالى : فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ « البقرة : 181 » . وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ « النحل : 101 » وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ « سبأ : 16 » ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسنة « الأعراف : 95 » . يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ « إبراهيم : 48 » أي تَغَيـَّرُ عن حالها . أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ « غافر : 26 » وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ « البقرة : 108 » وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ « محمد : 38 » .
وقوله : ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ « ق : 29 » أي لا يغير ما سبق في اللوح المحفوظ ، تنبيهاً على أن ما علمه أن سيكون يكون على ما قد علمه ، لا يتغيرعن حاله . وقيل : لايقع في قوله خلف . وعلى الوجهين قوله تعالى : لَاتَبْدِيلَ لِكَلِماتِ الله « يونس : 64 » لاتَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله « الروم : 30 » قيل : معناه أمرٌ وهو نهيٌ عن الخصاء .
والأَبْدَال : قوم صالحون يجعلهم الله مكان آخرين مثلهم ماضين . وحقيقته : هم الذين بدلوا أحوالهم الذميمة بأحوالهم الحميدة ، وهم المشار إليهم بقوله تعالى : فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ « الفرقان : 70 » .
والبَأْدَلَة : ما بين العنق إلى الترقوة ، والجمع البَآدِل . قال الشاعر : ولا رَهِلٌ لَبَّاتُهُ وبآدلُهْ
ملاحظات
1 . جعل الراغب التبديل والإبدال واحداً ، لكن اللغويين قالوا إن معنى بَدَّلَه غَيَّره ولا يلزم أن يكون أتى له ببدل ، أما أبدله فيعني أنه أتى له ببدل ، قال ابن فارس « 1/210 » : » يقولون بدلت الشئ إذا غيرته وإن لم تأت له ببدل . قال الله تعالى : قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسٍي . وأبدلته إذا أتيت له ببدل » .
وقال الجوهري « 4 /1632 » : « وتبديل الشئ أيضاً تغييره وإن لم يأت ببدل » . لكن الخليل أجمل ولم يبين رأيه ، قال في « 8 /45 » : « البدل : خلف من الشئ ، والتبديل : التغيير . واستبدلت ثوباً مكان ثوب ، وأخاً مكان أخ ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 102 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ونحو ذلك المبادلة » .
2 . الفرق بين بَدَّلَ وَاسْتَبْدَلَ وتَبَدَّلَ : أن التركيز في بدَّل على فعل التبديل ، وفي استبدل على طلب التبديل ، وفي تَبَدَّل على نتيجة الإستبدال . قال تعالى : وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالآيمَانِ . وقال تعالى : وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ . وقال تعالى : أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ للَّظَّالِمِينَ بَدَلاً . وقال تعالى : قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَأَدْنَى بِالَّذِي هُوَخَيْرُ .
3 . فسر الراغب قوله تعالى : فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهسَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ . بالأبدال الذين يبدلون أحوالهم الى الأحسن . ولا يصح ذلك لأن الآية تنص على استبدال نفس سيئاتهم وليس حال صاحبها . وقال أهل البيت عليهم السلام : « يبدل الله سيئات شيعتنا حسنات ، ويبدل الله حسنات أعدائنا سيئات » . « علل الشرائع : 2/610 » .
ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسنة ، وقد عَدَّى الفعل فيها مباشرة بدون حرف فهو يحول نفس سيئاتهم الى حسنات !
4 . روى الطرفان في الأبدال ، أنهم جماعة إذا مات منهم شخص أبدله الله بآخر . ورووا : « لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم خليل الرحمن ، بهم تُغاثون وبهم تُرزقون وبهم تُمطرون » . « الجامع الصغير : 2 /422 » .
وروينا أنهم أصحاب الإمام المهدي عليه السلام في غيبته ، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة ، ولابد له في غيبته من عزلة ، ونعم المنزل طيبة ، وما بثلاثين من وحشة » . « الكافي : 1/340 » .
5 . لم يستوف الراغب موارد التبديل والإبدال في القرآن ، وهي كثيرة ، وفيها حقائق ودقائق . فقد استعمل القرآن التبديل لازماً ومتعدياً ، وحذف المُبَدَّل منه أحياناً كقوله تعالى : وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ، ولم يقل يستبدل بكم . واستعمل : بدل ، وأبدل ، واستبدل ، وتبديل ، ومبدل ، وبدل .
فمنها : في نفي تبديل قول الله ، وكلام الله ، وكلمات الله ، وسنة الله ، وخلق الله .
ومنها : تهديد الأمة باستبدالها بغيرها ، أو بخير منها .
ومنها : تهديد نساء النبي صلى الله عليه وآله بأن الله يبدله خيراً منهن : عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ .
ومنها : حكم استبدال الزوجة بغيرها : وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ .
ومنها : تبديل الله تعالى للأرض والسماوات : يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ .
ومنها : مَدْح الثابتين : وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً .
ومدح الذين يبدلون السيئة بالحسنة : إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ .
ومنها : في ذم الذين استبدلوا بالإيمان : وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ .
والذين استبدلوا ولاية الله بولاية إبليس : بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً .
والحكام الذين : بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا .
والذين تبدلوا الخبيث بالطيـب : وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطيِّبِ .
والذين فضلوا الثوم على المن والسلوى : أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَأَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرُ .
ومنهـا : تبديــل خوف المؤمنيـن بالأمن في دولـة المهدي عليه السلام : وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا .
بَدِنَ - بَدَناً - بَدْنة - بُدْن
البَدَنُ : الجسد ، لكن البدن يقال اعتباراً بعظم الجثة ، والجسد يقال اعتباراً باللون ، ومنه قيل : ثوب مجسَّد ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 103 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومنه قيل : امرأة بَادِنٌ وبَدِينٌ : عظيمة البدن . وسميت البُدنة بذلك لسمنها . يقال : بَدَنَ إذا سمن ، وبَدَّنَ كذلك . وقيل : بل بَدَّنَ إذا أسنَّ ، وأنشد : وكنت خِلْتُ الشيبَ والتَّبْدِينَا
وعلى ذلك ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام : لا تبادروني بالركوع والسجود فإني قد بَدِنْتُ ، أي كبرت وأسننت . وقوله تعالى : فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ « يونس : 92 » أي بجسدك ، وقيل : يعني بدرعك ، فقد يسمى الدرع بَدَنَةً لكونها على البدن ، كما يسمى موضع اليد من القميص يداً ، وموضع الظهر والبطن ظهراً وبطناً .
وقوله تعالى : وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ الله « الحج : 36 » هو جمع البَدَنَة التي تُهْدَى .
ملاحظات
1 . أخطأ الراغب في قوله إن البدن سميَ جسداً باعتبار اللون . فإن وصفه بالمجسد مأخوذ من الجِسَاد الذي هو الزعفران ولا علاقة له بالبدن ! قال الخليل « 6/49 » : « والجساد : الزعفران ونحوه من الصبغ الأحمر والأصفر الشديد الصفرة . وثوب مجسد مشبع عصفراً أو زعفراناً ، وجمعه مجاسد » .
ومن العجيب أن الراغب نفسه قال في مادة جسد : وباعتبار اللون قيل للزعفران : جِسَاد . وثوب مِجْسَد : مصبوغ بالجِسَاد .
2 . روى في علل الشرائع « 1/59 » عن الإمام الرضا عليه السلام في تفسير : فَالْيَوْمَ نُنَجّيِكَ بِبَدَنِكَ : « كان فرعون من قرنه إلى قدمه في الحديد وقد لبسه على بدنه ، فلما أغرقه ألقاه الله على نجوةٍ من الأرض ببدنه ، ليكون لمن بعده علامة فيرونه مع تثقله بالحديد على مرتفع من الأرض ، وسبيل التثقيل أن يرسب ولا يرتفع ، فكان ذلك آية » .
بَدَا - بدواً - بِدَاء - بَدُوَّاً - بادٍ - بادونَ
بَدَا الشئ بُدُوّاً وبَدَاءً : أي ظهر ظهوراً بيِّناً ، قال الله تعالى : وَبَدا لَهُمْ مِنَ الله ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ « الزمر : 47 » وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا « الزمر : 48 » فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما . « طه : 121 » .
والبَدْوُ : خلاف الحضر ، قال تعالى : وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ « يوسف : 100 » أي البادية وهي كل مكان يبدو ما يعنُّ فيه ، أي يُعْرَض . ويقال للمقيم بالبادية : بَادٍ ، كقوله تعالى : سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبـادِ « الحج : 25 » . لَوْ أَنهُمْ بادُونَ فِي الإعرابِ « الأحزاب : 20 » .
ملاحظات
1 . حسناً فعل الراغب إذ فسر بدا الشئ وبدا له الشئ ، بأنه مطلق الظهور ، ولم يشترط أن يكون ظهوره بعد خفائه ، فقد استعمله القرآن فيما لم يكن خافياً عليهم ، قال : بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَأنوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ . بل يستعمل البُدُوُّ فيما لا ظهور فيه أبداً ، كقوله تعالى : ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ . فلم يكن سجن يوسف خافياً عليهم ثم ظهر ، ولا كانوا يخفونه ثم أظهروه ، بل معناه : ثم قرروا سجنه رغم الآيات . فليس فيه عنصـر ظهور ولا إظهار ! وكذلك قوله تعالى : وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ . ومعنـاه : قررنا أن نعاديكم ونبغضكم حتى تؤمنوا . وليس الإخبار عن العداوة .
وقوله تعـالى : وَمَانَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ الرَّأْىِ . فيه معنى الظهور ، لكن الأولية فيه أقوى لاشتقاقه من البِدء . وكذلك قول العرب : إفعـل ما بدا لك ، لايعني ما ظهر لك ، بل ما أحببت .
2 . اتضح أن البِدَاء لا يعني أن الشئ لم يكن ظاهراً
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 104 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فظهر ، فلا يصح الإشكال على من يقول : بدا لله تعالى ، بأنه ينسب اليه تعالى أنه لم يكن عالماً بالشئ ثم علمه ، معاذ الله ، بل معنى بدا لله أنه عز وجل قرر ذلك . ، وليس معناه ظهر له بعد خفاء .
وقد اشتهرت تهمة المخالفين للشيعة وتشنيعهم علينا لقولنا بالبداء ، وهو اتهام مغرضٌ ، أو ناتجٌ عن عدم فهم معنى البداء ! قال الإمام الصادق عليه السلام : « ما بدا لله في شئ ، إلا كان في علمه قبل أن يبدو له » . « الكافي : 1/148 » .
وحقيقة البداء : أن يكون الأمر جارياً في مسار ، فيقرر الله تعالى ما لم يكن في حسبان الناظر . وقد روى البخاري « 4/146 » عن النبي صلى الله عليه وآله نفس هذا المعنى ، قال : « إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأعمى وأقرع ، بدا لله عز وجل أن يبتليهم ، فبعث إليهم ملكاً » . وفي مصنف عبد الرزاق « 4/125 » : « فصالح النبي اليهود على أنكم تكفونا العمل ، ولكن شطر الثمر على أن أقركم ما بدا لله ورسوله » . وفي مجمع الزوائد « 8/8 » : « حتى إذا بدا لله أن تطلع من مغربها فعلت » .
بَدَأَ - ابتدأ - أبدأ - مبدأ - مُبدئ - بديئ - بُدْْأة
يقال : بَدَأْتُ بكذا وأَبْدَأْتُ وابْتَدَأْتُ : أي قدَّمت . والبَدْءُ والإبتداء : تقديم الشئ على غيره ضرباً من التقديم . قال تعالى : وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ « السجدة : 7 » وقال تعالى : كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ « العنكبوت : 20 » اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ « يونس : 34 » كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ « الأعراف : 29 » .
ومَبْدَأُ الشئ : هو الذي منه يتركب أو منه يكون . فالحروف مبدأ الكلام ، والخشب مبدأ الباب والسرير ، والنواة مبدأ النخل . يقال للسيد الذي يبدأ به إذا عُدَّ السادات : بَدْءٌ . و الله هو المُبْدِئُ المُعِيد : أي هو السبب في المبدأ والنهاية . ويقال : رجع عَوْدُه على بدئه ، وفعل ذلك عائداً وبادئاً ، ومعيداً ومبدئاً .
وأَبْدَأْتُ من أرض كذا ، أي ابتدأت منها بالخروج . وقوله تعالى : بَادِئَ الرَّأْي « هود : 27 » أي ما يبدأ من الرأي ، وهو الرأي الفطير ، وقرئ : بادِيَ بغير همزة ، أي الذي يَظْهَر من الرأي ولم يُرَوَّ فيه . وشئ بَدِئ : لم يعهد من قبل ، كالبديع في كونه غير معمول قبل . والبُدْأَةُ : النصيب المبدأ به في القسمة ، ومنه قيل لكل قطعة من اللحم عظيمة بُدْءٌ .
ملاحظات
معنى باديَ الرأي : ما يبدو بالنظرة الأولى ، وقد يكون صحيحاً ، أو فطيراً . ومعنى المُبْدِئُ المُعِيد : الخالق الباعث . وما يُبْدئُ الباطِلُ وما يُعِيدُ : الباطل لا يخلق شيئاً ، ولا يبعث .
ولم يذكر الراغب الفرق بين بَدَأَ وأَبْدَأَ . وجعلهما الخليل واحداً وهو بعيد ، قال : « و الله بدأ الخلق وأبدأ واحد » . « العين : 8/83 » .
وجعل الراغب البُدْأة بضم الباء أول سهم في تقسيم اللحم ، وجعلها ابن منظور بمعنى النصيب من الجزور ، « لسان العرب : 1/26 » . وقال : « وفي الحديث : إن النبي صلى الله عليه وآله نَفَّلَ في البَدْأَةِ الرُّبُعَ وفي الرَّجْعَةِ الثُلثَ ، أَرادَ بالبَدْأَةِ ابتِداءَ سَفَرِ الغزو وبالرَّجْعةِ القُفُولَ منه » .
ولم يذكر الراغب البِدَاء ، وقال الخليل : « البداء يكني عنه الفعل : أبدى يبدي » « العين : 8/83 » .
وقال ابن فارس « 1/212 » : « تقول : بدا لي في هذا الأمر بِدَاءً ، أي تغير رأيي عما كان عليه » . وتقدم أن معنى بدا لله : قضـى وأظهر وليس ظهر له كما يتوهم . أما الإنسان فقد يكون جاهلاً ثم يبدو له أي يظهر .
بَذَرَ - تبذيراً - مُبَذِّر
التبذير : التفريق . وأصله إلقاء البذر وطرحه ، فاستعير
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 105 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لكل مضيع لماله ، فتبذير البذر : تضييع في الظاهر لمن لم يعرف مآل ما يلقيه . قال الله تعالى : إن الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ « الإسراء : 27 » وقال تعالى : وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً « الإسراء : 26 » .
ملاحظات
روي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله : « إن التبذير من الإسراف » . « الكافي : 3/501 » .
وقال الخليل « 8/182 » : « والتبذير : إفساد المال وإنفاقه في السرف » .
وقال ابن فارس « 1/216 » : « البُذْرُ : القوم لايكتمون حديثاً ولايحفظون ألسنتهم . قال علي عليه السلام : أولئك مصابيح الدجى ليسوا بالمساييح ولا المذاييع البُذْر » . وقال ابن منظور « 4/51 » : « بَذَرْتُ الكلام بين الناس كما تُبْذَرُ الحبُوبُ أَي أَفشيته » .
ولا يقال في العربية تبذير البذر بمعنى بذره ، كما تخيل الراغب ، بل يقال بَذْرُ البذر .
بَرَّ -بِرٌّ - بارٌّ- بُر- مبرور- بُريْر - أبرار -بررة - بَرِير
البَرُّ : خلاف البحر ، وتُصُوِّرَ منه التوسع فاشتق منه البِرُّ ، أي التوسع في فعل الخير ، وينسب ذلك إلى الله تعالى تارة نحو : إنهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ . « الطور : 28 » وإلى العبد تارة ، فيقال : بَرَّ العبد ربه ، أي توسَّع في طاعته . فمن الله تعالى الثواب ، ومن العبد الطاعة . وذلك ضربان : ضرب في الإعتقاد وضرب في الأعمال ، وقد اشتمل عليه قوله تعالى : لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ « البقرة : 177 » وعلى هذا ما روي أنه سئل عليه الصلاة والسلام عن البِرِّ فتلى هذه الآية ، فإن الآية متضمنة للإعتقاد والأعمال الفرائض والنوافل .
وبِرُّ الوالدين : التوسع في الإحسان إليهما ، وضده العقوق ، قال تعالى : لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ « الممتحنة : 8 » .
ويستعمل البِرُّ في الصدق لكونه بعض الخير المتوسع فيه ، يقال : بَرَّ في قوله ، وبرَّ في يمينه ، وقول الشاعر :
أكُونُ مَكَانَ البّرِّ مِنْهُ [ودونه
وأجعل مالي دونه وأؤامره] قيل أراد به الفؤاد ، وليس كذلك ، بل أراد ما تقدم ، أي يحبني محبة البر . ويقال : بَرَّ أباه فهو بَارٌّ وبَرٌّ ، مثل صائف وصيف ، وطائف وطيف . وعلى ذلك قوله تعالى : وَبَرًّا بِوالِدَتِي « مريــم : 32 » . وبَرَّ في يمينه فهو بَارٌّ ، وأَبْرَرْتُهُ ، وبَرَّتْ يميني . وحجٌّ مَبْرُور أي مقبول ، وجمع البار : أَبْرَار وبَرَرَة ، قـال تعالى : إن الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ « الإنفطار : 13 » وقال : كلا إن كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ « المطففين : 18 » . وقال في صفة الملائكة : كِرامٍ بَرَرَةٍ « عبس : 16 » . فَبَرَرَةٌ خصَّ بها الملائكة في القرآن من حيث إنه أبلغ من أبرار ، فإنه جمع برٍّ ، وأبرار جمع بار . وبَرٌّ أبلغ من بَارٍّ ، كما أن عدلاً أبلغ من عادل . والبُرُّ : معروف ، وتسميته بذلك لكونه أوسع ما يحتاج إليه في الغذاء .
والبَرِيرُ : خُصَّ بثمر الأراك ونحوه . وقولهم : لا يعرف الهِرَّ من البِرّ ، من هذا . وقيل : هما حكايتا الصوت ، والصحيح أن معناه لا يعرف من يبره ومن يسئ إليه . والبَرْبَرَةُ : كثرة الكلام ، وذلك حكاية صوته .
ملاحظات
1 . تفرد الراغب بجعل البِرَّ مشتقاً من البَرِّ ، وجعله التوسع بالخير ، لأن البَرَّ واسعٌ . والأقرب أنه أصل مستقل كما قال ابن فارس « ا/177 » : « أربعة أصول : الصدق ، وحكاية صوت ، وخلاف البحر ، ونبت . فأما الصدق فقولهم : صدق فلان وبرَّ . ومن ذلك قولهم يَبِرُّ ربَّهُ أي يطيعه ، وهو من الصدق . وأما حكاية الصوت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 106 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فالعرب تقول : لا يعرف هَرَّاً من بِر ، فالهَرُّ دعاء الغنم ، والبَرُّ الصوت بها إذا سيقت . والأصل الثالث : خلاف البحر ، وأبَرَّ الرجل : صار في البر وأبْحَرَ صار في البحر . وأما النبت : فمنه البُرّ وهي الحنطة ، الواحدة بُرَّة . أبرَّت الأرض إذا كثر بُرُّها » .
2 . البِرُّ : عمل الخير لنفع الآخرين ، قال تعالى : وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى . ولايشترط أن يكون محتاجاً . « الفروق اللغوية/312 » .
3 . والبِر : يشمل أنواع الإنفاق والصلة ، قال الإمام زين العابدين عليه السلام : « ووَجِّه فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ إِنْفَاقِي » « الصحيفة /188 » . ويشمل حسن التعامل ، قال أمير المؤمنين عليه السلام « نهج البلاغة : 4/89 » « ثلاث من أبواب البر : سخاء النفس ، وطيب الكلام ، والصبر على الأذى » .
4 . وقد وسعه النبي صلى الله عليه وآله لكل خير يطمئن به القلب فقال : « يا وابصة : البِرُّ ما اطمأن به الصدر ، والإثم ما تردد في الصدر وجال في القلب ، وإن أفتاك الناس وأفتوك » . « قرب الاسناد/321 »
5 . ووصفوا الله تعالى بالبَرِّ اللطيف ، قال الإمام زين العــابدين عليه السلام : « فَغَذَوْتَنِي بِفَضْلِكَ غِـذَاءَ الْبَرِّ اللَّطِيفِ . إِلَى غَايَتِي هَذِه لَا أَعْدَمُ بِرَّكَ » . « الصحيفة السجادية/152 » .
بَرَجَ - بُرْج - بروج - مبرج - تبرجت - بَرَجُ العين
البُرُوج : القصور ، الواحد : بُرْج ، وبه سمِّي بروج السماء لمنازلها المختصة بها ، قال تعالى : وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ « البروج : 1 » وقال تعالى : تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً « الفرقان : 61 » .
وقوله تعالى : وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ « النساء : 78 » يصح أن يراد بها بروج في الأرض ، وأن يراد بها بروج النجم ، ويكون استعمال لفظ المشيدة فيها على سبيل الإستعارة ، وتكون الإشارة بالمعنى إلى نحو ما قال زهير :
ومن هابَ أسبابَ المنايا يَنلنَهُ
ولو نالَ أسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ
وأن تكون البروج في الأرض ، وتكون الإشارة إلى ما قال الآخر :
ولو كنتُ في غَمْدَانَ يَحْرُسُ بابُه
أراجيــل أحبوشٍ وأسودُ آلفُ
إذاً لأتتنــــي حَيْثُ كُنْتُ مَنِيَّتِي
يَخِبُّ بها هـــــادٍ لِإثْريَ قَائِفُ
وثوب مُبَرَّج : صُوِّرت عليه بروج واعتبر حسنه . فقيل : تَبَرَّجَتِ المرأة ، أي تشبهت به في إظهار المحاسن ، وقيل : ظهرت من برجها أي قصـرها . ويدل على ذلك قوله تعالى : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الأولى « الأحزاب : 33 » وقوله : غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ « النور : 60 » .
والبَرَجُ : سعة العين وحسنها ، تشبيهاً بالبرج في الأمرين .
ملاحظات
1 . قوله تعالى : وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ، أي بروج مبنية للمحافظة على حياة ساكنيها . فلا علاقة له ببروج السماء .
2 . جعل الراغب تبرج المرأة مشتقاً من البرج لشبهها به في الظهور ، أو لشبهها بمن ظهر من البرج ، وذلك لأنه جعل مادة بَرَجَ أصلاً واحداً ، والصحيح قول ابن فارس « لمقاييس : 1/238 » : « أصلان : أحدهما البروز والظهور ، والآخر الوَزَر والملجأ . فمن الأول البَرَج ، وهو سعة العين في شدة سواد سوادها وشدة بياض بياضها . ومنه التبرج وهو إظهار المرأة محاسنها . والأصل الثاني البُرْج » .
بَرَحَ - براح - بارح - البارحة - برَّحَ به - تباريح - مبرح - برحاء
البَرَاح : المكان المتسع الظاهر الذي لا بناء فيه ولا شجر ، فيعتبر تارة ظهوره فيقال : فعل كذا بَرَاحاً ، أي صراحاً لا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 107 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يستره شئ . وبَرِحَ الخفاء : ظهر ، كأنه حصل في براح يرى ومنه : بَرَاحُ الدار .
وبَرِحَ : ذهب في البراح ، ومنه : البَارِحُ للريح الشديدة . والبَارِحُ من الظباء والطير ، لكن خُصَّ البارح بما ينحرف عن الرامي إلى جهة لا يمكنه فيها الرمي فيتشاءم به ، وجمعه بَوَارِح . وخُصَّ السانِح بالمقبل من جهة يمكن رميه ، ويُتَيَمَّن به . والبَارِحَة : الليلة الماضية .
وما بَرِحَ : ثبت في البراح ، ومنه قوله عز وجل : لا أَبْرَحُ . « الكهف : 60 » . وخُصَّ بالإثبات كقولهم : لا أزال ، لأن برح وزال اقتضيا معنى النفي ، ولا للنفي ، والنفيان يحصل من اجتماعهما إثبات ، وعلى ذلك قوله عز وجل : لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ « طه : 91 » وقال تعالى : لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ . « الكهف : 60 » .
ولما تُصُوِّرَ من البارح معنى التشاؤم ، اشتق منه التبْرِيح والتبَارِيح فقيل : بَرَّح بي الأمر ، وبَرَّح بي فلان في التقاضي ، وضربه ضرباً مُبَرِّحاً ، وجاء فلان بالبَرَح ، وأَبْرَحْتَ ربّاً وأبرحت جاراً ، أي أكرمت . وقيل للرامي إذا أخطأ : بَرْحَى ، دعاءً عليه ، وإذا أصاب : مَرْحَى ، دعاءً له . ولقيت منه البرَحِينَ والبُرَحَاء ، أي الشدائد . وبُرَحَاء الحمّى : شدتها .
بَرَدَ - برداً - برَّده - برد بدنه - بوارد - الأبردان - بردي - مبرد - برادة - بريد
أصل البَرْد : خلاف الحر ، فتارة يعتبر ذاته فيقال : بَرَدَ كذا ، أي اكتسب برداً ، وبَرَدَ الماء كذا ، أي أكسبه برداً ، نحو :
ستُبْرِدُ أكباداً وتُبْكي بَوَاكِياً
ويقال : بَرَّدَهُ أيضاً . وقيل : قد جاء أَبْرَدَ ، وليس بصحيح . ومنه البَرَّادَة لما يُبَرِّدُ الماء ، ويقال : بَرَدَ كذا ، إذا ثبت ثبوت البرد ، واختصاص الثبوت بالبرد كاختصاص الحرارة بالحر ، فيقال : بَرَدَ كذا ، أي ثبت كما يقال : بَرَدَ عليه دين . قال الشاعر :
اليوم يومٌ باردٌ سَمُومُهُ
وقال الآخر : قد بَرَدَ الموتُ على مُصْطَلَاهُ .
أي ثبت . يقال : لم يَبْرُدْ بيدي شئ ، أي لم يثبت .
وبَرَدَ الإنسان : مات . وبَرَّدَه : قتله ، ومنه : السيوف البَوَارِد ، وذلك لما يعرض للميت من عدم الحرارة بفقدان الروح ، أو لما يعرض له من السكون . وقولهم للنوم بَرْد : إما لما يعرض عليه من البرد في ظاهر جلده ، أو لما يعرض له من السكون . وقد علم أن النوم من جنس الموت لقوله عز وجل : اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها « الزمر : 42 » وقال : لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً « النبأ : 24 » أي نوماً . وعيش بارد : أي طيب ، اعتباراً بما يجد الإنسان في اللذة في الحر من البرد ، أو بما يجد من السكون .
والأبردان : الغداة والعشي ، لكونهما أبرد الأوقات في النهار . والبَرَدُ : ما يَبْرُدُ من المطر في الهواء فيَصْلُبُ . وبَرَد السحاب : اختص بالبَرَد ، وسحاب أَبْرَد وبَرِد : ذو بَرَد ، قال الله تعالى : وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ . « النور : 43 » .
والبَرْدِيُّ : نبت ينسب إلى البرد لكونه نابتاً به ، وقيل : أصل كل داء البَرَدَة ، أي التخمة ، وسميت بذلك لكونها عارضة من البرودة الطبيعية التي تعجز عن الهضم .
والبَرُود : يقال لما يُبَرَّدُ به ، ولما يُبَرَّدُ ، فيكون تارة فعولاً في معنى فاعل ، وتارة في معنى مفعول ، نحو : ماء برود ، وثغر برود ، كقولهم للكحل : برود . وبَرَدْتُ الحديد : سحلته ، من قولهم : بَرَّدْتُهُ ، أي قتلته . والبُرَادَة : ما يسقط ، والمِبْرَدُ : الآلة التي يبرد بها . والبُرُد في الطرق : جمع البَرِيد ، وهم الذين يلزم كل واحد منهم موضعاً منه معلوماً ، ثم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 108 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
اعتبر فعله في تصرفه في المكان المخصوص به ، فقيل لكل سريع : هو يَبْرُد ، وقيل لجناحي الطائر : بَرِيدَاه ، اعتباراً بأن ذلك منه يجري مجرى البريد من الناس في كونه متصرفاً في طريقه ، وذلك فرع على فرع ، حسب ما يبين في أصول الإشتقاق .
ملاحظات
استعمل القرآن ثلاث كلمات من هذه المادة « بَرَد وبَرْد وبَارد » في خمس آيات . وجعل الراغب مادة بَرَدَ أصلاً واحداً ، بمعنى خلاف الحر ، وفرَّعَ منها حتى البريد ، والمبرد ، والبردي ، وبريدي الطائر بمعنى جناحيه . وذكر وجه اشتقاق بعضها دون بعض .
وقول ابن فارس أقوى « 1/241 » : « بَرَدَ : أصول أربعة ، أحدها : خلاف الحر . والآخر : السكون والثبوت . والثالث : الملبوس . والرابع : الإضطراب والحركة . وإليها ترجع الفروع » . وقد استعملت بَرَدَ مجازاً بمعنى مات .
وفسر الراغب وغيره البرد في قول تعالى : لايَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَرابا ، بالنوم ، لكن لا يصح ذلك لمقابلته بالحميم والغساق ، فقال : لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا . إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا . والحميم : الحار ، والغساق : الماء الصديد . فيكون المعنى : لا يذوقون فيها حياة باردة ولا شراباً عادياً .
بَرَزَ - بارزةُ - بارزَ - مبارزةً - بُرِّزت - برْزةٌ
البَرَاز : الفضاء ، وبَرَزَ : حصل في براز ، وذلك إما أن يظهر بذاته نحو : وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً « الكهف : 47 » تنبيهاً [على] أنه تبطل فيها الأبنية وسكانها .
ومنه : المبارزة للقتال ، وهي الظهور من الصف ، قال تعالى : لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ « آل عمران : 154 » وقال عز وجل : وَلما بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ « البقرة : 250 » . وإما أن يظهر بفضله ، وهو أن يسبق في فعل محمود . وإما أن ينكشف عنه ما كان مستوراً منه ، ومنه قوله تعالى : وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ « إبراهيم : 48 » وقال تعالى : يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ « غافر : : 16 » وقوله عز وجل : وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ « الشعراء : 91 » تنبيهاً على أنهم يعرضون عليها .
ويقال : تَبَرَّزَ فلان كناية عن التغوُّط . وامرأة بَرْزَة : عفيفة ، لأن رفعتها بالعفة ، لا أن اللفظة اقتضت ذلك .
ملاحظات
استعملت هذه المادة في القرآن في تسع آيات ، ذكر الراغب منها ستة . والتي لم يذكرها قوله تعالى : وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ . وقوله تعالى : وَبَرَزُوا للهِ جَمِيعاً . وقوله تعالى : وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى . « النازعات : 36 » . وكلها يتسق تفسيرها بالظهور ، ولا يتسق بالفضاء ، كما قال الراغب .
وعبَّرَ القرآن : وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ، أي قُرِّبَتْ منهم وزينت ليدخلوها . وبُرِّزت الجحيم ، أي أظهرت ليروها ولو من بعيد .
بَرْزَخ
البَرْزَخ : الحاجز والحد بين الشيئين ، وقيل أصله بَرْزَهْ فعُرِّب ، وقوله تعالى : بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ « الرحمن : 20 »
والبرزخ في القيامة : الحائل بين الإنسان وبين بلوغ المنازل الرفيعة في الآخرة ، وذلك إشارة إلى العقبة المذكورة في قوله عز وجل : فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ « البلد : 11 » . قال تعالى : وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَـوْمِ يُبْعَثُونَ « المؤمنون /100 » وتلك العقبة موانع من أحوال لا يصل إليها إلا الصالحون . وقيل : البرزخ ما بين الموت إلى القيامة .
ملاحظات
1 . قال الخليل « 4/238 » : « البرزخ : ما بين كل شيئين ، والميت في البرزخ لأنه بين الدنيا والآخرة . وبرازخ الإيمان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 109 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ما بين الشك واليقين . وما بين الظل والشمس برزخ » .
وقد نصت الأحاديث على أن البرزخ يبدأ من حين الموت الى القيامة ، ففي الكافي « 3/242 » عن الإمام الصادق عليه السلام : « أما في القيامة فكلكم في الجنة بشفاعة النبي المطاع أو وصي النبي صلى الله عليه وآله ولكني و الله أتخوف عليكم في البرزخ . قلت : وما البرزخ؟ قال : القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة » . وقال أمير المؤمنين عليه السلام « نهج البلاغة : 2/206و212 » : سلكوا في بطون البرزخ سبيلاً » .
2 . ذكر الراغب قولاً بأن برزخ من كلمة برزه الفارسية ، والصحيح أنه مُعَرَّبَ منها ، ويكثر في الفارسية ما آخره خاء قبلها مفتوح ، مثل كلمة فرسخ المعربة عن كلمة فرسنگ . وقرأت بحثاً بعنوان : « المفردات الدخيلة/36 ، و139 » لعالم لغة إيراني هو عادل أشكبوس ، رجَّح فيه أن كلمة برزخ بالفارسية : بمعنى العالم الحسن ، مقابل دوزخ : بمعنى جهنم والعالم السيئ . وبهشت : بمعنى العالم الأعلى :
http : //www . ashkbooscom/post/359
بَرَصَ - أبرص - بريص
البَرَصُ : معروف ، وقيل للقمر : أَبْرَص للنكتة التي عليه .
وسامٌّ أَبْرَص : سميَ بذلك تشبيهاً بالبرص .
والبَرِيصُ : الذي يلمع لمعان الأبرص ، ويقارب البصيص ، بصَّ يبصُّ : إذا برق .
ملاحظات
قال الله تعــالى : وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ . وقال : تُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي .
بَرَقَ -بُرَاق - إبريق - أبرقَ - بارق - بروقة - بارقة
البَرْقُ : لمعان السحاب ، قال تعالى : فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ « البقرة : 19 » يقال : بَرِقَ وأَبْرَقَ وبَرَقَ ، يقال في كل ما يلمع ، نحو : سيف بَارِقٌ ، وبَرَقَ وبَرِقَ يقال في العين إذا اضطربت وجالت من خوف ، قال عز وجل : فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ « القيامة : 7 » وقرئ : بَرَقَ .
وتُصُوِّر منه تارة اختلاف اللون فقيل البُرْقَة للأرض ذات حجارة مختلفة الألوان . والأبرق : الجبل فيه سواد وبياض . وسموا العين بَرْقَاء لذلك . وناقة بَرُوق : تلمع بذنبها . والبَرُوقَة : شجرة تخضرُّ إذا رأت السحاب ، وهي التي يقال فيها : أشْكَرُ من بَروقة .
وبَرَقَ طعامه بزيت : إذا جعل فيه قليلاً يلمع منه . والبارقة والأُبَيْرِق : السيف لِلَمَعَانِه .
والبُرَاق : قيل هو دابة ركبها النبي صلى الله عليه وآله لما عُرج به ، والله أعلم بكيفيته .
والإِبْريق : معروف ، وتُصُوِّرَ من البرق ما يظهر من تجويفه . وقيل بَرَقَ فلان ورعد ، وأَبْرَقَ وأرعد : إذا تهدد .
ملاحظات
يقصد الراغب أن الإبريق سمي إبريقاً لأنهم تصوروا أن الماء الذي يخرج منه يبرق ، لكنه معرب من الفارسية ، وأصله آب ريز ، أو آب ريخت . أي ما يصب منه الماء . والعجب من الراغب وابن فارس كيف يحاولان إثبات أصول كلمات من العربية وهما فارسيان يريان أنها فارسية معربة . لكن يظهر أن الجو السائد كان يرفض أن يكون في القرآن كلمات معربة ، لتخيل الحكام أنه ينافي كونه قرآناً عربياً ، ولعلهم كانوا يعاقبون من يقول بذلك ، فخاف منهم اللغويون !
بَرَكَ - بروكاً - بَارَكَ مباركة - ابترك -
براكاء - بركة - مبارك - تبارك
أصل البَرْك : صدر البعير وإن استعمل في غيره . ويقال له بَرَكَة . وبَرَكَ البعير : ألقى بَرْكَهُ . واعتُبِر منه معنى اللزوم فقيل ابْتَرَكُوا في الحرب ، أي ثبتوا ولازموا موضع الحرب .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 110 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وبَرَاكَاء الحرب وبَرُوكَاؤُها ، للمكان الذي يلزمه الأبطال .
وابْتَرَكَتِ الدابة : وقفت وقوفاً كالبروك . وسمِّي محبس الماء : بِرْكَة .
والبَرَكَةُ : ثبوت الخير الإلهي في الشئ ، قال تعالى : لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ « الأعراف : 96 » وسمي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة .
والمُبَارَك : ما فيه ذلك الخير ، على ذلك : وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ « الأنبياء : 50 » تنبيهـاً على ما يفيـض عليــه من الخيرات الإلهية . وقال : كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ « الأنعام : 155 » وقوله تعالى : وَجَعَلَنِي مُبارَكاً « مريم : 31 » أي موضع الخيرات الإلهية . وقوله تعالى : إنا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ . « الدخان : 3 » رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً « المؤمنـون : 29 » أي حيث يوجد الخير الإلهي .
وقوله تعالى : وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً « قاف : 9 » فبركة ماء السماء هي ما نبه عليه بقوله : أَلَمْ تَرَ إن الله أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيـعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ « الزمر : 21 » وبقوله تعالى : وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ « المؤمنون : 18 »
ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لايُحَسُّ ، وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر ، قيل لكل ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة : هو مُبَارَكٌ وفيه بركة . وإلى هذه الزيادة أشير بما روي أنه : لا ينقص مال من صدقة . لا إلى النقصان المحسوس حسب ما قال بعض الخاسرين حيث قيل له ذلك فقال : بيني وبينك الميزان .
وقوله تعالى : تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً . « الفرقان : 61 » فتنبيهٌ على ما يفيضه علينا من نعمه بواسطة هذه البروج والنيرات المذكورة في هذه الآية .
وكل موضع ذكر فيه لفظ تَبَارَكَ ، فهو تنبيه على اختصاصه تعالى بالخيرات المذكورة مع ذكر تبارك . وقوله تعالى : فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ . « المؤمنون : 14 » تَبارَك َ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ . « الفرقان : 1 » تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ . « الفرقـان : 10 » فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ . « غافر : 64 » تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ « الملك : 1 » . كل ذلك تنبيهٌ على اختصاصه تعالى بالخيرات المذكورة مع ذكر تبارك .
ملاحظات
1 . لم أجد عند اللغويين كلاماً مقنعاً في اشتقاق البَرَكة ، ولعلها كلمة سريانية قديمة في الأديان . وجعل الراغب معناها الثبوت من جلوس البعيرعلى بَرْكِهِ أي صدره ، وقريب منه كلام ابن فارس . « 1/227 » . وجعلها بعضهم من بركة الماء . وأضاف بعضهم اليها معنى النمو وهو صحيح ، لأنه ظاهرٌ في استعمالها . فالبرَكة في الشئ تتضمن معنى نموه وزيادته ، وثباته وعدم نقصانه . والمفهوم من نصوص الإسلام وغيره من الأديان : أن البركة سرٌّ وعطاء رباني غيبي ، يمنحه للشخص أو الشئ أو العمل . وهو نوع من النمو والثبات .
لكن تعبير : « تبارك الله ، وتبارك إسمه » لاتقبل التفسير بالنمو ، فلا بد من تفسيرها بالتمجيد والتقديس ، وقالوا : معناها : تمجَّدَ وتقدس وتطهر بذاته ، ولو لم يمجده أحد .
قال الطوسي في التبيان « 7/470 » : « معنى تبارك : تقدس وجل ، بما لم يزل عليه من الصفات ولا يزال كذلك ولا يشاركه فيها غيره . وأصله من بروك الطير على الماء ، فكأنه قال : ثبت فيما لم يزل ولا يزال الذي نزل الفرقان على عبده . وقال الحسن : معناه الذي تجئ البركة من قبله ، والبركة الخير الكثير » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 111 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 . استعمل القرآن مادة بَرَكَ في أكثر من ثلاثين مورداً ، منها بارك ، وتبارك ، وبورك ، ومبارك ، وبركات .
والبركة : عالم واسع له أصوله وقوانينه ، وقد بينتها أحاديث النبي وآله صلى الله عليه وآله . وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول : « لا تأكلوا من رأس الثريد ، فإن البركة تأتي من رأس الثريد » . « المحاسن : 2/450 » . ويقول : « إياكم والحلف فإنه ينفق السلعة ويمحق البركة » . « الكافي : 6/162 » . وعن الصادق عليه السلام : « إن النبي أتي بطعام حار جداً فقال : ما كان الله عز وجل ليطعمنا النار ، أقروه حتى يبرد ويمكن ، فإنه طعام ممحوق البركة للشيطان فيه نصيب » . « الكافي : 6/322 » . وعنه عليه السلام : « إن مع الإسراف قلة البركة » . « الكافي : 4/55 » . وعنه عليه السلام قال : « دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على أم سلمة فقال لها : ما لي لا أرى في بيتك البركة ! قالت : بلى والحمد لله إن البركة لفي بيتي ، فقال : إن الله عز وجل أنزل ثلاث بركات : الماء والنار والشاة » . « الكافي : 6/545 » .
وعن الإمام الكاظم عليه السلام : « إياك والزنا فإنه يمحق البركة ويهلك الدين » . « الكافي : 5/542 » .
بَرَمَ - إبرام - بريم - مُبرم - بَرِم - بُرْمَةٌ
الإِبْرَام : إحكام الأمر ، قال تعالى : أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإنا مُبْرِمُونَ « الزخرف : 79 » . وأصله من إبرام الحبل وهو ترديد فتله ، قال الشاعر :
على كل حالٍ من سَحِيلٍ ومُبْرَمِ .
والبَرِيمُ : المُبْرَم : أي المفتول فتلاً محكماً ، يقال : أَبْرَمْتُهُ فبَرِمَ ، ولهذا قيل للبخيل الذي لا يدخل في الميسر : بَرِم ، كما يقال للبخيل : مغلول اليد . والمُبْرِم : الذي يُلح ويُشدد في الأمر تشبيهاً بمُبرم الحبل . والبَرِم : كذلك . ويقال لمن يأكل تمرتين تمرتين : بَرِمٌ ، لشدة ما يتناوله بعضه على بعض .
ولما كان البريم من الحبل قد يكون ذا لونين ، سمي كل ذي لونين به من جيش مختلط أسود وأبيض ، ولغنم مختلط ، وغير ذلك .
والبُرْمَةُ : في الأصل هي القدر المبرمة ، وجمعها بِرَامٌ ، نحو حفرة وحفار ، وجعل على بناء المفعول ، نحو : ضحكة وهزأة .
ملاحظات .
استعمل القرآن هذه المادة في آية واحدة ، بمعنى إحكام الأمر ، كما ذكر الراغب . وقد فصَّل اللغويون في أصل أبرم ومشتقاته ، وجعلها ابن فارس « 1/231 » أربعة أصول : « إحكام الشئ ، والغرض به ، واختلاف اللونين ، وجنس من النبات » .
بَرَهَ - بُرهة - أبْره - بَرهاء - بَرْهَنَ - بُرهاناً
البُرْهَان : بيان للحجة ، وهو فُعْلان مثل : الرُّجحان والثُّنْيَان ، وقال بعضهم : هو مصدر بَرِهَ يَبْرَهُ : إذا ابيضَّ ، ورجل أَبْرَهُ ، وامرأة بَرْهَاءُ ، وقوم بُرْهٌ . وبَرَهْرَهَة : شابة بيضاء .
والبُرْهَة : مدة من الزمان . والبُرْهَان : أوكد الأدلة ، وهو الذي يقتضي الصدق أبداً لامحالة ، وذلك أن الأدلة خمسة أضرب : دلالة تقتضي الصدق أبداً . ودلالةٌ تقتضي الكذب أبداً . ودلالةٌ إلى الصدق أقرب . ودلالةٌ إلى الكذب أقرب . ودلالةٌ هي إليهما سواء . قال تعالى : قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صـادِقِينَ « البقرة : 111 » قُلْ هاتُــوا بُرْهانَكُمْ هـذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ « الأنبياء : 24 » قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ « النساء : 174 » .
ملاحظات
قال الخليل : « البرهان : بيان الحجة وإيضاحها » . « العين : 4/49 » لكن هذه البرهنة ، أما البرهان فهو نفس الحجة ، وليس بيانها ، وهو الدليل القوي . واستعمله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 112 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
القرآن بضع مرات بهذا المعنى .
بَرَأَ - بُرْءً - براء - تبري -برئ - تبرأ - البارئ - البرية
أصل البُرْءِ والبَرَاءِ والتَبَرِّي : التفصِّي مما يُكره مجاورته ، ولذلك قيل : بَرَئْتُ من المرض ، وبَرِئْتُ من فلان وتَبَرَّأْتُ ، وأَبْرَأْتُهُ من كذا وبَرَّأْتُهُ ، ورجل بَرِئ وقوم بُرَآء وبَرِيئُون . قال عز وجــل : بَراءَةٌ مِنَ الله وَرَسُولِهِ « التوبة : 1 » إن الله بَرِئ مِنَ الْمُشْرِكِيـنَ وَرَسُولُهُ « التوبة : 3 » وقـال : أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِئ مِمَّا تَعْمَلُونَ « يونس : 41 » إنا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله « الممتحنة : 4 » وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إننِي بَراءٌ مِمَّــا تَعْبُدُونَ « الزخـرف : 26 » فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا « الأحزاب : 69 » وقال : إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا « البقرة : 166 » .
والبارئ : خُصَّ بوصف الله تعالى ، نحو قوله : الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ « الحشر : 24 » . وقوله تعالى : فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ « البقرة : 54 » . والبَرِيَّة : الخلق ، قيل أصله الهمز فترك . وقيل بل ذلك من قولهم : بَرَيْتُ العود ، وسميت برية لكونها مَبْرِيَّة من البَرَا ، أي التراب ، بدلالة قوله تعالى : خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ « غافر : 67 » وقوله تعــالى : أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ « البينة : 7 » وقال : شَرُّ الْبَرِيَّةِ . « البينة : 6 » .
ملاحظات
1 . وردت مادة بَرَأَ في القرآن أكثر من ثلاثين مرة ، فمنها : البرئ ، والمبرؤون ، والتبرؤ ، والبارئ سبحانه ، والبرية . وجعل الراغب أصلها التبرؤ من العيب ، وسماه البُعدعما يُكره ، وجعل البرية مشتقة من البرا ، وهو التراب .
والصحيح ما ذكره الخليل « 8/298 » وابن فارس « 1/236 » أن برأ أصلان : أحدهما : الخلق ، يقال برأ الله الخلق يبرؤهم بَرْءً ، والبارئ : الله جل ثناؤه . والثاني : التباعد من الشئ ومزايلته ، ومنه السلامة من السقم ، يقال : برئتُ وبَرَّأتُ . ومنه بارأتُ الرجل ، أي برئت إليه وبرئ إلي . ومنه بُرَآء : على قياس فعلاء جمع برئ ، ومن ترك الهمز قال : بُراء . وبَرْآء على قياس فعلاء : جمع البرئ ، ومن ترك الهمز قال : براء .
2 . قال أبو هلال في الفروق/95 : « الفرق بين البَرْأ والخلق : أن البَرْأ هو تمييز الصورة ، وقولهم برأ الله الخلق : أي ميز صورهم » . واشتهر قسم أمير المؤمنين عليه السلام : « فوالذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة » . وفي المقنعة/324 ، في دعاء رمضان : « سبحان الله بارئ النسم ، سبحان الله المصور ، سبحان الله خالق الأزواج كلها » .
بَزَغَ - بازغ - بازغة
قال تعالى : فَلما رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً . « الأنعام : 78 » فَلما رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً . « الأنعام : 77 » أي طالعــاً منتشر الضـوء . وبَزَغَ النَّابُ تشبيهاً به ، وأصله من بَزَغَ البيطارُ الدَّابَّةَ ، أسال دمها فبزغ هو ، أي سال .
ملاحظات
اتفق اللغويون على أن البزوغ مأخوذ من تشريط البيطار للدابة بمبزغ حديد حتى يبزغ دمها . ففي أساس البلاغة/45 : « بزغ البيطار الدابة بزغاً وبزغها تبزيغاً ، إذا شق أشعرها بمبزغه . وبزغ النابُ : إذا شق اللحم فخرج » .
فبزوغ الشمس : شقُّها للأفق حتى يبدو طلوعها ، كما قال الخليل « العين : 4/ 385 » . لكن اشتقاق بزوغ الشمس من بزوغ الدم غير مقنع ، وقد أجاد ابن منظور « 8/418 » فجعل الأمر بالعكس ، فإن تعامل الإنسان مع الشمس قبل تعامله مع مبزغ البيطار . قال : « بَزَغَتِ الشمسُ تَبْزُغُ بَزْغاً وبُزُوغاً : بدا منها طُلوعٌ أَو طَلَعَت وشَرَقَتْ . وفي التنزيل : فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا . ومن هذا يقال : بَزَغَ البَيْطارُ أَشاعِرَ الدابة وبضعها ، إِذا شق ذلك المكان » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 113 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بَسَّ - بَساً - بَسوساً - بسست - بسيسةً - إبساس
قال الله تعالى : وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسّاً « الواقعة : 5 » أي فُتِّتَتْ ، من قولهم : بَسَسْتُ الحنطة والسويق بالماء : فَتَتُّهُ به ، وهي بَسِيسَةٌ . وقيل : معناه سُقْتُ سوقاً سريعاً ، من قولهم : انْبَسَّتِ الحَيَّاتُ : انسابت انسياباً سريعاً ، فيكون كقوله عز وجل : وَيَوْمَ نُسَـيِّرُ الْجِبالَ « الكهف : 47 » وكقوله : وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ « النمل : 88 » .
وبَسَسْتُ الإبلَ : زجرتها عند السوق ، وأَبْسَسْتُ بها عند الحلب : أي رققت لها كلاماً تسكن إليه .
وناقةٌ بَسُوسٌ : لاتدرُّ إلا على الإِبْسَاس ، وفي الحديث : جاء أهل اليمن يَبُسُّونَ عيالهم . أي كانوا يسوقونهم .
ملاحظات
قال ابن فارس « 1/181 » : « الباء والسين : أصلان أحدهما السَّوْق ، والآخر فتُّ الشئ وخلطه » . وقد استعمل البسُّ في آية واحدة هي قوله تعالى : إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّـا . وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا . فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا . وهي صريحة في أن الجبال تُذرى حتى تكون هباءً ، وهي غير حركة الجبال في قوله تعالى : وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ . وغير تسييرها يوم القيامة : وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ .
بَسَرَ - بَسراً - بُسر - باسرة
البَسْرُ : الإستعجال بالشئ قبل أوانه ، نحو : بَسَرَ الرجل الحاجة : طلبها في غير أوانها ، وبَسَرَ الفحل الناقة : ضربها قبل الضبعة . وماء بَسْر : متناول من غديره قبل سكونه . وقيل للقرح الذي ينكأ قبل النضج : بَسْر, ومنه قيل لما لم يدرك من التمر : بُسْر . وقوله عز وجل : ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ « المدثر : 22 » أي أظهرالعبوس قبل أوانه وفي غير وقته . فإن قيل : فقـوله : وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ « القيـامة : 24 » ليس يفعلون ذلك قبل الوقت ، وقد قلت : إن ذلك يقال فيما كان قبل الوقت !
قيل : إن ذلك إشارة إلى حالهم قبل الإنتهاء بهم إلى النار ، فخُصَّ لفظ البَسْر تنبيهاً على أن ذلك مع ما ينالهم من بعد يجري مجرى التكلف ومجرى ما يفعل قبل وقته ، ويدل على ذلك قوله عز وجل : تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ « القيامة : 25 » .
ملاحظات
استعملت مادة بَسَـرَ في الآيتين المذكورتين فقط ، واتفق اللغويون على أن العجلة عنصـر في معناها . « العين : 7/250 ، والمقاييس : 1/249 » . وكأن التمر سميَ بُسْراً لأنهم يعجلون في قطفه قبل نضجه . فمعنى : ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَـرَ ، أنـه عبس واستعجل فغضب . ومعنى : وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ . تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ . أنها قبل الجنة والنار مستعجلة لخوفها حلول الغضب ودخول النار . ومعنى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ، إِلَى رَبِّهَـا نَاظِرَةٌ . أنها في المحشـر تستشرف ثواب ربها ، لا أنها تنظر الى ذات الله ، كما زعمت المجسمة .
بَسَطَ - بساطاً - بسطة - مبسوط
بَسْطُ الشئ : نَشْرُهُ وتوسيعه ، فتارة يُتصور منه الأمران ، وتارة يتصور منه أحدهما . ويقال : بَسَطَ الثوب : نشره ، ومنه : البِسَاط ، وذلك اسم لكل مَبْسُوط ، قال الله تعالى : وَ اللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً « نوح : 19 » . والبِسَاط : الأرض المتسعة . وبَسِيط الأرض : مبسوطه .
واســتعار قوم البســط لكل شئ لا يتصــور فيه تركيب وتأليف ونظم . قال الله تعالى : وَ اللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ « البقرة : 245 » . وقال تعالى : وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ « الشوري : 27 » أي لو وسَّعه . وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ « البقرة : 247 » أي سَعَةً . قال بعضهم : بَسْطَتُهُ في العلم : هو أن انتفع هو به ونفع غيره ، فصار له به بسطة ، أي جوداً . وبَسْطُ اليد : مدها ، قال عز وجل : وَكَلْبُهُمْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 114 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ « الكهف : 18 » .
وبَسْطُ الكف : يستعمل تارة للطلب نحو : كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ « الرعد : 14 » وتارة للأخذ نحو : وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ « الأنعام : 93 » . وتارة للصولة والضرب ، قال تعالى : وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ « الممتحنة : 2 » وتارة للبذل والإعطاء : بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ « المائدة : 64 » .
والبَسْطُ : الناقة تترك مع ولدها ، كأنها المبسوط . نحو النكث والنقض في معنى المنكوث والمنقوض ، وقد أَبْسَطَ ناقَتَه أي تركها مع ولدها .
ملاحظات
أجاد الراغب في تدوين هذه المادة ، ولم أجد ما ينبغي إضافته ، ولعلها أدق ما كتبه في كتابه .
بَسَقَ - باسقات - بُساق
قال الله عز وجل : وَالنَّخْـلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ « ق : 10 » أي طويلات . والباسق : هو الذاهب طولاً من جهة الإرتفاع ومنه : بَسَقَ فلان على أصحابه : علاهم .
وبَسَقَ وبصق أصله بزق . وبَسَقَتِ الناقة : وقع في ضرعها لِبَاء قليل كالبساق ، وليس من الأول .
ملاحظات
تصور بعضهم أن بسقت المرأة والناقة والشاة بمعنى حملت ، فقال إن معنى باسقات حاملات ، وهو اشتباه لأن الباسق المرتفع في السماء طولاً باستقامة . وقد يقال : بَسَقَتِ الأنثى : بمعنى درَّت لبناً قبل الولادة ، كأنها بصقت . قال ابن فارس « 1/247 » : « المبساق التي تدر قبل نتاجها » . ومن الشائع في لغة العرب إبدال الحروف المتقاربة ، ومنه إبدال بزق وبصق ببسق ، لكن باسقات ليست منه .
بَسَلَ - بسْلاً - تُُبْسَل - أبسلوا - بسالة - بسلة -
بسْل - بسَّلت
البَسْلُ : ضم الشئ ومنعه . ولتضمنه لمعنى الضم استعير لتقطيب الوجه ، فقيل هو بَاسِل ومُبْتَسِل الوجه . ولتضمنه لمعنى المنع قيل للمحرم والمرتهن : بَسْلٌ . وقوله تعالى : وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ « الأنعام : 70 » أي تحرم الثواب . والفرق بين الحرام والبَسْل : أن الحرام عامٌّ فيما كان ممنوعاً منه بالحكم والقهر ، والبسل هو الممنوع منه بالقهر ، قال عـز وجل : أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا « الأنعام : 70 » أي حرموا الثواب . وفسر بالإرتهان لقوله : كل نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ « المدثر : 38 » . قال الشاعر :
وإبْسَالي بَنِيَّ بغير جُرْمٍ
وقال آخر : فإن تَقْوَيَا منهم فَإنَّهُمُ بُسْلُ
أقوى المكان : إذا خلا . وقيل للشجاعة : البَسالة إما لما يوصف به الشجاع من عبوس وجهه ، أو لكون نفسه محرماً على أقرانه لشجاعته ، أو لمنعه لما تحت يده عن أعدائه . وأَبْسَلْتُ المكان : حفظته وجعلته بسلاً على من يريده .
والبُسْلَةُ : أجرة الراقي ، وذلك لفظ مشتق من قول الراقي : أَبْسَلْتُ فلاناً ، أي جعلته بَسَلاً ، أي شجاعاً قوياً على مدافعة الشيطان أو الحيات والهوام ، أو جعلته مُبْسَلاً ، أي محرماً عليها .
وحكي : بَسَّلْتُ الحنظل : طيبته ، فإن يكن ذلك صحيحاً فمعناه : أزلت بَسَالَتَه ، أي شدته ، أو بَسْلَهُ أي تحريمه ، وهو ما فيه من المرارة الجارية مجرى كونه محرماً . وبَسَلْ : في معنى أجَلْ ، وبَسَّ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 115 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
استعمل القرآن البَسْل في الآيتين المذكورتين فقط . والرهين : محبوس بما كسب . والمُبْسَل محبوسٌ بما كسب أيضاً ، والفرق بينهما أن المحبوس المبسل ممنوع من التقدم لأن الإبسال منع من خير أو تقدُّم ، والرهينة محبوس عن الحركة . والمحبوس المبسل لا استثناء فيه ، والمحبوس الرهينة يستثنى منه أصحاب اليمين ، قال تعالى : كل نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ . وهـو استثناء ملفتٌ ، فكيف تكون هذه الفئة ذات أعمال سيئة لكنها لا ترتهن بها ! وقد تحير فيهم المفسرون وقال بعضهم إنهم أطفال المسلمين « الحاكم : 2/507 » لكن أطفـال المسـلمين لاذنوب لهم ليستحقوا أن يُبسلوا بها ! وفسرهم بعضهم بقوم صالحين . وقال بعضهم الملائكة ! « الطبري : 29/206 » . وقال الإمام الباقر عليه السلام : « نحن وشيعتنا أصحاب اليمين » . « الكافي : 1/434 ، وشرح الأخبار : 3/455 » . وصدق عليه السلام لأنه لا يمكن تفسيرهم بغير أولئك .
بَسَمَ
قال تعالى : فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها . « النمل : 19 » .
بَشَرَ - بشرة - أبشار - بشرٌ - بَشَرَه -مباشرة - مُبْشَر -استبشر - بشير- بشَّرَه - أبشر - تباشير - بشرى
البَشَرَة : ظاهر الجلد ، والأَدَمة : باطنه . كذا قال عامة الأدباء ، وقال أبو زيد بعكس ذلك ، وغلَّطه أبو العباس وغيره . وجمعها بَشَرٌ وأَبْشَارٌ . وعُبِّر عن الإنسان بالبَشَر اعتباراً بظهور جلده من الشعر ، بخلاف الحيوانات التي عليها الصوف أو الشعر أو الوبر . واستوى في لفظ البشر الواحد والجمع . وثُنِّيَ فقال تعالى : أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ « المؤمنون : 47 » .
وخصَّ في القرآن كل موضع اعتبر من الإنسان جثته وظاهره ، بلفظ البشر ، نحو : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَـراً « الفرقان : 54 » وقـال عز وجل : إني خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ « صاد : 71 » .
ولما أراد الكفار الغض من الأنبياء اعتبروا ذلك فقالوا : إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ « المـدثر : 25 » وقال تعالى : أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ « القمر : 24 » ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا « يس : 15 » أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا « المؤمنون47 » فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنـا « التغابن : 6 » وعلى هذا قـال : إنما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ « الكهف : 110 » تنبيهاً على أن الناس يتساوون في البشرية ، وإنما يتفاضلون بما يختصون به من المعارف الجليلة والأعمال الجميلة ، ولذلك قـــال بعده : يُوحى إِلَيَّ « الكهف : 110 » تنبيهاً [على] أني بذلك تميزت عنكم .
وقال تعالى : لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ « مريم : 20 « فخصَّ لفـــظ البشـر . وقوله : فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا « مريم : 17 » فعبارة عن الملائكة ، ونبه [على] أنه تشبه لها وتراءى لها بصورة بشر .
وقوله تعالى : مَا هَذَا بَشَراً « يوسف : 31 » فإعظام له وإجلال ، وأنه أشرف وأكرم من أن يكون جوهره جوهر البشر .
وبَشَرْتُ الأديم : أصبت بشرته ، نحو أنِفْتُهُ ورَجَلْتُهُ ، ومنه : بَشَرَ الجرادُ الأرضَ إذا أكلها .
والمباشرة : الإفضاء بالبشرتين ، وكنيَ بها عن الجماع في قوله : وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ « البقرة : 187 » وقال تعالى : فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ « البقرة : 187 » .
وفلان مُؤْدَم مُبْشَر : أصله من قولهم : أَبْشَرَهُ الله وآدمه ، أي جعل له بشرة وأدمة محمودة ، ثم عبر بذلك عن الكامل الذي يجمع بين الفضيلتين الظاهرة والباطنة . وقيل معناه : جمع لين الأدمة وخشونة البشرة .
وأَبْشَرْتُ الرجل وبَشَّرْتُهُ وبَشَرْتُهُ : أخبرته بسارٍّ بسط بشرة وجهه ، وذلك أن النفس إذا سُرَّتْ انتشر الدم فيها انتشار
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 116 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الماء في الشجر ، وبين هذه الألفاظ فروق ، فإن بشرته عام ، وأبشرته نحو : أحمدته ، وبشرته على التكثير .
وأبَشَـرَ : يكون لازماً ومتعدياً ، يقال : بَشَرْتُهُ فَأَبْشَـرَ ، أي اسْتَبْشَرَ ، وأَبْشَـرْتُهُ . وقـرئ : يُبَشِّرُكَ « آل عمـران : 39 » ويُبْشِرُكَ ويَبْشُرُكَ ، قـال الله عز وجل : لا تَوْجَلْ إنا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ . وقالَ : أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّــنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحق « الحجر : 53 » .
واستبشر : إذا وجد ما يبشره من الفرح ، قال تعالى : وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ « آل عمران : 170 » يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ « آل عمران : 171 » وقـال تعالى : وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُون « الحجر : 67 » .
ويقال للخبر السار : البِشارة والبُشْرَى ، قال تعالى : لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ « يونس : 64 » وقال تعالى : لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ « الفرقان : 22 » وَلما جاءَتْ رُسُلُنـا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى « هود : 69 » يا بُشْرى هذا غُلامٌ « يوسف : 19 » وَما جَعَلَهُ الله إِلَّا بُشْرى « الأنفال : 10 » .
والبشير : المُبَشِّر ، قال تعالى : فَلما أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً « يوسف : 96 » فَبَشِّرْ عِبادِ « الزمر : 17 » وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ « الروم : 46 » أي تبشر بالمطر .
وقال صلى الله عليه وآله : انقطع الوحي ولم يبق إلا المُبَشِّرَات وهي الرؤيا الصالحة ، يراها المؤمن أو ترى له .
وقال تعالى : فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ « يس : 11 » وقال : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ « آل عمــران : 21 » بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأن لَهُمْ « النساء : 138 » وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ « التوبة : 3 » فاسـتعارة ذلك تنبيهٌ [على] أن أسرَّ ما يسمعونه الخبر بما ينالهم من العذاب ، وذلك نحو قول الشاعر :
تحيَّةُ بينِهم ضربٌ وجيعُ
ويصح أن يكون على ذلك قوله تعالى : قُلْ تَمَتَّعُوا فَإن مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ « إبراهيم : 30 » .
وقال عز وجل : وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ « الزخرف : 17 » .
ويقال : أَبْشِرَ ، أي وجد بشارة ، نحو : أبقـلَ وأمحلَ ، وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ « فصلت : 30 » .
وأبشرت الأرض : حَسُنَ طلوع نبتها ، ومنه قول ابن مسعود : من أحبَّ القرآن فليَبْشُر . أي فليُسَرَّ . قال الفرّاء : إذا ثُقِّل فمن البشرى ، وإذا خُفِّف فمن السرور . يقال : بَشَرْتُهُ فَبَشَرَ ، نحو : جبرته فجبر ، وقال سيبويه : فَأَبْشَر ، قال ابن قتيبة : هو من بشرت الأديم ، إذا رققت وجهه ، قال : ومعناه فليضمِّر نفسه ، كما روي : إن وراءنا عقبة لا يقطعها إلا الضُّمَّر من الرجال . وعلى الأول قول الشاعر :
فَأَعِنْهُمُ وأَبْشِرْ بما بَشَرُوا
به وإذا هُمْ نَزَلُوا بِضَنْكٍ فانزلِ
وتَبَاشِير الوجه وبِشْرُهُ : ما يبدو من سروره ، وتباشير الصبح : ما يبدو من أوائله . وتباشير النخيل : ما يبدو من رطبه ، ويسمى ما يعطى المبشر : بُشْرَى وبشَارَة .
ملاحظات
1 . جعل اللغويون البشارة مشتقة من البشرة ، لأنها توجب السرور الذي يظهر على الوجه والبشرة . « المقاييس : 1/251 » وهذا من ميلهم الى توحيد جذره . وقد تكون من أصلين : البشرة والبشارة . وقد استعملهما القرآن بشكل واسع في عشرات الآيات فعبر بالبَشَرعن آدم والرسل والإنسان ، وبالبشارة عن بشارات الله تعالى ، وسمى الأنبياء عليهم السلام مبشرين ، ووصف رسوله صلى الله عليه وآله بأنه بشيرٌ للناس .
وبشر المحسنين والمؤمنين والمسلمين ، ووصفهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 117 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بالمستبشرين بنعم الله تعالى في الدنيا ، وبالجنة . وجعل لهم البشـرى لنجاتهم من عبادة الطاغوت . ووصف الرياح بأنها مبشرات بالمطر والخير . . الخ .
2 . في نسخ المفردات : بَشَرَ الجَرَادُ الأرضَ ، إذا أكلته ، والصحيح أكلها . قال ابن منظور : « 4/60 » : « بَشَرَ الجرادُ الأَرضَ يَبْشُرُها ، بَشراً : قَشَرَها وأَكل ما عليها ، كأَن ظاهر الأَرض بَشَرَتُها » .
بَصَرَ- أبصار - بصائر - بصيرة -باصرة - استبصار -
البصرة
البَصَر : يقال للجارحة الناظرة نحو قوله تعالى : كَلَمْحِ الْبَصَرِ « النحل : 77 » وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ « الأحزاب : 10 » وللقوة التي فيها . ويقال لقوة القلب المدركة : بَصِيرَة وبَصَر ، نحو قوله تعالى : فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ « ق : 22 » . وقال : ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى « النجم : 17 » .
وجمع البصر : أَبْصَار ، وجمع البصيرة : بَصَائِر ، قال تعالى : فَمَا أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ « الأحقاف : 26 » .
ولايكاد يقال للجارحة بصيرة ، ويقال من الأول : أبصرتُ ، ومن الثاني : أبصرتُه وبصرتُ به .
وقلما يقال بصرتُ في الحاسة ، إذا لم تضامَّهُ رؤية القلب .
وقال تعالى في الأبصار : لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ « مريم : 42 » وقال : رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا « السجدة : 12 » وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ « يونس : 43 » وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ « الصافات : 179 » بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ « طه : 96 » ومنه : أَدْعُوا إِلَى الله عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي « يوسف : 108 » أي على معرفة وتحقق .
وقوله : بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ . « القيامة : 14 » أي بصيرة تبصره ، فتشهد له وعليه يوم القيامة ، كما قال تعالى : تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ « النور : 24 » .
والضرير : يقال له بصير على سبيل العكس ، والأولى أن ذلك يقال لما له من قوة بصيرة القلب لا لما قالوه ، ولهذا لا يقال له : مبصر وباصر .
وقوله عز وجل : لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِك ُ الْأَبْصارَ « الأنعام : 103 » حمله كثير من المفسرين على الجارحة .
وقيل : ذلك إشارة إلى ذلك وإلى الأوهام والأفهام ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : التوحيد أن لا تتوهمه . وقال : كل ما أدركته فهو غيره .
والبَاصِرَة : عبارة عن الجارحة الناظرة ، يقال : رأيته لمحاً باصراً ، أي نظراً بتحديق ، قال عز وجل : فَلما اءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً « النمل : 13 » وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً « الإسراء : 12 » أي مضيئة للأبصار . وكذلك قوله عز وجل : وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً « الإسراء : 59 » .
وقيل : معناه صار أهله بُصَراء نحو قولهم : رجل مخبث ومضعف ، أي أهله خبثاء وضعفاء . وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ « القصص : 43 » أي جعلناها عبرة لهم .
وقوله : وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ « الصافات : 179 » أي أنظر حتى ترى ويرون .
وقوله عز وجل : وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ « العنكبوت : 38 » أي طالبين للبصيرة .
ويصح أن يستعار الإسْتِبْصَار للإِبْصَار ، نحو استعارة الإستجابة للإجابة . وقوله عز وجل : وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كل زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً « ق : 7 » أي تبصيراً وتبياناً . يقال : بَصَّرْتُهُ تبصيراً وتبصرةً ، كما يقال : قدمته تقديماً وتقدمة ، وذكرته تذكيراً وتذكرة ، قال تعالى : وَلا يَسْئَلُ حَمِيـمٌ حَمِيمـاً يُبَصَّرُونَهُمْ « المعارج : 10 » أي يجعلون بصراء بآثارهم . يقال : بصَّرَ الجرو : تعرض للإبصار لفتحه العين .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 118 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والبَصْرَة : حجارة رَخْوَةٌ تلمع كأنها تبصر ، أو سميت بذلك لأن لها ضوءً تُبْصَرُ به من بعد . ويقال له بِصْرٌ .
والبَصِيرَة : قطعة من الدم تلمع . والترس اللامع . والبُصْرُ : الناحية . والبَصِيرَةُ ما بين شقتي الثوب والمزادة ونحوها التي يبصر منها . ثم يقال : بصرتُ الثوبَ والأديمَ : إذا خطت ذلك الموضع منه .
ملاحظات
1 . جعل الراغب بَصَرَ أربعة أصول . بمعنى العين الباصرة ، والقوة الباصرة ، والحجارة الرخوة ، وقطعة الدم . وجعلها ابن فارس أصلين ، بمعنى العِلْم الناتج من البصر المادي أو المعنوي ، وقطعة الدم التي تقع فتستدير . وقال الخليل : « البصـرة : أرض حجارتها جص ، وهكذا أرض البصرة » . « العين : 7/119 » .
2 . استعمل القرآن البصر بالمعنيين المادي والمعنوي في عشرات الآيات . لبصر العين مقابل العمى ، ولبصر القلب والعقـــل ، ومقابله العمى أيضاً : فَإنهَـا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ .
وذكَّر الناس بنعمة البصر : وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ .
وذكَّرَ بمسؤولية الإنســان عن البصر : إن السَّـمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كل أُولَئِكَ كَأن عَنْهُ مَسْئُولاً .
وأمر المؤمنين والمؤمنات بالغض من أبصارهم لئلا يقعوا في الفتنة . وذكر آفات البصر ، وأن الإنسان قد يستحق أن يُذهب الله بصـره ويعميه ، أو يجعل عليه غشاوة ، أو يُقَلِّبُه ، أو يطبع عليه .
وذكر إصابة العين وأن المشركين حاولوا أن يصيبوا النبي صلى الله عليه وآله بها فيزلقونه بأبصارهم . وذكر أن البرق يكاد يذهب بالبصـر . وأن البصر يزيغ عند الخوف . ويبرق عند الموت . وأنه بعد الموت يحيا فيكون نافذاً حديداً . وفي مشاهد يوم القيامة شاخصاً خاشعاً . ويومها يشهد على صاحبه . واستعمل البصر بصيغة الأمر وأفعل التعجب : أبْصِرْ به وأسْمِع . أسْمِعَ بهم ْوأبصِرْ . وأَبْصِرْهُمْ .
والبصير : من أسماء الله الحسنى ، فهو عز وجل بصير بما تعملون ، وبصير بالعباد ، وسميع بصير ، وخبير بصير ، وبكل شئ بصير ، وبذنوب عباده خبيراً بصيراً .
وبصر العين عاجز عن رؤية الله عز وجل ، لأنه يدرك الجسم الذي ينعكس عليه الضوء ، و الله تعالى فوق المادة وإنما تراه العقول والقلوب . لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ .
والنبي صلى الله عليه وآله ومن معه على بصيرة من ربهم ، والأنبياء عليهم السلام أولوا الأيدي والأبصار : وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِى وَالأَبْصَارِ .
ونظم الخلق ونعمة إنبات النبات فيه تبصرة لكل عبد منيب . والدين والوحي بصائر . والإنسان على نفسه بصيرة ، أي خبيرٌ بها . والنهار مبصرٌ ، وآيةٌ مبصرة . وآية الناقة لثمود وآيات موسى لفرعون ، كلها مبصرة .
ومدح القرآن أولي الأبصار ، أي العقول التي تعتبر ، فقال عن معركـــة بدر : وَ اللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إن فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ . وقال عن معركة بني قريظة : فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ .
وبَيَّنَ عز وجل سرعة البصر : وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ .
بَصَل
البَصَلُ : معروف في قوله عز وجل : وَعَدَسِها وَبَصَلِها « البقرة : 61 » . وبيضة الحديد بصلٌ ، تشبيهاً به لقول الشاعر :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 119 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وتركاً كالبصل
ملاحظات
البيت الذي استشهد به الراغب ، للشاعر لبيد ، يصف كتيبة مدرعة فيقول :
فَخْمَةٌ دَفْرَاءُ تُرْتَى بِالْعُرَى
قَرْدَمَانِيًاً وَتَرْكاً كَالْبَصَلْ
أي : يغيثون المستغيث بهم بكتيبة فخمة ، على خيول نجيبة ، يشد فرسانها ذيول دروعهم القردمانية الخشنة الطويلة ، بالعرى الى أوساطهم ، وعلى رؤوسهم خوذ كبيض النعام وكالبصل . « العين : 5/338 ، وشرح أدب الكاتب/340 » .
بَضَعَ - بضاعة - مِبْضع - بِضْعة - باضعة
البِضَاعَة : قطعة وافرة من المال تقتنى للتجارة يقال : أَبْضَعَ بِضَاعَة وابْتَضَعَهَا . قال تعالى : هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا « يوسف : 65 » وقال تعالى : بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ « يوسف : 88 » .
والأصل في هذه الكلمة : البَضْعُ وهو جملة من اللحم تُبْضَعُ ، أي تقطع ، يقال : بَضَعْتُهُ فَابْتَضَعَ وتَبَضَّعَ ، كقولك : قطعته وقطعته فانقطع وتقطع . والمِبْضَع : مايبضع به نحو المقطع .
وكُنِّيَ بالبِضْعِ عن الفرج فقيل : ملكتُ بضعها ، أي تزوجتها . وبَاضَعَهَا بِضَاعاً ، أي باشرها ، وفلان : حَسَنُ البَضْع والبَضِيعِ والبَضْعَة .
والبضاعة : عبارة عن الثَّمن . وقيل للجزيرة المنقطعة عن البر : بَضِيع .
وفلان بَضْعَة مني ، أي جارٍ مجرى بعض جسدي لقربه مني .
والبَاضِعَة : الشجَّة التي تبضع اللحم . والبِضع بالكسر : المنقطع من العشرة ، ويقال ذلك لما بين الثلاث إلى العشرة وقيل : بل هو فوق الخمس ودون العشرة . قال تعالى : بِضْعَ سِنِينَ « الروم : 4 » .
ملاحظات
لا يشترط في البضاعة أن تكون : « قطعة وافرة من المال ، تُقْتَنى للتجارة » بل هي كما قال الخليل « 1/286 » : « ما أبضعت للبيع كائناً ما كان » . ويؤيده قوله تعالى : وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَـاةٍ . أي غير مرغوبة ، أو قليلة « التبيان : 6/186 » . وقد يقتني الشئ للتملك أو الإستهلاك ، ثم يتاجر به .
بَطََرَ- بطراً - بَيْطَر- بيطرة
البَطَر : دَهَشٌ يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها ، وصرفها إلى غير وجهها . قال عز وجـل : بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ « الأنفال : 47 » وقال : بَطِرَتْ مَعِيشَتَها « القصص : 58 » أصله بطرت معيشتُها ، فصُرِف عنه الفعل ونُصِبَ .
ويقارب البطر الطرب : وهو خفةٌ أكثر ما تعتري من الفرح ، وقد يقال ذلك في الترح . والبيطرة : معالجة الدابة .
ملاحظات
1 . تبع الراغب الخليل فلم يبين مصدر اشتقاق البطر ، وجعله إسماً لحالة الدهش من النعمة . وكان الخليل أدق منه حيث قال : « 7/422 » : « البطر : في معنى كالحيرة والدهش ، يقال : لايبطرن جهل فلان حلمك أي لا يدهشك . وفي معنى كالأشَر وغمط النعمة ، يقال : بطر فلان نعمة الله ، أي كأنه مرح حتى جاوز الشكر فتركه وراءه » .
فهو حالة سكر وهوج من النعمة ، تشبه الدَّهَش ، وليست نفس الدهش .
وجعله ابن فارس « 1/262 » : « تجاوُزُ الحد في المرح » ومال الى أنه مشتق من البيطرة بمعنى الشق ! لكنه بعيد ، فالظاهر أنها أصلٌ مستقلٌّ .
2 . ورد البطر في آيتين : وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 120 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ ، فوصف به قريشاً لما خرجت الى حرب النبي صلى الله عليه وآله بطراً للسمعة . وقال تعالى : وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا . أي بطر أهلها . قال الراغب : « أصله : بطرت معيشتُها فصُرِف عنه الفعل ونُصِبَ » وقال نحوه في سَفِه . فهو يتصور أن بَطِر وسَفَه فعلان لازمان ، لكنهما في القرآن متعديان .
بَطَشَ - بطشاً - بطشتم - نبطش
البَطْشُ : تناول الشئ بصولة ، قال تعالى : وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ « الشعراء : 130 » يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى « الدخان : 16 » وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا « القمر : 36 » إن بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ « البروج : 12 » يقال : يد بَاطِشَة .
ملاحظات
1 . يظهر أن الراغب أخذ تعريف البطش من الخليل ، لكن عبارة الخليل أدق ، قال « 6/240 » : « البطش : التناول عند الصولة . والأخذ الشديد في كل شئ بطشٌ به . و الله ذو البطش الشديد ، أي ذو البأس والأخذ لأعدائه » .
أما ابن فارس فقال : « 1/262 » : « وهو أخذ الشئ بقهر وغلبة وقوة »
2 . البطش يكون خفيفاً وشديداً ، ولذا قال تعالى : إن بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ . أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً . ويكون بطشاً بالحق كبطش الله تعالى ، وبطش بغير حق كبطش الجبارين : وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ . فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأَوَلِينَ .
وقد استعمل القرآن مادة بطش في تسع آيات . منها ما تقدم ، ومنها في أن اليد مظهر البطش : أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا . ومنها في بطش الله وعذابه لأعدائه في الدنيا : وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ .
ومنها قوله تعالى : يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إنا مُنْتَقِمُونَ . وقد فسرها غير أهل البيت عليهم السلام بأنها في البطشة الكبرى في القيامة ، وفسرها غيرهم بأنها كانت في بدر .
ومنها في بطش موسى عليه السلام : فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَعَدُوٌّ لَهُمَا .
بَطَلَ - باطل - بطولة - مبطلون
البَاطِل : نقيض الحق ، وهو ما لاثبات له عند الفحص عنه ، قال تعالى : ذلِكَ بأن الله هُوَ الْحق وَأَن ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ « الحج : 62 » وقد يقال ذلك في الإعتبار إلى المقال والفعال ، يقال : بَطَلَ بُطُولًا وبُطْلًا وبُطْلَاناً وأَبْطَلَهُ غيره . قال عز وجل : وَبَطَلَ ماكانُوا يَعْمَلُونَ « الأعراف : 118 » وقال تعالى : لِمَ تَلْبِسُونَ الْحق بِالْباطِلِ « آل عمــران : 71 » .
ويقال للمستقل عما يعود بنفع دنيوي أو أخروي : بَطَّال ، وهو ذو بِطَالَةٍ بالكسر . وبَطَلَ دمه : إذا قتل ولم يحصل له ثأر ولا دية . وقيل للشجاع المتعرض للموت : بَطَل ، تصوراً لبطلان دمه ، كما قال الشاعر :
فقلت لها لا تَنْكَحِيهِ فإنهُ
لأولِ بُطْلٍ إن يلاقي مُجَمَّعَا
فيكون فُعْلاً بمعنى مفعول ، أو لأنه يُبطل دم المتعرض له بسوء ، والأول أقرب .
وقد بَطُلَ الرجل بُطُولَة : صار بَطَلًا ، وبُطِلَ : نسب إلى البَطَالة ، ويقال : ذهب دمه بُطْلاً أي هدراً . والإِبطال : يقال في إفساد الشئ وإزالته حقاً كان ذلك الشئ أو باطلاً ، قال الله تعالى : لِيُحق الْحق وَيُبْطِلَ الْباطِلَ « الأنفال : 8 » .
وقد يقال فيمن يقول شيئاً لاحقيقة له ، نحو : وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ « الروم : 58 » . وقوله تعـالى : وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ « غافر : 78 » أي الذين يبطلون الحق .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 121 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
1 . أخذ الراغب تعريف الباطل من الخليل « 7/431 » وجعلاه أمراً عدمياً لكن تعريف ابن فارس أدق ، قال : « 1/259 » : « وهو ذهاب الشئ وقلة مكثه ولبثه . يقال بطل الشئ يبطل بطلاً وبطولاً . وسُمِّيَ الشيطان الباطل لأنه لاحقيقة لأفعاله ، وكل شئ منه فلا مرجوع له ولا معول عليه » . وقد جعل الباطل أمراً وجودياً ، والصحيح أنه أعم ، تقول : هذا باطل لا وجود له . وقــال زهيــر بن أبي سلمى : ألَا كُلُّ شئٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ فغير الله موجود لكنه زائل ، قليل مكثه .
2 . قال اللغويون إن البَطَل مشتق من الباطل لأنه يُبطل جراحه ولا يكترث بها ، أو لأنه يعرض نفسه للتلف والبطلان ، أو لأنه يُبطل دم غيره . وربما كانت تسميته لأنه يريد أن يُبطل دَمَ غيره . وقد يكون البطل والبطولة أصلاً مستقلاً ، غير البطالة .
3 . استعمل القرآن مفردات بَطَلَ في أكثر من ثلاثين آية ، ولم يستعملها بمعنى الرجل البطل . وأبرز المعاني التي استعملها فيها : أن ما يدعوه الناس من دون الله ، من آلهة ، أو شركاء ، أو زعماء ، باطلٌ ليس لها وجـود حقيقي : ذَلِكَ بِأن اللهَ هُوَالْحق وَأن مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأن اللهَ هُوَالْعَلِي الْكَبِيرُ . وأن ما يعادي الإسلام باطل : قُلْ جَـاءَ الْحق وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ .
وأن خلق الله تعالى حق ليس فيه باطل ، لا في تكوينه ولا في هدفه : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا . والقرآن حق كلـه : لا يَأْتِيهِ الْبَـاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ .
ومن يكفر بنعم الله تعالى يؤمن بالباطل : أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ .
والباطل ضعيفٌ مهما بدا قوياً : وَقُلْ جَاءَ الْحق وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إن الْبَاطِلَ كَأن زَهُوقًا .
وأتباع الباطل مثله ضعفــاء وخاســرون : وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ .
وحذر الله تعالى من خلط الحق بالبـاطل : وَلا تَلْبِسُوا الْحق بِالْبَاطِلِ .
ونهى عن الحيل المالية لأكل المال بالباطل : وَلا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ .
وحذر من الأعمال التي تبطل العمل : لاتُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى .
وقــال في عمل السَحَرَة : قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إن اللهَ سَيُبْطِلُهُ .
وتعجب من وصف الكفار آيات الله بالباطل : وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ .
بَطَنَ - بَطين - بَطِْن - بِطْنَة - بِطَانة -
بطان - استبطن - باطن
أصل البَطْن : الجارحة ، وجمعه بُطُون ، قال تعالى : وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ « النجم : 32 » وقد بَطَنْتُهُ : أصبت بطنه .
والبَطْن : خلاف الظهر في كل شئ ، ويقال للجهة السفلى بَطْنٌ وللجهة العليا ظهر ، وبه شُبِّهَ بطن الأمر ، وبطن الوادي .
والبطن من العرب : اعتباراً بأنهم كشخص واحد ، وأن كل قبيلة منهم كعضو : بطنٌ وفخذٌ وكاهلٌ . وعلى هذا الإعتبار قال الشاعر :
النّاس جِسْمٌ وإمامُ الهُدَى
رأسٌ وأنتَ العينُ في الرأسِ
ويقال لكل غامض بطن ، ولكل ظاهر ظهر . ومنه : بُطْنَانُ القِدْرِ وظَهْرَانُها .
ويقال لما تدركه الحاسة : ظاهر ، ولما يخفى عنها : باطن .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 122 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال عز وجل : وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ « الأنعام : 120 » ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ « الأنعام : 151 » .
والبَطِين : العظيم البطن . ، والبَطِنُ : الكثير الأكل ، والمِبْطَان : الذي يكثر الأكل حتى يعظم بطنه .
والبِطْنَة : كثرة الأكل ، وقيل : البطنة تُذهب الفطنة . وقد بَطِنَ الرجل بَطَناً : إذا أَشِرَ من الشبع ومن كثرة الأكل . وقد بَطِنَ الرجل : عظم بطنه ، ومُبَطن : خميص البطن ، وبَطَنَ الإنسان : أصيب بطنه ، ومنه : رجل مَبْطُون : عليل البطن .
والبِطانَة : خلاف الظهارة ، وبَطنْتُ ثوبي بآخر : جعلته تحته . وقد بَطَنَ فلان بفلان بُطُوناً .
وتستعار البِطَانَةُ لمن تختصه بالإطلاع على باطن أمرك ، قال عـز وجل : لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ « آل عمــران : 118 » أي مختصاً بكم يستبطن أموركم ، وذلك استعارة من بطانة الثوب ، بدلالة قولهم : لبست فلاناً إذا اختصصته ، وفلان شعاري ودثاري . وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال : ما بعث الله من نبيٍّ ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان : بطانة تأمره بالخير وتحضُّه عليه ، وبطانة تأمره بالشرِّ وتحثُّه عليه .
والبِطان : حِزَامٌ يشد على البطن ، وجمعه : أَبْطِنَة وبُطُن . والأَبْطَنَان : عرقان يمرَّان على البطن . والبُطين : نجم هو بطن الحمل . والتَبَطن : دخول في باطن الأمر .
والظاهر والباطن في صفات الله تعالى لايقالان إلا مزدوجين ، كالأول والآخر ، فالظاهر قيل : إشارة إلى معرفتنا البديهية ، فإن الفطرة تقتضي في كل ما نظر إليه الإنسان أنه تعالى موجود ، كما قال : وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ « الزخرف : 84 » ولذلك قال بعض الحكماء : مثل طالب معرفته مثل من طوف في الآفاق في طلب ما هو معه .
والبَاطِن : إشارة إلى معرفته الحقيقية ، وهي التي أشار إليها أبوبكر 2 بقوله : يا من غاية معرفته القصور عن معرفته .
وقيل : ظاهر بآياته باطن بذاته ، وقيل : ظاهر بأنه محيط بالأشياء مدرك لها ، باطن من أن يحاط به ، كما قـــال عز وجل : لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ « الأنعام : 103 » .
وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام ما دل على تفسير اللفظتين حيث قال : تجلى لعباده من غير أن رأوه ، وأراهم نفسه من غير أن تجلى لهم . ومعرفة ذلك تحتاج إلى فهم ثاقب وعقل وافر .
وقوله تعالى : وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً « لقمان : 20 » قيل الظاهرة النبوة الباطنة بالعقل ، وقيل الظاهرة المحسوسات والباطنة المعقولات . وقيل الظاهرة النصرة على الأعداء بالناس ، والباطنة النصرة بالملائكة . وكل ذلك يدخل في عموم الآية .
ملاحظات
1 . أطال الراغب في تفسير الظاهر والباطن بسبب مشربه الصوفي . ولم يستوفِ استعمالاته في القرآن . وليته نقل تعريف الخليل له « 1/241 » أو ابن فارس « 1/259 » فهو أحسن من كلامه . قال الخليل : « البطن في كل شئ خلاف الظهر ، كبطن الأرض وظهرها ، و كالباطن والظاهر ، و كالبطانة والظهارة ، يعني باطن الثوب وظاهره ، قال الله عز وجل : متكئين على فرش بطائنها من إستبرق ، وبطانة الرجل : وليجته من القوم الذين يداخلهم ويداخلونه في دخلة أمرهم . . والنعمة الباطنة : التي قد خصت ، والظاهرة التي عمت ، قال الله عز وجل : وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة و باطنة » .
2 . استعمل القرآن مادة بَطَنَ أكثر من عشرين مرة ، منها : أنه سبحانه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 123 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
هو الظاهر والباطن : هُوَالأَوَلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَئٍْ عَلِيمٌ . وفسره ابن فارس بعلمه عز وجل بالظاهر والباطن . ولم يفسره بذاته أو أفعاله .
ومنها : التذكير بنعم الله تعالى على الناس وتغذيتهم من بطون الأنعام والنحل : نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا . نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ . ومنها : النعم . وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً .
ومنها : الحُجج الظاهرة والباطنة . قال الإمام الكاظم عليه السلام : « يا هشام ، إن لله على الناس حجتين : حجة ظاهرة وحجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام ، وأما الباطنة فالعقول » . « الكافي : 1/16 » .
ومنها : الفواحش الظاهرة والباطنة : وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ . وَذَرُوا ظَاهِرَ الإثْمِ وَبَاطِنَهُ .
ومنها : نعمته علينا بخلقنا في بطون أمهاتنا : يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتُكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ .
والحيوانات التي تمشي على بطونها : فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِى عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِى عَلَى رِجْلَيْنِ .
وانتقد الذين يشرعون في الأنعام من عندهم : وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا .
ووصف الذين يأكلون النار في بطونهـم : إِنَّ الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا . أُولَئِكَ مَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلا النَّارَ .
وأخبرعن نوع من أهل النار : لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ . فَإِنَّهُمْ لاكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ .
وقال عن يونس عليه السلام : فَلَوْلا أَنَّهُ كَأن مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ .
بِطْؤٌ - بُطأً - بُطْؤٌ- استبطأ - تباطأ - أبطأ
البُطْؤُ : تأخر الإنبعاث في السير ، يقال : بَطُؤَ وتَبَاطَأَ واسْتَبْطَأَ وأَبْطَأَ . فَبَطُؤَ إذا تخصص بالبطؤ ، وتَبَاطَأَ : تحرى وتكلف ذلك ، واستبطأ : طلبه ، وأَبْطَأَ : صار ذا بُطْؤٍ . ويقال : بَطأَهُ وأَبْطَأَهُ .
وقوله تعالى : وَإن مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ « النساء : 72 » أي يثبط غيره . وقيل : يكثرهو التثبط في نفسه . والمقصد من ذلك إن منكم من يتأخر ويؤخر غيره .
ملاحظات
1 . معنى استبطأه : رأى أنه تأخر ، وليس طلبه أو طلب بطأه ، كما تخيل الراغب . كما أن تمييزه بين أبطأ وبطؤ لا يصح ، قال الجوهري « 1/36 » : « ما أبطأ بك ، وما بطؤ بك ، بمعنى » . كما أن التبطيئ تثبيط الآخرين ، ويلزم منه عادة تباطؤ المثبط .
2 . وردت هذه المادة في آية واحدة : وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَـالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً . قال الإمام الصادق عليه السلام : « لو أن هذه الكلمة قالها أهل المشرق وأهل المغرب لكانوا بها خارجين من الإيمان ، ولكن قد سماهم الله مؤمنين بإقرارهم » ! « تفسير القمي : 1/30 » . فبَطَّأَ في الآية فعلٌ متعدٍّ ، بمعنى ثبَّط غيره .
بِظْر
قرئ في بعض القراءات : و الله أخرجكم من بُظُور أمّهاتكم . وذلك جمع البَظَارَة ، وهي اللحمة المتدلية من ضرع الشاة ، والهنة الناتئة من الشفة العليا ، فعبر بها عن الهن ، كما عبر عنه بالبضع .
ملاحظات
العجب من الراغب كيف قبل قراءة شاذة لم يقبلها أحد ، وجعلها عنواناً . وفي المقابل ترك عدداً من ألفاظ القرآن ، أو فاتته !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 124 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بَعْث - بعثاً - انبعث - انبعاثاً - يوم البعث
أصل البَعْث : إثارة الشئ وتوجيهه ، يقال : بَعَثْتُهُ فَانْبَعَثَ . ويختلف البعث بحسب اختلاف ما عُلِّق به ، فَبَعَثْتُ البعير : أثرته وسيَّرته ، وقوله عز وجل : وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ « الأنعام : 36 » أي يخرجهم ويسيرهم إلى القيامة . يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً « المجادلة : 6 » زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ « التغابن : 7 » ما خَلْقكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ « لقمان : 28 » .
فالبعث ضربان : بشريٌّ كبعث البعير ، وبعث الإنسان في حاجة . وإلهيٌّ وذلك ضربان : أحدهما : إيجاد الأعيان والأجناس والأنواع لا عن ليس ، وذلك يختص به الباري تعالى ولا يقدر عليه أحد . والثاني : إحياء الموتى ، وقد خص بذلك بعض أوليائه كعيسى عليه السلام وأمثاله ، ومنه قوله عز وجل : فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ « الروم : 56 » يعني يوم الحشر .
وقوله عز وجل : فَبَعَثَ الله غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ « المائدة : 31 » أي قيَّضه . وَلَقَـدْ بَعَثْنا فِي كل أُمَّةٍ رَسُولًا « النحل : 36 » نحو : أَرْسَلْنا رُسُلَنا « المؤمنون : 44 » . وقوله تعالى : ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً « الكهف : 12 » وذلك إثارة بلا توجيه إلى مكان .
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كل أُمَّةٍ شَهِيداً « النحل : 84 » قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ « الأنعـام : 65 » وقال عز وجل : فَأَماتَهُ الله مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ « البقرة : 259 » . وعلى هذا قوله عز وجل : وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ « الأنعام : 60 » . والنوم من جنس الموت فجعل التوفي فيهما ، والبعث منهما سواء . وقوله عز وجل : وَلكِنْ كَرِهَ الله انْبِعاثَهُمْ « التوبة : 46 » أي تَوَجَّهَهُم ومُضِيَّهُم .
ملاحظات
1 . اختار الراغب قول ابن فارس « 1/266 » : بأن أصل البعث الإثارة كبعث الناقة وإنهاضها . وأضاف الراغب الى الإنهاض التوجيه الى مكان فقال : وتوجيهه ، ثم تراجع عنه وقال في آية أهل الكهف : ذلك إثارة بلا توجيه إلى مكان . وما دام البعث قد يخلو من عنصر التوجيه ، فلا يصح إدخاله في تعريفه !
2 . ورد البعث بمعنى الإحياء في الدنيا ، في أصحاب موسى عليه السلام : فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ . ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . وقال عن عزير : فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ .
وعن أهل الكهف : ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَىُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا .
وعن بعث الناس من النـوم : وَهُوَالَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ .
وعن إحياء أنصار المهدي عليه السلام : وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْـدًا عَلَيْهِ حقا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ . فهو بعث بحضور مسلمين يحلفون بالله تعالى جهد أيمانهم : لايبعث الله في الدنيا من يموت .
3 . ورد البعث بمعنى إرسال غير الأنبياء عليهم السلام كإرسال طالوت ملكــاً لبني إسـرائيل : إِذْ قَالُوا لِنَبِىٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ . وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً . وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَىْ عَشَرَ نَقِيباً . فَبَعَثَ اللهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ . لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ . فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا . وعبر عز وجل عن عاقر ناقة ثمود بانبعث من نفسه : إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 125 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بَعْثَرَ- بعثرةً - مبعثر
قال الله تعالى : وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ « الإنفطار : 4 » أي قلب ترابها وأثير ما فيها . ومن رأى تركيب الرباعي والخماسي من ثلاثيين نحو : تهلل وبسمل ، إذا قال : لا إله إلا الله وبسم الله . يقول : إن بعثر مركب من : بعث وأثير ، وهذا لا يبعد في هذا الحرف ، فإن البعثرة تتضمن معنى بعث وأثير .
ملاحظات
يصعب قبوب قول الراغب أن بَعْثَرَ مركبة من بعث وأثار ، لأنه لا دليل عليه والتركيب خلاف الأصل ، ولأن بعثر لا تتضمن معنى الإثارة مباشرة بل قد يلزمها الإثارة ، ومعناها : نقض نظم الشيئ ، تقول : بعثرت أثاث البيت ، وليس فيه إثارة . وقد تكون البعثرة بقلب الشئ على بعضه ، تقول بعثر الحوض أي خربه ، وفيه نوع إثارة . قال الجوهري في الصحاح « 2/586 » : « بعثره ، إذا فرقه وقلب بعضه على بعض » . ونحوه ابن منظور « 4/72 » فالبعثرة أمر نسبي وليس فيها إثارة دائماً . وسميت سورة براءة : الفاضحة والمبعثرة والبعثرة « تفسير القرطبي : 8 /61 » لأنها فضحت المنافقين وبعثرت أحوالهم .
واستعملت البعثرة في آيتين بصيغة الماضي المبني للمجهول : وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ . أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ . فنسب البعثرة الى القبر تارة والى ما فيه أخرى ، والمقصود نقض نظم القبور وإحياء ما فيها . والإثارة في البعثرة أحياناً من لوازمها وليست من حاق معناها .
بَعُدَ - بعداً - بعيداً - بَعْْدُ
البُعْد : ضد القرب ، وليس لهما حد محدود ، وإنما ذلك بحسب اعتبار المكان بغيره . يقال ذلك في المحسوس وهو الأكثر ، وفي المعقول نحو قولـه تعالى : ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً « النساء : 167 » وقوله عز وجل : أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ « فصلت : 44 » يقال بَعُدَ إذا تباعد ، وهو بعيد . وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ « هود : 83 » .
وبَعِدَ : مات . والبُعْد أكثر ما يقال في الهلاك ، نحو : بَعِدَتْ ثَمُودُ « هود : 95 » . وقد قال النابغة :
[فضـــلاً عـــلى النـاس] فــي الأدنـــى وفي البَعَــدِ
والبُعْدُ : يقال فيه وفي ضد القرب ، قال تعالى : فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ « المؤمنون : 41 » فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ « المؤمنون : 44 » .
وقوله تعالى : بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ « سبأ : 8 » أي الضلال الذي يصعب الرجوع منه إلى الهدى ، تشبيهاً بمن ضل عن محجة الطريق بعداً متناهياً ، فلا يكاد يرجى له العود إليها .
وقوله عز وجل : وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ « هود : 89 » أي تقاربونهم في الضلال ، فلا يبعد أن يأتيكم ما أتاهم من العذاب . بَعْدُ : يقال في مقابلة قبلُ . ونستوفي أنواعه في باب قبلُ إن شاء الله تعالى .
ملاحظات
ورد البُعد في القرآن للبعد المكاني : فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ . والزماني : وَإِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ . والمشترك بينهمـــا : يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيداً . وبمعنى المحال : يَرَوْنَهُ بَعِيداً . لمن لا يؤمنون به .
والأمد : في الأصل ظرف زمان ، لكنه هنا يشمل المكان بقرينة مُحْضَراً . « الفروق اللغوية/71 » .
واستعمل البعد لما هو بعيد التحقق : أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ .
وللدعاء بالهلاك : أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ . وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ . أَلا بُعْدًا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 126 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لِثَمُودَ . فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ .
واستعمل الضلال البعيد للطغيان : مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَأن فِي ضَلالٍ بَعِيد .
وللتحاكم الى الطاغوت : يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً .
وللشرك : وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا .
ولبعض أنواع الكفـر : وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيـدًا . إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيدًا . . يَدْعُواْ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَالضَّلالُ الْبَعِيدُ . بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ . أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ .
ووصف به الشِّقَاق وهو الخلاف الحاد : وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ . وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ .
ويظهر بما ذكرناه ما اشتبه فيه الراغب ، ولا نطيل بتفصيله . وسترى شطحه فيما وعد به من استيفاء قَبْل الذي يقابل بعد ، أنه أرجع أكثر مواده الى قُبُل المرأة !
بَعَرَ - بعراً - بعير - مِبْعَر - مِبْعار
قال تعالى : وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ « يوسف : 72 »
البَعِير : معروف ، ويقع على الذكر والأنثى كالإنسان في وقوعه عليهما ، وجمعه أَبْعِرَة وأَبَاعِر وبُعْرَان .
والبَعْرُ : لما يسقط منه . والمِبْعَر : موضع البعر ، والمِبْعَار من البَعْر : الكثير البعر .
ملاحظات
1 . تقدم ذكر الإبل ، وقد ورد ذكرها في آيتين . ولم يرد في القرآن ذكر الجِمَال .
2 . قال الخليل « 2/132 » : « البَعْرُ : للإبل ولكل ذي ظلف ، إلا للبقر الأهلي » .
وتعريف الراغب له بما يسقط من البعير ، خطأ ، فإنه يشمل بوله ووبره وأسنانه ، بل ما يسقط عنه من حمله !
بَعْضٌ - بعوض
بَعْضُ الشئ : جزءٌ منه ، ويقال ذلك بمراعاة كل ، ولذلك يقابل به كل فيقال بعضه وكله ، وجمعه أَبْعَاض . قال عز وجل : بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ « البقرة : 36 » وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً « الأنعام : 129 » وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً « العنكبوت : 25 » . وقد بَعَّضْتُ كذا : جعلته أبعاضاً نحو جَزَّأته . قال أبو عبيدة : وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ « الزخرف : 63 » أي كل الذي كقول الشاعر[لبيد] :
[تَرَّاكُ أَمكِنَةٍ إذا لَمْ أَرْضها] أو يَرْتَبِطْ بَعْضُ النُّفوسِ حِمَامُهَا
وفي قوله هذا قصور نظر منه ، وذلك أن الأشياء على أربعة أضرب : ضربٌ في بيانه مفسدة فلا يجوز لصاحب الشريعة أن يبينه ، كوقت القيامة ووقت الموت . وضربٌ معقول يمكن للناس إدراكه من غير نبي ، كمعرفة الله ومعرفته في خلق السموات والأرض ، فلا يلزم صاحب الشرع أن يُبينه ، ألا ترى أنه كيف أحال معرفته على العقول في نحو قوله : قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « يونس : 101 » وبقولـه : أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا « الأعراف : 184 » وغير ذلك من الآيات . وضربٌ يجب عليه بيانه ، كأصول الشرعيات المختصة بشرعه . وضربٌ يمكن الوقوف عليه بما بينه صاحب الشرع ، كفروع الأحكام .
وإذا اختلف الناس في أمر غير الذي يختص بالمنهي بيانه ، فهو مخير بين أن يُبين وبين ألا يُبين ، حسب ما يقتضي اجتهاده وحكمته . فإذاً قوله تعالى : وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ « الزخرف : 63 » لم يرد به كل ذلك ، وهذا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 127 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ظاهـر لمن ألقى العصبية عن نفسه .
أما قول الشاعر :
أو يرتبط بعض النفوس حمامها
فإنه يعني به نفسه والمعنى : إلا أن يتداركني الموت ، لكن عَرَّضَ ولم يصرح حسب ما بُنيت عليه جِبِلَّةُ الإنسان في الإبتعاد عن ذكر موته .
قال الخليل : يقال : رأيت غرباناً تَتَبَعَّضُ ، أي يتناول بعضها بعضاً .
والبَعُوض : بُنِيَ لفظه من بعض ، وذلك لصغر جسمها بالإضافة إلى سائر الحيوانات .
ملاحظات
1 . أطال الراغب بلا موجب ، فنقل عن أبي عبيدة وهو من كبار أئمة اللغة توفي209 « الإعلام : 7/272 » أن بعض تستعمل بمعنى كل كقوله تعـالى : وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ . واستشهد ببيت لبيد المتقدم ، وهو من معلقة لبيد الطويلة « جمهرة أشعار العرب للقرشي/129 » يخاطب فيه زوجته نوار ، ومطلعها :
عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّها فَمُقَامُها
بِمنىً تَأَبّدَ غَوْلُها فَرِجَامُهَا
أَوَلَمْ تَكُنْ تَدري نَوارُ بِأَنّني
وَصَّالُ عَقْدِ حَبَائلٍ جَذَّامُهَا
تَرَّاكُ أَمكِنَةٍ إذا لَمْ أَرْضَهَا
أَو يَرْتَبِطْ بَعْضُ النُّفُوسِ حِمَامُهَا
ومعناه : ألا تعلم نوار أني أترك المكان الذي لا يرضيني ، إلا أن يربط بعض الأنفس أجلها فيمنعني من الرحيل . فاعترض الراغب على أبي عبيدة وقال إن بعض في الآية ليست بمعنى كل ، لأن النبي صلى الله عليه وآله لايجب عليه بيان الكل . وكذلك قول لبيد ، فقد قصد به أن الحمام قد يرتبط البعض ، وعنى نفسه ولم يقصد الكل . وكلام الراغب قوي لأن النبي صلى الله عليه وآله لا يجب عليه أن يبين كل ما يختلف فيه ، فقد يكون بيانه موجباً لاختلافٍ أشد . وكذلك قول لبيد فقد قصد ببعض نفسه ، ولم يقصد أن كل نفس يرتبطها أجلها وحمامها .
2 . قال الراغب : « فهو مخير بين أن يُبين وبين ألا يُبين ، حسب ما يقتضي اجتهاده وحكمته » فإن كان يقصد به الله فلا يصح نسبة الإجتهاد اليه تعالى بإجماع المسلمين ، بل عمله عن علم وحكم . وإن كان يقصد النبي صلى الله عليه وآله فلا يصح نسبة الإجتهاد اليه حسب مذهب أهل البيت عليهم السلام ، لأن الله تعالى وصفه بأنه لا ينطق عن الهوى ، وأمره أن يحكم بينهم بما أراه من الحق .
3 . زعم الراغب أن البعوضة مشتقة من بعض ، وقَوَّاه الرازي في تفسيره « 2/136 » وقال البغوي في تفسيره « 1/58 » : « سميت بعوضة لأنها كانت بعض البق » . وهو مجرد استحسان ، فيبقى البعوض أصلاً مستقلاً حتى يدل دليل على خلافه .
بَعْلٌ - بعولة - بِعَال - استبعل
البَعْلُ : هو الذكر من الزوجين ، قال الله عز وجل : وَهذا بَعْلِي شَيْخاً « هود : 72 » . وجمعه بُعُولَة ، نحو فحل وفحولة . قال تعالى : وَبُعُولَتُهُنَّ أَحق بِرَدِّهِنَّ « البقرة : 228 » . ولما تُصُوِّرَ من الرجل الإستعلاء على المرأة فجُعل سائسها والقائم عليها كما قال تعالى : الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ « النساء : 34 » سُمِّيَ باسمه كل مُسْتَعْلٍ على غيره ، فسمى العرب معبودهم الذي يتقربون به إلى الله بَعْلاً ، لاعتقادهم ذلك فيه في نحو قوله تعالى : أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ « الصافات : 125 » ويقال : أتانا بَعْلُ هذه الدابة أي المستعلي عليها . وقيل للأرض المستعلية
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 128 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
على غيرها بَعْلٌ ، ولفحل النخل بَعْلٌ تشبيهاً بالبعل من الرجال ، ولِما عظم حتى يشرب بعروقه بعلٌ لاستعلائه ، قال صلى الله عليه وآله : فيما سقي بَعْلاً ، العشر .
ولما كانت وطأة العالي على المستولى عليه مستثقلة في النفس ، قيل : أصبح فلان بَعْلًا على أهله ، أي ثقيلاً لعلوِّه عليهم .
وبُنِيَ من لفظ البعل المُبَاعَلَة والبِعَال كناية عن الجماع ، وبَعَلَ الرجل يَبْعَلُ بُعُولَةً ، واسْتَبْعَلَ فهو بَعْلٌ ومُسْتَبْعِلٌ : إذا صار بعلاً ، واستبعل النخل : عَظُم . وتُصُوِّرَ من البعل الذي هو النخل قيامه في مكانه ، فقيل : بَعِلَ فلانٌ بأمره : إذا أدهش وثبت مكانه ثبوت النخل في مقرِّه ، وذلك كقولهم : ما هو إلا شجر ، فيمن لا يبرح .
ملاحظات
1 . وردت مادة بعل في آيتين مضافاً الى الثلاث التي ذكرها الراغب : وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا . وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ .
2 . جعل الراغب « بعل » أصلاً واحداً بمعنى الإستعلاء وحاول إرجاع الفروع اليه ، مع أنه لفظ غير عربي ومعناه الرب والرئيس . قال في قاموس الكتاب المقدس/207 : « بيل : إسم أكادي لفظه بيلو وهو يقابل الإسم العبري : بعل ، وهو الإله الرئيس في بابل ، وكان يعرف أيضاً باسم مردوخ « اش46 : 1وإرميا50 : 2 و51 : 44 » وكان إله الشمس ، وإله الربيع » .
كما أخطأ الراغب ففسر : بَعِل الرجل باستعلى . وفسره في الفائق « 1/107 » : « العاجز الذي لا يهتدي لأمره » . وفي تاج العروس « 14/57 » : « دُهِشَ وفَرِقَ وبَرِمَ وعَيِىَ . والبَعِلَةُ : التي لاتُحْسِنُ لُبسَ الثِّيابِ ولا إصلاحَ شَأنِ النَّفْسِ ، وهي البَلْهاءُ » . فأي استعلاء في الجبن والعيِّ والبلَه والخبال !
كما فسر الراغب قول العرب : أتانا بَعْلُ هذه الدابة بمعنى المستعلي عليها . وفسره اللغويون بمعنى ربها وصاحبها . وفسر قولهم : أصبح بَعْلًا على أهله بالمستعلي ، وفسره اللغويون بالثقيل الكَلِّ على أهله !
3 . قال ابن فارس « 1/264 » : « بَعَلَ : أصول ثلاثة ، فالأول : الصاحب يقال للزوج بعل . وكانوا يسمون بعض الأصنام بعلاً . والأصل الثاني : جنس من الحيرة والدهش يقال : بعل الرجل إذا دُهش . والأصل الثالث : البعل من الأرض المرتفعة التي لا يصيبها المطر في السنة إلا مرة واحدة » . راجع : العين « 2/249 » .
بَغْتٌ - بغتَ - بغتةً - باغته - مباغتة
البَغْت : مفاجأة الشئ من حيث لايحتسب . قال تعالى : لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً « الأعراف : 187 » وقــال : بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً « الأنبياء : 40 » وقال : تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً « يوسف : 107 » ويقال : بَغَتَ كذا فهو بَاغِتٌ . قال الشاعر :
إذا بَغَتَتْ أشياءُ قد كان مثلُها
قديماً فلا تَعْتَدَّها بَغَتَاتِ
ملاحظات
1 . قال ابن فارس « 1/272 » : « بَغَتَ ، أصلٌ واحد لا يقاس عليه » أي لايفرع عليه إلا ما سمع . وقال ابن منظور « 2/11 » : « ويقال : لَسْتُ آمَنُ من بَغَتَاتِ العَدُوِّ أَي فَجَآتِه » .
2 . استعملت البغتة في القرآن لمجئ القيامة : بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ . وللعذاب : مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً . واستعملت لظهـــور المهـدي عليه السلام قال النبي صلى الله عليه وآله : « مثل القائم من ولدي مثل الساعة ، قال الله تعالى : يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّـاعَةِ . . لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً » . « كفاية الأثر/277 » . وفسر بها الإمام الباقر عليه السلام الآية : أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ : يعني
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 129 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قيام القائم » . « البصائر/78 » . وتستعمل كثيراً لمجئ الموت ، قال الإمام الصادق عليه السلام : « إنكم في آجال مقبوضة وأيام معدودة ، والموت يأتي بغتة » . « الكافى : 2/458 » .
ويستعمل الناس وصف المبغوت ، أي المذهول من مفاجأة المصيبة ، والدعاء عليه بأن يبغته الله ، أي يفجأه بعقوبة .
بُغْضٌ - بغضاً - بغضاء
البُغْض : نِفَارُ النفس عن الشئ الذي ترغب عنه ، وهو ضد الحُب ، فإن الحُب انجذاب النفس إلى الشئ الذي ترغب فيه . يقال : بَغُضَ الشئ بُغْضاً ، وبَغَضْتُه بَغْضَاء . قال الله عز وجل : وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ . « المائدة : 64 » وقال : إنما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ « المائدة : 91 » وقوله عليه السلام : إن الله تعالى يبغض الفاحش المتفحّش . فذكر بغضه له تنبيه على بعد فيضه وتوفيق إحسانه منه .
ملاحظات
1 . قال الخليل « 4/369 » : « البِغضة والبغضاء : شدة البغض . وقد بَغُضَ بُغاضةً فهو بغيض ، وبغض إليَّ بِغضةً وبُغاضة » . وقد وردت البغضاء في بطانة السوء : وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ .
والبغضاء بين اليهود : وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وبين النصارى : أَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وبغضاء الخمر والميسر : أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ .
وبغضاء إبراهيم ومن معه لكفار قومهم : إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ .
2 . الفرق بين البغض والمقت والشنآن ، أن البغض : نفرة من الشئ ، والمقت : بغض للشخص بسبب أمر قبيح ، والشنآن : بغض مع شناءة أي حساسية وطلب عيبه .
قال الخليل « 5/132 » : « المقت بغض عن أمر قبيح ركبه ، فهو مقيت » .
وقال ابن منظور « 2/90 » : « المَقْتُ بُغْضٌ عن أَمر قبيح رَكِبَه فهو مَقِيتٌ . . قوله تعالى : ولا تَنْكِحُوا ما نَكح آباؤُكم من النساء إِلَّا ما قد سَلَف إِنه كان فاحشةً ومَقْتاً وساءَ سبيلَّا . . . وقال قتادة في قوله : لمَقْتُ الله أَكْبر من مَقْتِكم أَنْفُسَكم؛ قال : يقول لمَقْتُ الله إِياكم حين دُعِيتُم إِلى الإِيمان فلم تؤْمنوا ، أَكبرُ من مَقْتكْم أَنفسَكم حين رأَيتم العذاب » .
وقال ابن منظور « 12/92 » : « وقوله عز وجل : ولا يَجْرِمَنَّكم شنَآنُ قوم : ولا يَحْمِلَنَّكم بُغْضُ قوم أن تَعْتَدُوا »
وقال أبو هلال/352 : « الشنآن . . طلب العيب على فعل الغير لما سبق من عداوته » .
بَغْل - تبغَّلَ
قال الله تعالى : وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ « النحل : 8 » والبَغْل : المتولد من بين الحمار والفرس .
وتَبَغَّلَ البعير : تشبه به في سعة مشيه ، وتُصُوِّرَ منه عرامته وخبثه ، فقيل في صفة النذل : هو بغل .
ملاحظات
قال ابن فارس « 1/271 » : « والذي نذهب إليه أن التبغيل مشتق من سير البغل » . وفي أساس البلاغة/56 : « فلانة أعقر من بغلة » .
وفي الخرائج « 1/243 » أن ابن عباس قال لعائشة لما ركبت على بغل لتمنع دفن الإمام الحسن عليه السلام عند
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 130 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جده صلى الله عليه وآله : « يوماً تجملت ، ويوماً تَبَغَّلْت ، وإن عشت تَفَيَّلْتِ » .
بَغْيٌ - بغياً - ابتغى - ابتغاء - أبغاهُ - بغت - ينبغي
البَغْي : طلب تجاوز الإقتصاد فيما يتحرَّى ، تجاوزه أم لم يتجاوزه . فتارةً يعتبر في القدر الذي هو الكمية ، وتارة يعتبر في الوصف الذي هو الكيفية ، يقال : بَغَيْتُ الشئ إذا طلبت أكثر ما يجب ، وابْتَغَيْتُ كذلك .
قال الله عز وجل : لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ « التوبة : 48 « وقال تعالى : يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ « التوبة : 47 » .
والبَغْيُ على ضربين : أحدهما محمود ، وهو تجاوز العدل إلى الإحسان ، والفرض إلى التطوع .
والثاني مذموم ، وهو تجاوز الحق إلى الباطل ، أو تجاوزه إلى الشَّبه ، كما قال عليه الصلاة والسلام : الحق بَيِّنٌ والباطل بَيِّنٌ ، وبين ذلك أمور مشتبهات ، ومن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه .
ولأن البغي قد يكون محموداً ومذموماً ، قال تعالى : إنمَا السَّبِيـلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحق « الشوري : 42 » فخصَّ العقوبة ببغيه بغير الحق .
وأَبْغَيْتُك : أعنتك على طلبه ، وبَغَى الجرح : تجاوز الحد في فساده . وبَغَتِ المرأة بِغَاءً : إذا فجرت ، وذلك لتجاوزها إلى ما ليس لها . قال عز وجل : وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً « النور : 33 » .
وبَغَتِ السماء : تجاوزت في المطر حد المحتاج إليه . وبَغَى : تكبَّر ، وذلك لتجاوزه منزلته إلى ما ليس له ، ويستعمل ذلك في أي أمر كـان . قـــال تعــالى : يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحق « الشوري : 42 » وقال تعالى : إنما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ « يونس : 23 » ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ الله « الحج : 60 » إن قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ « القصص : 76 » وقـــال : فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي « الحجرات : 9 » . فالبغي في أكثر المواضع مذموم .
وقولـه : غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ « البقرة : 173 » أي غير طالب ما ليس له طلبه ولا متجاوز لما رسم له . قال الحسن : غير متناول للذة ولا متجاوز سد الجوعة . وقال مجاهد : غير باغ على إمام ، ولا عاد في المعصية طريق الحق .
وأما الإبتغاء : فقد خُصَّ بالإجتهاد في الطلب فمتى كان الطلب لشئ محمود فالإبتغاء فيه محمود نحو : ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ « الإسراء : 28 » وابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى « الليل : 20 » .
وقولهم : يَنْبغي مطاوع بغى ، فإذا قيل : ينبغي أن يكون كذا فيقال على وجهين : أحدهما ما يكون مسخراً للفعل نحو : النار ينبغي أن تحرق الثوب . والثاني : على معنى الإستئهال نحو : فلان ينبغي أن يعطى لكرمه . وقوله تعالى : وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ « يس : 69 » على الأول ، فإن معناه لا يتسخر ولا يستأهل له ، ألا ترى إن لسانه لم يكن يجري به . وقوله تعالى : وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي . « صاد : 35 » .
ملاحظات
1 . جعل الراغب بَغَى كلها بمعنى التجاوز ، ثم جعل منها بغياً محموداً ! ثم أرجع إليها بعض فروعها وعجز عن الباقي ! وأجاد ابن فارس بقوله « 1/271 » : « بغى : أصلان : أحدهما طلب الشئ ، والثاني جنسٌ من الفساد . فمن الأول : بغيت الشئ أبغيه إذا طلبته . وأبغيتك الشئ إذا أعنتك على طلبه . والبُغْيَة والبَغْيَة : الحاجة . والأصل الثاني : قولهم بغى الجرح ، إذا ترامى إلى فساد ، ثم يشتق من هذا ما بعده . فالبغِيُّ : الفاجرة ، تقول : بغت تبغي بِغَاءً وهي بغي . ومنه أن يبغي الإنسان على آخر . ومنه بَغْيُ المطر وهو شدته ومعظمه . وإذا كان ذا بغي فلا بد أن يقع
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 131 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
منه فساد . والبغي الظلم » .
وقال الخليل : « 4/453 » : « بغى بغاء ، أي فجر . والبَغْيَة : نقيض الرَّشْدَة في الولد ، يقال : هو ابن بَغْيَة . والبُغْيَة : مصدر الإبتغاء » .
2 . أما ما فهمه الراغب من وجود بغي بحق لقوله تعالى : وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحق . فهو بغيٌ مجازاً مثل الإعتداء المجازي في قوله تعالى : فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ . وقد يكون كلاماً لامفهوم له مثل قوله تعالى : وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَق . لأنه لايوجد قتل نبيين بحق !
3 . استعمل القرآن بغى ومشتقاتها بشكل واسع بمعنى طلب وتحرى ، وليس فيها مذمة ، إلا إذا تعدت بحرف على وشبهه فصارت بغى عليهم فتصير بمعنى اعتدى وظلم . فبغى فعل مشترك بين الطلب والعدوان ، أما ابتغى فهو متمحض بالطلب ولا يتضمن العدوان .
4 . ابتكر القرآن فعلاً للبغي عن حسد ، واستعمله لبغي الصحابة والناس بعد الأنبياء خاصة ، فقال تعالى : كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ .
وقال : وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ .
وقال : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الآسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ .
وقال : وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ . فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ .
وقال : أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا .
ولم أجد تعبير بغياً بينهم قبل الإسلام ، وهو يشير الى تعدد أطرافه والى أن سببه التحاسد .
5 . ورد البغي في القرآن بمعنى الطلب ، وبمعنى الظلم . ومن أبرز استعمالاته :
التشديد في تحريم البغي : قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحق .
والبغي يعود على أصحابه : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ .
ومنه بغيُ الأثريــاء : إِنَّ قَارُونَ كَأن مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ .
ومنه بغيُ الناس : وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ .
وبغي الصحابة بعد كل رسول : تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ . . وَلَوْ شَـــاءَ اللهُ مَا اقْتَتَــلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ .
وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ .
وَمَا تَفَرَّقُـوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ .
وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ .
وبغي الحسد لرسول الله صلى الله عليه وآله : بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَــهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِــهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ .
وقد تعهد الله بنصر أهل البيت عليهم السلام لأنهم بُغِيَ عليهم : وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْىُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ . .
وهي مفسرة بالمهدي عليه السلام وكذا آية : ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 132 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِىَ عَلَيهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ .
وقال تعالى في وجوب مساعدة المبغي عليهم : وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُـوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الآخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِى حَتَّى تَفِئَ إِلَى أَمْرِ اللهِ .
وبَيَّنَ أن سد أبواب الحلال يدفع الى البغي : وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا .
واستعمل الإبتغاء : بمعنى الهدف من العمل ، وقد يكون ممدوحاً : و إما تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورًا . وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَ اللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ . وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ . وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ . وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا . وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلا ابْتِغَـاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى . وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ الله . وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ . إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي .
وقد يكون الإبتغاء مذموماً : فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأوِيلِهِ .
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ .
بَقَرَ - بَقْراً - باقر - بَيْقَر - بَقِّيرَى
البَقَر : واحدته بَقَرَة . قال الله تعالى : إن الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا « البقرة : 70 » وقال : بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ « البقرة : 68 » بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها « البقرة : 69 » .
ويقال في جمعه : بَاقِر كحامل . وبَقِير كحكيم . وقيل : بَيْقُور ، وقيل للذكر : ثور ، وذلك نحو : جمل وناقة ، ورجل وامرأة . واشتق من لفظه لفظٌ لفعله فقيل : بَقَرَ الأرض أي شق ، ولما كان شقه واسعاً استعمل في كل شق واسع . يقال : بَقَرْتُ بطنه إذا شققته شقاً واسعاً .
وسمي محمد بن علي رضي الله عنه بَاقِراً لتوسعه في دقائق العلوم وبَقْرِه بواطنها .
وبَيْقَرَ الرجل في المال وفي غيره : اتسع فيه ، وبَيْقَرَ في سفره ، إذا شقّ أرضاً إلى أرض متوسعاً في سيره ، قال الشاعر :
ألا هل أتاها والحوادثُ جَمَّةٌ
بأنَّ امرئِ القيسِ بنِ تَمْلِكَ بَيْقَرَا
وبَقَّرَ الصبيان : إذا لعبوا البقِّيرى ، وذلك إذا بقَّروا حولهم حفائر . والبَيْقَرَان : نبت ، قيل إنه يشق الأرض لخروجه ويشقه بعروقه .
ملاحظات
1 . جعل الراغب أصل هذه المادة البقرة ، وتكلف في افتراض مناسبات لاشتقاق فروعها منها ! والصحيح ما ذهب اليه عدد من اللغويين من أن أصلها بَقَرَ بمعنى شَقَّ ، وهي تناسب اشتقاق فروعها منها . وقد أصاب ابن فارس حيث جعله أصلين : البقر بمعنى الشق ، والتبقر بمعنى التوسع ، قال « 1/277 » : « وربما جمع ناس بينهما وزعموا أنه أصل واحد . ومن جمع بينهما ذهب إلى أن البَقَر سميت لأنها تبقر الأرض ، وليس بشئ » . وقال الجوهري « 2/594 » : « التبقر : التوسع في العلم والمال . وكان يقال لمحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام الباقر ، لتبقره في العلم » .
وقال الزبيدي « 6/105 » : « وفي اللسان : لأنه بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه . قلت : وقد ورد في بعض الآثار عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وآله قال له : يوشك أن تبقى حتى تلقى ولداً لي من الحسين يقال له محمد ، يبقر العلم بقراً ، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 133 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خرَّجه أئمة النسب » .
2 . ذُكر البَقَر في القرآن بضع مرات ، أهمها بقرة بني إسرائيل التي سميت بها أطول سورة في القرآن ، وهي مثلٌ لمجادلة البشـر في الأمر الإلهي : وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَامُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُـوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً . . الآيات .
وذكر البقرات السبع في منام فرعـون : وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَاكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ . . الى آخر الآيات .
بَقَلَ - بقْل - بقلاً - أبقلَ - مَبْقَل - مَبقلة
قوله تعالى : بَقْلِها وَقِثَّائِها « البقرة : 61 » : البَقْلُ : ما لا ينبت أصله وفرعه في الشتاء . وقد اشتق من لفظه لفظُ الفعل فقيل : بَقَل ، أي نبت ، وبَقَل وجه الصبي تشبيهاً به ، وكذا بَقَلَ ناب البعير ، قاله ابن السكِّيت . وأَبْقَلَ المكان : صار ذا بقل فهو مُبْقِلٌ ، وبَقَلْتُ البقل جززته ، والمَبْقَلَة موضعه .
ملاحظات
1 . ورد البقل في آية واحدة : فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا . 2 . لايصح تعريف الراغب للبقل ، وقد ذكر علماء النبات أن العائلة البقولية من أكبر العائلات النباتية ، فهي تضم نحو690جنساً وحوالي 1800 نوعاً . وعَرَّفَ الخليل البقل « 5/170 » بأنه : « ما ليس بشجر دَقَّ ولا جَلَّ . وفرق ما بين البقل ودق الشجر أن البقل إذا رعي لم يبق له ساق ، والشجر تبقى له سوق وإن دقت . وابتقل القوم إذا رعوا البقل . وأبقلت الأرض فهي مبقلة ، أي أنبتت البقل . ويقال للأمرد إذا خرج وجهه : قد بقل وجهه . وباقل : إسم رجل يوصف بالعَيِّ » .
وتمييزه للبقل عن الشجر بأنه إذا رعي لم يبق منه شئ ، لا يصح ، فقد يبقى شئ من البقل بعد الرعي . ومن جهة أخرى فقد سمى الله تعالى اليقطين شجراً فقال : وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ، مع أنه في ظاهره بقل .
بَقِيَ - بقاءً - باقٍ - باقية
البَقَاء : ثبات الشئ على حاله الأولى وهو يضاد الفناء ، وقد بَقِيَ بَقَاءً . وقيل بَقَى في الماضي موضع بَقِيَ ، وفي الحديث : بَقَيْنَا رسول الله ، أي انتظرناه وترصدنا له مدة كثيرة .
والباقي ضربان : باقٍ بنفسه لا إلى مدة وهو الباري تعالى ، ولا يصح عليه الفناء .
وباقٍ بغيره وهو ما عداه ، ويصح عليه الفناء .
والباقي بالله ضربان : باق بشخصه إلى أن يشاء الله أن يفنيه ، كبقاء الأجرام السماوية . وباق بنوعه وجنسه دون شخصه وجزئه كالإنسان والحيوان . وكذا في الآخرة ، باق بشخصه كأهل الجنة ، فإنهم يبقون على التأبيد لا إلى مدة كما قال عز وجل : خالِدِينَ فِيها « البقرة : 162 » . والآخر : بنوعه وجنسه كما روي عن النبي : إن ثمار أهل الجنة يقطفها أهلها ويأكلونها ثم تخلف مكانها مثلها .
ولكون ما في الآخرة دائماً قال الله عز وجل : وَما عِنْدَ الله خَيْرٌ وَأَبْقى « القصص : 60 » .
وقولـه تعالى : وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ « الكهف : 46 » أي ما يبقى ثوابه للإنسان من الأعمال ، وقد فُسِّربأنها الصلوات الخمس ، وقيل : سبحان الله والحمد لله ، والصحيح أنها كل عبادة يقصد بها وجه الله تعالى ، وعلى هذا قوله : بَقِيَّتُ الله خَيْرٌ لَكُمْ « هود : 86 » وأضافهــا إلى الله تعالى تعظيماً له نحو : بيت الله . وقيل : أشار إلى ثوابه وما أعد لصالحي عباده مما لا يلحقه الفناء ، وهو المشار إليه بقوله تعالى : وَإن الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ « العنكبوت : 64 » .
وقوله تعالى : فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ « الحاقة : 8 » أي جماعةٍ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 134 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
باقية أو فَعْلَةٍ لهم باقية . وقيل معناه بقية ، قال : وقد جاء من المصادر ما هو على فاعل ، وما هو على بناء مفعول . والأول أصح .
ملاحظات
1 . قال شيخنا المرجع الصافي مد ظله : سقط من عبارة الراغب هنا : تعظيماً له . . الخ . وأضيفت الى عبارته في تسمية والدي البكر ، وليس محلها هناك ، بل هنا . لذلك وضعناها بين معقوفين .
2 . قال الخليل « 5/230 » : « بقي الشئ يبقى بقاءً وهو ضد الفناء ، يقال : ما بقيت منه بقية . وبَقَا يَبْقَى : لغة طئ ، وكل ياء مكسورة في الفعل يجعلونها ألفاً . واستبقيت فلاناً ، إذا أوجبت عليه قتلاً وعفوت عنه . في معنى عفوت عن زللـه واستبقيت مودته » . وقال ابن فارس « 1/276 » : « يقول العرب نشدتك الله والبُقْيَا ، وربما قالوا البَقْوَى . قال ابن السكيت : بَقَّيْتُ فلاناً أبقِّيه إذا رعيته وانتظرته . ومن ذلك حديث معاذ : بَقَّيْنَا رسول الله صلى الله عليه وآله يريد انتظرناه » .
3 . ما ذكره الراغب عن أنواع البقاء وبقاء الله تعالى والبقاء بالله ، خارج عن مفردات القرآن . وقد ورد البقاء في القرآن لبقاء المخلوقات من الأشخاص والأفعال والأشياء ، وليس فيها عن بقاء الله تعالى ، إلا قول السحرة الآتي على تفسير له .
وقد ورد لبقاء عطاء الله : مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ . وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى . وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى . ولبيان شدة عذاب الآخرة : وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى .
ولبقاء كلمة التوحيد في الأئمة من ذرية إبراهيم عليه السلام : وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ .
وللأعمال الباقية : وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً .
ولما بقي من الربا : وَذَرُوا مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .
ولقوم عاد : فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ . وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأولى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى . والباقية غير البقية ، لأن عاداً بقيت منهم بقية ، وروي عن علي عليه السلام أن جرهم بقايا عاد ، وثقيفاً بقايا ثمود .
كما استعملت البقية لمواريث موسى وهارون : وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ .
ولأصحاب العقل : أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ .
أما قول السحرة : وَ اللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى . فالظاهـر أن المقصود به كقوله تعالى : وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى .
وكذا قوله تعالى : كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالآكْرَامِ . فالمقصود بوجهه ليس ذاته عز وجل بل حججه وأولياؤه . وهم النبي وآله صلى الله عليه وآله فهم المستثنون من الهلاك بدليل قوله تعالى : كُلُّ شَئٍْ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ . لأنه لايصح جعل معناها إن ذات الله تعالى تهلك إلا وجهه ، كما زعم الوهابية !
4 . استعمل نبي الله شعيب عليه السلام تعبير بقية الله ، لما بقي مـن ربـح حلال : بَقِيّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُـمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . وهي قاعـدة عامة تعني : أن كل ما أبقاه الله تعالى للإنسان بعد ذهاب غيره خيرٌ له . وعُبِّرَ بها عمن بقي من الأئمة بعد ذهاب الماضين منهم عليهم السلام ، فقال الإمام الكاظم عن ولده الإمام الرضا عليهما السلام عندما وُلد : « هنيئاً لك يا نجمةُ كرامة ربك . . خذيه فإنه بقيةُ الله تعالى في أرضه » . « عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1/30 » .
كما سُمِّيَ بها الإمام المهدي عليه السلام لأنه آخر من أبقاه الله من الأئمة والحجج عليهم السلام ، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع عنده ثلاث مائة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 135 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وثلاثة عشر رجلاً ، وأول ما ينطق به هذه الآية : بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، ثم يقول : أنا بقية الله وحجته وخليفته عليكم . فلا يسلم عليه مسلم إلا قال : السلام عليك يا بقية الله في أرضه » .
بَكَّ - بكَّهُ - تَبَاكٌّوا
بَكَّةُ : هي مكة عن مجاهد ، وجعله نحو : سَبَدَ رأسَهُ وسَمَدَهُ ، وضَرْبَةُ لازبٍ ولازم ، في كون الباء بدلاً من الميم . قال عز وجل : إن أول بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً « آل عمران : 96 » . وقيل : بطن مكة .
وقيل هي إسم المسجد . وقيل هي البيت . وقيل : هي حيث الطواف .
وسُمِّيَ بذلك من التَّبَاكّ أي الإزدحام ، لأن الناس يزدحمون فيه للطواف . وقيل : سميت مكّة بَكَّة لأنها تبكُّ أعناق الجبابرة إذا ألحدوا فيها بظلم .
ملاحظات
قال أكثر اللغويين إن بَكَّة مرادفة لمكة ، وقال بعضهم : بكة موضع البيت ، ومكة البلد . واتفقوا على أن سبب تسميتها ببكة أن الناس يزدحمون فيها فيدفع بعضهم بعضاً . قال ابن فارس « 1/186 » : « بكة : أصل يجمع التزاحم والمغالبة . قال ابن الإعرابي : تباكَّت الإبل ، إذا ازدحمت على الماء فشربت » .
وسأل معاوية بن عمار الصادق عليه السلام : « أقوم أصلي بمكة والمرأة بين يديَّ جالسة أو مارة؟ فقال : لا بأس إنما سميت بكة . لأن الناس يبكُّ بعضهم بعضاً بالأيدي . وكانت تسمى بكة لأنها تَبُكُّ أعناق الباغين إذا بغوا فيها ، وتسمى بَسَّاسَة كانوا إذا ظلموا فيها بَسَّتْهم ، وأهلكتهم » . « الكافي : 4/211و526 » .
ويشير قوله عليه السلام الأخير الى أن عقوبة الباغين فيها كانت في الماضي فورية لا تأخير فيها .
بَكَرَ - بُكرةً - بكوراً - بِكْر - بَكَرَة
أصل الكلمة : هي البُكْرَة التي هي أول النهار فاشتق من لفظه لفظ الفعل ، فقيل : بَكَرَ فلان بُكُوراً ، إذا خرج بُكْرَةً .
والبَكُور : المبالغ في البكرة . وبَكَّر في حاجته وابْتَكَر وبَاكَرَ مُبَاكَرَةً . وتُصُوِّر منها معنى التعجيل لتقدمها على سائر أوقات النهار ، فقيل لكل متعجل في أمر : بِكْر ، قال الشاعر :
بَكَرَتْ تَلُومُك بعدَ وَهْنٍ في النَّدى
بَسَلٌ عليك ملامتي وعتابي
وسمي أول الولد بِكْراً ، وكذلك أبواه في ولادته إياه [تعظيماً له ، نحو : بيت الله . وقيل : أشار إلى ثوابه وما أعد لصالحي عباده مما لا يلحقه الفناء ، وهو المشار إليه بقوله تعـالى : وَإن الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ] « العنكبوت : 64 »
قال الشاعر :
يا بِكرُ بِكريْنِ وَيَا خُلَّبَ الكَبدِ
فبِكر في قوله تعالى : لاَ فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ « البقرة : 68 » هي التي لم تلد . وسميت التي لم تفتض بكراً اعتباراً بالثيب ، لتقدمها عليها فيما يراد له النساء ، وجمع البِكر أبكار ، قال تعالى : إنا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً « الواقعة : 35 » . والبَكَرَة : المحالة الصغيرة لتصوُّرِ السرعة فيها .
ملاحظات
1 . معنى البيت الذي استشهد به : إن فلانة بكَّرت عليك في اللوم على نداك وكرمك ، وأنت الكريم ، فحرام عليَّ أن ألومك .
2 . قول الراغب : وكذلك أبواه في ولادته إياه تعظيماً له . أن الوالدين يسميان بِكرَيْن أيضاً تعظيماً لابنهم كما عُظِّمَ البيت فسمي بيت الله . وتقدم قول شيخنا المرجع الصافي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 136 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مد ظله : إن قوله تعظيماً . . الخ . زائد هنا ، وقد سقط من مادة بقي . ويدل عليه أن عبارته هناك تتم به . ولذا جعلناه في المكانين .
3 . جعل الراغب هذه المادة من أصل واحد هو البُكْرة أول النهار ، ولايمكن إرجاع فروعها اليها ، فكيف نربط بها بَكَرَة البئر بالإبن البكر ، والبنت الباكر ! وقد حاول ابن فارس « 1/187 » توسيع البُكْرَة عن النهار لتشمل فروع المادة فلم يحالفه التوفيق .
بُكْمٌ - أبكم- بَكِم
قال عز وجل : صُمٌّ بُكْمٌ « البقرة : 18 » جمع أَبْكَم ، وهو الذي يولد أخرس ، فكل أبكم أخرس وليس كل أخرس أبكم ، قال تعالى : وَضَرَبَ الله مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَئ « النحل : 76 » ويقال : بَكِمَ عن الكلام : إذا ضعف عنه لضعف عقله ، فصار كالأبكم .
ملاحظات
استعمل القرآن مادة بكم ، في ست آيات : للمنافقين الذين اشتـــروا الضلالة بالهدى : إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ . صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ .
وللكافرين الذين لايسمعون كلام النبي صلى الله عليه وآله ولايريدون فهمه : مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُـمْ لا يَعْقِلُونَ . وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ .
ولنوع من الكفار أنكروا الآخرة : وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا .
ولمقارنة المؤمن المهتـدي بالأبكم العاجز : وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَئٍْ وَهُوَكَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِى هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ .
كما استعمل القرآن البكم مع الصم ، واستعملهما مفرديْن .
بَكَى - بكاء - باكون - بُكِيٌّ
بَكَى يَبْكِي بُكىً وبُكَاءً ، فالبكاء بالمد : سَيَلان الدمع عن حزن وعويل ، يقال إذا كان الصوت أغلب كالرُّغاء والثُّغاء ، وسائر هذه الأبنية الموضوعة للصوت . وبالقصر يقال إذا كان الحزن أغلب . وجمع البَاكِي بَاكُون وبُكِيٌّ ، قال الله تعالى : خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا « مريم : 58 » . وأصل بُكِيٍّ فُعُولٌ كقولهم : ساجد وسجود ، وراكع وركوع ، وقاعد وقعود ، لكن قلب الواو ياء فأدغم نحو : جاثٍ وجثيٌّ وعاتٍ وعتيٌّ .
وبكى : يقال في الحزن وإسالة الدمع معاً ، ويقال في كل واحد منهما منفرداً عن الآخر ، وقوله عز وجل : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً « التوبة : 82 » إشارة إلى الفرح والترح ، وإن لم تكن مع الضحك قهقهة ، ولامع البكاء إسالة دمع . وكذلك قوله تعالى : فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ « الدخان : 29 » .
وقد قيل : إن ذلك على الحقيقة ، وذلك قول من يجعل لهما حياة وعلماً ، وقيل : ذلك على المجاز ، وتقديره : فما بكت عليهم أهل السماء .
ملاحظات
1 . معنى قول الراغب : وبالقصر يقال إذا كان الحزن أغلب : أن البكاء بالألف الممدود يقال للبكاء الذي يغلب فيه الصوت ، لأنه من نوع أسماء الأصوات كالثغاء والرغاء . فإن لم يغلب فيه الصوت فهو بكا بدون همزة . لكنه تقسيم لايلتزم به العرب فتراهم يسمون البكاء الذي لا صوت فيه : بكاء ، بالمد . وقد أخذه الراغب من قول ابن فارس « 1/285 » : « قال النحويون : من قَصَرَهُ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 137 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أجراه مجرى الأدواء والأمراض ، ومن مَدَّه أجراه مجرى الأصوات كالثغاء والرغاء والدعاء » .
2 . ورد البكاء في سبع آيات ، ومواضيعها : أن الله خص الإنسان بالقدرة على الضحك والبكاء : وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى . وأن المؤمنين يبكون خشـوعاً : إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا .
وأن الفجار يضحكون : أَفَمِنْ هَذَا الحدِيثِ تَعْجَبُونَ . وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ .
وأن المنافقين سيبكون كثيراً : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَأنوا يَكْسِبُونَ .
وأن الأرض والسماء لا تبكيان على المجرمين : فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَأنوا مُنْظَرِينَ .
وفي بكاء إخوة يوسف كذباً : وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ .
بَلْ
بَلْ : كلمةٌ للتدارك ، وهو ضربان : ضرب يناقض ما بعده ما قبله ، لكن ربما يقصد به لتصحيح الحكم الذي بعده وإبطال ما قبله ، وربما يقصد تصحيح الذي قبله وإبطال الثاني . فمما قصد به تصحيح الثاني وإبطال الأول ، قوله تعالى : إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَسـاطِيرُ الأولينَ كلا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ « المطففين : 13 » أي ليس الأمر كما قالوا بل جهلوا ، فنبَّه بقوله رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ، على جهلهم . وعلى هذا قوله في قصة إبراهيم : قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ . « الأنبياء : 62 » .
وممّا قصد به تصحيح الأول وإبطال الثاني قوله تعالى : فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وإما إِذا مَـا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ كلا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ . « الفجر : 15 » أي ليس إعطاؤهم المال من الإكرام ، ولا منعهـم من الإهانة ، لكن جهلوا ذلك لوضعهم المال في غير موضعه . وعلى ذلك قولـه تعالى : صَ . وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عزةٍ وَشِقاقٍ . فإنه دلَّ بقوله : وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [على] أن القرآن مقرٌّ للتذكر ، وأن ليس امتناع الكفار من الإصغاء إليه أن ليس موضعاً للذكر بل لتعززهم ومشاقتهم .
وعلى هذا : قَ . وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا ، أي ليس امتناعهم من الإيمان بالقرآن أن لا مجد للقرآن ، ولكن لجهلهم . ونبَّه بقوله : بَلْ عَجِبُوا ، على جهلهم ، لأن التعجب من الشئ يقتضي الجهل بسببه . وعلى هذا قوله عز وجل : مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ كلا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ . « الإنفطـار : 6 » كأنه قيل : ليس هاهنا ما يقتضي أن يغرَّهم به تعالى ، ولكن تكذيبهم هو الذي حملهم على ما ارتكبوه .
والضرب الثاني من بل : هو أن يكون مُبَيِّناً للحكم الأول وزائداً عليه بما بعد بل ، نحو قوله تعالى : بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ « الأنبياء : 5 » فإنه نبه أنهم يقولـون : أَضْغـاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ ، يزيدون على ذلك أن الذي أتى به مفترى افتراه ، بل يزيدون فيدعون أنه كذاب فإن الشاعر في القرآن عبارة عن الكاذب بالطبع .
وعلى هذا قوله تعالى : لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ . « الأنبياء : 39 » أي لو يعلمون ما هو زائد عن الأول وأعظم منه ، وهو أن تأتيهم بغتة .
وجميع ما في القرآن من لفظ بل لايخرج من أحد هذين الوجهين ، وإن دقَّ الكلام في بعضه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 138 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
1 . أخذ الراغب شيئاً من النحاة واللغويين في بل ، وحصرها في قسمين ، وتصور أنه استوعبها !
2 . قال ابن هشام « 1/112 » : « بل : حرف إضراب فإن تلاها بجملة كان معنى الإضراب إما الإبطال نحو : وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ . أي بل هم عباد ، ونحو : أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحق .
وإما الإنتقال من غرض إلى آخر . ووهم ابن مالك إذ زعم في شرح كافيته أنها لا تقع في التنزيل إلا على هذا الوجه ، ومثاله : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّ . بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . ونحو : وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحق وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ . بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ . وهي في ذلك كله حرف ابتداء ، لا عاطفة على الصحيح » .
وقال الشهيد الثاني في مسالك الأفهام « 11/19 » في حكم من قال : له عليَّ ألف بل ألفان : « إعلم أن بل حرف إضراب بما بعدها عما قبلها وعدول عنه . ثم إن تقدمها إيجاب وتلاها مفرد ، جعلت ما قبلها كالمسكوت عنه فلا يحكم عليه بشئ ، وأثبتت الحكم لما بعدها . وحيث كان الأول إقراراً صحيحاً استقر حكمه بالإضراب عنه ، وثبت ما بعده أيضاً .
ثم إن كانا مختلفين أو معينين لم يقبل إضرابه ، لأنه إنكار للاقرار الأول وهو غير مسموع .
وإن كانا مطلقين ، أو أحدهما ، لزمه واحد ، إن اتحد مقدار ما قبل بل وما بعدها ، وإن اختلفا كمية ، لزمه الأكثر . وإن تقدمها نفي فهي لتقرير ما قبلها على حكمه ، وجعل ضده لما بعدها . . الخ » .
وقال المظفر في أصول الفقه « 1/179 » : « تستعمل في وجوه ثلاثة ، الأول : للدلالة على أن المضرب عنه وقع عن غفلة أو على نحو الغلط . ولا دلالة لها حينئذ على الحصر ، وهو واضح . الثاني : للدلالة على تأكيد المضرب عنه وتقريره ، نحو زيد عالم بل شاعر .
ولا دلالة لها أيضاً حينئذ على الحصر
الثالث : للدلالة على الردع وإبطال ما ثبت أولاً ، نحو : أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ ، بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ ، فتدل على الحصـر ، فيكون لها مفهوم ، وهذه الآية الكريمة تدل على انتفاء مجيئه بغير الحق » .
ثم وجد الفقهاء أن هذه الأقسام لا تستوعب استعمالات « بل » في القرآن والعربية فقال في المغني « 2/653 » : « قولهم : بل حرف إضراب . والصواب : حرف استدراك وإضراب فإنها بعد النفي والنهى بمنزلة لكن » .
وقال الشيخ الأنصاري في مطارح الأنظار/217 : « وكلمة بل في قوله : بل المقيد ، ليست للإضراب كما زعمه بعض الأجلة ، بل هي للترقي » .
3 . ومعنى قولهم : بل حرف إضراب أو استدراك أو ترقٍّ : أنها ناظرة الى لفظ ما قبلها ، ثم تستدرك عليه أو تضيف عليه وترتقي درجة . وهذا صحيح في استعمالها في القرآن ، لكن ما قبلها الذي تنظر اليه ، ليس اللفظ بالضـرورة ، فقد يكون أمراً مفهوماً من اللفظ ، أو مفهوماً من الحال ، وقد يكون قريباً من مضمون اللفظ أو بعيداً عنه . فهي تشبه قول المؤلفين « أقول ، أوقال المؤلف » الذي هو ناظر الى ما قبله ، لكن قد يُفَرِّع عليه أو ينفي ، وقد يثبت ، وقد يترقى ، وقد يستدرك أمراً ، أو يكشف جديداً . وقد يتناول الموضوع من زاوية جديدة . . الخ .
وهي تشبه تعبير « حقاً أقول » في الخطاب الإلهي في الأديان السابقة في السريانية . فقد رويَ في الحديث القدسي قول الله تعالى لعيسى عليه السلام « الكافي : 8/132 » : « يا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 139 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عيسى حقاً أقول : ما آمنت بي خليقة إلا خشعت لي ، ولا خشعت لي إلا رجت ثوابي » . كما روي قول الله تعالى لنبينا صلى الله عليه وآله : « حقاً أقول : يا محمد لأدخلن جميع أمتك الجنة ، إلا من أبى من خلقي » . « كمال الدين/250 » .
وفي قاموس الكتاب المقدس/7 : « وردت هذه العبارة : الحق أقول لكم ، مرات كثيرة في الأناجيل وهي في الأصل : آمين أقول لكم ، أو آمين آمين أقول لكم » . وآمين بالسريانية : حقاً .
4 . استعملت بل في القرآن : لنفي ما قبلها وإثبات ما بعدها محضاً ، كقوله تعالى : أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَالْحق .
ولرد ما قبلها وإثبات جديد : وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ .
ولإثبات ما قبلها وبيانه : إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ .
ولإثبات ما قبلها وإصدار الحكم عليه : إِنَّكُمْ لَتَاتُونَ الرِّجَـالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ .
وللترقي مع إثبات ما قبلها : يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ .
وللترقي بدون إثبات ما قبلها أو نفيه : وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ .
أو لإثبات ما قبلها ثم الترقي عنه : بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ . أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ .
وقد تثبت أمراً جديداً كقوله تعالى : أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأول بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ . كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ . أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ .
أو تكون ناظرة الى قضية تتعلق بمعنى ماقبلها : أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لايُوقِنُونَ .
أو ناظرة الى قضية مفهومة من الحال كقوله تعـالى : بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ . بَلْ هُوَقُرْآنٌ مَجِيدٌ .
أو استئنافاً لا علاقة لها بما قبلها إلا بقرائن الحال : بَلْ يُرِيدُ الآنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ . يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ .
وقد لايكون فيها إضراب ولا ترقٍّ بل تكون لتعليل ما قبلها : أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ .
ولتقرير حقيقة جديدة تتعلق بنحو ما بما قبلها : وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحق وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ . بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا . الى آخر استعمالاتها ، وهي أوسع مما ذكره الراغب .
بَلَد - بَلُدَ - بُلدان - بَلْدة - بُلْدة - أبلد - أبلدُ
البَلَد : المكان المحيط المحدود المتأثر باجتماع قطانه وإقامتهم فيه ، وجمعه : بِلَاد وبُلْدَان ، قال عز وجل : لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ « البلد : 1 » قيل يعني به مكة .
قال تعـالى : بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ « سبأ : 15 » فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً « الزخرف : 11 » وقال عـز وجل : فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ ميتٍ « الأعراف : 57 » رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً « البقرة : 126 » يعني مكة .
وتخصيص ذلك في أحد الموضعين وتنكيره في الموضع الآخر ، له موضع غير هذا الكتاب .
وسميت المفازة بلداً لكونها موطن الوحشيات . والمقبرة بلداً ، لكونها موطناً للأموات . والبَلْدَة : منزل من منازل القمر . والبُلْدَة : البلجة ما بين الحاجبين تشبيهاً بالبلد لتمددها . وسميت الكركرة بلدة لذلك . وربما استعير ذلك لصدر الإنسان ، ولاعتبار الأثر قيل : بجلده بَلَدٌ ، أي أثر ، وجمعه أَبْلَاد ، قال الشاعر :
وفي النُّحُورِ كُلُومٌ ذَاتُ أَبْلَادِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 140 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأَبْلَدَ الرجل : صار ذا بلد نحو : أنجد وأتهم . وبَلِدَ : لزم البلد . ولما كان اللازم لموطنه كثيراً ما يتحير إذا حصل في غير موطنه قيل للمتحير : بَلُدَ في أمره وأَبْلَدَ وتَبَلَّدَ ، قال الشاعر :
لا بدَّ للمحزونِ أنْ يتَبَلَّدَا
ولكثرة وجود البلادة فيمن كان جلف البدن قيل : رجل أبلد ، عبارة عن عظيم الخلق .
وقوله تعالى : وَالْبَلَدُ الطيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً . « الأعراف : 58 » كنايتان عن النفوس الطاهرة والنجسة فيما قيل .
ملاحظات
1 . لاحظ ضعف تعريف الراغب للبَلَد : « المكان المحيط المحدود المتأثر باجتماع قطانه وإقامتهم فيه » . وقوة تعريف الخليل « 8/42 » : « كل موضع متحيز من الأرض ، عامر أو غيرعامر ، خالٍ أو مسكون » .
2 . استعمل البلد في القرآن بمعنى القرية ، والبلدة ، والمدينة ، والدولة . واستعملت القرية بمعناها المعروف ، وبمعنى المدينـة ، والدولة ، والحضـــارة ، وأهلها . قال تعالى في المفسدين في البـــلاد : وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ . الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ . « الفجر : 7 » . لَايَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ .
وقال تعالى في نظام التبخير والإمطـار : وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ ميتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ .
وقال في تسخير الحيوانات : وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ .
وقال عن البلد الأمين مكة : وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا . لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ .
3 . تفريعات الراغب الأخيرة على البلد ضعيفة ولا تصح ، والله يعلم من أين أخذ قوله : وسميت المفازة بلداً لكونها موطن الوحشيات . والمقبرة بلداً ، لكونها موطناً للأموات . وقوله : والبُلْدَة : البلجة ما بين الحاجبين ، تشبيهاً بالبلد لتمددها . وسميت الكركرة بلدة لذلك . . الخ . . وهذا من الرجم بالظن ، لأن بلجة الحاجبين : » نقاوة ما بين الحاجبين ، يقال : رجل أبلج بيِّنُ البلج ، إذا لم يكن مقروناً . وفى حديث أم معبد في صفة النبي صلى الله عليه وآله : أبلج الوجه ، أي مشرقه » . « الصحاح : 1/300 » . فهي من إبدال الجيم دالاً . كما لم أجد أحداً سمى الكركرة بلدة ، بل : « الكركرة : رحى زور البعير ، والكراكر جمعها . والكركرة في الضحك فوق القرقرة » . « العين : 5/278 » .
بَلَسَ - أبلسَ - مبلاس - بلاس
الإِبْلَاس : الحزن المعترض من شدة اليأس ، يقال : أَبْلَسَ ، ومنه اشتق إبليس فيما قيل . قال عز وجل : وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ . « الروم : 12 » وقال تعالى : أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ « الأنعام : 44 » وقال تعالى : وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ . « الروم : 49 » .
ولما كان المبلس كثيراً ما يلزم السكوت وينسى ما يعنيه قيل : أَبْلَسَ فلان ، إذا سكت وإذا انقطعت حجته ، وأَبْلَسَتِ الناقة فهي مِبْلَاس ، إذالم ترع من شدة الضبعة . وأما البِلَاس : للمِسْح « البساط » ففارسيٌّ مُعَرَّب .
ملاحظات
1 . جعل الراغب الإبلاس ناتجاً من اليأس . وجعله الخليل سبباً لليأس فقال « 7/262 » : « المبلس : الكئيب الحزين المتندم » .
وجعله الجوهري مرادفاً للحزن والإنكسار ، قال « 3/909 » : « أبلس من رحمة الله : أي يئس ، ومنه سمى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 141 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إبليس ، وكان إسمه عزازيل . والإبلاس أيضاً : الإنكسار والحزن . يقال : أبلس فلان ، إذا سكت غماً » .
وجعله ابن فارس نفس اليأس ، قال « 1/299 » : « يقال : أبلس إذا يئس ، قال الله تعالى : فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ . قالوا : ومن ذلك اشتق إسم إبليس كأنه يئس من رحمة الله » . ونحن نأخذ بقول الخليل رحمه الله لدقته وخبرته ، وهو يشير الى أن إبلاس إبليس ناتج عن ندمه وكآبته وحزنه وتعقيده النفسي ، وهي كآبته لتفضيل آدم عليه السلام عليه !
2 . في معاني الأخبار / 138 ، عن الإمام الرضا عليه السلام : « إن إسم إبليس الحارث ، وإنما قول الله عز وجل : يا إبليس يا عاصي . وسمي إبليس ، لأنه أبلس من رحمة الله عز وجل » . وفي دعاء الإمام السجاد عليه السلام : « ولَا تَرُعْنِي رَوْعَةً أُبْلِسُ بِهَا ، ولَاخِيفَةً أُوجِسُ دُونَهَا » . « الصحيفة السجادية/230 » . فإبليس والشيطان صفتان كالإسمين ، وهما من شاط عن أمر ربه ، وأبلس من رحمة ربه . ولا شك في اشتقاقه من أبلس بمعنى يئس ، لأنه ورد على لسان النبي وآله صلى الله عليه وآله وهم أفصح من نطق بالضاد .
3 . في الكافي « 1/58 » : « أول من قاس إبليس حين قال : أَنَا خَيْرٌ مِنْه خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ، فقـــاس ما بين النار والطين . ولو قاس نورية آدم بنورية النار ، عرف فضل ما بين النورين » .
وفي نهج البلاغة « 2/138 » : « اعترضته الحمية فافتخر على آدم بخلقه وتعصب عليه لأصله . فعدو الله إمام المتعصبين وسلف المستكبرين ، الذي وضع أساس العصبية ونازع الله رداء الجبرية . ولو أراد الله أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه ، ويبهر العقول رواؤه ، وطيبٍ يأخذ الأنفاس عُرْفُهُ لفعل . ولو فعل لظلت له الأعناق خاضعة ، ولخفت البلوى فيه على الملائكة . ولكن الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله ، تمييزاً بالإختبار لهم ، ونفياً للإستكبار عنهم » .
بَلَعَ - ابتلع - بالوعة - بلَّع
قال عز وجل : يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ . « هود : 44 » من قولهم : بَلَعْتُ الشئ وابْتَلَعْتُه . ومنه : البَالُوعة . وسَعْدُ بُلَع : نجمٌ . وبَلَّعَ الشيب في رأسه : أول ما يظهر .
ملاحظات
وردت هذه المادة في آية واحدة ، في طوفان نوح عليه السلام . وذكر اللغويون أن البلع هو الإبتلاع والإزدراد . وقال الخليل « 2/156 » : « ابتلع الطعام أي لم يمضغه » . وجعله ابن فارس « 1/301 » بمعنى الإزدراد . والظاهر أن البلع والإبتلاع أعم مما كان عن مضغ أو بدونه ، أما الإزدراد فهو بلع دفعةً بدون مضغ ، فيكون معنى : يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ : إبلعيه دفعةً واحدة .
بَلَغَ - بلاغةً - بلاغاً - بلوغاً - بلَّغ- تبليغاً
البُلُوغ والبَلَاغ : الإنتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى ، مكاناً كان أو زماناً أو أمراً من الأمور المقدرة . وربما يعبر به عن المشارفة عليه وإن لم ينته إليه . فمن الإنتهاء : بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سنة . « الأحقاف : 15 » .
وقوله عز وجل : فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ « البقرة : 232 » وَمَا هُمْ بِبالِغِيهِ « غافر : 56 » فَلما بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ « الصافات : 102 » لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ « غافر : 36 » أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ « القلم : 39 » . أي منتهية في التوكيد .
والبَلَاغ : التبليغ ، نحو قولـــه عز وجــل : هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ « إبراهيـم : 52 » وقولـــه عز وجــل : بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ « الأحقاف : 35 » وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ « يس : 17 » فَإنما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ « الرعد : 40 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 142 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والبَلَاغ : الكفاية نحو قوله عز وجل : إن فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ « الأنبياء : 106 » وقوله عز وجل : وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ « المائدة : 67 » أي إن لم تبلغ هذا أو شيئاً مما حُمِّلْت تكن في حكم من لم يبلغ شيئاً من رسالته ، وذلك أن حكم الأنبياء وتكليفاتهم أشد ، وليس حكمهم كحكم سائر الناس الذين يُتَجَافى عنهم إذا خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً .
وأما قوله عز وجل : فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ « الطلاق : 2 » فللمشارفة ، فإنها إذا انتهت إلى أقصـى الأجل لا يصح للزوج مراجعتها وإمساكها .
ويقال : بَلَّغْتُهُ الخبر وأَبْلَغْتُهُ مثله ، وبلغته أكثر قال تعالى : أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي « الأعراف : 62 » وقال : يا أَيُّهَــا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ « المائدة : 67 » وقال عز وجل : فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ . « هود : 57 » وقال تعالى : بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ « آل عمــران : 40 » وفي موضع : وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا . « مريم : 8 » . وذلك نحو : أدركني الجهد وأدركت الجهد . ولا يصح : بَلَغَنِي المكان وأدركني .
والبلاغة : تقال على وجهين ، أحدهما : أن يكون بذاته بليغاً ، وذلك بأن يجمع ثلاثة أوصاف : صوباً في موضوع لغته ، وطبقاً للمعنى المقصود به ، وصدقاً في نفسه . ومتى اخترم وصف من ذلك كان ناقصاً في البلاغة .
والثاني : أن يكون بليغاً باعتبار القائل والمقول له ، وهو أن يقصد القائل أمراً فيورده على وجه حقيق أن يقبله المقول له ، وقوله تعالى : وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً « النساء : 63 » يصح حمله على المعنيين . وقول من قال : معناه قل لهم : إن أظهرتم ما في أنفسكم قتلتم . وقول من قال : خوفهم بمكاره تنزل بهم ، فإشارة إلى بعض ما يقتضيه عموم اللفظ . والبلغة : ما يُتَبَلَّغُ به من العيش .
ملاحظات
1 . ذكر اللغويون أن بَلَغَ أصلٌ واحد ، وهو الوصول الى الشئ ، كما قال ابن فارس . وهو أحسن من تعريف الراغب له : « الإنتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى » . وقال ابن فارس « 1/301 » : « وقد تسمى المشارفة بلوغاً . وكذلك البلاغة التي يمدح بها الفصيح اللسان لأنه يبلغ بها ما يريده » . أقول : فروعها المشهورة أربعة : التبليغ ، والبُلوغ ، والبَلاغة ، والبُلْغة . والكفاية التي ذكرها الراغب من البُلغة .
2 . استعمل القرآن بَلَّغَ ومشتقاته لإيصال الرسالات ، قال تعـالى : الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللهَ .
والبلاغ قانون عام للأنبياء عليهم السلام : فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ . فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ . فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ . وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ . ولم يسـتعمل التبليغ أبداً .
3 . استعمل القرآن بَلَغَ بمعنى وصل الى غايته وهدفه . وفي من بلغه القرآن ، وبلوغ الأطفال الحلم ، وبلوغهم سن الزواج ، وبلوغ الإنسان أشده ، وبلوغه أربعين سنة ، وبلوغ ذي القرنين مطلع الشمس ومغربها ، وبين السدين . وبلوغ موسى مجمع البحرين ، وبلوغ الإنسان الكبر ، وبلوغ القلوب الحناجر ، وبلوغ الروح الحلقوم والتراقي ، وبلوغ النساء أجل الطلاق ، وبلوغ الإنس والجن أجلهم في الحياة ، وبلوغ الهَدْيِ مَحِلَّه ، وبلوغ الكتاب أجلَه ، وبلوغ المأمن . . الخ .
4 . استعمل القرآن كلمة بليغ فقط في قوله تعالى : وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغــاً . وقـال علي عليه السلام : « لا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 143 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تجعلن ذرب لسانك على من أنطقك ، وبلاغة قولك على من ســددك » « نهج البلاغة : 4/96 » . وقال الإمام السجاد عليه السلام : « فأسألك ببلاغة حكمتك ونفاذ مشيتك » . « الصحيفة/404 » .
5 . تعريف الراغب للبلاغة فيه إشكال ، وقد اختلفوا فيه وأطالوا حتى خرجوا عن البلاغة . وتعريفها المشهور بين الطلبة : مطابقةُ الكلام لمقتضى الحال . وهو على اختصاره وبلاغته مجمل ، وأضاف له بعضهم : مع الفصاحة .
وقال التفتازاني في مختصر المعاني « 1/24 » : « البلاغة في المتكلم ملكة يَقتدر بها على تأليف كلام بليغ . . ليس كل فصيح بليغاً لجواز أن يكون كلامٌ فصيح غير مطابق لمقتضى الحال » . فالمتفق عليه : أن البلاغة كلامٌ مميز في ألفاظه ومعانيه ، يشهد له العارفون باللغة .
6 . قال الراغب : والبَلَاغ : الكفاية ، نحو قوله عز وجل : إن فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ . لكنه في الآية أعم من التبليغ والكفاية . ثم فسر آية : وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ، بقوله : إن لم تبلغ هذا أو شيئاً مما حُمِّلْت ، تكن في حكم من لم يبلغ شيئاً من رسالته ، وذلك أن حكم الأنبياء وتكليفاتهم أشد ، وليس حكمهم كحكم سائر الناس الذين يُتَجَافى عنهم إذا خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً .
لكن الصحيح أنه لا يكون مبلغاً للرسالة حقيقةً وليس في حكمه ، قال البيضاوي « 2/136 » : « فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَه ، فما أديت شيئاً منها » . وقال ابن جزي في التسهيل « 1/238 » : « إن تركت منه شيئاً فكأنك لم تبلغ شيئاً ، وصار مابلغت لايعتد به » .
أما قوله : إن لم تبلغ هذا أو شيئاً مما حملت ، فغرضه أن يعمم الحكم الى غير ولاية علي عليه السلام ولا يجعل لها خصوصية ! مع أنه صلى الله عليه وآله أُمِر بتبليغ أمرٍ مهم يعادل الرسالة وهو إعلان ولاية علي عليه السلام وقد استوفينا بحثه في كتاب : آيات الغدير .
بَلِيَ - بلىً - أبلاه - بَلَوْتُه
يقال : بَلِيَ الثوب بِلًى وبَلَاءً ، أي خَلِقَ . ومنه قيل لمن سافر : بِلْوُ سفر وبِلْيُ سفر ، أي أبلاه السفر . وبَلَوْتُهُ : اختبرته كأني أخلقته من كثرة اختباري له ، وقرئ : هُنالِكَ تَبْلُو كل نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ . « يونس : 30 » أي تعرف حقيقة ما عملت ، ولذلك قيل : بلوت فلاناً إذا اختبرته .
وسميَ الغم بلاءً من حيث إنه يُبلي الجسم ، قال تعالى : وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ « البقرة : 49 » وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَئ مِنَ الْخَوْفِ . . الآية . « البقرة : 155 » وقال عز وجل : إن هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ « الصافات : 106 » .
وسمي التكليف بلاءً من أوجه ، أحدها : أن التكاليف كلها مشاق على الأبدان ، فصارت من هذا الوجه بلاء . والثاني : أنها اختبارات ، ولهذا قال الله عز وجل : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ « محمد : 31 » .
والثالث : إن اختبار الله تعالى للعباد تارةً بالمسَارِّ ليشكروا ، وتارة بالمضارِّ ليصبروا ، فصارت المحنة والمنحة جميعاً بلاء ، فالمحنة مقتضية للصبر والمنحة مقتضية للشكر . والقيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر ، فصارت المنحة أعظم البلاءين . وبهذا النظر قال عمر : بلينا بالضراء فصبرنا ، وبلينا بالسراء فلم نشكر . ولهذا قال أمير المؤمنين : من وسع عليه دنياه فلم يعلم أنه قد مكر به ، فهو مخدوع عن عقله .
وقال تعالى : وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً « الأنبياء : 35 » وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً « الأنفـال : 17 » وقوله عز وجل : وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ « البقرة : 49 » راجع إلى الأمرين ، إلى المحنة التي في قوله عز وجل : يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 144 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ « البقرة : 49 » وإلى المنحة التي أنجاهم .
وكذلك قوله تعالى : وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ « الدخان : 33 » راجع إلى الأمرين ، كما وصف كتابه بقوله : قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى . « فصلت : 44 » .
وإذا قيل : ابْتَلَى فلان كذا وأَبْلَاهُ ، فذلك يتضمن أمرين ، أحدهما : تَعَرُّفُ حاله والوقوف على ما يُجهل من أمره . والثاني : ظهور جودته ورداءته . وربما قصد به الأمران ، وربما يقصد به أحدهما .
فإذا قيل في الله تعالى : بلى كذا وأبلاه ، فليس المراد منه إلا ظهور جودته ورداءته ، دون التعرف لحاله والوقوف على ما يجهل من أمره ، إذ كان الله علَّام الغيوب . وعلى هذا قوله عز وجل : وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ . « البقرة : 124 » . ويقال : أَبْلَيْتُ فلاناً يميناً : إذا عرضت عليه اليمين لتبلوه بها .
ملاحظات
1 . جعل الراغب كل فروع بَلِيَ وابْتَلَى أصلاً واحداً من بَلِيَ الثوب ، وجعل بَلَوته أي اختبرته بمعنى أخلقته ، وهذا تكلف في إرجاع الفروع الى بلى الثوب ! كما فسر قولهم : بِلْوُ سفر بأبلاه السفر ، وهم يقصدون أنه قويٌّ على السفر مختبر فيه ! وجعله الراغب للإنسان وهو للناقة ، يقولون : نِضْوُ سفر ، وبِلو سفر .
أما ابن فارس فجعل بَلِيَ وبَلَوَ أصلين لكن المادة أوسع من ذلك . قال « 1/192 » : « أصلان ، أحدهما : إخلاق الشئ . والثاني : نوع من الإختبار ، ويحمل عليه الإخبار أيضاً ، يقول العرب : أبلِني كذا ، أي أخبرني فيقول الآخر : لاأبليك . ومنه حديث أم سلمة حين ذكرت قول النبي صلى الله عليه وآله : إن من أصحابي من لا يراني بعد أن أفارقه ، فسألها عمر أمنهم أنا ! فقالت لا ، ولن أبلي أحداً بعدك . أي لن أخبر » .
2 . لم يَستعمل القرآن بَلِيَ للثوب ، واستعمله ضد الخلود : وَمُلْكٍ لا يَبْلَى . واستعمل ابتلى وبَلَى وأَبْلَى بشكل واسع بمعنى الإختبار والإمتحان .
واستعمل بَلَوْنا ونَبْلُو ويَبْلُو ، متعدياً بالباء : وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً . ومتعــدياً بفي : لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ . ومجرداً : لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً .
واستعمل ابْتَلَى ويَبتلي ونَبتلي وابْتُلِيَ ، متعدياً بفي : لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ . وبالباء : وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ . ومجرداً : هُنَالِكَ ابْتُلِي الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا .
واستعمل أبلى مـرة واحـدة : وَلِيُبْليَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا .
واستعمل تُبْلى في آية واحدة للسرائر : يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ . أي يوم تظهر فيها نتيجة الإبتلاء .
وكذا تَبْلُو في آية واحدة للنفس : هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ . أي ترى نتيجته .
واستعمل الإبتلاء للنوايا ، والتمحيص لنتائج الأعمال في القلوب ، فقال عز وجـل : وَلِيَبْتَلِي اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ ، وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَ اللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّـدُورِ .
3 . يفهم من تتبع موارد البلاء والإبتلاء ، أن البلاء قانون إلهي عام قامت عليه الحياة على الأرض ، قال تعـالى : الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَوةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً . إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً . وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً .
ويكون البلاء بالشـر وبالخيــر : وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْر . لِيَبْلُوَنِى أشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ .
ومنه البلاء بالرزق : لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ . وبلاء
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 145 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العقوبة : نَبْلُوهُمْ بِمَا كَأنوا يَفْسُقُونَ . وبلاء الصراع بين أولياء الله وأعدائه : وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ .
ومنه ابتلاء الناس بأزمة أمنية واقتصادية قبل ظهور المهدي عليه السلام : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَئٍْ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُـوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ .
أما الإبتلاء فهو فعل إلهي خاص ، أخص من قانون البلاء العام . ويكون تكوينياً محضاً : إِنَّا خَلَقْنَا الآنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا . أو عقوبة على ذنب : ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ . « آل عمران : 152 » هُنَالِكَ ابْتُلِي الْمُؤْمِنُونَ .
أو اختباراً لرفع درجة : وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ . إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ . وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ .
بَلَى
ردٌّ للنفي ، نحو قوله تعالى : وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ الله عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ الله عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى الله ما لا تَعْلَمُونَ . بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً . « البقرة : 80 » . أو جوابٌ لاستفهام مقترن بنفي نحو : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا : بَلى . « الأعراف : 172 » . ونعم : يقال في الإستفهام المجرد نحو : فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حقا قالُوا : نَعَمْ . « الأعراف : 44 » ولا يقال هاهنا : بلى . فإذا قيل : ما عندي شئ ، فقلت : بلى ، فهو ردٌّ لكلامه ، وإذا قلت نعم ، فإقرار منك . قال تعالى : فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إن الله عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . « النحل : 28 » وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ « سبأ : 3 » . وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى « الزمر : 71 » قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى . « غافر : 50 » .
ملاحظات
قال ابن هشام في المغني « 1/113 » : « بلى : حرف جواب . وتختص بالنفي وتفيد إبطاله ، سواء كان مجرداً نحو : الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا ، قُلْ بَلَى وَرَبِّي . أم مقروناً بالإسـتفهام ، حقيقياً كان نحو : أليس زيد بقائم فتقول : بلى ، أو توبيخياً نحـو : أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ، بَلَى . أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ بَلى . أو تقريرياً نحـو : أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ، قَالُوا بَلَى . أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، قَالُوا بَلَى . أجـروا النفي مع التقرير مجرى النفي المجـرد في رده ببلى » .
وقال ابن هشام « 2/346 » : « واعلم أنه إذا قيل : قام زيد ، فتصديقه نعم وتكذيبه لا ، ويمتنع دخول بلى لعدم النفي . وإذا قيل : ما قام زيد ، فتصديقه نعم وتكذيبه بلى ، ومنه : زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا ، قُلْ بَلَى وَرَبِّي . ويمتنع دخول لا ، لأنها لنفي الإثبات لا لنفي النفي . وإذا قيل : أقام زيد ، فهو مثل قام زيد ، أعني أنك تقول إن أثبتَّ القيام : نعم ، وإن نفيته : لا ، ويمتنع دخول بلى . وإذا قيل : ألم يقم زيد ، فهو مثل لم يقم زيد ، فتقول إذا أثبت القيام : بلى ، ويمنع دخول لا . وإن نفيته قلت : نعم ، قال الله تعـالى : أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ . قَالُوا بَلَى . أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى . أَوَلَمْ تُؤْمِن ، قَالَ بَلَى . وعــن ابن عباس أنه لو قيل نعم في جواب : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، لكان كفراً .
والحاصل : أن بلى لا تأتي إلا بعد نفي . وأن لا لا تأتي إلا بعد إيجاب ، وأن نعم تأتي بعدهما . وإنما جاز : بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ ، مع أنه لم يتقدم أداة نفي لأن : لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي ، يدل على نفي هدايته ومعنى الجواب حينئذ : بلى قد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 146 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
هديتك بمجئ الآيات ، أي قد أرشدتك لذلك ، مثل : وإما ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ » .
أقول : يقصد ابن هشام أن قاعدتهم بأنه لا تجئ بلى إلا بعد نفي ، ينقضها قوله تعالى : بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا . فإنه لا يوجد قبلها نفي ، ثم أجاب بأنه يوجد نفي في المعنى وإن لم يصرح به .
والصحيح : أن اشتراط النحويين النفي قبل بلى غير دقيق ، نعم تحتاج لأن يتقدم عليها سؤال ، إما ظاهر بالإستفهام أو النفي ، أو مقدر بقرينة المقال أو الحال . وكذا استعملها أهل البيت عليهم السلام وهم أفصح من نطق بالضاد . قال علي عليه السلام « فو الله ما كنزت من دنياكم تبراً ، ولا ادخرت من غنائمها وفراً ، ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً . بلى ، كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء ، فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين » . « نهج البلاغة : 3/71 » .
وقال عليه السلام : « إن هاهنا لعلماً جماً ، وأشار إلى صدره ، لو أصبت له حَمَلَة . بلى ، أصبت لَقِناً غير مأمونٍ عليه ، مستعملاً آلة الدين للدنيا . اللهم بلى ، لاتخلو الأرض من قائم لله بحجة » . « نهج البلاغة : 4/37 »
وفي الكافي « 1/90 » في جواب سؤال يهودي : « متى كان ربنا؟ قال له : يا يهودي إنما يقال متى كان لمن لم يكن فكان ، هو كائن بلا كينونية ، كائن كان بلا كيف يكون . بلى يا يهودي ثم بلى يا يهودي ، كيف يكون له قبل ! هو قَبْلَ القبل بلا غاية ، ولا منتهى غاية لتنتهي غايته . انقطعت الغايات عنده ، هو غاية كل غاية . فقال : أشهد أن دينك الحق ، وأن ما خالفه باطل » !
فَبَلَى في هذه الموارد جوابٌ سؤال مقدر من السياق ، أو مفترض من المتكلم . وإن خلا الكلام من النفي والإستفهام .
بَنَن - بنَّ - بنان
البَنَان : الأصابع ، قيل سميت بذلك لأن بها صلاح الأحوال التي يمكن للإنسان أن يُبِنَّ بها ، يريد : أن يقيم بها . ويقال : أَبَنَّ بالمكان يُبِنُّ ، ولذلك خص في قوله تعالى : بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ . « القيامة : 4 » . وقوله تعالى : وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كل بَنانٍ « الأنفال : 12 » خصه لأجل أنها بها تقاتل وتدافع . والبَنَّة : الرائحة التي تبنُّ بما تعلقت به .
ملاحظات
1 . لا دليل على ما ذكره الراغب وغيره من أن البنان مشتقة من بَنَنَ بمعنى أقام لتسمين شياهه ، وأن مناسبة اشتقاقها أنها تمكن الإنسان من الإقامة بالمكان ، فلا يوجد ارتباطٌ معقولٌ بينهما . ثم إن الأصابع من أعضاء البدن فكيف تأخرت تسميتها حتى أخذوها من الإقامة في مكان لتسمين الشياه ! قال الخليل « 8/373 » : « البنان : أطراف الأصابع من اليدين والرجلين . ويجئ في الشِّعر البنانة » .
وقال ابن فارس « 1/191 » : : « بنن الرجل فهو مبنن : وذلك أن يرتبط الشاة ليسمنها . . والبنان في قوله تعالى : واضربوا منهم كل بنان ، يعني الشوى وهي الأيدي والأرجل . . وإنما اشتقاق البنان من قولهم : أَبَنَّ بالمكان إذا قام ، فالبنان به يعتمد كل ما يكون للإقامة والحياة . قال الخليل : والبنة الريح من أرباض البقر والغنم والظباء ، وقد يستعمل في الطيب فيقال أجد في هذا الثوب بنة طيبة من عرف تفاح أو سفرجل » .
وقال ابن منظور « 13/58 » : « البَنانُ في قوله تعالى : بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ . يعني شَوَاه « الأيدي والأرجل » ويقال : بنانٌ مُخَضَّبٌ ، لأن كل جمع بينه وبين واحده الهاءُ ، فإِنه يُوَحِّد ويذكَّرُ . وقوله عز وجل : فَاضْرِبُوا فَوْقَ الإعناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كل بَنانٍ ، قال أَبو إسحق : البَنانُ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 147 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
هاهنا جميعُ أَعضاء البدن » .
أقول : الصحيح حمل البنان والأعناق على ظاهرها ، وأن الملائكة كانوا مساعدين فضربوا المشركين فوق الأعناق ، ولم يضـربوا نفس الأعناق ، وضربوا أصابعهم وليس فوقها ، ولا نعرف كيفية ضربهم ولا قوانين حربهم .
ولا موجب لتوسيع معنى البنان الى كل البدن لكي نصور عمل الملائكة حسب فهمنا .
بَنَيَ - يبني - بناءً - بنياناً - ابن - بنوَ - بنون - ابنة - بنت
يقال : بَنَيْتُ أَبْنِي بِنَاءً وبِنْيَةً وبِنًى . قال عز وجل : وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً « النبأ : 12 » . والبِنَاء إسم لما يبنى بناءً ، قال تعالى : لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ . « الزمر : 20 » . والبَنِيَّة : يعبر بها عن بيت الله تعالى .
قال تعالى : وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ . « الذاريات : 47 » وَالسَّماءِ وَما بَناها . « الشمس : 5 » .
والبُنيان : واحد لا جمع له ، لقوله تعالى : لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ . « التوبة : 110 » .
وقال : كَأنهم بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ « الصف : 4 » قالُوا : ابْنُوا لَهُ بُنْياناً « الصافات : 97 » .
وقال بعضهم : بُنْيَانٌ جمع بُنْيَانَة ، فهو مثل شعير وشعيرة ، وتمر وتمرة ، ونخل ونخلة . وهذا النحو من الجمع يصح تذكيره وتأنيثه .
وابْنُ : أصله بَنَوَ ، لقولهم في الجمع أَبْنَاء ، وفي التصغير بُنَيّ . قال تعـالى : يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ . « يوسف : 5 » . يا بُنَيَّ إني أَرى فِي الْمَنامِ إني أَذْبَحُكَ . « الصافات : 102 » يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ « لقمان : 13 » . يا بنيَّ لاتعبد الشيطان . وسماه بذلك لكونه بناءً للأب ، فإن الأب هو الذي بناه وجعله الله بَنَّاءً في إيجاده . ويقال لكل ما يحصل من جهة شئ أو من تربيته ، أو بتفقده أو كثرة خدمته له ، أو قيامه بأمره : هو ابنه ، نحو : فلان ابن الحرب ، وابن السبيل للمسافر ، وابن الليل ، وابن العلم ، قال الشاعر :
أولاك بنو خير وشرّ كليهما
وفلان ابن بطنه ، وابن فرجه ، إذا كان همه مصروفاً إليهما . وابن يومه : إذا لم يتفكر في غده . قال تعالى : وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ الله وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ الله « التوبة : 30 » . وقال تعالى : إن ابْنِي مِنْ أَهْلِي « هود : 45 » . إن ابْنَكَ سَرَقَ « يوسف : 81 » .
وجمع ابْن : أَبْنَاء وبَنُون ، قال عز وجـل : وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَــدَةً . « النحل : 72 » . وقال عز وجـل : يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ . « يوسف : 67 » يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْـدَ كل مَسْجِدٍ « الأعراف : 31 » . يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ . « الأعراف : 27 » .
ويقال في مؤنث ابن : ابْنَة وبِنْت . وقوله تعالى : هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ . « هود : 78 » . وقولـه : لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حق . « هود : 79 » . فقد قيل : خاطب بذلك أكابر القوم وعرض عليهم بناته لا أهل قريته كلهم ، فإنه محال أن يعرض بنات له قليلة على الجم الغفير . وقيل : بل أشار بالبنات إلى نساء أمته وسماهن بنات له ، لكون كل نبي بمنزلة الأب لأمته ، بل لكونه أكبر وأجل الأبوين لهم ، كما تقدم في ذكر الأب ، وقوله تعالى : وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ . « النحل : 57 « هو قولهم عن الله : إن الملائكة بنات الله .
ملاحظات
1 . قال ابن فارس « 1/302 » في بَنَيَ : « وأصل بنائه : بَنَوَ ، والنسبة إليه بنوي ، وكذلك النسبة إلى بنت ، وإلى بُنَيَّاتِ الطريق . ثم تُفرع العرب فتُسمى أشياء كثيرة بابن كذا ، وأشياء غيرها ببنت كذا ، فيقولون ابن ذكاء الصبح وذكاء الشمس ، لأنها تذكو كما تذكو النار . ويقولون هو ابن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 148 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مدينة ، إذا كان عالماً بها ، وابن بَجْدَتِها أي عالم بها ، وبجدة الأمر دخلته » .
2 . استعمل القرآن بناء السماء ، فقال تعالى : ءَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا . رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَاهَا .
وأقسَمَ بالسماء وبالقوى التي بنتها بأمره فقال : وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا . وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا . أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ . وكشف توسيعها المستمر : وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ .
وذكر صَرْحَ نبي الله سليمان عليه السلام : قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ . والشياطين المسخرين له : وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَاصٍ .
وذكر آيات عاد ومصانعهم : أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ . وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ .
وبيوت ثمـــود وقصورها : تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا .
والصرح الذي طلب فرعون أن يبنوه له : وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ .
وبنيان نمرود لإحراق إبراهيـم عليه السلام : قَالُوا ابْنُـوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ .
وبنيان المسجد على كهف أهل الكهف : فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ .
وبنيان مسجد قباء ومسجد الضرار : أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَـانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ .
وقصور الجنة وغرفها : لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ . قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ .
وبنيان أعداء الأنبياء عليه السلام : قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ .
3 . ذكر القرآن ابني آدم ، وبني آدم ، وابن نوح والمسيح عيسى بن مريم ، وبني ابراهيم ، وبني يعقوب ، وبني اسرائيل ، وابن لقمان ، وابن السبيل ، وابنة عمران ، وبنات شعيب ، وبنات لوط ، وتذبيح فرعون لأبناء المؤمنين . وذكر بنات النبي صلى الله عليه وآله وأبناءه ، وأمره أن يباهل بهم ، وبنات أعمـام النبي صلى الله عليه وآله وبنات عمـاته ، وأخوالـه وخالاته . والأبناء والبنات بالتبني .
وذكر زعْم اليهود أنهم أبناء الله ، وأن عزيراً ابن الله ، وزعم النصارى أن المسيح ابن الله ، وزعم المشركين أن الملائكة بنات الله . . الخ .
بَهَتَ - بهتهُ - بهتان - بهيتة
قال الله عـز وجل : فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ . « البقرة : 258 » أي دُهِشَ وتحير ، وقد بَهَتَهُ . قال عز وجل : هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ . « النور : 16 » أي كذبٌ يبهت سامعه لفظاعته . قال تعالى : وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ . « الممتحنة : 12 « كناية عن الزنا . وقيل بل ذلك لكل فعل مستبشع تعاطينه باليد والرجل من تناول ما لا يجوز ، والمشي إلى ما يقبح . ويقال : جاء بالبَهِيتَةِ ، أي بالكذب .
ملاحظات
1 . اشترط الخليل في تحقق البهتان ثلاثة شروط فقال « 4/36 » : « بهته فلان ، أي استقبله بأمر قذفه به ، وهو برئ منه ، لا يعلمه . والإسم : البُهتان . وبُهِتَ الرجل يُبْهَتُ بُهْتاً إذا حار . يقال : رأى شيئاً فبُهِتَ » . لكن شرط عدم علمه لا يصح .
2 . وذكر القرآن هذه المادة في ثمان آيات ، وليس في كل منها شروط الخليل . فقد وصف بها تهمة اليهود لمريم عليها السلام : وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا . وأكل المهر ظلماً : أَتَاخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا . وفعل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 149 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من يرمي غيره بما هو فيه : وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا . ومن يرمي غيره مطلقاً : وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا . ووصف اتهام المنافقين لمارية عليها السلام : : سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ .
وجعله من شروط بيعة النساء للنبي صلى الله عليه وآله : وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ .
ووصف إفحام إبراهيم عليه السلام لنمرود : فَإِنَّ اللهَ يَأتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأتِ بِهَـا مِنَ الْمَغْـرِبِ فَبُهِـتَ الَّذِي كَفَــرَ . ومباغتة القيامة : بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ .
بَهَجَ - بهجةً - بهيج - ابتهج - أبهجه
البَهْجَة : حسن اللون وظهور السرور ، وفيه قال عز وجل : حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ « النمل : 60 » . وقد بَهُجَ فهو بَهِيج . قال : وَأَنْبَتْنا فِيهَا مِنْ كل زَوْجٍ بَهِيجٍ « ق : 7 » . ويقال : بَهِجٍ ، كقول الشاعر :
ذات خُلْـــقٍ بَهــــِجِ
ولا يجــــئ منه بَهُـــوج
وقد ابْتَهَجَ بكذا : أي سُرَّ به سروراً بانَ أثره على وجهه ، وأَبْهَجَهُ كذا .
ملاحظات
وردت هذه المادة في ثلاث آيات . وصفت الحدائق بأنها ذات بهجة ، لأن ألوانها ونضرتها تبعث البهجة في النفس ، وكذلك النبات .
ولكي يصح قوله ظهور السرور ، لا بد أن يقصد به أن البهجة نفس السرور الظاهر .
بَهَلَ - بهْل - أبهل - ابتهل - ابتهالاً
أصل البَهْل : كون الشئ غير مراعى ، والباهل : البعير المخلى عن قيده أو عن سِمَة ، أو المخلَّى ضرعها عن صِرَار . قالت امرأة : أتيتك باهلاً غير ذات صِرار ، أي أبَحْتُ لك جميع ما كنت أملكه ، لم أستأثر بشئ من دونه .
وأَبْهَلْتُ فلاناً : خليته وإرادته ، تشبيهاً بالبعير الباهل .
والبَهْل والإبتهال في الدعاء : الإسترسال فيه والتضرع ، نحو قوله عز وجل : ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ الله عَلَى الْكاذِبِينَ « آل عمران : 61 » . ومن فسَّر الإبتهال باللعن فلأجل أن الإسترسال في هذا المكان لأجل اللعن ، قال الشاعر :
نَظَرَ الدَّهرُ إليهمْ فابتهلْ
أي : استرسل فيهم فأفناهم
ملاحظات
ورد استعمال مادة بَهَلَ في آية واحدة من القرآن ، أمر الله فيها رسوله صلى الله عليه وآله أن يباهل علماء النصارى ، قال تعالى : إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ . الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ . فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ . « آل عمران : 59-61 » . فأحضر النبي صلى الله عليه وآله عترته علياً وفاطمة والحسنين عليهم السلام وطلب من وفد النصارى أن يدعو كل طرف على الآخر لينزل العذاب على المبطل ، فخاف النصارى وطلبوا الصلح على الجزية . فالمباهلة بمعنى الدعاء والملاعنة . وقد شذ الراغب عن اللغويين فجعل الإبتهال مأخوذاً من الناقة الباهل غير ذات الصرار ، أي ليس على ضرعها كيسٌ يمنع من حلبها ، فزعم أن الإبتهال تخلية واسترسال في الدعاء . وذلك على عادته في ربط ألفاظ اللغة العربية بالصحراء وحياة البدو والجمال !
والربط الذي ذكره بالناقة الباهل ضعيف ، والمعاني التي نسبها الى اللغة العربية غير ثابتة !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 150 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والصحيح قول ابن فارس إن المادة ثلاثة أصول ، قال « 1/311 » : « أحدهما : التخلية ، والثاني : جنس من الدعاء ، والثالث : قلة في الماء . فأما الأول فيقولون بهلته إذا خليته وإرادته . وأما الآخر : فالإبتهال والتضرع في الدعاء . والمباهلة ترجع إلى هذا فإن المتباهلين يدعو كل واحد منهما على صاحبه . قال الله تعالى : ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ الله عَلَى الْكاذِبِينَ . والثالث : البَهْل : وهو الماء القليل » .
وقال الخليل « 4/55 » : « باهلت فلاناً ، أي دعونا على الظالم منا . وبهلته : لعنته . وابتهل إلى الله في الدعاء ، أي جد واجتهد . ورجل بهلول : حيي كريم ، وامرأة بهلول » .
بَهُمَ - بُهمةً - بهيمةً - أبهمتُ - بهيم
البُهْمَة : الحجر الصلب ، وقيل للشجاع بُهْمة تشبيهاً به ، وقيل لكل ما يصعب على الحاسة إدراكه إن كان محسوساً ، وعلى الفهم إن كان معقولاً : مُبْهَم . ويقال : أَبْهَمْتُ كذا فَاسْتَبْهَمَ ، وأَبْهَمْتُ الباب : أغلقته إغلاقاً لا يهتدى لفتحه .
والبَهيمةُ : ما لا نُطق له ، وذلك لما في صوته من الإبهام ، لكن خُصَّ في التعارف بما عدا السباع والطير ، فقال تعالى : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ « المائدة : 1 » .
وليل بَهِيم : فعيل بمعنى مُفْعَل قد أبهم أمره للظلمة ، أو في معنى مُفْعِل ، لأنه يبهم ما يعنُّ فيه فلا يدرك .
وفرس بَهِيم : إذا كان على لون واحد ، لا يكاد تميزه العين غاية التمييز ، ومنه ما روي أنه يحشر الناس يوم القيامة بُهْماً ، أي عراة . وقيل : معرَّون مما يتوسمون به في الدنيا ويتزينون به ، و الله أعلم .
والبَهْم : صغار الغنم . والبُهْمَى : نبات يستبهم منبته لشوكه .
وقد أبهمت الأرض : كثر بهمها ، نحو أعشبت وأبقلت ، أي كثر عشبها .
ملاحظات
1 . وردت بهيمة الأنعام في ثلاث آيات : في وجوب ذكر إسم الله عليها ، كقوله تعالى : وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ .
وجعل الراغب أصل المادة البُهْمَة ، أي الحجر الصلب ، لكن قول ابن فارس أقوى « 1/312 » فقد جعله الشئ المبهم الذي لايعرف المدخل اليه ، قال : « أن يبقى الشئ لا يُعرف المَأْتَى إليه ، يقال هذا أمر مبهم . وأبهمتُ الباب أغلقتُه . ومما شذ عن هذا الباب الإبهام من الأصابع » .
والصحيح أنه لم يشذ ، فقد سمي إبهاماً لأنه يُبْهِم الكف إذ يُطْبِقُ عليه فلا يعرف مافيه . « لسان العرب : 12/59 » .
وسمي البطل : بُهْمَة ، لأنه مغلق عن قرنه أن ينال منه ، فهو صفة مدح . وكذا قول الإمام الكاظم عليه السلام : « إن الله خلق قلوب المؤمنين مطوية مبهمة على الإيمان ، فإذا أراد استنارة ما فيها نضحها بالحكمة ، وزرعها بالعلم » . « الكافي : 2/421 » .
أما ما رويَ عن النبي صلى الله عليه وآله : « يحشر الناس يوم القيامة عُرَاةَ حُفَاةَ بُهْماً » . « ابن الأثير : 1/167 » . فمعناه أنهم يكونون بصفة آدم وحواء عليهما السلام في الجنة فهم مع عُرْيهم مبهمون لا تظهر عوراتهم .
وسمي الليل بُهمة ، لأن ظلمته إغلاق ، قال الإمام زين العابدين عليه السلام في وصف القمر : « آمنت بمن نَوَّرَ بك الظلم ، وأوضح بك البُهَم » . « الصحيفة السجادية/209 » .
وقد بَيَّنَ الإمام الصادق أن السبب في تسمية البهائم أن الكلام أبهم عليها ، قال عليه السلام : « مهما أُبْهِمَ على البهائم من شئ ، فلا يُبهم عليها أربعة خصال : معرفة أن لها خالقاً ، ومعرفة طلب الرزق ، ومعرفة الذكر من الأنثى ، ومخافة الموت » . « الكافي : 6/539 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 151 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 . قال الله تعالى في مطلع سورة المائدة : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ . ولم يعرف المفسرون وجه الربط بين الوفاء بالعقود وتحليل الأنعام . والظاهر أن تحليل الأنعام مشروط بوفاء الإنسان بعقده وعهده وميثاقه مع الله تعالى ، فمن لم يفِ بذلك لا يحل له أن يطعم منها . « تفسير القمي : 1/160 » . فهو من الشروط العامة لتحليل لحوم الحيوانات للإنسان ، من نوع قول النبي صلى الله عليه وآله إن الله جعل الأرض مهراً لفاطمة عليها السلام فمن أبغضها فحرامٌ عليه أن يمشي عليها . « مسند الإمام علي عليه السلام : 8/36 » .
3 . قوله : ومنه ما روي أنه يحشـر الناس يوم القيامة بُهْماً أي عراة . وقد روت ذلك عامة المصادر ، ومن مصادرنا الكافي « 8/104 » « عن علي عليه السلام قال : « إذا كان يوم القيامة بَعث الله تبارك وتعالى الناس من حُفَرهم غُرْلاً بُهْماً جُرْداً مُرْداً ، في صعيد واحد ، يسوقهم النور وتجمعهم الظلمة حتى يقفوا على عقبة المحشر » . وفي بعض رواياته : « فقالت أم سلمة أو غيرها : وا سوأتاه أتنظر الرجال إلى عورات النساء والنساء إلى عورات الرجال؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وآله : إن لهم في ذلك اليوم شغلاً ، لا يعرف الرجل أنه رجل ولا المرأة أنها امرأة » . فدل ذلك على أن معنى العري غير ما نعرفه ، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وآله : يسوقهم النور وتجمعهم الظلمة . ويبدو أنه من نوع عري آدم وحواء عليهما السلام قبل أن يأكلا من الشجرة ، فلم تكن تبدو سوآتهما حتى أكلا منها .
بَابٌ - أبواب - بواب - تبوبَ - بابةٌ
البَاب : يقال لمدخل الشئ ، وأصل ذلك مداخل الأمكنة كباب المدينة والدار والبيت ، وجمعه : أَبْوَاب . قال تعالى : وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ « يوسف : 25 » وقال تعالى : لاتَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ « يوسف : 67 » . ومنه يقال في العلم : باب كذا ، وهذا العلم باب إلى علم كذا ، أي به يتوصل إليه . وقال صلى الله عليه وآله : أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها ، أي به يتوصَّل . قال الشاعر :
أتيتَ المَرُوءَةَ منْ بَابِهَا
وقال تعالى : فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كل شَئ « الأنعام : 44 » وقال عز وجل : بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ . « الحديد : 13 » .
وقد يقال : أبواب الجنة وأبواب جهنم ، للأشياء التي بها يتوصل إليهما . قال تعالى : فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ . « النحل : 29 » وقال تعالى : حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ « الزمر : 73 » .
وربما قيل : هذا من بَابَة كذا ، أي مما يصلح له وجمعه : بابات . وقال الخليل : بابة في الحدود ، وبَوَّبْتُ باباً ، أي عملتُ . وأبوابٌ مُبَوَّبَة . والبَوَّاب : حافظ البيت . وتَبَوَّبْتُ بواباً : اتخذته . وأصل باب : بَوْبٌ .
ملاحظات
وردت كلمة باب في القرآن في عدة آيات : منها : الأمر بدخول البيوت من أبوابها : وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَاتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا . وهي أمرٌ بطلب الأمور من طريقها الطبيعي ، كمعرفة الدين من النبي صلى الله عليه وآله وأوصيائه عليهم السلام ، وهو تعبير آخر عن قوله صلى الله عليه وآله : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأت الباب . « الحاكم : 3 /126 » وفي نهج البلاغة « 2/44 » : « لا تؤتى البيوت إلا من أبوابها فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقاً » .
ومنها : أبواب السماء : وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا . إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَــا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَـا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ . فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 152 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومنها : أبواب الجنة والنار : جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ . وقوله : إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا . وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ . لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ .
ومنها : الباب بين الجنة والنار : فَضُـرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُـورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَــةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِــهِ الْعَذَابُ .
ومنها : أبواب العذاب : حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ .
ومنها : أبواب النعمة : فَتَحْنَا عَلَيْهِـمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَئٍْ .
ومنها : أبواب قصور الكافرين : وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ .
ومنها : باب حطة : وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ .
ومنهـا : وصية يعقوب عليه السلام : يَا بَنِي لاتَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ .
ومنها : في قصة يوسف عليه السلام : وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ .
بَيْتٌ -باتَ - بيات - تبييت
أصل البيت : مأوى الإنسان بالليل ، لأنه يقال : بَاتَ ، أقام بالليل كما يقال : ظل بالنهار . ثم قد يقال للمسكن بيت من غير اعتبار الليل فيه ، وجمعه أَبْيَات وبُيُوت ، لكن البيوت بالمسكن أخص ، والأبيات بالشعر . قال عز وجل : فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا « النمل : 52 » وقال تعالى : وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً « يونس : 78 » لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ « النور : 27 » . ويقع ذلك على المتخذ من حَجَرٍ ومَدَرٍ وصوف وَوَبَر ، وبه شُبه بيت الشِّعْر ، وعُبر عن مكان الشئ بأنه بيته .
وصار أهلُ البيتِ متعارفاً في آل النبي عليه الصلاة والسلام ، ونبه النبي صلى الله عليه وآله بقوله : سلمان منا أهل البيت [على] أن مولى القوم يصح نسبته إليهم . كما قال : مولى القوم منهم ، وابنه من أنفسهم .
وبيت الله ، والبيت العتيق : مكة ، قال الله عز وجل : وَلْيَطوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ « الحج : 29 » إن أول بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ « آل عمران : 96 » وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ « البقرة : 127 » يعني : بيت الله .
وقوله عز وجل : وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى « البقرة : 189 » . إنمــا نزل في قوم كانـــوا يتحاشون أن يستقبلوا بيوتهم بعد إحرامهم ، فنبه تعالى [علي] أن ذلك منافٍ للبر .
وقوله عز وجل : وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كل بابٍ سَلامٌ « الرعد : 23 « معناه : بكل نوع من المسار .
وقوله تعالى : فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ « النور : 36 » قيل : بيوت النبي صلى الله عليه وآله نحو : لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ . « الأحزاب : 53 » وقيل : أشـير بقوله : فِي بُيُوتٍ إلى أهل بيته وقومه . وقيل : أشير به إلى القلب .
وقال بعض الحكماء في قول النبي صلى الله عليه وآله : لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة : إنه أريد به القلب وعنى بالكلب الحِرْص ، بدلالة أنه يقال : كَلِبَ فلانٌ إذا أفرط في الحرص ، وقولهم : هو أحرص من كلب .
وقوله تعالى : وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ . « الحج : 26 » يعني مكة .
وقالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتــاً فِي الْجَنَّةِ « التحريم : 11 » أي سهِّل لي فيها مقرّاً .
وَأَوْحَيْنــا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً . « يونس : 87 » يعني : المسجد الأقصى .
وقوله عز وجل : فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 153 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
« الذاريات : 36 « فقد قيل : إشارة إلى جماعة البيت فسماهم بيتاً ، كتسمية نازل القرية : قرية .
والبَيَاتُ والتبْيِيتُ : قصد العدو ليلاً . قال تعالى : أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ . « الأعراف : 97 » بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ « الأعراف : 4 » .
والبَيُّوت : ما يفعل بالليل ، قال تعالى : بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ . « النساء : 81 » . يقال لكل فعل دُبِّر فيه بالليل : بُيِّتَ ، قال تعالى : إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ . « النساء : 108 » وعلى ذلك قوله عليه السلام : لا صيام لمن لم يُبيت الصيام من الليل . وبَاتَ فلان يفعل كذا : عبارة موضوعة لما يفعل بالليل ، كظلٍّ لما يفعل بالنهار ، وهما من باب العبارات .
ملاحظات
1 . البيت في القرآن دائماً فيه عنصر المبيت ، والمسكن عنصر السكن ، والمنزل عنصر النزول من سفر ونحوه . قال تعالى : فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ . وقال : يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ . وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنيى مُنْزَلاً مُبَارَكاً . لَقَدْ كَأن لِسَـبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ .
قال الراغب : « ثم قد يقال للمسكن بيت من غير اعتبار الليل فيه » واستدل بقوله تعالى : فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً . وهو اشتباه ، لأن جعل الخواء لبيوتهم التي باتوا فيها ، أبلغ من خواء مساكنهم أو منازلهم .
2 . قال الراغب : « وصار أهلُ البيتِ متعارفاً في آل النبيِّ عليه الصلاة والسلام ، ونبه النبي صلى الله عليه وآله بقوله : سلمان منا أهل البيت [على] أن مولى القوم يصح نسبته إليهم ، كما قال : مولى القوم منهم ، وابنه من أنفسهم » .
يقصد أن اختصاص آل النبي صلى الله عليه وآله بأنهم أهل البيت مجرد عُرف عند المسلمين ، وإلا فهو يشمل حتى مواليهم مثل سلمان الفارسي رحمه الله ! لكن عرفت في « آل وأهل » أنه مهما كان معنى أهل البيت واسعاً في اللغة فقد صح عند الجميع أن النبي صلى الله عليه وآله جعل آله وأهل بيته مصطلحاً بمن أدار عليهم الكساء وحصر أهل بيته فيهم ، ومنع أم سلمة من الدخول معهم ، وهم : علي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام ، فلا يجوز الزيادة ولا النقيصة فيهم . لكن رواة السلطة وأسيادهم دأبوا على ظلم أهل البيت النبوي عليهم السلام والهرب من المصطلح الذي حدده النبي صلى الله عليه وآله وتوسيع أهل بيته ليشملوا الأمة كلها !
بَادَ - يبيد - بيداء - بِيد
قال عز وجل : ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً . « الكهف : 35 » يقال : بَادَ الشئ يَبِيدُ بَيَاداً ، إذا تفرق وتوزع في البَيْدَاء ، أي المفازة . وجمع البيداء : بِيد . وأتان بَيْدَانَة : تسكن البادية البيداء .
ملاحظات
استعمل القرآن بادَ بمعنى فنيَ في هذه الآية فقط . واستعملها بمعنى كانوا في البادية في قوله تعالى : يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعرَابِ . وبمعنى ساكن البادية : سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ .
قال الخليل « 8/85 » : « البيد من قولك : باد يبيد ، وأباده الله . والبيداء : مفازة لا شئ فيها . . وبيد بمعنى غير ، ويقال : بمعنى على ، وميد لغة فيها . . وآباد الدهر : طوال الدهر ، والأبيد مثل الآباد . والآبدة : الغريبة من الكلام ، والجميع أوابد ، والأوابد : الوحش . وتأبد فلان : طالت غربته . وتأبدت الدار : خلت من أهلها » .
أقول : يمكن القول إن البدو والبادية من الظهور ، وباد بمعنى هلك مأخوذ من البادية كأنه ذهب في مهلكة . لكن بَيْدَ بمعنى غير ، لا علاقة لها بذلك . وكذا أَبَدَ وأوابد ، فلا بد أن تكون من أصول أخرى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 154 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بَوَرَ- بوَّر - بارَ - بوار - قوم بور
البَوَار : فَرْطُ الكساد ، ولما كان فرط الكساد يؤدي إلى الفساد كما قيل : كَسَدَ حتى فَسَدَ . عُبر بالبوار عن الهلاك ، يقال : بَارَ الشئ يَبُورُ بَوَاراً وبَوْراً . قال عز وجل : تِجارَةً لَنْ تَبُورَ « فاطر : 29 » وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ . « فاطر : 10 » وروي : نعوذ بالله من بَوَار الأيِّم .
وقال عز وجل : وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ . « إبراهيم : 28 » ويقال : رجل حائر بَائِر ، وقوم حُور بُور . وقال عز وجل : حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً . « الفرقان : 18 » أي هلكى ، جمع : بَائِر .
وقيل : بل هو مصدر يوصف به الواحد والجمع ، فيقال : رجل بور وقوم بور ، وقال الشاعر :
يا رسولَ المليك إنَّ لساني
راتقٌ ما فتقتُ إذْ أنا بُورُ
وبَارَ الفحل الناقة : إذا تشمَّمها اللاقح هي أم لا . ثم يستعار ذلك للإختبار فيقال : بُرْتُ كذا ، أي اختبرته .
ملاحظات
1 . فسر بعض اللغويين البوار بالهلاك ، وأجاد الراغب ففسره بفرط الكساد فهو أعم من الهلاك والكساد . على أن من فسرها بالهلاك لا يقصد الفناء أيضاً ، لأن الآية نصت على أنه بمعنى دخول النار ، قال تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ . جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ . وكذلك الآيات الأربع الأخرى التي ورد فيها : وَكَانُوا قَوْمًا بُوراً . وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً . وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ . يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ .
2 . جعل الراغب بَوَرَ أصلاً واحداً ، ولم يستطع أن يُرجع اليها : بَارَ الفحل الناقة بمعنى شمها واختبرها ، فكأنه جعله أصلاً بنفسه ، ثم استعارة منه بارَ وبَوَرَ بمعنى اختبر ، والصحيح أنه أصل مستقل . قال ابن منظور « 6/118 » : « بارَهُ يَبُورُه بَوْراً : جَرَّبَه واختبَرَه ، ومنه الحديث : كُنَّا نَبُوِّرُ أوْلادَنا بحُبِّ عليِّ رضيَ اللهُ عنه » . أي نختبر أنهم أولاد حلال بحبهم لعلي عليه السلام .
بِئْرٌ - بأر - بؤرة
قال عز وجل : وَبِئْرٍ مُعَطلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ . « الحج : 45 » وأصله الهمز ، يقال : بَأَرْتُ بِئْراً وبَأَرْتُ بُؤْرَة ، أي حفيرة .
ومنه اشتق المِئْبَر ، وهو في الأصل حفيرة يستر رأسها ليقع فيها من مرَّ عليها ، ويقال لها : المغواة . وعُبِّرَ بها عن النميمة الموقعة في البلية ، والجمع : المآبر .
ملاحظات
خلط الراغب بين بَأَرَ ، وأَبَرَ ، وهما مادتان معناهما مختلف . فبأر منه البئر والبؤرة ، وأبر منه الإبرة ، والتأبير ، والمئبر ، والمآبر . ولم يرد أبر في القرآن ، لذا لا نطيل في فروعه .
بَؤُسَ -بأساء - بؤس - بئس - بئيس
البُؤْسُ والبَأْسُ والبَأْسَاءُ : الشدة والمكروه ، إلا أن البؤس في الفقر والحرب أكثر ، والبأس والبأساء في النكاية ، نحو : وَاللَّه أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا . « النساء : 84 » فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ « الأنعام : 42 » وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ . « البقرة : 177 » . وقال تعالى : بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ « الحشر : 14 » .
وقد بَؤُسَ يَبْؤُسُ ، وبِعَذابٍ بَئِيسٍ . « الأعراف : 165 » فعيل من البأس أو من البؤس : فَلا تَبْتَئِسْ « هـود : 36 » أي لاتلزم البؤس ولا تحزن . وفي الخبر أنه عليه السلام : كان يكره البُؤْسَ والتبَاؤُسَ والتبَؤُّسَ . أي الضراعة للفقر ، أو أن يجعل نفسه ذليلاً ، ويتكلف ذلك جميعاً .
وبِئْسَ : كلمة تستعمل في جميع المذام ، كما أن نِعْمَ تستعمل في جميع الممادح . ويرفعان ما فيه الألف واللام ، أو
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 155 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مضافاً إلى ما فيه الألف واللام ، نحو : بئس الرجل زيد ، وبئس غلام الرجل زيد . وينصبان النكرة نحو : بئس رجلاً . ولَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ . « المائدة : 79 » أي شيئاً يفعلونه . قال تعالى : وَبِئْسَ الْقَرارُ « إبراهيم : 29 » فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ « النحل : 29 » بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا « الكهف : 50 » لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ . « المائدة : 63 » . وأصل : بِئْسَ : بَئِسَ ، وهو من البؤس .
ملاحظات
1 . قال الله تعــالى : وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا . والبأساء من البُؤس وهو الفقر . والضراء من الضُّرّ كالمرض . وحين البأس كالحرب . فهي ثلاثة أحوال ، لكن الراغب وبعض اللغويين خلط البؤس والبأس والبأساء ، فقال : « البُؤْسُ والبَأْسُ والبَأْسَاءُ : الشدة والمكروه ، إلا أن البؤس في الفقر والحرب أكثر ، والبأس والبأساء في النكاية » .
فكيف يكون البؤس والبأساء في الحرب أكثر وهو الفقر ، وأين الشاهد عليه من كلام العرب ، أو قول اللغويين؟
ولعل اشتباه الراغب جاء من عبارة ابن فارس « 1/328 » قال : « الباء والهمزة والسين ، أصلٌ واحد : الشدة وما ضارعها . فالبأس الشدة في الحرب ، ورجل ذو بأس وبئيس أي شجاع ، وقد بأَسَ بأْساً ، فإن نعته بالبؤس قلت بؤوس . والبؤس : الشدة في العيش . والمبتئس : المفتعل من الكراهة والحزن » .
فلم يخلط ابن فارس البؤس والبأساء وهما الفقر ، بالبأس وهو الشجاعة والشدة في الحرب ، كما فعل الراغب . بل لم يذكر ابن فارس البأساء أبداً في كل كتابه ! ولعل الراغب اعتمد على قول الخليل « 7/316 » : « البأس : الحرب . ورجل بَئِسٌ قد بَؤُسَ بَأسُهُ ، أي شجاع . والبأساء : إسم للحرب والمشقة والضرر » .
لكن لايمكن قبول أن البأساء إسم للحرب لأنها من البؤس وهو الفقر وليست من البأس ، بل هي في الآية قسيم البأس التي هي الحرب . ويظهر أن الصحيح في نسخة العين البأس فصحفت عنها بالبأساء .
ولم أجد استعمال البأساء في الحرب أبداً ، ففي تفسير القمي « 1/64 » : « في الجوع والعطش والخوف والمرض . وحين البأس : قال : عند القتال » . وفي مجمع البيان « 1/488 » : « يريد بالبأساء : البؤس والفقر ، وبالضـراء : الوجع والعلة ، عن ابن مسعود وقتادة وجماعة من المفسرين . وحين البأس : يريد وقت القتال » . ونحوه عبد الرزاق « 1/66 » وتفسير الطبري « 2/135 » ، وغيره .
والنتيجة أن البأس تعني الحرب ، لكن البأساء لا تعني الحرب ، بل الفقر .
بَيَضَ - بياض - أبيض - تَبْيَضُّ - بيضاء –
باض - بيضة
البَيَاضُ في الألوان : ضد السواد ، يقال : ابْيَضَّ يَبْيَضُّ ابْيِضَاضاً وبَيَاضاً ، فهو مُبْيَضٌّ وأَبْيَضُ . قال عز وجل : يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْـوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وأما الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ الله « آل عمران : 106 » .
والأَبْيَض : عِرْقٌ ، سُمِّيَ به لكونه أبيض « وهو عصب النخاع » ولما كان البياض أفضل لون عندهم كما قيل : البياض أفضل ، والسواد أهول ، والحمرة أجمل ، والصفرة أشكل . عبَّر به عن الفضل والكرم بالبياض ، حتى قيل لمن لم يتدنس بمعاب : هو أبيض اللون . وقوله تعالى : يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ . « آل عمران : 106 » فابيضاض الوجوه عبارة عن المسرَّة واسودادها عن الغم ، وعلى ذلك : وَإِذا بُشِّرَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 156 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا . « النحل : 58 » .
وعلى نحو الإبيضاض قوله تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ . « القيامة : 22 » وقوله : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ . « عبس : 38 » .
وقيل : أمُّك بيضاء من قضاعة . وعلى ذلك قوله تعالى : بَيْضـاءَ لَذَّةٍ لِلشَّـارِبِينَ . « الصافات : 46 » . وسُــمِّيَ البَيْض لبياضه ، الواحدة بَيْضَة ، وكُنِّيَ عن المرأة بالبيضة تشبيهاً بها في اللون وكونها مصونة تحت الجناح .
وبيضة البلد : يقال في المدح والذم ، أما المدح فلمن كان مصوناً من بين أهل البلد ورئيساً فيهم ، وعلى ذلك قول الشاعر :
كانت قريشٌ بيضةً فَتَفَلَّقَتْ
فالمحُّ خالصُهُ لعبد منافِ
وأما الذم فلمن كان ذليلاً معرَّضاً لمن يتناوله كبيضة متروكة بالبلد ، أي العراء والمفازة .
وبَيْضَتَا الرجل : سُمِّيتَا بذلك تشبيهاً بها في الهيئة والبياض .
يقال : بَاضَتِ الدجاجة ، وباض كذا ، أي تمكن . قال الشاعر :
بداءٍ من ذواتِ الضِّغْنِ يأوي
صدورَهم فَعَشَّشَ ثم باضَا
وبَاضَ الحَرُّ : تمكن ، وبَاضَتْ يد المرأة : إذا ورمت ورماً على هيئة البيض ، ويقال : دجاجة بَيُوض ، ودجاج بُيُض .
ملاحظات
1 . قال الراغب : « وبيضة البلد يقال في المدح والذم » لكن الظاهر صحة قول الشريف المرتضى بأنها لا تستعمل للذم إلا بقرينة من باب الضد . قال في الأمالي « 3/96 » : « معنى البيضة كله يعود إلى التفخيم والتعظيم » . ورووا قول أخت عمرو بن ود « المستدرك : 3/34 » :
لو كان قاتلُ عمرو غيرُ قاتلهِ * بكيتُهُ ما أقامَ الروحُ في جسدي
لكن قاتلَه من لا يُعَاب به * أبوهُ يُدْعَى قديماً بيضةَ البلد
وقال الخليل « 7/68 » : « وبَيْضَةُ الإسلام : جماعاتهم . وبيضة البلد : تريكة النعامة . والأبيضان : الشحم واللبن . والبيضة : الخصية » .
وقال : « 8/42 » : « ويقال : هو أذلُّ من بيضة البلد » . وقال ابن فارس « 1/326 » : « فإذا عبروا عن الذليل المستضعف بأنه بيضة البلد ، يريدون أنه متروك مفرد كالبيضة المتروكة بالعراء . ولذلك تسمى التريكة » .
2 . استعمل القرآن البياض لوجوه المؤمنين في الآخرة : يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ . وأما الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ . « آل عمران : 106 » . ولكأس المعين : بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ . « الصافات : 45 » .
وللحور العين : قَاصِرَاتُ الطرْفِ عِينٌ . كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ . « الصافات : 48 » .
ولبياض الفجر : حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ . « البقرة : 187 » .
ويد موسى عليه السلام : وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ . « طه : 22 » .
وعيني يعقوب عليه السلام : وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَكَظِيمٌ . « يوسف : 84 » .
والجبال البيض : وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا . « فاطر : 27 » .
بَيَعَ - مبايعة - بايع - باع
البَيْع : إعطاء المثمن وأخذ الثمن . والشراء : إعطاء الثمن وأخذ المثمن . ويقال للبيع الشراء وللشراء البيع ، وذلك بحسب ما يتصور من الثمن والمثمن ، وعلى ذلك قوله عز وجل : وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ . « يوسف : 20 » . وقال عليه السلام :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 157 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لايبيعنَّ أحدكم على بيع أخيه . أي لا يشتري على شرائه . وأَبَعْتُ الشئ : عرضته ، نحو قول الشاعر :
فرساً فليس جوادُنا بِمُبَاعِ
والمُبَايَعَة والمشاراة : تقالان فيهما ، قال الله تعالى : وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا . « البقرة : 275 » وقـال : وَذَرُوا الْبَيْعَ « الجمعة : 9 » وقـال عز وجـل : لابَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ . « إبراهيم : 31 » لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ . « البقرة : 254 » .
وبَايَعَ السلطان : إذا تَضَمَّنَ بذل الطاعة له بما رضخ له ، ويقال لذلك : بَيْعَة ومُبَايَعَة .
وقوله عز وجل : فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ . « التوبة : 111 » إشارة إلى بيعة الرضوان المذكورة في قوله تعالى : لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ « الفتح : 18 » وإلى ما ذكر في قوله تعالى : إن الله اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ الآية . « التوبة : 111 » .
وأما البَاعُ ، فمن الواو بدلالة قولهم باع في السير يبوع : إذا مدَّ باعه .
ملاحظات
1 . أمر القرآن المسلمين بالإشهاد على البيع : وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ .
وردَّ قول المرابين : ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا .
ونهى عن البيع وقت صلاة الظهر يوم الجمعة : فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ .
ووصف أهل البيت عليهم السلام بأنهم : رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ .
ووصف يوم القيامة بأنه : يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ .
2 . قال ابن منظور « 8/23 » : « البيعُ : ضدُّ الشراء والبَيْع الشراء أَيضاً ، وهو من الأَضْداد » . وأكثر ما استعمل القرآن منه مادة المبايعة . فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله : إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ . واعتبر إيمان المؤمنين بيعاً لأنفسهم لله تعالى : إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ . . . فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ .
وأمر نبيه صلى الله عليه وآله أن يأخذ من المسلمين البيعة في الحديبية ، وقال : لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ . وكان النبي صلى الله عليه وآله يشرط على المسلمين في البيعة الإيمان والطاعة ، وأن لايفروا في الحرب ، وأن لاينازعوا الأمر أهله ، أي أهل بيته بعده . وأمره الله أن يقبل البيعة من النساء ويشرط عليهن فقال : يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ .
وكانت البيعة في زمن النبي صلى الله عليه وآله اختيارية تحترم فيها إرادة المبايع . وبموته صارت إجبارية فهددوا علياً وأهل البيت عليهم السلام بإحراق بيتهم وقتلهم إن لم يبايعوا أبابكر !
ولا يصح قول الراغب : إن قوله عز وجل : فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ . إشــارة إلى بيعـة الرضــوان المذكورة في قوله تعالى : لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ . لأنهم بايعوا تحت الشجرة على أن لا يفروا في الحرب ثم فروا بعدها في معركة خيبر وحنين ، ولأن في المبايعين من شهد له بالنار كقاتل عمار بن ياسر .
3 . ذكر القرآن بِيَعَ النصارى أي كنائسهم فقال : وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِـدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً . قــال الخليل « 2/266 » : « البِيعَة : كنيسة النصارى وجمعها بِيَع » .
وأفتى فقهاؤنا باحترامها وجواز الصلاة فيها « جواهر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 158 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الكلام : 14/137 » . وقال ابن منظور « 8/23 » : « البِيعةُ بالكسر : كَنِيسةُ النصارى ، وقيل كنيسة اليهود ، والجمع بِيَعٌ وهو قوله تعالى : وبِيَعٌ وصلواتٌ ومساجدُ . فبدأَ بذكر البِيَعِ على المساجد لأن صلوات من تقدَّم من أَنبياء بني إِسرائيل وأُممهم كانت فيها قبل نزول الفُرقان » .
البَالٌ - بالى - بالُهُ
البَال : الحال التي يكترث بها ، ولذلك يقال : ما باليتُ بكذا بالةً ، أي ما اكترثت به . قال تعالى : كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ « محمد : 2 » وقال : فَما بالُ الْقُرُونِ الأولى « طه : 51 » أي فما حالهم وخبرهم .
ويعبَّر بالبال عن الحال الذي ينطوي عليه الإنسان ، فيقال : خطر كذا ببالي .
ملاحظات
1 . يظهر أن البال أوسع من الحال ، والشأن ، والأمر ، ويشمل كل مقومات الهداية والقوة والعزة والرفاهية . يقال : ناعم البال ، رَخِيَّ البالِ ، راخي البال ، فارِه البالِ ، فارغ البال ، خلي البال ، خالي البال ، مطمئن البال ، سعيد البال ، صالح البال ، طويل البال ، مرتاح البال . ويقال : ما خطر على بالي وفي بالي وببالي ، وحضر على بالي ، وغاب عن بالي ، واختلج في البال ، ومرَّ بالبال . كقولك : وقع في خَلَدي ورَوْعِي وقلبي ونفسي .
ويقال : كاسف البال ، أي سئ الحظ ، منكسف البال ، كئيب البال ، مكدر البال ، مشتت البال ، مبلبل البال ، قلق البال ، مشوش البال ، موزع البال ، مشغول البال .
2 . استعمل القرآن البال أربع مرات : في قول يوسف عليه السلام : قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطعْنَ أَيْدِيَهُنَّ « يوسف : 50 » أي إسـأله عن النساء اللواتي شهدن على زليخة لمصلحتي .
وفي قول فرعون لموسى عليه السلام : قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأولى . قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي .
وفي حال المؤمنين : كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ .
وفي حال الشهداء من هؤلاء المؤمنين : وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ . سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ . وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ . وهذه الآية وعدٌ عجيبٌ بهداية الشهداء في المستقبل وإصلاح بالهم وإدخالهم الجنة ! والجنة ليس فيها تكليف ، وقد فسروه بأنه سيثيبهم في الآخرة ، وهو غير مقنع لأنه خلاف الظاهر . وقد يكون وعداً لهم بإعادتهم الى الدنيا في الرجعة ليهديهم ويصلح بالهم ، ثم يدخلهم الجنة !
ولايصح قوله إن الله وعد بأنه سيصلح بال الشهداء في الدنيا ، فقد أصلح بالهم وقتلوا في سبيله !
3 . قال ابن منظور « 11/74 » ملخصاً : « البَالُ : الحال والشأْن . وفي الحديث : كل أَمر ذي بال لا يُبْدأُ فيه بحمد الله فهو أَبتر . أَي شريفٌ يُحْتَفل له ويُهْتَمُّ به . والبَالُ : القَلْبُ والخاطر . وقوله عز وجل : سَيَهْديهم ويُصْلح بالَهم ، أَي حالهم في الدنيا . وفي الحديث : هؤلاء في الجنة ولا أُبالي وهؤلاء في النار ولا أُبالي . أَي لا أَكره . البالُ : جمع بالة ، وهي الجِرَاب الضَّخْم . قال الجوهري : أَصله بالفارسية بَلّه » .
بَيْنَ - بانَ - ذات البين
بَيْن : موضوع للخلالة بين الشيئين ووسطِهما . قال تعالى : وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً . « الكهف : 32 » يقال : بَانَ كذا أي انفصل وظهر ما كان مستتراً منه . ولماَّ اعتبر فيه معنى الإنفصال والظهور ، استعمل في كل واحد منفرداً فقيل للبئر البعيدة القعر : بَيُون ، لبعد ما بين الشفير والقعر ، لانفصال حبلها من يد صاحبها .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 159 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وبانَ الصبح : ظهر ، وقوله تعالى : لَقَدْ تَقَطعَ بَيْنَكُمْ . « الأنعام : 194 » أي وَصْلُكُمْ . وتحقيقه : أنه ضاع عنكم الأموال والعشيرة والأعمال التي كنتم تعتمدونها ، إشارة إلى قوله سبحانه : يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ . « الشعراء : 88 » . وعلى ذلك قوله : لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى الآية . « الأنعام : 94 » .
وبَيْنَ : يستعمل تارة إسماً وتارةً ظرفاً ، فمن قرأ : بينُكم جعله إسماً ، ومن قرأ : بَيْنَكُمْ جعله ظرفاً غير متمكن وتركه مفتوحاً . فمن الظرف قوله : لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ . « الحجرات : 1 » وقوله : فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً . « المجادلة : 12 » فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحق . « صاد : 22 »
وقوله تعالى : فَلما بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما « الكهف : 61 » فيجوز أن يكون مصدراً ، أي موضع المفترق .
وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ . « النساء : 92 » ولا يستعمل بين إلا فيما كان له مسافة ، نحو : بين البلدين ، أو له عددٌ مّا ، اثنان فصاعداً نحو : الرجلين ، وبين القوم . ولا يضاف إلى ما يقتضي معنى الوحدة إلا إذا كُرِّر نحو : وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجـابٌ « فصلت : 5 » فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً . « طه : 58 »
ويقال : هذا الشئ بين يديك ، أي متقدماً لك . ويقال : هو بين يديك ، أي قريب منك . وعلى هذا قوله : ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ . « الأعراف : 17 » ولَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا . « مريم : 64 » وَجَعَلْنا مِـنْ بَيْنِ أَيْدِيهِـمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِــمْ سَدًّا « يس : 9 » مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوْراةِ . « المائدة : 46 » أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا . « صاد : 8 » أي من جملتنا .
وقوله : وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ . « سبأ : 31 » أي متقدِّماً له من الإنجيل ونحوه . وقوله : فَاتَّقُوا الله وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ . « الأنفال : 1 » أي راعوا الأحوال التي تجمعكم ، من القرابة والوصلة والمودة . ويزاد في بين ما أو الألف ، فيجعل بمنزلة حين ، نحو : بَيْنَمَا زيد يفعل كذا ، وبَيْنَا يفعل كذا ، قال الشاعر :
بينَا يُعَنِّقُه الكُمَاةُ ورَوْغُهُ
يوماً أتيحَ له جَرئٌ سَلْفَعُ
ملاحظات
عَرَّفَ الراغب بَيْنَ ، بأنها للوسط بين الشيئين ، والصحيح أنها استعملت في القرآن للوسط بين شيئين وغيره ، قال تعالى : وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ . وقوله تعالى : وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ . تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ . وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا . مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ . وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ . نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ .
واستعملت لما تقدم زمنياً على الشئ ، كقوله تعالى : مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ .
أو تقدماً مكانياً كقوله تعالى : لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ .
كما استعملت بمعان لا علاقة لها بالوسطية والزمان والمكان ، كقوله تعالى : وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ . أي يعمل بأمره . كما يمكن النقاش في دلالتها على الوسطية في عدد من الآيات .
قال الخليل « 8/381 » : « البينونة : مصدر بانَ يَبين بَيْناً وبَينونةً ، أي قَطَع . والبينُ : الفُرْقة ، والإسم : البَيْنُ أيضاً . والبين : الوصل ، قال عز من قائل : لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ . أي وصلكم » .
وقال ابن منظور « 13/61 » : « البَيْنُ في كلام العرب جاء على
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 160 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وجْهَين : يكون البَينُ الفُرْقةَ ، ويكون الوَصْلَ وهو من الأَضداد . ويكون البَينُ إسماً وظَرْفاً مُتمكِّناً . وفي التنزيل العزيز : لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ » .
أقول : فسرها الراغب بتقطع وصلكم ، وهي هنا ظرف ، والمتقطع ما بينهم وليس نفس بينهم .
بَيَنَ- تبين - استبان - مُبِين - مُبَيَّن - بيان
يقال : بَانَ ، واسْتَبَانَ ، وتَبَيَّنَ : نحو عَجَّلَ واستعجل وتعجَّل ، وقد بَيَّنْتُهُ . قال الله سـبحانه : وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسـاكِنِهِمْ « العنكبوت : 38 » وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ . « إبراهيم : 45 » ولِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ « الأنعام : 55 » قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ « البقرة : 256 » قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ . « آل عمران : 118 » وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيـهِ . « الزخرف : 63 » وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ . « النحل : 44 » لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُـونَ فِيهِ . « النحل : 39 » فِيــهِ آياتٌ بَيِّناتٌ . « آل عمران : 97 » .
وقال : شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيّناتٍ . « البقرة : 185 » .
ويقال : آية مُبَيَّنَة اعتباراً بمن بيَّنها ، وآية مُبَيِّنَة اعتباراَ بنفسها ، وآيات مبيَّنات ومبيِّنات . والبَيِّنَة : الدلالة الواضحة ، عقلية كانت أو محسوسة . وسميَ الشاهدان بينة لقوله عليه السلام : البينة على المدعي واليمين على من أنكر .
وقال سـبحانه : أَفَمَـنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ « هود : 17 » وقال : لِيَهْلِـكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ . « الأنفال : 42 » جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ . « الروم : 9 » .
والبَيَان : الكشف عن الشئ ، وهو أعمُّ من النطق ، لأن النطق مختص بالإنسان . ويسمى ما بَيَّنَ به بياناً . قال بعضهم : البيان يكون على ضربين : أحدهما بالتسخير ، وهو الأشياء التي تدل على حال من الأحوال من آثار الصنعة . والثاني بالإختبار ، وذلك إما يكون نطقاً أو كتابةً أو إشارةً . فمما هو بيان بالحال قوله : وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إنهُ لَكُمْ عَـدُوٌّ مُبِينٌ . « الزخرف : 62 » أي كونــه عدوّاً بَيِّن في الحال . تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ . « إبراهيم : 10 » . وما هو بيان بالإختبار : فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ . « النحل : 43 »
وسُمِّيَ الكلام بياناً لكشفه عن المعنى المقصود إظهاره نحو : هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ . « آل عمران : 138 » .
وسمي ما يشرح به المجمل والمبهم من الكلام بياناً ، نحو قوله : ثُمَّ إن عَلَيْنا بَيانَهُ . « القيامة : 19 »
ويقال : بَيَّنْتُهُ وأَبَنْتُهُ : إذا جعلت له بياناً تكشفه ، نحو : لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ . « النحل : 44 » .
وقال : نَذِيرٌ مُبِينٌ . « صاد : 70 » وإنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ . « الصافات : 106 » وَلا يَكادُ يُبِينُ . « الزخرف : 52 » أي يبيّن . وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ . « الزخرف : 18 » .
ملاحظات
1 . البيان في القرآن : الإبلاغ بوضوح ، ويشمل الإبلاغ والتوضيح . وهو قانون جعله الله تعالى على نفسه : وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَ اللهُ عَلِيمٌ حَكِيـمٌ . كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ . تَعْقِلُونَ . تَهْتدُونَ . تَشْكُرُونَ . لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ . يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَ اللهُ بِكُلِّ شَئٍْ عَلِيمٌ .
وقال تعالى : وَمَا كَأن اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ . وفســرها الإمام الصادق عليه السلام : « حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه » . « الكافي : 1/163 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 161 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
واستدل العلماء بالآية على قاعدة براءة ذمة الإنسان حتى يصل اليه البيان .
2 . قانون البيان ملازمٌ لبعثة الأنبياء عليهم السلام : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ .
والبيان النبوي لا يجب أن يكون شاملاً لكل المواضيع : قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ . « الزخرف : 63 » قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ .
وبعضه يؤخره الله تعالى الى يوم القيامة : وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ .
وبعضه يؤخره الله الى إقامة دولة العدل الإلهي على يد المهدي الموعود عليه السلام ، قال تعالى : سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحق .
3 . الميزان في استحقاق العقاب الإلهي هو بيان الأنبياء والرسل عليهم السلام : لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ . وقد شرع الله قتال الذين يمنعون رسله من البيان والتبليغ ، أما بعـد البيان فـ : لاإِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ .
ولم يكن اختلاف الأمم بعد الرسل لنقص البيان ، لكن من أجل السلطة : وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ . وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ .
وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ .
4 . وسمى الله القرآن مُبِيناً : الرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ . ونوراً مبيناً : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا . وتبياناً : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَئٍْ .
ووصف التوراة بأنها كتاب مستبين : وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ .
وتكفل الله تعالى بأن يبعث للقرآن في كل عصر إماماً مُفَسِّراً ومُبَيِّناً : فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ . وجعل هذا الإمام الذي يملك اليقين والبيان الرباني ، شاهداً على الأمة بعد الرسول : أَفَمَنْ كَأن عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ .
5 . وأمر الله رسوله أن يبين للناس فبين وبلغ وأوضح . قال تعالى : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ . قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ . وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ . وكان صلى الله عليه وآله يُشهد المسلمين على أنه بَلَّغَ : « ألاهل بلغت؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد » « الكافي : 7/273 » .
6 . وسمى نبيه صلى الله عليه وآله رسولاً مبيناً : حَتَّى جَاءَهُمُ الْحق وَرَسُولٌ مُبِينٌ . ونذيراً مبيناً : وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ . وسمى القـرآن والوحي آيات بينات : وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ . وآيات مُبَيِّنات : وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ .
7 . ومن المسلمين من كان يجادل الرسول صلى الله عليه وآله حتى بعد البيان ، كالصحابة الخوافين في طريق بدر : يُجَادِلُونَكَ فِي الْحق بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأنمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ .
ومنهم من ارتد بعد البيــان والتوضيح : إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ .
8 . واستعمل القرآن لفظ المُبِين بمعنى البَيِّن الواضح في آيات عديدة ومواضيع عديدة ، فالضلال والخسران : منه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 162 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مُبِينٌ ، وغير مبين ، والعدو : منه مبين وغير مبين ، والظالم لنفسه ، والسحر ، والخصيم ، والحق ، والفتح ، والفاحشة منها مُبَيِّنَة وغير مبينه . . الخ .
9 . وأمـر الله المسلمين بالتبين والتحقق : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُـوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ . وَكُلُواوَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ .
10 . قال ابن منظور « 13/67 » : « بانَ الشئُ بَياناً : اتَّضَح فهو بَيِّنٌ ، والجمع أَبْيِناءُ ، مثل هَيِّنٍ وأَهْيِناء . وكذلك أَبانَ الشئُ فهو مُبينٌ . وأَبَنْتُه أَي أَوْضَحْتُه . واستَبانَ الشئُ : ظهَر . واستَبَنْتُه أَنا : عرَفتُه . وتَبَيَّنَ الشئُ : ظَهَر ، وتَبيَّنْته أَنا . تتعدَّى هذه الثلاثةُ ولا تتعدَّى .
وقوله عز وجل : وهو في الخِصام غيرُ مُبين ، يريد الأُنثى لا تكاد تَسْتَو في الحجةَ ولا تُبينُ .
وقوله عز وجل : لا تُخْرِجوهُنَّ من بيوتهنّ ولا يَخْرُجْنَ إلا أَن يأْتِين بفاحِشةٍ مُبَيِّنة . أَي ظاهرة .
وقوله عز وجل : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَئٍ . أَي بُيِّنَ لك فيه كلُّ ما تحتاج إليه أَنت وأُمتُك من أَمر الدِّين ، وهذا من اللفظ العامِّ الذي أُريد به الخاصُّ ، والعرب تقول : بَيَّنْت الشئَ تَبْييناً وتِبْياناً بكسر التاء .
وقال الزجاج في قوله تعالى : خَلَق الإِنْسان علَّمَه البيانَ . قيل إنه عنى بالإِنسان هاهنا النبي صلى الله عليه وآله علَّمَه البيان أَي علَّمه القرآنَ . ويجوز في اللغة أَن يكون الإِنسانُ إسماً لجنس الناس جميعاً » .
وقد أجاد ابن منظور حيث جعل المخاطب بأن القرآن فيه تبيان كل شئ هو النبي صلى الله عليه وآله لأنه هو الذي عنده علم الكتاب . أما الأمة فلا تفهم من القرآن تبيان كل شئ ، ولا تبيان أكثر الأشياء والأمور . فلا يفهمه حق فهمه إلا من أوتي علمه . وهذا معنى قول أهل البيت عليهم السلام إنما يعرف القرآن من خوطب به . « الكافي : 8/312 » .
بَوَّأَ - تبوأ - بَوَاء
أصل البَوَاء : مساواة الأجزاء في المكان ، خلاف النَّبْو الذي هو منافاة الأجزاء . يقال : مكان بَوَاء : إذا لم يكن نابياً بنازله ، وبَوَّأْتُ له مكاناً : سوَّيته فَتَبَوَّأَ ، وبَاءَ فلان بدم فلان يَبُوءُ به أي ساواه ، قال تعالى : وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً . « يونس : 87 » وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ . « يونس : 93 » تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ . « آل عمران : 121 » يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ « يوسف : 56 » .
وروي أنه عليه السلام كان يتبوَّأ لبوله كما يتبوَّأ لمنزله . وبَوَّأْتُ الرمح : هيأت له مكاناً ، ثم قصدت الطعن به . وقال : من كذب عليَّ متعمداً فليتبوَّأ مقعده من النار . وقال الراعي في صفة إبل :
لها أمرُها حتى إذا ما تَبَوَّأتْ
بأخفافها مأوىً تبوأَ مضجعا
أي يتركها الراعي حتى إذا وجدت مكاناً موافقاً للرعي طلب الراعي لنفسه متبوأً لمضجعه .
ويقال : تَبَوَّأَ فلان ، كناية عن التزوج كما يعبر عنه بالبناء فيقال : بنى بأهله .
ويستعمل البَوَاء في مراعاة التكافؤ في المصاهرة والقصاص ، فيقال : فلان بُوَاءٌ لفلان إذا ساواه وقوله عز وجل : باءَ بِغَضَبٍ مِنَ الله . « الأنفال : 16 » أي حلَّ مُبَوّأً ومعه غضب الله ، أي عقوبته . وقوله : بِغَضَبٍ في موضع حال ، كخرج بسيفه أي رجع ، لامفعول نحو : مرَّ بزيد .
واستعمال بَاءَ تنبيهاً على أن مكانه الموافق يلزمه فيه غضب الله ، فكيف غيره من الأمكنة ، وذلك على حد ما
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 163 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ذكر في قوله : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ . « آل عمران : 21 »
وقوله : إني أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ . « المائدة : 29 » أي تقيــم بهذه الحالة . قال : أنكرتَ باطلَهَا وبُؤْتَ بحقِّها . وقول من قال : أقررت بحقها ، فليس تفسيره بحسب مقتضى اللفظ . والبَاءَة كناية عن الجماع .
وحكي عن خلف الأحمر أنه قال في قولهم حَيَّاك الله وبَيَّاك : إن أصله : بَوَّأك مَنْزِلاً ، فغُيِّر لازدواج الكلمة ، كما غير جمع الغداة في قولهم : آتيه الغدايا والعشايا .
ملاحظات
1 . فسر الراغب « بَاءَ » بأنه تساوت أجزاء بدنه في المكان وجلس فيه براحة . وجعله مقابل : نَبَا به المكان وفسره بتفاوت أجزاء بدنه فيه . لكن ذلك لم يرد في العربية للنزول والسكن والجلوس .
وقد أخذه من ابن فارس حيث جعله أصلين فقال : « 1/312 » : « الرجوع إلى الشئ ، والآخر تساوي الشيئين » . وقصد ابن فارس تساويهما في القصاص والدية ، تقول : فلان بواءٌ بفلان ، أي كفؤٌ له إن قتل به .
والصحيح أن باءَ من البيئة ، تقول العرب : إِنه لَحَسَنُ البِيئةِ أَي هيئة التبَوُّءِ ، وتسمي المنزل : البيئة والباءَة والمباءَة . قال ابن منظور « 1/36 » : « وأَباءَه مَنْزِلاً وبَوَّأَه إيَّاه وبَوَّأَه له وبَوَّأَه فيه ، يعني هَيَّأَه له وأَنْزَلَه ومَكَّنَ له فيه . والإسم : البِيئةُ . وإِنه لَحَسَنُ البِيئةِ أَي هيئة التبَوُّءِ . وباءَتْ بِبيئةِ سُوءٍ ، أَي بحالِ سُوءٍ . وفي الحديث : مَن كَذَبَ عَليَّ مُتَعَمِّداً ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه من النار : لِيَنْزِلْ مَنْزِله مِن النار » . وقال : « وسُمي النكاحُ باءَةً وباءً من المَباءَةِ لأَن الرجل يَتَبَوَّأُ من أَهله أَي يَسْتَمْكِنُ من أَهله ، كما يَتَبَوَّأُ من دارِه . والهاء في الباءة زائدة ، والناسُ يقولون : الباه » .
ويؤيد ما قلناه : أن كل موارد المادة في القرآن يصح تفسيرها بالبيئة والجو المادي والمعنوي ، ولا يصح تفسيرها بالرجوع والمساواة .
فمعنى قوله تعالى : تَبَوَآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً : اختارا بيوتاً في بيئة مناسبة . ومعنى : باءَ بسخط من اللَّه : تحمل الجو المعنوي من السخط . ومعنى : إِذْ بَوَأْنَا لآبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ : جعلنا بيئة البيت مناسبة ، وأعطيناه لإبراهيم وذريته .
ومعنى : وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ : أورثنا الأرض ، لكنا نختار لسكننا الجنة .
ومعنى : وَبَوَأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا : جعلناكم في بيئة مناسبة من الأرض .
فعنصر البيئة والجو المادي أو المعنوي داخل في كل استعمالات المادة .
أما معنى المساواة في باءَ ، فليس من البيئة بل من قولهم : باوَأْتُ بين القَتْلى : أَي ساوَيْتُ . وقولهم : هم بَواءٌ أَي أَكْفاءٌ . وفي الحديث : الجِراحاتُ بَواءٌ ، أي مُتَساويةٌ في القِصاص ، فلا يُؤْخَذُ إلا مِثْلُ جِراحَتِه سَواءً ، وذلك البَواءُ .
وكذلك معنى الرجوع في قولك باءَ به ، فهو رجوع معنوي بمعنى تحمل نتيجة عمله وصار عليه وليس رجوعاً حقيقياً .
2 . ذكر الراغب أربع آيات وردت فيها مادة : بَاءَ ، من بضع عشرة آية . ومنها : قوله تعالى عمن فرَّ من القتال الى الصفوف الخلفية في بدر : وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ .
ومنها : لمن سرق من الغنائم أو اتهم النبي صلى الله عليه وآله بأنه سرق ! أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ .
ومنها : ثلاث آيات في بَوْء اليهود بغضب الله : وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 164 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومنها : على لسان هابيل لأخيه قابيل : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ .
ومنها : عن قوم هود : خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَـادٍ وَبَوَأَكُمْ فِي الأَرْضِ .
ومنها : تبويئ إبراهيم عليه السلام مكان البيت : إِذْ بَوَأْنَا لآبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ .
ومنها : تبويئ بني إسرائيــل : وَلَقَدْ بَوَانَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَأَ صِدْقٍ .
ومنها : تبويئ المقاتلين أمكنتَهم : وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ .
ومنها : وعدٌ للمهاجرين الذين فقدوا بيوتهم : وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُـوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسنة .
ومنها : وعدٌ للمؤمنين في الآخرة : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَـاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًـا . نَتَبَوَأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ . وروي أنها في المهدي وأصحابه .
ومنها : مدحٌ للأنصار : وَالَّذِينَ تَبَوَءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ .
ومنها : في يوسف عليه السلام : مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ .
ومنها : عن موسى وهارون عليهما السلام : وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا .
البَاء
الباء : يجئ إما متعلِّقا بفعل ظاهر معه ، أو متعلِّقاً بمضمر . فالمتعلق بفعل ظاهر معه ضربان : أحدهما : لتعدية الفعل ، وهو جارٍ مجرى الألف الداخل على الفعل للتعدية نحو : ذهبت به وأذهبته . قال تعالى : وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً . « الفرقان : 72 » . والثاني : للآلة نحو : قطعه بالسكين .
والمتعلِّق بمضمر : يكون في موضع الحال نحو : خرج بسلاحه ، أي وعليه السلاح أو معه السلاح . وربما قالوا تكون زائدة نحو : وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا . « يوسف : 17 » وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ . « الشعراء : 114 » وَكَفى بِنا حاسِبِينَ « الأنبياء : 47 » .
وفي كل ذلك لا ينفك عن معنىً ربما يدقُّ ، فيتصور أن حصوله وحذفه سواء ، وهما في التحقيق مختلفان ، سيما في كلام من لا يقع عليه اللغو . فقوله : وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا . « يوسف : 17 » فبينه وبين قولك : ما أنت مؤمناً لنا فرق ، فالمتصوَّر من الكلام إذا نصبتَ ذاتٌ واحدة ، كقولك : زيد خارج ، والمتصور منه إذا قيل : ما أنت بمؤمن لنا ، ذاتان ، كقولك : لقيت بزيد رجلاً فاضلاً ، فإن قوله رجلاً فاضلاً وإن أريد به زيد ، فقد أخرج في معرض يتصور منه إنسان آخر ، فكأنه قال : رأيت برؤيتي لك آخر هو رجل فاضل . وعلى هذا : رأيت بك حاتماً في السخاء .
وعلى هذا : وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ . « الشعراء : 114 » وقوله تعالى : أَلَيْسَ الله بِكافٍ عَبْدَهُ . « الزمر : 36 »
وقوله : تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ . « المؤمنون : 20 » قيل معناه : تنبت الدهن ، وليس ذلك بالمقصود بل المقصود أنها تنبت النبات ومعه الدهن ، أي والدهن فيه موجود بالقوة . ونبه بلفظة بِالدُّهْنِ على ما أنعم به على عباده وهداهم إلى استنباطه . وقيل : الباء هاهنا للحال ، أي حاله أن فيه الدهن . والسبب فيه أن الهمزة والباء اللتين للتعدية لا يجتمعان .
وقوله : وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً « الفتح : 28 » فقيل : كفى الله شهيداً ، نحو : وَكَفَى الله الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ . « الأحزاب : 25 » الباء زائدة ، ولو كان ذلك كما قيل لصح أن يقال : كفى بالله المؤمنين القتال ، وذلك غير سائغ ، وإنما يجئ ذلك حيث يذكر بعده منصوب في موضع الحال ، كما تقدم ذكره . والصحيح أن كفى هاهنا موضوع موضع إِكْتَفِ ، كما أن قولهم : أحسن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 165 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بزيد موضوع موضع ما أحسن ، ومعناه : إِكْتَفِ بالله شهيداً . وعلى هذا : وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً . « الفرقـان : 31 » وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا . « النساء : 132 » وقوله : أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ إنهُ عَلى كل شَئ شَهِيدٌ . « فصلت : 53 » وعلى هذا قوله : حُبَّ إليَّ بفلان ، أي أحْبِبْ إليَّ به .
ومما ادُّعي فيه الزيادة : الباء في قوله : وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهْلُكَةِ . « البقرة : 195 » قيـل تقديره : لاتلقوا أيديكم ، والصحيح أن معناه لاتلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة ، إلا أنه حذف المفعول استغناء عنه وقصداً إلى العموم ، فإنه لايجوز إلقاء أنفسهم ولا إلقاء غيرهم بأيديهم إلى التهلكة .
وقال بعضهم : الباء بمعنى من في قوله : عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ . « المطففين : 28 » عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ الله . « الإنسان : 6 » والوجه ألا يصرف ذلك عما عليه ، وأن العين هاهنا إشارة إلى المكان الذي ينبع منه الماء لا إلى الماء بعينه ، نحو : نزلت بعين ، فصار كقولك : مكاناً يشرب به ، وعلى هذا قوله تعالى : فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ . « آل عمران : 188 » أي بموضع الفوز . و الله تعالى أعلم .
ملاحظات
1 . في الباء بحوث ، نكتفي منها بخلاصة ما قاله ابن هشام في المغني « 1/101 » :
« الباء المفردة : حرف جر ، لأربعة عشر معنى :
أولها : الإلصاق ، قيل وهو معنى لا يفارقها ، فلهذا اقتصر عليه سيبويه .
الثاني : التعدية ، وهي المعاقبة للهمزة في تصيير الفاعل مفعولاً ، وأكثر ما تُعَدِّي الفعل القاصر ، تقول في ذهب زيد : ذهبت بزيد ، وأذهبته ، ومنه : ذهب الله بنورهم .
الثالث : الإستعانة ، وهي الداخلة على آلة الفعل نحو : كتبت بالقلم . ونجرت بالقدوم . وقيل : ومنه باء البسملة .
الرابع : السببية نحو : إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ . فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ .
الخامس : المصاحبة ، نحو : اهْبِطْ بِسَلَامٍ . أي معه . وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ . الآية . وقد اختلف في الباء من قوله تعالى : فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ، فقيل : للمصاحبة والحمد مضاف إلى المفعول أي فسبحه حامداً له ، أي نزهه عما لا يليق به .
والسادس : الظرفية نحو : وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ بِبَدْرٍ . نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ .
والسابع : البدل ، كقول الحماسي :
فليتَ لي بهمُ قوماً إذا ركبوا
شَنُّوا الإغارة فرساناً وركباناً
والثامن : المقابلة وهي الداخلة على الأعواض ، ومنه : ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ .
والتاسع : المجاوزة كعن ، فقيل تختص بالسؤال نحو : فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا .
العاشر : الإستعلاء نحو : مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ . .
الثاني عشر : القسم ، وهو أصل أحرفه ، نحو : أقسم بالله لتفعلن .
الثالث عشر : الغاية نحو وَقَدْ أَحْسَنَ بِي ، أي إليَّ .
الرابع عشر : التوكيد ، نحو : كَفَى بِاللَّـهِ شَهِيدًا .
2 . الصحيح ما قاله الراغب من عدم زيادة الباء في هذه الموارد ، بل عدم وجود زيادة في ألفاظ في القرآن ، ولا في كلام المعصومين عليهم السلام ، ولا في اللغة العربية . وينبغي التنبيه الى أن النحاة يؤكدون على وصف الزيادة باللفظية ، لكنهم يجعلونها زيادة في المعنى !
تمَّ كتاب الباء .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 166 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب التاء وما يتصل بها

ت
يشمل 27 مفردة و 25 ملاحظة
تَبَّ - تباب - استتبَّ
التَبُّ والتبَابُ : الإستمرار في الخسران ، يقال : تَبّاً له وتَبٌّ له ، وتَبَبْتُهُ : إذا قلت له ذلك ، ولتضمن الإستمرار قيل : اسْتَتَبَّ لفلان كذا ، أي استمر . وتَبَّتْ يَدا أَبي لَهَبٍ « المسد : 1 » أي استمر في خسرانه ، نحو : ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ « الزمر : 15 » وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ « هود : 101 « أيتخسير . وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ . « غافر : 37 » .
ملاحظات
1 . جمع الراغب بين التب والتباب ، وفسره بالخسران المستمر ، لكن الخليل فسر التب بالخسران والتباب بالهلاك ، ولم يذكر الإستمرار ، وهو أدق من الراغب « 8/111 » ، وقال : وتببت القوم أي قلت لهم : تباً لكم . . واستتبَّ له الأمر أي تهيأ » .
وجمع بينهما الجوهري فقال « 1/90 » : « التباب : الخسران والهلاك . . وتقول : تباً لفلان ، تنصبه على المصدر بإضمار فعل ، أي ألزمه الله هلاكاً وخسراناً . . واستتب الأمر : تهيأ واستقام » . وتفريقهما أصح لقول الإمام الحسين عليه السلام في خطبته : تباً لكم أيتها الجماعة وتَرَحاً . « الإحتجاج « 2/24 » . فلو كان التب الهلاك لما أضاف اليه الترح . والترَح ضد الفرح .
2 . شك ابن فارس « 1/341 » في صحة اسْتِتَبَّ فقال : « يقولون : اسْتَتَبَّ الأمرُ إذا تهيأ ، فإن كانت صحيحة ، فللباب إذاً وجهان : الخسران والإستقامة » . وهي صحيحة ، فقد ذكرها الخليل ، ووردت في دعاء الإمام السجاد عليه السلام وهو من أفصح من نطق بالضاد ، قال في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله : « حَتَّى اسْتَتَبَّ لَه مَا حَاوَلَ فِي أَعْدَائِكَ ، واسْتَتَمَّ لَه مَا دَبَّرَ فِي أَوْلِيَائِكَ . « الصحيفة السجادية/34 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 167 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولا يبعد أن يكون أصل استتب : استتم ، لأنه لا علاقة له بالتب ، والعرب تبدل حرفاً بحرف . وبهذا تعرف تعرف خطأ الراغب في معنى استتب .
تَابُوت
التابُوت : فيما بيننا معروف . أَنْ يَأْتِيَكُمُ التابُوتُ . « البقرة : 248 » قيل كان شيئاً منحوتاً من الخشب فيه حكمة ، وقيل عبارة عن القلب والسكينة عما فيه من العلم ، وسمي القلب سفط العلم ، وبيت الحكمة وتابوته ، ووعاؤه وصندوقه ، وعلى هذا قيل : إجعل سرَّك في وعاءٍ غير سَرِب . وعلى تسميته بالتابوت قال عمر لابن مسعود رضي الله عنهما : كنيف ملئ علماً .
ملاحظات
1 . التابوت : كما في قاموس الكتاب المقدس/209 : « صندوق صنعه موسى بأمره تعالى ، طوله ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف وارتفاعه ذراع ونصف . وكان مصنوعاً من خشب السنط « شجر صحراوي » ومُغَشَّى بصفائح ذهب نقي ، من داخل ومن خارج ، ويحيط برأسه إكليل من ذهب ، فوقه غطاء من ذهب نقي . وفوق كل طرف من الغطاء كَرُّوبٌ « صورة ملك » من ذهب يظلل الغطاء . وعلى كل من جانبي التابوت حلقتان من ذهب لعصوي التابوت المصفحتين بالذهب لحمل التابوت . وكان المنوط بحراسته وحمله بنو فهات من اللاويين . « عد3 : 29 » .
وفي معاني الأخبار/284 : « سألته « الإمام الرضا عليه السلام » فقلت : جعلت فداك ما كان تابوت موسى وكم كان سعته؟ قال : ثلاثة أذرع في ذراعين . قلت : ما كان فيه؟ قال : عصى موسى والسكينة . قلت : وما السكينة؟ قال : روح الله يتكلم . كانوا إذا اختلفوا في شئ كلمهم وأخبرهم ببيان مايريدون » .
2 . ورد التابوت في آيتين : في قوله تعالى : أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ . وقوله تعالى : إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَاتِيَكُمُ التابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ .
وفي تفسير القمي « 2/135 » في تفسير قوله تعالى : « وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَاتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ : وكان التابوت الذي أنزل الله على موسى عليه السلام فوضعته فيه أمه وألقته في اليم ، فكان في بني إسرائيل معظماً يتبركون به ، فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح وما كان عنده من آيات النبوة ، وأودعه يوشع وصيه ، فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به . . فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم . فلما سألوا النبي بعث الله طالوت عليهم يقاتل معهم ، رد الله عليهم التابوت » . وبهذا تعرف أن النتابوت صنعه الله لموسى عليه السلام وهو طفل ، ولم يصنعه موسى كما في قاموس الكتاب المقدس .
وفي الكافي « 1/238 » عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « إنما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل ، كانت بنو إسرائيل أيُّ أهل بيتٍ وُجد التابوت على بابهم أوتوا النبوة ، فمن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة » .
تَبَرَ - تتبيراً - مُتَبَّر
التبْر : الكسر والإهلاك ، يقال : تَبَرَهُ وتَبَّرَهُ . قال تعالى : إن هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ « الأعراف : 139 » وقال : وَكلا تَبَّرْنا تَتْبِيراً . « الفرقان : 39 » وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً « الإسراء : 7 » وقوله تعالى : وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَاراً . « نوح : 28 « أي هلاكاً .
ملاحظات
1 . يسمي الناس الذهب قبل تصفيته التبر وتراب الذهب . قال الخليل « 8/117 » : « التبر : الذهب والفضة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 168 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قبل أن يعملا . ويقال : كل جوهر قبل أن يستعمل تبر من النحاس والصفر » . وقال ابن فارس « 1/362 » : « أصلان متباعدٌ ما بينهما : أحدهما الهلاك ، والآخر جوهر من جواهر الأرض . . فالأول قولهم تبر الله عمل الكافر ، أي أهلكه وأبطله . قال الله تعالى : إنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . والأصل الآخر التبر ، وهو ما كان من الذهب والفضة غير مصوغ » .
وقد جعلهما الراغب أصلاً واحداً وفسره بالكسر والإهلاك ، ولا يصح ذلك لأن تتبير الشئ بمعنى سحقه وإهلاكه يجعله متبراً ، وهو غير التبر المسحوق بنفسه ، تقول : تبرته فصار متبراً ، ولا تقول : صار تبراً . فالأقرب أنهما أصلان .
2 . ورد في القرآن تتبير علو اليهود في حرب المسلمين الموعودة معهم : وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً . أي ليسحقوا بنيانهم وطغيانهم سحقاً .
وفي إهلاك الأمم الكافرة في قوله تعالى : وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا . وَكُلاً ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلاً تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا . « الفرقان : 38-39 » .
وفي جواب موسى عليه السلام لطلب اليهود : قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ . إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . أي أن عبادتهم للأصنام وعكوفهم عليها ، متبرة هالكة .
تَبِعَ - اتَّبع - تبيع - أتْبَعَه - تُبَّع
يقال : تَبِعَهُ واتَّبَعَهُ : قفا أثره ، وذلك تارةً بالجسم وتارةً بالإرتسام والإئتمار . وعلى ذلك قوله تعالى : فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِـمْ وَلاهُمْ يَحْزَنُونَ « البقرة : 38 » قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً . « يس : 20 » فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ « طه : 123 » إِتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ « الأعراف : 3 « وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ . « الشعراء : 111 » وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي . « يوسف : 38 » ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ « الجاثية : 18 » وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ . « البقرة : 102 » وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّـيْطانِ . « البقرة : 168 » إنكُمْ مُتَّبَعُونَ . « الدخان : 23 » وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيــلِ الله . « صـاد : 26 » هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِي . « الكهف : 66 » وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ . « لقمان : 15 » .
ويقال : أَتْبَعَه إذا لحقه ، قال تعالى : فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ . « الشعراء : 60 » ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً « الكهف : 89 » وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً « القصص : 42 » فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ « الأعراف : 175 » فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً . « المؤمنون : 44 » .
يقال أَتْبَعْتُ عليه ، أي أحلت عليه . ويقال أُتْبِعَ فلان بمال ، أي أحيل عليه .
والتبِيع : خُصَّ بولد البقر إذا تبع أمه . والتبَعُ : رِجْلُ الدابة وتسميته بذلك كما قال :
كأنما اليدانِ والرجلان طالِبتَا وِتْرٍ وهَاربانِ
والمُتْبِعُ من البهائم : التي يتبعها ولدها . وتُبَّعٌ : كانوا رؤساء سَمُّوا بذلك لاتِّباع بعضهم بعضاً في الرياسة والسياسة . وقيل : تُبَّع ملكٌ يتبعه قومه ، والجمع التبَابِعَة ، قال تعالى : أَهُـمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ « الدخان : 37 » . والتَّبَّعُ : الظل .
ملاحظات
1 . أخذ الراغب تعريف تَبِعَ من الخليل . كما وافق ابنَ فارس فجعل تَبِعَهُ واتَّبَعَهُ بمعنى واحد ، مع أن تَبِعَ أعم من اتَّبع وأقل مؤونة ، واتَّبع أشد في الإقتفاء .
والإتِّباع في القرآن أنواع ، فمن ذلك : ما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وآله باتباعه : مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ . مَا يُوحَى إِلَيْكَ . مِلَّةَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 169 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إِبْرَاهِيمَ . سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ . فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ . شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ .
وما نهى رسوله صلى الله عليه وآله عن اتباعه : وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ . أهواء قوم قد ضلوا من قبل . أهواء الذين كذبوا بآياتنا . أهواء الذين لايعلمون . سبيل المفسدين . ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله .
وما أمر الله الناس باتباعه : مَا أَنزَلَ اللَّهُ . أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم . يَسْـتَمِعُونَ الْقوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ . فَاتَّبِعُونِي . وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْـتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ . كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ . فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُـولِهِ . وَاتَّبِعُوهُ . يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ . إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ . مِّلَّةِ إِبْرَاهِيـمَ . لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ . وَاتَّبَعُـوا رِضْوَانَ اللَّهِ . وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ . كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ . وكذا اتباع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار .
وما نهى الناس عن اتباعه ، مثل : الهوى . أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا . مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ . خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ . وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ . وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ . . إن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ . قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا . وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ . وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ .
ومن موارد الإتباع : العلاقة بين حب الله تعالى واتباع الرسول صلى الله عليه وآله : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِى .
وأن المتبعين للنبي صلى الله عليه وآله كانــوا بعض المسلمين وليس كلهم : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .
ومقابلة اتباع الرسول صلى الله عليه وآله بالإنقلاب : وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ .
2 . استعمل الله تعالى أفعالاً لطلب الإستجابة لرسله عليهم السلام ، منها : إستجيبوا ، أطيعوا ، آمنوا ، اتبعوا ، الخ . ولكل منها أبعاد وخصائص ، ولعل أوسعها الإتباع الذي يعني أن الرسول عليه السلام يسير أمام الناس ، وعليهم أن يتبعوه ، لأنه يوصلهم الى الهدف ويجنبهم الضلال . كما أن القرآن ميز بين تبع واتبع ، فعبر بكل منهما في موارد ، والفرق بينهما في شدة الإتباع ، وقد يكون في نوع الإتباع ، أو المتبوع ، وبينهما فروق .
3 . ذكر القرآن التبابعة في آيتين : أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَأنوا مُجْرِمِينَ . . وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ . وقال المسعودي في مروج الذهب « 2/88 » : « كان لليمن ملوك لايُدْعَوْنَ بالتبابعة ممن تقدم وتأخر منهم ، حتى ينقاد الى ملكه أهل الشِّحْر وحضرموت ، فحينئذ يستحق أن يسمى تُبَّعاً ، ومن تخلف عن ملكه ممن ذكرنا سمي ملكاً ، ولم يطلق عليه اسم تُبَّع » . وأهل الشَّحْر : ما بين عدن وعمان .
وقال ابن خلدون « 1/358 » : « فالفرسُ طالت مدتهم آلافاً من السنين ، وكذلك القبط والنبط والروم ، وكذلك العرب الأولى من عاد وثمود والعمالقة والتبابعة » .
تَتْرَى - مواترةً
تَتْرَى على فَعْلَى ، من المواترة ، أي المتابعة وتراً وتراً ، وأصلها واو فأبدلت ، نحو تُراث وتِجاه . فمن صرَفَه جعل الألف زائدة لا للتأنيث ، ومن لم يَصْرِفْهُ جعل ألفه للتأنيث . قال تعالى : ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا . « المؤمنون : 44 » أي متواترين . قال الفرَّاء : يقال تترى في الرفع ، وتترى في الجر وتترى في النصب . والألف فيه بدل من التنوين وقال ثعلب : هي تفعل .
ملاحظات
فسر الراغب تترى بالتتابع ، لكن اللغويين فسروها بالتتابع مع فاصلة . قال ابن منظور « 5/276 » : « قوله تعالى : ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا ، من تتابع الأَشياء وبينها فَجَواتٌ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 170 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفَتَراتٌ ، لأَن بين كل رسولين فَتْرَةً . . قال محمد بن سلام : سأَلت يونس عن قوله تعالى : ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا ، قال : مُتَقَطِّعَةً مُتَفاوِتَةً . وجاءت الخيل تَتْرى إِذا جاءت متقطعة ، وكذلك الأَنبياء : بين كل نبيين دهر طويل » .
ويؤيده قول أمير المؤمنين عليه السلام في وصف الطاووس « نهج : 2/74 » : « وقد يتَحَسَّرُ من ريشه ، ويَعْرَى من لباسه ، فيسقط تترى ، وينبت تِبَاعاً » . فجعل سقوط ريشه تترى ، في مقابل نباته المتتابع .
ويؤيده أن الخليل تحفظ من اتصال التتابع فقال : « 8/133 » : « وقيل : تترى ، أي رسولاً بعد رسول » .
تَجِرَ - يتَّجر - تجارة - تاجر
التجَارَة : التصرف في رأس المال طلباً للربح ، يقال : تَجَرَ يَتْجُرُ ، وتَاجِر وتَجْر ، كصاحب وصحب ، قال : وليس في كلامهم تاء بعدها جيم غير هذا اللفظ ، فأما تجاه : فأصله وجاه ، وتجوب : التاء للمضارعة . وقوله تعالى : هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ « الصف : 10 » فقد فسَّر هذه التجارة بقوله : تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ « الصف : 11 » إلى آخر الآية . وقال : اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ « البقرة : 16 » إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجــارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ . « النســاء : 29 » تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ . « البقرة : 282 » .
قال ابن الإعرابي : فلان تاجرٌ بكذا ، أي حاذقٌ به عارف لوجه المكتسب منه .
ملاحظات
استعمل القرآن التجارة ، بالمعنى المادي في آيتين بَيَّنَ فيهما بعض أحكامهـا : إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجـارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ . تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ .
واستعملها في ست آيات في التجارة مع الله تعالى ، وأنها أفضل من التجارة المادية : هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ . رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ . يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ . مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَـارَةِ . الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ . وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَـارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا .
واستعمال التجارة للإيمان والعمل الصالح من ابتكارات الإسلام ، وقد سمى أمير المؤمنين عليه السلام كل الحياة تجارة فقال : » صبروا أياماً قصيرة ، أعقبتهم راحة طويلة ، تجارة مربحة ، يسرها لهم ربهم » . « نهج البلاغة : 2/161 » .
تَحْتَ - تُحوت
تَحْت : مقابل لفوق ، قال تعالى : لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ . « المائدة : 66 » . وقوله تعالى : جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ « الحج : 23 » تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ . « يونس : 9 » . فَناداها مِنْ تَحْتِها . « مريم : 24 » يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ . « العنكبوت : 55 » .
وتحت : تستعمل في المنفصل ، وأسفل في المتصل ، يقال : المال تحته ، وأسفله أغلظ من أعلاه ، وفي الحديث : لاتقوم الساعة حتى يظهر التحُوت أي الأراذل من الناس . وقيل : بل ذلك إشارة إلى ما قال سبحانه : وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ . « الإنشقاق : 3 » .
ملاحظات
1 . قوله إن تحت تستعمل في المنفصل ، صحيح ، لأن معنى كونه تحته أنه غيره . أما قوله إن أسفل للمتصل فلا يصح ، إلا إذا قلت أسفل الشئ بمعنى آخره السفلي ، . أما إذا قلت أسفل منه فمعناه أنه غيره ، كقوله تعالى : وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ . إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ . فلا اتصال هنا . وكذلك قوله : ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ، فلا اتصال بل تغيُّرٌ الى الأسفل .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 171 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 . لم أجد كلمة التحوت جمع تحت إلا عند أبي هريرة ، فقد زعم أن النبي صلى الله عليه وآله ذكر علامات الساعة وقال : « تظهر التحوت على الوعول » . « الصحاح : 5/1843 » . ورواه في مجمع الزوائد « 7/324 » وصححه . لكنه بعيد عن تعبير النبي صلى الله عليه وآله .
3 . وردت تحت في وصف الجنات التي تجري من تحتها الأنهار أكثر من ثلاثين مرة . وفي آية واحدة منها : أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ . وفي آيتين : لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ . لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ . وفي آية واحدة للذين اتبعوهم بإحسان : وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى تَحْتَهَا الأَنْهَارُ . بدون من . وبحث فروقها خارج عن غرضنا .
كما أن التحتية في الدنيا نسبية كقول فرعون : أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِى مِنْ تَحْتِى . أما في الآخرة فقد تكون تحتية حقيقية ، وتكون الأنهار والمياه جارية تحت كل الجنة أو تحت القصر ، كما في صرح سليمان : قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ ، فقد كان قاعة أرضها زجاجية تحتها الماء .
تَخِذَ - اتَّخذ
تَخِذَ : بمعنى أخذ ، قال : وقد تَخِذَتْ رِجلي إلى جَنْبِ غِرْزِهَا * نَسِيفاً كأُفحوص القَطاةِ المُطَرَّقِ واتّخذ : افتعل منه ، أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي « الكهف : 50 » قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ الله عَهْداً « البقرة : 80 » وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ الله آلِهَةً « مريم : 81 » وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى « البقرة : 125 » لا تَتَّخِـذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ « الممتحنة : 1 » لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً « الكهف : 77 » .
ملاحظات
إتَّخَذَ : أشد من تَخِذَ في التبني ، كما أن اتَّبَع أشد من تَبِعَ في الإقتداء . وتخذ في البيت الذي استشهد به بالتخفيف ، ولم يستعمل القرآن فعل تَخِذَ بالتخفيف أبداً ! ومعنى البيت : أن هذا البدوي العنيف ركب ناقته وكان ينخسها لتسرع ، فأثَّرَ عقب رجله في جنبها كمبيض القطاة ، وعبر عنه بأن رجله تَخِذت نسيفاً في جنب ناقته ، أي حفرة .
ومن ضعف سليقة الراغب أنه استشهد ببيت عامي غير بليغ ، ولا وجود لمادته في القرآن !
تَرِبَ - تراب - أَتْرَبَ - أتراب- تَرْبَاء
الترَاب : معروف ، قال تعالى : أَإِذا كُنَّا تُراباً . « الرعد : 5 » وقال تعالى : خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ . « فاطر : 11 » يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً . « النبأ : 40 » . وتَرِبَ : افتقر ، كأنه لصق بالتراب ، قال تعالى : أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ . « البلد : 16 » أي ذا لصوق بالتراب لفقره . وأَتْرَبَ : استغنى ، كأنه صار له المال بقدر التراب .
والترْبَاء : الأرض نفسها . والتيْرَب واحد التيَارب . والتوْرَب والتوْرَاب : التراب .
وريح تَرِبَة : تأتي بالتراب ، ومنه قوله عليه السلام : عليك بذات الدين تَرِبَتْ يداك . تنبيهاً على أنه لا يفوتنك ذات الدين ، فلا يحصل لك ما ترومه فتفتقر من حيث لا تشعر . وبارح تَرِبٌ : ريح فيها تراب .
والترائب : ضلوع الصدر ، الواحدة : تَرِيبَة . قال تعالى : يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالترائِبِ . « الطارق : 7 » .
وقوله : أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً . « الواقعة : 36 » وَكَواعِبَ أَتْراباً « النبأ : 33 » وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطرْفِ أَتْرابٌ « صاد : 52 » أي لِدَاتٌ تنشأن معاً تشبيهاً في التساوي والتماثل بالترائب التي هي ضلوع الصدر . أو لوقوعهن معاً على الأرض . وقيل لأنهن في حال الصبا يلعبن بالتراب معاً .
ملاحظات
قال ابن فارس « 1/346 » : « أصلان ، أحدهما : التراب وما يشتق منه ، والآخر : تساوي الشيئين . فالتِّرْبُ : الخِدْنُ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 172 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والجمع أتراب ، ومنه التريب وهو الصدر عند تساوي رؤوس العظام » .
وقال ابن منظور « 1/327 » : « وقوله عز وجل : خُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍ يَخْرُج من بينِ الصُّلْب والترائبِ . قال أَهل اللغة أَجمعون : الترائبُ موضع القِلادةِ من الصَّدْرِ » .
وقد جعل الراغب وأكثر اللغويين مادة ترب أصلاً واحداً ، فيكون معنى الأتراب الذين كانوا يلعبون معاً بالتراب ، وهو رأي قوي .
وأضاف اليها الخليل « 8/117 » معنى النشاط فقال : « الترب والتريب : اللدة ، وهما تربان ، وقوله عز وجل : عُرُبَا أتراباً ، أي نشاطاً أمثالاً . والتريبة : ما فوق الثندوتين إلى الترقوتين ، وتجمع الترائب » .
تَرِثَ - تراث
وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ . « الفجر : 19 » أصله : وُرَاثٌ ، وهو من باب الواو .
تَفَثَ - تَفَثَاً
قال تعالى : ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ . « الحج : 29 » أي يزيلوا وسخهم . يقال : قضى الشئ يقضي : إذا قطعه وأزاله . وأصل التفْث وسخ الظفر وغير ذلك مما شابه أن يزال عن البدن . قال أعرابي : ما أَتْفَثَكَ وأدْرَنَك .
ملاحظات
ورد التفث في آية واحدة في مناسك الحج ، قال تعالى : ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ . والمعروف في معناه أنه يشمل الوسخ المادي والمعنوي ، أي ليزيلوا تفثهم ، لكن ورد في مناقب ابن سليمان « 2/253 » عن علي عليه السلام قال : « دخلت على النبي صلى الله عليه وآله ذات يوم وعيناه تفيضان ، قلت : يا رسول الله أغْضَبَك أحد ما شأن عينيك تَفِثَة؟ قال : بلى ، قام عندي جبرئيل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات » . فعبر عن تغير العين من البكاء بالتفث .
وفي حديث أحمد « 4/15 » : عن النبي صلى الله عليه وآله : « فقد تم حجه ، وقضى تفثه » . بمعنى مناسكه . قال ابن فارس « 1/350 » : « قال أبو عبيدة : هو قص الأظافر وأخذ الشارب وشم الطيب ، وكل ما يحرم على المحرم إلا النكاح . قال : ولم يجئ فيه شعر يحتج به » .
وقال ابن منظور « 2/120 » : « قال الزجاج : لا يَعْرِفُ أَهلُ اللغة التفَثَ إِلَّا من التفسير . وعن ابن عباس قال : التفَثُ الحَلْق والتقْصير والأَخْذُ من اللحية والشارب والإِبط ، والذبحُ والرَّمْيُ . ورجل تَفِثٌ : أَي متغير شَعِثٌ ، لم يَدَّهِنْ ، ولم يَسْتَحِد . وقال ابن الأَعرابي : ثم ليَقْضُوا تَفَثَهم . قال : قَضاءُ حَوائجهمِ من الحَلْق والتنْظِيفِ » . وهذا يدل على شمول التفث لجميع المناسك .
وفي الكافي « 4/549 » عن عبد الله بن سنان أنه سأل الإمام الصادق عليه السلام عن الآية فقال : « أخذ الشارب وقص الأظفار وما أشبه ذلك ، قال قلت : جعلت فداك إن ذريح المحاربي حدثني عنك بأنك قلت له : ليقضوا تفثهم : لقاء الإمام وليوفوا نذورهم تلك المناسك؟ فقال : صدق ذريح وصدقت ، إن للقرآن ظاهراً وباطناً . ومن يحتمل ما يحتمل ذريح » ! فجعل التفث بمعنى المناسك يشمل الطواف بالبيت والتنظف والتطيب ، ولقاء الإمام عليه السلام .
تَرِفَ - ترفاً - مترف - تُرف
الترْفَةُ : التوسع في النعمة ، يقال : أُتْرِفَ فلانٌ فهو مُتْرَف . أَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا « المؤمنون : 33 » وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ « هود : 116 » وقال : إرْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ « الأنبياء : 13 » . وأَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ « المؤمنون : 64 » وهم الموصوفون بقوله سبحانه : فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ . « الفجر : 15 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 173 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
1 . الترف حالة في الشخصية ، تكون في الأغنياء والفقراء على السواء ، وهي حب التنعم والتأنق والدعة ، في مأكله وملبسه وكل أموره . وقد ورد الترف في القرآن في ثمان آيات ، كلها للذم ، أورد منها الراغب أربعة . وقال تعالى : وَإِذَا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا . وقال : قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ . وقال : قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ . وقـال : إِنَّهُمْ كَأنوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ .
تَرَقَ - تراقي- ترقوة
قال تعالى : كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التراقِيَ وَقِيلَ مَنْ راقٍ . « القيامة : 26 » جمع تَرْقُوَة ، وهي عظم وصل ما بين ثغرة النحر والعاتق .
ملاحظات
جعل الترقوة هنا من تَرَقَ . وجعلها في حرف الراء من رَقَيَ ، وهو الصحيح . وقد وردت التراقي في آية واحدة .
وهي جمع الترقوة ، وقد أخذ الراغب تعريفها من الخليل « 5/126 » فهي أعلى عظام الصدر من الجانبين ، قبل النحر والجوزة . والترائب دونها ، قال الجوهري « 1/91 » : « والتريبة : واحدة الترائب ، وهي عظام الصدر ، ما بين الترقوة إلى الثندوة » . أي أول الثدي . قال الإمام زين العابدين عليه السلام في دعائه « الصحيفة/204 » : « وهَوِّنْ بِالْقُرْآنِ عِنْدَ الْمَوْتِ عَلَى أَنْفُسِنَا كَرْبَ السِّيَاقِ ، وجَهْدَ الأَنِينِ ، وتَرَادُفَ الْحَشَارِجِ ، إِذَا بَلَغَتِ النُّفُوسُ التَّراقِيَ ، وقِيلَ مَنْ راقٍ ، وتَجَلَّى مَلَكُ الْمَوْتِ لِقَبْضِهَا مِنْ حُجُبِ الْغُيُوبِ » .
وقال ابن منظور « 10/32 » : « وفي حديث الخوارج : يقرؤون القرآن لا يُجاوز حَناجِرهم وتَراقِيَهم . والمعنى أَن قراءَتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها ، فكأنها لم تُجاوز حُلوقهم » .
تَرَكَ - تركاً - تركة - تريكة
تَرَكُ الشئ : رفَضَه ، قصداً واختياراً ، أو قهراً واضطراراً . فمن الأول : وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ . « الكهف : 99 » وقوله : وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً . « الدخان : 24 » . ومن الثاني : كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ « الدخان : 25 » ومنه : تَرِكَة فلان لما يخلفه بعد موته .
وقد يقال في كل فعل ينتهي به إلى حالة ما : تركته كذا ، أو يجري مجرى جعلته كذا ، نحو : تركت فلاناً وحيداً .
والترِيكَة : أصله البيض المتروك في مفازة . وتسمى بيضة الحديد بها كتسميتهم إياها بالبيضة .
ملاحظات
التَّرك : انصرافٌ عن الشئ ، وقد يكون عن رفض له ، أو بغير رفض . قال الخليل « 5/337 » : « الترك : وَدَعُكَ الشئ . والترك : الجعل في بعض الكلام . تركت الحبل شديداً ، أي جعلته . والتريكة : ماء يمضي عنه السيل ويتركه ناقعاً . وسمي الغدير ، لأن السيل غادره » .
وقال ابن فارس « 1/345 » : « الترك : التخلية عن الشئ . وفي الكتاب المنسوب إلى الخليل : يقال تركت الحبل شديداً ، أي جعلته شديداً . وما أحسب هذا من كلام الخليل » .
أقول : بل ما نسب إلي الخليل صحيح ، ولم يطلع ابن فارس على استعمال العرب لترك بمعنى جعل ، تقول : كسَّرَهُ ودقه حتى تركه كالطحين ، أي جعله . وأكرم عدوه حتى تركه صديقاً ، أي جعله . وفي حديث عمار في أيام السقيفة : « فلُبِّبَ وَوُجِئَ في عنقه حتى تُرِكَتْ كالسِّلْعة » . « الإختصاص : 1/10 » . ومنه قوله تعالى : فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا . وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً . وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ . وغيرها .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 174 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تِسْعَة
التسْعَةُ : في العدد معروفة وكذا التسْعُون ، قال تعالى : تِسْعَةُ رَهْطٍ . « النمل : 48 » تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً . « صاد : 23 » ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً . « الكهف : 25 » عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ . « المدثر : 30 » . والتسْع : من أظماء الإبل . والتسْع : جزءٌ من تسعة . والتسَعُ : ثلاث ليال من الشهر آخرها التاسعة .
وتَسَّعْتُ القوم : أخذت تِسْعَ أموالهم ، أو كنت لهم تاسعاً .
ملاحظات
الإبل التَّوَاسِعُ : أي تُظمأ ثمانية أيام ، وتسقى في التاسع . وقال الخليل « 1/325 » : « تَسِعْتُ القوم : أي صرت تاسعهم . وأَتْسَعْتُ الشئ إذا كان ثمانية وأتممته تسعة » .
وقال ابن منظور « 8/34 » : « التاسُوعاء : اليوم التاسع من المحرم . وحبْلٌ مَتْسُوع : على تِسْع قُوىً . وقوله تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ . قيل في التفسير إِنها أَخْذُ آلِ فِرعون بالسِّنِينَ ، وهو الجَدْب حتى ذهبت ثِمارُهم ، وذهب من أَهل البوادي مَواشِيهم . ومنها إِخراج موسى عليه السلام يدَه بيضاء للناظرين . ومنها إِلقاؤه عصاه فإِذا هي ثُعبان مبين . ومنها إِرسال الله تعالى عليهم الطوفان والجَراد والقُمَّلَ والضَّفادِعَ والدَّمَ . وانْفِلاقُ البحر . ومن آياته : انفجار الحجر » .
تَعِسَ - تعساً - تعسةً
التَّعْسُ : أن لا ينتعش من العثرة ، وأن ينكسر في سفال ، وتَعِسَ تَعْساً وتَعْسَةً . قال تعالى : فَتَعْساً لَهُمْ . « محمد : 8 » .
ملاحظات
أصل تَعِسَ : بمعنى عثر ووقع على وجهه ، وأكثر ما يستعمل للدابة . ويستعمل في الدعاء على أحد ، تقول : تَعِسَ عبد الدينار والدرهم ، وتَعْساً ونَكْساً . والنكس أن يقوم من تعسته ثم يَتْعَس . « المصباح المنير/75 » . قال الله تعالى : وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ . « محمّد : 8 » .
تَقْوَى
تاء تقوى مقلوب من الواو ، وذلك مذكور في بابه . « وقي » .
تَكَأ - تُكأة - متكأ - متكئين
المُتَّكَأ : المكان الذي يتكأ عليه ، والمخدَّة المتكأ عليها . وقوله تعالى : وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً « يوسف : 31 » أي أُتْرُجاً ، وقيل طعاماً متناولاً ، من قولك : إتكأ على كذا فأكله . قال تعالى : قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْها . « طه : 18 » مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ « الطـور : 20 » عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ . « يس : 56 » مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ . « الواقعة : 16 » .
ملاحظات
التاء في تَكَأَ ليست أصلية ، فموضعها في وَكَأ . وقد عنون الراغب وَكَأ ، لكن اختصرها . ولا يصح تفسيره للمتكأ بالطعام ، بل معنى الآية : هيأت لهن مجلساً ، وقدمت لهن فاكهة تقطع بالسكين ، ثم قالت ليوسف عليه السلام : أخرج عليهن .
تَلَّ - تَلَّهُ - مِتَلٌّ
أصل التلِّ : المكان المرتفع . والتلِيل : العنق . وَتَلَّـهُ لِلْجَبِين . « الصافات : 103 » : أسقطه على التل ، كقولك : تَرَّبَه : أسقطه على التراب . وقيل : أسقطه على تليله ، والمِتَّل : الرمح الذي يُتَلُّ به .
ملاحظات
خلط الراغب بين التل بمعنى الشد ، والتل بمعنى الربوة ، فتصور أن تله بمعنى أسقطه على التل ! بينما معناه : شده وجذبه وأسقطه على وجهه . قال ابن فارس « 1/339 » : « التلتلة : الإقلاق . . وأما ضده : فَتَلَّهُ أي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 175 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
صرعه ، وهذا جنس من المقابلة . والمُتِلُّ : الرمح الذي يُصْرَعُ به . قال الله تعالى : وَتَلَّهُ لِلْجَبِينْ » .
فتَلَّهُ بمعنى : شَدَّهُ شداً سريعاً ، وهو قريب من نَتَلَهُ . ولا علاقة له بالتل والربوة . قال الخليل « 8/107 » : « تلَّ فلانٌ فلاناً : أي صرعه ، وما أسوأ تلته أي صَرْعَتَه . والتلتلة مثل الترترة في التحريك » . وروى البخاري « 3/100 » « قال : فَتَلَّهُ رسول الله في يده » .
تَلَوَ -تِلْواً - تلى - تلاوةً
تَلَاهُ : تبعه متابعة ليس بينها ما ليس منها ، وذلك يكون تارة بالجسم ، وتارة بالإقتداء في الحكم . ومصدره : تُلُوٌّ وتُلْوٌ . وتارة بالقراءة وتدبر المعنى ومصدره : تِلَاوَة .
وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها . « الشمس : 2 » أراد به هاهنا الإتباع على سبيل الإقتداء والمرتبة ، وذلك أنه يقال : إن القمر هو يقتبس النور من الشمس ، وهو لها بمنزلة الخليفة ، وقيل : وعلى هذا نبه قوله : وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَـراً مُنِيراً . « الفرقان : 61 » فأخبر أن الشمس بمنزلة السراج ، والقمر بمنزلة النور المقتبس منه . وعلى هذا قوله تعالى : جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً « يونس : 5 » والضياء أعلى مرتبة من النور ، إذ كل ضياء نور ، وليس كل نور ضياء . وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ . « هود : 17 » أي يقتدي به ويعمل بموجب قوله .
يَتْلُونَ آياتِ الله « آل عمران : 113 » والتلاوة : تختص باتباع كتب الله المنزلة ، تارة بالقراءة ، وتارة بالإرتسام لما فيها من أمر ونهي وترغيب وترهيب ، أو ما يتوهم فيه ذلك ، وهو أخصُّ من القراءة ، فكل تلاوة قراءة ، وليس كل قراءة تلاوة . لايقال : تلوت رقعتك ، وإنما يقال في القرآن في شئ إذا قرأته وجب عليك اتباعه .
هنالك تتلو كل نفس ما أسلفت « يونس : 30 » وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا « الأنفال : 31 » أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ إنا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ . « العنكبوت : 51 » قُلْ لَوْ شاءَ الله ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ . « يونس : 16 » وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً . « الأنفال : 2 » . فهذا بالقراءة ، وكذلك : وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ « الكهف : 27 » وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحق « المائدة : 27 » فَالتالِياتِ ذِكْراً « الصافات : 3 » .
وأما قوله : يَتْلُونَهُ حق تِلاوَتِهِ « البقرة : 121 » فاتباع له بالعلم والعمل . ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ . « آل عمران : 58 » أي ننزله .
وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ . « البقرة : 102 » واستعمل فيه لفظ التلاوة لما كان يزعم الشيطان إن ما يتلونه من كتب الله .
والتلَاوَة والتلِيَّة : بقية مما يتلى ، أي يتبع . وأَتليته أي أبقيت منه تلاوة ، أي تركته قادراً على أن يتلوه . وأَتْلَيْتُ فلاناً على فلان بحق ، أي أحلته عليه .
ويقال : فلان يَتْلُو على فلان ويقول عليه ، أي يكذب عليه . قال : وَيَقُولُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ « آل عمران : 75 » ويقال : لا دَرَى ولا تَلَا ، ولا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ . وأصله ولا تلوت ، فقلب للمزاوجة كما قيل : مأزورات غير مأجورات وإنما هو موزورات .
ملاحظات
1 . اشتبه الراغب فجعل تتلو بدل تبلو ، في قوله تعالى : هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ « يونس : 30 » . وأصرَّ على اشتباهه في مادة بَلِيَ فزعم أن تبلو قراءة ، والأصل تتلو ! قال : وقرئ : هُنالِكَ تَبْلُوا كل نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ . لكنه ذكر الآية بشكل صحيح في مادة : هُنَا . أما قوله : فلان يَتْلُو على فلان أي يكذب عليه ! فهو في ذهنه وخياله ، ولا يوجد في العربية .
2 . تلاوة القرآن : قراءته ، وهي مصطلح لقراءة القرآن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 176 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بطريقة تمييزها عن قراءة غيره ، وسُميت تلاوةً لأن الكلمة أو الآية منها تتلو ما قبلها . فيقال قرأ الرسالة ، وتلا القرآن . وليس فيها دلالة على اتباع الذي يتلو للقرآن ، ولا علي تدبره فيه وفهمه إياه ! فالعجب من الراغب وبعض اللغويين كيف جعلوا تلاوة القرآن بمعنى اتباعه ! وهم يقرؤون قوله تعالى لبني إسرائيــل : أَتَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ . وقال تعالى : وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَئٍْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ . فوبخهم لعدم اتباعهم الكتاب مع أنهم يتلونه ! نعم تلاوة الكتاب حق التلاوة تعني اتباعه ، قال تعالى : يَتْلُونَهُ حق تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ .
ولعل الراغب أحس بخطأ اشتراط الإتباع في التلاوة فتهرب منه فقال : « والتلاوة تختص باتباع كتب الله المنزلة ، تارة بالقراءة ، وتارة بالإرتسام لما فيها من أمر ونهي وترغيب وترهيب » . فجعل القراءة بدون ارتسام نوعاً من الإتباع ! والصحيح أنها لا تتضمن اتَّباعاً .
3 . سبب تصورهم أن تلاوة القرآن تتضمن اتباعه ، أن التلاوة فيها تتابع الكلام ، فخلطوا بينه وبين اتباع القرآن . وبعض عباراتهم موهمة كقول ابن فارس « 1/351 » : « التاء واللام والواو : أصل واحد وهو الإتْبَاع . يقال تلوته إذا تَبِعْتَه . ومنه تلاوة القرآن لأنه يُتْبِعُ آيةً بعد آية » . وكان يجب عليه أن يقول : أتْبَعْتُهُ لا تَبِعْتُهُ ، لأن الإتباع بسكون التاء غير الإتباع بتشديدها .
4 . التلاوة بمعنى قراءة القرآن ابتكار إسلامي ، فلم أجدها في نص قبل الإسلام إلا في البشارة بالنبي صلى الله عليه وآله بأنه ستظهر على يديه التلاوة !
فقد رووا عن سطيح الكاهن قوله : « إذا غاضت بحيرة ساوة ، وظهرت بأرض تهامة التلاوة ، وظهر صاحب الهراوة ، فليست الشام لسطيح شاماً » . « الفائق : 2/19 » . والظاهر أن النص موضوع ومأخوذ من المصطلح الإسلامي !
تَمَّ - تماماً - تام - متم
تَمَام الشئ : انتهاؤه إلى حدٍّ لا يحتاج إلى شئ خارج عنه . والناقص : ما يحتاج إلى شئ خارج عنه ، ويقال ذلك للمعدود والممسوح . تقول : عدد تَامٌّ وليلٌ تام ، قال : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ . « الأنعام : 115 » وَاللَّه مُتِمُّ نُورِهِ . « الصف : 8 » وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ . « الأعراف : 142 » .
ملاحظات
1 . تعريفه للتمام بأنه ما يحتاج الى مكمل ، ضعيف . ولا فرق فيه بين المعدود وغيره . ولا يصح تعريفه الآتي للكمال بأنه حصول الغرض ، فالتمام كذلك .
ومن المسائل الدقيقة التمييز بين الإتمام والإكمال ، وقد ذكر اللغويون أنهما مترادفان ، قال الخليل « 5/378 » : « الكمال : التمام الذي يجزأ منه أجزاؤه ، تقول : لك نصفه وبعضه وكماله . وأكملت الشئ : أجملته وأتممته » . ومثله الصحاح « 5 /1813 »
وقال ابن فارس : « 5/139 » : « يقال كمل الشئ وكمل فهو كامل ، أي تام » .
وقال ابن منظور « 11/598 » : « الكَمَال : التَّمام ، وقيل : التَّمام الذي تَجَزَّأَ منه أَجزاؤه » .
وقد ذكرنا في مادة تمَّ أنه لايصح القول بترادفهما ، لأن الله تعالى قال : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى . وقال تعالى : وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ . فالإكمال غير الإتمام ، لكن التفريق بينهما مشكل .
وقد يقال إن الكمال يوصف به المركب الذي ينتفي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 177 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وجوده بانتفاء جزئه ، كتبليغ الرسالة الذي ينتفي بعدم تبليغ رسالة واحدة منه : وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ . والتمام يوصف به المركب الذي لا ينتفي بانتفاء جزئه ، كالرضاعة ، فالتام منها حولان وإن نقصت يوماً لم تتم ، لكنها تسمى رضاعة غير تامة . ولعل تعبير ابن منظور : التَّمام الذي تَجَزَّأَ منه أَجزاؤه ، ناظر الى ذلك .
لكن يُنْقَضُ عليه بقوله تعالى : ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ، فإن الصيام مركب ينتفي بانتفاء جزء منه .
والظاهر أن الفرق بينهما في موضوعهما ، فالكمال لنوع من الموضوعات ، والتمام لنوع آخر ، ولم أصل الى نتيجة مقنعة في الفرق الدقيق بينهما .
2 . استعمل القرآن التمام : في كلمات الله عز وجل : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً . وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ . وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ .
واستعمل التمام في إتمام نعمته على الناس : كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ .
وفي امتحان إبراهيــم عليه السلام : وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ .
وفي نور المؤمنين : يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا .
ووعدَ أن يتم نوره في الأرض : وَ اللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .
وفي إتمام النعمة على يوسف عليه السلام : وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ .
وفي إتمام ميقات موسى عليه السلام : فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِيـنَ لَيْلَةً .
وفي عقد موسى مع شعيب : فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ .
وفي إيتاء موسى الكتـاب : ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ .
وفي إتمام النعمة على المسلمين : وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ . وَلأُتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ .
وفي النعمة على نبينا صلى الله عليه وآله : وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ .
وفي الرضاعة : حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ .
وفي إتمام الصيام والحج : ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ . وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمَرَةَ للهِ .
وفي إتمام العهد : فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ .
تَوْرَاة
التوراة : التاء فيه مقلوب ، وأصله من الورى وبناؤها عند الكوفيين : وَوْرَاة ، تَفْعِلَة ، وقال بعضهم : هي تَفْعَلَة ، نحو تَنْفَلَة . وليس في كلامهم تفعلة إسماً . وعند البصريين وَوْرَاة ، هي فَوْعَلة نحو حَوْصَلَة . قال تعالى : إنا أَنْزَلْنَا التوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ « المائدة : 44 » ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التوْراةِ ، وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ . « الفتح : 29 » .
ملاحظات
1 . العجب من اللغويين كيف يحاولون إشتقاق كلمات غير عربية كالتوراة من أصل عربي ، ثم يتنازعون فيما يفترضونه من خيالهم ! قال ابن منظور « 15/398 » : « والتوْرَاةُ عند أَبي العباس تَفْعِلةٌ . وعند الفارسي فَوْعلة ، قال : لقلة تَفْعِلة في الأسماء وكثرة فَوْعلة » . وقد أجاد ابن فارس حيث لم يعتبرها أصلاً عربياً ، فقال « 1/358 » : « التاء والواو والراء ليس أصلاً يعمل عليه . . وذكر ابن دريد كلمة لو أعرض عنها كان أحسن ، قال : التُّور الرسول بين القوم عربي صحيح » .
وارتضى الجوهري قول ابن دريد « 2/602 » لكن ابن فارس خالفهما في أن التور بمعنى الرسول عربي . لذلك لا نطمئن باشتقاق التوراة منه . والأقرب أنها عبرية أو بابلية ، وقيل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 178 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إن التوْرَا بالعبرية تعني الشـريعة وجمعها التوراة ، وقيل معناها : الإراءة والتعليم والتوجيه . والذي أرجحه أن تكون مشتقة من معنى التلاوة ، لأن تلاوة الكتاب الإلهي مَرَّةً ومَثْنَاةً من أصول ثقافتهم الدينية . وسيأتي في التين والطور ما ينفع في ذلك . وهو بحث تاريخي لغوي مهم .
تَارَةً
أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى . « الإسراء : 69 » وقال تعالى : وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى . « طه : 55 » أي مرَّة وكرَّة أخرى ، هو فيما قيل من تار الجرح : التأم .
ملاحظات
جعله الراغب من تار الجرح ، وجعلها الخليل « 7/446 » من طورٍ بعد طور . وقد تكون من إبدال الطاء تاء . وقال ابن منظور « 4/96 » إنها بمعني الحين ، وهو المعنى السائد لها في العربية ، ويمكن أن يكون الحين بمعنى المرة .
تِينٌ
قال تعالى : وَالتينِ وَالزَّيْتُونِ . « التين : 1 » قيل : هما جبلان ، وقيل هما المأكولان . وتحقيق موردهما واختصاصهما يتعلق بما بعد هذا الكتاب .
ملاحظات
يقصد الراغب الكتاب الذي وعد بتأليفه في مقدمته قال : « وأُتْبِعُ هذا الكتاب . . بكتاب ينبئ عن تحقيق الألفاظ المترادفة » لكن الأجل لم يمهله لتأليفه . وقد ورد التين في القرآن في هذه الآية فقط ، وسميت به السورة . والمعنى : أقسم لكم ببلاد التين والزيتون وطور سيناء ومكة ، وجهود الأنبياء عليهم السلام فيها لهداية الإنسان ، أنا خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ، وجاهد أنبياؤنا الكبار لهدايته ، فاهتدى قسم وكذب آخرون ، فرددنا المكذبين أسفل سافلين .
فالمقصود فيها بلاد التين والزيتون وليس ثمرهما ، بقرينة المعطوف عليه والمقسم عليه ، وبدليل ما رواه الإمام الكاظم عليه السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله تبارك وتعالى اختار من كل شئ أربعة : اختار من الملائكة جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام . واختار من الأنبياء أربعة للسيف إبراهيم وداود وموسى وأنا . واختار من البيوتات أربعة فقال : إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيـمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَـالَمِينَ . واختـار من البلــدان أربعة فقـال عز وجـــل : وَالتينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ . فالتيــن المدينة ، والزيتون بيت المقدس ، وطور سينين الكوفة ، وهذا البلد الأمين مكة » . « الخصال/225 » .
ونصت أحاديث أهل البيت عليهم السلام على أن إسم طور سينين أصله للكوفة . ومعناه أن إبراهيم وبنيه عليهم السلام سموا به طور سيناء في مهجرهم ، كما يسمي المهاجرون بأسماء مدن بلدهم الأصلي . والى الآن توجد منطقة قرب النجف تسمى الطارات . ويساعدعليه أن إبراهيم عليه السلام رجع مع إسماعيل بعد هلاك نمرود وتجديد الكعبة الى العراق وكانا في الكوفة .
وقد تكون الطارات والطور لها علاقة بالتلاوة ، وتكون سميت التوراة ، لأنها تستحق أن تتلى ، كما سمي القرآن ، لأنه يستحق أن يقرأ . وللبحث في ذلك مجال آخر .
تَوَبَ - تاب - توبة - توباً - تائب - متاب
التوْبُ : ترك الذنب على أجمل الوجوه وهو أبلغ وجوه الإعتذار ، فإن الإعتذار على ثلاثة أوجه : إما أن يقول المعتذر : لم أفعل ، أو يقول : فعلت لأجل كذا ، أو فعلت وأسأت وقد أقلعت ، ولارابع لذلك . وهذا الأخيرهو التوبة .
والتوْبَةُ في الشرع : ترك الذنب لقبحه والندم على ما فرط
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 179 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
منه ، والعزيمة على ترك المعاودة ، وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالأعمال بالإعادة ، فمتى اجتمعت هذه الأربع ، فقد كملت شرائط التوبة .
وتاب إلى الله : فَذِكْرُ إلى الله يقتضي الإنابة نحو : فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ . « البقرة : 54 » وَتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعاً . « النور : 31 » أَفَـلا يَتُوبُونَ إِلَى الله . « المائدة : 74 »
وتَابَ الله عليـه ، أي قبـل توبته ، منه : لَقَدْ تابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ . « التوبة : 117 » ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا . « التوبة : 118 » فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفاعَنْكُمْ . « البقرة : 187 » .
والتائب : يقال لباذل التوبة ولقابل التوبة ، فالعبد تائب إلى الله ، و الله تائب على عبده .
والتوَّاب : العبد الكثير التوبة ، وذلك بتركه كل وقت بعض الذنوب على الترتيب حتى يصير تاركاً لجميعه . وقد يقال ذلك لله تعالى ، لكثرة قبوله توبة العباد حالاً بعد حال .
وقوله : وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإنهُ يَتُوبُ إِلَى الله مَتاباً . « الفرقان : 71 » أي التوبة التامة ، وهو الجمع بين ترك القبيح وتحري الجميل . عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ . « الرعد : 30 » إنهُ هُوَ التوَّابُ الرَّحِيمُ . « البقرة : 54 » .
ملاحظات
1 . قال ابن منظور « 1/233 » : « رَجل تَوَّابٌ : تائِبٌ إلى اللَّه . واللَّه تَوّابٌ : يَتُوبُ علَى عَبْدِه . وقوله تعالى : غافِرِ الذَّنْبِ وقابِلِ التوْب . يجوز أَن يكون عَنَى به المَصْدَرَ كالقَول ، وأَن يكون جمع تَوْبةٍ كَلَوْزةٍ ولَوْزٍ ، وهو مذهب المبرد . وقوله تعالى : وتُوبُوا إلى اللَّه جَمِيعاً . أَي عُودُوا إلى طَاعتِه وأَنيبُوا إليه . و اللهُ التوَّابُ : يَتُوبُ على عَبْدِه بفَضْله إذا تابَ إليه من ذَنْبه . واسْتَتَبْتُ فُلاناً : عَرَضْتُ عليه التوْبَةَ مما اقْتَرَف ، أَي الرُّجُوعَ والنَّدَمَ » .
2 . التوبة في القرآن موضوع مهم ، لأن القرآن كتاب دعوة الى الله تعالى ، والتوبة هي الرجوع الى الله تعالى من الكفر ، أو من المعصية .
وقد استعملها القرآن أكثر من ثمانين مرة ، شملت : أصول نظام التوبة . والدعوة اليها . ووجوبها . وكيفيتها . وشروطها . وأنواع التائبين وحالاتهم . وتعامل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله والمؤمنين معهم . ونتائج التوبة .
3 . يظهر من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام أن التوبة فعلٌ نفسـي ، وإن ترتب عليه فعل بدني . فقد روى الصدوق في التوحيد/408 قول النبي صلى الله عليه وآله : « كفى بالندم توبة . وقال صلى الله عليه وآله : من سرته حسنته وساءته سيئة فهو مؤمن ، فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ، ولم تجب له الشفاعة ، وكان ظالماً » .
وعليه ، فكل ما ورد من شروط للتوبة غير الندم ، فهو يعود الى شروط قبولها ، أو الى نوع التائب .
التِّيهُ - تاهَ - تيهاء - توهه
يقال : تَاهَ يَتِيهُ : إذا تحيَّر ، وتاه يَتُوهُ لغةٌ في تاهَ يتيه . وفي قصة بني إسرائيل : أَرْبَعِينَ سنة يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ . « المائدة : 26 » . وتَوَّهَهُ وتَيَّهَهُ : إذا حيَّره وطرحه . ووقع في التيهِ والتوه ، أي في مواضع الحيرة . ومفازة تَيْهَاء : تحيَّر سالكوها .
ملاحظات
استعمل القرآن كلمة يتيهون مرة واحدة ، في تيه بني إسرائيل في سيناء ، فقال : قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سنة يَتِيهونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَاسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ .
ورويَ عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال : « فلما أبَوْا أن يدخلوها حرمها الله عليهم ، فتاهوا في أربع فراسخ ، أربعين سنة يتيهون في الأرض . ونَزَّل عليهم المن والسلوى . وكان معهم حَجَرٌ إذا نزلوا ضربه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 180 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
موسى عليه السلام بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً ، لكل سبط عين . فإذا ارتحلوا رجع الماء إلى الحجر ، ووضع الحجر على الدابة . . وكانوا إذا أمسوا نادى مناديهم أمسيتم ، الرحيل . فيرتحلون بالحداء والزجر حتى إذا أسحروا ، أمر الله الأرض فدارت بهم ، فيصبحوا في منزلهم الذي ارتحلوا منه فيقولون : قد أخطأتم الطريق ! فمكثوا بهذا أربعين سنة » ! « الإختصاص/265 » .
التاءَات
التاء في أول الكلمة : للقسم ، نحو : تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ . « الأنبياء : 57 » وللمخاطب في الفعل المستقبل نحو : تُكْرِهُ النَّاسَ . « يونس : 99 » وللتأنيث نحو : تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ . « فصلت : 30 » .
وفي آخر الكلمة تكون : إما زائدة للتأنيث ، فتصير في الوقف هاء نحو : قائمهْ . أو تكون ثابتة في الوقف والوصل ، وذلك في أخت وبنت . أو تكون في الجمع مع الألف ، نحو مسلمات ومؤمنات .
وفي آخر الفعل الماضي لضمير المتكلم ، نحو قوله تعالى : وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً « المدثر : 12 » أو للمخاطب مفتوحاً نحو : أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ . « الفاتحة : 7 » ولضمير المخاطبة مكسوراً ، نحو : لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا . « مريم : 27 » . و الله أعلم .
ملاحظات
قال ابن هشام في المغني « 1/115 » : « التاء المفردة : محركةٌ في أوائل الأسماء ومحركةٌ في أواخرها ، ومحركةٌ في أواخر الأفعال ، ومسكنةٌ في أواخرها . فالمحركة في أوائل الأسماء : حرف جر ، معناه القسم ، وتختص بالتعجب وباسم الله تعالى .
والمحركة في أواخرها : حرف خطاب نحو أنتَ وأنتِ .
والمحركة في أواخر الأفعال : ضمير نحو قمتُ وقمتَ وقمتِ .
والتاء الساكنة في أواخر الأفعال : حرف وضع علامة للتأنيث كقامت ، وربما وصلت هذه التاء بثم ورب ، والأكثر تحريكها معهما بالفتح » .
تمَّ كتاب التاء .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 181 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 182 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب الثاء وما يتصل بها

ث
يشمل 21 مفردة و 19 ملاحظة
ثَبَتَ - ثباتاً - ثبوتاً - ثبَّت - تثبيتاً - أثبت - إثباتاً
الثَّبَات : ضد الزوال ، يقال : ثَبَتَ يَثْبُتُ ثَبَاتاً ، قال الله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا . « الأنفال : 45 » ورجل ثَبْتٌ وثَبِيتٌ في الحرب . وأَثْبَتَهُ السقم . ويقال ذلك للموجود بالبصر أو البصيرة ، فيقال : فلان ثَابِت عندي . ونُبُوَّةُ النبي صلى الله عليه وآله ثابتة .
والإثبات والتثْبِيت : تارة يقال بالفعل ، فيقال لما يخرج من العدم إلى الوجود ، نحو : أثبت الله كذا . وتارة لما يثبت بالحكم فيقال : أثبت الحاكم على فلان كذا وثبَّته . وتارة لما يكون بالقول ، سواء كان ذلك صدقاً منه أو كذباً ، فيقال : أثبت التوحيد وصدق النبوة ، وفلان أثبت مع الله إلهاً آخر .
وقوله تعالى : لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ . « الأنفال : 30 » أي يُثَبِّطُوكَ ويحيروك .
وقوله تعالى : يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا « إبراهيم : 27 » أي يقويهم بالحجج القوية .
وقوله تعالى : وَلَوْ أنهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً « النساء : 66 « أي أشد لتحصيل علمهم . وقيل : أثبت لأعمالهم واجتناء ثمرة أفعالهم ، وأن يكونوا بخلاف من قال فيهم : وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً .
يقال : ثبَّتُّهُ ، أي قوَّيته ، قال الله تعالى : وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ . « الإسراء : 74 » . وقال : فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا . « الأنفال : 12 » وقال : وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ . « البقرة : 265 » وقال : وَثَبِّتْ أَقْدامَنا . « البقرة : 250 » .
ملاحظات
1 . تعريفه الثبات بأنه ضد الزوال ، ضعيف . وليته أبقى تعريف ابن فارس بأنه : الدوام .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 183 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 . تفسيره ليثبتوك في الآية بيُثَبِّطُوكَ ويحيروك ، خطأ ، بل معناه ليُثْبِتُوكَ جريحاً ، فإن أثبته إذا أطلقت كانت بمعنى جَرَحَهُ وَأَقْعَدَهُ ، إلا بقرينة صارفة ، كقولك : أثبته وثاقاً . وكذلك قولك همَّ بزيد أي أراد أن يبطش به ، إلا بقرينة صارفة ، كقوله تعالى : وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ فمعناه هنا : أرادته لنفسها بقرينة المقام . أما : وَهَمَّ بِها ، فتبقى بمعنى البطش لعدم وجود قرينة تصرفها عن معناها .
قال الجوهري « 1/245 » : « لِيُثْبِتُوكَ ، أي يجرحوك جراحة لا تقوم معها » .
3 . لايصح تفسير الراغب قوله تعالى : وَلَوْ أنهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً . بأن معناه : أشد لتحصيل علمهم . وقد تحير فيه المفسرون ، وذكر الطبري عدداً من أقوالهم في تفسيره « 3/96 » فأخذ الراغب منها ما رآه أنسب ، وكلها غير مقنع ! ويظهر أن تركيب : تَثْبِيتاً من أَنفسهم ، في قوله تعالى : وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، جديدٌ على علماء اللغة خاصة غير العرب ، وهو يتوقف على تعيين متعلق الجار والمجرور . والصحيح أن مِن هنا بمعنى اللام ، والمعنى : ينفقون لتثبيت أنفسهم على الإيمان ، لأن الإنفاق دليل على صدق الإيمان ، فالجار والمجرور متعلق بتثبيتاً . وقد احتمله العكبري في تفسيره « 1/113 » فقال : يجوز أن تكون من بمعنى اللام : أي تثبيتاً لأنفسهم ، كما تقول : فعلت ذلك كسراً من شهوتي » .
لكنه بقي قوله احتمالاً أعرض عنه المفسرون لعجمتهم .
ومثلها قول تعالى : يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ . « البقرة : 265 » . أي لأنفسهم .
وذكر ابن هشام في المغني « 1/321 » مجئ مِن بمعنى الباء ، وفي ، وعند ، لكنه لم يذكر مجيئها بمعنى اللام . ولا عجب فإن النحويين لم يستقرئوا اللغة استقراءً تاماً ، فهذا فعل بَقِيَ فيه كل صفات كان النحوية ، ولم يذكروه في أخواتها !
4 . وقد ورد الثبات في القرآن في خمس آيات : في الشجرة الطيبة : كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ .
وفي المحو والإثبات : يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ .
وفي الثبات في الحرب : إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا .
وفي ثبات القدم في الإيمان : فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا .
واستعمل التثبيت في ثلاث عشرة آية :
منهـــا : في تثبيت الله تعـالى لرســوله صلى الله عليه وآله : وَكُلاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ .
ومنها : في تثبيت الله عز وجل للمؤمنين : يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُـوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ . وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ . إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا .
ومنها الأعمال التي توجب تثبيت الإيمان : يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ . لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا .
ثَبَرَ- ثبوراً - مثبور - مثابر
الثُّبُور : الهلاك والفساد . المُثَابِر على الإتيان : أي المواظب ، من قولهم : ثَابَرْتُ . قال تعالى : دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً « الفرقان : 13 » . وقوله تعالى : وَإِنِّي لاظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا . « الإسراء : 102 » قال ابن عباس : يعني ناقص العقل ، ونقصان العقل أعظم هُلْكٍ . وثَبِيرٌ جبل بمكة .
ملاحظات
1 . ليت الراغب أكمل نقل قول ابن فارس ، قال في ثَبَر « 1/400 » : « أصول ثلاثة : الأول السهولة . والثاني الهلاك . والثالث المواظبة على الشئ . فالأرض السهلة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 184 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
هي الثبرة . قال ابن دريد : والثَّبْرَةُ تراب شبيه بالنورة ، إذا بلغ عرق النخلة إليه وقف ، فيقولون بلغت النخلة ثَبْرَةً من الأرض . وثبير : جبل معروف . ورجل مثبور هالك . وفي كتاب الله تعالى : دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا » .
2 . من المسائل اللغوية والتفسيرية المهمة في مادة ثَبَر : تعدد الثبورات في قوله تعالى : وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُورًا . لاتَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا . « الفرقان : 13-14 » فلماذا صار الثبور جمعاً والمصادر لا تجمع ! قال الطبري في تفسيره « 18/249 » : « وإنما قيل : لاتَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا ، لأن الثبور مصدر والمصادر لا تجمع ، وإنما توصف بامتداد وقتها وكثرتها ، كما يقال : قعد قعوداً طويلاً ، وأكل أكلاً كثيراً » . لكن قوله لا يرفع الإشكال بل يؤكده : فإن الآية قالت : ثبوراً كثيراً أي متعدداً مقابل الثبور الواحد ، ولم تقل ثبوراً طويلاً . فما معنى هذه الثبورات؟
والجواب : أن قوله تعالى : لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا : معناه لا تقولوا واثبوراه مرة بل مرات ، فكلما رأيتم عقوبة وخسارة قولوا واثبوراه ، وكلما ناديتم إماماً تزعمونه قولوا واثبوراه ! فتعدد الدعاء بالثبور إما لتعدد الخسارات ، أو لتعدد المدعوين بالثبور ، لأن واثبوراه تشبه واخسارتاه !
وقد وردت عدة آيات في نداء الكفار لشركائهم يوم القيامة ، قال تعالى : وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِىَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا . وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ . .
قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ .
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً .
ويؤيد هذا المعنى ما روي عن زيد بن علي عليه السلام أنه قال إن معنى واثبوراه : وا إماماه ! كما في أمالي الطوسي/57 ، عن كثير بن طارق ، قال : سألت زيد بن علي بن الحسين عن قول الله تعالى : لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا؟ فقال : يا كثير إنك رجل صالح ولست بمتهم ، وإني أخاف عليك أن تهلك ، إن كل إمام جائر فإن أتباعه إذا أمر بهم إلى النار نادوا باسمه فقالوا يا فلان ، يا من أهلكنا ، هلم فخلصنا مما نحن فيه ، ثم يدعون بالويل والثبور ، فعندها يقال لهم : لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً » .
ثَبَطَ - تثبيطاً - أثبطه - ثَبِطٌ
قال الله تعالى : فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ . « التوبة : 46 » حبسهم وشغلهم ، يقال : ثَبَّطَه المرض وأَثْبَطَه : إذا حبسه ومنعه ، ولم يكد يفارقه .
ملاحظات
لم يُعَرِّفِ الراغب التثبيط ، وذكر منه ثبَّطه المرض بمعنى حبسه ومنعه ، وكأنه يرى أن التثبيط المنع . وعرفه الخليل « 7/412 » وغيره بأنه إشغال الإنسان عن فعل . وفسروا التعويق بالتثبيط . « لسان العرب : 10/280 » وهو الصحيح لأن التثبيط يكون بأساليب كالإشغال والحبس والمنع . قال ابن منظور « 7/267 » : « وفي الحديث : كانت سَوْدةُ امرأَةً ثَبِطةً أَي ثقِيلة بَطِيئةً ، من التثْبِيطِ وهو التعْوِيقُ والشَّغْلُ عن المُراد » . ومن خيال الراغب أنه جعل المرض المثبط ملازماً ، مع أنه قد لايلازمه ، وقد يكون شخصاً يثبط بكلمة ويذهب !
ثُبَا - ثُباتٍ - ثبين
قال تعالى : فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً . « النساء : 71 » هي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 185 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جمَعْ ُثُبَة ، أي جماعة منفردة ، قال الشاعر :
وقد أَغدو على ثُبَةٍ كرامِ
ومنه : ثَبَّيْتُ على فلان ، أي ذكرت متفرَّق محاسنه . ويصغَّر ثُبَيَّة ، ويجمع على ثُبَاتٍ وثُبِين ، والمحذوف منه اللام .
وأما ثُبَةُ الحوض فوسطه الذي يثوب إليه الماء ، والمحذوف منه عينه لا لامه .
ملاحظات
وردت هذه المادة في القرآن مرة واحدة ، واتفق المفسرون على أن معناها جماعات متفرقة . قال ابن منظور « 1/244 » : « الثُّباتُ جَماعاتٌ في تَفْرِقةٍ ، وكلُّ فِرْقةٍ ثُبةٌ ، وهذا من ثابَ » .
أما قول الراغب : ثَبَّيْتُ على فلان ، أي ذكرت متفرَّق محاسنه ، فقد ذكره بعض اللغويين ، وهو تعبير نادر الإستعمال غير معروف ، ولم أجد عليه شاهداً من شعر العرب .
ثَجَّ - ثجيجاً - ثجاجأً - ثَجَّاجاً
يقال : ثَجَّ الماء ، وأتى الوادي بِثَجِيجِه . قال الله تعالى : وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَـاءً ثَجَّاجًا . « النبأ : 14 « وفي الحديث : أفضل الحج العَجُّ والثَّجُّ . أي رفع الصوت بالتلبية ، وإسالة دم الهدي .
ملاحظات
فسر الثج بإسالة الدم ، لكنه شدة انصبابه كما فسره أكثر اللغويين ، قال الخليل « 6/13 » : « الثج : شدة انصباب المطر والدم ، ومطر ثجاج » . وكذا فسره ابن فارس « 1/367 » وابن منظور « 2/221 » ، وأخذه الراغب من الجوهري حيث قال : « 1/302 » : « ثججت الماء والدم أثجه ثجا ، إذا سيلته » وقول الخليل مقدم على غيره ، فشدة الإنصباب شرط فيه .
ثَخَنَ- أثخن - ثخين
يقال ثَخُنَ الشئ فهو ثَخِين : إذا غلظ فلم يسل ، ولم يستمر في ذهابه . ومنه استعير قولهم : أَثْخَنْتُهُ ضرباً واستخفافاً . قـال الله تعالى : ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ . « الأنفال : 67 » حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ . « محمد : 4 » .
ملاحظات
وردت هذه المادة في آيتين ، وتخبط عدد من اللغويين والفقهاء في معنى الإثخان ، لأنها ارتبطت بأسرى بدر القرشيين الذين أخذهم النبي صلى الله عليه وآله فزعموا أنه أخطأ وأنه أخذهم قبل أن يثخن في الأرض ، وزعموا أن عمر أصاب لأنه نهى عن أخذهم ، فنزل الوحي مؤيداً له ومخطئاً للنبي صلى الله عليه وآله ! وقد فسر الراغب الإثخان وتبعه صاحب الميزان « 9/134 » بأن يصير الدين قوياً ثخيناً جامداً ، بعد أن كان ضعيفاً سائلاً ! وهو قول ركيك ويستلزم الطعن في النبي صلى الله عليه وآله لأنه أخذ أسرى قبل أن يَثْخُنَ الدين وينتصر المسلمون في الأحزاب أو بعدها ! والتفسير الصحيح للآية : أن الإثخان يعني مواصلة الحرب والقتل ، لكن لما انهزمت قريش في بدر ، تبعهم صحابةٌ وأكثرهم كانوا في الصف الخلفي في المعركة فأخذوا يأسرون منهم بدون أمر النبي صلى الله عليه وآله ليربحوا فديتهم ! فالخطأ منهم وليس من النبي صلى الله عليه وآله .
قال المفيد في المسائل العكبرية/109 : « ولم يكن منه صلى الله عليه وآله في الأسرى ذنب عوتب عليه ، وإنما كان ذلك من أصحابه الذين أسروا بغير علمه ، وكفوا عن القتال طمعاً في الفداء » . راجع : ألف سؤال وإشكال « 2/221 » .
ثَرِبَ - ثَرْباً - تثريب
التثْرِيب : التقريع والتقرير بالذنب . قال تعالى : لاتَثْرِيبَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 186 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ « يوسف : 92 » . وروي : إذا زنت أمَةُ أحدكم فليجلدها ولايثرِّبها . ولا يعرف من لفظه إلا قولهم : الثَّرْبُ ، وهو شحمة رقيقة . وقوله تعالى : يا أَهْلَ يَثْرِبَ . « الأحزاب : 13 » أي أهل المدينة ، يصح أن يكون أصله من هذا الباب . والياء تكون فيه زائدة .
ملاحظات
قال ابن فارس « 1/375 » : « كلمتان متباينتا الأصل لا فروع لهما . فالتثريب اللوم والأخذ على الذنب . . والآخر : الثَّرْب وهو شحم قدغشي الكرش والأمعاء رقيق ، والجمع ثُرُوب » . وهذا هو الصحيح ، فلا علاقة للتثريب بالثرب الذي هو الشحم .
كما لا علاقة لمدينة يثرب بهما ، فهي إسم غير عربي ويحتمل أن يكون إسم علم ، قال الحموي في معجم البلدان « 5/430 » : « سميت بذلك لأن أول من سكنها عند التفرق : يثرب بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن عبيل بن عوض بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام » .
ثَعَبَ - ثُعبةٌ - مِثْعَباً
قال عز وجل : فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ . « الأعراف : 107 » يجوز أن يكون سمي بذلك من قوله : ثَعَبْتُ الماء فَانْثَعَبَ ، أي فجَّرته وأَسَلْتُهُ فسال ، ومنه : ثَعَبَ المطر . والثُّعْبَة : ضربٌ من الوزغ وجمعها ثُعَبٌ ، كأنه شُبِّه بالثعبان في هيئته فاختصرلفظه من لفظه ، لكونه مختصراً منه في الهيئة .
ملاحظات
تبع الراغب ابن فارس « 1/378 » فاحتمل أن يكون أصلها من ثَعَب الماء أي جرى لأنه ينساب كالماء . قال ابن منظور « 1/136 » : « وفي الحديث : يجئُ الشَّهيدُ يومَ القيامةِ وجُرْحُه يَثْعَبُ دَماً ، أَي يَجْري . والمَثْعَبُ : بالفتح واحد مَثاعِبِ الحِياضِ . والثُّعْبانُ : الحَيَّةُ الضَّخْمُ الطويلُ الذكرُ خاصّةً . وقوله تعالى : فأَلْقَى عَصاه فإذا هي ثُعْبانٌ مُبِينٌ . وفي موضع آخـر : تَهْتَزُّ كأَنها جانٌّ . والجانُّ الصغيرُ من الحيَّات » . وقال أمير المؤمنين عليه السلام كما في الخصال/624 : « حوضنا مترعٌ ، فيه مثعبان يَنْصَبَّانِ من الجنة : أحدهما من تسنيم ، والآخر من معين ، على حافتيه الزعفران ، وحصاه اللؤلؤ والياقوت . وهو الكوثر » .
ثَقَبَ - ثَقبًا - ثاقب - ثقبة - مِثقب
الثَّاقِب : المضئ الذي يثقب بنوره وإضاءته ما يقع عليه . قال الله تعالى : فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ . « الصافات : 10 » وقال تعالى : وَما أَدْراكَ مَا الطارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ ، وأصله من الثُّقْبَة . والمَثْقَبُ : الطريق في الجبل ، كأنه قد ثقب . وقال أبو عمرو : والصحيح المِثْقَب . وقالوا : ثَقَبْتُ النار ، أي ذكَيتها .
ملاحظات
ورد لفظ الثاقب في آيتين : صفةً للنجم ، وصفةً للشهاب الذي يُرمى به الجن . ونص اللغويون على أنه إسم فاعل من ثَقَبَ أي خَرَقَ ، فالثاقب يثقب بنوره كما قال الراغب ، وقد يثقب بنفسه . وكذا الشهاب الذي يرمى به الجن .
ثَقِفَ - ثقفه - ثِقافةً - مثاقفة
الثَّقْفُ : الحذق في إدراك الشئ وفعله ، ومنه قيل : رجل ثَقِفٌ ، أي حاذق في إدراك الشئ وفعله . ومنه استعير المُثَاقَفَة . ورمح مُثَقَّف : أي مقوَّم . وما يُثَقَّفُ به : الثِّقَاف . ويقال : ثَقِفْتُ كذا : إذا أدركته ببصرك لحذق في النظر . ثم يُتَجَوَّز به فيستعمل في الإدراك وإن لم تكن معه ثِقَافَة . قال الله تعالى : وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ « البقرة : 19 » وقال عز وجل : فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ « الأنفال : 57 » وقال عـز وجل : مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِـذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا . « الأحزاب : 61 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 187 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
قال الخليل « 5/139 » : « قال أعرابي : إني لَثَقِفٌ لَقِفٌ رَاوٍ رَامٍ شاعر . وثَقَفْتُ فلاناً في موضع كذا : أي أخذناه ثقفاً . وقَلْبٌ ثَقِفٌ : أي سريع التعلم والتفهم » .
وقال ابن فارس « 1/382 » : « يقال ثقفت به : إذا ظفرت به . فإن قيل : فما وجه قرب هذا من الأول؟ قيل له : أليس إذا ثقفه فقد أمسكه . وكذلك الظافر بالشئ يمسكه ، فالقياس بأخذهما مأخذاً واحداً » .
فأصل الثقافة : المهارة وتعديل العِوَج . واستعملت في مهارة الإمساك بالعدو ، فمعنى قوله تعالى : فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ، حيث تمكنتم بمهارتكم من الإمساك بهم . وفي عصرنا استعملت الثقافة بمعنى المهارات وكافة العناصر التعليمية والفنية والأخلاقية ، للمجتمع ، أو لشخص . بل صارت بمعنى معالم المدنية والحضارة .
ثَقُلَ - ثقلاً - إثَّاقَلَ - مثقال - ثقيل - أثقال - مثقال
الثِّقْلُ والخِفَّةُ متقابلان ، فكل ما يترجح على ما يوزن به أو يقدَّر به يقال : هو ثَقِيل . وأصله في الأجسام ، ثم يقال في المعاني نحو : أَثْقَلَه الغرم والوزر . قال الله تعالى : أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ . « الطور : 40 » .
والثقيل في الإنسان يستعمل تارة في الذم ، وهو أكثر في التعارف وتارة في المدح نحو قول الشاعر :
تخفُّ الأرضُ إذْ ما زلتَ عنها
وتبقى ما بقيتَ بها ثقيلا
حللتَ بمستقرِّ العِزِّ منها
فتمنعُ جانبيها أن تميلا
ويقال : في أذنه ثِقل : إذا لم يَجُد سمعه ، كما يقال في أذنه خفة : إذا جَادَ سمعه ، كأنه يثقل عن قبول ما يلقى إليه . وقد يقال : ثَقُلَ القول إذا لم يطب سماعه ، ولذلك قال في صفة يوم القيامة : ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ . « الأعراف : 187 » . وقوله تعالى : وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها . « الزلزلة : 2 » قيــل كنوزها ، وقيل ما تضمنته من أجساد البشر عند الحشر والبعث .
وقال تعـالى : وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ . « النحل : 7 » أي أحمالكم الثقيلة . وقال عز وجل : وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ « العنكبوت : 13 » أي آثامهم التي تثقلهم وتثبطهم عن الثواب كقوله تعالى : لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سـاءَ ما يَزِرُونَ . « النحل : 25 » . وقوله عز وجل : إنْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا . « التوبة : 41 » قيل : شُبَّاناً وشيوخاً . وقيل فقراء وأغنياء ، وقيل غرباء ومستوطنين ، وقيل نُشُّاطاً وكسالى .
وكل ذلك يدخل في عمومها ، فإن القصد بالآية الحثُّ على النفر على كل حال ، تَصْعُبُ أو تَسْهُل .
والمِثْقَال : ما يوزن به وهو من الثقل ، وذلك إسم لكل سَنْج « حجر الميزان » قال تعالى : وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ . « الأنبياء : 47 » وقال تعالى : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقــالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقـالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ . « الزلزلة : 7 » . وقوله تعالى : فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ . « القارعة : 6 » فإشارة إلى كثرة الخيرات . وقوله تعالى : وأما مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ . « القارعة : 8 » فإشارة إلى قلة الخيرات .
والثقيل والخفيف يستعمل على وجهين : أحدهما : على سبيل المضايفة ، وهو أن لا يقال لشئ ثقيل أو خفيف إلا باعتباره بغيره ، ولهذا يصح للشئ الواحد أن يقال خفيف إذا اعتبرته بما هو أثقل منه ، وثقيل إذا اعتبرته بما هو أخف منه ، وعلى هذه الآية المتقدمة آنفاً . والثاني : أن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 188 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يستعمل الثقيل في الأجسام المرجَّحة إلى أسفل كالحجر والمدر ، والخفيف يقال في الأجسام المائلة إلى الصعود كالنار والدخان ، ومن هذا الثقل قوله تعالى : إثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ . « التوبة : 38 » .
ملاحظات
استعمل القرآن زبدة ألفاظ هذه المادة كعادته ، فاسـتعمل للقيـامـة : ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ . وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلاً . ولحساب يوم القيامة : مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ . و : مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ . وللوحي المنزل على رسوله عليه السلام : إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً . ووصفاً للسحاب : وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ . ووصفاً للمقصرين في النفر للجهاد : مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيــلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ . إنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا .
ووصفاً للذنوب : وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ .
ووصفاً للنفس المثقلة بالذنوب : وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَئٌ .
وللمُثقلين من الضريبة المالية : أَمْ تَسْئلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ .
واستعمل الثقلين للإنس والجن : سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ .
والأثقال لأسباب المعيشــة : وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ .
ولأجساد الموتى : وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا .
واستعمل المثقال لدقة علم الله تعالى : وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ .
وللوزن يوم القيــامة : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ .
وأشهر استعمالات هذه المادة في السنة وصية النبي صلى الله عليه وآله لأمته بالثقلين : إني تاركٌ فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي : أي الثقيلين في قدرهما ، ومسؤوليتهما .
ثَلَثَ - ثلاثة - ثلاثاء
الثَّلَاثَة والثَّلَاثُون ، والثَّلَاث ، والثَّلَاثُ مِائَة ، وثَلَاثَة آلاف ، والثُّلُثُ والثُّلُثَان . قال عز وجل : فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ . « النساء : 11 » أي أحد أجزائه الثلاثة ، والجمع أَثْلَاث ، قال تعالى : وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً . « الأعراف : 142 » . وقال عز وجل : ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ . « المجادلة : 7 » .
وقال تعالى : ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ « النور : 58 » أي ثلاثة أوقات العورة . وقـــال عز وجل : وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ « الكهف : 25 » . وقال تعالى : بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ . « آل عمران : 124 » . وقال تعالى : إن رَبَّكَ يَعْلَمُ إنكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ . « المزمل : 20 » . وقال عز وجل : مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ . « فاطر : 1 » أي اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة .
وثَلَّثْتُ الشئ : جزَّأته أثلاثاً . وثَلَّثْتُ القوم : أخذت ثلث أموالهم . وأَثْلَثْتُهُمْ : صرت ثالثهم أو ثلثهم . وأَثْلَثْتُ الدراهم فأثلثت هي ، وأَثْلَثَ القوم : صاروا ثلاثة . وحبل مَثْلُوث : مفتول على ثلاثة قوى . ورجل مَثْلُوث : أخذ ثلث ماله . وثَلَّثَ الفرس وربَّع جاء ثالثاً ورابعاً في السباق .
ويقال : أَثَلَاثَةٌ وثلاثون عندك أو ثلاث وثلاثون؟ كناية عن الرجال والنساء ، وجاؤوا ثُلَاثَ ومَثْلَثَ ، أي ثلاثة ثلاثة . وناقة ثَلُوث : تحلب من ثلاثة أخلاف .
والثَّلَاثَاء والأربعاء من الأيام ، جعل الألف فيهما بدلاً من الهاء ، نحو : حسنة وحسناء ، فخصَّ اللفظ باليوم . وحكي : ثَلَّثْتُ الشئ تَثْلِيثاً : جعلته على ثلاثة أجزاء .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 189 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وثَلَّثَ البُسْر : إذا بلغ الرطب ثلثيه . وثَلَّثَ العنب : أدرك ثلثاه . وثوب ثُلَاثِيٌّ : طوله ثلاثة أذرع .
ثَلَّ - ثُلَّةٌ - ثلََّله - ثَلَّه
الثَّلَّة : قطعةٌ مجتمعة من الصوف ، ولذلك قيل للمقيم ثَلَّة . ولاعتبار الإجتماع قيل : ثُلَّةٌ مِنَ الأولينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ . « الواقعة : 39 » أي جماعة . وثَلَّلْتُ كذا : تناولتُ ثُلَّةً منه . وثَلَّ عرشه : أسقط ثُلَّةً منه . والثَّلَل : قِصَرُ الأسنان لسقوط ثلة منها . وأثلَّ فمه : سقطت أسنانه . وتثللت الركية : أي تهدَّمت .
ملاحظات
لم يذكر الراغب اشتقاق ثَلَّ لأنه غير معلوم ، وقال ابن فارس « 1/368 » : « أصلان متباينان : أحدهما ، التجمع . والآخر ، السقوط والهدم والذل » . وقال الخليل « 8/115 » : « والثُّلَّة : قطيع من الغنم غير كثير . والثُّلَّة : جماعة من الناس كثيرة » .
أقول : لاتدل الثُّلَّة بذاتها على كثرة أو قلة ، فهي مثل قسم ، وبعض ، وجماعة ، يعرف كبرها وصغرها من غيرها . ومعنى قوله تعالى : وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ . فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ . ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَلِينَ . وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ . أن السابقين من الأمم السابقة أكثر منهم من أمة النبي صلى الله عليه وآله . ومعنى قوله تعالى : لأَصْحَابِ الْيَمِينِ . ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَلِينَ . وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ . أن أصحاب اليمين من الأمة الآخرة بقدرهم من الأمم السابقة .
ثَمَدَ - ثمدٌ - ثماد - ثمود
ثَمُود : قيل هو أعجمي ، وقيل هو عربي وتُرك صرفه لكونه إسم قبيلة أو أرض . ومن صرفه جعله إسم حيٍّ أو أب ، لأنه يذكر فعول من الثَّمَد ، وهو الماء القليل الذي لا مادة له . ومنه قيل : فلان مَثْمُود ، ثَمَدَتْهُ النساء : أي قطعن مادة مائه لكثرة غشيانه لهن . ومَثْمُود : إذا كثر عليه السُّؤال حتى فقد مادة ماله .
ملاحظات
1 . الثَّمَد : الماء القليل والوشْل . وقد جعله ابن فارس يشمل غير الماء أيضاً . « 1/388 » . والثماد : الرمل أو التراب الذي فيه الثمد . قال الإمام الباقر عليه السلام يصف علماء السلطة « الكافي : 1/ 122 » : « يَمُصُّونَ الثَّماد ويَدَعُونَ النهر العظيم ! قيل له : وما النهر العظيم؟ قال : رسول الله صلى الله عليه وآله والعلم الذي أعطاه الله . إن الله عز وجل جمع لمحمد صلى الله عليه وآله سنن النبيين من آدم وهلمَّ جَرّاً إلى محمد صلى الله عليه وآله . قيل له : وما تلك السنن؟ قال : علم النبيين عليهم السلام بأسره ، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله صَيَّرَ ذلك كله عند أمير المؤمنين عليه السلام » .
2 . ذُكرت ثمود في القرآن بضعاً وعشرين مرة . « وهم قبيلة من العرب الأولى ، وهم قوم صالح » « الصحاح : 2 /451 » . وقال بعض النسابة : ثمودٌ من عاد . « الصحاح : 2/636 » ومنازلهم في الحِجْر ، وتقع بين الشام والحجاز عند وادي القرى . « الصحاح : 2/624 » .
وأحمر ثمود : لقب قدار بن سالف ، عاقر ناقة صالح عليه السلام « الصحاح : 2/636 » . وكانت العرب تتداول معلومات عن عاد وثمود ، وأنهما حضارتان طغتا فأهلكهما الله تعالى ، فكان تهديد القرآن للعرب بعقوبة ثمود مؤثراً فيهم . رويَ أن الوليد بن المغيرة جاء الى النبي صلى الله عليه وآله وقال له : « يا محمد أنشدني من شعرك ، قال : ما هو شعر ولكنه كلام الله الذي ارتضاه لملائكته وأنبيائه . فقال : أُتْلُ عليَّ منه شيئاً ، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله : حم السجدة ، فلما بلغ قوله : فَإِنْ أَعْرَضُوا ، يا محمد أعني قريشاً ، فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 190 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال : فاقشعر الوليد وقامت كل شعرة في رأسه ولحيته ، ومر إلى بيته ولم يرجع إلى قريش » . « تفسيرالقمي : 2/394 » .
ثَمَرٌ - ثمار - ثمرات - أثمر - ثمَّرَ - ثمرة
الثَّمَرُ : إسم لكل ما يُتطعم من أحمال الشجر ، الواحدة ثَمَرَة ، والجمع : ثِمَار وثَمَرَات ، كقوله تعالى : أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ « البقرة : 22 » وقوله تعالى : وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالإعنابِ . « النحل : 67 » وقولــه تعالى : أنْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ . « الأنعام : 99 » وقوله تعالى : وَمِنْ كل الثَّمَراتِ « الرعد : 3 » .
والثَّمَر : قيل هو الثِّمَار ، وقيل هو جمعه . ويكنَّى به عن المال المستفاد . وعلى ذلك حمل ابن عباس : وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ « الكهف : 34 » . ويقال : ثَمَّرَ الله ماله ، ويقال لكل نفع يصدر عن شئ : ثَمَرَة ، كقولك : ثمرة العلم العمل الصالح ، وثمرة العمل الصالح الجنة . وثمرة السوط : عُقدة أطرافها ، تشبيهاً بالثمر في الهيئة ، والتدلي عنه كتدلي الثمر عن الشجر .
والثَّمِيرَة من اللبن : ما تحبب من الزُّبد تشبيهاً بالثمر في الهيئة ، وفي التحصيل من اللبن .
ملاحظات
عَرَّفَ الخليل الثمر « 8/223 » بأنه : حِمْل الشجر ، وعرفه الراغب بأنه ما يتطعم من أحمال الشجر . لكنه أعم منهما لأنه يوجد ثمر لا يؤكل ، وثمر على غير الشجر ، وقد سمى الله رحيق الزهور ثمراً فقال للنحل : ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ .
وقول الراغب : كل ما يتطعم ، يقصد به كل ما يؤكل ، وتعبيره غير فصيح أو غير صحيح ، لأن تطعم به أو منه أو فيه ، بمعنى ذاق طعمه ، واستعملها الراغب بمعنى أكله .
ثُُمَّ - ثَمَّ - ثُمامة - ثُمة
ثُمَّ : حرف عطف يقتضي تأخر ما بعده عما قبله ، إما تأخيراً بالذات أو بالمرتبة أو بالوضع ، حسبما ذكر في قبل وفي أول . قال تعالى : أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا . « يونس : 51 » وقال عز وجل : ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ . « البقرة : 52 » وأشباهه .
وثُمَامَة : شجر . وثَمَّتِ الشاةُ :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 191 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إذا رعتها ، نحو شَجَّرَت إذا رعت الشجر . ثم يقال في غيرها من النبات .
وثَمَمْتُ الشئ : جمعته ، ومنه قيل : كنا أَهْلَ ثَمِّهِ ورَمِّهِ . والثُّمَّة : جَمْعَةٌ من حشيش .
وثَمَّ : إشارة إلى المتبعِّد من المكان ، وهنالك للمتقرب ، وهما ظرفان في الأصل ، وقوله تعالى : وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ . « الإنسان : 20 » فهو في موضع المفعول .
ملاحظات
1 . قال ابن هشام في المغني « 1/117 » : « ثُمَّ : ويقال فيها فُمَّ ، كقولهم في جدث جدف : حرفُ عطفٍ يقتضي ثلاثة أمور : التشـريك في الحكم ، والترتيب ، والمهلة ، وفى كل منها خلاف » .
ثم ردَّ الإشكالات على دلالتها على الترتيب والتراخي . ورد قولَ الطبري بأنها بمعنى هنالك في قوله تعالى : أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ . وقال : « هذا وهم . اشتبه عليه ثُم المضمومة الثاء بالمفتوحة » .
وقال عن ثَمَّ بالفتح : « إسم يشار به إلى المكان البعيد نحو : وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ . وهو ظرف لا يتصرف ، فلذلك غُلِّط من أعربه مفعولاً لرأيت في قوله تعالى : وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ . ولا يتقدمه حرف التنبيه ، ولا يتأخر عنه كاف الخطاب » .
2 . لا يصح قول الراغب : « وثُمَامَة : شجر . وثَمَّتِ الشاةُ : إذا رعتها ، نحو شَجَّرَت إذا رعت الشجر . ثم يقال في غيرها من النبات » .
فلم أجد ثَمَّتِ الشاة ولا شَجَرَتْ بمعنى رعت ، بل وجدت ثَمَّ بمعنى جمع وأصلح . وثمت الشاة النبت بفيها بمعنى قلعته . قال الخليل « 8 /218 » : « الثمام : ما كسر من أغصان الشجر فوضع نضداً للثياب ونحوه ، وإذا يبس فهو الثمام . وقيل بل هو شجر إسمه الثمام ، الواحدة ثمامة . وثممت الشئ أثمه ثماً : أصلحته وأحكمته » .
وقال ابن فارس « 1/369 » : « يقال ثممت الشئ ثماً إذا جمعته . وأكثر ما يستعمل في الحشيش . ويقال : ثممت الشئ أثمه ثماً إذا جمعته ورممته . . وثمت الشاة النبت بفيها قلعته . ومنه الحديث : كنا أَهْلَ ثَمِّهِ ورَمِّهِ . أي كنا نثمه ثماً ، أي نجمعه جمعاً » .
وقال الجوهري « 5/1881 » : « وثممت الشئ أثُمه بالضم ثما ، إذا أصلحته ورممته بالثمام . ومنه قيل ثممت أموري إذا أصلحتها ورممتها . ومنه قولهم : كنا أَهْلَ ثَمِّهِ ورَمِّهِ . وثمت الشاة النبت بفيها ، أي قلعته فهي شاة ثموم » .
أقول : يظهر لك بذلك أن الراغب اجتزأ المعاني ، واجتهد حيث لا يصح الإجتهاد . ولا نطيل في بيان خطئه لأنها ألفاظ لم ترد في القرآن .
ثَمَنٌ - ثمَّن - أثمنَ - مثمن - أثمان
قوله تعالى : وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ . « يوسف : 20 » الثَّمَنُ : إسم لما يأخذه البائع في مقابلة البيع ، عيناً كان أو سلعة . وكل ما يحصل عوضاً عن شئ فهو ثمنه . قال تعالى : إن الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً . « آل عمران : 77 » . وقال تعالى : وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ الله ثَمَناً قَلِيلًا . « النحل : 95 » . وقال : وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً . « البقرة : 41 » . وأَثْمَنْتُ الرجل بمتاعه وأَثْمَنْتُ لَهُ : أكثرت له الثمن . وشئ ثَمِين : كثير الثمن .
والثَّمَانِيَة والثَّمَانُون ، والثُّمُن في العدد ، معروف . ويقال ثَمَّنْتُهُ : كنت له ثامناً ، أو أخذت ثمن ماله ، وقال عز وجل : سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ . « الكهف : 22 » وقال تعالى : عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ . « القصص : 27 » .
والثَّمِين : الثُّمْن ، قال الشاعر :
فما صَار لي في القَسْمِ إلا ثَمِينُهَا
وقوله تعالى : فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ . « النساء : 12 » .
ثَنَيَ - أثنى - إثنان - ثنيٌ - ثنَاه - ثنَّاه - ثنيةٌ -ثنوية - استثنى
الثَّنْي والإثنان : أصل لمتصرفات هذه الكلمة ، ويقال ذلك باعتبار العدد ، أو باعتبار التكرير الموجود فيه ، أو باعتبارهما معاً . قال الله تعالى : ثانِيَ اثْنَيْنِ . « التوبة : 40 » اثْنَتا عَشْـرَةَ عَيْنـاً . « البقرة : 60 » . وقـال : مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ . « النساء : 3 » . فيقال ثَنَّيْتُهُ تَثْنِيَة : كنت له ثانياً ، أو أخذت نصف ماله ، أو ضممت إليه ما صار به اثنين .
والثِّنْيُ : مايعاد مرتين ، قال عليه السلام : لاثِنْيَ في الصدقة ، أي لاتؤخذ في السنة مرتين . قال الشاعر :
لقد كانت مَلامَتُهَا ثنِيَّا
وامرأة ثِنْيٌ : ولدت اثنين ، والولد يقال له : ثِنْيٌ . وحلف يميناً فيها ثُنْيَا وثَنْوَى وثَنِيَّة ومَثْنَوِيَّة . ويقال لِلَاوِي الشئ : قد ثَناه ، نحو قوله تعالى : أَلا إنهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ « هود : 5 » وقراءة ابن عباس : يَثْنَوْنَى صدورهم ، من : اثْنَوْنَيْتُ .
وقوله عـز وجل : ثانِيَ عِطْفِهِ . « الحج : 9 » وذلك عبارة عن التنكر والإعراض ، نحو : لوى شدقه . وَنَأى بِجانِبِهِ . « الإسراء : 83 » . والثَّنِيُّ من الشاة : ما دخل في السنة الثانية ، وما سقطت ثنيته من البعير . وقد أَثْنَى .
وثَنَيْتُ الشئ أَثْنِيهِ : عقدته بثنايين غير مهموز ، قيل وإنما لم يهمز لأنه بنى الكلمة على التثنية ، ولم يبن عليه لفظ الواحد .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 192 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والمُثَنَّاة : ما ثني من طرف الزمام . والثُّنْيَان الذي يثنى به إذا عُدَّ السادات . وفلان ثَنِيَّة أهل بيته : كناية عن قصور منزلته فيهم . والثَّنِيَّة من الجبل : ما يحتاج في قطعه وسلوكه إلى صعود وحدور ، فكأنه يثني السير .
والثَّنِية من السن : تشبيهاً بالثنية من الجبل في الهيئة والصلابة .
والثُّنْيَا من الجزور : ما يثنيه جازره إلى ثنيه من الرأس والصلب ، وقيل : الثُّنْوَي .
والثَّنَاء : ما يذكر في محامد الناس ، فيثنى حالاً فحالاً ذكره ، يقال : أثنى عليه . وتَثَنَّى في مشيته : نحو تبختر .
وسميت سور القرآن مثاني في قوله عز وجل : وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي « الحجر : 87 » لأنها تُثَنَّى على مرور الأوقات وتُكَرَّر ، فلا تدرس ولا تنقطع دروس سائر الأشياء التي تضمحل وتبطل على مرور الأيام .
وعلى ذلك قوله تعالى : الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ . « الزمر : 23 » ويصح أنه قيل للقرآن : مثاني ، لما يثنى ويتجدد حالاً فحالاً من فوائده ، كما روي في الخبر في صفته : لايَعْوَجُّ فَيُقَوَّم ولا يَزيغ فيُستعتب ، ولاتنقضي عجائبه . ويصح أن يكون ذلك من الثناء ، تنبيهاً على أنه أبداً يظهر منه ما يدعو إلى الثناء عليه ، وعلى من يتلوه ويعلمه ويعمل به . وعلى هذا الوجه وصفه بالكرم في قوله تعالى : إنهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ . « الواقعة : 77 » وبالمجد في قوله : بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ . « البروج : 21 » .
والإستثناء : إيراد لفظ يقتضي رفع بعض ما يوجبه عموم لفظ متقدم ، أو يقتضي رفع حكم اللفظ عما هو .
فمما يقتضي رفع بعض ما يوجبه عموم اللفظ قوله تعالى : قُلْ لا أَجِدُ فِي مـا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُـهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً . . الآية « الأنعام : 145 » .
وما يقتضي رفع ما يوجبه اللفظ ، فنحو قوله : و الله لأفعلنَّ كذا إن شاء الله ، وامرأته طالق إن شاء الله ، وعبده عتيق إن شاء الله ، وعلى هذا قوله تعالى : إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ . « القلم : 17 » .
ملاحظات
1 . أطال الراغب في تفسير المثاني بلا محصل ، قال : « وسميت سور القرآن مثاني في قوله عز وجل : وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي لأنها تُثَنَّى على مرور الأوقات وتُكَرَّر . . الخ . » . ثم عاد وصحح وجهين لتسميتها ، أحدهما : أنه مثاني لأنه يتجدد . وأنه مثاني بمعنى يُثنى عليه ، فهو مشتق من الثناء ، لأنه أثنى على القرآن بالكرم والمجد . وكلاهما ضعيف !
2 . الصحيح أن المثاني صفةٌ لكل القرآن ، وصفةٌ لسورة الحمد فهي السبع المثاني ، وصفةٌ للسور المثاني التي هي أقل من مئة آية . ومعنى المثاني أنه يقرأ وتعاد قراءته ليفهم أكثر . قال ابن منظور « 14/11 » : « سَمَّى الله عز وجل القرآن كله مثانيَ في قوله عز وجل : اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ . وسَمَّى فاتحـةَ الكتاب مثاني في قولـه عز وجل : وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ » . أقول : أطلق الله تعالى هذا الوصف على القرآن مقابل النص التوراتي الذي يقرأ مثنى مثنى ، فقد وضع اليهود كتباً سموها المثناة « مشنا » شبهوها بالتوراة بأنها تستحق أن تُقرأ مَثْنى . فقال لهم الله تعالى ليس تلمودكم وما كتبتموه مثاني ولا حتى التوراة بعد اليوم ، بل هذا القرآن ، وكله مثاني ، يستحق أن يقرأ مثنى مثنى ، وفي كل قراءة يفهم القارئ منه أكثر ، وتنفتح له أبعادٌ ومعانٍ جديدة .
3 . السبع المثاني : سورة الحمد ، والبسملة أول آياتها ، وسميت مثاني أيضاً لأنها تثنى في الصلاة ، وبهذا أفتى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 193 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقهاؤنا وأكثر فقهاء المذاهب . قال أمير المؤمنين كما في عيون أخبار الرضا عليه السلام « 1/270 » : « إن بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب ، وهي سبع آيات تمامها بسم الله الرحمن الرحيم . سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن الله عز وجل قال لي : يا محمد : ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم ، فأفرد الإمتنان عليَّ بفاتحة الكتاب ، وجعلها بإزاء القرآن العظيم » .
4 . تصور بعضهم أن كلمة اثنين في قوله تعالى : وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ، للتأكيـد ، لكن المعنى : اثنين من كل زوجين . قال الخليل « 6/167 » : « يقال : لفلان زوجان من الحمام ، أي ذكر وأنثى . قال سبحانه : فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ » .
5 . قوله عز وجل : فانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَـاعَ . وقــولــــه : جَاعِــــلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ . قال في جامع المقاصد « 12/374 » : « الواو للتخيير لا للجمع ، وإلا لجاز نكاح ثماني عشرة ، لأن معنى قوله مثنى : اثنتين اثنتين ، وكذا قوله : وثلاث : معناه ثلاثاً ثلاثاً ، وقوله ورباع : معناه أربعاً أربعاً » .
6 . قوله تعالى : إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا . معناه : إن لم تنصروه فقد نصره الله عندما كان وحيداً فاراً من قومه ليس معه إلا شخص واحد غير مقاتل ، فأنزل عليه السكينة وجنوداً لم يرها رفقاؤه . فليس في الآية إلا إشارة إلى شخص كان معه ، بقطع النظر عن نوعه ومن هُوَ . وفي لسان العرب « 14/116 » والصحاح « 6/2295 » والمغني « 1/84 » « تقول هو ثاني اثنين : أي أحد اثنين . واحدٌ من اثنين » . فمصب الآية على وحدة النبي صلى الله عليه وآله ولذا أفرد ضميره في قوله : إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ولم يقل أخرجهما ، وأفرده في نزول السكينة فقال : فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا . ولم يقل عليهما . وهذا يعني عدم وجود دور لمرافقه في صلب الهجرة ، بل المعنى أنه صلى الله عليه وآله كان وحده ولم يكن معه إلا نفر واحد لا ينفعه . وليس المعنى : أن النبي صلى الله عليه وآله أول وأبابكر ثانٍ كما قال المغالون في أبي بكر . فالثاني في اللفظ هو النبي صلى الله عليه وآله والأول أبوبكر ، فالترتيب الرتبي والترتيب العددي لا يصحان .
ثََوََبََ - ثَيِّب - تثويب - ثُبة- ثواب - مثوبةٌ -أثاب - ثيب - ثوب
أصل الثَّوْب : رجوع الشئ إلى حالته الأولى التي كان عليها ، أو إلى الحالة المقدرة المقصودة بالفكرة ، وهي الحالة المشار إليها بقولهم : أول الفكرة آخر العمل . فمن الرجوع إلى الحالة الأولى قولهم : ثَابَ فلان إلى داره ، وثَابَتْ إِلَيَّ نفسي ، وسمي مكان المستسقي على فم البئر مَثَابَة .
ومن الرجوع إلى الحالة المقدرة المقصود بالفكرة : الثَّوْب ، سمي بذلك لرجوع الغزل إلى الحالة التي قدرت له ، وكذا ثواب العمل . وجمع الثوب أَثْوَاب وثِيَاب ، وقوله تعالى : وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ . « المدثر : 4 » يحمل على تطهير الثوب .
وقيل : الثياب كناية عن النفس لقول الشاعر :
ثياب بني عوف طهارى نقيَّةٌ
وذلك أمْرٌ بما ذكره الله تعالى في قوله : إنما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً . « الأحزاب : 33 » .
والثَّوَاب : ما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله ، فيسمى الجزاء ثواباً ، تصوراً أنه هو هو ، ألا ترى كيف جعل الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 194 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تعالى الجزاء نفس العمل في قوله : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . « الزلزلة : 7 » ولم يقل جزاءه .
والثواب : يقال في الخير والشر ، لكن الأكثر المتعارف في الخير ، وعلى هذا قوله عز وجل : ثَواباً مِنْ عِنْدِ الله وَاللَّه عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ . « آل عمران : 195 » فَآتاهُمُ الله ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ . « آل عمران : 148 » .
وكذلك المَثُوبَة في قوله تعالى : هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ الله . « المائدة : 60 » فإن ذلك استعارة في الشر كاستعارة البشارة فيه . قال تعالى : وَلَوْ إنهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ الله . « البقرة : 103 » .
والإِثَابَةُ : تستعمل في المحبوب ، قال تعالى : فَأَثابَهُمُ الله بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ . « المائدة : 85 » وقد قيل ذلك في المكروه : فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ . « آل عمران : 153 » على الإستعارة كما تقدم .
والتثْوِيب : في القرآن لم يجئ إلا في المكروه نحو : هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ « المطففين : 36 » .
وقوله عز وجل : وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً . « البقرة : 125 » قيل معناه : مكاناً يثوب إليه الناس على مرور الأوقات . وقيل : مكاناً يكتسب فيه الثواب .
والثَّيِّب : التي تثوب عن الزوج . قال تعالى : ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً . « التحريم : 5 » وقال عليه السلام : الثيِّب أحق بنفسها .
والتثْوِيب : تكرار النداء ، ومنه : التثويب في الأذان . والثُّوبَاء : التي تعتري الإنسان ، سميت بذلك لتكررها .
والثُّبَة : الجماعة الثائب بعضهم إلى بعض في الظاهر . قال عز وجل : فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً « النساء : 71 » .
قال الشاعر :
وقد أغدو على ثُبَةٍ كرامِ
وثُبَةُ الحوض : ما يثوب إليه الماء ، وقد تقدم .
ملاحظات
1 . افترض الراغب كغيره أن أصل المادة ثاب بمعنى رجع ، وأرجعوا اليها بعض مفرداتها التي تتضمن معنى الرجوع ، لكنهم تورطوا في الثوب فقال الراغب : « أصل الثَّوْب : رجوع الشئ إلى حالته الأولى التي كان عليها ، أو إلى الحالة المقدرة المقصودة بالفكرة . ومن الرجوع إلى الحالة المقدرة المقصود بالفكرة : الثَّوْب ، سمي بذلك لرجوع الغزل إلى الحالة التي قدرت له » .
ولو صح كلامه لكان كل مصنوع ثوباً ، لأنه يرجع الى الحالة التي قدرت له وأريدت منه ! فالسيارة ثوبٌ لأن حديدها وموادها تثوب الى الحالة التي قدرت لها ! والآجر ثوب لأنه سيثوب الى حالته المقدرة فيكون جداراً !
وقد ابتكر ابن فارس « 1/195 » معنى جديداً لتصحيح إسم الثوب ، فقال : « وهو العود والرجوع . يقال ثاب يثوب إذا رجع . . . والثوب الملبوس محتمل أن يكون من هذا القياس لأنه يلبس ثم يلبس ويثاب إليه » .
ولو كان كل مرجوع اليه ثوباً ، لكان البيت ثوباً والكرسي ثوباً ، لأن الإنسان يثوب اليهما .
أما الخليل فذكر ثاب والمثابة والثوب « 8/247 » ولم يذكر أنها فروع ثوب . وأما ابن منظور فقال « 1/245 » : « ثاب القومُ : أَتَوْا مُتواتِرِين ، ولا يقالُ للواحد . والثَّوابُ : جَزاءُ الطاعةِ ، وكذلك المَثُوبةُ ، قال اللَّه تعالى : لَمَثُوبةٌ مِن عندِ اللَّه خَيْرٌ . . وفي التنزيل العزيز : هل ثُوِّبَ الكُفَّارُ ما كانوا يُفْعلون . أَي جُوزُوا . وفي حديث ابن التَّيِّهانِ رضي اللَّه عنه : أَثِيبُوا أَخاكم أَي جازُوه على صَنِيعِه . والثَّوْبُ : اللِّباسُ ، واحد الأَثْوابِ . وقوله عز وجل : وثيابَكَ فَطَهِّرْ . . وقال أَبو العباس : الثِّيابُ اللِّباسُ ، ويقال للقَلْبِ . وقال الفرَّاءُ : وثِيابَك فَطَهِّرْ : أَي لا تكن غادِراً فَتُدَنِّسَ ثِيابَك ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 195 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فإِنَّ الغادِرَ دَنِسُ الثِّيابِ . . والتَّثْوِيبُ : هو الدُّعاء للصلاة وغيرها . . وكلُّ داعٍ مُثَوِّبٌ » .
والحاصل : أنه لا بد من اعتبار الثوب أصلاً مستقلاً عن ثابَ وفروعها .
2 . لم يستعمل القرآن كلمة ثَوْبٍ بل كلمة ثياب ، فأمرَ النبي صلى الله عليه وآله والمسلمين بتطهير ثيابهم ، وبين حكم التبذل ووضع الثياب ، وسَخِرَ من الذين يجعلون أصابعهم في آذانهم ويستغشون ثيابهم لئلا يسمعوا القرآن ! وذكر ثياب السندس والإستبرق لأهل الجنة ، والثياب المقطعة من نار للكافرين ، أعاذنا الله .
3 . الثواب والعقاب نظام رباني ، لسَوْق الإنسان الى تكامله ومنعه من السقوط . وقد فصَّله الإسلام في نحو عشرين آية : فقَسَّمَ الثواب الى ثواب الدنيا وثواب الآخرة : قال تعالى : وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الأَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا . فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ . لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ . هُنَالِكَ الْوَلايَةُ للهِ الْحق هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا . وقال تعالى : وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ . وقال تعالى : وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا .
ووصف قسماً من العقوبات بالثواب : قال تعالى : هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَاكَأنوا يَفْعَلُونَ . وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ . قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ .
وقَسَّمَ الثواب الى درجات : منها الثواب العادي ومنها حُسْنُ الثواب ، ونِعْمَ الثواب ، والثواب بالنصر ، والثواب بالجنات وأرائكها . . الخ .
ثَوَرَ - ثارَ - ثوراناً - ثاوره - ثائر - ثورة
ثَارَ الغبار والسحاب ونحوهما ، يَثُور ثَوْراً وثَوَرَاناً : انتشر ساطعاً ، وقد أَثَرْتُهُ . قال تعالى : فَتُثِيرُ سَحاباً « الروم : 48 » . يقال : أَثَرْتُ الأرض ، كقوله تعالى : وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها « الروم : 9 » . وثَارَتِ الحصبة ثَوْراً : تشبيهاً بانتشار الغبار . وثَوَّرَ شراً كذلك . وثَارَ ثَائِرُهُ : كناية عن انتشار غضبه . وثَاوَرَهُ : واثبه . والثَّوْرُ : البقر الذي يثار به الأرض ، فكأنه في الأصل مصدرٌ جُعل في موضع الفاعل نحو : ضيف وطيف في معنى ضائف وطائف . وقولهم سقط ثور الشفق أي الثائر المنتثر . والثأر هو طلب الدم وأصله الهمز . وليس من هذا الباب .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن هذه المادة في إثارة الأرض وإعمارها بالزراعة والمدنية والحضارة . قال تعالى : أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا .
وفي إثارة الرياح للسحاب ، قال تعالى : اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ . وقال تعالى : وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا .
وفي إثارة الخيل للغبار في الحرب . فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا . فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا . فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا .
2 . قال الخليل « 8/232 » : « الثور : الذكر من البقر ، والقطعة من الأقط ، وبرج من بروج السماء ، وبه سمي السيد ، وبه كني عمرو بن معديكرب : أباثور » .
وقال ابن منظور « 4/108 » : « ثارَ الشيءُ ثَوْراً وثُؤوراً وثَوَراناً وتَثَوَّرَ : هاج . وثارَ به الدَّمُ ، وثارَ بِه الناسُ أَي وَثَبُوا عليه . وفي الحديث : فرأَيت الماء يَثُور من بين أَصابعه أَي يَنْبُعُ بقوّة وشدّة . وقول علي كرم الله وجهه : إِنما أُكِلْتُ يومَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 196 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أُكِلَ الثَّوْرُ الأَبْيَضُ . عنى به عثمان . وثَوَّرْتُ الأَمر : بَحَثْتُه ، وثَوَّرَ القرآنَ : بحث عن معانيه وعن علمه » .
ثَوَيَ - ثَواءً - مثوى - ثاوٍ - ثوية
الثَّوَاء : الإقامة مع الإستقرار ، يقال : ثَوَى يَثْوِي ثَوَاءً . قال عز وجل : وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ . « القصص : 45 » وقال : أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ . « الزمر : 60 » . وقال الله تعالى : فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ . « فصلت : 24 » أُدْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ . « الزمر : 72 » وقال : النَّارُ مَثْواكُمْ . « الأنعام : 128 » وقيل : من أَمَّ مَثْواك . كناية عمن نزل به ضيف . والثَّوِيَّة : مأوى الغنم . و الله أعلم بالصواب .
ملاحظات
عَرَّفَ الراغب الثِّوَاء بأنه إقامة مع استقرار ، وعرفه الخليل « 8/252 » بأنه طول المقام . وعرفه ابن فارس « 1/393 » بأنه الإقامة فقط . وهذا هو الصحيح لقول مالك بن سوار الطائي ، كما في ربيع الأبرار « 4/402 » :
« ثوى اللؤمُ في العجلان يوماً وليلةً
وفي دار مَـروانٍ ثـوى آخرَ الـدهـرِ
ولمـا أتــى مـروانَ ألقــى رحـالـهُ
وقال رضينـــا بالمقامِ إلى الحشـرِ » .
تمَّ كتاب الثاء .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 197 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 198 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب الجيم وما يتصل بها

ج
يشمل 67 مفردة و 54 ملاحظة
جَبَّ - جبوباً - مجبوب - جِبَاب - جُبَّة - جُبَاب - جبجبة
قال الله تعالى : وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ « يوسف : 10 » أي بئرٍ لم تُطْوَ . وتسميته بذلك إما لكونه محفوراً في جَبُوب ، أي في أرض غليظة ، وإما لأنه قد جُبَّ . والجَبُّ : قطع الشئ من أصله ، كجَبِّ النخل . وقيل زمن الجِبَاب نحو : زمن الصِّـرَام . وبعيرٌ أَجَبُّ : مقطوع السنام ، وناقة جَبَّاء . وذلك نحو : أقطع وقطعاء ، للمقطوع اليد . وخِصْيٌ مَجْبُوبٌ : مقطوع الذَّكر من أصله .
والجُبَّةُ : التي هي اللباس منه ، وبه شُبَّهَ ما دخل فيه الرمح من السنان . والجُبَاب : شئ يعلوألبان الإبل . وجَبَّتِ المرأة النساء حسناً : إذا غلبتهن ، استعارةً من الجَب الذي هو القطع ، وذلك كقولهم : قطعته في المناظرة والمنازعة .
وأما الجُبْجُبَة : فليست من ذلك ، بل سميت به لصوتها المسموع منها .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن من هذه المادة كلمة الجُبَّ في سورة يوسـف عليه السلام : قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لاتَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ . والجُب ، والبئر ، والطويُّ ، والرِّكْية ، والقَلِيب ، بمعنى . وقال اللغويون إن البئر مؤنثة والقليب والجُب يؤنثان ويذكران ، وقد ذكَّرَها الراغب . وقالوا إن البئر والطوى : هو المطوي بالحجارة ونحوها ، والجُب والباقي ليست مبنية . لكن لم يستدلوا عليه باستعمال العرب . ولهم أقوال في الجب ، منها : أنها البئر غير بعيدة القعر ، أو البئر العادِيَة القديمة ، أو كثيرة الماء بَعيدةُ القَعْرِ ، أو المُقَبَّبة المُجَبَّبةُ الجَوْفِ ، إذا كان وَسَطُها أَوْسَعَ شئ فيها . أو رَكِيَّةٌ تُجابُ في الصَّفا ، أوالرَّكِيَّةِ قبل أَن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 199 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تُطْوَى ، أو القَلِيب الواسِعَةُ الشَّحْوةِ ، أي الفم ، والشحوة الخطوة . والظاهر أن البئر أعم من ذلك كله . راجع : معالم التنزيل : 2/412 ، والكشاف : 2/305 ، ولسان العرب : 1/250 .
2 . أرجع الراغب مفــردات الجُب الى القطـــع ، قال : « والجُبَّة التي هي اللباس منه ، وبه شُبَّهَ ما دخل فيه الرمح من السنان » . لكن لا مناسبة بين الجُب ، والجبة ، وجبة السنان !
كما لا موجب لحصر البئر بما حُفر في أرض غليظة ليصح فيه معنى القطع ، قال : « وتسميته بذلك إما لكونه محفوراً في جَبُوب ، أي في أرض غليظة وإما لأنه قد جُبَّ » . وجعله ابن فارس أصلين « المقاييس : 1/423 » : « أحدهما القطع والثاني تجمع الشئ . الجُبَّة معروفة لأنها تشمل الجسم وتجمعه فيها » . لكن هذين الأصلين أيضاً لا يستوعبان مفردات المادة ، فقولهم : جُبَّةُ العينِ وحجاجها للعظم الذي عليه الحاجب ، ليس فيه قطع ولا جمع ، إلا بتكلفات بعيدة ! فلا بد من توسيع أصول جَبَّ وجعلها ثلاثة .
جََبَتَ - طَاغوت
قال الله تعالى : يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطاغُوتِ . الجِبْتُ والِجبْس : الفِسْل الذي لا خير فيه ، وقيل التاء بدل من السين ، تنبيهاً على مبالغته في الفسولة ، كقول الشاعر :
عمرو بنُ يربوعٍ شِرَارُ الناسِ أي خِساس الناس . ويقال لكل ماعُبد من دون الله جِبْت . وسمي الساحر والكاهن جبتاً .
ملاحظات
وردت كلمة الطاغوت في القرآن ثمان مرات ، والجبت مرة واحدة ، في قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطاغُوتِ . وفي المخصص « 1/98 » أن الجبت : الضعيف في عقله ورأيه . وهو قريب من الجِبْسُ . وقال الخليل « 6/93و : 5/58 » : « الجبت : الكاهن والساحر ، والجبس : الجبان الردئ . ويقال : الجبس من أولاد الريبة » . ونحوه المقاييس : 1/500 . وقال ابن منظور « 2/21 » : « الجِبْتُ : كلُّ ما عُبِدَ مِن دون الله . وقيل هي كلمة تَقَعُ على الصَّنَم والكاهن والساحر ونَحْوِ ذلك » .
أقول : الطاغوت هو الذي يطغى ويتزعم ويعبده الناس ، أي يطيعونه من دون الله تعالى . والجبت : الرجل الضعيف المنحط الذي ينصبونه بدل الطاغوت ، ويطيعونه لأنه يمثل رمز طغيانهم . والجبت معرَّب ، وقد ورد جمعه في حديث الإمام الصادق عليه السلام في كامل الزيارات/99 : « اللهم العن الجوابيت والطواغيت ، والفراعنة ، واللات ، والعزى ، والجبت والطاغوت ، وكل نِدٍّ يدعى من دون الله » . ويظهر أن الأخيرين يختصان بقريش .
وفي الكافي « 4/402 » عن الإمام الصادق عليه السلام في دعاء الطواف : « آمنت بالله ، وكفرت بالجبت والطاغوت ، وباللات والعزى ، وعبادة الشيطان ، وعبادة كل ند يُدعى من دون الله » .
وفي الكافي « 1/205 » : « عن بريد العجلي قال : سألت أباجعفرالباقر « عن قول الله عز وجل : بِالْجِبْتِ وَالطاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً . يقولـــون لأئمة الضلالة والدعــاة إلى النار : « هؤلاء أهدى من آل محمد سبيلاً . أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ : نحن الناس المحسودون على ما آتانا الله من الإمامة دون خلق الله أجمعين » .
وفي فتح الباري « 8/189 » : « اختار الطبري أن المراد بالجبت والطاغوت جنس من كان يُعبد من دون الله ، سواء كان صنماً ، أو شيطاناً ، جنياً ، أو آدمياً » . وهذا يؤيد مذهب أهل البيت عليهم السلام .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 200 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جَبَرَ- أجبر- جَبْر - جابر - جبيرة - جبائر - جِبار - جُبار- إجبار - جبرية - تجبر - جبروت
أصل الجَبْر : إصلاح الشئ بضرب من القهر يقال : جَبَرْتُهُ فَانْجَبَرَ واجْتَبَرَ ، وقد قيل : جَبَرْتُهُ فَجَبَرَ كقول الشاعر :
قد جَبَرَ الدينَ الإلهُ فجَبَرْ
هذا قول أكثر أهل اللغة . وقال بعضهم : ليس قوله فجبر ، مذكوراً على سبيل الإنفعال ، بل ذلك على سبيل الفعل ، وكرره ، ونبَّه بالأول على الإبتداء بإصلاحه وبالثاني على تتميمه ، فكأنه قال : قصد جَبْرَ الدين ، وابتدأ به فتمم جبْره ، وذلك أنَّ فَعَلَ تارة يقال لمن ابتدأ بفعل وتارة لمن فرغ منه .
وتَجَبَّرَ بعد الأكل : يقال إما لتصور معنى الإجتهاد والمبالغة ، أو لمعنى التكلف ، كقول الشاعر :
تجبَّرَ بعدَ الأكْلِ فَهْوَ نَمِيصُ
وقد يقال الْجَبْرُ تارةً في الإصلاح المجرد ، نحو قول علي عليه السلام : يا جَابِر كل كسير ، ويا مسهل كل عسير . ومنه قولهم للخبز : جَابِر بن حبَّة . وتارة في القهر المجرد نحو قوله عليه السلام : لا جَبْر ولا تفويض .
والجَبْر في الحساب : إلحاق شئ به إصلاحاً لما يريد إصلاحه ، وسمي السلطان جَبْراً كقول الشاعر :
وأنعم صباحاً أيها الجبر
لقهره الناس على ما يريده ، أو لإصلاح أمورهم .
والإجبار في الأصل : حمل الغير على أن يجبر الآخر ، لكن تُعورف في الإكراه المجرَّد ، فقيل : أَجْبَرْتُهُ على كذا ، كقولك : أكرهته . وسمي الذين يَدَّعون أن الله تعالى يكره العباد على المعاصي في تعارف المتكلمين مُجَبِّرَة ، وفي قول المتقدمين جَبْرِيَّة وجَبَرِيَّة . والجبَّار : في صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها ، وهذا لا يقال إلا على طريق الذم ، كقوله عز وجل : وَخابَ كل جَبَّارٍ عَنِيدٍ « إبراهيم : 15 » وقوله تعالى : وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا « مريم : 32 » . وقوله عز وجل : إن فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ « المائدة : 22 » وقوله عـز وجل : كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كل قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ « غافر : 35 » أي متعالٍ عن قبول الحق والإيمان له .
يقال للقاهر غيره : جَبَّار ، نحو : وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ « ق : 45 » . ولتصور القهر بالعلو على الأقران قيل : نخلة جبَّارة وناقة جبَّار . وما روي في الخبر : ضرس الكافر في النار مثل أحد ، وكثافة جلده أربعون ذراعاً بذراع الجبار ، فقد قال ابن قتيبة : هو الذراع المنسوب إلى الملك الذي يقال له : ذراع الشاهْ .
فأما في وصفه تعالى نحو : الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ « الحشر : 23 » فقد قيل : سمي بذلك من قولهم : جَبَرْتُ الفقير ، لأنه هو الذي يجبر الناس بفائض نعمه ، وقيل لأنه يجبر الناس ، أي يقهرهم على ما يريده .
ودفع بعض أهل اللغة ذلك من حيث اللفظ فقال : لايقال من أفعلتُ : فعَّال ، فجبَّار لا يبنى من : أجبرت . فأجيب عنه بأن ذلك من لفظ الجبر المروي في قوله : لا جَبْرَ ولا تفويض ، لا من لفظ الإجبار .
وأنكر جماعة من المعتزلة ذلك من حيث المعنى فقالوا : يتعالى الله عن ذلك . وليس ذلك بمنكر فإن الله تعالى قد أجبر الناس على أشياء لا انفكاك لهم منها ، حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية ، لا على ما تتوهمه الغواة والجهلة ، وذلك كإكراههم على المرض والموت والبعث ، وسخَّر كلاً منهم لصناعة يتعاطاها ، وطريقة من الأخلاق والأعمال يتحراها ، وجعله مجبراً في صورة مُخيَّر ، فإما راضٍ بصنعته لا يريد عنها حولاً ، وإما كارهٌ لها يكابدها مع كراهيته لها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 201 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كأنه لا يجد عنها بدلاً ، ولذلك قال تعالى : فَتَقَطعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كل حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ « المؤمنون : 53 » وقال عز وجل : نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا « الزخرف : 32 » .
وعلى هذا الحد وصف بالقاهر ، وهو لا يقهر إلا على ما تقتضـي الحكمة أن يقهر عليه . وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام : يا بارئ المسموكات وجبّار القلوب على فطرتها ، شقيها وسعيدها . وقول ابن قتيبة : هو من جبرت العظم ، فإنه جبر القلوب على فطرتها من المعرفة ، فذكرٌ لبعض ما دخل في عموم ما تقدم .
وجَبَرُوت : فعلوت من التجبر . واسْتَجْبَرْتُ حاله : تعاهدت أن أجبرها ، وأصابته مصيبة لا يَجْتَبِرُهَا ، أي لا يتحرَّى لجبرها من عظمها . واشتق من لفظ جبر العظم : الجَبِيرَة ، للخرقة التي تشد على المَجْبُور ، والجِبَارة ، للخشبة التي تشدُّ عليه ، وجمعها جَبَائِر . وسُمِّيَ الدملوج « المعضد » جبارة ، تشبيهاً بها في الهيئة ، والجبار : لما يسقط من الأرش .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن من هذه المادة لفظ جَبَّار فقط ، وقد ورد في تسع آيات ذماً للإنسان الجبار ، لأنه يضطهد الناس ويجبرهم ظلماً . كقوله تعالى : وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ . . وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ . وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّـــا . وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا . وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ .
وورد مدحاً لله تعالى لأنه يجبر مخلوقاته على ما يصلحها . قال تعــالى : الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ .
2 . جعل الراغب جَبَرَ أصلاً واحداً ، وأدخل فيها معنى قهر ، قال : « إصلاح الشئ بضرب من القهر ، يقال : جَبَرْتُهُ فَانْجَبَرَ » . ثم قال إن الإصلاح والقهر قد ينفردان ، أي يصير الأصل الواحد أصلين ! « وقد يقال الْجَبْرُ تارة في الإصلاح المجرد ، نحو قول علي عليه السلام : يا جَابِر كل كسير . وتارة في القهر المجرد نحو قوله عليه السلام : لا جَبْر ولا تفويض » . ثم زعم أن معنى أجبره : أكرهه على أن يجبر الآخر ! والصحيح أن جَبَرَهُ بمعنى أصلحه ، وأجبره بمعنى أكرهه . وقد خلط الراغب بينهما .
4 . أفرغ الراغب كلمة جبار من معنى الإكراه قال : « والجَبَّار : في صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها » . والصحيح أن الجبار في غير الله تعالى يتضمن التعالي وإكراه الآخرين ظلماً .
5 . قال الراغب : « وما روي في الخبر : ضرس الكافر في النار مثل أحد ، وكثافة جلده أربعون ذراعاً بذراع الجبار ، فقد قال ابن قتيبة : هو الذراع المنسوب إلى الملك الذي يقال له : ذراع الشاهْ » . ولم ترد روايته في مصادرنا لأنه تجسيم ، تعالى الله أن يكون له ذراع مثلنا .
لكن رووه وصححوه على شرط الشيخين : « إن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعاً بذراع الجبار وضرسه مثل أحد » . « المستدرك : 4/595 » . ويقصد أبو هريرة ذراع الله تعالى ، وقد أخذه من إسرائيليات كعب ونسبه الى رسول الله صلى الله عليه وآله ! وقد أثبتنا في « ألف سؤال وإشكال : 1/483 » أن أباهريرة كان يجعل أقوال كعب أحاديث نبوية ! وقد خففه البيهقي فقال إنه للتهويل وليس للحقيقة . وقول ابن قتيبة إن الجبار حاكم فارسي أو يمني ، تحايلٌ للفرار من التجسيم ! « فتح الباري : 11/365 ، وعمدة القاري : 23/121 » .
6 . استشهد الراغب كغيره في تفسير المادة بقول العجاج :
قد جَبَرَ الدينَ الإلهُ فجَبَرْ
وعَوَّرَ الرحمنُ من ولَّى العور
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 202 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد حمَّلوه أكثر مما يحتمل ، لأن الشاعر قاله : « يمدح عبيد الله بن معمر التيمي وكان غزا أبافديك بهجر فقتله » . « شرح أدب الكاتب/318 » . وقصده أن الله أصلح أمر ابن معمر وعوَّر أمر الخارجي فديك . فإصلاح الدين بمعنى إصلاح حال أهله ونصرهم . وقد منعه الوزن أن يقول فانجبر أو فاجتبر ، فقال فجبر ، وانشغل اللغويون في « فلسفة » كلمته !
6 . قال ابن فارس عن هذه المادة « 1/501 » : « أصل واحد وهو جنس من العظمة والعلو والإستقامة ، فالجُبار الذي طال وفاتَ اليدَ ، يقال : فرس جُبَار ونخلة جَبَارة . وذو الجبورة وذو الجَبروت : الله جل ثناؤه . ويقال للخشب الذي يضم به العظم الكسير : جُبارة ، والجمع جبائر . ويقال أجبرت فلاناً على الأمر ، ولا يكون ذلك إلابالقهر » .
ونعم ما قال الخليل « 6/115 » : « وهو أن تُجبر إنساناً على ما لا يريد وتكرهه . والجبر : أن تجبر كسراً . والجبار من الأرش : ما لا يهدر . و الله تبارك وتعالى : الجبار العزيز ، أي قهر خلقه فلا يملكون منه أمراً ، وله التجبر وهو التعظم ، وله الجبرية والجبروت . وفي الحديث : ما كانت نبوة إلا تناسخها ملكٌ جبرية ، أي إلا تجبرت الملوك . والجبار : العاتي على ربه القتَّال لرعيته . والجبار من الناس : العظيم في نفسه الذي لا يقبل موعظة أحد » .
7 . أما جبريل عليه السلام فليس من الجبر ، لأن معنى جَبْرَا الرجل أو الملاك ، ومعنى إيل الله تعالى كما تقدم في آل ، فهو بمعنى الملاك الإلهي . وقد ورد في القرآن في آيتين : قُلْ مَنْ كَأن عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ الَّلهِ . . وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ . وفي قاموس الكتاب المقدس/245 : « جبرائيل : إسم عبري معناه رجل الله . إسم علم لملاك ذي رتبة رفيعة » .
جَبَل - جبل - جبال - أجبُل - جِبِلّ - جِبْل- جِبلَّة
الجَبَل جمعه أَجْبَال وجِبَال . وقال عز وجل : أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً « النبـأ : 6 » . وقال تعالى : وَالْجِبالَ أَرْساها « النازعات : 32 » . وقال تعالى : وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ . « النور : 43 » . وقال تعالى : وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها . « فاطر : 27 » . وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبي نَسْفاً . « طه : 105 » وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ . « الشعراء : 149 » .
واعْتُبِر « ت » معانيه ، فاستعير منه واشتق منه بحسبه ، فقيل : فلان جبلٌ لا يتزحزح ، تصوراً لمعنى الثبات فيه .
وجَبَلَهُ الله على كذا ، إشارة إلى ما ركب فيه من الطبع الذي يأبى على الناقل نقله ، وفلان ذو جِبِلَّة ، أي غليظ الجسم ، وثوب جيد الجِبِلَّة . وتُصُوِّرَ منه معنى العِظَم فقيل للجماعة العظيمة : جِبْلّ . قال الله تعالى : وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبْلاً كَثِيراً « يس : 62 » أي جماعة ، تشبيهاً بالجَبَل في العِظَم . وقرئ : جِبِلًّا مُثَقَّلاً ، قال التوزي : جُبْلًا وجَبْلًا وجُبُلًّا وجِبِلًّا . وقال غيره : جُبُلًّا جمع جِبِلَّة ، ومنه قوله عز وجـل : وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأولينَ . « الشعراء : 184 » . أي المجبولين على أحوالهم التي بنوا عليها ، وسبلهم التي قُيِّضُوا لسلوكها ، المشار إليها بقوله تعالى : قُلْ كل يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ « الإسراء : 84 » . وجَبِلَ : صارَ كالجبل في الغِلْظ .
ملاحظات
1 . ورد الجبل في القرآن مفرداً ست مرات : في الجبل الذي آوى اليه ابن نوح عليه السلام ، وجبل إبراهيم عليه السلام الذي وضع عليه أجزاء الطيور ، وجبل الطور الذي تجلى الله فيه بنوره ، وجبل الظلة الذي مده الله فوق رؤوس بني إسرائيل . والجبل الذي افترض الله إنزال القرآن عليه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 203 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
واستعمل كلمة الجبال ثلاثاً وعشرين مرة : منها عن تنوع الجبال : وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ .
ومنها تشبيه الموج حول سفينة نوح عليه السلام بالجبال : وَهِيَ تَجْرِى بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ .
وجعل الله الجبال منصوبة في الأرض ، وأوتاداً لها ، وأكناناً لحياة الناس . وسوف تُسَيَّر يوم القيامة ، وتُنسف ، وتُدك دكاً ، وترَجف ، وتُبَسُّ بَسَّاً ، وتكون كالمهل ، وكالعهن المنفوش ، وكثيباً مهيلاً ، وسراباً . وهي مسخرة بأمر الله تعالى ، وتسجد له .
وقد عرض عليها الأمانة فأشفقت منها . وهدى النحل لتتخذ منها بيوتاً . وسخرها الله تعالى مع داود عليه السلام فكانت تسبح بتسبيحه . وقد تفننت ثمود في نحت البيوت في الجبال .
وشبهَ مكر الكفار بأنه تزول منه الجبال . ونصح المتكبر بالتواضع لأنه لن يبلغ الجبال طولاً . وذكر جبال الغيوم التي ينزل منها البَرَد .
وذكر أن القرآن تُسَيَّرُ به الجبال وتُنقل من أماكنها ، وتُقَطعُ به الأرض ، ويُكَلَّمُ به الموتى ، وذلك على يد الإمام المهدي عليه السلام .
2 . جعل الراغب وغيره الجبل أصل المادة ، وحاول أن يرجع اليه كل مفرداتها . وقرأ الآية جِبْلاً كثيراً والأصح جِبِلّاً . ويبدو من الخليل أن الجِبِلَّة بمعنى الطبيعة هي الأصل . قال « 6/136 » : « الجَبَل : إسم لكل وتد من أوتاد الأرض إذا عظم وطال ، من الأعلام والأطوار والشناخيب والأنضاد . فإذا صغر فهو من الآكام والقيران .
وجِبِلَّةُ الجبل : تأسيس خلقته التي جُبل عليها . وجِبِلَّة الأرض : صلابها . وجِبَلَّةُ كل مخلوق : تُوسُهُ الذي طُبع عليه . ويقال للثوب الجيد النسج والغزل والفتل : إنه لجيد الجِبِلَّة . والخلق : الجِبِلَّة ، وكل أمة مضت فهي جِبِلَّةٌ على حدة ، وقال تعالى : والِجِبَّلةَ الأولين . وجُبِلَ الإنسان على هذا الأمر ، أي طبع عليه » .
جَبَنَ - جبين - جُبن- جُبْناً - جبان - تجبن
قـال تعالى : وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ « الصافات : 103 » فالجَبِينَان : جانبا الجبهة . والجُبْن : ضعف القلب عما يحق أن يقوى عليه . ورجل جَبَان وامرأة جبان . وأَجْبَنْتُهُ : وجدته جباناً ، وحكمت بجبنه . والجُبْنُ : ما يؤكل . وتَجَبَّنَ اللبن : صار كالجبن .
جَبَهَ - جبهة - جباه
الجَبْهَة : موضع السجود من الرأس ، قال الله تعالى : فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُم وَظُهُورُهُمْ . « التوبة : 35 » .
والنجم يقال له جبهة ، تصوراً أنه كالجبهة للمسمى بالأسد . ويقال لأعيان الناس جبهة ، وتسميتهم بذلك كتسميتهم بالوجوه ، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : ليس في الجبهة صدقة . أي الخيل .
جَبَيَ - جباية - جابية - جواب - اجتبى - اجتباء - مجتبى
يقال : جَبَيْتُ الماء في الحوض : جمعته . والحوض الجامع له : جَابِيَة ، وجمعها جَوَابٍ . قال الله تعالى : وَجِفانٍ كَالْجَوابِ « سبأ : 13 » ومنه استعير : جَبَيْتُ الخراج جِبَايَةً ، ومنه قوله تعالى : يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كل شَئ . « القصص : 57 » .
والإجتباء : الجمع على طريق الإصطفاء ، قال عز وجل : فَاجْتَباهُ رَبُّهُ « القلم : 50 » وقال تعالى : وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها . « الأعراف : 203 » أي يقولون هلَّا جمعتها ، تعريضاً منهم بأنك تخترع هذه الآيات وليست من الله . واجتباء الله العبد : تخصيصه إياه بفيض إلهيٍّ يتحصل له منه أنواع من النعم بلا سعي من العبد ، وذلك للأنبياء
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 204 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وبعض من يقاربهم من الصديقين والشهداء ، كما قال تعالى : وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ « يوسف : 6 » فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ « القلم : 50 »
ملاحظات
1 . جعل الراغب الإجتباء بمعنى الإصطفاء ، ونُقل ذلك عن اللغوي ابن الأعرابي ، قال : « اقترحْتُه ، واجتَبيْته ، وخَوَّصته ، وخدَّمْته ، واخْتَلَمْته ، واستَخْلَصْته واسْتَمَيْتُه ، كلُّه بمعنَى اخترْته » . « تاج العروس : 4/171 » .
وهذا تبسيط ، بسبب عدم انتباههم الى استعمالات اصطفى واجتبى ، لازمين ومتعديين ، بحروف متعددة . تقول اصطفاه واجتباه ، مجرداً ، وتقول اصطفاه من كذا ، أو اصطفاه على كذا ، أو اصطفاه لنفسه ، أو لغيره . ونحوه اجتبى . هذا في الفعل البشري ، أما الفعل الإلهي فهو أكثر تفصيلاً ، وفي القرآن تصديق ما قلناه : فقد يكون الإصطفـاء مجرداً : وَسَلامٌ عَلَى عِبَـادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى . واصطفاءً من أجل أحد : اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ . واصطفاءً من أحد : اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ . أو اصطفاءً على أحد : اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ . أو اصطفاءً على العالمين : إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ . أو اصطفاء بالرســالة والتكليم : اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِى وَبِكَلامِى . وقد يكون اصطفاء لأنبياء : وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِى وَالأَبْصَـارِ . . وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ .
أواصطفاء لجماعة كبيرة فيهم الظالم لنفسه : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ .
أو اصطفاء بدرجة ، ثم بدرجة أعلى : اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ .
أو اصطفاء في الدنيا غير شامل للآخرة : وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا .
كما أن الإجتباء قد يكون اجتباء النخبة من النخبة : كقوله تعالى : وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِى مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ . قال تعالى في اجتباء الأئمة من عترة النبي وذرية إسماعيل : وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حق جِهَادِهِ هُـوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِي كُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ .
وقد يكون واسعاً : أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا .
وقـال تعالى : وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ . وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .
وقد يكون إجتباءً مطلقاً ، أو اجتباءً اليه : اللهُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ .
وقد يكون إجتباءً بعد ذنب ، قال تعالى : وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى . ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى . وقال في يونس عليه السلام : لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَـرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ . فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ .
والإجتباء كالإصطفاء يرتبط بسلوك المجتبى ونجاحه في الإمتحان : وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ .
والنتيجة : أنهما عملان ربانيان ، لهما أقسامهما وقوانينهما ، وبينهما فروق ، ولا يصح القول بأنهما شئ واحد ، ولا مترادفان .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 205 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جَثَّ - جَثاً- جثه - انجث - جثة
يقال : جَثَثْتُهُ فَانْجَثَّ ، وجَثَثْتُهُ فَاجْتَثَّ . قال الله عز وجل : اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ « إبراهيم : 26 » أي اقتلعت جثُّتُهَا .
والمِجَثَّة : ما يُجثُّ به . وجُثَّة الشئ : شخصه الناتئ . والجُثُّ : ما ارتفع من الأرض كالأكمة . والجَثِيثَة : سميت به لما بان جثته بعد طبخه ، والجَثْجَاث : نبت .
ملاحظات
جعل الراغب أصل المادة الجثة ، وجعله ابن فارس التجمع ، قال : « 1/425 » : « الجيم والثاء يدل على تجمع الشئ . وهو قياس صحيح » . وكلام ابن فارس أقرب ، وكلاهما ظني .
جَثَمَ - جُثوماً - جاثم - جُثَمةٌ- جثمان
فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ « الأعــراف : 78 » استعارة للمقيمين ، من قولهم : جَثَمَ الطائرُ إذا قعد ولطئ بالأرض . والجُثْمَان : شخص الإنسان قاعداً ، ورجل جُثَمَة وجَثَّامَة : كناية عن النؤوم والكسلان .
ملاحظات
1 . وصف الله تعالى قوم عاد وثمود وقوم شعيب بعد هلاكهم بالجثوم ، قال : فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ . ومعنـاه عند الراغب : أصبحوا قاعدين لاطئين بالأرض . وعند ابن فارس : قاعدين أو نائمين . لكن الجُثُوم في اللغة الهمود والسكون ، وليس فيه عنصر الوقوف أوالقعود أو النوم ، إلا أنه لا يتناسب مع الوقوف . وقد يكون فيه معنى الإقامة والثقل كقولهم جثم الهمُّ على القلب . أو معنى الكُمُون كما في جثم الأسد لفريسته ، وفي الحديث : « إن الشيطان يدير ابن آدم في كل شئ ، فإذا أعياه جثم له عند المال فأخذ برقبته » . « الكافي : 2/315 » .
وروي في الإحتجاج « 2/159 » أنهم كانوا يحفرون بئراً بين الكوفة والمدينة فانخسفت الأرض فأدلوا بها رجلين على عمق سحيق : « فمكثا ملياً ، ثم حركا الحبل فأصعدا فقال لهما : ما رأيتما؟ قالا : أمراً عظيماً ! رجالاًونساءً وبيوتاً وآنيةً ومتاعاً كله ممسوخ من حجارة ! فأما الرجال والنساء فعليهم ثيابهم ، فمن بين قاعد ومضطجع ومتكئ ، فلما مسسناهم إذا ثيابهم تتفشى شبه الهباء ومنازل قائمة ! قال : فكتب المهدي « الخليفة » إلى المدينة إلى موسى بن جعفر عليه السلام يسأله فأخبره فبكى بكاءً شديداً وقال : يا أمير المؤمنين هؤلاء بقية قوم عاد غضب الله عليهم فساخت بهم منازلهم ، هؤلاء أصحاب الأحقاف » ! فجثومهم همودهم .
2 . ويؤيد ما قلناه قول الخليل « 6/100 » : « جثم : جثم يجثم جثوماً ، أي لزم مكاناً لا يبرح . والجاثوم الكابوس أي الديثان . والجثمان بمنزلة الجسمان » . والخليل أخبر في اللغة من الراغب وابن فارس .
جَثَيَ - جثواً - جثياً - جاثٍ
جَثَا على ركبتيه يَجْثُو جُثُوّاً وجِثِيّاً فهو جَاثٍ ، نحو : عتا يعتو عتوَّاً وعِتِيَّاً ، وجمعه : جُثِيٌّ نحو : باك وبُكِيّ . وقوله عز وجل : وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا « مريم : 72 » يصح أن يكون جمعاً نحو : بُكِيّ ، وأن يكون مصدراً موصوفاً به .
والجاثية في قوله عز وجل : وَتَرى كل أُمَّةٍ جاثِيَةً « الجاثية : 28 » فموضوع موضع الجمع ، كقولك : جماعة قائمة وقاعدة .
ملاحظات
لم يذكر الراغب أن الجثو على الركب بمعنى الجلوس للخصومة . ولم يذكر ابن فارس مادة جثى أبداً ، أو سقطت من نسخته . وقال الخليل « 7/171 » : « العرب لا تستعمل الجثو إلا في عمل الإنسان إذا جثى على ركبتيه للخصومة ونحوها » . وروى البخاري : 5/6 ، عن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 206 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
علي عليه السلام : « أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة » .
وقال ابن منظور « 14/131 » : « جَثَا يَجْثُو ويَجْثِي جُثُوّاً وجُثِيّاً ، على فعول فيهما : جلس على ركبتيه للخصومة ونحوها .
والجاثي : القاعد . وفي التنزيل العزيز : وترى كل أُمَّةٍ جاثِيَةً ، قال مجاهد : مُستوفِزينَ على الرُّكَب . والجُثْوة والجَثْوَة والجِثْوَة ، ثلاث لغات : حجارة من تراب متجمع كالقبر . وفي الحديث : فلان من جُثَى جهنم . قال الله تعالى : ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا . وجُثْوةُ كل إنسان : جسده . والجمع الجُثَى » .
جَحَدَ - جُحوداً - جَحداً - جاحد - أجحد
الجُحُود : نفي ما في القلب إثباته ، وإثبات ما في القلب نفيه ، يقال : جَحَدَ جُحُوداً وجَحْداً . قال عز وجل : وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ « النمل : 14 » وقال عز وجل : بِآياتِنا يَجحَدُونَ . « الأعراف : 51 » .
وتَجَحَّدَ : تَخَصَّصَ بفعل ذلك . يقال : رجل جَحِدٌ : شحيحٌ قليل الخير يُظهر الفقر . وأرض جَحْدَة : قليلة النبت ، يقال : جَحَداً له ونَكَداً ، وأَجْحَدَ : صار ذا جَحْد .
ملاحظات
اتفق اللغويون على أن الجحود إنكار الشخص ما يعلمه ، فإن أنكر ما لا يعلمه فهو منكر ، وليس جاحداً . قال ابن فارس : « 1/425 » : « الجحود وهو ضد الإقرار ، ولا يكون إلا مع علم الجاحد به أنه صحيح » .
وفي الكافي « 2/399 » أن الإمام الصادق عليه السلام سئل : « ما تقول فيمن شك في الله؟ فقال : كافر يا أبامحمد . قال : فشك في رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال : كافر ، قال : ثم التفت إلى زرارة فقال : إنما يكفر إذا جحد » .
جَحَمَ - جحيم - جُحْمَة
الجُحْمَة : شدة تأجج النار ، ومنه : الجحيم ، وجَحَمَ وجهُه من شدة الغضب ، استعارةٌ من جحمة النار ، وذلك من ثوران حرارة القلب . وجُحْمَتَا الأسد : عيناه لتوقدهما .
ملاحظات
1 . ليست الجحيم من أسماء النار إلا مجازاً ، فقد استعملوا : جَحِمَت الحرب ، وجَاحِمُ الحرب ، بمعنى مركز شدتها . ثم استعملوها للنار بعد نزول القرآن . فهي بمعنى جوٍّ جهنمي وليست نفس جهنم ، وهي جو نفسي يعيشه الفاجر في الدنيا بذنوبه ، فيستعرُ عليه في الآخرة ويصلاه ، قال تعالى : إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ . وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ . يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ . وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ . فهم فيها في الدنيا ، ويَصْلَوْنَها في الآخرة .
2 . من أدق البحوث القرآنية وأصعبها ، التفريق بين الجحيم ، وجهنم ، والنار ، والتمييز بين أنواع العذاب والمعذبين فيها . ويدل استعمال الجحيم على أنها جو عذاب ، ومكان عام واسع يقابل الجنة ، قال تعالى : وَأُزْلِفَتِ أَلْجَنَّةُ للَّمُتَّقِينَ . وَبُرِّزَتِ أَلْجَحِيمُ للَّغَاوِينَ . وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ . وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ . وقال تعالى : إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ . وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ . . فَأَمَّا مَنْ طَغَى . وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَاوَى . . فالجحيم تقابل الجنة من حيث السعة ، ولها أصل وفرع أو فروع ووسط ، وفي أصلها تنبت أشجار الزقوم ، قال تعالى في سورة الصافات : إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ . طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ . فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ . وقال تعالى : ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ . لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ . فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ . فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ . فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ . هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 207 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فثمر الزقوم ضيافة نزلاء الجحيم ، وهو يغري الجائع فيأكله ويعطش عطشاً شديداً ويبحث عن الماء فلا يجد إلا ماء حاراً وسخاً ! وللجحيم صراط يسلكه أهله ، قال تعالى : أحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ . مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ . وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ . وهذا يدل على أنها منطقة تعد لأصحابها ولها طريق خاص يسلكونه حتى يصلوا الى مسنكهم ، وأن يسألون فيها سؤال محاسبة . وقال تعالى : خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ . ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ .
وقال تعالى : ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ . ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لالَى الْجَحِيمِ . فالسكن في الجحيم ، والعذاب في مكان آخر .
3 . استعملت الجحيم في القرآن خمساً وعشرين مرة ، كلها لجحيم الآخرة إلا مرة واحدة لنار نمرود التي صنعها لإبراهيم عليه السلام : قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ .
جَدَّ - جديداً - جُدِدْتَ - جَدُّهُ - جُدد
الجَدُّ : قَطْعُ الأرض المستوية ، ومنه جَدَّ في سيره يَجِدُّ جَدّاً . وكذلك جَدَّ في أمره وأَجَدَّ : صار ذا جِدٍّ . وتُصُور من : جَدَدْتُ الأرض القطع المجرد ، فقيل : جددت الثوب إذا قطعته على وجه الإصلاح .
وثوب جديد : أصله المقطوع ، ثم جعل لكل ما أحدث إنشاؤه ، قال تعالى : بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ « ق : 15 » إشارة إلى النشأة الثانية ، وذلك قولهم : أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ « ق : 3 » .
وقوبل الجديد بالخَلِق ، لما كان المقصود بالجديد القريب العهد بالقطع من الثوب . ومنه قيل لليل والنهار : الجَدِيدَان والأَجَدَّان . قال تعالى : وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ « فاطر : 27 » جمع جُدَّة ، أي طريقة ظاهرة ، من قولهم : طريق مَجْدُود ، أي مسلوك مقطوع . ومنه جَادَّة الطريق . والجَدُود والجِدَّاء من الضأن : التي انقطع لبنها . وجُدَّ ثدي أمه : على طريق الشتم .
وسمي الفيض الإلهي جَدّاً ، قال تعالى : وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا « الجن : 3 » أي فيضه ، وقيل عظمته ، وهو يرجع إلى الأول ، وإضافته إليه على سبيل اختصاصه بملكه . وسمي ما جعل الله للإنسان من الحظوظ الدنيوية جَدّاً ، وهو البخت فقيل : جُدِدْتُ وحُظِظْتُ . وقوله عليه السلام : لاينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ ، أي لا يتوصل إلى ثواب الله تعالى في الآخرة بالجد ، وإنما ذلك بالجد في الطاعة ، وهذا هو الذي أنبأ عنه قوله تعالى : مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيهـا ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ « الإســراء : 18 » وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً « الإسراء : 19 » . وإلى ذلك أشــار بقوله : يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ « الشعراء : 88 » .
والجَدُّ : أبو الأب وأبو الأم . وقيل : معنى لا ينفع ذا الجد : لا ينفع أحداً نسبه وأبُوَّته ، فكما نفى نفع البنين في قوله : يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ « الشعراء : 88 » كذلك نفى الأبوة في هذا الحديث .
ملاحظات
1 . جعل الراغب المادة أصلاً واحداً ، وهو ظاهر كلام الخليل « 6/7 » . وجعلها ابن فارس ثلاثة أصول ، ورأيه أقوى لأنه لا يمكن إرجاع كل فروعها الى : القطع . قال « 1/406 » : « فالأول : العظَمة ، قال الله جل ثناؤه إخباراً عمن قال : وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا .
والثاني : الغنى والحظ ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله في دعائه : لاينفع ذا الجد منك الجد . يريد لا ينفع ذا الغنى منك غناه ، إنما ينفعه العمل بطاعتك . والثالث : يقال جددت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 208 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الشئ جداً وهو مجدود وجديد ، أي مقطوع . ومنه الجدود والجِدَاء من الضان وهي التي جف لبنها ويبس ضرعها . ومن هذا الباب الَجِداد والِجَداد وهو صرام النخل » .
2 . فسر الراغب وغيره كلمة جُدَدٌ في قوله تعالى : وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ ، بأنه : طُرُقٌ أو طرائق . ولم أجد وجهاً مقنعاً لتفسير طرق الجبال المتكونة من ماء الأمطار ! ولعلها طرقٌ جيولوجية للدلالة على الماء والمعادن في باطن الأرض .
3 . قال الله تعـالى حكاية عن الجن : وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً . ويقصد الجن تعالى حَظُّ ربنا ! وقد قبل المفسرون هذا الوصف لله تعالى ، لكن أهل البيت عليهم السلام ردوه ، ففي تفسير القمي « 2/389 » قال الإمام الصادق عليه السلام : « هو شئ قالته الجن بجهالة ، فلم يرضه الله منهم . وفي رواية عنه عليه السلام : شئ كَذَبَه الجن ، فقصه الله كما قالوا » .
وفي الخصال « 1/604 » : « يقال في افتتاح الصلاة : تعالى عرشك ، ولايقال : تعالى جَدُّك » .
جَدَثَ - أجداث
قـال تعالى : يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً « المعارج : 43 » جمع الجَدَث ، يقال جدث وجدف . وفي سورة يس : فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ .
ملاحظات
اتفق اللغويون على أن معنى الجدث القبر ، وليس له معنى آخر . ويقال له : جدف بالفاء ، ولم يذكروا اشتقاقه . ولعله إسم ديني للقبر بمعنى المحفور أو المنحوت ، قال الشاعر :
إلى جَدَثٍ كالغار مَنْجوفِ
« المخصص : 4/55 » .
وقال ابن منظور « 2/128 » : « الجَدَثُ : القَبْر . وفي حديث علي كرّم الله وجهه : في جَدَثٍ يَنْقَطِعُ في ظُلْمته آثارُها أَي في قبر ، والجمع أَجْداثٌ . وفي الحديث : نُبَوِّئهم أَجْداثَهم ، أَي نُنْزِلُهم قبورَهم . وقد قالوا جَدَفٌ فالفاء بدل من الثاء ، لأَنهم قد أَجمعوا في الجمع على أَجْداثٍ ، ولم يقولوا أَجْداف . وأَجْدُثٌ : موضِع . وحكى الجوهري » 1/277 « في جمع الجَدَث القبرِ : أَجْدُث . واجْتَدَثَ : اتخذ جَدَثاً » .
جَدَرَ - جدار - جُدر- جدير - جُدْرة
الجِدَار : الحائط ، إلا إن الحائط يقال اعتباراً بالإحاطة بالمكان ، والجدار يقال اعتباراً بالنتوِّ والإرتفاع ، وجمعه جُدُر . قال تعالى : وأما الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ « الكهف : 82 » . وقال : جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ « الكهف : 77 » . وقال تعالى : أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ « الحشر : 14 » وفي الحديث : حتى يبلغ الماء الجُدُر . وجَدَرْتُ الجدار : رفعته ، واعتبر منه معنى النتوِّ فقيل : جَدَرَ الشجر : إذا خرج ورقه كأنه حُمُّص . وسمي النبات الناتئ من الأرض جَدَراً ، الواحد جَدَرَة ، وأَجْدَرت الأرض : أخرجت ذلك . وجُدِرَ الصبي وجُدِّرَ : إذا خرج جدريهُ تشبيهاً بجدر الشجر . وقيل : الجُدَرِيُّ والجُدَرَةُ : سلعة تظهر في الجسد ، وجمعها أَجْدَار . وشاة جَدْرَاء .
والجَيْدَر : القصير . اشتق ذلك من الجدار ، وزيد فيه حرف على سبيل التهكم حسبما بيناه في أصول الإشتقاق .
والجَدِيرُ : المنتهى ، لانتهاء الأمر إليه انتهاء الشئ إلى الجدار ، وقد جَدُرَ بكذا فهو جَدِير ، وما أَجْدَرَهُ بكذا وأَجْدِرْ به .
ملاحظات
استعمل القرآن كلمة الجدار مفرداً وجمعاً ، واستعمل كلمة أجْدَرُ ولم يذكر آيتها الراغب فقال تعالى : الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ . وجعل الراغب الجدار أصلاً بمعنى الإرتفاع وهو وجه ضعيف ، وقد تكلف في إرجاع الفروع اليه ، وأي ارتفاع في قولك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 209 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
هو جدير به بمعنى حريٍّ به ، وهو أجدر به . وجعله ابن فارس « 1/431 » أصلين : الجدار والجدري . لكن الجدير تبقى خارجهما ومعناها : الأحق . فهي أصل بذاته .
جَدَلَ - أجدل - مجدول - جادل - جدلاً
الجِدَال : المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة ، وأصله من : جَدَلْتُ الحبل ، أي أحكمت فتله ، ومنه الجَدِيل . وجدلت البناء : أحكمته ، ودرع مَجْدُولَة . والأَجْدَل : الصقر المحكم البنية . والمِجْدَل : القصر المحكم البناء .
ومنه : الجِدَال ، فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه . وقيل : الأصل في الجِدَال : الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجَدَالَة وهي الأرض الصلبة . قال الله تعالى : وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ « النحل : 125 » الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ الله « غافر : 35 » وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ « الحج : 68 » قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنـا « هود : 32 » وقرئ : جدلنا . ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا « الزخرف : 58 » وَكـانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَئ جَدَلًا « الكهف : 54 » .
وقال تعالى : وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي الله « الرعد : 13 » يُجادِلُنـا فِي قَوْمِ لُوطٍ « هود : 74 » وَجادَلُوا بِالْباطِلِ « غافر : 5 » وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي الله « الحج : 3 » وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ « البقرة : 197 » يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا « هود : 32 » .
ملاحظات
1 . جعل الراغب الجدل مشتقاً من جَدْل الحبل ، كأن المجادل يفتل صاحبه ليقنعه برأيه . وجعله ابن فارس مشتقاً من الأرض الصلبة ، كأنه يريد أن يوقع صاحبه على الأرض . قال في المجمل/179 : « الجدالُ : الخصومة ، سمي بذلك لشدته . والجدالةُ : الأرض . يقال : طعنهُ فجدلهُ أي رماهُ بالأرض » . وكلا القولين احتمال ، ويحتمل غيرهما .
2 . استعمل القرآن هذه المادة أكثر من عشرين مرة ، في وصف مجادلات الإنسان ، وقال عنه : وَكَانَ الآنْسَانُ أَكْثَرَ شَئٍْ جَدَلاً ، ووصف جــدل قوم نوح وهود ، وجدل إبراهيم عليهم السلام للملائكة : فَلما ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْـرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ . واستنكر على الذين يجادلون في الله تعالى ، وفي آياته ، ويجادلون الرسول صلى الله عليه وآله . وبَيَّنَ دوافعهم . وسمى سورة المجادلة بمناسبة الشكاية الزوجية : قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ .
وذكر المجادلة بين النبي صلى الله عليه وآله وأمته ، فقال له : وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَــا تَعْمَلُونَ .
وأمر المســـلميـــن : وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ .
وقال عن جبناء الصحابة في حرب بدر : يُجَادِلُونَكَ فِي الْحق بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأنمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ .
ونهى رسوله صلى الله عليه وآله أن يجادل عــن الخائنين : وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ .
ونهى عن الجدال في الحج خاصة : فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ .
وقال عن الجدال في الآخرة : يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا .
وقال عن الجدل في التسمية عند الذبح : وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ .
جَذ - جدَّ- جُداداً - جده
الجَذُّ : كسر الشئ وتفتيته ، ويقال لحجارة الذهب المكسورة ولفُتَات الذَّهب : جُذَاذ ، ومنه قوله تعالى : فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً « الأنبياء : 58 » عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ « هــود : 108 » أي غير مقطــوع عنهم ولا مخترم . وقيل : ما عليه جِذَّة ، أي متقطعٌ من الثياب .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 210 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جَذَعَ - جذوع - جَذَعَةٌ
الجِذْعُ جمعــه جُذُوع ، قـال : فِي جُذُوعِ النَّخْلِ « طه : 71 » جَذَعْتُهُ : قطعته قطع الجذع . والجَذَعة من الإبل : ما أتت لها خمس سنين ، ومن الشاة : ما تمّت له سنة . ويقال للدهم الزالة الجذع ، تشبيهاً بالجذع من الحيوان .
ملاحظات
استعمل القرآن من هذه المادة كلمتين : جذع النخلة ، وجذوع النخل . وقول الراغب : « يقال للدهم الزالة : الجذع » تصحيف وأصلها : للدهر الأزلم ، وقد أخذها من الخليل ، قال « 1/221 » : « الجذع من الدواب قبل أن يثني بسنة ، ومن الأنعام هو أول ما يستطاع ركوبه . والدهر يسمى جذعاً لأنه جديد » .
جَذَوَ - جذوة - جذى - جاذٍ
الجَذْوَة والجِذْوَة : الذي يبقى من الحطب بعد الإلتهاب ، والجمع : جذى . قال عز وجل : أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ « القصص : 29 » . قال الخليل : يقال : جَذَا يَجْذُو ، نحو جثا يجثو ، إلا أن جذا أدل على اللزوم . يقال : جذا القراد في جنب البعير : إذا شد التزاقه به ، وأَجْذَتِ الشجرة : صارت ذات جذوة . وفي الحديث : كمثل الأرزة المجذية . ورجل جَاذٍ : مجموع الباع ، كأن يديه جذوة ، وامرأة جَاذِيَة .
ملاحظات
1 . وردت كلمة جذوة في القرآن مرة واحدة في قصة موسى عليه السلام وورد القبس والشهاب بمعناهـا : إنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ . إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ . . إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ .
2 . المتبادر من الجذوة والجمرة والشهاب : قبس النار . وتعريف الراغب للجذوة بما يبقى من الحطب بعد الإلتهاب ، يقصد به الخشبة المشتعلة ، لأنها إذا لم تكن مشتعلة لا تسمى جذوة ، ولو اتبع ما كتبه الخليل وابن فارس وأئمة اللغة قبله ، لكان خيراً له !
قال الخليل « 6/171 » : « والجذوة : قَبْسَةٌ من نار . والتجاذي : إشالة الجمر . ونحوه أجذيته ، وهم يجذونه » . وقال ابن منظور « 14/138 » : « جَذْوة من النار أَي قطعة من الجمر . وهي بلغة جميع العرب » .
3 . كأن الراغب وافق الخليل على أن أصل الجذوة من جذا بمعنى لزق ، لكن ابن فارس جعل جذا بمعنى ارتفع . وفهم من جثو الإنتصاب ، قال « 1/440 » : « أصل يدل على الإنتصاب . يقال : جذوت على أطراف أصابعي إذا قمت . قال الخليل : يقال جذا يجذو مثل جثا يجثو . وهذا الذي قاله الخليل فدليل لنا في بعض ما ذكرناه من مقاييس الكلام ، والخليل عندنا في هذا المعنى إمام » .
جَرَحَ - جرحاً - اجترح - اجتراحًا -جوارح - جارح - مجروح - جروح
الجرح : أثر دام في الجلد ، يقال : جَرَحَه جَرْحاً فهو جَرِيح ومجروح . قال تعالى : وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ « المائدة : 45 » وسمي القَدْح في الشاهد جَرْحاً تشبيهاً به . وتسمى الصائدة من الكلاب والفهود والطيور جَارِحَة ، وجمعها جَوَارِح ، إما لأنها تجرح وإما لأنها تكسب . قال عز وجل : وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكلبِينَ « المائدة : 4 » . وسميت الأعضاء الكاسبة جوارح ، تشبيهاً بها لأحد هذين . والإجتراح : اكتساب الإثم ، وأصله من الجِرَاحة ، كما أن الإقتراف من قرف القرحة ، قال تعالى : أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ « الجاثية : 21 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 211 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
1 . جعل الراغب هذه المادة أصلاً واحداً ، وجعلها ابن فارس أصلين فقال : « 1/452 » : « أصلان : أحدهما الكسب ، والثاني شق الجلد » . ورأيُ الراغب أقوى وإن كانت في عبارته عُجمة ، لأن الكسب غالباً ما يكون بالأعضاء وهي الجوارح ، فهو جَرْحٌ أو اجتراح .
2 . استعمل القرآن من هذه المادة أربع كلمات : الجروح والجوارح . واستعمل جَرَحَ لكل كسب : وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ . أي ما كسبتم من خير وشر . واستعمل اجترح للسيآت خاصة : أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ .
3 . قال الخليل « 3/77 » : « جوارح الإنسان : عوامل جسده من يديه ورجليه » . والصحيح أن هذه أبرزها ، وأن كل أعضاء البدن جوارح . قال الإمام الصادق عليه السلام « 2/34 » : « لأن الله تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسمه عليها وفرقه فيها . . فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم ، وهو أمير بدنه الذي لا تَرِد الجوارح ولا تَصْدر إلا عن رأيه وأمره ، ومنها عيناه اللتان يبصر بهما ، وأذناه اللتان يسمع بهما ، ويداه اللتان يبطش بهما ، ورجلاه اللتان يمشي بهما . . » .
وقال عليه السلام « 2/151 » : « أول ناطق من الجوارح يوم القيامة الرحم ، تقول : يا رب من وصلني في الدنيا فَصِلِ اليوم ما بينك وبينه » .
جَرَدَ - جراد - تجرد - انجرد - جرده
الجَرَاد : معروف ، قال تعالى : فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ « الأعراف : 133 » وقال : كَأنهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِــرٌ « القمر : 7 » فيجوز أن يجعل أصلاً فيشتق من فعله جَرَدَ الأرض ، ويصح أن يقال : إنما سمِّي ذلك لجرده الأرض من النبات يقال : أرض مَجْرُودَة ، أي أكل ما عليها حتى تجردت . وفرس أَجْرَد : منحسـر الشعر .
وثوب جَرْدٌ : خلق ، وذلك لزوال وبره وقوته . وتَجَرَّدَ عن الثوب ، وجَرَّدْتُهُ عنه ، وامرأة حسنة المتجرد .
وروي : جَرِّدُوا القرآن ، أي لا تلبسوه شيئاً آخر ينافيه . وانْجَرَدَ بنا السير . وجَرِدَ الإنسان : شَرِيَ جلده من أكل الجراد .
ملاحظات
ذكر القرآن الجراد الذي أرسله الله تعالى على قوم فرعون . وشبَّه خروج الناس من قبورهم يوم القيامة بانتشار الجراد : خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأنهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ . وقول الراغب : جردوا القرآن ، هو قول عمر بن الخطاب لما مَنَع المسلمين من التحديث عن النبي صلى الله عليه وآله ، أي إقرؤوا القرآن وحده ، ولا تقرؤوا الحديث ، ولا تفسروه !
وقد أجاد الخليل في تدوين المادة ، فقال « 6/75 » : « الجَرْد : فضاءٌ لا نبات فيه ، إسمٌ للفضاء ، فإذا نُعت به قلت : أرض جرداء ، ومكان أجرد ، وقد جردته جرداً ، وجردها القحط تجريداً . ورجل أجرد : لا شعر على جسده . والأجرد من الخيل والدواب : القصير الشعر حتى يقال إنه لأجرد القوائم . وتجرد لأمر كذا أو للعبادة أي أخذ في القيام به . وإذا خرجت السنبلة من لفائفها ، قيل تجردت . وامرأة بَضَّة المتجَرد ، أي رخصة ناعمة تحت ثيابها .
والجريدة : سعفةٌ رطبة جُرد عنها خوصها كما يقشأ الورق عن القضيب . وزرع مجرود : أصابه الجراد . والجرادة اللحاسة : معروف . وأرض مجرودة ومَجْرَد وجَرْدة ، أي ليس فيها سترة من شجر وغيره . والجريدة : طائفة من الجند » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 212 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جَرَزَ -جُرُز - جرزه - جارز
قال عز وجل : صَعِيداً جُرُزاً « الكهف : 8 » أي منقطع النبات من أصله ، وأرض مَجْرُوزَة : أكل ما عليها ، والجَرُوز : الذي يأكل ما على الخوان ، وفي المثل : لا ترضى شانئة إلا بِجَرْزَة ، أي باستئصال . والجَارِز : الشديد من السُّعال ، تُصُوِّرَ منه معنى الجرز . والجَرْزُ : قطع بالسيف وسيف جُرَاز .
ملاحظات
استعمل القرآن الجُرُز صفةً للأرض في آيتين : وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا . نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا . وفسـره الراغب بأنه صعيد منقطع النبات من أصله ، أي مجروزة أشجاره ونباته . وفسره الخليل بالأرض المأكول نباتها ، قال « 6/64 » : « الجرز : شدة الأكل . وأرض جرز ، وجرزت جرزاً ، أي لم يبق عليها من النبت شئ إلا مأكولاً . والجِرْز من السلاح ، والجميع الجِرزة . والجرزة : الحزمة من قتٍّ ونحوه . وسيف جِرَاز : سريع القطع . ورجل جروز ، أي مقتول في المعركة » .
وقال ابن فارس « 1/441 » : « أرض جارزة : يابسة غليظة يكتنفها رمل . وامرأة جارز : عاقر » .
جَرَعَ - تجرع - جُرعة - مجاريع - جرعاء
جَرِعَ الماء يَجْرَعُ ، وقيل : جَرَعَ . وتَجَرَّعَهُ : إذا تكلف جرعه . قال عز وجل : يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِـيغُهُ « إبراهيم : 17 » والجُرْعَة : قدر ما يتجرَّع ، وأفلت بجُرَيْعَة الذقن ، بقدر جرعة من النفس .
ونوق مَجَارِيع : لم يبق في ضروعها من اللبن إلا جَرْعٌ . والجَرَعُ والجَرْعَاء : رمل لا ينبت شيئاً ، كأنه يتجرع البذر .
جَرَفَ - جُرْف - جرفه
قال عز وجل : عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ « التوبة : 109 » يقال للمكان الذي يأكله السيل فيجرفه أي يذهب به : جُرْف ، وقد جَرَفَ الدهر ماله ، أي اجتاحه تشبيهاً به ، ورجل جُرَاف : نَكِحَةٌ ، كأنه يجرف في ذلك العمل .
ملاحظات
قال ابن منظور « 9/25و14/436 » : « الجُرُفُ : ما أَكلَ السيلُ من أَسْفَل شِقِّ الوادي والنَّهر ، والجمع أَجْرافٌ وجُرُوف وجِرَفةٌ ، فإن لم يكن من شِقِّه فهو شَطٌّ وشاطئٌ . والشَّفى : حرْفُ الشئِ وحَدُّه ، قال الله تعالى : على شَفى جُرُفٍ هارٍ ، والإثنان شَفَوان . وشَفى كلِّ شئ حَرْفُه ، قال تعالى : وكنتم على شَفى حُفْرة من النارِ » .
وفي مجمع البحرين « 1/247 » : « هارٍ : مقلوب من هائر كقولهم : شاكِي السلاح وشائك السلاح » .
جَرَمَ - جَِرْْم - أجرم - مجرم - جِرْم
أصل الجَرْم : قطع الثمرة عن الشجر . ورجل جَارِم وقوم جِرَام وثمر جَرِيم . والجُرَامَة : ردئ التمر المَجْرُوم ، وجعل بناؤه بناء النفاية . وأَجْرَمَ صار ذا جُرْم ، نحوأثمر وألبن ، واستعير ذلك لكل اكتساب مكروه ، ولا يكاد يقال في عامة كلامهم للكَيِّس المحمود . ومصدره جَرْم . وقول الشاعر في صفة عقاب :
جريمةُ ناهضٍ في رأسِ نِيقِ
فإنه سمى اكتسابها لأولادها جرماً من حيث إنها تقتل الطيور ، أو لأنه تصورها بصورة مرتكب الجرائم لأجل أولادها ، كما قال بعضهم : ما ذو ولد وإن كان بهيمة ، إلا ويذنب لأجل أولاده !
فمن الإجرام : قوله عز وجـل : إن الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ « المطففين : 29 » وقال تعالى : فَعَلَيَّ إِجْرامِي « هود : 35 » وقـال تعالى : كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إنكُمْ مُجْرِمُونَ « المرسلات : 46 » وقال تعالى : إن الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ « القمر : 47 » وقال عز وجل : إن الْمُجْرِمِينَ ، فِي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 213 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ « الزخرف : 74 » .
ومن جَرَم ، قال تعالى : لايَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ « هود : 89 » فمن قرأ بالفتح فنحو : بغيتهُ مالاً ، ومن ضمَّ فنحو : أبغيتهُ مالاً ، أي أغثته . وقوله عز وجل : وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا « المائدة : 8 » .
وقوله عز وجل : فَعَلَيَّ إِجْرامِي « هود : 35 » فمن كسر فمصدر ، ومن فتح فجمع جرم . واستعير من الجرم ، أي القطع جَرَمْتُ صوف الشاة ، وتَجَرَّمَ الليل .
والجِرْمُ في الأصل : المجروم ، نحو نَقْض ونَفْض للمنقوض والمنفوض ، وجعل إسماً للجسم المجروم . وقولهم : فلان حسن الجرم أي اللون ، فحقيقته كقولك : حسن السخاء . وأما قولهم : حسن الجِرْم أي الصوت ، فالجرم في الحقيقة إشارة إلى موضع الصوت لا إلى ذات الصوت ، ولكن لما كان المقصود بوصفه بالحسن هو الصوت فُسِّرَ به ، كقولك : فلان طيب الحلق ، وإنما ذلك إشارة إلى الصوت لا إلى الحلق نفسه .
وقوله عز وجل : لاجَرَمَ ، قيل : إن لا تتناول محذوفاً ، نحو لا في قوله تعـالى : لا أُقْسِمُ « القيامة : 1 » وفي قول الشاعر :
لَاوَأَبِيكِ ابنةَ العامِرِيَ
ومعنى جَرَمَ : كسب ، أو جنى . و : إن لَهُمُ النَّارَ « النحل : 62 » في موضع المفعول ، كأنه قال : كسب لنفسه النار . وقيل : جَرَمَ وجَرِمَ بمعنى ، لكن خُصَّ بهذا الموضع جَرَم كما خُصَّ عُمْر بالقسم وإن كان عُمْر وعُمُر بمعنى ، ومعناه : ليس بجرم أن لهم النار ، تنبيهاً [على] أنهم اكتسبوها بما ارتكبوه ، إشارة إلى قوله تعالى : وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها « الجاثية : 15 » . وقد قيل في ذلك أقوال ، أكثرها ليس بمرتضى عند التحقيق . وعلى ذلك قوله عـز وجـل : فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ « النحل : 22 » لا جَرَمَ إن الله يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ « النحل : 23 » . وقال تعالى : لا جَرَمَ إنهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ « النحل : 109 » .
ملاحظات
1 . جعل أكثر اللغويين مادة جَرَمَ أصلاً واحداً بمعنى قَطَعَ ، إلا الجوهري جعلها عدة أصول وهو الصحيح ، لأنه لايمكن إرجاع جريمة المجرم الى القطع ، ولا إرجاع الجِرم بمعنى الجسم الى القطع . قال الجوهري « 5/1885 » : « الجُرْم : الذنب ، والجريمة مثله . والجَرْم : القطع . وقد جَرَمَ النخل واجترمه أي صرمه فهو جارم . وجَرمْتُ صوف الشاة ، أي جززته ، مثل جَلَمْتُ . والجِرم بالكسر الجسد . والجِرم اللون . والجِرم الصوت . وفلان جريمة أهله ، أي كاسبهم » .
2 . استعمل القرآن مادة جَرَمَ أكثر من خمسين مرة ، منها 34 مرة في المجرمين ، أي العصاة أهل المخالفات الكبيرة . والجريمة في اللغة الفارسية خفيفة بخلاف العربية ، فلو قلت لفارسي عملك جريمة وأنت مُجرم ، فمعناه ارتكبت مخالفة بسيطة . لذلك خفف اللغويون وأكثرهم فرس ، معنى الجريمة بالعربية ، وجعلوها جَزَّ الزرع !
3 . استعمل القرآن تعبير لايجرمنكم ، ثلاث مرات ، بمعنى لايوقعكم الأمر الفلاني في الجُرْم والذنب ، كقوله تعالى : وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا . واستعمل لا جَرَمَ خمس مرات ، بمعنى لاعجبَ ولا جُرْمَ في هذا الأمر بل يستحقه أهله ، كقوله تعالى : لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ . لاجَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ . لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ . لاجَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ . وقد أكثر اللغـويون الكلام في تفسيره ، وفسره الراغب : لا كسب ولا جناية في كذا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 214 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال الجوهري « 5/1886 » : « هي كلمة كانت في الأصل بمنزلة لابد ولا محالة ، فجرت على ذلك وكثرت حتى تحولت إلى معنى القسم ، وصارت بمنزلة حقاً ، فلذلك يجاب عنه باللام ، كما يجاب بها عن القسم . ألا تراهم يقولون : لا جرم لآتينك » .
وفي المخصص « 4/117 » : « وأما : لا جَرَمَ أنَّ لهمُ النَّار ، فإن الخليل وسيبويه ومن تبعهما من البصريين يجعلون جَرَم فعلاً ماضياً ويجعلون لا داخلة عليها . قال سيبويه : حقٌّ أن لهم النار . وقال غيره : جَرَم بمعنى كسب . وأما الفراء وأصحابه فذهبوا إلى أن جَرَم إسم منصوب بلا ، على التبرئة » . أي على النفي . وقول الفراء هو الوجه الصحيح ، لأنها مثل لاضير ولا عجب .
جَرَى - يجري - جرياً - جرياناً - جوارٍ - جرِيٌّ
الجَرْي : المـَرُّ السريع ، وأصله كمرِّ الماء ولما يجري بجريه . يقال : جَرَى يَجْرِي جِرْيَة وجَرَيَاناً . قال عز وجل : وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي « الزخرف : 51 » وقال تعالى : جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ « الكهف : 31 » وقال : وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ « الروم : 46 » وقال تعالى : فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ « الغاشية : 12 » . وقال : إنا لما طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ « الحاقة : 11 » أي السفينة التي تجري في البحر ، وجمعها جَوَارٍ ، قال عز وجل : وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ « الرحمن : 24 » وقال تعالى : وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالإعلامِ « الشوري : 32 » . ويقال للحوصلة جِرِّيَّة إما لانتهاء الطعام إليها في جريه أو لأنها مجرى الطعام . والإِجْرِيَّا : العادة التي يجري عليها الإنسان .
والجَرِيُّ : الوكيل والرسول الجاري في الأمر ، وهو أخص من لفظ الرسول والوكيل . وقد جَرَيْتُ جَرْياً . وقوله عليه السلام : لايستجرينكم الشيطان ، يصح أن يدعى فيه معنى الأصل ، أي لا يحملنكم أن تجروا في ائتماره وطاعته . ويصح أن تجعله من الجري ، أي الرسول والوكيل ، ومعناه : لا تتولوا وكالة الشيطان ورسالته ، وذلك إشارة إلى نحو قوله عز وجل : فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ « النساء : 76 » وقال عز وجل : إنما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ « آل عمران : 175 » .
ملاحظات
1 . عرَّف الراغب الجَري بأنه المرور ، وأضاف له السـرعة ، لكن قد يكون الجري بطيئاً . قال الخليل « 3/228 » : « فرس مُحْمِر ، وجمعه محامر ومحامير ، أي يجري جري الحمار من بطئه » .
2 . استعمل القرآن : تجري من تحتها الأنهار ، ومن تحتهم الأنهار ، في نحو أربعين آية . ووصف في الجنة عيناً جارية ، وعينين تجريان .
وقال عن السفن : وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ . وَلَهُ الْجَـوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ . حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا . وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِى فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ . وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِىَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ . تَجْرِى فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ .
وسمى سفينة نوح عليه السلام الجارية : إِنَّا لما طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ . وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللهِ مَجْرِاهَا وَمُرْسَاهَا .
وقال عن الشمس والقمر : وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لأَجَلٍ مُسَمًّى . وقـــال عن سليمان عليه السلام : فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِى بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ . وكشف عن قوى كونية : وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا . فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا . فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا .
جَزَعَ -جزعاً - جَزعاً - جازع
قال تعالى : سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا « إبراهيم : 21 » الجَزَع : أبلغ من الحزن ، فإن الحزن عام والجزع هو حزن يصرف الإنسان عما هو بصدده ويقطعه عنه . وأصل الجَزَع :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 215 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قطع الحبل من نصفه ، يقال : جَزَعْتُهُ فَانْجَزَعَ . ولتصور الإنقطاع منه قيل : جِزْعُ الوادي لمنقطعه . ولانقطاع اللون بتغيره قيل للخرز المتلون جَزْع . ومنه استعير قولهم : لحم مُجَزَّع ، إذا كان ذا لونين . وقيل للبسرة إذا بلغ الإرطاب نصفها : مُجَزَّعَة .
والجَازِع : خشبة تجعل في وسط البيت فتلقى عليها رؤوس الخشب من الجانبين ، وكأنما سمي بذلك إما لتصور الجزعة لما حمل من العبء ، وإما لقطعه بطوله وسط البيت .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن الجزع في آيتين : إِنَّ الآنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا . وذكر قول أهل النار : سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ .
2 . لا يصح قول الراغب : « الجَزَع : هو حزن يصـرف الإنسان عما هو بصدده » لأن الجَزَع ليس الحزن ، بل حالة تصاحب الحزن أو الغضب أو تنتج عنهما . وهي تُناقض الصبر ، ولذلك يقال : حزن فصبر ، وحزن فَجَزِعَ . ويقال : غضب فجزع ، وغضب وصبر .
وقد يكون الجزع بفعل كاللطم والضـرب ونحوهما ، وقد يكون باستحكام حالة نفسية على الحزين الجازع .
قال أمير المؤمنين عليه السلام يصف ثورة الصحابة على عثمان : « استأثر فأساء الأثرة . وجزعتم فأسأتم الجزع . ولله حكم واقع في المستأثر والجازع » . « نهج البلاغة : 1/76 » . وسئل الإمام الباقر عليه السلام عن الجزع فقال : « أشد الجزع : الصراخ بالويل والعويل ، ولطم الوجه والصدر ، وجز الشعر من النواصي » . « الكافي : 3/222 » . وقال الإمام الصادق عليه السلام : « كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام » . « أمالى الطوسي/162 » .
3 . جعل الراغب الجَزْع أصلاً واحداً من قطع الحبل ، لأنه يقطع الإنسان عما يريد عمله . لكن اشتقاقه من قطع الحبل أو الصحراء ، مجرد احتمال . وجعله ابن فارس أصلين « 1/453 » : « أحدهما الإنقطاع ، والآخر جوهر من الجواهر وهو الخَرَز المعروف » . أي العقيق . ولم يتعرض الخليل لاشتقاقه ، قال : « 1/217 » : « الواحدة : جَزْعَةٌ من الخَرَز . والجَزْعُ : قطعك المفازة عرضاً . وناحيتا الوادي : جَزْعَاهُ . والجزْعَة : من الماء واللبن : ما كان أقل من نصف السقاء . والجَزَعُ : نقيض الصبر » .
جَزَأَ - أجزأ - جُزء - جَزْأً
جُزْءُ الشئ : ما يتقوَّم به جملته كأجزاء السفينة وأجزاء البيت وأجزاء الجملة من الحساب ، قال تعالى : ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كل جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً « البقرة : 260 » وقال عز وجل : لِكل بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ « الحجر : 44 » أي نصيب ، وذلك جزءٌ من الشئ ، وقال تعالى : وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً « الزخرف : 15 » وقيل : ذلك عبارة عن الإناث ، من قولهم : أَجْزَأَتِ المرأة : أتت بأنثى . وجَزَأَ الإبلُ : مَجْزَءاً وجَزْءاً : اكتفى بالبقل عن شرب الماء . وقيل : اللحم السمين أجزأ من المهزول . وجُزْأَة السكين : العود الذي فيه السيلان « دمٌ كثير » تصوُّراً أنه جزءٌ منه .
جَزَيَ - جزاء - جازاه - جازٍ - جزية
الجَزَاء : الغَنَاء والكفاية ، وقال تعالى : لايَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً « لقمان : 33 » .
والجَزَاء : ما فيه الكفاية من المقابلة ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر . يقال : جَزَيْتُهُ كذا وبكذا . قال الله تعالى : وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى « طه : 76 » . وقال : فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى « الكهف : 88 » وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها « الشوري : 40 » وقال تعالى : وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً « الإنسان : 12 »
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 216 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقـال عز وجل : جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً « الإسراء : 63 » أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا « الفرقان : 75 » وَما تُجْزَوْنَ إِلَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ « الصافات : 39 » .
والجِزْيَة : ما يؤخذ من أهل الذمة ، وتسميتها بذلك للإجتزاء بها عن حقن دمهم ، قال الله تعالى : حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ « التوبة : 29 » . ويقال : جازيك فلان ، أي كافيك ، ويقال : جَزَيْتُهُ بكذا وجَازَيْتُهُ . ولم يجئ في القرآن إلا جزى ، دون جازى ، وذاك أن المجازاة هي المكافأة ، وهي المقابلة من كل واحد من الرجلين ، والمكافأة هي مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها ، ونعمة الله تتعالى عن ذلك ، ولهذا لا يستعمل لفظ المكافأة في الله عز وجل . وهذا ظاهر .
ملاحظات
1 . فات الراغب قوله تعالى : ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ . فمعنى المكافأة يصح بأدنى سبب ، والكفور ظَلَم الله تعالى فجازاه . كما أن من يفعل خيراً : يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ .
قال ابن منظور « 14/143 » : « قال الفراء : لا يكون جَزَيْتُه إِلَّا في الخير ، وجازَيْته يكون في الخير والشر ، قال : وغيره يُجِيزُ جَزَيْتُه في الخير والشر ، وجازَيْتُه في الشَّرّ » .
أقول : الصحيح أنهما يستعملان حسب المعنى الذي يقصده المتكلم ، فقد يقصد أن هذا الجزاء مجازاة باعتبار من الإعتبارات .
2 . جعل الراغب الجزاء بمعنى المكافأة مشتقاً من الجزاء بمعنى الغَنَاء ، لأنهما سدٌّ مَسَدَّ شئ . والظاهر أنهما أصلان . وابتكر ابن فارس أصلاً يجمعهما « 1/455 » قال : « يقال : جزيت فلاناً أجزيه جزاءً وجازيته مجازاة . وهذا رجل جَازِيكَ من رجل ، أي حسبك ، ومعناه أنه ينوب مناب كل أحد » .
ويبدو أن الخليل جعلها ثلاثة ، قال « 6/164 » : « جزى يجزي جزاء : أي كافأ بالإحسان وبالإساءة . وفلان ذو غناء وجزاء ، ممدود . وتجازيتُ دَيْني : تقاضيته » .
أقول : مادة جزى أوسع مما ذكروا ، وأصولها أكثر من ثلاثة ، وفروعها كثيرة لا يمكن إرجاعها كلها الى الأصول المذكورة ، والأمر فيها سهل لوضوحها .
جَسَسَ - تجسس - جَسَّ
قال الله تعالى : وَلا تَجَسَّسُوا « الحجرات : 12 » أصل الجَسِّ : مسُّ العِرْق وتعرُّف نبضه للحكم به على الصحة والسقم ، وهو أخص من الحَسِّ فإن الحس تعرُّف ما يدركه الحِس ، والجَسُّ تَعَرُّفُ حاله من ذلك . ومن لفظ الجس اشتق الجاسوس .
جَسَدَ - جسم - جِِسَاد
الجَسَد كالجسم ، لكنه أخصُّ ، قال الخليل رحمه الله : لا يقال الجسد لغير الإنسان من خلق الأرض ونحوه . وأيضاً فإن الجسد ما له لون ، والجسم يقال لما لا يَبِينُ له لون كالماء والهواء . وقوله عز وجل : وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطعامَ « الأنبياء : 8 » يشهد لما قال الخليل . وقال : عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ « طه : 88 » وقال تعالى : وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَـداً ثُمَّ أَنابَ « صاد : 34 » . وباعتبار اللون قيل للزعفران : جِسَاد . وثوب مِجْسَد : مصبوغ بالجِسَاد ، والمِجْسَد : الثوب الذي يلي الجسد . والجَسَد والجَاسِد والجَسِد من الدم ما قد يبس .
ملاحظات
1 . قال الخليل « 6/47 » : « ولا يقال لغير الإنسان جسد من خلق الأرض . وكل خلق لا يأكل ولا يشرب من نحو الملائكة والجن مما يعقل فهو جسد . وكان عجل بني
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 217 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إسرائيل جسداً لايأكل ولا يشرب ، ويصيح . وقوله تعالى : وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ، أي ما جعلناهم خلقاً مستغنين عن الطعام » .
يقصد الخليل : أن وصف الله تعالى لعجل بني إسرائيل بأنه جسد مع أنه خُلق من الأرض ، لا ينافي اختصاص لفظ الجسد بالإنسان . وهو كلام ضعيف ، قاله ليفسر قوله تعالى : وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لايَأْكُلُونَ الطعامَ . لكن المعنى : وما جعلناهم جسداً مصمتاً لاجوف له ، فلا يحتاج الى طعام . قال الإمام الباقر عليه السلام : « إن الله خلق ابن آدم أجوف ، لابد له من الطعام والشراب » . « الكافي : 6/286 » .
2 . قلنا في مادة بدن : أخطأ الراغب في قوله إن البدن سميَ جسداً باعتبار اللون . فإن وصف بالمجسد مأخوذ من الجساد الذي هو الزعفران ولا علاقة له بالبدن ! قال الخليل « 6/49 » : « والجساد : الزعفران ونحوه من الصبغ الأحمر والأصفر الشديد الصفرة . وثوب مجسد مشبع عصفراً أو زعفراناً ، وجمعه مجاسد » .
والراغب نفسه قال في مادة جسد : وباعتبار اللون قيل للزعفران : جِسَاد . وثوب مِجْسَد : مصبوغ بالجِسَاد .
جَسَمَ - جُسْمَان - أجسام
الجسم : ماله طول وعرض وعمق ، ولا تخرج أجزاء الجسم عن كونها أجساماً ، وإن قطع ما قطع وجُزِّئ ما قد جـزئ . قال الله تعالى : وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ « البقرة : 247 » وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ « المنافقون : 4 » تنبيهاً [على] أن لاوراء الأشباح معنى معتد به .
والجُسْمَان : قيل هو الشخص ، والشخص قد يخرج من كونه شخصاً بتقطيعه وتجزئته ، بخلاف الجسم .
ملاحظات
تعريفه للجسم فيه تكلف ، وهو من تعريف الواضح بغير الواضح ! وتقدم أن الجسد هو الجسم المصمت الذي لا جوف له ، والجسم أعم منه ، وهو كل جرم ، والظاهر أن الجسمان هو الجثمان . قال الخليل6/60 : « الجسم يجمع البدن وأعضاءه من الناس والإبل والدواب ونحوه مما عظم من الخلق الجسيم ، والفعل : جسم جسامة . والجسام يجري مجرى الجسيم . والجسمان : جسم الرجل ، ويقال : إنه لنحيف الجسمان » .
جَعَلَ - جعلاً - جُعالة - جعيلة - جُعْل - جُعَل
جَعَلَ : لفظ عام في الأفعال كلها ، وهو أعمُّ من فَعَلَ وصَنَعَ وسائر أخواتها ، ويتصرف على خمسة أوجه : الأول : يجري مجرى صار وطفق فلا يتعدى ، نحو جعل زيدٌ يقول كذا ، قال الشاعر :
فقد جَعَلَتْ قُلوصُ بني سهيلٍ
من الأكــوار مرتَعُهــــا قريبُ
والثاني : يجري مجرى أوجدَ فيتعدى إلى مفعول واحد ، نحو قوله عز وجل : وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ « الأنعام : 1 » وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ . « النحل : 78 » .
والثالث : في إيجاد شئ من شئ وتكوينه منه ، نحو : وَاللَّه جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً « النحل : 72 » وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً « النحل : 81 » وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا . « الزخرف : 10 » .
والرابع : في تصيير الشئ على حالة دون حالة ، نحو : الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً « البقرة : 22 » وقوله : جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا « النحل : 81 » وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً « نوح : 16 » وقوله تعالى : إنا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا « الزخرف : 3 » .
والخامس : الحكم بالشئ على الشئ حقاً كان أو باطلاً ، فأما الحق فنحو قوله تعالى : إنا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ « القصص : 7 » وأما الباطل فنحو قوله عز وجل :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 218 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً « الأنعام : 136 » وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ « النحل : 57 » الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ « الحجر : 91 » .
والجِعَالَة والجُعَالَة : خرقة ينزل بها القدر . والجُعْل والجَعَالَة والجَعِيلَة : ما يجعل للإنسان بفعله فهو أعمُّ من الأجرة والثواب . وكلبٌ مُجْعِل : كناية عن طلب السفاد ، والجُعَل : دويبة .
ملاحظات
قسم الراغب جَعَلَ الى خمسة معانٍ : بمعنى صار ، وأوجد ، وأوجد شيئاً من شئ ، وصيَّر الشيئ على حالةٍ ، وحكم بشئ على شئ !
لكن الجعل أوسع من ذلك لأنه فعل كنائي عن فعل أو أفعال أخرى ، تُفهم من سياق الكلام ، وقد استعمله القرآن بشكل واسع في معانٍ عديدة ، فاستعمل جَعَلَ 77 مرة ، وجَعَلْنَا 70 مرة ، وجَعَلْنَاه 15مرة ، ومجموع استعمالات المادة أكثر من 400 مرة . فالجعل في القرآن موضوع دراسة لاستخراج معانيه وأنواعه ، ولا يصح حصره في خمسة أنواع ، وبعضها متداخل ! وهذه نماذج منه ، وأكثرها غير ما ذكره الراغب :
قال الله تعالى : يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم . وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا . وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا . وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا . فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً . خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ . وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ . وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا . مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ . قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً . يُرِيدُ اللهُ أَلا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الأَخِرَة . وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .
فَالِقُ الآصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا . وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا . فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ فِي النَّاسِ . أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا . لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً . إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ . خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا . إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا .
جَفَنَ - جَفْنة - جِفان ج جِفن
الجَفْنَة : خُصت بوعاء الأطعمة وجمعها جِفَان ، قال عز وجل : وَجِفانٍ كَالْجَوابِ « سبأ : 13 » وفي حديث : وأنت الجفنة الغراء ، أي المطعام . وقيل للبئر الصغيرة جَفنة ، تشبيهاً بها .
والجِفْن : خُصَّ بوعاء السيف ، والعين ، وجمعه أجفان . وسمي الكَرْم جَفناً ، تصوراً أنه وعاء العنب .
ملاحظات
جعل الراغب الجَفْنَة بالفتح بمعنى القصعة ، أصلاً للجِفْن بالكسر بمعنى جِفن العين وجِفن السيف . وإن كان لا بد من أصل فيهما فجِفن العين قبل جَفنة الطعام ، وقد جعلهما الخليل متكافئين ، قال « 1/255 » : « الجَفنة التي للطعام ، وجمعها الجِفان . والجِفن للسيف والعين وجمعهما جُفون . وجفن : قبيلة من اليمن ملوك بالشام » .
وقال ابن فارس « 1/465 » : « أصل واحد وهو شئ يطيف بشئ ويحويه ، فالجِفن جِفن العين والجَفن جَفن السيف » .
جَفَأَ - أجفأ - جَفَاء - جَفْوَة
قال تعالى : فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً « الرعد : 17 » وهو ما يرمي به الوادي أو القدر من الغثاء إلى جوانبه . يقال : أَجْفَأَتِ القِدْرُ زَبَدَهَا : ألقته ، إِجْفَاء . وأَجْفَأَتِ الأرض : صارت كالجُفاء في ذهاب خيرها . وقيل : أصل ذلك الواو لا الهمز . ويقال : جفت القدر وأجفت . ومنه : الجَفاء ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 219 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد جفوته أجفوه جفوة ًوجَفاءً . ومن أصله أخذ : جفا السرج عن ظهر الدابة : رفعه عنه .
ملاحظات
ومنه قوله تعالى : تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ ، أي تجفو المضاجعَ . والصحيح أن الجَفْوَ والجَفَاء أصلان ، لأن الجفو ماديٌّ ، والجَفاء معنويٌّ ، أو هو استعارة .
جَلَّ - جليل - جلال - جلالة - جلل - مَجَلة - جِلجلة
الجَلَالَة : عِظَم القَدْر ، والجلال بغير الهاء : التناهي في ذلك . وخصَّ بوصف الله تعالى فقيل : ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ « الرحمن : 27 » ولم يستعمل في غيره . والجليل : العظيم القَدر . ووصفه تعالى بذلك ، إما لخلقه الأشياء العظيمة المستدل بها عليه ، أو لأنه يجل عن الإحاطة به ، أو لأنه يجل أن يدرك بالحواس . وموضوعه للجسم العظيم الغليظ ، ولمراعاة معنى الغلظ فيه قوبل بالدقيق ، وقوبل العظيم بالصغير ، فقيل جَلِيل ودقيق ، وعظيم وصغير ، وقيل للبعير : جليل ، وللشاة : دقيق ، اعتباراً لأحدهما بالآخر فقيل : ما له جليل ولا دقيق ، وما أجَلَّنِي ولا أدَقَّني ، أي ما أعطاني بعيراً ولا شاة . ثم صار مثلاً في كل كبير وصغير . وخص الجُلَالةَ بالناقة الجسيمة ، والجِلَّة بالمسانِّ منها .
والجَلَل : كل شئ عظيم . وجَلَلْتُ كذا : تناولت . وتَجَلَّلْتُ البقر : تناولت جُلَالَه . والجَلَل : المتناول من البقر ، وعُبِّر به عن الشئ الحقير ، وعلى ذلك قوله : كل مصيبة بعده جَلَل .
والجَلَل : ما يُعظم الشئ ، فقيل : جَلَّ الفرس ، وجل الثمن . والمِجَلَّة : ما يغطى به الصحف ، ثم سميت الصحف مَجَلَّة .
وأما الجَلْجَلَة : فحكاية الصوت ، وليس من ذلك الأصل في شئ ، ومنه : سحاب مُجَلْجِل أي مصوت . فأما سحاب مُجَلِّل فمن الأول ، كأنه يُجَلِّل الأرض بالماء والنبات .
ملاحظات
جعل الراغب أصل جَلَلَ واحداً بمعنى عظيم القَدر ، وحاول إرجاع الفروع اليه ، وأخرج منه جلجل الصوت ، وأهمل ذكر : أمرٌ جلل بمعنى هين ! ومعنى تفريق الراغب بين الجلال والجلالة بأنها التناهي في الجلال ، يقصد به أنها تدل على الجلال العظيم ، وهذا لايصح ، مضافاً الى أن التعبير بالتناهي لا يصح .
وجعل ابن فارس الجلال ثلاثة أصول ، قال « 1/417 » : « جَلَّ الشئ : عظم ، وجِلُّ الشئ : معظمه ، وجَلال الله : عظمته . والثاني : شئ يشمل شيئاً مثل : جِلُّ الفرس ومثل المجلل الغيث الذي يجلل الأرض بالماء والنبات . ومنه الجلول وهي شرع السفن . والثالث : من الصوت يقال سحاب مجلجل إذا صوت . ومحتمل أن يكون جلجلان : السمسم من هذا لأنه يتجلجل في سنفه إذا يبس . وأما المَجَلة : فالصحيفة ، وهي شاذة عن الباب إلا أن تلحق بالأول لعظم خطر العلم وجلالته . قال أبو عبيد كل كتاب عند العرب فهو : مجلة » .
وقال الجوهري « 4/1659 » : « والجلل أيضاً : الهين وهو من الأضداد » .
أقول : ومن المادة : جلة التمر : شبيه الزنبيل . وجلة القوم : كبارهم . والأمر الجلل والحادثة الجُلى : أي العظيمة ، والجِلجلة : الجرس الصغير . وجلجل : غربل والرجل المجلجل مدح . والجلجلان : السمسم .
والحيوان الجلال : الذي يأكل العذرة ، وهو مأخوذ من الجلة أي البعر ، قال ابن منظور « 11/119 » : « الجِلَّة : البعر فاستعير ووضع موضع العَذِرة ويقال : جَلَّت الدابة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 220 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الجِلَّة واجْتَلَّتها فهي جالَّة وجَلَّالة إِذا التقطتها » . وهناك مفردات أخرى للمادة .
جَلَبَ - جلباً - أجلب - جُلْبة - جِلْبة - جلباب
أصل الجَلْب : سَوْقُ الشئ . يقال : جَلَبْتُ جَلْباً ، قال الشاعر :
وقد يجلبُ الشئَ البعيدَ الجَوَالِبُ
وأَجْلَبْتُ عليه : صِحْتُ عليه بقهر . قال الله عز وجل : وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ « الإسراء : 64 » . والجَلَب المنهي عنه في قوله عليه السلام : لا جَلَب . قيل هو أن يجلب المصدق أغنام القوم عن مرعاها فيعدها . وقيل هو أن يأتي أحد المتسابقين بمن يجلب على فرسه ، وهو أن يزجره ويصيح به ، ليكون هو السابق .
والجُلْبَة : قشرة تعلو الجرح ، وأجلب فيه . والجِلْبُ : سحابة رقيقة تشبه الجلبة . والجَلابيب : القمص والخمر ، الواحد : جِلْبَاب .
ملاحظات
1 . عَرَّف الراغب الجلباب في آية : يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ . بأنه القميص أو الخمار ، وعرفه الخليل « 6/130 » بأنه : « ثوب أوسع من الخمار دون الرداء ، تغطي به المرأة رأسها وصدرها » .
وعَرَّفَ الراغب الجَلْب بالسَّوْق ، وليس كل مجلوب للبيع مسوقاً ، فقد يكون محمولاً . وليته نقل قول الخليل أو ابن فارس ، قال الخليل « 6/130 » ملخصاً : « الجَلْب : ما يجلب من السبي أو الغنم ، والجمع أجلاب . والجَلَب والجَلَبَة في جماعات الناس ، والفعل أجلبوا من الصياح ونحوه . والجَلوبة : ما يجلب للبيع نحو الناب والفحل والقلوص ، وأما كرام الإناث والفحولة التي تنتسل فليست من الجلوبة » .
2 . عَرَّف الراغب إجلاب الشيطان في قوله تعالى : وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ ، بأنه الصياح بقهر ، لكنه لا قهر فيه ولا الصياح شرط فيه فالجَلبة أقرب الى الضجة والتهويل ، وقد يكون فيها صياح . قال ابن منظور « 1/272 » : « وفي التنزيل العزيز : وأَجْلِبْ عليهم بخَيْلِكَ ورَجْلِكَ ، أَي اجْمَعْ عليهم وتَوَعَّدْهم بالشر » .
2 . جِلْبُ الشعيرة : قشر حبة الشعير ، قال علي عليه السلام كما في ربيع الأبرار « 3/319 » : « والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها تعلى أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت ! وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها » .
جَلَتَ - جالوت
قال تعالى : وَلما بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ « البقرة : 250 » وذلك أعجمي ، لا أصل له في العربية .
جَلَدَ - جلود - جلده - جَلداً - جلدة - جليد
الجِلْد : قشر البدن ، وجمعه جُلُود . قال الله تعالى : كلما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها « النساء : 56 » وقـــوله تعالى : اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ الله « الزمر : 23 » .
والجُلُود : عبارة عن الأبدان ، والقلوب عن النفوس . وقوله عز وجل : حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ « فصلت : 20 » وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا « فصلت : 21 » فقد قيل : الجلود هاهنا كناية عن الفروج . وجلَدَهُ : ضرب جلده ، نحو : بَطَنَهُ وَظَهَرَه ، أو ضربه بالجلد ، نحو : عصاه إذا ضربه بالعصا ، وقال تعالى : فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً « النور : 4 » .
والجَلَد : الجلد المنزوع عن الحِوَار ، وقد جَلُدَ جَلَداً فهو
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 221 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جَلْدٌ وجَلِيد ، أي قوي ، وأصله لاكتساب الجلد قوة ، ويقال : ما له معقول ولا مَجْلُود ، أي عقل وجَلَد .
وأرض جَلْدَة : تشبيهاً بذلك ، وكذا ناقة جَلدة . وجَلَّدْتُ كذا : أي جعلت له جلداً . وفرس مُجَلَّد : لا يفزع من الضرب ، وإنما هو تشبيه بالمجلد الذي لا يلحقه من الضـرب ألم . والجَلِيد : الصقيع ، تشبيهاً بالجلد في الصلابة .
ملاحظات
يظهر أن الراغب جعل المادة أصلين ، بمعنى جِلْدُ الإنسان ، وبمعنى الصلب . وأخذه من الخليل ، قال « 6/81 » : « الجِلْدُ : غشاء جسد الحيوان . والجَلْدُ : ما صلب من الأرض واستوى متنه . وَجَلَدَهُ بالسوط جلداً أي ضرب جلده . وجَلَدْتُ به الأرض أي صرعته . والجَلِيدُ : ما جمد من الماء وما وقع على الأرض من الصقيع فجمد » .
بينما قال ابن فارس « 1/471 » قال : « أصل واحد ، وهو يدل على قوة وصلابة » . لكن لا يمكن إرجاع فروعه الى معنى الصلابة .
جَلَسَ - جلوساً - الجَلَس -مجلس - مجالس
أصل الجَلْس : الغليظ من الأرض ، وسمي النجد جَلَساً لذلك ، وروي أنه عليه السلام أعطاهم معادن القِبْلِيَّةِ غُورِيَّها وجَلَسِيَّها . ومعادن القبلية : من ناحية الفرع . قوله : غوريها وجلسيها : يريد أنه أقطعه وِهَادَها ورُبَاها .
وجَلَسَ : أصله أن يقصد بمقعده جلساً من الأرض ، ثم جعل الجُلُوس لكل قعود . والمَجْلِس : لكل موضع يقعد فيه الإنسان . قال الله تعالى : إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ . « المجادلة : 11 » .
ملاحظات
استعمل القرآن كلمة المجالس مرة واحدة في الآية المتقدمة . وجعل الراغب أصلها : الأرض الغليظة ، وجعله ابن فارس : الإرتفاع . وإرجاع فروعها الى الإرتفاع أسهل . قال ابن فارس « 1/473 » : « ويقال جلس الرجل : إذا أتى نجداً ، وهو قياس الباب ، لأن نجداً خلاف الغور وفيه ارتفاع . ويقال لنجد الجَلَس . ومنه الحديث أنه صلى الله عليه وآله أعطاهم معادن القبلية غُوريَّها وجَلَسِيَّها » .
وجعلها الخليل ثلاثة أصول ، قال « 6/54 » : « ناقةٌ جَلَس وجملَ جَلَس ، أي وثيق . والجَلَس : ما ارتفع عن الغور من أرض نجد . والجلسي : ما حول الحدقة ويقال ظاهر العين . والجَلْسَان : دخيل ، وهو بالفارسية كُلْشَان » .
جَلَوَ - جلواً - جلاه - جلي - جلواء - تجلٍّ - ابن جلا
أصل الجَلْو : الكشف الظاهر ، يقال : أَجْلَيْتُ القوم عن منازلهم فَجَلَوْا عنها . أي أبرزتهم عنها ، ويقال : جَلَاهُ ، نحو قول الشاعر :
فلما جَلَاها بالأيَام تحيَّزتْ
ثباتٌ عليها ذُلُّهَا واكتئابُها
وقـال الله عز وجل : وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا « الحشر : 3 » . ومنه : جَلَا لي خَبَرٌ ، وخَبَرٌ جَلِيٌّ ، وقياس جليٌّ ، ولم يسمع فيه جال . وجَلَوْتُ العروس جِلْوَةً ، وجَلَوْتُ السيف جَلَاءً .
والسماء جَلْوَاء : أي مصحية ، ورجل أَجْلَى : انكشف بعض رأسه عن الشعر .
والتجَلِّي : قد يكون بالذات نحو : وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى « الليل : 2 » وقد يكون بالأمر والفعل نحو : فَلما تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ « الأعراف : 143 » . وقيل : فلان ابن جلا ، أي مشهور ، وأَجْلَوْا عن قتيلٍ : إِجْلَاءً .
جَمَّ - جماً - جمام - جم - جماء
قال الله تعالى : وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا « الفجر : 20 » أي كثيراً ، من جَمَّة الماء أي معظمه ومجتمعه ، الذي جُمَّ فيه الماء عن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 222 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
السيلان . وأصل الكلمة من الجَمام ، أي الراحة للإقامة وترك تحمُّل التعب . وجُمَام المكوك دقيقاً ، وجُمام القدح ماء : إذا امتلأ حتى عجز عن تحمل الزيادة . ولاعتبار معنى الكثرة ، قيل الجُمَّة لقوم يجتمعون في تحمل مكروه ، ولما اجتمع من شعر الناصية . وجَمَّةُ البئر : مكان يجتمع فيه الماء كأنه أجمَّ أياماً . وقيل للفرس : جَمُوم الشد تشبيهاً به . والجَمَّاء الغفير ، والجَمُّ الغفير : الجماعة من الناس . وشاة جَمَّاء : لا قرن لها ، اعتباراً بجُمَّة الناصية .
جَمَحَ - جموحاً - جماحاً
قال تعالى : وَهُمْ يَجْمَحُونَ « التوبة : 57 » الجُمُوح : أصله في الفرس إذا غلب فارسه بنشاطه في مروره وجريانه ، وذلك أبلغ من النشاط والمرح . والجُمَاح : سهم يجعل على رأسه كالبندقة ، يرمي به الصبيان .
جَمَعَ - أجمع - اجتمع - جامع - مجموع - الجمعان - جميع - أجمعون - جماعة - جُمع - جُماع
الجَمْع : ضمُّ الشئ بتقريب بعضه من بعض ، يقال : جَمَعْتُهُ فَاجْتَمَعَ ، وقال عز وجل : وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ « القيامة : 9 » وَجَمَعَ فَأَوْعى « المعارج : 18 » جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ « الهمزة : 2 » وقال تعالى : يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحق « سبأ : 26 » وقال تعالى : لَمَغْفِرَةٌ مِنَ الله وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّـا يَجْمَعُونَ « آل عمران : 157 » قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ « الإسراء : 88 » وقال تعالى : فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً « الكهف : 99 » .
وقال تعالى : إن الله جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ « النساء : 140 » وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ « النور : 62 » أي أمر له خطر يجتمع لأجله الناس ، فكأن الأمر نفسه جمعهم .
وقوله تعالى : ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ « هود : 103 » أي جمعوا فيه ، نحو : وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ « الشوري : 7 » وقال تعالى : يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ « التغابن : 9 » ويقال للمجموع : جَمْعُ وجَمِيعُ وجَمَاعَةُ .
وقال تعالى : وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ « آل عمران : 166 » وقال عز وجل : وَإِنْ كل لما جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ « يس : 32 » والجُـمَّاع يقال في أقوام متفاوتة اجتمعوا . قال الشاعر :
جمعٌ غيرٌ جُمَّاع
وأَجْمَعْتُ كذا : أكثر ما يقال فيما يكون جمعاً يتوصل إليه بالفكرة ، نحو : فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ « يونس : 71 » قال الشاعر :
هل أغْدُوَنْ يَوْماً وأمري مُجَمَّعُ
وقال تعالى : فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ « طه : 64 » ويقال : أَجْمَعَ المسلمون على كذا : اجتمعت آراؤهم عليه . ونَهْبٌ مجمع : ما يوصل إليه بالتدبير والفكرة . وقوله عز وجل : إن النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ « آل عمران : 173 » قيل : جمعوا آراءهم في التدبير عليكم ، وقيل : جمعوا جنودهم .
وجَمِيعٌ وأَجْمَعُ وأَجْمَعُونَ : يستعمل لتأكيد الإجتماع على الأمر . فأما أجمعون فتوصف به المعرفة ، ولا يصح نصبه على الحال ، نحو قوله تعالى : فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كلهُمْ أَجْمَعُون « الحجر : 30 » وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ « يوسف : 93 » .
فأما جميع : فإنه قد ينصب على الحال فيؤكد به من حيث المعنى ، نحو : اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً « البقرة : 38 » وقال : فَكِيدُونِي جَمِيعاً « هود : 55 » .
وقولهم يوم الجمعة : لاجتماع الناس للصلاة قال تعالى : إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ الله « الجمعة : 9 » . ومسجد الجامع : أي الأمر الجامع ، أو الوقت الجامع ، وليس الجامع وصفاً للمسجد « ! » .
وجَمَّعُوا : شهدوا الجمعة ، أو الجامع أو الجماعة .
وأتانٌ جامع : إذا حملت . وقِدْر جِمَاع جامعة : عظيمة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 223 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
واستجمع الفرَس جرياً : بالغَ . فمعنى الجمع ظاهر .
وقولهم : ماتت المرأة بِجُمْع : إذا كان ولدها في بطنها ، فلتصور اجتماعهما . وقولهم : هي منه بِجُمْعٍ : إذا لم تفتض ، فلاجتماع ذلك العضو منها وعدم التشقق فيه .
وضربه بِجُمْعِ كفه : إذا جمع أصابعه فضربه بها وأعطاه من الدراهم جُمْعَ الكف : أي ما جمعته كفه .
والجوامع : الأغلال لجمعها الأطراف .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه المادة أكثر من مئة مرة ، بمعانٍ عديدة ، فذكريوم الجَمع ، ويوم الجُمعة ، وجمع القرآن ، ومجمع البحرين ، واجتماع الناس ، والأمر الجامع . واستعمل الجمع في جمع الأجزاء ، وجمع الأشياء ، وجمع الأمور . ومما يلفت أنه استعمل الجميع للمثنى : قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً !
وقد دوَّنَ الراغب هذه المادة بشكل ضعيف ، فعرَّف الجَمْع بأنه ضمُّ الشئ بتقريب بعضه من بعض . وهي عبارة مبهمة ! واكتفى بالإستشهاد بآيات مختلفة ، وشرح معنى بعضها ، ولم يبين أنواعها ولا الفروق بينها .
وليته أخذ المادة من الخليل أو الجوهري أو ابن فارس . قال الخليل ملخصاً « 1/240 » : « الجمع : مصدر جمعت الشئ . والجمع أيضاً : إسم لجماعة الناس ، والجموع إسم لجماعة الناس ، والمجمع حيث يجمع الناس ، وهو أيضاً إسم للناس . والجماعة : عدد كل شئ وكثرته . . . والمسجد الجامع نعت به لأنه يجمع أهله ، ومسجد الجامع خطأ بغير الألف واللام ، لأن الإسم لا يضاف إلى النعت . لا يقال : هذا زيدُ الفقيه . . وتقول : ضربته بجُمَع كفي ، ومنهم من يكسر الجيم . وأعطيته من الدراهم جمع الكف كما تقول : ملء الكف . والمجامعة والجماع : كناية عن الفعل ، والله يكني عن الأفعال ، قال الله عز وجل : أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء ، كنى عن النكاح » .
وقال الجوهري ملخصاً « 3/1198 » : « جمعتُ الشئ المتفرق فاجتمع . والرجل المجتمع : الذي بلغ أشده . . ويقال أيضاً للمزدلفة : جُمَع ، لاجتماع الناس فيها . ويوم الجُمْعة : يوم العروبة ، وكذلك يوم الجُمُعة بضم الميم ، ويجمع على جمُعُاَت وجُمَع . . والمسجد الجامع ، وإن شئت قلت مسجد الجامع بالإضافة ، كقولك : الحق اليقين وحق اليقين ، بمعنى مسجد اليوم الجامع وحق الشئ اليقين ; لأن إضافة الشئ إلى نفسه لا تجوز إلا على هذا التقدير . وكان الفراء يقول : العرب تضيف الشئ إلى نفسه لاختلاف اللفظين . .
وقوله تعالى : فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ، أي وادعوا شركاءكم ، لأنه لا يقال أجمعت شركائي ، إنما يقال جمعت .
وأجمعون : جمع أجمع . وأجمع واحد في معنى جمع وليس له مفرد من لفظه ، والمؤنث جمعاء ، وكان ينبغي أن يجمعوا جمعاء بالألف والتاء ، كما جمعوا أجمع بالواو والنون ، ولكنهم قالوا في جمعها جُمَع . .
وجميع : يؤكد به ، يقال جاءوا جميعاً ، أي كلهم . والجميع : ضد المتفرق » .
أقول : تقدم من الخليل أنه لا يصح : مسجد الجامع بالإضافة ، وقد جوزه الجوهري وغيره ، تأثراً بالفارسية .
وقال ابن فارس « 1/479 » : « أصل واحد يدل على تضام الشئ . يقال جمعت الشئ جمعاً . . وجمع مكة سمي لاجتماع الناس به ، وكذلك يوم الجمعة . وأجمعت على الأمر إجماعاً وأجمعته . والجوامع الأغلال » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 224 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جَمَلَ - جمال - جامله - أجمل- جِمال - جميل - اجتمال - جمالة - تجمل
الجَمَال : الحُسْنُ الكثير ، وذلك ضربان : أحدهما : جمال يخصُّ الإنسان في نفسه أو بدنه أو فعله . والثاني : ما يوصل منه إلى غيره ، وعلى هذا الوجه ما روي عنه صلى الله عليه وآله : إن الله جميل يحبُّ الجمال ، تنبيهاً [على] أنه منه تفيض الخيرات الكثيرة ، فيحبُّ من يختص بذلك . وقال تعالى : وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ « النحل : 6 » ويقال : جَمِيلٌ وجَمَال على التكثير . قال الله تعالى : فَصَبْرٌ جَمِيلٌ « يوسف : 83 » فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا « المعارج : 5 » .
وقد جَامَلْتُ فلاناً ، وأَجْمَلْتُ في كذا ، وجمالَكَ : أي أجملْ . واعتبر منه معنى الكثرة ، فقيل لكل جماعة غير منفصلة جُمْلَة ، ومنه قيل للحساب الذي لم يفصَّل والكلام الذي لم يبيَّن : مُجْمَل . وقد أجملت الحساب ، وأجملت في الكلام . قال تعالى : وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً « الفرقان : 32 » أي مجتمعاً لا كما أنزل نجوماً مفترقة .
وقول الفقهاء : المُجْمَل ما يحتاج إلى بيان ، فليس بحدٍّ له ولا تفسير ، وإنما هو ذكر بعض أحوال الناس معه ، والشئ يجب أن تبيَّن صفته في نفسه التي بها يتميز . وحقيقة المجمل هو المشتمل على جملة أشياء كثيرة غير ملخصة .
والجَمَلُ : يقال للبعير إذا بَزَل ، وجمعه جِمَال وأَجْمَال وجِمَالة ، قال الله تعالى : حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ « الأعراف : 40 » . وقوله : جِمالَتٌ صُفْرٌ « المرسلات : 33 » جمع جِمَالة ، والجِمَالَة جمع جَمَل ، وقرئ : جُمالات بالضم ، وقيل : هي القلوص . والجَامِل : قطعة من الإبل معها راعيها ، كالباقر .
وقولهم : اتخذ الليل جملاً فاستعارة ، كقولهم ركب الليل . وتسمية الجمل بذلك يجوز أن يكون لما قد أشار إليه بقوله : وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ « النحل : 6 » لأنهم كانوا يعدون ذلك جمالاً لهم . وجَمَلْتُ الشحم : أذبته . والجَمِيل : الشحم المذاب . والإجتمال : الإدِّهَان به . وقالت امرأة لبنتها : تَجَمَّلِي وتعففي ، أي كلي الجميل ، واشربي العفافة .
ملاحظات
1 . جعل الراغب هذه المادة أصلاً واحداً هو الجَمَال ، وزعم أن الجُمْلة أي الكثرة أخذت من كثرة الحسن التي في الجَمال ، وأن الجَمَل أي البعير أخذ من الحسن أيضاً ، لأنهم يرونه جمالاً لهم ، وهذا جنوح في الإحتمال !
وقد جعلها ابن فارس أصلين « 1/481 » ، بمعنى الحُسْن ، وبمعنى التجمع وعِظَم الخلق ، واليه يرجع الجمل . ومع ذلك لا يمكن إرجاع جميع الفروع اليهما . فالمرجح أنها أربعة أصول : الحُسن ، والعِظَم ، والتجمع ، والبعير .
2 . أكثر ما استعمل القرآن من هذه المادة وصف الجميل للصبر ، والصفح ، والهجر ، وتسريح الزوجة . والجمال للناس في الأنعام ، في سرحهم ونزولهم . واستعمل الجمل للحبل الغليظ : حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ . وقد فسره الراغب بالبعير ! والجملة للمجموع : لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً . واستعمل جِمالةً بمعنى قطعة الشرر من جهنم : إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ . وجعلهـــا الراغب جمع جَمَل ! وجعلها في المخصص « 2-2/23 » جماعة من الإبل ، فيكون المعنى كأنها قطعة إبل صفراء . وقال ابن منظور « 5/99و11/125 » : « والعرب تدخل الهاء في كل جمع على فِعالٍ ، يقولون : الجِمالَةُ والحِبالَة والذِّكارَة والحِجارة ، قال : جِمالاتٌ صُفْرٌ . وقيل هي القطعة من النوق لا جَمَل فيها » .
جَنَّ - جِِنٌّ - جِنَّةٌ - جان - جَنَّة - مِجَن -جنين - مجنون
أصل الجِنِّ : ستر الشئ عن الحاسة ، يقال : جَنَّهُ الليلُ وأَجَنَّهُ وجَنَّ عليه فَجَنَّهُ : ستره . وأَجَنَّه : جعل له ما يجنُّه ، كقولك :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 225 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قبرته وأقبرته ، وسقيته وأسقيته ، وجَنَّ عليه كذا : ستر عليه ، قال عز وجل : فَلما جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً « الأنعام : 76 » .
والجَنَان : القلب لكونه مستوراً عن الحاسة . والمِجَنُّ والمِجَنَّة : الترس الذي يجنُّ صاحبه . قال عز وجل : اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً « المجادلة : 16 » وفي الحديث : الصوم جُنَّة .
والجَنَّةُ : كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض ، قال عز وجل : لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ « سبأ : 15 » وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ « سبأ : 16 » وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتك « الكهف : 39 » . قيل : وقد تسمى الأشجار الساترة جَنَّة ، وعلى ذلك حمل قول الشاعر :
من النواضح تسقي جَنَّةً سُحُقَا
وسميت الجَنة : إما تشبيهاً بالجَنة في الأرض وإن كان بينهما بون ، وإما لسترة نعمها عنا المشار إليها بقوله تعالى : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ « السجدة : 17 » . قال ابن عباس : إنما قال جَنَّاتٍ بلفظ الجمع لكون الجنان سبعاً : جنة الفردوس ، وعدن ، وجنة النعيم ، ودار الخلد ، وجنة المأوى ، ودار السلام ، وعليين .
والجنين : الولد ما دام في بطن أمه ، وجمعه أَجِنَّة . قال تعالى : وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ « النجم : 32 » وذلك فعيل في معنى مفعول . والجنين : القبر ، وذلك فعيل في معنى فاعل .
والجِن : يقال على وجهين ، أحدهما للروحانيين المستترة عن الحواس كلها بإزاء الإنس ، فعلى هذا تدخل فيه الملائكة والشياطين ، فكل ملائكة جنٌّ ، وليس كل جنٍّ ملائكة ، وعلى هذا قال أبو صالح : الملائكة كلها جنٌّ .
وقيل : بل الجن بعض الروحانيين ، وذلك أن الروحانيين ثلاثة : أخيارٌ وهم الملائكة ، وأشرارٌ وهم الشياطين ، وأوساطٌ فيهم أخيار وأشرار ، وهم الجن . ويدل على ذلك قوله تعالى : قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ . إلى قوله : وَأنا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ . « الجن : 1 » .
والجِنَّة : جماعة الجن . قال تعالى : مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ « الناس : 6 » وقال تعالى : وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً « الصافات : 158 » . والجِنَّة : الجنون ، وقال تعالى : ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ « سبأ : 46 » أي جنون .
والجُنون : حائل بين النفس والعقل ، وجُنَّ فلان ، قيل أصابه الجن ، وبنيَ فعله كبناء الأدواء نحو : زُكِم ولُقِي وحُمَّ . وقيل أصيب جنانه ، وقيل حيل بين نفسه وعقله ، فجن عقله بذلك . وقوله تعالى : مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ « الدخان : 14 » أي ضامَّهُ مَن يُعَلِّمُهُ من الجن ، وكذلك قوله تعالى : أَإنا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ « الصافات : 36 » .
وقيل : جُنَّ التلاعُ والآفاق ، أي كثر عشبها حتى صارت كأنها مجنونة . وقوله تعالى : وَالْجَـان خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ « الحجر : 27 » فنوع من الجن . وقوله تعالى : كَأنهَـا جَانٌّ « النمل : 10 » قيل : ضرب من الحيات .
ملاحظات
1 . ورد ذكر الِجن في القرآن في أكثر من أربعين آية ، وفيها أنهم مكلفون كالإنسان ، وأنهم مثلنا في جوانب من تكوينهم وحياتهم ، ويختلفون عنا في جوانب . وأن نبينا صلى الله عليه وآله وأئمتنا عليهم السلام حجج الله على الإنس والجن . كما ذكر الجَنَّة نحو سبعين مرة ، والجنات مثلها .
2 . قال المفيد في أوائل المقالات/317 : « الملائكة رُكِّبَ وجودها وعنصـرها من النور وعالم التجرد فتلتذ من الطاعة وتتأذى من المعصية ، فتختار الطاعة دائماً من دون صعوبة . والجن : خلق من النار ومن الشر فيصعب عليه الطاعة صعوبة شديدة ، وهم مجبولون بالشر ، بمعنى شدة ميلهم إليه لا على حد الإلجاء .
وأما البشر : فروحه من عالم النور وجسمه من عالم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 226 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الظلمة ، وميله إلى الخير يعارضه ميله إلى الشر ، وإن كان الأغلب ميلهم إلى الشر ، والطاعة عليهم كلفة وصعوبة ، والمعصية لذيذة وسهلة ومحبوبة » .
3 . قال الخليل « 6/20 » : « الجِنُّ : جماعة ولد الجان ، وجمعهم الجِنَّة والجِنَان . سموا به لاستجنانهم من الناس فلا يُرون . والجَنَّةُ : الحديقة ، وهي بستان ذات شجر ونزهة ، وجمعه جنات . والجُنة : الدرع ، وكل ما وقاك فهو جُنتك » .
جَنَبَ - جنوب - جنُب - أجنبي - جنبة - جنابة - جنَّبه - تجنيباً
أصل الجَنْب : الجارحة ، وجمعه : جُنُوب ، قال الله عز وجل : فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ « التوبة : 35 » وقال تعالى : تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ « السجدة : 16 » وقال عز وجل : قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ . « آل عمران : 191 » .
ثم يستعار من الناحية التي تليها كعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك ، نحو : اليمين والشمال ، كقول الشاعر :
مِنْ عَنْ يميني مَرَّةً وأمامي
وقيل : جَنْبُ الحائط وجَنَبُهُ ، وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ « النساء : 36 » أي القريب ، وقيل كناية عن المرأة ، وقيل عن الرفيق في السفر . قال تعالى : يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ الله « الزمر : 56 » أي في أمره وحَدِّهِ الذي حده لنا .
وسار جَنْبَيْهِ وجَنْبَتَيْهِ وجَنَابَيْهِ وجَنَابَتَيْهِ . وجَنَبْتُهُ : أصبت جنبه ، نحو كَبَدْتُهُ وفأدته . وجُنِبَ : شكا جنبه ، نحو : كُبِد وفُئِد . وبُنيَ من الجنب الفعل على وجهين : أحدهما : الذهاب على ناحيته . والثاني : الذهاب إليه . فالأول نحو : جَنَبْتُهُ وأَجْنَبْتُهُ ، ومنه : وَالْجارِ الْجُنُبِ « النساء : 36 » أي البعيد ، قال الشاعر :
فَلَا تَحْرِمَنِّي نَائِلاً عن جَنَابَةٍ
أي عن بعد .
ورجل جَنِبٌ وجَانِبٌ ، قال عز وجل : إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ « النساء : 31 » وقال عز وجل : وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ « الحج : 30 » واجْتَنِبُوا الطاغُوتَ « الزمر : 17 » عبارة عن تركهم إياه ، فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ « المائدة : 90 » وذلك أبلغ من قولهم تركوه .
وجُنِّبَ بنو فلان : إذا لم يكن في إبلهم اللبن ، وجُنِّبَ فلان خيراً ، وجُنِّب شراً . قال تعالى في النار : وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى « الليـل : 17 » وذلك إذا أطلق فقيـل : جُنِّبَ فلان فمعناه أُبْعِدَ عن الخير ، وذلك يقال في الدعاء في الخير ، وقوله عز وجل : وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ « إبراهيم : 35 » من جَنَبْتُهُ عن كذا أي أبعدته ، وقيل هو من جَنَّبْتُ الفرس ، كأنما سأله أن يقوده عن جانب الشرك بألطاف منه وأسباب خفية .
والتجنيب : الرَّوْحُ في الرِّجْلين ، وذلك إبعاد إحدى الرجلين عن الأخرى خلقةً . وقوله تعالى : وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطهَّرُوا « المائدة : 6 » أي إن أصابتكم الجنابة ، وذلك بإنزال الماء أو بالتقاء الختانين . وقد جَنُبَ ، وأَجْنَبَ ، واجْتَنَبَ ، وتَجَنَّبَ . وسميت الجنابة بذلك لكونها سبباً لتجنب الصلاة في حكم الشرع .
والجَنُوبُ : يصح أن يعتبر فيها معنى المجئ من جانب الكعبة ، وأن يعتبر فيها معنى الذهاب عنه ، لأن المعنيين فيها موجودان . واشتق من الجَنوب : جَنَبَتِ الريحُ : هبَّتْ جنوباً فَأَجْنَبْنَا : دخلنا فيها . وجُنِبْنَا : أصابتنا . وسحابة مَجْنُوبَة : هبت عليها .
ملاحظات
لا يصح قول الراغب : جُنِّبَ فلان فمعناه أُبْعِدَ عن الخير . وقد ذكره بعد آية التجنيب عن النار : وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى !
كما لا يصح قوله « وسميت الجنابة بذلك لكونها سبباً
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 227 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لتجنب الصلاة في حكم الشرع » . لأن إسم الجنابة كان قبل تشريع الصلاة وقبل الإسلام ويظهر أنه من ملة إبراهيم عليه السلام ، وكان العرب يسمونها جنابة ويغتسلون منها ، قال ابن هشام في السيرة « 2/559 » : « ورجع فلُّ قريش من بدر ، نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمداً صلى الله عليه وآله » . فقد كان العرب يغتسلون من الجنابة وسموا من أجنب ولم يغتسل جنباً لأن عليه أن يبتعد عن مماسة الناس حتى يغتسل ، قال ابن منظور « 1/279 » : « قال الأَزهري : وقيل : لمُجانَبَتِه الناسَ ما لم يَغْتَسِلْ . قال ابن الأَثير : وأَجْنَبَ يُجْنِبُ إجْناباً ، والاسم الجَنابةُ ، وهي في الأَصْل البُعْدُ » .
جَنَحَ - جناح - جنوح - جوانح
الجَنَاح : جناح الطائر ، يقال : جَنَحَ الطائر ، أي كُسرجناحه . قال تعالى : وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ « الأنعام : 38 » . وسمي جانبا الشئ جَناحاه ، فقيل جناحا السفينة ، وجناحا العسكر ، وجناحا الوادي ، وجناحا الإنسان لجانبيه ، قال عز وجل : وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ « طه : 22 » أي جانبك . وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ « القصص : 32 » عبارة عن اليد ، لكون الجناح كاليد ، ولذلك قيل لجناحي الطائر يداه .
وقوله عز وجل : وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ « الإسراء : 24 » فاستعارة ، وذلك أنه لما كان الذل ضربين : ضرب يضع الإنسان ، وضرب يرفعه ، وقصد في هذا المكان إلى ما يرفعه لا إلى ما يضعه ، فاستعار لفظ الجناح له فكأنه قيل : استعمل الذل الذي يرفعك عند الله من أجل اكتسابك الرحمة ، أو من أجل رحمتك لهما ، وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ . « القصص : 32 » .
وجَنَحَتِ العير في سيرها : أسرعت ، كأنها استعانت بجناح . وجَنَحَ الليل : أظل بظلامه . والجِنْحُ : قطعة من الليل مظلمة . قال تعالى : وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها « الأنفال : 61 » أي مالوا ، من قولهم : جنحت السفينة ، أي مالت إلى أحد جانبيها . وسمي الإثم المائل بالإنسان عن الحق جُنَاحاً ، ثم سمي كل إثم جُنَاحاً ، نحو قوله تعالى : لاجُناحَ عَلَيْكُمْ . في غير موضع .
وجوانح الصدر : الأضلاع المتصلة رؤوسها في وسط الزَّوْر ، الواحدة : جَانِحَة ، وذلك لما فيها من الميل .
ملاحظات
1 . تجاوز الراغب في هذه المادة نصوص اللغويين ، واجتهد يميناً وشمالاً فلم يحالفه التوفيق . قال : جَنَحَ الطائر ، أي كُسرجناحه ، ولا يصح كلامه ، بل معناه كسر من جناحه : أي مالَ . وقد أخذه من الخليل ولم يفهمه أو غيَّره ! قال الخليل « 3/83 » : « جنح الطائر جنوحاً : أي كسر من جناحيه ، ثم أقبل كالواقع اللاجئ إلى موضع . والرجل يجنح : إذا أقبل على الشئ يعمله بيديه وقد حنى إليه صدره » . وأين هذا من قول الراغب؟
وقال الراغب : وسمي جانبا الشئ جَناحاه ، فقيل جناحا السفينة ، وجناحا العسكر ، وجناحا الوادي . بينما قال الخليل : والسفينة تجنح جنوحاً : إذا انتهت إلى الماء القليل فلزقت بالأرض فلم تمض . واجتنح الرجل على رجله في مقعده : إذا انكب على يديه كالمتكئ على يد واحدة . وجنح الظلام جنوحاً : إذا أقبل الليل ، والإسم الجُنح والجَنح ، لغتان ، يقال : كأنه جنح الليل يشبه به العسكر الجرار . وجناحا الطائر يداه ، ويدا الإنسان جناحاه . وجناحا العسكر : جانباه . وجناحا الوادي : أن يكون له مجرى عن يمينه وعن شماله » . وأين هذا مما قاله الراغب . . الخ . ؟
وقول الخليل مقدم على الراغب لأنه إمام في اللغة وقد استشهد على أقواله من كلام العرب .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 228 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 . أما ابن فارس فقال « 1/484 » : « أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الميل والعدوان ، ويقال جنح إلى كذا أي مال إليه . وسمي الجناحان جَناحين لميلهما في الشقَّين . والجُناح : الإثم ، سمي بذلك لميله عن طريق الحقِّ . وهذا هو الأصل ثم يشتق منه فيُقال للطائفة من الليل جُنح وجِنْح ، كأنه شبه بالجناح وهو طائفة من جسم الطائر . والجوانح الأضلاع لأنها مائلة . وجنح البعير إذا انكسرت جوانحه من حمل ثقيل ، وجَنَّحت الإبل في السير أسرعت » .
ونلاحظ أنه كالراغب لم يحالفه التوفيق في توحيد أصل المادة ، على أنه تردد بين الميل والعداء ولا جامع بينهما !
3 . والمهم عندنا تفسير الآيات التي وردت فيها المادة ، وهي قوله تعالى : وَإِنْ جَنَحُوا للَّسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . « أي مالوا إليك لصلحٍ فمل إليهم . . وأصل الباب الميل » . « التبيان : 2/43 » .
وفي البيان للسيد الخوئي/353 : « فذهب ابن عباس ، ومجاهد ، وزيد بن أسلم ، وعطاء ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة إلى أنها منسوخة بآية السيف . والحق أنها محكمة غير منسوخة » .
ويقصدون بآية السيف قوله تعالى : قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ .
وكذا قوله تعالى : فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ . ومثله قوله : فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَفَ بِهِمَا . لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ . وقوله : فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ . فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلا تَكْتُبُوهَا . فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ . وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ . لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِي مَا طَعِمُوا . .
وقد فسر الفقهاء لا جناح عليه بأنه لاحرج عليه ولا إثم ، وليس في ذلك ميل أو عداوة ، ولا شَبَهٌ بجناح الطير .
والنتيجة : أنه لا بد من القول إن أصول المادة متعددة ، أهمها ثلاثة : الجنوح الى السلم بمعنى الميل . والثاني : الحرج والإثم كما تقدم ، واستعير منه الجنحة بمعنى الجريمة . والثالث : جناح الطير كقوله تعالى : وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ وقوله تعالى : الْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ . واستعير منه قوله تعالى : وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ للَّمُؤْمِنِينَ .
جَنَدَ - جنود - مجندة - أجناد
يقال للعسكر : الجُنْد ، اعتباراً بالغلظة من الجَنَد ، أي الأرض الغليظة التي فيها حجارة ، ثم يقال لكل مجتمع جُنْد ، نحو : الأرواح جُنُودٌ مُجَنَّدَة . قال تعالى : إن جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ « الصافات : 173 » إنهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ « الدخان : 24 » .
وجمع الجند أَجْنَاد وجُنُود ، قال تعالى : وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ « الشعراء : 95 » وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ « المدثر : 31 » اذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها « الأحزاب : 9 » فالجنـود الأولى من الكفار ، والجنود الثانية التي لم تروها الملائكة .
جَنَفَ - جنفاً - متجانف
أصل الجَنَف ميل في الحكم ، فقوله تعالى : فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً « البقرة : 182 » أي ميلاً ظاهراً ، وعلى هذا : غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ « المائدة : 3 » أي مائل إليه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 229 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
رحم الله الخليل فقد أجاد في هذه المادة فقال « 6/143 » : « تقول : جنفَ فلان علينا ، وأجنف في حكمه ، وهو شبيه بالحيف ، إلا أن الحيف من الحاكم خاصة ، والجنف عام . ومنه قول الله عز وجل : فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً ، وقوله جل وعز : غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ ، أي متمايل متعمد » . فالجنف هو الميل على حق الغير عن عمد ، سواء كان ميله ظاهراً أو غير ظاهر . وقالوا إن الجنيف مقابل الحنيف ، وهو الذي يميل من الباطل الى الحق .
جَنَيَ - اجتنى - أجنى - جناية
جَنَيْتُ الثمرة واجْتَنَيْتُهَا . والجَنْيُ : المجتنى من الثمر والعسل . وأكثر ما يستعمل الجَنْي فيما كان غضاً ، قال تعالى : تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا « مريم : 25 » وقال تعالى : وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ « الرحمن : 54 » .
وأَجْنَى الشجر : أدرك ثمره ، والأرض : كثر جناها ، واستعير من ذلك جَنَى فلان جِنَاية ، كما استعير اجترم .
ملاحظات
أخذ الراغب برأي ابن فارس « 1/482 » في أن أصل جَنَى : جَنْيُ الثمرة ، قال : « ومن المحمول عليه : جنيت الجناية أجنيها » .
أي أنه اشتق بملاحظته ، فجناية الشر تشبيه لها بجناية الثمر . وهو قوي . وذكرهما الخليل « 6/184 » كأنهما أصلان مستقلان .
جَهَدَ - جهداً - اجتهاداً - مجاهدة - جهاداً
الجَهْدُ والجُهْد : الطاقة والمشقة . وقيل الجَهْد بالفتح المشقة ، والجُهْد الوسع . وقيل : الجُهد للإنسان . وقال تعالى : وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ « التوبة : 79 » . وقال تعالى : وَأَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمانِهِمْ « النور : 53 » أي حلفوا واجتهدوا في الحلف أن يأتوا به على أبلغ ما في وسعهم . والإجتهاد : أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمل المشقة ، يقال جَهَدْتُ رأيي . وأَجْهَدْتُهُ : أتعبته بالفكر . والجِهادُ والمجاهدة : اسـتفراغ الوسع في مدافعة العدو .
والجِهَاد ثلاثة أضرب : مجاهدة العدو الظاهر . ومجاهدة الشيطان . ومجاهدة النفس . وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى : وَجاهِدُوا فِي الله حق جِهادِهِ « الحــج : 78 » وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله « التوبة : 41 » إن الَّذِينَ آمَنُوا وَهـاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِـهِمْ فِي سَبِيلِ الله « الأنفال : 72 » وقال صلى الله عليه وآله : جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم . والمجاهدة تكون باليد واللسان ، قال صلى الله عليه وآله : جاهدوا الكفار بأيديكم وألسنتكم .
ملاحظات
ذكر القرآن نوعاً رابعاً من الجهاد ، هو جهاد المعرفة فقال تعالى : وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ . فالجهاد في الله تعالى غير الجهاد في سبيله ، وهو هنا جهاد المعرفة .
جَهَرَ - جهراً - جهاراً - جهير- جهوري - جوهر
جَهْرٌ : يقال لظهور الشئ بإفراط لحاسة البصر ، أو حاسة السمع . أما البصـر فنحو : رأيته جِهَاراً ، قال الله تعالى : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى الله جَهْرَةً « البقرة : 55 » أَرِنَا الله جَهْرَةً « النساء : 153 » ومنه جَهَرَ البئر واجْتَهَرَهَا : إذا أظهر ماءها . وقيل : ما في القوم أحد يجهر عيني . والجوهر : فَوْعَل منه ، وهو ما إذا بطلَ بطلَ محموله ، وسمي بذلك لظهوره للحاسة .
وأما السمع ، فمنه قوله تعالى : سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ « الرعد : 10 » . وقال عز وجل : وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإنهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى « طـه : 7 » إنهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 230 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ « الأنبياء : 110 » وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ « الملك : 13 » وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِهـا « الإسراء : 110 » وقال : وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ « الحجرات : 2 » . وقيل كلام جوهري وجَهِير . ورجل جهير يقال لرفيع الصوت ، ولمن يجهر لحسنه .
ملاحظات
الجهر : ما قابل الإخفات . أي خفوت الصوت ، ويبدأ الجهر بالكلام الذي تسمعه أنت دون غيرك ، وينتهي بالصراخ ، وهذا هو المنهي عنه في قوله تعالى : وَلاتَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً . فالمطلوب الجهـر المعتدل ، وهو الواجب في قراءة الصلوات الليلية ، وهو الإخفاء كما عبر أهل البيت عليهم السلام ولم يعبروا بالإخفات ، لأن الخَفْت الموت ، وخفض الصوت ، ويعرف المقصود به بقرينة . فتقول : خَفَتَ فلان ، أي مات . وخفت صوته تحتمل الوجهين ، وتخافت مع فلان ، أي تكلما بصوت منخفض ، ومنه قوله تعالى : يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ .
جَهَزَ - تجهيزاً - جهيزة
قال تعالى : فَلما جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ « يوسف : 70 » الجَهَاز : ما يعدُّ من متاع وغيره ، والتجهيز : حمل ذلك أو بعثه . وضرب البعير بجهازه : إذا ألقى متاعه في رجله فنفر . وجَهِيزَة : امرأة محمقة . وقيل للذئبة التي ترضع ولد غيرها : جهيزة .
ملاحظات
قال الخليل « 3/385 » : « جهزت القوم تجهيزاً ، إذا تكلفت لهم جهازهم للسفر ، وكذلك جهاز العروس والميت . وهو ما يحتاج إليه في وجهه . وسمعت أهل البصرة يُخَطِّئونَ من يقول الجهاز بالكسر . وأجهزت على الجريح : أثبتت قتله » .
أقول : سبب تخطئة أهل البصرة من كسر كلمة جهاز ، تأثرهم بالفارسية لأنهم يستعملون جهاز وجهيزية بالفتح .
جَهَلَ - جهلاً - جاهل - دهالة - مَجْهَل - استجهل
الجهل : على ثلاثة أضرب ، الأول : وهو خلو النفس من العلم ، هذا هو الأصل ، وقد جعل ذلك بعض المتكلمين معنى مقتضياً للأفعال الخارجة عن النظام ، كما جعل العلم معنى مقتضياً للأفعال الجارية على النظام .
والثاني : اعتقاد الشئ بخلاف ما هو عليه . والثالث : فعل الشئ بخلاف ما حقه أن يفعل ، سواءً اعتقد فيه اعتقاداً صحيحاً أو فاسداً ، كمن يترك الصلاة متعمداً . وعلى ذلك قوله تعالى : قالُوا : أَتَتَّخِذُنا هُزُواً ، قالَ أَعُوذُ بِالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ « البقرة : 67 » فجعل فعل الهزو جهلاً ، وقال عز وجل : فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ « الحجرات : 6 » .
والجاهل : تارة يذكر على سبيل الذم ، وهو الأكثر ، وتارة لا على سبيل الذم ، نحو : يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التعَفُّفِ « البقرة : 273 » أي من لايعرف حالهم وليس يعني المتخصص بالجهل المذموم .
والمَجْهل : الأمر والأرض ، والخصلة التي تحمل الإنسان على الإعتقاد بالشئ خلاف ما هو عليه .
واسْتَجْهَلَتِ الريح الغصن : حركتهُ كأنها حملته على تعاطي الجهل ، وذلك استعارة حسنة .
ملاحظات
عرَّف علماء اللغة الجهل بأنه نقيض العلم ، وتعريف الراغب له بتقسيمه ضعيف ، فقد جعل منه الجهل الإعتقادي ، والجهل العملي . وأقسامه أكثر ، فمنه الجهل الضار ، والجهل النافع . والجهل الذي يجب الخروج منه الى العلم ، والجهل الذي لايجب الخروج منه . ومجهولات
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 231 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الإنسان أضعاف معلوماته ، مهما جمع معلومات ، ومهما طال عمره !
جَهَنَّم
جَهَنَّم : إسم لنار الله الموقدة ، قيل : وأصلها فارسي .
ملاحظات
جهنم : إسم عام لكل النار ، وقد وردت في القرآن77 مرة ، قال تعالى : وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ . والحكم على المجرم بجهنم حكم كلي ، وهو غير عذابه الخاص ، قال تعالى : فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ . فعذاب جهنم جوُّهم العام وعذاب الحريق جزاؤهم الخاص ، وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا . ونار جهنم غير جهنم ، قال تعالى : وَجِيئَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ . وقال : وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِى الظَّالِمِينَ . وقال : وَعَدَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا . ويظهر أن جهنم أشد من الجحيم ، وأنهما المسكن العام للمحكومين بالعذاب ، وأن النار والسعير وأنواع العذاب الأخرى ، أخص منهما .
جَيَبَ - جيوب
قال الله تعالى : وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ . « النور : 31 » جمع جَيْب .
ملاحظات
1 . المقصود بجيوبهن : صدورهن ، أي ليغطين بخمرهن صدورهن ومحاسنهن العليا . ولعل أصل الجيب جيب البدن ، ويقال لرقبة الثوب ، ثم غلب استعماله على جيب الثوب . وقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام : أن جبرئيـل نفخ في جيب مدرعة مريم عليها السلام . « مجمع البيان : 6/417 » . وقال في مجمع البيان « 7/241 » : « والخُمُر : المقانع جمع خِمار ، وهو غطاء رأس المرأة المنسدل على جيبها . أمرن بإلقاء المقانع على صدورهن تغطيةً لنحورهن ، فقد قيل إنهن كن يلقين مقانعهن على ظهورهن فتبدو صدورهن ! وكنى عن الصدور بالجيوب لأنها ملبوسة عليها . قال ابن عباس : تغطي شعرها وصدرها وترائبها وسوالفها » .
كما ورد في تفسير قوله تعالى لموسى عليه السلام : وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ . أمره أن يدخل يده في فتحة مدرعته فتخرج مضيئة ، ثم يضعها ثانية فينطفي ضوؤها . وأن يلقي عصاه فتصير ثعباناً ، ثم يضم يده تحت إبطه فتعود عصاً على سيرتها الأولى ، فهذه الآية الثانية .
2 . تقدم عن الخليل « 6/130 » في الجلباب أنه : « ثوب أوسع من الخمار دون الرداء ، تغطي به المرأة رأسها وصدرها » .
وقال « 2/146 » : « واللفاع : خمار للمرأة يستر رأسها وصدرها ، والمرأة تتلفع به » .
وقال ابن فارس « 1/497 » : « فالجيب جيب القميص ، يقال جبت القميص : قورت جيبه . وجَيَّبْتُهُ جعلت له جيباً » .
جَوَبَ -جابوا - جواب - أجاب - إجابة - استجابة
الجَوْبُ : قطع الجَوْبَة ، وهي كالغائط من الأرض ، ثم يستعمل في قطع كل أرض ، قال تعالى : وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ « الفجر : 9 » ويقال : هل عندك جَائِبَة خبر .
وجوابُ الكلام : هو ما يقطع الجوب فيصل من فم القائل إلى سمع المستمع ، لكن خص بما يعود من الكلام دون المبتدأ من الخطاب ، قال تعالى : فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا « النمل : 56 » والجواب يقال في مقابلة السؤال .
والسؤال على ضربين : طلب مقال ، وجوابه المقال ، وطلب نوال ، وجوابه النوال .
فعلى الأول : أَجِيبُوا داعِيَ الله « الأحقاف : 31 » وقال : وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ الله « الأحقاف : 32 » . وعلى الثاني قوله : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما « يونس : 89 » أي أعطيتما ما سألتما .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 232 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والإستجابة : قيل هي الإجابة ، وحقيقتهـا هي التحري للجواب والتهيؤ له ، لكن عبر به عن الإجابة لقلة انفكاكها منها ، قال تعالى : اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ « الأنفال : 24 » وقال : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ « غافر : 60 » فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي « البقرة : 186 » فَاسْـتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ « آل عمران : 195 » وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ « الشوري : 26 » وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ « الشوري : 38 » وقال تعالى : وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإني قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي « البقرة : 186 » الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ « آل عمران : 172 » .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن مادة جَابَ في آية واحدة ، في قوله تعالى : وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ، أي خبروا صخور الأودية والجبال ، أو نحتوا . واستعمل مادة أجاب بضعاً وأربعين مرة ، وأكثر ما ورد منها الجواب واستجاب .
وجعل الراغب تبعاً لابن فارس ، أصل جابَ من الجَوْبَة ، وهي الأرض المنخفضة ، وقال : « جوابُ الكلام : هو ما يقطع الجوب فيصل من فم القائل إلى سمع المستمع » ! وهو رأي واهٍ ، فأيُّ جَوْبٍ ومسافة ووادٍ يقطعه الجواب إذا وضع فمه على أذنه ، أو كتب له الجواب؟ فهل تقول له : لم تجب لأن جوابك لم يقطع الجَوْب والوادي !
على أن الجَوْبة مشتقة من انجاب بمعنى انكشف ، ولا علاقة لها بجاب وأجاب . قال ابن منظور « 1/286 » : « والجَوْبة : فَجْوةُ ما بين البُيُوتِ . وانْجابَتِ السَّحابةُ : انْكَشَفَتْ » .
وقال الخليل « 6/192 » : « الجوْب : قطعك الشئ وجبت المفازة أي قطعتها . والجواب : رديد الكلام » .
فالصحيح أن جَابَ أصل مستقل ، وأجاب بمعنى آخر فهي أصل مستقل ، وألفها أصلية وليست مزيدة .
جَوَدَ - جُودي - جودة - جواد - جيد
قــال تعالى : وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ « هود : 44 » قيل هو إسم جبل بين الموصل والجزيرة ، وهو في الأصل منسوب إلى الجود . والجود : بذل المقتنيات ، مالاً كان أو علماً ، ويقال : رجل جَوَاد ، وفرس جواد ، يجود بمدَّخر عَدْوِه ، والجمع الجِيَاد . قال تعـالى : بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ « صاد : 31 » ويقال في المطر الكثير : جَوْد . وَوُصِفَ تعالى بالجواد . وفي الفرس جَوْدَة ، وفي المال جود ، وجَادَ الشئ جَوْدَة ، فهو جَيِّد ، لما نبَّهَ عليه قوله تعالى : أَعْطى كل شَئ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى « طه : 50 » .
ملاحظات
عن الإمام الصادق عليه السلام : « فقلت له : فكم لبث نوح ومن معه في السفينة حتى نضب الماء ، وخرجوا منها؟ فقال : لبثوا فيها سبعة أيام ولياليها ، وطافت بالبيت ثم استوت على الجودي ، وهو فرات الكوفة . فقلت له : إن مسجد الكوفة لقديم؟ فقال : نعم وهو مصلى الأنبياء عليهم السلام » . « تفسير العياشي : 2/146 » . ولهذه الرواية مؤيدات روائية وعلمية .
جَأَرَ - جأراً
قال تعالى : فَإِلَيْــهِ تَجْئَرُونَ « النحل : 53 » وقال تعالى : إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ « المؤمنون : 64 » لاتَجْأَرُوا الْيَوْمَ « المؤمنون : 65 » جَأَرَ : إذا أفرط في الدعاء والتضـرع تشبيهاً بجؤار الوحشيات ، كالظباء ونحوها .
جَارَ- جَوَر - جَارٌ - استجار - جَاوره - جائر
الجار : من يقرب مسكنه منك ، وهو من الأسماء المتضايفة ، فإن الجار لا يكون جاراً لغيره إلا وذلك الغيرجار له ، كالأخ والصديق . ولما استُعْظِمَ حق الجار عقلاً وشرعاً ، عُبِّرَ عن كل من يعظم حقه أو يستعظم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 233 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حق غيره بالجار ، قال تعالى : وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ « النساء : 36 » . ويقال : استجرته فأجارني ، وعلى هذا قوله تعالى : وَإني جارٌ لَكُمْ « الأنفال : 48 » وقال عز وجل : وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ « المؤمنون : 88 » .
وقد تُصُوِّرَ من الجار معنى القرب فقيل لمن يقرب من غيره : جَارَهُ ، وجَاوَرَه ، وتَجَاوَرَ ، قال تعالى : لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا « الأحزاب : 60 » وقال تعالى : وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجـاوِراتٌ « الرعد : 4 » . وباعتبار القرب قيل : جارَ عن الطريق ، ثم جعل ذلك أصلاً في العدول عن كل حق ، فبني منه الجَوْر ، قال تعالى : وَمِنْها جائِرٌ « النحل : 9 » أي عادل عن المحجة ، وقال بعضهم : الجائر من الناس : هو الذي يمنع من التزام ما يأمر به الشرع .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه المادة ثلاث عشرة مرة ، ولم يستعمل الجَوْر بمعنى الظلم ، بل استعمل السبيل الجائرة . وجعل الراغب جار وجَوَر أصلاً واحداً ، وحاول إرجاع فروعها اليه . وجعلهما اللغويون أصلين . قال الخليل « 6/176 » : « الجار : مجاورك في المسكن . والذي استجارك في الذمة تجيره وتمنعه . والجوار مصدر من المجاورة . والجوار : الإسم . والجميع : الأجوار . الجَوْرُ : نقيض العدل . وقوم جارَةٌ وجَوْرَةٌ ، أي ظَلَمَة . والْجَوْرُ : ترك القصد في السير والفعل » .
جَوَزَ - جاوز - جوزاء - أجاز - استجاز - تجاوز - مجاز
قال تعالى : فَلمَّا جاوَزَهُ هُوَ « البقرة : 249 » أي تجاوز جَوْزَهُ ، وقال : وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ « الأعراف : 138 » وجَوْزُ الطريق : وسطه ، وجاز الشئ كأنه لزم جوز الطريق ، وذلك عبارة عما يسوغ ، وجَوْزُ السماء : وسطها ، والجوزاء : قيل سميت بذلك لاعتراضها في جوز السماء ، وشاة جوزاء : أي ابيضَّ وسطها . وجُزْتُ المكان : ذهبت فيه . وأَجَزْتُهُ : أنفذته وخلفته ، وقيل : استجزت فلاناً فأجازني : إذا استسقيته فسقاك ، وذلك استعارة .
والمَجَاز من الكلام : ما تجاوز موضعه الذي وضع له . والحقيقة ما لم يتجاوز ذلك .
ملاحظات
فسر الراغب جاوز الشئ : بجاوز جَوْزَهُ أي وسطه . بينما معناه عَبَرَعنه كله لا عن وسطه . فقوله تعالى : وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ ، أي كله لا نصفه . وتقول : جاوزت البلدة ، أي جاوزتها كلها لا نصفها . وكذلك جزتها . وقاعدة التجاوز في الفقه : تعني أن تتجاوز الشئ كله لا نصفه . وسبب خطئه أنه تصور أن جاوز بمعنى جاز جَوْز الشئ أي وسطه .
وأصاب ابن فارس فقال « 1/494 » : « جَوَزَ : أصلان ، أحدهما وسط الشئ ، والآخر قطع الشئ . فأما الوسط فجَوْزُ كل شئ وسطه . والأصل الآخر : جزت الموضع : سرت فيه ، وأجزته خلفته وقطعته » . وقال الخليل « 6/165 » : « التجاوز : ألا تأخذه بالذنب ، أي : تتركه » .
جَاسَ - جَوْساً
قال تعالى : فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ « الإسراء : 5 » أي توسطوها وترددوا بينها ، ويقارب ذلك جازوا وداسوا ، وقيل : الجَوْس : طلب ذلك الشئ باستقصاء ، والمجوس : معروف .
جَوَعَ - جائع - مجاعة
الجُوع : الألم الذي ينال الحيوان من خُلُوِّ المعدة من الطعام ، والمَجَاعة : عبارة عن زمان الجدب ويقال : رجل جائع وجوعان : إذا كثر جوعه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 234 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
ذكر الله الجوع في خمس آيات ، منها قوله تعالى : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَئٍْ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ . . فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ . وقول الراغب : « جائع وجوعان : إذا كثر جوعه » وفيه خطآن : أولهما ، أنه يقصد بكثر جوعه اشتد جوعه ، لأن كثر جوعه قد تكون بمعنى كثرت مرات جوعه . والخطأ الثاني : أنه اشترط في صدق الجائع أو الجوعان شدة الجوع ، ولم يشترطه أحد ! مضافاً الى خطئه في اشتراط الألم في تعريف الجوع . وقد يكون بالإحساس به بدون ألم ، بل قد يكون جوعاً بدون إحساس به .
جَاءَ - مجيئاً - جيئةً - أجاءَ
جاء يجئ جيئةً ومَجِيئاً ، والمجئ كالإتيان ، لكن المجئ أعم لأن الإتيان مجئ بسهولة ، والإتيان قد يقال باعتبار القصد وإن لم يكن منه الحصول . والمجئ يقال اعتباراً بالحصول .
ويقال : جاء في الأعيان والمعاني ، ولما يكون مجيئه بذاته وبأمره ، ولمن قصد مكاناً أو عملاً أو زماناً ، قال الله عز وجل : وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى « يس : 20 » وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ « غافر : 34 » وَلما جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِئ بِهِمْ « هود : 77 » فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ « الأحزاب : 19 » إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ « يونس : 49 » بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي « الزمر : 59 » فَقَدْ جاؤُا ظُلْماً وَزُوراً « الفرقان : 4 » أي قصدوا الكلام وتعدوه ، فاستعمل فيه المجئ كما استعمل فيه القصد ، قال تعالى : إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ « الأحزاب : 10 » وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا « الفجر : 22 » فهذا بالأمر لا بالذات ، وهو قول ابن عباس ، وكذا قوله تعالى : فَلما جاءَهُمُ الْحق « يونس : 76 » يقال : جاءه بكذا وأجاءه ، قال الله تعالى : فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ « مريم : 23 » قيـل : ألجأها ، وإنما هو معدى عن جاء ، وعلى هذا قولهم : شرُّ ما أجاءك إلى مخُّه عرقوب ، وقول الشاعر :
أجاءته المخافةُ والرجاءُ .
وجاء بكذا : استحضره ، نحو : لَوْلا جاؤُا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ « النور : 13 » وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ « النمل : 22 » . وجاء بكذا يختلف معناه بحسب اختلاف المجئ به .
ملاحظات
1 . ذكرنا في مادة أتى أن المجيئ والإتيان لا يدلان على سهولة ولا صعوبة ، ويصح إطلاقهما على ما يجئ ويأتي بأي كيفية . وقد تتبعت كلمات اللغويين ، ومواردهما في القرآن فلم أجد ما تخيله الراغب ! فأين السهولة في قوله تعالى : أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً . مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ . أو في قوله تعالى : وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ . فَإِذَا جَاءَتِ الطامَّةُ الْكُبْرَى . جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ . فالصحيح أن أتى وجاء للأعم ، والسهولة والصعوبة قد تفهمان من الشئ الآتي ، أو من قرائن أخرى .
2 . كذلك لايصح قوله : « والإتيان قد يقال باعتبار القصد ، وإن لم يكن منه الحصول . والمجئ يقال اعتباراً بالحصول » . فإن المجئ والإتيان يصحان سواء وصل الى المقصد أم لم يصل ، فيقال جاء وأتى الى بيت فلان ولم يصل . وكذا الأمر في الأشياء والمعاني .
3 . قال الجوهري « 1/42 » : « المجئ : الإتيان . يقال جاء يجئ جيئةً . وأجأته ، أي جئت به . وجاءاني على فاعلني فجئتُه أجيؤه ، أي غالبني بكثرة المجئ فغلبته . وتقول : الحمد لله الذي جاء بك ، أي الحمد لله إذ جئت ، ولاتقل : الحمد لله الذي جئت . وأجأته إلى كذا بمعنى ألجأته واضطررته إليه » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 235 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جَالَ - جالوت
جالوت : إسم ملك طاغ رماه داود عليه السلام فقتله ، وهو المذكور في قوله تعالى : وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ « البقرة : 251 » .
جَوٌَ
الجوُّ : الهواء ، قال الله تعالى : فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ « النحل : 79 » وإسم اليمامة جَوٌّ . و الله أعلم .
ملاحظات
قصده أن اليمامة التي هي نجد ، كان إسمها في الجاهلية « جَوٌّ » . « الطبري : 1/141 » .
تمَّ كتاب الجيم .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 236 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب الحاء وما يتصل بها

ح
يشمل 98 مفردة و 64 ملاحظة
حَبَّ - حَبَّة ٌ- حِبٌّ - حباب - حَبَب - أحب - استحب - محبة
الحَبُّ والحَبَّة : يقال في الحنطة والشعير ونحوهما من المطعومات . والحَب والحَبَّة : في بزور الرياحين . قال الله تعالى : كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كل سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ « البقرة : 261 » وقال : وَلاحَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ « الأنعام : 59 » وقال تعالى : إن الله فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى « الأنعام : 95 » وقوله تعالى : فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ « ق : 9 » أي الحنطة وما يجري مجراها مما يحصد . وفي الحديث : كما تنبت الحبة في حميل السيل .
والحِبُّ : مَن فَرَطَ حُبُّه . والحَبَبُ : تَنَضُّدُ الأسنان تشبيهاً بالحَب . والحُبَاب من الماء : النفاخات تشبيهاً به . وحَبَّة القلب : تشبيهاً بالحبَّة في الهيئة .
وحَبَبْتُ فلاناً : يقال في الأصل بمعنى : أصبت حبة قلبه ، نحو شغفته وكبدته وفأدته . وأَحْبَبْتُ فلاناً : جعلت قلبي معرضاً لحبه ، لكن في التعارف وضع محبوب موضع محب ، واستعمل حَبَبْتُ أيضاً موضع أحببت .
والمحبَّة : إرادة ما تراه أو تظنه خيراً ، وهي على ثلاثة أوجه : محبة للذة ، كمحبة الرجل المرأة ، ومنه : وَيُطْعِمُونَ الطعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً « الإنسان : 8 » . ومحبة للنفع ، كمحبة شئ ينتفع به . ومنه : وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ « الصف : 13 » . ومحبة للفضل ، كمحبة أهل العلم بعضهم لبعض لأجل العلم .
وربما فسرت المحبة بالإرادة في نحو قوله تعالى : فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا « التوبة : 108 » وليس كذلك ، فإن المحبة أبلغ من الإرادة كما تقدم آنفاً ، فكل محبة إرادة ، وليس كل إرادة محبة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 237 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقوله عز وجل : إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ « التوبة : 23 » أي إن آثروه عليه ، وحقيقة الإستحباب : أن يتحرَّى الإنسان في الشئ أن يحبَّه ، واقتضى تعديته بعلى معنى الإيثار ، وعلى هذا قوله تعالى : وإما ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى « فصلت : 17 » . وقوله تعالى : فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ « المائدة : 54 » فمحبة الله تعالى للعبد إنعامه عليه ، ومحبة العبد له طلب الزلفى لديه .
وقوله تعالى : إني أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبي « صاد : 32 » فمعناه : أحببت الخيل حبي للخير ، وقوله تعالى : إن الله يُحِبُّ التوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ « البقرة : 222 » أي يثيبهم وينعم عليهم ، وقال : لا يُحِبُّ كل كَفَّارٍ أَثِيمٍ « البقرة : 276 » . وقوله تعالى : وَاللَّه لا يُحِبُّ كل مُخْتالٍ فَخُورٍ « الحديد : 23 » تنبيهاً [على] أنه بارتكاب الآثام يصير بحيث لا يتوب لتماديه في ذلك ، وإذا لم يتب لم يحبه الله المحبة التي وعد بها التوابين والمتطهرين . وحَبَّبَ الله إليّ كذا ، قال الله تعالى : وَلكِنَّ الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ « الحجرات : 7 » .
وأحبَّ البعير : إذا حَرَنَ ولزم مكانه ، كأنه أحَبَّ المكان الذي وقف فيه . وحَبَابَكَ أن تفعل كذا : أي غاية محبتك ذلك .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن هذه المادة أكثر من ثمانين مرة ، وهذا يدل على أهمية الحب في الإسلام : حب المؤمنين لله تعالى ، وحبه لهم ، وحب رسوله صلى الله عليه وآله وحب عترته عليهم السلام والمؤمنين ، وحب الحق والخير . وقال زياد الأسود للإمام الباقر عليه السلام : « إني أُلِمُّ بالذنوب حتى إذا ظننت أني قد هلكت ذكرت حبكم فرجوت النجاة وتجلى عني . فقال أبو جعفر عليه السلام : وهل الدين إلا الحب؟ قال الله تعالى : حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ . وقال : إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ . وقال : يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ » .
وأنواع الحب وأقسامه في القرآن عديدة ، منها ما أشرنا اليه ، ومنها أنواع الذين يحبهم الله تعالى ، وأنواع حب المؤمنين لله تعالى ، ولرسوله صلى الله عليه وآله . ومنها حب الدنيا ، وحب أعداء الله تعالى . ومنها الحب الصادق ، والحب الكاذب . وكيف يصير الإنسان محباً لله تعالى وللمحبوبين له . ومنها تأثير الحب على حياة الإنسان . وفي كل منها بحوث قرآنية .
2 . حصر الراغب الحَبَّ والحَبَّة : في بزور الرياحين . والصحيح أنه لكل بزور النبات . ويطلق علي غيرها .
حَبَرَ - حِبْر - مُحَبَّر- حُبُور - أحبار
الحِبْرُ : الأثر المستحسن ، ومنه ما روي : يخرج من النار رجل قد ذهب حِبْرُهُ وسِبْرُه . أي جماله وبهاؤه ، ومنه سمي الحَبْر . وشاعر مُحَبِّر ، وشعر مُحَبَّر ، وثوب حَبِير : مُحَسَّن . ومنه : أرض مِحْبَار .
والحبير : من السحاب . وحَبِرَ فلان : بقي بجلده أثر من قرح . والحَبْر : العالم وجمعه أَحْبَار ، لما يبقى من أثر علومهم في قلوب الناس ، ومن آثار أفعالهم الحسنة المقتدى بها ، قال تعالى : اتَّخَـذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبـانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ الله « التوبة : 31 » . وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين عليه السلام بقوله : العلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة .
وقوله عز وجل : فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ « الروم : 15 » أي يفرحون حتى يظهر عليهم حِبَار نعيمهم .
ملاحظات
1 . مدح الله تعالى الأحبار ، في قوله تعالى : إِنَّا أَنْزَلْنَا التوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 238 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ . لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ . وذمهم في قوله تعالى : إِتَّخَـذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ .
2 . قال الخليل « 3/218 » : « والحِبْر والحَبْر : العالم من علماء أهل الدين ، وجمعه أحبار ، ذمياً كان أو مسلماً ، بعد أن يكون من أهل الكتاب . والحَبر : صفرة تقع على الأسنان . والحَبرة : ضرب من برود اليمن . والتحبير : حسن الخط . وحَبَّرت الكلام والشعر تحبيراً ، أي حسنته . والحَبْرة : النعمة ، وحَبَرَ الرجل حَبْرَةً وحَبْراً فهو محبور ، وقوله تعالى : فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ، أي ينعمون . . والحبير : الجديد » .
حَبَسَ -حبْساً - تحبيساً
الحَبْس : المنع من الإنبعاث ، قال عز وجل : تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ « المائدة : 106 » . والحَبْس : مصنع الماء الذي يحبسه ، والأحباس جمع . والتحبيس : جعل الشئ موقوفاً على التأبيد ، يقال : هذا حَبِيس في سبيل الله .
ملاحظات
يأتي الحبس بمعنى السجن ، لكنه أعم منه وأخف ، ولذلك لم يستعمله القرآن بمعنى السجن المعروف أبداً ، بل استعمله في آيتين ، إحداهما في حبس الشاهدين بعد الصلاة للقسم بأداء الشهادة على الوصية : تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ . والثانية في سؤال بعضهم : وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ؟ بينما استعمل السجن بمعناه الرسمي بضع مرات في سجن يوسف عليه السلام . فالإسم الرسمي في القرآن للحبس هو السجن ، وليس الحبس ، والسبب أن الحبس أعم منه وأخف شروطاً ، قال الخليل « 3/150 » : « فالمَحْبَس يكون سجنا ًويكون فعلاً كالحبس . . واحتبست الشئ أي خصصته لنفسـي » . وقال الجوهري « 2/706 » : « الصبر : حبس النفس عن الجزع » .
وقال ابن فارس « 2/72 » : « الحصر : العي ، كأن الكلام حبس عنه » . وقال ابن منظور « 6 /46 » : « تحَبَّسَ في الكلام : توقَّفَ » .
أما السجن فيستعمل لمعناه المعروف ، وقد يستعار للأمر المعنوي ، كما يقال : الدنيا سجن المؤمنين ، وسيأتي .
وقال الخليل « 6/56 » : « السجن : المحبس ، والسجن : الحبس . والسجن : البيت الذي يحبس فيه السجين : من أسماء جهنم » .
وقال السمعاني في تفسيره « 3 /222 » : « الحصر هو الحبس ، والسجن يسمى حصيراً في اللغة » .
حَبِطَ - حَبْطٌاً - أحبط - إحباط
قال الله تعالى : حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ « المائدة : 53 » وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ « الأنعام : 88 » وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ « محمد : 32 » لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ « الزمر : 65 » وقال تعالى : فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ « الأحزاب : 19 » .
وحَبْط العمل : على أضرب ، أحدها : أن تكون الأعمال دنيوية ، فلا تغني في القيامة غَنَاء ، كما أشار إليه بقولــه : وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً « الفرقان : 23 » .
والثاني : أن تكون أعمالاً أخروية ، لكن لم يقصد بها صاحبها وجه الله تعالى ، كما روي : أنه يؤتى يوم القيامة برجل فيقال له : بمَ كان اشتغالك؟ قال : بقراءة القرآن فيقال له : قد كنت تقرأ ليقال هو قارئ ، وقد قيل ذلك . فيؤمر به إلى النار .
والثالث : أن تكون أعمالاً صالحة ، ولكن بإزائها سيئات
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 239 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
توفي عليها ، وذلك هو المشار إليه بخفة الميزان .
وأصل الحَبْط من الحَبَطِ ، وهو أن تكثر الدابة أكلاً حتى ينتفخ بطنها ، قال عليه السلام : إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً أو يُلِمُّ . وسمِّيَ الحارث الحَبَطَ لأنه أصابه ذلك ، ثم سمي أولاده حَبَطَات .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن هذه المادة في خمس عشرة آية ، بَيَّنَ فيها قانون إحباط الأعمال ، وحذر المسلمين أن يشملهم ، فإن المسلم قد يقوم بعمل يفسد أعماله الحسنة ، كما تفسد الدابة معدتها بكثرة أكلها ، أو بأكل ما يفسدها . فإحباط العمل يختلف عن إبطاله وتخريبه ، أو إضلاله عن إصابة هدفه ، لأن الإحباط نوع من تراكم الخير والشر ، لكن شره يُفْسِدُ خيره .
وقد تجتمع في عمل واحد عوامل البطلان والإضلال والإحباط ، وقد يكون الإحباط في الدنيا ، أو في الآخرة . قال الله تعالى في إحباط عمل الكافرين : وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَأنوا يَعْمَلُونَ . وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ .
2 . الحديث الذي أورده الراغب عن قارئ القرآن رياء ، ليس فيه نص على الإحباط . وقد نص القرآن على إحباط عمل أصناف :
الصنف الأول : عمل من يرتد عن الإسلام : وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ . وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَكَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ .
والصنف الثاني : عمل قتلة الآمرين بالقسط : إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حق وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَـا وَالآخِرَةِ .
والصنف الثالث : عمل المنافقين : كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَأنوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ .
والصنف الرابع : المتعاملون ببداوة مع النبي صلى الله عليه وآله وعترته : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُـوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ .
والصنف الخامس : مرضى القلوب المرتبطون بالكفار : وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . . وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ .
حَبَكَ - حُبُكٌ - محبوك
قال تعالى : وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ « الذاريات : 7 » هي ذات الطرائق ، فمن الناس من تصور منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرة ، ومنهم من اعتبر ذلك بما فيه من الطرائق المعقولة المدركة بالبصيرة ، وإلى ذلك أشار بقوله تعالى : الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ . « آل عمران : 191 » . وأصله من قولهم : بعيرٌ مَحْبُوكُ القرا ، أي محكمه . والإحتباك : شد الإزار .
ملاحظات
1 . وردت كلمة الحُبُك في هذه الآية فقط ، وقد فسـرها الراغب وغيره بالطرق . وكأنهم لم يروا قول الخليل إمام اللغويين « 3/66 » : « الحُبَاك : رباط الحضيرة بقصبات تُعرض ثم تشد ، كما تُحبك عروش الكرم بالحبال » . ويؤيد ذلك ما رواه الحسين بن خالد : « قلت لأبي الحسن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 240 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الرضا عليه السلام : أخبرني عن قول الله : وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ؟ قال : محبوكة إلى الأرض وشبَّك بين أصابعه . فقلت : كيف تكون محبوكة إلى الأرض وهو يقول : رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا؟ فقال : سبحان الله ، أليس يقول بغير عمد ترونها؟ فقلت : بلى ، فقال : فثَمَّ عَمَدٌ ولكن لا ترى . فقلت : كيف ذاك؟ فبسط كفه اليسرى ثم وضع اليمنى عليها فقال : هذه الأرض الدنيا والسماء الدنيا عليها قبة » . « تفسير العياشي : 2/203 ، وتفصيله في تفسير القمي : 2/328 » .
وروى الثقفي في الغارات « 1/178 » أن علياً عليه السلام سئل : « فما السماء ذات الحبك؟ قال : ذات الخَلْق الحسن » . فالمعنى : أقسم بالسماء ذات النسيج الحسن ، وذات الحبائك المتقنة التي تربطها بالأرض ، التي لا ترونها . إنكم في آراء متباعدة في نبوة رسولنا في حياته وبعد وفاته ، وسيؤفك الأفاكون عن اتباع الحق فيه ، ويهدي الله اليه المخلصين . والحباك والحبيكة ، جمعها الحبك والحبائك . « الصحاح : 4/1578 . وتغليق التعليق : 4/319 ، والكافي : 1/122 » .
2 . زاد الراغب في ابتعاده في تفسير الحُبُك فجعلها الطرق التي توصل الى الله تعالى ، قال : « فمن الناس من تصور منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرة ، ومنهم من اعتبر ذلك بما فيه من الطرائق المعقولة المدركة بالبصيرة » . وهذا تفسير عجيب ، فلو صح فلماذا كانت هذه الطرق في السماء ولم يقل عز وجل : والأرض ذات الحبك ! ولو سلمنا أن هذا تفسير باطن ، فلا يصح نسيان الظاهر !
حَبَلَ - حَابل - حِبَالة - حبائل
الحَبْلُ : معروف ، قال عز وجل : فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ « المسد : 5 » وشُبِّهَ به من حيث الهيئة حبل الوريد وحبل العاتق . والحبل : المستطيل من الرَّمل ، واستعير للوصل ، ولكل ما يتوصل به إلى شئ . قال عز وجل : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً « آل عمران : 103 » فحبله هو الذي معه التوصل به إليه من القرآن والعقل ، وغير ذلك مما إذا اعتصمت به أداك إلى جواره . ويقال للعهد حبل . وقوله تعالى : ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ الله وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ « آل عمران : 112 » ففيه تنبيه [على] أن الكافر يحتاج إلى عهدين : عهد من الله ، وهو أن يكون من أهل كتاب أنزله الله تعالى ، وإلا لم يقر على دينه ، ولم يجعل له ذمة . وإلى عهد من الناس يبذلونه له . والحِبَالَة : خُصَّت بحبل الصائد ، جمعها حَبَائِل . وروي : النساء حبائل الشيطان . والمُحْتَبِل والحَابِل : صاحب الحبالة ، وقيل : وقع حابلهم على نابلهم . والحُبْلَة : إسم لما يجعل في القلادة .
ملاحظات
استعمل القرآن كلمة الحَبْل ثلاث مرات ، مرةً في الحبل المعنوي : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ . وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا . إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ . ومرتين في الحبل المادي : فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ . فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى .
وفسر الراغب حبل الله بأنه : « لكل ما يتوصل به إلى شئ » . كما فسر حبل الناس في آية اليهود بعهد الذمة من المسلمين . وهذا خطأ فالحبل هنا معونة الناس لهم ، فهو الذي يمكنهم أن يعلوا في الأرض . وحبل الله لهم أعم من كتاب الله عز وجل .
حَتَمَ - حاتم
الحَتْم : القضاء المقدر ، والحاتم : الغراب الذي يحتم بالفراق ، فيما زعموا .
ملاحظات
قال الله تعالى : كَان عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا . وقال الإمام الكاظم عليه السلام : « لايكون شئ في السماوات ولا في الأرض
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 241 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إلا بسبع : بقضاء ، وقدر ، وإرادة ، ومشية ، وكتاب ، وأجل ، وإذن . فمن زعم غير هذا فقد كذب على الله ، أو رد على الله » . « الكافي : 1/149 » . وفيها بحوث مهمة خارجة عن غرض الكتاب .
حَتَّى
حَتَّى : حرفٌ يجرُّ به تارة كإلى ، لكن يدخل الحد المذكور بعده في حكم ما قبله . ويعطف به تارة ، ويستأنف به تارة ، نحو : أكلت السمكة حتى رأسِها ، ورأسَها ، ورأسُها . قال تعالى : لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ « يوسف : 35 » وحَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ « القدر : 5 » . ويدخل على الفعل المضارع فينصب ويرفع ، وفي كل واحد وجهان : فأحد وجهي النصب : إلى أن . والثاني : كي . وأحد وجهي الرفع أن يكون الفعل قبله ماضياً نحو : مشيتُ حتى أدخل البصرة ، أي مشيت فدخلت البصـرة .
والثاني : يكون ما بعده حالاً نحو : مرض حتى لا يرجونه ، وقد قرئ : حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ « البقرة : 214 » بالنصب والرفع ، وحمل في كل واحدة من القراءتين على الوجهين .
وقيل : إن ما بعد حتى يقتضي أن يكون بخلاف ما قبله نحو قوله تعالى : وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا . « النساء : 43 » . وقد يجئ ولا يكون كذلك نحو ماروي : إن الله تعالى لا يملُّ حتى تملُّوا ، لم يقصد أن يثبت ملالاً لله تعالى بعد ملالهم .
حَثَّ- حثاً - حثيثاً
الحثُّ : السرعة ، قال الله تعالى : يَطْلُبُهُ حَثِيثاً « الأعراف : 54 » .
حَجَّ - حجاً - حُجة - محجة
أصل الحَجِّ : القصد للزيارة ، قال الشاعر :
يحجُّونَ بَيْتَ الزِّبْرَقَانِ المُعَصْفَرَا
وخُص في تعارف الشرع بقصد بيت الله تعالى إقامة للنسك فقيل : الحَج والحِج ، فالحَجُّ مصدر والحِجُّ إسم .
ويوم الحج الأكبر يوم النحر ويوم عرفة . وروي : العمرة الحج الأصغر .
والحُجَّة : الدلالة المبينة للمحجة ، أي المقصد المستقيم الذي يقتضي صحة أحد النقيضين . قال تعالى : قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ « الأنعام : 149 » وقـال : لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا « البقرة : 150 » فجعـل ما يحتج بها الذين ظلموا مستثنى من الحجة وإن لم يكن حجة ، وذلك كقول الشاعر :
ولا عَيْبَ فيهم غير أنَّ سيوفَهُمْ
بهِنَّ فُلولٌ من قِراعِ الكَتَائبِ
ويجوز إنه سمى ما يحتجون به حُجَّة كقوله تعالى : وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي الله مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ « الشوري : 16 » فسمى الداحضة حُجة . وقوله تعالى : لاحُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ « الشوري : 15 » أي لا احتجاج لظهور البيان .
والمُحاجَّة : أن يطلب كل واحد أن يردَّ الآخر عن حجته ومحجته ، قال تعالى : وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ : أَتُحاجُّونِّي فِي الله « الأنعام : 80 » فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ « آل عمران : 61 » وقال تعالى : لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ « آل عمران : 65 » وقال تعالى : ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ « آل عمران : 66 » وقال تعالى : وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ « غافر : 47 » . وسُمِّيَ سَبْرُ الجراحة حَجاً ، قال الشاعر :
يَحُجُّ مَأمُومةً في قعرها لَجفُ .
حَجَبَ - حجاب - حاجب - محجوب - الحاجبان
الحَجْب والحِجَاب : المنع من الوصول ، يقال : حَجَبَه حَجْباً وحِجَاباً . وحِجَاب الجوف : ما يحجب عن الفؤاد .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 242 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقوله تعالى : وَبَيْنَهُما حِجابٌ « الأعراف : 46 » ليس يعني به ما يحجب البصر ، وإنما يعني ما يمنع من وصول لذة أهل الجنة إلى أهل النار ، وأذية أهل النار إلى أهل الجنة ، كقوله عز وجل : فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَـةُ ، وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ . « الحديد : 13 » . وقال عز وجل : وَما كانَ لِبَشَـرٍ أَنْ يُكلمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ « الشوري : 51 » أي من حيث ما لا يراه مكلمـه ومبلغه .
وقوله تعالى : حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ « صاد : 32 » يعني الشّمس إذا استترت بالمغيب .
والحَاجِبُ : المانع عن السلطان ، والحاجبان : في الرأس ، لكونهما كالحاجبين للعين في الذب عنهما . وحاجب الشمس ، سُمي لتقدمه عليها تقدم الحاجب للسلطان . وقوله عز وجل : كلا إنهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ « المطففين : 15 » إشارة إلى منع النور عنهم ، المشار إليه بقوله : فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ « الحديد : 13 » .
ملاحظات
ظاهر قوله تعالى : وَبَيْنَهُما حِجابٌ . وقوله فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ ، أنهما حجاب وسور ماديان كما فسره أهل البيت عليهم السلام وعامة المفسرين . ولا دليل على قول الراغب : « ليس يعني به ما يحجب البصر ، وإنما يعني ما يمنع من وصول لذة أهل الجنة » . فقد يكون حجاباً مادياً ويكون المانع من وصول النعيم والعذاب أمراً آخر . « راجع : تفسير القمي : 1/231 ، والطبري : 8/226 » .
حَجَرَ- حجارة - حجرته - تحجيراً - حجر - محجور
الحَجَر : الجوهر الصلب المعروف ، وجمعه أحجار وحِجَارَة . وقوله تعالى : وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ « البقرة : 24 » قيل هي حجارة الكبريت ، وقيل بل الحجارة بعينها . ونبه بذلك [على] عظم حال تلك النار ، وأنها مما توقد بالناس والحجارة ، خلاف نار الدنيا ، إذ هي لا يمكن أن توقد بالحجارة ، وإن كانت بعد الإيقاد قد تؤثر فيها .
وقيل : أراد بالحجارة الذين هم في صلابتهم عن قبول الحق كالحجارة ، كمن وصفهم بقــوله : فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَــدُّ قَسْوَةً « البقرة : 74 » .
والحَجْر والتحجير : أن يجعل حول المكان حجارة ، يقال : حَجَرْتُهُ حَجْراً ، فهو محجور ، وحَجَّرْتُهُ تحجيراً ، فهو مُحَجَّر ، وسمِّيَ ما أحيط به الحجارة حِجْراً ، وبه سمي حِجْر الكعبة وديار ثمود ، قـال تعالى : كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ « الحجر : 80 »
وتُصُوِّرَ من الحِجْر معنى المنــع لما يحصل فيه ، فقيل للعقل حِجْر ، لكون الإنسان في منع منه مما تدعو إليه نفسه ، وقال تعالى : هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ « الفجر : 5 » . قال المبرّد : يقال للأنثى من الفرس حِجْر ، لكونها مشتملة على ما في بطنها من الولد . والحِجْر : الممنوع منه بتحريمه ، قال تعالى : وَقالُوا : هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ « الأنعام : 138 » وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً « الفرقان : 22 » كان الرجل إذا لقي من يخاف يقول ذلك ، فذكر تعالى أن الكفار إذا رأوا الملائكة قالوا ذلك ظنّاً أن ذلك ينفعهم ، قال تعالى : وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً « الفرقان : 53 » أي منعاً لاسبيل إلى رفعه .
حَجَزَ - الحجاز- احتجز - حُجْزَة - محاجزة
الحَجْزُ : المنع بين الشيئين بفاصل بينهما ، يقال : حَجَزَ بينهما . قال عز وجل : وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً « النمل : 61 » . والحِجَاز : سمِّي بذلك لكونه حاجزاً بين الشام والبادية . قال تعالى : فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ « الحاقة : 47 » فقوله حاجِزِينَ صفة لأحد في موضع الجمع .
والحِجَاز : حَبْلٌ يشد من حِقو البعير إلى رسغه . وتُصُوِّرَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 243 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
منه معنى الجمع فقيل : احتجز فلان عن كذا ، واحتجز بإزاره ، ومنه : حُجْزَة السراويل . وقيل : إن أردتم المحاجزة فقبل المناجزة ، أي الممانعة قبل المحاربة . وقيل : حَجَازَيْك ، أي أحجز بينهم .
ملاحظات
قال الخليل « 3/197 » : « وكل شئ حَجَزَ بين شيئين فهو حِجاز وحِظَار » . ومادام الحجاز إسماً لكل حاجز بين شيئين ، فلا مبرر لقول الراغب إنه مأخوذ من حجزة البعير ، بل يكون إسم الحجاز وحجزة البعير مأخوذين من الحجاز اللغوي .
حَد - حدود - حدَّ السكين وأحده - حديد - محدود - حِداد - حَدَّاد
الحد : الحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر ، يقال : حَدَدْتُ كذا : جعلت له حداً يميز .
وحَدُّ الدار : ما تتميز به عن غيرها . وحَدُّ الشئ : الوصف المحيط بمعناه المميز له عن غيره .
وحَدُّ الزنا والخمر : سمِّي به لكونه مانعاً لمتعاطيه من معاودة مثله ، ومانعاً لغيره أن يسلك مسلكه ، قال الله تعالى : وَتِلْكَ حُدُودُ الله وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ الله « الطلاق : 1 » وقـال تعالى : تِلْكَ حُـدُودُ الله فَلا تَعْتَدُوهـا « البقرة : 229 » وقال : الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ « التوبة : 97 » أي أحكامه ، وقيل حقائق معانيه .
وجميع حدود الله على أربعة أوجه : إما شئ لا يجوز أن يُتَعَدَّى بالزيادة عليه ولا القصور عنه كأعداد ركعات صلاة الفرض . وإما شئ تجوز الزيادة عليه ، ولا يجوز النقصان عنه . وإما شئ يجوز النقصان عنه ، ولا تجوز الزيادة عليه . وإما شئ يجوز [فيه] كلاهما .
وقوله تعـالى : إن الَّذِينَ يُحَادُّونَ الله وَرَسُولَهُ « المجادلة : 5 » أي يمانعون ، فذلك إما اعتباراً بالممانعة ، وإما باستعمال الحديد . والحديد : معروف . قال عز وجل : وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ « الحديد : 25 » .
وحَدَّدْتُ السكين : رقَّقْتُ حدَّه . وأَحْدَدْتُهُ : جعلت له حداً . ثم يقال لكل ما دق في نفسه من حيث الخلقة أو من حيث المعنى كالبصر والبصيرة : حَدِيد ، فيقال : هو حديد النظر ، وحديد الفهم ، قال عز وجل : فَبَصَـرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ « ق : 22 » ويقال : لسان حديد ، نحو لسان صارم ، وماض ، وذلك إذا كان يؤثر تأثير الحديد ، قال تعالى : سَلَقُوكُمْ بِأَلْسنة حِدادٍ « الأحزاب : 19 » . ولتصوُّر المنع سمِّي البواب حَدَّاداً ، وقيل : رجل محدود : ممنوع الرزق والحظ .
ملاحظات
1 . وقع الجوهري في خطأ فجعل الحد أصلين : الحاجز ، ونهاية الشئ . قال « 2/462 » : « الحد : الحاجز بين الشيئين ، وحد الشئ منتهاه » . فتبعه ابن فارس فقال « 2/5 » : « أصلان : الأول المنع ، والثاني طرف الشئ . فالحد الحاجز بين الشيئين » .
ولم ينتبها الى دقة الخليل حيث قال « 3/19 » : « فَصْلُ ما بين كل شيئين حدُّ بينهما . ومنتهى كل شئ حده » . فحد في كلامه مضاف الى بينهما ، أي نهاية ذلك الشئ حده ، لا أنه حاجز أجنبي عنه !
وجاء الراغب فأعجبه الحاجز فجعله أصل المادة ، لكن لا يمكن إرجاع فروعها اليه ، فالحاجز قد يكون ثالثاً بين شيئين ، وحد الشيئ منه وليس من جنس آخر . وإذا صح قولك : حدٌّ بين شيئين فلا يكون من جنس آخر ، وإن تضمن معنى الحاجز .
وأما قوله تعالى : وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا . فهو أعم من أن يكون حاجزاً من غيرهما ، أو بمعنى انتهاء كل منهما ، وهو الحاجز .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 244 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأما تسميتهم الجدار بين أرضين ، أو العلامات بين دولتين حداً ، فلأنها علامة الحد ، أما الحد الحقيقي فهو انتهاء أرض الطرفين . ولذلك لو وقعت جريمة حسبوا الحد بانتهاء أرض كل طرف وبداية أرض الآخر . فأصل الحد انتهاء الشئ ، ويمكن إرجاع كل الفروع اليه ، حتى الحدود ، والحديد ، وحد السيف ، والنظر الحديد ، والحداد . فإن أبيت إلا تعديد أصولها فهي أربعة : بمعنى انتهاء الشيئ ، والحداد على الميت . والنظر الحديد . وحد السيف من الحديد .
قال الخليل « 3/19 » : « وحد كل شئ : طرف شباته كحد السنان والسيف ونحوه . والحد : الرجل المحدودعن الخير . والحد : بأس الرجل ونفاذه في نجدته ، قال العجاج : أم كيف حد مضر القطيم .
وأَحَدَّت المرأة على زوجها فهي مُحَد . وحَدَّت بغير الألف أيضاً ، وهو التسليب بعد موته . وحاددته : عاصيته ، ومن يحادد الله ، أي يعاصيه . وما عن هذا الأمر حدد : أي معدل ولا محتد ، مثله ، قال الكميت :
حددا أن يكون سيبك فينا
رزماً أو مجبنا ممصورا » .
فكل مفرداته يمكن إرجاعها الى منتهى الشئ ، وأول ما يتبادر منها الحد الشرعي وحدود الله تعالى ، ولايصح قول الراغب « سمِّي به لكونه مانعاً لمتعاطيه من معاودة مثله » لأن صريح قوله تعالى : وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ الله . أنه من تجاوزَ الحد ، أي نهاية المسموح به ، وهو يستحق الحد ، أي عقوبة ذلك التجاوز .
2 . قول الراغب : « وجميع حدود الله على أربعة أوجه » من استطراداته الضعيفة غير اللغوية ، ثم نراه قسمها من حيث الزيادة والنقصان ولم يبين قصده بهما ، ولم يذكر إلا مثالاً واحداً ، وبعض الحدود تقبل النقص والزيادة كالتعزيرات الموكلة الى القاضي .
3 . استعمل القرآن تعبير حدود الله في بضعة عشر مورداً ، وكلها بمعنى نهاية الحلال وأول الحرام ، بدليل النهي عن تعديها ، قال تعالى : تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . وفي بعضها : تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا . وفي بعضها : الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . أي نهايات الحلال والحرام وبداياتهما . كما ابتكر تعبير من يحاد الله تعالى ، أي يتجاوز حدود ما أمر : إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا . لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ .
كما استعمل الألسنة الحداد : فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسنة حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ . أي الجارحة كحد السيف .
واستعمل الحديد : وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ للَّنَّاسِ .
واستعمل البصر الحديد ، أي الدقيق الذي يرى نهايات وبدايات الأشياء : لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ .
4 . قال الإمام الصادق عليه السلام : « الكافي : 7/175و174 » : « ما خلق الله حلالاً ولا حراماً إلا وله حدود كحدود داري هذه ، ما كان من الطريق فهو من الطريق ، وما كان من الدار فهو من الدار ، حتى أرش الخدش فما سواه ، والجلدة ونصف الجلدة . قال النبي صلى الله عليه وآله لسعد بن عبادة : إن الله جعل لكل شئ حداً ، وجعل على كل من تعدى حداً من حدود الله عز وجل حداً ، وجعل ما دون الأربعة الشهداء مستوراً على المسلمين » .
وقال الإمام زين العابدين عليه السلام : « ولَوْ كَانُوا كَذَلِكَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 245 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لَخَرَجُوا مِنْ حُدُودِ الإِنْسَانِيَّةِ إِلَى حَدِّ الْبَهِيمِيَّةِ » . « الصحيفة السجادية/28 » .
حَدَبَ - حَدَباً - احدودب - حَدْب
يجوز أن يكون الأصل في الحَدَبِ حَدَبُ الظهر ، يقال : حَدِبَ الرجل حَدَباً ، فهو أَحْدَب واحدودب . وناقة حدباء تشبيهاً به . ثم شبه به ما ارتفع من ظهر الأرض فسمي حَدَباً . قال تعالى : وَهُمْ مِنْ كل حَدَبٍ يَنْسِلُونَ « الأنبياء : 96 » .
ملاحظات
1 . ورد الحدب في القرآن في آية واحدة هي : حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ . وقال الخليـــل « 3/186 » : « الحدب : حـــدور في صبب » . وقال « 7/257 » : « النَّسَلان : مشية الذئب إذا أعنق وأسرع ، والماشي ينسل أي يسرع نسلاناً . وقوله تعالى : إلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُون ، أي يهرولون ويسرعون » .
أقول : هذا يدل على أن يأجوج ومأجوج يأتون من أعلى ، والحدب لا يلزم أن يكون حدباً في الأرض ، بل قد يكون حدباً من الجو ونزولهم من كوكب آخر ، لأنهم ليسوا من ولد آدم ، ولا تنطبق صفاتهم على أي شعب من شعوب الأرض .
2 . لا دليل على ما فرضه الراغب من أن أصل الحدب حدب الظهر ومنه أخذ حدب الأرض ، بل يمكن فرض أن الأصل حدب الأرض أي ارتفاعها ومنه أخذ حدب الظهر ، كما فعل ابن فارس . وكلها ظنون متكافئة ! أما في الآية فالحدب ارتفاع وقد يكون الجو .
حَدَثَ - إحداث - مُحْدَث - حديث - أحدثَ - حادثَ - تحادث - أحدوثة - حادثة
الحدوث : كون الشئ بعد أن لم يكن ، عرضاً كان ذلك أو جوهراً . وإِحْدَاثه : إيجاده . وإحداث الجواهر ليس إلا لله تعالى . والمُحدَث : ما أوجد بعد أن لم يكن ، وذلك إما في ذاته أو إحداثه عند من حصل عنده نحو : أحدثت مُلكاً ، قال تعالى : مايَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ « الأنبياء : 2 » . ويقال لكل ما قرب عهده : مُحدث ، فعلاً كان أو مقالاً ، قال تعـالى : حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً « الكهف : 70 » وقال : لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً « الطلاق : 1 » .
وكل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته أو منامه يقال له : حديث ، قال عز وجل : وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً « التحريم : 3 » . وقال تعالى : هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ « الغاشية : 1 » .
وقال عز وجل : وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ « يوسف : 101 » أي ما يحدَّث به الإنسان في نومه . وسَمَّى تعالى كتابه حديثاً فقال : فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ « الطور : 34 » وقال تعالى : أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ « النجم : 59 » .
وقال : فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً « النساء : 78 » وقال تعـالى : حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ « الأنعام : 68 » فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ الله وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ « الجاثية : 6 » وقال تعالى : وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثاً « النساء : 87 » .
وقال عليه السلام : إن يكن في هذه الأمّة مُحَدَّثٌ فهو عمر . وإنما يعني من يلقى في روعه من جهة الملإ الأعلى شئ . وقوله عز وجل : فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ « سبأ : 19 » أي أخباراً يُتمثل بهم .
والحديث : الطريُّ من الثمار . ورجل حَدُثٌ : حسن الحديث . وهو حِدْثُ النساء أي محادثهن . وحادثته وحَدَّثْته وتحادثوا . وصار أُحْدُوثَة . ورجل حَدَثٌ وحديث السن : بمعنى . والحادثة : النازلة العارضة ، وجمعها حوادث .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 246 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
1 . استدل العلماء على حدوث القرآن بقوله تعالى : مايَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ . رداً على مجسمة الحنابلة الذين قالوا إن القرآن كلام الله ، وكلام الله جزءٌ من ذاته عز وجل ، فهو مثله قديم ، معاذ الله !
2 . فسر الراغب قول الله تعالى ليوسف عليه السلام : وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ . بأنه تأويل ما يحدَّث به الإنسان في نومه ، أي تفسير الأحلام ، وهذا خطأ لأن تأويل الأحاديث استعمل في تأويل الأحلام : وَمَا نَحْنُ بِتَاوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ . وفي تأويل الأحداث التي لم يستطع موسى عليه السلام أن يصبر عليها : سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا . وفي تأويل الأحداث اليومية العادية : قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِى رَبِّى . فمعنى : وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحادِيثِ : تأويل الأحلام وغيرها من أحداث لها تأويل سيقع ، فكلها تسمى أحاديث ، وهي أوسع من الأحلام .
2 . ما رووه من أن عمر تحدثه الملائكة ، وينطق على لسانه ملك تشبهٌ له بالنبي صلى الله عليه وآله الذي وصفه الله بأنه : مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . ومضاهاة لقول النبي صلى الله عليه وآله : « من ولدي أحد عشـر نقيباً ، نجباء ، مُحدثون ، مُفَهَّمُون . آخرهم القائم بالحق ، يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً » . « الكافي : 1/534 » .
حَدَقَ - حديقة - حدقة - حدَّقَ - أحدقوا
حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ « النمل : 60 » : جمع حديقة ، وهي قطعة من الأرض ذات ماء ، سميت تشبيهاً بحدقة العين في الهيئة ، وحصول الماء فيها . وجمع الحَدَقَة حِدَاق وأحداق . وحَدَّقَ تحديقاً : شدد النظر ، وحَدَقُوا به وأَحْدَقُوا : أحاطوا به ، تشبيهاً بإدارة الحدقة .
ملاحظات
ذكرالقرآن الحديقة في ثلاث آيات : حدائق ذات بهجة . حدائق وأعناباً . حدائق غلباً . قال الخليل « 3/41 » : « الحديقة من الرياض : ما أحدق بها حاجز أو أرض مرتفعة » . وقال ابن منظور « 10/39 » : « وقيل : الحَدِيقةُ حُفرة تكون في الوادي تَحْبِسُ الماء ، وكلُّ وَطِئ يَحْبس الماء في الوادي ، وإِن لم يكن الماء في بطنه فهو حديقةٌ » . وقولهما أصح من قول الراغب بأنها مأخوذة من حدقة العين التي فيها ماء !
حَذَرَ - حذراً - حاذِرٌ - حَذَارِ
الحَذَر : احتراز من مخيف ، يقال : حَذِرَ حَذَراً ، وحذرته ، قال عز وجـل : يَحْذَرُ الْآخِرَةَ « الزمر : 9 » وقرئ : وإنا لجميع حَذِرُون ، وحاذِرُونَ . وقال تعالى : وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ « آل عمران : 28 » وقال عز وجل : خُذُوا حِذْرَكُمْ « النساء : 71 » أي ما فيه الحذر من السلاح وغيره ، وقوله تعالى : هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ « المنافقون : 4 » . وقال تعالى : إن مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ « التغابن : 14 » . وحَذَارِ أي إحذر ، نحو مناعِ أي إمنع .
حَرّ - حرَّر - تحرير- حرارة - حرور - استحر - حَرَّة - حرير - حرورية
الحرارة ضد البرودة ، وذلك ضربان : حرارة عارضة في الهواء من الأجسام المحمية ، كحرارة الشمس والنار . وحرارة عارضة في البدن من الطبيعة ، كحرارة المحموم . يقال : حَرَّ يومُنا . والريح يَحِرُّ حرّاً وحرارة ، وحُرَّ يومنا ، فهو محرور . وكذا : حُرَّ الرجل . قال تعالى : لاتَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا « التوبة : 81 » .
والحَرور : الريح الحارة ، قال تعالى : وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ « فاطر : 21 » واستحرَّ القَيْظُ : اشتد حره . والحَرَر : يبس عارض في الكبد من العطش . والحَرَّة : الواحدة من الحر ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 247 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يقال : حَرَّةٌ تحت قَرَّة . والحَرَّة : أيضاً حجارة تَسْوَدُّ من حرارة تعرض فيها . وعن ذلك استعير : استحرَّ القتل : اشتدَّ .
وحَرُّ العمل : شدته . وقيل : إنما يتولى حارَّها من تولى قارَّها . والحُرُّ : خلاف العبد ، يقال : حُرٌّ بَيِّنُ الحُرُورِيَّة والحُرُورَة .
والحرية ضربان ، الأول : من لم يجر عليه حكم الشئ نحو : الْحُرُّ بِالْحُرِّ . « البقرة : 178 » والثاني : من لم تتملكه الصفات الذميمة من الحرص والشَّـرَه على المقتنيات الدنيوية . وإلى العبودية التي تضاد ذلك أشار النبي صلى الله عليه وآله بقوله : تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار . وقول الشاعر :
ورِقُّ ذوي الأطماعِ رِقٌّ مُـخَلَّدُ
وقيل : عبد الشهوة أذل من عبد الرِّق .
والتحريرُ : جعل الإنسان حراً ، فمن الأول : فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ « النساء : 92 » . ومن الثاني : نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً « آل عمران : 35 » قيل هو أنه جعل ولده بحيث لا ينتفع به الإنتفاع الدنيوي المذكور في قوله عز وجـل : بَنِينَ وَحَفَدَةً « النحل : 72 » بل جعله مخلصاً للعبادة ، ولهذا قال الشعبي : معناه مخلصاً ، وقال مجاهد : خادماً للبيعة ، وقال جعفر : معتقاً من أمر الدنيا ، وكل ذلك إشارة إلى معنى واحد .
وحَرَّرْتُ القوم : أطلقتهم وأعتقتهم عن أسر الحبس . وحُرُّ الوجه : من لم تسترقه الحاجة . وحُرُّ الدار : وسطها . وأحرار البقل معروف . وقول الشاعر :
جَادَتْ عليهِ كلُّ بِكْرٍ حُرَّةٍ
وباتت المرأة بليلة حَرَّة
كل ذلك استعارة .
والحَريرُ من الثياب : ما رقَّ ، قال الله تعالى : وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ « فاطر : 33 » .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن من هذه المادة : الحَر والحَرُور ، والحُر والتحرير والمُحرر ، والحرير . قال تعالى : وَمَا يَسْتَوِى الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ . وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ . وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ .
قال الخليل « 3/23 » : « الحرور : حر الشمس » فتكون المقابلة في الآية بين مكان فيه فيئ ، وبين حر الشمس الذي يستلزم مكاناً .
وقال الجوهري « 2/628 » : « الحرور : الريح الحارة وهي بالليل ، كالسموم بالنهار » . فتكون المقابلة بين الظل في أي وقت ومكان ، وبين الريح الحارة بالليل . وقال ابن فارس « 2/6 » : « الحرور : الريح الحارة تكون بالنهار والليل » . وأخذه منه الراغب . فتكون المقابلة في الآية بين ريح الظل التي تكون عادة باردة أو غير مؤذية ، وبين الريح الحارة .
وتفسير الخليل أصح من الباقين لدقة التقابل فيه ، ويؤيده التقابل القطعي بين الحَرّ والقَرّ » .
2 . قال الراغب « الحُرُّ : خلاف العبد ، يقال : حُرٌّ بَيِّنُ الحُرُورِيَّة والحُرُورَة » فعرَّف الحر بنقيضه ، وقد أخذ الراغب تعريفه من الخليل ، قال « 3/24 » : « الحر : نقيض العبد » . والأفضل تعريفه بأنه : من يملك نفسه ولا سلطان لأحد عليه ، إلا الله تعالى .
3 . حرية الإنسان حكمٌ رباني ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « نهج البلاغة : 3/51 » : « أكرم نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إلى الرغائب فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضاً ، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً » . فحرية الإنسان حكم شرعي لا يمكنه تغييره ، وليست حريته إضافة مكتسبة له بولادته من أمه أو غير ذلك . وفي الكافي « 6/195 » عن الإمام الصادق عليه السلام قال « كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 248 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إن الناس كلهم أحرار ، إلا من أقر على نفسه بالعبودية وهو مدرك » . أي عاقل راشد .
4 . قوله تعالى : إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ منِّي . فسره الإمام الصادق عليه السلام كما في العياشي « 1/170 » : « المحرر يكون في الكنيسة ولا يخرج منها . فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالآنْثَى . إن الأنثى تحيض فتخرج من المسجد والمحرر لا يخرج من المسجد » .
وفي تفسير القمي « 1/100 » : « فقالت : رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً للمحراب » . فالمحرر يكون محرراً لغرض ، أي محرراً من غيره ، وكأنه عبد لذلك الغرض . وقد ذكر الراغب قريباً من هذا المعنى ، فاتضح أن الحر يكون حراً نسبياً ، وعبداً نسبياً ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « الْمَسْئُولُ حُرٌّ حَتَّى يَعِدَ » « نهج البلاغة/534 » فكأنه يصير عبداً لوعده أو لمن وعده ، حتى يفي بما وعد . هذا ، وقد ذكروا للحر معانٍ أخرى ، فذكر الراغب الحر بالمعنى الأخلاقي فقال « من لم تتملكه الصفات الذميمة من الحرص والشَّـرَه على المقتنيات الدنيوية » . وذكر ابن منظور الحر بمعنى الكريم ، قال « الحُرُّ من الناس : أَخيارهم وأَفاضلهم . . . والحُرَّةُ : الكريمة من النساء » .
5 . لم يذكر الراغب أصل المادة وجذرها ، وتكلم في الحرارة وبعض فروعها ، ثم في الحرية وبعض فروعها . أما ابن فارس فقال « أصلان ، فالأول : ما خالف العبودية وبرئ من العيب والنقص . يقال هو حر بين الحرورية والحرية . والثاني : خلاف البرد ، يقال هذا يوم ذو حر ويوم حار ، والحرور الريح الحارة تكون بالنهار والليل » .
لكن أصولها أكثر من ذلك لأنه لا يمكن إرجاع الحرير من الإبريسم الى الحُر والحَر ، وكذا تحرير الكتابة .
حَرَبَ - حرِبَ - حريب - محراب - حرباء
الحَرْبُ معروف . والحَرَب : السَّلَب في الحرب ، ثم قد سميَ كل سلب حَرَباً ، قال :
والحرب فيه الحرائب . وقال : والحرب مشتقة المعنى من الحَرَب .
وقد حُرِبَ فهو حَرِيب ، أي سليب . والتحريب : إثارة الحرب ، ورجل مِحْرَب : كأنه آلة في الحرب . والحَرْبَة : آلة للحرب معروفة ، وأصله الفعلة من الحرب أو من الحراب .
ومِحرابُ المسجد : قيل سمي بذلك لأنه موضع محاربة الشيطان والهوى ، وقيل سمي بذلك لكون حق الإنسان فيه أن يكون حريباً من أشغال الدنيا ، ومن توزع الخواطر . وقيل الأصل فيه أن محراب البيت صدر المجلس ، ثم اتخذت المساجد فسمي صدره به . وقيل : بل المحراب أصله في المسجد ، وهو إسم خُصَّ به صدر المجلس فسمي صدر البيت محراباً تشبيهاً بمحراب المسجد ، وكأن هذا أصح ، قال عز وجل : يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ « سبأ : 13 » .
والحِرْبَاء : دويبة تتلقى الشمس كأنها تحاربها ، والحِرْبَاء : مسمار ، تشبيهاً بالحرباء التي هي دويبة في الهيئة كقولهم في مثلها : ضبة وكلب ، تشبيهاً بالضبِّ والكلب .
حَرَثَ - حارث - حراث - مِحْرضث
الحَرْث : إلقاء البذر في الأرض وتهيئتها للزرع « ! » ويسمى المحروث : حرثاً ، قال الله تعـالى : أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ « القلم : 22 » . وتُصُوِّرَ منه معنى العمارة التي تحصل عنه في قوله تعالى : مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ، وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ « الشوري : 20 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 249 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد ذكرت في مكارم الشريعة كون الدنيا مَحْرَثاً للناس ، وكونهم حُرَّاثاً فيها وكيفية حرثهم . وروي : أصدق الأسماء الحارث ، وذلك لتصور معنى الكسب منه ، وروي : أُحرث في دنياك لآخرتك .
وتُصًوِّرَ معنى التهيج من حرث الأرض فقيل حَرَثْت النار ، ولما تهيج به النار : محرث . ويقال : أُحْرُثِ القرآن ، أي أكثر تلاوته ، وحَرَثَ ناقته : إذا استعملها . وقال معاوية للأنصار : مافعلت نواضحكم؟قالوا : حرثناها يوم بدر .
وقال عز وجل : نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ إنى شِئْتُمْ « البقرة : 223 » وذلك على سبيل التشبيه ، فبالنساء زرع ما فيه بقاء نوع الإنسان ، كما أن بالأرض زرع ما به بقاء أشخاصهم ، وقوله عز وجل : وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ « البقرة : 205 » يتناول الحرثين .
حَرَجَ - حراج - متحرج
أصل الحَرَج والحراج : مجتمع الشيئين ، وتُصُوِّرَ منه ضيق ما بينهما فقيل للضِّيق حَرَج ، وللإثم حَرَج ، قال تعالى : ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً « النساء : 65 » وقال عز وجل : وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ « الحج : 78 » . وقد حَرِجَ صدره ، قال تعالى : يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرِجاً « الأنعام : 125 » وقرئ حَرَجاً ، أي ضيقاً بكفره ، لأن الكفر لا يكاد تسكن إليه النفس لكونه اعتقاداً عن ظن ، وقيل : ضَيِّقٌ بالإسلام كما قال تعالى : خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ « البقرة : 7 » . وقوله تعـالى : فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ « الأعراف : 2 » قيل هو نهي ، وقيل هو دعاء ، وقيل هو حكم منه نحو : أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ « الشرح : 1 » والمُتَحَرِّج والمُتَحَوِّبُ : المتجنب من الحرج والحُوب .
ملاحظات
1 . لا يصح تعريف الراغب للحَرَج بأنه مجتمع الشيئين . وقد أخذه من الخليل أو الجوهري . قال الخليل « 3/76 » : « الحَرْج : المأثم والحارج الآثم . ويقرأ : يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً وحرجاً . وقد حرج صدره : أي ضاق ولا ينشرح لخير . ورجل متحرج : كافٌّ عن الإثم » . وقال الجوهري « 1/305 » : « الحرج : الإثم ، والحرج أيضاً : الناقة الضامرة . والحرجة : مجتمع شجر . والتحريج : التضييق . وتحرج : أي تأثم . وأحرجه إليه : أي ألجأه » .
وقال ابن فارس « 2/50 » : « أصل واحد وهو معظم الباب ، وإليه مرجع فروعه ، وذلك تجمع الشئ وضيقه . ومن ذلك الحرج الإثم والحرج الضيق ، قال الله تعالى : وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرِجاً » .
والصحيح تعريف الحرج بأنه الضيق الشديد ، لما رواه في الكافي « 1/191 » في الصحيح عن الإمام الباقر عليه السلام قال « ولم يجعل الله تبارك وتعالى في الدين من حرج ، فالحرج أشد من الضيق » .
2 . استعمل القرآن الحرج في تسع آيات ، فنفى في ست منها وجود الحرج على الناس في الدين ، وفي إحداها قال للنبي صلى الله عليه وآله : كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ ، فنهاه عن الشعور بالحرج وأمره بإزالته من صدره إن وجد ، ومعناه أنه يمكن لصاحبه إزالته .
وفي إحداها أمر بإزالة الحرج من النفس ، قال تعالى : فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا . فهذا حرجٌ قد يكون حصوله غير إرادي لكن إزالته إرادية .
وفي الثالثة : وصف الصدر المنشرح الواسع ، والصدر الضيق الذي يأبى الإيمان بأنه حَرِجٌ بكسر الراء : فَمَنْ يُرِدِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 250 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للَّإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ .
3 . في آيات نفي الحرج بحوث فقهية ، وفي الكافي « 4/504 » عن الإمام الجواد عليه السلام قال « إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما كان يوم النحر أتاه طوائف من المسلمين فقالوا : يا رسول الله ذبحنا من قبل أن نرمي ، وحلقنا من قبل أن نذبح ، ولم يبق شئ ما ينبغي لهم أن يقدموه إلا أخروه ، ولا شئ مما ينبغي لهم أن يؤخروه إلا قدموه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا حَرَجَ لا حرج » . وعن عبد الأعلى مولى آل سام قال « قلت لأبي عبدالله عليه السلام : عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة ، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال : يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل : وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ، إمسح عليه ، لا تشعر بالحرج » . « الكافي : 3/33 »
4 . من القواعد المهمة في الشريعة الإسلامية : قاعدة نفي الحرج والضرر ، وقد بحث الفقهاء أدلتها وحدودها ومواردها العديدة في الشريعة ، وتطبيقات الناس لها « راجع من باب المثال : قاعدة لا ضرر ولا ضرار ، تقرير بحث المرجع آقا ضياء العراقي ، وقاعدة لاضرر لشيخ الشريعة الأصفهاني ، وقاعدة لاضرر ولا ضرار ، تقرير بحث السيد السيستاني » .
حَرد - حريد - حردان - حارد
الحَرْد : المنع من حدةٍ وغضب ، قال عز وجل : وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ « القلم : 25 » أي على امتناع من أن يتناولوه قادرين على ذلك ، ونزل فلان حريداً ، أي ممتنعاً من مخالطة القوم . وهو حريد المحل .
وحَارَدَتِ السنة : مَنَعَتْ قطرها . والناقة : منعت درَّها . وحَرِدَ : غضب ، وحَرَّدَهُ كذا . وبعير أحرد : في إحدى يديه حَرَدٌ . والحُرْدِيَّة : حظيرة من قصب .
ملاحظات
استعمل القرآن كلمة حَرْدٍ مرة واحدة في قوله تعـالى : وَغَـدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ . فَلمـا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ . أي ذهبوا لقطافها على غضب ، وهم بتصورهم قادرون على ما يريدون . فعلى حردٍ : جارٌّ ومجرور متعلق بمصدر محذوف حال أو مفعول مطلق من غدوا . وقادرين : حال منه أيضاً ، أي غَدَوْا حالة كونهم غاضبين وقادرين بتصورهم .
وقد أخطأ كثير من المفسرين فجعلوا الجار والمجرور متعلقاً بقادرين ، وتصوروا أن المعنى قادرين على حرد ، أي على منع المساكين . لكن الصحيح أنهما حالان منفصلان ، والمعنى غدوا غضاباً مقتدرين بتصورهم . ودليله أن الجار والمجرور لايتقدم في العربية على قَدِرَ إلا إذا دخلت عليها اللام ، بينما يتقدم عليه في الفارسية . فلا تقول العرب : على الشئ الفلاني يقدر ، بل تقول : يقدر على الشئ الفلاني ، ولا تقول إنه على الشئ الفلاني قادر ، بل تقول لقادر . بينما يقال ذلك في الفارسية فتأثر بذلك اللغويون وأكثرهم فرس ، فتصوروا أن المعني غدوا وهم على منعٍ قادرون ، بتأخير المتعلق وحذف معمول قادر . راجع : مجاز القرآن لابن المثنى : 2/266 ، وتفسير الطبري : 29/40 ، والعين : 3/180 ، والمقاييس : 2/51 .
حَرَسَ - حرَساً - حريسة - محروسة
قال الله تعالى : فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً « الجن : 8 » . والحَرَس والحُرَّاس : جمع حارس ، وهو حافظ المكان ، والحَرَز والحَرَس : يتقاربان معنى كتقاربهما لفظاً ، لكن الحرز يستعمل في الناض والأمتعة أكثر ، والحرس يستعمل في الأمكنة أكثر ، وقول الشاعر :
فبقيتُ حَرْساً قبل مَجْرَى دَاحِسٍ
لو كانَ للنَّفس اللَّجُوجِ خُلُودُ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 251 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قيل معناه : دهراً ، فإن كان الحرس دلالته على الدهر من هذا البيت فقط فلا يدل ، فإن هذا يحتمل أن يكون مصدراً موضوعاً موضع الحال ، أي بقيت حارساً . ويدل على معنى الدهر والمدة ، لا من لفظ الحرس ، بل من مقتضى الكلام .
وأَحْرَسَ : معناه صار ذا حرس ، كسائر هذا البناء المقتضي لهذا المعنى .
وحَرِيسَة الجبل : ما يحرس في الجبل بالليل . قال أبو عبيد : الحريسة هي المحروسة ، وقال : الحريسة المسروقة ، يقال : حَرَسَ يَحْرُسُ حَرْساً ، وقدر أن ذلك لفظ قد تُصُوِّرَ من لفظ الحريسة لأنه جاء عن العرب في معنى السرقة .
حَرَصَ - أحرص - حارصة - حريصة
الحِرْص : فرط الشَّرَه وفرط الإرادة . قال عز وجل : إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ « النحل : 37 » أي إن تفرط إرادتك في هدايتهم . وقال تعالى : وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ « البقرة : 96 » وقال تعالى : وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ « يوسف : 103 » وأصل ذلك من حَرَصَ القصَّار الثوب ، أي قشره بدقة . والحارصة : شجة تقشر الجلد ، والحارصة والحريصة : سحابة تقشر الأرض بمطرها .
ملاحظات
خلط الراغب بين الحرص المذموم والممدوح ، فالمذموم الحرص لجر نفعٍ الى نفسه بدون حق . والممدوح حرصه لنفع غيره ، ولذلك مدح الله نبيه صلى الله عليه وآله بقوله : لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ . وقال تعالى : إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ . . وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ . وقال تعالى : وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ . وكل هذا حرص ممدوح .
وقال في الحرص المذموم : وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ . وفي الكافي « 2/290 » : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من علامات الشقاء جمود العين وقسوة القلب وشدة الحرص في طلب الدنيا ، والإصرار على الذنب » .
وتعريف الراغب للحرص بأنه « فرط الشرَه وفرط الإرادة » غير دقيق ، بل هو فرط الرغبة في جر نفع أو دفع ضُر لنفسه أو لغيره . والذم والمدح لا يفهم منه بل من متعلقه . قال ابن منظور « 7/11 » : « قول العرب : حَرِيصٌ عليك ، معناه : حَرِيصٌ على نَفْعِك . قال : واللغة العالية حَرَصَ يَحْرِصُ ، وأَما حَرِصَ يَحْرَصُ فلغة رديئة » .
حَرَضَ - حرضاً
الحَرَض : ما لا يعتد به ولاخير فيه ، ولذلك يقال لما أشرف على الهلاك : حَرِضَ ، قال عز وجل : حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً « يوسف : 85 » . وقد أَحْرَضَهُ كذا ، قال الشاعر :
إني امرؤٌ نَابَنِي همٌّ فَأَحْرَضَنِي
والحُرْضَة : من لا يأكل إلا لحم الميسر لنذالته . والتحريض : الحثُّ على الشئ بكثرة التزيين وتسهيل الخطب فيه ، كأنه في الأصل إزالة الحرض ، نحو : مرَّضته وقذَّيته ، أي أزلت عنه المرض والقذى . وأَحْرَضْتُهُ : أفسدته نحوأقذيته : إذا جعلت فيه القذى .
ملاحظات
ورد الحرض في آية واحدة هي قوله تعالى : وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ . قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ . ومعناه حتى تكون كثوب غسل بالحَرَّض فَبَلِيَ ، أو تهلك , قال الخليل « 3/103 » : « الحَرَّض مثقَّل : الأشنان . والمَحْرَضَة : وعاؤه . وقوله تعالى : حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا ، أي مُحْرَضاً يذيبك الهم ، وهو المشرف حتى يكاد يهلك . وناقة حرضٌ وإبل أحراضٌ ، وهو الضاوي » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 252 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وبذلك يتضح أنه أصل واحد ، ومنه التحريض أي دفع الشخص لأن يكون مُحْرَضاً . وقد أخطأ ابن فارس فجعله أصلين ، قال « 2/41 » : « أصلان أحدهما نبت ، والآخر دليل الذهاب والتلف والهلاك والضعف ، وشبه ذلك » .
وظاهر كلام الراغب أنه وافق ابن فارس فجعل المادة أصلين : ما لايعتد به ، والحث على الشئ . وزاد فيها معنى للتحريض فقال « كأنه في الأصل إزالة الحرض نحو : مرَّضته وقذَّيته ، أي أزلت عنه المرض والقذى . وأَحْرَضْتُهُ : أفسدته نحوأقذيته : إذا جعلت فيه القذى » . ولم يأت بشاهد على كلامه ! ولا يستعمل التحريض في اللغة العربية بمعنى أزلت قذاه ، ولا بمعنى أفسدته !
حَرَفَ - تحريفاً - حِرفة - حروف - محارف
حَرْفُ الشئ : طرفه ، وجمعه أحرف وحروف ، يقال : حرف السيف ، وحرف السفينة ، وحرف الجبل .
وحروف الهجاء : أطراف الكلمة . والحروف العوامل في النحو : أطراف الكلمات الرابطة بعضها ببعض .
وناقةٌ حَرْفٌ : تشبيهاً بحرف الجبل ، أو تشبيهاً في الدقة بحرف من حروف الكلمة ، قال عز وجل : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ الله عَلى حَرْفٍ « الحج : 11 » قد فسَّر ذلك بقوله بعده : فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأن بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ « الحج : 11 » وفي معناه : مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ « النساء : 143 » . وانحرف عن كذا ، وتحرف ، واحترف .
والإحتراف : طلب حرفة للمكسب . والحرفة : حالته التي يلزمها في ذلك ، نحوالقِعدة والجِلسة .
والمُحارف : المحروم الذي خلا به الخير . وتَحريفُ الشئ : إمالته كتحريف القلم . وتحريف الكلام : أن تجعله على حرف من الإحتمال يمكن حمله على الوجهين ، قال عز وجل : يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ « النساء : 46 » ويُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ « المائدة : 41 » وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ الله ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ « البقرة : 75 » .
والحَرِف : ما فيه حرارةٌ ولَذْع ، كأنه محرَّف عن الحلاوة والحرارة . وطعام حِرِّيف .
وروي عنه صلى الله عليه وآله : نزل القرآن على سبعة أحرف ، وذلك مذكور على التحقيق في الرسالة المنبهة على فوائد القرآن .
ملاحظات
1 . في كلام الراغب في الحرف مواطن للنظر ، ولم يستوفه في القرآن مثل : التحرف للقتال ، قال تعالى : وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ . وهو الإنحراف عن مواجهة العدو كأن يستطرد له ويهرب أمامه ليكرَّ عليه . أو يميل عنه ليكون في وضع أفضل لقتاله ، أو لينضم الى إخوانه وفئته وهو غير مذموم ، بعكس الفرار الذي يعتبر كفراً .
2 . قال تعالى في تحريف اليهود للكتاب : يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ . وقال : مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وقال : لَمْ يَاتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ . فعبر بثلاث تعابير : يحرفونه أي الكتاب ، ويحرفون الكلم عن مواضعه ، ويحرفون الكلم من بعد مواضعه . وحاول المفسرون تفسير ذلك ، فعلله بعضهم بتفاوت الزمن ، أو بتفاوت الموضوع الذي حرفوه ، أو تفاوت المحرفين . ولم أجد في كلامهم وجهاً مقنعاً .
3 . أما نزول القرآن على سبعة أحرف ، فمعناه نزل على سبعة أقسام من المعاني ، وقد فسرها عمر بحروف الألفاظ وأفتى بقراءة القرآن بالمعنى ، ورفض رأيه الأئمة عليهم السلام ، قال الفضيل بن يسار في الصحيح « قلت للإمام الصادق عليه السلام : إن الناس يقولون نزل القرآن على سبعة أحرف ، فقال : كذبوا أعداء الله ، ولكنه نزل على حرف واحد من عند
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 253 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الواحد » . « راجع : تدوين القرآن للمؤلف/194 » .
4 . قال الله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ الله عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ ، روى في تفسير القمي « 2/79 » أنها نزلت في قوم جاءوا الى النبي صلى الله عليه وآله فقالوا « ننظر فإن كثرت أموالنا وعوفينا في أنفسنا وأولادنا ، علمنا أنه صادق وأنك رسول الله ، وإن كان غير ذلك نظرنا » .
والمقصود بالحرف هنا حرف الوادي ، وليس حرف أبجد ، لقوله تعالى : أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ . وقد وصف حبيب بن مظاهر نفاق الشمر يوم عاشوراء فقال له « والله إني لأراك تعبد الله على سبعين حرفاً » . « الإرشاد : 2/98 » .
5 . قال الخليل « 3/212 » : « التحريف في القرآن تغيير الكلمة عن معناها وهي قريبة الشبه ، كما كانت اليهود تغير معاني التوراة بالأشباه ، فوصفهم الله بفعلهم فقال : يُحَرِّفُونَ الكلمَ عن مواضعه » .
وقال الجوهري « 4/1242 » : « حرف كل شئ : طرفه وشفيره وحدُّه . ومنه حرف الجبل ، وهو أعلاه المحدد . وقوله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ الله عَلى حَرْفٍ قالوا : على وجه واحد ، وهو أن يعبده على السراء دون الضراء » .
وقال ابن فارس « 2/42 » : « ثلاثة أصول : حد الشئ ، والعدول ، وتقدير الشئ . فأما الحد فحرف كل شئ حده كالسيف وغيره . والأصل الثاني الإنحراف عن الشئ . . قال الله تعالى : يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ . والأصل الثالث المحراف : حديدة يقدر بها الجراحات عند العلاج » .
وقال ابن منظور « 9/43 » : « والحِرْفةُ : الصِّناعةُ . والحَرافةُ : طَعْم يُحْرِقُ اللِّسانَ والفَمَ . والحَرْشَف : فُلُوسُ السمك » .
حَرَقَ - احترق - حَرَّق - حريق - إحراق - حُراق
يقال : أَحْرَقَ كذا فاحترق . والحريق : النار . وقال تعالى : وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ « الحج : 22 » وقال تعالى : فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ « البقرة : 266 » وقالُوا : حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ « الأنبياء : 68 » لَنُحَرِّقَنَّهُ ، ولنُحْرِقَنَّه « طه : 97 » قرئا معاً . فَحَرْقُ الشئ : إيقاع حرارة في الشئ من غير لهيب ، كحرق الثوب بالدق .
وحَرَقَ الشئ : إذا برده بالمبرد ، وعنه استعير : حَرَّقَ الناب ، وقولهم : يُحَرِّقُ عليَّ الأرَّم .
وحَرَق الشعرُ : إذا انتشر . وماء حُرَاق : يحرق بملوحته . والإحراق : إيقاع نار ذات لهيب في الشئ ، ومنه استعير : أحرقني بلومه : إذا بالغ في أذيته بلوم .
ملاحظات
استعمل القرآن المادة مرتين في تحريق البابليين لإبراهيم عليه السلام ، ومرة في مَثَل الجنة التي أصابها إعصار فاحترقت ، ومرة في حرق موسى عليه السلام لعجل بني إسرائيل . واستعمل عذاب الحريق في جهنم خمس مرات ، لأنواع خاصة من المجرمين .
ولا يصح قول الراغب : إن حرق الشئ يكون بالحرارة من غير لهب ، كحرق الثوب بالدق ، لأن الحرق قد يكون بلهب .
حَرَكَ - تحرك
قال تعـالى : لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ « القيامة : 16 » الحركة : ضد السكون ، ولا تكون إلا للجسم ، وهو انتقال الجسم من مكان إلى مكان ، وربما قيل : تَحَرَّكَ كذا : إذا استحال ، وإذا زاد في أجزائه ، وإذا نقص من أجزائه .
ملاحظات
لم يفسر الراغب الآيات في سورة القيامة : لاتُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ . إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ . فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 254 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قُرْآنَهُ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ . وبمعناها في سورة طه : وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا . فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِى عِلْمًا .
وقد تحير فيها علماء السطة وتناقضت أقوالهم ، وذكر أكثرهم أن النبي صلى الله عليه وآله كان يستعجل في تلاوة القرآن قبل أن يتم جبرئيل الآية ، وهذا طعن في النبي صلى الله عليه وآله لأنه كان يصغي الى البدوي الذي يحدثه حتى يتم كلامه ، فلا يعقل ما ذكروه ! والرأي الصحيح أن تحريك اللسان في الآية والعجلة بالقرآن ، ليسا بمعنى تلاوته كما يسبق الى الذهن ، بل معناها تأويله لأناس لا يصلح تأويله لهم ، فأمره الله أن ينتظر الوحي في ذلك . قال الإمام الباقر عليه السلام « نوادر المعجزات /131 » لهشام بن عبد الملك في تفسيرها « فالذي أبداه فهو للناس كافة ، والذي لم يحرك به لسانه أمره الله تعالى أن يخصنا به من دون غيرنا . فلذلك كان يناجي أخاه علياً من دون أصحابه ، وأنزل الله تعالى بذلك قرآناً في قوله : وتعيها أذنٌ واعية » .
وقال الفتال النيسابوري في روضة الواعظين/53 « معناه : لا تعجل بقراءة القرآن عليهم حتى أنزل عليك التفسير في أوقاته ، كما أنزل إليك التلاوة » . راجع للتفصيل « رسائل الشريف المرتضى1/402 ، ودلائل الإمامة/588 ، واعتقادات الصدوق/83 ، وغيرها » .
حَرَمَ - مُحْرِم - محروم - حرام - مُحرَّم - حُرْمة - إحرام
الحرام : الممنوع منه إما بتسخير إلهي ، وإما بشري ، وإما بمنع قهري ، وإما بمنع من جهة العقل ، أو من جهة الشرع ، أو من جهة من يرتسم أمره . فقوله تعالى : وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ « القصص : 12 » فذلك تحريم بتسخير ، وقد حمل على ذلك : وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها « الأنبياء : 95 » وقوله تعالى : فَإنها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سنة « المائدة : 26 » وقيل بل كان حراماً عليهم من جهة القهر لابالتسخير الإلهي . وقوله تعالى : إنهُ مَنْ يُشْرِكْ بِالله فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ « المائدة : 72 » فهذا من جهة القهر بالمنع ، وكذلك قوله تعالى : إن الله حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ « الأعراف : 50 » .
والمُحرَّم بالشرع : كتحريم بيع الطعام بالطعام متفاضلاً . وقوله عز وجل : وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ « البقرة : 85 » فهذا كان محرماً عليهم بحكم شرعهم . ونحو قوله تعالى : قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ . . الآية « الأنعام : 145 » وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كل ذِي ظُفُرٍ « الأنعام : 146 » .
وسوط مُحَرَّم : لم يدبغ جلده ، كأنه لم يحلَّ بالدباغ الذي اقتضاه قول النبي صلى الله عليه وآله : أيّما إهاب دبغ فقد طهر . وقيل : بل المحرم الذي لم يُلَيَّن .
والحَرَمُ : سُمِّيَ بذلك لتحريم الله تعالى فيه كثيراً مما ليس بمحرم في غيره من المواضع . وكذلك الشهر الحرام . وقيل : رجل حَرَام وحلال ، ومُحِلٌّ ومُحْرِم ، قال الله تعالى : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ « التحريم : 1 » أي لمَ تحكم بتحريم ذلك .
وكل تحريم ليس من قبل الله تعالى فليس بشئ ، نحو : وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها « الأنعام : 138 » .
وقوله تعالى : بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ « الواقعة : 67 » أي ممنوعون من جهة الجد .
وقوله : لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ « الذاريات : 19 » أي الذي لم يوسَّع عليه الرزق كما وُسِّع على غيره . ومن قال أراد به الكلب فلم يَعْنِ أن ذلك إسم الكلب كما ظنه بعض من رد عليه ، وإنما ذلك منه ضرب مثال بشئ ، لأن الكلب كثيراً ما
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 255 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يحرمه الناس ، أي يمنعونه . والمَحْرَمَة والمَحْرُمَة والحُرْمَة . واستحرمت الماعز : كناية عن إرادتها الفحل .
ملاحظات
قال ابن فارس « 2/45 » : « الحاء والراء والميم أصل واحد وهو المنع والتشديد » . وعرَّفه أكثرهم بنحوه ، وذكروا مشتقات حَرُمَ ومنها : الحرمان والحارم والمحروم . والصحيح أن الحرمان من حَرَمَ بفتح الراء ، ومعناه يختلف عن التحريم ، لأن حَرَّمَ عليه الشئ : منعه من فعله أو تركه . وحرمه من الشئ : لم يعطه إياه ، فكأن ذلك منعٌ منه .
ويستعمل الحرمان لازماً بمعنى فقدانه الشئ لأي سبب ، فهو أصل مستقل غير التحريم . وقد ورد في القرآن واستعمال العرب ، قال تعالى : فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ . إِنَّا لَمُغْرَمُونَ . بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ . وَفِي أَمْوَالِهِمْ حق لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم .
وتفسير الراغب للمحروم في الآية بالكلب ، لا يصح ، وإن كان أحد مصاديقه .
كما أن تقسيماته للحرام نظريةٌ غير مستوعبة . أما روايته في أن الإهاب يطهر بالدباغ فلم يصح عندنا ، والميتة لا تطهر بذلك .
حَرَى - تحرى
حَرَى الشئ يحري : أي قصد حراه أي جانبه . وتَحَرَّاه : كذلك ، قال تعالى : فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً « الجن : 14 » وحَرَى الشئ يحري : نقص ، كأنه لزم الحرى ولم يمتد ، قال الشاعر :
والمرءُ بعدَ تمامِهِ يَحْرِي
ورماه الله بأفعى حارية .
ملاحظات
جعل الراغب تحرَّى بمعنى بحثَ وبمعنى نقص ، أصلاً واحداً . وجعله ابن فارس ثلاثة ، قال : « 2/47 » : « فالأول جنس من الحرارة ، والثاني القرب والقصد ، والثالث الرجوع . وأما القرب والقصد فقولهم : أنت حريٌّ أن تفعل كذا ، ولا يثنى على هذا اللفظ ولا يجمع . ومنه قولهم هو يتحرى الأمر ، أي يقصده . ومنه قولهم نزلتُ بحِراه وبعُراه ، أي بعقوته » .
قال أبو هلال في الفروق/118 : « التحري هو طلب مكان الشئ ، مأخوذ من الحَرَا وهو المأوى ، وقيل لمأوى الطير حَرَاها » .
فتحرَّى بمعنى بحث وفتش ، وتحرَّى بمعنى نقص ، أصلان ، أو مترادفان لفظاً .
حَزَبَ - أحزاب
الحزب : جماعة فيها غلظ ، قال عز وجل : أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً « الكهف : 12 » أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطــانِ « المجادلة : 19 » . وقوله تعالى : وَلما رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ « الأحزاب : 22 » عبارة عن المجتمعين لمحاربة النبي صلى الله عليه وآله فَإن حِزْبَ الله هُمُ الْغالِبُونَ « المائدة : 56 » يعني : أنصار الله . وقال تعالى : يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أنهُمْ بادُونَ فِي الإعرابِ « الأحزاب : 20 » وَبُعَيْدَهُ : وَلما رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ .
ملاحظات
1 . يقصد بعبارته الأخيرة أن الآية التي بعدها عن مشاهدة المؤمنين للأحزاب تدل على أنهم جماعة كبيرة . وذلك دليل على أن الحزب جماعة فيها غلظ أي كثافة وكثرة . لكن الحزب لا يشترط فيه الكثرة بل وحدة الهوى ، فقد ورد صفة لأربعة نساء فقط ، قالت عائشة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 256 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كما في صحيح البخاري « 3/132 » : « إن نساء رسول الله كنَّ حزبين ، فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة . والحزب الآخر : أم سلمة ، وسائر نساء رسول الله » .
وقال الخليل « 3/164 » : « حَزَبَ الأمرُ يحزبُ حَزْباً ، إذا نابك . وتحزَّب القوم : تجمعوا . وحَزَّبْتُ أحزاباً : جمعتهم . والِحزْبُ : أصحاب الرجل على رأيه وأمره . والمؤمنون حزب الله ، والكافرون حزب الشيطان . وكل طائفة تكون أهواؤهم واحدة فهم حزب » .
2 . استعمل الحزب في القرآن عشرين مرة :
في حزب الله تعالى : أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .
وحزب الشيطــان : أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ .
والأحزاب بعد عيسى عليه السلام : فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ . . فَتَقَطعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ .
و أحزاب اليهود والمشركين : وَلما رَءَا الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ .
والأحزاب التي واجهت الأنبياء عليهم السلام : كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ . . جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأَحْزَابِ . . وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُولَئِكَ الأَحْزَابُ . . يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ . مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ .
حَزِنَ - أحزنه - حُزْناً - حَزَناً
الحُزْن والحَزَن : خشونة في الأرض وخشونة في النفس لما يحصل فيه من الغم . ويضاده الفرح . ولاعتبار الخشونة بالغم قيل : خَشَّنْتَ بصدره إذا حزنته ، يقال : حَزِنَ يَحْزَنُ وحَزَنْتُهُ وأَحْزَنْتُهُ . قـال عـز وجـل : لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ « آل عمران : 153 » الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ « فاطر : 34 » تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً « التوبة : 92 » إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله « يوسف : 86 » . وقوله تعالى : وَلا تَحْزَنُوا « آل عمران : 139 » ولا تَحْزَنْ « الحجر : 88 » فليس ذلك بنهي عن تحصيل الحزن .
فالحُزْن ليس يحصل بالإختيار ، ولكن النهي في الحقيقة إنما هو عن تعاطي ما يورث الحزن واكتسابه ، وإلى معنى ذلك أشار الشاعر بقوله :
من سرَّهُ أن لا يَرى ما يسوؤهُ
فلا يتخذْ شيئاً يبالي له فَقْدَا
وأيضاً فحثٌّ للإنسان أن يتصور ما عليه جبلت الدنيا ، حتى إذا ما بغتته نائبة لم يكترث بها لمعرفته إياها ، ويجب عليه أن يروض نفسه على تحمل صغار النُّوبَ حتى يتوصل بها إلى تحمل كبارها .
ملاحظات
1 . قال الخليل « 3/160 » : « الحَزَن والحُزْن : لغتان يقال : حزنني الأمر يحزنني فأنا محزون ، وأحزنني فأنا مُحَزَن . قال الله عز وجل : وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ . وقال عز اسمه : وأّعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا . وقوله عز وجل : إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّـهِ . والحَزَن من الأرض والدواب : ما فيه خشونة . وحُزَانَةُ الرجل : من يتحزن بأمره » .
فقد خص الحزونة أو الخشونة بالأرض والدواب ، بينما قال الراغب : « خشونة في النفس لما يحصل فيه من الغم ، ويضاده الفرح . ولاعتبار الخشونة بالغم قيل : خشنت بصدره إذا حزنته » . فعممه الى ما يحصل للنفس من غم وحُزْن . لكن هذا لا يصح لأن الخشونة في النفس أو الصدر هي الغضب أو البغض . قال الجوهري « 5/2108 »
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 257 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وابن منظور : « 13/141 » : « خَشَّنْتَ صدره تخشيناَ : أو غرته . وقال عنترة : وخَشَّنْتَ صَدْراً جَيْبُهُ لكَ نَاصحُ » . وما نسبه الراغب الى العرب من قولهم : خَشَّنْتَ صدره ، بمعنى أحزنته لم أجده في العربية ، ولعله اختراعه !
2 . قوله : « فالحُزن ليس يحصل بالإختيار ، ولكن النهي في الحقيقة إنما هو عن تعاطي ما يورث الحزن واكتسابه » . يقصد أن نهي النبي صلى الله عليه وآله صاحبه عن الحزن بقوله : لاتَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا ، ليس نهياً عن حزنه يوم الغار لأن الحزن غير اختياري .
والصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله لا ينهى عن أمر غير اختياري ، بل نهاه عن الهلع الذي يسبب الحزن ، لأنه يمكنه تغييره .
حَسَّ - حسست - أحس- حاسة - حس - حسيس
الحاسَّة : القوة التي بها تدرك الأعراض الحسية . والحواس : المشاعر الخمس ، يقال : حَسَسْتُ وحَسَّيْتُ وأَحْسَسْتُ . فَحَسَسْتُ يقال على وجهين ، أحدهما : يقال أصبته بحسي نحو عنته ورعته . والثاني : أصبت حاسته نحو كَبَدْتُهُ وَفَأَدْتُهُ . ولما كان ذلك قد يتولد منه القتل عُبِّرَ به عن القتل فقيل : حَسَسْتُه ، أي قتلته . قال تعالى : إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ « آل عمران : 152 »
والحَسِيس : القتيل ، ومنه : جراد مَحْسُوس : إذا طبخ . وقولهم : البرد محسَّة للنبت ، وانحسَّت أسنانه : انفعال منه . فأما حَسِسْتُ فنحو علمت وفهمت ، لكن لا يقال ذلك إلا فيما كان من جهة الحاسة . فأما حَسَّيْتُ فبقلب إحدى السينين ياء . وأما أَحْسَسْتُهُ فحقيقته : أدركته بحاستي ، وأحَسْتُ مثله ، لكن حذفت إحدى السينين تخفيفاً نحو : ظلت .
وقوله تعالى : فَلما أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ « آل عمران : 52 » فتنبيهٌ [على] أنه قد ظهر منهم الكفر ظهوراً بانَ للحس فضلاَ عن الفهم . وكذا قوله تعالى : فَلما أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ « الأنبياء : 12 » وقوله تعالى : هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ « مريم : 98 » أي هل تجد بحاستك أحداً منهم . وعبَّر عن الحركة بالحسيس والحس ، قال تعـالى : لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها « الأنبياء : 102 » . والحُسَاس : عبارة عن سوء الخلق . وجُعل على بناء زُكام وسُعال .
ملاحظات
1 . جعل الراغب الحاسة أصل المادة ، وحاول أن يُرجع اليها فروع الباب فبَسَّط مركباً بدون حجة ، ثم رسم اشتقاق الألفاظ من الحاسة ، وكأن الإشتقاق عملية تمت في زمن واحد من شخص واحد !
أما ابن فارس فجعلها أصلين قال « 2/9 » : « فالأول : غلبة الشئ بقتل أو غيره . والثاني : حكاية صوت عند توجع وشبهه . فالأول الحَسّ : القتل ، قال الله تعالى : إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ . ومن ذلك الحديث حُسُّوهم بالسيف حَسّاً . والأصل الثاني قولهم : حَسْ ، وهي كلمة تقال عند التوجع . ويقال : حَسَسْتُ له فأنا أَحُس ، إذا رققت له كأن قلبك تألم شفقةً عليه » .
وأما الخليل فجعل أصولها أكثر ، قال « 3/15 » : « الحَسُّ : القتل الذريع . والحَسُّ : إضرار البرد الأشياء ، تقول : أصابتهم حاسةٌ من البرد . والحَسُّ : نفضك التراب عن الدابة بالمحسة وهي الفرجون . ويقال : ما سمعت له حِساً ولا جَرْساً ، فالحس من الحركة ، والجَرْس من الصوت . والحَس : داء يأخذ النفساء في رحمها . وأحسست من فلان أمراً : أي رأيت . وعلى الرؤية يفسر قوله عز وجل : فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ، أي رأى . ويقال ضرب فلان فما قال حَسٌّ ولا بَسٌّ . وتحسَّسْتُ خبراً : أي سألت وطلبت » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 258 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وشبيه بهذا كلمات اللغويين خاصة ابن منظور ، وأول ما ذكروه من معاني الحس : القتل . فكان الأولى بالراغب أن يجعله أصلاً ، ويجعل أحسست به مأخوذاً من قتلته أي قتلت خبرهُ ، فهو أولى من جعل قتل مأخوذاً من الحاسة لأنه قتل حاسته ! فكلامه ضعيف ، والإشتقاق في اللغات أوسع من هذه التبسيطات الضعيفة .
2 . استعمل القرآن المادة بمعنى القتل : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ . وبمعنى شَعَر به : فَلما أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِى إِلَى اللهِ . فَلما أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ . وبمعنى البحث سراً : يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ . وبمعنى الصوت : أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ . لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا . وفي الكافي « 1/81 » : « قال هشام : فكان من سؤال الزنديق أن قال : فما الدليل عليه؟ فقال أبو عبد الله الصادق » : « وجود الأفاعيل دلت على أن صانعاً صنعها ، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني ، علمت أن له بانياً ، وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده . قال : فما هو؟ قال : شئ بخلاف الأشياء ، أرجع بقولي إلى إثبات معنى وأنه شئ بحقيقة الشيئية ، غير أنه لا جسم ولا صورة ، ولا يُحس ولا يُجس ، ولا يدرك بالحواس الخمس ، لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور ، ولا تغيره الأزمان » .
حَسَبَ - حساباً - حسباناً - أَحَسِبَ - يحسب - حسيب - محاسب
الحساب : استعمال العدد ، يقال : حَسَبْتُ أَحْسُبُ حِسَاباً وحُسْبَاناً ، قـال تعالى : لِتَعْلَمُـوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ « يونس : 5 » . وقال تعالى : وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً « الأنعام : 96 » . وقيل : لايعلم حسبانه إلا الله .
وقال عز وجل : وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ « الكهف : 40 » قيل معناه ناراً وعذاباً ، وإنما هو في الحقيقة ما يحاسب عليه فيجازى بحسبه ، وفي الحديث أنه قال صلى الله عليه وآله في الريح : اللهم لا تجعلها عذاباً ولا حُسْبَاناً ، قال تعالى : فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً « الطلاق : 8 » إشارة إلى نحو ما روي : من نوقش [في] الحساب عُذِّب .
وقال تعالى : اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ « الأنبياء : 1 » نحـو : اقْتَرَبَتِ السَّـاعَةُ « القمــر : 1 » وَكَفى بِنا حاسِبِينَ « الأنبيـاء : 47 » . وقوله عز وجل : وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ « الحاقة : 26 » إني ظَنَنْتُ إني مُلاقٍ حِسـابِيَهْ « الحاقة : 20 » فالهاء فيها للوقف ، نحو : مالِيَهْ وسُلْطانِيَهْ . وقال تعالى : إن الله سَرِيعُ الْحِسابِ « آل عمران : 199 » وقوله عز وجل : جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً « عم : 36 » فقد قيل كافياً ، وقيل ذلك إشارة إلى ما قال : وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى « النجم : 39 » .
وقوله : يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ « البقرة : 212 » ففيه أوجه ، الأول : يعطيه أكثر مما يستحقه . والثاني : يعطيه ولا يأخذه منه . والثالث : يعطيه عطاء لايمكن للبشر إحصاؤه ، كقول الشاعر :
عطاياهُ يُحْصَى قبل إحصائها القطرُ
والرابع : يعطيه بلا مضايقة من قولهم : حاسبته : إذا ضايقته . والخامس : يعطيه أكثر مما يحسبه . والسادس : أن يعطيه بحسب ما يعرفه من مصلحته لا على حسب حسابهم ، وذلك نحو ما نبه عليه بقوله تعالى : وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ . الآية . « الزخرف : 33 » . والسابع : يعطي المؤمن ولا يحاسبه عليه ، ووجه ذلك أن المؤمن لا يأخذ من الدنيا إلا قدر ما يجب ، وكما يجب ، وفي وقت ما يجب ، ولا ينفق إلا كذلك ، ويحاسب نفسه فلا يحاسبه الله حساباً يضر . كما روي : من حاسب نفسه في الدنيا لم يحاسبه الله يوم القيامة . والثامن :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 259 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يقابل الله المؤمنين في القيامة لا بقدر استحقاقهم ، بل بأكثر منه ، كما قال عز وجل : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً « البقرة : 245 » . وعلى هذه الأوجه قوله تعالى : فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ « غافر : 40 » .
وقوله تعالى : هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ « صاد : 39 » وقد قيل : تصرَّف فيه تصرُّف من لا يحاسب ، أي تناول كما يجب وفي وقت ما يجب وعلى ما يجب ، وأنفقه كذلك .
والحسيب والمحاسب : من يحاسبك . ثم يعبر به عن المكافئ بالحساب . وحَسْبُ : يستعمل في معنى الكفاية ، حَسْبُنَـا اللهُ « آل عمران : 173 » أي كافينا هو ، وحَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ « المجادلة : 8 » وَكَفى بِالله حَسِيباً « النساء : 6 » أي رقيباً يحاسبهم عليه .
وقوله : ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَئ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَئ « الأنعام : 52 » فنحو قوله : عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ « المائدة : 105 » ونحوه : وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ إِنْ حِسـابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبي « الشعراء : 112 » . وقيل معناه : ما من كفايتهم عليك ، بل الله يكفيهم وإياك ، من قوله : عَطاءً حِساباً « النبأ : 36 » أي كافياً ، من قولهم حسبي كذا . وقيل : أراد منه عملهم ، فسماه بالحساب الذي هو منتهى الأعمال . وقيل : احتسب ابْناً له ، أي اعتدَّ به عند الله . والحِسبةُ : فعل ما يحتسب به عند الله تعالى .
الم أَحَسِبَ النَّاسُ « العنكبوت : 1 » أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئــاتِ « العنكبوت : 4 » وَلا تَحْسَبَنَّ الله غافِلًا عما يَعْمَـلُ الظَّالِمُـونَ « إبراهيم : 42 » فَلا تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ « إبراهيم : 47 » أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ « البقرة : 214 » فكل ذلك مصدره الحُسبان .
والحِسْبَان : أن يحكم لأحد النقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله ، فيحسبه ويعقد عليه الإصبع ، ويكون بعرض أن يعتريه فيه شك ، ويقارب ذلك الظن ، لكن الظن أن يخطر النقيضين بباله فيُغَلِّب أحدهما على الآخر .
ملاحظات
1 . لم يحسن الراغب تدوين هذه المادة ، فلم يستوف استعمالها في القرآن ، ولا أصولها ، وكأنه جعلها أصلاً واحداً هو العَدُّ ولا يصح ذلك . وجعلها ابن فارس « 2/59 » أربعة أصول : العدُّ ، والكفاية ، والحِسْبان ، والأحسب ، أي الأبرص . وهي أكثر من أربعة .
وقد أجاد الخليل تدوينها فقال ملخصاً : « 3/148 » : « الحسب : الشرف الثابت في الآباء . رجل كريم الحسب حسيب . وتقول : الأجر على حسب ذلك أي على قدره . وأما حَسْبُ مجزوماً فمعناه كما تقول حسبك هذا ، أي كفاك ، وأحسبني ما أعطاني أي كفاني .
والحساب : عدك الأشياء . والحسابة مصدر قولك : حسبت حسابة ، وحساباً وحسبة .
واحتسبتُ أيضاً من الحساب . والحُسبة مصدر احتسابك الأجر عند الله . والحُسبان من الظن . وقوله عز وجل : الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ، أي قدر لهما حساب معلوم في مواقيتهما لا يعدوانه ولا يجاوزانه . وقوله تعالى : وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ ، أي ناراً تحرقها . والأحسب : الأبرص . والحسب والتحسيب : دفن الميت في الحجارة غير مكفن » .
وأجاد كذلك ابن منظور « 1/310 » ومما قاله « في أَسماءِ اللَّه تعالى الحَسِيبُ : هو الكافي . والحَسَبُ : ما يَعُدُّه الإِنسانُ مِن مَفاخِرِ آبائه . وما لَه حَسَبٌ ولا نَسَبٌ : الحَسَبُ الفَعالُ الصَّالِحُ والنَّسَبُ الأَصْلُ . وفي الحديث : حَسَبُ الرَّجل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 260 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خُلُقُه ، وكَرَمُه دِينُه . تُنْكَحُ المَرأَة لمالِها وحَسَبِها ومِيسَمِها ودِينِها ، فعَليكَ بذاتِ الدِّين تَرِبَتْ يَداكَ . وحَسْبُ مجزوم : بمعنى كَفَى . وتقول : هذا رَجُل حَسْبُكَ من رَجُل . وقال الفرَّاءُ في قوله تعالى : يا أَيها النَّبيُّ حَسْبُكَ اللَّه ومَنِ اتَّبَعَكَ من المؤْمنين ؛ جاءَ التفسير يَكْفِيكَ اللَّه ويَكْفِي مَن اتَّبَعَكَ .
وقال أَبو إِسحق في قوله عز وجل : وكَفَى باللَّه حَسِيباً : مُحاسِباً ، وقال في قوله تعالى : إن اللَّه كان على كل شئٍ حَسِيباً ؛ أَي يُعْطِي كلَّ شيءٍ من العِلم والحِفْظ والجَزاءِ مِقْدارَ ما يُحْسِبُه أَي يَكْفِيه .
والحِسابُ : الكثير . وفي التنزيل : عطاءً حِساباً ، أَي كَثِيراً كافِياً . وقوله جل وعز : كَفَى بِنَفْسِك اليومَ عليك حَسِيباً ؛ أَي كفَى بِك لنَفْسِكَ مُحاسباً . الحُسْبانُ بالضم : الحِسابُ . وفي التنزيل : الشمسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ ، معناه بِحِسابٍ ومَنازِلَ لا يَعْدُوانِها .
وقال الأَخفش في قوله تعالى : والشمسَ والقَمَر حُسْباناً : معناه بِحِسابٍ ، فحذَف الباءَ .
وقوله تعالى : يَرْزُقُ من يشاءُ بغير حساب ؛ أَي بغير تَقْتِير وتَضْيِيقٍ .
وحَسِبَ الشئَ كائِناً يَحْسِبُه ويَحْسَبُه : والكَسر أَجْودُ اللغتَين ، حِسْباناً ومَحْسَبَةً ومَحْسِبةً : ظَنَّه .
وقُرِئَ قوله تعالى : لا تَحْسَبَنَّ ولا تحْسِبَنَّ؛ وقوله : أَم حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الكَهْفِ ؛ الخطابُ للنبي والمراد الأُمة .
والحُسْبانُ بالضم : العَذاب والبَلاءُ . وقوله تعالى : أَو يُرْسِلَ عليها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ ؛ يعني ناراً » .
2 . استعمل القرآن من هذه المادة خمسة أصول : حسب بمعنى ظن ، واحتسب بمعنى ظن أيضاً ، قال تعالى : أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ . فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ .
وحاسب حسابأً بمعنى عدَّ ، قال تعالى : فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا .
وحَسْبُ بمعنى كفى ، قال تعالى : وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ .
وحُسباناً بمعنى محسوب ، وحسباناً بمعنى إعصار ، قال تعالى : الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ . وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا .
وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا .
3 . اتضح بذلك خطأ الراغب في تفسيره الحُسبان في قوله تعالى : وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ بالحساب ، والصحيح أنه بمعنى الإعصار أو النار . وتفسيره قوله تعالى : جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً ، بقوله : قيل كافياً ، والصحيح أنه العطاء الكثير .
وقوله : والحِسْبَان : أن يحكم لأحد النقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله ، فيحسبه ويعقد عليه الإصبع الخ . . والصحيح أنه الظن بدون فرق .
وقد أطال في تفسير قوله تعالى : يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ، لأن اللغويون أطالوا فيها بلا موجب ، ومعناها واضحٌ عندعامة الناس وهو العطاء الكثير بدون عدد . وذكر الراغب فيها وجوهاً استحسانية أكثرها يُقيد إطلاق الآية . وقد بينت الآيات والأحاديث أنواعاً كثيرة من الرزق الدنيوي والأخروي بغير حساب ، لكن الذين يدخلون الجنة بغير حساب قلة ، أبرزهم الصابرون : إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ .
حَسَدَ - حسداً - حاسد
الحسد : تمنِّي زوال نعمة من مستحق لها ، وربما كان مع ذلك سعيٌ في إزالتها ، ورويَ : المؤمن يغبط والمنافق يحسد . وقال تعالى : حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ « البقرة : 109 » وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ « الفلق : 5 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 261 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات .
الحسد : تمني زوال النعمة عن صاحبها مطلقاً ، سواء كانت باستحقاق أم لا ، وقد استعمله القرآن في أربع آيات : في حسد أهل الكتاب للمسلمين على النبوة : وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ . وفي حسد قريش للنبي وآله صلى الله عليه وآله : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا . واتهام المخلفين للمؤمنين بأنهم يحسدونهم : فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلا قَلِيلاً .
وقال تعالى في الإستعاذة من أنواع الحسد : وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ .
حَسَرَ -حسرة - انحسر - مِحْسَرَة - حاسر - استحسر
الحَسْرُ : كشف المَلْبَس عما عليه ، يقال : حسرت عن الذراع . والحاسر : من لا درع عليه ولا مغفر . والمِحْسَرَة : المكنسة . وفلان كريم المَحْسَر ، كناية عن المختبر . وناقة حَسِير : انحسر عنها اللحم والقوة ، ونوقٌ حَسْرَى .
والحاسر : المُعْيَا لانكشاف قواه ، ويقال للمعيا : حاسر ومحسور ، أما الحاسر فتصوُّراً « لـ » أنـه قد حسر بنفسه قواه ، وأما المحسور فتصوراً « لـ » أن التعب قد حسره . وقوله عز وجل : يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ « الملك : 4 » يصح أن يكون بمعنى حاسر ، وأن يكون بمعنى محسور ، قال تعالى : فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً « الإسراء : 29 » .
والحَسْرةُ : الغم على ما فاته والندم عليه ، كأنه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه ، أو انحسر قواه من فرط غم ، أو أدركه إعياء من تدارك ما فرط منه ، قال تعـالى : لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ « آل عمــران : 156 » وَإنهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ « الحاقة : 50 » وقال تعالى : يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ الله « الزمر : 56 » وقال تعالى : كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ « البقرة : 167 » وقوله تعالى : يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ « يس : 30 » وقوله تعالى : في وصف الملائكة : لايَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلايَسْتَحْسِرُونَ « الأنبياء : 9 » وذلك أبلغ من قولك : لا يحسرون .
ملاحظات
تهافت الراغب فجعل الحَسْـر كشف الملبوس ، ثم ذكر الناقة الحسير ، وحسـر البصـر ، والغم ، وليس فيها ملبوس .
قال الخليل « 3/133 » : « الحسر : كشطك الشئ عن الشئ . يقال : حسر عن ذراعيه ، وحسر البيضة عن رأسه ، وحسـرت الريح السحاب حسراً . والحسر والحسور : الإعياء . وحسرت العين : أي كلت . وحسر حسرة وحسراً : أي ندم على أمر فاته . ورجل حاسر : خلاف الدارع . وامرأة حاسر : حسرت عنها درعها » .
كما تهافت ابن فارس فقال « 2/61 » : « أصل واحد وهو من كشف الشئ . ومن الباب الحسرة التلهف على الشئ الفائت . وحسـر البصر إذا كَلَّ » . ولا كشف في التلهف والكلال مع أنهما من الباب .
حَسَمَ - حسماً - حسوماً - حاسماً
الحَسْم : إزالة أثر الشئ ، يقال : قطعه فَحَسَمَهُ ، أي أزال مادته ، وبه سُمي السيف حُسَاماً . وحَسْمُ الداء : إزالة أثره بالكي . وقيل للشؤم المزيل لأثر من ناله : حُسُوم ، قال تعالى : ثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً « الحاقة : 7 » . قيل حاسماً أثرهم ، وقيل حاسماً خبرهم ، وقيل قاطعاً لعمرهم . وكل ذلك داخل في عمومه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 262 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حَسَن - أحسن - مستحسن - حسنة - حسنى - حسن -حسناء - أحسن - إحسان - محسن
الحُسْنُ : عبارة عن كل مبهج مرغوب فيه ، وذلك ثلاثة أضرب : مستحسن من جهة العقل . ومستحسن من جهة الهوى . ومستحسن من جهة الحس .
والحسنة : يعبَّر بها عن كل ما يسرُّ من نعمة تنال الإنسان في نفسه وبدنه وأحواله ، والسيئة : تضادها . وهما من الألفاظ المشتركة ، كالحيوان الواقع على أنواع مختلفة كالفرس والإنسان وغيرهما ، فقوله تعالى : وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسنة يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ الله « النساء : 78 » أي خصب وسعــة وظفر . وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ : أي جـدب وضيق وخيبة . يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كل مِنْ عِنْدِ الله « النساء : 78 » وقال تعالى : فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسنة قالُوا لَنا هذِهِ « الأعراف : 131 » وقوله تعالى : ما أَصابَكَ مِنْ حَسنة فَمِنَ الله « النساء : 79 » أي من ثواب . وَماأَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ « النساء : 79 » أي من عقاب .
والفرق بين الحسن والحسنة والحُسْنَى : أن الحَسَنَ يقال في الأعيان والأحداث ، وكذلك الحَسنة إذا كانت وصفاً ، وإذا كانت إسماً فمتعارف في الأحداث . والحُسْنَى لا يقال إلا في الأحداث دون الأعيان . والحَسَن : أكثر ما يقال في تعارف العامة في المستحسن بالبصر ، يقال : رجل حَسَنٌ وحُسَّان وامرأة حَسْنَاء وحُسَّانَة .
وأكثر ما جاء في القرآن من الحسن فللمستحسن من جهة البصيرة ، وقوله تعالى : الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ « الزمر : 18 » أي الأبعد عن الشبهة كما قال عليه السلام : إذا شككت في شئ فدع . وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً « البقرة : 83 » أي كلمة حسنة . وقال تعالى : وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً « العنكبوت : 8 » وقوله عز وجل : هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ « التوبة : 52 » . وقوله تعالى : وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ « المائدة : 50 » إن قيل : حكمه حسن لمن يوقن ولمن لايوقن فلم خص؟ قيل : القصد إلى ظهور حسنه والإطلاع عليه ، وذلك يظهر لمن تزكى واطلع على حكمة الله تعالى دون الجهلة .
والإحسان : يقال على وجهين ، أحدهما : الإنعام على الغير ، يقال : أحسنَ إلى فلان . والثاني : إحسان في فعله ، وذلك إذا علم علماً حسناً ، أو عمل عملاً حسناً ، وعلى هذا قول أمير المؤمنين : الناس أبناء ما يحسنون ، أي منسوبون إلى ما يعلمون وما يعملونه من الأفعال الحسنة . وقال تعالى : الَّذِي أَحْسَنَ كل شَئ خَلَقَهُ « السجدة : 7 » .
والإحسان : أعمُّ من الإنعام . قال تعالى : إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ « الإسراء : 7 » وقوله تعالى : إن الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ « النحل : 90 » فالإحسان : فوق العدل ، وذاك أن العدل هو أن يعطي ما عليه ، ويأخذ ما له ، والإحسان أن يعطي أكثر مما عليه ، ويأخذ أقل مما له . فالإحسان : زائد على العدل ، فتحرِّي العدل واجب ، وتحرِّي الإحسان ندب وتطوع ، وعلى هذا قوله تعالى : وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ « النساء : 125 » . وقوله عز وجل : وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ « البقرة : 178 » . ولذلك عظم الله تعالى ثواب المحسنين فقال تعالى : وَإن الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ « العنكبوت : 69 » وقـال تعالى : إن الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ « البقرة : 195 » وقال تعالى : ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ « التوبة : 91 » لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسنة . « النحل : 30 » .
ملاحظات
1 . الحسنة والسيئة : مصطلح إسلامي للعمل الصالح والطالح ، وهو ابتكار رباني لم يكن موجوداً قبل الإسلام . والحسنة في الإسلام بمعنى الفِعْلَة الجميلة ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 263 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وجمعها حسنات ، وتقابلها السيئة بمعنى الفِعْلة القبيحة ، وجمعها سيئات .
وقد اعتمدهما الإسلام كوِحْدة للأعمال ، شبيهاً بدرجات الإمتحان للنجاح والرسوب ، فمن غلبت حسناته على سيئاته يوم القيامة فهو من أهل الجنة . كما استعمل القرآن الحسنة والسيئة بشكل واسع فوردت الحسنة نحو ثلاثين مرة والسيئة أكثر . وقد توسع القرآن في معناهما ، فالحسنة يفعلها الإنسان ويكسبها ويقترفها ، وتصيبه ، وتمسه ، ويبتلى بها . وتكون حالة في المجتمع حيث يبدل الله السيئة بالحسنة ، وتكون صفة لجزاء الذين أحسنوا . وكذلك السيئة تقريباً .
وتدل الرواية التالية عن الإمام الباقر عليه السلام أن نظام الحسنات والسيئات قد اعتمده الله تعالى منذ خلق أبانا آدم عليه السلام قال « الكافي : 2/440 » : « إن آدم عليه السلام قال : يارب سلطت عليَّ الشيطان وأجريته مني مجرى الدم ، فاجعل لي شيئاً . فقال : يا آدم جعلت لك أن من هم من ذريتك بسيئة لم تكتب عليه ، فإن عملها كتبت عليه سيئة . ومن هم منهم بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة ، فإن هو عملها كتبت له عشراً . قال : يا رب زدني ، قال : جعلت لك أن من عمل منهم سيئة ثم استغفر له غفرت له . قال : يا رب زدني ، قال : بسطت لهم التوبة حتى تبلغ النفس هذه . قال : يا رب حسبي » .
2 . تفريق الراغب بين الحسن والحسنة والحُسْنَى ، ضعيف . فالحسنى مؤنث الأحسن بمعنى الفضلى ، وهي ابتكار قرآني ، وصف بها أسماء الله الحسنى ، ووصف بها كلمة الله ، ووعد بها خاصة المؤمنين ، ووصف بها الآخرة ، ومدح من صدق بها .
وقال الراغب إن الحُسْنَى لا تقال إلا في الأحداث دون الأعيان ، ويرده أن العرب يسمون بها المرأة .
كما ابتكر القرآن تعبير إحدى الحسنيين : النصر أو الشهادة ، فقال تعالى : قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا .
3 . قال الراغب في الإحسان ، « إنه فوق العدل ، وذاك أن العدل هو أن يعطي ما عليه ويأخذ ما له ، والإحسان أن يعطي أكثر مما عليه ، ويأخذ أقل مما له » . لكن لا يشترط ليكون محسناً أن يأخذ أقل مما له ، كما أن الإحسان قد يكون للنفس كما يكون للغير . وأفضل تعريف له قول أمير المؤمنين « نهج البلاغة : 4/51 » في تفسير قوله تعالى : إن الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ، قال « العدل الإنصاف ، والإحسان التفضل » فالتفضل غير الواجب على الغير أو على النفس إحسان ، وإتقان العمل الواجب إحسان .
قال أبو هلال في الفروق اللغوية/81 « الفرق بين الإنعام والإحسان : أن الإنعام لا يكون إلا من المنعم على غيره ، لأنه متضمن بالشكر الذي يجب وجوب الدين ، ويجوز إحسان الإنسان إلى نفسه ، تقول لمن يتعلم العلم إنه يحسن إلى نفسه ولا تقول منعم على نفسه . وكل من جاء بفعل حسن فقد أحسن . فلو كان معنى الاحسان هو النفع على الحقيقة لكان معنى الإساءة الضرر على الحقيقة لأنه ضده ، والأب يحسن إلى ولده بسقيه الدواء المر » .
4 . أخطأ الراغب في تفسير قول أمير المؤمنين عليه السلام : الناس أبناء ما يحسنون ، وفي تعبير آخر : قيمة كل امرئ ما يحسنه . والإحسان هنا الإجادة ومعناه : درجة كل إنسان بقدر ما يجيده من علم وعمل . ويستعمل أهل الشام الإحسان بهذا المعنى فيقولون فلان يحسن كذا ، ولا يحسن كذا . وهو تعبير فصيح .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 264 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حَشَرَ - حشرهم - حشراً - المحشر
الحَشْرُ : إخراج الجماعة عن مقرهم وإزعاجهم عنه إلى الحرب ونحوها ، وروي : النساء لا يُحْشَرن ، أي لا يخرجن إلى الغزو ، ويقال ذلك في الإنسان وفي غيره ، يقال : حَشَرَتِ السنة مال بني فلان ، أي أزالته عنهم .
ولا يقال الحشر إلا في الجماعة ، قال الله تعالى : وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ « الشعراء : 36 » وقـال تعالى : وَالطيْرَ مَحْشُورَةً « صاد : 19 » وقال عز وجل : وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ « التكوير : 5 » وقال : لأول الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا « الحشر : 2 » وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ « النمل : 17 » .
وقال في صفة القيامة : وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً « الأحقاف : 6 » سَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً « النساء : 172 » وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً « الكهف : 47 » . وسمي يوم القيامة يوم الحشر كما سمي يوم البعث والنشر . ورجل حَشْرُ الأذنين ، أي في أذنيه انتشار وحِدَّة .
ملاحظات
1 . الحشر : ليس الإخراج كما تخيل الراغب ، بل هو الجمع وقد يكون الإخراج مقدمة له . والمتبادر منه في الإستعمال القرآني حشر الناس للحساب يوم القيامة . قال الله تعالى : وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا . وقال تعالى : يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ .
2 . استعمل الحشر في القرآن في معان أخر ، منها حشر جنود سليمان عليه السلام : وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالآنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ . ومنها جمع فرعون للناس : فَحَشَرَ فَنَادَى . فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى .
ومنها حشر اليهود لأول الحشر في قوله تعالى : هُوَالَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ . أما آخر حشرهم فقوله تعالى : وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا . وهذا حشرهم في فلسطين قبل ظهور المهدي عليه السلام .
3 . واستعمل الحشر في القرآن في حشرالرجعة في الدنيا قبل القيامة ، قال تعالى : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ . و في تفسير القمي « 1/25 » ، عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال لحماد « ما يقول الناس في هذه الآية : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا؟ قلت : يقولون إنها في القيامة . قال : ليس كما يقولون ، إن ذلك في الرجعة ، أيحشرُ الله في القيامة من كل أمة فوجاً ويدع الباقين ! إنما آية القيامة قوله : وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا .
وقوله : وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ . فقال الصادق عليه السلام : كل قرية أهلك الله أهلها بالعذاب ، ومُحضوا الكفر محضاً لا يرجعون في الرجعة ، وأما في القيامة فيرجعون » .
حَصَّ - حصحص - حَصَّهُ - حِصَّةٌ
حَصْحَصَ الْحَقُ « يوسف : 51 » أي وضح ، وذلك بانكشاف ما يغمره . وحَصَّ وحَصْحَصَ نحو : كفَّ وكفكف ، وكبَّ وكبكب . وحَصَّهُ : قطع منه ، إما بالمباشرة وإما بالحكم ، فمن الأول قول الشاعر :
قد حَصَّتِ البَيْضَةُ رأسي فَما
أَطعمُ نَوْماً إلا بتِهْجَاعِ
والحِصَّة : القطعة من الجملة ، وتستعمل استعمال النصيب .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 265 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
الظاهر أن أصل الحصحصة : معالجة الشئ وتحريكه لاستخراج الحص أو الحصوص ، وبهذا المعنى يستعمل في بلاد الشام . وذكر ابن منظور أن اللؤلؤ يسمى حِصَاً . فيكون حصحص متعدياً بمعنى أخرج حصه ، ولازماً بمعنى خرج حصه . قال الخليل « 3/14 » : « والحصحصة : بيان الحق بعد كتمانه . والحُص : الورس ، وإن جمُع فحُصُوص يصبغ به ، وهو الزعفران أيضاً » .
وقال ابن فارس « 2/12 » : « أصول ثلاثة : أحدها النصيب ، والآخر وضوح الشئ وتمكنه ، والثالث ذهاب الشئ وقلته » . وقال ابن منظور « 7/15 » : « قال الأَزهري : الحُصُّ بمعنى الوَرْسِ معروف صحيح ، ويقال هو الزَّعْفران ، قال : وقال بعضهم : الحُصُّ اللُّؤْلُؤ ، قال : ولست أَحُقُّه ولا أَعْرِفه » .
أقول : والصحيح أنه بمعنى معالجة الشئ لاستخراج حُصَّه ، كاللؤلؤ والنواة وأمثالها . ومعنى حصحص الحق أنه تحصحص بنفسه ، وظهر كما يخرج الحص من الشئ .
حَصَدَ- حصده - حصاداً - حصيد - محصود - حصائد
أصل الحَصْد : قطع الزرع ، وزمن الحَصَاد والحِصَاد ، كقولك زمن الِجدَاد والجُداد . وقال تعالى : وَآتُوا حقهُ يَوْمَ حَصادِهِ « الأنعام : 141 » فهو الحصاد المحمود في إبَّانه .
وقوله عز وجل : حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أنهُمْ قــادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأن لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ « يونس : 24 » فهو الحصاد في غير إبَّانه على سبيل الإفساد . ومنه استعير : حصدهم السيف ، وقوله عز وجل : مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ « هود : 100 » فحصيد إشارة إلى نحو ما قال : فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا « الأنعام : 45 » وَحَبَّ الْحَصِيدِ « ق : 9 » أي ما يحصد مما منه القوت . وقال صلى الله عليه وآله : وهل يُكَبُّ الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم . فاستعارة . وحبل مُحْصَد ، ودرع حَصْدَاء ، وشجرة حصداء : كل ذلك منه . وتَحَصَّدَ القوم : تقوى بعضهم ببعض .
ملاحظات
1 . يؤخذ على الراغب أنه عرف الحصاد بقطع الزرع ، وأنه ضمنه وقت حصاده ، وكلاهما خطأ ، فالقطع أعم من الحصاد ، والمحصود أعم من الزرع فهو يشمل النخل ، وتعريف الخليل أصح قال « 3/112 » : « الحصد : جَزُّ البُرِّ ونحوه . وقَتْلُ الناس أيضاً حَصْدٌ . وقول الله تعالى : جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا . أي كالحصيد المحصود . . وقوله تعالى : يوم حصاد ، يريد : الوقت للجزاز » .
على أن تعريف الخليل للحصاد تعريف بالأخص ، لأن الحصاد يشمل جزَّ الزروع غير البر ، ويشمل جزَّ غير الزروع كالتمر . وتعريف الجوهري أصح قال « 2/466 » : « حصدت الزرع وغيره وأحصُدُه وأحصَدُه حصداً . والزرع محصود وحصيد وحصيدة وحَصَدٌ بالتحريك . وحصائد ألسنتهم التي في الحديث ، هو ما قيل في الناس باللسان وقطع به عليهم . والمِحصد : المنجل » .
وجعله ابن فارس « 2/71 » أصلين ، وثانيهما إحكام الشئ كقولهم : حبل مُحَصَّد أي مفتول . لكن يمكن تفسير الحبل المحصَّد بأنه يصلح لربط الزرع المحصود ، فيكون الأصل واحداً ، كما قال الراغب .
2 . لا يصح قول الراغب : فَجَعَلْناها حَصِيداً : فهو الحصاد في غير إبَّانه على سبيل الإفساد . لأنه ينسب الإفساد الى الله تعالى ، والصحيح أنه حصدهم لإفسادهم ، وأنه لا علاقة للحصد بالوقت وإبَّان حصد الشئ أو نهايته ، وإنما
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 266 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يفهم من خارجه كقوله تعالى : يَوْمَ حَصادِهِ .
حَصَرَ - حصير - محصور - حصِر- حاصرَ - إحصار
الحَصْر : التضييق ، قال عز وجل : وَاحْصُرُوهُمْ « التوبة : 5 » أي ضيقوا عليهم . وقال عز وجل : وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً « الإسراء : 8 » أي حابساً . قال الحسن : معناه مهاداً ، كأنه جعله الحصير المرمول كقوله : لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ « الأعراف : 41 » فحصير في الأول بمعنى الحاصر ، وفي الثاني بمعنى المحصور ، فإن الحصير سمِّي بذلك لحصر بعض طاقاته على بعض ، وقول لبيد :
ومعالمٌ غُلْبُ الرِّقَابِ كأنَّهُمْ
جِنٌّ لدَى بَابِ الحصيرِ قِيَامُ
أي لدى سلطان ، وتسميته بذلك إما لكونه محصوراً نحو مُحَجَّب ، وإما لكونه حاصراً ، أي مانعاً لمن أراد أن يمنعه من الوصول إليه .
وقوله عز وجل : وَسَيِّداً وَحَصُوراً « آل عمران : 39 » . فالحصور : الذي لا يأتي النساء ، إما من العِنَّة ، وإما من العفة والإجتهاد في إزالة الشهوة . والثاني أظهر في الآية ، لأنه بذلك يستحق المَحْمَدة .
والحصر والإحصارُ : المنع من طريق البيت ، فالإحصار يقال في المنع الظاهر كالعدو ، والمنع الباطن كالمرض . والحصر لا يقال إلا في المنع الباطن ، فقوله تعالى : فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ « البقرة : 196 » فمحمول على الأمرين ، وكذلك قوله : لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ الله « البقرة : 273 » . وقوله عز وجل : أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ « النساء : 90 » أي ضاقت بالبخل والجبن ، وعُبِّر عنه بذلك كما عبر عنه بضيق الصدر ، وعن ضده بالبر والسعة .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن هذه المادة في خمس آيات :
في الأمر بمحاصرة الأعداء : وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ .
وفيمن أحصر ومنع من الحج : وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمَرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ .
وفي الفقراء العاجزين عن كسب معيشتهم : للَّفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
وفي ضيق الصدر عن اتخاذ موقف : أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ .
وفي مدح المتبتل الحصور : وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ .
وفي جعل جهنم حصيراً : وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ للَّكَافِرِينَ حَصِيرًا ، أي سجناً .
2 . قال الخليل « 3/113 » : « حُصِرَ حَصْراً : أي عَيِيَ فلم يقدر على الكلام . وحَصِرَ صدر المرء : أي ضاق عن أمر حصراً . والحصار : موضع يحصر فيه المرء . والإحصار : أن يَحصر الحاج عن بلوغ المناسك مرض أو عدو . قال تعالى : وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ، أي يحصرون فيهـا » .
وقال ابن منظور « 4/193 » ملخصاً « قال الفراء في قوله تعالى : أَو جاؤوكم حَصِرَتْ صدورهم : العرب تقول : أَتاني فلان ذَهَبَ عَقْلُه ، يريدون قد ذهب عقله . وفي حديث زواج فاطمة رضوان الله عليها : فلما رأَت عليّاً جالساً إِلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم ، حَصِرَتْ وبكت ، أَي استحت وانقطعت . وقيل : حَصَرَني الشئ وأَحْصَرَني أَي حبسني . والحَصِيرُ : الملِكُ ، لأَنه مَحصُورٌ أَي محجوب .
وفي التنزيل : وجعلنا جهنم للكافرين حَصِيراً ، من حَصَرْته أَي حبسته . وهذا حَصِيرُه أَي مَحْبِسُه ، وحَصَرَه المرض : حبسه ، على المثل .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 267 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والحِصارُ : المَحْبِس كالحَصِيرِ . والحُصْرُ والحُصُرُ : احتباس البطن . والحَصِيرُ والحَصورُ : المُمْسِكُ البخيل الضيق .
والحَصُور : الذي لا إِرْبَةَ له في النساء . وفي التنزيل : وسَيِّداً وحَصُوراً . وفي حديث القِبْطِيِّ الذي أَمر النبي عليّاً بقتله ، قال : فرفعت الريحُ ثوبَه فإِذا هو حَصُورٌ ، هو الذي لا يأْتي النساء ، وهو المجبوب الذكر والأنثيين .
ويقال : قوم مُحْصَرُون في الحج . قال الله عز وجل : فإِن أُحْصِرْتم . والإِحصارُ : أَن يُحْصَر الحاج عن بلوغ المناسك بمرض أَو نحوه . قال ابن السكيت : يقال أَحصره المرض إِذا منعه من السفر أَو من حاجة يريدها . وأَحصره العدوّ إِذا ضيق عليه فَحصِرَ ، أَي ضاق صدره . وقد صحت الرواية عن ابن عباس أَنه قال : لا حَصْرَ إِلَّا حَصْرُ العدوّ ، فجعله بغير أَلف جائزاً بمعنى قول الله عز وجل : فإِن أُحْصِرْتُمْ فما اسْتَيْسَرَ من الهَدْيِ . وحُصِرَ في الحبس : أَقوى من أُحْصِرَ لأَن القرآن جاء بها . وحَصَرَ الشئَ يَحْصُرُه حَصْراً : استوعبه .
والحَصِيرُ : الباريَّةُ . وفي رواية أَنه قال لأَزواجه : هذه ، ثم لزومُ الحُصُرِ ، أَي أَنكنَّ لا تَعُدْنَ تخرجن من بيوتكنّ وتلزمن الحُصُرَ وهو جمع حَصِير الذي يبسط في البيوت » .
حَصَنَ - تحصن - حَصَان - محصَنة - حصون
الحصن : جمعه حصون ، قال الله تعالى : مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ الله « الحشر : 2 » وقوله عز وجل : لايُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ « الحشر : 14 » أي مجعولة بالإحكام كالحصون .
وتَحَصَّنَ : إذا اتخذ الحصن مسكناً ، ثم يُتَجَوَّز به في كل تحرُّز ومنه : درع حصينة لكونها حصناً للبدن ، وفرس حِصَان : لكونه حصناً لراكبه ، وبهذا النظر قال الشاعر :
إن الحصونَ الخيلُ لا مدرُ القرى
وقوله تعالى : إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ « يوسف : 48 » أي تحرزون في المواضع الحصينة الجارية مجرى الحصن .
وامرأة حَصان وحَاصِن . وجمع الحصان حُصُن ، وجمع الحاصن حَوَاصِن . ويقال حَصان للعفيفة ولذات حرمة ، وقــال تعالى : وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها « التحريم : 12 » . وأَحْصَنَتْ وحَصَنَتْ ، قال الله تعالى : فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ « النسـاء : 25 » أي تزوجن . أُحْصِنَّ : زُوِّجْنَ .
والحَصَان في الجملة : المُحْصَنَة إما بعفتها أو تزوُّجها أو بمانع من شرفها وحريتها . ويقال : امرأة مُحْصَن ومُحْصِن ، فالمُحْصِن يقال : إذا تُصُوِّر حصنها من نفسها ، والمُحْصَن يقال إذا تصورحصنها من غيرها . وقوله عز وجل : وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ « النساء : 25 » وبعده : فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَـةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ « النساء : 25 » ولهذا قيل المحصنات : المزوجات ، تُصُوِّر أن زوجها هو الذي أحصنها . والْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ « النساء : 24 » بعد قوله : حُرِّمَتْ « النساء : 23 » بالفتح لا غير ، وفي سائر المواضع بالفتح والكسر ، لأن اللواتي حرم التزوج بهن المزوجات دون العفيفات ، وفي سائر المواضع يحتمل الوجهين .
حَصَلَ - حصولاً - حصيلة - حوصلة
التحصيل : إخراج اللب من القشور ، كإخراج الذهب من حجر المعدن ، والبُرِّ من التبن . قال الله تعالى : وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ « العاديات : 10 » أي أظهر ما فيها وجمعَ ، كإظهار اللب من القشر وجمعه ، أو كإظهار الحاصل من الحساب . وقيل للحثالة : الحصيل . وحَصِلَ الفرس : إذا اشتكى بطنه عن أكله . وحوصلة الطير : ما يحصل فيه الغذاء .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 268 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
لا يصح تعريف الراغب للتحصيل لأنه غير دقيق ، وهو تعريف بالأخص ، وتعريف الخليل للمادة أدق منه ، قال « 3/116 » : « حصل يحصل حصولاً : أي بقي وثبت وذهب ما سواه من حساب أو عمل ونحوه ، فهو حاصل . والتحصيل : تمييز ما يحصل . والإسم : الحصيلة » .
حَصَيَ - إحصاء - أحصى
الإحصاء : التحصيل بالعدد ، يقال : قد أحصيت كذا ، وذلك من لفظ الحصا ، واستعمال ذلك فيه من حيث إنهم كانوا يعتمدونه بالعد ، كاعتمادنا فيه على الأصابع ، قال الله تعالى : وَأَحْصى كل شَئ عَدَداً « الجن : 28 » أي حصَّله وأحاط به . وقال عليه السلام : من أحصاها دخل الجنة . وقال : نفسٌ تنجيها خير لك من إمارة لا تحصيها ، أي تريحها من العذاب ، أي أن تشتغل بنفسك خير لك من أن تشتغل بالإمارة . وقال تعالى : عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ « المزمل : 20 » .
وروي : إستقيموا ولن تحصوا ، أي لن تحصلوا ذلك . ووجهُ تَعَذُّرِ إحصائه وتحصيله هو أن الحق واحد والباطل كثير ، بل الحق بالإضافة إلى الباطل كالنقطة بالإضافة إلى سائر أجزاء الدائرة ، وكالمرمى من الهدف ، فإصابة ذلك شديدة . وإلى هذا أشار ما روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال : شيبتني هود وأخواتها ، فسئل : ما الذي شيبك منها؟ فقال : قوله تعالى : فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ . وقال أهل اللغة : لن تحصوا أي لاتحصوا ثوابه » .
ملاحظات
1 . جعل الراغب الإحصاء وأحصيت كذا : مشتقاً « من لفظ الحصى ، لأنهم كانوا يعتمدون الحصى بالعد » لكن الصحيح أن الحصى لفظ مشترك بين صغار الحجارة ، وبين الكثرة . قال ابن منظور « 14/183 » : « الحَصَى : صِغارُ الحجارة ، الواحدةُ منه حَصاة . والحَصَى : العددُ الكثير ، تشبيهاً بالحَصَى من الحجارة في الكثرة » وقد سئل الإمام العسكري عليه السلام « الخرائج : 1/479 » : « ألك ولد؟ قال : إي والله سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، فأما الآن فلا . ثم تمثل [بقول الفرذدق] :
لعلك يومـــا أن تراني كأنـــما
بنيَّ حواليَّ الأســـودُ اللوابد
فإن تميماً قبل أن يلـــد الحصى
أقام زماناً وهو في الناس واحد »
2 . وقال ابن منظور « 14/184 » : « أَحْصَى الشئَ : أَحاطَ به . وفي التنزيل : وأَحْصَى كلَّ شيءٍ عدداً . أي أَحاط علمه سبحانه باستيفاء عدد كلِّ شئ . والإِحْصاءُ : العَدُّ والحِفْظ ، وفي أَسماء الله تعالى : المُحْصِي . هو الذي أَحْصَى كلَّ شئٍ بِعِلْمِه فلا يَفُوته دَقيق منها ولا جَليل . . وقال الفراءُ في قوله : علم أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَليكُمْ ، قال : علم أَن لَنْ تَحفَظوا مواقيت الليل . وقال الأَزهري : وأَما قول النبي صلى الله عليه وسلم : إنَّ لله تعالى تسعة وتسعين إسماً من أَحصاها دخَل الجنةَ ، فمعناه عندي والله أَعلم : من أَحصاها علْماً وإيماناً بها ويقيناً بأَنها صفات الله عزَّ وجل ، ولم يُرِد الإِحْصاءَ الذي هو العَدُّ . . وفي الحديث : لا أُحْصِي ثَناءً عليك ، أي لا أُحْصِي نِعَمَك والثناءَ بها عليك ، ولا أَبْلغُ الواجِب منه » . راجع مادة : ضلَّ ، ففيها ما يتعلق بهذه المادة .
حَضَّ - حضيض
الحضُّ : التحريض كالحث ، إلا أن الحث يكون بِسَوْقٍ وسير ، والحض لا يكون بذلك . وأصله من الحث على الحضيض ، وهو قرار الأرض ، قال الله تعالى : وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ « الحاقة : 34 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 269 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حَضَب - حَضْب
الحَضَب : الوقود ، ويقال لما تسعر به النار : مِحْضَب ، وقرئ : حضب جهنم .
حَضَرَ- أحضر - حاضر-محضر -مُحضر - حُضْر - محتضَر - محاضرة - حضيرة
الحَضَر : خلاف البدو . والحَضَارة والحِضَارَة : السكون بالحضر ، كالبداوة والبِداوة . ثم جعل ذلك إسماً لشهادة مكان أو إنسان أو غيره ، فقال تعالى : كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ « البقرة : 180 » نحو : حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ « الأنعام : 61 » وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ « النساء : 8 » .
وقال تعالى : وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ « النساء : 128 » عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ « التكوير : 14 » وقال : وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُـرُونِ « المؤمنون : 98 » وذلك من باب الكناية ، أي أن يحضرني الجن .
وكُنِّيَ عن المجنون بالمحتضر ، وعَمَّن حضره الموت بذلك ، وذلك لما نبه عليه قوله عز وجل : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ « ق : 16 » وقوله تعالى : يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ « الأنعام : 158 » وقال تعالى : ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً « آل عمران : 30 » أي مشاهداً معايناً في حكم الحاضر عنده . وقوله عز وجل : وَاسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ « الأعراف : 163 » أي قربَهُ . وقوله : تِجارَةً حاضِرَةً « البقرة : 282 » أي نقداً . وقوله تعالى : وَإِنْ كلٌّ لما جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ « يس : 32 » وفِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ « سبأ : 38 » شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ « القمر : 28 » أي يحضره أصحابه .
والحُضْر : خُصَّ بما يُحضـر به الفرس إذا طلب جريه ، يقال : أَحْضَـرَ الفرس واستحضرته : طلبت ما عنده من الحضر . وحاضرته مُحَاضَرَة وحِضَاراً : إذا حاججته ، من الحضور ، كأنه يحضر كل واحد حجته ، أو من الحَضَر كقولك : جارَيْتُه .
والحضيرة : جماعة من الناس يحضر بهم الغزو وعبَّر به عن حضور الماء .
والمَحْضَر : يكون مصدر حضرت ، وموضع الحضور .
ملاحظات
الإحتضار : مصطلح إسلامي لحضور الموت وحضور ملائكته عند الميت . ويسمون الميت محتَضَراً بفتح التاء ، أي حضرته الملائكة لقبض روحه . وهو مأخوذ من قوله تعالى : كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ . وقيل للمجنون محتضَر ، لأنهم يعتقدون أنه يحضره الجن .
حَطَّ - حطه - حِطة
الحَطُّ : إنزال الشئ من علو ، وقد حططتُ الرَّحْل . وجارية محطوطةُ المتنين ، أي ملساء غير مختلفة ولا داخلة ، أي مستوية الظهر . وقوله تعالى : وَقُولُوا حِطةٌ « البقرة : 58 » كلمةٌ أُمِرَ بها بنو إسرائيل ، ومعناه : حُط عنا ذنوبنا . وقيل : معناه : قولوا صواباً .
ملاحظات
1 . قال الله تعالى في سورة البقرة : وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ . فأمر اليهود أن يدخلوا باب مدينة أريحا مع يوشع وصي موسى عليهما السلام ويركعوا في بابها ويقولوا : حطة ، أي اللهم احطط عنا ذنوبنا . وقد أخذ الراغب من الخليل المعنى الثاني للحط ولم يذكر الأول . قال الخليل « 2/18 » : « الحط : وضع الأحمال عن الدواب . والحط : الحدر من العلو » . أما قولهم إن معناه : قولوا صواباً ، فهو خلاف المتبادر ، والمتفق عليه .
قال النويري في نهاية الإرب « 13/265 » : « قال مجاهد :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 270 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
طؤطئ لهم الباب ليخفضوا رؤسهم ، فلم يخفضوا ولم يركعوا ولم يسجدوا ، ودخلوا يزحفون على إستاههم ، وقالوا قولا غير الذي قيل لهم ، وذلك أنهم أمروا أن يقولوا : حطَّة فقالوا : هطا شمعاثا ، يعنون حنطة سمراء ! استخفافا بأمر اللَّه تعالى . قال اللَّه تعالى : فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ، وذلك أنّ اللَّه تعالى أرسل عليهم ظلمة وطاعونا ، فهلك منهم في ساعة واحدة سبعون ألفاً » .
2 . قد يشكل على إعطاء الله تعالى اليهود أرض فلسطين ، لكن الأرض له سبحانه ، وهو : يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ . و : لايُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ . لأنه لا يوجد من له حق سؤاله . وقد أعطى أرض فلسطين لليهود لما كانوا مع الأنبياء عليهم السلام فلما قتلوا الأنبياء وكفروا ، سقط حقهم فيها . على أن فلسطين كانت أرضاً مقدسة مباركاً فيها للعالمين قبل بني إسرائيل ، وكذا بعد أن فقدوا استحقاقهم لها ، قال تعالى : وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا للَّعَالَمِينَ .
3 . روى الجميع أن الله تعالى جعل علياً والعترة عليهم السلام باب حطة لهذه الأمة امتحاناً لها كما امتحن بني إسرائيل . ففي معجم الطبراني الكبير : 3 / 37 ، عن أبي ذر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك . ومثل باب حطة في بني إسرائيل » .
وفي الكافي « 8/30 » أن علياً عليه السلام خطب في أيام السقيفة فقال « ألا وإني فيكم أيها الناس كهارون في آل فرعون ، وكباب حطة في بني إسرائيل ، وكسفينة نوح في قوم نوح ، إني النبأ العظيم والصديق الأكبر ، وعن قليل ستعلمون ما توعدون ، وهل هي إلا كلعقة الآكل ومذقة الشارب » .
حَطَبَ - احتطب - حاطب
قال تعالى : كانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً « الجن : 15 » أي ما يعدُّ للإيقاد . وقد حَطَبْتُ حَطَباً واحْتَطَبْتُ . وقيل للمخلِّط في كلامه : حَاطِب ليل ، لأنه لا يبصر ما يجعله في حبله . وحَطَبْتُ لفلان حَطَباً : عملته له . ومكان حَطِيب : كثير الحطب . وناقة مُحَاطِبَة : تأكل الحطب . وقوله تعالى : حَمَّالَةَ الْحَطَبِ « المسد : 4 » كنايةٌ عنها بالنميمة ، وحَطَبَ فلان بفلان : سعى به ، وفلان يوقد بالحطب الجزل : كناية عن ذلك .
ملاحظات
أخذ الراغب تفسير حمالة الحطب من البخاري ، حيث قال : « 6/95 » : « وقال مجاهد : حمالة الحطب تمشى بالنميمة » .
والصحيح أنها زوجة أبي لهب وأخت أبي سفيان كانت تحمل الحطب والشوك وتضعه في طريق رسول الله صلى الله عليه وآله . « الكشاف : 4/297 »
ونلاحظ أن رواة السلطة يخففون عن زعماء قريش في عدائهم للنبي وآله صلى الله عليه وآله .
حَطَمَ - حَطمهُ - حُطَمة - حطيم
الحَطْمُ : كسر الشئ مثل الهَشْم ونحوه ، ثم استعمل لكل كسر مُتَنَاهٍ ، قال الله تعالى : لايَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ « النمل : 18 » . وحَطَمْتُهُ فانْحَطَمَ حَطْماً ، وسائقٌ حُطَمٌ : يحطم الإبل لفرط سوقه . وسميت الجحيم حُطَمَة ، قال الله تعالى في الحطمة : وَما أَدْراك مَا الْحُطَمَةُ « الهمزة : 5 » . وقيل للأكول حُطمة : تشبيهاً بالجحيم ، تصوُّراً لقول الشاعر :
أنَّما في جَوْفِهِ تَنُّورُ
ودرع حُطَمية : منسوبة إلى ناسجها أو مستعملها . وحطيم وزمزم : مكانـان . والحُطَام : ما يتكسر من اليبس ، قال عـز وجل : ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً « الزمر : 21 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 271 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
1 . أخذ الراغب من ابن فارس تعريف الحطم بأنه الكسر ، لكنه أعم من الكسر ، وذكر ابن قتيبة في غريب الحديث « 1/265 » حديث النبي صلى الله عليه وآله : « شر الرعاء الحُطمة » . وقال ابن فارس « 2/78 » : « حطمت الشئ حطماً : كسرته . ويقال للفرس إذا تهدم لطول عمره : حُطم . والحُطَمُ السواق يعنف فيحطم بعض الإبل ببعض . وسميت النار الحُطَمة لحطمها ما تلقى » .
2 . لا يصح أن تكون تسمية الأكول حُطَمة لأنه يحطم الطعام ، وأنه تشبيه بالجحيم ، لأن العرب كانت تسمي الأشخاص والأماكن بحُطمة ، كما في بئر بني حُطَمَة بقباء « علل الشرائع : 1/167 » ، وتصف به الأشخاص ، قبل أن ينزل القرآن ويصف جهنم بالحُطَمة . ويظهر أن الحُطمة مكان من جهنم وليس كلها ، ففي كامل الزيارات/540 « وما يخرج من لظى ومن الحُطمة ، وما يخرج من سقر » .
3 . أما الحطيم عند الكعبة فلا تستعمله العرب بدون إضافة إلا مع أل . وفي الكافي « 4/527 » عن الإمام الصادق عليه السلام قال « هو ما بين الحجر الأسود وبين الباب ، وسألته لم سمي الحطيم فقال : لأن الناس يحطم بعظهم بعضاً هناك » .
وقال الخليل « 3/74 » إن الحجر سمي حطيم مكة أيضاً قال » الحجر : « حطيم مكة ، وهو المدار بالبيت كأنه حجرة مما يلي المثعب » .
حَظَّ - محظوظ - محظوظ
الحَظُّ : النصيب المقدر ، وقد حَظِظْتُ وحُظِظْتُ فأنا مَحْظُوظ ، وقيل في جمعه : أَحَاظٌّ وأُحُظٌ ، قال الله تعالى : فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ « المائدة : 14 » وقال تعالى : لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ « النساء : 11 » .
ملاحظات
1 . الصحيح في تعريف الحظ قول الخليل « 3/22 » : « والحظ : النصيب من الفضل والخير ، والجميع : الحظوظ » . فيقال حظك الجائزة والغنيمة ، ولا يقال حظك من العقوبة والغرامة ، بل نصيبك ، وسهمك . والجَدُّ هو الحظ ، وقد قالت الجن : وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً ، ونهى أهل البيت عليهم السلام عن قول ذلك ، فعن الإمـــام الصادق عليه السلام : « هو شئ قالته الجن بجهالة ، فلم يرضه الله منهم » . تفسير القمي « 2/389 »
وقال ابن منظور « 14/185 » : « الحُظْوَة والحِظْوَة والحِظَة : المَكانة والمَنزِلة للرجل من ذِي سُلْطان ونحوه ، وجمعه حُظاً وحِظاءٌ ، وقد حَظِيَ عند الأَمير واحْتَظى به بمعنى . وحَظِيَت المرأَة عند زوجها حُظْوة وحِظْوة ، وامرأَة حَظِيَّة وهي حَظِيّتي وإحْدَى حَظَايايَ » .
2 . استعمل القرآن الحظ في حظ الآخرة ، قال تعالى : يُرِيدُ اللَّهُ أَلا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الأَخِرَةِ .
وفي الحظ من الهدى الذي أنزله الله : يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ .
والحظ العظيم ليس بمال الدنيا : يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِىَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ .
وحظ الرجل ضعفا حظ المرأة في الإرث لأن عليه النفقة : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ للَّذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الآنْثَيَيْنِ .
والصابرون أصحاب الحظ العظيم : وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ .
حَظَرَ - حظراً - محتظر - حظيرة
الحَظْرُ : جمع الشئ في حَظِيرَة ، والمَحْظُور : الممنوع . والمُحْتَظِرُ : الذي يعمل الحظيرة . قال تعالى : فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ « القمر : 31 » . وقد جاء فلان بالحَظِرِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 272 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الرطِب ، أي الكذب المستبشع .
حَفَّ - حفيفاً - حفه - حافة - حفف
قال عز وجل : وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ « الزمر : 75 » أي مطيفين بِحَافَّتَيْهِ ، أي جانبيه . ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله : تَحُفُّه الملائكة بأجنحتها . وقال الشاعر :
لهُ لحظاتٌ في حَفَافِي سَرِيرِهِ
وجمعه أَحِفَّة . وقال عز وجل : وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ « الكهف : 32 » . وفلان في حَفَفٍ من العيش ، أي في ضيق ، كأنه حصل في حفف منه أي جانب ، بخلاف من قيل فيه : هو في واسطة من العيش . ومنه قيل : من حَفَّنَا أو رَفَّنَا ، فليقتصد ، أي من تفقد حفف عيشنا . وحَفِيفُ الشجر والجناح : صوتهما ، فذلك حكاية صوتهما .
والحَفُّ : آلة النساج سمي بذلك لما يسمع من حفِّه ، وهو صوتُ حركته .
حَفَدَ - حافد - محفود - حَفَدَة
قال الله تعالى : وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً « النحل : 72 » جمع حَافِد ، وهو المتحرك المتبرع بالخدمة ، أقارب كانوا أو أجانب . قال المفسرون : هم الأسباط ونحوهم ، وذلك أن خدمتهم أصدق ، قال الشاعر :
حَفَدَ الولائد بينهنَّ
وفلان مَحْفُودٌ ، أي مخدوم ، وهم الأختان والأصهار . وفي الدعاء : إليك نسعى ونحفد . وسيف مُحْتَفِد : سريع القطع . قال الأصمعي : أصل الحَفْد مداركة الخطو .
حَفَرَ - حفراً - حُفرة - حفيرة - حافرة - حَفَرَهُ
قال تعالى : وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ « آل عمران : 103 » أي مكان محفور ، ويقال لها حَفِيرَة . والحَفَر : التراب الذي يخرج من الحفرة ، نحو نَقَض لما ينقض . والمِحْفَار والمِحْفَر والمِحْفَرَة : ما يحفر به .
وسمي حَافِر الفرس تشبيهاً لحفره في عَدْوه . وقوله عز وجل : أَإنا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ « النازعات : 10 » مثلٌ لمن يرد من حيث جاء ، أي أنَحْيَا بعد أن نموت . وقيل الحافرة الأرض التي جعلت قبورهم ، ومعناه : أإنا لمردودون ونحن في الحافرة ، أي في القبور . وقوله فِي الْحافِرَةِ على هذا في موضع الحال . وقيل : رجع على حافرته ، ورجع الشيخ إلى حافرته ، أي هرم ، نحو قوله تعالى : وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ « النحل : 70 » . وقولهم : النقد عند الحافر ، لما يباع نقداً ، وأصله في الفرَس إذا بيع فيقال : لايزول حافره أو ينقد ثمنه . والحَفْر : تآكل الأسنان ، وقد حَفَرَ فوه حَفْراً وأَحْفَرَ المُهْرُ : للإثناء والإرباع . « أي لسقوطها » .
حَفِظَ - حفظاً - حافظ - حفيظ - حفاظ - محافظة - تحفظ - حفيظة - أحفظه
الحِفْظ : يقال تارةً لهيئة النفس التي بها يثبت ما يؤدي إليه الفهم . وتارةً لضبط الشئ في النفس . ويضادُّه النسيان . وتارةً لاستعمال تلك القوة فيقال : حَفِظْتُ كذا حِفْظاً . ثم يستعمل في كل تفقد وتعهد ورعاية ، قال الله تعالى : وَإنا لَهُ لَحافِظُونَ « يوسف : 12 » حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ « البقرة : 238 » وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ « المؤمنون : 5 » وَالْحافِظِيـنَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ « الأحزاب : 35 » كنايةً عن العفة . حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ الله « النساء : 34 » أي يحفظن عهد الأزواج عند غيبتهن بسبب أن الله تعالى يحفظهن أي يطلع عليهن . وقرئ : بِما حَفِظَ اللهَ بالنصب ، أي بسبب رعايتهن حق الله تعالى لا لرياء وتَصَنُّعٍ منهن .
و : فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً « الشوري : 48 » أي حافظاً ، كقوله : وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ « ق : 45 » وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ « الأنعام : 107 » فَاللَّه خَيْرٌ حافِظاً « يوسف : 64 » وقرئ حِفْظاً ، أي حفظه خير من حفظ غيره . وَعِنْدَنا كِتابٌ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 273 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حَفِيظٌ « ق : 4 » أي حافظ لأعمالهم ، فيكون حَفِيظٌ بمعنى حافظ ، نحو قوله تعالى : اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ « الشوري : 6 » أو معناه : محفوظ لا يضيع ، كقوله تعالى : عِلْمُها عِنْدَ رَبي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ ربي وَلا يَنْسى « طه : 52 » .
والحِفَاظ : المُحَافَظَة ، وهي أن يحفظ كل واحد الآخر . وقوله عز وجل : وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ « المؤمنون : 9 » فيه تنبيه [على] أنهم يحفظون الصلاة بمراعاة أوقاتها ومراعاة أركانها ، والقيام بها في غاية ما يكون من الطوق ، وأن الصلاة تحفظهم الحفظ الذي نبه عليه في قوله : إن الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ « العنكبوت : 45 » .
والتَحَفُّظ : قيل هو قلة الغفلة ، وحقيقته إنما هو تكلف الحفظ لضعف القوة الحافظة . ولما كانت تلك القوة من أسباب العقل توسعوا في تفسيرها كما ترى . والحَفِيظَة : الغضب الذي تحمل على المحافظة أي ما يجب عليه أن يحفظه ويحميه . ثم استعمل في الغضب المجرد فقيل : أَحْفَظَنِي فلان ، أي أغضبني .
ملاحظات
ليس في قوله تعالى : وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ . دلالة على أن الصلاة تحفظهم كما يحفظونها ، فلا بد أن يستفاد ذلك إن كان ، من غير الآية ، وقوله تعالى : حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ . ليس معناه بما يحفظهن الله ، كما ذكر الراغب ، بل معناه : بالذي أمر الله بحفظه . « راجع التبيان « 3/189 » .
وقول الراغب « ثم يستعمل في كل تفقد وتعهد ورعاية ، قال الله تعالى : وَإنا لَهُ لَحافِظُونَ » . والحفظ الذي تعهد به الله تعالى عرفي بمعنى أنه سيبقى نص القرآن ولا يضيع ، ولا يشمل حفظه من الكفر به : وَلَقَدْ صَرَّفْنَا للَّنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا . ولا من جعله عضين يؤمنون ببعضه ويكفرون ببعضه : أَلَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ .
ولا النفور منه : وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا نُفُورًا .
ولا أن يتخذه المسلمون مهجوراً : وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِى اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا .
ولا أن لا يتدبروا فيه : أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا .
ولا ينافيه أنواع التحريف لمعناه ، وحتى تقديم وتأخير بعض آياته ، لأن المتعهد به أن يبقى القرآن المنزل في أيدي الأجيال .
حَفِيَ - أحفى - حفي به - أحفاه - حافٍ
الإحفاء في السؤال : التترُّع « الزيادة » في الإلحاح في المطالبة ، أو في البحث عن تعرف الحال . وعلى الوجه الأول يقال : أَحْفَيْتُ السؤال ، وأَحْفَيْتُ فلاناً في السؤال ، قال الله تعالى : إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا « محمد : 37 » وأصل ذلك من : أَحْفَيْتُ الدابة : جعلتها حافياً ، أي مُنْسَحِجَ الحافر « منسحق » والبعيرَ جعلته منسحج الخف من المشي حتى يرق . وقد حَفِيَ حَفاً وحَفْوَة . ومنه : أَحْفَيْتُ الشارب : أخذته أخذاً متناهياً .
والحَفِيُّ : البرُّ اللطيف في قوله عز وجل : إنهُ كانَ بِي حَفِيًّا « مريم : 47 » ويقال : حَفَيْتُ بفلان وتَحَفَّيْتُ به : إذا عنيت بإكرامه . والحَفِيُّ : العالم بالشئ .
حَقَّ - حقيقة - أحقق- حُقَّة - حُقٌّ
أصل الحق : المطابقة والموافقة ، كمطابقة رِجْل الباب في حُقَّةٍ لدَوَرَانِه على استقامة .
والحق يقال على أوجه : الأول : يقال لموجد الشئ بسبب ما تقتضيه الحكمة ، ولهذا قيل في الله تعالى : هو الحق ، قال الله تعالى : وَرُدُّوا إِلَى الله مَوْلاهُمُ الْحق ، وقيل بعيد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 274 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ذلك : فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحق فَماذا بَعْدَ الْحق إِلَّا الضَّلالُ فَإنى تُصْرَفُونَ « يونس : 32 » . والثاني : يقال للمُوجَد بحسب مقتضى الحكمة ، ولهذا يقال : فعل الله تعالى كله حق ، نحو قولنا : الموت حق ، والبعث حق . وقال تعالى : هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً « يونس : 5 » إلى قوله : ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحق « يونس : 5 » وقال في القيامة : وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحق هُوَ قُلْ إِي وَرَيي إنهُ لَحق « يونس : 53 » لَيَكْتُمُونَ الْحق « البقرة : 146 » . وقوله عز وجل : الْحق مِنْ رَبِّكَ « البقرة : 147 » وَإنهُ لَلْحق مِنْ رَبِّكَ « البقرة : 149 » . والثالث : في الإعتقاد للشئ المطابق لما عليه ذلك الشئ في نفسه ، كقولنا : اعتقاد فلان في البعث والثواب والعقاب والجنة والنار ، حق . قال الله تعالى : فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحق « البقرة : 213 » . والرابع : للفعل والقول بحسب ما يجب ، وبقدر ما يجب ، وفي الوقت الذي يجب ، كقولنا : فعلك حق ، وقولك حق ، قال تعالى : كَذلِكَ حقتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ « يونس : 33 » وحق الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ « السجدة : 13 » .
وقوله عز وجل : وَلَوِ اتَّبَعَ الْحق أَهْواءَهُمْ « المؤمنون : 71 » يصح أن يكون المراد به الله تعالى ، ويصح أن يراد به الحكم الذي هو بحسب مقتضى الحكمة . ويقال : أَحققْتُ كذا ، أي أثبتُّه حقاً ، أو حكمت بكونه حقاً ، وقوله تعالى : لِيُحق الْحق « الأنفال : 8 » . فإحقاق الحق على ضربين : أحدهما : بإظهار الأدلة والآيات ، كما قال تعالى : وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً « النساء : 91 » أي حجة قوية . والثاني : بإكمال الشـريعة وبثها في الكافة ، كقوله تعالى : وَاللَّه مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ « الصف : 8 » هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحق لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كلهِ « التوبة : 33 » .
وقوله : الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ « الحاقة : 1 » إشارة إلى القيامة ، كما فسّره بقوله : يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ « المطففين : 6 » لأنه يحق فيه الجزاء . ويقال : حَاقَقْتُهُ فَحَقَقْتُهُ ، أي خاصمته في الحق فغلبته ، وقال عمر : إذا النساء بلغن نص الحقاق ، فالعصبة أولى في ذلك . وفلان نَزِقُ الحِقَاق : إذا خاصم في صغار الأمور . ويستعمل استعمال الواجب واللازم والجائز نحو : كانَ حقا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ « الروم : 47 » كَذلِكَ حقا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ « يونس : 103 » .
وقوله تعالى : حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى الله إِلَّا الْحَقَ « الأعراف : 105 » قيل معناه جدير ، وقرئ حَقِيقٌ عَلى . وقيل واجب عليَّ . وقوله تعالى : وَبُعُولَتُهُنَّ أَحق بِرَدِّهِنَّ « البقرة : 228 » .
والحقيقة : تستعمل تارة في الشئ الذي له ثبات ووجود ، كقوله صلى الله عليه وآله لحارث : لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك ، أي ما الذي ينبئ عن كون ما تدعيه حقاً . وفلان يحمي حقيقته ، أي ما يحق عليه أن يحمى .
وتارة تستعمل في الإعتقاد كما تقدم ، وتارة في العمل وفي القول فيقال : فلان لفعله حقيقة ، إذا لم يكن مرائياً فيه ، ولقوله حقيقة ، إذا لم يكن مترخصاً ومتزيداً . ويستعمل في ضده المتجوز والمتوسع والمتفسح .
وقيل : الدنيا باطل والآخرة حقيقة ، تنبيهاً على زوال هذه وبقاء تلك . وأما في تعارف الفقهاء والمتكلمين ، فهي اللفظ المستعمل فيما وضع له في أصل اللغة .
والحُق من الإبل : ما استحق أن يحمل عليه ، والأنثى حُقة ، والجمع حِقَاق . وأتت الناقة على حقها ، أي على الوقت الذي ضربت فيه من العام الماضي .
ملاحظات
1 . أكثرَ الراغب في هذه المادة من الكلام الخطابي غير العلمي ، ومنه تعريفه للحق بأنه المطابقة والموافقة ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 275 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والصحيح تعريفه بأنه : الثبوت ، كما حققه علماء الأصول « تقرير بحث النائيني : 1/105 » وليته أخذ تعريفه من الخليل ، قال » 3/6 « : « حق الشئ يحق حقاً ، أي وجب وجوباً » وهوتعبير آخر عن الثبوت .
وقسم الراغب الحق الى أربعة أقسام : بمعنى الخالق ، والمخلوق ، والإعتقاد بما هو ثابت ، والفعل والقول الصادق . وهو تقسيم استحساني ، لا جامع ولا مانع ، وفي كل واحد من أقسامه مناقشة .
2 . استعمل القرآن كلمة الحق نحو ثلاث مئة مرة ، وفي كثير منها أنه عز وجل خلق الأشياء كلها بالحق : مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى . . مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ . مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ
وأن فاعليات الله المتنوعة كلها بالحق : إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا . . اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ . .
مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلا بِالْحَقِّ . . فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ .
3 . معنى الخلق بالحق والفعل بالحق : أنه عدلٌ يجب أن يكون هكذا فكان . قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه على المنبر « لا يجد أحدٌ طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه » . « الكافي : 2/58 » .
« بينا رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض أسفاره إذ لقيه ركب فقالوا : السلام عليك يا رسول الله ، فقال : ما أنتم؟ فقالوا : نحن مؤمنون يا رسول الله ، قال فما حقيقة إيمانكم؟ قالوا : الرضا بقضاء الله والتفويض إلى الله والتسليم لأمر الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : علماء حكماء ، كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء » . « الكافي : 2/53 » .
وقد بين الإمام الكاظم عليه السلام أصول الفعل الإلهي ، فقال : « لا يكون شئ في السماوات ولا في الأرض إلا بسبع : بقضاء ، وقدر ، وإرادة ، ومشيئة ، وكتاب ، وأجل ، وإذن . فمن زعم غير هذا فقد كذب على الله ، أو رد على الله عز وجل » . « الكافي : 1 /110 و149 » .
4 . أصل معنى الحق : الثبوت ، لكنه استعمل في القرآن بمعان أخر ، منها : معنى الإستحقاق والوجوب مثل : من حقت عليهم الضلالة ، أو حق عليهم القول ، أو العقاب ، أو العذاب ، أو كلمة العذاب ، أو كلمة ربك .
ومنها : أن السماء تصل الى غايتها يوم القيامة وتُحق : إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ . وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ .
ومنها : إبطال الباطل وإحقاق الحق : وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ .
4 . قال الراغب « يقال : حَاقَقْتُهُ فَحَقَقْتُهُ ، أي خاصمته في الحق فغلبته ، وقال عمر : إذا النساء بلغن نص الحقاق ، فالعصبة أولى في ذلك » . ومعناه أن الأم أحق بالطفلة حتى تبلغ وتحاقق عن نفسها ، فأقارب أبيها أولى بها .
قال ابن منظور « 7/98 » : « وفي الحديث عن علي رضي الله عنه قال : إِذا بلَغَ النساءُ نَصَّ الحِقاقِ فالعَصَبَةُ أَوْلى ، يعني إِذا بلغت غاية الصغر إِلى أَن تدخل في الكبر ، فالعصبة أَوْلى بها من الأُمِّ ، يريد بذلك الإِدراكَ والغاية . قال الأَزهري : النصُّ أَصلُه منتهى الأَشياء ومَبْلغُ أَقْصاها ، ومنه قيل : نصَصْتُ الرجلَ إِذا استقصيت مسأَلته عن الشئ حتى تستخرج كل ما عنده ، وكذلك النص في السير إِنما هو أَقصى ما تقدر عليه الدابة ، قال : فنصُّ الحِقاقِ إِنما هو الإِدراكُ . وقال المبرد : نصُّ الحقاق منتهى بلوغ العقل ، أَي إِذا بلغت من سِنِّها المبلغَ الذي يصلح أَن تُحاقِقَ وتُخاصم عن نفسها وهو الحِقاقُ ، فعصبتُها أَولى بها من أُمِّها » .
أقول : الظاهر أن نسبة ذلك الى عمر من النساخ ، لأن كل المصادر قبل الراغب وبعده ، نسبته الى علي عليه السلام . كما رأيت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 276 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في لسان العرب ، وكما في مقاييس اللغة « 2/15 » وغريب ابن سلام « 3/456 » وغريب ابن الأثير « 1/414 » وغريب ابن الجوزي « 2/411 » . وتهذيب اللغة للأزهري « 3/243 » . وسنن البيهقي الصغير/71 .
حَقَبَ - حقبةً - أحقاباً - احتقب
قوله تعالى : لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً « النبأ : 23 » قيل : جمع الحُقُب ، أي الدهر . قيل : والحِقْبَة ثمانون عاماً وجمعها حِقَب ، والصحيح أن الحقبة مدة من الزمان مبهمة . والإحتقاب : شد الحقيبة من خلف الراكب . وقيل إحتقبه واستحقبه .
وحَقِبَ البعير : تعسر عليه البول لوقوع حقبه في ثيله . « الحزام على آلته » .
والأحقب : من حُمُرِ الوحش ، وقيل : هو الدقيق الحقوين ، وقيلهو الأبيض الحقوين . والأنثى حَقْبَاء .
حَقَفَ - حِقف - احقوقف
قوله تعالى : إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ « الأحقاف : 21 » جمع الحِقْف ، أي الرمل المائل . وظبي حاقف : ساكن للحقف ، واحْقَوْقَفَ : مال حتى صار كحقف ، قال :
[طيُّ الليالي زُلَفاً فزلفا] سماوةَ الهِلَالِ حَتَّى احْقَوْقَفَا
« أي طوت الليالي سماء الهلال بالتدريج ، حتي عاد كالعرجون » .
حَكَمَ - حُكم- حاكم - حَكَّمه- حَكَمَة - حِكْمَة - مُحكم ومتشابه
حَكَمَ : أصله مُنِعَ مَنْعاً لإصلاحٍ ، ومنه سميت اللجام حَكَمَة الدابة ، فقيل حَكَمَتُهُ . وحَكَمْتُ الدابة : منعتها بالحَكَمة ، وأَحْكَمْتُهَا : جعلت لها حَكَمة ، وكذلك : حَكَمْتُ السفيه وأحكمته ، قال الشاعر :
أبني حَنِيفَةَ أحْكِمُوا سُفَهَاءكم
وقوله : فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللَّه عَلِيمٌ حَكِيمٌ « الحج : 52 » .
والحُكْم بالشئ : أن تقضي بأنه كذا أو ليس بكذا ، سواء ألزمت ذلك غيرك أو لم تلزمه ، قال تعالى : وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ « النساء : 58 » يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ « المائدة : 95 » وقال :
فاحكم كحُكم فَتَاة الحيِّ إذْ نَظَرَتْ
إلى حمَاَمٍ سِــــرَاعٍ واردِ الثَّـمَدِ
والثمد : الماء القليل ، وقيل معناه : كن حكيماً . وقال عز وجل : أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ « المائدة : 50 » وقال تعالى : وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ « المائدة : 50 » .
ويقال : حَاكِم وحُكَّام ، لمن يحكم بين الناس ، قال الله تعالى : وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ « البقرة : 188 » والحَكَمُ : المتخصص بذلك فهو أبلغ . قال الله تعالى : أَفَغَيْرَ الله أَبْتَغِي حَكَماً « الأنعام : 114 » وقال عز وجل : فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها « النساء : 35 » وإنما قال حَكَماً ولم يقل حاكماً تنبيهاً [على] أن من شرط الحكمين أن يتوليا الحكم عليهم ولهم حسب ما يستصوبانه ، من غير مراجعة إليهم في تفصيل ذلك . ويقال الحَكَم للواحد والجمع . وتحاكمنا إلى الحاكم : قال تعالى : يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطاغُوتِ « النساء : 60 » وحَكَّمْتُ فلاناً : قال تعالى : حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ « النساء : 65 » . فإذا قيل : حكم بالباطل فمعناه أجرى الباطل مجرى الحكم .
والحِكْمَةُ : إصابة الحق بالعلم والعقل ، فالحكمة من الله تعالى : معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام . ومن الإنسان : معرفة الموجودات ، وفعل الخيرات . وهذا هو الذي وصف به لقمان في قوله عز وجل : وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ « لقمان : 12 » ونبه على جملتها بما وصفه بها ، فإذا قيل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 277 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في الله تعالى : هو حَكِيم ، فمعناه بخلاف معناه إذا وصف به غيره ، ومن هذا الوجه قال الله تعالى : أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ « التين : 8 » .
وإذا وصف به القرآن فلتضمنه الحكمة ، نحو : الر . تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ « يونس : 1 » وعلى ذلك قال : وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بالِغَةٌ « القمر : 4 » . وقيل : معنى الحكيم المُحْكم ، نحو : أُحْكِمَتْ آياتُهُ « هود : 1 » وكلاهما صحيح ، فإنه محكم ومفيد للحكم ، ففيه المعنيان جميعاً .
والحُكم : أعم من الحِكمة ، فكل حكمة حُكم وليس كل حكم حكمة ، فإن الحكم أن يقضـي بشئ على شئ فيقول : هو كذا أو ليس بكذا . قال صلى الله عليه وآله : إن من الشعر لحكمة ، أي قضية صادقة وذلك نحو قول لبيد : إنَّ تَقْوى رَبِّنَا خَيْرُ نَفَل .
قال الله تعالى : وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا « مريم : 12 » وقال عليه السلام : الصَّمْتُ حُكْمٌ وقَلِيلٌ فَاِعُلْه . أي حِكْمَةٌ . وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ « آل عمران : 164 » .
وقـال تعالى : وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ الله وَالْحِكْمَةِ « الأحزاب : 34 » قيل : تفسير القرآن ، ويعني ما نبه عليه القرآن من ذلك : إن الله يَحْكُمُ ما يُرِيدُ « المائدة : 1 » أي ما يريده يجعله حكمة وذلك حث للعباد على الرضا بما يقضيه . قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله : مِنْ آياتِ الله وَالْحِكْمَةِ « الأحزاب : 34 » هي علم القرآن ناسخه ومُحْكَمه ومتشابهه . وقال ابن زيد : هي علم آياته وحكمه . وقال السدي : هي النبوة . وقيل : فهم حقائق القرآن ، وذلك إشارة إلى أبعاضها التي تختص بأولي العزم من الرسل ، ويكون سائر الأنبياء تبعاً لهم في ذلك . وقوله عز وجل : يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا « المائدة : 44 » فمن الحكمة المختصة بالأنبياء ، أو من الحُكْم .
وقوله عز وجل : آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ « آل عمران : 7 » فالمحكم : ما لا يعرض فيه شبهة من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى . والمتشابه على أضرب تذكر في بابه إن شاء الله .
وفي الحديث : إن الجنة للمُحَكِّمِين ، قيل : هم قوم خُيِّروا بين أن يُقتلوا مسلمين وبين أن يرتدوا ، فاختاروا القتل . وقيل عنى المتخصصين بالحكمة .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن مادة حكم بمعنى أصدر الحكم ، قال تعالى : وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ . لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ . فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ . . وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ . فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ .
وبمعنى الحكم التكويني والحكم في الآخرة ، قال تعالى : أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ .
وبمعنى أحكم الشئ وأتقنه ، قال تعالى : كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ .
وبمعنى التحكيم بين متخاصمين : فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا . يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ . فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ .
وبمعنى المحكم والمتشابه ، قال تعالى : مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ .
وبمعنى الحكمة النظرية والعملية ، قال تعالى : وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ . يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا . وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ . ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ . كما ورد في القرآن بمعانٍ أخر .
2 . أخذ الراغب تعريف الحكمة من ابن فارس « 2/91 » وقدجعلها من حَكَمَة الدابة أي لجامها ! ولا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 278 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
موجب لذلك ، بل الحِكمة أصل بنفسها ، وقد قال الخليل « 3/66 » : « الحِكمة : مرجعها إلى العدل والعلم والحلم . ويقال : أحكمته التجارب إذا كان حكيماً . وأحكم فلان عني كذا أي منعه » . فقد تكون حَكَمَة الدابة مأخوذة من الحِكمة .
قال أمير المؤمنين « نهج البلاغة : 4/18 » : « خذ الحكمة أنى كانت ، فإن الحكمة تكون في صدر المنافق فتلجلجُ في صدره حتى تخرج فتسكن إلى صواحبها في صدر المؤمن » .
وسئل الإمام الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل : فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ؟ فقال : النبوة ، قلت : الحكمة؟ قال : الفهم والقضاء . قلت : وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيماً؟ فقال : الطاعة . « الكافى : 1/206 » . وقال عليه السلام : « من أحبنا أهل البيت وحقق حبنا في قلبه ، جرت ينابيع الحكمة على لسانه » . « المحاسن : 1/61 » .
3 . سيأتي تعريف المحكم ، وأنه ما لا يحتمل إلا معنى واحداً ، والمتشابه ما يحتمل أكثر من معنى . أما سبب وجود المتشابه في القرآن فهو إثبات الحاجة الى إمام يفسر القرآن بعد النبي صلى الله عليه وآله وامتحان الناس وكشف أهل الزيغ ، قال تعالى : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَاوِيلِهِ .
حَلَّ - حللت - حلولاً - أحلَّ - حلال - إحلال - تحلة - حليل - حليلة - إحليل
أصل الحَل : حلُّ العقدة ، ومنه قوله عز وجل : وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي « طه : 27 » وحَللْتُ : نزلت ، أصله من حل الأحمال عند النزول ، ثم جُرِّدَ استعماله للنزول ، فقيل : حَلَّ حُلُولًا وأَحَلَّهُ غيره ، قـال عز وجل : أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ « الرعد : 31 » وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ « إبراهيم : 28 » . يقال : حَلَّ الدَّيْنُ : وجب أداؤه . والحِلَّة : القوم النازلون . وحَيٌّ حُلَّالٌ مثله . والمَحَلَّة : مكان النزول .
وعن حل العقدة استعير قولهم : حَلَّ الشئ حلالًا ، قال الله تعالى : وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالًا طَيِّباً « المائدة : 88 » وقال تعالى : هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ « النحل : 116 » .
ومن الحُلُول : أَحَلَّتِ الشاة : نزل اللبن في ضرعها . وقال تعالى : حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ « البقرة : 196 » .
وأَحَلَّ الله كذا ، قال تعالى : وأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ « الحج : 30 » وقال تعالى : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إنا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عماتِك . . الآية . « الأحزاب : 50 » فإِحْلَال الأزواج هو في الوقت لكونهن تحته ، وإحلال بنات العم وما بعدهن إحلال التزوج بهن .
وبلغ الأجل محله ، ورجل حَلالٌ ومُحِلٌّ : إذا خرج من الإحرام أو خرج من الحرم ، قال عز وجل : وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا « المائدة : 2 » . وقال تعالى : وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ « البلد : 2 » أي حَلَّال .
وقوله عز وجل : قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّـةَ أَيْمـانِكُمْ « التحريم : 2 » أي بيَّنٌ ما تَنْحَلُّ به عقدة أيمانكم من الكفارة .
وروي : لا يموت للرجل ثلاثة من الأولاد فتمسه النار إلا تحلَّةَ القسم ، أي قدر ما يقول إن شاء الله تعالى ، وعلى هذا قول الشاعر :
وَقْعُهُنَّ الأرضَ تحليلُ
أي عدوهنَّ سريع لا تصيب حوافرهن الأرض من سرعتهن ، إلا شئ يسير مقدار أن يقول القائل : إن شاء الله .
والحَلِيل : الزوج ، إما لحَل كل واحد منهما إزاره للآخر ، وإما لنزوله معه ، وإما لكونه حلالاً له ، ولهذا يقال لمن يحالُّك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 279 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أي لمن ينزل معك : حَلِيل . والحَلِيلَةُ : الزوجة وجمعها حَلَائِل ، قال الله تعالى : وَحَلائِلُ أَبْنائِكُـمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ « النســاء : 23 » . والحُلَّة : إزارٌ ورداءٌ . والإحليل : مخرج البول لكونه محلول العقدة .
ملاحظات
جعل الراغب حَلَّ من أصل واحد بمعنى فَكُّ العقدة . أما الخليل « 3/26 » فبدأ بالحلول في المحل ، مشيراً الى أنه أصل المادة ، ثم فرع عليه . وقال ابن فارس « 2/20 » : « الحاء واللام : له فروع كثيرة ومسائل ، وأصلها كلها عندي فتح الشئ ، لا يشذ عنه شئ . يقال حللت العقدة أحلها حلاً » . ورأيه أقوى من قول الراغب والخليل ، لأنه يمكن إرجاع فروع المادة الى الفتح ، ولا يمكن إرجاعها الى فك العقدة ، أو الحلول في محل .
وقد استعمل القرآن المادة بمعنى الحلال المسموح مقابل الحرام الممنوع ، قال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا . قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا .
وبمعنى الوجود في محل ، قال تعالى : وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ . وبمعنى الوقوع في محل : تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ . وبمعنى تحليل اليمين وكفارته : قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ .
حَلَفَ - محالفة - حَلْف - مُحَلَّف - حليف - حلفاء
الحِلْف : العهد بين القوم . والمُحَالَفَة : المعاهدة ، وجعلت للملازمة التي تكون بمعاهدة ، وفلان حِلْفُ كرم ، وحَلِيف كرم . والأحلاف : جمع حليف ، قال الشاعر وهو زهير : تداركتما الأحْلَاف قَد ثُلَّ عَرْشُهَا
أي كاد يزول استقامة أمورها . وعرش الرجل : قوام أمره .
والحَلْفُ : أصله اليمين الذي يأخذ بعضهم من بعض بها العهد ، ثم عبر به عن كل يمين ، قال الله تعالى : وَلا تُطِعْ كل حَلَّافٍ مَهِينٍ « القلم : 10 » أي مكثار للحلف . وقال تعالى : يَحْلِفُونَ بِالله ما قالُوا « التوبة : 74 » يَحْلِفُونَ بِالله إنهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ « التوبة : 56 » يَحْلِفُونَ بِالله لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ « التوبة : 62 » .
وشئ مُحْلِف : يحمل الإنسان على الحلف . وكُمَيْتٌ مُحَلَّفٌ : إذا كان يشكُّ في كميتته وشقرته فيحلف واحد أنه كميت ، وآخر أنه أشقر . والمُحَالَفَة : أن يحلف كل للآخر ، ثم جعلت عبارة عن الملازمة مجرداً ، فقيل : حِلْفُ فلان وحَلِيفُه ، وقال صلى الله عليه وآله : لا حِلْفَ في الإسلام . وفلان حَلِيف اللسان ، أي حديده ، كأنه يحالف الكلام فلا يتباطأ عنه ، وحليف الفصاحة .
ملاحظات
1 . فسر الراغب الحَلَف بالعهد وأخذه من ابن فارس « 2/97 » . وجعله الخليل « 3/231 » مرادف القَسَم وهو الصحيح ، لأن العهد ناتج عن الحَلف والقسم . فأصل الحِلف بكسر الحاء من الحَلف بالفتح ، لأنهم يتحالفون على ما اتفقوا عليه .
2 . الحَلَّاف : الكذاب كثير الحلف ، وقد اتفق المفسرون على أن المقصود بقوله تعالى : وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ . هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ . مَنَّاعٍ للَّخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ . عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ . الوليد بن المغيرة أبي خالد . وهو الوحيد الذي زنَّاه القرآن !
3 . اتفق المسلمون على أن الحلف واليمين الشرعي لا ينعقد إلا بالله تعالى وأسمائه الحسنى ، أما الحلف بغيرها فهو تأكيد وليس حلفاً ولا قسماً شرعياً .
4 . يقصد الراغب بقوله كميتته : شُقرته ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 280 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولايستعمل العرب كميتته بل يقولون : كُمْتَتُه بمعنى جودته . « العين : 5/334 » .
قال الجوهري « 1/263 » : « والفرق بين الكُمَيْت والأشقر بالعُرْفِ والذَّنَب ، فإن كانا أحمرين فهو أشقر ، وإن كانا أسودين فهو كُمَيْت . تقول منه : اكْمَتَّ الفرس اكمِتَاتاً ، واكماتَّ اكميتاتاً ، مثله » .
5 . معنى قوله تعالى : يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ : أنهم كفروا بالنبي صلى الله عليه وآله وأقدموا على اغتياله في عودته من تبوك ليلة العقبة فتلثم بضعة عشر « صحابياً » وصعدوا الى أعلى الجبل ، ولما وصل النبي صلى الله عليه وآله الى العقبة ألقوا عليه صخوراً كبيرة ليقتلوه ، وكانت خطتهم أن يعلنوا للمسلمين موته ويبكوا عليه ، ويبايعوا رجلاً منهم خليفة له !
قال الصالحي في سيرته « 5/466 » : « روى الإمام أحمد عن أبي الطفيل ، والبيهقي عن حذيفة ، وابن سعد عن جبير بن مطعم رضي الله عنهم ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن الضحاك ، والبيهقي عن عروة ، والبيهقي عن ابن إسحاق ، ومحمد بن عمر عن شيوخه رحمهم الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما كان ببعض الطريق مكر به ناس من المنافقين وائتمروا بينهم أن يطرحوه من عقبة في الطريق ، وفي رواية كانوا قد اجمعوا أن يقتلوا رسول الله فجعلوا يلتمسون غرته ، فلما أراد رسول الله أن يسلك العقبة أرادوا أن يسلكوها معه ، وقالوا : إذ أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي . فبينا رسول الله يسير من العقبة إذ سمع حس القوم قد غَشَوْهُ فنفروا ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله حتى سقط بعض متاعه » .
وقال البيضاوي في تفسيره « 3/158 » : « وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ، من الفتك بالرسول وهو أن خمسة عشر منهم توافقوا عند مرجعه من تبوك أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذ تسنم العقبة بالليل ! فأخذ عمار بن ياسر بخطام راحلته يقودها وحذيفة خلفها يسوقها فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع أخفاف الإبل وقعقعة السلاح فقال : إليكم إليكم يا أعداء الله ، فهربوا » . « فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا حذيفة إذا كان الله يثبِّت محمداً لم يقدر هؤلاء ولا الخلق أجمعون أن يزيلوه ، إن الله تعالى بالغ في محمد أمره ولو كره الكافرون . وأمر حذيفة أن يردهم فرجع حذيفة إليهم ، وقد رأى غضب رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه محجن يضرب وجوه رواحلهم وقال : إليكم إليكم يا أعداء الله تعالى . فعلم القوم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد اطلع على مكرهم فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس ! قالوا : أفلا تأمر بهم يا رسول الله إذا جاء الناس أن تضرب أعناقهم؟ قال : أكره أن يتحدث الناس ويقولوا : إن محمداً قد وضع يده في أصحابه » . « راجع : جواهر التاريخ للمؤلف : 3/135 » .
حَلَقَ - حَلَقة - حلْقة - حلقه - حالق
الحَلْق : العضو المعروف . وحَلَقَهُ : قطع حلقه ، ثم جعل الحَلْق لقطع الشعر وجَزِّه ، فقيل حلق شعره ، قال تعالى : وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ « البقرة : 196 » وقــال تعـالى : مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ « الفتح : 27 » . ورأس حَلِيق ، ولحية حليق . وعقرى حَلْقَى : في الدعاء على الإنسان ، أي أصابته مصيبة تحلق النساء شعورهن ، وقيل معناه : قطع الله حلقها . وقيل للأكسية الخشنة التي تحلق الشعر بخشونتها : مَحَالِق . والحَلْقَة : سمِّيت تشبيهاً بالحلق في الهيئة . وقيل : حَلَقَة ، وقال بعضهم : لا أعرف الحَلَقَة إلا في الذين يحلقون الشعر ، وهو جمع حالق ، ككافر وكفرة . والحَلَقَة بفتح اللام لغة غير جيدة . وإبل مُحَلَّقَة : سِمَتُهَا حَلْق . واعتُبر في الحَلْقَة معنى الدوران ، فقيل حَلْقَة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 281 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
القوم ، وقيل : حَلَّقَ الطائر ، إذا ارتفع ودار في طيرانه .
ملاحظات
جعل الراغب حَلْق الإنسان لمادة حَلَق ، وتكلف في إرجاع الفروع اليه ولم يوفق . بينما جعلها ابن فارس ثلاثة أصول ، وجعلها الخليل أكثر . قال « 3/48 » : « الحَلْقُ : مساغ الطعام والشراب ومخرج النفَس من الحلقوم . وموضع المذبح من الحلق أيضاً ، ويجمع على حلوق . وحَلَقَ فلانٌ فلاناً : ضربه فأصاب حلقه . والحَلَق : نبات لورقه حموضة يخلط بالوسمة للخضاب » .
حَلُمَ - حلُم - أحلم - تحلم - حُلُم - حَلَمة - حليم - حلمته
الحِلْم : ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب ، وجمعه أَحْلَام ، قال الله تعالى : أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا « الطور : 32 » قيل معناه : عقولهم . وليس الحِلْم في الحقيقة هو العقل ، لكن فسَّروه بذلك لكونه من مسبَّبات العقل . وقد حَلُمَ وحَلَّمَهُ العقل وتَحَلَّمَ . وأَحْلَمَتِ المرأة : ولدت أولاداً حلماء . قال الله تعالى : إن إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ « هود : 75 » وقوله تعالى : فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ « الصافات : 101 » أي وُجِدَت فيه قوة الحلم .
وقوله عز وجل : وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ « النور : 59 » أي زمان البلوغ ، وسمي الحِلْم لكون صاحبه جديراً بالحِلْم . ويقال : حَلَمَ في نومه يَحْلُمُ حُلْماً وحُلُماً وقيل حُلْماً نحو رُبْع ، وتَحَلَّمَ واحتلم . وحَلَمْتُ به في نومي أي رأيته في المنام ، قال الله تعالى : قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ « يوسف : 54 » .
والحَلَمَة : القراد الكبير ، قيل سميت بذلك لتصورها بصورة ذي حلم لكثرة هدوئها . فأما حَلَمَة الثدي فتشبيهاً بالحلمة من القراد في الهيئة ، بدلالة تسميتها بالقراد في قول الشاعر :
كــأن قِــرَادَيْ زَوْرِهِ طَبَعَتْهــُمَا
بِطِينٍ من الجَوْلان كُتَّابُ أعْجَمِ
وحَلِمَ الجِلْد : وقعت فيه الحلمة ، وحَلَّمْتُ البعير : نزعت عنه الحلمة . ثم يقال : حَلَّمْتُ فلاناً : إذا داريته ليسكن وتتمكن منه تمكنك من البعير إذا سكنته بنزع القِراد عنه .
ملاحظات
جعل الراغب الحِلم أصلاً واحداً ، وهو ضبط النفس عن الغضب ، ولا يصح ، لأنه لايمكن إرجاع فروعه الى هذا المعنى .
وقال ابن فارس « 2/93 » : « حَلُمَ : أصول ثلاثة ، الأول : ترك العجلة ، والثاني : تثقب الشئ . والثالث : رؤية الشئ في المنام . وهي متباينة جداً تدل على أن بعض اللغة ليس قياساً ، وإن كان أكثره منقاساً » .
وقال الخليل « 3/246 » : « الحُلم : الرؤيا ، يقال : حلُمَ يحلُمُ إذا رأى في المنام . والحُلم : الإحتلام ويجمع على الأحلام . والحُلْم : الأناة ويجمع على الأحلام . والحلام : الجدي . وأحلام القوم : حلماؤهم ، والواحد حليم . وقد حلم الرجل يحلم فهو حليم . والحليم في صفة الله تعالى معناه الصبور » .
ومن العجيب أن الراغب جعل حلمة الثدي مأخوذة من حلمة البعير وقرادته ، وكأن الإنسان عرف قرادة البعير قبل ثدي أمه !
حَلَيَ - حلاه - حلية - حُلَى
الحُلِيّ : جمع الحَلْي ، نحوثَدْي وثَدِيٍّ ، قال تعالى : مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ « الأعراف : 148 » يقال : حَلِيَ يُحَلَّي ، قال الله تعالى : يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ « الكهف : 31 » وقال تعالى : وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ « الإنسان : 21 » وقيل : الحِلْيَة والجميع حِلِيٌّ . قال تعالى : أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ « الزخرف : 18 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 282 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
ترك الراغب عادته في محاولة تأصيل المادة لصعوبته هنا ! أما ابن فارس « 2/94 » فجعلها ثلاثة ، قال : « حلو : ثلاثة أصول : طيب الشئ في ميل من النفس إليه . والثاني : تحسين الشئ . والثالث : وهو مهموز تنحية الشئ » .
وقال الخليل « 3/296 » : « الحلي : كل حِلْيَةٍ حَلَّيْتَ به ، امرأةً أو سيفاً أو نحوه . والحِلية : تحليتك وجه الرجل إذا وصفته . و يقال : ماأحلى فلانٌ ولاأمَرَّ ، أي ما تكلم بحلوٍ ولا مُرٍّ » .
حَمَّ - حَمَام - حِمَّة - حميم - حمََّام - حِمَمَة - حَمْحَمة - حُمَّى
الحميم : الماء الشديد الحرارة ، قال تعالى : وَسُقُوا ماءً حَمِيماً « محمد : 15 » إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً « عمّ : 25 » وقـال تعالى : وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ « الأنعام : 70 » وقال عز وجل : يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ « الحج : 19 » ثُمَّ إن لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ « الصافات : 67 » هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ « صاد : 57 » . وقيل للماء الحار في خروجه من منبعه : حِمَّة . وروي : العالم كالحِمَّة يأتيها البعداء ويزهد فيها القرباء . وسميَ العَرَق حميماً على التشبيه .
واستحمَّ الفرس : عَرِقَ ، وسمي الحمَّام حماماً إما لأنه يُعْرِق ، وإما لما فيه من الماء الحار . واستحمَّ فلان : دخل الحمام . وقوله عز وجل : فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ « الشعراء : 100 » . وقوله تعـالى : وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً « المعارج : 10 » فهو القريب المشفق ، فكأنه الذي يحتدُّ حماية لذويه . وقيل لخاصة الرجل : حامَّته ، فقيل : الحامَّة والعامة وذلك لما قلنا ، ويدل على ذلك أنه قيل للمشفقين من أقارب الإنسان حُزَانته ، أي الذين يحزنون له .
واحتمَّ فلان لفلان : احتدَّ ، وذلك أبلغ من اهتمَّ لما فيه من معنى الإحتمام . وأحمَّ الشَّحم : أذابه ، وصار كالحميم . وقوله عز وجل : وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ « الواقعة : 43 » للحميم ، فهو يفعول من ذلك ، وقيل : أصله الدخان الشديد السَّواد ، وتسميته إما لما فيه من فرط الحرارة كما فسره في قوله : لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ « الواقعة : 44 » أو لما تُصُوِّر فيه من لفظ الحِمَمَة فقد قيل للأسود يحموم ، وهو من لفظ الحممة ، وإليه أشير بقوله : لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ « الزمر : 16 » وعبَّر عن الموت بالحِمام ، كقولهم : حُمَّ كذا ، أي قُدِّرَ .
والحُمَّى : سميت بذلك إما لما فيها من الحرارة المفرطة ، وعلى ذلك قوله عليه السلام : الحُمَّى من فَيْحِ جهنم ، وإما لما يعرض فيها من الحميم ، أي العَرَق ، وإما لكونها من أمارات الحِمَام ، لقولهم : الحمَّى بريد الموت ، وقيل : باب الموت .
وسمي حُمَّى البعير حُمَاماً بضمة الحاء ، فجعل لفظه من لفظ الحمام لما قيل إنه قلما يبرأ البعير من الحمى . وقيل : حَمَّمَ الفرخ : إذا اسودَّ جلده من الريش . وحَمُمَ وجهه : اسودَّ بالشعر ، فهما من لفظ الحِمَمة .
وأما حَمْحَمة الفرس : فحكاية لصوته ، وليس من الأول في شئ .
ملاحظات
جعل الراغب مادة حَمَمَ أصلاً واحداً ، ولا يستقيم ذلك . وقال ابن فارس « 2/23 » : « الحاء والميم فيه تفاوت لأنه متشعب الأبواب جداً . فأحد أصوله اسوداد ، والآخر الحرارة ، والثالث الدنو والحضور ، والرابع جنس من الصوت ، والخامس القصد . فأما السواد فالحِمَم : الفحم ، ومنه اليَحْمُوم وهو الدخان . والحَمْحَم : نبت أسود وكل أسود حمحم ، ويقال حَمَّمْته إذا سَخَّمْتَ وجهه بالسِّخامَ وهو الفحم . وأما الحرارة : فالحميم : الماء الحار . ومما شذ عن هذه الأبواب قولهم طلق الرجل امرأته وحَمَّمَهَا :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 283 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إذا متعها بثوب أو نحوه » . وعليه ، فلا يصح فرض حَمَمَ أصلاً واحداً كما فعل الراغب . كما أنه انفرد بتقييد الحرارة بالشديدة في تعريف الحميم ، ولم يشترطه أحد .
حَمَدَ - أحمد - شكر
الحَمْدُ لله تعالى : الثناء عليه بالفضيلة ، وهو أخص من المدح وأعم من الشكر ، فإن المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره ، ومما يقال منه وفيه بالتسخير ، فقد يمدح الإنسان بطول قامته وصباحة وجهه ، كما يمدح ببذل ماله وسخائه وعلمه . والحمد يكون في الثاني دون الأول .
والشُّكر : لايقال إلا في مقابلة نعمة . فكل شكر حمد ، وليس كل حمد شكراً ، وكل حمد مدحٌ وليس كل مدح حمداً . ويقال : فلان محمود : إذا حُمِدَ . ومُحَمَّد : إذا كثرت خصاله المحمودة . ومحمد : إذا وجد محموداً . وقوله عز وجل : إنهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ « هود : 73 » يصح أن يكون في معنى المحمود ، وأن يكون في معنى الحامد . وحُمَادَاكَ أن تفعل كذا : أي غايتك المحمودة . وقوله عز وجل : وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ « الصف : 6 » فأحمد إشارة إلى النبي صلى الله عليه وآله باسمه وفعله ، تنبيهاً [على] أنه كما وجد إسمه أحمد ، يوجد وهو محمود في أخلاقه وأحواله . وخُصَّ لفظة أحمد فيما بشر به عيسى تنبيهاً [على] أنه أحمد منه ومن الذين قبله .
وقوله تعالى : مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله « الفتح : 29 » فمحمد هاهنا ، وإن كان من وجه إسماً له علماً ، ففيه إشارة إلى وصفه بذلك وتخصيصه بمعناه ، كما مضى ذلك في قوله تعالى : إنا نُبَشِّـرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى « مريم : 7 » أنه على معنى الحياة ، كما يبين في بابه إن شاء الله .
ملاحظات
لا إشكال لغوياً مهماً فيما ذكره الراغب ، وتمييزه بين إسم أحمد ومحمد صلى الله عليه وآله وقوله إن أحمد في آية البشارة النبوية لبأنه أحمد من الأنبياء الماضين : وجهٌ قويٌّ يؤيده ما في تفسير القمي : « 2/365 » . وفي نسخة : أحمد من في الأرض .
حَمَرَ- حمار - حُمُر - أحمرة - أحمر - حُمْرة - حمارَّة القيظ
الحِمَار : الحيوان المعروف ، وجمعه حَمِير وأَحْمِرَة وحُمُر ، قال تعالى : وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ « النحل : 8 » . ويعبر عن الجاهل بذلك ، كقوله تعالى : كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً « الجمعة : 5 » وقال تعالى : كَأنهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ « المدثر : 50 » .
وحمارُ قَبَّان : دويبة . والحِمَارَان : حجران يجفف عليهما الأقط ، شبهاً بالحمار في الهيئة . والمُحَمَّر : الفرس الهجين المشبَّه بلادته ببلادة الحمار . والحُمْرَة : في الألوان . وقيل الأحمر والأسود للعجم والعرب ، اعتباراً بغالب ألوانهم ، وربما قيل : حمراء العجان . والأحمران : اللحم والخمر اعتباراً بلونيهما ، والموت الأحمر : أصله فيما يراق فيه الدم . وسنة حَمْرَاء : جدبة ، للحمرة العارضة في الجو منها ، وكذلك حَمَّارَة القيظ : لشدة حرها ، وقيل وِطَاءَة حَمْرَاء : إذا كانت جديدة ، ووِطَاءة دهماء : دارسة .
ملاحظات
لم يصرح الراغب بأصل مادة : حَمَرَ ، لكن ابن فارس جعلها أصلاً واحداً فقال « 2/102 » : « أصل واحد عندي وهو من الذي يعرف بالحمرة . وقد يجوز أن يجعل أصلين أحدهما هذا ، والآخر جنس من الدواب » . لكن لا يمكن إرجاع فروعها الى الحمرة ، ولا الحمار ، ولا وجه لاشتقاق الحمار من الحمرة !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 284 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حَمَلَ - حمْل - حمله - احتمل - أحمال - حميل - حِمَالة - حمَّالة الحطب
الحَمْل : معنى واحد اعتبر في أشياء كثيرة ، فَسُوِّيَ بين لفظه في فَعْلَ ، وفُرِّقَ بين كثير منها في مصادرها ، فقيل في الأثقال المحمولة في الظاهر كالشئ المحمول على الظهر : حِمْل ، وفي الأثقال المحمولة في الباطن : حَمْل ، كالولد في البطن ، والماء في السحاب ، والثمرة في الشجرة ، تشبيهاً بحمل المرأة ، قال تعالى : وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِهـا لايُحْمَلْ مِنْهُ شَئ « فاطر : 18 » يقال : حَمَلْتُ الثِّقل والرسالة والوِزْر حَمْـلًا ، قال الله تعـالى : وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ « العنكبوت : 13 » وقال تعالى : وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَئ « العنكبوت : 12 » وقال تعالى : وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُـمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ « التوبة : 92 » وقال عز وجل : لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ « النحل : 25 » .
وقوله عز وجل : مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ « الجمعة : 5 » أي كلفوا أن يتحمّلوها ، أي يقوموا بحقها ، فلم يحملوها . ويقال : حَمَّلْتُهُ كذا فَتَحَمَّلَهُ ، وحَمَّلْتُ عليه كذا فَتَحَمَّلَهُ ، واحْتَمَلَه وحَمَلَه .
وقال تعالى : فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً « الرعد : 17 » حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ « الحاقة : 11 » وقوله : فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإنما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ « النور : 54 » وقـال تعالى : رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ « البقرة : 286 » وقال عز وجل : وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ « القمر : 13 » ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إنهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً « الإسراء : 3 » وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ « الحاقة : 14 » .
وحَمَلَتِ المرأةُ : حَبِلَتْ ، وكذا حملت الشجرة ، يقال : حَمْلٌ وأحمال ، قال عز وجل : وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ « الطلاق : 4 » وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَـعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ « فصلت : 47 » حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ « الأعراف : 189 » حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْـهُ كُرْهاً « الأحقاف : 15 » وَحَمْلُـهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً « الأحقاف : 15 » .
والأصل في ذلك الحَمْل على الظهر ، فاستعير للحَبَل بدلالة قولهم : وَسَقَتِ الناقة إذا حَمَلت . وأصل الوَسَق الحمل المحمول على ظهر البعير . وقيل : الحَمُولَة لما يحمل عليه ، كالقَتُوبة والرَّكُوبة ، والحُمُولَة لما يحمل .
والحَمَلُ للمحمول ، وخُصَّ الضأن الصغير بذلك لكونه محمولاً لعجزه ، أو لقربه من حمل أمه إياه ، وجمعه : أَحْمَال وحُمْلَان ، وبها شُبِّه به السحاب فقال عز وجل : فَالْحامِلاتِ وِقْراً « الذاريات : 2 » والحَمِيل : السحاب الكثير الماء لكونه حاملاً للماء . والحَمِيل : ما يحمله السيل ، والغريب تشبيهاً بالسيل ، والولد في البطن .
والحَمِيل : الكفيل ، لكونه حاملاً للحق مع من عليه الحق ، وميراث الحميل لمن لايتحقق نسبه . وحَمَّالَةَ الْحَطَبِ « المسد : 4 » : كناية عن النَّمَّام ، وقيـل : فلان يحمل الحطب الرطب ، أي ينمُّ .
ملاحظات
جعل الراغب الحبل وحمل الأشجار للثمر من الحمل على الظهر ! واستدل له بقولهم وَسَقَتِ الناقة أي حملت . ولا دليل فيه لأنهم يعبرون عن الحبل وحمل الحيوان بألفاظ متعددة .
أما حمالة الحطب ففي مقدمة فتح الباري/316 : « هي العوراء بنت حرب أخت أبي سفيان ، وهي حمالة الحطب زوج أبي لهب » . وفي نهج البلاغة « 3/32 » في رسالته عليه السلام الى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 285 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
معاوية : « ومنا خير نساء العالمين ، ومنكم حمالة الحطب في كثير مما لنا وعليكم » .
وقد جعلها الراغب وصفاً عاماً بمعنى النمامة ، وأخذه من البخاري « 6/95 » ، والصحيح أنها كانت تحمل الحطب والشوك وتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وآله . « الكشاف : 4/297 »
حَمِيَ - حَمْأة - حمأ - حَمِيَّة - أحماء - حُمْية
الحَمْيُ : الحرارة المتولدة من الجواهر المحمية كالنار والشمس ، ومن القوة الحارة في البدن ، قال تعالى : فِي عَيْنٍ حَمِيَةٍ . أي حارة ، وقرئ : حَمِئَةٍ . وقال عز وجل : يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ « التوبة : 35 » . وحَمِيَ النهار ، وأَحْمَيْتُ الحديدة إِحْمَاءً . وحُمَيَّا الكأس : سَوْرَتها وحرارتها .
وعُبر عن القوة الغضبية إذا ثارت وكثرت بالحَمِيَّة ، فقيل حَمِيتُ على فلان ، أي غضبت عليه ، قال تعالى : حَميةَ الْجاهِلِيَّةِ « الفتح : 26 » . وعن ذلك استعير قولهم : حَمَيْتُ المكان حِمىً ، وروي : لا حِمَى إلا لله ورسوله .
وحميت أنفي مَحْمِيَةً ، وحَمَيْتُ المريض حَمْياً . وقوله عز وجل : وَلا حَامٍ « المائدة : 103 » : قيل هو الفحل إذا ضرب عشرة أبطن ، كان يقال : حَمَى ظَهْرَه فلا يركب .
وأحماء المرأة : كل من كان من قبل زوجها ، وذلك لكونهم حُمَاة لها ، وقيل حَمَاهَا وحَمُوهَا وحَمِيهَا ، وقد همز في بعض اللغات فقيل : حمئ ، نحو كمئ .
والحَمْأَةُ والحَمَأُ : طين أسود منتن ، قال تعالى : مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ « الحجر : 26 » ويقال : حمأت البئر : أخرجت حمأتها .
وأحمأتها : جعلت فيها حمأً . وقرئ : فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ : ذات حمأ .
حَنَّ - حنين - حنَّة - حنان - حنين
الحنين : النَّزع المتضمن للإشفاق يقال : حَنَّتِ المرأة والناقة لولدها ، وقد يكون مع ذلك صوت ، ولذلك يعبَّر بالحنين عن الصوت الدال على النزع والشفقة ، أو متصور بصورته . وعلى ذلك حنين الجذع ، وريحٌ حَنُون ، وقوس حَنَّانَة إذا رنَّت عند الإنباض . وقيل : ما له حنَّة ولا أنَّة ، أي لا ناقة ولا شاة سمينة ، ووُصفتا بذلك اعتباراً بصوتيهما .
ولما كان الحنين متضمناً للإشفاق ، والإشفاق لا ينفك من الرحمة ، عُبِّرَ عن الرحمة به في نحو قوله تعالى : وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا « مريم : 13 » ومنه قيل : الحَنَّان المنَّان ، وحَنَانَيْكَ إشفاقاً بعد إشفاق ، وتثنيته كتثنية لبيك وسعديك . وَيَوْمَ حُنَيْنٍ « التوبة : 25 » منسوب إلى مكان معروف .
حَنَثَ - تحنث - متحنث - حِنْث - حانث
قال الله تعالى : وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ « الواقعة : 46 » أي الذنب المُؤْثِم ، وسمي اليمين الغموس حنثاً لذلك . وقيل : حَنِثَ في يمينه إذا لم يف بها . وعُبَّر بالحِنْثِ عن البلوغ ، لما كان الإنسان عنده يؤخذ بما يرتكبه خلافاً لما كان قبله ، فقيل بلغ فلان الحنث . والمُتَحَنِّث : النافض عن نفسه الحنث ، نحو : المتحرِّج والمتأثِّم .
ملاحظات
استعملت هذه المادة في آيتين ، في قوله تعالى لأيوب عليه السلام : وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلاتَحْنَثْ . أي خذ شمراخاً فيه شعب كثيرة واضرب زوجتك واحسب بكل شعبة ضربة . وقال تعالى : إِنَّهُمْ كَأنوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ . وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ . أي الكفر بدليل الآية بعدها ، وسُمِّيَ حِنثاً عظيماً لأنه نقض للتوحيد الذي هو عهد الفطرة . فالحِنث نقض العهد ، كبيراً أو صغيراً .
وأما تسمية عبادة النبي صلى الله عليه وآله في غار حراء بالتحنث فهو تصحيف أو إبدال من التحنف . قال في عمدة القاري « 1/49 » عن الشيباني : لا أعرف يتحنث ، إنما هو يتحنف من الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام ، قلت : قد وقع في سيرة ابن هشام يتحنف بالفاء .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 286 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حَنْجَرَ - حُنجرة - حناجر
قال تعالى : لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ « غافر : 18 » وقال عز وجل : وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ « الأحزاب : 10 » جمع حَنْجَرَة ، وهي رأس الغَلْصَمَة من خارج .
حَنَذَ - حنيذ -محنوذ - حنذه - أحنذه
قال تعالى : وجاءَ بِعِجْـلٍ حَنِيذٍ « هود : 69 » أي مشويٍّ بين حجرين ، وإنما يفعل ذلك لتتصبَّب عنه اللُّزوجة التي فيه ، وهو من قولهم : حَنَذْتُ الفرس : استحضرته شوطاً أو شوطين ثم ظاهرت عليه الِجلال ليعرق . وهو محنوذ وحَنِيذ . وقد حَنَذَتْنَا الشمسُ . ولما كان ذلك خروج ماء قليل قيل : إذا سَقَيْتَ الخَمْرَ فَأَحْنِذْ ، أي قلل الماء فيها ، كالماء الذي يخرج من العرق والحنيذ .
ملاحظات
عرف الراغب الحنيذ بالمشوي بين حجرين ! وعرفه اللغويون بالمشوي الذي يوضع عليه حجر مُحمى ، أو حجارة لتنضجه . كما في إصلاح المنطق/134 ، والصحاح : 2/562 . وذكر ابن فارس : 2/109 ، حَنَذَ بمعنى أنضجَ .
حَنَفَ - أحنف - حنيف - حنفاء - تحنف
الحَنَفُ : هو ميلٌ عن الضَّلال إلى الإستقامة . والجَنَف : ميلٌ عن الإستقامة إلى الضَّلال . والحَنِيف هو المائل إلى ذلك ، قال عز وجل : قانِتاً لِله حَنِيفاً « النحل : 120 » وقال : حَنِيفاً مُسْلِماً « آل عمران : 67 » وجمعه حُنَفَاء ، قال عز وجل : وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِحُنَفاءَ لِلَّهِ « الحج : 30 » . وتَحَنَّفَ فلان ، أي تحرى طريق الإستقامة ، وسمت العرب كل من حج أو اختتن حنيفاً ، تنبيهاً [على] أنه على دين إبراهيم عليه السلام .
والأحنف : من في رجله ميل . قيل : سمي بذلك على التفاؤل ، وقيل : بل استعير للميل المجرَّد .
ملاحظات
قال الخليل « 3/248 » : « والحنيف في قول : المسلم الذي يستقبل قبلة البيت الحرام على ملة إبراهيم حنيفا مسلماً » . والصحيح أن التسمية كانت معروفة قبل الإسلام ، وكان عبد المطلب وأجداد النبي على حنيفية إبراهيم عليه السلام لا يعبدون الأصنام . وتقدم في حنث أن الحنيفية من حَنَفَ وليس حَنَثَ ، ومعناه استقام وترك الإعوجاج ، وهي صفة لديانة إبراهيم عليه السلام وبها سمي الإسلام .
حَنَكَ - مُحَنَّك- حِنكةٌ - حنَّكه - احتنكه
الحَنَكُ : حنك الإنسان والدابة ، وقيل لمنقار الغراب : حَنَكٌ ، لكونه كالحنك من الإنسان . وقيل : أسود مثل حَنَك الغراب ، وحَلَك الغراب . فحنكه منقاره ، وحلكه سواد ريشه . وقوله تعالى : لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا « الإسراء : 62 » يجوز أن يكون من قولهم : حَنَكْتُ الدابة : أصبت حنكها باللجام والرَّسَن ، فيكون نحو قولك : لأُلْجِمَنَّ فلاناَ ولأُرْسِننَّهُ . ويجوز أن يكون من قولهم احتنك الجراد الأرض ، أي استولى بحنكه عليها فأكلها واستأصلها ، فيكون معناه : لأستولين عليهم استيلاءه على ذلك .
وفلان حَنَّكَه الدهر واحتنكه : كقولهم : نجَّذَه ، وقرع سنَّه ، وافترَّه ، ونحو ذلك من الإستعارات في التجربة .
ملاحظات
قال الخليل « 3 /64 » : « أهل الحَنَك والحِنْكة ، يعني أهل الشرف والتجارب . واحتنكت الرجل : أخذت ماله ، ومنه قوله تعالى : لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا » . وقال ابن فارس « 2/111 » : « ومن المحمول عليه استئصال الشئ وهو احتناكه ، ومنه في كتاب الله تعالى : لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 287 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حَوَبَ - تحوَّب- حوباً
الحُوبُ : الإثم ، قال عز وجل : إنهُ كانَ حُوباً كَبِيراً « النساء : 2 » والحَوْبُ المصدر منه . وروي : طلاق أم أيوب حُوب . وتسميته بذلك لكونه مزجوراً عنه ، من قولهم : حَابَ حُوباً وحَوْباً وحِيَابَةً ، والأصل فيه : حُوب ، لزجر الإبل . وفلان يَتَحَوَّبُ من كذا ، أي يتأثّم . وقولهم : ألحق الله به الحَوْبَةَ ، أي المسكنة والحاجة ، وحقيقتها هي الحاجة التي تحمل صاحبها على ارتكاب الإثم ، وقيل : بات فلان بِحَيْبَةِ سوء . والحَوْبَاء : قيل هي النفس ، وحقيقتها هي النفس المرتكبة للحوب ، وهي الموصوفة بقوله تعالى : إن النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ « يوسف : 53 » .
حُوت - حيتان - حَاوَتَهُ
قال الله تعالى : نَسِيا حُوتَهُما « الكهف : 61 » وقال تعالى : فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ « الصافات : 142 » وهو السمك العظيم . إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُـمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً « الأعراف : 163 » وقيل : حاوَتَني فلانٌ ، أي راوغني مراوغة الحوت .
حَيَدَ - حاد
قال عز وجـل : ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ « ق : 19 » أي تعدل عنه وتنفر منه .
حَيْثُ
حيثُ : عبارة عن مكان مبهم ، يشرح بالجملة التي بعده ، نحو قوله تعالى : وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ « البقرة : 144 » وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ . « البقرة : 149 » .
حَوَذَ - استحوذ - استحاذ - أَحْوَذي
الحَوْذُ : أن يتبع السائق حاذيي البعير ، أي أدبار فخِذيه فيعنف في سوقه . يقال : حَاذَ الإبلَ يَحُوذُهَا ، أي ساقها سوقاً عنيفاً .
وقوله : اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ « المجادلة : 19 » استاقهم مستولياً عليهم . أو من قولهم : استحوذ العير على الأتان ، أي استولى على حَاذَييْهَا ، أي جانبي ظهرها . ويقال : استحاذ ، وهو القياس . واستعارة ذلك كقولهم : اقتعده الشيطان وارتكبه . والأَحْوَذِي : الخفيف الحاذق بالشئ ، من الحَوْذ أي السَّوْق .
ملاحظات
استعمل القرآن مادة الإستحواذ في آيتين : إسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَان . وَإِنْ كَان لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . وهي في الموضعين بمعنى سيطر عليهم وأحاط بهم . فحَاذَ وحَوَذ وأحْوَذَ لا بد أن تكون من عالم الإحاطة والسيطرة . قال الخليل « 3/284 » : « حاذ يحوذ حَوْذاً ، أي حاط يحوط حوطاً » . فهي تشبه حاز يحوز ، وقد تكون مبدلة منها ، لكن رغبة الراغب في التكلف أخذته إلي حاذيي البعير وهما مؤخرا فخذيه ، فقال إنهما أصل المادة ، بدون شاهد من كلام العرب ! ويدل استعمال استحوذ في القرآن على أنها بذاتها لا تدل على ذم ، وقد تكون للخير ، فهي تابعة للهدف من الإستحواذ .
حَوَرَ - حَوَر - حواريون - مَحَارة - حاور - مُحاورة - حواراً
الحَوْرُ : التردُّد إما بالذات وإما بالفكر ، وقوله عز وجل : إنهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ « الإنشقاق : 14 » أي لن يبعث ، وذلك نحو قوله : زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا ، قُلْ بَلى وَرَبي لَتُبْعَثُنَّ « التغابن : 17 » . وحَارَ الماء في الغدير : تردَّدَ فيه . وحَارَ في أمره : تحيَّر . ومنه المِحْوَر للعود الذي تجري عليه البكرة لتردده . وبهذا النظر قيل : سير السَّواني أبداً لا ينقطع
والسواني جمع سانية ، وهي ما يستقى عليه من بعير أو ثور .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 288 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومَحَارَة الأذن : لظاهره المنقعر ، تشبيهاً بمحارة الماء ، لتردد الهواء بالصوت فيه كتردد الماء في المحارة . والقوم في حُور : أي في تردد إلى نقصان ، وقوله : نعوذ بالله من الحُور بعد الكُور ، أي من التردد في الأمر بعد المضي فيه ، أو من نقصان وتردد في الحال بعد الزيادة فيها ، وقيل : حار بعد ما كار .
والمُحاوَرَةُ والحِوَار : المُرَادَّة في الكلام ، ومنه التحَاوُر ، قال الله تعالى : وَاللَّه يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما « المجادلة : 1 » وكلَّمته فما رجع إليَّ حَوَاراً أو حَوِيراً أو مَحُورَةً ، أي جواباً . وما يعيش بأحْوَر ، أي بعقل يحور إليه .
وقوله تعالى : حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ « الرحمن : 72 » وَحُورٌ عِينٌ « الواقعة : 22 » جمع أَحْوَرَ وحَوْرَاء ، والحَوَر : قيل ظهور قليل من البياض في العين من بين السواد . وأَحْوَرَتْ عينه ، وذلك نهاية الحسن في العين . وقيل : حَوَّرْتُ الشّئ : بيضته ودورته ، ومنه الخبز الحُوَّارَي .
والحَوَارِيُّونَ : أنصار عيسى عليه السلام قيل كانوا قصَّارين ، وقيل كانوا صيَّادين ، وقال بعض العلماء : وإنما سموا حواريين لأنهم كانوا يطهرون نفوس الناس بإفادتهم الدين والعلم المشار إليه بقوله تعالى : إنما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً « الأحزاب : 33 » قال : وإنما قيل كانوا قصارين على التمثيل والتشبيه .
وتُصُوِّرَ منه من لم يتخصص بمعرفته لحقائق المهنة المتداولة بين العامة ، قال : وإنما كانوا صيادين لاصطيادهم نفوس الناس من الحيرة وقودهم إلى الحق قال صلى الله عليه وآله : الزبير ابن عمتي وحواريَّ . وقوله صلى الله عليه وآله : لكل نبيٍّ حَوَارِيٌّ وحواريَّ الزبير ، فتشبيه بهم في النُّصرة حيث قال : مَنْ أَنْصارِي إِلَى الله قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ الله « الصف : 14 » .
ملاحظات
1 . تهافت كلام الراغب في هذه المادة ، فجعلها بمعنى التردد المادي أو الذهني . ثم فسر يَحُورُ في الآية بيُبعث وليس فيه تردد ! ثم ذكر بعض مفردات الحَوَر ، فأرجع بعضها الى التردد ، وترك إرجاع بعضها ! وكثير من المفردات لا يصح فيها معنى التردد !
وأجاد ابن فارس فقال « 2/115 » : « حَوَرَ : ثلاثة أصول . أحدها : لون ، والآخر الرجوع ، والثالث أن يدور الشئ دوراً . فالحَوَرُ : شدة بياض العين في شدة سوادها . يقال حوَّرت الثياب أي بيضتها . ويقال لأصحاب عيسى عليه السلام الحواريون ، لأنهم كانوا يحورون الثياب أي يبيضونها . وأما الرجوع : فيقال حَارَ إذا رجع قال الله تعالى : إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ . والعرب تقول الباطل في حُورٍ أي رجع ونقص » .
2 . استعمل القرآن من المادة : يحور مرة ، والمحاورة ثلاث مرات ، والحور العين أربع مرات ، والحواريين ثلاث مرات .
هذا ، والأحاديث التي نقلها الراغب في مدح الزبير وأنه حواري النبي صلى الله عليه وآله لم يصححها أهل البيت عليهم السلام وقد طعنوا في الزبير .
حَاجَ - حاجَّه - حجَّه - حجَّ - حاجة - احتاج
الحَاجَة إلى الشئ : الفقر إليه مع محبته ، وجمعها : حَاجٌ وحاجاتٌ وحوائج . وحَاجَ يَحُوجُ : احتاج ، قال تعالى : إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها « يوسف : 68 » . وقال : حاجَةً مِمَّا أُوتُوا « الحشر : 9 » . والحَوْجَاء الحاجة . وقيل : الحاج ضرب من الشوك .
حَيَرَ - حارَ - حائر - حِيرَة - حَيْران
يقال : حَارَ يَحَارُ حَيْرَة ، فهو حَائِر وحَيْرَان ، وتَحَيَّرَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 289 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
واسْتَحَارَ : إذا تبلد في الأمر وتردد فيه ، قال تعالى : كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ « الأنعام : 71 » . والحائر : الموضع الذي يتحير به الماء ، قال الشاعر :
[تَقَضَّى شَبَابي] واسْتَحَارَ شَبَابُهَا
وهو أن يمتلئ حتى يرى في ذاته حيرة . والحيرة : موضع ، قيل سمي بذلك لاجتماع ماء كان فيه .
حَيَزَ- متحيز - حازه - حَوْزاً - تَحَيَّز - أحواز- أحوزي
قال الله تعالى : أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ « الأنفال : 16 » أي صائراً إلى حَيِّز ، وأصله من الواو ، وذلك كل جمع منضمٌّ بعضه إلى بعض . وحُزْتُ الشئ أَحُوزُهُ حَوْزاً ، وحمى حَوْزَتَهُ ، أي جمعه ، وتَحَوَّزَتِ الحيّة وتَحَيَّزَتْ أي تلوَّت . والأَحْوَزِيُّ : الذي جمع حَوْزَهُ متشمراً ، وعبر به عن الخفيف السريع .
حَاشَى - احتوش - حوْش - حشاه - حشى - حاشية
قال الله تعـالى : وَقُلْنَ حاشَ لِله « يوسف : 31 » أي بُعْداً منه . قـال أبو عبيدة : هي تنزيهٌ واستثناء . وقال أبو عليّ الفسوي رحمه الله : حَاشَ : ليس بإســم لأن حرف الجر لا يدخل على مثله وليس بحرف ، لأن الحرف لا يحذف منه ، ما لم يكن مضعَّفاً ، تقول : حَاشَ وحَاشَى . فمنهم من جعل حاش أصلاً في بابه وجعله من لفظة الحَوْش أي الوحش ، ومنه : حُوشِيُّ الكلام . وقيل : الحَوْشُ فُحُول جنٍّ نسبت إليها وحشة الصيد .
وأَحَشْتَهُ : إذا جئته من حواليه لتصرفه إلى الحبالة ، واحْتَوَشُوهُ وتَحَوَّشُوهُ : أتوه من جوانبه . والحَوْشُ : أن يأكل الإنسان من جانب الطعام . ومنهم من حمل ذلك مقلوباً من حَشَى ، ومنه الحاشية . وقال :
وما أُحاشي من الأقوام من أحدٍ
كأنه قال : لاأجعل أحداً في حشاً واحد فأستثنيه من تفضيلك عليه ، قال الشاعر :
ولا يتحشَّى الفَحْل إن أعْرضَتْ بهِ
ولا يَمْنَعُ المرباعَ منهُ فَصِيلُهَا
يصف إنساناً بالجود ، وأنه يطعم وينحر كل ما يعرض له من الفحل وغيره .
ملاحظات
قلد الراغب ابن فارس بقوله « فمنهم من جعل حاش أصلاً في بابه وجعله من لفظة الحَوْش أي الوحش ، ومنه : حُوشِيُّ الكلام » . وقال ابن فارس في المجمل /257 « الحوش : الوحش ، يقال للوحشي : حوشي » ومثله في المقاييس « 2/119 » وهو كلامٌ غير مفهوم ، ولا علاقة لحاشا بالوحش ، لكن اللغويين ذكروا ذلك تبعاً لابن فارس ، ويظهر أنه تصحيف .
والصحيح قول الخليل « 2/262 » : « حاشا : كلمة استثناء ، وربما ضم إليها لام الصفة . قال الله تعالى : قلن حاش لله » .
وقال الجوهري : « 3/1003 » : « حاش لله : تنزيهاً له . ولا يقال حاش لك قياساً عليه ، وإنما يقال : حاشاك » .
وفي المخصص « 5/2/163 » : « وأما حاشَ لله . معناه بَراءةً لله ، ومَعاذاً لله » .
وفي مختار الصحاح/81 : « قال سيبويه : حاشى : لا تكون إلا حرف جر ، لأنها لو كانت فعلاً لجاز أن تكون صلة لما ، كما يجوز ذلك في خلا » .
حَاصَ - يحيص - حيصاً - حَوْصٌ
قال تعالى : هَلْ مِنْ مَحِيصٍ « ق : 36 » وقوله تعالى : ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ « إبراهيم : 21 » أصله من حَيْص بَيْص أي شدة . وحَاصَ عن الحق يَحِيصُ ، أي حاد عنه إلى شدة ومكروه . وأما الحَوْصُ فخياطة الجلد ، ومنه حِصْتُ عين الصقر .
ملاحظات
قال الله تعالى : أُولَئِكَ مَاوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 290 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مَحِيصاً . أي محيداً . والحَيْص : الحَيْد الى فَرَج . والحَيص بَيْص : الأمر المختلط المشكل . « العين : 3/269 » . والحياصة بعامية بلاد الشام : حزام الإكاف من خلف .
حَيْض - محيض- حائض - حيضة
الحيض : الدم الخارج من الرحم على وصف مخصوص ، في وقت مخصوص . والمَحِيض : الحيض ووقت الحيض وموضعه . على أن المصدر في هذا النحو من الفعل يجئ على مفعل نحو : معاش ومعاد . وقول الشاعر :
لا يستطيع بها القِرَاد مقيلا
أي مكاناً للقيلولة ، وإن كان قد قيل هو مصدر ، ويقال : ما في بُرِّك مكيل ومكال .
حَيَطَ -يحوط - أحاط - إحاطةً - حائط- محيط - حَوَّطَه
الحائط : الجدار الذي يَحُوط بالمكان . والإحاطة : تقال على وجهين ، أحدهما : في الأجسام نحو : أَحَطْتُ بمكان كذا .
أو تستعمل في الحفظ نحو : إنهُ بِكل شَئ مُحِيطٌ « فصلت : 54 » أي حافظ له من جميع جهاته .
وتستعمل في المنع نحو : إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ « يوسف : 66 » أي إلا أن تُمنعوا .
وقوله : أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ « البقرة : 81 » فذلك أبلغ استعارة ، وذاك إن الإنسان إذا ارتكب ذنباً واستمرَّ عليه استجرَّه إلى معاودة ما هو أعظم منه ، فلا يزال يرتقي حتى يطبع على قلبه فلا يمكنه أن يخرج عن تعاطيه .
والإحتياط : استعمال ما فيه الحياطة أي الحفظ . والثاني : في العلم نحو قوله : أَحاطَ بِكل شَئ عِلْماً « الطلاق : 12 » وقوله عز وجل : إن الله بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ « آل عمران : 120 » وقوله : إن رَبي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ « هود : 92 » .
والإحاطة بالشئ علماً : هي أن تعلم وجوده وجنسه وقدره وكيفيته وغرضه المقصود به وبإيجاده ، وما يكون به ومنه ، وذلك ليس إلا لله تعالى . وقال عز وجل : بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ « يونس : 39 » فنفى ذلك عنهم .
وقال صاحب موسى عليه السلام : وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً « الكهف : 68 » تنبيهاً [على] أن الصبرالتــام إنما يقع بعد [لعدم] إحاطة العلم بالشئ ، وذلك صعب إلا بفيض إلهي . وقوله عز وجل : وَظَنُّوا أنهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ « يونس : 22 » فذلك إحاطة بالقدرة ، وكذلك قوله عز وجل : وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهـا قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها « الفتح : 21 » . وعلى ذلك قوله : إني أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ « هود : 84 » .
حَيَفَ - حاف - حيفاً - تحيَّفَ
الحَيْفُ : الميل في الحكم والجنوح إلى أحد الجانبين ، قال الله تعالى : أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ « النور : 50 » أي يخافون أن يجور في حكمه . ويقال تَحَيَّفْتُ الشئ : أخذته من جوانبه .
حَاقَ - يحيق
قوله تعالى : وَحـاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ « هود : 8 » قال عز وجل : وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ « فاطر : 43 » أي لاينزل ولا يصيب . قيل أصله : حَقَّ ، فقلب نحو : زَلَّ وزَال ، وقد قرئ : فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ « البقرة : 36 » وأزالهما . وعلى هذا : ذَمَّهُ وذامَّهُ .
حَوَلَ - حالَ - محال - حوَّل - أحال - حِوَلاً - تحول - حولٌ - حيلة - محال - حِوَلاء
أصل الحَوْل : تغير الشئ وانفصاله عن غيره ، وباعتبار التغير قيل : حَالَ الشئ يَحُولُ حُؤُولًا . واستحال : تهيأ لأن يحول ، وباعتبار الإنفصال قيل : حَالَ بيني وبينك كذا . وقوله تعالى : وَاعْلَمُوا إن الله يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ « الأنفال : 24 » فإشارة إلى ما قيل في وصفه : يا مقلب القلوب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 291 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والأبصار ، وهو أن يلقي في قلب الإنسان ما يصرفه عن مراده لحكمة تقتضي ذلك .
وقيل على ذلك : وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مـا يَشْتَهُونَ « سبأ : 54 » وقال بعضهم في قوله : يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ « الأنفال : 24 » هو أن يهلكه ، أو يردَّه إلى أرذل العمر : لِكَىْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا .
وحَوَّلْتُ الشئ فَتَحَوَّلَ : غيَّرته ، إما بالذات وإما بالحكم والقول . ومنه : أَحَلْتُ على فلان بالدين . وقولك : حوَّلت الكتاب هو أن تنقل صورة ما فيه إلى غيره من غير إزالة الصورة الأولى . وفي المثل : لو كان ذا حيلة لتحول ، وقوله عز وجل : لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا « الكهف : 108 » أي تحوُّلاً .
والحَوْلُ : السنة ، اعتباراً بانقلابها ودوران الشمس في مطالعها ومغاربها ، قال الله تعـالى : وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ « البقرة : 233 » وقوله عز وجل : مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ « البقرة : 240 » ومنه : حَالَتِ السنة تَحُولُ ، وحَالَتِ الدار : تغيرت ، وأَحَالَتْ وأَحْوَلَتْ : أتى عليها الحول ، نحو : أعامت وأشهرت . وأَحَال فلان بمكان كذا : أقام به حولاً ، وحَالَتِ الناقة تَحُولُ حِيَالًا : إذا لم تحمل ، وذلك لتغيُّر ما جرت به عادتها .
والحالُ : لما يختصُّ به الإنسان وغيره من أموره المتغيرة ، في نفسه وجسمه وقنيته . والحَوْل : ما له من القوة في أحد هذه الأصول الثلاثة ، ومنه قيل : لا حول ولا قوة إلا بالله .
وحَوْلُ الشئ : جانبه الذي يمكنه أن يحول إليه قال عز وجل : الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ « غافر : 7 » .
والحِيلَة والحُوَيْلَة : ما يتوصل به إلى حالة ما في خفية . وأكثر استعمالها فيما في تعاطيه خبث ، وقد تستعمل فيما فيه حكمة ، ولهذا قيل في وصف الله عز وجل : وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ « الرعد : 13 » أي الوصول في خفية من الناس إلى ما فيه حكمة ، وعلى هذا النحو وصف بالمكر والكيد لا على الوجه المذموم ، تعالى الله عن القبيح .
والحيلة : من الحول ، ولكن قلبت واوها ياء لانكسار ما قبلها ، ومنه قيل : رجل حُوَلٌ .
وأما المَحَال : فهو ما جمع فيه بين المتناقضين ، وذلك يوجد في المقال نحو أن يقال : جسم واحد في مكانين في حالة واحدة . واستحال الشئ : صار محالاً ، فهو مُسْتَحِيل . أي آخذٌ في أن يصير محالاً .
والحِوَلَاء : لما يخرج مع الولد . ولا أفعل كذا ما أرزمت أمُّ حائل ، وهي الأنثى من أولاد الناقة ، إذا تحولت عن حال الإشتباه فبانَ أنها أنثى ، ويقال للذكر بإزائها سَقَب .
والحال : تستعمل في اللغة للصِّفة التي عليها الموصوف ، وفي تعارف أهل المنطق لكيفية سريعة الزوال ، نحو : حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة عارضة .
ملاحظات
1 . جعل الراغب أصل الحَوْل تغير الشئ وانفصاله عن غيره ، وجعله الخليل بمعنى السنة « 3/297 » وجعله ابن فارس « 2/121 » التحرك في دوران . وبعض فروعه يمكن إرجاعها الى ما ذكروا ، وبعضها لا يمكن .
2 . استعمل القرآن المادة بمعنى الحيلولة في ثلاث آيات : وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ . يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ . وَحِيلَ بَيْنَهُمْ .
واستعمل الحول بمعنى السنة : يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ . والبدل : لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً .
والحيلة بمعنى المخرج : لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً . واستعمل التحويل بمعنى التغيير . واستعمل حوله ، وحولهم ، وحولك ، وحولكم ، وحولها ، بمعنى مايحيط به ، ويقرب منه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 292 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حِينٌ - حان حينه - أحْيَنَ - حيَّنه - مُحاينةً
الحِينُ : وقت بلوغ الشئ وحصوله ، وهو مبهم المعنى ويتخصص بالمضاف إليه نحو قوله تعـالى : وَلاتَ حِينَ مَناصٍ . « صاد : 3 » . ومَنْ قال حينٌ يأتي على أوجه : للأجل ، نحو : فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ « الصافات : 148 » وللسنة ، نحــو قوله تعـالى : تُؤْتِي أُكُلَها كل حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها « إبراهيم : 25 » وللساعة نحو : حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ « الروم : 17 » . وللزمان المطلق ، نحو : هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ « الدهر : 1 » وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ « صاد : 88 » ، فإنما فسر ذلك بحسب ما وجده قد عُلِّقَ به .
ويقال : عاملته مُحَايَنَةً حيناً وحيناً . وأَحْيَنْتُ بالمكان : أقمت به حيناً . وحَانَ حِينُ كذا ، أي قرب أوانه . وحَيَّنْتُ الشئ : جعلت له حيناً . والحِينُ : عُبِّر به عن حين الموت .
حَيِيَ -حياة - حيَّ - حَيِيٌّ - أحيا - حيوان - حَيَا- تحية - استحيا- استحى - حياء
الحياة : تستعمل على أوجه ، الأول : للقوة النامية الموجودة في النبات والحيوان ، ومنه قيل : نبات حَيٌّ ، قال عز وجل : إعْلَمُوا أن الله يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها « الحديد : 17 » . وقال تعالى : وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْـدَةً مَيْتاً « ق : 11 » وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كل شَئ حَيٍّ « الأنبياء : 30 » .
الثانية : للقوة الحساسة ، وبه سمي الحيوان حيواناً ، قال عز وجل : وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ « فاطر : 22 » وقوله تعالى : أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً « المرسلات : 25 » وقولـه تعالى : إن الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إنهُ عَلى كل شَئ قَدِيــرٌ « فصلت : 39 » . فقوله : إن الَّذِي أَحْياها ، إشارة إلى القوة النامية ، وقوله : لَمُحْيِ الْمَوْتى ، إشارة إلى القوّة الحسّاسة .
الثالثة : للقوة العاملة العاقلة كقوله تعالى : أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ « الأنعام : 122 » وقول الشاعر :
وقد أسْمَعْتَ لو نَادَيْتَ حَيّاً
ولكنْ لا حَيَاةَ لمن تُنَادِي
والرابعة : عبارة عن ارتفاع الغم ، وبهذا النظر قال الشاعر :
ليس من ماتَ فاستراحَ بِمَيْتٍ
إنمــا الميْتُ مَيِّتُ الأحيـــاءِ
وعلى هذا قوله عز وجل : وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ « آل عمران : 169 » أي هم متلذذون ، لما روي في الأخبار الكثيرة في أرواح الشهداء .
والخامسة : الحياة الأخروية الأبدية ، وذلك يتوصل إليه بالحياة التي هي العقل والعلم ، قال الله تعالى : اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ « الأنفال : 24 » وقوله : يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي « الفجــر : 24 » يعني بها : الحياة الأخروية الدائمة .
والسادسة : الحياة التي يوصف بها الباري ، فإنه إذا قيل فيه تعالى : هو حيٌّ فمعناه : لا يصح عليه الموت ، وليس ذلك إلا لله عز وجل .
والحياة باعتبار الدنيا والآخرة ضربان : الحياة الدنيا ، والحياة الآخرة : قال عز وجل : فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا « النازعات : 38 » وقال عز وجل : اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ « البقرة : 86 » وقال تعالى : وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ « الرعد : 26 » أي الأعراض الدنيوية . وقال : وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَإنوا بِها « يونس : 7 » .
وقوله تعالى : وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ « البقرة : 96 » أي حياة الدنيا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 293 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقوله عز وجل : وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى « البقرة : 260 » كان يطلب أن يريه الحياة الأخروية المُعَرَّاة عن شوائب الآفات الدنيوية .
وقوله عز وجـل : وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ « البقرة : 179 » أي يرتدع بالقصاص من يريد الإقدام على القتل ، فيكون في ذلك حياة الناس . وقال عز وجل : وَمَنْ أَحْياها فَكَأنما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً « المائدة : 32 » أي من نجاها من الهلاك . وعلى هذا قوله مخبراً عن إبراهيم : رَبِيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَاأُحْيِي وَأُمِيتُ « البقرة : 258 » أي أعفو فيكون إحياء .
والحَيَوَانُ : مَقَرُّ الحياة ، ويقال على ضربين ، أحدهما : ما له الحاسة ، والثاني : ما له البقاء الأبدي ، وهو المذكور في قوله عز وجل : وَإن الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَــوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ « العنكبوت : 64 » . وقد نبه بقوله : لَهِيَ الْحَيَوانُ [على] أن الحيوان الحقيقي السَّرمدي الذي لايفنى ، لا ما يبقى مدة ثم يفنى . وقال بعض أهل اللغة : الحَيَوَان والحياة واحد . وقيل : الحَيَوَان ما فيه الحياة . والموَتان : ما ليس فيه الحياة .
والحَيَا : المطر ، لأنه يحيي الأرض بعد موتها ، وإلى هذا أشار بقوله تعالى : وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كل شَئ حَيٍّ « الأنبياء : 30 » . وقوله تعالى : إنا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى « مريم : 7 » فقد نبه [على] أنه سماه بذلك من حيث إنه لم تُمِتْهُ الذنوب ، كما أماتت كثيراً من ولد آدم عليه السلام ، لا أنه كان يعرف بذلك فقط ، فإن هذا قليل الفائدة .
وقوله عز وجل : يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْميتِ وَيُخْرِجُ الْميتَ مِنَ الْحَيِّ « يونس : 31 » أي يخرج الإنسان من النطفة ، والدجاجة من البيضة ، ويخرج النبات من الأرض ، ويخرج النطفة من الإنسان .
وقوله عز وجل : وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها « النساء : 86 » وقوله تعالى : فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ الله « النور : 61 » . فَالتحِيَّة أن يقال : حَيَّاك َ الله ، أي جعل لك حياة ، وذلك إخبار ، ثم يجعل دعاء . ويقال : حَيَّا فلان فلاناً تَحِيَّة إذا قال له ذلك ، وأصل التحية من الحياة ، ثم جعل ذلك دعاء تحية ، لكون جميعه غير خارج عن حصول الحياة ، أو سبب حياة إما في الدنيا وإما في الآخرة . ومنه : التحيَّات لله .
وقوله عز وجل : وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ « البقرة : 49 » أي يستبقونهن . والحَياءُ : انقباض النفس عن القبائح وتركه ، لذلك يقال : حَيِيَ فهو حَيِيٌّ . واستحيا فهو مُسْتَحْيٍ ، وقيل استَحَى فهو مستحٍ ، قـال الله تعـالى : إن الله لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها « البقرة : 26 » وقال عز وجل : وَ الله لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحق « الأحزاب : 53 »
وروي : إن الله تعالى يستحي من ذي الشيبة المسلم أن يعذبه ، فليس يراد به انقباض النفس إذ هو تعالى منزهٌ عن الوصف بذلك ، وإنما المراد به ترك تعذيبه . وعلى هذا ما روي : إن الله حَيِيٌّ ، أي تاركٌ للقبائح فاعل للمحاسن .
ملاحظات
استعمل القرآن مادة الحياة والموت في معان أخرى سوى ما ذكره الراغب :
منها : حياة المؤمن وموت الكافر ، قال تعالى : أَوَ مَنْ كَأن مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ .
ومنهـا : حيوية يحيي عليه السلام : يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَميا . وقوله تعالى : مِنْ قَبْلُ ، يدل على وجود سميٍّ له بعده . وهو الحسين عليه السلام . كما نصت الرواية .
ومنها : في استحياء النساء وقتل الرجال : إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَـاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ .
ومنها : في حياة الرجعة في الدنيا : قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 294 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا .
وفي أنواع الحياة بعد الموت : وَلاتَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَـاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ .
ومنها : في نوع الحياة في الآخرة : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وذكر أن بعض أهل النار الذين لايموتون ولا يحيون : الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى . ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى .
هذا ، وقد فسر الراغب عدداً من الآيات علي طريقته الصوفية ، ولا نطيل بذكر الإشكال فيها .
حَوَايَا - حَوَيْتُ - حِوايةً- أحوى - حَوَّاء
الحَوَايَا : جمع حَوِيَّة ، وهي الأمعاء ويقال للكساء الذي يلفُّ به السَّنام حويَّة ، وأصله من حَوَيْتُ كذا حَيّاً وحَوَايَةً . قال الله تعالى : أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ « الأنعام : 146 » .
وقوله عز وجل : فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى « الأعلى : 5 » أي شديد السواد وذلك إشارة إلى الدُّرَيْن « النبات اليابس » نحو : وطال حبسٌ بالدُّرَيْنِ الأسودِ . وقيل تقديره : والذي أخرج المرعى أحوى فجعله غثاء . والحُوَّة : شدة الخضـرة . وقد احْوَوَى يَحْوَوِي احْوِوَاءً ، نحو ارعوى ، وقيل ليس لهما نظير . وحَوَى حُوَّةً ومنه : أَحْوَى وحَوَّاء .
ملاحظات
وردت الحوايا في القرآن مرة واحدة : حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا . قال ابن منظور « 14/209 » : « حاوِيَةٌ وحَوايا : مثل زاوية وزَوايا ، ومنهم من يقول حَوِيَّة وحَوايا . وحاوِية البَطْنِ وحاوِياءُ البطن ، كله بمعنى . وأَنشد ابن بري لعليٍّ كرم الله وجهه :
أضْرِبُهـــم ولا أَرى مُعاويَـــهْ
الجاحِظَ العَينِ العَظيمَ الحاوِيَه »
وورد الأحوي في قولـــه تعــالي : وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى . فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى « الأعلى : 4 » وقال أكثرهم : جعله هشيماً يابساً أسود ، ولا يصح ذلك ، بل الأحوى الجامع لأنواع النبات والخضرة . والغُثاء : الطري اللين ، بدليل أن الله تعالى وصف به المرعى الذي أخرجه الله ، ولو كان وصفاً له بعد يبسه لقال : ثم جعله غثاء .
وقد أخطأ الزركشي فقال في البرهان « 3/380 » : « فجعله غثاء أحوى : أي أحوى غثاء ، أي أخضر يميل إلى السواد ، والموجب لتأخير أحوى رعاية الفواصل » ! وغفل عن أنه ليس في كلامه تعالى تأخير وتقديم من أجل القافية !
تمَّ كتاب الحاء .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 295 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 296 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

کتاب الخاء وما يتصل بها

خ
يشمل ?? مفردة و ?? ملاحظة
خَبَتَ - أخبت - مخبت - إخباتاً - الخبْت
الخَبْتُ : المطمئن من الأرض . وأَخْبَتَ الرجل : قصد الخبت أو نزله ، نحو : أسهل وأنجد . ثم استعمل الإخبات استعمال اللين والتواضع ، قال الله تعالى : وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ « هود : 23 » وقال تعـالى : وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ « الحج : 34 » أي المتواضعين ، نحو : لايَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ « الأعراف : 206 » . وقوله تعـالى : فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ « الحـج : 54 » أي تليــن وتخشع . والإخبات هاهنا قريب من الهبوط في قوله تعالى : وَإن مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله « البقرة : 74 » .
ملاحظات
ليت الراغب ترك التكلف وأخذ المادة من الخليل أو الجوهري أو ابن فارس ، الذي قال « 2/238 » : « أصل واحد يدل على خشوع . يقال أخبت يخبت إخباتاً إذا خشع . وأصله من الخبت وهو المفازة لا نبات بها » .
وليته أخذ معنى المخبتين من الآية : وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ . الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَـا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِى الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . فالإخبات : مصطلح إسلامي يعني أن شخصية صاحبه كالأرض المبسوطة الخاشعة . ولا داعي لجعله كالهبوط والنزول في أرض خَبْتَة !
خَبَثَ - خَبُثَ - خبثاً - أخبث - خبيثٌ مُخْبِث - خبائث - خبيثون
الخُبْثُ والخَبِيثُ : ما يُكرهُ رَدَاءَةً وخَسَاسَةً ، محسوساً كان أو معقولاً ، وأصله الردئ : الدَّخَلَة الجاري مجرى خَبَثِ الحديد ، كما قال الشاعر :
سبكناهُ ونَحْسَبُهُ لجُيْناً
فأبدى الكِيرُ عن خَبَثِ الحديدِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 297 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وذلك يتناول الباطل في الإعتقاد ، والكذب في المقال ، والقبيح في الفعال ، قال عز وجل : وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ « الأعراف : 157 » أي ما لايوافق النفس من المحظورات .
وقوله تعالى : وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ « الأنبياء : 74 » فكناية عن إتيان الرجال .
وقال تعالى : ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطيِّبِ « آل عمران : 179 » أي الأعمال الخبيثة من الأعمال الصالحة ، والنفوس الخبيثة من النفوس الزكية .
وقـال تعالى : وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطيِّبِ « النساء : 2 » أي الحرام بالحلال . وقال تعالى : الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ « النور : 26 » أي الأفعال الردية والإختيارات المبهرجة لأمثالها ، وكذا : الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ . وقال تعـالى : قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطيِّبُ « المائدة : 100 » أي الكافر والمؤمن ، والأعمال الفاسدة والأعمال الصالحة .
وقوله تعالى : وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ « إبراهيم : 26 » فإشارة إلى كل كلمة قبيحة من كفر وكذب ونميمة وغير ذلك . وقال صلى الله عليه وآله : المؤمن أطيب من عمله ، والكافر أخبث من عمله . ويقال : خبيث مُخْبِث ، أي فاعل الخُبْث .
ملاحظات
1 . الشجرة الطيبة : إبراهيم وآله عليهم السلام ، وأولهم النبي وآله عليهم السلام ، والشجرة الخبيثة أعداؤهم . قال الإمام الباقر عليه السلام : « هذا مثل ضربه الله لأهل بيت نبيه عليهم السلام ولمن عاداهم » . « تفسير العياشي : 2/22 » .
وقد حاول علماء السلطة إبعاد الشجرة الخبيثة عن أعــداء أهل البيت عليهم السلام فقالوا إنها الحنظل أو الطحلب الذي يلتف على الشجر ، وقالوا شجرة الثوم ، وشجرة الشوك ، والكمأة ، وكل شجرة لا يطيب ثمرها . وكله من اختراع مبغضي أهل البيت عليهم السلام .
2 . استعمل القرآن المادة بمعنى الخباثة الذاتية : وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلا نَكِدًا .
وبمعنى الناس السيئين المختلطين بالطيبين : مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ،
وبمعنى الحرام من مطعم ومشرب وسلوك : وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ، .
وبمعنى الفاحشة الجنسية : وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ .
3 . حاول بعضهم تفسير قاعدة : الْخَبِيثَاتُ للَّخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ للَّخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ للَّطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ للَّطَّيِّبَاتِ بأنها في الدنيا لإثبات صلاح كل زوجات النبي صلى الله عليه وآله ، ولا يصح ذلك بل هي قاعدة للآخرة والجنة ، لأنه تعالى نص على إن زوجة نوح ولوط خبيثتان مع أن زوجاهما طيبان ، قال تعالى : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً للَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحِينِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ .
خَبَرَ - خبرته خُبراً - خِبرة - مخابرة - أخبار - خَبَار
الخُبْرُ : العلم بالأشياء المعلومة من جهة الخَبَر ، وخَبَرْتُهُ خُبْراً وخِبْرَة . وأَخْبَرْتُ : أعلمتُ بما حصل لي من الخبر . وقيل الخِبْرَة المعرفة ببواطن الأمر .
والخَبَار والخَبْرَاء : الأرض اللَّيِّنة ، وقد يقال ذلك لما فيها من الشجر . والمخابرة : مزارعة الخبار بشئ معلوم . والخَبِيرُ : الأكار فيه . والخَبْر : المزادة العظيمة ، وشبهت بها الناقة فسميت خبراً .
وقوله تعـالى : وَاللَّه خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ « آل عمران : 153 »
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 298 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أي عالم بأخبـار أعمالكم ، وقيل أي عالم ببواطن أموركم . وقيل خبير بمعنى مخبر ، كقوله : فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ « المائدة : 105 » وقال تعالى : وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ « محمد : 31 » قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ « التوبة : 94 » أي من أحوالكم التي نخبر عنها .
خَبَزَ - خبزَ - اختبزَ - خُبْزاً - خِبازةً - خبيزاً
الخُبْز : معروف ، قـال الله تعالى : أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً « يوسف : 36 » . والخُبْزَة : ما يجعل في المَلَّة « كالتنور » والخَبْزُ : اتخاذه . واختبزتُ : إذا أمرت بخبزه . والخِبَازَة : صَنْعَتُه . واستعير الخَبْز للسَّوْق الشديد ، لتشبيه هيئة السائق بالخابز .
خَبَطَ - خبطاً - مخبوط - اختباط
الخَبْط : الضرب على غير استواء ، كخبط البعير الأرض بيده ، والرجل الشجرَ بعصاه . ويقال للمخبوط : خَبْطٌ ، كما يقال للمضروب : ضَرْبٌ . واستعير لعسف السلطان فقيل : سلطان خَبُوط .
واختباط المعروف : طلبه بعسف ، تشبيهاً بخبط الورق ، وقوله تعالى : يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمسِّ . « البقرة : 275 » .
خَبَلَ - خبَلاً - خَبالاً - مُخَبَّل - خَبَّله
الخَبَالُ : الفساد الذي يلحق الحيوان فيورثه اضطراباً ، كالجنون والمرض المؤثر في العقل والفكر ، ويقال : خَبَلٌ وخَبْلٌ وخَبَال ، ويقال : خَبَلَهُ وخَبَّلَهُ فهو خَابِل ، والجمع الخُبَّل ، ورجل مُخَبَّل . قال الله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا « آل عمران : 118 » وقال عز وجل : ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا « التوبة : 47 » .
وفي الحديث : من شرب الخمر ثلاثاً كان حقاً على الله تعالى أن يسقيه من طينة الخبال . قال زهير :
هنالكَ إن يُسْتَخْبَلُوا المالَ يُخبلوا
أي إن طلب منهم إفساد شئ من إبلهم ، أفسدوه .
خَبَوَ - خِبَاء - خَبَتْ - تخبو
خَبَتِ النار تَخْبُو : سكن لهبها ، وصار عليها خِباء من رماد ، أي غِشاء . وأصل الخِبَاء : الغطاء الذي يتغطى به ، وقيل لغشاء السنبلة خِباء . قال عز وجل : كلما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً . « الإسراء : 97 » .
خَبَأَ - خِباء - مُخَبَّأ - خَبْء- خَبَّأ - خابية
يُخْرِجُ الْخَبْءَ « النمل : 25 » يقال ذلك لكل مُدَّخَر مستور ، ومنه قيل : جاريةٌ مُخْبَأَة . والخُبْأة : الجارية التي تظهر مرة وتُخَبّأ أخرى . والخِبَاءُ : سِمَةٌ في موضع خَفِيٍّ « فى الحيوان » .
خَتَرَ- ختار
الخَتْرُ : غدر يَخْتِرُ فيه الإنسان ، أي يضعف ويُكسر لاجتهاده فيه . قال الله تعالى : كل خَتَّارٍ كَفُورٍ « لقمان : 32 » .
ملاحظات
قال ابن فارس « 2/244 » : « الختر : وهو الغدر ، وذلك أنه إذا خَتَرَ فقد قعد عن الوفاء . والختَّار : الغدار ، قال الله تعالى : وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ » . وقال الخليل « 4/236 » : « الخَتْرُ : شبه الغدر ، ورجل خَتَّار : غدار » .
خَتَمَ - خاتم - ختام - مختوم - ختمة - ختم - اختتم
الخَتْمُ والطَّبْع : يقال على وجهين : مصدر خَتَمْتُ وطبعت ، وهو تأثير الشئ كنقش الخاتم والطابع . والثاني : الأثر الحاصل عن النقش ، ويتجوز بذلك تارةً في الإستيثاق من الشئ والمنع منه ، اعتباراً بما يحصل من المنع بالختم على الكتب والأبواب ، نحو : خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ « البقرة : 7 » وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ « الجاثية : 23 » .
وتارةً في تحصيل أثر عن شئ ، اعتباراً بالنقش الحاصل . وتارةً يُعتبر منه بلوغ الآخر ، ومنه قيل : ختمت القرآن ، أي انتهيت إلى آخره . فقوله : خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ « البقرة : 7 » وقوله تعالى : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصـــارَكُمْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 299 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ « الأنعام : 46 » إشارةٌ إلى ما أجرى الله به العادة أن الإنسان إذا تناهى في اعتقاد باطل أو ارتكاب محظور ، ولا يكون منه تلفتٌ بوجه إلى الحق ، يورثه ذلك هيئة تمرنه على استحسان المعاصي ، وكأنما يختم بذلك على قلبه ، وعلى ذلك : أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِـمْ وَأَبْصارِهِمْ « النحل : 108 » .
وعلى هذا النحو استعارة الإغفال في قوله عز وجل : وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا « الكهف : 28 » .
واستعارة الكَنّ في قوله تعالى : وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ . « الأنعام : 25 » .
واستعارة القساوة في قوله تعالى : وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً « المائدة : 13 » قال الجبَّائي : يجعل الله ختماً على قلوب الكفار ، ليكون دلالة للملائكة على كفرهم فلا يدعون لهم . وليس ذلك بشئ ، فإن هذه الكتابة إن كانت محسوسة فمن حقها أن يدركها أصحاب التشريح ، وإن كانت معقولة غير محسوسة فالملائكة باطلاعهم على اعتقاداتهم مستغنية عن الإستدلال .
وقال بعضهم : خَتْمُهُ شهادته تعالى عليه أنه لا يؤمن ، وقوله تعالى : الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ « طس : 65 » أي نمنعهم من الكلام . وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ « الأحزاب : 40 » لأنه خَتَمَ النبوة ، أي تممهـا بمجيئه .
وقوله عز وجل : خِتامُهُ مِسْكٌ « المطففين : 26 » قيل : ما يختم به أي يطبع ، وإنما معناه : منقطعه وخاتمة شربه ، أي سؤره في الطيب مسك . وقول من قال يختم بالمسك ، أي يطبع ، فليس بشئ ، لأن الشراب يجب أن يطيب في نفسه ، فأما ختمه بالطيب فليس مما يفيده ، ولا ينفعه طيب خاتمه ما لم يطب في نفسه .
ملاحظات
قال الخليل « 4/241 » : « الخاتم : ما يوضع على الطينة ، إسمٌ مثل العالِم . والختام : الطين الذي يختم به على كتاب . وخاتمة السورة : آخرها . وخاتم العمل وكل شئ : آخره . وختمت زرعي : إذا سقيته أول سَقْيَة » .
وقال ابن فارس « 2/245 » : « ويقال الخاتم والخاتام والخيتام . قال الله تعالى : ختامه مسك ، أي إن آخر ما يجدونه منه عند شربهم إياه رائحة المسك » .
خَدَّ - أخدوداً - خدَّه - خدَّدَه
قال الله تعالى : قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ « البروج : 4 » . الخَدُّ والأخدود : شقٌّ في الأرض مستطيل غائص ، وجمع الأخدود أَخَادِيد ، وأصل ذلك من خَدَّيِ الإنسان ، وهما : ما اكتنفا الأنف عن اليمين والشمال . والخَدُّ : يستعار للأرض ولغيرها ، كاستعارة الوجه . وتَخَدُّدُ اللحمِ : زواله عن وجه الجسم ، يقال : خَدَّدْتُهُ فَتَخَدَّدَ .
ملاحظات
قال الخليل « 4/138 » : « المخدة : المصدغة ، واشتقاقهما من الخد والصدغ ، وهو من لدن المحجر إلى اللِّحْيِ من الجانبين . والخَدُّ : جعلك أخدوداً في الأرض ، تحفره مستطيلاً ، يقال خدَّه خداً » .
وقال ابن منظور « 3/ 161 » : « كان أَصحاب الأُخدود خَدُّوا في الأَرض أَخاديدَ ، وأَوقدوا عليها النيران حتى حميت ، ثم عرضوا الكفر على الناس ، فمن امتنع أَلقَوْه فيها » .
خَدَعَ - خادعَ - خداعاً - خداعة - مخدع - الأخدع - الأخدعان
الخِدَاع : إنزال الغير عما هو بصدده ، بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه . قال تعالى : يُخادِعُونَ الله « البقرة : 9 » أي يخادعون رسوله وأولياءه ، ونسب ذلك إلى الله تعالى من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 300 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حيث أن معاملة الرسول كمعاملته ، ولذلك قال تعالى : إن الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إنما يُبايِعُونَ الله « الفتـح : 10 » . وجعل ذلك خداعاً تفظيعاً لفعلهم وتنبيهاً على عظم الرسول وعظم أوليائه .
وقول أهل اللغة : إن هذا على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، فيجب أن يعلم أن المقصود بمثله في الحذف لا يحصل لو أتى بالمضاف المحذوف ، لما ذكرنا من التنبيه على أمرين ، أحدهما : فظاعة فعلهم فيما تَحَرَّوْهُ من الخديعة ، وأنهم بمخادعتهم إياه يخادعون الله . والثاني : التنبيه على عظم المقصود بالخداع ، وأن معاملته كمعاملة الله ، كما نبه عليه بقوله تعــالى : إن الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ . الآية . « الفتح : 10 » .
وقوله تعالى : وَهُوَ خادِعُهُمْ « النساء : 142 » قيل معناه : مجازيهم بالخداع ، وقيل على وجه آخر مذكور في قوله تعالى : وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ « آل عمران : 54 » .
وقيل : خَدَعَ الضَّبُّ أي استتر في جحره ، واستعمال ذلك في الضب أنه يُعِدَّ عقرباً تلدغ من يدخل يديه في جحره ، حتى قيل : العقرب بواب الضب وحاجبه ، ولاعتقاد الخديعة فيه قيل : أَخْدَعُ من ضب .
وطريق خَادِع وخَيْدَع : مضل ، كأنه يخدع سالكه . والمَخْدَع : بيت في بيت ، كأن بانيه جعله خادعاً لمن رام تناول ما فيه . وخَدَعَ الريق : إذا قلَّ ، متصوَّراً منه هذا المعنى .
والأَخْدَعَان : « عرقان في العنق » تُصُوِّر منهما الخداع لاستتارهما تارة ، وظهورهما تارة . يقال : خَدَعْتُهُ : قطعت أَخْدَعَهُ . وفي الحديث : بين يدي الساعة سنون خَدَّاعَة أي محتالة لتلونها بالجدب مرة وبالخصب مرة .
ملاحظات
1 . تعريف الراغب للخداع ضعيف ، لكن تفسيره لمخادعة الكفار لله تعالى ، قوي . قال ابن فارس « 2/161 » : « أصل واحد ذكر الخليل قياسه . قال الخليل : الإخداع إخفاء الشئ ، قال : وبذلك سميت الخزانة المخدع ، وعلى هذا الذي ذكر الخليل يجري الباب ، فمنه خدعت الرجل ختلته ، ومنه الحرب خُدْعَة وخِدْعَة ، ويقال خدع الريق في الفم ، وذلك أنه يخفى في الحلق ويغيب » .
وقـال الخليل « 1/115 » : « والخُدعة المرة الواحــدة . والإنخداع الرضا بالخدع . والتخادع : التشبه بالمخدوع . والخَدَعَة : الرجل المخدوع » .
2 . استعمل القرآن مادة خدع في ثلاث آيات : قال تعالى : وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ . . إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ . . يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ . فهم يريدون أن يخدعوا النبي صلى الله عليه وآله وهم يخادعون الله تعالى ، أي يقومون بما يرونه خداعاً وينتظرون الرد ، ويأملون أن يكون عملهم أقوى .
خَدَنَ - خِدْنٌ- خدين - أخدان
قال الله تعالى : وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ « النساء : 25 » جمع خِدْن أي المصاحب . وأكثر ذلك يستعمل فيمن يصاحب بشهوة يقال : خِدْنُ المرأة وخَدِينُهَا ، وقول الشاعر : خدين العُلى ، فاستعارةً كقولهم : يعشق العُلى ، ويشبب بالندى ، وينسب بالمكارم .
خَذَلَ - خذلاناً - تخاذل - خُذَلة
قال تعالى : وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا « الفرقان : 29 » أي كثير الخذلان . والخِذْلَان : ترك من يظن به أن ينصره نصرته ، ولذلك قيل خَذَلَتِ الوحشية ولدها ، وتَخَاذَلَت رِجْلَا فلان ، ومنه قول الأعشى :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 301 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بيــــن مغلـــوبٍ تَلِيــلٍ خــدُّه
وخَذُولٍ الرِّجْلِ من غير كُسَحْ
ورَجُلٌ خُذَلَة : كثيراً ما يَخْذُل .
خُذْ - خذوه
قال الله تعالى : فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ « الأعراف : 144 » وخُذُوهُ أصله من : أخذ ، وقد تقدم .
خَرَّ - خريراً
فَكَأنما خَرَّ مِنَ السَّماءِ « الحج : 31 » وقال تعالى : فَلما خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ « سبأ : 14 » وقال تعالى : فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ « النحل : 26 » فمعنى خَرَّ سقط سقوطاً يسمع منه خرير . والخَرِير : يقال لصوت الماء والريح وغير ذلك مما يسقط من علو . وقوله تعالى : خَرُّوا سُجَّداً « السجدة : 15 » فاستعمال الخَرِّ تنبيهٌ على اجتماع أمرين : السقوط ، وحصول الصوت منهم بالتسبيح .
وقوله من بعده : وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ « السجدة : 15 » فتنبيهٌ [على] أن ذلك الخرير كان تسبيحاً بحمد الله لابشئ آخر .
ملاحظات
أجمع اللغويون على أن معنى خرَّ : سقط . وعلى أن الخرير صوت الماء وشبهه . وقد تكلف الراغب فجعل معنى خَرَّ : سقط سقوطاً يسمع منه خرير ، ثم جعل معنى خرير الملائكة سقوطاً ومعه التسبيح ، وكلها إضافات الى المعنى من عنده ! فالخرير في العشر آيات التي استعمل فيها بمعنى مجرد السقوط ، أما شكل السقوط ، وهل يرافقه صوت أو تسبيح ، فهو بدليل آخر ، إن كان !
خَرِبَ - خراباً - خرَّبتخريباً - أخرب - خُربة - خَرْب
يقال : خَرِبَ المكان خَرَاباً ، وهو ضد العمارة ، قال الله تعالى : وَسَعى فِي خَرابِها « البقرة : 114 » وقـد أَخْرَبَه وخَرَّبَهُ ، قال الله تعالى : يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ « الحشر : 2 » فتخريبهم بأيديهم إنما كان لئلّا تبقى للنبي صلى الله عليه وآله وأصحابه . وقيل كان بإجلائهم عنها .
والخُرْبَة : شقٌّ واسع في الأذن ، تَصَوُّراً أنه قد خرب أذنه ، ويقال : رجل أَخْرَب وامرأة خَرْبَاء ، نحو أقطع وقطعاء .
ثم شبه به الخرق في أذن المزادة ، فقيل خَرِبَة المزادة ، واستعارة ذلك كاستعارة الأذن له ، وجعل الخارب مختصاً بسارق الإبل . والخَرْب : ذكر الحبارى وجمعه خِرْبَان ، قال الشاعر :
أَبْصَرَخِرْبَانٌ فضاءً فانْكَدَرْ .
ملاحظات
1 . لم تذكر مادة خَرِبَ إلا في الآيتين اللتين ذكرهما الراغب ، وهما بمعنى الخراب من العمران المادي والمعنوي . وفي حديث النبي صلى الله عليه وآله : « أربـعٌ ، لا تدخل بيتاً واحدة منهن إلا خرب ولم يعمر بالبركة : الخيانة ، والسرقة ، وشرب الخمر ، والزنا » . « أمالى الصدوق/482 » .
وفي حديث علي عليه السلام : « يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا إسمه ، مساجدهم يومئذ عامـرة من البُنى خراب من الهُدى ، سكانهـــا وعمارها شر أهل الأرض » . « نهج البلاغة : 4/87 » .
2 . تدل استعمالات المادة على أصالتها في الخراب من العمران ، وهذا يضعف قول ابن فارس « 2/ 174 » : « أصل يدل على التثلم والتثقب » بل يدل على ضد العمران .
3 . لا يمكن أن نرجع اليه فروع خرب كخربة الأذن ولا خربة المزادة ، وقد يكون أصلهما بالقاف ، أو يكونان من أصل آخر .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 302 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خَرَجَ - خروج - خراج - خارجي - مُخرَج - تخريج - خرْجٌ - خراجٌ
خَرَجَ خُرُوجاً : برز من مقره أو حاله ، سواء كان مقره داراً أو بلداً أو ثوباً ، وسواء كان حاله حالةً في نفسه ، أو في أسبابه الخارجة . قال تعالى : فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ « القصص : 21 » وقـال تعالى : فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ « الأعراف : 13 » وقال : وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها « فصلت : 47 » فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ « غافر : 11 » يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُـوا مِنَ النَّارِ وَمــا هُمْ بِخارِجِينَ مِنْهـــا « المائدة : 37 » .
والإِخْرَاجُ أكثر ما يقال في الأعيان ، نحو : إنكُمْ مُخْرَجُونَ « المؤمنون : 35 » وقال عز وجــل : كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحق « الأنفال : 5 » وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً « الإسراء : 13 » وقال تعالى : أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ « الأنعام : 93 » وقال : أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ « النمل : 56 » .
ويقال في التكوين الذي هو من فعل الله تعالى : وَاللَّه أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ « النحل : 78 » فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى « طه : 53 » وقـال تعالى : يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ « الزمر : 21 » .
والتخْرِيجُ : أكثر ما يقال في العلوم والصناعات . وقيل لما يخرج من الأرض ومن وكر الحيوان ونحو ذلك : خَرْج وخَرَاج ، قال الله تعالى : أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ « المؤمنون : 72 » فإضافته إلى الله تعـالى تنبيه [على] أنه هو الذي ألزمه وأوجبه .
والخَرْج : أعم من الخراج ، وجعل الخرج بإزاء الدخل ، وقال تعــالى : فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً « الكهف : 94 » .
والخراج : مختص في الغالب بالضريبة على الأرض . وقيل : العبد يؤدي خرجه أي غلته ، والرعية تؤدي إلى الأمير الخراج . والخَرْج أيضاً : من السحاب وجمعه خُرُوج ، وقيل : الخراج بالضمان ، أي ما يخرج من مال البائع فهو بإزاء ما سقط عنه من ضمان المبيع .
والخارجي : الذي يخرج بذاته عن أحوال أقرانه ، ويقال ذلك تارة على سبيل المدح إذا خرج إلى منزلة من هو أعلى منه . وتارة يقال على سبيل الذم إذا خرج إلى منزلة من هو أدنى منه ، وعلى هذا يقال : فلان ليس بإنسان ، تارة على المدح كما قال الشاعر :
فلستُ بِإنْسِـيٍّ ولكنْ كَمَلْأَكٍ
تَنَزَّلَ من جَوِّ السماءِ يُصَوَّبُ
وتارة على الذم نحو : إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ « الفرقان : 44 »
والخَرَج : لونان من بياض وسواد ، ويقال : ظليمٌ أَخْرَجُ ، ونعامةٌ خَرْجَاء . وأرضٌ مُخَرَّجَة : ذات لونين ، لكون النبات منها في مكان دون مكان . والخَوَارِج : لكونهم خارجين عن طاعة الإمام .
ملاحظات
عرَّف الراغب الخروج بأنه البروز من المقر . والتقسيمات التي ذكرها لموارده لا بأس بها ، وإن كانت لا تخلو من إشكال . وعرفه الخليل بأنه : نقيض الدخول . « 4/158 » . وجعله ابن فارس أصلين : النفاذ عن الشئ ، واختلاف لونين . « 2/175 » . وهي تعريفات تقريبية غير جامعة ، لأن خَرَجَ استعملت في الخروج المادي والمعنوي ، كقوله تعالى : وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ . وللظهور مقابل الظلمة : وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا . ولخروج الحي والميت : وَتُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْميتِ وَتُخْرِجُ الْميتَ مِنَ الْحَىِّ . ولخروج الزينة من مصادرها : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ . ولكشف النوايا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 303 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
السيئة : وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ . ولخروج الكلمة من الفم : كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ . ولخروج الشجرة من منبتها : وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ .
ولخروج الثمرة من كُمِّها : وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا .
خَرَصَ - خَرْصاً - خارص - خرَّاص
الخَرْص : حزر الثمرة . والخَرْص المحزور ، كالنقض للمنقوض . وقيل الخَرْص الكذب في قوله تعالى : إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ « الزخرف : 20 » قيل معناه يكذبون . وقوله تعالى : قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ « الذاريات : 10 » قيل : لُعِن الكذابون . وحقيقة ذلك : أن كل قول مقول عن ظن وتخمين يقال له : خَرْصٌ ، سواء كان مطابقاً للشئ أو مخالفاً له ، من حيث إن صاحبه لم يقله عن علم ولاغلبة ظن ولاسماع ، بل اعتمد فيه على الظن والتخمين كفعل الخارص في خرصه . وكل من قال قولاً على هذا النحو قد يسمى كاذباً ، وإن كان قوله مطابقاً للمقول المخبر عنه . كما حكي عن المنافقين في قوله عز وجل : إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إنكَ لَرَسُولُ الله وَاللَّه يَعْلَمُ إنكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّه يَشْهَدُ إن الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ « المنافقون : 1 » .
ملاحظات
يرى الراغب أن خرص بمعنى ظن ، وأنها قد تستعمل بمعنى كَذِب ، لكن اللغويين ذكروا أن الخرص بمعنى الكذب . قــال الخليل « 4/183 » : « الخرص : الكذب ، والخراصون : في قوله جل وعز : قتل الخراصون : الكذابون ، ويخرصون يكذبون . والخرص : الحزر في العدد والكيل » .
وقال ابن فارس « 2/169 » : « والخراص : الكذاب وهو من هذا ، لأنه يقول ما لا يعلم ولا يحق » .
وقال ابن منظور « 21/24 » : « خرَصَ يَخْرُصُ بالضم خَرْصاً ، وتخَرّصَ : أَي كَذَب . ورجل خَرّاصٌ : كذّابٌ . وفي التنزيل : قُتِل الخرَّاصُون ، قال الزجاج : الكذَّابون » .
وعليه ، تكون خرص بمعنى كذب ، إلا إذا وجدت قرينة على أنها بمعنى خرص الثمر ونحوه ، أي خَمَّنَه بالظن .
خَرَطَ - خرطوم
قال تعالى : سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ « القلم : 16 » أي نلزمه عاراً لا ينمحي عنه ، كقولهم جدعت أنفه .
والخرطوم : أنف الفيل ، فسمي أنفه خرطوماً ، استقباحاً له .
ملاحظات
ذكرت مصادر اللغة أن الخرطوم أنف الفيل والذبابة ونحوهما ، وليس فيه دلالة على القبح . فقد أضاف الراغب القُبح من عنده ! أما وقت هذا الوسم الموعود ، فظاهره أنه في الآخرة ، لكن ورد أنه يكون في الرجعة . ففي تفسير القمي « 2/381 » : « سنسمه على الخرطوم : قال : في الرجعة إذا رجع أمير المؤمنين عليه السلام يرجع أعداؤه ، فيَسِمُهُمْ بِمَيْسَمٍ معه ، كما توسم البهائم على الخراطيم » .
خَرَقَ - خرقاً - مخراق - خرَّق - أخرقُ - خرقاء - مخاريق
الخَرْقُ : قطع الشئ على سبيل الفساد ، من غير تدبر ولا تفكر ، قال تعالى : أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها « الكهف : 71 » وهو ضد الخَلْق ، فإن الخلق هو فعل الشئ بتقدير ورفق ، والخرق بغير تقدير ، قال تعالى : وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْــرِ عِلْـمٍ « الأنعــام : 100 » أي حكمـوا بذلك على سـبيل الخرق ، وباعتبار القطع قيل خَرَقَ الثوبَ وخَرَّقَه ، وخَرَقَ المفاوز ، واخْتَرَقَ الريح . وخُصَّ الخَرْق والخريق بالمفاوز الواسعة ، إما لاختراق الريح فيها ، وإما لتخرُّقها في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 304 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفلاة . وخُصَّ الخرق بمن ينخرق في السخاء .
وقيل لثقب الأذن إذا توسع خَرْقٌ ، وصبيٌّ أَخْرَقُ وامرأة خَرْقَاء ، مثقوبة الأذن ثقباً واسعاً . وقوله تعالى : إنكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ « الإسراء : 37 » فيه قولان ، أحدهما : لن تقطع . والآخر : لن تثقب الأرض إلى الجانب الآخر ، اعتباراً بالخرق في الأذن . وباعتبار ترك التقدير قيل : رجل أَخْرَقُ وخَرِقُ ، وامرأة خَرْقَاء . وشُبِّهَ بها الريح في تعسُّف مرورها فقيل : ريح خرقاء . وروي : ما دخل الخَرق في شئ إلا شانَهُ . ومن الخرق استعيرت المَخْرَقَة ، وهو إظهار الخرق توصُّلاً إلى حيلة . والمِخْرَاق : شئ يلعب به كأنه يخرق لإظهار الشئ بخلافه . وخَرِقَ الغزال : إذا لم يحسن أن يعدو لخرقه .
ملاحظات
1 . تبع الراغب ابن فارس « 2/172 » فجعل الخَرْق أصلاً واحداً بمعنى القطع للإفساد ، من غير تدبر . مع أن الخَرْق نوع من المَزق وهو أقرب الى الثقب ، والتخريق كالتمزيق . وتعريفهما له لا يصح لأنه لا يشترط فيه أن يكون تخريباً وإفساداً ، بل قد يكون إصلاحاً عن تدبر ، كالتخريق اللازم في الصناعات .
2 . ليت الراغب تبنى قول الخليل المتزن « 4/149 » : « خرقت الثوب إذا شققته . وخرقت الأرض إذا قطعتها حتى بلغت أقصاها . وبه سمي الثور مخراقاً . والإختراق : المرور في الأرض غير طريق عرضاً ، واخترقت دار فلان جعلتها طريقاً لحاجتك . والخَرق : الشق في حائط أو ثوب ونحوه فهو مخروق . والإختراق كالإختلاق . وقوله جل وعز : وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ ، بالتخفيف أحسن . والمَخَارق : الأكاذيب . وخرق يخرق فهو أخرق إذا حمق » .
وقال ابن منظور « 10/75 » : « قال الله عز وجل : وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، سُبْحَانَهُ . قال الفـراء : معنى خَرقُوا : افْتَعلوا ذلك كذباً وكُفراً . قال أَبو الهيثم : الإِخْتِراقُ والإخْتِلاقُ والإخْتِراصُ والإفْتِراءُ واحد . ويقال : خَلق الكلمة واخْتَلَقها وخَرَقها واخترقها : إذا ابْتدَعها كذباً . والخَرْقُ والخُرْقُ : نَقِيض الرِّفْق ، والخَرَقُ مصدره وصاحبه أَخْرَقُ . وفي الحديث : الرِّفق يُمْن والخُرْقُ شُؤم . الخُرق بالضم : الجهل والحمق . وفي الحديث : تُعِينُ صانِعاً أَو تَصْنَع لأَخْرَقَ ، أَي لجاهل بما يَجِب أَن يَعْمَله » .
وبذلك تعرف خطأ تفسير الراغب للصبي الأخرق والمرأة الخرقاء . وأنه من الحمق وليس من خرق الأذن .
3 . استعمل القرآن هذه المادة في أربع آيات ، مرتين لخرق السفينة ، ومرة لخَرْق بنات لله سبحانه ، ومرة في قـولـه تعالى : وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً .
خَزَنَ - خَزَنة - خزناً - خازن - خزائن
الخَزْنُ : حفظ الشئ في الخِزَانَة ، ثم يعبر به عن كل حفظ ، كحفظ السِّرِّ ونحوه ، وقوله تعالى : وَإِنْ مِنْ شَئ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ « الحجر : 21 » وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « المنافقون : 7 » فإشارة منه إلى قدرته تعالى على ما يريد إيجاده ، أو إلى الحالة التي أشار إليها بقوله عليه السلام : فرغ ربكم من الخلق والرزق والأجل .
وقوله تعالى : فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ « الحجر : 22 » قيل معناه حافظين له بالشكر ، وقيل هو إشارة إلى ما أنبأ عنه قوله : أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْـرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ . الآية . « الواقعة : 69 » .
والخَزَنَةُ : جمع الخازن . وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُها « الزمر : 71 و73 » في صفة النار وصفة الجنة . وقوله : لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 305 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خَزائِنُ الله « الأنعام : 50 » أي مقدوراته التي منعها الناس ، لأن الخَزْنَ ضرب من المنع ، وقيل جوده الواسع وقدرته . وقيل : هو قوله كُنْ . والخَزْنُ : في اللحم أصله الإدِّخار فكُنِّيَ به عن نتنه يقال : خَزِنَ اللحم إذا أنتن ، وخَنِزَ ، بتقديم النون .
ملاحظات
قول الراغب : « الخَزْنُ : حفظ الشئ في الخِزَانَة » يعني أن إسم الخزانة كان قبله ، لكن اسمها جاء من الحاجة الى الخزن ! لذلك كان تعريف ابن فارس أصح . قال « 2/178 » : « أصل يدل على صيانة الشئ » .
خَزِيَ - أخزاه - خِزياً - مَخزي - خِزايةً
خَزِيَ الرجل : لحقه انكسار إما من نفسه ، وإما من غيره . فالذي يلحقه من نفسه هو الحياء المفرط ، ومصدره الخَزَايَة ، ورجل خَزْيَان وامرأة خَزْيَى وجمعه خَزَايَا . وفي الحديث : اللهم احشرنا غيرخزايا ولا نادمين .
والذي يلحقه من غيره يقال هو ضرب من الإستخفاف ، ومصدره الخِزْي ، ورجل خَزٍ . قال تعالى : ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا « المائدة : 33 » . وقال تعالى : إن الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ « النحل : 27 » فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا « الزمر : 26 » لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا « فصلت : 16 » . وقال : مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى « طه : 134 » . وأَخْزَى : يقال من الخزاية والخزي جميعاً .
وقوله : يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا « التحريم : 8 » فهو من الخزي أقرب ، وإن جاز أن يكون منهما جميعاً .
وقوله تعالى : رَبَّنا إنكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ « آل عمران : 192 » فمن الخزاية ، ويجوز أن يكون من الخزي ، وكذا قوله : مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ « هود : 39 » وقـوله : وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ « آل عمران : 194 » وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ « الحشر : 5 » وقال : وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي « هود : 78 » .
وعلى نحو ما قلنا في خَزِيَ قولهم : ذَلَّ وهَانَ ، فإن ذلك متى كان من الإنسان نفسه يقال له : الهون والذُّل ويكون محموداً ، ومتى كان من غيره يقال له : الهُون والهَوَان والذُّل ، ويكون مذموماً .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن هذه المادة بضعاً وعشرين مرة ، في خزي الدنيا والآخرة ، وعذاب الخزي . واستعمل منه فعل : خزيَ وأخزى ويُخزي ومصدره ، وأفعل التفضيل . وجعله بعضهم من خزوَ بالواو ، وبعضهم من خزي بالياء ، وهو الصحيح بدليل تثنيته .
2 . معنى خَزِيَ في العربية : لحقه ذلٌّ وفضيحةٌ وعارٌ . ففيه معنى : ثبت عليه ذلك وأُدين به ، أو أوقعه به أحد . وينتج عنه غالباً أن يشعر صاحبه به فينكسر ويذل . ويظهر بذلك ضعف تعريف الراغب بأنه : « لحقه انكسار إما من نفسه وإما من غيره » فهو تعريف بأحد عناصره ، لأن الإنكسار النفسي والشعور بالذل ناتجٌ عن وقوع الخزي أو العقوبة عليه . وقد يكون الإنكسار أحد عناصره . على أن الإنكسار ليس دائماً ، فقد لا يُحس المخزي بخزيه ، وهو مع ذلك مخزي . ولذلك ذكر أبو هلال في الفروق/215 : « أن الخزي ذل مع افتضاح . وقيل هو الإنقماع لقبح الفعل » . فالخزاية التي هي الإستحياء من الخزي ، ليست شرطاً في تحققه .
كما قد يطلق الخزي على العقوبة ، قال تعالى : فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْىِ يَوْمِئِذٍ . فهو خاص بالعذاب أو شامل له . ولا يشترط فيه استحقاق صاحبه ، ففي المثل : أخزى من ذات النِّحْيَيْن . وقصتها معروفة . « مجمع الأمثال : 1/268 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 306 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خَسِرَ- خسراناً - خاسر - أخسرَ - مُخسر
الخُسْرُ والخُسْرَان : انتقاص رأس المال ، وينسب ذلك إلى الإنسان فيقال : خَسِـرَ فلان ، وإلى الفعل فيقال : خسرت تجارته ، قال تعالى : تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ « النازعات : 12 » . ويستعمل ذلك في المقتنيات الخارجة كالمال والجاه في الدنيا ، وهو الأكثر . وفي المقتنيات النفسية كالصحة والسلامة والعقل والإيمان والثواب ، وهو الذي جعله الله تعالى الخسران المبين وقال : الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ « الزمر : 15 » .
وقوله : وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ « البقـرة : 121 » وقوله : الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ الله مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ ، إلى : أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ « البقرة : 27 » . وقولـه : فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيـهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ « المائدة : 30 » .
وقوله : وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِـرُوا الْمِيزانَ « الرحمن : 9 » . يجوز أن يكون إشارة إلى تحرِّي العدالة في الوزن ، وترك الحيف فيما يتعاطاه في الوزن . ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى تعاطي مالايكون به ميزانه في القيامة خاسراً فيكون ممن قال فيه : وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ « الأعراف : 9 » وكلا المعنيين يتلازمان . وكل خسران ذكره الله تعالى في القرآن فهو على هذا المعنى الأخير ، دون الخسران المتعلق بالمقتنيات الدنيوية والتجارات البشرية .
ملاحظات
عرَّف الراغب الخسارة بأنها النقص من رأس المال ، وعرفها الخليل وابن فارس بأنها مطلق النقص ، وهو الصحيح . وقد استعمل القرآن الخُسْر والخُسْرَان والخَسَار والتخْسِير والأَخْسَـرِين ، وأكثرها للخسارة في الآخرة ، والخسارة المعنوية . وبينها فروقات لا مجال لبحثها . وقد أجاد ابن منظور حيث قال : 4/238 : « وقوله تعالى : فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ . أَي غير إِبعاد من الخير . ويقال : كِلْتُه ووَزَنْتُه فأَخْسَرْته ، أَي نقصته ، قال الله تعالى : وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ . الزجاج : أَي يَنْقُصُون في الكيل والوزن . وصَفْقَةٌ خاسرة : غير رابحة . وكَرَّةٌ خاسرة : غير نافعة . وفي التنزيل : تلك إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ . وقوله عز وجل : وخَسِرَ هنالك المُبْطِلُونَ . وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ، المعنى : تبين لهم خُسْرانُهم لما رأَوا العذاب ، وإِلَّا فهم كانوا خاسرين في كل وقت . والتخْسِيرُ : الإِهلاك » .
خَسَفَ - خَسْفاً - خسوفاً - مخسوف - خاسف
الخُسُوف للقمر والكسوف للشمس . وقال بعضهم : الكسوف فيهما إذا زال بعض ضوئهما ، والخسوف إذا ذهب كله . ويقال خَسَفَهُ الله وخَسَفَ هو ، قال تعالى : فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ « القصص : 81 » . وقـال : لَوْلا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا « القصص : 82 » . وفي الحديث : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا يُخْسَفَانِ لموت أحد ولا لحياته .
وعين خَاسِفَة : إذا غابت حدقتها ، فمنقول من خسف القمر . وبئر مَخْسُوفَة : إذا غاب ماؤها ونزف ، منقول من خسف الله القمر . وتُصُوِّرَ من خسف القمر مهانة تلحقه ، فاستعير الخسف للذُّل فقيل : تحمل فلان خسفاً .
ملاحظات
1 . جعل الراغب الأصل خسف القمر ، واستعيرت منه فروعه ، لكن الأصل خسف الأرض ، واستعير منه خسف القمر ، لأنه يغيب عن الرؤية كأنه خسف . قال الخليل « 4/201 » : « الخسف : سؤوخ الأرض بما عليها من الأشياء . وعين خاسفة : فقئت وغابت حدقتها . وبئر خسيف مخسوفة . والخسف : تحميلك إنساناً ما يكره » .
ونحوه ابن فارس ، قال « 2/180 » : « أصل واحد يدل على
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 307 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
غموض وغؤور ، وإليه ترجع فروع الباب . قال الله تعالى : فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ . ومن الباب خسوف القمر . والمهزول يسمى خاسفاً كأن لحمه غار ودخل . ومما حمل على الباب قولهم للسحاب الذي يأتي بالماء الكثير خسيف ، كأنه شبه بالبئر التي ذكرناها » .
2 . خص بعضهم الخسوف بالقمر والكسوف بالشمس ، لكنه استعمل للقمر أيضاً . قال ابن فارس « 6/177 » : « كسوف القمر وهو زوال ضوئه ، ويقال رجل كاسف الوجه إذا كان عابساً . وهو كاسف البال أي سئ الحال » .
خَسَأَ - خسأه - خاسئ
خَسَأْتُ الكلب فَخَسَأَ : أي زجرته مستهيناً به فانزجر ، وذلك إذا قلت له : إخْسَأْ . قال تعالى في صفـة الكفار : إخْسَـؤُا فِيها وَلا تُكلمُونِ « المؤمنون : 108 » . وقال تعالى : قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ « البقرة : 65 » . ومنه : خَسَأَ البَصَـرُ ، أي انقبض عن مهانة ، قال : خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ . « الملك : 4 » .
خَشَبَ - خشبته - خشيب - خشباء - تخشب
قال تعالى : كَأنهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ « المنافقون : 4 » شُبِّهوا بذلك لقلة غنائهم ، وهو جمع الخَشْب . ومن لفظ الخشب قيل خَشَبْتَ السيف : إذا صقلته بالخَشْب الذي هو المصقل . وسيف خَشِيب : قريب العهد بالصقل ، وجمل خَشِيب أي جديد لم يُرَضْ ، تشبيهاً بالسيف الخشيب . وتَخَشَّبَتِ الإبل : أكلت الخشب . وجبهة خَشْبَاء : يابسة كالخشب ، ويعبر بها عمن لا يستحي ، وذلك كما يشبه بالصخر في نحو قول الشاعر :
والصَّخْرُ هَشٌّ عندَ وجهك في الصَّلابة
والمَخْشُوب : المخلوط به الخشب ، وذلك عبارة عن الشئ الردئ .
ملاحظات
خُشُب : في الآية بالضم من الخَشَب ، ومعناه : كأنهم تماثيل خشبية لا تقف بنفسها إلا بدعامات . وليت الراغب قبل قول ابن فارس في المادة ، قال « 2/185 » : « أصل واحد يدل على خشونة وغلظ . فالأخشب الجبل الغليظ . والخشيب السيف الذي بدئ طبعه ، ولا يكون في هذه الحال إلا خشناً » .
خَشَعَ - خشوعاً - خاشع - خُشَّع
الخُشُوع : الضَّراعة . وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح . والضراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب ، ولذلك قيل فيما روي : إذا ضرع القلب خَشِعَتِ الجوارح . قال تعالى : وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً « الإسراء : 109 » وقال : الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُــونَ « المؤمنون : 2 » وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ « الأنبياء : 90 » .
وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ « طه : 108 » خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ « القلم : 43 » أَبْصارُها خاشِعَةٌ « النازعات : 9 » كناية عنها وتنبيهاً على تزعزعها كقوله : إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا « الواقعة : 4 » وإِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها « الزلزلة : 1 » يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً « الطور : 9 » .
ملاحظات
1 . الخشوع : تطامن القلب والجوارح بين يدي الله تعالى . والضراعة : الطلب منه بتذلل . والخضوع : إطاعته بتذلل .
قال ابن فارس « 2/182 » : « يقال خشع ، إذا تطامن وطأطأ رأسه ، يخشع خشوعاً . وهو قريب المعنى من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن والإقرار بالإستخذاء ، والخشوع في الصوت والبصر . قال الله تعالى : خاشعة أبصارهم » .
وأصل الخضوع للبدن وقد يكون في القلب ، والخشوع بالعكس ، ففي الحديث القدسي : « يا ابن عمران ، هب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 308 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لي من قلبك الخشوع ، ومن بدنك الخضوع ، ومن عينيك الدموع في ظُلَمِ الليل » . « أمالي الصدوق/438 » . وعن النبي صلى الله عليه وآله : « ما زاد خشوع الجسد على ما في القلب ، فهو عندنا نفاق » . « الكافي : 2/396 » . وعن الإمام الصادق عليه السلام : « إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافياً على السكينة والوقار والخشوع . قلت : ما الخشوع؟ قال : السكينة ، لا تدخله بتكبر » . « الكافي : 4/401 » .
وفي الدعاء : « وأنت ربي . خشع لك قلبي ، وسمعي وبصري ، وشعري وبشري ، ولحمي ودمي ، ومخي وعظامي وعصبي ، وما أقلته قدماي » . « الكافي : 3/319 » .
2 . ورد الخشوع في القـرآن خمس عشـرة مرة ، منهـــا في مدح المؤمنين الخاشعين : الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِـعِينَ . وَالصَّـابِرِينَ وَالصَّـابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ . وخَاشِعِينَ للهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاً . إِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ . أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ . وَيَخِرُّونَ للأَذْقَـانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا . وفي خشوع الناس يوم القيامة : وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا .
وفي خشوع المجرمين من الذل يوم القيامة : وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَــا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ . خُشَّعًا أَبْصَـارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ . وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ . أَبْصَـارُهَا خَاشِعَةٌ . خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ .
وفي خشوع الجبل لو نزل عليه القرآن : لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ .
خَشِيَ - خشيةً
الخَشْيَة : خوفٌ يشوبه تعظيم ، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه ، ولذلك خص العلماء بها في قوله : إنما يَخْشَى الله مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ « فاطر : 28 » . وقال : وأما مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى « عبس : 8 » مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ « ق : 33 » فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما « الكهف : 80 » فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي « البقرة : 150 » يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ الله أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً « النساء : 77 » وقال : الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ الله وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا الله « الأحـــزاب : 39 » وَلْيَخْشَ الَّذِينَ . الآية . « النساء : 9 » أي ليستشعروا خوفاً من معرته .
وقال تعالى : وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ « الإسراء : 31 » أي لا تقتلوهم معتقدين مخافة أن يلحقهم إملاق . لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ « النساء : 25 » أي لمن خاف خوفاً اقتضاه معرفته بذلك من نفسه .
ملاحظات
استعمل القرآن الخشية نحو خمسين مرة . فهي في القرآن أوسع من الخشوع ، وهي من جهة تشمل التخوف الدنيوي من شئ أو على شئ . ومن جهة تعني الخوف من عقاب الله تعالى عند مخالفة ما أمر به أو نهى عنه . ومجال ذلك واسع في حياة الإنسان .
خَصَّ - خَصَاصة - خُص - خصاص
التخصيص والإختصاص والخصوصية والتخصص : تفرد بعض الشئ بما لا يشاركه فيه الجملة ، وذلك خلاف العموم والتعمم والتعميم . وخُصَّان الرجل : من يختصه بضربٍ من الكرامة .
والْخاصَّةُ : ضد العامة ، قال تعالى : وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً « الأنفال : 25 » أي بل تعمكم .
وقد خَصَّهُ بكذا يخصه ، واختصه يختصه . قال : يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ « آل عمران : 74 » .
وخُصَاصُ البيت : فُرَجُهُ ، وعُبر عن الفقر الذي لم يُسَدَّ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 309 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بالخصاصة ، كما عبر عنه بالخَلَّة ، قال : وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ « الحشر : 9 » وإن شئت قلت من الخصاص . والخُصُّ : بيت من قصب أو شجر ، وذلك لما يرى فيه من الخصاصة .
ملاحظات
تعريف الراغب للتخصيص فيه ضعف ، وقد أخطأ فتصور أن التعمم بمعنى العموم ، وهو لبس العمامة . قال ابن منظور « 12/425 » : « وعَمَّمْتُه : أَلبسته العِمامةَ ، وهو حَسَنُ العِمَّةِ أي التعَمُّمِ » .
كما تصور الراغب أن خُصَّان الرجل أخصاؤه المقربون منه ، ولا يقال خصان الرجل بل يقال : خُصَّان الناس . قال ابن منظور « 7/25 » : « والخُصَّانُ والخِصَّانُ كالخاصَّةِ ، ومنه قولهم : إِنما يفعل هذا خُصَّان الناس ، أَي خواصُّ منهم » .
خَصَفَ - خصفاً - مخصف - خصفة - خصيف
قال تعالى : وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما « الأعراف : 22 » أي يجعلان عليهما خَصَفَةً ، وهي أوراق ، ومنه قيل لجلَّة التمر : خَصَفَة ، وللثياب الغليظة ، جمعه خَصَفٌ ، ولما يطرق به الخف خَصَفَة . وخَصَفْتُ النعل بالمِخْصَف .
وروي : كان النبي صلى الله عليه وآله يخصف نعله . وخَصَفْتُ الخصفة : نسجتها . والأخصف والخصيف : قيل الأبرق من الطعام ، وهو لونان من الطعام ، وحقيقته ما جعل من اللبن ونحوه في خَصفة ، فيتلون بلونها .
ملاحظات
تصور الراغب من جو الآية : وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ، أن الخَصَفَة ورق الشجر ، ففسر به خَصَف ومشتقاته ، وأعرض عن تفسير أئمة اللغة ! ولا يصح ما قاله ، فلو كانت الخَصَفة الورق لما صح قولك : يخصفان من ورق . بل الخَصْف سَفُّ الورق ، أو خياطته أو نسجه ، ليكون ساتراً . وتسمي الجلة خصفة . قال الجوهري « 4/1351 » : « خصفت النعل : خرزتها فهي نعل خَصِيف . وقوله تعالى : وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ، يقول : يلزقان بعضه ببعض ليسترا به عورتهما . وكذلك الإختصاف . والمِخْصَف : الإشْفى » . أي المخرز .
خَصَمَ - خِصاماً - مخاصمةً - خصيم - خصوم - خصمون
الخَصْمُ : مصدر خَصَمْتُهُ ، أي نازعته خَصْماً ، يقال : خاصمته وخَصَمْتُهُ مُخَاصَمَةً وخِصَاماً ، قال تعالى : وَهُـوَ أَلَدُّ الْخِصامِ « البقرة : 204 » وَهُوَ فِي الْخِصـامِ غَيْـرُ مُبِينٍ « الزخرف : 18 » . ثم سمي المُخَاصِم خصماً ، واستعمل للواحد والجمع ، وربما ثُنِّيَ . وأصل المُخَاصَمَة أن يتعلق كل واحد بخصم الآخر ، أي جانبه وأن يجذب كل واحد خصم الجوالق من جانب . وروي : نسيته في خصم فراشي . والجمع : خُصُوم وأخصام .
وقوله : خَصْمانِ اخْتَصَمُوا « الحج : 19 » أي فريقان ، ولذلك قال : اخْتَصَمُوا . وقال : لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ « ق : 28 » وقـال : وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ « الشعراء : 96 » . والخَصِيمُ : الكثير المخاصمة ، قال : هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ « النحل : 4 » والخَصِمُ : المختص بالخصومة ، قال : بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ . « الزخرف : 58 » .
خَضَدَ - خضداً - مخضود - خضيد
قال الله : فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ « الواقعة : 28 » أي مكسور الشوك ، يقال : خَضَدْتُهُ فانخضد ، فهو مخضود وخضيد .
والخَضْدُ : المخضود ، كالنقض في المنقوض ، ومنه استعير : خَضَدَ عُنُقَ البعير ، أي كُسِر .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 310 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خَضَرَ - خضرة - أخضر - خُضراً - خضراء - خضيرة - مُخْضَرَّة
قال تعالى : فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً « الحج : 63 » وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ « الكهف : 31 » فَخُضْرٌ جمع أخضر . والخُضْرَة : أحد الألوان بين البياض والسواد ، وهو إلى السواد أقرب ، ولهذا سمي الأسود أخضر والأخضر أسود ، قال الشاعر :
قد أعسفَ النازحُ المجهول مِعْسَفُهُ
في ظلِّ أخضرَ يدعو هامَهُ البُومُ
وقيل : سواد العراق ، للموضع الذي يكثر فيه الخضرة . وسميت الخضرة بالدَّهْمَة ، في قوله سبحانه : مُدْهامَّتانِ « الرحمن : 64 » أي خضراوان . وقوله عليه السلام : إياكم وخَضْرَاء الدِّمَن ، فقد فسره عليه السلام حيث قال : المرأة الحسناء في منبت السوء . والمخاضرة : المبايعة على الخَضْرِ والثمار قبل بلوغها . والخضيرة : نخلة ينتثر بسرها أخضر .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه الكلمة المبتكرة « الخَضِر » بكسر الضاد في قوله تعالى : فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا .
وذكر علماء النبات أن مادة الخضرة لها دور في التمثيل الضوئي ، لتكوين الحب والثمار ، فسبحان الخالق العليم . ومما ينبغي ذكره هنا : الخِضْر عليه السلام ، وسمي الخضر لأنه إذا جلس على أرض تخضر ، وروي عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال : « إن الخضر عليه السلام شرب من ماء الحياة فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور ، وإنه ليأتينا فيسلم فنسمع صوته ولا نرى شخصه ، وإنه ليحضرحيثما ذكر ، فمن ذكره منكم فليسلم عليه ، وإنه ليحضر الموسم كل سنة فيقضي جميع المناسك ، ويقف بعرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين ، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته » . « كمال الدين/391 » .
خَضَعَ - خضوعاً - أخضع - خُضعَة
قــال الله : فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ « الأحزاب : 32 » . الخضـوع : الخشوع ، وقد تقدم . ورجل خُضَعَة : كثير الخضوع . ويقال : خَضَعْتُ اللحم ، أي قطعته ، وظليم أَخْضَعُ : في عنقه تطامن .
خَط - خطَّ - خطاً - خِطةً - خطيطة - خطوط
الخط : كالمدِّ ويقال لما له طول ، والخطوط أَضْرُبٌ ، فيما يذكره أهل الهندسة من : مسطوح ومستدير ومُقَوَّس ومُمَال . ويُعبر عن كل أرض فيها طول بالخط ، كخط اليمن ، وإليه ينسب الرمح الخطي . وكل مكان يَخُطهُ الإنسان لنفسه ويحفره يقال له خَط وخِطةٌ . والخَطِيطَة : أرض لم يصبها مطرٌ بين أرضين ممطورتين ، كالخط المنحرف عنه . ويعبرعن الكتابة بالخَط ، قال تعالى : وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطهُ بِيَمِينِكَ . « العنكبوت : 48 » .
خَطَبَ - خُطبةٌ - خِطبةٌ - خَطْْبٌ - خطاب - خَطْْبُكَ
الخَطْبُ والمُخَاطَبَة والتخَاطُب : المراجعة في الكلام ، ومنه الخُطْبَة والخِطْبَة ، لكن الخُطبة تختص بالموعظة ، والخِطبة بطلب المرأة ، قال تعالى : وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ . « البقرة : 235 » .
وأصل الخطبة : الحالة التي عليها الإنسان إذا خطب ، نحو الجلسة والقعدة ، ويقال من الخُطْبَة : خاطب وخطيب . ومن الخِطْبَة خاطب لا غير ، والفعل منهما خَطَبَ .
والخَطْبُ : الأمر العظيم الذي يكثر فيه التخاطب ، قال تعالى : فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ . « طه : 95 » فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ . « الذاريات : 31 » . وفصل الخِطَاب : ما ينفصل به الأمر من الخطاب .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 311 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خَطَفَ - اختطف - خطفاً - خطفةً - خطاطيف - خطيف
الخَطْفُ والإختطاف : الإختلاس بالسرعة . يقال : خَطِفَ يَخْطَفُ وخَطَفَ يَخْطِفُ ، وقرئ بهما جميعاً : إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ ، وذلك وصف للشياطين المسترقة للسمع . قال تعـالى : فَتَخْطَفُهُ الطيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ « الحج : 31 » يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ « البقرة : 20 » وقال : وَيُتَخَطفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ « العنكبوت : 67 » أي يقتلون ويسلبون .
والخَطَّاف : للطائر الذي كأنه يخطف شيئاً في طيرانه ، ولما يخرج به الدَّلو كأنه يختطفه ، وجمعه خَطَاطِيف . وللحديدة التي تدور عليها البكرة . وباز مُخْطِف : يختطف ما يصيده . والخَطِيف : سرعة انجذاب السِّير . وأَخْطَفُ الحشا ، ومُخْطَفُهُ ، كأنه اخْتُطِفَ حشاه لضموره .
خَطَأ - أخطأ - خطأً - مخطئ - خطيئة - خطأة
الخَطَأ : العدول عن الجهة ، وذلك أضْرُبٌ : أحدها : أن تريد غير ما تحسن إرادته فتفعله ، وهذا هو الخطأ التام المأخوذ به الإنسان ، يقال : خَطِئَ يَخْطَأُ خِطْأً وخِطْأَةً ، قال تعالى : إن قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً « الإسراء : 31 » وقال : وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ « يوسف : 91 » . والثاني : أن يريد ما يحسن فعله ، ولكن يقع منه خلاف ما يريد فيقال : أَخْطَأَ إِخْطَاءً ، فهو مُخْطِئٌ ، وهذا قد أصاب في الإرادة وأخطأ في الفعل . وهذا المعنيُّ بقوله عليه السلام : رفع عن أمتي الخَطَأ والنسيان . وبقوله : من اجتهد فأخطأ فله أجر . وقوله عز وجل : وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ « النساء : 92 » .
والثالث : أن يريد ما لا يحسن فعله ويتفق منه خلافه ، فهذا مخطئ في الإرادة ومصيب في الفعل ، فهو مذموم بقصده وغير محمود على فعله . وهذا المعنى هو الذي أراده في قوله :
أردتَ مساءاتي فَأجْرَتْ مَسَـَرَّتي
وقد يُحْسِنُ الإنسانُ من حَيْثُ لا يَدري
وجملة الأمر : أن من أراد شيئاً فاتفق منه غيره يقال : أخطأ ، وإن وقع منه كما أراده يقال : أصاب . وقد يقال لمن فعل فعلاً لا يحسن ، أو أراد إرادة لا تجمل إنه أخطأ ، ولهذا يقال : أصاب الخطأ ، وأخطأ الصواب ، وأصاب الصواب وأخطأ الخطأ . وهذه اللفظة مشتركة كما ترى ، مترددة بين معان ، يجب لمن يتحرى الحقائق أن يتأملها .
وقوله تعالى : وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ « البقرة : 81 » والخَطِيئَةُ والسيئة يتقاربان ، لكن الخطيئة أكثر ما تقال فيما لا يكون مقصوداً إليه في نفسه ، بل يكون القصد سبباً لتولد ذلك الفعل منه ، كمن يرمي صيداً فأصاب إنساناً ، أو شرب مسكراً فجنى جناية في سكره .
والسبب سببان : سبب محظور فعله ، كشرب المسكر وما يتولد عنه من الخطأ غير متجاف عنه ، وسبب غير محظور كرمي الصيد . قال تعالى : وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ « الأحزاب : 5 » . وقال تعالى : وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً « النساء : 112 » فالخطيئة هاهنا هي التي لا تكون عن قصد إلى فعله . قال تعالى : وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا « نوح : 24 » مِمَّـا خَطِيئاتِهِمْ « نوح : 25 » إنا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا « الشعراء : 51 » وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَمــا هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَئ « العنكبوت : 12 » وقــال تعالى : وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ « الشعراء : 82 » .
والجمع الخطيئات والخطايا ، وقوله تعالى : نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ « البقرة : 58 » فهي المقصود إليها . والخاطِئُ : هو القاصد للذّنب ، وعلى ذلك قوله : وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ « الحاقة : 36 » . وقد يسمى الذنب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 312 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خَاطِئَةً في قوله تعالى : وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ « الحاقة : 9 » أي الذنب العظيم ، وذلك نحو قولهم : شعر شاعر . فأما ما لم يكن مقصوداً فقد ذكرأنه متجافَى عنه ،
وقوله تعالى : نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ « البقرة : 58 » فالمعنى ما تقدم .
ملاحظات
حاول الراغب أن يقسم الخطأ ، وأن يفسر بعض آياته فوقع في إشكالات . وقد قَسَّمَ الفقهاء الخطأ إلي أقسام ، وقَسَّمَ المحقق الحلي في شرائع الإسلام « 4/1016 » القتل الى عمد ، وشبيه العمد ، وخطأ محض ، وقال : « وضابط العمد : أن يكون عامداً في فعله وقصده . وشبيه العمد : أن يكون عامداً في فعله ، مخطئاً في قصده . والخطأ المحض : أن يكون مخطئاً فيهما » .
وقد عرف الراغب الخطأ بقوله : « أن تريد غير ما تحسن إرادته فتفعله » . وهو ضعيف ، ومعناه : تقصد ما لا يجوز قصده . ثم حاول التفريق بين الخطأ والخطيئة ، فجعل الخاطئ بقصد ، والخطيئة بغير قصد ، وفسر بها قوله تعالى : وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ، قال : « الخطيئة هاهنا هي التي لا تكون عن قصد إلى فعله » ولا يصح ذلك ، لأن القاعدة قوله تعالى : وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ . فصحة العقاب تدل على العمد . وقد قال تعالى : مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا . فلا بد أن تكون خطيئتهم بقصد وعمد . قال ابن منظور « 1/65 » : « المُخْطِئُ : من أَراد الصواب ، فصار إلى غيره . والخاطِئُ : من تعمَّد لما لا ينبغي » . وقال بعضهم : الخِطأ بكسر الخاء للعمد ، وبفتحه للخطأ المحض .
وأكثر ما استعمل القرآن الخطأ فيما كان عن عمد . ولم يستعمل الخطيئة في الخطأ المحض ، بل بمعناها في الأديان السابقة .
خَطَوَ - خطى - خطوةً - خطوات
خَطَوْتُ أَخْطُو خَطْوَةً ، أي مرة . والخُطْوَة ما بين القدمين ، قال تعالى : وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ « البقرة : 168 » أي لاتتبعوه . وذلك نحو قوله : وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى . « صاد : 26 » .
خَفَّ - خََفّاً - خِفة - خفيف - تخفَّفَ - استخف - خفَّ عنه - خُفٌّ
الخَفِيف : بإزاء الثقيل ، ويقال ذلك تارة باعتبار المضايفة بالوزن ، وقياس شيئين أحدهما بالآخر ، نحو : درهم خفيف ودرهم ثقيل . والثاني : يقال باعتبار مضايفة الزمان ، نحو : فرس خفيف وفرس ثقيل : إذا عدا أحدهما أكثر من الآخر في زمان واحد . الثالث : يقال خفيف فيما يستحليه الناس ، وثقيل فيما يستوخمه ، فيكون الخفيف مدحاً والثقيل ذماً .
ومنه قوله تعالى : الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ « الأنفال : 66 » فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ « البقرة : 86 » وأرى أن من هذا قوله : حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً « الأعراف : 189 » .
الرابع : يقال خفيف فيمن يطيش ، وثقيل فيما فيه وقار ، فيكون الخفيف ذماً ، والثقيل مدحاً .
الخامس : يقال خفيف في الأجسام التي من شأنها أن ترجَحَنَّ إلى أسفل كالأرض والماء ، يقال : خَفَّ يَخِفُّ خَفّاً وخِفَّةً ، وخَفَّفَه تَخْفِيفاً وتَخَفَّفَ تَخَفُّفاً واستخففته . وخَفَّ المتاع : الخفيف منه ، وكلام خفيف على اللسان .
قال تعالى : فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ « الزخرف : 54 » أي حملهم أن يخفوا معه ، أو وجدهم خفافاً في أبدانهم وعزائمهم . وقيل معناه وجدهم طائشين . وقوله تعالى : فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ « المؤمنون : 102 » فإشارة إلى كثرة الأعمال الصالحة وقلتها . وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ « الروم : 60 » أي لا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 313 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يزعجنـك ويزيلنَّك عن اعتقادك بما يوقعون من الشَّبَه .
وخفوا عن منازلهم : ارتحلوا منها في خفة . والخُفُّ : الملبوس . وخُفُّ النعامة والبعير : تشبيهاً بخف الإنسان .
ملاحظات
تعبير الراغب : أن ترجَحَنَّ ، فيه عجمة ، ولا يستعمل في كلام العرب ، لأن المضارع المنصوب بأن معرب ، والمتصل بنون التوكيد مبني على الفتح . فيجتمع عليه إعراب وبناء ! كما لايصح قوله إن خف البعير والنعامة تشبيه بخف الإنسان ، بل بالعكس .
خَفَتَ - تخافت - مخافتةً - خفتٌ
قال تعالى : يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ « طه : 103 » وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها « الإسراء : 110 » المخافتة والخفت : إسرار المنطق ، قال : وشَتَّانَ بين الجَهرِ والمَنْطِقِ الخَفْتِ .
ملاحظات
معنى الخَفْت : الموت ، وخفض الصوت كلياً ، ويعرف المقصود به بقرينة . فتقول : خَفَتَ فلان ، أي مات . وخفت صوته تحتل الوجهين ، وتخافت مع فلان ، أي تكلما بصوت منخفض ، ومنه قوله تعالى : يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ .
والخفت المنهي عنه في الصلاة خفض الصوت . قال الخليل « 4/239 » : « صوت خفيت ، وخفت خفوتاً ، أي خفض خفوضاً . ويقال للرجل إذا مات : قد خَفَتَ ، أي انقطع كلامه . وهم يتخافتون إذا تشاوروا سراً .
وقال الجوهري « 1/248 » : « خفتَ الصوتُ خفوتاً : سكن . ولهذا قيل للميت خفتَ إذا انقطع كلامه وسكت ، فهو
خافت ، وخفت خِفَاتاً أي مات فجأة . والمُخافتة والتخافت : إسرار المنطق » .
خَفَضَ - خفضاً - خافض
الخَفْض : ضد الرفع ، والخَفْض : الدعة ، والسَّيْرُ الَّليِّن . وقوله عز وجل : وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ « الإسراء : 24 » فهو حثٌّ على تليين الجانب والإنقياد ، كأنه ضد قوله : أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ « النمل : 31 » . وفي صفة القيامة : خافِضَةٌ رافِعَةٌ « الواقعة : 3 » أي تضع قوماً وترفع آخرين . فخافضة إشارة إلى قوله : ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ . « التين : 5 » .
خَفِيَ - خفاءً - خفيةً - أخفاه -استخفى - خوافي
خَفِيَ الشئ خُفْيَةً : استتر ، قال تعالى : ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً « الأعراف : 55 » والخَفَاء : ما يستر به كالغطاء . وخَفَيْتَهُ : أزلت خفاه ، وذلك إذا أظهرته « من الأضداد » . وأَخْفَيْتَهُ : أوليته خفاء وذلك إذا سترته .
ويقابل به الإبداء والإعلان ، قال تعالى : إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعما هِيَ وَإِنْ تُخْفُـوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَــراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ « البقرة : 271 » وقال تعالى : وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ « الممتحنة : 1 » بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ « الأنعام : 28 » .
والإسْتِخْفَاءُ : طلب الإخفاء ، ومنه قوله تعالى : أَلا إنهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ « هود : 5 » . والخَوَافي : جمع خافية ، وهي ما دون القوادم من الريش .
خَلَّ - خلل - خلال - خللوا - خِلَّة - خُلَّة - خليل - أخلة - خلان
الخَلَل : فرجة بين الشيئين وجمعه خِلَال ، كخلل الدار والسحاب والرماد وغيرها ، قال تعالى في صفة السحاب : فَترَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ « النــور : 43 » فَجاسُــوا خِلالَ الدِّيار . « الإسراء : 5 » قال الشاعر :
أرى خِلَلَ الرمادِ وَمِيضَ جَمْرٍ
وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ « التوبة : 47 » أي سعوا وسطكم بالنميمة والفساد .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 314 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والخِلَال : لما تُخَلَّل به الأسنان وغيرها ، يقال : خَلَّ سِنَّهُ ، وخَلَّ ثوبَه بالخلال يَخُلُّهُ ، ولسانَ الفصيل بالخلال ، ليمنعه من الرضاع ، والرَّميةَ بالسهم ، وفي الحديث : خَلِّلُوا أصابعكم .
والخَلَل في الأمر : كالوهن فيه ، تشبيهاً بالفرجة الواقعة بين الشيئين . وخَلَّ لحمه يَخِلُّ خَلًّا وخِلَالًا : صار فيه خلل ، وذلك بالهزال ، قال : إنَّ جِسْمِي بَعْدَ خَالي لخِلُّ . والخَل : الطليق في الرمل ، لتخلل الوعورة أي الصعوبة إياه ، أو لكون الطريق متخللاً وسطه . والخَلَّة : أيضاً الخمر الحامضة لتخلل الحموضة إياها . والخِلَّة : ما يغطى به جفن السيف لكونه في خلالها . والخَلَّة : الإختلال العارض للنفس إما لشهوتها لشئ أو لحاجتها إليه ، ولهذا فسرالخَلة بالحاجة والخصلة .
والخُلَّةُ : المودة ، إما لأنها تتخلل النفس أي تتوسطها ، وإما لأنها تخل النفس فتؤثر فيها تأثير السهم في الرمية ، وإما لفرط الحاجة إليها . يقال منه : خاللته مُخَالَّة وخِلَالًا فهو خليل .
وقوله تعالى : وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا « النساء : 125 » قيل سماه بذلك لافتقاره إليه سبحانه في كل حال ، الإفتقار المعني بقوله : إني لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ « القصص : 24 » وعلى هذا الوجه قيل : اللهم أغنني بالإفتقار إليك ولا تفقرني بالإستغناء عنك . وقيل : بل من الخُلة واستعمالها فيه كاستعمال المحبة فيه . قال أبو القاسم البلخي : هو من الخِلة لا من الخُلة ، قال : ومن قاسه بالحبيب فقد أخطأ ، لأن الله يجوز أن يحب عبده ، فإن المحبة منه الثناء ولا يجوز أن يُخَالَّهُ ، وهذا منه اشتباه ، فإن الخُلة من تخلل الود نفسه ومخالطته ، كقوله :
قد تخلَّلْتَ مَسْلَكَ الرُّوحِ مني
وبه سميَ الخَلِيلُ خَلِيلا
ولهذا يقال : تمازج روحانا . والمحبة : البلوغ بالود إلى حبة القلب ، من قولهم : حببته إذا أصبت حبة قلبه ، لكن إذا استعملت المحبة في الله فالمراد بها مجرد الإحسان ، وكذا الخُلة ، فإن جاز في أحد اللفظين جاز في الآخر ، فأما أن يراد بالحب حبة القلب والخلة التخلل ، فحاشا له سبحانه أن يراد فيه ذلك .
وقوله تعالى : لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ « البقرة : 254 » أي لا يمكن في القيامة ابتياع حسنة ولا استجلابها بمودة ، وذلك إشارة إلى قوله سبحانه : وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى « النجـم : 39 » وقولــه : لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ « إبراهيم : 31 » فقد قيل : هو مصدر من خاللتُ ، وقيل : هو جمع ، يقال خليل وأَخِلَّة وخِلَال ، والمعنى كالأول .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن الخِلة في ثلاثة عشر مورداً : خلال الديار ، وخلال المسلمين ، وخلال الأرض ، وخلال الجنتين ، وخلال الغيم ، وفي الخليل ، والأخلاء ، والخلة يوم القيامة . قال الإمام الرضا « الكافي : 1/199 » : « إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة ، وفضيلة شرفه بها ، وأشاد بها ذكره فقال : إني جَاعِلُك للنَّاسِ إمَاماً » .
2 . أطال الراغب في وجه تسمية إبراهيم عليه السلام بالخليل بدون حاجة . وجعل الخِلة بمعنى الفُرجة فقط ، وحاول أن يرجع اليها الفروع ، وتكلف في بعضها ، وبقيت فروع عديدة لا يمكن إرجاعها الى الفُرجة .
قال الخليل « 4/140 » : « والخِل : الثوب البالي إذا رأيت فيه طرقاً . ونزلت به خَلَّة : أي حاجة وخصاصة . واختلَّ إلى فلان : أي احتيج إليه . والخليل : الفقير الذي أصابته ضارورة في ماله وغير ذلك . والخلال : البلح بلغة أهل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 315 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
البصرة ، وهو الأخضر من البسر قبل أن يَشْقَح » .
خَلَدَ - خلوداً - خُلْد - خالدون - مخلدون - أخلدَ
الخُلُود : هو تبري الشئ من اعتراض الفساد ، وبقاؤه على الحالة التي هو عليها ، وكل ما يتباطأ عنه التغيير والفساد تصفه العرب بالخلود ، كقولهم للأثافي : خوالد ، وذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها . يقال : خَلَدَ يَخْلُدُ خُلُوداً ، قال تعالى : لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ « الشعراء : 129 » .
والخَلْدُ : إسم للجزء الذي يبقى من الإنسان على حالته ، فلا يستحيل ما دام الإنسان حيّاً استحالة سائر أجزائه . وأصل المُخَلَّد : الذي يبقى مدة طويلة ، ومنه قيل رجلٌ مُخَلَّد لمن أبطأ عنه الشيب ، ودابة مُخَلَّدَة هي التي تبقى ثناياها حتى تخرج رباعيتها ، ثم استعير للمُبقى دائماً .
والخُلُودُ في الجنة : بقاء الأشياء على الحالة التي عليها من غير اعتراض الفساد عليها ، قال تعالى : أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ « البقرة : 82 » أُولئِكَ أَصْحـابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ « البقرة : 39 » وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها « النساء : 93 » . وقوله تعالى : يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ « الواقعـة : 17 » قيل مُبْقَوْنَ بحالتهم لا يعتريهم استحالة . وقيل مُقَرَّطون بخَلَدَة ، والخَلَدَة : ضرب من القرطة « الحلقة » .
وإِخلادُ الشئ : جعله مُبْقى ، والحكم عليه بكونه مبقى ، وعلى هذا قوله سبحانه : وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ « الأعراف : 176 » أي ركن إليها ظاناً أنه يخلد فيها .
ملاحظات
أجاد الراغب بقوله : « وأصل المُخَلَّد : الذي يبقى مدة طويلة » فإن الخلود لايدل بذاته على التأبيد ، قال الإمام زين العابدين عليه السلام في دعائه : « اللَّهُمَّ يَا ذَا الْمُلْكِ الْمُتَأَبِّدِ بِالْخُلُودِ والسُّلْطَانِ . الْمُمْتَنِعِ بِغَيْرِ جُنُودٍ ولَا أَعْوَانٍ » . « الصحيفة/146 » . ولهذا صح أن يقيد الخلود بزمان ، قال الله تعالى : خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّـمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ . وإما الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ .
أما قول الإمام الصادق عليه السلام : « من شرب النبيذ على أنه حلال خُلِّدَ في النار ، ومن شربه على أنه حرام عُذِّبَ في النار » . « الكافي : 6 /398 » . فهو يدل من جهة على أن الخلود في النار لبعض أهلها وليس لجميعهم ، وقد ورد أنهم المعاندون والمتكبرون . ويدل من جهة على أن التعذيب في النار أمر نسبي ، وهو أقل من الخلود ، والخلود أيضاً نسبي كما تقدم .
2 . قال الراغب : « والخَلْدُ : إسم للجزء الذي يبقى من الإنسان » . وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام من أن في البدن ذَرَّةً لا تفنى ، وهي التي تزرع يوم القيامة ويعاد بدنه منها ، فقد سئل : « عن الميت يبلى جسده؟ قال : نعم حتى لا يبقى له لحم ولا عظم إلا طينته التي خلق منها ، فإنها لا تبلى ، تبقي في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق أول مرة » . « الكافي : 3 /251 » .
خَلَصَ - خلوصاً - خالص - مخلص - أخلص - إخلاصاً
الخالص : كالصافي إلا أن الخالص هو ما زال عنه شَوْبُهُ بعد أن كان فيه ، والصافي : قد يقال لما لا شوب فيه . ويقال : خَلَّصْته فَخَلَصَ ولذلك قال الشاعر :
خَلَاصَ الخَمْرِ مِن نَسْجِ الفِدَامِ
والفِدَام : ما يوضع في فم الإبريق ليصفَّي به ما فيه . قال تعالى : وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا « الأنعام : 139 » . ويقال : هذا خالص وخالصة ، نحو : داهية وراوية . وقوله تعالى : فَلما اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا « يوسف : 80 » أي انفردوا خالصين عن غيرهم .
وقوله : وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ « البقرة : 139 » إنهُ مِنْ عِبادِنَا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 316 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الْمُخْلَصِينَ . « يوسف : 24 » فإخلاص المسلمين أنهم قد تبرؤوا مما يدعيه اليهود من التشبيه والنصارى من التثليث ، قال تعالى : مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ « الأعـراف : 9 » وقال : لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إن الله ثالِثُ ثَلاثَةٍ « المائدة : 73 » وقال : وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ « النساء : 146 » وهو كالأول .
وقال : إنهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا « مريم : 51 » فحقيقة الإخلاص : التبَرِّي عن كل ما دون الله تعالى .
ملاحظات
1 . لا يصح الفرق الذي ذكره الراغب بين الخالص والصافي ، وأن الخالص ما زال شوبه بعد أن كان فيه ، فقد يكون الشئ من أصله خالصاً لا شَوْبَ فيه ، كما قال الله تعالى : أَلا للَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ . وهو من أصله خالص . بل الفرق بينهما : أن الصافي ناظر الى الشئ من زاوية جودة ذاته فعلاً وعدم شوبها ، والخالص ناظر اليه من زاوية براءته مما قد يشوبه . ولعل الراغب أخذه من الخليل ، قال « 4/186 » : « خلص الشئ خلوصاً ، إذا كان قد نَشِبَ ثم نجا وسلم » لكنه كلام عن أحد مصاديقه ، وليس تعريفاً له بذلك .
كما أن الخلوص أوسع استعمالاً مما ذكر الراغب ، تقول : خلص منه ، وخلص عنه ، وخلص اليه ، وخلص له ، وخلص فيه ، وخلص به . وخلص هو ، وخلص عمله ، وخلصت نيته ، وخلص ماله ، وعرضه ، ودينه . ولكل منها فروع وفروق عن بعضها .
ومن الخلوص ما هو تكويني وتشريعي ، ومنه خارج عن إرادة الإنسان ، أو بإرادته . وخلوص النية : أمر نسبي ، وإذا بلغ خلوص العبد لله تعالى درجة عاليةً استخلصه الله فكان من المخلَصين ، كما قال تعالى : إنهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ .
2 . أجاد الخليل بقوله « 4/186 » : « والإخلاص : التوحيد لله خالصاً ، ولذلك قيل لسورة قل هو الله أحد : سورة الإخلاص . وأخلصت لله ديني : أمحضته ، وخلص له ديني . وإنه من عبادنا المخلصين : المخلصون ، المختارون ، والمخلصون الموحدون . وخلصته : نحيته من كل شئ ينشب تخليصاً ، وتخلصته كما يتخلص الغزل إذا التبس . والخلاص : زُبْدُ اللبن يستخلص منه ، أي يستخرج . والخلاصة : ما بقي من الخلاص وغيره » .
خَلَطَ - خلطاً- خليط - خلطاء - خلَّط َ
الخَلْطُ : هو الجمع بين أجزاء الشيئين فصاعداً سواء كانا مائعين ، أو جامدين ، أو أحدهما مائعاً والآخر جامداً ، وهو أعم من المزج . ويقال اختلط الشئ ، قال تعالى : فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ . « يونس : 24 » .
ويقال للصَّديق والمجاور والشريك : خَلِيطٌ . والخليطان في الفقه من ذلك ، قال تعالى : وَإن كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ « ص : 24 » . ويقال الخليط للواحد والجمع ، قال الشاعر :
بانَ الخليطُ ولم يأوُوا لمنْ تَرَكُوا
وقال : خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً « التوبة : 102 » أي يتعاطون هذا مرةً وذاك مرة .
ويقال : أخلط فلان في كلامه : إذا صار ذا تخليط ، وأخلط الفرس في جريه كذلك ، وهو كناية عن تقصيره فيه .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه المادة في التعايش : وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ . وفي الشـركاء في التجارة : وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ . وفي خلط الإنسان عمله : خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا . وفي اللحم المختلط بعظم : أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 317 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومثلاً للدنيا وعمر الإنسان بالزرع ينمو ويتداخل ثم ييبس : فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ . أي سقي بالماء فنما واختلط بعضه ببعض ، وسرعان ما صار يَبَساً تذروه الريح .
خَلَعَ - خلعاً - خلعه - خلع عليه
الخَلْعُ : خلع الإنسان ثوبه ، والفرس جِلَّهُ وعذاره ، قال تعالى : فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ « طه : 12 » قيل : هو على الظاهر ، وأمره بخلع ذلك عن رجله ، لكونه من جلد حمار ميت . وقال بعض الصوفية : هذا مثلٌ ، وهو أمر بالإقامة والتمكن ، كقولك لمن رمت أن يتمكن : إنزع ثوبك وخُفَّك ، ونحو ذلك . وإذا قيل : خَلَعَ فلان على فلان ، فمعناه أعطاه ثوباً . واستفيد معنى العطاء من هذه اللفظة بأن وصل به على فلان ، لا بمجرد الخلع .
ملاحظات
عبر الراغب بخلع النعل عن رجله ، فترجمها من الفارسية ، وقد راجعت نسخه فوجدته فيها كلها : عن . ويقال في العربية خلعه من رجله ، ولا يقال عنها . والفصيح : خلع نعله أو نعليه فقط ، ولا يحتاج الى إضافة : من رجليه ، لأنه لا يلبسها في يديه !
خَلَفَ - خلفاً - خِلفة - خِلافة - اختلف - تخلف - خَلَف- خلفة - خلائف - خلفته - خالف - خوالف - شجر الخلاف
خَلْفُ : ضد القُدَّام ، قال تعالى : يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ « البقرة : 255 » . وقال تعالى : لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ « الرعد : 11 » وقال تعالى : فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً « يونس : 92 » . وخَلَفَ : ضد تقدم ، وسلفَ . والمتأخر لقصور منزلته يقال له : خَلْفٌ ، ولهذا قيل : الخَلَف الردئ ، والمتأخر لا لقصور منزلته يقال له خَلَف ، قال تعالى : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ « الأعراف : 169 » وقيل : سكت ألفاً ونطق خَلْفاً ، أي رديئاً من الكلام . وقيل للإست إذا ظهر منه حبقة : خُلْفَة ، ولمن فسد كلامه أو كان فاسداً في نفسه .
يقال : تَخَلَّفَ فلان فلاناً : إذا تأخر عنه ، وإذا جاء خلف آخر ، وإذا قام مقامه . ومصدره الخِلَافةَ بالكسر .
وخَلَفَ خَلَافَةً بفتح الخاء : فسد ، فهو خَالِف : أي ردئ أحمق . ويُعَبَّر عن الردئ بخَلْف ، نحو : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ « مريم : 59 » . ويقال لمن خلف آخر فسدَّ مسدَّه : خَلَف .
والخِلْفَةُ : يقال في أن يخلف كل واحد الآخر ، قال تعالى : وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهــارَ خِلْفَةً « الفرقان : 62 » وقيل : أمرهم خِلْفَةٌ ، أي يأتي بعضه خلف بعض ، قال الشاعر :
بها العينُ والآرام يَمشِينَ خِلْفَةً
وأصابته خِلْفة : كناية عن البِطْنَة ، وكثرة المشي . وخَلَفَ فلانٌ فلاناً : قام بالأمر عنه ، إما معه وإما بعده ، قـال تعــالى : وَلَوْ نَشـاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُــمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ « الزخرف : 60 » .
والخِلافةُ : النيابة عن الغير إما لغيبة المنوب عنه ، وإما لموته ، وإما لعجزه ، وإما لتشريف المستخلف . وعلى هذا الوجه الأخير استخلف الله أولياءه في الأرض ، قال تعالى : هُـوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ « فاطر : 39 » وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ « الأنعام : 165 » وقال : وَيَسْتَخْلِفُ رَبي قَوْماً غَيْرَكُمْ « هود : 57 » .
والخلائف : جمع خليفة ، وخلفاء جمع خليف ، قال تعالى : يا داوُدُ إنا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ « صاد : 26 » وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ « يونس : 73 » جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ « الأعراف : 69 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 318 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والإختلافُ والمخالفة : أن يأخذ كل واحد طريقاً غير طريق الآخر ، في حاله أو قوله .
والخِلَاف : أعمُّ من الضِّد ، لأن كل ضدين مختلفان ، وليس كل مختلفين ضدين .
ولما كان الإختلاف بين الناس في القول قد يقتضي التنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة قال : فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ « مريم : 37 » وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ « هود : 118 » وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ « الروم : 22 » عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ « النبأ : 1 » إنكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ « الذاريات : 8 »
وقال : مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ « النحل : 13 » وقال : وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ « آل عمـــران : 105 » وقال : فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَــا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحق بِإِذْنِهِ « البقرة : 213 » .
وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا « يونس : 19 » وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ « يونس : 93 » . وقال في القيـامة : وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ « النحل : 92 » وقال : لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ « النحل : 39 » .
وقوله تعالى : وَإن الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ « البقرة : 176 » قيل معناه : خلفوا ، نحو كسب واكتسب ، وقيل : أتوا فيه بشئ خلاف ما أنزل الله . وقوله تعالى : لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ « الأنفال : 42 » فمن الخلاف ، أو من الخُلف . وقوله تعالى : وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَئ فَحُكْمُهُ إِلَى الله « الشوري : 10 » وقوله تعالى : فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ « آل عمران : 55 » وقوله تعالى : إن فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ « يونس : 6 » أي في مجئ كل واحد منهما خلف الآخر وتعاقبهما .
والخُلْفُ : المخالفة في الوعد ، يقال : وعدني فأخلفني ، أي خالف في الميعاد . بِما أَخْلَفُوا الله ما وَعَدُوهُ « التوبة : 77 » وقال : إن الله لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ « الرعد : 31 » وقال : فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي « طه : 86 » قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا « طه : 87 » . وأخلفت فلاناً : وجدته مُخْلِفاً . والإخلاف : أن يُسقى واحد بعد آخر .
وأَخْلَفَ الشجرُ : إذا اخضرَّ بعد سقوط ورقه . وأَخْلَفَ الله عليك : يقال لمن ذهب ماله ، أي أعطاك خلفاً .
وخَلَفَ اللهُ عليك . أي كان لك منه خليفة . وقوله : لايَلْبَثُونَ خَلْفَكَ إِلا قَلِيلاً « الإســراء : 76 » : بعدك . وقرئ : خِلافَكَ ، أي مخالفة لك . وقوله : أَوْ تُقَطعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ « المائدة : 33 » أي إحداهما من جانب ، والأخرى من جانب آخر .
وخَلَّفْتُهُ : تركته خلفي ، قال : فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ الله « التوبة : 81 » أي مخالفين . وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا « التوبة : 118 » قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ « الفتح : 16 » .
والخالِفُ : المتأخر لنقصان أو قصور كالمتخلف ، قال : فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ « التوبة : 83 » .
والخَالِفةُ : عمود الخيمة المتأخر ، ويكنى بها عن المرأة لتخلفها عن المرتحلين ، وجمعها خَوَالِف ، قال : رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ « التوبة : 87 » ووجدت الحيَّ خَلُوفاً ، أي تخلفت نساؤهم عن رجالهم .
والخَلْف : حد الفأس الذي يكون إلى جهة الخلف ، وما تخلَّف من الأضلاع إلى ما يلي البطن .
والخِلَافُ : شجر ، كأنه سمي بذلك لأنه فيما يظنُّ به ، أو لأنه يخلف مخبره منظره .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 319 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ويقال للجمل بعد بزوله : مُخْلِفُ عامٍ ومخلف عامين .
وقال عمر : لولا الخِلِّيفَى لأذَّنتُ ، أي الخلافة ، وهو مصدر خلف .
ملاحظات
1 . مادة خلف أوسع مما ذكر الراغب . وقال ابن فارس « 3/210 » إنها ثلاثة أصول : « أن يجئ شئ بعد شئ يقوم مقامه ، والثاني خلاف قدام ، والثالث التغير » . وذكر الخليل « 4/265 » معاني متعددة لها ، تجعلها أكثر من ثلاثة أصول .
2 . تهافت كلام الراغب ، فقد عَرَّفَ المـادة فقال : « خَلْفُ : ضدُّ القُدَّام » وتكلم عن فروعها ، وعن الخليفة وفروعه ، وعن الإختلاف وفروعه . وهي أصول ثلاثة . وخلط معها غيرها أيضاً . وجعل آية : وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ ، مما استعير للمنازعة والمجادلة وكأن الهدف من التنوع الخصام !
3 . خلط الراغب وغيره بين الإستخلاف التكويني لأجيال الإنسان على الأرض ، وبين نصب الله تعالى خليفة له كآدم وداود عليهما السلام ، قال : « وعلى هذا الوجه الأخير استخلف الله أوليـاءه في الأرض . هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ » . مع أن الإستخلاف هنا بمعنى الخلق والإسكان جيلاً يخلف جيلاً ، وليس فيه معنى خلافة الله تعالى على عباده وأرضه .
4 . لا تتضمن خَلَفَ معنى المدح أو الذم بل يفهم من غيرها ، نعم كلمة خَلْف في آية : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ، تشير الى ذمهم . أما قوله : سكت ألفاً ونطق خَلْفاً ، فقد رواه اللغويون : ونطق خُلفاً ، بضم الخاء من خُلوف الفم ، أو خلف الإنسان بمعنى إسته ، ولهذا تضمن معنى الرداءة . ولعل الراغب غلط في قراءته ، أو غَيَّره ليكون شاهداً له !
خَلَقَ - خلقاً - اختلق - اختلاقاً - مخلوق - أخلاق - خَلِقٌ - خَلَاق - خلوق - اخلولق
الخَلْقُ : أصله التقدير المستقيم ، ويستعمل في إبداع الشئ من غير أصل ولا احتذاء ، قال : خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « الأنعـام : 1 » أي أبدعهما بدلالة قوله : بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « البقرة : 117 » .
ويستعمل في إيجاد الشئ من الشئ نحو : خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ « النساء : 1 » خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ « النحل : 4 » خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ « المؤمنـون : 12 » وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ « الأعراف : 11 » خَلَقَ الْجَان مِنْ مارِجٍ « الرحمن : 15 » .
وليس الخَلْقُ الذي هو الإبداع إلا لله تعالى ، ولهذا قال في الفصل بينه تعالى وبين غيره : أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ « النحل : 17 » . وأما الذي يكون بالإستحالة فقد جعله الله تعالى لغيره في بعض الأحوال ، كعيسى حيث قال : وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطينِ كَهَيْئَةِ الطيْرِ بِإِذْنِي « المائدة : 110 » .
والخلق : لايستعمل في كافة الناس إلا على وجهين : أحدهما في معنى التقدير كقول الشاعر :
فَلَأنْــتَ تَفْــرِي ما خَلَقْــتَ
وبعضُ القومِ يخلقُ ثم لا يفري
والثاني : في الكذب نحو قوله : وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً « العنكبوت : 17 » . إن قيل : قوله تعالى : فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ « المؤمنون : 14 » يدل على أنه يصح أن يوصف غيره بالخلق . قيل : إن ذلك معناه : أحسن المقدرين ، أو يكون على تقدير ماكانوا يعتقدون ويزعمون أن غير الله يبدع فكأنه قيل : فأحسب أن هاهنا مبدعين وموجدين ، فالله أحسنهم إيجاداً على ما يعتقدون ، كما قال : خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ « الرعد : 16 » . وَلَآمُرَنَّهُمْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 320 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله « النساء : 119 » فقد قيل : إشارة إلى ما يشوهونه من الخلقة بالخصاء ونتف اللحية وما يجري مجراه . وقيل معناه : يغيرون حكمه . وقوله : لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله « الروم : 30 » فإشارة إلى ما قدره وقضاه ، وقيل معنى : لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله : نهيٌ ، أي لا تغيروا خلقة الله .
وقوله : وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ « الشعراء : 166 » فكنايةٌ عن فروج النساء .
وكل موضع استُعمل الخَلْق في وصف الكلام فالمراد به الكذب . ومن هذا الوجه امتنع كثير من الناس من إطلاق لفظ الخَلْق على القرآن . وعلى هذا قوله تعالى : إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الأولينَ « الشعراء : 137 » وقوله : ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هـذا إِلَّا اخْتِلاقٌ . « صاد : 7 » . والخَلْق : يقال في معنى المخلوق . والخَلْقُ والخُلْقُ : في الأصل واحد ، كالشِّـرْب والشُّرْب والصَّرم والصُّرم ، لكن خُصَّ الخَلْق بالهيئات والأشكال والصور المدركة بالبصر ، وخُصَّ الخُلُق بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة . قال تعالى : وَإنكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ « القلم : 4 » وقرئ : إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الأولينَ .
والْخَلَاقُ : ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه ، قال تعالى : ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ « البقــرة : 102 » وفلان خليق بكذا ، أي كأنه مخلوق فيه ، وذلك كقولك : مجبولٌ على كذا ، أو مدعو إليه من جهة الخلق .
وخَلِقَ الثوبُ وأَخْلَقَ ، وثوب خَلِقٌ ومُخْلَق وأخلاق ، نحو حَبْلٌ أرمامٌ وأرْمَات .
وتُصُوِّرَ من خَلُوقَة الثوب الملامسة فقيل جبل أَخْلَق ، وصخرة خَلْقَاء . وخَلَقْتُ الثوب : ملسته . واخلولق السحاب منه ، أو من قولهم هو خليق بكذا . والخَلُوق : ضرب من الطيب .
ملاحظات
1 . المعنى المتبادر من الخَلْق : الإيجاد من عدم ، أو إبداع الشئ من غير أصل ولا احتذاء . وهذا مختصٌّ بالله تعالى ، ويوصف به من يعطيه الله القدرة عليه . فالخالق بالذات هو الله سبحانه وكل ما سواه مخلوق حتى القرآن . وقد وقع الحشوية المجسمة في شبهة أن الكلام جزء من المتكلم ، فكلام الله تعالى والقرآن جزء منه فهو غير مخلوق ، فجعلوه سبحانه وجوداً مركباً مثلنا ووقعوا في التجسيم ، و الله تعالى يقول : مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ .
ومثلها شبهة أنه لا يصح وصف كلام الله بالمخلوق لأن الكلام المخلوق يعني المكذوب ! قال الراغب : « كل موضع استُعمل الخلق في وصف الكلام فالمراد به الكذب » . لكن هذا في فعل الإنسان لأن المختلق بمعنى المكذوب أما في فعله تعالى فالمخلوق المبدَع منه تعالى .
2 . قال الله تعالى : فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ . وتخبط فيها المفسرون ومنهم الراغب ، والصحيح أن الخالقين فيها هم الخالقون بتمكين الله تعالى لهم كعيسى عليه السلام . فقد روى الصدوق في التوحيد/63 ، عن الإمام الرضا عليه السلام : « قلت : جعلت فداك ، وغير الخالق الجليل خالق؟ قال : إن الله تبارك وتعالى يقول : تبارك الله أحسن الخالقين ، فقد أخبر أن في عباده خالقين ، منهم عيسى بن مريم عليه السلام ، خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله ، فنفخ فيه فصار طائراً بإذن الله ، والسامري خلق لهم عجلاً جسداً له خوار » .
3 . بالغ فقهاء السلطة في تفسير قوله تعالى عن إبليس : وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله . فجعلـوا تغيير خلق الله يشمل حتى حلق اللحية وقص الشعر ! وفسره أئمة العترة عليهم السلام بتغيير دين الله تعالى وأمره ونهيه . « تفسير
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 321 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العياشي : 1/276 » . ولم يقبل فقهاؤنا الإستدلال بها على تحريم حلق اللحية ، قال في مصباح الفقاهة » 1/407 « « والظاهر أن المراد به تغيير دين الله الذي فطر الناس عليه ، وفاقاً للشيخ الطوسي » .
4 . جعل الراغب الخُلُق بضم اللام من الخَلْق وفسربه : إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الأولينَ ! قـال : « والخَلْقُ والخُلْقُ في الأصل واحد » !
ولم يقله أحد من اللغويين ، فالخُلُق بمعنى الطبيعة والسجية ، لا يأتي بمعنى خَلْق الشئ .
5 . جعل الخَلِق صفة للثوب البالي مأخوذاً من الخُلْق ، ثم قال : « وتُصُوِّرَ من خَلُوقَة الثوب المَلَاسَة فقيل : جبل أَخْلَق وصخرة خَلْقَاء » . والصحيح أن الخَلْق بمعنى الملاسة أصل مستقل كما قال ابن فارس « 2/213 » : « أصلان أحدهما تقدير الشئ ، والآخر مَلاسَةُ الشئ » .
خَلَأَ - خلاءً - خلُوَّاً - خالٍ - خَلية - الخلا - يختلي
الخلاء : المكان الذي لاساتر فيه من بناء ومساكن وغيرهما . والخُلُوُّ : يستعمل في الزمان والمكان ، لكن لما تُصِوِّرَ في الزمان المضي فسَّر أهل اللغة : خلا الزمان ، بقولهم مضى الزمان وذهب . قال تعالى : وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ . « آل عمران : 144 » وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ « الرعد : 6 » تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ « البقرة : 141 » قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ « آل عمآآران : 137 » إِلَّا خَلا فِيهـــا نَذِيرٌ « فـاطـر : 24 » مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ « البقرة : 214 » وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ « آل عمران : 119 » . وقولــه : يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ « يوسف : 9 » . أي تحصل لكم مودة أبيكم وإقباله عليكم .
وخَلَا الإنسان : صار خَالِياً . وخَلَا فلان بفلان : صار معه في خَلَاءٍ . وخَلَا إليه : انتهى إليه في خلوة ، قال تعالى : وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ « البقرة : 14 » . وخلَّيْتُ فلاناً : تركته في خَلَاءٍ ، ثم يقال لكل تركٍ تخلية ، نحو : فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ « التوبة : 5 » . وناقة خَلِيَّة : مُخْلَاةٌ عن الحلب . وامرأة خَلِيَّةٌ : مخلاةٌ عن الزوج . وقيل للسفينة المتروكة بلا ربان : خَلِيَّة . والخَلِيُّ : من خَلَّاهُ الهَمُّ ، نحو المطلقة في قول الشاعر :
مطلقةً طَوْرَاً وطوراً تُرَاجَعُ
والخَلَاءُ : الحشيش المتروك حتى ييبس . ويقال : خَلَيْتُ الخَلَاءَ : جززته ، وخَلَيْتُ الدابة : جززت لها ومنه استعير : سيف يَخْتَلِي ، أي يقطع ما يضرب به قطعه للخلا .
ملاحظات
1 . كأن الراغب عَدَّ خلا في قوله تعالى : وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ . من الخُلُوِّ الزماني ، والصحيح أنها للخلو المكاني بمعنى خلوا معهم في مكان خلوة . وكذلك قوله تعالى : وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ . وفاته قوله تعالى : وَأَلَقْتَ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ . أي تخلَّتْ عنهم ، وخَلِيَت بطنها منهم .
2 . فاته عدد من معاني خلا ، ذكرها الخليل « 4/306 » وغيره ، منها : فلان خلا لفلان أي خادعه ، وخلى مكانُه أي مات ، وخاليت فلاناً إذا صارعته ، وخلأت الناقة خلاءً ، أي لم تبرح مكانها تعسراً منها . وما في الدار خلا زيداً . والخلي والخلية : الموضع الذي يُعْسِلُ فيه النحل .
خَمَدَ - خموداً
قوله تعالى : جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ « الأنبياء : 15 » كناية عن موتهم ، من قولهم : خَمَدَتِ النار خُمُوداً : طفئ لهبها . وعنه استعير : خمدت الحُمَّى : سكنت ، وقوله تعالى : فَإِذا هُمْ خامِدُونَ « يس : 29 » .
ملاحظات
الخمود : السكون ، والهمود : الموت . قال تعالى : وَتَرَى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 322 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَـا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ . وقال تعالى : حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ . يقصد به سكونهم لا موتهم ، وإن كان سكون الموت .
قال الخليل « 4/235 » : « خمد القوم : إذا لم تسمع لهم حساً . وخمدت النار خموداً : سكن لهبها ، وإذا طفئت قيل همدت » .
خَمَرَ- خمار- خمَّرَ - تخميراً - تخمر - أخمر - خميرة - خمر - خامر - خامرة - خمار - خمرة
أصل الخمر : ستر الشئ ، ويقال لما يستر به : خِمَار ، لكن الخمار صار في التعارف إسماً لما تغطي به المرأة رأسها ، وجمعه خُمُر ، قال تعالى : وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ « النور : 31 » واختمرت المرأة وتَخَمَّرَت . وخَمَّرْتُ الإناء : غطيته ، وروي : خَمِّروا آنيتكم . وأَخْمَرْتُ العجين : جعلت فيه الخمير . والخميرة : سميت لكونها مخمورة من قبل . ودخل في خِمَار الناس : أي في جماعتهم الساترة لهم . والخَمْر : سميت لكونها خامرةٌ لمقر العقل ، وهوعند بعض الناس إسم لكل مسكر ، وعند بعضهم إسم للمتخذ من العنب والتمر ، لما روي عنه عليه السلام : الخمر من هاتين الشجرتين : النخلة والعنبة . ومنهم من جعلها إسماً لغير المطبوخ . ثم كمية الطبخ التي تسقط عنه إسم الخمر ، مختلفٌ فيها .
والخُمَار : الداء العارض من الخمر ، وجُعل بناؤه بناء الأدواء كالزكام والسعال . وخُمْرَةُ الطيب : ريحه . وخَامَرَهُ وخَمَرَهُ : خالطه ولزمه ، ومنه استعير : خامريُّ أمِّ عامر .
ملاحظات
1 . ذكر القرآن الخمر في ست آيات ، ثلاث منها في تحريمه : ييَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَــا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَـدَاوَةَ وَالْبَغْضَــاءَ فِي الْخَمْـرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ .
واستعمله في منام صاحبي يوسف عليه السلام ، واستعمله في خمر الآخرة . وذكر الخُمُر في الحجاب : وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ .
ولم يستوف الراغب معاني المادة ، والمهم منها ما ورد في القرآن . ويلا حظ أنه تبني مذهب المتساهلين في الخمر . « لسان العرب : 4/254 » .
خَمْس - خمسة - خميس
أصل الخَمْس في العدد ، قال تعالى : وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ « الكهف : 22 » وقال : فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سنة إِلَّا خَمْسِينَ عاماً . « العنكبوت : 14 » .
والخميس : ثوب طوله خمس أذرع ، ورمح مَخْمُوس كذلك . والخَمْس من أظماء الإبل . وخَمَّسْتُ القومَ أَخْمُسُهُمْ : أخذت خمس أموالهم . وخَمَّسْتُهُمْ أَخْمُسُهُمْ : كنت لهم خامساً . والخميس في الأيام معلوم .
ملاحظات
لم يذكر الراغب آية الخمس أبداً ، وهي قوله تعالى : وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَئٍْ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيـلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَـا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَئٍْ قَدِيرٌ . وقد شرع الله الخمس قبل بدر فجعل بذلك لبني هاشم ميزانية خاصة ، ثم ربطه الله بمعركة بدر التي كانت فرقاناً ، والتي تم فيها تأسيس الأمة والدولة بتضحيات النبي صلى الله عليه وآله وبني هاشم عليهم السلام .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 323 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خَمَصَ - خميص - مخمصة - أخمص
قوله تعالى : فِي مَخْمَصَةٍ « المائدة : 3 » أي مجاعة تورث خَمْصَ البطن ، أي ضموره ، يقال : رجل خامص ، أي ضامر ، وأَخْمَص القدم : باطنها ، وذلك لضمورها .
خَمَطَ - خمْطاً - خمطة - تخمط
الخمط : شجر لاشوك له ، قيل هو شجر الأراك . والخَمْطَة : الخمر إذا حمضت . وتَخَمَّط : إذا غضب ، يقال تَخَمَّطَ الفحل : هَدَر .
خِنْزِير
قوله تعالى : وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ « المائدة : 60 » قيل : عنى الحيوان المخصوص ، وقيل : عنى من أخلاقه وأفعاله مشابهة لأخلاقها ، لا من خلقته خلقتها ، والأمران مرادان بالآية ، فقد روي أن قوماً مسخوا خلقةً ، وكذا أيضاً في الناس قوم إذا اعْتُبَرْتَ « فُحِصت » أخلاقهم وجدوا كالقردة والخنازير ، وإن كانت صورهم صور الناس .
خَنَسَ - خناس - خُنَّس - أخنس
قـوله تعـالى : مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّـاسِ « الناس : 4 » أي الشيطان الذي يَخْنُسُ ، أي ينقبض إذا ذكر الله تعالى . وقوله تعالى : فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ « التكوير : 15 » أي بالكواكب التي تخنس بالنهار .
وقيل : الخُنَّس هي زحل والمشتري والمريخ ، لأنها تخنس في مجراها ، أي ترجع . وأَخْنَسْتُ عنه حقه : أخَّرته .
ملاحظات
سُمِّيَ الشيطان الخناس لأنه يخنس ، أي يختبئ . وهو يخنس عن الوسوسة إذا ذكر الإنسان الله تعالى . كما لا يصح حصر سبب تسمية النجوم والكواكب الجواري بالخنس بأنها تخنس عنا في النهار ، فقد يكون خنوسها في أوقات أخرى ، وقد يكون خنوسها بعدها عنا مثلاً ، وليس غيابها .
خَنَقَ - خنقاً - مخنقة - منخنقة
قوله تعالى : وَالْمُنْخَنِقَةُ « المائدة : 3 » أي التي خُنِقَتْ حتى ماتت ، والمِخْنَقَة : القلادة .
خَابَ - خيبة
الخَيْبَة : فوت الطلب ، قال : وَخابَ كل جَبَّارٍ عَنِيدٍ « إبراهيم : 15 » وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى « طه : 61 » وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها « الشمس : 10 » .
خَيَرَ- خَيَرَة - استخار - اختيار - مختار
الخَيْرُ : ما يرغب فيه الكل ، كالعقل مثلاً ، والعدل ، والفضل ، والشئ النافع ، وضده الشر . قيل : والخير ضربان .
خيرٌ مطلق : وهو أن يكون مرغوباً فيه بكل حال وعند كل أحد ، كما وصف عليه السلام به الجنة فقال : لا خير بخير بعده النار ، ولا شرَّ بشرٍّ بعده الجنة . وخيٌر وشرٌّ مقيدان : وهو أن يكون خيراً لواحد شرّاً لآخر ، كالمال الذي ربما يكون خيراً لزيد وشراً لعمرو ، ولذلك وصفه الله تعالى بالأمرين فقال في موضع : إِنْ تَرَكَ خَيْراً « البقرة : 180 » .
وقال في موضع آخر : أَيَحْسَبُونَ إنما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ « المؤمنون : 55 » . وقوله تعالى : إِنْ تَرَكَ خَيْراً « البقرة : 180 » أي مالاً .
وقال بعض العلماء : لايقال للمال خير حتى يكون كثيراً ، ومن مكان طيب ، كما روي أن علياً عليه السلام دخل على مولى له فقال : ألا أوصي يا أمير المؤمنين؟ قال : لا ، لأن الله تعالى قال : إِنْ تَرَكَ خَيْراً « البقرة : 180 » وليس لك مال كثير ، وعلى هذا قوله : وَإنهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ « العاديات : 8 » أي المال الكثير .
وقال بعض العلماء : إنما سُمِّيَ المال هاهنا خيراً تنبيهاً على معنى لطيف ، وهو أن الذي يحسن الوصية به ما كان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 324 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مجموعاً من المال من وجه محمود ، وعلى هذا قوله : قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ « البقـرة : 215 » . وقال : وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإن الله بِهِ عَلِيمٌ « البقرة : 273 » . وقوله : فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً « النور : 33 » قيل : عنى به مالاً من جهتهم ، وقيل : إن علمتم أن عتقهم يعود عليكم وعليهم بنفع . أي ثواب .
والخير والشرُّ يقالان على وجهين ، أحدهما : أن يكونا إسمين كما تقدم ، وهو قوله : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ « آل عمران : 104 » . والثاني : أن يكونا وصفين ، وتقديرهما تقدير : أفعل منه ، نحو : هذا خير من ذاك وأفضل ، وقوله : نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها « البقرة : 106 » . وقوله : وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ « البقرة : 184 » فخير هاهنا يصح أن يكون إسماً وأن يكون بمعنى أفعل ، ومنه قوله : وَتَزَوَّدُوا فَإن خَيْرَ الزَّادِ التقْوى « البقرة : 197 » تقديره تقدير أفعل منه .
فالخير يقابل به الشر مرة ، والضُّرُّ مرة ، نحو قوله تعالى : وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كل شَئ قَدِيرٌ « الأنعام : 17 » .
وقوله : فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ « الرحمن : 70 » قيـل : أصله خَيِّرَاتٌ فخُفِّف ، فالخيْرات من النساء الخيِّرات ، يقال : رجل خَيْرٌ وامرأة خَيْرَةٌ ، وهذا خَيْرُ الرجال ، وهذه خَيْرَةُ النساء . والمراد بذلك المختارات ، أي فيهن مختارات لا رذل فيهن .
والخيِّر : الفاضل المختص بالخير ، يقال : ناقةٌ خِيَار ، وجملٌ خيار ، واستخار الله العبدُ فَخَارَ له ، أي طلب منه الخير فأولاه ، وخَايَرْتُ فلاناً كذا فَخِرْتُهُ .
والخِيَرَة : الحالة التي تحصل للمستخير والمختار ، نحو القعدة والجلسة ، لحال القاعد والجالس .
والإختيارُ : طلب ما هو خير وفعله ، وقد يقال لما يراه الإنسان خيراً وإن لم يكن خيراً .
وقوله : وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ « الدخان : 32 » يصح أن يكون إشارة إلى إيجاده تعالى إياهم خيراً ، وأن يكون إشارة إلى تقديمهم على غيرهم .
والمختار : في عرف المتكلمين يقال لكل فعل يفعله الإنسان لا على سبيل الإكراه ، فقولهم : هو مختارٌ في كذا ، فليس يريدون به ما يراد بقولهم فلان له اختيار ، فإن الإختيار أخذ ما يراه خيراً ، والمختار قد يقال للفاعل والمفعول .
خُوَار - خُوار - خَوَرَان
قوله تعالى : عِجْلًا جَسَـداً لَهُ خُوارٌ « الأعراف : 148 » الخُوَار : مختص بالبقر وقد يستعار للبعير ، ويقال : أرض خَوَّارَة ، ورمحٌ خَوَّار ، أي فيه خَوَرٌ . والخَوْرَان : يقال لمجرى الرَّوث ، وصوت البهائم .
خَوَضَ -خاض - خوضاً - أخاض - تخاوضوا
الخَوْضُ : هو الشُّروع في الماء والمرور فيه ، ويستعار في الأمور . وأكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذمُّ الشروع فيه ، نحو قـوله تعـالى : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ : إنما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ « التوبة : 65 » وقوله : وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا « التوبة : 69 » ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ « الأنعام : 91 » وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُـونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ « الأنعام : 68 » . وتقول : أَخَضْتُ دابتي في الماء ، وتخاوضوا في الحديث : تفاوضوا .
ملاحظات
عّرَّفَ اللغويون الخوض : بالمشي في الماء . ولا معني للشروع في الماء الذي عرفه به الراغب ، بل يقال : شرع بالمشي في الماء . على أن خطأه الأهم أن الخوض ليس مجرد الشروع في المشي بل هو توسط الماء ، بل هو المشي في كل مخاضة وليس في الماء فقط . قال ابن فارس « 2/229 » : « الخاء
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 325 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والواو والضاد أصل واحد ، يدل على توسط شئ ودخول . يقال : خضت الماء وغيره » .
وقال في أساس البلاغة/254 : « خاض الماء خوضاً وخياضاً وخوضةً . وخضت السويق بالمِخْوَض جدحته وخوضته . ومن المجاز خاضوا في الحديث ، وتخاوضوا فيه » .
خَيَطَ - خاط - خياطةً - خيط - خيطان - خياط
الخَيْطُ : معروف وجمعه خُيُوط . وقد خِطْتُ الثوب أَخِيطُهُ خِيَاطَةً ، وخَيَّطْتُهُ تَخْييطاً . والخِيَاطُ : الإبرة التي يخاط بها ، قال تعالى : حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ « الأعراف : 40 » حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْـوَدِ مِنَ الْفَجْرِ « البقرة : 187 » أي بياض النهار من سواد الليل . والخيطة في قول الشاعر :
تدلَّى عليها بين سبٍّ وخِيطَةٍ
فهي مستعارة للحبل أو الوتد . وروي أن عدي بن حاتم عمد إلى عقالين أبيض وأسود فجعل ينظر إليهما ويأكل ، إلى أن يتبيَّن أحدهما من الآخر ، فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك فقال : إنك لعريض القفا ، إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل .
وخَيَّطَ الشَّيْبُ في رأسه : بدا كالخيط . والخَيْط : النعام وجمعه خِيطَان ، ونعامة خَيْطاء : طويلة العنق ، كأنما عنقها خيط .
ملاحظات
وضَّح الإمام الجواد عليه السلام معنى الخيط الأبيض في الآية ، قال الراوي : « فكتب بخطه وقرأته : الفجر يرحمك الله ، هو الخيط الأبيض المعترض ليس هو الأبيض صعداء . فلا تُصَلِّ في سفر ولا حضر حتى تَتَبَيَّنَهُ ، فإن الله تبارك وتعالى لم يجعل خلقه في شبهـــة من هــذا فقال : كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُـمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ . فالخيط الأبيض هو المعترض الذي يحرم به الأكل والشرب في الصوم ، وكذلك هو الذي توجب به الصلاة » . « الكافي : 3/282 » .
وما ذكره الراغب من توبيخ النبي صلى الله عليه وآله للصحابي الجليل عدي بن حاتم رضي الله عنه لا يصح ، وهو من تحامل رواة السلطة على عدي لأنه كان من أصحاب علي عليه السلام ! وقد رواه البخاري « 5/156 » وزعم أن عدياً قال : « قلت يا رسول الله ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، أهما الخيطان؟ قال : إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين ! ثم قال : لا ، بل هو سواد الليل وبياض النهار » !
وعريض القفـا الأبلـه الأحمـق ، وحاشـا لرسول الله صلى الله عليه وآله أن يقول ذلك لعدي . وقد حاول شراح البخاري أن يخففوه أو يؤولوه ، فلم يوفقوا .
خَوْف - خاف - خوفاً - مخافةً - خَوَّفَه - تخويفاً - تخوفاً - خيفة
الخَوْف : تَوَقُّعُ مكروهٍ ، عن أمارة مظنونة أو معلومة . كما أن الرجاء والطمع توقع محبوبٍ عن أمارة مظنونة أو معلومة .
ويضاد الخوف الأمن ، ويستعمل ذلك في الأمور الدنيوية والأخروية . قال تعالى : وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ « الإسراء : 57 » . وقال : وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ إنكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِالله « الأنعام : 81 » . وقال تعالى : تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً « السجدة : 16 » . وقال : وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا « النساء : 3 » .
وقوله : وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما « النساء : 35 » فقد فسر ذلك بعرفتم ، وحقيقته : وإن وقع لكم خوف من ذلك لمعرفتكم .
والخوف من الله لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 326 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كاستشعار الخوف من الأسد ، بل إنما يراد به الكف عن المعاصي واختيار الطاعات ، ولذلك قيل : لا يعد خائفاً من لم يكن للذنوب تاركاً . والتخويفُ من الله تعالى : هو الحث على التحرُّز وعلى ذلك قوله تعالى : ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ « الزمر : 16 » .
ونهى الله تعالى عن مخافة الشيطان ، والمبالاة بتخويفه فقـال : إنما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ « آل عمران : 175 » . أي فلا تأتمروا لشيطان وائتمروا لله .
ويقال : تخوفناهم أي تنقصناهم تنقصاً اقتضاه الخوف منه . وقوله تعالى : وَإني خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي « مريم : 5 » فخوفه منهم أن لا يراعوا الشريعة ولا يحفظوا نظام الدين ، لا أن يرثوا ماله كما ظنه بعض الجهلة ، فالقنيات الدنيوية أخس عند الأنبياء عليهم السلام من أن يشفقوا عليها .
والخِيفَةُ : الحالة التي عليها الإنسان من الخوف ، قال تعالى : فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قُلْنا لا تَخَفْ « طه : 67 » واستعمل استعمال الخوف في قوله : وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ « الرعد : 13 » .
وقوله : تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ « الروم : 28 » أي كخوفكم ، وتخصيص لفظ الخيفة تنبيهاً [على] أن الخوف منهم حالة لازمة لا تفارقهم . والتخَوُّفُ : ظهور الخوف من الإنسان ، قال : أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ « النحل : 47 » .
ملاحظات
عَرَّفَ الراغب الخوف بأنه « توقع مكروهٍ عن أمارة » والصحيح أنه نوع من الفزع سواء وجدت أمارة على وقوع ما يفزع منه أم لا .
والخوف من الله تعالى أنواع ، وهو بمعنى الخوف من الوقوع في معصية والتعرض لغضب الله تعالى وعقوبته . وله منظومة مرادفات في سلوك المؤمن مع ربه عز وجل وأهمها : الخشية . والخشوع . والرهبة . والفزع . والتوقي . والحذر . وكلها استعملت في القرآن وبينها فروق ، وبحثها خارج عن غرضنا .
وقد يكون خوفاً من الناس كقوله تعالى : فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لما خِفْتُكُمْ . وقد يكون ممدوحاً : يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا . أو مذمومـاً : إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ . أو طبيعياً غير مذمـوم : وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ . أو خوفاً من عدو : فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً . أو من الفقر : وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً . أو من المجتمـــع : وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِي مِنْ وَرَائي .
واستعمل الراغب : الإئتمار لله أو لشيطان . والفصيح : الإئتمار بأمر الله ، أو بأمر الشيطان . وقال : يقال تخوفناهم ، أي تنقصناهم تنقصاً اقتضاه الخوف منه . ومعناه : انتقصناهم وطعنا فيهم ، فخفنا من ردة فعلهم .
خَيَلَ - تخيَّلَهُ - خَالَهُ - تخيلاً - خُيَلاء - خَيْل - أخيل
الخَيَال : أصله الصورة المجردة ، كالصورة المتصورة في المنام وفي المرآة ، وفي القلب بعيد غيبوبة المرئي . ثم تستعمل في صورة كل أمر متصور ، وفي كل شخص دقيق يجري مجرى الخيال .
والتخييل : تصوير خيال الشئ في النفس . والتخيُّل : تصور ذلك . وخِلْتُ : بمعنى ظننت يقال اعتباراً بتصور خيال المظنون . ويقال خَيَّلَتِ السماءُ : أبدت خيالاً للمطر ، وفلان مَخِيلٌ بكذا ، أي خليق . وحقيقته أنه مَظهرُ خيال ذلك .
والخُيَلَاء : التكبر ، عن تخيل فضيلة تراءت للإنسان من نفسه ، ومنها يتأول لفظ الخَيْل لما قيل : إنه لا يركب أحد فرساً إلا وجد في نفسه نخوة . والْخَيْلُ : في الأصل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 327 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إسم للأفراس والفرسان جميعاً ، وعلى ذلك قوله تعالى : وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ « الأنفال : 60 » . ويستعمل في كل واحد منهما منفرداً نحو ما روي : يا خيل الله اركبي ، فهذا للفرسان ، وقوله عليه السلام : عفوت لكم عن صدقة الخيل ، يعني الأفراس . والأخيل : الشِّقْرَاق لكونه متلوِّناً فيختال في كل وقت إن له لوناً غير اللون الأول ، ولذلك قيل كأبيبراقش كل لون لونه يُتخيل » .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه المادة في آية سَحَرة فرعون : فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى . وفي رباط الخيل . وفي خيل الشيطان : وَاجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ . ولا يصح قوله إن الخيل راكبها بل قد يكنى بها عن راكبيها .
أما المختال : فهو من الإختيال والخُيلاء ، وليس من تَخَيَّل .
خَوَلَ - خَوَّله - تخويلاً -بوجهه خال
قوله تعالى : وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ « الأنعام : 94 » أي ما أعطيناكم . والتخويل في الأصل إعطاء الخَوَل . وقيل إعطاء مايصير له خولاً ، وقيل إعطاء ما يحتاج أن يتعهده ، من قولهم : فلان خَالُ مَالٍ وخَايِلُ مالٍ ، أي حسن القيام به . والخَال : ثوبٌ يعلق فيخيل للوحوش . والخَال في الجسد : شامةٌ فيه .
ملاحظات
لم يذكر الراغب الخال والخالة ، وقد وردا في القرآن ، قال الله تعالى : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ . أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ . وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِى هَاجَرْنَ مَعَكَ .
وقد اتبع الراغب ابن فارس فجعل أصل المادة خَوَّلَ بمعنى تعهد الشئ . قال ابن فارس « 3/230 » : « خَوَلَ : أصل واحد يدل على تعهد الشئ » ولا يصح ذلك ، لأن العرب لم تستعمل خوَّل بمعنى تعهد . كما أن فروع المادة لا يمكن إرجاعها الى معنى التعهد ، كما في الخال أخ الأم ، وخال الوجه ، والإختيال ، والتخويل ، والتخيل ، والخيل ، وغيرها . فلا بد من القول بتعدد أصول المادة ، ومنها خَوَل بفتح الواو ، وخَوَّلَ بالتشديد ، واخْتَالَ ، وَتَخَيَّلَ . قال الخليل « 4/304 » : « أخول الرجل : إذا كان ذا أخوال ، فهو مخوِل ومخوَل . . والخال : بثرة في الوجه تضرب إلى السواد وجمعه خيلان . . ويقال : رجل خال ومختال أي شديد الخيلاء . والخال كالظلَع والغمز في الدابة . والخَوَل : ما أعطاك الله من العبيد والنعم . والخال : اللواء . والأخيل : تذكير الخيلاء . والأخيل : الشاهين ، والجميع : أخايل . والخيال : كل شئ تراه كالظل .
وخيالك في المرآة . وهو ما يأتي العاشق أيضاً في النوم على صورة عشيقته . والخال : الرجل السمح يشبه بالغيم البارق . وخَيَّلَت السماء : أغامت ولم تمطر . وإخال زيداً يكرمك . وتخيل عليك فلان ، إذا اختارك وتفرس فيك الخير . وأخالت الناقة فهي مخيلة ، إذا كانت حسنة العطل . والخيل جماعة الفَرَس ، لم تؤخذ من واحد مثل النبل والإبل . والتخايل : خُيَلاء في مهلة » .
خَوَنَ - خان - خيانة - خَوَّنه - تخويناً - خائن - خائنة - اختِيان
الخِيَانَة والنفاق واحد ، إلا إن الخيانة تقال اعتباراً بالعهد والأمانة ، والنفاق يقال اعتباراً بالدين . ثم يتداخلان ، فالخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السـر . ونقيض الخيانة الأمانة . يقال : خِنْتُ فلاناً وخِنْت أمانة فلان ، وعلى ذلك قولـه : لا تَخُونُوا الله وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 328 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أَماناتِكُمْ « الأنفال : 27 » وقوله تعـالى : ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما « التحريم : 10 » وقوله : وَلا تَزالُ تَطلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ « المائدة : 13 » أي على جماعة خائنة منهم . وقيل على رجل خائن يقال : رجل خائن وخائنة ، نحو راوية وداهية . وقيل : خائنة موضوعة موضع المصدر نحو : قم قائماً .
وقوله : يَعْلَمُ خائِنَةَ الأعيُنِ « غافر : 19 » على ما تقدم . وقال تعالى : وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا الله مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ « الأنفال : 71 » وقوله : عَلِمَ اللهُ إنكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ « البقرة : 187 » .
والإختيان : مراودة الخيانة ، ولم يقل : تخونون أنفسكم ، لأنه لم تكن منهم الخيانة بل كان منهم الإختيان ، فإن الإختيان تحرك شهوة الإنسان لتحري الخيانة ، وذلك هو المشار إليه بقوله تعالى : إن النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوء « يوسف : 53 » .
ملاحظات
1 . عَرَّفَ ابن فارس « 2/231 » الخيانة بأنها التنقص ، وعرفها الراغب بالنفاق وهو أقوى . لأن معناها في القرآن شديد ، قـال تعالى : إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ . إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَانٍ كَفُورٍ . إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَأن خَوَانًا أَثِيمًا . لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ . . وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً .
2 . لايصح تفسير الراغب للإختيان بأنه التفكير بالخيانة لأنه نفس الخيانة ، لكن الله سمى خيانة الإنسان لنفسه : اختياناً ، ففي البخاري « 5/156 » : « وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله تعالى : عَلِمَ اللَّـهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ » .
3 . اتفق اللغويون على أن خائنة الأعين بمعنى النظر سرقةً . قال الخليل « 4/309 » : « وخائنة العين : ما تخون من مسارقة النظر ، أي تنظر إلى ما لا يحل . وإذا نبا سيفك عن الضريبة فقد خانك . والخِوَان : المائدة ، معربة ، وجمعه : الخَوَن » .
وفي أساس البلاغة/256 : « خائنة الأعين ، وهي النظرة المسارقة إلى ما لا يحل » . أقول : تشمل خائنة الأعين نظرة الحسد وليس فيها مسارقة بالمعنى المعروف .
خَوَيَ- خوى - خِواءً - يخوي - أخوى - تخوية
أصل الخَوَاء : الخلا ، يقال خَوَى بطنه من الطعام يَخْوِي خَوًى ، وخَوَى الجَوْز خَوًى تشبيهاً به . وخَوَتِ الدار تَخْوِي خَوَاءً . وخَوَى النجم وأَخْوَى : إذا لم يكن منه عند سقوطه مطر ، تشبيهاً بذلك . وأخوى : أبلغ من خوى ، كما أن أسقى أبلغ من سقى . والتخوية : ترك ما بين الشيئين خالياً .
ملاحظات
لم يذكر الراغب شيئاً من آيات المادة ، وهي خمسة ، وفي ثلاث منهـا : وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَـا . وفي واحـدة : فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَـا ظَلَمُـوا . وفي الخامســة : فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأنهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ .
وذكر أكثر اللغويين كالراغب أن خاوية بمعنى خالية ، لكن المفسرين رأو أن ذلك يصح في قوله تعالى : فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا ، لكنه لا يصح في قوله تعالى : وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ، لأن العروش السقوف فكيف تكون خالية على سقوفها ، ولذلك فسروها بساقطة جدرانها بعد سقوط سقوفها . وكذا فسروا قوله تعــالى : كَأنهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ بأعجاز نخل ساقطة من يبسها ، أي خلت من الهواء فسقطت . فالخواء هنا فراغ الهواء الذي يوجب السقوط ويوجب فراغ البيوت من ساكنيها .
ومنه التخوية في السجود ، وهي ترك فراغ بين البدن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 329 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والأرض . والتخوية في الركوع فتح الرجلين كثيراً والإنحناء قليلاً . وفي الطبري « 1/323 » : « كان عمر إذا أراد أن يركع خوى » . أي يفتح رجليه ويركع على جنبه .
تمَّ كتاب الخاء .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 330 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب الدال وما يتصل بها

د
يشمل 46 مفردة و 26 ملاحظة
دَبَّ - دبياً - دابة - يدب - دواب
الدَّبُّ والدَّبِيبُ : مشيٌ خفيفٌ ، ويستعمل ذلك في الحيوان وفي الحشرات أكثر . ويستعمل في الشراب والبِلى ، ونحو ذلك مما لا تدرك حركته الحاسة . ويستعمل في كل حيوان ، وإن اختصت في التعارف بالفَرَس ، قال تعالى : وَاللَّه خَلَقَ كل دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ . الآية « النور : 45 » وقال : وَبَثَّ فِيها مِنْ كل دَابَّةٍ « البقرة : 164 » وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى الله رِزْقُها « هود : 6 » وقال تعالى : وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ « الأنعام : 38 » .
وقوله تعالى : وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ « فاطر : 45 » قال أبو عبيدة : عنى الإنسان خاصة ، والأولى إجراؤها على العموم .
وقوله : وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكلمُهُمْ « النمل : 82 » فقد قيل : إنها حيوان بخلاف ما نعرفه ، يختصُّ خروجها بحين القيامة . وقيل : عنى بها الأشرار الذين هم في الجهل بمنزلة الدواب ، فتكون الدابة جمعاً لكل شئ يَدِبُّ ، نحو : خائنة جمع خائن .
وقوله : إن شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ الله « الأنفال : 22 » فإنهــا عام في جميع الحيوانات . ويقال : ناقة دَبُوب : تدبُّ في مشيها لبطئها . وما بالدار دُبِّيٌّ ، أي من يدب . وأرض مَذدْبُوبَة : كثيرة ذوات الدبيب فيها .
ملاحظات
أضاف الراغب شرط الخفيف الى المشي على الأرض الذي هو الدَّب . أما تفسيره آية دابة الأرض فيدل علي خلل في منهجه في التفسير ، وأنه قد يساوي بين القول القطعي وبين الإحتمال المردود . فالآية صريحة في أن دابة الأرض معجزة تكلم الناس ، والأحاديث متواترة عند المسلمين في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 331 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أنها من علامات القيامة . لكن الراغب فسرها بقيل وقيل !
دَبَر- أدبر - إدباراً - أدبار - دابر- دبَُّرَ - دُبْر استدبار- تدبير- مدبرات - دابر
دُبُرُ الشئ : خلاف القُبُل ، وكُنِّيَ بهما عن العضوين المخصوصين . ويقال : دُبْرٌ ودُبُرٌ وجمعه أَدْبَار ، قال تعالى : وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ « الأنفال : 16 » . وقال : يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ « الأنفال : 50 » أي قُدَّامهم وخلفهم . وقال : فَلا ثُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ « الأنفال : 15 » وذلك نهيٌ عن الإنهزام .
وقوله : وَأَدْبارَ السُّجُودِ « ق : 40 » أواخر الصلوات . وقرئ : وَإِدْبارَ النُّجُومِ وأَدْبَار النجوم ، فإدبار مصدر مجعول ظرفاً ، نحو مقدم الحاج ، وخفوق النجم ، ومن قرأ : أدبار فجمع . ويُشتقُّ منه تارة باعتبار دَبَرَ الفاعل ، وتارة باعتبار دَبَرَ المفعول . فمن الأول قولهم : دَبَرَ فلانٌ ، وأمس الدابر ، وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَر « المدثر : 33 » . وباعتبار المفعول قولهم : دَبَرَ السهم الهدف : سقط خلفه ، ودَبَرَ فلان القوم : صار خلفهم ، قال تعالى : إن دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ « الحجر : 66 » وقال تعـالى : فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا « الأنعام : 45 » .
والدابر : يقال للمتأخر وللتابع ، إما باعتبار المكان ، أو باعتبار الزمان ، أو باعتبار المرتبة .
وأَدبرَ : أعرض وولى دبره ، قال : ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ « المدثر : 23 » وقال : تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى « المعارج : 17 »
وقال عليه السلام : لاتقاطعوا ولاتدابروا وكونوا عباد الله إخواناً . وقيل : لا يذكر أحدكم صاحبه من خلفه .
والإستدبار : طلب دبر الشئ . وتدابر القوم : إذا ولى بعضهم عن بعض . والدِّبَار : مصدر دَابَرْتُه ، أي عاديته من خلفه .
والتدبيرُ : التفكر في دُبُر الأمور ، قال تعالى : فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً « النازعات : 5 » يعني : ملائكة موكلة بتدبير أمور . والتدبير : عتق العبد عن دَبَر ، أو بعد موته . والدِّبَار : الهلاك الذي يقطع دابرتهم .
وسمي يوم الأربعاء في الجاهلية دِبَاراً ، قيل : وذلك لتشاؤمهم به . والدَّبِير من الفتيل : المَدْبُور أي المفتول إلى خلف ، والقبيل بخلافه . ورجل مُقَابَل مُدَابَر : أي شريف من جانبيه . وشاة مُقَابَلَة مُدَابَرَة : مقطوعة الأذن من قُبُلها ودُبُرها .
ودابرة الطائر : إصبعه المتأخرة ، ودابرة الحافر : ما حول الرسغ . والدَّبُور : من الرياح معروف . والدَّبْرَة : من المزرعة : جمعها دَبَار ، قال الشاعر :
على جَرْبَةٍ تَعْلُو الدَّبَارُ غُروبَهَا
والدَّبْر : النحل والزنابير ونحوهما مما سلاحها في أدبارها ، الواحدة دَبْرَة . والدَّبْرُ : المال الكثير الذي يبقى بعد صاحبه ، ولا يثنى ولا يجمع . ودَبَرَ البعير دَبَراً : فهو أَدْبَرُ ودَبِرٌ : صار بقرحه دُبْراً ، أي متأخراً . والدَّبْرَة : الإدبار .
ملاحظات
1 . معنى الدُّبُر والدُّبْر في العربية : خلف الشئ . يقولون : جعل فلان قولي دُبُر أذنه ، أي خلف أذنه . وجعلته دُبُر أذني ، وجئتُكَ دُبُرَ الشهر . « غريب الحديث لابن قتيبة : 2/6 » . لكن استعماله في مقعد الإنسان جعله المتبادر الى أذهان العامة ، مثل الغائط والغوطة أصله إسم للأرض المنخفضة ، فصار المتبادر منه فضلات الإنسان .
2 . كشف القرآن عن المدَبِّرَات في أمور الكون ، من الملائكة ، أو القوى غير العاقلة ، وأقسم بها ، فقال : فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا . وهو ردٌّ على من ينسبنا الى الغلو في النبي وآله صلى الله عليه وآله بأن الله تعالى أعطاهم دوراً في إدارة الكون وأمور العباد . وكذا النازعات والزاجرات . .
دَثَرَ- دثَّره - - مدَّثِّر - داثر - تدثر - دثار - دثور
قال الله تعالى : يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، أصله المتدثر فأدغم ، وهو المتدرع دِثَاره يقال : دَثَرْتُهُ فَتَدَثَّر . والدِّثَار : ما يتدثر به .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 332 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد تَدَثَّرَ الفحل الناقة : تسنمها ، والرجل الفرس : وثب عليه فركبه . ورجل دَثُور : خامل مستتر . وسيف داثر : بعيد العهد بالصقال ، ومنه قيل للمنزل الدارس داثر ، لزوال أعلامه . وفلان دِثْرُ مالٍ : أي حَسَنُ القيام به .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن لفظين قليلي الإستعمال لوصف حالة النبي صلى الله عليه وآله . فالمدثر والمزمل قلما يستعملان في التلفف بالثوب . لأن الدِّثْر بمعنى المال ، ودروس الرسم ، وليس فيه ما يتعلق بالثوب ، إلا قولهم تَدَثَّر ، بمعنى لبس ثيابه الفوقية . « الصحاح : 2/655 » .
وقال ابن فارس « 2/328 » : « وهو تضاعف شئ وتناضده بعضه على بعض ، فالدثر المال الكثير ، والدثار ما تدثر به الإنسان وهو فوق الشعار » . أما التزمل فقد ذكروا أنه نوعٌ من الصوت والمشـي ، ولم يذكروا تزمل بمعنى تلفف بالثوب . « العين : 7/371 » .
2 . ردَّ علماؤنا رواية البخاري في أول كتابه أن النبي صلى الله عليه وآله جاء من حراء بعد بعثته خائفاً « يرجف فؤاده فقال : لقد خشيت على نفسي ، زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع » ! لأنه يخالف نص القرآن على أنه رأى جبرئيل بالأفق المبين ، ويؤيده أن نزول سورة المدثر والمزمل كان بعد ذلك بمدة !
دَحَرَ -دحره - دحوراً - مدحور
الدَّحْر : الطرد والإبعاد ، يقال : دَحَرَهُ دُحُوراً ، قال تعالى : أخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً « الأعراف : 18 » وقال : فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً « الإسراء : 39 » وقال : وَيُقْذَفُونَ مِنْ كل جانِبٍ دُحُوراً « الصافات : 8 » .
دَحَضَ - دحضه - أدحضه - داحض
قال تعالى : حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ « الشوري : 16 » أي باطلة زائلة ، يقال : أدحضت فلاناً في حجته فَدَحَضَ ، قال تعالى : وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحق « الكهف : 56 » وأدحضت حجته فَدَحَضَتْ ، وأصله من دحض الرجل ، وعلى نحوه في وصف المناظرة : نظراً يزيل مواقع الإقدامِ . ودَحَضَتِ الشمس : مستعارٌ من ذلك .
دَحَا- دحاه - دحواً - مدحو - دحية - أداحي
قال تعالى : وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها « النازعات : 30 » أي أزالها عن مقرها ، كقوله : يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ « المزمل : 14 » وهو من قولهم : دحا المطر الحصـى عن وجه الأرض ، أي جَرَفَهَا . ومرَّ الفرس يَدْحُو دَحْواً : إذا جرَّ يده على وجه الأرض فيدحو ترابها . ومنه : أُدْحِيُّ النَّعام ، وهو أُفْعُول من دحوت . ودِحْيَة : إسم رجل .
ملاحظات
فسر الراغب دحي الأرض بإزالتها عن مقرها ، فلا يكون فيه إشارة الى كروية الأرض ، لكن أدحية النعامة : مكان بيضها في الرمل وهو دائري كروي . ومن معاني دَحْوِ الشئ : دَحْرَجَتُهُ ، ولا يكون إلا للكروي . ففي غريب الحديث للحربي « 2/725 » : « دحا إليَّ النبي صلى الله عليه وآله سفرجلة وقال : دونكها فإنها تذهب طخا الصدر » . وفي أساس البلاغة/265 : « خلق الله الأرض مجتمعة ثم دحاها ، أي بسطها ومدها ووسعها ، كما يأخذ الخباز الفرزدقة فيدحوها . ويقال لِلَّاعب بالجوز : أبْعِدْ وَادْحُهُ ، أي إرمه » .
فالدحو قد يتضمن الإزالة عن المقر ، لكنه إزلة للدحية ، كما يطلق على صنعها .
دَخَرَ - أدخرته - داخر - إدَّخَر - يدَّخر
قال تعالى : وَهُمْ داخِرُونَ « النحل : 48 » أي أذلّاء ، يقال : أَدْخَرْتُهُ فَدَخَرَ ، أي أذللته فذل . وعلى ذلك قوله : إن الَّذِينَ يَسْـتَكْبِرُونَ عَنْ عِبـادَتِي سَـيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ « غافر : 60 »
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 333 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقوله : يَدَّخِرُ أصله : يذتخر ، وليس من هذا الباب .
دَخَلَ - الدَّخَلُ - مَدخل - مُدخل - دَخِل - دخلاً - دَوْخلة
الدخول : نقيض الخروج ، ويستعمل ذلك في المكان والزمان والأعمال ، يقال : دخل مكان كذا ، قال تعالى : أدْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ « البقرة : 58 » ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ « النحل : 32 » ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها « الزمر : 72 » وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ « المجادلة : 22 » وقال : يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ « الإنسان : 31 » وَقُلْ : رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ « الإسراء : 80 » .
فمَدْخَـل : مِنْ دَخَـل يَدْخُلُ ، ومُدْخَـل : من أدخـل ، لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ « الحج : 59 » وقوله : مُدْخَلًا كَرِيماً « النساء : 31 » قرئ بالوجهين . وقال أبو علي الفسوي : من قرأ مَدخلاً بالفتح فكأنه إشارة إلى أنهم يقصدونه ، ولم يكونوا كمن ذكرهم في قوله : الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ « الفرقان : 34 » وقـــوله : إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ « غافر : 71 » ومن قرأ مُدخلاً فكقوله : لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ « الحج : 59 » .
وادَّخَلَ : اجتهد في دخوله ، قال تعالى : لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا « التوبة : 57 » .
والدَّخَلُ : كناية عن الفساد والعداوة المستبطنة كالدغل ، وعن الدعوة في النسب يقال : دَخِلَ دَخَلاً ، قال تعالى : تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ « النحل : 92 » . يقال : دُخِلَ فلان : فهو مدخول ، كنايةً عن بَلَهٍ في عقله ، وفساد في أصله . ومنه قيل : شجرة مدخولة . والدِّخَالُ في الإبل : أن يدخل إبل في أثناء ما لم تشرب لتشرب معها ثانياً . والدَّخَلَ : طائر سمي بذلك لدخوله فيما بين الأشجار الملتفة . والدَّوْخَلَّة : معروفة . « زنبيل » . ودَخَلَ بامرأته : كناية عن الإفضاء إليها ، قال تعالى : مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ « النساء : 23 » .
ملاحظات
المتفق عليه أن قوله تعالى : وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ . بضم الميم من مُدخل ومُخرج . وذكر الراغب أن سببه أنها من أدخل الرباعي ، وذلك تبعاً للغويين . وقال الزبيدي : « القاعدة أَنّ كلَّ فِعْلٍ ثُلاثيٍّ يكون مُضارعُه غيرَ مكسورٍ يأْتي منه المصدر والمَكَان والزَّمَان على المَفْعَل بالفَتْح ، إِلاّ ما شَذَّ كالمَطْلِع والمَشْرِقِ مما جاءَ بالوَجْهَيْنِ » . « تاج العروس : 3/339 » .
لكن الذي أميل اليه أن الضم والفتح تابع للمعنى المقصود ، وليس للرباعي والثلاثي . فالمَدخل بالفتح هو المصدر والموضع ، أي الفعل المطلق ومكانه . أما بالضم فهو إسم لموضع مختار منه . والمدعو به في الآية : إسم مصدر مناسب يختاره الله ، وليس كل مصدر ، ولذا ميزه عن المطلق المفتوح بالضم .
ودَخِلَ الشئ : فَسَد أو زال ، تقول فيه دَخَل . ففي دعاء زيارة الإمام الرضا عليه السلام : « فكم من سيئة أخفاها حلمك حتى دَخِلت ، وحسنة ضاعفها فضلك حتى عظمت » . « مفاتيح الجنان/725 » .
دَخَنَ - دُخَاناً - دُخْنةٌ- دَخَن
الدُّخَان كالعُثَان : المستصحب للهيب . قال : ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ « فصلت : 11 » أي هي مثل الدخان ، إشارة إلى أنه لا تماسك لها ، ودَخَنَتِ النار تَدْخُنُ : كثر دخانها . والدُّخْنَة : منه لكن تعورف فيما يتبخَّر به من الطيب . ودَخِنَ الطبيخ : أفسده الدخان . وتُصُوِّر من الدخان اللون فقيل : شاة دَخْنَاء ، وذات دُخْنَةٍ ، وليلة دَخْنَانَة .
وتُصُوِّر منه التأذي به فقيل : هو دَخِنُ الخُلُقِ ، وروي :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 334 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
هدنة على دَخَنٍ ، أي على فسادٍ دخلة .
ملاحظات
العُثان : الغبار . والدخان أعم مما كان فيه لهب أو ليس فيه . فاشتراط اللهب زيادة من الراغب .
دَرَّ - دراً - مدراراً - دِرَّةً - أدِرْه - إستدر
قال تعالى : وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً « الأنعام : 6 » يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً « نوح : 11 » وأصله : من الدَّرِّ والدِّرَّة ، أي اللبن . ويستعار ذلك للمطر استعارة أسماء البعير وأوصافه ، فقيل : لله دَرُّه ، ودَرَّ دَرُّكَ . ومنه استعير قولهم للسُّوق : دِرَّةٌ ، أي نفاق ، وفي المثل : سبقت دِرَّته غراره ، نحو سبق سيله مطره . ومنه اشتق : اسْتَدَرَّت المعزى ، أي طلبت الفحل ، وذلك أنها إذا طلبت الفحل حملت ، وإذا حملت ولدت فإذا ولدت درَّت . فكُنِّيَ عن طلبها الفحل بالإستدرار .
ملاحظات
جعل الراغب الدَّر أصلاً واحداً من دَرِّ اللبن ، ثم قال إنه استعير منه الدُّرَّة بمعنى السوط ، والدَّر بمعنى النفاق ، ولم يذكر الدُّر بمعنى الجوهر . ويصعب القول بوحدة أصلها ، أو برجوعها الى أصلين فقط .
دَرَجَ -درجاً - درجاناً - درجةً - درجات - مدرجة - دُرْجةٌ - دَرْجٌ - استدرج - دُرَّاج
الدَّرَجَة : نحو المنزلة ، لكن يقال للمنزلة درجة إذا اعتبرت بالصعود دون الإمتداد على البسيطة ، كدرجة السطح والسُّلَّم . ويعبر بها عن المنزلة الرفيعة ، قال تعالى : وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ « البقرة : 228 » تنبيهاً لرفعة منزلة الرجال عليهن في العقل والسياسة ونحو ذلك من المشار إليه بقوله : الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ . الآية . « النساء : 34 »
وقال : لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ « الأنفال : 4 » وقال : هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ الله « آل عمران : 163 » أي هم ذووا درجات عند الله ، ودرجات النجوم تشبيهاً بما تقدم . ويقال لقارعة الطريق : مَدْرَجَة ، ويقال : فلان يتدرج في كذا ، أي يتصعد فيه درجة درجة . ودَرَجَ الشيخ والصبي دَرَجَاناً : مشى مشية الصاعد في درجه . والدَّرْجُ : طيُّ الكتاب والثوب ، ويقال للمطوي : دَرْجٌ . واستعير الدَّرْج للموت كما استعير الطيُّ له في قولهم : طوته المنية . وقولهم : من دبَّ ودَرَج ، أي من كان حيّاً فمشى ، ومن مات فطوى أحواله . والدُّرْجُ : سفط يجعل فيه الشئ .
والدُّرْجَة : خرقة تلفُّ فتدخل في حياء الناقة . وقوله : سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ « الأعراف : 182 » قيل معناه : سنطويهم طيَّ الكتاب عبارة عن إغفالهم نحو : وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا « الكهف : 28 » . وقيل : سَنَسْتَدْرِجُهُمْ معناه : نأخذهم درجة فدرجة ، وذلك إدناؤهم من الشئ شيئاً فشيئاً كالمراقي والمنازل في ارتقائها ونزولها . والدُّرَّاج : طائر يدرج في مشيته .
ملاحظات
1 . الدَّرَجَة بمعنى المنزلة والرتبة الصاعدة ، وجمعها درجات . والدَّرَكة بمعنى المنزلة والرتبة النازلة ، وجمعها دركات .
وهذا معنى : الجنة درجات والنار دركات « لسان العرب : 10/422 والعين : 6/77و : 8/115والصحاح : 1/314و : 4/1583 » .
2 . استعمل القرآن الدرجة أربع مرات ، ثلاث منها في تفضيل المجاهدين : فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً . وواحدة في تفضيل الرجال على النساء : وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَللَّرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ .
واستعمل الدرجات أربع عشرة مرة ، منها : في أن الدرجات الرفيعة لله تعالى : رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ . ومنها في علو
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 335 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
درجات الأنبياء عليهم السلام على بعضهم : تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ . ومنها في درجات الناس يوم القيامة : أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ . هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ . وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا . أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ .
ومنها في درجات المجاهدين على القاعدين : وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا . دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً . وَللَّآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً . . وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى . ومنها في رفع درجة إبراهيم ويوسف بالعلم : وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ . وفي درجات الرزق في الدنيا : وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ . كَذَلِكَ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ . حْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ . ومنها في درجات العلماء : فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ .
دَرَسَ - درساً - دراسةً - دروساً -دارس
دَرَسَ الدَّارُ : معناه بقي أثرها . وبقاء الأثر يقتضي انمحاءه في نفسه ، فلذلك فسر الدُّرُوس بالإنمحاء . وكذا دَرَسَ الكتابَ ودَرَسْتُ العلمَ : تناولت أثره بالحفظ . ولما كان تناول ذلك بمداومة القراءة ، عُبِّر عن إدامة القراءة بالدرس ، قال تعالى : وَدَرَسُوا ما فِيهِ « الأعراف : 169 » وقال : بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ « آل عمران : 79 » وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها « سبأ : 44 » . وقوله تعالى : وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ « الأنعام : 105 » وقرئ : دَارَسْتَ أي جاريتَ أهل الكتاب . وقيل : وَدَرَسُوا ما فِيهِ : تركوا العمل به ، من قولهم : دَرَسَ القومُ المكان ، أي أبلوا أثره . ودَرَسَتِ المرأةُ : كنايةٌ عن حاضت . ودَرَسَ البعيرُ : صار فيه أثر جرب .
ملاحظات
دَوَّنَ اللغويون مادة درس فجعلوا دراسة غير الكتب هي الأصل ، وجعلوا دراسة الكتب مستعارة من الثوب الدارس والمكان الدارس . لكن قولــه تعـالى : وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . يدل على أن المادة أصيلة في اللغة العربية وغيرها من اللغات ، كالعبرية وإن كان سينها شيناً . لذا نرجح أن يكون دَرْسُ البيدر لاستخراج الحب من الحنطة استعير من دَرْس الكتاب ، وكذا دَرْسُ الثوب .
ومن أفضل من استوفى المادة ، ابن منظور « 6/79 » قال : « دَرَسَ الشئُ والرَّسْمُ يَدْرُسُ دُرُوساً : عفا . وكذلك قالوا : دَرَسَ البعيرُ إِذا جَرِبَ جَرَباً شديداً فَقُطِرَ . ودُرِسَ الطعامُ يُدْرسُ دِراساً : إِذا دِيسَ . والدِّراسُ : الدِّياسُ بلغة أَهل الشام . ودَرَسَ الكتابَ يَدْرُسُه دَرْساً ودِراسَةً ودارَسَه من ذلك ، كأَنه عانده حتى انقاد لحفظه . وقد قرئ بهما : وليَقُولوا دَرَسْتَ ، وليقولوا دارَسْتَ . وقيل : دَرَسْتَ قرأَتَ كتبَ أَهل الكتاب . ودارَسْتَ : ذاكَرْتَهُ . ويقال سمي إِدْرِيس عليه السلام لكثرة دِراسَتِه كتابَ اللَّه تعالى ، واسمه أَخْنُوخُ .
والمِدْراسُ والمَدْرَسُ : الموضع الذي يُدْرَسُ فيه . ومنه مِدراسُ اليهود . وفي حديث اليهودي الزاني : فوضع مِدْراسُها كَفَّه على آيةِ الرَّجمِ . المِدْراسُ صاحب دِراسَةِ كتبهم ، ومِفْعَل ومِفْعالٌ من أَبنية المبالغة . ومنه الحديث الآخر : حتى أَتى المِدْراسَ ، هو البيت الذي يَدْرسون فيه . ودارَسْت الكتبَ وتَدارَسْتُها وادَّارَسْتُها : أَي دَرَسْتُها . وفي الحديث : تَدارَسُوا القرآن ، أَي اقرأُوه وتعهدوه لئلا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 336 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تَنْسَوْه . وأَصل الدِّراسَةِ : الرياضة والتعَهُّدُ للشئ » .
دَرَكَ - دركاً - أدرك - إدراكاً - إدَّارَك - تدارك
الدَّرَكُ : كالدَّرَج ، لكن الدَّرَجَ يقال اعتباراً بالصعود ، والدرك اعتباراً بالحدور ، ولهذا قيل درجات الجنة ودَرَكَات النار . ولتصوُّر الحدور في النار سُمِّيَتْ هاوية ، وقال تعالى : إن الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِن في النَّارِ « النساء : 145 » والدَّرك أقصى قعر البحر . ويقال للحبل الذي يوصل به حبلٌ آخر ليُدرك الماء دَرَكٌ ، ولما يلحق الإنسان من تبعة دَرَكٌ كالدرك في البيع . قال تعالى : لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى « طه : 77 » أي تبعةً .
وأَدْرَكَ : بلغ أقصى الشئ ، وأَدْرَكَ الصبي : بلغ غاية الصبا وذلك حين البلوغ ، قال : حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ « يونس : 90 » . وقوله : لاتُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ « الأنعام : 103 » فمنهم من حمل ذلك على البصر الذي هو الجارحة ، ومنهم من حمله على البصيرة . وذكر أنه قد نُبه به على ما روي عن أبي بكر في قوله : يا من غاية معرفته القصور عن معرفته ، إذ كان غاية معرفته تعالى أن تعرف الأشياء فتعلم أنه ليس بشئ منها ولا بمثلها ، بل هو موجد كل ما أدركته .
والتدَارُكُ في الإغاثة والنعمة أكثر ، نحو قوله تعالى : لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ « القلم : 49 » وقوله : حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً « الأعراف : 38 » أي لحق كل بالآخر . وقال : بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ « النمل : 66 » أي تدارك فأدغمت التاء في الدال ، وتُوُصِّلَ إلى السكون بألف الوصل . وعلى ذلك قوله تعالى : حَتَّى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 337 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إِذَا ادَّارَكُوا فِيها « الأعراف : 38 » ونحوه : اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ « التوبـــة : 38 » واطيَّرْنـا بِكَ « النمل : 47 » . وقرئ : بل أَدْرَكَ علمُهم في الآخرة ، وقال الحسن : معناه جهلوا أمر الآخرة . وحقيقته انتهى علمهم في لحوق الآخرة فجهلوها . وقيل معناه بل يدرك علمهم ذلك في الآخرة أي إذا حصلوا في الآخرة ، لأن ما يكون ظنوناً في الدنيا فهو في الآخرة يقين .
ملاحظات
1 . لا يصح قول الراغب : أَدْرَكَ : بلغ أقصى الشئ ، بل يكفي أن يدرك أول الشئ ليسمى إدراكاً ، وقوله تعالى : لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ ، يكفي في صدقه أن تدرك النعمة أوله لا أقصاه .
2 . قال الراغب : « لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ . فمنهم من حمل ذلك على البصر الذي هو الجارحة . ومنهم من حمله على البصيرة » ! مع أنه لا يوجد أحدٌ من المفسرين حمله على نفي إدراك الله بالبصيرة ، ولا يصح ذلك لأنه يعني عدم إمكان معرفته أصلاً ! إلا إذا أراد نفي التوهم فيصح ، كما قال الإمام الجواد عليه السلام : « يا أباهاشم ، أوهام القلوب أدق من أبصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصـرك ، وأوهام القلوب لاتدركه ، فكيف أبصار العيون » !
3 . تفاوتت كلمات المفسرين في : قوله تعالى : بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ . ففسرها بعضهــم بالعلم بالآخرة ، ولا يصح ، لأنه عَدَّى الفعل بفي ، ومعناه أن الآخرة ظرف لعلمهم بها أو بغيرها ، وليست موضوعاً له . والصحيح ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام « تفسير البرهان : 4/226 » : « علموا ما كانوا جهلوا في الدنيا » فمعناه أن علمهم بحياتهم وبعثهم وما غاب عنهم يتكامل في الآخرة . ويؤيده سياق الآية : قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللهُ وَمَا يَشْــعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ . بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ . « النمل : 65 » . ويدل عليه أن ادَّارك وردت في القرآن بهذا المعنى ، قال تعالى : حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا . « الأعراف : 38 » . أي تتابعوا واكتملوا .
4 . قال الخليل « 5/ 327 » : « الدِّرَاك : إتباع الشئ بعضه على بعض . قال الله تعالى : حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً ، أي أدرك آخرهم أولهم فاجتمعوا فيها . وقوله عز وجل : بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ . أي لاعلم عندهم في أمرها » . وقال ابن فارس « 2/269 » : « لأن علمهم أدركهم في الآخرة حين لم ينفعهم » ! ويرد عليهما ما تقدم ، بل المعنى : تنامى علمهم حتى تكامل في الآخرة .
5 . ما نسبه الراغب الى أبي بكر لم يذكره أحد غيره ، لا من المحدثين ولا من المفسرين ، ولا من رواة فضائل أبي بكر ، فلا بد أن يكون من الموضوعات !
دِرْهَم - دراهم
قال تعالى : وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ « يوسف : 20 » الدِّرهم : الفضَّة المطبوعة المتعامل بها .
دَرَى - دريته - دريت به - دِِرْيَة - أدراك
الدِّراية : المعرفة المدركة بضرب من الحيل ، يقال : دَرَيْتُهُ ، ودَرَيْتُ به ، دِرْيَةً ، نحو : فِطْنَة ، وشِعْرة ، وادَّرَيْتُ قال الشاعر :
وماذا يـــدَّرِي الشُّعَرَاءُ مِنِّي
وقد جَاوَزْتُ رَأسَ الأربعينِ
والدَّرِيَّة : لما يتعلم عليه الطعن ، وللناقة التي ينصبها الصائد ليأنس بها الصيد ، فيستتر من ورائها فيرميه . والمِدْرَى : لقرن الشاة ، لكونها دافعة به عن نفسها ، وعنه استعير المُدْرَى لما يصلح به الشعر . قال تعالى : لا تَدْرِي لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً « الطلاق : 1 » وقـال : وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ « الأنبياء : 111 » وقال : ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ « الشوري : 52 » .
وكل موضع ذكر في القرآن وَما أَدْراكَ ، فقد عقَّب ببيانه نحو : وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ نارٌ حامِيَةٌ « القارعة : 10 » وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْر « القـدر : 2 » وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ « الحاقة : 3 » ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ « الإنفطـار : 18 » . وقوله : قُلْ لَوْ شـاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ « يونس : 16 » من قولهم : دريْت ، ولو كان من درأت لقيل : ولا أدرأتكموه . وكل موضع ذكر فيه : وَما يُدْرِيكَ لم يعقبه بذلك ، نحو : وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى « عبس : 30 » وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ « الشوري : 17 » . والدِّراية : لا تستعمل في الله تعالى ، وقول الشاعر :
لَاهُمَّ لَا أَدْرِي وَأَنْتَ الدَّارِي
فمن تعجرف أجلاف العرب !
ملاحظات
1 . قال الراغب : « الدِّراية : المعرفة المدركة بضرب من الحيل » فأدخل الحيلة في الدراية لأنه تصور أنها مأخوذة من دارَى التي تأتي بمعنى خاتل ، وهو تصورٌ خاطئ ، فلا درى من دارى ، ولا داراه بمعنى خاتله بل داراه بمعنى جاراه وجامله ولاينه وتألفه ، ومنه الحديث النبوي : مداراة الناس نصف العقل . ومنه حكم المؤلفة قلوبهم ، فهل يأمر الله ورسوله بالحيلة والمخاتلة ! قال الإمام الصادق عليه السلام في معني الدراية : « عليكم بالدرايات لا بالروايات . خبر تدريه خير من ألف ترويه » . « مستطرفات السرائر/266 » .
كما أن قوله إن الله تعالى ذكر جواب أدراك ولم يذكر جواب يدريك ، غير دقيق . وقد نقضه بآية أدراكم به التي لاجواب فيها !
2 . قال الراغب إنه لا يجوز وصف الله تعالى بالدراية ، لأنه منزه عن الحيلة ، ثم تهجم على العجاج الشاعر ، ولم يسمه لأنه قال :
لاهُمَّ لا أَدْرِي وأَنْتَ الداري
كلُّ امْرئٍ مِنْكَ على مِقْدارِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 338 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقال عنه : « وقول الشاعر ، فمن تعجرف أجلاف العرب » . والجلافة : الغلظة والجفاء في الخَلْق والخُلق . والعجرفة : الحَمَق والتسرع وقلة المبالاة ! وكان الواجب علي الراغب لما رأى العجاج أمير الرجز العربي قد استعملها لله تعالى ، أن يرجع عن تخيله أنها تتضمن معنى الحيلة ويصحح علمه ، لكنه شتم العجاج مع الأسف .
« راجع : ابن منظور : 12/555 ، و : 1/71 ، و : 9 /11 ، والخليل : 8/58 ، والجوهري : 6/2334 ، وابن فارس : 2/271 ، والمصون للعسكري /138 ، ومعجم المناهي لأبي زيد : 1/78 ، والمخصص : 3ق3 /158 » .
دَرَأ - درأه - دارأه - ادارؤوا
الدَّرْءُ : الميل إلى أحد الجانبين ، يقال : قَوَّمت دَرْأَهُ . ودَرَأْتُ عنه : دفعت عن جانبه . وفلان ذو تَدَرُّؤٍ ، أي قويٌّ على دفع أعدائه . ودَارَأْتُهُ : دافعته . قال تعالى : وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسنة السَّيِّئَةَ « الرعد : 22 » وقال : وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ « النور : 8 » وفي الحديث : إدْرَءُوا الحدود بالشبهات ، تنبيهاً على تطلُّب حيلة يدفع بها الحد ، قال تعالى : قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ « آل عمران : 168 » وقوله : فَادَّارَأْتُمْ فِيها « البقرة : 72 » هو تفاعلتم أصله تَدَارَأْتُم ، فأريد منه الإدغام تخفيفاً وأبدل من التاء دال فسُكِّن للإدغام ، فاجتلب لها ألف الوصل فحصل على افَّاعلتم .
قال بعض الأدباء : ادَّارأتم افتعلتم ، وغُلِّطَ من أوجه : أولاً ، أن ادَّارأتم على ثمانية أحرف ، وافتعلتم على سبعة أحرف . والثاني : أن الذي يلي ألف الوصل تاء ، فجعلها دالاً . والثالث : أن الذي يلي الثاني دال فجعلها تاء . والرابع : أن الفعل الصحيح العين لا يكون ما بعد تاء الإفتعال منه إلا متحركاً ، وقد جعله هاهنا ساكناً . الخامس : أن هاهنا قد دخل بين التاء والدال زائد ، وفي افتعلت لا يدخل ذلك . السادس : أنه أنزل الألف منزل العين ، وليست بعين . السابع : إن افتعل قبله حرفان ، وبعده حرفان ، وادارأتم بعده ثلاثة أحرف .
ملاحظات
كلام الراغب في وزن ادَّارأتم بلا موجب . وقد استعمل القرآن الدَّرْأَ بمعنى الدفع والمنع ، وذكر له اللغويون معاني أخر ، ومنها الميل الى أحد الجانبين . لكن ذلك لايصحح أن يَجعل المَيْل أول معانيه . قال الخليل « 8/60 » : « ودرأته عني أي دفعته » . وقال ابن فارس « 2/272 » : « أما المهموز قولهم درأت الشئ دفعته . قال الله تعالى : وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ . فأما الدرأ الذي هو الإعوجاج فمن قياس الدفع ، لأنه إذا اعوجَّ اندفع من حد الإستواء إلى الإعوجاج » .
دَسَّ - دسه - دساه
الدَّسُّ : إدخال الشئ في الشئ بضرب من الإكراه يقال : دَسَسْتُهُ فَدُسَّ . وقد دُسَّ البعير بالهناء ، وقيل : ليس الهناء بالدَّس . قال الله تعالى : أَمْ يَدُسُّهُ فِي الترابِ . « النحل : 59 » .
دَسَرَ- دَسَرَه - دِسار - دَسْر - مدسر
قال تعالى : وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ « القمر : 13 » أي مسامير ، الواحد دِسَار ، وأصل الدَّسْرِ : الدفع الشديد بقهر ، يقال : دَسَرَهُ بالرُّمح ، ورجل مِدْسَر ، كقولك : مِطْعَن ، وروي : ليس في العنبر زكاة ، إنما هو شئ دسره البحر .
ملاحظات
قال الخليل « 7/225 » : « الدَّسْر : الدفع الشديد والطعن ، ودسَره بالرمح . والدِّسَار : خيط من ليف تشد به ألواح السفينة ، والمسامير أيضاً تسمى دُسُراً في أمر السفينة واحدها دسار » . ونحوه الجوهري : 2/657 ، وقال ابن فارس : 2/278 « ويقال الدُّسُر : المسامير » .
كما فسر بعض اللغويين الدُّسُر بالحبال الغليظة التي تشد بها السفن . ويصح تفسيرها بالمسامير كما فعل الراغب ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 339 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لأنها تُدْسر أي تدق وتشد بها السفينة ، لكن الدسر كل ما تشد به ، فهو أعم من المسامير .
دَسَّى - دساه - تدسية
قال تعالى : وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها « الشمس : 10 » أي دسسها في المعاصي ، فأبدل من إحدى السينات ياء ، نحو : تَظنَّيْتُ ، وأصله تَظنَّنْتُ .
ملاحظات
قال علي بن إبراهيم القمي في تفسيره « 2/424 » : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا : يعني نفسه طهرها . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا : أي أغواها . وذكر نحوه عامة المفسرين الشيعة والسنة . ففي تفسير الطبري « 30/267 » : « يعني من دسس الله نفسه فأحملها ، ووضع منها بخذلانه إياها عن الهدى » .
وفي تفسير الثعلبي « 10/214 » : « قال أحدهما : أغواها ، وقال الآخر : أضلها ، وقال قتادة : دسّها آثمها وأفجرها ، وقال ابن عباس : أبطلها وأهلكها . وقال الحسن : معناه قد أفلح من زكى نفسه فأصلحها وحملها على طاعة الله عز وجل ، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا : قال من أهلكها وأضلها وحملها على معصية الله عزوجل ، فجعل الفعل للنفس » .
وقال الخليل « 7/185 » : « دسست شيئاً في التراب ، أو تحت شئ أي أخفيته ، قال الله عز وجل : أ يمسكه على هون أم يدسه في التراب ، أي يدفنه » . وقال الجوهري « 6/2336 » : « أي أخفاها . وهو في الأصل دسسها ، فأبدل من إحدى السينين ياء » . وقال ابن فارس « 2/277 » : « أي أخفاها أو أغمضها . وهذا هو المعول عليه » .
أقول : التقابل بين التزكية والتدسية يعني : أن للنفس حركة زكاة ونمو وتكامل ، وهو ما يفعله المؤمن الفائز . ولها حركة تناقص وإخفاء لطاقاتها كمن يدس شيئاً ويخفيه ، وهو ما يفعله الخائب . وتعريف الراغب للدَّسُّ : بأنه إدخال الشئ في الشئ بضرب من الإكراه ، لا يَطَّرِد .
دَعَّ - دعَّهُ - دعّاً
الدَّعُّ : الدفع الشديد . وأصله أن يقال للعاثر : دَعْ دَعْ ، كما يقال له : لَعَا . قال تعالى : يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّــا « الطور : 13 » وقوله : فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ « الماعون : 2 » قال الشاعر :
دَعُّ الوصيِّ في قفا يتيمهِ
ملاحظات
ذكر عامة اللغويين أن : دَعْ دَعْ ، تقال للعاثر أي الذي يسقط على الأرض ، ومعناها قم أنعشك الله . فجعل الراغب أصلها دَعَّهُ ، أي دفعه بشدة . وهما معنيان مستقلان بمعنى الترك والدفع ، ولا علاقة بينهما !
دَعَا - دعاه - دعاءً - دعوةً - ادَّعى - يدَّعي
الدُّعَاء كالنداء ، إلا أن النداء قد يقال بيا ، أو أيا ونحو ذلك ، من غير أن يُضم إليه الإسم ، والدُّعَاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الإسم نحو : يا فلان . وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر . قال تعالى : كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لايَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً « البقرة : 171 » . ويستعمل استعمال التسمية ، نحو : دَعَوْتُ ابني زيداً ، أي سميته . قال تعــالى : لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً « النور : 63 » حثّاً على تعظيمه ، وذلك مخاطبة من كان يقول : يا محمد .
ودَعَوْتَهُ : إذا سألته وإذا استغثته ، قال تعالى : قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ « البقرة : 68 » أي سله . وقال : قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ الله أَوْ أَتَتْكُمُ السَّـاعَةُ أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ « الأنعام : 40 » تنبيهاً [على] أنكم إذا أصابتكم شدة لم تفزعوا إلا إليه .
وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً « الأعراف : 56 » وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 340 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
دُونِ الله إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ « البقرة : 23 » وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ « الزمـــر : 8 » وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ « يونــس : 12 » وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ الله ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ « يونس : 106 » .
وقوله : لاتَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِـداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً « الفرقان : 14 » هو أن يقول : يا لهفاه ، ويا حسرتاه ، ونحو ذلك من ألفاظ التأسُّف ، والمعنى : يحصل لكم غموم كثيرة . وقوله : ادْعُ لَنا رَبَّكَ « البقرة : 68 » أي سله .
والدُّعاءُ إلى الشئ : الحثُّ على قصده قال : رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ « يوسف : 33 » وقال : وَاللَّه يَدْعُوا إِلى دارِ السَّـلامِ « يونس : 25 » وقال : يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّـارِ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِالله وَأُشْرِكَ بِهِ « غافر : 41 » وقوله : لا جَرَمَ إنما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ « غافر : 43 » أي رفعةٌ وتنويهٌ .
والدِّعْوَةُ : مختصة بادعاء النسبة . وأصلها للحالة التي عليها الإنسان نحو القَعدة والجَلسة . وقولهم : دَعْ دَاعِي اللبن ، أي غُبْرَةً تجلب منها اللبن . والادِّعاءُ : أن يدعي شيئاً أنه له ، وفي الحرب الإعتزاء « انتساب الفارس » .
قال تعالى : وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ نُزُلًا « فصلت : 31 » أي ما تطلبون . والدَّعْوَى : الإدعاء ، قال : فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا « الأعراف : 5 »
والدَّعْوَى : الدعاء ، قال : وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ « يونس : 10 » .
ملاحظات
1 . قوله : « والدِّعْوَةُ مختصة بادعاء النسبة » والصحيح أن يقال : وابن دِعْوَة ، تقال لدعيِّ النسب . وقوله : « وأصلها للحالة التي عليها الإنسان » : ليس له معنى معقول . وقوله : « دَعْ دَاعِي اللبن ، أي غُبْرَةً تجلب منها اللبن » . أي : دعْ شيئاً في الضرع يستدعي الحليب .
2 . لم يذكر الراغب دعاء أحد ، أو الدعاء الى أحد بمعنى الدعاء الى عبادته ، قال تعالى : أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ . وقال : إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ . وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ . فدعاه تأتي بمعنى ناداه ، وبمعنى دعاه لضيافته ، وبمعنى سماه ، وبمعنى عبده أو دعا الى عبادته ، ويعرف معناها من قرائن الكلام .
دَفَعَ - دفعه اليه - دفعه عنه - دفعاً - مدفوع
الدَّفْعُ : إذا عُدِّيَ بإلى اقتضى معنى الإنالة ، نحو قوله تعالى : فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ « النساء : 6 » . وإذا عُدِّي بعن اقتضى معنى الحماية نحو : إن الله يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا « الحج : 38 » وقـال : وَلَوْلا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ « الحج : 40 » . وقوله : لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ الله ذِي الْمَعارِجِ « المعارج : 2 » أي حام . والمُدَفَّع : الذي يدفعه كل أحد . والدُّفْعَة من المطر ، والدُّفَّاع من السَّيْل .
ملاحظات
تعريفه للدفع ضعيف ، ولا يصح تفسيره بعذاب ليس له دافع بأنه ليس له حام ، بل معناه ليس له راد . قال الخليل « 2/45 » : « دفعت عنه كذا وكذا دفعاً ومدفعاً ، أي : منعت . ودافع الله عنك المكروه دفاعاً ، وهو أحسن من دفع » .
وقال ابن فارس « 2/288 » : « يقال دفعت الشئ أدفعه دفعاً . ودافع الله عنه السوء دفاعاً » .
دَفَقَ - دفقاً - أدفق - دِفقاً - تدفق - اندفق
قال تعالى : ماءٍ دافِقٍ « الطارق : 6 » : سائل بسرعة . ومنه استعير : جاءوا دُفْقَةً . وبعير أَدْفَقُ : سريع . ومَشَى الدِّفِقَّى ، أي يتصبَّبُ في عدوه كتصبب الماء المتدفق . ومشوا دفْقاً .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 341 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
الدافق : المندفع بقوة ، متصلاً كان أو متقطعاً . وقد أخذه من الخليل وأعجم عبارته ، قال الخليل « 5/120 » : « دفق الماء دفوقاً ودفقاً إذا انصب بمرة ، والماء الدافق ، والنطفة تدفق ، واندفق الكوز : انصب بمرة ودفق ماؤه . ويقال في الطيرة « التفاؤل » عند انصباب الكوز ونحوه : دافقُ خير » .
دَفِئَ - دفآن - دفئ - دفأى - مدفأة
الدِّفْء : خلاف البرد ، قال تعالى : لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ « النحل : 5 » وهو لما يُدفئ . ورجل دفآن ، وامرأة دفأى ، وبيت دفئ .
دَكَّ - دكه - دكاً - دكان - دكاء
الدَّكُّ : الأرض اللينة السهلة ، وقد دَكَّهُ دَكّاً . قال تعالى : وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً « الحاقة : 14 » وقال : دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا « الفجر : 21 » أي جعلت بمنزلة الأرض اللينة . وقال الله تعـالى : فَلما تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا « الأعراف : 143 » . ومنه الدُّكَّان . والدكداك : رمل لينة . وأرض دَكَّاء : مُسَوَّاة ، والجمع الدُّكُّ ، وناقة دكاء : لا سنام لها ، تشبيهاً بالأرض الدكاء .
ملاحظات
لا يصح تفسيره دُكَّت الأرض بأنها جعلت سهلة ، بل الدكُّ هو الدق والرص ونحوه . قال ابن فارس « 2/258 » : « فكأن الكاف فيه بدل القاف ، يقال : دككت الشئ ، مثل دققته » .
دَلَّ - دلالة - دال - دليل - دلالة - مدلول
الدلالة : ما يتوصل به إلى معرفة الشئ ، كدلالة الألفاظ على المعنى ، ودلالة الإشارات ، والرموز ، والكتابة ، والعقود في الحساب ، وسواء كان ذلك بقصد ممن يجعله دلالة ، أو لم يكن بقصد ، كمن يرى حركة إنسان فيعلم أنه حيٌّ .
قال تعالى : ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ « سبأ : 14 » . وأصل الدلالة مصدر كالكتابة والإمارة .
والدال : من حصل منه ذلك . والدليل : في المبالغة كعالم وعليم ، وقادر وقدير . ثم يسمى الدال والدليل دلالة ، كتسمية الشئ بمصدره . قال تعالى : ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا . « الفرقان : 45 » .
دَلْوٌ - أدلى دلوه - أدلى به - تدلى - دالية
دَلَوْتُ الدَّلْوَ : إذا أرسلتها ، وأدليتها أي أخرجتها ، وقيل : يكون بمعنى أرسلتها ، قاله أبو منصور في الشامل : قال تعالى : فَأَدْلى دَلْوَهُ « يوسف : 19 » واستعير للتوصل إلى الشئ ، قال الشاعر :
وليس الرزقُ عن طلبٍ حثيثٍ
ولكنْ أَلْقِ دَلْوَكَ في الدِّلَاءِ
وبهذا النحو سمي الوسيلة المائح ، قال الشاعر :
ولي مائحٌ لم يُورِدِ الناسُ قَبْلَهُ
مُعِلٌّ وأشطانُ الطوِيِّ كثيرُ
قال تعالى : وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ « البقرة : 188 » والتدَلِّي : الدُّنوُّ والإسترسال ، قال تعالى : ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى « النجم : 8 » .
ملاحظات
جعل الراغب دَلَوَ بمعنى أرسل الدلو الى البئر ، وَأَدْلَى بمعنى أخرجها ، ولعله تخيل أن معنى قوله تعالى : وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ ، أنه أخرج الدلوا فرأى الغلام متعلقا به ، لكن يظهر أنه رآه لما أرسل الدلو فأمسك بها يوسف عليه السلام وكلمه . ويدل عليه قولهم : أدلى بحجته ، أي أرسلها ، وأدلى بماله الى الحاكم أي أعطاه رشوة ، وقد اتفق على ذلك اللغويون والمفسرون ، فلا يعبأ بمخالفة الراغب ، قال الخليل « 8/69 » : « أدليتها : أرسلتها في البئر ، وقول الله عز وجل : فأدلى دلوه قال يا بشرى ، و دلوتها : ملأتها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 342 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ونزعتها من البئر ملأى . وأدلى فلان بحجته أي احتج بها ، وأدلى بها إلى الحاكم رفعها إليه » . ونحوه الجوهري « 6 /340 » وابن فارس « 2/293 » . ويطهر أن الراغب اشتبه لقول الخليل دلوتها بمعنى ملأتها ، لكنه يختلف عن مدعاه ، وقد خالفه تماماً ابن الأنباري في الزاهر/252 : قال : « أدليت الدلو أدليها إدلاء ، إذا أرسلتها لتملأها . وقد دلوتها أدلوها دلوا ، إذا أخرجتها . وقال اللَّه عز وجل : ولا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ . وقال اللَّه عز وجل : فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَه ، معناه : فأرسلها ليملأها » .
دَلَكَ - دلوكاً - دالك - دليك
دُلُوك الشمس : ميلها للغروب . قال تعالى : أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ « الإسراء : 78 » هو من قولهم : دَلَكْتُ الشمس : دفعتها بالراح . ومنه : دلكت الشئ في الراحة . ودَالَكْتُ الرجل : إذا ماطلته . والدَّلُوك : ما دلكته من طيب . والدَّلِيك : طعام يتخذ من الزبد والتمر .
ملاحظات
رأى الراغب قول بعض اللغويين : دَلَكَتِ الشمس براحٍ أي بهدوء ، فتصور أنه براحة اليد ، وقد أخذ المادة من كتاب المجمل /334 ، وليس فيه : دفعتها بالراح ، بل فيه : دَلَكَتِ الشمس : زالت . لكن في المقاييس « 2/297 » : « أصل واحد يدل على زوال شئ عن شئ ، ولا يكون إلا برفق ، يقال : دَلَكَتِ الشمسُ : زالت » . والآية تدل على أن أوقات الصلاة ثلاثة ، فهي خمس فراشض في ثلاث أوقات : أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ، وهو مذهب أهل البيت عليهم السلام .
دَمْدَمَ - دِمام - ديمومة
فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ « الشمس : 14 » أي أهلكهم وأزعجهم ، وقيل : الدمدمة حكاية صوت الهرة ومنه : دَمْدَمَ فلان في كلامه . ودَمَمْتُ الثوب : طليته بصبغ مَّا . والدِّمَام : يطلى به . وبعير مَدْمُوم بالشحم . والدَّامَّاء والدُّمَمَة : جحر اليربوع . والدَّامَاء بالتخفيف . والدَّيْمُومَة : المفازة .
دَم - دماء - أدماه - مدمي - دمية
أصل الدم دميٌ وهو معروف ، قال الله تعالى : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَـةُ وَالدَّمُ « المائدة : 3 » وجمعه دِمَاء . وقال : لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ « البقرة : 84 » . وقد دَمِيَتِ الجراحةُ . وفرس مَدْمي : شديد الشقرة كالدم في اللون . والدُّمْيَة : صورة حسنة . وشَجَّةٌ دامية .
دَمر - دَمَّرَ - تدميراً
قال : فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً « الفرقان : 36 » وقال : ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ « الشعراء : 172 » وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ « الأعراف : 137 » . والتدمير : إدخال الهلاك على الشئ ، ويقال : ما بالدار تَدْمُرِيٌّ .
وقوله تعالى : دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ « محمد : 10 » فإن مفعول دمَّر محذوف .
دَمَعَ - دمعاً - ودمعاناً- دموعاً
قال تعالى : تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً « التوبة : 92 » فالدمع يكون إسماً للسائل من العين ، ومصدر دَمَعَتِ العينُ دَمْعاً ودَمَعَاناً .
دَمَغَ - دمغه - دمغاً - دامغ - دماغ
قال تعالى : بَلْ نَقْذِفُ بِالْحق عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ « الأنبياء : 18 » أي يكسـر دِمَاغَهُ ، وحجة دَامِغَةٌ كذلك . ويقال للطلعة تخرج من أصل النخلة فتفسده إذا لم تقطع : دامغة ، وللحديدة التي تُشَدُّ على آخر الرحل : دامغة ، وكل ذلك استعارة من الدَّمْغ الذي هو كسر الدماغ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 343 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
دَنَرَ - دينار - دنانير
قال تعالى : مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ « آل عمران : 75 » أصله : دنَّار ، فأبدل من إحدى النونين ياء ، وقيل : أصله بالفارسية دينآر ، أي الشريعة جاءت به .
دَنَا- دُنواً - دنيا- دُنى - أدنى - داناه - دون - دنيئ
الدُّنُو : القرب بالذات أو بالحكم ، ويستعمل في المكان والزمان والمنزلة . قال تعالى : وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ « الأنعام : 99 » وقال تعالى : ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى « النجم : 8 » هذا بالحكم . ويعبر بالأدنى تارة عن الأصغر فيقابل بالأكبر نحو : وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ « المجادلة : 7 » . وتارة عن الأرذل ، فيقابل بالخير ، نحو : أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ « البقرة : 61 » وعن الأول فيقابل بالآخر ، نحو : خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ « الحج : 11 » . وقوله : وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسنة وَإنهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ « النحل : 122 » .
وتارة عن الأقرب فيقابل بالأقصى ، نحو : إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى « الأنفال : 42 » وجمع الدنيا الدُّنَى ، نحو الكبرى والكُبَر ، والصغرى والصُّغَر .
وقوله تعالى : ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ « المائدة : 108 » أي أقرب لنفوسهم أن تتحرى العدالة في إقامة الشهادة ، وعلى ذلك قوله تعالى : ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ « الأحزاب : 51 » .
وقوله تعالى : لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ « البقرة : 220 » متناول للأحوال التي في النشأة الأولى ، وما يكون في النشأة الآخرة . ويقال : دَانَيْتُ بين الأمرين ، وأَدْنَيْتُ أحدهما من الآخر . قال تعالى : يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ « الأحزاب : 59 » . وأَدْنَتِ الفرسُ : دنا نتاجها . وخُصَّ الدنئ بالحقير القدر ، ويقابل به السيئ يقال : دنئ بَيِّنُ الدناءة . وما روي : إذا أكلتم فَدَنُّوا ، من الدُّون ، أي كلوا مما يليكم .
دَهَرَ - دُهور - دَهَرَتْهُ نائبة
الدهر : في الأصل إسم لمدة العالم من مبدأ وجوده إلى انقضائه ، وعلى ذلك قوله تعالى : هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ « الدهر : 1 » ثم يعبر به عن كل مدة كثيرة ، وهو خلاف الزمان فإن الزمان يقع على المدة القليلة والكثيرة . ودَهْرُ فلان : مدة حياته ، واستعير للعادة الباقية مدة الحياة فقيل : ما دهري بكذا . ويقال : دَهَرَ فلاناً نائبةٌ دَهْراً ، أي نزلت به ، حكاه الخليل . فالدهرهاهنا مصدر . وقيل : دَهْدَرَهُ دَهْدَرَةً ، ودَهْرٌ دَاهِرٌ ودَهِيرٌ .
وقوله عليه الصلاة والسلام : لاتسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ، قد قيل معناه : إن الله فاعل ما يضاف إلى الدهر من الخير والشر ، والمسرة والمساءة ، فإذا سببتم الذي تعتقدون أنه فاعل ذلك فقد سببتموه ، تعالى عن ذلك .
وقال بعضهم : الدهر الثاني في الخبر غير الدهر الأول ، وإنما هو مصدر بمعنى الفاعل ومعناه : إن الله هو الداهر ، أي المصـرِّف المدبر المفيض لما يحدث . والأول أظهر . وقوله تعالى إخباراً عن مشركي العرب : ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَمــا يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ « الجاثية : 24 » قيل : عني به الزمان .
ملاحظات
لم تروِ مصادرنا حديث : لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ، ورواه مسلم « 7/45 » بهذا اللفظ . والبخاري « 7/115 » بلفظ : « قال الله : يسب بنو آدم الدهر ، وأنا الدهر ، بيدي الليل والنهار » .
ولم يرتضه بعض علمائنا كالفضل بن شاذان الأزدي المتوفى260 ، قال في كتابه الإيضاح/15 : « عامة أصحاب الحديث مثل سفيان الثوري ويزيد بن هارون وجرير بن عبد الله ووكيع بن الجراح ، وأشباههم من العلماء
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 344 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الذين يروون أن النبي صلى الله عليه وآله قال : لاتسبوا الدهر فإن الله هو الدهر . فهم على معنى ما رووا أن الله هو الدهر لا يعيبون أن يقولوا : يا دهرُ ارحمنا ، ويا دهرُ اغفر لنا ، ويا دهرُ ارزقنا » !
بينما أغمض الشريف الرضي عن صحته ، وقال في المجازات النبوية/235 : « لاتسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ، وهو مجاز ، وذلك أن العرب كانت إذا قرعتها القوارع ونزلت بها النوازل ، وحطمتها السنون الحواطم ، وسلبت كرائم أعلاقها من مال مثمر ، أو ولد مؤمل ، أو حميم مرجب ، ألقت المَلاوِم على الدهر ، فقالت في كلامها وأسجاعها ، وأرجازها وأشعارها : استقاد منا الدهر ، وجارعلينا الدهر ، ورمانا بسهامه الدهر ، كقول القائل منهم وهو عدي بن زيد .
ثم أمْسَوْا لَعِبَ الدهرُ بهمْ
وكذاكَ الدهرُ يُودِي بالرجالْ
فكأنه صلى الله عليه وآله قال : لاتذموا الذي يفعل بكم هذه الأفعال ، فإن الله سبحانه هو المعطي والمنتزع والباسط والقابض » .
دَهَقَ - أدهق - دهاقاً
قال تعالى : وَكَأْساً دِهاقاً « النبأ : 34 » أي مفعمة ، ويقال : أَدْهَقْتُ الكأسَ فَدَهَقَ ، ودَهَقَ لي من المال دَهْقَةً ، كقولك : قبض قبضة .
دَهَمَ - دُهمة - مدهمة - ادْهَامَّ
الدُّهْمَة : سواد الليل ، ويعبر بها عن سواد الفرَس ، وقد يعبر بها عن الخضرة الكاملة اللون ، كما يعبر عن الدُّهْمَة بالخضرة إذا لم تكن كاملة اللون ، وذلك لتقاربهما باللون . قال الله تعالى : مُدْهامَّتانِ « الرحمن : 64 » . وبناؤهما من الفعل مفعال ، يقال ادهامَّ ادهيماماً . قال الشاعر في وصف الليل :
في ظِلِّ أخضرَ يَدْعُو هَامَهُ البُومُ
دَهَنَ - داهنه - مداهنةً - أدهن - إدهاناً - مَدْهن
قال تعالى : تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ « المؤمنون : 20 » وجمع الدهن أدهان . وقوله تعالى : فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ « الرحمن : 37 » قيل : هو دَرْدِيُّ الزيت . والمَدْهَن : ما يجعل فيه الدهن ، وهو أحد ما جاء على مفعل من الآلة . وقيل للمكان الذي يستقر فيه ماء قليل : مَدْهَن تشبيهاً بذلك .
ومن لفظ الدُّهن استعير الدَّهِين للناقة القليلة اللبن ، وهي فعيل في معنى فاعل ، أي تعطي بقدر ما تدهن به . وقيل : بمعنى مفعول ، كأنه مَدْهُون باللبن . أي كأنها دُهِنَتْ باللبن لقلته ، والثاني أقرب من حيث لم يدخل فيه الهاء .
ودَهَنَ المطر الأرض : بَلَّها بللاً يسيراً كالدهن الذي يدهن به الرأس . ودَهَنَهُ بالعصا : كناية عن الضرب على سبيل التهكم ، كقولهم : مسحته بالسيف ، وحييته بالرمح .
والإِدْهَانُ : في الأصل مثل التدهين ، لكن جعل عبارة عن المداراة والملاينة ، وترك الجد ، كما جعل التقريد وهو نزع القراد عن البعير عبارة عن ذلك . قال : أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ « الواقعة : 81 » قال الشاعر :
الحزم والقوّةُ خيرٌ من الإد
هـان والفَكَّة والهـــَاعِ
وداهنت فلاناً مداهنة . قال : وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ « القلم : 9 » .
دَأَبَ - دأباً - دائب - دؤوب
الدَّأْب : إدامة السَّيْر ، دَأَبَ في السّير دَأْباً . قال تعالى : وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ « إبراهيـم : 33 » . والدأب : العادة المستمرة دائماً على حالة ، قال تعالى : كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ « آل عمران : 11 » أي كعادتهم التي يستمرون عليها .
دَاوُد
داود : إسم أعجمي .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 345 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
دَارَ- ديار - دائرة - دار الدنيا - الدار الآخرة - دائرة - دوران- داري
الدَّار : المنزل اعتباراً بدورانها الذي لها بالحائط . وقيل دارةٌ وجمعها ديار ، ثم تسمى البلدة داراً ، والصَّقْعُ داراً ، والدنيا كما هي داراً . والدار الدنيا والدار الآخرة : إشارة إلى المقرَّيْن في النشأة الأولى والنشأة الأخرى . وقيل : دار الدنيا ودار الآخرة : قال تعالى : لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ « الأنعام : 127 » أي الجنة .
ودارَ الْبَوارِ : أي الجحيم . قال تعالى : قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِـرَة « البقـرة : 94 » وقـال : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُـوا مِنْ دِيارِهِمْ « البقرة : 243 » وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا « البقرة : 246 » وقال : سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ « الأعراف : 145 » أي الجحيم . وقولهم : ما بها دَيَّار أي ساكن ، وهو فَيْعَال ولو كان فعَّالاً لقيل : دوَّار كقولهم : قوَّال وجوَّاز .
والدَّائرَةُ : عبارة عن الخط المحيط ، يقال : دَارَ يدور دوراناً ، ثم عبر بها عن المحادثة .
والدَّوَّاريُّ : الدهر الدائر بالإنسان من حيث إنه يُدور بالإنسان ، ولذلك قال الشاعر :
والدهرُ بالإنسانِ دَوَّارِيُّ
والدورة والدائرة في المكروه ، كما يقال : دولة في المحبوب . وقوله تعالى : نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ « المائدة : 52 » .
والدَّوَّار : صنم كانوا يطوفون حوله . والدَّاريُّ : المنسوب إلى الدار ، وخصص بالعطار تخصيص الهالكي بالقَيْن ، قال صلى الله عليه وآله : مثل الجليس الصالح كمثل الداريِّ . ويقال للازم الدار : داريٌّ . وقوله تعالى : وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ « التوبة : 98 » أي يحيط بهم السوء إحاطة الدائرة بمن فيها ، فلا سبيل لهم إلى الإنفكاك منه بوجه . وقوله تعالى : إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِـرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ « البقــرة : 282 » أي تتداولونها وتتعاطونها من غير تأجيل .
ملاحظات
قول الراغب : « الدَّار : المنزل ، اعتباراً بدورانها الذي لها بالحائط » . فيه عجمة ، وقصده : سميت داراً ، لأن لها حائطاً يدور عليها .
دَوَلَ- داول - دَوْلة - دُولةً بينكم
الدَّوْلَة والدُّولَة واحدة ، وقيل : الدُّولَة : في المال ، والدَّوْلَة : في الحرب والجاه . وقيل : الدُّولَة إسم الشئ الذي يتداول بعينه ، والدَّوْلَة المصدر . قـال تعالى : كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ « الحشر : 7 » . وتداول القوم كذا أي تناولوه من حيث الدولة . وداول الله كذا بينهم . قال تعالى : وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ « آل عمران : 140 » . والدؤلول : الداهية ، والجمع الدَّآليل والدَّؤلات .
دَوَمَ - دامَ - أدامَ - دواماً- استدام - دَوَّمَ - ديمة
أصل الدوام السكون ، يقال : دام الماء أي سكن ، ونهي أن يبول الإنسان في الماء الدائم . وأَدَمْتُ القدر ودَوَّمْتُهَا : سكَّنت غليانها بالماء . ومنه : دَامَ الشئ : إذا امتد عليه الزمان ، قال تعالى : وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ « المائدة : 117 » إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً « آل عمران : 75 » لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها « المائدة : 24 » .
ويقال : دُمْتَ تَدَامُ ، وقيل : دِمْتَ تدوم ، نحو : مِتَّ تموت . ودوَّمَتِ الشمس في كبد السّماء ، قال الشاعر :
والشمس حَيْرَى لها في الجَوِّ تَدْوِيمُ
ودَوَّمَ الطير في الهواء : حَلَّقَ . واستدمت الأمر : تأنَّيْتُ فيه . والظَّلُّ الدَّوْم : الدائم . والدِّيمَة : مطر تدوم أياماً .
ملاحظات
1 . قال الراغب وعددٌ من اللغويين : « أصل الدوام السكون ، يقال دام الماء أي سكن » واستشهدوا بأن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 346 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
النبي صلى الله عليه وآله : « نهى أن يبال في الماء الدائم ، ثم يتوضأ منه » . « المقاييس : 2/315 » لكن دام غير سكن ، فدام الشيئ : استمر وجوده على حاله . وسكن : وقف عن التغير عرفاً ، لأن العالم كله متغير . ومما يدل على أن الدوام غير السكون قوله تعالى : أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا . وقوله تعالى : أَلَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ . فلا سكون فيهما .
أما الماء الساكن في كلام العرب والدائم في الحديث ، فمعناه الراكد مقابل الجاري ، وسكونه نسبي وليس مطلقاً .
2 . جعل اللغويون دَامَ ودَوَّمَ واحداً ، فقال ابن فارس « 2/315 » : « تَدْوِيمُ الطائر في الهواء ، إذا حلق وكانت له عندها كالوقفة . ومن ذلك قولهم دَوَّمَت الشمس في كبد السماء وذلك إذا بلغت ذلك الموضع » .
وقد يكون أصل التدويم التحويم ، وإذا كان من الدوام فهو الدوام النسبي لفترة ، ويستعمله العرب للدِّيمَة ، قال الخليل « 8/86 » : « الديمة : المطر الذي يدوم دوماً ، يوماً وليلة أو أكثر » .
دَيَنَ - دان - مدين - مُدان - أدان - تداين - مداينة - دِينٌ يدان به - مدينة
يقال : دِنْتُ الرجل : أخذت منه دَيْناً . وأَدَنْتُهُ : جعلته دائناً ، وذلك بأن تعطيه ديناً . قال أبو عبيد : دِنْتُهُ أقرضته ، ورجل مَدِين ومديون . ودِنْتُهُ : استقرضت منه ، قال الشاعر :
نَدِينُ ويَقضي الله عنَّا وقد نرى
مصارعَ قومٍ لا يَدِينُونَ ضُيَّعَا
وأَدَنْتُ : مثل دِنْتُ . وأَدَنْتُ : أي أقرضت . والتدَايُنُ والمداينة : دفع الدَّيْن ، قال تعالى : إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى « البقرة : 282 » وقـال : مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ « النساء : 11 » .
والدِّينُ : يقال للطاعة والجزاء ، واستعير للشـريعة . والدِّينُ كالملة ، لكنه يقال اعتباراً بالطاعة والإنقياد للشـريعة ، قال : إن الدِّينَ عِنْدَ الله الْإِسْلامُ « آل عمران : 19 » وقال : وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ « النساء : 125 » أي طاعة . وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ « النساء : 146 » وقولــه تعالى : يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ « النساء : 171 » وذلك حثٌّ على اتِّبـاع دين النبي صلى الله عليه وآله الذي هو أوسط الأديان كما قال : وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً « البقرة : 143 » . وقوله : لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ « البقرة : 256 » قيل : يعني الطاعة ، فإن ذلك لا يكون في الحقيقة إلا بالإخلاص ، والإخلاص لايتأتى فيه الإكراه . وقيل إن ذلك مختص بأهل الكتاب الباذلين للجزية .
وقوله : أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ « آل عمران : 83 » يعني الإسلام لقوله : وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ « آل عمران : 85 » . وعلى هذا قوله تعالى : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحق « الصف : 9 » وقوله : وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحق « التوبة : 29 » وقوله : وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ « النساء : 125 » فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ « الواقعة : 86 » أي غير مجزيين .
والمدينُ والمدينةُ : العبد والأمة . قال أبو زيد : هو من قولهم : دِينَ فلان يُدَانُ : إذا حمل على مكروه ، وقيل هو من دِنْتُهُ : إذا جازيته بطاعته . وجعل بعضهم المدينة من هذا الباب .
ملاحظات
1 . جعل بعض اللغويين ومنهم الراغب أصل هذه المادة الدَّيْن ، بمعنى القرض . لكن لا يُعلم أن ديَّنَه بمعنى أقرضه وُجِدَتْ بعد الدِّين والدَّيْنُونة لله تعالى . وأجاد ابن فارس حيث جعل الدِّيْن هو الأصل بقوله « 2/319 » : « دِين : أصل واحد إليه يرجع فروعه كلها . وهو جنس من الإنقياد والذل . فالدين الطاعة ، يقال : دانَ له يدين ديناً ، إذا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 347 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أصحب وانقاد وأطاع ، وقوم دِينٌ ، أي مطيعون منقادون . والمدينة : كأنها مفعلة ، سميت بذلك لأنها تقام فيها طاعة ذوي الأمر . فأما قوله جل ثناؤه : مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ، فيقـال : في طاعته ، ويقال : في حكمه . ومنـه : مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، أي يوم الحكم ، وقـال قـوم : الحساب والجزاء . ومن هذا الباب الدَّيْن ، يقال : داينتُ فلاناً إذا عاملته ديناً ، إما أخذاً وإما إعطاءً » .
2 . استعمل القرآن مادة : دَانَ أو دَيَنَ في عدة معانٍ ، منها : المعنى المعروف المتبادر ، قال تعالى : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الآسْلامُ .
وبمعنى الدينونة والجزاء ، قال تعالى : مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ .
وبمعنى الإعتقاد بالله والإنقطاع اليه ، قال تعالى : وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّللَّ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ .
وبمعنى التدين وتطبيق أحكام الدين ، قال تعالى : قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِى . . وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَوةَ وَيُؤتُوا الزَّكَوةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ .
وبمعنى الشريعة ، قال تعالى : شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا .
وبمعنى القوانين الوضعية ، قال تعالى : مَا كَانَ لِيَاخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّه .
وبمعنى العقيدة والشريعة والقيادة ، قال تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الآسْلامَ دِينًا . كما استعملها القرآن بمعان أخرى .
دَوَنَ - دانَ - يدون - دنا - دنواً - دونه - دنيء
يقال للقاصر عن الشئ : دُون ، قال بعضهم : هو مقلوب من الدُّنو . والأدون : الدنئ . وقوله تعالى : لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ « آل عمران : 118 » أي ممن لم يبلغ منزلته منزلتكم في الديانة ، وقيل في القرابة . وقوله : وَيَغْفِرُما دُونَ ذلِكَ « النساء : 48 » أي ما كان أقل من ذلك ، وقيل ما سوى ذلك ، والمعنيان يتلازمان . وقوله تعالى : أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ الله « المائدة : 116 » أي غير الله ، وقيل : معناه إلهين متوصلاً بهما إلى الله .
وقوله : لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ « الأنعام : 51 » وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ الله مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ . أي ليس لهم من يواليهم من دون أمر الله . وقوله : قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ الله ما لايَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا « الأنعام : 71 » مثله . وقد يُغْرَى بلفظ دون فيقال : دونك كذا ، أي تناوله . قال القتيبي : يقال : دَانَ يَدُونُ دَوْناً : ضَعُف » .
ملاحظات
استعمل القرآن كلمة دون أكثر من مئة مرة ، فاستعمل من دون الله بمعنى من غير الله تعالى .
وبمعنى الأقل كقوله تعالى : مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ . إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ .
وبمعنى بدل كقوله تعالى : أَئِنَّكُمْ لَتَاتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ .
وبمعنى بغير الله كقوله تعالى : وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ .
وبمعنى أقرب زماناً كقوله تعالى : فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا .
وبمعنى الأقرب مكاناً ، قال تعالى : وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ . . وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ .
ولا يصح تفسير الراغب : لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ ، بمن لم يبلغ منزلتكم في الديانة ، بل معناه من غيركم مطلقاً .
تمَّ كتاب الدال .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 348 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب الذال وما يتصل بها

ذ
يشمل 21 مفردة و 13 ملاحظة
ذَبَّ - ذَبّاً - ذَبَّيْتُ - ذببتُ - مذبة - ذُباب
الذُّبَاب : يقع على المعروف من الحشرات الطائرة ، وعلى النحل ، والزنابير ونحوهما . قال الشاعر :
فهذا أوانُ العَرْضِ حَيّاً ذُبَابُه
زنابيرُه والأزْرَقُ المُتَلَمِّسُ
وقوله تعالى : وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً « الحج : 73 » فهو المعروف . وذُباب العين : إنسانها ، سمي به لتصوره بهيئته أو لطيران شعاعه طيران الذباب . وذُباب السيف : تشبيهاً به في إيذائه . وفلانٌ ذُبَابٌ : إذا كثر التأذي به . وذبَّبت عن فلان : طردت عنه الذباب . والمِذَبَّة : ما يطرد به ، ثم استعير الذب لمجرد الدفع ، فقيل : ذببت عن فلان .
وذُبَّ البعيرُ : إذا دخل ذباب في أنفه . وجعل بناؤه بناء الأدواء نحو : زُكم . وبعيرٌ مذبوب . وذَبَّ جِسْمُهُ : هزل فصار كذُباب ، أو كذُباب السيف .
ملاحظات
قال ابن فارس « 2/348 » : « الذال والباء ، في المضاعف ، أصول ثلاثة : أحدها طويئر ، ثم يحمل عليه ويشبه به غيره . والآخر : الحد والحدة . والثالث : الإضطراب والحركة » .
وحاول الراغب إرجاع فروع ذب الى الذباب فلم يستطع ، لأنه لا ربط لذباب السيف بالذبابة ! كما أخطأ الراغب بتوسيع الذباب الى الحشرات المشابهة تأثراً بالفارسية . والبيت الذي ذكره لا شاهد له فيه ، ولعل معناه : أن ذلك الحي ذبابهُ تلسع كالزنابير . لذلك يترجح قول ابن فارس إن ذَبَّ أكثر من أصل ، ومنها الحد والحدة ، أو ذباب السيف . قال في المقاييس « 2/348 » : « الذبذبة : نَوْسُ الشئ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 349 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المعلق في الهواء . والرجل المذبذب : المتردد بين أمرين » .
وقـال ابـن منظــور « 1/384 » : مُذَبْذَبِين بين ذلك لا إِلى هؤلاء ولا إِلى هؤلاء . المعنـى : مُطَرَّديــن مُدَفَّعيـن عـن هؤُلاء وعن هؤُلاء . وفي الحديث : تَزَوَّجْ وإِلَّا فأَنتَ من المُذَبْذَبِينَ ، أَي المَطْروديــن عن المؤمنيـن لأنك لم تَقْتَدِ بهم ، وعن الرُّهْبانِ لأنك تركت طريقتهم . وأَصلُه من الذَّبِّ ، وهو الطرد » .
ذَبَحَ - ذبحاً - ذِبْحٌ - ذبيح - سعد الذابح
أصل الذَّبْح : شق حلق الحيوانات . والذِّبْح : المذبوح ، قال تعالى : وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ « الصافات : 107 » وقال : إن الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً « البقرة : 67 » . وذَبَحْتُ الفارة : شققتها تشبيهاً بذبح الحيوان . وكذلك : ذَبَحَ الدِّنَّ . وقوله : يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ « البقرة : 49 » على التكثير ، أي يذبح بعضهم إثر بعض . وسعد الذابح : إسم نجم . وتسمى الأخاديد من السيل : مذابح .
ملاحظات
الذَّبْحُ : فَرْيُ أوداج الحيوان . لكن الراغب عرفه بعُجْمة فقال : « الذَّبْح : شقُّ حلق الحيوانات » فجعل الحلق بالعربية وهو أعلى الفم بمعناه بالفارسية وهو أول الحلقوم ، وجعل شَقَّ بمعنى قَطَع ! ولعله أراد تعريف الخليل فأخطأ ، قال الخليل « 3/202 » : « الذبح : قطع الحلقوم من باطن عند النصيل » . وقد عرف النصيل « 7/124 » بأنه : « مفصل ما بين العنق والرأس من باطن ، من تحت اللحيين » .
ذَخَرَ- ادَّخر - مذاخر - إذخر
أصل الإدِّخار اذتخار . يقال : ذخرته وادَّخرته ، إذا أعددته للعقبى . وروي أن النبي كان لايدَّخر شيئاً لغد . والمذاخر : الجوف والعروق المدَّخِرة للطعام ، قال الشاعر :
فلما سَقيناها العَكِيسَ تَمَلَّأتْ
مَذَاخِرُهَا وامتدَّ رَشْحاً وريدُها
والإذخر : حشيشة طيبة الريح .
ذَرَّ- ذرة - ذرِّيَّة
الذُّرِّيَّة : قال تعالى : وَمِنْ ذُرِّيَّتِي « البقرة : 124 » وقال : وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ « البقرة : 128 » وقال : إن الله لايَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ « النساء : 40 » . وقد قيل : أصله الهمز ، وقد تذكر بعد في بابه .
ذَرَعَته - ذرعاً - ذراع - ضاق ذرعه - ذرعه القئ
الذِّراع : العضو المعروف ، ويعبر به عن المذروع ، أي الممسوح بالذراع . قال تعالى : فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعـاً فَاسْلُكُوهُ « الحاقة : 32 » يقال : ذراع من الثوب والأرض . وذراع الأسد : نجم ، تشبيهاً بذراع الحيوان .
وذراع العامل : صدر القناة ، ويقال : هذا على حبل ذراعك ، كقولك هو في كفك . وضاق بكذا ذرعي : نحو ضاقت به يدي . وذَرَعْتُهُ : ضربت ذراعه . وذَرَعْتُ : مددت الذراع ، ومنه : ذَرَعَ البعير في سيره ، أي مدَّ ذراعه ، وفرس ذريع وذروع : واسع الخطو . ومُذَرَّع : أبيض الذِّراع .
وزِقُّ ذراع : قيل هو العظيم ، وقيل هو الصغير ، فعلى الأول هو الذي بقي ذراعه ، وعلى الثاني هو الذي فصل ذراعه عنه . وذَرَعَهُ القئ : سبقه . وقولهم : ذَرَعَ الفرس . وتذرَّعت المرأة الخوص ، وتذرَّع في كلامه : تشبيهاً بذلك . كقولهم : سفسف في كلامه ، وأصله من سفيف الخوص .
ذَرَأَ - ذرأه - ذرءً - ذُرأة - ذراه - ذرَّاه - تذرية
الذَّرْءُ : إظهار الله تعالى ما أبداه ، يقال : ذَرَأَ الله الخلق ، أي أوجد أشخاصهم . قال تعالى : وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ « الأعراف : 179 » وقال : وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً « الأنعام : 136 » وقال : وَمِنَ الْأَنْعامِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 350 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ « الشوري : 11 » وقرئ : تذرؤه الرياح . والذُّرْأَة : بياض الشَّيب ، والملح ، فيقال : ملح ذُرْآني ، ورجل أَذْرَأُ ، وامرأة ذَرْآءُ . وقد ذَرِئَ شعره .
ملاحظات
قال الراغب : « الذَّرْءُ : إظهار الله تعالى ما أبداه » أي ما أظهره ! وليته أخذ تعريفه من أئمة اللغة كالخليل « 8/193 » قال : « والذرأ من قولك : ذرأنا الأرض أي بذرناها ، وزرع ذرئ بوزن فعيل » . أو من ابن فارس « 2/352 » قال : « ذرأ : أصلان ، أحدهما : لون إلى البياض . والأصل الآخر : قولهم ذرأنا الأرض أي بذرناها ، وزرع ذَرِئٌ على فعيل . ومن هذا الباب ذرأ الله الخلق » .
وقال أبو هلال في الفروق/241 : « الفرق بين الذرأ والخلق : أن أصل الذرء الإظهار ، ومعنى ذرأ الله الخلق أظهرهم بالإيجاد بعد العدم . والذَّرْوُ بلا همزة التفرقة بين الشيئين ، ومنه قوله تعالى : تذروه الرياح » .
ويتضح بهذا ، أن الذرأ : الخلق ، وفيه معنى البذر .
ذَرَوَ- ذُرِّيَّة - ذَراه - يذروه- والذاريات ذروأ
ذِرْوَةُ السَّنام وذُرَاه : أعلاه ، ومنه قيل : أنا في ذُرَاكَ ، أي في أعلى مكان من جنابك . والمِذْرَوَان : طرفا الإليتين . وذَرَتْهُ الريح تَذْرُوهُ وتَذْرِيهِ . قال تعالى : وَالذَّارِياتِ ذَرْواً « الذاريات : 1 » وقال : تَذْرُوهُ الرِّياحُ « الكهف : 45 » .
والذُّرِّيَّة : أصلها الصغار من الأولاد ، وإن كان قد يقع على الصغار والكبار معاً في التعارف ، ويستعمل للواحد والجمع ، وأصله الجمع ، قال تعالى : ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ « آل عمران : 34 » وقال : ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ « الإسراء : 3 » وقال : وَآيَةٌ لَهُمْ إنا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ « يس : 41 » وقال : إني جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي « البقرة : 124 » .
وفي الذُّرِّيَّة ثلاثة أقوال : قيل هو من ذرأ الله الخلق فترك همزه نحو : رَوِيَّة وبَرِيَّة . وقيل أصله ذَرْوِيَّة . وقيل هو فَعْلِيَّة من الذَّرِّ ، نحو قَمْرِيَّة . وقال أبو القاسم البلخي : قوله تعالى : وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ « الأعراف : 179 » من قولهم : ذريت الحنطة ، ولم يعتبر أن الأول مهموز .
ملاحظات
أخطأ الراغب فجعل الذرية من الذَّرْو أي التذرية ، أو من ذرأ ، والمعتمد عندنا قول الخليل إنها من ذَرَرَ ، فهو أخبر اللغويين وأعمقهم . قال « 8/175 » : « والذَّرَارة : ما تناثر من الشئ الذي تّذُرُّهُ . والذُّرُّيَّةُ فُعْلِيَّة من ذَرَرْتُ ، لأن الله ذَرَّهم في الأرض فنثرهم فيها ، كما أن السَّرِيَّة من تسـررتُ ، والجميع الذَّرَّاري وإن خفف جاز » .
وقد وافقه ابن منظور ، قال « 4/304 » : « ذَرَّ الله الخلقَ في الأَرض : نَشَرَهُم . والذُّرِّيَّةُ فُعْلِيَةٌ منه ، وهي منسوبة إِلى الذَّرِّ الذي هو النمل الصغار ، وكان قياسه ذَرِّيَّةٌ بفتح الذال لكنه نَسَبٌ شاذ لم يجئ إِلَّا مضموم الأول . وذُرِّيَّةُ الرجل : وَلَدُه ، والجمع الذَّرَارِي والذُّرِّيَّاتُ . ومعنى قوله : وإِذ أَخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذُرِّيَّاتهم ، أَن الله أَخرج الخلق من صلب آدم كالذَّرِّ حين أَشهدهم على أَنفسهم : أَلَسْتُ بربكم قالوا بَلى » .
أما الجوهري فجعلها من مادتين ، قال في ذَرَرَ « 2/663 » : « وذرية الرجل : ولده ، والجمع الذراري والذريات » . وقال في ذَرَأَ « 1/51 » : « ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءاً خلقهم ، ومنه الذرية وهي نسل الثقلين إلا أن العرب تركت همزها » .
ذَعَنَ - أذعن - مذعنين
[قوله تعالى : ] مُذْعِنِينَ « النور : 49 » أي منقادين ، يقال : ناقة مِذْعَان ، أي منقادة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 351 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ذَقَنَ - أذقان
قوله تعالى : وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ « الإسراء : 109 » الواحد : ذَقَنٌ ، وقد ذَقَنْتُهُ : ضربت ذقنه . وناقة ذَقُونٌ : تستعين بذقنها في سيرها . ودلو ذَقُونٌ : ضخمة مائلة تشبيهاً بذلك .
ذِكْر - ذَكَر - ذكرى - تذكرة - ذكَّرته - تذكيراً - ذكور- مذكار
الذِّكْرُ : تارة يقال ويراد به هيئة للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة ، وهو كالحفظ ، إلا أن الحفظ يقال اعتباراً بإحرازه ، والذِّكْرُ : يقال اعتباراً باستحضاره . وتارة يقال لحضور الشئ القلب أو القول ، ولذلك قيل : الذكر ذكران : ذكر بالقلب وذكر باللسان ، وكل واحد منهما ضربان : ذكر عن نسيان ، وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ . وكل قول يقال له ذكر .
فمن الذكر باللسان قوله تعالى : لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ « الأنبياء : 10 » وقوله تعالى : وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ « الأنبياء : 50 » وقوله : هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي « الأنبياء : 24 » وقوله : أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا « صاد : 8 » أي القرآن ، وقوله تعالى : صَاد . وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ « صاد : 1 » وقوله : وَإنهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ « الزخرف : 44 » أي شرف لك ولقومك ، وقوله : فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ « النحل : 43 » أي الكتب المتقدمة .
وقوله : قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا « الطلاق : 10 » فقد قيل : الذكر هاهنا وصف للنبي صلى الله عليه وآله كما أن الكلمة وصف لعيسى عليه السلام من حيث إنه بُشـر به في الكتب المتقدمة ، فيكون قوله : رسولاً بدلاً منه . وقيل : رسولاً منتصب بقوله ذكراً ، كأنه قال : قد أنزلنا إليكم كتاباً ذكراً رسولاً يتلو ، نحو قـوله : أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً « البلد : 14 » فيتيماً نصب بقوله إطعام .
ومن الذكر عن النسـيان قوله : فإني نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ « الكهف : 63 » .
ومن الذكر بالقلب واللسان معاً قوله تعالى : فَاذْكُرُوا الله كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً « البقرة : 200 » .
وقوله : فَاذْكُرُوا الله عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ « البقرة : 198 » وقوله : وَلَقَدْ كَتَبْنــا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ « الأنبياء : 105 » أي من بعد الكتاب المتقدم .
وقوله : هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً « الدهر : 1 » أي لم يكن شيئاً موجوداً بذاته ، وإن كان موجوداً في علم الله تعالى . وقوله : أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ إنا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ « مريم : 67 » أي : أوَلَا يذكر الجاحد للبعث أول خلقه ، فيستدل بذلك على إعادته . وكذلك قوله تعالى : قُلْ يُحْيِيهَا الَّـذِي أَنْشَأَها أول مَرَّةٍ « يس : 79 » .
وقـوله : وَهُوَ الَّـذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ « الروم : 27 » وقوله : وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ « العنكبوت : 45 » أي ذكرٍ لله لعبده ، أكبر من ذكر العبد له . وذلك حثٌّ على الإكثار من ذكره .
والذِّكْرَى : كثرة الذكر وهو أبلغ من الذكر ، قال تعالى : رَحْمَةً مِنَّــا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ « صاد : 43 » وَذَكِّرْ فَـإن الذِّكْرى تَنْفَـعُ الْمُؤْمِنِيـنَ « الذاريات : 55 » في آيٍ كثيرة . والتذْكِرَةُ : ما يتذكر به الشئ ، وهو أعم من الدلالة والأمارة ، قال تعالى : فَما لَهُمْ عَنِ التذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ « المدثر : 49 » كلا إنها تَذْكِرَةٌ « عبس : 11 » أي القرآن .
وذَكَّرْتُهُ كذا ، قال تعالى : وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله « إبراهيم : 5 » وقوله : فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى « البقرة : 282 » قيل : معناه تعيد ذكره . وقد قيل : تجعلها ذكراً في الحكم .
قال بعض العلماء في الفرق بين قوله : فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ « البقرة : 152 » وبين قوله : اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ « البقرة : 40 » إن قوله : فَاذْكُرُونِي مخاطبة لأصحاب النبي صلى الله عليه وآله الذين
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 352 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حصل لهم فضل قوة بمعرفته تعالى ، فأمرهم بأن يذكروه بغير واسطة . وقولـه تعالى : اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ ، مخاطبة لبني إسرائيل الذين لم يعرفوا الله إلّا بآلائه ، فأمرهم أن يتبصروا نعمته ، فيتوصلوا بها إلى معرفته .
والذَّكَرُ : ضد الأنثى ، قال تعالى : وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى « آل عمران : 36 » وقال : آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ « الأنعام : 144 » وجمعه : ذُكُور وذُكْرَان ، قال تعالى : ذُكْراناً وَإِناثاً « الشوري : 50 » وجُعل الذَّكَر كناية عن العضو المخصوص . والمُذْكِرُ : المرأة التي ولدت ذكراً . والمِذْكَار : التي عادتها أن تذكر . وناقة مُذَكَّرَة : تشبه الذكر في عظم خلقها . وسيف ذو ذُكْرٍ ، ومُذَكَّر صارمٌ : تشبيهاً بالذكر . وذُكُورُ البقل : ما غلظ منه .
ملاحظات
استعمل القرآن الذكر إستعمالاً واسعاً لأن مهمة الأنبياء عليه السلام التذكير . قال علي عليه السلام : « فبعث فيهم رسله ، وواتر إليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ، ويذكروهم منسي نعمته ، ويحتجوا عليهم بالتبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول » . « نهج البلاغة : 1/23 » .
واكتفى الراغب بذكر بعض آيات المادة وتفسيرها على مشرب المتصوفة . ومما قاله إن المأمورين بذكره تعالى مباشرة هم الصحابة ، والمأمورين بذكر نعمه بنو إسرائيل ! مع أن الله تعالى خاطب كل المسلمين بقوله : فاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ . وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً .
وقال : « وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ ، أي ذكرٍ لله لعبده أكبر من ذكر العبد له » مع أن المقصود به الصلاة بنص الآية : وَأَقِمِ الصَّلَوةَ إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ . ثم جعل الذكر مقابل الأنثى من الذكر !
والذكر في القرآن أنواع ، منها : ذكر الله تعالى . وذكر إسمه . وذكر نعمته . وآلائه . والذكرى . والتذكرة . وذكرى الدار . والذكر المعمق كذكركم آباءكم . والذكر الكثير وغير الكثير . وفي حالة أو كل حالة . وفي أيام معدودات . وأمكنة معينة كالمشعر . وفي الأمن والخوف . وسراً وعلناً . في نفسك وتضرعاً . وعند الصيد . وذبح الحيوانات . وفي السلم والحرب . وفي المساجد . والبِيَع . والصلوات .
والتذكيرُ : له قواعده وله أهله . ومن أهله المنيبون . وأولوا الألباب . ومن يخشى . ومن يخضع قلبه . ومن يستبشـرون بذكر الله . والمقـوون . والمتقـون . والأذن الواعيـة .
وللتذكير وسائل : منها الإنذار ، وتوصيل القول . وضرب الأمثال . وتيسير القرآن . والتذكير بالقرآن . والتاليات ذكراً . والملقيات ذكراً .
ومن الناس من لا يتذكر ، ومنهم من يصد عن ذكر الله ، ومنهم من أغفل الله قلبه عن الذكر . ومن يعرض عن ذكر الله . ومن يعشو عن الذكر . والكسالى . والمبلسون . ومن أنساهم الشيطان ذكر الله . ومن تشمئز قلوبهم من ذكر الله . وما يذكر أحدٌ الله تعالى إلا بمشيئته عز وجل .
ذَكَا- ذكاه - تذكيةً - مذكى - ذَكِيَ - ذّكاء - ذُكاء
ذَكَتِ النار تَذْكُو : اتَّقَدَت وأضاءت ، وذَكَّيْتُهَا تَذْكِيَةً . وذُكَاء : إسم للشمس ، وابن ذُكَاء للصبح ، وذلك أنه تارة يتصور الصبح ابنا للشمس ، وتارة حاجباً لها فقيل حاجب الشمس . وعُبِّر عن سرعة الإدراك وحدة الفهم بالذكاء كقولهم : فلان هو شعلة نار . وذَكَّيْتُ الشاة : ذبحتها . وحقيقة التذكية : إخراج الحرارة الغريزية ، لكن خصَّ في الشرع بإبطال الحياة على وجه دون وجه ، ويدل على هذا الإشتقاق قولهم في الميت : خامد وهامد ، وفي النار الهامدة : ميتة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 353 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وذَكِيَ الرجل : إذا أسنَّ وحظي بالذكاء لكثرة رياضته وتجاربه . وبحسب هذا الإشتقاق لايسمى الشيخ مُذَكِّياً إلّا إذا كان ذا تجارب ورياضات . ولما كانت التجارب والرياضات قلما توجد إلا في الشيوخ لطول عمرهم ، استعمل الذكاء فيهم ، واستعمل في العتاق من الخيل المسان ، وعلى هذا قولهم : جَرْيُ المُذْكِيَات غِلاء .
ملاحظات
لا وجه لتدوينه هذه المفردة لأنها لم ترد في القر آن ! نعم وردت زكى وهي تختلف عنها ، وتأتي في الزاي . كما أخطأ الراغب في تحريك ذَكِيَ الرجل ، وهي بكسر الكاف فتصورها بتشديده ، وفسرها بالتقدم في السن والخبرة والتجربة ، ولا علاقة لها بالذكاء ولا بالتجربة ! والبيت الذي ذكره معناه : أن جري الخيل المسنة يكون غلوات قليلة لا أكثر ، لكبر سنها .
ذَلَّ - ذُلاً - ذليل - ذلة - أذلة - ذَلول - ذُلَل
الذُّلُّ : ما كان عن قهر ، يقال : ذَلَّ يَذِلُّ ذُلًّا . والذِّلُّ : ما كان بعد تصعُّبٍ وشماسٍ من غير قهر ، يقال : ذَلَّ يَذِلُّ ذِلًّا . وقوله تعالى : وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ « الإسراء : 24 » أي كن كالمقهور لهما ، وقرئ جناح الذِّلِّ ، أي لِنْ وانْقَدْ لهما . يقال : الذُّلُّ والقُلُّ ، والذِّلَّةُ والقِلَّةُ ، قال تعالى : تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ « المعارج : 44 » وقال : ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّـةُ وَالْمَسْكَنَةُ « البقرة : 61 » وقـال : سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّـةٌ « الأعراف : 152 » .
وذَلَّتِ الدابة بعد شماس ، ذِلًّا . وهي ذَلُولٌ ، أي ليست بصعبة ، قال تعالى : لا ذَلُولٌ تُثِيـرُ الْأَرْضَ « البقرة : 71 » . والذُّلُّ : متى كان من جهة الإنسان نفسه لنفسه فمحمود ، نحو قوله تعـالى : أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ « المائدة : 54 » وقـال : وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ « آل عمران : 123 » وقال : فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً « النحل : 69 » أي منقادة غير متصعبة . قال تعالى : وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا « الإنسان : 14 » أي سُهِّلَت ، وقيل : الأمور تجري على أذلالها ، أي مسالكها وطرقها .
ملاحظات
ليس كل ذُلٍّ عن تصعب من صاحبه وقهر ، فقد يكون بإرادة الإنسان واختياره ، مثل ذله لوالديه وإمامه . قال ابن فارس « 2/345 » : « فالذل ضد العز ويقال لما وَطِئَ من الطريق : ذَلَّ . وَذُلِّلَ القُطف تذليلاً : إذا لان وتدلى » .
واستعملت المادة في القرآن في الذل الإجباري ، والإختياري ، التكويني ، والتشريعي ، قال تعالى : وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ . وقال : وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْـكَنَةُ . وقـــال : أَذِلَّـةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ . وقـال : جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً .
ذَمَّ - ذممته - ذماً -مذموم - ذميم - مذمة - ذمام
يقال : ذَمَمْتُهُ أَذُمُّهُ ذَمّاً فهو مَذْمُومٌ وذَمِيمٌ . قال تعالى : مَذْمُوماً مَدْحُوراً « الإسراء : 18 » وقيل : ذَمَّتُّهُ أَذُمُّهُ ، على قلب إحدى الميمين تاء . والذِّمَام : ما يذم الرجل على إضاعته من عهد ، وكذلك المَذَمَّةُ والمَذِمَّة . وقيل : لي مَذَمَّة فلا تهتكها ، وأذهب مَذَمَّتَهُمْ بشئ ، أي أعطهم شيئاً لما لهم من الذمام . وأَذَمَّ بكذا : أضاع ذمامه . ورجل مُذِمٌّ : لاحراك به . وبئر ذَمَّةٌ : قليلة الماء ، قال الشاعر :
وترى الذميمَ على مَرَاسِنِهِمْ
يوم الهياجِ كمَازنِ الجَثَلِ
الذَّمِيم : شبه بثور صغار . يقال : أصله الذنة والذنين .
ملاحظات
معنى البيت : ترى الزَّبَد على مناخر خيلهم يوم المعركة كبيْض النمل . فاستعمل الذميم لزبد الأنف . وهو استعمال بدَوي . قال الخليل « 8/180 » : « والذمام : كل حرمة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 354 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تلزمك إذا ضيعتها المذمة ، ومنه سمي أهل العهد أهل الذمة الذين يؤدون الجزية على رؤسهم من المشركين كلهم . وفي حديث يونس عليه السلام : أن الحوت قاءه زرياً ذماً ، أي مذموماً مهزولاً يشبه الهالك » .
وقوله تعالى عن يونس عليه السلام : لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ . يعني أنه غير مذموم لأن الله تداركه برحمته واستجاب دعاءه : فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ .
ويأتي تفسير الراغب لقوله تعالى : اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً ، بالمذموم ، لكن فيها معنى الإهانة أيضاً ، كما تجده في التفاسير .
ذَنَب - أذناب - مذنب - ذُنُوب - ذَنُوب
ذَنَبُ الدابة وغيرها : معروف ، ويعبر به عن المتأخر والرَّذْل ، يقال : هم أذناب القوم . وعنه استعير : مَذَانِبُ التلاع ، لمسايل مياهها . والمُذَنِّبُ : ما أرطب من قبل ذنبه . والذَّنُوبُ : الفرس الطويل الذنب ، والدَّلْو التي لها ذَنَب . واستعير للنَّصيب ، كما استعير له السِّجل . قال تعالى : فَإن لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ . « الذاريات : 59 » .
والذَّنْبُ في الأصل : الأخذ بذَنَب الشئ ، يقال : ذَنَبْتُهُ : أصبت ذنبه . ويستعمل في كل فعل يستوخم عقباه ، اعتباراً بذنب الشئ ، ولهذا يسمى الذَّنْبُ تبعةً اعتباراً لما يحصل من عاقبته .
وجمع الذَّنْب : ذُنُوب ، قال تعالى : فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ « آل عمران : 11 » وقال : فَكلا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ « العنكبوت : 40 » وقـال : وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ « آل عمران : 135 » إلى غير ذلك من الآي .
ملاحظات
1 . أجاد ابن فارس في تدوين المادة فقال « 2/361 » : « ذَنَبَ : أصولٌ ثلاثة ، أحدها : الجرم . والآخر : مؤخر الشئ . والثالث : كالحظ والنصيب . فالأول الذنب والجرم ، يقال : أذنب يذنب ، والإسم الذنب وهو مذنب . والأصل الآخر : الذنَب وهو مؤخر الدواب ، ولذلك سمي الأتباع الذُّنَابَى » . ولم يذكر مثلاً للأصل الثالث لخلل في النسخة ، وهو السَّهم والنصيب كقوله تعـالى : فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ .
2 . ابتكر القرآن إسم الذَّنْب والإثْم وغيرهما للمعصية ، فبعض الذنوب إثم يبطئ حركة الإنسان في الآخرة ، وبعضها يضيف اليه ثقلاً كالذنَب يعيق حركته ، فالمعاصي تتجسد في الآخرة ، وتؤثر معنوياً على شخصية الإنسان ، وتؤثر في تكوين شخصيته التي يحشر بها ، وقد وردت أحاديث في مصادر الجميع في تجسد الأعمال يوم القيامة .
ذَهَبَ- ذهاباً - مَذْهب - مُذَهَّب - ذهبةٌ
الذَّهَبُ : معروف ، وربما قيل ذَهَبَةٌ . ورجل ذَهِبٌ : رأى معدن الذهب فدهش . وشئ مُذَهَّبٌ : جعل عليه الذهب . وكُمَيْتٌ مُذْهَبٌ : علت حمرته صفرةٌ كأن عليها ذهباً .
والذَّهَابُ : المضي ، يقال : ذَهَبَ بالشئ وأَذْهَبَهُ ويستعمل ذلك في الأعيان والمعاني ، قال الله تعالى : وَقالَ إني ذاهِبٌ إِلى رَبي « الصافات : 99 » فَلما ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيـمَ الرَّوْعُ « هود : 74 » فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ « فـاطر : 8 » كناية عن الموت . وقال : إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ « إبراهيم : 19 » وقال : وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ « فاطر : 34 » وقال : إنما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ « الأحزاب : 33 » .
وقوله تعالى : وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ « النساء : 19 » أي لتفوزوا بشئ من المهر ، أو غير ذلك مما أعطيتموهن . وقوله : وَلاتَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ « الأنفال : 46 » وقال : ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ « البقرة : 17 »
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 355 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ « البقرة : 20 » لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي « هود : 10 » .
ذَهَلَ - ذهولاً - أذهل
قال تعالى : يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كل مُرْضِعَةٍ عما أَرْضَعَتْ « الحج : 2 » الذُّهول : شغلٌ يورث حزناً ونسياناً ، يقال : ذَهَلَ عن كذا ، وأَذْهَلَهُ كذا .
ملاحظات
وافق الجوهري وابن فارس الراغبَ فقالوا إن الذهول يورث النسيان أو يشمله ، قال الجوهري « 4/1702 » : « ذُهِلت عن الشئ أذهل ذهلاً : نسيته وغفلت عنه ، وأذهلني عنه كذا . وفيه لغة أخرى : ذَهِلت بالكسر ذهولاً » .
وقال ابن فارس « 2/363 » : « ذهلت عن الشئ أذهل : إذا نسيته أو شغلت » .
لكن الخليل وهو أعلم منهم لم يقبل أن الذهول يتضمن النسيان ، قال « 4/39 » : « الذُّهْل : تركك الشئ ، تناساه على عمد ، أو يشغلك عنه شاغل . ذُهِلت عنه وذَهِلت لغتان : تركته ، وأذهلني كذا عنه » . وقال في « 7/299 » : « سلى فلان عن فلان : ذُهل عنه ، وتناساه » . فليس في الذهول نسيان بالمعنى المعروف ، وهو الصحيح . ولم يستعملوا مُذْهَلاً .
ذَوَقَ - ذاق - يذوق - ذقْ- أذاقه
الذَّوْق : وجود الطعم بالفم ، وأصله فيما يقل تناوله دون ما يكثر ، فإن ما يكثر منه يقال له : الأكل . واختير في القرآن لفظ الذوق في العذاب ، لأن ذلك وإن كان في التعارف للقليل فهو مستصلح للكثير ، فخصه بالذكر ليعم الأمرين .
وكثر استعماله في العذاب ، نحو : لِيَذُوقُوا الْعَذابَ « النساء : 56 » وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَـذابَ النَّارِ « السجدة : 20 » فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ « الأنفال : 35 » ذُقْ إنكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ « الدخان : 49 » إنكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ « الصافات : 38 » ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ « الأنفال : 14 » وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ « السجدة : 21 » .
وقد جاء في الرحمة نحو : وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً « هود : 9 » وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ « هود : 10 » ويعبر به عن الإختبار ، فيقال : أَذَقْتُهُ كذا فذاق ، ويقال : فلان ذاق كذا ، وأنا أكلته ، أي خبرته فوق ما خُبر . وقوله : فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ « النحل : 112 »
فاستعمال الذوق مع اللباس من أجل أنه أريد به التجربة والإختبار ، أي فجعلها بحيث تمارس الجوع والخوف . وقيل إن ذلك على تقدير كلامين ، كأنه قيل : أذاقها طعم الجوع والخوف ، وألبسها لباسهما .
وقوله : وَإنا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً « الشوري : 48 » فإنه استعمل في الرحمة الإذاقة ، وفي مقابلتها الإصابة ، فقال : وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ « الشوري : 48 » تنبيهاً على أن الإنسان بأدنى ما يعطى من النعمة يأشر ويبطر ، إشارة إلى قوله : كلا إن الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى « العلق : 6 » .
ملاحظات
الذوق : اختبار الطَّعْمِ باللسان « المقاييس : 2/364 » ويستعمل للذوق المادي والمعنوي . وعرفه الراغب بأنه : « وجود الطعم بالفم » أي حصوله ، وهو نتيجة الذوق وليس نفسه .
ذُو- ذات - ذوات - ذي - ذا -ذاك - ذلك - ماذا
ذُو : على وجهين ، أحدهما : يتوصل به إلى الوصف بأسماء الأجناس والأنواع ، ويضاف إلى الظاهر دون المضمر ، ويثنى ويجمع . ويقال في المؤنث : ذَاتُ ، وفي التثنية : ذَوَاتَا ، وفي الجمع : ذَوَاتٌ . ولا يستعمل شئ منها إلا مضافاً .
قال : وَلكِنَّ الله ذُو فَضْلٍ « البقرة : 251 » وقال : ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى « النجم : 6 » وَذِي الْقُرْبى « البقرة : 83 » وَيُؤْتِ كل ذِي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 356 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فَضْلٍ فَضْلَهُ « هود : 3 » ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى « البقرة : 177 » إنهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ « الأنفال : 43 » وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ « الكهف : 18 » وَتَوَدُّونَ إن غَيْرَ ذاتِ الشَّـوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ « الأنفال : 7 » ذَواتا أَفْنانٍ « الرحمن : 48 » .
وقد استعار أصحاب المعاني الذات فجعلوها عبارة عن عين الشئ ، جوهراً كان أو عرضاً ، واستعملوها مفردة ، ومضافة إلى المضمر بالألف واللام ، وأجروها مجرى النفس والخاصة ، فقالوا : ذاته ونفسه وخاصته . وليس ذلك من كلام العرب .
والثاني في لفظ ذو : لغةٌ لطيئ ، يستعملونه استعمال الذي ، ويجعل في الرفع والنصب والجر والجمع والتأنيث ، على لفظ واحد ، نحو :
وبئري ذُو حَفَرْتُ وَذُو طَوَيْتُ
أي التي حفرت والتي طويت .
وأما ذا في هذا ، فإشارة إلى شئ محسوس أو معقول . ويقال في المؤنث : ذه وذي وتا ، فيقال هذه وهذي وهاتا ، ولا تثنى منهن إلا هاتا ، فيقال هاتان . قال تعالى : أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّـذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ « الإسراء : 62 » هذا ما تُوعَدُونَ « صاد : 53 » هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ « الذاريات : 14 » إِنْ هذانِ لَساحِرانِ « طه : 63 » إلى غير ذلك . هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ « الطور : 14 » هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ « الرحمن : 43 » .
ويقال بإزاء هذا في المستبعد بالشخص أو بالمنزلة : ذَاكَ وذلك . قال تعالى : ألم ذلِكَ الْكِتابُ « البقرة : 1 » ذلِكَ مِنْ آياتِ الله « الكهـف : 17 » ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى « الأنعام : 131 » إلى غير ذلك .
وقولهم : ماذا : يستعمل على وجهين ، أحدهما : أن يكون ما مع ذا بمنزلة إسم واحد ، والآخر أن يكون ذا بمنزلة الذي . فالأول نحو قولهم : عماذا تسأل؟ فلم تحذف الألف منه لما لم يكن ما بنفسه للإستفهام ، بل كان مع ذا إسماً واحداً ، وعلى هذا قول الشاعر :
دَعي ماذا علمتِ سأتقيهِ
أي دعي شيئاً علمتِه . وقوله تعالى : وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ « البقرة : 219 » فإن من قرأ : قُلِ الْعَفْوَ ، بالنصب فإنه جعل الإسمين بمنزلة إسم واحد كأنه قال : أيَّ شئ ينفقون؟ ومن قرأ : قُلِ الْعَفْوُ بالرفع ، فإن ذا بمنزلة الذي ، وما للإستفهام أي ما الذي ينفقون . وعلى هذا قوله تعالى : ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ . قالُوا أَسـاطِيرُ الأولينَ « النحل : 24 » وأساطير بالرفع والنصب .
ملاحظات
1 . أخطأ الراغب في قوله : « استعار أصحاب المعاني الذات فجعلوها عبارة عن عين الشئ فقالوا : ذاته ونفسه وخاصته . وليس ذلك من كلام العرب » . يقصد أن الفلاسفة استحدثوا هذا التعبير ، مع أن الذات والذاتية مستعملة عند أفصح العرب ، فقد قال علي عليه السلام كما في نهج البلاغة : 2/121 « لا يجري عليه السكون والحركة . وكيف يجري عليه ما هو أجراه ، ويعود فيه ما هو أبداه ، ويحدث فيه ما هو أحدثه . إذا لتفاوتت ذاته ، ولتجزأ كنهه ، ولامتنع من الأزل معناه » .
وقال الإمام زين العابدين عليه السلام في دعائه يوم عرفة « الذي قصرت الأوهام عن ذاتيتك ، وعجزت الأفهام عن كيفيتك » .
2 . استعمل القرآن ذو 35 مرة وذي 24 مرة ، وذوا عدل مرتين ، وذات 30 مرة ، وذوات مرة ، وذواتي مرة ، وذوي القربى مرة . وهذا يدل على سعة استعمال ذو وذات . ونلاحظ أن استعمال ذو في العربية القديمة في اليمن كان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 357 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كثيراً حتى في الأسماء .
وقد أورد الراغب عدداً من موارد استعمال ذو وأخواته من الأسماء الستة ، وفسر بعضها مجملاً .
وقد استعمل القرآن ذات بينكم للعلاقات بين الناس فقال تعالى : وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ .
وذات الشوكة للجيش فقال تعالى : وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ .
وذات اليمين وذات الشمال لأهل الكهف ، فقال تعالى : وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ .
واستعمله لخوف الحوامل في المحشر ، فقال تعالى : وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا .
ولربوة مريم والحدائق والنخل ، فقال تعالى : وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ . . فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ . . وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ .
ولسفينة نوح عليه السلام فقال تعالى : وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ .
ولعاصمة حضارة عاد ، فقال تعالى : إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ .
ولنسج السماء بالأرض ، فقال تعالى : وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ .
ولبروج السماء ، فقال تعالى : وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ .
ولرجع السماء وصدع الأرض ، فقال تعالى : وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ . وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ .
ولعذاب النار ، فقال تعالى : النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ . . سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ .
كما استعمل تعالى ذو لعدد من صفاته المقدسة ، فقال تعالى : رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ . وَهُوَالْغَفُورُ الْوَدُودُ . ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ . . وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ . . إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ . . وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ . وَرَبُّكَ الْغَنِىُّ ذُو الرَّحْمَةِ . . رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ . . وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ للَّنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ . . إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ . . وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ . . إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَةِ الْمَتِينُ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالآكْرَامِ .
3 . استعمل العرب ذات الجنب وذات الصدر وذات الكبد لأمراضها ، وقالوا : وضعت المرأة ذات بطنها لوضع الحمل ، أو نثرت ذات بطنها لتعدد أولادها ، أو ألقت ذات بطنها للسقط .
وابتكر القرآن تعبير ذات الصدور لما يخفيه الإنسان من نوايا سيئة وخطط وأعمال ، ولم يستعملها في الأمور الحسنة ! قال تعالى : وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ .
واستعمل تفسيراً لها : يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ . أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ . وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ، وهي تعني أن ذات الصدور تُدفن مع الإنسان وتُستخرج عند حشره !
ذَيَبَ- ذئب - مَذْأبة - تذاءبت - ذئبة
الذِّيبُ : الحيوان المعروف ، وأصله الهمز ، قال تعالى : فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ « يوسف : 17 » . وأرض مَذْأَبَة : كثيرة الذئاب . وذُئِبَ فلان : وقع في غنمه الذئب . وذَئِبَ : صار كذئب في خبثه . وتَذَاءَبَتِ الرّيحُ : أتت من كل جانب مجئ الذئب . وتَذَاءَبْتُ للناقة على تفاعَلْتُ : إذا تشبهت لها بالذئب في الهيئة لتظأر على ولدها . والذئبة من القتب : ما تحت ملتقى الحنوين « خشبة في مقدمة القتب » تشبيهاً بالذئب في الهيئة .
ذَوَدَ - ذادَ - يذود - ذوداً
ذُدْتُهُ عن كذا أَذُودُهُ . قال تعالى : وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ « القصص : 23 » أي تطردان ذوداً . والذَّوْدُ من الإبل : العشرة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 358 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ذَأَمَ - ذأمه - مذؤوم
قال تعالى : اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً « الأعراف : 18 » أي مذموماً . يقال : ذمته أذيمه ذيماً ، وذممته أذمُّه ذمّاً ، وذَأَمْتُهُ ذَأْماً .
ملاحظات
الصحيح أن الذأم غير الذم ، فقد تصرفوا في لفظ ذم لإعطاء معنى آخر ، وهو التحقير والإهانة . قال الخليل « 8/203 » : « ذأمته ذأماً فهو مذؤوم ، أي حقرته فهو محقور ، ويقال : ما يلزمك منه لوم ولا ذم ولا ذأم ولا عيب » .
تم كتاب الذال .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 359 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 360 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب الراء وما يتصل بها

ر
يشمل 88 مفردة و 40 ملاحظة
رَبَّ - رِبِّيٌّ - رَبَّانِي - رَبَابة - ربيب - رباب- رباه - تربيةً
الرَّبُّ في الأصل : التربية ، وهو إنشاء الشئ حالاً فحالاً إلى حد التمام ، يقال رَبَّهُ وربَّاه ورَبَّبَهُ . وقيل : لئن يربُّني رجل من قريش أحبُّ إليَّ من أن يربَّني رجل من هوازن . فالرب مصدر مستعار للفاعل ، ولا يقال الرب مطلقاً إلا لله تعالى المتكفل بمصلحة الموجودات ، نحو قـوله : بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ « سبأ : 15 » . وعلى هذا قوله تعـالى : وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً « آل عمران : 80 » أي آلهة تزعمون أنهم الباري مسبِّب الأسباب والمتولي لمصالح العباد ، وبالإضافة يقال له ولغيره ، نحو قوله : رَبِّ الْعالَمِينَ « الفاتحـــة : 1 » ورَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الأولينَ « الصافات : 126 » .
ويقال : رَبُّ الدار ، ورَبُّ الفرس لصاحبهما ، وعلى ذلك قول الله تعالى : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ « يوسف : 42 » وقوله تعالى : ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ « يوسف : 50 » وقوله : قالَ مَعاذَ الله إنهُ رَبي أَحْسَنَ مَثْوايَ « يوسف : 23 » قيل : عنى به الله تعالى ، وقيل : عنى به الملك الذي رباه ، والأول أليق بقوله .
والرَّبَّانِيُّ : قيل منسوب إلى الربان ، ولفظ فَعْلَان يُبنى من فَعَلَ نحو : عطشان وسكران وقلَّما يبنى من فعل ، وقد جاء نعسان . وقيل هو منسوب إلى الرب الذي هو المصدر ، وهو الذي يربُّ العلم كالحكيم . وقيل منسوبٌ إليه ومعناه يربُّ نفسه بالعلم ، وكلاهما في التحقيق متلازمان ، لأن من ربَّ نفسه بالعلم فقد ربَّ العلم ، ومن ربَّ العلم فقد ربَّ نفسه به . وقيل هو منسوب إلى الرب أي الله تعالى ، فالربانيُّ كقولهم : إلهيٌّ ، وزيادة النون
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 361 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فيه كزيادته في قولهم : لحيانيٌّ وجسمانيٌّ . قال علي عليه السلام : أنا ربَّانيُّ هذه الأمّة . والجمع ربانيون . قـال تعالى : لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ « المائدة : 63 » كُونُوا رَبَّانِيِّينَ « آل عمران : 79 » . وقيل : رباني لفظٌ في الأصل سرياني ، وأخلق بذلك ، فقلَّما يوجد في كلامهم . وقوله تعالى : رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ « آل عمران : 146 » فالرِّبِّيُّ كالرباني .
والرُّبوبية : مصدرٌ يقال في الله عز وجل . والرِّبَابَة : تقال في غيره . وجمع الرَّب أرْبابٌ ، قال تعالى : أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ « يوسف : 39 » . ولم يكن من حق الرب أن يجمع إذ كان إطلاقه لا يتناول إلا الله تعالى ، لكن أتى بلفظ الجمع فيه على حسب اعتقاداتهم ، لا على ما عليه ذات الشئ في نفسه .
والرب : لا يقال في التعارف إلا في الله ، وجمعه أربَّة وربوب ، قال الشاعر :
انــت أربَّتهــم بَهــْزٌ وغَرَّهُــمُ
عَقْدُ الجِوَارِ وكانوا معشراً غُدْرَا
وقال آخر :
وكنتُ امرأً أَفْضَتْ إليك رَبَابَتِي
وقَبْلَكَ رَبَّتْنِي فَضِعْتُ رُبُوبُ
ويقال للعقد في موالاة الغير : الرِّبَابَةُ ، ولما يجمع فيه القدح : ربابة . واختص الرَّابُّ والرَّابَّة بأحد الزوجين إذا تولى تربية الولد من زوج كان قبله . والربيب والربيبة بذلك الولد ، قال تعالى : وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ « النساء : 23 » .
ورببت الأديم بالسمن ، والدواء بالعسل . وسِقَاٌء مربوب ، قال الشاعر :
فكوني له كالسمن رُبَّتْ بالأَدَمْ
والرَّبَابُ : السحاب ، سمي بذلك لأنه يربُّ النبات ، وبهذا النظر سميَ المطر دَرّاً ، وشُبِّه السحاب باللُّقوح . وأَرَبَّتِ السحابة : دامت . وحقيقته أنها صارت ذات تربية . وتُصُوِّر فيه معنى الإقامة فقيل : أَرَبَّ فلانٌ بمكان كذا ، تشبيهاً بإقامة الرباب . ورُبَّ : لاستقلال الشئ ، ولما يكون وقتاً بعد وقت ، نحو : رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا « الحجر : 2 » .
ملاحظات
1 . الرب من أسماء الله تعالى ، ومعناه المربي لمخلوقاته ، وقد استعمله القرآن مئات المرات . وأكثر ما استعمل منه المضاف الى كاف الخطاب : ربك 242 مرة . ثم ربكم : 119مرة . ثم ربنا : 111مرة . ثم ربي : 101مرة .
وقد عرَّف الراغب التربية بأنها : إنشاء الشئ حالاً فحالاً إلى حد التمام ، وهو تعبير ضعيف ، يقصد به تنمية الشئ الى بلوغه كماله .
قال الخليل « 8/256 » : « من ملك شيئاً فهو ربه ، لا يقال بغير الإضافة إلا لله عز وجل » .
وقال الجوهري « 1/130 » : « رب كل شئ مالكه . والرب إسم من أسماء الله عز وجل ، ولا يقال في غيره إلا بالإضافة ، وقد قالوه في الجاهلية للملك » .
أما ابن فارس فجعل مادة رَبَبَ ثلاثة أصول ، قال « 2/381 » : « فالأول إصلاح الشئ والقيام عليه ، فالرَّبُّ المالك والخالق والصاحب ، والرب المصلح للشئ ، يقال : رَبَّ فلان ضيعتَه إذا قام على إصلاحها . و الله جل ثناؤه : الرب ، لأنه مصلح أحوال خلقه . والرِّبِّيُّ : العارف بالرب . ورببتُ الصبي أربه ورببته أرببه . والربيبة : الحاضنة . وربيب الرجل : ابن امرأته . والرابُّ : الذي يقوم على أمر الربيب . وفي الحديث : يكره أن يتزوج الرجل امرأة رابِّهِ . والأصل الآخر : لزوم الشئ والإقامة عليه ، وهو
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 362 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مناسب للأصل الأول . يقال أربَّت السحابة بهذه البلدة إذا دامت . وأرضٌ مِرَبٌّ لا يزال بها مطر ، ولذلك سمي السحاب رباباً .
والأصل الثالث : ضم الشئ للشئ ، وهو أيضاً مناسب لما قبله . ومتى أنعم النظر كان الباب كله قياساً واحداً . يقال للخرقة التي يجعل فيها القداح ربابة . فأما رُبَّ : فكلمة تستعمل في الكلام لتقليل الشئ ، تقول : رُب رجل جاءني . ولا يعرف لها اشتقاق » .
وقال ابن منظور « 1/399 » : « الرَّبُّ : هو اللَّه عزّ وجلّ ، هو رَبُّ كلِّ شئٍ أَي مالكُه ، وله الرُّبوبيَّة على جميع الخَلْق ، لا شريك له ، وهو رَبُّ الأَرْبابِ ، ومالِكُ المُلوكِ والأَمْلاكِ . ولا يقال الربُّ في غَيرِ اللَّه ، إِلَّا بالإِضافةِ ، قال : ويقال الرَّبُّ ، بالأَلِف واللام ، لغيرِ اللَّه . وفي حديث عروةَ . . دَخل منزله فأَنكر قَومُه دُخُولَه قبلَ أَن يأْتِيَ الربَّةَ ، يعني اللَّاتَ ، وهي الصخرةُ التي كانت تَعْبُدها ثَقِيفٌ بالطائفِ . وقوله عزّ وجلّ : إِنه ربِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ ، قال الزجاج : إِن العزيز صاحِبِي أَحْسَنَ مَثْوايَ . .
وفي حديث ابن عباس مع ابن الزبير : لأَن يَرُبَّنِي بَنُو عَمِّي أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَن يَرُبَّنِي غيرُهم ، أَي يكونون عليَّ أُمَراءَ وسادةً مُتَقَدِّمين ، يعني بني أُمَيَّةَ فإِنهم إِلى ابنِ عباسٍ في النَّسَبِ أَقْرَبُ من ابن الزبير . في حديث النخعي : ليس في الرَّبائبِ صَدَقةٌ . . الغَنَمُ التي تكونُ في البَيْتِ ، وليست بِسائمةٍ . . لأَن صاحِبَها يَرُبُّها » .
أقول : ربوبية الله تعالى تشمل تربيته التكوينية والتشريعية لعباده وكافة مخلوقاته . ولعل التأكيد عليها لأنها لصيقة بالإنسان ، فهو أحرى بأن يفهمها .
2 . قال الصدوق قدس سره في كتاب التوحيد/203 ، في تفسير أسماء الله الحسنى « الرب : معناه المالك ، وكل من ملك شيئاً فهو ربه ، ومنه قوله عز وجل : قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ، أي إلى سيدك ومليكك ، وقال قائل يوم حنين : لأن يَرُبَّني رجل من قريش أحب إليَّ من أن يربني رجل من هوازن . يريد يملكني ويصير لي رباً ومالكاً . ولا يقال لمخلوق : الرب بالألف واللام ، لأن الألف واللام دالتان على العموم ، وإنما يقال للمخلوق : رب كذا فيعرف بالإضافة ، لأنه لا يملك غيره فينسب إلى ما يملكه ، والربانيون نسبوا إلى التأله والعبادة للرب في معنى الربوبية له ، والربيون الذين صبروا مع الأنبياء عليهم السلام » .
وورد عن الإمام الصادق عليه السلام في زيارة شهداء كربلاء « كامل الزيارات/420 » : « أشهد أنكم أنصار الله كما قال الله عز وجل : وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِىٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ . فما ضعفتم وما استكنتم حتى لقيتم الله على سبيل الحق ، صلى الله عليكم وعلى أرواحكم وأجسادكم » .
وفي الكافي « 6 /57 » : أن عمرو بن رباح سأل الإمام الباقر عليه السلام : « بلغني أنك تقول : من طلق لغيرالسنة أنك لا ترى طلاقه شيئاً؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : ما أقوله ، بل الله عز وجل يقوله ، أما والله لو كنا نفتيكم بالجور لكنا شراً منكم ، لأن الله عز وجل يقول : لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ . . إلى آخر الآية » .
وفي عيون أخبار الرضا « 2/217 » ، عن علي عليه السلام قال « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا ترفعوني فوق حقي ، فإن الله تبارك تعالى اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبياً ، قال الله تبارك وتعالى : مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَةَ ثُمَّ يَقُولَ للَّنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُون » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 363 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
3 . قَسَّمَ الوهابية التوحيد الى ثلاثة أقسام : توحيد الربوبية : وهو توحيد الله بأفعاله ، وإفراده بالخلق والملك . وتوحيد الألوهية : وهو الذي جاء به الرسل عليهم السلام ودعوا الناس الى عبادة الله تعالى ، فأنكره الكفار وقالوا : أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَـئ عُجَابٌ . وتوحيد الصفات : وهو الإيمان بصفات الله تعالى الثابتة في الكتاب والسنة .
وقصدهم من ذلك إثبات كفر المسلمين ما عداهم ، فقالوا إن مشركي قريش قبلوا توحيد الربوبية لكن لم ينفعهم لأنهم أنكروا توحيد الألوهية ، ثم حمل الوهابية صفات الله تعلى على الحقيقة ! كقوله تعالى : يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ، وقالوإنها يدٌ حقيقية ومن أنكر فقد أنكر توحيد الصفات وأشرك بصفات الله تعالى ! والمشرك بصفاته مشرك بألوهيته ، والمشرك بألوهيته مشرك بربوبيته ! « راجع للمؤلف كتاب : الوهابية والتوحيد » .
3 . مدح الله الربانيين في قوله تعالى : إِنَّا أَنْزَلْنَا التوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ . لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ .
وفي قوله تعالى : مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَةَ ثُمَّ يَقُولَ للَّنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ .
ومدح الرَّبيين أكثر فقال تعالى : وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِىٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ . قال الخليل « 8/256 » : « الرِّبِّيُّون : الذين صبروا مع الأنبياء ، نسبوا إلى العبادة والتأله في معرفة الربوبية لله » .
وقال ابن منظور « 1/404 » : « والرَّبِّيُّ : منسوب إِلى الرَّبِّ . والرَّبَّانِيُّ : الموصوف بعلم الرَّبِّ . ابن الأَعرابي : الرَّبَّانِيُّ العالم المُعَلِّم ، الذي يَغْذُو الناسَ بِصغارِ العلم قبلَ كِبارها . . ورُوي عن علي رضي اللَّه عنه أَنه قال : الناسُ ثلاثةٌ : عالِمٌ ربَّانيٌّ ، ومُتَعَلِّمٌ على سَبيلِ نَجاةٍ ، وهَمَجٌ رَعاعٌ أَتباعُ كلِّ ناعق . قال ابن الأَثير : هو منسوب إِلى الرَّبِّ ، بزيادة الأَلف والنون للمبالغة ، قال وقيل : هو من الرَّبِّ ، بمعنى التربيةِ ، كانوا يُرَبُّونَ المُتَعَلِّمينَ بِصغار العُلوم ، قبلَ كبارِها . والرَّبَّانِيُّ : العالم الرَّاسِخُ في العِلم والدين ، أَو الذي يَطْلُب بِعلْمِه وجه اللَّه ، وقيل : العالِم ، العامِلُ ، المُعَلِّمُ ؛ وقيل : الرَّبَّانِيُّ : العالي الدَّرجةِ في العِلمِ . قال أَبو عبيد : سمعت رجلاً عالماً بالكُتب يقول : الرَّبَّانِيُّون العُلَماءُ بالحَلال والحَرام ، والأَمْرِ والنَّهْي . قال : والأَحبارُ أَهلُ المعرفة بأَنْباءِ الأُمَم وبما كان ويكون » .
أقول : معنى العالم الرباني في كلام أمير المؤمنين عليه السلام الإمام المعصوم الذي عِلْمُهُ من الرب تعالى ، أما الفقهاء والعلماء فهم كالمتدينين متعلمون على سبيل نجاة ، وعلمهم ليس من الرب مباشرة .
والرِّبِّيُّون أخص من الربانيين ، وقد ورد تفسيرها بغير الرباني . قال ابن منظور « 1/407 » : « وفي التنزيلِ العزيز : وكأَيِّنْ مِن نَبيِّ قاتَلَ معه رِبِّيُّون كثير ، قال الفراءُ : الرِّبِّيُّونَ الأُلوف . . قال الأَخفش : الرِّبيون منسوبون إِلى الرَّبِّ . . وهو على قول الفرّاء من الرَّبَّةِ ، وهي الجماعة . وقال الزجاج : رِبِّيُّون ، بكسر الراء وضمّها ، وهم الجماعة الكثيرة . . والرَّبَّانِيُّون : العلماءُ . وقرأَ ابن عباس : رَبِّيُّون ، بفتح الراءِ » .
وفي نهاية الأرب « 17/116 » : « قيل : الربّيّون الألوف والرّبّة الواحدة عشرة آلاف . وقيل : الربّيون العلماء والفقهاء » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 364 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والظاهر أن الرِّبيين استعملت بعد نزول الآية بمعنى الجماعة الكثيرة الممدوحة .
رَبِحَ -ربحاً - أرباحاً - مرابحة
الرِّبْحُ : الزيادة الحاصلة في المبايعة ، ثم يتجوز به في كل ما يعود من ثمرة عمل . وينسب الربح تارة إلى صاحب السلعة ، وتارة إلى السلعة نفسها ، نحو قوله تعالى : فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ « البقرة : 16 » وقول الشاعر :
قَرَوْا أضيافَهُمْ رُبَحاً ببَحِّ
فقد قيل : الرُّبَحُ : الطائر ، وقيل هو الشجر . وعندي أن الرُّبَحَ هاهنا إسم لما يحصل من الربح ، نحو النقص .
وبَحٌّ : إسم للقداح التي كانوا يستقسمون بها ، والمعنى : قروا أضيافهم ما حصَّلوا منه الحمد الذي هو أعظم الربح ، وذلك كقول الآخر :
فأوسَعَني حَمْداً وأوسعتُه قِرًى
وأرخِصْ بحمدٍ كان كاسِبُه الأكلُ
رَبَصَ - تربص - تربصاً - ربصةً
التربُّص : الإنتظار بالشئ ، سلعةً كانت يقصد بها غلاءً أو رخصاً ، أو أمراً ينتظر زواله أو حصوله . يقال : تربصت لكذا ، ولي رُبْصَةٌ بكذا وتَرَبُّصٌ ، قال تعالى : وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ « البقرة : 228 » قُلْ تَرَبَّصُوا فَإني مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ « الطور : 31 » قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ « التوبة : 52 » وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ « التوبة : 98 » .
رَبَطَ - رابط - رباطاً - مرابطة
رَبَطَ الفرس : شدَّه بالمكان للحفظ . ومنه : رِبَاطُ الخيل . وسمِّي المكان الذي يُخَصُّ بإقامة حفظه فيه رباطاً . والرِّبَاط مصدر رَبَطْتُ ورَابَطْتُ ، والمُرَابَطَة كالمحافظة ، قال الله تعالى : وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ « الأنفال : 60 » وقال : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا « آل عمران : 200 » .
فالمرابطة ضربان : مرابطة في ثغور المسلمين ، وهي كمرابطة النفس البدن ، فإنها كمن أقيم في ثغر وفُوِّض إليه مراعاته ، فيحتاج أن يراعيه غير مخلٍّ به ، وذلك كالمجاهدة . [والثاني] قد قال عليه السلام : من الرِّبَاطِ انتظار الصلاة بعد الصلاة . وفلان رَابِطُ الجأش : إذا قوي قلبه ، وقوله تعالى : وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ « الكهف : 14 » وقوله : لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها « القصص : 10 » وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ « الأنفال : 11 » فذلك إشارة إلى نحو قوله : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ « الفتح : 4 » وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ « المجادلة : 22 » فإنه لم تكن أفئدتهم كما قال : وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ « إبراهيم : 43 » . وبنحو هذا النظر قيل : فلان رابط الجأش .
رَبَعَ- رِبعة - أربعاء - إربعْ - مِرباع - ربيع - رباعيتان - يربوع
أربعةٌ ، وأربعون ، وربعٌ ، ورُبَاعٌ : كلها من أصل واحد ، قال الله تعالى : ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ « الكهف : 22 » وأَرْبَعِينَ سنة يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ « المائدة : 26 » وقال : أَرْبَعِينَ لَيْلَةً « البقرة : 51 » وقال : وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ « النساء : 12 » وقال : مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ « النساء : 3 » .
ورَبَعْتُ القومَ أَرْبَعُهُمْ : كنت لهم رابعاً ، وأخذت ربع أموالهم . ورَبَعْتُ الحَبْلَ : جعلته على أربع قوى . والرِّبْعُ من أظماء الإبل ، والحُمَّى . وأَرْبَعَ إِبِلَهُ : أوردها رِبْعاً . ورجل مربوع ومُرْبَع : أخذته حُمَّى الرِّبع .
والأربعاء في الأيام : رابع الأيام من الأحد . والربيع : رابع الفصول الأربعة . ومنه قولهم : رَبَعَ فلان وارْتَبَعَ : أقام في الربيع ، ثم يتجوز به في كل إقامة ، وكل وقت ، حتى سمِّي كل منزل رَبْعاً ، وإن كان ذلك في الأصل مختصاً بالربيع .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 365 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والرُّبَعُ ، والرُّبَعِيّ : ما نتج في الربيع ، ولما كان الربيع أولى وقت الولادة وأحمده ، استعير لكل ولد يولد في الشباب فقيل : أفلح من كان له رَبَعِيُّون .
والمِرْبَاع : ما نتج في الربيع . وغيث مُرْبِع : يأتي في الربيع . ورَبَعَ الحَجَرَ والحمل : تناول جوانبه الأربع . والمِرْبَع : خشب يربع به ، أي يؤخذ الشئ به ، وسمي الحجر المتناول ربيعة . وقولهم : إرْبَعْ على ظَلَعِك « على ضعف مشيك » يجوز أن يكون من الإقامة ، أي أقم على ظَلْعك ، ويجوز أن يكون من ربع الحجر ، أي تناوله على ظَلعك .
والمِرْبَاع : الرُّبُعُ الذي يأخذه الرئيس من الغُنْم من قولهم : رَبَعْتُ القومَ . واستعيرت الرِّبَاعَة للرئاسة ، اعتباراً بأخذ المرباع ، فقيل : لا يقيم رِبَاعَةَ القومِ غَيْرُ فلانٍ .
والرَّبْعَةُ : الجونة ، لكونها في الأصل ذات أربع طبقات ، أو لكونها ذات أربع أرجل . والرَّبَاعِيتان : قيل سُميتا لكون أربع أسنان بينهما . واليربوع : فأرة لجحرها أربعة أبواب . وأرض مَرْبَعَة : فيها يرابيع ، كما تقول : مضبة في موضع الضب .
رَبَوَ- اربية -رابية - ربا- أربى - يربو - رَبْو
رَبْوَة ورِبْوَة ورُبْوَة ورِبَاوَة ورُبَاوَة . قال تعالى : إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ « المؤمنون : 50 » قال أبو الحسن « الأخفش » : الرَّبْوَة أجود لقولهم رُبَى . ورَبَا فلان : حصل في ربوة ، وسميت الربوة رابية ، كأنها ربَت بنفسها في مكان . ومنه رَبَا إذا زاد وعلا ، قال تعالى : فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ « الحج : 5 » أي زادت زيادة المتربي . فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً « الرعد : 17 » فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً « الحاقة : 10 » .
وأربى عليه : أشرف عليه . ورَبَيْتُ الولد فَرَبَا من هذا . وقيل أصله من المضاعف فقلب تخفيفاً ، نحو : تظنَّيْت في تظنَّنْت . والرِّبَا : الزيادة على رأس المال ، لكن خُص في الشرع بالزيادة على وجه دون وجه ، وباعتبار الزيادة قال تعــالى : وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ الله « الروم : 39 » . ونبه بقوله : يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقــاتِ « البقرة : 276 » [على] أن الزيادة المعقولة المعبر عنها بالبركة مرتفعة عن الربا ، ولذلك قال في مقابلته : وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ « الروم : 39 » .
والأُرْبِيَّتَان : لحمتان ناتئتان في أصول الفخذين من باطن . والرَّبْوُ : الإنبهار ، سمي بذلك تصوراً لتصعُّده ، ولذلك قيل : هو يتنفس الصُّعداء . وأما الربيئة للطليعة ، فبالهمز ، وليس من هذا الباب .
رَتَعَ - يرتع - رتوعاً - راتع - مرتع
الرَّتْعُ : أصله أكل البهائم ، يقال : رَتَعَ يَرْتَعُ رُتُوعاً ورِتَاعاً ورِتْعاً ، قال تعالى : يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ « يوسف : 12 » ويستعار للإنسان إذا أريد به الأكل الكثير ، وعلى طريق التشبيه قال الشاعر :
وإذا يَخْلُو لهُ لَحْمي رَتَعْ
ويقال : رَاتِعٌ ورِتَاعٌ في البهائم ، ورَاتِعُونَ في الإنسان .
ملاحظات
وردت هذه المادة في آية واحدة : أَرْسِـلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ . وفسرها الخليل « 2/67 » بالأكل والشرب في الربيع رغداً . وقال ابن فارس « 2/486 » : « تقول رتع يرتع إذا أكل ما شاء . ولا يكون ذلك إلا في الخصب . والمراتع مواضع الرتعة » . فالرتع أعم من الأكل ، وهو مرتبط بمكانه أو ظرفه الذي يسمى المرتع . وهو قريب من الرعي ، بل قد يكون « يرتع » صفة خاصة للإنسان ، مثل يرعي للحيوان . ولاعلاقة للرتع بالكثرة كما تصور الراغب ، بل علاقته بجودة المكان والظرف .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 366 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رَتَقَ - رَتْقاً - راتق - رتقاء
الرَّتْقُ : الضم والإلتحام ، خلقةً كان أم صنعةً قال تعالى : كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما « الأنبياء : 30 » أي منضمتين . والرَّتْقَاءُ : الجارية المنضمة الشفرين . وفلان رَاتِقٌ وفاتقٌ في كذا ، أي هو عاقدٌ وحالٌّ .
ملاحظات
اسـتعمل الرتق والفتق في القرآن في آية واحـدة هي قوله تعالى : أَوَلَمْ يَرَالَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَأنتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَـا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَئٍْ حَىٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ . والمعروف في تفسيرها أنهما كانتا قطعة واحدة ، ففصَّلهما الله تعالى . والصحيح ما قاله الإمام الباقر عليه السلام : « إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم إلى الأرض وكانت السماوات رتقاً لا تمطر شيئاً ، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت شيئاً . فلما أن تاب الله عز وجل على آدم عليه السلام السماء فتقطرت بالغمام ، ثم أمرها فأرخت عَزَاليها ، ثم أمر الأرض فأنبتت الأشجار وأثمرت الثمار وتفهَّقَت بالأنهار ، فكان ذلك رتقها ، وهذا فتقها » . « الكافي : 8/ 121 » .
رَتْلٌ- رتَّلَ - ترتيلاً -مرتل
الرَّتَلُ : اتساق الشئ وانتظامه على استقامة ، يقال رجل رَتَلُ الأسنان . والترْتِيلُ : إرسال الكلمة من الفم بسهولة واستقامة . قال تعالى : وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا . « المزمل : 4 » وَرَتَّلْنـاهُ تَرْتِيلًا . « الفرقان : 32 » .
ملاحظات
قال الخليل « 8/113 » : « الرَّتَل : تنسيق الشئ ، وثغرٌ رَتِلٌ : حسن المتنضد ، ومُرتل : مُفَلَّج . ورتلت الكلام ترتيلاً : إذا أمهلتَ فيه وأحسنت تأليفه . وهو يترتل في كلامه ويترسل ، إذا فصل بعضه من بعض » .
وفي مجمع البحرين « 5/378 » : « ترتيل القرآن : حفظ الوقوف ، وبيان الحروف » فأصل معنى الترتيل : نظم تلاوة الكلام وتنسيقه .
رَجَّ - رجَّه - رجّاً - ارتجَّ - رجراج - رجرجة
الرَّجُّ : تحريك الشئ وإزعاجه ، يقال : رَجَّهُ فَارْتَجَّ ، قال تعالى : إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا « الواقعة : 4 » نحو : إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها « الزلزلة : 1 » والرَّجْرَجَةُ : الإضطراب ، وكتيبةٌ رَجْرَاجَةٌ ، وجاريةٌ رَجْرَاجَةٌ . وارْتَجَّ كلامه : اضطرب . والرِّجْرِجَةُ : ماء قليل في مقره يضطرب فيتكدر .
ملاحظات
الرَّجُّ : فعلٌ فيه عنفٌ وتكرارٌ كالهز ، فلا يصح تعريف الراغب له بتحريك الشئ وإزعاجه ، بدون ذكر الشدة والتكرار ! قال الخليل « 6/16 » : « والإرتجاج : مطاوعة الرج ، وهو أن تزلزل زلزالاً شديداً » .
رَجَزَ- راجز - رِجْز- رِجازة
أصل الرِّجْز : الإضطراب ، ومنه قيل : رَجَزَ البعيرُ رَجَزاً فهو أَرْجَزُ ، وناقة رَجْزَاءُ : إذا تقارب خطوها واضطرب لضعفٍ فيها . وشُبِّهَ الرَّجَز به لتقارب أجزائه . وتُصُوِّرَ رَجَزٌ في اللسان عند إنشاده ، ويقال لنحوه من الشعر أُرْجُوزَةٌ وأَرَاجِيزُ ، ورَجَزَ فلان وارْتَجَزَ ، إذا عمل ذلك أو أنشد . وهو رَاجِزٌ ، ورَجَّازٌ ، ورِجَّازَةٌ .
وقوله : عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ « سبأ : 5 » فَالرِّجْزُ هاهنا كالزلزلة . وقال تعالى : إنا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ « العنكبوت : 34 » . وقوله : وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ « المدثر : 5 » قيل : هو صنم وقيل هو كناية عن الذنب ، فسماه بالمآل كتسمية الندى شحماً . وقوله : وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ « الأنفال : 11 » والشيطان عبارة عن الشهوة على ما بُيِّنَ في بابه . وقيل : بل أراد برجز الشيطان : ما يدعو إليه من الكفر والبهتان والفساد .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 367 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والرِّجَازَةُ : كساء يجعل فيه أحجار فيعلق على أحد جانبي الهودج إذا مال ، وذلك لما يتصور فيه من حركته واضطرابه .
ملاحظات
1 . الرِّجْز بسكون الجيم : الرِّجس ونحوه . والرَّجَز : بفتحها نوع من الشِّعر . فهما أصلان ولا يمكن إرجاع أحدهما الى الآخر . قال الخليل « 6/66 » : « فأما الرَّجْز فمصدر رَجَزَ يَرْجُزُ ، ويرتجز الأراجيز . الواحدة أرجوزة ، وهو الرجازة والرجاز والراجز » .
2 . الرِّجز والرِّجس يشتركان في الإستعمال ، قال ابن فارس « 2/489 » : « والرَّجْزَ فاهْجُر : فذاك من باب الإبدال ، لأن أصله السين » .
وقال الجوهري « 3/878 » : « الرِّجز : القذر ، مثل الرِّجس » .
3 . عبَّر القرآن بالرجز عن العذاب الذي نزل على قوم فرعون : وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ .
والعذاب على بني إسرائيل : فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ .
والعذاب على قـوم لوط : إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَأنوا يَفْسُقُونَ .
وعذاب الآخـرة : وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ .
وبمعنى الأصنام والشرك : وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ . وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ .
وبمعنى وسوسات الشيطـان : وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ .
وبمعني الخمر وأخواته : إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَـابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ .
ولحم الخنزير وأخواته : مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ .
ورجس الأوثان : فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ .
ورجس الشـرك ورفض الإيمان : يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأنمَـا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء ِكَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ . . وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ .
ورجس العذاب على قوم هود : قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ .
كما ورد وصفاً للناكثين لعهدهم : سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ .
4 . فالرِّجْزُ والرجس مترادفان ، لكن يغلب استعمال الرجز فيما كان عذاباً إلهياً ، والرجس فيما كان من فعل الإنسان ، وهو ما يستقذر مادياً أو معنوياً .
رِجْس - أرجاس - راجس
الرِّجْسُ : الشئ القذر ، يقال : رجل رجس ورجال أَرْجَاسٌ . قال تعالى : رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ « المائدة : 90 » . والرِّجْسُ يكون على أربعة أوجه : إما من حيث الطبع ، وإما من جهة العقل ، وإما من جهة الشرع ، وإما من كل ذلك ، كالميتة فإن الميتة تعاف طبعاً وعقلاً وشرعاً . والرِّجْسُ من جهة الشرع : الخمر والميسر ، وقيل إن ذلك رجس من جهة العقل ، وعلى ذلك نبه بقوله تعالى : وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمـا « البقرة : 219 » لأن كل ما يوفي إثمه على نفعه فالعقل يقتضي تجنبه ، وجعل الكافرين رجساً من حيث إن الشرك بالعقل أقبح الأشياء .
قال تعالى : وأما الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْسـاً إِلَى رِجْسِهِمْ « التوبة : 125 » . وقـوله تعالى : وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ « يونس : 100 » قيل : الرِّجْسُ النَّتن ، وقيل العذاب ، وذلك كقوله : إنمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ « التوبة : 28 » وقال : أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإنهُ رِجْسٌ « الأنعام : 145 » وذلك من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 368 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حيث الشرع . وقيل : رِجْسٌ ورجز للصوت الشديد ، وبعير رَجَّاسٌ : شديد الهدير ، وغمامٌ رَاجِسٌ ورَجَّاسٌ : شديد الرعد .
ملاحظات
أجاد الجوهري بقوله « 3/878 » : « الرِّجْز : القذر ، مثل الرجس » . وبه نفهم أن الرجس المنفي في آية التطهير كل ما يستقذر في التكوين والسلوك . وتقدم أن الرجز يغلب استعماله في العذاب ، والرجس في فعل الإنسان . وقد نص اللغويون على أن الرجس يشمل كل ما يستقذر فيكون قوله تعالى : إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيـراً . تنزيهاً عن المعاصي وكل ما يستقبح ، وهي درجة فوق العصمة ! قال الخليل « 6/52 » : « كل شئ يستقذر فهو رجس كالخنزير ، وقد رجس الرجل رجاسة من القذر ، وإنه لرجس مرجوس . والرجس في القرآن العذاب كالرجز ، وكل قذر رجس . ورجس الشيطان وسوسته وهمزه » .
وقال ابن فارس « 2/490 » : « أصلٌ يدل على اختلاط . ومن الباب الرجسُ القذِر ، لأنه لَطْخٌ وخَلْطٌ » .
رَجَعَ- رجَّعَ - ترجيعاً - رجعة - رجوع - رجْعٌ - مرجوع - رجيع
الرُّجُوعُ : العود إلى ما كان منه البدء أو تقدير البدء ، مكاناً كان أو فعلاً أو قولاً ، وبذاته كان رجوعه أو بجزء من أجزائه أو بفعل من أفعاله . فَالرُّجُوعُ : العود ، والرَّجْعُ : الإعادة .
والرَّجْعَةُ : في الطلاق ، وفي العَوْدِ إلى الدنيا بعد الممات ، ويقال : فلان يؤمنُ بِالرَّجْعَةِ . والرِّجَاعُ : مختصٌّ برجوع الطير بعد قطاعها . فمن الرجوع قوله تعالى : لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ « المنافقون : 8 » فَلما رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ « يوسف : 63 » وَلمـا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ « الأعراف : 150 » وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا « النور : 28 » ويقال : رَجَعْتُ عن كذا رَجْعاً ، ورَجَعْتُ الجواب ، نحو قوله : فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ « التوبة : 83 » . وقوله : إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ « المائدة : 48 » وقوله : إن إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى « العلق : 8 » وقوله تعالى : ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ « الأنعام : 164 » يصح أن يكون من الرُّجُوعِ كقوله ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . ويصح أن يكون من الرجع كقوله : ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . وقد قرئ : وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ، بفتح التاء وضمها .
وقوله : لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ « الأعراف : 168 » أي يرجعون عن الذنب . وقوله : وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنـاها إنهُمْ لا يَرْجِعُـونَ « الأنبياء : 95 » أي حرمنا عليهم أن يتوبوا ويرجعوا عن الذنب ، تنبيهاً [على] أنه لا توبة بعد الموت كما قال : قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً « الحديد : 13 » .
وقوله : بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ « النمل : 35 » فمن الرجوع . أو من رجع الجواب ، كقـوله : يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ « سبأ : 31 » . وقوله : ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ « النمل : 28 » فمن رجع الجواب لا غير ، وكذا قوله : فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ « النمل : 35 » .
وقوله : وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ « الطارق : 11 » أي المطر ، وسمي رجعاً لرد الهواء ما تناوله من الماء . وسمي الغدير رَجْعاً إما لتسميته بالمطر الذي فيه ، وإما لِتَرَاجُعِ أمواجه وتردده في مكانه .
ويقال : ليس لكلامه مَرْجُوعٌ ، أي جواب . ودابة لها مرجوع : يمكن بيعها بعد الإستعمال . وناقة رَاجِعٌ : تردُ ماء الفحل ، فلا تقبله . وأَرْجَعَ يده إلى سيفه ليستلَّه . والإرْتِجَاعُ : الإسترداد . وارْتَجَعَ إبلاً إذا باع الذكور واشترى إناثاً ، فاعتبر فيه معنى الرجع تقديراً ، وإن لم يحصل فيه ذلك عيناً . واسْتَرْجَعَ فلان : إذا قال إنا لله وإنا إليه راجعون .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 369 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والترْجِيعُ : ترديد الصوت باللحن في القراءة وفي الغناء ، وتكرير قول مرتين فصاعداً ، ومنه : الترْجِيعُ في الأذان . والرَّجِيعُ : كناية عن ذي البطن للإنسان والدابة ، وهو من الرُّجُوعِ ، ويكون بمعنى الفاعل ، أو من الرَّجْعِ ويكون بمعنى المفعول . وجُبَّةٌ رَجِيعٌ : أعيدت بعد نقضها ، ومن الدابة : ما رَجَعْتَهُ من سفر إلى سفر ، والأنثى رَجِيعَةٌ . وقد يقال : دابة رَجِيعٌ ، ورجْعُ سفر : كناية عن النَّضْو . والرَّجِيعُ من الكلام : المردود إلى صاحبه أو المكرر .
ملاحظات
1 . الرجوع : أصل كبير كما قال ابن فارس ، لكن الراغب اكتفى بتعريفه بأنه العود الى ما بدأ به ، من مكان أو فعل أو قول ، بذاته أو شبه ذاته . ثم أورد عدداً من الآيات وفسر فيها الرجوع . وقال في آخر المادة إن الرجيع هو ذو البطن ، وقد أخذه من قول الجوهري « 3/1217 » : « والرجيع : الروث والبعر ، وذو البطن » وفي أكثر نسخ المفردات أذى البطن ، ولا يصح .
2 . قال الخليل « 1 /225 » : « رجعت رجوعاً ورجعته : يستوي فيه اللازم والمجاوز . والرجعة : المرة الواحدة . والترجيع : تقارب ضروب الحركات في الصوت . هو يُرَجِّعُ في قراءته ، وهي قراءة أصحاب الألحان . والقينة والمغنية تُرَجِّعَان في غنائهما . ورَجْع الجواب : رده . ورجع الرشق من الرمي : ما يرد عليه . والمرجوعة : جواب الرسالة . . والرجعة : مراجعة الرجل أهله بعد الطلاق . وقوم يؤمنون بالرجعة إلى الدنيا قبل يوم القيامة . والإسترجاع : أن تقول : إنا لله وإنا إليه راجعون . . والرَّجْع : المطر نفسه . والرَّجْع : نبات الربيع » .
وقال الجوهري « 3 /1216 » : « قوله تعالى : يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضِ الْقَوْلَ ، أي يتلاومون . والرجعى : الرجوع ، وكذلك المرجع . ومنه قوله تعالى : ثُمَّ إلى ربِّكُم مَرْجِعكم . وفلان يؤمن بالرجعة ، أي بالرجوع إلى الدنيا بعد الموت . والرجع : المطر . قال الله تعالى : وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ . والرجيع : الروث والبعر وذو البطن . . والمراجعة : المعاودة . يقال : راجعه الكلام ، وراجع امرأته . . واسترجعت منه الشئ ، إذا أخذت منه ما دفعته إليه . واسترجعت عند المصيبة إذا قلت : إِنَّا للَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، فأنا مسترجع . وكذلك الترجيع » .
وقال ابن فارس « 2 /490 » : « تقول رجع يرجع رجوعاً إذا عاد . والترجيع في الصوت ترديده . فأما الرجع في‍الغيث وهو المطر في قوله جل وعز : وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ، وذلك أنها تغيث وتصب ، ثم ترجع فتغيث » .
2 . استعمل القرآن رجع بمعنى عادَ ، قال تعالى : وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ . يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ . وبمعنى ترك ما هو عليه بقطع النظرعن العود الى ما بدأ منه ، قال تعالى : وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . . وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . . وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . .
وبمعنى الرجوع الى النفس : فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ .
وبمعنى إرجاع الروح عند خروجها : فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ . تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ .
وبمعنى تكرار البصر : فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ .
وبمعنى إرجاع القول : أَفَلا يَرَوْنَ أَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً .
وبمعنى الرجوع الى الله بالموت والقيامة : إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا . . كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ . . إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى .
وبمعنى رجوع الأمور الى الله تعالى : وَللَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 370 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الآمُورُ .
وبمعنى رجوع الزوجين وتراضيهما : فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا .
وبمعنى رجع السماء أي المطر : وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ . وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ .
وبمعنى الرجوع الى الدنيا بعد الموت : وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ . . الخ .
رَجَفَ - رجفاً - رجفةً - أرجف - إرجافاً - مرجفون - أراجيف
الرَّجْفُ : الإضطراب الشديد ، يقال : رَجَفَتِ الأرض ورَجَفَ البحر ، وبحر رَجَّافٌ . قال تعالى : يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ « النازعات : 6 » يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ « المزمل : 14 » فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ « الأعراف : 78 » . والإِرْجَافُ : إيقاع الرجفة ، إما بالفعل وإما بالقول ، قال تعالى : وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ ، ويقال : الْأَرَاجِيفُ : ملاقيح الفتن .
رَجَلَ- ارتجل - ارتجالاً - رجولة - رجولية - رجالة - رَجَّل - تَرَجَّل
الرجل : مختصٌّ بالذَّكَر من الناس ، ولذلك قال تعالى : وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا « الأنعام : 9 » . ويقال رَجْلَةٌ للمرأة : إذا كانت متشبِّهة بالرجل في بعض أحوالها ، قال الشاعر :
لم يُبَالُوا حُرْمَةَ الرَّجُلَهْ
ورجل بيِّن الرُّجُولَةِ والرُّجُولِيَّةِ ، وقوله : وَجـاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى « يس : 20 » وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ « غافر : 28 » فالأولى به الرجولية والجلادة . وقوله : أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ « غافر : 28 » وفلان أَرْجَلُ الرجليْنِ .
والرِّجْل : العضو المخصوص بأكثر الحيوان ، قال تعالى : وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ « المائدة : 6 » واشتقّ من الرجل : رَجِلٌ ورَاجِلٌ للماشي بالرجل ، ورَاجِلٌ بيِّنُ الرجلةِ ، فجمع الرَّاجِلُ رَجَّالَةٌ ورَجْلٌ ، نحو : رَكْب ، ورِجَالٌ نحو : رِكاب لجمع الراكب . ويقال : رَجُلٌ رَاجِلٌ ، أي قويٌّ على المشي ، جمعه : رِجَالٌ نحو قوله تعالى : فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً « البقرة : 239 » وكذا رَجِيٌل ورَجْلَةٌ . وحرّةٌ رَجْلَاءُ : ضابطة للأرجل بصعوبتها .
والْأَرْجَلُ : الأبيض الرجل من الفرس ، والعظيم الرجل . ورَجَلْتُ الشاةَ : علَّقتها بالرجل . واستعير الرجل للقطعة من الجراد ، ولزمان الإنسان ، يقال : كان ذلك على رِجْلِ فلان ، كقولك : على رأس فلان . ولمسيل الماء الواحدة رِجْلَةٌ ، وتسميته بذلك كتسميته بالمذانب . والرِّجْلَةُ : البقلة الحمقاء ، لكونها نابتة في موضع القدم .
وارْتَجَلَ الكلام : أورده قائماً من غير تدبر ، وارْتَجَلَ الفرس في عدوه . وتَرَجَّلَ الرجل : نزل عن دابته ، وتَرَجَّلَ في البئر تشبيهاً بذلك . وتَرَجَّلَ النهار : انحطت الشمس عن الحيطان كأنها تَرَجَّلَتْ . ورَجَّلَ شعره ، كأنه أنزله إلى حيث الرجل . والْمِرْجَلُ : القدر المنصوبة . وأَرْجَلْتُ الفصيل : أرسلته مع أمه ، كأنما جعلت له بذلك رِجْلاً .
ملاحظات
قال أمير المؤمنين عليه السلام لمن عصاه من المسلمين : « يا أشباه الرجال ولا رجال ، حلوم الأطفال ، وعقول ربات الحجال » « نهج البلاغة : 1/70 » . يقصد أنهم فاقدون لمعاني الرجولة من الغيرة والشهامة والشجاعة . وقالوا : عائشة رَجُلة . وقال المناوي في فيض القدير « 5/343 » : « لعن الله الرجلة من النساء : أي المترجلة وهو بفتح الراء وضم الجيم ، التي تتشبه بالرجال في زيهم أو مشيهم أو رفع صوتهم أو غير ذلك . أما في العلم والرأي فمحمود ، ويقال كانت عائشة رجلة الرأي » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 371 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رَجَمَ - رجْماً - رجاماً - رجوماً - رُجْمَة - مراجمة - تُرْجُمان
الرِّجَامُ : الحجارة ، والرَّجْمُ : الرمي بالرِّجَامِ . يقال : رُجِمَ فهو مَرْجُومٌ . قال تعالى : لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ « الشعراء : 116 » أي المقتولين أقبح قتلة . وقال : وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ « هود : 91 » إنهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ « الكهف : 20 » . ويستعار الرجم للرمي بالظن والتوهم ، وللشتم والطرد ، نحو قوله تعالى : رَجْمًا بِالْغَيْبِ « الكهف : 22 » قال الشاعر :
وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
وقوله تعالى : لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا « مريم : 46 » أي لأقولن فيك ما تكره . والشيطان الرَّجِيمُ : المطرود عن الخيرات ، وعن منازل الملإ الأعلى . قال تعالى : فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ « النحل : 98 » وقال تعالى : فَاخْرُجْ مِنْها فَإنكَ رَجِيمٌ « الحجر : 34 » وقال في الشُّهُب : رُجُوماً لِلشَّياطِينِ « الملك : 5 » . والرَّجْمَةُ والرُّجْمَةُ : أحجار القبر ، ثم يعبر بها عن القبر ، وجمعها رِجَامٌ ورُجَمٌ . وقد رَجَمْتُ القبر : وضعت عليه رِجَاماً . وفي الحديث : لا تَرْجُمُوا قبري . والمُرَاجَمَةُ : المسابة الشديدة استعارة كالمقاذفة . والتَّرْجُمَانُ : تَفْعُلان ، من ذلك .
ملاحظات
لا يصح قول الراغب إن الترجمان من ذلك أي من رجم ، بل هو من ترجم بمعنى فسر . قال الجوهري « 5/1929 » : « ويقال : قد تَرْجَمَ كلامه إذا فسره بلسان آخر ، ومنه التَّرْجُمَان والجمع التَّراجم ، مثل زَعفران وزعافر ، وصحصحان وصحاصح . ولك أن تضم التاء لضمة الجيم فتقول تُرجمان ، مثل يَسروع ويُسروع » .
وقال ابن منظور « 12/66 » : « تَرْجُمان هو من المُثُل التي لم يذكرها سيبويه ، قال ابن جني : أَما تَرْجُمان فقد حكيت فيه تُرْجُمان بضم أَوله ، ومثاله فُعْلُلان كعُتْرُفان ودُحْمُسان » .
رَجَا- رجاءً - أرجاء - مُرْجَوْنَ - أُرْجُوَان
رَجَا البئرِ والسماء وغيرهما : جانباها ، والجمع أَرْجَاءٌ ، قال تعالى : وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها « الحـاقة : 17 » . والرَّجَاءُ : ظنٌّ يقتضي حصول ما فيه مسرَّة . وقوله تعالى : ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً « نوح : 13 » قيل : ما لكم لا تخافون ، وأنشد :
إذا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لم يَرْجُ لَسْعَهَا
وحَالَفَهَا في بيتِ نَوْبٍ عَوَامِلُ
ووجه ذلك إن الرَّجَاءَ والخوف يتلازمان ، قال تعالى : وَتَرْجُونَ مِنَ الله ما لا يَرْجُونَ « النساء : 104 » وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ الله « التوبة : 106 » . وأَرْجَتِ الناقة : دنا نتاجها ، وحقيقته جعلت لصاحبها رجاء في نفسها بقرب نتاجها . والْأُرْجُوَان : لون أحمر يفرِّح تفريح الرَّجاء .
ملاحظات
قال في التبيان « 7/482 » : « وإذا استعملوا الرجاء مع النفي أرادوا به الخوف ، كقوله : تَرْجُونَ لِلَّـهِ وَقَارًا ، وهي لغة تهامة وهذيل » . « عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : لاترجون لله وقاراً َ . قال : لاتخافون لله عظمة » . « تفسير القمي : 2 /387 » .
وفي مصنف عبد الرزاق « 1/286 » : « عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وآله رأى قوماً يغتسلون في النهر عراةً ليس عليهم أزر ، فوقف فنادى بأعلى صوته فقال : ما لكم لاترجون لله وقاراً » .
وفي تلخيص البيان/347 : « هذه استعارة ، لأن الوقار هاهنا وضع الحلم مجازاً . يقال : رجل وقور بمعنى حليم . وقوله تعالى : لاتَرْجُونَ ، هاهنا أي لا تخافون فكأنه سبحانه قال : ما لكم لا تخافون لله حلماً ، وإنما أخر عقوبتكم إمهالاً لكم ، وإيجاباً للحجة عليكم . وإلَّا فعقابه من ورائكم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 372 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وانتقامه قريب منكم . وقد جاء في شعر العرب لفظ الرجاء ، والمراد به الخوف » .
رَحَبَ -رَحباً - رحيب - مرحباً
الرَّحْبُ : سعة المكان ، ومنه رَحْبَةُ المسجد . ورَحُبَتِ الدَّار : اتَّسَعت . واستعير للواسع الجوف فقيل : رَحْبُ البطن ، ولواسع الصدر ، كما استعير الضيق لضده قال تعالى : ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ « التوبة : 118 » وفلان رَحِيبُ الفناء : لمن كثرت غاشيته . وقولهم : مَرْحَباً وأهلاً ، أي وجدت مكاناً رَحْباً ، قال تعالى : لا مَرْحَباً بِهِمْ إنهُمْ صالُوا النَّارِ قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ . « صاد : 59 » .
رَحَقَ - رحيق
قال الله تعالى : يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ « المطففين : 25 » أي خمر .
ملاحظات
قال بعض اللغويين إن الرحيق من أسماء الخمر ، وقال بعضهم هو أحسنها . وقال ابن منظور « 10/114 » : « الرَّحِيقُ والرُّحاقُ : الصافي ، ولا فعل له » .
ويؤيده وصف الآيات شراب أهل الجنة بالصفو ، والرحيق بالمختوم ، حتى لايضاف اليه غيره . وليكون فيه خصوصية واحترام .
رَحَلَ - رِحال - رِحلة - أرحل البعير - راحلة - مرحَّل - رحالة
الرَّحْلُ : ما يوضع على البعير للركوب ، ثم يعبر به تارة عن البعير ، وتارة عما يجلس عليه في المنزل ، وجمعه رِحَالٌ . وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ . « يوسف : 62 » . والرِّحْلَةُ : الِارْتِحَالُ ، قال تعالى : رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ « قريش : 2 » .
وأَرْحَلْتُ البعير : وضعت عليه الرحل . وأَرْحَلَ البعيرُ : سمن ، كأنه صار على ظهره رحل لسمنه وسنامه . ورَحَلْتُهُ : أظعنته ، أي أزلته عن مكانه . والرَّاحِلَةُ : البعير الذي يصلح للإرتحال . ورَاحَلَهُ : عاونه على رِحْلَتِهِ . والمُرَحَّلُ : بُرْدٌ عليه صورة الرِّحال .
رَحِمَ - رحمةً - رحمان - رحيم - مرحمة
الرَّحِمُ : رَحِمُ المرأة . وامرأة رَحُومٌ : تشتكي رحمها . ومنه استعير الرَّحِمُ للقرابة ، لكونهم خارجين من رحمٍ واحدة ، يقال : رَحِمٌ ورُحْمٌ . قال تعالى : وَأَقْرَبَ رُحْماً « الكهف : 81 » . والرَّحْمَةُ : رقةٌ تقتضي الإحسان إلى الْمَرْحُومِ ، وقد تستعمل تارة في الرقة المجردة ، وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة نحو : رَحِمَ الله فلاناً . وإذا وصف به الباري فليس يراد به إلا الإحسان المجرد دون الرقة ، وعلى هذا روي إن الرَّحْمَةَ من الله إنعام وإفضال ، ومن الآدميين رقةٌ وتعطف . وعلى هذا قول النبي صلى الله عليه وآله ذاكراً عن ربه أنه لما خلق الرَّحِمَ قال له : أنا الرحمن ، وأنت الرحم ، شققت إسمك من إسمي ، فمن وصلك وصلته ، ومن قطعك بَتَتُّهْ . فذلك إشارة إلى ما تقدم وهوأن الرَّحْمَةَ منطوية على معنيين : الرقة والإحسان ، فركَّز تعالى في طبائع الناس الرِّقَّة ، وتفرد بالإحسان . كما أن لفظ الرَّحِمِ من الرحمة ، فمعناه الموجود في الناس من المعنى الموجود لله تعالى ، فتناسب معناهما تناسب لفظيهما .
والرَّحْمَنُ والرَّحِيمُ : نحو نَدْمَان ونديم ، ولا يطلق الرَّحْمَنُ إلا على الله تعالى من حيث إن معناه لا يصح إلا له ، إذ هو الذي وسع كل شئ رَحْمَةً . والرَّحِيمُ : يستعمل في غيره ، وهو الذي كثرت رحمته ، قال تعالى : إن الله غَفُورٌ رَحِيمٌ « البقرة : 182 » وقال في صفة النبي صلى الله عليه وآله : لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ . « التوبة : 128 » . وقيل إن الله تعالى هو
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 373 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رحمن الدنيا ورحيم الآخرة ، وذلك أن إحسانه في الدنيا يعم المؤمنين والكافرين ، وفي الآخرة يختص بالمؤمنين . وعلى هذا قال : وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كل شَئ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ « الأعراف : 156 » تنبيهاً [على] أنها في الدنيا عامة للمؤمنين والكافرين ، وفي الآخرة مختصة بالمؤمنين .
ملاحظات
1 . رحمةُ الله للإنسان هي الغرض من خلقه ، قال الله تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالآنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ . ولام ليعبدون ليست لامُ الغرض ، لأن الغرض الرحمة والخلود في النعيم . فالآية كمن يقول علمتك السير في الطريق ، والهدف بينته لام الغرض في قوله تعالى : وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ .
قال أبو بصير « علل الشرائع : 1/13 » : « سألت أباعبد الله « الصادق عليه السلام » عن قول الله عز وجل : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالآنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ؟ قال : خلقهم ليأمرهم بالعبادة . قال : وسألته عن قوله الله عز وجل : وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ؟ قال : ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم » . فالهدف من خلق الإنسان : الرحمة ، أي العطاء بشفقة ، وأن يطيع ربه فيبلغ تكامله ، وهو خلوده في الجنة . وقد روى العياشي في الآيتين « 2/164 » : « نزلت هذه بعد تلك » .
2 . وصف القرآن الله تعالى بأنه : أرحم الراحمين : في مثل قوله تعالى : وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . وخير الراحمين : وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ .
ونظام الرحمة في القرآن نظامٌ واسع متكامل ، ففي المحاسن « 1/238 » عن الإمام الصادق عليه السلام قال « الرحمن : بجميع خلقه ، والرحيم : بالمؤمنين خاصة » .
3 . قال الخليل « 3/224 » : « الرحمن الرحيم : إسمان مشتقان من الرحمة ، ورحمة الله وسعت كل شئ ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ويقال : ما أقرب رحم فلان ، إذا كان ذا مرحمة وبر ، وقوله جل وعز : وَأَقْرَبَ رُحْمًا . والمرحمة : الرحمة ، قال الله جل وعز : وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ، أي أوصى بعضهم بعضاً برحمة الضعيف والتعطف عليه .
والرحم : بيت منبت الولد ووعاؤه في البطن . وبينهما رحمٌ : أي قرابةٌ قريبة . وأما الرحم الذي جاء في الحديث : الرحم معلقة بالعرش تقول اللهم صِلْ من وصلني واقْطَعْ من قطعني ، فالرحم القرابة تجمع بني أب » .
وقال الجوهري « 5/1929 » ، ونحوه ابن فارس « 2/498 » : « الرحمة : الرقة والتعطف . الرحمن إسم مختص لله تعالى لا يجوز أن يسمى به غيره . وكان مسيلمة الكذاب يقال له : رحمن اليمامة . وأم رُحْم أيضاً إسم من أسماء مكة » .
وقال ابن منظور « 12/230 » : « الرَّحْمَةُ : المغفرة . وقوله تعالى في وصف القرآن : هُدىً ورَحْمةً لقوم يؤمنون ، أَي فَصَّلْناه هادياً وذا رَحْمَةٍ . وقوله تعالى : ورَحْمةٌ للذين آمنوا منكم ، أَي هو رَحْمةٌ لأَنه كان سبب إِيمانهم . وقال الله عز وجل : وتَواصَوْا بالصَّبْر وتواصَوْا بالمَرحَمَةِ ، أَي أَوصى بعضُهم بعضاً بِرَحْمَة الضعيف والتَّعَطُّف عليه . وتَرَحَّمْتُ عليه أَي قلت رَحْمَةُ الله عليه . وقوله تعالى : إِن رَحْمَتَ الله قريب من المحسنين . . لأَنه تأْنيث غير حقيقي . وَمَا أَرْسَلْناك إِلَّا رَحْمةً : أَي عَطْفاً وصُنعاً . وإِذا أَذَقْنا الناسَ رَحْمةً من بعد ضَرَّاءَ : أَي حَياً وخِصْباً بعد مَجاعَةٍ .
وقوله تعالى : والله يَخْتَصُّ برَحْمته من يشاء ، معناه يَخْتَصُّ بنُبُوَّتِه من يشاء ممن أَخْبَرَ عز وجل أَنه مُصْطفىً مختارٌ .
قال الفارسي : إِنما قيل بسم الله الرَّحْمن الرحيم ، فجئ بالرحيم بعد استغراق الرَّحْمنِ معنى الرحْمَة لتخصيص
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 374 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المؤمنين به في قوله تعالى : وكان بالمؤمنين رَحِيماً ، كما قال : إقْرَأْ باسم ربك الذي خَلَقَ ، ثم قال : خَلَقَ الإِنسان من عَلَقٍ ، فخصَّ بعد أَن عَمَّ لما في الإِنسان من وجوه الصِّناعة ووجوه الحكمةِ ، ونحوُه كثير .
قال الزجاج : الرَّحْمنُ إسمٌ من أَسماء الله عز وجل ، مذكور في الكتب الأُوَل ، ولم يكونوا يعرفونه من أَسماء الله . قال الأَزهري : ولا يجوز أَن يقال رَحْمان إِلَّا لله عز وجل . عن أبي العباس في قوله الرَّحْمن الرَّحيم : جمع بينهما لأَن الرَّحْمن عِبْرانيّ ، والرَّحيم عَرَبيّ . وسَمَّى الله الغَيْث رَحْمةً لأَنه برحمته ينزل من السماء . وقوله تعالى حكاية عن ذي القَرْنَيْنِ : هذا رَحْمَةٌ من ربي ، أَراد هذا التمكين الذي قال ما مَكَّنِّي فيه ربي خير . وقوله عز وجل : واتقوا الله الذي تَساءَلون به والأَرْحام ، من نَصب أَراد واتقوا الأَرحامَ أَن تقطعوها ، ومَنْ خَفَض أَراد تَساءَلون به وبالأَرْحام » .
4 . وصف الله نبينا صلى الله عليه وآله والذين معه عليهم السلام بأنهم رحماء بينهم ، فقال : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الآنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا .
وهم أهل بيته عليهم السلام فهم دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في قولهما : رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ . وفسرهم البعض بأصحابه ولا يصح ذلك ، لأنه قال الذين معه ولم يقل الذين آمنوا معه ، ولأنهم شطـؤه والشطأ أولاد الشجرة فهم منه صلى الله عليه وآله ، ولأنهم رحماء بينهم ، والصحابة أشداء بينهم فقد اختلفوا وتعادوا وقتلوا بعضهم !
5 . مدح الله المتواصلين بالرحمة فقال : ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ . وجعل صلة الرحم فريضة وأكد عليها فقال تعالى : وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ، وقال : وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، وشدد على معصية قطع الأرحام ، خاصة من الحكام فقال : فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ .
رَخَا - رخاءً - أرخى - إرخاء - رخواً
الرُّخَاءُ : اللَّيِّنَة . من قولهم : شئ رَخْوٌ ، وقد رَخِيَ يَرْخَى ، قال تعالى : فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ « صاد : 36 » . ومنه : أَرْخَيْتُ الستر ، وعن إِرْخَاءِ الستر استعير : إِرْخَاءُ سِرْحَان . وقول أبي ذؤيب : وهي رَخْوٌ تمزَّعُ . أي رخو السيركريح الرخاء . وقيل : فرس مِرْخَاءٌ ، أي واسع الجري بعيد الخطو من خيل مِرَاخٍ . وقد أَرْخَيْتُهُ : خليته رخواً .
رَدَّ - رداً - ارتد - ارتداداً - رِدةً - ترادا - تردد - استرد
الرَّدُّ : صرف الشئ بذاته أو بحالة من أحواله ، يقال : رَدَدْتُهُ فَارْتَدَّ ، قال تعالى : وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ « الأنعام : 147 » . فمن الرد بالذات قوله تعالى : وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ « الأنعام : 28 » ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ « الإسراء : 6 » وقال : رُدُّوها عَلَيَّ « صاد : 33 » وقال : فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ « القصص : 13 » يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ « الأنعام : 27 » .
ومن الرد إلى حالة كان عليها قوله : يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ « آل عمران : 149 » وقولــه : وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ « يونس : 107 » أي لا دافع ولا مانع له ، وعلى ذلك : عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ « هود : 76 » .
ومن هذا : الرَّدُّ إلى الله تعالى ، نحو قوله : وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 375 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رَبِي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَبـاً « الكهـف : 36 » ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّـهادَةِ « الجمعة : 8 » ثُمَّ رُدُّوا إِلَى الله مَوْلاهُمُ الْحق « الأنعام : 62 » فالرد كالرجع في قوله : ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ « البقرة : 28 » . ومنهم من قال : في الرَّدِّ قولان ، أحدهما : ردهم إلى ما أشار إليه بقوله : مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ « طه : 55 » . والثاني : ردهم إلى الحياة المشار إليها بقوله : وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى « طه : 55 » فذلك نظر إلى حالتين كلتاهما داخلة في عموم اللفظ . وقوله تعالى : فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ « إبراهيم : 9 » قيل : عَضُّوا الأنامل غيظاً ، وقيل : أومأوا إلى السكوت وأشاروا باليد إلى الفم . وقيل : ردوا أيديهم في أفواه الأنبياء فأسكتوهم واستعمال الرد في ذلك تنبيهاً [علي] أنهم فعلوا ذلك مرة بعد أخرى .
وقوله تعالى : لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً « البقرة : 109 » أي يرجعونكم إلى حال الكفر بعد أن فارقتموه ، وعلى ذلك قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِين . « آل عمران : 100 » .
والإرْتِدَادُ والرِّدَّةُ : الرجوع في الطريق الذي جاء منه ، لكن الردة تختص بالكفر ، والإرتداد يستعمل فيه وفي غيره ، قال تعالى : إن الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ « محمد : 25 » وقال : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ « المائدة : 54 » وهو الرجوع من الإسلام إلى الكفر ، وكذلك : وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ « البقرة : 217 » . وقال عز وجل : فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً « الكهف : 64 » إن الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى « محمد : 25 » وقال تعالى : وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا « الأنعـام : 71 » وقوله تعالى : وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ « المائدة : 21 » أي إذا تحققتم أمراً وعرفتم خيراً فلا ترجعوا عنه .
وقوله عز وجل : فَلما أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً « يوسف : 96 » أي عاد إليه البصر ، ويقال : رَدَدْتُ الحكم في كذا إلى فلان : فوَّضته إليه ، قال تعالى : وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ « النساء : 83 » وقـال : فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَئ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ « النساء : 59 » . ويقال : رَادَّهُ في كلامه . وقيل في الخبر : البَيـِّعان يَتَرَادَّانِ ، أي يرد كل واحد منهما ما أخذ . ورَدَّةُ الإبل : أن تَتَرَدَّدَ لى الماء . وقد أَرَدَّتِ الناقة . واسْتَرَدَّ المتاع : استرجعه .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن الرد بمعناه اللغوي العادي ، قال تعالى : فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا . وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ . ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ . وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا .
وبمعنى الإرتداد عن الإيمان الى الكفر ، قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ . قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ .
وبمعنى الإرتداد عن الإسلام ، قال تعالى : وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا . يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ . . وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَكَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ .
وبمعنى الرجوع الى الله تعالى : ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ . . وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ .
وبمعنى رجوع البصر : لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ . أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ .
وبمعنى رد الأمر الى وليه : إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ . . فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ .
وبمعنى رد اليمين : أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 376 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وبمعنى الرجوع من الموت : أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ . يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا .
وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ .
واستعمل المَرَدّ بمعنى الرد : وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءً فَلا مَرَدَّ لَهُ . .
وبمعنى ما يُرجع اليه : خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا . يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ .
واستعمل الرد بمعنى تناقص الإنسان : لَقَدْ خَلَقْنَا الآنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ . ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ .
واستعمل رده في الحافرة : قال الخليل « 3/212 » : « الحافرة : العودة في الشئ حتى يرد آخره على أوله ، وقوله تعالى : أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَة ، أي في الخلق الأول بعدما نموت كما كنا » .
2 . قال الخليل « 8/8 » : « الرد مصدر رددت الشئ . والردة : مصدر الإرتداد عن الدين » .
وقال الجوهري « 2/473 » : « رده عن وجهه يرده رداً ومرداً : صرفه . وقال الله تعالى : فَلَا مَرَدَّ لَه . . والإرتداد : الرجوع ، ومنه المرتد . واسترده الشئ : سأله أن يرده عليه . وراده الشئ : أي رده عليه . وهما يترادان البيع ، من الرد والفسخ » .
وقال ابن فارس « 2/386 » : « وهو رجع الشئ ، تقول : رددت الشئ أرده رداً . وسمي المرتد لأنه رد نفسه إلى كفره . والرد عماد الشئ الذي يرده ، أي يرجعه عن السقوط والضعف » .
وقال ابن منظور « 3/172 » ملخصاً « الرد : صرف الشئ ورَجْعُه . وأَمر الله لا مردَّ له ، وفي التنزيل العزيز : فَلَا مَرَدَّ لَهُ ، قال ثعلب : يعني يوم القيامة لأَنه شئٌ لا يُرَدُّ . يقال : أَمْرٌ رَدٌّ إذا كان مخالفاً لما عليه السنة ، وهو مصدر وصف به .
وفي التنزيل : مَنْ يَرْتَدِدْ منكم عن دينه ، والإسم الرِّدّة ، ومنه الردَّة عن الإِسلام ، أَي الرجوع عنه . وردَّ عليه الشئ إِذا لم يقبله ، وكذلك إِذا خَطَّأَه . والرِّدَّةُ : الإسم من الإرتداد » .
رَدِفَ - ردفاً - ترادف - ترادفاً - أردف - مردف - رادف - أرداف
الرِّدْفُ : التابع . ورِدْفُ المرأة : عجيزتها . والترَادُفُ : التتابع . والرَّادِفُ : المتأخر . والمُرْدِفُ : المتقدم الذي أَرْدَفَ غيره . قال تعالى : فَاسْتَجابَ لَكُمْ إني مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ « الأنفال : 9 » قال أبو عبيدة : مردفين جائين بعد . فجعل رَدِفَ وأَرْدَفَ بمعنى واحد ، وأنشد : إذَا الجوزاءُ أَرْدَفَتِ الثُّرَيَّا . وقال غيره : معناه مردفينَ ملائكةً أخرى ، فعلى هذا يكونون ممدين بألفين من الملائكة ، وقيل عنى بِالمُرْدِفِينَ المتقدمين للعسكر يلقون في قلوب العدى الرّعب . وقرئ مُرْدِفِينَ ، أي أُرْدِفَ كل إنسان ملكاً . ومُرَدَّفِينَ : يعني مُرْتَدِفِينَ ، فأدغم التاء في الدال وطرح حركة التاء على الدال .
وقد قال في سورة آل عمران : أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ .
وأَرْدَفْتُهُ : حملته على رِدْفِ الفرس . والرِّدَافُ : مركب الرّدف ، ودابة لاتُرَادَفُ ولا تُرْدَفُ ، وجاء واحد فأردفه آخر . وأَرْدَافُ الملوكِ : الذين يخلفونهم .
رَدَمَ - ردماً - مردوم
الرَّدْمُ : سدُّ الثَّلمة بالحجر ، قال تعالى : أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً « الكهف : 95 » . والرَّدْمُ : المَرْدُوم ُ ، وقيل : المُرْدَمُ ، قال الشاعر :
هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدِّمِ
وأَرْدَمْتُ عليه الحمَّى ، وسحاب مُرَدَّمٌ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 377 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رَدَأَ - رِداً - أردأه - ردئ - ردى - تردى
الرِّدْءُ : الذي يتبع غيره معيناً له . قال تعالى : فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي « القصص : 34 » . وقد أَرْدَأَهُ .
والرَّدِئ : في الأصل مثله ، لكن تعورف في المتأخر المذموم . يقال : رَدُأَ الشئ رَدَاءَةً ، فهو رَدِئ . والرَّدَى : الهلاك ، والترَدِّي : التعرض للهلاك ، قـال تعالى : وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى « الليل : 11 » وقال : وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى « طـه : 16 » وقـال : تَالله إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ « الصافات : 56 » والمُرْدَاة : حجر تكسر بها الحجارة ، فَتُرْدِيهَا .
رَذَلَ - رذال - أرذال - أرذلون
الرَّذْلُ والرُّذَالُ : المرغوب عنه لرداءته ، قال تعالى : وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ « النحل : 70 » وقال : إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ « هود : 27 » وقال تعالى : قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ « الشعراء : 111 » جمع الْأَرْذَلِ .
رَزَقَ - رزقاً - رزاق - رازق - مرزوق - ارتزق - رزقة
الرِّزْقُ : يقال للعطاء الجاري تارةً ، دنيوياً كان أم أخروياً ، وللنصيب تارةً . ولما يصل إلى الجوف ويُتَغَذَّى به تارةً ، يقال : أعطى السلطان رِزْقَ الجند ، ورُزِقْتُ علماً ، قال : وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ « المنافقون : 10 » أي من المال والجاه والعلم ، وكذلك قوله : وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ « البقرة : 3 » كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ « البقرة : 172 » .
وقوله : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنكُمْ تُكَذِّبُونَ « الواقعة : 82 » أي وتجعلون نصيبكم من النعمة تحرِّي الكذب . وقوله : وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ « الذاريات : 22 » قيل عني به المطر الذي به حياة الحيوان ، وقيل : هو كقوله : وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً « المؤمنون : 18 » وقيل تنبيه [على] أن الحظوظ بالمقادير .
وقوله تعالى : فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ « الكهف : 19 » أي بطعام يتغذى به . وقوله تعالى : وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَهـا طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبادِ « ق : 10 » قيل عنى به الأغذية ، ويمكن أن يحمل على العموم فيما يؤكل ويلبس ويستعمل ، وكل ذلك مما يخرج من الأرضين ، وقد قيَّضه الله بما ينزله من السماء من الماء .
وقال في العطاء الأخروي : وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ « آل عمران : 169 » أي يفيض الله عليهم النعم الأخروية ، وكذلك قوله : وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا « مريم : 62 » .
وقوله : إن الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ « الذاريات : 58 » فهذا محمول على العموم .
والرَّازِقُ : يقال لخالق الرزق ومعطيه والمسبب له ، وهو الله تعالى . ويقال ذلك للإنسان الذي يصير سبباً في وصول الرزق . والرَّزَّاقُ : لا يقال إلا لله تعالى ، وقوله : وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ « الحجر : 20 » أي بسبب في رزقه ، ولامدخل لكم فيه . وقوله : وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله ما لايَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلايَسْتَطِيعُونَ « النحل : 73 » أي ليسوا بسبب في رزق بوجه من الوجوه ، وسبب من الأسباب . ويقال : ارْتَزَقَ الجند : أخذوا أرزاقهم . والرَّزْقَةُ : ما يعطونه دُفْعة واحدة .
ملاحظات
1 . لم يعرف الخليل الرزق لصعوبة تعريفه ، قال « 5/89 » : « رَزَقَ اللهُ يَرزق العباد رزقاً : اعتمدوا عليه ، وهو الإسم أُخرج على المصدر وقيل رزق » . وقال ابن منظور وقال إنه معروف « 10/115 » . وعَرَّفَه ابن فارس « 2/388 » بأنه « يدل على عطاء لوقت ، ثم يحمل عليه غير الموقوت » . وعَرَّفَه الراغب بثلاثة تعاريف : العطاء الجاري ، والحصة ، والطعام والشـراب . ومن المؤكد أن الرزق فيه عنصر الوقت والحاجة المتجددة ، ويدل قوله تعالى : اللَّهُ الَّذِي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 378 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ . على أن الرزق يشمل كل مقومات حياة الإنسان في دار الدنيا . كما يدل قوله تعالى : لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ . على أن الرزق ليس نفس الطعام ، بل إيتاء الطعام .
قال الجوهري « 4/1423 » : « والكفاف أيضاً من الرزق : القوت ، وهو ما كف عن الناس أي أغنى . وفى الحديث : اللهم اجعل رزق آل محمد كفافاً » .
وقال ابن منظور « 10/115 » : « الرازقُ والرّزَّاقُ : في صفة الله تعالى لأَنه يَرزُق الخلق أَجمعين ، وهو الذي خلق الأَرْزاق وأَعطى الخلائق أَرزاقها وأَوصَلها إليهم ، وفَعَّال من أَبنية المُبالغة . والرِّزْقُ : معروف . والأَرزاقُ نوعانِ : ظاهرة للأَبدان كالأَقْوات ، وباطنة للقلوب والنُّفوس كالمَعارِف والعلوم ؛ قال الله تعالى : وما من دابة في الأَرض إِلا على الله رزقها . يقول : وأَرزاقُ بني آدم مكتوبة مُقدَّرة لهم وهي واصلة إِليهم . قال الله تعالى : ما أُرِيد منهم من رِزق وما أُ ريد أَن يُطعمون ، يقول : بل أَنا رازقهم ما خلقتهم إِلا ليَعبدون . وقال تعالى : إِن الله هو الرزَّاق ذو القُوَّةِ المَتِينُ . . وقوله تعالى : ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رِزقاً من السماوات والأَرض شيئاً . قيل : رزقاً ههنا مصدر فقوله شيئاً على هذا منصوب برزقاً ، وقيل : بل هو إسم فشيئاً على هذا بدل من قوله رزقاً . .
وقوله تعالى : وجد عندها رِزقاً . قيل : هو عنب في غير حينه . وقوله تعالى : وأَعْتدْنا لها رِزقاً كريماً ، قال الزجاج : روي أَنه رِزق الجنة . وقوله تعالى : والنخلَ باسِقاتٍ لها طَلْعٌ نضِيد رزقاً للعباد . انتصاب رِزقاً على وجهين : أَحدهما على معنى رَزقْناهم رزقاً لأَن إِنْباتَه هذه الأَشياء رِزق ، ويجوز أَن يكون مفعولًا له .
وقد يسمى المطر رزقاً وذلك قوله تعالى : وما أَنزل الله من السماء من رِزق فأَحيا به الأَرض بعد موتها . وقال تعالى : وفي السماء رِزْقُكم وما تُوعدون . قال مجاهد : هو المطر وهذا اتساع في اللغة ، كما يقال التمر في قَعْر القَلِيب يعني به سَقْيَ النخل . . وقوله تعالى : وتجعلون رِزْقَكم أَنكم تكذِّبون ، أَي شُكْرَ رزقكم مثل قولهم : مُطِرنا بنَوْءِ الثُّريا ، وهو كقوله : واسأَل القرية ، يعني أهلها » .
2 . ذكر الله الرزق بمعنى الطعام والشراب وما يقيم البدن والحياة ، كقوله تعالى : وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ . اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ .
وذكر الطيبات من الرزق ، في مثل قوله : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ . كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ . وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ .
وذكر الرزق في الآخرة في آيات كقوله : بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا . لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلا سَلامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا . فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ .
2 . واستعمل الرزق بمعنى العقيدة ، قال : أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ . وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ .
ووصف الرزق بأنه ينزل من السماء ، فقال : هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً .
وسمى المطر رزقاً فقال : وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا . قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ . ومعناه أن رزقكم يتم بسبب من السماء أو الأرض .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 379 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رَسَّ - أصحاب الرس - رسَّه
أَصْحابَ الرَّس : قيل هو واد ، قال الشاعر :
وَهُنَّ لِوَادِي الرَّسِّ كَالْيَدِ لِلْفَمِ
وأصل الرَّسِّ : الأثر القليل الموجود في الشئ ، يقال : سمعت رَسّاً من خبر . ورَسُّ الحديث في نفسي ، ووجد رَسّاً من حُمَّى . ورُسَّ الميتُ : دُفن وجعل أثراً بعد عين .
ملاحظات
قال الله تعالى : وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا . وقــال : كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ . والظاهر أن أصحاب الرس في الآية ترجمةٌ لكلمة أصحاب نهر أرَسْ وهو في آذربيجان الإيرانية ، وهو نهر يمتد الى روسيا ، وطوله أكثر من ألف كيلو متر ، ولأهله حضارة وردت فيها روايات عن أهل البيت عليهم السلام . فالرَّسُّ مُعَرَّبَة ، وليست من رسَّ في العربية .
رَسَخَ - رسوخاً- راسخون
رُسُوخُ الشئ : ثباته ثباتاً متمكناً ، ورَسَخَ الغدير : نضب ماؤه ، ورَسَخَ تحت الأرض .
والرَّاسِخُ في العلم : المتحقق به الذي لا يعرضه شبهة . فَالرَّاسِخُونَ في العلم هم الموصوفون بقوله تعالى : الَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا « الحجرات : 15 » وكذا قوله تعالى : لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ « النساء : 162 » .
ملاحظات
فسر الراغب الراسخ بالعلم بالمتحقق الذي لا تؤثر عليه الشبهة ، لأنه صاحب رؤية يقينية . وهذا لاينطبق على العلماء الذين يقصد لأنه لايوجد عندهم يقين قوي بعلمهم ! فلا بد أن يكونوا الذين قال الله عنهـم : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا . وقال عنهم : قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَاب . وقال : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ . وقال عنهـم النبي صلى الله عليه وآله : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي .
ولذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام : « أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا ، أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم » . « نهج البلاغة : 2/27 » .
رَسَلَ - أرسل - رسولاً - رسُل - رسالة - مرسلون - إرسال
أصل الرِّسْلِ : الإنبعاث على التؤدة ويقال : ناقة رِسْلَةٌ : سهلة السير ، وإبلٌ مَرَاسِيلُ : منبعثة انبعاثاً سهلاً . ومنه الرَّسُولُ المنبعث ، وتُصُوِّرَ منه تارةً الرفق ، فقيل على رِسْلِكَ إذا أمرته بالرفق ، وتارةً الإنبعاث فاشتق منه الرسول . والرَّسُولُ : يقال تارة للقول المتحمَّل كقول الشاعر :
ألا أبلغ أباحفص رسولاً
وتارة لمتحمل القول والرِّسَالَةِ .
والرَّسُولُ : يقال للواحد والجمع ، قال تعالى : لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ « التوبة : 128 » وللجمع : فقــولا إنا رَسُولُ رَبِّ الْعـالَمِينَ « الشعراء : 16 » وقال الشاعر :
أَلِكْنِي إليها وخَيْرُ الرَّسُول
أعلمُهُمْ بنَوَاحي الخَبَرْ
وجمع الرسول : رُسُلٌ . ورُسُلُ الله : تارة يراد بها الملائكة ، وتارة يراد بها الأنبياء ، فمن الملائكة قوله تعالى : إنهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ « التكوير : 19 » وقوله : إنا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ « هود : 81 » وقوله : وَلما جـاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِئ بِهِمْ « هود : 77 » وقال : وَلما جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشرى « العنكبوت : 31 » . وقال : وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً « المرسلات : 1 » بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ « الزخرف : 80 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 380 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومن الأنبياء قوله : وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ « آل عمران : 144 » يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ « المائدة : 67 » وقوله : وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ « الأنعـام : 48 » فمحمول على رسله من الملائكة والإنس . وقوله : يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً « المؤمنون : 51 » قيل عنى به الرسول وصفوة أصحابه فسماهم رسلاً لضمهم إليه ، كتسميتهم المهلب وأولاده : المهالبة .
والْإِرْسَالُ : يقال في الإنسان ، وفي الأشياء المحبوبة والمكروهة . وقد يكون ذلك بالتسخير كإرسال الريح والمطر نحو : وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً « الأنعام : 6 » . وقد يكون ببعث من له اختيار ، نحو إِرْسَالِ الرّسل ، قال تعالى : وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً « الأنعام : 61 » فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ « الشعراء : 53 » . وقد يكون ذلك بالتخلية وترك المنع ، نحو قوله : أَلَمْ تَرَ إنا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا « مريم : 83 » . والْإِرْسَالُ : يقابل الإمساك ، قال تعالى : ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ « فاطر : 2 » . والرَّسْلُ : من الإبل والغنم : ما يَسْتَرْسِلُ في السير ، يقال : جاءوا أَرْسَالاً أي متتابعين . والرِّسْلُ : اللبن الكثير المتتابع الدَّرّ .
ملاحظات
1 . قول الراغب : إبلٌ مَرَاسِيلُ : منبعثة انبعاثاً سهلاً ، ومنه الرَّسُولُ المنبعث ، قولٌ ضعيفٌ واهٍ ! فهو يتصور أن العرب عاشوا مع الجمال قبل الأنبياء والرسل عليهم السلام وسموها مراسيل ، وأن الله تعالى اشتق إسم الرسول من الإبل المراسيل ! لكن إرسال رسول معنى أصيلٌ لايحتاج الى اشتقاقه من الإبل المراسيل بدون عِقالٍ أو صِرار !
هذا ، وقد عد الراغب المثنى جمعاً ، تأثراً بالفارسية ، واستشهد له بآية موسى وهارون عليهما السلام .
2 . نظام إرسال الرسل عليهم السلام أساسي في القرآن ، قال الله تعالى : ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّمَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ . ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ . إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ . وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ . يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالآنْسِ أَلَمْ يَأتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِى . وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا . وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً .
وقد بينت الأحاديث سبب بعثة الأنبياء والرسل عليهم السلام ، فروى في الكافي « 1/168 » عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إنا لما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً ، لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه ، ويحاجهم ويحاجوه ، ثبت أن له سفراء في خلقه ، يعبرون عنه إلى خلقه وعباده ، ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم ، وما به بقاؤهم ، وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه ، والمعبرون عنه جل وعز ، وهم الأنبياء عليهم السلام وصفوته من خلقه ، حكماء مؤدبين بالحكمة ، مبعوثين بها ، غير مشاركين للناس ، على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب ، في شئ من أحوالهم ، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة ، ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان ، مما أتت به الرسل والأنبياء عليهم السلام من الدلائل والبراهين ، لكيلا تخلو أرض الله من حجة ، يكون معه علم يدل على صدق مقالته ، وجواز عدالته » .
3 . في القرآن سبع سور بأسماء سبعة أنبياء هم : يونس ، هود ، يوسف ، إبراهيم ، محمد ، نو ح عليهم السلام . وذكر القرآن أسماء خمس وعشرين نبياً هم : محمد ، آدم ، إبراهيم ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 381 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إسماعيل ، إلياس ، إدريس ، أيوب ، عيسى ، موسى ، نوح ، لوط ، يوسف ، يعقوب ، يوشع ، هود ، يونس ، صالح ، شعيب ، داود ، يحيى ، زكريا ، ذو الكفل ، سليمان ، هارون ، إسماعيل صادق الوعد عليهم السلام .
ومن الآيات التي ذكر فيها الأنبياء عليهم السلام قوله تعالى : إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا . وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا .
وفي الكافي « 1 /224 » : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن أول وصي كان على وجه الأرض هبة الله بن آدم ، وما من نبي مضى إلا وله وصي ، وكان جميع الأنبياء مائة ألف نبي وعشرين ألف نبي ، منهم خمسة أولو العزم : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام . وإن علي بن أبي طالب كان هبة الله لمحمد صلى الله عليه وآله وورثَ علم الأوصياء وعلم من كان قبله . أمَا إن محمداً ورث علم من كان قبله من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام » .
رَسَا - يرسو - رُسُوَّاً - أرساه - رواسي - مراسي - أرسيت - مرساها
يقال : رَسَا الشئ يَرْسُو : ثبت . وأَرْسَاهُ غيره . قال تعالى : وَقُدُورٍ راسِياتٍ « سبأ : 13 » وقال : رَواسِيَ شامِخاتٍ « المرسلات : 27 » أي جبالاً ثابتات ، وَالْجِبـالَ أَرْساها « النازعات : 32 » وذلك إشارة إلى نحو قوله تعالى : وَالْجِبالَ أَوْتاداً « النبأ : 7 » قال الشاعر :
ولا جِبَالَ إذَا لَمْ تَرْسِ أوْتَادُ .
وألقت السحابة مَرَاسِيهَا : نحو ألقت طنبها . وقال تعالى : ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ الله مَجْراها وَمُرْساها ، من : أجريت وأَرْسَيْتُ . فالمُرْسَى : يقال للمصدر والمكان والزمان والمفعول ، وقرئ : مُجريها ومُرسيها . وقوله : يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها « الأعراف : 187 » أي زمان ثبوتها . ورَسَّوْتُ بين القوم ، أي أثبتُّ بينهم إيقاع الصلح .
رَشَدَ - يرشَد - رشْداً - رشَداً - رشيد - راشد
الرَّشَدُ والرُّشْدُ : خلاف الغي ، يستعمل استعمال الهداية ، يقال : رَشَدَ يَرْشُدُ ، ورَشِدَ يَرْشَدُ قال : لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ « البقرة : 186 » وقال : قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ « البقرة : 256 » وقال تعالى : فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً « النساء : 6 » وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ « الأنبياء : 51 » .
وبين الرشدين أعني : الرشد المؤنَس من اليتيم ، والرشد الذي أوتي إبراهيم عليه السلام بَوْنٌ بعيد . وقال : هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً « الكهف : 66 » وقـال : لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً « الكهف : 24 » .
وقال بعضهم : الرَّشَدُ أخصُّ من الرُّشْدِ ، فإن الرُّشْدَ يقال في الأمور الدنيوية والأخروية . والرَّشَدُ : يقال في الأمور الأخروية لاغير ، والرَّاشِدُ والرَّشِيدُ : يقال فيهما جميعاً . قال تعالى : أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ « الحجرات : 7 » وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ « هود : 97 » .
ملاحظات
قال الخليل « 6/242 » : « رَشَد يَرُشُدُ رُشْداً وَرَشَاداً : نقيض الغي . و رَشِدَ يَرْشَدُ رُشْداً : نقيض الضلال . والرشدة : نقيض الغية ، تقول : ولد لرشدة ، ولم يهد إلى رشدة ، ويقال : يا رشدين كأنه يريد : يا راشد . ورشُد فلان إذا أصاب وجه الأمر والطريق . والإرشاد : الدلالة والهداية » .
ويمكن القول إنه لا فرق عند التحقيق بين الرشد من الغواية والرشد من الضلال ، لكن الخليل أشار اليه .
وقال الزمخشري في أساس البلاغة/341 « هو يمشي على
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 382 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الطريق الأسدِّ الأرشد ، وتقول للمسافر : راشداً مهدياً ، ولمن يقول أريد أن أفعل كذا : رشُدْتَ ورَشُد أمرك ، ولا يعمى عليك الرُّشْد » .
فالرُّشد في قوله تعالى : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ . وقوله تعالى : فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ . يعني الرشد من الغواية والكفر . والرشد في قوله تعالى : فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ . يعني رشد الصواب في التصرف بالمال . وقولك للمسافر : راشداً مهدياً ، يعني رشده في الطريق وهدايته لهدفه .
وقال ابن منظور « 3/175 » ملخصاً « في أَسماء الله تعالى : الرشيدُ : هو الذي أَرْشَد الخلق إِلى مصالحهم أَي هداهم ودلهم عليها . الرُّشْد والرَّشَد والرَّشاد : نقيض الغي . رَشَد الإِنسان ، بالفتح ، يَرْشُد رُشْداً ، بالضم . ورَشِد بالكسر يَرْشَد رَشَداً ورَشاداً ، فهو راشِد ورَشيد ، وهو نقيض الضلال . ومنهم من جعل رَشَدَ يَرْشُدُ ورَشِدَ يَرْشَد بمعنى واحد في الغيّ والضلال . . وهو لِرِشْدَة ، وقد يفتح ، وهو نقيض زِنْيَة . وفي الحديث : من ادعى ولداً لغير رِشْدَة فلا يرِث ولا يورث . . وقال الكسائي : يجوز لِرِشْدَة ولِزَنْيةٍ ، فأَما غَيَّةٌ فهو بالفتح » .
هذا ، وقول الراغب : وبين الرشدين ، أعني الرشد المؤنَس من اليتم ، والرشد الذي أوتي إبراهيم عليه السلام بَوْنٌ بعيد . يقصد الرشد في قوله تعالى : فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ . وفي قوله تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ . وكلامه صحيح ، لكن البون البعيد بسبب موضوع الرشد ، فرشد اليتيم : أن يتصـرف بعقل ، ورشد إبراهيم عليه السلام يتناسب مع كونه مؤسس التوحيد ، وأب الأنبياء عليهم السلام . مضافاً الى أنه عُبِّرَ عن رشد اليتيم بالتنكير ، أما رشد إبراهيم فأضيف الى ضميره ، فهو يشير الى أنه رشد خاص وعقلانية مميزة خصه الله بها عليه السلام .
رَصَّ - رصصته - رصاً - مرصوص - ترصيص - رصاص
قال تعالى : كأنهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ « الصف : 4 » أي محكم كأنما بني بالرَّصَاصِ ، ويقال : رَصَصْتُهُ ورَصَّصْتُهُ ، وتَرَاصُّوا في الصلاة . أي تضايقوا فيها . وتَرْصِيصُ المرأة : أن تشدد التنَقُّب ، وذلك أبلغ من الترَصُّصُ .
رَصَدَ - رصداً - ترصد - ترصداً - أرصد - إرصاداً - مرصاد - راصد - مرصود - الرصَد
الرَّصَدُ : الإستعداد للترقب ، يقال : رَصَدَ له وتَرَصَّدَ وأَرْصَدْتُهُ له . قال عز وجـل : وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ الله وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ « التوبة : 107 » وقوله عز وجل : إن رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ « الفجر : 14 » تنبيهاً [على] أنه لا ملجأ ولا مهرب .
والرَّصَدُ : يقال لِلرَّاصِدِ الواحد ، وللجماعة : الرَّاصِدِين . ولِلْمَرْصُودِ ، واحداً كان أو جمعاً . وقوله تعالى : يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً « الجن : 27 » يحتمل كل ذلك .
والمَرْصَدُ : موضع الرَّصْد ، قال تعالى : وَاقْعُدُوا لَهُمْ كل مَرْصَدٍ « التوبة : 5 » . والْمِرْصَادُ : نحوه لكن يقال للمكان الذي اختصّ بِالترَصُّدِ ، قال تعالى : إن جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً « النبأ : 21 » تنبيهاً [على] أن عليها مجاز الناس ، وعلى هذا قوله تعالى : وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها . « مريم : 71 » .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه المادة في ست موارد ، منها : المراقبة من المرصد أي المكان الخاص للمراقبة : وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ . إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا . أي ترصد الطاغين وتأخذهم . إنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ . أي يرصد الطاغين ويعرفهم . قال ابن منظور « 3/178 » : « قال ابن عرفة : أَي يَرْصُد كل إِنسان حتى يجازِيَه بفعله » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 383 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومنها : بمعنى مركز رصد الآخرين ، قال تعالى : وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا . وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ .
ومنها : رصد من يسترق السمع من الجن : فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا .
ومنها : رصد الذي يخصه الله بغيبه حتى لا يخرج عن الحدود المرسومة : يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً .
ولا يصح تفريق الراغب بين المرصد والمرصاد بأن الأخير مكان مختص بالرصد ، فإن الأول أيضاً مختص بالرصد .
ولا يصح تفسيره : يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ، بأنه يحتمل أن يكون الرَّاصِدِ والمرصود ، بل هو الراصد .
وكذا لا يصح تفسيره آية : إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا ، بأنها مرصادٌ للناس بمرورهم عليها ، بل ترصد أهلها .
رَضَعَ - رضاعاً - رضاعة - رضيع - ارتضع - مرتضع
يقال : رَضَعَ المولود يَرْضِعُ ، ورَضِعَ يَرْضَعُ رَضَاعاً ورَضَاعَةً . وعنه استعير : لئيم رَاضِعٌ : لمن تناهى لؤمه ، وإن كان في الأصل لمن يُرْضِع غنمه ليلاً ، لئلا يسمع صوت شَخْبِهِ ، فلما تعورف في ذلك قيل : رَضُعَ فلان ، نحو : لؤم .
وسمي الثنيتان من الأسنان : الرَّاضِعَتَيْن ِ ، لاستعانة الصبي بهما في الرضع .
قال تعالى : وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ « البقرة : 233 » فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ « الطلاق : 6 » . ويقال : فلان أخو فلان من الرّضاعة وقال صلى الله عليه وآله : يحرم من الرَّضَاعِ ما يحرم من النّسب . وقال تعالى : وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ « البقرة : 233 » أي تسومونهن إرضاع أولادكم .
ملاحظات
1 . قال الخليل « 1/270 » : « رضع الصبي رِضاعاً ورِضاعةً : أي مص الثدي وشرب . وأرضعته أمه : أي سقته ، فهي مرضعة بفعلها ، ومرضع : أي ذات رضيع . ويجمع الرضيع على رُضَّع ، وراضع على رُضَّع ، قال النبي صلى الله عليه وآله : لولا بهائم رُتَّع ، وأطفال رُضَّع ، ومشايخ رُكَّع ، لصُبَّ عليكم العذاب صباً . ويقال : رضيع وراضع . ويقال : الرضاعة من المجاعة ، أي إذا جاع أشبعه اللبن لا الطعام . راضع : لئيم ، وقوم راضعون ورَضَعة . يقال : لأنه يرضع لبن ناقته من لؤمه . والراضعتان من السن اللتان شرب عليهما اللبن ، وهما الثنيتان المتقدمتا الأسنان كلها ، والرواضع : الأسنان التي تطلع في فم المولود في وقت رضاعه » .
وقال ابن فارس « 2/400 » : « امرأة مُرضع : إذا كان لها ولد ترضعه . فإن وصفتها بإرضاعها الولد قلت : مرضعة .
قال الله جل ثناؤه : يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ » .
وقال ابن منظور « 8/125 » : « ارتضعتِ العنزُ : أَي شربتْ لبن نفْسها . وفي التنزيل : والوالِداتُ يُرْضِعْن أَولادهن حولين كاملين . اللفظ لفظ الخبر والمعنى معنى الأَمر كما تقول : حسبُك درهم ، ولفظه الخبر ومعناه معنى الأَمر ، كما تقول : إكْتفِ بدرهم ، وكذلك معنى الآية : لتُرْضِع الوالداتُ . وقوله : ولا جُناح عليكم أَن تسترضِعُوا أَولادكم ، أَي تطلبوا مُرْضِعة لأَولادكم . . وفي الحديث : أَن النبي صلى الله عليه وآله قال : أنظرن ما إِخوانكن ، فإِنما الرضاعة من المَجاعَةِ !
قال الأَزهري : الرَّضاع الذي يحرِّم رَضاعُ الصبي لأَنه يُشْبعه ويَغْذُوه ويُسكن جَوْعَتَه ، فأَما الكبير فرَضاعه لا يُحَرِّمُ لأَنه لا ينفعه من جُوع ولا يُغنيه من طعام ولا يَغْذوه اللبنُ كما يَغذُو الصغير الذي حياته به . وراضَع فلان ابنه أَي دَفَعه إِلى الظِّئر . وفي التنزيل : يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 384 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
اختلف النحويون في دخول الهاء في المُرْضِعة فقال الفراء : المُرْضِعة والمُرْضِعُ التي معها صبيٌّ تُرْضِعه .
وقال الأَخفش : أَدخل الهاء في المُرْضِعة لأَنه أَراد والله أَعلم الفِعْل ، ولو أَراد الصفة لقال مرضع . وقال أَبو زيد : المرضعة التي تُرْضِع وثَدْيُها في ولدها ، وعليه قوله : تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ . وكلُّ مرضعة : كلُّ أُم » .
2 . قال الله تعالى : وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ . فدل على أن الرضاعة مركب لاينتفي وجوده بانتفاء جزئه بل ينتفي كماله ، فالتام منها حولان وإن نقصت يوماً لم تكن تامة ، لكنها رضاعة غير تامة .
رَضِيَ- رضواناً - رضاً - مرضي
يقال : رَضِيَ يَرْضَى رِضاً فهو مَرْضِيٌّ ومَرْضُوٌّ . ورِضَا العبد عن الله : أن لا يكره ما يجري به قضاؤه . ورِضَا الله عن العبد : هو أن يراه مؤتمراً لأمره ، ومنتهياً عن نهيه ، قال الله تعالى : رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ « المائدة : 119 » وقال تعالى : لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ « الفتح : 18 » وقـال تعالى : وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً « المائدة : 3 » .
وقال تعالى : أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ « التوبة : 38 » وقال تعالى : يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ « التوبة : 8 » وقال عز وجل : وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كلهُنَ « الأحزاب : 51 » .
والرِّضْوَانُ : الرضا الكثير ، ولما كان أعظم الرِّضَا رضا الله تعالى ، خُصَّ لفظ الرضوان في القرآن بما كان من الله تعالى ، قال عز وجل : وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ الله « الحديد : 27 » وقال تعالى : يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ الله وَرِضْواناً « الفتح : 29 » وقال : يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ « التوبة : 21 » .
وقوله تعالى : إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ « البقرة : 232 » أي أظهر كل واحد منهم الرضا بصاحبه ورَضِيَهُ .
ملاحظات
معنى التراضي في الآية : إرضاءُ كل طرف لصاحبه ، وليس الرضا بصاحبه ، كما تصور الراغب . فقد يتراضى العدُوَّان على شئ .
رَطَْبَ - رُطَباً - رطيب - رطبته
الرَّطْبُ : خلاف اليابس ، قـال تعالى : وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتـابٍ مُبِينٍ « الأنعام : 59 » وخُصَّ الرُّطَبُ بالرَّطْبِ من التمر ، قال تعالى : وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا « مريم : 25 » وأَرْطَبَ النخلُ نحو أتمر وأجنى ، ورَطَبْتُ الفرس ورَطَّبْتُهُ : أطعمته الرطب فَرَطَبَ الفرس : أكَله . ورَطِبَ الرجل رَطَباً : إذا تكلم بما عنَّ له من خطإ وصواب ، تشبيهاً برطب الفرس ، والرَّطِيبُ : عبارة عن الناعم .
ملاحظات
أخذ الراغب هذه المادة من ابن فارس وأخطأ في فهمها ! قال في المقاييس « 2/404 » : « والرطب معروف . ويقال أرطبَ النخل إرطاباً ، ورَطَبْتُ القومَ ترطيباً ، إذا أطعمتهم رُطَباً . والرِّطَاب : من النبت ، تقول : رَطَبْتُ الفرس أرطبه رَطباً ورطوباً » .
ونحوه الخليل « 7/421 » فحذف الراغب القوم ، وأطعم رُطَبهم للفرس ، بدل الرِّطَاب الذي هو نبات !
رَعَبَ - رعباً - رعِبٌ - رعابيب
الرُّعْبُ : الإنقطاع من امتلاء الخوف ، يقال : رَعَبْتُهُ فَرَعَبَ رُعْباً فهو رَعِبٌ . والترْعَابَةُ : الفَرُوق . قال تعالى : وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ « الأحزاب : 26 » وقال : سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ « آل عمران : 151 » وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 385 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رُعْباً « الكهف : 18 » . ولتصور الإمتلاء منه قيل : رَعَبْتُ الحوض : ملأته ، وسيل رَاعِبٌ : يملأ الوادي .
وباعتبار القطع قيل : رَعَبْتُ السنام : قطعته . وجارية رُعْبُوبَةٌ : شابة شطبةٌ تارَّةٌ ، والجمع الرَّعَابِيبُ .
رَعَدَ - رَعْداً - أرعد - إرعاداً - رِعْديد
الرَّعْدُ : صوت السحاب ، وروي أنه ملك يسوق السحاب . وقيل رَعَدَتِ السّماءُ وبرقت وأَرْعَدَتْ وأبرقت ، ويكنى بهما عن التهدد . ويقال : صَلَفٌ تحت رَاعِدَةٍ : لمن يقول ولايحقق . والرِّعْدِيدُ : المضطرب جبناً . وقيل : أُرْعِدَتْ فرائصه خوفاً .
رَعَى- رعياً - أرعى - مَرعى - رعاه - رعايةً - راعاه - مراعاة
الرَّعْيُ : في الأصل حفظ الحيوان إما بغذائه الحافظ لحياته ، وإما بذبِّ العدو عنه . يقال : رَعَيْتُهُ ، أي حفظته . وأَرْعَيْتُهُ : جعلت له ما يرْعَى . والرِّعْيُ : ما يرعاه . والمَرْعَى : موضع الرعي ، قال تعالى : كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ « طه : 54 » أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها « النازعات : 31 » وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى « الأعلى : 4 » .
وجُعل الرَّعْيُ والرِّعَاءُ للحفظ والسياسة ، قال تعالى : فَما رَعَوْهَا حَقَّ رِعايَتِها « الحديد : 27 » أي ما حافظوا عليها حق المحافظة . ويسمى كل سائس لنفسه أو لغيره رَاعِياً ، وروي : كلكم رَاعٍ وكلكم مسئول عن رَعِيَّتِهِ . قال الشاعر :
ولا المرعيُّ في الأقوامِ كالراعي
وجمع الراعي : رِعَاءٌ ورُعَاةٌ . ومُرَاعَاةُ الإنسان للأمر : مراقبته إلى ماذا يصير ، وماذا منه يكون ، ومنه رَاعَيْتُ النجوم ، قال تعالى : لاتَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا « البقرة : 104 » . وأَرْعَيْتُهُ سمعي : جعلته راعياً لكلامه . وقيل : أَرْعِنِي سمعَك . ويقال : أَرْعِ على كذا ، فيُعَدَّى بعلى أي أبق عليه ، وحقيقته : أَرْعِهِ مطلعاً عليه .
رَعَنَ- رعناً - راعنا - رعناء - أرعن
قال تعالى : لا تَقُولُوا راعِنا « البقرة : 104 » وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنـاً فِي الدِّينِ « النساء : 46 » . كـان ذلك قولاً يقولونه للنبي صلى الله عليه وآله على سبيل التهكُّم يقصدون به رميه بِالرُّعُونَة ويوهمون أنهم يقولون راعنا ، أي احفظنا ، من قولهم : رَعُنَ الرجل يَرْعُنُ رَعَناً ، فهو رَعِنٌ وأَرْعَنُ ، وامرأة رَعْنَاءُ ، وتسميته بذلك لميل فيه تشبيهاً بالرَّعن أي أنف الجبل لما فيه من الميل ، قال الشاعر :
لولا ابنُ عُتبةَ عمرٌو والرجاءُ لهُ
ما كانت البصرةُ الرَّعْنَاءُ لي وَطَنَا
فوصفها بذلك إما لما فيها من الخفض بالإضافة إلى البدو ، تشبيهاً بالمرأة الرعناء . وإما لما فيها من تكسُّر وتغيُّر في هوائها .
ملاحظات
قال ابن فارس « 2/408 » : « فأما قوله جل ثناؤه : لا تقولوا راعنا ، فهي كلمة كانت اليهود تتسابّ بها وهو من الأرعن » . وقرئت الآية : راعناً بالتنوين .
رَغِبَ - رَغَباً - رغبة - رغيب
أصل الرَّغْبَةِ : السعة في الشئ ، يقال رَغُبَ الشئ : اتسع ، وحوض رَغِيبٌ ، وفلان رَغِيبُ الجوف ، وفرس رَغِيبُ العدو . والرَّغْبَةُ والرَّغَبُ والرَّغْبَى : السعة في الإرادة ، قال تعالى : وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً « الأنبياء : 90 » فإذا قيل : رَغِبَ فيه وإليه ، يقتضي الحرص عليه ، قال تعالى : إنا إِلَى الله راغِبُونَ « التوبة : 59 » . وإذا قيل : رَغِبَ عنه اقتضى صرف الرغبة عنه والزهد فيه ، نحو قوله تعالى : وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ « البقرة : 130 » أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي . « مريم : 46 » .
والرَّغِيبَةُ : العطاء الكثير إما لكونه مَرْغُوباً فيه ، فتكون
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 386 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مشتقة من الرغبة ، وإما لسعته ، فتكون مشتقة من الرغبة بالأصل ، قال الشاعر :
يعطي الرَّغَائِبَ من يشاءُ ويَمْنَعُ
ملاحظات
قال ابن فارس « 2/416 » : « رغب . . أصلان أحدهما طلب لشئ والآخر سعة في شئ . فالأول الرغبة في الشئ الإرادة له : رغبت في الشئ ، فإذا لم ترده قلت : رغبت عنه . والآخر الشئ الرغيب الواسع الجوف ، يقال حوض رغيب وسقاء رغيب . والرغيبة العطاء الكثير والجمع رغائب . والرِّغاب الأرض الواسعة » .
وقد خرب الراغب معنى الراغب ، فخلط المعنيين السعة والطلب ، وجعل الرغبة بمعنى السعة في الإرادة فقط ، وأي إرادة في الأرض الرغيبة وفي عدد من الفروع ! هذا ، وقد سموا أول ليلة جمعة من شهر رجب ليلة الرغائب ، أي ما يُرغب الى الله تعالى من طلبات .
وتستعمل رَغَّبَ بتشديد الغين ، بمعنى حثَّ على الشئ وحبب به .
رَغَدَ - رغَد - رغَداً - رغيد
عيش رَغَدٌ ورَغِيدٌ : طيبٌ واسعٌ ، قال تعالى : وَكُلا مِنْها رَغَداً « البقرة : 35 » يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كل مَكانٍ « النحـل : 112 » . وأَرْغَدَ القوم : حصلوا في رغد من العيش ، وأَرْغَدَ ماشيتَهُ . فالأول من باب جدب وأجدب ، والثاني من باب دخل وأدخل غيره . والمِرْغَادُ من اللبن : المختلط الدال بكثرته على رغد العيش .
رَغَمَ- رغماً - أرغمه - راغم - مُرَاغم
الرَّغَامُ : التراب الدقيق . ورَغِمَ أنفُ فلانٍ رَغْماً : وقع في الرغام وأَرْغَمَهُ غيره . ويعبر بذلك عن السخط ، كقول الشاعر :
إذا رَغِمَتْ تلك الأنوفُ لمْ أُرْضِهَا
ولم أطلبِ العُتْبَى ولكنْ أزيدُها
فمقابلته بالإرضاء مما ينبه [على] دلالته على الإسخاط . وعلى هذا قيل : أَرْغَمَ الله أنفه . وأَرْغَمَهُ : أسخطه . ورَاغَمَهُ : ساخَطَهُ . وتجاهدا على أن يُرْغِمَ أحدهما الآخر . ثمّ تستعار المُرَاغَمَةُ للمنازعة ، قال الله تعالى : يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً « النساء : 100 » أي مذهباً يذهب إليه إذا رأى منكراً يلزمه أن يغضب منه ، كقولك : غضبت إلى فلان من كذا ، ورَغَمْتُ إليه .
ملاحظات
معنى قوله تعالى : وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَــعَةً : يجد مهجراً مرغماً لأعدائه ، وسعة في رزقه . وقد تقدم في مادة أنَفَ أن البيت الذي استشهد به في وزنه خلل ، إلا أن تقول فأرضها بدل لم أرضها ، لكن المعنى يتغير . ولعله من نظم الراغب ، فلم يروه غيره ولانسبه الى أحد ! أما قوله : وتَجَاهَدَا فلم تستعمله العرب أبداً ، فهو من اختراعه !
رَفَّ - رفاً - رفرف - رفرفةً
رَفِيفُ الشَّجَر : انتشار أغصانه . ورَفَّ الطير : نشر جناحيه ، يقال : رَفَّ الطائرُ يَرُفُّ ورَفَّ فرخَهُ يَرُفُّهُ : إذا نشر جناحيه متفقداً له . واستعير الرَّفُّ للمتفقد فقيل : ما لفلان حَافٌّ ولا رَافٌّ ، أي من يحفه أو يرفه . وقيل : من حفنا أو رفنا فليقتصد . والرَّفْرَفُ : المنتشر من الأوراق ، وقوله تعالى : عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ « الرحمن : 76 » فضرب من الثيـاب مشبه بالرياض ، وقيل الرَّفْرَفُ طرف الفسطاط والخباء الواقع على الأرض دون الأطناب والأوتاد ، وذكر عن الحسن أنها المخاد .
رَفَتَ - رفته - رفتاً - رفاةً
رَفَتُّ الشئ أَرْفُتُهُ رَفْتاً : فَتَتُّهُ . والرُّفَاتُ والْفُتَاتُ : ما تكسر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 387 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وتفرق من التبن ونحوه ، قال تعالى : وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً « الإسراء : 49 » . واستعير الرُّفَاتُ للحبل المتقطع قطعةً قطعةً .
رَفَثَ - رفثاً - أرفثَ
الرَّفَثُ : كلامٌ متضمنٌ لما يستقبح ذكره من ذكر الجماع ودواعيه ، وجُعل كناية عن الجماع في قوله تعالى : أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ « البقرة : 187 » تنبيهـاً على جواز دعائهن إلى ذلك ومكالمتهن فيه . وعُدِّيَ بإلى لتضمنه معنى الإفضاء . وقوله : فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ « البقرة : 197 » يحتمل أن يكون نهياً عن تعاطي الجماع ، وأن يكون نهياً عن الحديث في ذلك إذ هو من دواعيه ، والأول أصح ، لما روي عن ابن عباس أنه أنشد في الطواف :
فهنَّ يمشينَ بنا هَمِيسَا
إن تَصْدُقِ الطيرُ ننكْ لميسَا
يقال : رَفَثَ وأَرْفَثَ ، فَرَفَثَ فَعَلَ ، وأَرْفَثَ صار ذا رَفَثٍ ، وهما كالمتلازمين ، ولهذا يستعمل أحدهما موضع الآخر .
ملاحظات
روت المصادر المختلفة هذه السقطة عن ابن عباس رحمه الله . وروى عبد الرزاق في المصنف « 4/396 » : أن ابن عباس تمثل بهذا البيت وهو محرم « فقيل له : تقول هذا وأنت محرم ! فقال : إنما الفجش ما روجع به النساء وهم محرمون » !
ولا شك أن إنشاده لهذا البيت الفاحش لا يناسب شأنه ومكانته .
رَفَدَ - رفْداً - أرفده - إرفاداً - ترافدوا - مَرفد - رافد
الرِّفْدُ : المعونة والعطية ، والرَّفْدُ : مصدر . والْمِرْفَدُ : ما يجعل فيه الرِّفْدُ من الطعام ، ولهذا فسر بالقدح . وقد رَفَدْتُهُ : أنلته بالرفد ، قال تعالى : بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ « هود : 99 » وأَرْفَدْتُهُ : جعلت له رِفْداً يتناوله شيئاً فشيئاً . فَرَفَدَهُ وأَرْفَدَهُ نحو : سقاه وأسقاه ، ورُفِدَ فلان فهو مُرْفَدٌ ، استعير لمن أعطيَ الرئاسة . والرَّفُودُ : الناقة التي تملأ المرفد لبناً من كثرة لبنها ، فهي فَعول في معنى فاعل . وقيل : الْمَرَافِيدُ من النُّوق والشاء ما لا ينقطع لبنه صيفاً وشتاءً ، وقول الشاعر :
فأطعمتُ العِرَاقَ ورَافِدَيْهِ
فِزَارِيَّا أحَذَّ يَدَ القميصِ
أي دجلة والفرات . وتَرَافَدُوا تعاونوا ، ومنه الرِّفَادَةُ وهي معاونة للحاج كانت من قريش ، بشئ كانوا يخرجونه لفقراء الحاج .
ملاحظات
قال الخليل « 8/25 » : « الرفادة : شئٌ كانت قريش ترافد به في الجاهلية ، فيخرجون أموالاً بقدر طاقتهم فيشترون بها الجزور والطعام والزبيب للنبيذ ، فلا يزالون يطعمون الناس حتى ينقضي الموسم . وأول من سن ذلك هاشم بن عبد مناف » .
وكانت السقاية والرفادة لبني هاشم ، أي الإطعام وتأمين الماء للحجاج في مكة ومنى وعرفات . وقد ورثها أبو طالب من عبد المطلب رضي الله عنهما ، وكان ينفق عليها نحو ثلاثين ألف درهم . وبعد الهجرة خلت المدينة من بني هاشم فأخذ السقاية العباس بن عبد المطلب . « جواهر التاريخ : 1/152 » .
رَفَعَ - رفعاً - رافع - مرفوع
الرَّفْعُ : يقال تارة في الأجسام الموضوعة إذا أعليتها عن مقرها ، نحو : وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطورَ « البقرة : 93 » قال تعالى : اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها . « الرعد : 2 » وتارة في البناء إذا طَوَّلته ، نحو قوله : وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 388 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ « البقرة : 127 » . وتارة في الذكر إذا نوهته « نوهت به » نحو قوله : وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ « الشرح : 4 » وتارة في المنزلة إذا شَرَّفتها نحو قوله : وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ « الزخرف : 32 » نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ « يوسف : 76 » رَفِيـعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ « غافر : 15 » . وقوله تعالى : بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ « النساء : 158 » يحتمل رفعه إلى السماء ورفعه من حيث التشريف . وقال تعالى : خافِضَةٌ رافِعَةٌ « الواقعة : 3 » .
وقوله : وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ « الغاشية : 18 » فإشارة إلى المعنيين : إلى إعلاء مكانه ، وإلى ما خص به من الفضيلة وشرف المنزلة . وقوله عز وجل : وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ « الواقعة : 34 » أي شريفة ، وكذا قوله : فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ « عبس : 13 » .
وقوله : فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ « النور : 36 » أي تُشَرَّف ، وذلك نحو قوله : إنما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ « الأحزاب : 33 » .
ويقال : رَفَعَ البعيرُ في سيره ورَفَعْتُهُ أنا . ومَرْفُوعُ السير : شديدهُ . ورَفَعَ فلان على فلان كذا : أذاع خبر ما احتجبه .
والرِّفَاعَةُ : ماترفع به المرأة عجيزتها ، نحو المرفد .
رَقَّ - رقيق - الرقة
الرِّقَّةُ : كالدِّقَّة ، لكن الدقة تقال اعتباراً بمراعاة جوانبه ، والرِّقَّةُ اعتباراً بعمقه ، فمتى كانت الرقة في جسم تضادُّها الصَّفاقة ، نحو : ثوب رَقِيقٍ وصفيق . ومتى كانت في نفسٍ تضادها الجفوة والقسوة يقال : فلان رَقِيقُ القلب ، وقاسي القلب . والرَّقُّ : ما يكتب فيه ، شبه الكاغد ، قال تعالى : فِي رَقٍّ مَنْشُور « الطور : 3 » وقيل لذَكَر السَّلاحف : رِقٌّ .
والرِّقُّ : مُلْكُ العبيد . والرَّقِيقُ : المملوك منهم وجمعه أَرِقَّاءُ ، واسْتَرَقَّ فلان فلاناً : جعله رقيقاً . والرَّقْرَاقُ : تَرَقْرُقُ الشَّراب . والرَّقْرَاقَةُ : الصافية اللون . والرَّقَّةُ : كل أرض إلى جانبها ماء ، لما فيها من الرقة بالرطوبة الواصلة إليها . وقولهم : أعن صبوح تُرَقِّقُ ، أي تُلَيِّنُ القول .
رَقَبَ - رقيب - ترقب - ترقباً - رقبة - رقاب
الرَّقَبَةُ : إسم للعضو المعروف ثم يعبر بها عن الجملة . وجُعل في التعارف إسماً للمماليك . كما عُبر بالرأس وبالظهر عن المركوب فقيل : فلان يربط كذا رأساً ، وكذا ظهراً ، قال تعالى : وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ « النساء : 92 » وقال : وَفِي الرِّقابِ « البقرة : 177 » أي المكاتبين منهم ، فهم الذين تصرف إليهم الزكاة .
ورَقَبْتُهُ : أصبت رقبته . ورَقَبْتُهُ : حفظته . والرَّقِيبُ : الحافظ ، وذلك إما لمراعاته رقبة المحفوظ وإما لرفعه رقبته ، قال تعالى : وَارْتَقِبُوا إني مَعَكُمْ رَقِيبٌ « هود : 93 » وقال تعالى : إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ « ق : 18 » وقال : لايَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً « التوبة : 10 » . والمَرْقَبُ : المكان العالي الذي يشرف عليه الرقيب ، وقيل لحافظ أصحاب الميسر الذين يشربون بالقداح رَقِيبٌ ، وللقدح الثالث رَقِيبٌ .
وتَرَقَّبَ : احترز راقباً ، نحو قوله : فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ « القصص : 21 » . والرَّقُوبُ : المرأة التي تَرْقُبُ موت ولدها لكثرة من مات لها من الأولاد ، والناقة التي ترقب أن يشرب صواحبها ثم تشرب . وأَرْقَبْتُ فلاناً هذه الدار هو : أن تعطيه إياها لينتفع بها مدة حياته ، فكأنه يرقب موته ، وقيل لتلك الهبة : الرُّقْبَى والعمرى .
رَقَدَ - رقوداً - رقاداً - مرقد
الرُّقَادُ : المستطاب من النوم القليل . يقال : رَقَدَ رُقُوداً فهو رَاقِدٌ ، والجمع الرُّقُودُ . قال تعالى : وَهُمْ رُقُودٌ « الكهف : 18 » وإنما وصفهم بالرقود مع كثرة منامهم اعتباراً بحال الموت ، وذاك أنه اعتُقِد فيهم أنهم أموات ، فكان ذلك النوم قليلاً في جنب الموت . وقال تعالى : يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 389 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مَرْقَدِنا « يس : 52 » وأَرْقَدَ الظّليم : أسرع كأنه رفض رُقَاده .
ملاحظات
وقع الراغب في تهافت فعرَّف الرقاد بأنه الجزء المستطاب من نومٍ قليل ، ثم ذكر بعده رقاد أهل الكهف ، وقال إن الله سماه رقاداً لأنه اعتُقِد أنهم أموات ! والصحيح أن الرقاد : النوم بالليل ، كما قال الخليل « 5/115 » .
رَقَمَ - رقيم - مرقوم
الرَّقْمُ : الخط الغليظ ، وقيل هو تعجيم الكتاب . وقوله تعالى : كِتابٌ مَرْقُومٌ « المطففين : 9 » حمل على الوجهين .
وفلان يَرْقُمُ في الماء : يضرب مثلاً للحُذَّق في الأمور . وأصحاب الرَّقِيمِ : قيل إسم مكان ، وقيل نسبوا إلى حجر رُقِمَ فيه أسماؤهم . ورَقْمَتَا الِحمَار : للأثر الذي على عضديه . وأرض مَرْقُومَةٌ : بها أثر نبات ، تشبيهاً بما عليه أثر الكتاب . والرُّقْمياتُ : سهام منسوبة إلى موضع بالمدينة .
رَقَى - رقياً - ارتقى - ارتقاء - ترقوة
رَقِيتُ في الدرج والسُّلَّم أَرْقَى رُقِيّاً ، وارْتَقَيْتُ أيضاً . قال تعالى : فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ « صاد : 10 » وقيل : إرْقَ على ظَلَعك ، أي إصعد وإن كنت ظالعاً « أعرج » . ورَقَيْتُ : من الرُّقْيَةِ . وقيل : كيف رَقْيُكَ ورُقْيَتُكَ ، فالأول المصدر والثاني الإسم . قال تعالى : لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ « الإسراء : 93 » أي لرقيتك . وقوله تعالى : وَقِيلَ مَنْ راقٍ « القيامة : 27 » أي من يَرْقِيهِ تنبيهاً [على] أنه لا رَاقِي يَرْقِيهِ فيحميه ، وذلك إشارة إلى نحو ما قال الشاعر :
وإذا المنيَّةُ أنْشَبَتْ أظفارَها
ألْفَيْتَ كلَّ تميمةٍ لا تنفعُ
وقال ابن عباس : معناه من يَرْقَى بروحه ، أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب .
والترْقُوَةُ : مقدَّمُ الحلق في أعلى الصدرحيث ما يَتَرَقَّى فيه النفس . كلا إِذا بَلَغَتِ التراقِيَ . « القيامة : 26 » .
ملاحظات
جعل الراغب مادة رقى أصلاً واحداً ، ولم يبين رجوع فروعها الى أصلها . والصحيح ما قاله ابن فارس « 2/426 » : « أصول ثلاثة متباينة ، أحدها : الصعود . والآخر : عوذة يتعوذ بها . والثالث : بقعة من الأرض . فالأول : قولك : رَقَيْتُ في السُّلَّمِ أرقى رُقِيّاً . قال الله جل ثناؤه : أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ . والعرب تقول : إرْقَ على ظَلْعِك « عَرَجِك » أي إصعد بقدر ماتطيق . والثاني : رَقَيْتُ الإنسان من الرُّقْيَة . والثالث : الرَّقْوَة : فويق الدعص من الرمل » .
رَكِبَ - ركوباً - راكب - رَكْب - أركبه -مُرَكَّب - متراكب - ركبة
الرُّكُوبُ : في الأصل كون الإنسان على ظهر حيوان ، وقد يستعمل في السفينة ، والرَّاكِبُ اختص في التعارف بممتطي البعير ، وجمعه رَكْبٌ ورُكْبَانٌ ورُكُوبٌ . واختص الرِّكَابُ بالمركوب ، قال تعالى : وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهــا وَزِينَةً « النحــل : 8 » فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ « العنكبوت : 65 » وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ « الأنفال : 42 » فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً « البقرة : 239 » . وأَرْكَبَ المُهْرُ : حان أن يركب . والمُرَكَّبُ : اختص بمن يُركب فرس غيره ، وبمن يضعف عن الرُّكُوبِ ، أو لا يُحسنُ أن يَركب . والمُتَرَاكِبُ : ما ركب بعضه بعضاً . قال تعالى : فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً « الأنعام : 99 » . والرُّكْبَةُ : معروفة . ورَكِبْتُهُ : أصبت رُكْبَتَهُ ، نحو فَأَدْتُهُ ورَأَسْتُهُ . ورَكِبْتُهُ أيضاً : أصبته بِرُكْبَتِي ، نحو : يديته وعنته ، أي أصبته بيدي وعيني .
والرَّكْبُ : كناية عن فرج المرأة ، كما يكنى عنها بالمطية ، والقعيدة ، لكونها مقتعدة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 390 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
لا يصح قوله : « والرَّاكِبُ : اختص في التعارف بممتطي البعير » لأن الراكب يطلق على راكب الفرس والبغل والحمار ، كما يطلق على راكب البعير . ولم يذكر الراغب : رِكاب جمع راكب . والمُرَكَّب ، وهو المؤلف من أجزاء .
رَكَدَ - ركوداً - راكد - رواكد
رَكَدَ الماء والريح : أي سكن ، وكذلك السفينة ، قال تعالى : وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالإعلامِ « الشوري : 32 » إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ « الشوري : 33 » . وجفنة رَكُودٌ : عبارة عن الإمتلاء .
رَكَزَ- ركاز- مركز - رِكْز
الرِّكْزُ : الصوت الخفي ، قال تعالى : هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْـمَعُ لَهُمْ رِكْزاً « مريم : 98 » . ورَكَزْتُ كذا : أي دفنته دفناً خفياً . ومنه الرِّكَازُ للمال المدفون ، إما بفعل آدمي كالكنز ، وإما بفعل إلهيٍّ كالمعدن ، ويتناول الرِّكَازُ الأمرين . وفسر قوله عليه السلام : وفي الرِّكَازِ الخمس بالأمرين جميعاً . ويقال رَكَزَ رمحه . ومَرْكَزُ الجند : محطهم الذي فيه رَكَزُوا الرماح .
رَكَسَ - أركس - إركاساً - رَكْس
الرَّكْسُ : قَلْبُ الشئ على رأسه ورَدُّ أوله إلى آخره . يقال : أَرْكَسْتُهُ فَرُكِسَ وارْتَكَسَ في أمره ، قال تعالى : وَاللَّه أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا « النساء : 88 » أي ردهم إلى كفرهم .
رَكَضَ - ركضاً- أركض
الرَّكْضُ : الضرب بالرجل ، فمتى نسب إلى الراكب فهو إعداء مركوب نحو : رَكَضْتُ الفرسَ ، ومتى نسب إلى الماشي فوطْأ الأرض ، نحو قوله تعالى : أرْكُضْ بِرِجْلِكَ « صاد : 42 » وقوله : لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ « الأنبياء : 13 » فنهوا عن الإنهزام .
ملاحظات
رحم الله الخليل ما أدقه ، قال « 5/301 » : « الركض : مشية الرجل بالرجلين معاً » . ولذلك قال الله تعالى لأيوب عليه السلام : اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ . فذكر الرجل الواحدة ، لأن المطلوب ليس الركض المتعارف بل حركة خاصة سماها : ركضاً بالرجل .
رَكَعَ - ركوعاً - راكعون - رُكَّعٌ
الرُّكُوعُ : الإنحناء ، فتارةً يستعمل في الهيئة المخصوصة في الصلاة كما هي ، وتارةً في التواضع والتذلل ، إما في العبادة وإما في غيرها نحو : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُـدُوا « الحج : 77 » وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ « البقرة : 43 » وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّـجُودِ « البقرة : 125 » الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ « التوبة : 112 » قال الشاعر :
أُخَبِّرُ أخبارَ القرونِ التي مَضَتْ
أَدِبُّ كأني كلما قُمْتُ راكعُ
رَكَمَ - ركام - مركوم - متراكم
يقال : سحاب مَرْكُومٌ ، أي متراكم . والرُّكَامُ : ما يلقى بعضه على بعض ، قال تعالى : ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً « النور : 43 » .
والرُّكَامُ : يوصف به الرمل والجيش . ومُرْتَكَمُ الطريق : جادّتُهُ التي فيها رُكْمَةٌ ، أي أثر مُتَرَاكِمٌ .
رَكَنَ - ركنه - رَكناً - أركان
رُكْنُ الشئ : جانبه الذي يسكن إليه . ويستعار للقوة ، قال تعالى : لَوْ إن لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ « هود : 80 » ورَكنْتُ إلى فلان أَرْكَنُ بالفتح . والصحيح » ! « أن يقال : رَكَنَ يَرْكُنُ ، ورَكِنَ يَرْكَنُ ، قال تعالى : وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا « هود : 13 » وناقة مُرَكَّنَةُ الضرع : له[ها] أركان تعظمه[ها] . والْمِرْكَنُ : الإجَّانة . وأَرْكَانُ العبادات : جوانبها التي عليها مبناها ، وبتركها بطلانها .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 391 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رَمَّ - رممت - رماً - رمة - رميم - رمان
الرَّمُّ : إصلاح الشئ البالي . والرِّمَّةُ : تختص بالعظم البالي ، قال تعالى : مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ « يس : 78 » وقـال : ما تَذَرُ مِنْ شَئ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ « الذاريات : 42 » . والرُّمَّةُ : تختص بالحبْل البالي . والرِّمُّ : الفُتات من الخشب والتبن . ورَمَّمْتُ المنزل : رعيت رَمَّهُ ، كقولك تفقدت . وقولهم : إدفعه إليه بِرُمَّتِهِ معروف . والْإِرْمَامُ : السّكوت . وأَرَمَّتْ عظامه : إذا سحقت حتى إذا نفخ فيها لم يسمع لها دويٌّ . وتَرَمْرَمَ القوم : إذا حركوا أفواههم بالكلام ولم يُصَرِّحوا . والرُّمَّانُ : فُعْلانُ وهو معروف .
رَمَحَ - رَمَحَه - رمح - رامح
قال تعالى : تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ « المائدة : 94 » وقد رَمَحَهُ أصابه ، ورَمَحَتْهُ الدابة تشبيهاً بذلك . والسماك الرَّامِحُ ، سمي به لتصور كوكب يقدمه بصورة رُمْحٍ له . وقيل : أخذت الإبل رِمَاحَهَا : إذا امتنعت عن نحرها بحسنها ، وأخذت البهمى رُمْحَهَا : إذا امتنعت بشوكها عن راعيها .
رَمَدَ -رماداً - أرمد - رمادة
يقال : رَمَادٌ ورِمْدِدٌ وأَرْمَدُ وأَرْمِدَاءُ ، قال تعالى : كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ « إبراهيم : 18 » . ورَمِدَتِ النارُ : صارت رَمَاداً ، وعبر بِالرَّمَدِ عن الهلاك كما عبر عنه بالهمود . ورَمِدَ الماء : صار كأنه فيه رماد لأُجُونِهِ [لأنه آجن] . والْأَرْمَدُ : ما كان على لون الرماد . وقيل للبعوض : رُمْدٌ . والرَّمَادَةُ : سنة المَحْلِ .
رَمَزَ- رمزاً - رَمَّازة
الرَّمْزُ : إشارة بالشَّفَة والصوت الخفي ، والغمز بالحاجب . وعُبِّر عن كل كلام كإشارة بالرمز ، كما عُبِّر عن الشكاية بالغمز ، قال تعالى : قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكلمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً « آل عمران : 41 » وما ارْمَازَّ ، أي لم يتكلم رمزاً . وكتيبة رَمَّازَةٌ : لايسمع منها إلا رَمْزٌ من كثرتها .
رَمَضَ - رمضاء - أرمض - رمضان
شَهْرُ رَمَضانَ « البقرة : 185 » هو من الرَّمْضِ ، أي شدة وقع الشمس ، يقال : أَرْمَضَتْهُ فَرَمِضَ ، أي أحرقته الرَّمْضَاءُ وهي شدة حر الشمس ، وأرض رَمِضَةٌ . ورَمِضَتِ الغنم : رعت في الرمضاء فقرحت أكبادها . وفلان يَتَرَمَّضُ الظباء : أي يتبعها في الرمضاء .
رَمَى - رمياً - أرمى - ترمى
الرَّمْيُ : يقال في الأعيان كالسهم والحجر ، نحو : وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ الله رَمى « الأنفال : 17 » ويقال في المقال ، كناية عن الشتم كالقذف نحو : وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ « النور : 6 » يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ « النور : 4 » .
وأَرْمَى فلان على مائة : استعارة للزيادة . وخرج يَتَرَمَّى : إذا رمى في الغرض .
رَهَبَ - رهباني - إرهاب - رهبة - رهبانية - رهبوت
الرَّهْبَةُ والرُّهْبُ : مخافة مع تحرز واضطراب ، قال : لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً « الحشر : 13 » وقال : جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ « القصص : 32 » وقرئ : مِنَ الرَّهْبِ ، أي الفزع . قال مقاتل : خرجت ألتمس تفسير الرَّهَب ، فلقيت أعرابيَّة وأنا آكلُ فقالت : يا عبد الله تصدق عليَّ ، فملأت كفي لأدفع إليها فقالت : هاهنا في رَهْبِي ، أي كُمِّي . والأول أصح . قال تعالى : وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً « الأنبياء : 90 » وقال : تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ الله « الأنفال : 60 » وقوله : وَاسْتَرْهَبُوهُمْ « الأعراف : 1 » أي حملوهم على أن يَرْهَبُوا ، وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ « البقرة : 40 » أي فخافون . والترَهُّبُ : التعبد وهو استعمال الرهبة .
والرَّهْبَانِيّةُ : غلوٌّ في تحمل التعبد من فرط الرهبة . قال : وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها « الحديد : 27 » والرُّهْبَانُ : يكون واحداً وجمعاً ، فمن جعله واحداً جمعه على رَهَابِينَ ، ورَهَابِنَةٌ بالجمع أليق .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 392 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والْإِرْهَابُ : فزع الإبل ، وإنما هو من أَرْهَبْتُ . ومنه الرَّهْبُ من الإبل . وقالت العرب : رَهَبُوتٌ خير من رحموت .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه المادة في اثني عشر مورداً : في الأمر برهبة الله تعالى : وَأَوْفُوا بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّاىَ فَارْهَبُونِ . وَقَالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّاىَ فَارْهَبُونِ .
وفي وصف أهل التـوراة : وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ .
وفي رغبة الأنبياء عليهم السلام ورهبتهم : إِنَّهُمْ كَأنوا يُسَـارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَـا خَاشِعِينَ .
وفي آيــة موسى عليه السلام : أُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ . . وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ . أي لرفع الرهب من شعاع يدك .
وفي وصف تاثير سحرة فرعون : فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ .
وفي الإعداد لإرهاب العــدو : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَ اللهِ وَعَدُوَكُمْ . . لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ .
وفي مدح رهبان النصارى : وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُــوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسـيِنَ وَرُهْبَانًـا وَأَنَّهُمْ لا يَسْـتَكْبِرُونَ . وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَـا مَا كَتَبْنَاهَـا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حق رِعَايَتِهَا .
وفي ذم الرهبان السيئين ومن اتبعهم : إِتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ .
ويتضح بذلك أن الرهبة نوع من خوف الله تعالى يتضمن الخشية . وقد أجاد الراغب بقوله : مخافةٌ مع تحرز واضطراب .
رَهَطَ - رهطاء
الرَّهْطُ : العصابة دون العشرة ، وقيل : يقال إلى الأربعين . قال : تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ « النمل : 48 » وقال : وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ « هود : 91 » يا قَوْمِ أَرَهْطِي « هود : 92 » .
والرُّهَطَاءُ : جُحْرٌ من جحر اليربوع ويقال لها رُهَطَةٌ ، وقول الشاعر :
أجْعَلْكَ رَهْطاً على حَيِّضٍ
فقد قيل : أديم تلبسه الحيِّض من النساء ، وقيل الرَّهْطُ : خرقةٌ تحشو بها الحائض متاعها عند الحيض ، ويقال : هو أذل من الرهط .
رَهَقَ - رهَقاً - أرهقه - إرهاقاً
رَهِقَهُ الأمر : غَشِيَهُ بقهر ، يقال : رَهِقْتُهُ وأَرْهَقْتُهُ نحو ردفته وأردفته ، وبعثته وابتعثته . قال : وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ « يونس : 27 »
وقال : سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً « المدثر : 17 » . ومنه : أَرْهَقْتُ الصلاة : إذا أخرتها حتى غَشي وقت الأخرى .
رَهَنَ - أرهنَ - رهناً - رهان - ارتهن - ارتهاناً- مرهون
الرَّهْنُ : ما يوضع وثيقة للدَّيْن ، والرِّهَانُ مثله ، لكن يختص بما يوضع في الخطار وأصلهما مصدر ، يقال : رَهَنْتُ الرَّهْنَ ورَاهَنْتُهُ رِهَاناً فهو رَهِينٌ ومَرْهُونٌ . ويقال في جمع الرَّهْنِ : رِهَانٌ ورُهُنٌ ورُهُونٌ . وقرئ : فَرُهُنٌ مقبوضة ، وفَرِهانٌ .
وقيل في قوله : كل نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ « المدثر : 38 » إنه فعيل بمعنى فاعل ، أي ثابتة مقيمة . وقيل بمعنى مفعول ، أي كل نفس مُقَامةٌ في جزاء ما قدم من عمله .
ولما كان الرهن يتصور منه حبسه استعير ذلك للمحتبس أي شئ كان ، قال : بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ « المدثر : 38 »
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 393 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ورَهَنْتُ فلاناً ، ورَهَنْتُ عنده ، وارْتَهَنْتُ : أخذت الرهن ، وأَرْهَنْتُ في السِّلْعة : قيل غاليت بها ، وحقيقة ذلك : أن يدفع سلعة تقدمةً في ثمنه ، فتجعلها رهينة لإتمام ثمنها .
ملاحظات
تقدم في بسل معنى قوله تعالى : كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ . إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ . وأن المُبْسَــل ممنوع من الخير والتقدم ، ولا استثناء فيه ، والمحبوس الرهينة ممنوع من الحركة ، لكن فيه استثناء . وقال بعضهم إن الفئة المستثناة التي لها أعمال سيئة ولا تُرتهن بها هي أطفالُ المسلمين « الحاكم : 2/507 » لكن لاذنوب لهم ليُبسلوا بها . وقيل : قوم صالحون . وقيل : الملائكة ! « الطبري : 29/206 » . وقال الإمام الباقر عليه السلام : « نحن وشيعتنا أصحاب اليمين » . « الكافي : 1/434 » .
رَهَوَ- رهواً - رهاء
وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً « الدخان : 24 » أي ساكناً ، وقيل : سعة من الطريق ، وهو الصحيح . ومنه الرَّهَاءُ : للمفازة المستوية . ويقال لكل جوبة مستوية يجتمع فيها الماء : رَهْوٌ . ومنه قيل : لا شفعة في رَهْوٍ . ونظر أعرابيٌّ إلى بعير فالج فقال : رَهْوٌ بين سنامين .
رَيَبَ - رابه - أرابه - ارتاب - ريباً - مريب - مرتاب
يقال رَابَنِي كذا وأَرَابَنِي ، فَالرَّيْبُ : أن تتوهم بالشئ أمراً ما ، فينكشف عما تتوهمه . قال الله تعالى : يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ « الحـج : 5 » وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا « البقرة : 23 » تنبيهاً [على] أنْ لا ريب فيه . وقوله : رَيْبَ الْمَنُونِ « الطور : 30 » سماه ريباً لا أنه مشكِّك في كونه ، بل من حيث تشكُّك في وقت حصوله ، فالإنسان أبداً في ريب المنون من جهة وقته ، لا من جهة كونه ، وعلى هذا قال الشاعر :
الناسُ قد عَلِموا أنْ لا بَقَاءَ لهمْ
لو أنَّهمْ عَمِلُوا مِقْدارَ ما عَلِمُوا
ومثله : أمِنَ المَنُونِ وريْبها تتوجَّعُ . وقال تعالى : لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ « هود : 110 » مُعْتَدٍ مُرِيبٍ « قاف : 25 » .
والإرْتِيابُ يجري مجرى الْإِرَابَةِ ، قال : أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ « النور : 50 » وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ « الحديد : 14 » .
ونفى عن المؤمنين الِارْتِيَابَ فقال : وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ « المدثر : 31 » . وقال : ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا « الحجرات : 15 » وقيل : دع ما يُرِيبُكَ إلى ما لا يُرِيبُكَ . ورَيْبُ الدهر صروفه . وإنما قيل رَيْبٌ لما يتوهم فيه من المكر . والرِّيبَةُ : إسم من الريب قال : بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ « التوبة : 110 » أي تدل على دغل وقلة يقين .
رُوح - ريح - مَروحة - راحة - تَرَوَّح- رَوَحان
الرَّوْحُ والرُّوحُ : في الأصل واحد ، وجُعل الروح إسماً للنفس ، قال الشاعر في صفة النار :
فقلت لهُ ارفَعْهَا إليكَ وأحْيِهَا
بِرُوحِكَ واجعلْ لها قُبَّةً قِدْرَا
وذلك لكون النفس بعض الروح كتسمية النوع باسم الجنس ، نحو تسمية الإنسان بالحيوان ، وجعل إسماً للجزء الذي به تحصل الحياة والتحرك ، واستجلاب المنافع واستدفاع المضار ، وهو المذكور في قوله : وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِي « الإسراء : 85 » وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي « الحجــر : 29 » . وإضافته إلى نفسه إضافة ملك ، وتخصيصه بالإضافة تشريفاً له وتعظيماً ، كقوله : وَطَهِّرْ بَيْتِيَ « الحج : 26 » ويا عِبادِيَ « الزمر : 53 » .
وسَمَّي أشراف الملائكة أَرْوَاحاً نحو : يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا « النبأ : 38 » تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ « المعارج : 4 »
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 394 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ « الشعراء : 193 »
وسَمَّى به جبريل ، وسماه بِرُوحِ القدس في قوله : قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ « النحل : 102 » وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ « البقرة : 253 » . وسَمَّى عيسى عليه السلام رُوحاً في قوله : وَرُوحٌ مِنْهُ « النساء : 171 » وذلك لما كان له من إحياء الأموات . وسمى القـرآن رُوحاً في قوله : وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا « الشوري : 52 » وذلك لكون القـرآن سبباً للحياة الأخروية الموصوفة في قوله : وَإن الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ « العنكبوت : 64 » .
والرَّوْحُ التنفُّس ، وقـد أَرَاحَ الإنسان إذا تنفس . وقوله : فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ « الواقعة : 89 » فالرَّيْحَانُ : ما له رائحة ، وقيل : رزق . ثمّ يقال للحب المأكول رَيْحَانٌ في قوله : وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ « الرحمن : 12 » وقيل لأعرابيٍّ : إلى أين . فقال : أطلب من رَيْحَانِ الله أي من رزقه ، والأصل ما ذكرنا . وروي : الولد من رَيْحَانِ الله ، وذلك كنحو ما قال الشاعر :
يا حبَّــــذا رِيـــحُ الوَلَدْ
رِيحُ الخُزَامَـــى في البَلَـــدْ
أو لأن الولد من رزق الله تعالى .
والرِّيحُ : معروف ، وهي فيما قيل الهواء المتحرك . وعامة المواضع التي ذكر الله تعالى فيها إرسال الريح بلفظ الواحد فعبارة عن العذاب ، وكل موضع ذكر فيه بلفظ الجمع فعبارة عن الرحمة .
فمن الرِّيحِ : إنا أَرْسَلْنــا عَلَيْهِمْ رِيحــاً صَرْصَراً « القمر : 19 » فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً « الأحزاب : 9 » مَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ « آل عمران : 117 » اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ « إبراهيم : 18 » .
وقال في الجمع : وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ « الحجر : 22 » أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ « الروم : 46 » يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً « الأعراف : 57 » . وأما قوله : يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا ، فالأظهر فيه الرحمة ، وقرئ بلفظ الجمع وهو أصح . وقد يستعار الريح للغلبة في قوله : وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ « الأنفال : 46 »
وقيل : أَرْوَحَ الماءُ : تغيرت ريحه ، واختص ذلك بالنَّتَن . ورِيحَ الغديرُ يَرَاحُ : أصابته الرِّيحُ . وأَرَاحُوا : دخلوا في الرَّوَاحِ . ودهن مُرَوَّحٌ : مطيب الريح . وروي : لم يَرَحْ رَائِحَةَ الجنة ، أي لم يجد ريحها .
والمَرْوَحَةُ : مهب الريح . والمِرْوَحَةُ : الآلة التي بها تستجلب الريح . والرَّائِحَةُ : تَرَوُّحُ هواء .
ورَاحَ فلان إلى أهله : إما أنه أتاهم في السرعة كالريح ، أو أنه استفاد برجوعه إليهم روحاً من المسرة .
والرَّاحةُ : من الرَّوْح ، ويقال : إفعل ذلك في سراح ورَوَاحٍ ، أي سهولة . والمُرَاوَحَةُ في العمل : أن يعمل هذا مرة وذلك مرة . واستعير الرَّوَاحُ للوقت الذي يراح الإنسان فيه من نصف النهار ، ومنه قيل : أَرَحْنَا إبلَنا ، وأَرَحْتُ إليه حقه مستعار من : أرحت الإبل . والمُرَاحُ : حيث تُرَاحُ الإبل . وتَرَوَّحَ الشجر ورَاحَ يَراحُ : تفطر . وتُصُوِّرَ من الروح السعة فقيل : قصعة رَوْحَاءُ . وقولــه : لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ الله « يوسف : 87 » أي من فرجه ورحمته ، وذلك بعض الروح .
رَوَدَ - ارتاد - ارتياداً - رَوْداً -رائد - أراد - راود
الرَّوْدُ : التردد في طلب الشئ برفق ، يقال : رَادَ وارْتَادَ ، ومنه : الرَّائِدُ لطالب الكلأ . ورَادَ الإبل : في طلب الكلأ . وباعتبار الرفق قيل : رَادَتِ الإبلُ في مشيها تَرُودُ رَوَدَاناً ، ومنه بُني المرْوَدُ . وأَرْوَدَ يُرْوِدُ : إذا رفق ، ومنه بُنِيَ رُوَيْدٌ ، نحو : رُوَيْدَكَ الشِّعْرُ يَغِبْ . والْإِرَادَةُ : منقولة من رَادَ يَرُودُ : إذا سعى في طلب شئ . والْإِرَادَةُ في الأصل : قوة مركبة من شهوة وحاجة وأمل ، وجُعل إسماً لنزوع النفس إلى الشئ مع الحكم فيه بأنه ينبغي أن يفعل أو لا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 395 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يفعل ، ثم يستعمل مرة في المبدأ وهو : نزوع النفس إلى الشئ ، وتارة في المنتهى ، وهو الحكم فيه بأنه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل . فإذا استعمل في الله فإنه يراد به المنتهى دون المبدأ ، فإنه يتعالى عن معنى النزوع ، فمتى قيل أَرَادَ الله كذا ، فمعناه حكم فيه أنه كذا وليس بكذا ، نحو : إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً « الأحزاب : 17 » .
وقد تُذْكر الْإِرَادَةُ ويراد بها معنى الأمر ، كقولك : أُرِيدُ منك كذا ، أي آمرك بكذا نحو : يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ « البقرة : 185 » . وقد يذكر ويراد به القصد نحو : لايُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ « القصص : 83 » أي يقصدونه ويطلبونه . والْإِرَادَةُ : قد تكون بحسب القوة التسخيرية والحسية ، كما تكون بحسب القوة الإختيارية ، ولذلك تستعمل في الجماد ، وفي الحيوانات نحو : جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ « الكهف : 77 » ويقال : فرسي تريد التبن .
والمُرَاوَدَةُ : أن تنازع غيرك في الإرادة ، فتريد غير ما يريد ، أو ترود غير ما يرود . ورَاوَدْتُ : فلاناً عن كـذا . قــال : هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي « يوسف : 26 » وقال : تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ « يوسف : 30 » أي تصرفه عن رأيه . وعلى ذلك قوله : وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ « يوسف : 32 » سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ « يوسف : 61 » .
ملاحظات
جعل الخليل أراد ، وارتاد ، وراود ، أصلاً واحداً هو رَوَدَ ، وتبعه عامة اللغويين وتبعهم الراغب . وجعلوا رود وأراد بمعنى واحد . وفيه إشكال أساسي لأن المراودة من أفعال الخارج ، وهي تتضمن طرفاً آخر ومحاولة . والإرادة من أفعال النفس وليس فيها طرفان . فالأقرب أن يكونا أصلين .
رَأْس- رؤوس -أرؤس
الرَّأْسُ : معروف وجمعه رُؤُوسٌ ، قال : وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً « مريم : 4 » وَلا تَحْلِقُـوا رُؤُسَكُمْ « البقرة : 196 » ويعبر بِالرَّأْسِ عن الرَّئِيسِ . والْأَرْأَسُ : العظيم الرّأس ، وشاة رَأْسَاءُ : اسودَّ رأسها . ورِيَاسُ السيف : مقبضه .
رَيَشَ - راش السهم - يريشه
رِيشُ الطائر : معروف ، وقد يخص الجناح من بين سائره . ولكون الرِّيش للطائر كالثياب للإنسان استعير للثياب . قال تعالى : وَرِيشاً وَلِباسُ التقْوى « الأعراف : 26 » وقيل : أعطاه إبلاً بِرِيشِهَا ، أي ما عليها من الثياب والآلات .
ورِشْتُ السَّهْمَ : أَرِيشُهُ رَيْشاً فهو مَرِيشٌ : جعلت عليه الريش ، واستعير لإصلاح الأمر ، فقيل : رِشْتُ فلاناً فَارْتَاشَ ، أي حَسُنَ حاله ، قال الشاعر :
فَرِشْنِي بخيرٍ طَالمَا قد بَرَيْتَنِي
فَخَيْرُ المَوالي من يَرِيشُ ولا يبري
ورمح رَاشٌ : خوار ، تُصُوِّر منه خَوَر الريش .
رَوَضَ- روضات - راضه - رياضة
الرَّوْضُ : مستنقع الماء والخضرة ، قال : فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ « الروم : 15 » . وباعتبار الماء قيل : أَرَاضَ الوادي واسْتَرَاضَ ، أي كثر ماؤه ، وأَرَاضَهُمْ : أرواهم . والرِّيَاضَةُ : كثرة استعمال النفس لتسلس وتمهر ، ومنه رُضْتُ الدابة . وقولهم : أفعل كذا ما دامت النفس مُسْتَرَاضَةً ، أي قابلة للرياضة ، أو معناه : متسعة ، ويكون من الروض والْإِرَاضَةِ .
وقوله : فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ « الروم : 15 » فعبــارة عن رِيَاضِ الجنة ، وهي محاسـنها وملاذُّها . وقولـه : فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ « الشوري : 22 » فإشارة إلى ما أعد لهم في العقبى من حيث الظاهر ، وقيل : إشارة إلى ما أهَّلهم له من العلوم والأخلاق التي من تخصص بها ، طاب قلبه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 396 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
الرَّوْضُ : معروفٌ ، وهو مكان فيه عُشْبٌ وخضرةٌ على الأقل ، وقد يكون فيه شجر . ولا يصح تعريف الراغب له بأنه : « مستنقع الماء والخضرة » لأن المستنقع : مجتمع الماء الذي طال مكثه !
رَيَعَ - ريعان
الرِّيْعُ : المكان المرتفع الذي يبدو من بعيد ، الواحدة رِيعَةٌ . قال : أَتَبْنُونَ بِكل رِيعٍ آيَةً « الشعراء : 128 » أي بكل مكان مرتفع . وللإرتفاع قيل رَيْعُ البئر للجثوة المرتفعة حواليها . ورَيْعَانُ كل شئ : أوائله التي تبدو منه ، ومنه استعيرالرَّيْعُ للزيادة والإرتفاع الحاصل ومنه : تَرَيَّعَ السراب .
ملاحظات
قال الخليل « 2/243 » : « الرَّيْع : فضل كل شئ على أصله ، نحو الدقيق وهو فضله على كيل البر » . فلم يذكر الخليل ولا غيره عنصـر الإرتفاع ، لكن الراغب أخذه من ابن فارس ، قال « 2/467 » : « رَيَعَ : أصلان ، أحدهما : الإرتفاع والعلو ، والآخر الرجوع » .
ويبدو أن ابن فارس فهم الإرتفاع بالعلو ، بينما هو ارتفاع بالنمو ، يقال ارتفاع الأرض أي ريعها . فهو أصل واحد .
رَوْعَ - رُوعٌ - رعته - روَّعته - أروع- رائع
الرُّوعُ : الخَلَد ، وفي الحديث : إن روح القدس نفث في رُوعِي . والرَّوْعُ : إصابة الرُّوع ، واستعمل فيما ألقي فيه من الفزع ، قال : فَلما ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ « هود : 74 » يقال : رُعْتُهُ ورَوَّعْتُهُ . ورِيعَ فلان ، وناقة رَوْعَاءُ : فزعة . والْأَرْوَعُ : الذي يروع بحسنه كأنه يفزع ، كما قال الشاعر :
يهولُك أن تلقاهُ صَدْرَاً لمَِحْفَل
ملاحظات
الرَّوْع : الفزع . والرُّوع : القلب . وجعلهما أكثر اللغوين أصلين ، قال الجوهري « 3/1223 » : « الرَّوْع بالفتح : الفزع ، والرَّوْعَة : الفزعة . والرُّوع بالضم : القلب والعقل . يقال وقع ذلك في رُوعي ، أي في خلدي وبالي » .
وقال ابن فارس « 2/459 » : « أصل واحد يدل على فزع ، أو مستقر فزع » . وأخذه منه الراغب ، لكن الخليل وهو أعلم منهما جعل الفزع فيه بمعنى الإعجاب بالجمال أو الكثرة ، قال « 2/242 » : « الرَّوْع : الفزع . راعني هذا الأمر يَرُوعني وارتعتُ له ، وروَّعني فتروَّعت منه ، وكذلك كل شئ يروعك منه جمالٌ أو كثرة . تقول : راعني فهو رائع . وفرس رائع : كريم يروعك حسنه . والأروع : من الرجال : من له جسم وجهارة وفضل وسؤدد . والقياس في اشتقاق الفعل منه : رَوَعَ يَرُوعُ رَوْعاً . ورَوْعُ القلب : ذهنُه وخَلَدُه . يقال : رجع إليه رَوْعُه ورِوَاعُه ، إذا ذهب قلبه ثم ثاب إليه » .
ورأي الخليل أصح ، لأن الفزع الذي في الرَّوْع هو الإعجاب والإندهاش ، وليس الخوف العادي .
رَوَغَ - راغ - روغاناً
الرَّوْغُ : الميل على سبيل الإحتيال ومنه : رَاغَ الثعلب يَرُوغُ رَوَغَاناً . وطريق رَائِغٌ : إذا لم يكن مستقيماً كأنه يُرَاوِغُ . ورَاوَغَ فلان فلاناً ، ورَاغَ فلان إلى فلان : مال نحوه لأمر يريده منه بالإحتيال . قال : فَراغَ إِلى أَهْلِهِ « الذاريات : 26 » فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ « الصافات : 93 » أي مال ، وحقيقتـه : طلب بضربٍ من الرَّوَغَانِ ، ونبه بقوله على ، على معنى الإستيلاء .
ملاحظات
اشتهر عند الناس رَوَغَان الثعلب ، فصرنا ننظر بالذم الى كل مراوغة ، لكن قوله تعالى : فَراغَ إِلى أَهْلِهِ ، وصفٌ لذهاب إبراهيم عليه السلام الى أهله وجلبه لضيوفه عجلاً حنيذ اً . وقال تعالى في تكسيره للأصنام : فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 397 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بِالْيَمِينِ . فأصل راغ بمعنى سارعَ ومالَ وحادَ وهو بذاته لايتضمن ذماً ، بل الذم يأتيه من الفعل أو الفاعل . قال الخليل « 4/445 » : « طريق رائغ ، أي مائل ، وراغ فلان إلى فلان أي مال إليه سراً ، وتقول : يديرني فلانٌ عن أمر ، وأنا أريغه » .
رَأَفَ - رؤفَ - رأفة - رئفٌ - رؤوف
الرَّأْفَةُ : الرحمة ، وقد رَؤُفَ فهو رَئِفٌ ورَؤُوفٌ نحو يقظ وحذر ، قال تعالى : لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله . « النور : 2 » .
ملاحظات
لا يصح جعل الرأفة نفس الرحمة بلا فرق ، لقوله تعالى : وَآتَيْنَاهُ الإنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً . إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ . وذكر الجوهري أن الرأفة أشد الرحمة . والظاهر أن الرأفة رحمة خاصة عند حدوث موضوعها ، كأن ترى فقيراً أو مستغيثاً أو مظلوماً يستوجب الرحمة ، فترأف به . ويؤيده النهي عنها في قوله تعالى : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ . لأن رقة القلب قد تمنع من إيقـــاع العقوبة أو الرضا بها حتى للتأديب ، فهي رأفة خاطئة ، ويقابلها رأفة صحيحة في غير الحد الشرعي ، وكلاهما رأفة . فالرحمة رقة عامة ، والرأفة رقة خاصة عند حضور موضوعها .
رَوَمَ
ألم . غُلِبَتِ الرُّومُ « الروم : 1 » يقال مرةً للجيل المعروف ، وتارة لجمع رُومي كالعجم .
رَيَنَ - رانَ
الرَّيْنُ : صدأٌ يعلو الشئ الجلي ، قال : بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ « المطففين : 14 » أي صار ذلك كصدأ على جلاء قلوبهم ، فعميَ عليهم معرفة الخير من الشر ، قال الشاعر :
قد رَانَ النُّعَاسُ بهِمْ
وقد رِينَ على قلبهِ
رَأَى- رأيٌ- رؤيا - مرآة - رئة - تراءى - روية - تروية
رَأَى : عينه همزة ، ولامه ياء ، لقولهم : رُؤْيَةٌ ، وقد قَلَبَهُ الشاعر فقال :
وكل خليـــلٍ رَاءَنِي فهـــو قائلٌ
منَ اجْلِكَ هذا هامةُ اليومِ أو غَدِ
وتحذف الهمزة من مستقبله فيقال : تَرَى ويَرَى ونَرَى ، قال : فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً « مريم : 26 » وقال : أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ « فصلت : 29 » وقرئ : أرنا . والرُّؤْيَةُ : إدراك المَرْئِيُّ ، وذلك أضرب بحسب قوى النفس .
والأول : بالحاسة وما يجري مجراها ، نحو : لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ « التكاثر : 6 » وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى الله « الزمر : 60 » .
وقـوله : فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ « التوبة : 105 » فإنه مما أجري مجرى الرؤية الحاسة ، فإن الحاسة لا تصح على الله ، تعالى عن ذلك . وقولـه : إنهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاتَرَوْنَهُمْ « الأعراف : 27 » .
والثاني : بالوهم والتخيل ، نحو : أَرَى أن زيداً منطلق ، ونحو قوله : وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا « الأنفال : 50 » . والثالث : بالتفكُّر ، نحـو : إني أَرى ما لا تَرَوْنَ « الأنفال : 48 » .
والرابع : بالعقل ، وعلى ذلك قوله : ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى « النجم : 11 » وعلى ذلك حمل قوله : وَلَقَـدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى « النجم : 13 » .
ورَأَى : إذا عُدِّيَ إلى مفعولين اقتضى معنى العلم ، نحو : وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ « سبأ : 6 » وقـال : إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ « الكهف : 39 » . ويجري أَرَأَيْتَ مجرى أخبرني ، فيدخل عليه الكاف ، ويترك التاء على حالته في التثنية والجمع
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 398 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والتأنيث ، ويسلَّط التغيير على الكاف دون التاء ، قال : أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي « الإسراء : 62 » قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ « الأنعام : 40 » وقوله : أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى « العلق : 9 » قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ « الأحقاف : 4 » قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ « القصص : 71 » قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ « الأحقاف : 10 » أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا « الكهف : 63 » كل ذلك فيه معنى التنبيه .
والرَّأْيُ : اعتقاد النفس أحد النقيضين عن غلبة الظن ، وعلى هذا قوله : يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ « آل عمران : 13 » أي يظنونهم بحسب مقتضى مشاهدة العين مثليهم ، تقول : فعل ذلك رأي عيني ، وقيل : رَاءَةَ عيني .
والرَّوِيَّةُ والترْوِيَةُ : التفكر في الشئ ، والإمالة بين خواطر النفس في تحصيل الرأي . والمُرْتَئِي والمُرَوِّي : المتفكر . وإذا عُدي رأيت بإلى ، اقتضى معنى النظر المؤدي إلى الإعتبار نحو : أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ « الفرقان : 45 » وقوله : بِما أَراكَ اللهُ « النساء : 105 » أي بما علمك . والرَّايَةُ : العلامة المنصوبة للرؤية . ومع فلان رَئِيٌّ من الجنّ . وأَرْأَتِ الناقة فهي مُرْءٍ : إذا أظهرت الحمل حتى يرى صدق حملها .
والرُّؤْيَا : ما يرى في المنام ، وهو فُعْلى وقد يخفف فيه الهمزة فيقال بالواو . ورُوي : لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا . قال : لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ « الفتح : 27 » وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ « الإسراء : 60 » . وقوله : فَلما تَراءَا الْجَمْعانِ « الشعراء : 61 » أي تقاربا وتقابلا حتى صار كل واحد منهما بحيث يتمكن من رؤية الآخر ، ويتمكن الآخر من رؤيته . ومنه قوله : لا تَتَرَاءَى نارهما . ومنازلهم رِئَاءٌ : أي متقابلة . وفعل ذلك رِئَاءَ الناس أي مُرَاءَاةً وتشيعاً [تعصباً] .
والْمِرْآةُ : ما يرى فيه صورة الأشياء ، وهي مفعلة من رأيت نحو : المصحف من صحفت ، وجمعها مَرَائِي .
والرِّئَةُ : العضو المنتشر عن القلب ، وجمعه من لفظه رِؤُونَ ، وأنشد أبو زيد :
فَغِظْنَاهُمُ حتى أتَى الغَيْــظ مِنْهمُ
قُلوباً وأكبـــاداً لهـــم ورئينـــا
ورِئْتُهُ : إذا ضربت رِئَتَهُ .
رَوَى - رِواءً - ريّاً - رئيا - مروءة
تقول : ماء رَوَاءٌ ورِوىً ، أي كثير مُرْوٍ ، فَرِوىً على بناء عِدىً : ومَكاناً سُوىً « طه : 58 » قال الشاعر :
مَنْ شَكَّ في فَلَجٍ فَهَذَا فَلَجُ
ماءٌ رِوَاءٌ وَطَرِيقٌ نَهَجُ
وقوله : هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً « مريم : 74 » فمن لم يهمز جعله من رَوِيَ كأنه رَيَّانُ من الحسن ، ومن همز فللذي يرمق من الحسن به . وقيل : هو منه على ترك الهمز . والرِّيُّ : إسم لما يظهر منه . والرِّوَاءُ منه ، وقيل هو مقلوب من رأيت .
قال أبو علي الفسوي : المروءة هو من قولهم حسن في مرآة العين . كذا قال ، وهذا غلط لأن الميم في مرآة زائدة ، ومروءة فعولة . وتقول : أنت بمرأى ومسمع ، أي قريب . وقيل : أنت مني مرأى ومسمع ، بطرح الباء . ومرأى : مفعل من رأيت .

تم كتاب الراء .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 399 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 400 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب الزاء وما يتصل بها

ز
يشمل 24 مفردة و 24 ملاحظة
زَبَد - أزبد - زبداً - زُبْد - زباد
الزَّبَدُ : زَبَدُ الماء ، وقد أَزْبَدَ ، أي صار ذا زَبَدٍ ، قال : فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً « الرعد : 17 » . والزُّبْدُ اشتق منه لمشابهته إياه في اللون ، وزَبَدْتُهُ زَبَداً : أعطيته مالاً كالزبد كثرة ، وأطعمته الزُّبْدَ . والزَّبَادُ : نور يشبهه بياضاً .
زَبَرَ- زبور - زُبُر - زئبر
الزُّبْرَةُ : قطعة عظيمة من الحديد ، جمعه زُبَرٌ ، قال : آتُونِي زُبَرَالْحَدِيدِ « الكهف : 96 » وقد يقال : الزُّبْرَةُ من الشعر جمعه زُبُرٌ . واستعير للمجزأ قال : فَتَقَطعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً « المؤمنون : 53 » أي صاروا فيه أحزاباً . وزَبَرْتُ الكتاب : كتبته كتابة غليظة ، وكل كتاب غليظ الكتابة يقال له : زَبُورٌ ، وخُصَّ الزَّبُورُ بالكتاب المنزل على داود عليه السلام قال : وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً « النساء : 163 » وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ « الأنبياء : 105 » وقرئ زُبُوراً بضم الزاي وذلك جمع زَبُورٍ ، كقولهم في جمع ظريف : ظروف ، أو يكون جمع زِبْرٍ .
وزِبْرٌ : مصدر سمي به كالكتاب ، ثم جمع على زُبُرٍ ، كما جمع كتاب على كتب . وقيل : بل الزَّبُورُ كل كتاب يصعب الوقوف عليه من الكتب الإلهية . قال : وَإنهُ لَفِي زُبُرِالأولينَ « الشعراء : 196 » وقـال : وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ « آل عمران : 184 » أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ « القمر : 43 » .
وقال بعضهم : الزَّبُورُ : إسم للكتاب المقصور على الحكم العقلية دون الأحكام الشرعية ، والكتاب : لما يتضمن الأحكام والحكم ، ويدل على ذلك إن زبور داود عليه السلام لا يتضمّن شيئاً من الأحكام .
وزِئْبُرُ الثوب : معروف . والْأَزْبَرُ : ما ضخم زُبْرَةُ كاهله ، ومنه قيل : هاج زَبْرَؤُهُ ، لمن يغضب .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 401 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
وردت مادة زَبَرَ بمعان عديدة . قال ابن فارس « 3/44 » : « زَبَرَ : أصلان ، أحدهما : يدل على إحكام الشئ وتوثيقه . والآخر : يدل على قراءة وكتابة ، وما أشبه ذلك » وبما أن القراءة والكتابة أصلٌ في الدين الإلهي فـلا بد أن تكـون كلماتهــا قديمة وأن يتوارثهـا الأنبياء عليهم السلام
وأممهم . قـال تعالى : وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَلِيـنَ . أي كـان مبشـراً به في كتب الأنبيــاء الأقدمين عليهم السلام . وسَمَّى كتاب داود الزبور ، قـال تعالى : وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ .
وقد وردت كلمة الزبر في القرآن خمس مرات : لزبر الأنبياء عليهم السلام وثلاثاً لزبور داود عليه السلام ومرة في سد ذي القرنين عليه السلام . وقال تعالى : فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ . وفسروه بالكتب أي كل جماعة تتمسك بزبور كتبته . لكن الظاهر أن زبُراً وصفٌ لهم لا لأمرهم ، ومعناه صاروا جماعات متعصبة كزبر الحديد . وقال تعالى : وَكُلُّ شَئٍْ فَعَلُـوهُ فِي الزُّبُرِ . وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ . ومعناه الزبر التي يكتبها الملكان الكاتبان .
هذا ، وقد ذكر الخليل « 7/363 » للزبر أكثر من عشرة معاني ، وذكر لها غيره عشرات المعاني ، وهي متفاوتة وفيها المتضاد ، ولا يمكن الجزم بالمعنى الأصلي لها ، والظاهر أن أصلها غير عربي . وذكروا أن معنى : له زبر أي صبر أو عقل ، والعامة تستعمله لآلة الرجل !
زَجَّ - زجاج - زجاجة - زججته بالرمح - الزُّج - زجج - أزج - زجج
الزُّجَاجُ : حجر شفاف ، الواحدة زُجَاجَةٌ ، قال : فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأنها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ « النور : 35 » . والزُّجُّ : حديدة أسفل الرمح جمعه زِجَاجٌ . وزَجَجْتُ الرجل : طعنته بالزج . وأَزْجَجْتُ الرمح : جعلت له زُجاً ، وأَزْجَجْتُهُ : نزعت زُجَّهُ . والزَّجَجُ : دقة في الحاجبين مشبه بالزج ، وظليم أَزَجُّ ، ونعامة زَجَّاءُ : للطويلة الرجل .
ملاحظات
من ضعف عربية الراغب أنه عرف الزُّجاج بأنه حجر شفاف ، ولم يقل لوحٌ أو جسمٌ ، يصنع من الرمل مثلاً .
زَجَرَ -زجرة - انزجر - ازدُجر - زاجرات
الزَّجْرُ : طرد بصوت ، يقال : زَجَرْتُهُ فَانْزَجَرَ ، قال : فَإنما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ « النازعات : 13 » . ثم يستعمل في الطـرد تارةً ، وفي الصوت أخرى . وقوله : فَالزَّاجِراتِ زَجْراً « الصافات : 2 » أي الملائكة التي تَزْجُرُ السحاب . وقوله : ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ « القمر : 4 » أي طرد ومنع عن ارتكاب المآثم . وقال : وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ « القمر : 9 » أي طرد . واستعمال الزجر فيه لصياحهم بالمطرود ، نحو أن يقال : أُعْزُب ، وتَنَحَّ ، ووراءك .
ملاحظات
ليس في زَجَر معنى الطرد ، وهو من إضافة الراغب كعادته . بل هي نَهْرٌ وردعٌ ونهيٌ بخشونة . قال الخليل « 6/61 » : « زجرته فانزجر ، أي نهيته » . وقال الجوهري « 2/668 » : « الزجر : المنع والنهى » . وقال ابن فارس « 3/47 » : « تدل على الإنتهار » .
فتفسيره : وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ . بأنه طُرد لايصح . وأسوأ منه تفسيرقول بعضهم إنهم زجروه فانزجر ، أي أطاعهم وسكت ! فإن ازدُجر بمعنى زجروه وليست بمعنى انزجر هو ، قال في تفسير القمي « 2/341 » : « وَقَالوا مجنونٌ وَازْدُجِرْ : أي آذوه وأرادوا رجمه » .
وفي مجمع البيان « 9/312 » : « أي : زُجر بالشتم والرمي بالقبيح » . وتقدم تفسير الزاجرات والمدبرات .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 402 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
زَجَى - زجاه - تزجية
التزْجِيَةُ : دَفْعُ الشّئ لينساق ، كَتَزْجِيَةِ ردء البعير ، وتَزْجِيَةِ الريح السحاب ، قال : يُزْجِي سَحاباً « النور : 43 » وقال : رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ « الإسراء : 66 » ومنه : رجلٌ مُزْجًى ، وأَزْجَيْتُ رديئ التمر فَزَجَا . ومنه استعير : زَجَا الخراج يَزْجُو ، وخراج زَاجٍ وقول الشاعر :
وحاجةٌ غيرُ مُزْجَاةٍ من الحَاجِ
أي غير يسيرة ، يمكن دفعها وسوقها ، لقلة الإعتداد بها .
ملاحظات
في زجا معنى الرقة والرفق في الدفع ، وقد أهملهما الراغب ، وجعله مطلق الدفع ! قال الجوهري « 6/2367 » : « زجيت الشئ تزجية إذا دفعته برفق » .
وقال ابن فارس « 3/7 » : « زجَّ : أصل يدل على رقة في شئ . يقال زججته جعلت له زُجّاً ، فإذا نزعت زجه قلت أزججته . والزجج : دقة الحاجبين وحسنهما ، ويقال إن الأزج من النعام الذي فوق عينه ريش أبيض » . واستشهد ابن منظور « 14/255 » بقول ابن الرقاع العاملي يصف غزالة :
تزجي أغنَّ كأن إبْرَة رُوقة
قلمٌ أصابَ من الدواة مِدادَها
أي تدفع ابنها المغنج برفق .
زَحَحَ - زحزح
فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ « آل عمران : 185 » أي أزيل عن مقره فيها .
زَحَفَ - زحفاً - زحزف - زاحف
أصل الزَّحْفِ : انبعاثٌ مع جر الرجل ، كانبعاث الصبي قبل أن يمشي ، وكالبعير إذا أعيا فجَرَّ فَرْسَنَهُ « خفه » وكالعسكر إذا كثر فيعثر انبعاثه . قال : إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً « الأنفال : 15 » والزَّاحِفُ : السهم يقع دون الغرض .
ملاحظات
الزَّحف : حركة خاصة ، قد تكون عن إعياء ، وقد تكون لغرضٍ كما في الحرب . ويصح إسمه سواء كان من قيام أو قعود وغيره . ولا يشترط أن يجر الزاحف رجله كما زعم الراغب !
زَخْرَفَ - زُخرُف
الزُّخْرُفُ : الزينة المزوَّقة ، ومنه قيل للذهب : زُخْرُفٌ . وقـال : أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها « يونس : 24 » وقال : بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ « الإسراء : 93 » أي ذهب مزوَّق . وقـال : وَزُخْرُفاً « الزخرف : 35 » وقال : زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً « الأنعام : 112 » أي المزوَّقات من الكلام .
زَرَبَ - زِرْب - زرابي - زريبة
الزَّرَابِي : جمع زُرْبٍ ، وهو ضرب من الثياب محبَّر منسوب إلى موضع ، وعلى طريق التشبيه والإستعارة . قال : وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ « الغاشية : 16 » . والزَّرْبُ والزَّرِيبَةُ : موضع الغنم . وقَتَرَةُ الرامي .
زَرَعَ - زرعاً - زروع - زرَّاع - ازدرع
الزَّرْعُ : الإنبات ، وحقيقة ذلك تكون بالأمور الإلهية دون البشرية . قال : أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ « الواقعة : 64 » فنسب الحرث إليهم ونفى عنهم الزَّرْعَ ونسبه إلى نفسه ، وإذا نسب إلى العبد فلكونه فاعلاً للأسباب التي هي سبب الزرع ، كما تقول أنبتُّ كذا : إذا كنت من أسباب نباته . والزَّرْعُ : في الأصل مصدر ، وعُبِّرَ به عن المزْرُوعِ نحو قوله : فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً « السجدة : 27 » وقال : وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ « الدخان : 26 » ويقال : زَرَعَ الله ولدك ، تشبيهاً كما تقول : أنبته الله . والمُزْرِعُ : الزَّرَّاعُ ، وازْدَرَعَ النبات : صار ذا زرع .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 403 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
1 . عرَّف الراغب الزرع بأنه الإنبات ، ويقصد الإستنبات ، وهو خطأ ، وآية : أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لا تنفي فعل الزُّرَّاع وتأثيرهم في إنباته ، فحصر إنباته بالله تعالى لا ينفي استنباته من الزارعين بل تنسب تأثير فعلهم الى الله تعالى .
2 . قال ابن منظور « 8/141 » : « الزَّرْعُ : وقد غلب على البُرّ والشَّعِير ، وجمعه زُرُوع ، وقيل : الزرع نبات كل شئ يحرث » . ويؤيده أن القرآن استعمل الزروع في مقابل الأشجـــار في آيات عديدة ، فقال تعـالى : جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْـلٍ وَجَعَلْنَـا بَيْنَهُمَـا زَرْعًا . . وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ . . يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ .
3 . وقد يشمل الزرع الأشجار ، فقد ضربه الله مثلاً للنبي وعترته صلى الله عليه وآله فقــال : وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ . فهم الشجرة الطيبة ، وهم الزرع الذي أخرج شطأه ، أي أولاده . قال ابن منظور « 7/449 » : « واستغلظ النباتُ والشجر : صار غَلِيظاً . وفي التنزيل العزيز : كزرْع أَخرج شَطْأَه فآزَرَه فاستغلظ فاستوى على سُوقه ، وكذلك جميع النبات والشجر إِذا استحكمت نِبْتَتُه » .
وقال ابن منظور « 1/100 » : « شَطَأَ الزَّرْعُ والنخل : يَشْطَأُ شَطْأً وشُطُوءً : أَخرج شَطْأَه . وأَشْطَأَ الزرعُ إذا فَرَّخ . وأَشْطَأَ الرجلُ : بَلغ ولَدُه مَبْلَغَ الرِّجالِ فصار مثله » .
زَرَقَ - زُرقة - زرقاناً - زُرَق
الزُّرْقَةُ : بعض الألوان بين البياض والسواد ، يقال : زَرَقَتْ عينه زُرْقَةً وزَرَقَاناً . وقوله تعالى : زُرْقاً يَتَخافَتُونَ « طه : 102 » أي عمياً عيونهم لانور لها . والزُّرَقُ : طائر ، وقيل : زَرَقَ الطائرُ يَزْرِقُ . وزَرَقَهُ بِالْمِزْرَاقِ : رماه به .
زَرَى - أزرى - ازدرى
زَرَيْتُ عليه : عِبْتُهُ . وأَزْرَيْتُ به : قصَّرت به وكذلك ازْدَرَيْتُ ، وأصله : افتعلت . قال : وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ « هود : 31 » أي تستقلُّهم ، تقديره : تَزْدَرِيهِمْ أعينكم ، أي تستقلهم وتستهين بهم .
زَعَقَ - زُعاق - زَعِق
الزُّعَاقُ : الماء الملح الشديد الملوحة ، وطعام مَزْعُوقٌ : كثر ملحه حتى صار زُعَاقاً ، وزَعَقَ به : أفزعه بصياحه فَانْزَعَقَ ، أي فزع . والزَّعِقُ : الكثير الزَّعق ، أي الصوت ، والزَّعَّاقُ : النَّعَّار .
ملاحظات
لم ترد هذه المادة في القرآن ، فلا موجب لتدوينها !
زَعَمَ - زعماً - زعيم
الزَّعْمُ : حكاية قول يكون مظنَّةً للكذب ، ولهذا جاء في القرآن في كل موضع ذم القائلون به ، نحو : زَعَمَ الَّـــذِينَ كَفَــرُوا « التغـابن : 7 » بلْ زَعَمْتُمْ « الكهف : 48 » كُنْتُـمْ تَزْعُمُونَ « الأنعام : 22 » زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ « الإسراء : 56 » . وقيل للضمان بالقول والرئاسة : زَعَامَةٌ ، فقيل للمتكفل والرئيس : زَعِيمٌ ، للإعتقاد في قوليهما أنهما مظنة للكذب . قال : وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ « يوسف : 72 » أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ « القلم : 40 » إما من الزَّعَامَةِ أي الكفالة ، أو من الزَّعْمِ بالقول .
ملاحظات
قال الإمام الباقر عليه السلام : « أما علمت أن كل زعم في القرآن كذب » . « الكافى : 2/342 » فالزعيم بمعنى الزاعم مذموم ، لكنه بمعنى الكفيل غير مذموم ، قال الخليل « 1/365 » : « والزعيم : الكفيل بالشئ ، ومنه قوله تعالى : وَأَنَا بِهَ زَعِيم ، أي كفيل » .
زَفَّ - زفيفاً - زفزف
زَفَّ الإبل : يَزِفُّ زَفّاً وزَفِيفاً ، وأَزَفَّهَا سائقُها . وقرئ :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 404 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إِلَيْهِ يَزِفُّونَ « الصافات : 94 » أي يسرعون ، ويَزِفُّونَ أي يحملون أصحابهم على الزَّفِيفِ . وأصل الزَّفِيفِ في هبوب الريح ، وسرعة النعام التي تخلط الطيران بالمشي . وزَفْزَفَ النعام : أسرع . ومنه استعير زَفُّ العروس . واستعارة ما يقتضي السرعة لا لأجل مشيتها ، ولكن للذهاب بها على خفة من السرور .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه المادة في آية واحدة هي قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ . فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ . قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ . والمعنى أقبلوا يهرعون كركض النعام الذي يزف زفيفاً ، أي بسرعة وسيرٍ غير منتظم . فالزفيف ركض النعام بسرعة وخفة ، وهو المناسب لمجي قوم إبراهيم عليه السلام ، وهو ما اتفق عليه اللغويون . لكن الراغب أضاف اليه هبوب الريح !
قال ابن فارس « 3/4 » : « الزاء والفاء : أصل يدل على خفة في كل شئ ، يقال : زفَّ الظليم « ذكر النعام » زفيفاً إذا أسرع . ومنه زُفَّتِ العروسُ إلى زوجها ، وزَفَّ القوم في سيرهم أسرعوا . قال جل ثناؤه : فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ . والزفزافة : الريح الشديدة لها زفزفة أي خفة ، وكذلك الزفزف » . وقال الخليل « 7/351 » : « جاء فلان يزف زفيف النعامة ، أي من سرعته . والزف : صغار ريش النعام والطائر » . فأصل الزفيف من تحريك النعام لريشه الصغار ، وشبهت سرعة الريح بزف النعام ، وليس العكس .
زَفَرَ - زفيراً - ازدُفَِّر
قال : لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ « الأنبياء : 100 » فَالزَّفِيرُ : تردد النَّفَس حتى تنتفخ الضلوع منه . وازْدَفَرَ فلان كذا : إذا تحمله بمشقة فتردد فيه نفسه ، وقيل للإماء الحاملات للماء : زَوَافِرُ .
ملاحظات
عرَّف الراغب الزفير بالشهيق بعبارة فيها عجمة ، والزفير : إخراج النَّفَس ، والشهيق : أخذ النَّفَس . أما الإماء الزوافر فهن اللواتي يحملنَ القرب . والزِّفْرَة : القِربة . وازْدَفَرَ : حَمَل الزِّفر أي القربة الكبيرة ، وقد تكون تسميتها لأن حاملها يزفر من ثقلها . « راجع الصحاح : 2/670 » .
زَقَمَ - زقوم
إن شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ « الدخان : 43 » عبارة عن أطعمة كريهة في النار ، ومنه استعير : زَقَمَ فلان وتَزَقَّمَ : إذا ابتلع شيئاً كريهاً .
ملاحظات
وصف الراغب شجرة الزقوم بأنها كريهة الطعم ، لكن أهل النار يفتتنون بثمرها ، بل يدل قوله تعالى : أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ . إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً للَّظَّالِمِينَ . إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ . طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ . فَإِنَّهُمْ لاكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ . ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ . فهي شجرة سيئة المنظر لكنها شهية لأهل النار ، يحبونها ويملؤون منها بطونهم ، ثم يعطشون فلا يجدون إلا الحميم .
وقال الخليل « 5/94 » : « يقال : الزقوم ، بلغة إفريقية ، الزبد بالتمر . ولما نزلت آية الزقوم لم تعرفه قريش ، فقدم رجل من إفريقية وسئل عن الزقوم فقال الإفريقي : الزقوم بلغة إفريقية : الزبد والتمر . فقال أبو جهل : هاتي يا جارية تمراً وزبداً نزدقمه ، فجعلوا يتزقمون منه ويأكلونه . وقالوا : أبهذا يخوفنا محمد ، فبين الله في آية أخرى : إنا جعلناها فتنة للظالمين ، إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم » . وهذا يؤيد أن ثمرة الزقوم سهلة الأكل كالتمر بالزبد ، فهي تغري آكليها فيزدقمونها .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 405 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
زَكَا- يزكو - زكاةً - أزكى - تزكية - زكاه - تزكى
أصل الزَّكَاةِ : النُّمُو الحاصل عن بركة الله تعالى ويعتبر ذلك بالأمور الدنيوية والأخروية . يقال : زَكَا الزرع يَزْكُو : إذا حصل منه نموٌّ وبركة . وقوله : أَيُّها أَزْكى طَعاماً « الكهف : 19 » إشارة إلى ما يكون حلالاً لا يسـتوخم عقبـاه . ومنه الزَّكاةُ : لما يخرج الإنسان من حق الله تعالى إلى الفقراء ، وتسميته بذلك لما يكون فيها من رجاء البركة ، أو لتزكية النفس ، أي تنميتها بالخيرات والبركات . أو لهما جميعاً ، فإن الخيرين موجودان فيها . وقرن الله تعالى الزَّكَاةَ بالصلاة في القرآن بقوله : وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ « البقرة : 43 » .
وبِزَكَاءِ النفس وطهارتها يصير الإنسان بحيث يستحق في الدنيا الأوصاف المحمودة ، وفي الآخرة الأجر والمثوبة ، وهو أن يتحرى الإنسان ما فيه تطهيره ، وذلك ينسب تارةً إلى العبد لكونه مكتسباً لذلك ، نحو : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها « الشمس : 9 » وتارة ينسب إلى الله تعالى ، لكونه فاعلاً لذلك في الحقيقة نحو : بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ « النساء : 49 » وتارة إلى النبي لكونه واسطة في وصول ذلك إليهم ، نحو : تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها « التوبة : 103 » يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ « البقرة : 151 » وتارة إلى العبادة التي هي آلة في ذلك نحو : وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً « مريم : 13 » لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا « مريم : 19 » أي مُزَكًّى بالخلقة ، وذلك على طريق ما ذكرنا من الإجتباء ، وهو أن يجعل بعض عباده عالماً وطاهر الخلق ، لا بالتعلم والممارسة بل بتوفيق إلهيّ ، كما يكون لجل الأنبياء والرسل . ويجوز أن يكون تسميته بالمزكَّى لما يكون عليه في الإستقبال لا في الحال ، والمعنى : سَيَتَزَكَّى .
وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ « المؤمنون : 4 » أي يفعلون ما يفعلون من العبادة ليُزَكِّيهم الله ، أو لِيُزَكُّوا أنفسهم ، والمعنيان واحد . وليس قوله للزكاة مفعولاً لقوله فاعلون ، بل اللام فيه للعلة والقصد .
وتَزْكِيَةُ الإنسان نفسه ضربان ، أحدهما : بالفعل ، وهو محمود وإليه قصد بقوله : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها « الشمس : 9 » وقوله : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى « الأعلى : 14 » . والثاني : بالقول كتزكية العدل غيره ، وذلك مذموم أن يفعل الإنسان بنفسه ، وقد نهى الله تعالى عنه فقال : فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ « النجم : 32 » ونهيه عن ذلك تأديبٌ لقبح مدح الإنسان نفسه عقلاً وشرعاً . ولهذا قيل لحكيم : ما الذي لا يَحْسُن وإن كان حقاً؟ فقال : مدح الرجل نفسه .
ملاحظات
استعملت مادة الزكاة في القرآن عشرات المرات ، وقرنت بالصلاة ، وجعلت ركناً عملياً بني عليه الإسلام : الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ . وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى ، الَّذِي يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّى . وتشمل الزكاة عبادة الله وعمل الخير : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى . . وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى . وتسمى الزكاة الصدقة ، لأنها دليل على صدق الإيمان ، وتشمل الخمس فهو زكاة المال بتخميسه ، وتشمل الصدقة المستحبة . وتشمل تزكية الإنسان نفسه بالعمل الصالح : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وتزكية النبي للمؤمنين : وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ . وتزكية الله لهم : بَلِ اللهُ يُزَكِّى مَنْ يَشَاءُ . والطعام الزكي : فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا . والإنسان البرئ زكي : أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ . والمولود الذي زكاه الله خلقةً : قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا .
زَلَّ - زلَّ - زللاً - زلة - مزلة - استزله - زلزل - تزلزل
الزَّلَّةُ : في الأصل استرسالُ الرجل من غير قصد ، يقال : زَلَّتْ رِجْله تَزِلُّ . والْمَزِلَّةُ : المكان الزلق . وقيل للذنب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 406 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من غير قصد : زَلَّةٌ ، تشبيهاً بزلة الرجل . قال تعالى : فَإِنْ زَلَلْتُمْ « البقرة : 209 » فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ « البقرة : 36 » . واسْتَزَلَّهُ : إذا تحرّى زلته . وقوله : إنمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ « آل عمران : 155 » أي استجرهم الشيطان حتى زَلُّوا ، فإن الخطيئة الصغيرة إذا ترخص الإنسان فيها تصير مسهلة لسبيل الشيطان على نفسه .
وقوله عليه السلام : من أُزِلَّتْ إليه نعمةٌ فليشكرها ، أي من أوصل إليه نعمة بلا قصد من مسديها ، تنبيهاً [على] أنه إذا كان الشكر في ذلك لازماً فكيف فيما يكون عن قصده .
التزَلْزُلُ : الإضطراب ، وتكريرحروف لفظه تنبيهٌ على تكرير معنى الزلل فيه ، قال : إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها « الزلزلة : 1 » . وقال : إن زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَئ عَظِيمٌ « الحج : 1 » وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً « الأحزاب : 11 » أي زُعْزِعُوا من الرُّعب .
زَلَفَ - زُلفة - زلفى- ازدلف - مزدلفة - أزلفه
الزُّلْفَةُ : المنزلة والحظوة ، وقوله تعالى : فَلما رَأَوْهُ زُلْفَةً « الملك : 27 » قيل معناه : لما رأوا زلفة المؤمنين وقد حرموها . وقيل : استعمال الزلفة في منزلة العذاب كاستعمال البشارة ونحوها من الألفاظ . وقيل لمنازل الليل زُلَفٌ . قال : وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ « هود : 114 » قال الشاعر :
طيُّ الليالي زُلَفاً فزُلَفا
والزُّلْفَى : الحظوة ، قال الله تعالى : إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى الله زُلْفى « الزمر : 3 » . والمَزَالِفُ : المراقي ، وأَزْلَفْتُهُ : جعلت له زلفى . قال : وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِين « الشعراء : 64 » وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ « الشعراء : 90 » . وليلة المُزْدَلِفَةِ : خصت بذلك لقربهم من منى بعد الإفاضة . وفي الحديث : إزْدَلِفُوا إلى الله بركعتين .
ملاحظات
زلف وازدلف : تحرك باندفاعٍ ازدلافاً الى شئ ، أو عن شئ . فلا وجه في تخصيصه بالإزدلاف الى الشئ . وله عنده زلفى أي حظوة ودرجة من القرب . ومعنى : فَلما رَأَوْهُ زُلْفَةً ، أي مقبلاً يزدلف . وسميت المزدلفة لأن الناس يزدلفون فيها من عرفات الى منى . وقوله تعالى : وَأَقِمِ الصَّلَوةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ، لا تعني قِطعاً من الليل كما قيل ، بل معنى طرفي النهار : صلاة الصبح والمغرب ، وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ، أي تقرب الى ربك قربات في الليل . وليس فيها تعيين وقتٍ حتى للمغرب والعشاء . قال الجوهري « 4/1370 » : « الزلفة والزلفى : القربة والمنزلة ، ومنه قوله تعالى : وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى ، كأنه قال : بالتي تقربكم عندنا ازدلافاً » . وقال ابن فارس : « 3/21 » : « زَلَفَ : يدل على اندفاع وتقدم في قرب إلى شئ ، يقال من ذلك ازدلف الرجل : تقدم . وسميت مزدلفة بمكة لاقتراب الناس إلى منى بعد الإفاضة من عرفات . ويقال : لفلان عند فلان زلفى ، أي قربى ، قال الله جل وعز : وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى . والزُّلْفُ والزُّلْفَةُ : الدرجة والمنزلة . وأزلفتُ الرجل إلى كذا : أدنيته . وأما الزُّلَفُ من الليل فهي طوائفُ منه ، لأن كل طائفة منها تقرب من الأخرى » . وبما قدمنا يتضح ما في كلام الراغب .
زَلَقَ - زلقاً - مزلق - أزلقه - إزلاقاً - زلل
الزَّلَقُ والزَّلَلُ : متقاربان ، قال : صَعِيداً زَلَقاً « الكهف : 40 » أي دَحِضاً لا نبات فيه ، نحو قوله : فَتَرَكَهُ صَلْداً « البقرة : 264 » . والْمَزْلَقُ : المكان الدحض . قال : لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ « القلم : 51 » وذلك كقول الشاعر :
نظراً يُزِيلُ مَوَاضِعَ الأَقْدَامِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 407 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ويقال : زَلقَهُ وأَزْلَقَهُ فَزَلقَ . قال يونس : لم يسمع الزَّلقُ والْإِزْلَاقُ إلّا في القرآن . وروي أن أبيّ بن كعب قرأ : وأَزْلَقْنَا ثَمَّ الآخَرِين . أي أهلكنا .
ملاحظات
وردت هذه المادة في آيتين وهي قوله تعالى : وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا . أي تصبح دَحْضَةً لا تنبت ملساءَ يزلق فيها الإنسان . وقوله تعالى : وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ . أي نظراً يصرعونك به ، وهو نوع من الإصابة بالعين ، قال الشريف الرضي في تلخيص البيان/343 « وهذه استعارة ، والمراد بالإزلاق هاهنا : إزلال القدم حتى لا تستقر على الأرض ، وذلك خارج على طريقة للعرب معروفة ـ يقول القائل منهم : نظر إلىّ فلان نظراً يكاد يصرعني به . وذلك لا يكون إلا نظر المقت والإبغاض ، وعند النزاع والخصام . وقال الشاعر :
يتقارضون إذا التقوا في موقف
نظراً يزيل مواقف الأقدام » .
زَمَرَ- زُمَر- زَمَّارة
قال : وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً « الزمر : 73 » جمع زُمْرَةٍ ، وهي الجماعة القليلة . ومنه قيل : شاة زَمِرَةٌ : قليلة الشعر ، ورجل زَمِرٌ : قليل المروءة ، وزَمَرَتِ النعامة تَزْمِرُ زمَاراً . وعنه اشتق الزَّمْرُ . والزَّمَّارَةُ : كناية عن الفاجرة .
ملاحظات
فسر الجوهري الزُّمَر بالفوج ، والجماعة . وفسرها الراغب بالجماعات القليلة . وقال ابن فارس « 3/23 » : « أصلان : قلة الشئ ، والآخر جنس من الأصوات » . ولم يذكر الخليل القِلَّة ، قال « 7/365 » : « الزمرة : فوج من الناس . بعضٌ على أثر بعض » .
أما الزَّمِر بكسر الميم فهو من التزمير وهو من أوصاف الذم كالزمَّارة ، ولا علاقة له بالزُّمرة . ومن معانيه : « الزَّمِر : القليل الشَّعر والقليل المروءة » . « العين : 2/671 » .
زَمَلَ- مزَّمل - زُمَّيْل
[قال تعالى] : يا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ . أي المُتَزَمِّلُ في ثوبه وذلك على سبيل الإستعارة ، كناية عن المقصر والمتهاون بالأمر وتعريضاً به . والزُّمَيْلُ : الضعيف ، قالت أمّ تأبَّط شرّاً : ليس بزمَّيْلٍ شَرُوبٍ للقِيَل
ملاحظات
ليس في المزمل ذَمٌّ ولا تقصير وتهاون كما تصور الراغب . ومعنى قول الشاعرة : ليس بزميل : ليس بجبان يشرب اللبن في القيلولة .
زَنَمَ - زنمة - زنيم
الزَّنِيمُ والْمَزَنَّمُ : الزائد في القوم وليس منهم ، تشبيهاً بِالزَّنمَتَيْنِ من الشاة ، وهما المتدليتان من أذنها ، ومن الحلق ، قال تعالى : عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ « القلم : 13 » وهــو العبد زلمة وزَنْمَةً ، أي المنتسب إلى قوم معلق بهم لا منهم ، وقال الشاعر :
فأنت زَنِيمٌ نِيطَ في آلِ هاشمِ
كما نِيطَ خَلْفَ الرَّاكبِ القَدَحُ الفردُ
ملاحظات
قال الله تعالى : وَلاتُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ . هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ . مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ . عُتُلٍّ بَعْـدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ . أَنْ كَأن ذَا مَـــالٍ وَبَنِينَ . وقد اتفق المفسرون والمحدثون على أنها نزلت في الوليد والد خالد . قال في تفسير الجلالين/758 : « دعيٌّ في قريش وهو الوليد بن المغيرة ، ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة » . وروي أن المغيرة كان عنيناً وأن الوليد الذي ادعى أنه ابنه أكبر منه بثماني عشرة سنة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 408 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
زَنَا- زانٍ - زِنْيَةً - زِناءً - زواني
الزِّنَاءُ : وطْأُ المرأة من غير عقد شرعي ، وقد يُقصر . وإذا مُدَّ يصحُّ أن يكون مصدر المفاعلة . والنسبة إليه زَنَوِيٌّ .
وفـلان لِزِنْيَةٍ وزَنْيَةٍ : قال الله تعالى : الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ « النور : 3 » الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي « النور : 2 » . وزنأ في الجبل بالهمز زنأً وزنوءً . والزَّنَّاء : الحاقن بوله ، ونُهيَ الرجل أن يصلي وهو زَنَّاء .
زَهَدَ - زاهد - زهيد
الزَّهِيدُ : الشئ القليل . والزَّاهِدُ في الشئ : الراغب عنه ، والراضي منه بالزهيد أي القليل . قال تعالى : وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ « يوسف : 20 » .
زَهَقَ - زهقت - زاهق
زَهَقَتْ نفسه : خرجت من الأسف على الشئ قال : وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ « التوبة : 55 » .
ملاحظات
فسر اللغويون : زهقت نفسه بأنه مات ، ولم يشترطوا أن يكون مات من الأسف والحسرة فهي زيادة من الراغب ! قال الخليل « 3/363 » : « وكل شئ هلك وبطل فقد زهق » . « وزهقت نفسه تزهق زهوقاً ، أي خرجت » .
وقال ابن فارس « 3/32 » : « يدل على تقدم ومضي وتجاوز . من ذلك زهقت نفسه ، زهق الباطل » .
زَيْت - زيتون - زيتونة - زات - ازدات
زَيْتُونٌ وزَيْتُونَةٌ : نحو شجر وشجرة ، قال تعالى : زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّـةٍ وَلا غَرْبِيَّـةٍ « النور : 35 » والزَّيْتُ : عصارة الزيتون ، قال : يَكادُ زَيْتُها يُضِئ « النور : 35 » وقد زَاتَ طعامَهُ : نحو سَمَّنَهُ ، وزَاتَ رأسَهُ : نحو دَهَنَهُ به ، وازْدَاتَ : ادَّهَنَ .
ملاحظات
لم يذكر الراغب قوله تعالى : وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ ، والمقصود بها البلاد التي أرسل بها كبار الأنبياء عليهم السلام : ففي « الخصال/225 » قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « إن الله تبارك وتعالى اختار من كل شئ أربعة : اختار من الملائكة جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام ، واختار من الأنبياء أربعة للسيف إبراهيم وداود وموسى وأنا ، واختار من البيوتات أربعة فقال : إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ، واختار من البلدان أربعة فقال عز وجل : وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ، فالتين المدينة والزيتون بيت المقدس وطور سينين الكوفة ، وهذا البلد الأمين مكة . ، واختار من النساء أربعاً : مريم وآسية وخديجة وفاطمة » .
زَوَجَ - زوجة - زوجات - زوجان- أزواج - زوَّج - تزوج
يقال لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المُتَزَاوِجَةُ : زَوْجٌ . ولكل قرينين فيها وفي غيرها : زوج ، كالخف والنعل . ولكل ما يقترن بآخر مماثلاً له أو مضاداً : زوج . قال تعالى : فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى « القيامة : 39 » وقال : وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ « البقرة : 35 » وزَوْجَـةٌ لغة رديئة ، وجمعها زَوْجَاتٌ ، قال الشاعر :
فَبَكَا بَنَاتِي شَجْوَهُنَّ وَزَوْجَتِي
وجمع الزوج أَزْوَاجٌ . وقوله : هُمْ وَأَزْواجُهُمْ « يس : 56 » احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ « الصافات : 22 » أي أقرانهم المقتدين بهم في أفعالهم . وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ « الحجر : 88 » أي أشباهاً وأقراناً .
وقولـه : سُبْحـانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ « يس : 36 » وَمِنْ كل شَئ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ « الذاريات : 49 » فتنبيهٌ [على] أن الأشياء كلها مركبة من جوهر وعرض ومادة وصورة ، وأن لا شئ يتعرَّى من تركيب يقتضي كونه مصنوعاً ، وأنه لا بد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 409 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
له من صانع تنبيهاً [على] أنه تعالى هو الفرد .
وقوله : خَلَقْنا زَوْجَيْنِ « الذاريات : 49 » فبيَّن أن كل ما في العالم زوج من حيث إن له ضدّاً أو مِثْلاً مّا أو تركيباً مّا ، بل لا ينفك بوجه من تركيب . وإنما ذكر هاهنا زوجين تنبيهاً [على] أن الشئ وإن لم يكن له ضد ولا مثل ، فإنه لا ينفك من تركيب جوهر وعرض ، وذلك زوجان .
وقوله : أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى « طه : 53 » أي أنواعاً متشابهة . وكذلك قوله : مِنْ كل زَوْجٍ كَرِيمٍ « لقمان : 10 » ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ « الأنعام : 143 » أي أصناف . وقوله : وَكُنْتُمْ أَزْواجـاً ثَلاثَةً « الواقعة : 7 » أي قرناء ثلاثاً وهم الذين فسرهم بما بعد . وقوله : وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ « التكوير : 7 » فقد قيل : معناه قَرَن كلَّ شيعة بمن شايعهم في الجنة والنار ، نحو : أحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ « الصافـات : 22 » وقيل : قرنت الأرواح بأجسادها حسب ما نبه عليه قوله في أحد التفسيرين : يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً « الفجر : 27 » أي صاحبك . وقيل : قرنت النفوس بأعمالها حسب ما نبه قوله : يَوْمَ تَجِدُ كل نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ « آل عمران : 30 » .
وقوله : وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ « الدخان : 54 » أي قرناهم بهن ، ولم يجئ في القرآن زوجناهم حوراً ما [كما] يقال زوجته امرأة ، تنبيهاً [على] أن ذلك لا يكون على حسب المتعارف فيما بيننا من المناكحة .
ملاحظات
تختلف الحياة في الجنة عنها في الدنيا ، وكأن الراغب وبعض المتصوفة يرون أنه لا نكاح في الجنة ، لأنه من الأمور الدونية ! وقد أخذوا ذلك من أديانٍ أخري . لكن لا دليل على أن علاقة الزواج في الجنة تختلف في طبيعتها عنها في الدنيا ، فالظاهر من استعمال القرآن والسنة أن طبيعتها واحدة . أما تعدية زوَّج بالباء في قوله تعالى : وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ ، فغرضها إظهار أهمية الحور ، كمن يقول لابنه زوجتك بفلانة ، أي بزوجة مميزة . ولا يصح قول الراغب : زَوْجَـةٌ لغة رديئة وجمعها زَوْجَاتٌ ، فقد استعملها أفصح من نطق بالضاد فقال صلى الله عليه وآله « من سعادة المرء الزوجة الصالحة » « الكافي : 5/327 » كما يكثر استعمال الزوج بدون تاء ، قال الله تعالى : وَقُلْنَا يادَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ .
زَادَ - زيادة - ازداد - يزيد - مزيد - تزود - مِزْود - مَزَادة
الزِّيادَةُ : أن ينضمَّ إلى ما عليه الشئ في نفسه شئ آخر ، يقال : زِدْتُهُ فَازْدَادَ ، وقوله : وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ « يوسف : 65 » نحو : ازْدَدْتُ فضلاً ، أي ازداد فضلي ، وهو من باب سَفِهَ نَفْسَـهُ « البقرة : 130 » وذلك قد يكون زيادة مذمومة كالزيادة على الكفاية مثل زيادة الأصابع ، والزوائد في قوائم الدابة ، وزِيَادَةُ الكبد ، وهي قطعة معلقة بها يتصور أن لاحاجة إليها لكونها غير مأكولة . وقد تكون زيادة محمودة ، نحو قوله : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيَادَةٌ « يونس : 26 » وروي من طرق مختلفـة إن هذه الزيادة النظر إلى وجه الله ، إشارة إلى إنعام وأحوال لا يمكن تصورها في الدنيا .
وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ « البقرة : 247 » أي أعطاه من العلم والجسم قدراً يزيد على ما أعطى أهل زمانه . وقوله : وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً « مريم : 76 » .
ومن الزيادة المكروهة قوله : ما زادَهُــمْ إِلَّا نُفُوراً « فاطر : 42 » وقوله : زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ « النحل : 88 » فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ « هود : 63 » وقـوله : فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً « البقرة : 10 » فإن هذه الزيادة هو ما بني عليه جبلَّة الإنسان ، إن من تعاطى فعلاً إن خيراً وإن شراً ، تَقَوَّى فيما يتعاطاه فيزداد حالاً فحالاً .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 410 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقوله : هَلْ مِنْ مَزِيدٍ « ق : 30 » يجوز أن يكون ذلك استدعاء للزيادة ، ويجوز أن يكون تنبيهاً [على] أنها قد امتلأت وحصل فيها ما ذكر تعالى في قوله : لَأَمْلَأن جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ « السجدة : 13 » . يقال : زدته وزاد هو وازْدَادَ . قال : وَازْدَادُوا تِسْعاً « الكهف : 25 » وقال : ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً « آل عمران : 90 » وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ « الرعد : 8 » وشرّ زَائِدٌ وزَيْدٌ . قال الشاعر :
وأنتمُ مَعْشَرٌ زَيْدٌ على مِائَةٍ
فأجمعوا أمركم طُرّاً فكيدوني
والزَّادُ المدخر : الزائد على ما يحتاج إليه في الوقت ، والتزَوُّدُ : أخذ الزاد ، قـــال : وَتَزَوَّدُوا فَإن خَيْرَ الزَّادِ التقْوى « البقرة : 197 » . والْمِزْوَدُ : ما يجعل فيه الزاد من الطعام . والْمَزَادَةُ : ما يجعل فيه الزاد من الماء .
ملاحظات
قول الراغب : « وروي من طرق مختلفة أن هذه الزيادة النظر إلى وجه الله ، إشارة إلى إنعام وأحوال لايمكن تصورها في الدنيا » . يدل على قبوله رؤية الله تعالى بالعين في الآخرة ! وهذا يؤكد أنه ليس شيعي المذهب كما أسلفنا ، لأن مذهبنا استحالة رؤية الله بالعين في الدنيا والآخرة ، لأن الرؤية لا تكون إلا لجسم يقع عليه الضوء .
زَوَرَ - زَوْراً - أزور - تزاور - ازوَرَّ- إزوراراً - زوراء - زُورٌ
الزَّوْرُ : أعلى الصدر . وزُرْتُ فلاناً : تلقيته بزَوْرِي ، أو قصدت زَوْرَه ، نحو : وجهته . ورجل زَائِرٌ ، وقوم زَوْرٌ ، نحو سافر وسَفْر ، وقد يقال : رجلٌ زَوْرٌ ، فيكون مصدراً موصوفاً به نحو : ضيف .
والزَّوَرُ : ميل في الزور ، والْأَزْوَرُ : المائـلُ الزور . وقولـه : تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ « الكهف : 17 » أي تميـل ، قرئ بتخفيف الزاي وتشديده . وقرئ : تَزْوَرُّ . قال أبو الحسن : لا معنى لتزْوَرَّ ها هنا لأن الِازْوِرَارَ الإنقباض ، يقال : تَزَاوَرَ عنه ، وازْوَرَّ عنه ، ورجلٌ أَزْوَرُ ، وقومٌ زَوَّرٌ . وبئرٌ زَوْرَاءُ : مائلة الحفر وقيل لِلْكَذِبِ : زُورٌ ، لكونه مائلاً عن جهته ، قال : ظُلْماً وَزُوراً « الفرقان : 4 » وقَوْلَ الزُّورِ « الحج : 30 » مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً « المجادلة : 2 » لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ « الفرقان : 72 » . ويسمَّى الصنم زَوْراً في قول الشاعر :
جاؤُوا بِزَوْرَيْهِمْ وَجِئْنَا بِالْأَصَمّْ
لكون ذلك كذباً وميلاً عن الحق
ملاحظات
أخذ الراغب هذه المادة من ابن فارس ، حيث قال « 3/36 » : « زَوَرَ : أصل واحد ، يدل على الميل والعدول » . وهذا احتمال بعيد لأن معاني المادة متعددة ولا تتضمن معنى الميل إلا واحد منها ، فهي أصولٌ مستقلة ، خاصةً المعاني الثلاثة التي استعملها القرآن :
1 . قال تعالى : أَلْهَاكُمُ التكَاثُرُ . حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ . والزيارة فيها : قصد الشئ والذهاب اليه .
2 . وقال تعالى : وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ . وليس فيه ميل عن الحق ، بل تعمد للباطل ومضادة الحق .
3 . وقال تعالى : وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ . أي : كانت عندما تطلع تميل عن باب كهفهم لئلا تؤذيهم ، وإذا غربت تلقي بعض أشعتها عليهم . ففيه معنى الميل أو التمايل والإزورار ، لكن ليست كل مفردات المادة وكل زَوْرٍ وزيارةٍ وزُورٍ فيها معنى الميل لتكون مأخوذة من زَوَرَ بمعنى مال !
وقالت العرب « ما له زَوْرٌ وزُورٌ ولا صَيُّورٌ . أَي ما له رأْي وعقل يرجع إِليه » « لسان العرب : 4/335 » . والعقل لا يتضمن معنى الميل ، وقالوا « هذا طعام ما له زَوْر أي ليس
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 411 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بطيب . وثوب لا زور له ، أي ليس فيه خير ولا نقاء له » كتاب الجيم للشيبانى : 2/53 .
وفي تهذيب اللغة للأزهري : 13/163 « الزور : العزيمة ، والزور : الصدر . ويقال : ما له زُور ولا صُيور بضم الزاي أي رأي يرجع إليه . وأما أبو زيد فإنه قال : ما له زور بهذا المعنى ففتح الزاي وهما لغتان » . وليس فيها معنى الميل .
ثم إنه من البعيد جداً أن العرب اهتموا بزَوْر الصدر لأن أضلاعه مائلة ، وأهملوا ارتفاعه واشتماله على القلب ومعانيه الكبيرة ! ثم سموا قول الباطل زوراً لأنه ميلٌ عن الحق ، وسموا القدرة زُوراً لأنها ميلٌ على الخصم ، وسموا الزائر لأنه يميل الى المزور ، وسموا قطعة الإبل زارة لأنها تميل أو يُمال اليها . وكذا الدوحة . الخ . فليس معنى الميل مشتركاً فيها ، فلا بد أن يكون أصل زَوَرَ متعدداً .
زَيَغَ - زاغ - زيغاً - زائغ - أزاغ
الزَّيْغُ : الميل عن الإستقامة . والتزَايُغُ : التمايل . ورجل زَائِغٌ ، وقوم زَاغَةٌ ، وزائغون ، وزاغت الشمس ، وزَاغَ البصر . وقال تعالى : وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ « الأحزاب : 10 » يصح أن يكون إشارة إلى ما يداخلهم من الخوف حتى اظلمَّت أبصارهم ، ويصح أن يكون إشارة إلى ما قال : يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ « آل عمران : 13 » .
وقال : ما زاغَ الْبَصَــرُ وَما طَغى « النجــم : 17 » مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ « التوبة : 117 » فَلما زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ « الصف : 5 » لما فارقوا الإستقامة عاملهم بذلك .
ملاحظات
1 . الزيغ : تعمد الإنحراف عن الحق والإصرار على ذلك ، لكن الراغب كغيره من اللغويين خفف معناه حتى جعله مجرد ميل عن الإستقامة ، مع أن القرآن والحديث استعظماه وجعلاه كفراً ، وحكم فقهاء المسلمين بكفر أهل الزيغ . قال أمير المؤمنين عليه السلام : « الكفر على أربع دعائم : على التعمق ، والتنازع ، والزيغ ، والشقاق . فمن تعمق لم يُنب إلى الحق ، ومن كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق ، ومن زاغ ساءت عنده الحسنة وحسنت عنده السيئة ، وسَكِرَ سُكْرَ الضـــلالة . ومن شاق وعرت عليه طرقه وأعضل عليه أمره » . « نهج البلاغة : 4/9 » . وقال عليه السلام « التهذيب : 6/144 » : « القتال قتالان : قتالٌ لأهل الشرك ، لا يُنفرُ عنهم حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون . وقتال لأهل الزيغ ، لا ينفر عنهم حتى يفيئوا إلى أمر الله ، أو يقتلوا » .
2 . ورد الزيغ في القرآن في : تعمد اليهود للزيغ والكفر : فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ . وفي أهل الزيغ الذين يتبعون متشابه القرآن ويتركون مُحكمه : فَأَمَّـا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأوِيلِهِ . رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا . وفي زيغ البصر مطلقاً : أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ .
وفي زيغ البصر من الخوف : إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ .
وفي ثبات بصر النبي صلى الله عليه وآله في المعراج : مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى .
وفي الجن المسخرين مع سليمان عليه السلام : وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ .
فيجب أن نأخذ معنى الزيغ من هذه الموارد ، ولا يصح التخفيف منه من أجل تخليص صحابي أو صحابية .
زَالَ - زوالاً - أزال - زوَّل - تزيَّلَ - ما زال
زَالَ الشئ يَزُولُ زَوَالًا : فارق طريقته جانحاً عنه ، وقيل : أَزَلْتُهُ ، وزَوَّلْتُهُ . قال : إن الله يُمْسِكُ السَّماواتِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 412 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا « فاطر : 41 » وَلَئِنْ زالَتا « فاطر : 41 » لِتَزُولَ مِنْـهُ الْجِبالُ « إبراهيم : 46 » .
والزَّوَالُ : يقال في شئ قد كان ثابتاً قبلُ . فإن قيل : قد قالوا زوال الشمس ، ومعلوم أن لا ثبات للشمس بوجه . قيل : إن ذلك قالوه لاعتقادهم في الظهيرة أن لها ثباتاً في كبد السماء ، ولهذا قالوا : قام قائم الظهيرة وسار النهار . وقيل : زَالَهُ يَزِيلُهُ زَيْلاً . قال الشاعر :
زَالَ زوالها
أي أذهب الله حركتها
والزَّوَالُ : التصرف . وقيل هو نحو قولهم : أسكت الله نأمته . وقال الشاعر :
إذا مَا رَأتْنَا زَالَ مِنْهَا زُوَيْلُهَا
ومن قال زال لايتعدى قال : زوالهَا ، نُصب على المصدر . وتَزَيَّلُوا « الفتح : 25 » : تفرقوا ، قال : فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ « يونس : 28 » وذلك على التكثير فيمن قال : زِلْتُ متعدٍّ ، نحو : مزته وميزته . وقولهم : مَا زَالَ ولا يزال خُصَّا بالعبارة ، وأجريا مجرى كان في رفع الإسم ونصب الخبر وأصله من الياء ، لقولهم : زَيَّلْتُ ، ومعناه معنى ما برحت ، وعلى ذلك : وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ « هود : 118 » وقوله : لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ « التوبة : 110 » وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا « الرعد : 31 » فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ « غافر : 34 » .
ولا يصح أن يقال : ما زال زيد إلا منطلقاً ، كما يقال : ما كان زيد إلا منطلقاً ، وذلك أن زَالَ يقتضي معنى النفي ، إذ هو ضد الثبات ، وما ولا يقتضيان النفي ، والنفيان إذا اجتمعا اقتضيا الإثبات ، فصار قولهم : ما زَالَ يجري مجرى كان في كونه إثباتاً ، فكما لا يقال : كان زيد إلا منطلقاً ، لا يقال : ما زال زيد إلا منطلقاً .
ملاحظات
عرَّف الراغب الزوال بأنه : « يقال في شئ قد كان ثابتاً قبلُ » . ولايصح ذلك ، بل يوصف بالزوال كل ما انتقل من حال الي حال ، ولو كان غير مستقر . كما فسر الراغب تَزَيَّلُوا بتفرقوا ، والصحيح أن معناه تميزوا عن بعضهم فامتاز المؤمن عن الكافر . والتميُّز يكون بالتفرق وبغيره .
زَيَّنَ - زانه - زيَّنه - تزييناً - زِينةً
الزِّينَةُ الحقيقية : ما لا يشين الإنسان في شئ من أحواله ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فأما ما يزينه في حالةٍ دون حالة فهو من وجه شين . والزِّينَةُ بالقول المجمل ثلاث : زينة نفسية كالعلم والإعتقادات الحسنة ، وزينة بدنية كالقوة وطول القامة ، وزينة خارجية كالمال والجاه . فقوله : حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ « الحجرات : 7 » فهو من الزينة النفسية . وقوله : مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله « الأعراف : 32 » فقد حمل على الزينة الخارجية ، وذلك أنه قد روي : إن قوماً كانوا يطوفون بالبيت عراة فنهوا عن ذلك بهذه الآية . وقال بعضهم : بل الزينة المذكورة في هذه الآية هي الكرم المذكور في قوله : إن أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقاكُمْ « الحجرات : 13 » وعلى هذا قال الشاعر :
وزِينَةُ العاقلِ حُسْنُ الأَدَبْ
وقولـه : فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ « القصص : 79 » فهي الزينـة الدنيوية من المال والأثاث والجاه . يقال : زَانَهُ كذا وزَيَّنَهُ : إذا أظهر حسنه إما بالفعل أو بالقول .
وقد نسب الله تعالى التزيين في مواضع إلى نفسه ، وفي مواضع إلى الشيطان ، وفي مواضع ذكره غير مسمى فاعله . فمما نسبه إلى نفسه قوله في الإيمان : وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ « الحجرات : 7 » وفي الكفر قوله : زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ « النمل : 4 » زَيَّنَّا لِكل أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ « الأنعام : 108 » . ومما نسبه إلى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 413 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الشيطان قوله : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ « الأنفال : 48 » وقوله تعالى : لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ « الحجر : 39 » ولم يذكر المفعول لأن المعنى مفهوم .
ومما لم يسمَّ فاعله قوله عز وجل : زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ « آل عمران : 14 » زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ « التوبة : 37 » وقال : زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا « البقرة : 212 » .
وقوله : زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْـلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ ، تقديره : زيَّنَـهُ شركاؤهم . وقوله : زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ « فصلت : 12 » وقوله : إنا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ « الصافات : 6 » وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ « الحجر : 16 » فإشارةٌ إلى الزينة التي تدرك بالبصرالتي يعرفها الخاصة والعامة ، وإلى الزينة المعقولة التي يختص بمعرفتها الخاصة ، وذلك أحكامها وسيرها . وتَزْيِينُ الله للأشياء : قد يكون بإبداعها مزينة وإيجادها كذلك .
وتَزْيِينُ الناس للشئ : بتزويقهم ، أو بقولهم ، وهو أن يمدحوه ويذكروه بما يرفع منه .

تم كتاب الزاي .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 414 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب السين وما يتصل بها

س
يشمل 105 مفردة و 50 ملاحظة
سَبَبَ - أسباب - سُبَّة - سَبَّابَة
السَّبَبُ : الحبل الذي يصعد به النخل ، وجمعه أَسْبَابٌ ، قال : فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ « صاد : 10 » والإشارة بالمعنى إلى نحو قوله : أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ « الطور : 38 » . وسمي كل ما يتوصل به إلى شئ سَبَباً ، قال تعالى : وَآتَيْناهُ مِنْ كل شَئ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً « الكهف : 84 » ومعناه : إن الله تعالى آتاه من كل شئ معرفة وذريعةً يتوصل بها ، فأتبع واحداً من تلك الأسباب ، وعلى ذلك قولـه تعالى : لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ « غافر : 36 » أي لعلي أعرف الذرائع والأسباب الحادثة في السماء فأتوصّل بها إلى معرفة ما يدعيه موسى . وسُمِّيَ العمامة والخمار والثوب الطويل سَبَباً ، تشبيهاً بالحبل في الطول . وكذا منهج الطريق وصف بالسبب كتشبيهه بالخيط مرة ، وبالثوب الممدود مرة ! .
والسَّبُّ : الشتم الوجيع ، قال : وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله فَيَسُبُّوا الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ « الأنعام : 108 »
وسَبُّهُمْ لله ليس على أنهم يَسُبُّونَهُ صريحاً ، ولكن يخوضون في ذكره فيذكرونه بما لا يليق به ، ويتمادون في ذلك بالمجادلة فيزدادون في ذكره بما تنزه تعالى عنه . وقول الشاعر :
فما كانَ ذَنْبُ بني مَالكٍ
بأن سُبَّ منهم غُلاماً فَسَبّْ
بأبيضَ ذي شَطَبٍ قَاطِع
يَقُطُّ العِظَامَ ويَبْرِي العَصَبْ
فإنه نبه على ما قال الآخر : ونَشْتُمُ بِالأَفْعَالِ لَابِالتَّكَلُّمِ
والسِّبُّ : المُسَابِبُ ، قال الشاعر :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 415 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لاتسبَّنَّني فلستَ بسِبِّي
إن سِبِّي من الرجال الكريمُ
والسُّبَّةُ : ما يسبُّ ، وكُنِّيَ بها عن الدُّبْر ، وتسميته بذلك كتسميته بالسَّوْأة . والسَّبَّابَةُ : سميت للإشارة بها عند السب ، وتسميتها بذلك كتسميتها بالمسبِّحة لتحريكها بالتسبيح .
ملاحظات
يستعمل السبب بمعنى الوسيلة وبمعنى العلة ، فهو قبل النخل وحبل الصعود اليها . ولو كان أصله حبل النخل كما قال الراغب ، لزم أن لا يوجد لفظه قبل النخل ! ثم ذكر الراغب السب في هذه المادة ، وكأنه من السبب ، ولا علاقة بينهما ، بل السب أصل مستقل بمعنى الشتم .
سَبَتَ - سبتاً - سُباتاً
أصل السَّبْت : القطع ، ومنه سَبَتَ السِّير : قطعه ، وسَبَتَ شعره : حَلَقَه ، وأنفه : اصطلمه . وقيل سمي يوم السَّبْت لأن الله تعالى ابتدأ بخلق السموات والأرض يوم الأحد ، فخلقها في ستة أيام كما ذكره ، فقطع عمله يوم السبت فسمي بذلك . وسَبَتَ فلان : صار في السبت . وقوله : يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً « الأعراف : 163 » قيل : يوم قطعهم للعمل . وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ « الأعراف : 163 » قيل : معناه لايقطعون العمل . وقيل : يوم لا يكونون في السبت . وكلاهما إشارة إلى حالة واحدة . وقوله : إنما جُعِلَ السَّبْتُ « النحل : 124 » أي ترك العمل فيه ، وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً « النبأ : 9 » أي قطعاً للعمل ، وذلك إشارة إلى ما قال في صفة اللّيل : لِتَسْكُنُوا فِيهِ . « يونس : 67 » .
ملاحظات
1 . أجاد الخليل في تفسير السبت فقال « 7/238 » : « سبتَ اليهودي يسبتُ : يتخذ السبت عيداً . والسبات : النوم الغالب الكثير . والمريض يسبت سبتاً فهو لم مسبوت . وسبت رأسه : إذا جزه مستأصلاً . والسبت : برهة من الدهر ، والسبت : ضرب من السير ، وبعير سبوت : إذا سار تلك السيرة . والسبت : الجرئ المقدم وهو السنبت . . والنعل السبتية : ما دبغ بالقرظ » .
2 . ورد السبت في أحاديث أهل البيت عليهم السلام بمعنى مدة من الزمن ، في حديث منها ثلاثون سنة ، وفي آخر قروناً . فعن الإمام الصادق عليه السلام « إن فاطمة بنت أسد حضرت ولادة رسول الله صلى الله عليه وآله فلما كانت وقت الصبح قالت لأبي طالب رأيت الليلة عجباً يعني حضور الملائكة وغيرها فقال : إنتظري سبتاً تأتين بمثله ، فولدت أمير المؤمنين عليه السلام بعد ثلاثين سنة » . « الكافي : 1/451 » . وفي غيبة النعماني/154 ، أن الإمام الصادق أخبر عن غيبة الإمام المهدي وقال : « أما والله ليغيبن سبتاً من دهركم ، وليخملن حتى يقال : مات ، هلك ، بأي واد سلك » . ويفهم من ذلك أن السبت يستعمل في اللغة لمدة من الزمان قد تكون طويلة .
سَبَحَ - سبحاً - سباحةً - سُبحان - سُبُّوح - سابحات - تسبيح - سُبْحة
السَّبْحُ : المرُّ السريع في الماء ، وفي الهواء ، يقال : سَبَحَ سَبْحاً وسِبَاحَةً ، واستعير لمرِّ النجوم في الفلك نحو : وَكل فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ « الأنبياء : 33 » ولجري الفرس نحو : وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً « النازعات : 3 » ولسرعة الذهاب في العمل نحو : إن لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً « المزمل : 7 » .
والتسْبِيحُ : تنزيه الله تعالى . وأصله : المر السريع في عبادة الله تعالى ، وجعل ذلك في فعل الخير كما جعل الإبعاد في الشر فقيل : أبعده الله ، وجعل التسْبِيحُ عاماً في العبادات قولاً كان أو فعلاً أو نيةً ، قال : فَلَوْلا أنهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ « الصافات : 143 » قيل : من المصلين ، والأولى أن يحمل على
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 416 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثلاثتها . قال : وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ « البقرة : 30 » وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِ « غافر : 55 » فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ « ق : 40 » قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ « القلــم : 28 » أي هلا تعبدونه وتشكرونه ، وحمل ذلك على الإستثناء ، وهو أن يقول : إن شاء الله . ويدلّ على ذلك قوله : إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ « القلم : 17 » . وقـال : تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَئ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لاتَفْقَهُونَ تَسْــبِيحَهُمْ « الإسراء : 44 » فذلك نحو قوله : وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً « الرعد : 15 » وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ « النحــل : 49 » فذلك يقتضي أن يكون تسبيحاً على الحقيقة ، وسجوداً له على وجه لا نفقهه ، بدلالة قوله : وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ « الإسراء : 44 » ودلالة قوله : وَمَنْ فِيهِنَّ « الإسراء : 44 » بعد ذكر السموات والأرض ، ولا يصح أن يكون تقديره : يسبح له من في السموات ، ويسجد له من في الأرض ، لأن هذا مما نفقهه ، ولأنه محال أن يكون ذلك تقديره ، ثم يعطف عليه بقوله : وَمَنْ فِيهِنَّ .
والأشياء كلها تسبح له وتسجد ، بعضها بالتسخير وبعضها بالإختيار ، ولا خلاف أن السّموات والأرض والدواب مُسَبِّحَاتٌ بالتسخير ، من حيث إن أحوالها تدل على حكمة الله تعالى ، وإنما الخلاف في السموات والأرض هل تسبح باختيار ، والآية تقتضي ذلك بما ذكرت من الدلالة .
وسُبْحَانَ : أصله مصدر نحو : غفران ، قال فَسُبْحانَ الله حِينَ تُمْسُونَ « الروم : 17 » وسُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا « البقرة : 32 » .
وقول الشاعر : سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الفَاخِرِ . قيل تقديره سبحان علقمة على طريق التهكم ، فزاد فيه من ردّاً إلى أصله . وقيل : أراد سبحان الله من أجل علقمة ، فحذف المضاف إليه .
والسُّبُّوحُ القدوس : من أسماء الله تعالى ، وليس في كلامهم فُعُّول سواهما ، وقد يفتحان نحو : كَلُّوب وسَمُّور . والسُّبْحَةُ : التسبيح ، وقد يقال للخرزات التي بها يسبح : سُبْحَة .
ملاحظات
1 . أخطأ الراغب حيث جعل أصل سبَّح : السباحة ، ثم أَغْرَبَ ففسر السباحة بأنها المرور السريع ، قال : « السَّبْحُ المرُّ السريع في الماء ، وفي الهواء » . ولعله رأى تعبير الجوهري أن السبح العَوْم في الماء ، فتصور منه ما رتبه ونسجه ! ولو صح كلامه لكان من يَسْبَح في مكانه غير سابح ، وما يسبح في الفضاء ببطئ غير سابح !
ثم أمعن في الغرابة فجعل أصل التسبيح « المر السريع في عبادة الله تعالى » ! وليته أخذ من الخليل وابن فارس ! والصحيح : أن التسبيح تنزيهٌ لله تعالى عن الشَّبَهِ بمخلوقاته ، ولا علاقة له بالسباحة ، ولا بالمرور السريع أو البطئ !
1 . ومما قاله الخليل في التسبيح « 3/151 » : « سبحان الله : تنزيهٌ لله عن كل ما لا ينبغي أن يوصف به ، ونصبه في موضع فعل . تريد : سبحت تسبيحاً . والسبوح القدوس هو الله وليس في الكلام فَعُّول غير هذين . والسبحة : خرزات يسبح بعددها . وفي الحديث أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وآله : إن لله دون العرش سبعين حجاباً لو دنونا من أحدها لأحرقتنا سبحات وجه ربنا ! يعني بالسبحة جلاله وعظمته ونوره . والتسبيح يكون في معنى الصلاة وبه يفسر قوله عز وجل : فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون . الآية تأمر بالصلاة في أوقاتها ، وقوله تعالى : فلو كان من المسبحين ، يعني المصلين » .
كما أجاد ابن فارس بقوله « 3/125 » : « سبح : أصلان ، أحدهما : جنس من العبادة ، والآخر : جنس من السعي » .
وقد ذكر ابن منظور آيات التسبيح بأفضل مما ذكرها الراغب ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 417 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال ملخصاً « 2/470 » : « التَّسبيح : التنزيه . وسبحان الله : معناه تنزيهاً لله من الصاحبة والولد ، وقيل : تنزيه الله تعالى عن كل ما لا ينبغي له أَن يوصف . وروى الأَزهري بإِسناده أَن ابن الكَوَّا سأَل عليّاً رضوان الله تعالى عليه عن سبحان الله فقال : كلمة رضيها الله لنفسه فأَوصى بها . . وسَبَّح الرجلُ : قال سبحان الله . وفي التنزيل : كلٌّ قد عَلِمَ صلاتَه وتسبيحَه . وأَما قوله تعالى : تُسَبِّح له السمواتُ السبعُ والأَرضُ ومَن فيهن وإِنْ من شئ إِلَّا يُسَبِّحُ بحمده ولكن لا تَفْقَهُونَ تسبيحَهم . وجائز أَن يكون تسبيح هذه الأَشياء بما الله به أَعلم لا نَفْقَه منه إِلا ما عُلِّمْناه . قال الأَزهري : ومما يدلك على أَن تسبيح هذه المخلوقات تسبيح تَعَبَّدَتْ به قولُ الله عز وجل للجبال : يا جبالُ أَوِّبي معه والطيرَ . ومعنى أَوِّبي سَبِّحي مع داود النهارَ كلَّه إِلى الليل . وكذلك قوله تعالى : أَلم ترَ أَن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأَرض والشمسُ والقمرُ والنجومُ والجبالُ والشجرُ والدوابُّ وكثير من الناس ، فسجود هذه المخلوقات عبادة منها لخالقها لا نَفْقَهُها عنها كما لا نفقه تسبيحها . وكذلك قوله : وإِن من الحجارة لما يَتَفَجَّر منه الأَنهارُ وإِنَّ منها لما يَشَّقَّقُ فيَخْرج منه الماءُ وإِنَّ منها لما يهبِطُ من خشية الله . وقد عَلِم الله هُبوطَها من خشيته ولم يعرّفنا ذلك فنحن نؤمن بما أُعلمنا ولا نَدَّعِي بما لا نُكَلَّف بأَفهامنا من عِلْمِ فِعْلِها كيفيةً نَحُدُّها .
ومن صفات الله عز وجل : السُّبُّوحُ القُدُّوسُ . قال أَبو إِسحق : السُّبُّوح الذي يُنَزَّه عن كل سُوء ، والقُدُّوسُ : المُبارَك . قال سيبويه : إِنما قولهم سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رب الملائكة والروح ، فليس بمنزلة سُبْحان لأَن سُبُّوحاً قُدُّوساً صفة ، كأَنك قلت ذكرت سُبُّوحاً قُدُّوساً فنصبته على إِضمار الفعل المتروك إِظهاره . سُبُحاتُ وجه الله : جلالُه وعظمته ، وهي في الأَصل جمع سُبْحة ، وقيل : أَضواء وجهه . لو انكشف من أَنوار الله التي تحجب العباد عنه شئ لأَهلك كلَّ من وقع عليه ذلك النورُ كما خَرَّ موسى ، على نبينا وعليه السلام ، صَعِقاً وتَقَطَّعَ الجبلُ دَكَّاً ، لمَّا تجلى الله سبحانه وتعالى .
وقوله : وسَبِّحْ بالعَشِيِّ والإِبْكارِ ، أَي وصَلِّ . وقوله عز وجل : فلولا أَنه كان من المُسَبِّحين ، أَراد من المصلين قبل ذلك . وقيل : إِنما ذلك لأَنه قال في بطن الحوت : لا إِله إِلَّا أَنت سبحانك إِني كنت من الظالمين . وقوله : يُسَبِّحُونَ الليلَ والنهارَ لا يَفْتُرونَ . يقال : إِن مَجْرَى التسبيح فيهم كمَجرى النَّفَسِ منا لا يَشْغَلُنا عن النَّفَسِ شئ .
وقوله : أَلم أَقُلْ لكم لولا تُسَبِّحون ، أَي تستثنون ، وفي الاستثناء تعظيمُ الله والإِقرارُ بأَنه لا يشاء أَحدٌ إِلَّا أَن يشاء الله ، فوضع تنزيه الله موضع الاستثناء .
وقيل في قوله تعالى : إِن لك في النهار سَبْحاً طويلاً ، أَي فراغاً للنوم . . والسَّبْحُ : التقَلُّبُ والإنتشار في الأَرض والتَّصَرُّفُ في المعاش ، فكأَنه ضِدٌّ . والسُّبْحةُ : الدعاء وصلاةُ التطوع والنافلةُ . يقال : فرغ فلانٌ من سُبْحَته أَي من صلاته النافلة .
سَبَخَ - سبخة
قرئ : إن لك في النهار سَبْخاً ، أي سعة في التصرف ، وقد سَبَخَ الله عنه الحمى فَتَسَبَّخَ ، أي تغشى . والسَّبِيخُ : ريش الطائر ، والقطن المندوف ، ونحو ذلك مما ليس فيه اكتناز وثقل .
ملاحظات
وهذا من ضعف سليقة الراغب ، فقد سمع بشخص قرأ سَبَّخ تَسبيخاً ، فكتبها في كتابه !
سَبَطَ- ساباط - سُباطة
أصل السَّبْط : انبساط في سهولة ، يقال : شَعْرٌ سَبْطٌ وسَبِطٌ ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 418 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد سَبِطَ سُبُوطاً وسَبَاطَةً وسَبَاطاً ، وامرأة سَبْطَةُ الخلقة ، ورجل سَبْطُ الكفين : ممتدهما ، ويعبر به عن الجود .
والسِّبْطُ : ولد الولد ، كأنه امتداد الفروع ، قال : وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ « البقرة : 136 » أي قبائل كل قبيلة من نسل رجل . وقال تعالى : وَقَطعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْـباطاً أُمَماً « الأعراف : 160 » .
والسَّابَاطُ : المنبسط بين دارين . وأخَذَتْ فلاناً سَبَاطِ ، أي حمىً تمطه .
والسُّبَاطَة : خط من قمامة . وسَبَطَتِ الناقة ولدها ، أي ألقته .
ملاحظات
1 . أصَّلَ النبي صلى الله عليه وآله لأسباط عترته وبشر بهم عليهم السلام أمته ، ففي الترمذي « 5/224 » : « حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسيناً ، حسين سبطٌ من الأسباط . وصححه الذهبي في تلخيص المستدرك « 3 / 177 » . ومعناه أن الحسين عليه السلام وذريته أمة من الأمم لها مكانتها وليسوا أفراداً منفردين . وإنما خصه النبي صلى الله عليه وآله بذلك عن أخيه الحسن عليهما السلام لأن الأئمة في ذرية الحسين عليه السلام .
2 . ورد في أحاديثنا أن الحسن والحسين عليهما السلام أفضل من أسباط بني إسرائيل المذكورين في القرآن الذين ذكرتهم أربع آيات ، منها قوله تعالى : وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا . قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ . . أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى . . وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ .
3 . السِّبْطُ بكسر السين : الحفيد والأمة . وهو لفظ قديم مشترك بين العربية والعبرية ولغات أخرى ، لكن بعض اللغوين لتعصبهم ذكروا السَّبْط بفتح السين صفة للشعر بمعنى المسترسل ، وكأنه أصل المادة وكأن الحفيد معنى فرعي ، وتبعهم الراغب ففسر السبط بفتح السين أولاً ، مع أنه لم يذكر في القرآن ! قال ابن منظور « 7/310 » : « قال أَبو العباس : سأَلت ابن الأَعرابي : ما معنى السِّبْط في كلام العرب؟ قال : السِّبْطُ والسّبْطانُ والأَسْباطُ خاصة الأولاد والمُصاصُ » الخلصاء « منهم . وفي الحديث : الحسَنُ والحُسَينُ سِبْطا رسولِ الله ، صلَّى الله عليه وسلم ورضي عنهما ، ومعناه أَي طائفتانِ وقِطْعتان منه . وفي الحديث أَيضاً : الحسينُ سِبْطٌ من الأَسْباط ، أَي أُمَّةٌ من الأُمم ، في الخير . والسِّبْطُ من اليهود : كالقبيلة من العرب ، وهم الذين يرجعون إِلى أَب واحد . وقوله عز وجل : وقطعناهم اثْنَتَيْ عَشْرةَ أَسْباطاً أُمماً . ليس أَسباطاً بتمييز لأَن المميز إِنما يكون واحداً ، لكنه بدل من قوله اثنتي عشرة ، كأَنه قال : جعلناهم أَسْباطاً » .
4 . الساباط : كلمة فارسية بمعنى الطريق المسقوف ، ولا يشترط أن تكون بين دارين . ولا يبعد أن تكون السباطة بمعنى الكناسة والمزبلة ، معربة أيضاً .
سَبَعَ - سباع - مَسْبَع
أصل السَّبْع : العدد ، قال : سَبْعَ سَماواتٍ « البقرة : 29 » سَبْعاً شِداداً « النبأ : 16 » يعني : السموات السبع . وسَبْعَ سُنْبُلاتٍ « يوسف : 46 » سَبْعَ لَيالٍ « الحاقة : 7 » سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ « الكهف : 22 » سَبْعُونَ ذِراعاً « الحاقة : 32 » سَبْعِينَ مَرَّةً « التوبة : 80 » سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي « الحجر : 87 » . قيل : سورة الحمد لكونها سبع آيات .
السَّبْعُ الطوال : من البقرة إلى الأعراف . وسمي سور القرآن المثاني لأنه يثنى فيها القصص ، ومنه السَّبْعُ والسَّبِيعُ والسِّبْعُ ، في الورود . والْأُسْبُوعُ : جمعه أَسَابِيعُ ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 419 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ويقال : طفت بالبيت أسبوعاً وأسابيع . وسَبَعْتُ القومَ : كنت سابعهم ، وأخذت سبع أموالهم . والسَّبُعُ : معروف ، وقيل سمي بذلك لتمام قوته ، وذلك أن السَّبْعَ من الأعداد التامة ، وقول الهذلي : [صخب الشَّوارب لا يزال] كأنه
عبدٌ لآل أبي ربيعة مُسْبِعُ
أي قد وقع السِّبع في غنمه . وقيل : معناه المهمل مع السِّباع ، ويروى مُسْبَع بفتح الباء . وكُنِّيَ بالمُسبع عن الدعي الذي لا يعرف أبوه . وسَبَعَ فلان فلاناً : اغتابه وأكل لحمه أكل السباع . والمَسْبَع : موضع السَّبُع .
سَبَغَ - أسبغ - إسباغ - سابغ
درع سَابِغٌ : تام واسع . قال الله تعالى : أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ « سبأ : 11 » وعنه استعير إِسْبَاغُ الوضوء ، وإسباغ النعم .
قال : وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً . « لقمان : 20 » .
سَبَقَ - سبقاً - سابقون - سابقات - استبق - تسابق - مسبوق
أصل السَّبْقِ : التقدم في السير ، نحو : فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً . « النازعات : 4 » . والِاسْتِبَاقُ : التسَابُقُ . قال : إنا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ « يوسف : 17 » وَاسْتَبَقَا الْبابَ « يوسف : 25 » . ثم يتجوّز به في غيره من التقدم ، قال : ما سَبَقُونا إِلَيْهِ « الأحقاف : 11 » سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ « طه : 129 » أي نفدت وتقدمت ، ويستعار السَّبْقُ لإحراز الفضل والتبريز ، وعلى ذلك : وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ « الواقعة : 10 » أي المتقدمون إلى ثواب الله وجنته بالأعمال الصالحة ، نحو قوله : وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ « آل عمران : 114 » وكذا قوله : وَهُمْ لَهـا سابِقُونَ « المؤمنون : 61 » . وقوله : وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ « الواقعة : 60 » أي لا يفوتوننا . وقال : وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا « الأنفال : 59 » وقـال : وَما كانُوا سابِقِينَ « العنكبوت : 39 » تنبيهٌ [علي] أنهـم لا يفوتونه .
ملاحظات
أضاف الراغب من عنده السير الى معنى السبق ، كما ألغى التقدم الزمني في السابقين ، مع أنه نوع من السبق ، كما جعل السبق التقدم الى ثواب الله تعالى ، وهو أعم من ذلك !
سَبَلَ- سبيلاً- سُبُلاً- سابل - سابلة -أسبل- سُنبلة - سنابل
السَّبِيلُ : الطريق الذي فيه سهولة ، وجمعه سُبُلٌ ، قال : وَأَنْهاراً وَسُبُلًا « النحل : 15 » وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا « الزخرف : 10 » لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ « الزخرف : 37 » يعني به طريق الحق ، لأن إسم الجنس إذا أطلق يختص بما هو الحق . وعلى ذلك : ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ « عبس : 20 » وقيل لسالكه سَابِلٌ ، وجمعه سَابِلَةٌ . وسبيلٌ سابل نحو شعرٌ شاعر . وابن السَّبِيلِ : المسافر البعيد عن منزله نُسب إلى السبيل لممارسته إياه .
ويستعمل السَّبِيلُ لكل ما يتوصل به إلى شئ خيراً كان أو شراً ، قال : ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ « النحـل : 125 » قُلْ هذِهِ سَبِيلِي « يوسف : 108 » وكلاهما واحد لكن أضاف الأول إلى المبلِّغ ، والثاني إلى السالك بهم ، قال : قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله « آل عمران : 169 » إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ « غافر : 29 » وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ « الأنعـام : 55 » فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ « النحل : 69 » . ويعبر به عن المحجة ، قال : قُلْ هذِهِ سَبِيلِي « يوسف : 108 » سُبُلَ السَّـلامِ « المائدة : 16 » أي طريق الجنة . ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ « التوبة : 91 » فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ « الشوري : 41 » إنمَــا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ « الشوري : 42 » إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا « الإسراء : 42 » . وقيل : أَسْبَلَ الستر والذَّيْل ، وفرس مُسْبَلُ الذنب ، وسَبَلَ المطرُ وأَسْبَلَ . وقيل للمطر : سَبَلٌ ما دام سَابِلًا ، أي سائلاً في الهواء . وخُصَّ السَّبَلَةُ : بشعر الشفة العليا ، لما فيها من التحدر .
والسُّنْبُلَةُ : جمعها سَنَابِلُ ، وهي ما على الزرع ، قال : سَبْعَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 420 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سَنابِلَ فِي كل سُنْبُلَةٍ « البقــرة : 261 » وقال : سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ « يوسف : 46 » . وأَسْبَلَ الزرعُ : صار ذا سنبلة ، نحو : أحصد وأجنى . والمُسْبِلُ : إسم القدح الخامس .
ملاحظات
أضاف الراغب السهولة الى معنى السبيل ، من عنده ، مع أن السبيل قد تكون سهلةً أو صعبةً . قال الإمام زين العابدين عليه السلام « الصحيفة السجادية100 » : « واسْتَعْمِلْنِي بِطَاعَتِكَ فِي أَيَّامِ الْمُهْلَةِ ، وانْهَجْ لِي إِلَى مَحَبَّتِكَ سَبِيلًا سَهْلَةً » . فليست كل سبيل سهلة .
وأصاب الراغب بقوله : « ويستعمل السَّبِيلُ لكل ما يتوصل به إلى شئ خيراً كان أو شراً » لقوله تعالى : وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَـا جَائِرٌ . . وَلا تَتَّبِعُوا السُّـبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ .
وأبعد من تعريف الراغب تعريف ابن فارس ، قال « 3/129 » : « والممتد طولاً السبيل وهو الطريق ، سمي بذلك لامتداده » .
والصحيح أنه سمي السبيل لأنه مُسَبَّلٌ للإنسان أي مُمَهَّدٌ له مادياً أو معنوياً ، قال الإمام السجاد عليه السلام « الصحيفة212 » : « وسَبَّلَنَا في سبل إحسانه لنسلكها بمنه إلى رضوانه » . كما سمي الطريق لأنها مطروقة مسلوكة .
هذا ، وقد ذكر الراغب السنبلة في المادة ، وهي أصل مستقل لا صلة لها بالسبيل .
سَبَأ
قال عز وجل : وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ « النمل : 22 » سَبَأ : إسم بلد تفرق أهله ، ولهذا يقال : ذهبوا أيادي سبأ ، أي تفرقوا تفرق أهل هذا المكان من كل جانب . وسَبَأْتُ الخمر : اشتريتها . والسَّابِيَاءُ : جِلْدٌ فيه الولد .
ملاحظات
استعمل القرآن كلمة سبأ إسماً لحضارة في قوله تعالى : لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ . واستعملها إسماً لعاصمتهم في قوله : وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ . فإن كانت لفظاً عربياً ، فهي من العربية القديمة التي لا نعرف معناها .
سِتٌّ - ستة
قال تعالى : فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ « الأعراف : 54 » وقال : سِتِّينَ مِسْكِيناً « المجادلة : 4 » فأصل ذلك سُدُسٌ ، ويذكر في بابه إن شاء الله .
سَتَرَ- سترةً - ستراً - مستوراً - استتر
السَّتْرُ : تغطية الشئ ، والسِّتْرُ والسُّتْرَةُ : ما يستتر به ، قال : لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً « الكهف : 90 » حِجابـاً مَسْـتُوراً « الإسراء : 45 » . والِاسْتِتَارُ : الإختفاء ، قال : وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ « فصلت : 22 » .
سَجَدَ - سجوداً - سجَّداً - مسجد - مساجد
السُّجُودُ : أصله التطامن والتذلل ، وجعل ذلك عبارة عن التذلل لله وعبادته ، وهو عامٌّ في الإنسان والحيوانات والجمادات ، وذلك ضربان : سجودٌ باختيار ، وليس ذلك إلا للإنسان ، وبه يستحق الثواب ، نحو قوله : فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا « النجم : 62 » أي تذللوا له . وسجودٌ تسخير ، وهو للإنسان والحيوانات والنبات ، وعلى ذلك قوله : وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعـاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ « الرعد : 15 » وقوله : يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ « النحل : 48 » فهذا سجود تسخير ، وهو الدلالة الصامتة الناطقة المنبهة على كونها مخلوقة ، وأنها خلق فاعل حكيم .
وقوله : وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ « النحل : 49 » ينطوي على النوعين من السجود : التسخير والإختيار . وقوله :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 421 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ « الرحمن : 6 » فذلك على سبيل التسخير . وقوله : اسْجُدُوا لِآدَمَ « البقرة : 34 » قيـل أُمِروا بأن يتخذوه قبلة ، وقيل أُمروا بالتذلل له والقيام بمصالحه ومصالح أولاده فائتمروا إلا إبليس . وقوله : ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّـداً « النساء : 154 » أي متذللين منقادين .
وخص السجود في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة ، وما يجري مجرى ذلك من سجود القرآن ، وسجود الشكر ، وقد يعبَّر به عن الصلاة بقوله : وَأَدْبارَ السُّجُودِ « ق : 40 » أي أدبار الصلاة . ويسمون صلاة الضحى : سُبْحَة الضحى ، وسُجُود الضحى . وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ « طه : 130 » قيل : أريد به الصلاة .
والمَسْجِدُ : موضع الصلاة ، اعتباراً بالسجود . وقوله : وَإن الْمَساجِدَ لِله « الجن : 18 » قيـل : عني به الأرض ، إذ قد جعلت الأرض كلها مسجداً وطهوراً ، كما روي في الخبر . وقيل : الْمَسَاجِدَ مواضع السجود : الجبهة والأنف واليدان والركبتان والرجلان . وقولـه : أَلَّا يَسْجُـدُوا لِله « النمـل : 25 » أي يا قوم اسجدوا . وقوله : وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً « يوسف : 100 » أي متذللين ، وقيـل كان السجود على سبيل الخدمة في ذلك الوقت سائغاً ، وقول الشاعر :
وافَى بِهَا لِدَرَاهِمِ الْإِسْجَادِ
عنى بها دراهم عليها صورة ملك سجدوا له .
ملاحظات
يقصد الراغب بسجود التسخير : السجود التكويني ، مقابل السجود الإرادي ، وقد فسر به عدة موارد للسجود في القرآن . لكن الله تعالى قال : تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِـنَّ وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاتَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ . ومعنـاه : أن كل موجـود مادي أو غيره يسبح الله تعالى تسبيحاً حقيقياً بإرادة ولغة وعقل بحسبه ، لكنا لانفهم تسبيحهم . وبهذا يكون التسبيح التسخيري أو التكويني كله بإرادة أيضاً .
أما قوله تعالى : وَللَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا . فالكره فيه هو التكوين ، وهو لا ينافي الإرادة في قوله : وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ، فهو أيضاً تسبيح حقيقي بإرادة .
سَجَرَ- سَجَر - سجَّر - تسجيراً - مسجور
السَّجْرُ : تهييج النار ، يقال سَجَرْتُ التنُّورَ ، ومنه : وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ . « الطور : 6 » قال الشاعر :
إذا شاءَ طالعُ مَسْجُورَةٍ
ترى حولها النبع والساسِمَا
وقوله : وَإِذَا الْبِحـارُ سُجِّرَتْ « التكوير : 6 » أي أضرمت ناراً ، عن الحسن . وقيل : غيضت مياهها . وإنما يكون كذلك لتسجير النار فيه . ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ « غافر : 72 » نحو : وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ « البقرة : 24 » .
وسَجَرَتِ الناقة ، استعارة لالتهابها في العَدْو ، نحو : اشتعلت الناقة . والسَّجِيرُ : الخليل الذي يسجر في مودة خليله كقولهم : فلان مُحَرَّقٌ في مودة فلان ، قال الشاعر :
سُجَرَاءُ نفسي غَيْرَ جَمعٍ أُشَابةٍ .
ملاحظات
معنى الشطر الذي استشهد به : هم خلصائي وليسوا أخلاطاً من الناس . وسَجَرَ التنور : ملأه بالحطب لزيادة التهابه ، فعلاقته بالإلتهاب غير مباشرة . قال الخليل « 6/50 » : « سَجَرْتُ التنور أسجرُه سجراً . والسجور : إسم للحطب . والمِسْجَرة : الخشبة التي يُساط بها السُّجُور في التنور . والسجور : امتلاء البحر والعين وكثرة مائه . والبحر المسجور : المفعم الملآن » .
وفسروا المسجور بالمشتعل ، لأنه يملأ بما يشتعل ، وبهذا يتضح أن تفسير الراغب للسجر بتهييج النار غير دقيق .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 422 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سَجَلَ- سجيل - سجلاً- سِجِل - مساجلة - أسجل
السَّجْلُ : الدلو العظيمة . وسَجَلْتُ الماء فَانْسَجَلَ أي صببته فانصب ، وأَسْجَلْتُهُ : أعطيته سَجْلاً . واستعير للعطية الكثيرة . والمُسَاجَلَةُ : المساقاة بالسجل وجعلت عبارة عن المباراة والمناضلة ، قال :
مَنْ يُسَاجِلْنِي يُسَاجِلْ مَاجِداً
والسِّجِّيلُ : حجر وطين مختلط ، وأصله فيما قيل فارسي معرب . والسِّجِلُّ : قيل حجر كان يكتب فيه ، ثم سمي كل ما يكتب فيه سِجِلّاً ، قال تعالى : كطيِّ السِّجلِّ للكتاب « الأنبياء : 104 » أي كطيه لما كتب فيه حفظاً له .
ملاحظات
قال الخليل « 6/54 » : « السجل : كتاب العهدة ، ويجمع سجلات » . وروي أن السجل ملك ومعناه : صاحب السجل « تفسير التبيان : 7/283 » : فيكون معني الآية : نطوي السماء كما يطوي الكاتب سجله ، أو كما يَلُف الصحاف الطومار .
سَجَنَ- سجناً - سِجِّين
السَّجْنُ : الحبس في السِّجْنِ ، وقرئ : رَبِّ السَّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ « يوسف : 33 » بفتح السين وكسرها . قـال : لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ « يوسف : 35 » وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ « يوسف : 36 » .
والسِّجِّينُ : إسم لجهنم ، بإزاء علِّيِّين ، وزيد لفظه تنبيهاً على زيادة معناه . وقيل : هو إسم للأرض السابعة ، قال : لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ « المطففين : 7 » . وقد قيل : إن كل شئ ذكره الله تعالى بقوله : وَما أَدْراكَ فَسَّرَهُ . وكل ما ذكر بقوله : وَما يُدْرِيكَ ، تركه مبهماً . وفي هذا الموضع ذكر : وَما أَدْراكَ ، وكذا في قوله : وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ « المطففين : 19 » ثم فسر الكتاب لاالسجين والعليين ، وفي هذه لطيفة موضعها الكتب التي تتبع هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ، لا هذا .
سَجَى - سجواً - ساجية - تسجية
قال تعالى : وَاللَّيْلِ إِذا سَجى « الضحى : 2 » أي سكن ، وهذا إشارة إلى ما قيل : هدأت الأرجل . وعين سَاجِيَةٌ : فاترة الطرف . وسَجَى البحر سَجْواً : سكنت أمواجه . ومنه استعير : تَسْجِيَةُ الميت أي تغطيته بالثوب .
ملاحظات
أجاد الجوهري فقال « 6/2372 » : « سجى الشئ يسجو سجواً : سكن ودام . وقوله تعالى : والليل إذا سجى : أي إذا دام وسكن » . فالسَّجْوُ بمعنى استمرار السكون .
سَحَبَ - سحباً - سحاب
أصل السَّحْبِ : الجرُّ ، كسحب الذَّيْل ، والإنسانَ على الوجه ، ومنه : السَّحَابُ ، إما لجرِّ الريح له ، أو لجرِّهِ الماء ، أو لانجراره في كره ، قال تعـالى : يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ « القمر : 48 » وقال تعالى : يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ « غافر : 71 » . وقيل : فلان يَتَسَحَّبُ على فلان ، كقولك : ينجر ، وذلك إذا تجرأ عليه . والسَّحَابُ : الغيم فيها ماء أو لم يكن ، ولهذا يقال : سحاب جهام ، قال تعالى : أَلَمْ تَرَ إن الله يُزْجِي سَحاباً « النور : 43 » حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً « الأعراف : 57 » وقال : وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ « الرعد : 12 » .
وقد يذكر لفظه ويراد به الظل والظلمة ، على طريق التشبيه ، قال تعـالى : أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ « النور : 40 » .
ملاحظات
فَسَّرَ الراغب : من فوقه سحاب ، بالظل والظلمة . ولا مبرر للخروج عن الظاهر ، فهو سحاب مظلم . والجهام سحاب لا مطر فيه .
سُحْت - سحته - أسحته - سُحتاً - سُحت - ساحتاً
السُّحْتُ : القَشْر الذي يستأصل ، قال تعالى : فَيُسْحِتَكُمْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 423 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بِعَذابٍ « طه : 61 » وقرئ : فَيَسْحِتَكُمْ يقال : سَحَتَهُ وأَسْحَتَهُ ، ومنه : السَّحْتُ والسُّحْتُ للمحظور الذي يلزم صاحبه العار ، كأنه يسحت دينه ومروءته ، قال تعالى : أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ « المائدة : 42 » أي لما يسحت دينهم . وقال عليه السلام : كل لحم نبت من سُحْتٍ فالنار أولى به . وسميَ الرشوة سحتاً لذلك . وروي : كسب الحجام سُحت . فهذا لكونه سَاحِتاً للمروءة لا للدين ، ألا ترى أنه عليه السلام أذن في إعلافه الناضح ، وإطعامه المماليك .
ملاحظات
أخذ الراغب تعريف السحت من قولهم : سَحَتَ الشَّحْمَ عن اللحم إذا قشـره عنه « الصحاح : 1/252 » والصحيح قول ابن فارس « 3/142 » : « سَحِتَ الشئ : إذا استؤصل . يقال : سحت الله الكافر بعذاب ، إذا استأصله . ومالٌ مسحوت ومسحت . وسمي سحتاً لأنه لا بقاء له » .
سَحَر- سِحر - سَحَرُه - سحروا - سِحراً - ساحرة - تسحر - سحوراً
السَّحَرُ : طرف الحلقوم والرئة . وقيل : انتفخ سَحَرُهُ . وبعير سَحِيرٌ : عظيم السَّحَرِ . والسِّحَارَةُ : ما ينزع من السَّحَر عند الذبح فيرمى به ، وجُعل بناؤه بناء النِّفاية والسِّقاطة . وقيل : منه اشتق السَّحْرُ ، وهو : إصابة السَّحَر .
والسِّحْرُ : يقال على معان ، الأول : الخداع وتخييلات لاحقيقة لها ، نحو ما يفعله المشعبذ بصرف الأبصار عما يفعله لخفة يده . وما يفعله النمام بقول مزخرف عائق للأسماع ، وعلى ذلك قولـه تعــالى : سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ « الأعراف : 116 » وقال : يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ « طه : 66 » وبهذا النظر سَمَّوْا موسى سَاحِراً فقالوا : يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ « الزخرف : 49 » .
والثاني : استجلاب معاونة الشيطان بضرب من التقرب إليه ، كقوله تعالى : هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كل أَفَّاكٍ أَثِيمٍ « الشعراء : 221 » وعلى ذلك قوله تعالى : وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ « البقرة : 102 » .
والثالث : ما يذهب إليه الأغْتَام « الأعجام » وهو إسم لفعل يزعمون أنه من قوته يغير الصور والطبائع ، فيجعل الإنسان حماراً ، ولاحقيقة لذلك عند المحصلين .
وقد تُصُوِّر من السحر تارةً حُسْنُهُ فقيل : إن من البيان لسحراً . وتارةً دقة فعله حتى قالت الأطباء : الطبيعة ساحرة . وسموا الغذاء سِحْراً من حيث إنه يدق ويلطف تأثيره ، قال تعالى : بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ « الحجر : 15 » أي مصروفون عن معرفتنا بالسحر . وعلى ذلك قوله تعالى : إنما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ « الشعراء : 153 » قيل : ممن جعل له سحر تنبيهاً [على] أنه محتاج إلى الغذاء ، كقوله تعالى : ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطعامَ « الفرقان : 7 » ونبه [على] أنه بشر كما قال : ما أَنْتَ إِلَّا بَشَـرٌ مِثْلُنـا « الشعراء : 154 » وقيل : معناه ممن جعل له سحر يتوصل بلطفه ودقته إلى ما يأتي به ويدعيه .
وعلى الوجهين حمل قوله تعالى : إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً « الإسراء : 47 » . وقال تعالى : فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إني لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً « الإسراء : 101 » . وعلى المعنى الثاني دل قوله تعالى : إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ « سبأ : 43 » قال تعالى : وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ « الأعراف : 116 » وقال : أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ « يونس : 77 » وقال : فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ « الشعراء : 38 » فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ « طه : 70 » .
والسَّحَرُ والسَّحَرَةُ : اختلاط ظلام آخر الليل بضياء النهار ، وجعل إسماً لذلك الوقت ، ويقال : لقيته بأعلى السحرين . والمُسْحِرُ : الخارج سَحَراً . والسَّحُورُ : إسم للطعام المأكول سحراً ، والتسَحُّرُ : أكله .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 424 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات .
أخذ الراغب تعريف السَّحَر من ابن فارس . لكن الجوهري أجاد بقوله « 2/678 » : « السَّحْر : الرئة ، والجمع أسحار . وقد يحرك فيقال سَحَر مثل نَهْر ونَهَر لمكان حروف الحلق . ويقال للجبان : قد انتفخ سَحَرُه . والسَّحَر : قبيل الصبح . وهو معرفة ، وقد غلب عليه التعريف بغير إضافة ولا ألف ولام ، وإن أردت بسحر نكرة صرفته ، كما قال الله تعــالى : إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ . وكل ما لطف مأخذه ودق فهو سِحْر » .
وقال الخليل « 3/135 » : « السِّحْر : الأخذة التي تأخذ العين . والسِّحْر : البيان في الفطنة » .
سَحَقَ - انسحق - سُحقاً -
السَّحْقُ : تفتيت الشئ ، ويستعمل في الدواء إذا فُتت يقال : سَحَقْتُهُ فَانْسَحَقَ ، وفي الثوب إذا أخلق يقال : أَسْحَقَ .
والسُّحْقُ : الثوب البالي ، ومنه قيل : أَسْحَقَ الضرعُ ، أي صار سَحْقاً لذهاب لبنه ، ويصح أن يُجعل إِسْحَاقُ منه فيكون حينئذ منصرفاً ، وقيل : أبعده الله وأَسْحَقَهُ ، أي جعله سَحِيقاً ، وقيل : سَحَقَهُ ، أي جعله بالياً .
قال تعالى : فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ « الملك : 11 » وقال تعالى : أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ « الحج : 31 » . ودَمٌ مُنْسَحِقٌ وسَحُوقٌ ، مستعارٌ كقولهم : مدرور .
ملاحظات
الصحيح أن إسحاق لفظٌ با بلي سرياني ، لأن لغة إبراهيم وأولاده عليهم السلام كانت السـريانية حتى تكونت العبرية . وفي قاموس الكتاب المقدس/66 : « معناه بالعبرية : يضحك ، وهو ابن إبراهيم وسارة ، وقد ولد في النقب » .
أما السحق والسحاق والسحيق ومشتقاته في العربية ، فلا علاقة لها بإسحاق إلا التشابه باللفظ . فظن البعض أنها من أصل واحد .
سَحَلَ - ساحل - سحيل - مسحل
قال عز وجل : فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ « طه : 39 » أي شاطئ البحر أصله من سَحَلَ الحديد ، أي بَرَدَهُ وقَشَرَهُ ، وقيل : أصله أن يكون مَسْحُولاً ، لكن جاء على لفظ الفاعل كقولهم : همٌّ ناصب . وقيل : بل تُصُوِّرَ منه أنه يَسْحَلُ الماءَ ، أي يفرقه ويضيقه . والسُّحَالَةُ : البرادة .
والسَّحِيلُ والسُّحَالُ : نهيق الحمار ، كأنه شُبَّهَ صوته بصوت سحل الحديد . والْمِسْحَلُ : اللسان الجهير الصوت ، كأنه تُصور منه سحيل الحمار من حيث رفع صوته ، لا من حيث نكرة صوته ، كما قال تعالى : إن أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ « لقمان : 19 » . والْمِسْحَلَتَانِ : حلقتان على طرفي شكيم اللجام .
ملاحظات
ورد الساحل في القرآن مرة واحدة . وافترض اللغويون أن ساحل البحر والنهر لا بد أن يكون مشتقاً من أصلٍ وليس أصلاً بذاته ! ولكنهم لم يستطيعوا أن يجدوا له أصلاً معقولاً ، ومن اآراء الركيكة أنه من سُحَالة الحديد أي برادته !
سَخِر - تسخير- سُخري -استسخر - سُخريةً - سِخرياً
التسْخِيرُ : سياقةٌ إلى الغرض المختص قهراً ، قال تعالى : وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ « الجاثية : 13 » وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ . وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ « إبراهيم : 33 » وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ « إبراهيم : 32 » كقوله : سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ « الحج : 36 » سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا « الزخرف : 13 » . فَالمُسَخَّرُ : هو المقيَّض للفعل .
والسُّخْرِيُّ : هو الذي يُقهر فَيَتَسَخَّرُ بإرادته . قال : لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضـاً سُخْرِيًّا « الزخرف : 32 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 425 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وسَخِرْتُ منه واسْتَسْخَرْتُهُ : لِلْهُزْءِ منه ، قال تعالى : إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإنا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ « هود : 38 » بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ « الصافات : 12 » . وقيل : رجل سُخْرَةٌ : لمن سَخِرَ ، وسُخْرَةٌ لمن يُسْخَرُ منه .
والسُّخْرِيَةُ والسِّخْرِيَةُ : لفعل الساخر . وقوله تعالى : فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا « المؤمنون : 110 » وسخرياً ، فقد حمل على الوجهين على التسخير وعلى السخرية قوله تعالى : وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا « صاد : 62 » . ويدل على الوجه الثاني قوله بعده : وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ « المؤمنون : 110 » .
ملاحظات
1 . خلط الراغب بين سَخِرَ وسَخَّرَ ، أي بين التسخير والسخرية ، وكذلك فعل في هزأ . ويقول العرب : اتخذه سِخْرياً ، بمعنى سخر منه ولا يستعملونه في التسخير والإجبار على العمل بل يقولون : أخذه سُخْرةً ، فالمقصود بآية : لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضـاً سُخْرِيًّا ، السخرية ولا يصح أن يحمل على السُّخْرَة .
2 . عرف اللغويون كلاً من الإستهزاء والسخرية بالآخر ، قال الخليل « 4/196 » : « سخر منه وبه أي : استهزأ » . وقال « 3/75 » : « الهزء : السخرية » . لكن استعماله القرآني يدل على وجود فرق بينهما ، قال تعالى : وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ . « الأنعام : 10 » . فقد سخروا بالأنبياء عليهم السلام وجازاهم الله على سخريتهم ، واستهزؤوا بالعذاب الموعود وأحله الله بهم . ونحوه قوله تعالى : فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ . « النحل : 34 » .
وقد ذكروا عدداً من الفروق بين السخرية والإستهزاء ، وكلها منقوضة بآيات القرآن ، أو ضعيفة ، وبعضها يرجع الى الفرق بين المستهزَأ بهم والمسخور بهم ، وبعضها يرجع الى ما يُهزأ به ويُسخر منه ، وبعضها يرجع من يَسخر ومن يَستهزئ . لكن الظاهر أن الفرق بينهما في طبيعة الهُزء والسخرية ، فالهزءُ حالة نفسية تقابل الجد ، وتعني التعاطي الكاذب والمستعلي والمخادع مع أنبياء الله تعالى وآياته . لاحظ قوله تعالى : وَاتَّخَذُوا آيَاتِى وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا . وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ . وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ .
فقولهم للذين آمنوا : آمَنا ، استهزاءٌ وهو كذبٌ وخداعٌ واستعلاء .
ولاحظ قوله تعالى : يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ .
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ .
فقولهم نخوض ونلعب ، هو شكل من أشكال استهزائهم .
أما السخرية فهي فعل استهزائي بقول أو عمل ، قال تعالى : وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلا مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ . « هود : 28 » .
وعقوبة السخرية متناسبة مع الإستهزاء ، قال تعالى : وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ . ومن نوعها قوله تعالى : فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ . ولم تذكر الآيات العقوبة على فعل الإستهزاء ، بل ذكرت أنه حاق بهم ما استهزؤوا به !
وقد يجتمع الهزو والسخرية ، كما في قوله تعالى : وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً . فقولهم : أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً ، هزوٌ ، وسخرية .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 426 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ونلاحظ تعبيره عز وجل باتخذه هزواً واتخذه سخرية : لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا . فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا . وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا . وهو يدل على دوام عملهم ، وتبنيهم ذلك عن عمد ، بل يبحثون عمن يسخر معهم أو عن شئ يسخرون منه ، كما قال تعالى : وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ .
سَخِطَ - سُخْطاً - أسخط
السَّخَطُ والسُّخْطُ : الغضب الشديد المقتضي للعقوبة ، قال : إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ « التوبة : 58 » وهو من الله تعالى : إنزال العقوبة ، قال تعالى : ذلِكَ بِأنهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ الله « محمد : 28 » أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ « المائدة : 80 » كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ الله « آل عمران : 162 » .
سَدَّ - سَدَدته - سَداً - سدَّدْته - تسديداً - سداداً
السَّدُّ والسُّدُّ : قيل هما واحد ، وقيل : السُّدُّ ما كان خلقة ، والسَّدُّ ما كان صنعة . وأصل السَّدِّ : مصدر سَدَدْتُهُ ، قال تعالى : بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا « الكهف : 94 » وشُبِّه به الموانع ، نحو : وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا « يس : 9 » وقرئ سُداً .
السُّدَّةُ : كالظُّلَّة على الباب تقية من المطر ، وقد يعبر بها عن الباب ، كما قيل : الفقير الذي لا يفتح له سُدَدُ السلطان .
والسَّدَادُ والسَّدَدُ : الإستقامة . والسِّدَادُ : ما يُسَدُّ به الثَّلْمة والثغر ، واستعير لما يسد به الفقر .
سِدْر - سدرة - سدر بصره - سادر - سدر شعره
السِّدْرُ : شجر قليل الغَناء عند الأكل ، ولذلك قال تعالى : وَأَثْلٍ وَشَئ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ « سبأ : 16 » وقد يخضد ويستظل به ، فجعل ذلك مثلاً لظل الجنة ونعيمها في قوله تعالى : فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ « الواقعة : 28 » لكثرة غنائه في الإستظلال . وقوله تعالى : إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى « النجم : 16 » فإشارة إلى مكان اختصّ النبي صلى الله عليه وآله فيه بالإفاضة الإلهية والآلاء الجسيمة ، وقد قيل : إنها الشجرة التي بويع النبي صلى الله عليه وآله تحتها ، فأنزل الله تعالى السكينة فيها على المؤمنين . والسَّدَر : تحيُّر البصر . والسَّادِرُ : المتحير . وسَدَرَ شَعْرَهُ ، قيل : هو مقلوب عن دَسَرَ .
سُدْسٌ- سندس - سديسَ عجيس - سدوس
السُّدُسُ : جزء من ستة ، قال تعالى : فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ « النساء : 11 » والسِّدُسُ في الإظماء ، وسِتٌّ أصله سِدْسٌ ، وسَدَسْتُ القومَ : صرت سادسهم ، وأخذت سُدُسَ أموالهم . وجاء سَادِساً ، وسَاتّاً ، وسَادِياً ، بمعنى . قال تعالى : وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ « المجدلة : 7 » وقال تعالى : وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ « الكهف : 22 » ويقال : لا أفعل كذا سَدِيسَ عجيس ، أي أبداً .
والسُّدُوسُ : الطلسان . والسندس : الرقيق من الديباج . والإستبرق : الغليظ منه .
سَرَرَ- أسرَّ - سراً - إسراراً - سارَّه - سِرارة - سُرة البطن - أسارير - سرير - سُرر- سرور-
الْإِسْرَارُ : خلاف الإعلان ، قـال تعالى : سِرًّا وَعَلانِيَةً « إبراهيم : 31 » وقال تعالى : وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ « التغابن : 4 » وقال تعالى : وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ « الملك : 13 » ويستعمل في الأعيان والمعاني .
والسِّرُّ : هو الحديث المكتم في النفس . قال تعالى : يَعْلَمُ السِّـرَّ وَأَخْفى « طه : 7 » وقال تعالى : إن الله يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ « التوبة : 78 » . وسَارَّهُ : إذا أوصاه بأن يسرّه ، وتَسَارَّ القومُ . وقوله : وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ « يونس : 54 » أي كتموها . وقيل معناه أظهروها بدلالة قوله تعالى : يا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 427 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا « الأنعام : 27 » وليس كذلك ، لأن الندامة التي كتموها ليست بإشارة إلى ما أظهروه من قوله : يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا « الأنعام : 27 » .
وأَسْرَرْتُ إلى فلان حديثاً : أفضيت إليه في خفية ، قال تعـالى : وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُ « التحريم : 3 » وقوله : تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ « الممتحنة : 1 » أي يطلعونهم على ما يسرون من مودتهم . وقد فسر بأن معناه يظهرون وهذا صحيح ، فإن الإسرار إلى الغير يقتضي إظهار ذلك لمن يفضى إليه بالسر ، وإن كان يقتضي إخفاءه عن غيره ، فإذاً قولهم أسررت إلى فلان يقتضي من وجهٍ الإظهار ومن وجهٍ الإخفاء . وعلى هذا قوله : وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً « نـوح : 9 » . وكُنِّي عن النكاح بالسِّر من حيث إنه يُخفى . واستعير للخالص فقيل : هو من سِرِّ قومه ، ومنه : سِرُّ الوادي وسِرَارَتُه . وسُرَّةُ البطن : ما يبقى بعد القطع وذلك لاستتارها بعُكَن البطن ، والسُّرُّ والسُّرَرُ يقال لما يقطع منها . وأَسِرَّةُ الراحة ، وأَسَارِيرُ الجبهة : لغضونها .
والسَّرَارُ : اليوم الذي يستتر فيه القمر آخر الشهر .
والسُّرُورُ : ما ينكتم من الفرح ، قال تعالى : وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً « الإنسان : 11 » وقـال : تَسُرُّ النَّاظِرِينَ « البقرة : 69 » . وقوله تعالى في أهل الجنة : وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِـهِ مَسْـرُوراً « الإنشقاق : 9 » وقوله في أهل النار : إنهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً « الإنشقاق : 13 » تنبيهٌ على أن سُرُورَ الآخرة يضاد سرور الدنيا .
والسَّرِيرُ : الذي يجلس عليه من السرور ، إذ كان ذلك لأولي النعمة ، وجمعه أَسِرَّةٌ وسُرُرٌ ، قال تعالى : مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ « الطور : 20 » فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ « الغاشية : 13 » وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ « الزخرف : 34 » . وسَرِيرُ الميت : تشبيهاً به في الصورة ، وللتفاؤل بالسرور الذي يلحق الميت برجوعه إلى جوار الله تعالى ، وخلاصه من سجنه المشار إليه بقوله صلى الله عليه وآله : الدنيا سجن المؤمن .
ملاحظات
السِّرُّ : قد يكون في النفس أو بين جماعة . فلا يصح حصر الراغب له بـ « الحديث المكتم في النفس » ومعنى قولك : سارَّهُ وتسارَّ القوم : أخبره بسرٍّ ، وتكلموا به . فلا يصح قول الراغب : « سَارَّهُ : إذا أوصاه بأن يُسِرَّه » . وكذا لا يصح تفسيـره : تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ، بأنهم يطْلِعونهم ، لأنهم قد يُسرون مودتهم ولا يخبرونهم .
أمـا قـول نـوح عليه السلام : وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً . فمعناه أسرَّ الى بعضهم . وقوله : وكُنِّي عن النكاح بالسر ، فيقصد به قوله تعالى : وَلَكِنْ لاتُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا . والمقصود به خطبة المتوفى عنها زوجها أو المطلقة في عدتها .
وتعريفه للسُّرُور بأنه : « ما ينكتم من الفرح » تعريف بالأخص . ومعناه أن السرور المعلن ليس سروراً !
كما لا دليل على قوله إن السرير الذي يوضع عليه الميت مشتق من السرور ! بل قال الجوهري « 3/1022 » إنه لايسمى سريراً إذا كان الميت عليه بل يسمى نعشاً ، قال : « النعش : سرير الميت سميَ بذلك لارتفاعه . فإذا لم يكن عليه ميت فهو سرير » .
سَرَبَ - سَرَباً - سروباً - سارب - مسربة - سراب
السَّرَبُ : الذهاب في حدور . والسَّرَبُ : الْمَكَانُ المُنْحَدِرُ ، قال تعالى : فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً « الكهف : 61 » يقال : سَرَبَ سَرَباً وسُرُوباً ، نحو مرَّ مرّاً ومروراً ، وانْسَرَبَ انْسِرَاباً كذلك ، لكن سَرَبَ يقال على تصور الفعل من فاعله ، وانْسَرَبَ على تصوّر الإنفعال منه .
وسَرَبَ الدمع : سال ، وانْسَرَبَتِ الحَيَّةُ إلى جُحْرِهَا . وسَرَبَ الماء من السقاء . وماء سَرَبٌ وسَرِبٌ : متقطرٌ من سِقائه . والسَّارِبُ : الذاهب في سِرْبه أيَّ طريق كان ، قال تعالى : وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ « الرعد : 10 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 428 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والسَّرْبُ : جمع سَارِبٍ ، نحو : ركب وراكب ، وتعورف في الإبل حتى قيل : زُعِرَتْ سَرْبُهُ ، أي إبله . وهو آمن في سِرْبِهِ أي في نفسه ، وقيل : في أهله ونسائه ، فجعل السِّرْبُ كناية . وقيل : إذهبي فلا أنْدَهُ سِرْبَكِ ، في الكناية عن الطلاق ، ومعناه : لا أردُّ إبلك الذاهبة في سربها .
والسُّرْبَةُ : قطعة من الخيل نحو العشرة إلى العشرين . والمَسْرَبَةُ : الشعر المتدلي من الصدر .
السَّرَابُ : اللامع في المفازة كالماء ، وذلك لانسرابه في مرأى العين ، وكان السراب فيما لا حقيقة له كالشراب فيما له حقيقة . قال تعالى : كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً « النور : 39 » . وقال تعالى : وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً « النبأ : 20 » .
ملاحظات
ذكر اللغويون أن سَرَبَ بمعنى ذهب ، وأضاف الراغب الى معناه الإنحدار فجعله : « الذهاب في حدور » ولم يذكر ذلك أحدٌ غيره ! وقد فسر الخليل « 7/248 » قوله تعالى : « وسارب بالنهار ، أي ساع في أموره نهاراً يسرب في حوائجه بالنهار سروباً » . وهو أعم من الذهاب في حدور أو في صعود أو في مكان مستو .
كما أن المسربة خط الشعر من وسط الصدر الى أصل السرة . « العين : 7/248 » . وقوله : زعرت سربه ، صحيحها : ذَعَرْتُ سِرْبَه بالذال .
سَرْبَلَ - سرابيل
السِّرْبَالُ : القميص من أي جنس كان ، قال : سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ « إبراهيم : 50 » سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ « النحل : 81 » أي تقي بعضكم من بأس بعض .
سَرَجَ - سراج - أسَْرج - سرَّج - سَرَّاج
السِّرَاجُ : الزاهر بفتيلة ودهن ، ويعبر به عن كل مضئ ، قال : وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجـاً « نوح : 16 » سِراجـاً وَهَّاجاً « النبأ : 13 » يعني : الشمس . يقال : أَسْرَجْتُ السّراج . وسَرَّجْتُ كذا : جعلته في الحسن كالسراج ، قال الشاعر :
وَفَاحِماً ومِرْسَناً مُسَرَّجاً
والسَّرْجُ : رحالة الدابة ، والسَّرَّاجُ : صانعه .
ملاحظات
أخذ الراغب تعريف السراج من الخليل وأخطأ في فهم كلامه ، فقد عرف الخليل الزاهر بأنه : كل ما يزهر بنفسه في الليل ، ومنه السراج . قال « 6/53 » : « حِرْفَةُ السَّرَّاج : السِّرَاجة ، وأسرجت السرج إسراجاً . والسراج : الزاهر الذي يزهر بالليل ، والفعل منه : أسرجت السراج إسراجاً . والمَسْرج : الموضع الذي توضع عليه المسرجة . والمَسْرَجة : التي توضع فيها الفتيلة . وأسرجتُ الدابة . والشمس سراج النهار ، والهدى سراج المؤمنين . وسرج الله وجهه وبَهَّجَهُ أي حَسَّنَه . قال العجاج : وفاحِماً ومِرْسَناً مُسَرَّجاً » .
أقول : فالمشكاة في قوله تعالى : كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ . هي المَسْرَجة .
سَرَحَ - سرحةٌ - سَرَّحْتُ - سارح - تسريح - منسرح
السَّرْحُ : شجر له ثمر ، الواحدة سَرْحَةٌ . وسَرَّحْتُ الإبل : أصله أن تُرعيه السَّرْحَ ، ثمّ جعل لكل إرسال في الرعي ، قال تعالى : وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ « النحل : 6 » والسَّارِحُ : الرّاعي . والسَّرْحُ : جمعٌ كالشِّرب .
والتسْرِيحُ في الطلاق ، نحو قوله تعالى : أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ « البقرة : 229 » وقوله : وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحـاً جَمِيلًا « الأحزاب : 49 » مسـتعارٌ من تَسْرِيحِ الإبل كالطلاق في كونه مستعاراً من إطلاق الإبل ، واعتبر من السرح المضيف قيل : ناقة سَرْحٌ تسرح في سيرها ومضى سرحاً سهلاً . والمُنْسَرِحُ : ضرب من الشِّعر ، استعير لفظه من ذلك .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 429 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سَرَدَ - سرْداً - سرَّاد - مِسْرَد
السَّرْدُ : خَرْزُ ما يخشن ويغلظ ، كنسج الدرع ، وخرز الجلد . واســتعير لنظم الحديد . قال : وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ « سبأ : 11 » ويقال : سَرْدٌ وزَرْدٌ ، والسِّرَادُ والزِّرَاد نحو سِرَاط ، وصِرَاط وزِرَاط . والْمِسْرَدُ : المِثْقَب .
سَرْدَقَ - سُرادق - مسردق
السُّرَادِقُ : فارسيٌّ معرَّب ، وليس في كلامهم إسم مفرد ثالثه ألف وبعده حرفان . قال تعالى : أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها « الكهف : 29 » وقيل : بيت مُسَرْدَقٌ : مجعول على هيئة سرادق .
سَرَطَ - سراط - صراط
السِّرَاطُ : الطريق المستسهل . أصله من سَرَطْتُ الطعامَ وزردته : ابتلعته ، فقيل : سِرَاطٌ ، تصوراً أنه يبتلعه سالكه ، أو يبتلع سالكه ! ألا ترى أنه قيل : قتل أرضاً عالمها ، وقتلت أرض جاهلها . وعلى النظرين قال أبو تمام :
رَعَتْهُ الفيافي بَعْدَمَا كانَ حِقْبَةً
رعَاهَا وَمَاءُ المُزْنِ يَنْهَلُّ سَاكِبُهْ
وكذا سمي الطريق اللقم والملتقم ، اعتباراً بأن سالكه يلتقمه .
ملاحظات
1 . ذكر الراغب أن الصراط بالصاد نفسه بالسين وجعل أصله : سَرَطُ الطعامَ وازْدَرَدَهُ بدون مضغ ، لأن السالك يسـرط الطريق ويأكله ، أو لأن الطريق يسرطه ! وهو كلام غير معقول ، ولم يقتنع به ابن فارس فنسبه الى البعض ، قال « 3/152 » : « السين والراء والطاء : أصل صحيح واحد ، يدل على غيبة في مَرٍّ وذَهاب . من ذلك سرطت الطعام إذا بلعته ، وبعض أهل العلم يقول : السـراط مشتق من ذلك ، لأن الذاهب فيه يغيب غيبة الطعام المسترط » !
أما الخليل وهو إمام اللغويين فاختار الصمت واقتصر في مادة سرط « 7/211 » على قوله : « السرط : منه الإستراط ، وهو سرعة الإبتلاع من غير مضغ » . ثم لم يذكر السراط لا بالسين ولا بالصاد في كل كتابه . وهذا من وفرة عقله ، لأنه لا يحب الرجم بالغيب كما يفعل غيره ! والظاهر أن الصراط لفظ غير عربي ، ولاعلاقة له بالسراط بالسين ، فقد نص اللغويون على أن العرب لم تكن تعرف الصـراط بالصاد ، فلما نزل القرآن به لفظه بعضهم بالسين . قال ابن منظور « 7/313 » : « وهي بالصاد لغة قريش الأولين التي جاء بها الكتاب ، قال : وعامة العرب تجعلها سيناً ، وقيل : إِنما قيل للطريق الواضح سراط لأَنه كأَنه يَسْتَرِطُ المارة » .
وتعليل إسمه بالسرط والبلع قياسٌ له على شبيهه باللفظ عند العرب ، ولا يصح ذلك في اللغة . لأن ابن منظور اعترف بأن العرب لم تكن تعرف كلمة الصراط ، وأن أبناء إبراهيم عليهم السلام كانوا يعرفونه .
2 . ذكر القرآن الصراط بضعــاً وأربعين مرة ، أكثرها بمعنى طريق الهدى الذي أمر به الله وســماه الصراط المستقيم ، وجعله مفرداً لا جمع له ، ونسبه اليه تعالى فقال : وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ . ولم يُسَمِّ ما يقابله صراطاً بل سبيلاً وسُبُلاً . ووصفه بالدين القيِم : قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ، وبالصراط السَّوِيّ ، وصراط العزيز الحميد ، وصراط الذين أنعم عليهم . وسمى صراط المحشر الذي يؤدي الى النار : صِرَاطِ الْجَحِيمِ .
سَرَعَ - أسرع - سرعةً - سريع - سراع - تسارعوا - سرعان
السُّرْعَةُ : ضد البطء ، ويستعمل في الأجسام والأفعال ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 430 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يقال : سَرُعَ فهو سَرِيعٌ ، وأَسْرَعَ فهو مُسْرِعٌ . وأَسْرَعُوا : صارت إبلهم سِرَاعاً ، نحو : أبلدوا وسَارَعُوا وتَسَارَعُوا . قال تعالى : وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ « آل عمران : 133 » وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ « آل عمـران : 114 » يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعـاً « ق : 44 » وقال : يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً « المعارج : 43 » . وسَرَعَانُ القوم : أوائلهم السِّرَاعُ . وقيل : سَرْعَانَ ذا إهالة ، وذلك مبني من سرع كوَشْكان من وَشَكَ ، وعَجْلَان من عَجَل . وقوله تعالى : إن الله سَرِيعُ الْحِسابِ « المائدة : 4 » .
وسَرِيعُ الْعِقابِ « الأنعام : 165 » فتنبيهٌ على ما قال : إنما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ « يس : 82 » .
سَرَفَ -أسرف - إسرافاً - سرفاً - مسرف - سُرْفة
السَّرَفُ : تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر . قال تعالى : وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُـوا لَمْ يُسْرِفُـوا وَلَمْ يَقْتُرُوا « الفرقان : 67 » وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً « النساء : 6 » ويقال تارة اعتباراً بالقدر ، وتارة بالكيفية ، ولهذا قال سفيان : ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سَرَفٌ وإن كان قليلاً . قال الله تعالى : وَلا تُسْرِفُوا إنهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ « الأنعـام : 141 » وَإن الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحــابُ النَّارِ « غافر : 43 » أي المتجاوزين الحد في أمورهم . وقال : إن الله لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ « غافر : 28 » . وسمى قوم لوط مسرفين من حيث إنهم تعدوا في وضع البذر في الحرث المخصوص له المعني بقوله : نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ « البقرة : 223 » .
وقوله : يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ « الزمر : 53 » فتناول الإسراف في المال ، وفي غيره . وقوله في القصاص : فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ « الإسراء : 33 » فسرفه أن يقتل غير قاتله ، إما بالعدول عنه إلى من هو أشرف منه ، أو بتجاوز قتل القاتل إلى غيره حسبما كانت الجاهلية تفعله . وقولهم : مررت بكم فَسَرِفْتُكُمْ ، أي جهلتكم من هذا ، وذاك أنه تجاوز ما لم يكن حقه أن يتجاوز فجهل ، فلذلك فُسَّر به .
والسُّرْفَةُ : دويبة تأكل الورق ، وسمي بذلك لتصور معنى الإسراف منه ، يقال : سُرِفَتِ الشجرةُ فهي مسروفة .
ملاحظات
عرَّفوا الإسراف بأنه الإنفاق أكثر من الحاجة ، والتبذير بالإنفاق بدون حاجة . وجعل الإمام الصادق عليه السلام الإسراف أعم من التبذير فقال : « إتق الله ولا تسرف ولا تَقْتُرْ ولكن بين ذلك قواماً . إن التبذير من الإسراف » . « الكافى « 3/501 » .
واستعمل القرآنُ الإسرافَ في الموقف والسلوك والإفراط في رفض الحق ، كقوله تعالى : وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ . أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًـا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ . وقوله مررت بكم فسرفتكم بمعني جهلتكم ، نقله الأصمعي عن العرب ، وهو محل شك . وقوله إن إسم السُّرْفة الحشرة مأخوذ من الإسراف ، محل شك أيضاً .
سَرَقَ- سرقة - سارق - استرق - استراقاً - السَّرَق
السَّرِقَةُ : أخذ ما ليس له أخذه ، في خفاء ! وصار ذلك في الشرع لتناول الشئ من موضع مخصوص وقدر مخصوص ، قال تعالى : وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ « المائدة : 38 » وقال تعالى : قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ « يوسف : 77 » وقال : أَيَّتُهَا الْعِيرُ إنكُمْ لَسارِقُونَ « يوسف : 70 » إن ابْنَكَ سَرَقَ « يوسف : 81 » . واسْتَرَقَ السمع : إذا تسمع مستخفياً ، قال تعالى : إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ « الحجر : 18 » . والسَّرَقُ والسَّرَقَةُ : واحد ، وهو الحرير .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 431 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سَرْمَدَ
السَّرْمَدُ : الدائم ، قال تعالى : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً « القصص : 71 » وبعده : النَّهارَ سَرْمَداً « القصص : 72 » .
سَرَى- أسرى - سُرى - سرياً - سراة - سرو - أسرَّ - سارية
السُّرَى : سير الليل ، يقال : سَرَى وأَسْرَى . قال تعالى : فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ « هود : 81 » وقال تعالى : سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا « الإسراء : 1 » . وقيل : إنَّ أسرى ليست من لفظة سرى يسري ، وإنما هي من السَّرَاةِ ، وهي أرض واسعة ، وأصله من الواو ، ومنه قول الشاعر :
بِسَرْوِ حِمْيرَ أبْوَالُ البِغَال بهِ
فأ سْرَى نَحْوَ أجْبُلْ وأتْهَمِ
وقوله تعالى : سُبْحـانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ « الإسراء : 1 » أي ذهب به في سَرَاة من الأرض ، وسَرَاةُ كل شئ : أعلاه ، ومنه : سَرَاةُ النهار ، أي ارتفاعه ، وقوله تعالى : قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا « مريم : 24 » أي نهراً يسري . وقيل : بل ذلك من السَّرْو ، أي الرفعة . يقال رجل سَرْوٌ . قال : وأشار بذلك إلى عيسى عليه السلام وما خصه به من سَرْوه ، يقال : سَرَوْتُ الثوبَ عني ، أي نزعته ، وسَرَوْتُ الجُلَّ عن الفرس . وقيل ومنه رجل سَرِيٌّ ، كأنه سَرَى ثوبه بخلاف المتدثر ، والمتزمل ، والزميل . وقوله : وأَسَرُّوهُ بِضاعَةً « يوسف : 19 » أي خمنوا في أنفسهم أن يحصلوا من بيعه بضاعة . والسَّارِيَةُ : يقال للقوم الذين يَسْرُونَ بالليل ، وللسحابة التي تسري ، وللأسطوانة .
ملاحظات
قال أكثر اللغويين إن الإسراء : السير ليلاً ، لكن لو صح كلامهم لقال : سبحان الذي أسرى بعبده ، بدون ليلاً . فقوله ليلاً يعني وجود إسراء في النهار . والبيت الذي استشهد به فيه خلل ، ورواه القرشي في جمهرة أشعار العرب/306 :
مِنْ سَرْوِ حِمْيرَ أَبْوَالُ البِغَالِ بِهِ
أَنَّى تَسَدَّيْتُ وَهْناً ذَلِكَ البينَا
وكذا ابن فارس « 3/154 » والجوهري وغيرهم . كما أخطــأ في تفســير : وأَسَرُّوهُ بِضـاعَةً ، بأنهم أملوا أن يحصلوا من بيعه بضاعة . بل معناه : أخفوه في بضاعة لهم عن العشارين في حدود مصر ، هرباً من الضريبة الباهظة على الرقيق .
سَطَحَ - سطحاً - مسطح - سطيح
السَّطْحُ : أعلى البيت . يقال : سَطَحْتُ البيت : جعلت له سطحاً ، وسَطَحْتُ المكان : جعلته في التسوية كَسَطْحٍ . قال : وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ « الغاشية : 20 » . وانْسَـطَحَ الرجل : امتد على قفاه ، قيل : وسمي سَطِيحُ الكاهن لكونه مُنْسَطِحاً لزمانةٍ [مرض] . والْمِسْطَحُ : عمود الخيمة الذي يجعل به لها سطحاً ، وسَطَحْتُ الثريدة في القصعة : بسطتها .
سَطَرَ- أسطر - أسطورة - مسيطر - أساطير
السَّطْرُ والسَّطَرُ : الصف من الكتابة ، ومن الشجر المغروس ، ومن القوم الوقوف . وسَطرَ فلان كذا : كتب سطراً سطراً ، قال تعالى : ن . وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ « القلم : 1 » وقال تعالى : وَالطورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ « الطور : 1 » وقــال : كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً « الإسراء : 58 » أي مثبتاً محفوظاً . وجمع السَّطر : أَسْطُرٌ وسُطُورٌ وأَسْطَارٌ ، قال الشاعر :
إني وأسْطَارٌ سُطِرْنَ سَطْرَا
[لَقائلٌ يا نَصْرُ نَصْرٌاً نَصْرَا] .
وأما قوله : أَساطِيرُ الأولينَ « الأنعام : 24 » فقد قال المبرد هي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 432 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جمع أُسْطُورَةٍ ، نحو : أرجوحة وأراجيح ، وأثفية وأثافي ، وأحدوثة وأحاديث . وقوله تعالى : وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الأولينَ « النحل : 24 » أي شئ كتبوه كذباً وميناً ، فيما زعموا ، نحو قوله تعالى : أَساطِيرُ الأولينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا « الفرقان : 5 » وقوله تعالى : فَذَكِّرْ إنما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ « الغاشية : 21 » وقوله : أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ « الطور : 37 » فإنه يقال : تَسَيْطَرَ فلان على كذا ، وسَيْطَرَ عليه إذا قام عليه قيام سطر ، يقول لستَ عليهم بقائم ، واستعمال المُسَيْطِر هاهنا كاستعمال القائم في قوله : أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كل نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ « الرعد : 33 »
وحفيظ في قوله : وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ « الأنعام : 104 » وقيل معناه لست عليهم بحفيظ ، فيكون المسيطر كالكاتب في قوله : وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ « الزخرف : 80 » وهذه الكتابة هي المذكورة في قوله : أَلَمْ تَعْلَمْ أن الله يَعْلَمُ مـا فِي السَّـماءِ وَالْأَرْضِ إن ذلِكَ فِي كِتابٍ إن ذلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ « الحج : 70 » .
ملاحظات
قال الراغب وبعض اللغويين إن السيطرة من السطر ولا يصح ذلك ، ولاعلاقة لها بالسطر والكتابة ، فلا بد من جعلها أصلاً بنفسه .
وقد ذكرها الخليل على أنها أصل مستقل ، قال « 7/210 » : « السيطرة مصدر المسيطر ، وهو كالرقيب الحافظ . والمصيطر لغةٌ » . وقال ابن منظـور « 4/364 » : « لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ، وقد سَيْطَرَ علينا وسَوْطَرَ » .
سَطَا - سطواً - سطوة
السَّطْوَةُ : البطش برفع اليد يقال : سَطَا به . قال تعالى : يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنــا « الحج : 72 » .
وأصله من : سَطَا الفرس على الرمكة يَسْطُو ، إذا أقام على رجليه رافعاً يديه ، إما مرحاً وإما نزواً على الأنثى .
وسَطَا الراعي : أخرج الولد ميتاً من بطن أمه . وتستعار السَّطْوَةُ للماء كالطغو ، يقال : سَطَا الماء وطغى .
ملاحظات
السطو : البطش الشديد ، باليد وغيرها . ولا يصح القول إنه من سطو الحصان على الفرس ، بل العكس أقرب ، لأن سطو الناس على بعضهم ، كان قبل سطو الخيل على بعضها ! قال الخليل « 7/278 » : « السطو : البسط على الناس بقهرهم من فوق ، قال الله عز وجل : يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا . والسطو : شدة البطش ، وإنما سمي الفرس ساطياً ، لأنه يسطو على سائر الخيل ، فيقوم على رجليه ، ويسطو بيديه . ويقال : إتق سطوته ، أي أخذته » .
سَعَدَ - سعِدَ - سعادةً - سعيد - مساعدة - سعديك - سعود - ساعد - سعدان
السَّعْدُ والسَّعَادَةُ : معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخير ، ويضاده الشقاوة . يقال : سَعِدَ وأَسْعَدَهُ الله ، ورجل سَعِيدٌ ، وقوم سُعَدَاءُ . وأعظم السعادات الجنة ، فلذلك قال تعالى : وإما الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ « هود : 108 » وقــال : فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ « هود : 105 » .
وَالمُسَاعَدَةُ : المعاونة فيما يظن به سَعَادَةً . وقوله : لبيك وسَعْدَيْكَ ، معناه : أسعدك الله إسعاداً بعد إسعاد ، أو سَاعَدَكُمْ مُسَاعَدَةً بعد مساعدة ، والأول أولى . والْإِسْعَادُ : في البكاء خاصة ، وقد اسْتَسْعَدْتُهُ فَأَسْعَدَنِي .
والسَّاعِدُ : العضو تصوُّراً لِمُسَاعَدَتِهَا ، وسمي جناحا الطائر سَاعِدَيْنِ كما سُمِّيَا يدين . والسَّعْدَانُ : نبتٌ يُغَزِّرُ اللبن ، ولذلك قيل : مرعى ولا كَالسَّعْدَانِ . والسَّعْدَانَةُ : الحمامة ، وعقدة الشسع ، وكركرة البعير . وسُعُودُ الكواكب : معروفة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 433 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
اســتعمل القــرآن السـعادة مرتين لأهل الجنــة فقال تعالى : يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ . . فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ . . وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا . وهذا يشير الى أن السعادة الحقيقية في الجنة لا في الدنيا ، وأن ما يوجد في الدنيا منها نسبي .
وتعريف الراغب للسعادة ضعيف ، فقد جعلها معاونة الأقدار على بلوغ الخير . وهي نفس الخير الذي يوفق الله لبلوغه .
سَعَرَ- أسعَّرالحرب - سعَّر - سعير
السَّعْرُ : التهاب النار ، وقد سَعَرْتُهَا وسَعَّرْتُهَا وأَسْعَرْتُهَا . والْمِسْعَرُ : الخشب الذي يُسْعَرُ به . واسْتَعَرَ الحرب واللصوص ، نحو : اشتعل . وناقة مَسْعُورَةٌ ، نحو : موقدة ومهيجة . السُّعَارُ : حر النار ، وسَعُرَ الرجل : أصابه حر ، قال تعالى : وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً « النساء : 10 » وقال تعـالى : وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ « التكوير : 12 » وقرئ بالتخفيف ، وقـوله : عَذابَ السَّعِيــرِ « الملك : 5 » أي حميم ، فهو فعيل في معنى مفعول . وقال تعالى : إن الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ « القمر : 47 » .
والسِّعْرُ في السوق : تشبيهاً بِاسْتِعَارِ النار .
ملاحظات
ذكر الخليل سِعْرَ السلعة مستقلاً ، عن تسعير الحرب . لكن الراغب تبع ابن فارس فجعل أصل المادة تسعير النار ، وحاولا أن يرجعا اليها فروعها ، لكن يصعب إرجاع السعر الى تسعير النار ، فهو استحسان لا أكثر .
سَعَى - سعياً - سعاية - مَسْعاة
السَّعْيُ : المشي السـريع ، وهو دون العَدْو . ويستعمل للجـد في الأمر خيراً كان أو شرّاً ، قـال تعالى : وَسَعى فِي خَرابِها « البقرة : 114 » وقال : نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ « التحريم : 8 » وقال : وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً « المائدة : 64 » وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ « البقــرة : 205 » وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْســانِ إِلَّا ما سَعى وَأن سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى « النجم : 39 » إن سَعْيَكُمْ لَشَتَّى « الليل : 4 » . وقال تعالى : وَسَعى لَها سَعْيَها « الإسراء : 19 » كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً « الإسراء : 19 » وقال تعالى : فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ « الأنبياء : 94 » . وأكثر ما يستعمل السَّعْيُ في الأفعال المحمودة قال الشاعر :
إنْ أجْزِ عَلْقَمَةَ بْنَ سَعْدٍ سَعْيَهُ
لا أُجْزِهِ ببلاءِ يومٍ واحدِ
وقال تعـالى : فَلما بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ « الصافات : 102 » أي أدرك ما سعى في طلبه . وخص المشي فيما بين الصفا والمروة بالسعي . وخصت السعاية بالنميمة ، وبأخذ الصدقة ، وبكسب المكاتب لعتق رقبته . والمُسَاعاة : بالفجور ، والمَسْعاة : بطلب المكرمة ، قال تعالى : وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ « سبأ : 5 » أي اجتهدوا في أن يظهروا لنا عجزاً فيما أنزلناه من الآيات .
ملاحظات
السعي : مطلق المشي ، وقد عرفه الراغب بالمشي السريع ليصحح تفسير عمر له بالركض ، وكان يحذف : فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّـهِ من القرآن ويكتب بدلها : إمضوا الى ذكر الله ، لأنه لا يجب الركض الى الصلاة ! قال البخاري « 6/63 » : « وقرأ عمر : فامضوا إلى ذكر الله » . وروى السيوطي « الدر المنثور : 6/219 » أنه رأى بيد رجل لوحاً مكتوباً فيه : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فأمره أن يمحوه ويكتب بدله : وامضوا . وقال : « لو قرأتها فاسْعَوْا سعيت حتى يسقط ردائي ! وكان يقرؤها فامضوا » ! فلم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 434 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يطعه المسلمون في ذلك لكن أطاعه بعضهم في تعريف السعي ومنهم الراغب !
سَغَبَ - مسغبة - سغبان - سغوب
قـال تعـالى : أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ « البلد : 14 » من السَّغَبِ ، وهو الجوع مع التعب ، وقد قيل : في العطش مع التعب ، يقال : سَغِبَ سَغَباً وسُغُوباً ، وهو سَاغِبٌ وسَغْبَانُ ، نحو : عطشان .
ملاحظات
ذكر اللغويون أن السَّغَب هو الجوع ، وأضاف اليه بعضهم التعب . قال الخليل « 4/380 » : « الساغب : الجائع . وسغب يسغب سغوباً ومسغبةً » . ولو كان التعب جزء من معناه أو ملازماً للجوع لذكره الخليل . لكن ابن فارس نقل عن بعض اللغويين أن التعب ملازم للسغب ، قال « 3/78 » : « قال بعض أهل اللغة لايكون السغب إلا الجوع مع التعب » . وفي المخصص « 1ق5/33 » : « سَغِب سَغَباً : جاع مع تَعَبٍ . وقد يُسَّمى العَطَش سَغَباً » . وقد اختار الراغب هذا القول ، وهو مخالف للمشهور ولم أجد له شاهداً من كلام العرب .
سَفَرَ - سفير - سفار - سافر - سفرة - سِفْر - سفارة
السَّفْرُ : كشف الغطاء ، ويختص ذلك بالأعيان نحو : سَفْرَ العمامة عن الرأس والخمار عن الوجه ، وسَفْرُ البيتِ : كَنْسُهُ بِالْمِسْفَرِ أي المِكْنَس ، وذلك إزالة السَّفِيرِ عنه ، وهو التراب الذي يكنس منه . والإِسْفارُ يختصُّ باللون ، نحو : وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ « المدثر : 34 » أي أشرق لونه ، قال تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ « عبس : 38 » .
وأَسْفِرُوا بالصبح تؤجروا من قولهم : أَسْفَرْتُ أي دخلت فيه ، نحو أصبحت . وسَفَرَ الرجل فهو سَافِرٌ ، والجمع السَّفْرُ ، نحو : ركب . وسَافَرَ : خُصَّ بالمفاعلة اعتباراً بأن الإنسان قد سَفَرَ عن المكان ، والمكان سَفَرَ عنه .
ومن لفظ السَّفْرِ اشتق السُّفْرَةُ : لطعام السَّفَرِ ، ولما يوضع فيه . قال تعالى : وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ « النساء : 43 » .
والسِّفْرُ : الكتاب الذي يُسْفِرُ عن الحقائق وجمعه أَسْفَارٌ ، قال تعالى : كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً « الجمعة : 5 » . وخص لفظ الأسفار في هذا المكان تنبيهاً [على] أن التوراة وإن كانت تَحقَّقَ ما فيها ، فالجاهل لا يكاد يستبينها كالحمار الحامل لها .
وقوله تعالى : بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ « عبس : 15 » فهم الملائكة الموصوفون بقوله : كِرامـاً كاتِبِينَ « الإنفطار : 11 » . والسَّفَرَةُ : جمع سَافِرٍ ، ككاتب وكتبة .
والسَّفِيرُ : الرسول بين القوم يكشف ويزيل ما بينهم من الوحشة ، فهو فعيل في معنى فاعل . والسِّفَارَةُ : الرِّسالة ، فالرسول ، والملائكة ، والكتب ، مشتركة في كونها سَافِرَةٌ عن القوم ما استبهم عليهم .
والسَّفِيرُ : فيما يكنس في معنى المفعول ، والسِّفَارُ في قول الشاعر :
وما السَّفَارُ قُبِّحَ السَّفَارُ
فقيل : هو حديدة تجعل في أنف البعير ، فإن لم يكن في ذلك حجة غير هذا البيت ، فالبيت يحتمل أن يكون مصدر سَافَرْتُ .
ملاحظات
1 . قال ابن فارس « 3/83 » إن سَفَرَ : « أصل واحد يدل على الإنكشاف والجلاء . من ذلك السَّفَر سمي بذلك لأن الناس ينكشفون عن أماكنهم . ومن الباب وهو الأصل : سفرت البيت كنسته . ومنه الحديث : لو أمرت بهذا البيت فسُفِر .
وأما قولهم سفر بين القوم سفارة إذا أصلح فهو من الباب ، لأنه أزال ما كان هناك من عداوة وخلاف . وسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته ، وأسفر الصبح وذلك انكشاف الظلام ، ووجهٌ مسفر إذا كان مشرقا ًسروراً .
والسفر الكتابة ، والسفرة الكَتَبة ، وسمي بذلك لأن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 435 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الكتابة تسفر عما يحتاج إليه من الشئ المكتوب » .
وقد تبعه الراغب لكنه قال : « السَّفْرُ : كشف الغطاء ، ويختص ذلك بالأعيان نحو : سَفْرَ العمامة عن الرأس والخمار عن الوجه . . الخ . » .
ولا يمكن قبول رأيه لأنه لا يمكن إرجا ع فروع المادة اليه ، فأي انكشاف في السفر والأسفار ، وأي كنس وكتابة؟ فالأصح جعله أصولاً متعددة ، فقوله تعالى : وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ . وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ . يصح تفسيرها بالإنكشاف ، لكن قوله تعالى : كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا . فلا انكشاف فيه ، وكذا قوله : وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ . لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا .
2 . سَفَرَ بمعنى كَنَسَ ، وسُفُور بمعنى الكَنَّاس : لفظ فارسي ، ولا يستعمله العرب إلا من تأثر بالفارسية ! ومن العجيب أن بعضهم جعل أصل مادة سفر بمعنى كنس ، وهو يرى أن العرب لا تستعمله بهذا المعنى ، ولا شاهد عليه صحيحاً من كلامهم ! أما حديثهم أن عُمَرَ دَخَلَ عَلَى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسُولَ الله لو أمَرْتَ بهذَا البَيْتِ فَسُفِرَ ، أي كُنِسَ ، فإنما رووه عن الأصمعي ، وإن صح فهو قول عمر ، وليس قول النبي صلى الله عليه وآله . « راجع : لسان العرب : 4/367 ، والمحكم للمرسي/478 ، والزبيدي : 6/525 » .
3 . ولا يصح تفسير الراغب آية : كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ، بأن سببه جهلهم بالتوراة ، بل سببه عدم عملهم بها .
4 . استعمل القرآن هذه المادة ثمان مرات ، في إسفار الصبح ، وفي الوجوه المُسفرة المستبشرة ، وفي الملائكة السَّفَرَة ، وفي الأسفار بمعنى الكتب ، وفي المسافرة وجمعها الأسفار .
سَفَعَ- سُفْعة - أسفع - سفعاء
السَّفْعُ : الأخذ بِسُفْعَةِ الفرس ، أي سواد ناصيته ، قال الله تعالى : لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ « العلق : 15 » وباعتبار السواد قيل للأثافي : سُفْعٌ ، وبه سُفْعَةُ غضب ، اعتباراً بما يعلو من اللون الدخاني وجه من اشتد به الغضب . وقيل للصقر : أَسْفَعُ ، لما به من لمع السواد . وامرأة سَفْعَاءُ اللون .
ملاحظات
لم يوضح الراغب معنى السفع بالناصية . قال الخليل « 1/341 » : « لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ، أي لنأخذن بها ولنقيمنه » .
وقال الجوهري : « 3/1230 » : « والسفعة في الوجه : سواد في خدي المرأة الشاحبة » . وقال ابن فارس « 3/84 » : « سَفَعْتُ الفَرَس : إذا أخذت بمقدم رأسه وهي ناصيته ، قال الله جل ثناؤه : لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَة » .
أقول : السفع بالناصية : سفعٌ وأخذ ، قال تعالى : يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِى وَالأَقْدَامِ ، فذكر الأخذ بدون سفع ، ويبدو أن السفع صَفْعٌ للناصية فتسودُّ ، ثم تسحب الى الجحيم .
سَفَكَ - سفكاً
السَّفْكُ في الدم : صَبُّهُ ، قال تعالى : وَيَسْفِكُ الدِّماءَ « البقرة : 30 » وكذا في الجوهر المذاب ، وفي الدمع .
ملاحظات
ورد سفك الدم في آيتين : قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ . وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ .
والظاهر أنه يختص بسفك الدم ظلماً ، وذكر بعض اللغويين أنه يستعمل لسفك الدمع وغيره من المائعات ، لكن لم أجد عليه شاهداً صحيحاً من كلام العرب ، وإن صح فهو استعارة من سفك الدم .
سَفَلَ - سَفُلَ - سفلاً - سافل - أسفل - سفلى - سفلة - سُفالة - سَفَال
السُّفْلُ : ضد العلو ، وسَفُلَ فهو سَافِلٌ ، قال تعالى : فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها « الحجر : 74 » وأَسْفَل ضد أعلى ، قال تعالى :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 436 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ « الأنفال : 42 » . وسَفُلَ صار في سفل ، وقال تعالى : ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ « التين : 5 » وقال : وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى « التوبة : 40 » . وقد قوبل بفوق في قولـه : إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ « الأحزاب : 10 » . وسُفَالَةُ الريح : حيث تمر الريح ، والعلاوة ضده . والسَّفْلَةُ من الناس : النَّذْل [الأنذال] نحو الدُّون . وأمرهم في سَفَالٍ .
سَفَنَ - سفنَ - سفينة
السَّفَنُ : نحت ظاهر الشئ ، كَسَفَنَ العودَ ، والجلد ، وسَفَنَ الريحُ التراب عن الأرض ، قال الشاعر :
فجاءَ خَفِيّاً يَسْفِنُ الأرْضَ صَدْرُهُ .
والسَّفَنُ : نحو النقض لما يُسْفَنُ ، وخص السَّفَنُ بجلدة قائم السيف ، وبالحديدة التي يَسْفِنُ بها . وباعتبار السَّفْنِ سميت السَّفِينَةُ ، قال الله تعالى : أما السَّفِينَةُ « الكهف : 79 » ثمّ تُجُوِّز بالسفينة فشبه بها كل مركوب سهل .
سَفِهَ - سفيه - سفهاء - سفه نفسه
السَّفَهُ : خفة في البدن ، ومنه قيل : زمامٌ سَفِيهٌ : كثير الإضطراب . وثوب سَفِيهٌ : ردئ النسج . واستعمل في خفة النفس لنقصان العقل ، وفي الأمور الدنيوية والأخروية ، فقيل : سَفِهَ نَفْسَهُ « البقرة : 130 » وأصله سَفِهَتْ نفسُه فصرف عنه الفعل ، نحو : بَطِرَتْ مَعِيشَتَها « القصص : 58 » . قال في السَّفَهِ الدنيوي : وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ « النساء : 5 » وقال في الأخروي : وَإنهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى الله شَطَطاً « الجن : 4 » فهذا من السفه في الدِّين .
وقال : أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إنهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ « البقرة : 13 » فنبه [على] أنهم هم السفهاء في تسمية المؤمنين سفهاء . وعلى ذلك قوله : سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها « البقرة : 142 » .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن هذه المادة عشر مرات ، أربعة منها في السفهاء كقوله تعالى : وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ . وقوله تعالى : وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا .
وقوله تعالى : سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا . وقوله تعالى : أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا .
وآية فيمن قتلوا أطفالهم : قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ . وآيتان في اتهام قوم هود لنبيهم : قَالَ الْمَلا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ . . قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِى سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّى رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
وآية في سفاهة من لا يتبع ملة إبراهيم عليه السلام : وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ .
وآية في سفاهة إبليس : وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً .
وآية في السفيه القاصر : فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفاً .
2 . قال الخليل « 4/9 » : « السفه والسفاه والسفاهة : نقيض الحلم . وسفهت أحلامهم . وسَفُهَ الرجل : صار سفيهاً . وسفُهَ حلمَه ، ورأيَه ونفسَه ، إذا حملها على أمر خطأ . وقول الله عز وجل : إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ، مثل : صبرَ نفسه ، ولا يقال : سَفَهْتُ زيداَ ولا صبرته » .
وفي غريب الحديث لابن سلام « 1/316 » : « في حديث النبي صلى الله عليه وآله أنه أتاه مالك بن مرارة الرهاوي فقال : يا رسول الله إني قد أوتيت من الجمال ما ترى ، ما يسرني أن أحداً يفضلني بشراكين فما فوقهما ، فهل ذلك من البغي؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 437 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقال رسول الله : إنما ذلك من سفه الحق وغَمْط الناس » .
وقال ابن منظور « 13/497 » : « اختلف النحويون في معنى سَفِهَ نَفْسَه وانتصابه فقال الأَخفش : أَهل التأْويل يزعمون أَن المعنى سَفَّه ومنه قوله : إلا من سَفِه الحقَّ ، معناه من سَفَّه الحقَّ ، وقال يونس النحوي : أُراها لغة ذهب يونس إلى أَن فَعِلَ للمبالغة كما أَنَّ فَعَّلَ للمبالغة فذهب في هذا مذهب أَهل التأْويل ، ويجوز على هذا القول سَفِهْتُ زيداً بمعنى سَفَّهْتُ زيداً .
وقال الكسائي والفراء : إن نفسه منصوب على التفسير ، وقالا : التفسير في النكرات أَكثر نحو طِبْتُ به نَفْساً وقَرِرْتُ به عيناً . وقال بعض النحويين : إن قوله تعالى : إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ معناه إلا من سَفِه في نفسه أَي صار سفيهاً ، إلا أَن في حذفت كما حذفت حروف الجر في غير موضع . قال الله تعالى : ولا جُناحَ عليكم أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكم؛ المعنى أَن تسترضعوا لأَولادكم . .
قال الله تعالى : كما آمنَ السُّفَهاء ، أَي الجُهّال . والسفيه : الجاهل . . وقوله تعالى : ولا تُؤْتوا السُّفَهاء أَموالكم التي جعل الله لكم قياماً . قال اللحياني : بلغنا أَنهم النساء والصبيان الصغار لأَنهم جُهّال بموضع النفقة . قال : وروي عن ابن عباس أَنه قال : النساءُ أَسْفَه السُّفهاء .
وفي التهذيب : ولا تؤتوا السفهاء أَموالكم ، يعني المرأَة والولد ، وسميت سفيهة لضعف عقلها ، ولأَنها لا تُحْسِنُ سياسة مالها . وقوله تعالى : فإن كان الذي عليه الحقُّ سفيهاً أَو ضعيفاً . السفيه : الخفيفُ العقل » .
سَقَرَ- سَقَرَتْهُ الشمس
من سَقَرَتْهُ الشمسُ وقيل صقرته ، أي لَوَّحَتْهُ وأذابته . وجُعل سَقَرُ إسمَ عَلَمٍ لجهنم ، قال تعالى : ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ « المدثر : 42 » وقال تعالى : ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ « القمر : 48 » . ولما كان السَّقْرُ يقتضي التلويح في الأصل نبه بقوله : وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ . لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ « المدثر : 27 » [على] أن ذلك مخالف لما نعرفه من أحوال السقر في الشاهد .
سَقَطَ - سقوطاً - سِّقْط - سقَط - تساقط
السُّقُوطُ : طرح الشئ ، إما من مكان عالٍ إلى مكان منخفض كسقوط الإنسان من السطح ، قال تعالى : أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا « التوبة : 49 » وسقوط منتصب القامة ، وهو إذا شاخ وكبر . قال تعالى : وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً « الطور : 44 » وقال : فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ « الشعراء : 187 » .
والسِّقَطُ والسُّقَاطُ : لما يقل الإعتداد به ، ومنه قيل : رجل سَاقِطٌ لئيم في حَسَبِهِ ، وقد أَسْقَطَهُ كذا . وأسقطت المرأة : اعتبر فيه الأمران : السقوط من عال ، والرداءة جميعاً ، فإنه لا يقال : أسقطت المرأة إلا في الولد الذي تلقيه قبل التمام ، ومنه قيل لذلك الولد : سِقْط . وبه شبه سَقْطُ الزَّنْد « الشرر عند القدح » بدلالة أنه قد يسمى الولد .
وقوله تعالى : وَلما سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ « الأعراف : 149 » فإنه يعني الندم . وقرئ : تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا « مريم : 25 » أي تَسَّاقَطُ النخلة ، وقرئ : تَساقطْ بالتخفيف أي تَتَسَاقَطُ فحذف إحدى التاءين . وإذا قرئ تَسَاقَطْ فإن تفاعل مطاوع فاعل ، وقد عَدَّاهُ كما عُدي تفعل في نحو : تجرعه . وقرئ : يَسَّاقَطْ عليك ، أي يسَّاقط الجذع .
سَقَفَ - سقُف - سقيفة
سَقْفُ البيت ، جمعه : سُقُفٌ ، وجعل السماء سقفاً في قوله تعالى : وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ « الطور : 5 » وقال تعالى : وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً « الأنبياء : 32 » وقال : لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ « الزخرف : 33 » . والسَّقِيفَةُ : كل مكان له سقفٌ كالصُّفَّة والبيت . والسَّقَفُ : طول في انحناء تشبيهاً بالسقف .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 438 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سَقَمَ - سُقماً- سقيم
السَّقَمُ والسُّقْمُ : المرض المختص بالبدن ، والمرض قد يكون في البدن وفي النفـس نحو : فِي قُلُوبِهِــمْ مَرَضٌ « البقرة : 10 » . وقولـه تعالى : إني سَقِيمٌ « الصافات : 89 » فمن التعريض ، أو الإشارة إلى ماض ، وإما إلى مستقبل ، وإما إلى قليل مما هو موجود في الحال ، إذ كان الإنسان لاينفك من خلل يعتريه وإن كان لا يحس به ، ويقال : مكان سَقِيمٌ ، إذا كان فيه خوف .
سَقَى - سقياً - إسقاءً - إستسقى - إستسقاء - استقاء - سقاية
السَّقْيُ والسُّقْيَا : أن يعطيه ما يشرب . والْإِسْقَاءُ : أن يجعل له ذلك حتى يتناوله كيف شاء ، فالإسقاء أبلغ من السقي لأن الإسقاء هو أن تجعل له ما يسقى منه ويشرب ، تقول : أَسْقَيْتُهُ نهراً . قال تعالى : وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً « الإنسان : 21 » وقــال : وَسُقُوا ماءً حَمِيمـاً « محمد : 15 » وَالَّذِي هُـوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ « الشعراء : 79 » وقال في الإسقاء : وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً « المرسلات : 27 » وقال : فَأَسْقَيْناكُمُوهُ « الحجر : 22 » أي جعلناه سَقْياً لكم . وقــال : نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها « المؤمنــون : 21 » بالفتح والضـم . ويقال للنصيب من السقي : سَقْيٌ ، وللأرض التي تسقى سَقْيٌ ، لكونهما مفعولين كالنقض . والإسْتِسْقاءُ : طلب السقي ، أو الإسقاء ، قال تعالى : وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى « البقرة : 60 » . والسِّقَاءُ : ما يجعل فيه ما يسقى . وأسقيتك جِلداً : أعطيتكه لتجعله سقاء . وقوله تعالى : جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْـلِ أَخِيهِ « يوسف : 70 » فهو المسمى صواع الملك ، فتسميته السِّقَايَةَ تنبيهاً [على] أنه يسقى به ، وتسميته صواعاً [على] أنه يكال به .
سَكَبَ - سكباً - مسكوب
قال عز وجل : وَماءٍ مَسْكُوبٍ « الواقعة : 31 » أي مصبوب ، وفرس سَكْبُ الجري . وسَكَبْتُهُ فَانْسَكَبَ ، ودمع سَاكِبٌ ، متصوَّرٌ بصورة الفاعل ، وقد يقال : مُنْسَكِبٌ . وثوب سَكْبٌ : تشبيهاً بالمنصب لدقته ورقته كأنه ماء مسكوب .
سَكَتَ - سكوتاً - سكِّيت - سكتة - سكتات
السُّكُوتُ : مختص بترك الكلام ، ورجل سِكِّيتٌ ، وسَاكُوتٌ : كثير السكوت . والسَّكْتَةُ والسُّكَاتُ : ما يعتري من مرض . والسَّكْتُ : يختص بسكون النفس في الغناء . والسَّكتَاتُ في الصلاة : السكوت في حال الإفتتاح وبعد الفراغ .
والسُّكَيْتُ : الذي يجئ آخر الحلبة . ولما كان السكوت ضرباً من السكون استعير له في قوله : وَلما سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ « الأعراف : 154 » .
سَكَرَ- سكراً - سكرات - سُكِّرَت أبصارهم
السُّكْرُ : حالة تعرض بين المرء وعقله ، وأكثر ما يستعمل ذلك في الشراب ، وقد يعتري من الغضب والعشق ، ولذلك قال الشاعر :
سِكْرانِ سُكْرُ هَوىً وَسُكْرَ مُدَامَةٍ
ومنه : سَكَرَاتُ الموت ، قال تعالى : وَجـاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ « ق : 19 » . والسَّكَرُ : إسم لما يكون منه السكر ، قال تعالى : تَتَّخِـذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَنـاً « النحل : 67 » .
والسَّكْرُ : حبس الماء ، وذلك باعتبار ما يعرض من السد بين المرء وعقله . والسِّكْرُ : الموضع المسدود . وقوله تعالى : إنما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا « الحجر : 15 » قيل : هو من السَّكْرِ ، وقيل : هو من السُّكْرِ . وليلة سَاكِرَةٌ ، أي ساكنة ، اعتباراً بالسكون العارض من السُّكْر .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 439 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سَكَنَ - سكنى - سُكان - سَكينة - سكون - مسكين - مسكنة - سِكين
السُّكُونُ : ثبوت الشئ بعد تحرُّك ، ويستعمل في الإستيطان نحو : سَكَنَ فلان مكان كذا ، أي استوطنه ، وإسم المكان مَسْكَنُ ، والجمع مَسَاكِنُ ، قال تعالى : لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ « الأحقاف : 25 » وقال تعالى : وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ « الأنعام : 13 » ولِتَسْكُنُوا فِيهِ « يونس : 67 » . فمن الأول يقال : سَكَّنْتُهُ ، ومن الثاني يقال : أَسْكَنْتُهُ ، نحو قوله تعالى : رَبَّنا إني أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي « إبراهيم : 37 » وقال تعالى : أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ . « الطلاق : 6 » . وقوله تعالى : وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ « المؤمنون : 18 » فتنبيهٌ منه على إيجاده وقدرته على إفنائه .
والسَّكَنُ : السكون وما يُسْكَنُ إليه ، قال تعالى : وَاللَّه جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً « النحل : 80 » وقال تعالى : إن صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ « التوبة : 103 » وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً « الأنعام : 96 » .
والسَّكَنُ : النار التي يسكن بها . والسُّكْنَى : أن يجعل له السكون في دار بغير أجرة . والسَّكْنُ : سُكَّانُ الدار ، نحو سفر في جمع سافر ، وقيل في جمع ساكن : سُكَّانٌ . وسُكَّان السفينة : ما تُسكن به . والسِّكِّينُ : سمي لإزالته حركة المذبوح .
وقوله تعالى : أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ « الفتح : 4 » فقد قيل : هو ملك يُسَكِّنُ قلب المؤمن ويؤمنه ، كما روي أن أمير المؤمنين عليه السلام قال : إن السَّكِينَةَ لتنطق على لسان عمر . وقيل : هو العقل ، وقيل له سكينة إذا سكن عن الميل إلى الشهوات ، وعلى ذلك دل قوله تعالى : وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله « الرعد : 28 » . وقيل : السَّكِينَةُ والسَّكَنُ واحد ، وهو زوال الرعب ، وعلى هذا قوله تعالى : أَنْ يَأْتِيَكُمُ التابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ « البقرة : 248 » وما ذكر إنه شئ رأسه كرأس الهِرِّ ، فما أراه قولاً يصح .
والْمِسْكِينُ : قيل هو الذي لا شئ له ، وهو أبلغ من الفقير ، وقوله تعالى : أما السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ « الكهف : 79 » فإنه جعلهم مساكين بعد ذهاب السفينة ، أو لأن سفينتهم غير مُعْتَدٍّ بها في جنب ما كان لهم من المسكنة . وقوله : ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ « البقرة : 61 » فالميم في ذلك زائدة في أصح القولين .
ملاحظات
الفقير في فقه أهل البيت عليهم السلام : من لا يملك قوت سنته ، والمسكين أسوأ حالاً منه . وقد تكون تسمية أصحاب السفينة بالمساكين لأن واردهم من السفينة لم يكن يكفيهم لقوت سنتهم .
أما السكينة فذكرها الله تعالى في ست آيات ، وفسرتها أحاديث أهل البيت عليهم السلام بالإيمان وأنها : « ريحٌ تخرج من الجنة ، لها صورة كصورة الانسان ورائحة طيبة ، وهي التي نزلت على إبراهيم عليه السلام فأقبلت تدور حول أركان البيت وهو يضع الأساطين » . « فجعلت تأخذ كذا وكذا ، فبنى الأساس عليها » . « الكافي : 3/472 و4/206 » « وهي التي أنزلها الله على رسول الله صلى الله عليه وآله بحنين فهزم المشركين » . « الكافي : 5/257 » . وهي بعد النبي صلى الله عليه وآله تنزل على الإمام من عترته ، ولذلك وضعوا على لسان علي عليه السلام أنها ليست معه وأنها مع عمر بن الخطاب !
سَلْ- سلَّهُ - سلاً - تسلل -سُلالة - سلسلة - سلسبيل - أسَلَة
سَلُّ الشئ من الشئ : نزعه كَسَلِّ السيف من الغمد ، وسَلِّ الشئ من البيت على سبيل السرقة ، وسَلُّ الولد من الأب ، ومنه قيل للولد : سَلِيلٌ . قال تعالى : يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً « النور : 63 » وقوله تعالى : مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ « المؤمنون : 12 »
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 440 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أي من الصَّفْو الذي يُسَلُّ من الأرض ، وقيل : السُّلَالَةُ كناية عن النطفة تُصُوِّرَ منه صفو ما يحصل منه . والسِّلُّ : مرض ينزع به اللحم والقوة ، وقد أَسَلَّهُ الله . وقوله عليه السلام : لا إِسْلَالَ ولا إغلال . وتَسَلْسَلَ الشئ اضطرب ، كأنه تُصُوِّرَ منه تَسَلُّلٌ مترددٌ فردد لفظه تنبيهاً على تردد معناه . ومنه السِّلْسِلَةُ ، قال تعالى : فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً « الحاقة : 32 » وقال تعالى : سَلاسِلَ وَأَغْلالًا وَسَعِيراً « الإنسان : 4 » وقال : وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ « غافر : 71 » وروي : يا عجباً لقوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل . وماء سَلْسَلٌ : متردد في مقره حتى صفا ، قال الشاعر :
أشهى إليَّ من الرحيقِ السَّلْسَلِ
وقوله تعالى : سَلْسَبِيلًا « الإنسان : 18 » أي سهلاً لذيذاً سلساً حَديدَ الجَرْيَة ، وقيل : هو إسم عين في الجنة ، وذكر بعضهم أن ذلك مركب من قولهم : سل سبيلاً ، نحو : الحوقلة والبسملة ونحوهما من الألفاظ المركبة . وقيل : بل هو إسم لكل عين سريع الجَرْيَة . وأَسَلَةُ اللسان : الطرف الرقيق .
ملاحظات
ذكر اللغويون أن معنى تسلسل الماء جرى بسهولة ، قال الجوهري « 5/1732 » : « وماء سلسل وسلسال : سهل الدخول في الحلق لعذوبته وصفائه » . لكن الراغب اخترع له الإضطراب فقال : تَسَلْسَلَ الشئ : اضطرب !
سَلَبَ- سليب - مسلوب - سَلَب - أساليب
السَّلْبُ : نزع الشئ من الغير على القهر . قال تعالى : وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئـاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ « الحـــج : 73 » والسَّلِيبُ : الرجل الْمَسْلُوبُ ، والناقة التي سُلِبَ ولدها . والسَّلَبُ : المسلوب ، ويقال للحاء الشجر المنزوع منه سَلَبٌ .
والسُّلُبُ في قول الشاعر :
في السُّلُبُ السُّود وفي الأمْسَاحِ
فقد قيل : هي الثياب السود التي يلبسها المصاب ، وكأنها سميت سَلَباً لنزعه ما كان يلبسه قبل . وقيل : تَسَلَّبَتِ المرأة ، مثل : أَحَدَّتْ . والْأَسَالِيبُ : الفنون المختلفة .
سَلَحَ - سِلاح - إسليح - سُلاح
السِّلَاحُ : كل ما يقاتل به ، وجمعه أَسْلِحَةٌ ، قال تعالى : وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ « النساء : 102 » أي أمتعتهم .
والْإِسْلِيحُ : نبت إذا أكلته الإبل غزرت وسمنت ، وكأنما سمي بذلك لأنها إذا أكلته أخذت السلاح ، أي منعت أن تنحر ، إشارة إلى ما قال الشاعر :
أزمانَ لم تأخذ عَليَّ سِلَاحَهَا
إبِلي بجلِّتِهَا ولَا أبْكَارَهَا
والسُّلَاحُ : ما يقذف به البعير من أكل الْإِسْلِيحِ ، وجعل كناية عن كل عذرة حتى قيل في الحبارى : سِلاحه سُلاحه .
ملاحظات
لا يصح تفسير الأسلحة بالأمتعة ، لأن عطفهما في الآية يقتضي تغايرهما ، قال تعـالى : وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ . فالسلاح : ما يقاتل به ويدافع به . والمتاع : ما ينتفع به من وسائل المعيشة .
سَلَخَ - سلخاً - انسلخ - سالخ
السَّلْخُ : نزع جلد الحيوان ، يقال : سَلَخْتُهُ فَانْسَلَخَ . وعنه استعير : سَلَخْتُ درعه : نزعتها . وسَلَخَ الشهر وانْسَلَخَ .
قال تعالى : فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ « التوبة : 5 » وقال تعالى : نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ « يس : 37 » أي ننزع . وأسود سَالِخٌ : سَلَخَ جلدَه أي نزعه . ونخلة مِسْلَاخٌ : ينتثر بِسْرُهَا الأخضر .
سَلَطَ - سلطه - تسليطاً - سلطان - سليطة - سلاطة
السَّلَاطَةُ : التمكُّن من القهر ، يقال : سَلَّطْتُهُ فَتَسَلَّطَ ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 441 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال تعالى : وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ « النساء : 90 » وقال تعالى : وَلكِنَّ الله يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ « الحشر : 6 » ومنه سمي السُّلْطَانُ . والسُّلْطَانُ : يقال في السَّلَاطَةِ ، نحو : وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً « الإسراء : 33 » إنهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ « النحل : 99 » إنما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ « النحل : 100 » لاتَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطـانٍ « الرحمن : 33 » وقد يقال لذي السَّلَاطَةِ وهو الأكثر . وسُمي الحجة سلطاناً وذلك لما يُلحق من الهجوم على القلوب ، لكن أكثر تسلطه على أهل العلم والحَكَمَة من المؤمنين . قال تعالى : الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ الله بِغَيْرِ سُلْطانٍ « غافر : 35 » وقال : فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ « إبراهيم : 10 » وقال تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ « غافر : 23 » وقال : أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً « النساء : 144 » وقوله عز وجل : هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ « الحاقة : 29 » يحتمل السلطانين . والسَّلِيطُ : الزيت بلغة أهل اليمن . وسَلَاطَةُ اللسان : القوة على المقال ، وذلك في الذم أكثر استعمالاً ، يقال : امرأة سَلِيطَةٌ ، وسنابك سَلْطَاتٌ : لها تسلط بقوتها وطولها .
ملاحظات
قال ابن فارس « 3/95 » : « سلط : أصل واحد وهو القوة والقهر . من ذلك السلاطة من التسلط وهو القهر ، ولذلك سمي السلطان سلطاناً . والسلطان : الحجة . والسليط من الرجال : الفصيح اللسان الذرب . والسليطة : المرأة الصخَّابة » .
سَلَفَ - أسلاف - سالفة - سُلاف - سُلافة
السَّلَفُ : المتقدم ، قال تعالى : فَجَعَلْناهُمْ سَلَفـاً وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ « الزخرف : 56 » أي مُعْتَبَراً متقدماً . وقال تعالى : فَلَهُ ما سَلَفَ « البقرة : 275 » أي يتجافى عما تقدم من ذنبه ، وكذا قوله : وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ « النساء : 23 » أي ماتقدم من فعلكم فذلك متجافى عنه . فالإستثناء عن الإثم لا عن جواز الفعل .
ولفلان سَلَفٌ كريم ، أي آباء متقدمون ، جمعه أَسْلَافٌ ، وسُلُوفٌ . والسَّالِفَةُ : صفحة العنق . والسَّلَفُ : ما قُدم من الثمن على المبيع . والسَّالِفَةُ والسُّلَافُ : المتقدمون في حرب ، أو سفر . وسُلَافَةُ الخمر : ما بقي من العصير . والسُّلْفَةُ : ما يقدم من الطعام على القرى ، يقال : سَلِّفُوا ضيفكم ولَهِّنُوهُ .
سَلَقَ- سلقه - تسلق - سليقة
السَّلْقُ : بسط بقهر ، إما باليد أو باللسان ، والتسَلُّقُ على الحائط منه ، قال : سَلَقُوكُمْ بِأَلْسنة حِدادٍ « الأحزاب : 19 » . يقال : سَلَقَ امرأته إذا بسطها فجامعها ، قال مسيلمة : وإن شئت سلقناك وإن شئت على أربع .
والسَّلْقُ : أن تدخل إحدى عروتي الجوالق في الأخرى . والسَّلِيقَةُ : خبزٌ مرقق وجمعها سَلَائِق . والسَّلِيقَةُ أيضاً : الطبيعة المتباينة . والسَّلْقُ : المطمئن من الأرض .
سَلَكَ - سلوكاً - مسلكاً - سُلْكة
السُّلُوكُ : النفاذ في الطريق ، يقال : سَلَكْتُ الطريق ، وسَلَكْتُ كذا في طريقه . قال تعالى : لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً « نوح : 20 » وقال : فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا « النحل : 69 » يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ « الجـن : 27 » وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهـا سُبُلًا « طه : 53 » . ومن الثاني قوله : ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ « المدثر : 42 » وقوله : كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ « الحجر : 12 » كَذلِكَ سَلَكْناهُ « الشعراء : 200 » فَاسْلُكْ فِيها « المؤمنون : 27 » يَسْلُكْهُ عَذاباً « الجن : 17 » قال بعضهم : سَلَكْتُ فلاناً طريقاً ، فجعل عذاباً مفعولاً ثانياً ، وقيل : عذاباً هو مصدر لفعل محذوف ، كأنه قيل : نعذبه به عذاباً . والطعنة السُّلْكَةُ : تلقاء وجهك .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 442 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والسُّلْكَةُ : الأنثى من ولد الحجل ، والذكر : السُّلَكُ .
سَلَمَ - سلامةً - سلاماً- سُلَّم - سَلَم - إسلام - سِلم - استسلام
السِّلْمُ والسَّلَامَةُ : التعري من الآفات الظاهرة والباطنة . قال : بِقَلْبٍ سَلِيمٍ « الشعراء : 89 » أي مُتَعَرٍّ من الدَّغل ، فهذا في الباطن . وقال تعالى : مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها « البقرة : 71 » فهذا في الظاهر . وقد سَلِمَ يَسْلَمُ سَلَامَةً ، وسَلَاماً ، وسَلَّمَهُ الله قال تعالى : وَلكِنَّ الله سَلَّمَ « الأنفال : 43 » وقال : ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ « الحجر : 46 » أي سلامة . وكذا قولـه : إهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا « هود : 48 » . والسلامة الحقيقية ليست إلا في الجنة ، إذ فيها بقاء بلا فناء ، وغنى بلا فقر ، وعز بلا ذل ، وصحة بلا سقم ، كما قال تعالى : لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ « الأنعام : 127 » أي السلامة . قال : وَاللَّه يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ « يونس : 25 » وقال تعالى : يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ « المائدة : 16 » يجوز أن يكون كل ذلك من السلامة .
وقيل : السَّلَامُ إسم من أسماء الله تعالى ، وكذا قيل في قوله : لَهُمْ دارُ السَّلامِ « الأنعام : 127 » و : السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ « الحشر : 23 » قيل : وصف بذلك من حيث لا يلحقه العيوب والآفات التي تلحق الخلق .
وقوله : سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ « يس : 58 » سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ « الرعد : 24 » سلام على آل ياسين . كل ذلك من الناس بالقول ، ومن الله تعالى بالفعل ، وهو إعطاء ما تقدم ذكره مما يكون في الجنة من السلامة .
وقوله : وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً « الفرقان : 63 » أي نطلب منكم السلامة ، فيكون قوله سلاماً نصباً بإضمار فعل ، وقيل معناه : قالوا سَلَاماً ، أي سداداً من القول ، فعلى هذا يكون صفة لمصدر محذوف .
وقوله تعالى : إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ « الذاريات : 25 » فإنما رفع الثاني لأن الرفع في باب الدعاء أبلغ ، فكأنه تحرى في باب الأدب المأمور به في قوله : وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها « النساء : 86 » ومن قرأ سَلَمٌ ، فلأن السلام لما كان يقتضي السلم ، وكان إبراهيم عليه السلام قد أوجس منهم خيفة ، فلما رآهم مُسَلِّمِينَ تصوَّر من تَسْلِيمِهِمْ أنهم قد بذلوا له سلماً ، فقال في جوابهم : سلامٌ تنبيهاً [على] أن ذلك من جهتي لكم كما حصل من جهتكم لي .
وقوله تعالى : لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً « الواقعة : 25 » فهذا لا يكون لهم بالقول فقط ، بل ذلك بالقول والفعل جميعاً . وعلى ذلك قوله تعالى : فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ « الواقعة : 91 » .
وقوله : وَقُلْ سَلامٌ « الزخرف : 89 » فهذا في الظاهر أن تُسَلِّمَ عليهم ، وفي الحقيقة سؤال الله السَّلَامَةَ منهم ، وقوله تعالى : سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ « الصافات : 79 » سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ « الصافات : 120 » سَلامٌ عَلى إِبْراهِيــمَ « الصافات : 109 » كل هذا تنبيهٌ من الله تعالى [على] أنه جعلهم بحيث يُثنى عليهم ويُدعى لهم . وقال تعالى : فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ « النور : 61 » أي ليسلم بعضكم على بعض .
والسَّلَامُ والسِّلْمُ والسَّلَمُ : الصلح ، قال : وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنــاً « النساء : 94 » وقيل : نزلت فيمن قتل بعد إقراره بالإسلام ومطالبته بالصلح . وقوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً « البقرة : 208 » وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ « الأنفال : 61 » وقرئ لِلسَّلْمِ بالفتح ، وقرئ : وَأَلْقَـوْا إِلَى الله يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ . وقال : يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ « القلم : 43 » أي مُسْتَسْلِمُونَ ، وقوله : ورجلاً سَلَماً لرجل ، وقرئ سِلْما وسَلَماً ، وهما مصدران ، وليسا بوصفين كحسن ونكد . يقول : سَلِمَ سَلَماً وسِلْماً ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 443 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وربحَ رَبحاً ورِبحاً . وقيل : السِّلْمُ إسمٌ بإزاء حرب .
والْإِسْلَامُ : الدخول في السِّلم ، وهو أن يسلم كل واحد منهما أن يناله من ألم صاحبه ، ومصدر أسلمت الشئ إلى فلان : إذا أخرجته إليه . ومنه : السَّلَمُ في البيع . والْإِسْلَامُ في الشرع : على ضربين ، أحدهما : دون الإيمان ، وهو الإعتراف باللسان وبه يحقن الدم ، حصل معه الإعتقاد أو لم يحصل ، وإياه قصد بقوله : قالَتِ الإعرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا « الحجرات : 14 » . والثاني : فوق الإيمان ، وهو أن يكون مع الإعتراف اعتقادٌ بالقلب ، ووفاءٌ بالفعل ، واستسلامٌ لله في جميع ما قضى وقدر ، كما ذكر عن إبراهيم عليه السلام في قوله : إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قـالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ « البقرة : 131 » وقوله تعالى : إن الدِّينَ عِنْدَ الله الْإِسْلامُ « آل عمـران : 19 » . وقوله : تَوَفَّنِي مُسْلِماً « يوسف : 101 » أي اجعلني ممّن استسلم لرضاك ، ويجوز أن يكون معناه : اجعلني سالماً عن أسر الشيطان حيث قـال : لَأُغْوِيَنَّهُـمْ أَجْمَعِيـنَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ « الحجر : 40 » . وقوله : إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ « النمل : 81 » أي منقادون للحق مذعنون له . وقوله : يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا « المــائدة : 44 » أي الذين انقادوا من الأنبياء الذين ليسوا من أولي العزم لأولي العزم الذين يهتدون بأمر الله ، ويأتون بالشرائع .
والسُّلَّمُ : ما يتوصل به إلى الأمكنة العالية فيرجى به السلامة ، ثم جعل إسماً لكل ما يتوصل به إلى شئ رفيع كالسبب ، قال تعالى : أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ « الطور : 38 » وقال : أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ « الأنعام : 35 » وقال الشاعر :
ولو نالَ أسبابَ السَّماءِ بِسُلَّم ِ
والسَّلْمُ والسَّلَامُ : شجر عظيم ، كأنه سمي لاعتقادهم أنه سليم من الآفات . والسِّلَامُ : الحجارة الصلبة .
سَلَا - سلوى - سَلَيْتُ - سلوت - سلواناً
قال تعالى : وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى « البقرة : 57 » أصلها ما يُسَلِّي الإنسانَ ، ومنه : السُّلْوَانُ والتسَلِّي . وقيل : السَّلْوَى : طائر كالسمانى ، قال ابن عباس : المنُّ الذي يسقط من السماء ، والسَّلْوَى : طائر . قال بعضهم : أشار ابن عباس بذلك إلى ما رزق الله تعالى عباده من اللحوم والنبات ، وأورد بذلك مثالاً .
وأصل السلوى من التسلي ، يقال : سَلَيْتُ عن كذا ، وسَلَوْتُ عنه وتَسَلَّيْتُ : إذا زال عنك محبته . قيل : والسُّلْوَانُ : ما يسلي ، وكانوا يتداوون من العشق بخرزة يحكُّونها ويشربونها ويسمونها السُّلْوَانَ .
ملاحظات
قال ابن سيده في المخصص « 1-5/15 » : « السَّلْوَى كأنه ما يُسْلي عن غيره لِفَضِيلة فيه من فرطِ طِيبه ، أو قِلَّة عِلاجٍ ومُعَاناة في إقتنائه » . وفي من لايحضره الفقيه « 1/503 » : « وكان المنُّ والسلوى ينزل على بني إسرائيل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فمن نام تلك الساعة لم ينزل نصيبه ، فكان إذا انتبه فلا يري نصيبه احتاج إلى السؤال » !
سَمَمَ - سَموم - سُموم
السَّمُّ والسُّمُّ : كل ثقب ضيق كخرق الإبرة ، وثقب الأنف والأذن ، وجمعه سُمُومٌ . قال تعالى : حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ « الأعراف : 40 » . وقد سَمَّهُ : أي دخل فيه ، ومنه السَّامَّةُ للخاصة الذين يقال لهم : الدِّخْلِل ، الذين يتداخلون في بواطن الأمر . والسُّمّ : القاتل ، وهو مصدر في معنى الفاعل ، فإنه بلطف تأثيره يدخل بواطن البدن .
والسَّمُومُ : الريح الحارة التي تؤثر تأثير السُّم . قال تعالى : وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ « الطور : 27 » . وقال : فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ « الواقعة : 42 » . وَالْجَان خَلَقْنــاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ « الحجر : 27 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 444 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سَمَدَ - سامدون
السَّامِدُ : اللاهي الرافع رأسه ، من قولهم : سَمَدَ البعير في سيره . قال : وَأَنْتُمْ سامِدُونَ « النجم : 61 » . وقولهم : سَمَدَ رَأْسَهُ وسبد ، أي استأصل شعره .
ملاحظات
استعمل الله تعالى هذه المادة في آية واحدة في سورة النجم ، فقال : أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ . وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ . وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ . وقال الخليل « 7/235 » : « السمد من السير : الدأب ، سمدت الإبل تسمد سموداً ، أي لم تعرف الإعياء . والسمود في الناس : الغفلة والسهو عن الشئ ، وقوله عز وجل : وأَنْتُمْ سَامِدُون ، أي ساهون لاهون . و روي عن علي عليه السلام أنه خرج إلى المسجد والناس ينتظرونه للصلاة قياماً ، فقال : ما لي أراكم سامدين . والسامد : القائم ، وكل رافع رأسه فهو سامد » . فالسامد رافع راسه ، وقد يكون لاهياً ، وليس اللهو شرطاً فيه كما تخيل الراغب .
سَمَرَ- سُمَّار - سامري
السُّمْرَةُ : أحد الألوان المركبة بين البياض والسواد ، والسَّمْرَاءُ كُنِّيَ بها عن الحنطة . والسَّمَارُ : اللبن الرقيق المتغير اللون . والسَّمُرَةُ : شجرة تشبه أن تكون للونها سميت بذلك . والسَّمَرُ : سواد الليل ، ومنه قيل : لا آتيك السَّمَرَ والقمر . وقيل للحديث بالليل : السَّمَرُ . وسَمَرَ فلان : إذا تحدث ليلاً ، ومنه قيل : لا آتيك ما سَمَرَ ابنا سمير ، وقوله تعالى : مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ « المؤمنون : 67 » قيل معناه : سُمَّاراً ، فوضع الواحد موضع الجمع . وقيل بل السَّامِرُ الليل المظلم ، يقال : سَامِرٌ وسُمَّارٌ وسَمَرَةُ وسَامِرُونَ ، وسَمَرْتُ الشئ . وإبل مُسْمَرَةٌ : مهملة . والسَّامِرِيُّ : منسوب إلى رجل .
سَمِعَ - سمعاً - سماعاً - مسمع - أسمعه - أسمع بهم - إستماع
السَّمْعُ : قوة في الأذن به يدرك الأصوات ، وفعله يقال له السَّمْعُ أيضاً ، وقد سمع سمعاً . ويعبر تارةً بالسمع عن الأذن نحو : خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ « البقرة : 7 » .
وتارةً عن فعله كَالسَّمَاعِ نحو : إنهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ « الشعراء : 212 » وقال تعالى : أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ « ق : 37 » .
وتارةً عن الفهم ، وتارةً عن الطاعة ، تقول : إسْمَعْ ما أقول لك ، ولم تَسْمَعْ ما قلت ، وتعني لم تفهم ، قال تعالى : وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا « الأنفال : 31 » وقوله : سَمِعْنا وَعَصَيْنا « النساء : 46 » أي فهمنا قولك ولم نأتمر لك . وكذلك قوله : سَمِعْنا وَأَطَعْنا « البقرة : 285 » أي فهمنا وارتسمنا .
وقولـه : وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ « الأنفال : 21 » يجوز أن يكون معناه : فهمنا وهم لا يفهمون ، وأن يكون معناه : فهمنا وهم لا يعملون بموجبه . وإذا لم يعمل بموجبه فهو في حكم من لم يسمع . ثم قال تعالى : وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْـراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا « الأنفال : 23 » أي أفهمهم بأن جعل لهم قوة يفهمون بها .
وقوله : وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ « النساء : 46 » يقال على وجهين ، أحدهما : دعاء على الإنسان بالصمم . والثاني : دعاء له . فالأول نحو : أَسْمَعَكَ الله ، أي جعلك الله أصم . والثاني : أن يقال : أَسْمَعْتُ فلاناً ، إذا سببته ، وذلك متعارف في السَّب . وروي أن أهل الكتاب كانوا يقولون ذلك للنبي صلى الله عليه وآله يوهمون أنهم يعظمونه ويدعون له ، وهم يدعون عليه بذلك . وكل موضع أثبت الله السمع للمؤمنين ، أو نفاه عن الكافرين ، أو حثَّ على تَحَرِّيه ، فالقصد به إلى تصور المعنى والتفكر فيه ، نحو : أَمْ لَهُمْ آذانٌ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 445 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يَسْمَعُونَ بِها « الأعراف : 195 » ونحو : صُمٌّ بُكْمٌ « البــقرة : 18 » ونحو : فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ « فصلت : 44 » . وإذا وصفت الله تعالى بِالسَّمْعِ فالمراد به علمه بِالْمَسْمُوعَاتِ ، وتحريه بالمجازاة بها نحو : قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها « المجادلة : 1 » لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا « آل عمران : 181 » وقوله : إنكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْــمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ « النمل : 80 » أي لاتفهمهم لكونهم كالموتى في افتقادهم بسوء فعلهم القوة العاقلة التي هي الحياة المختصة بالإنسانية . وقوله : أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ « الكهف : 26 » أي يقول فيه تعالى ذلك من وقف على عجائب حكمته ، ولا يقال فيه : ما أبصره وما أسمعه ، لما تقدم ذكره « من » أن الله تعالى لا يوصف إلّا بما ورد به السمع .
وقوله في صفة الكفار : أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا « مريم : 38 » معناه : أنهم يسمعون ويبصرون في ذلك اليوم ما خفي عليهم ، وضلوا عنه اليوم لظلمهم أنفسهم وتركهم النظر .
وقال : خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا « البقرة : 93 » سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ « المائدة : 42 » أي يسمعون منك لأجل أن يكذبوا . سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ « المائدة : 41 » أي يسمعون لمكانهم .
والِاسْتِمَاعُ : الإصغاء نحو : نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ ، إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ « الإسراء : 47 » وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ « محمد : 16 » وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ « يونس : 42 » وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ « ق : 41 » وقوله : أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ « يونس : 31 » أي من الموجد لِأَسْمَاعِهِمْ وأبصارهم والمتولي لحفظها . والْمِسْمَعُ والْمَسْمَعُ : خرق الأذن ، وبه شبه حلقة مسمع الغرب .
ملاحظات
قال أكثر المفسرين إن معنى قوله تعالى : أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنـا : مَا أَسْمَعُهُم وما أبصرهم يومئذ ، بعد أن كانوا لايسمعون ولا يبصرون في الدنيا . لكن معناها : فاعجب لحالهم يوم يأتوننا ، وأسمع الآخرين بهم وأبصرهم بهم ! فهي صيغة تعجب مثل قولك : أكرم بزيد ، وأنعم به ، أو أبْعِدْ بزيد . ولا علاقة لها بسمعهم في الدنيا أو الآخرة .
ويدل عليه سياق الآية وهو : فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ . أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِـرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ .
ويدل عليه أيضاً أن هذه الصيغة استعملت لله تعالى في قوله تعــالى : قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْـمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا .
فالمعنى : أبصـر أنت وبصِّر الآخرين ، وأسمعهم بقدرته وعظمته وسطوته عز وجل .
سَمَكَ - سَمْكُ البيت
السَّمْكُ : سَمْكُ البيت ، وقد سَمَكَهُ أي رفعه . قال : رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها « النازعات : 28 » وقال الشاعر :
إن الذي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا
وفي بعض الأدعية : يا بارئ السموات الْمَسْمُوكَات . وسنام سَامِكٌ : عالٍ . والسِّمَاكُ : ما سَمَكْتَ به البيت . والسِّمَاكُ : إسم نجم . والسَّمَكُ معروف .
سَمَنَ -سمناً - سمين - سَمَّنته - سَمْن - سماني
السِّمَنُ : ضد الهزال ، يقال : سَمِينٌ وسِمَانٌ ، قال : أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ « يوسف : 46 » . وأَسْمَنْتُهُ وسَمَّنْتُهُ : جعلته سميناً ، قال : لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ « الغاشية : 7 » . وأَسْمَنْتُهُ : اشتريته سميناً ، أو أعطيته كذا . واسْتَسْمَنْتُهُ : وجدته سميناً . والسُّمْنَةُ : دواء يستجلب به السِّمَنُ . والسَّمْنُ : سُمِّي به لكونه من جنس السِّمَنِ وتولّده عنه . والسُّمَانَى : طائر .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 446 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سَمَا- سماءٌ - إسمٌ - أسماء - مسمى - مسميات
سَمَاءُ كل شئ أعلاه . قال الشاعر في وصف فرس :
وأحمرُ كالدِّيباج أمَّا سَمَاؤُهُ
فريَّا وأمَّا أرْضُهُ فَمُحُولُ
قال بعضهم : كل سماء بالإضافة إلى ما دونها فسماء ، وبالإضافة إلى ما فوقها فأرض ، إلا السماء العليا فإنها سماء بلا أرض ، وحمل على هذا قوله : اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ « الطلاق : 12 » . وسميَ المطر سَمَاءً لخروجه منها ، قال بعضهم : إنما سمي سماء ما لم يقع بالأرض اعتباراً بما تقدم .
وسمي النبات سَمَاءً ، إما لكونه من المطر الذي هو سماء ، وإما لارتفاعه عن الأرض .
والسماء : المقابل للأرض مؤنثة ، وقد تذكر ، وتستعمل للواحد والجمع ، لقوله : ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ « البقرة : 29 » وقد يقال في جمعها : سَمَوَاتٍ . قال : خَلْقِ السَّماواتِ « الزمر : 5 » قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ « المؤمنون : 86 » وقال : السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ « المزمل : 18 » فذكر ، وقال : إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ « الإنشقاق : 1 » إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ « الإنفطار : 1 » فأنث ، ووجه ذلك أنها كالنخل في الشجر ، وما يجري مجراه من أسماء الجنس الذي يذكر ويؤنث ، ويخبر عنه بلفظ الواحد والجمع ، والسماء الذي هو المطر يذكر ، ويجمع على أَسْمِيَة . والسَّمَاوَةُ : الشخص العالي ، قال الشاعر :
سَمَاوَةُ الِهلَالِ حَتَّى احْقَوْقَفَا
وسَمَا لي : شخص ، وسَمَا الفحل على الشول سَمَاوَةً : لتخلله إياها .
والإسم : ما يعرف به ذات الشئ ، وأصله سِمْوٌ ، بدلالة قولهم : أسماء وسُمَى ، وأصله من السُّمُوِّ وهو الذي به رفع ذكر المُسَمَّى فيعرف به ، قال الله : بِسْمِ الله « الفاتحة : 1 » وقال : ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ الله مَجْراها « هود : 41 » بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ « النمل : 30 » وَعَلَّمَ آدَمَ الأسماء « البقرة : 31 » أي الألفاظ والمعاني مفرداتها ومركباتها .
وبيان ذلك : أن الإسم يستعمل على ضربين ، أحدهما : بحسب الوضع الإصطلاحي ، وذلك هو في المخبر عنه نحو : رجل وفرس . والثاني : بحسب الوضع الأولي ، ويقال ذلك للأنواع الثلاثة : المخبر عنه ، والخبر عنه ، والرابط بينهما المسمى بالحرف . وهذا هو المراد بالآية ، لأن آدم عليه السلام كما عُلِّمَ الإسم علم الفعل والحرف ، ولا يعرف الإنسان الإسم فيكون عارفاً لمسماه إذا عرض عليه المسمى ، إلا إذا عرف ذاته . ألا ترى أنا لو علمنا أَسَامِيَ أشياء بالهندية أو بالرومية ، ولم نعرف صورة ما له تلك الأسماء لم نعرف المُسَمَّيَاتِ إذا شاهدناها بمعرفتنا الأسماء المجردة بل كنا عارفين بأصوات مجردة . فثبت أن معرفة الأسماء لا تحصل إلا بمعرفة المسمى ، وحصول صورته في الضمير . فإذاً المراد بقوله : وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا « البقرة : 31 » الأنواع الثلاثة من الكلام وصور المسميات في ذواتها .
وقوله : ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها « يوسف : 40 » فمعناه أن الأسماء التي تذكرونها ليس لها مسميات ، وإنما هي أسماء على غير مسمى إذ كان حقيقة ما يعتقدون في الأصنام بحسب تلك الأسماء غيرموجود فيها .
وقوله : وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ « الرعد : 33 » فليس المراد أن يذكروا أساميها نحو اللات والعزى ، وإنما المعنى إظهار تحقيق ما تدعونه إلهاً ، وأنه هل يوجد معاني تلك الأسماء فيها ، ولهذا قال بعده : أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ « الرعد : 33 » . وقوله : تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ « الرحمن : 78 » أي البركة والنعمة الفائضة في صفاته إذا اعتبرت ، وذلك نحو الكريم والعليم والباري والرحمن الرحيم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 447 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى « الأعلى : 1 » وَلِلَّهِ الأسماء الْحُسْنى « الأعراف : 180 » وقوله : اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَــلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَميا « مريم : 7 » لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى « النجم : 27 » أي يقولون للملائكة بنات الله . وقوله : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَميا « مريم : 65 » أي : نظيراً له يستحق إسمه ، وموصوفاً يستحق صفته على التحقيق .
وليس المعنى هل تجد من يتسمى باسمه ، إذ كان كثير من أسمائه قد يطلق على غيره ، لكن ليس معناه إذا استعمل فيه كما كان معناه إذا استعمل في غيره .
ملاحظات
1 . لا يصح قول الراغب : والسماء الذي هو المطر يُذَكَّر ، ويجمع على أَسْمِيَة ، لأنها جمع سماء . قال سيبويه في الكتاب « 3/606 » : « قول بعض العرب في السماء سَمْيٌ . وقالوا أسْمِيَةٌ فجاءوا به على الأصل » .
وقال الجـوهري « 6/2382 » : « ويجمع على أسمية وسماوات . والسماء : كل ما علاك فأظلك » .
وقد استطرد الراغب في بحث العلاقة بين الإسم والمسمى ، ولم يستوفِ استعمالات القرآن للإسم وهي أكثر من خمسين مرة .
2 . الأسماء التي علمها الله تعالى لآدم عليه السلام ليست كالأسماء التي نعرف ، لأنه عبر عنها بضمير العاقل ، ولا تعليم الله تعالى لآدم كالتعليم الذي نعرفه ، لأن آدم عليه السلام استوعبها فكان بذلك أعلم من الملائكة وأعلى منهم درجة ، فاستيعابه لها هو سرُّ فضله وتفضيله على الملائكة ، ولا نعرف كيف كان استيعابه اختيارياً إرادياً بلغ فيه تلك المرتبة !
وروينا أن من هذه الأسماء معرفة النبي وآله صلى الله عليه وآله . وفيها بحوث عديدة خارجة عن غرض الكتاب .
سَنَنَ - أسنان - سنَّ - سنة -مسنون - يَتَسَنَّهْ
السِّنُّ معروف ، وجمعه أَسْنَانٌ . قال : وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ « المائدة : 45 » وسَانَّ البعيرُ الناقة : عاضَّها حتى أبركها . والسَّنُونُ : دواء يعالج به الأسنان . وسَنُّ الحديد : إسالته وتحديده ، والْمِسَنُّ : ما يُسَنُّ به ، أي يُحَدَّد به . والسِّنَانُ : يختص بما يركَّب في رأس الرُّمح . وسَنَنْتُ البعير : صقلته وضمَّرته تشبيهاً بِسَنِّ الحديد . وباعتبار الإسالة قيل : سَنَنْتُ الماء ، أي أسلته . وتنحَّ عن سَنَنِ الطريق وسُنَنِهِ وسِنَنِهِ .
فالسُّنَنُ : جمع سنة ، وسنة الوجه : طريقته ، وسنة النبي صلى الله عليه وآله : طريقته التي كان يتحرَّاها . وسنة الله تعالى : قد تقال لطريقة حكمته وطريقة طاعته ، نحو : سنة الله الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسنة الله تَبْدِيلًا « الفتح : 23 » وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَحْوِيلًا « فاطــر : 43 » فتنبيهٌ [على] أن فروع الشرائع وإن اختلفت صورها ، فالغرض المقصود منها لا يختلف ولا يتبدل ، وهو تطهير النفس ، وترشيحها للوصول إلى ثواب الله تعالى وجواره .
وقوله : مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ « الحجر : 26 » قيل : متغير ، وقوله : لَمْ يَتَسَنَّهْ « البقرة : 259 » معناه : لم يتغير ، والهاء للإستراحة .
ملاحظات
1 . حصر الراغب سنة الله عز وجل ، بسنته في طريقة حكمته تطهير النفس ، وهي أعم وتشمل كل سننه تعالى في المجتمع والناس ، بل في خلق الخلق . وعمدة آياتها في القرآن سنن الله في عقوبة الأمم المكذبة للرسل عليهم السلام أو المنحرفة بعدهم . قـال تعالى : لَئِنْ لَمْ يَنْتَــهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لايُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلاً . مَلْعُونِينَ أَيْنَمَـا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً . سنة اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَــوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسنة اللهِ تَبْدِيلاً .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 448 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال تعالى : وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الآمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُــورًا . اسْــتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّىءِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّىءُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سنة الأولينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسنة اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسنة اللهِ تَحْوِيلاً .
2 . معنى السُّنَن أخص من الطريق ، ولذا يقال سُنُن الطريق بالضم والفتح بمعنى معالمه وعلائمه ، ويقال : تَنَحَّ عن سَننِ الخيل . قال ابن منظور « 13/223و325 » : « وسنة الله : أَحكامه وأَمره ونهيه . قال الله تعالى : سنة الله في الذين خَلَوْا من قبلُ ، نَصَبَ سنة الله على إرادة الفعل ، أَي سَنَّ الله ذلك في الذين نافقوا الأَنبياءَ وأَرْجَفُوا بهم أَن يُقْتَلُوا أَين ثُقِفُوا أَي وُجِدُوا .
وقد تكرر في الحديث ذكر السنة وما تصرف منها ، والأَصل فيها الطريقة والسِّيرَة ، وإذا أُطْلِقَت في الشرع فإِنما يراد بها ما أَمَرَ به النبي صلى الله عليه وآله ونَهى عنه ونَدَب إليه قولاً وفعلاً ، مما لم يَنْطق به الكتابُ العزيز » .
3 . أخطأ الراغب عندما ذكر الحمأ المسنون والماء غير الآسن في مادة سنن وهو من مادة أسن بمعنى تغير ، قال : « وقوله : مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ، قيل : متغير ، وقوله : لَمْ يَتَسَنَّهْ ، معناه : لم يتغير ، والهاء للإستراحة » . ولاعلاقة لهما بالسنن .
سَنَمَ - تسنيم
قال : وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ « المطففين : 27 » قيل هو عين في الجنة رفيعة القدر ، وفسّر بقوله : عَيْناً يَشْـرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ « المطففين : 28 » .
ملاحظات
أصل التسنيم بمعنى الإرتفاع ، وفي تفسير القمي « 2/411 » : « أشرف شراب أهل الجنة ، يأتيهم من عالي تسنيم ، وهي عين يشـرب بها المقربون ، والمقربون آل محمد صلى الله عليه وآله . والمقربون يشربون من تسنيم بحتاً صرفاً ، وسائر المؤمنين ممزوجاً » .
سَنَا - سناء - سانية
السَّنَا : الضوء الساطع ، والسَّنَاءُ : الرِّفعة . والسَّانِيَةُ : التي يسقى بها سميت لرفعتها . قال : يَكادُ سَنا بَرْقِهِ « النور : 43 » . وسَنَتِ الناقة تَسْنُو : أي سقت الأرض ، وهي السَّانِيَةُ .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن من هذه المادة آية واحدة هي قوله تعالى : يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ . وقد أخذ الراغب معنى المادة من ابن فارس حيث قال « 3/103 » : « السناء ممدود ، وكذلك إذا قصرته دل على الرفعة ، إلا أنه لشئ مخصوص وهو الضوء ، قال الله جل ثناؤه : يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار » . ولهذا جعل الراغب السانية من السنا ، ثم جعلها بعد سطور من السنة ، وزعم أن هاءها للوقف ، قال في سنة : « ومنه : سَانِية ، والهاء للوقف ، نحو : كِتابِيَهْ » . ولا يمكن أن تكون السانية مأخوذة من سنا البرق ، ولا من السنة بمعنى العام ، لأنه لاعلاقة بينها .
2 . قال الخليل « 7 /302 » : « السانية : الناقة يسقى عليها للأرضين . والسانية : إسم الغرب وأداته ، والجميع : السواني . وسناء : ممدود . والسنا مقصور : حد منتهى ضوء البدر والقمر . والسنا : نبات له حمل إذا يبس فحركته الريح سمعت له زجلاً والواحدة : سناة » .
وقال الجوهري « 6/2383 » « السنا مقصور : ضوء البرق . والسناء : من الرفعة والشرف ممدود . والمسناة : العرم « السد » والسانية : الناضحة » .
وقال ابن منظور « 14/403 » : « السَّنا ، مقصورٌ : ضوءُ النارِ والبرْقِ ، وقد أَسْنَى البرْقُ إذا دَخلَ سَناه عليكَ بيتَك أَو وقَع على الأَرض أَو طار في السَّحابِ . ابن السكيت : السَّناءُ : من المجد والشرف ، ممدود . والسَّنا : سَنا البرقِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 449 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وهو ضوْءُه ، يكتب بالأَلف ويثنى سَنَوَان . وسَنا البرْقُ : سطَع . وسنا إلى مَعالي الأُمُورِ سَناءً : ارتفع .
وسَنَوْتُ الدَّلْوَ سِناوَةً : إذا جَرَرْتَها من البئر . وجمْعُ الساني سُناةٌ . والسانية تقع على الجَمل والناقة بالهاء ، والساني بغير هاءٍ ، يقع على الجَمل والبقر والرَّجُلِ . والمُساناةُ : الملاينةُ في المُطالَبة . والمُساناةُ : المُصانَعَة وهي المُداراة . والمُسَنَّاة : ضَفيرةٌ تُبْنى للسيل لترُدَّ الماء ، سُمّيت مُسَنَّاةً لأَن فيها مفاتحَ للماء بقدر ما تحتاج إليه مما لا يَغْلِب ، مأْخوذٌ من قولك سَنَّيْت الشئَ والأَمر ، إذا فَتَحْت وجهه » .
سنة - سنيهة - أسنت القوم
السنة : في أصلها طريقان ، أحدهما : أن أصلها سَنَهَةٌ لقولهم : سَانَهْتُ فلاناً ، أي عاملته سنة فسنة ، وقولهم : سُنَيْهَةٌ قيل : ومنه قوله تعالى : لَمْ يَتَسَنَّهْ « البقرة : 259 » أي لم يتغير بمرِّ السنين عليه ، ولم تذهب طراوته . وقيل أصله من الواو ، لقولهم سنوات . ومنه : سَانِية ، والهاء للوقف ، نحو : كِتابِيَهْ « الحاقة : 19 » وحِسابِيَهْ « الحاقة : 20 » . وقال عز وجل : أَرْبَعِينَ سنة « المائدة : 26 » سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً « يوسف : 47 » ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ « الكهف : 25 » وَلَقَــدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ « الأعراف : 130 » فعبارة عن الجدب . وأكثر ما تستعمل السنة في الحول الذي فيه الجدب ، يقال : أَسْنَتَ القوم : أصابتهم السنة ، قال الشاعر :
لها أرج ما حولها غير مُسْنِتٍ
وقال آخر : فليست بِسَنْهَاءَ ولا رجبيةً .
فمن الهاء كما ترى ، وقول الآخر : يأكلُ أزمانَ الهُزَالِ والسِّنِيِّ
فليس بمرخم ، وإنما جمع فعلة على فعول ، كمائة ومئين ومئون ، وكسر الفاء كما كسر في عصي ، وخففه للقافية .
وقوله : لا تَأْخُذُهُ سنة وَلا نَوْمٌ « البقرة : 255 » فهو من الوسَن لا من هذا الباب .
سَهِرَ -ساهرة
السَّاهِرَةُ : قيل وجه الأرض ، وقيل هي أرض القيامة . وحقيقتها : التي يكثر الوطأ بها ، فكأنها سَهِرَتْ بذلك ، إشارة إلى قول الشاعر :
تُحَرِّكَ يَقْظَانَ التُّرَابِ وَنَائِمُهْ
والْأَسْهَرَانِ : عرقان في الأنف .
سَهَلَ - سهيل
السَّهْلُ : ضد الحزَن ، وجمعه سُهُولٌ ، قال تعالى : تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً « الأعراف : 74 » وأَسْهَلَ : حصل في السَّهْلِ : ورجل سَهْلِيٌّ : منسوب إلى السهل ، ونهر سَهْلٌ . ورجل سَهْلُ الخلق ، وحَزْن الخلق . وسُهَيْلٌ : نجم .
سَهَمَ - سهامٌ - ساهم - استهم
السَّهْمُ : ما يرمى به ، وما يضرب به من القداح ونحوه ، قال تعالى : فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ « الصافات : 141 » واسْتَهَمُوا : اقترعوا . وبُرْدٌ مُسَهَّمٌ : عليه صورة سَهْمٍ . وسَهَمَ وجهه : تغير ، والسُّهَامُ : داء يتغير منه الوجه .
سَهَا - سهواً - ساهون
السَّهْوُ : خطأ عن غفلة ، وذلك ضربان ، أحدهما : أن لا يكون من الإنسان جوالبه ومولداته ، كمجنون سب إنساناً .
والثاني : أن يكون منه مولداته ، كمن شرب خمراً ثم ظهر منه منكر لا عن قصد إلى فعله . والأول معفوٌّ عنه ، والثاني مأخوذ به . وعلى نحو الثاني ذم الله تعــالى فقال : فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ « الذاريات : 11 » عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ « الماعون : 5 » .
سَيَبَ - سيْباً - سائبة - انساب- انسياباً
السَّائِبَةُ : التي تُسَيَّبَ في المرعى ، فلا تُرَدُّ عن حوضٍ ولا علفٍ ، وذلك إذا ولدت خمسة أبطن . وانْسَابَتِ الحيّةُ انْسِيَاباً . والسَّائِبَةُ : العبد يعتق ويكون ولاؤه لمعتقه ، ويضع ماله حيث شاء ، وهو الذي ورد النهي عنه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 450 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والسَّيْبُ : العطاء . والسِّيبُ : مجرى الماء ، وأصله من : سَيَّبْتُهُ فَسَابَ .
سَاحَ - ساحة - سائح - سياح
السَّاحَةُ : المكان الواسع ، ومنه سَاحَةُ الدار ، قال : فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ « الصافات : 177 » والسَّائِحُ : الماء الدائم الجَرْيَة في ساحة . وسَاحَ فلان في الأرض : مرَّ مرَّ السائح ، قال : فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ « التوبة : 2 » . ورجـل سائح في الأرض وسَيَّاحٌ . وقوله : السَّائِحُونَ « التوبة : 112 » أي الصائمون ، وقال : سائِحاتٍ « التحريم : 5 » أي صائمات . قال بعضهم : الصوم ضربان : حكمي وهو ترك المطعم والمنكح ، وصوم حقيقي وهو حفظ الجوارح عن المعاصي كالسمع والبصر واللسان . فَالسَّائِحُ : هو الذي يصوم هذا الصوم دون الصوم الأول . وقيل : السَّائِحُونَ هم الذين يتحرون ما اقتضاه قوله : أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها . « الحج : 46 » .
سَوَدَ - سواد - ساد - سيد - سادة
السَّوَادُ : اللون المضاد للبياض ، يقال : اسْوَدَّ واسْوَادَّ ، قال : يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ « آل عمران : 106 » فابيضاض الوجوه عبارة عن المسرّة واسْوِدَادُهَا عبارة عن المساءة ، ونحوه : وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ « النحل : 58 » . وحمل بعضهم الإبيضاض والإسوداد على المحسوس ، والأول أولى لأن ذلك حاصل لهم سُوداً كانوا في الدنيا أو بيضاً . وعلى ذلك دل قوله في البياض : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ « القيامة : 22 » وقوله : وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ « القيامة : 24 » وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُهـا قَتَرَةٌ « عبس : 40 » وقال : وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ الله مِنْ عاصِمٍ كَأنما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً « يونس : 27 » . وعلى هذا النحو ما روي : إن المؤمنين يحشرون غراً مُحَجَّلين من آثار الوضوء . ويُعَبَّر بِالسَّوَادِ عن الشخص المرئي من بعيد ، وعن سواد العين . قال بعضهم : لايفارق سوادي سواده ، أي عيني شخصه . ويعبر به عن الجماعة الكثيرة ، نحو قولهم : عليكم بالسواد الأعظم .
والسَّيِّدُ : المتولي للسواد ، أي الجماعة الكثيرة ، وينسب إلى ذلك فيقال سيد القوم ، ولا يقال سيد الثوب ، وسيد الفَرَس ، ويقال سَادَ القومَ يَسُودُهُمْ . ولما كان من شرط المتولي للجماعة أن يكون مهذب النفس ، قيل لكل من كان فاضلاً في نفسه : سَيِّدٌ . وعلى ذلك قوله : وَسَيِّداً وَحَصُوراً « آل عمران : 39 » . وقوله : وَأَلْفَيا سَيِّدَها « يوسف : 25 » فسمي الزوج سَيِّداً لسياسة زوجته ، وقوله : رَبَّنا إنا أَطَعْنا سادَتَنا « الأحزاب : 67 » أي ولاتنا وسَائِسِينَا .
ملاحظات
المتفق عليه عند المسلمين أن لقب سيد وشريف يطلق على المنتسبين الى النبي صلى الله عليه وآله من أبناء فاطمة الزهراء وعلي عليهم السلام .
أما رؤساء السواد فيسمون الدهاقين ، وهم السادة أو الملاكون عند الفرس . وكلام الراغب متأثرٌ بمحاولة علماء السلطة إبعاد لقب السيد عن أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله . ففي حديث موثق « مجمع الزوائد : 9/131 » : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أنس ، إنطلق فادع لي سيد العرب يعني علياً ، فقالت عائشة : ألست سيد العرب؟ قال : أنا سيد ولد آدم ، وعلي سيد العرب » .
سَارَ - سيراً - سيارة - تسيير - سيرة
السَّيْرُ : المضيُّ في الأرض ، ورجل سَائِرٌ وسَيَّارٌ . والسَّيَّارَةُ : الجماعة ، قال تعالى : وَجـاءَتْ سَيَّارَةٌ « يوسف : 19 » . يقال : سِرْتُ ، وسِرْتُ بفلان ، وسِرْتُهُ أيضاً ، وسَيَّرْتُهُ على التكثير . فمن الأول قوله : أَفَلَمْ يَسِيـرُوا « الحج : 46 » قُلْ سِيرُوا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 451 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
« الأنعام : 11 » سِيرُوا فِيها لَيالِيَ « سبأ : 18 » . ومن الثاني قوله : سارَ بِأَهْلِهِ « القصص : 29 » ولم يجئ في القرآن القسم الثالث ، وهو سِرْتُهُ . والرابع قوله : وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ « النبأ : 20 » هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ « يونس : 22 » .
وأما قوله : سِيرُوا فِي الْأَرْضِ « النمل : 69 » فقد قيل حثَّ على السياحة في الأرض بالجسم ، وقيل : حثَّ على إجالة الفكر ، ومراعاة أحواله كما روي في الخبر أنه قيل في وصف الأولياء : أبدانهم في الأرض سَائِرَةٌ وقلوبهم في الملكوت جائلة . ومنهم من حمل ذلك على الجد في العبادة المتوصل بها إلى الثواب ، وعلى ذلك حمل قوله عليه السلام : سافروا تغنموا .
والتسْيِيرُ : ضربان ، أحدهما : بالأمر والإختيار والإرادة من السائر نحو : هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ « يونس : 22 » .
والثاني : بالقهر والتسخير كتسخير الجبال : وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ « التكوير : 3 » وقوله : وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ « النبأ : 20 » .
والسِّيرَةُ : الحالة التي يكون عليها الإنسان وغيره ، غريزيّاً كان أو مكتسباً ، يقال : فلان له سيرة حسنة ، وسيرة قبيحة ، وقوله : سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الأولى « طه : 21 » أي الحالة التي كانت عليها من كونها عوداً .
سُوَر- سُور - أسوار - سَوْرَة - ساوره - سوار - أسورة
السَّوْرُ : وثوبٌ مع علو ، ويستعمل في الغضب وفي الشراب ، يقال : سَوْرَةُ الغضب وسَوْرَةُ الشراب . وسِرْتُ إليك ! وسَاوَرَنِي فلان ، وفلان سَوَّارٌ : وثَّاب . والأسْوَارُ : من أساورة الفرس أكثر ما يستعمل في الرماة ، ويقال هوفارسي معرب . وسِوَارُ المرأة : معرَّب وأصله دستوار ، وكيفما كان فقد استعملته العرب واشتُقَّ منه : سَوَّرْتُ الجارية وجارية مُسَوَّرَةٌ ومخلخلة ، قال : فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ « الزخرف : 53 » وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ « الإنسان : 21 » . واستعمال الْأَسْوِرَةِ في الذهب ، وتخصيصها بقوله : ألقي ، واستعمال أَسَاوِرَ في الفضة وتخصيصه بقوله : حُلُّوا ، فائدة ذلك تختصُّ بغير هذا الكتاب . والسُّورَةُ : المنزلة الرفيعة ، قال الشاعر :
ألم تَرَ أنَّ اللهَ أعطاكَ سُـــورَةً
ترى كل مَلْكٍ دونها يتذبذبُ
وسُورُ المدينة : حائطها المشتمل عليها . وسُورَةُ القرآن تشبيهاً بها لكونه محاطاً بها إحاطة السور بالمدينة ، أو لكونها منزلة كمنازل القمر ، ومن قال : سؤرة فمن أسأرت ، أي أبقيت منها بقية كأنها قطعة مفردة من جملة القرآن . وقوله : سُورَةٌ أَنْزَلْناها « النور : 1 » أي جملة من الأحكام والحكم . وقيل : أسأرت في القدح ، أي أبقيت فيه سؤراً أي بقية ، قال الشاعر :
لَابِالْحَصُورِ وَلَا فِيهَا بسآَّر
ويروى بِسَوَّارٍ من السَّوْرَةِ أي الغضب .
سَوْط - ساطه - سَوَّطه
السَّوْطُ : الجلد المضفور الذي يضرب به ، وأصل السَّوْطِ : خلط الشئ بعضه ببعض ، يقال : سُطْتُهُ وسَوَّطْتُهُ ، فالسَّوْطُ يسمى سوطاً لكونه مخلوط الطاقات بعضها ببعض ، وقوله : فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ « الفجر : 13 » تشبيهاً بما يكون في الدنيا من العذاب بالسوط ، وقيل : إشارة إلى ما خلط لهم من أنواع العذاب المشار إليه بقوله : حَمِيماً وَغَسَّاقاً « النبأ : 25 » .
سَاعَة - ساعات - سُواع
السَّاعَةُ : جزء من أجزاء الزمان ، ويعبر به عن القيامة . قال : اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ « القمر : 1 » يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ « الأعراف : 187 » وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ « الزخرف : 85 » تشبيهاً بذلك لسرعة حسـابه ، كما قال : وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ « الأنعام : 62 » أو لما نبه عليه بقوله : كَأنهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 452 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاهـا « النازعات : 46 » لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ « الأحقاف : 35 » وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ « الروم : 55 » فالأولى هي القيامة ، والثانية الوقت القليل من الزمان .
وقيل : الساعات التي هي القيامة ثلاثة : السَّاعَةُ الكبرى : هي بعث الناس للمحاسبة وهي التي أشار إليها بقوله عليه السلام : لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفحش وحتى يعبد الدرهم والدينار ، إلى غير ذلك . وذكر أموراً لم تحدث في زمانه ولا بعده . والساعة الوسطى : وهي موت أهل القرن الواحد ، وذلك نحو ما روي أنه رأى عبد الله بن أنيس فقال : إن يطل عمر هذا الغلام لم يمت حتى تقوم الساعة . فقيل إنه آخر من مات من الصحابة . والساعة الصغرى : وهي موت الإنسان ، فَسَاعَةُ كل إنسان موته ، وهي المشار إليها بقوله : قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ الله حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً « الأنعام : 31 » . ومعلوم أن هذه الحسرة تنال الإنسان عند موته لقوله : وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ . . الآية . « المنافقون : 10 » وعلى هذا قوله : قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ الله أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ « الأنعام : 40 » .
وروي أنه كان إذا هبَّتْ ريحٌ شديدة تغيّر لونه عليه السلام فقال : تخوفت الساعة ، وقال : ما أمد طرفي ولا أغضها إلا وأظن أن السَّاعَةَ قد قامت ، يعني موته . ويقال : عاملته مساوعةً نحو معاومة ًومشاهرةً وجاءنا بعد سَوْعٍ من الليل وسُوَاعٍ ، أي بعد هدوء .
وتُصور من الساعة الإهمال فقيل : أَسَعْتُ الإبل أسيعها ، وهو ضائع سائع . وسُوَاعٌ : إسم صنم ، قال تعالى : وَدًّا وَلا سُواعاً « نوح : 23 » .
ملاحظات
لا أصل لتقسيم الساعة الي كبري ووسطي وصغري ، وحديث عبدالله بن أنيس وأمثاله موضوع . ولا نفيض في بحث ذلك لخروجه عن موضوع الكتاب . وقد فسر الراغب الساعة في القرآن بالقيامة ولا يطرد ذلك ، بل فسرت في بعض الآيات بظهور المهدي عليه السلام أو رجعة النبي والأئمة عليهم السلام . ففي دلائل الإمامة/451 : « عن المفضل بن عمر : قال له الإمام الصادق عليه السلام : يا مفضل ، كيف يقرأ أهل العراق هذه الآية : وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ . يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا . فقال : وكيف يستعجل بها من لا يؤمن بها؟ ! والله ما يستعجل بها إلا المؤمنون » .
سَاغَ - ساغه - يسيغه - سائغاً - سوغه
سَاغَ الشراب في الحلق : سهل انحداره وأَسَاغَهُ كذا . قال : سائِغاً لِلشَّارِبِينَ « النحل : 66 » وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ « إبراهيم : 17 » وسَوَّغْتُهُ مالاً : مستعارٌ منه . وفلان سَوْغُ أخيه : إذا وُلد إثره عاجلاً ، تشبيهاً بذلك .
سَوْفَ - تسويف - سواف
سَوْفَ : حرفٌ يُخَصِّصُ أفعال المضارعة بالإستقبال ، ويجرِّدُها عن معنى الحال ، نحو : سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي « يوسف : 98 » وقوله : فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ « الأنعام : 135 » تنبيهٌ [على] أن ما يطلبونه وإن لم يكن في الوقت حاصلاً ، فهو مما يكون بعدُ لا محالة ، يقتضي معنى المماطلة والتأخير . واشتق منه التسْوِيفُ اعتباراً بقول الواعد : سوف أفعل كذا .
والسَّوْفُ : شمُّ التراب والبول ، ومنه قيل للمفازة التي يَسُوفُ الدليل ترابها : مَسَافَةٌ ! قال الشاعر :
إذا الدَّليلُ اسْتَافَ أخلاقَ الطَّرَق
والسُّوَافُ : مرض الإبل يشارف بها الهلاك ، وذلك لأنها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 453 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تشم الموت ، أو يشمها الموت ، وإما لأنه مما سوف تموت منه .
سَاقَ -سوقاً - سائق - سُوق - أسواق - سويق
سَوْقُ الإبل : جلبها وطردها ، يقال : سُقْتُهُ فَانْسَاقَ . والسَّيِّقَةُ : ما يُسَاقُ من الدَّواب . وسُقْتُ المهر إلى المرأة ، وذلك أن مهورهم كانت الإبل . وقوله : إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ « القيـامة : 30 » نحو قوله : وَإن إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى « النجم : 42 » .
وقوله : سائِقٌ وَشَهِيدٌ « ق : 21 » أي مَلَكٌ يَسُوقُهُ وآخر يشهد عليه وله ، وقيل هو كقوله : كَأنما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ « الأنفال : 6 » . وقوله : وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ « القيامة : 29 » قيل عنى التفاف الساقين عند خروج الروح ، وقيل التفافهما عند ما يلفان في الكفن ، وقيل هو أن يموت فلا تحملانه بعد أن كانتا تَقِلَّانه .
وقيل أراد التفاف البلية بالبلية نحو قوله تعالى : يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ « القلم : 42 » من قولهم : كشفت الحرب عن ساقها . وقال بعضهم في قوله : يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ « القلم : 42 » إنه إشارة إلى شدة ، وهو أن يموت الولد في بطن الناقة فيدخل المُذَمِّر يده في رحمها فيأخذ بساقه فيخرجه ميتاً ، قال : فهذا هو الكشف عن الساق ، فجعل لكل أمر فظيع .
وقوله : فَاسْتَوى عَلى سُوقِه « الفتح : 29 » قيل : هو جمع ساقٍ نحو : لابَة ولُوَب ، وقارَة وقُوَر ، وعلى هذا : فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأعناقِ « صاد : 33 » ورجل أَسْوَقُ ، وامرأة سَوْقَاءُ بينة السُّوق ، أي عظيمة الساق .
والسُّوقُ : الموضع الذي يجلب إليه المتاع للبيع قال : وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطعامَ وَيَمْشـِي فِي الْأَسْواقِ « الفرقان : 7 » . والسَّوِيقُ : سمي لِانْسِوَاقِهِ في الحلق من غير مضغ .
سَوَلَ - سؤال - سوَّل - تسويلاً - سؤلٌ
السُّؤْلُ : الحاجة التي تحرص النفس عليها ، قال : قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى « طه : 36 » وذلك ما سأله بقوله : رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي « طه : 25 » والتسْوِيلُ : تزيين النفس لما تحرص عليه ، وتصوير القبيح منه بصورة الحسن ، قال : بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً « يوسف : 18 » الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ « محمد : 25 » وقال بعض الأدباء :
سَالَتْ هذيل رسول الله فاحشةً
أي طلبت منه سُؤْلًا . قال : وليس من سأل كما قال كثير من الأدباء .
والسُّؤْلُ : يقارب الأمنية ، لكن الأمنية تقال فيما قدره الإنسان ، والسُّؤْلُ فيما طلب ، فكأن السُّؤْلَ يكون بعد الأمنية .
ملاحظات
يقصد ببعض الأدباء حسان بن ثابت شاعر النبي صلى الله عليه وآله ، فقد روى ابن هشام في السيرة « 3/675 » والبلاذري في أنساب الأشراف « 11/257 » : « أتى أبو كبير النبي صلى الله عليه وآله فقال له : أحلَّ لي الزنا . فقال له : أترضى أن يؤتى إليك مثل ذلك؟قال : لا . قال : فادع الله أن يذهب عني الشبق ، فدعا له ، وكان قد أسلم ، فقال حسان :
سالت هذيلٌ رسول الله فاحشةً
ضلَّت هذيلٌ بمـا سالت ولم تُصِبِ
سالوا نبيَّهم ما ليس يعطيُهم
حتى المماتِ وكانوا سُبَّة العربِ
قالوا : ومن هذيل : مسلم بن جندب وكان قاصَّ مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة وإمامه وقارئه ، وكان يأخذ العطاء مع القراء ، والفقهاء ، والشعراء ، ومع المسجديين » .
وشاهد الراغب أن الشاعر جعل همزة سألت ألفاً لضرورة الشعر ، وهذا يصح ، ثم نقل عن أديب آخر أن سالوا مشتقٌ من غير سألوا ، ولا يصح ذلك .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 454 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سَالَ - يسيل - سيلاً - إسالة
سَالَ الشئ يَسِيلُ ، وأَسَلْتُهُ أنا ، قال : وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْر « سبأ : 12 » أي أذبنا له . والْإِسَالَةُ في الحقيقة : حالة في القطر تحصل بعد الإذابة . والسَّيْلُ : أصله مصدر ، وجعل إسماً للماء الذي يأتيك ولم يصبك مطره ، قال : فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً « الرعد : 17 » فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ « سبأ : 16 » . والسِّيلَانُ : الممتد من الحديد ، الداخل من النصاب في المقبض .
سَأَلَ - سؤالاً - سائل
السُّؤَالُ : استدعاء معرفة ، أو ما يؤدي إلى المعرفة ، واستدعاء مال ، أو ما يؤدي إلى المال ، فاستدعاء المعرفة جوابه على اللسان ، واليد خليفة له بالكتابة ، أو الإشارة . واستدعاء المال جوابه على اليد ، واللسان خليفة لها إما بوعد ، أو برد .
إن قيل : كيف يصح أن يقال السؤال يكون للمعرفة ، ومعلوم أن الله تعالى : يَسْأَلُ عباده نحو : وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ « المائدة : 116 » . قيل : إن ذلك سُؤَالٌ لتعريف القوم ، وتبكيتهم لا لتعريف الله تعالى ، فإنه علام الغيوب ، فليس يخرج عن كونه سؤالاً عن المعرفة .
والسُّؤَالُ للمعرفة يكون تارة للإستعلام ، وتارة للتبكيت ، كقوله تعالى : وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ « التكوير : 8 » ولتعرُّف الْمَسْؤولِ . والسُّؤَالُ : إذا كان للتعريف تعدى إلى المفعول الثاني تارة بنفسه ، وتارة بالجار ، تقول : سألته كذا ، وسألته عن كذا ، وبكذا ، وبعن أكثر . وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ « الإسراء : 85 » وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ « الكهف : 83 » يَسْـئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ « الأنفال : 1 » وقال تعالى : وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي « البقرة : 186 » وقال : سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ « المعارج : 1 » .
وإذا كان السؤال لاستدعاء مال فإنه يتعدى بنفسه أو بمن ، نحو : وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعـاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ « الأحزاب : 53 » وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا « الممتحنة : 10 » وقال : وَسْئَلُوا الله مِنْ فَضْلِهِ « النساء : 32 » . ويعبر عن الفقير إذا كان مستدعياً لشئ بالسائل ، نحو : وأما السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ « الضحى : 10 » وقوله : لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ « الذاريات : 19 » .
سَامَ - سامه سوماً - سامه خسفاً- سيماء - مسومين
السَّوْمُ أصله : الذهاب في ابتغاء الشئ ، فهو لفظ لمعنى مركب من الذهاب والإبتغاء ، وأجري مجرى الذهاب في قولهم : سَامَتِ الإبل فهي سَائِمَةٌ . ومجرى الإبتغاء في قولهم : سُمْتُ كذا ، قال : يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ « إبراهيم : 6 » ومنه قيل : سِيمَ فلان الخسف ، فهو يُسَامُ الخسف . ومنه : السَّوْمُ في البيع ، فقيل : صاحب السلعة أحق بالسوْم . ويقال : سُمْتُ الإبل في المرعى وأَسَمْتُهَا ، وسَوَّمْتُهَا . قال : وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ « النحل : 10 » .
والسِّيمَاءُ والسِّيمِيَاءُ : العلامة ، قال الشاعر :
له سيمياءٌ لا تَشُقُّ عَلى البَصَرْ
وقال تعالى : سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ « الفتح : 29 » وقد سَوَّمْتُهُ أي أعلمته ، وقوله عز وجل في الملائكة : مُسَوِّمِينَ ، أي معلِّمين ومُسَوَّمِينَ معلَّمين لأنفسهم أو لخيولهم ، أو مرسلين لها ، وروي عنه عليه السلام أنه قال : تَسَوَّمُوا فإن الملائكة قد تَسَوَّمَتْ .
سَأَمَ - سأماً - سأمة - يسأم
السَّأْمَةُ : الملالة مما يكثر لبثه ، فعلاً كان أو انفعالاً قال : وَهُمْ لايَسْأَمُونَ « فصلت : 38 » وقال : لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ « فصلت : 49 » وقال الشاعر :
سَئِمْتُ تكاليفَ الحياةِ ومَنْ يَعِشْ
ثمانينَ حَوْلاً لَا أباً لكَ يَسْأَمِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 455 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سِين - طور سيناء - طور سينين
طور سَيْنَاءَ : جبل معروف ، قال : تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ « المؤمنون : 20 » قرئ بالفتح والكسر ، والألف في سَيْنَاءَ بالفتح ليس إلا للتأنيث ، لأنه ليس في كلامهم فَعْلال إلا مضاعفاً ، كالقَلْقَال والزِّلْزَال ، وفي سِينَاءَ يصح أن تكون الألف فيه كالألف في عِلباء وحِرباء ، وأن تكون الألف للإلحاق بسرداح . وقيل أيضاً : وَطُورِ سِينِينَ .
والسِّينُ : من حروف المعجم .
ملاحظات
كان ينبغي أن يقول : إن القرآن استعمل سينين في قوله تعالى : وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ ، أما قوله : وقيل أيضاً : وطور سينين ، فهو يوحي بأنه يقرؤها سيناء بدل سينين ، وهذا لا يصح .
هذا ، وقد فسروا سيناء وسينين بأنه شجر ، لكن الأرجح أنه مأخوذ من سين في العبرية والبابلية بمعنى القمر . فيكون لفظاً معرباً .
سَوَا - ساوى - مساواة - استوى - سواه - تسوية - سويٌّ - سُوى - سَواء - سِيٌّ - سيان - مساواة
المُسَاوَاةُ : المعادلة المعتبرة بالذرع والوزن والكيل ، يقال : هذا ثوب مُسَاوٍ لذاك الثوب ، وهذا الدرهم مساوٍ لذلك الدرهم . وقد يعتبر بالكيفية نحو : هذا السواد مساوٍ لذلك السواد ، وإن كان تحقيقه راجعاً إلى اعتبار مكانه دون ذاته . ولاعتبار المعادلة التي فيه استعمل استعمال العدل ، قال الشاعر :
أبيْنَا فَلَا نُعْطِي السُّوَاءَ عَدُوَّنَا
واسْتَوَى : يقال على وجهين ، أحدهما : يسند إليه فاعلان فصاعداً ، نحو : اسْتَوَى زيد وعمرو في كذا ، أي تَسَاوَيَا ، وقال : لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ الله « التوبة : 19 » . والثاني : أن يقال لاعتدال الشئ في ذاته ، نحو : ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى « النجم : 6 » وقال : فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ « المؤمنون : 28 » لِتَسْـتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ « الزخرف : 13 » فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ « الفتح : 29 » واستوى فلان على عمالته ، واستوى أمر فلان .
ومتى عُدِّيَ بعلى اقتضى معنى الإستيلاء ، كقوله : الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى « طه : 5 » وقيـل : معناه استوى له ما في السموات وما في الأرض ، أي استقام الكل على مراده بِتَسْوِيَةِ الله تعالى إياه ، كقوله : ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ « البقرة : 29 » وقيل : معناه استوى كل شئ في النسبة إليه ، فلا شئ أقرب إليه من شئ ، إذ كان تعالى ليس كالأجسام الحالة في مكان دون مكان ، وإذا عُدِّي بإلى اقتضى معنى الإنتهاء إليه إما بالذات أو بالتدبير . وعلى الثاني قوله : ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ « فصلت : 11 » .
وتَسْوِيَةُ الشئ : جعله سواء ، إما في الرفعة ، أو في الضعة ، وقولـه : الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ « الإنفطار : 7 » أي جعل خلقتك على ما اقتضت الحكمة ، وقوله : وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها « الشمس : 7 » فإشارة إلى القوى التي جعلها مقوِّمة للنفس ، فنسب الفعل إليها ، وقد ذكر في غير هذا الموضع أن الفعل كما يصح أن ينسب إلى الفاعل يصح أن ينسب إلى الآلة ، وسائر ما يفتقر الفعل إليه ، نحو : سيف قاطع . وهذا الوجه أولى من قول من قال : أراد وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها « الشمس : 7 » يعني الله تعالى ، فإن ما لا يعبر به عن الله تعالى ، إذ هو موضوع للجنس ، ولم يرد به سمع يصح .
وأما قوله : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى « الأعلى : 1 » فالفعل منسوب إليه تعالى ، وكذا قوله : فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي « الحجر : 29 » وقوله : رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها « النازعات : 28 » فَتَسْوِيَتُهَا يتضمن بناءها وتزيينها المذكور في قوله : إنا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 456 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الْكَواكِبِ « الصافات : 6 » .
والسَّوِيُّ : يقال فيما يصان عن الإفراط والتفريط ، من حيث القدر والكيفية . قال تعالى : ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا « مريم : 10 » وقال تعالى : مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ « طه : 135 »
ورجلٌ سويٌّ : استوت أخلاقه وخلقته عن الإفراط والتفريط . وقوله تعالى : عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ « القيامة : 4 » قيل : نجعل كفه كخف الجمل لا أصابع لها . وقيل : بل نجعل أصابعه كلها على قدر واحد حتى لا ينتفع بها ، وذاك أن الحكمة في كون الأصابع متفاوتة في القدر والهيئة ظاهرة ، إذ كان تعاونها على القبض أن تكون كذلك .
وقوله : فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها « الشمس : 14 » أي سوى بلادهم بالأرض ، نحو : خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها « الكهف : 42 » وقيل : سوى بلادهم بهم ، نحو : لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ « النساء : 42 » وذلك إشـارة إلى ما قال عن الكفار : يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً « النبأ : 40 »
ومكان سُوىً وسَوَاءٌ : وسطٌ . ويقال : سَوَاءٌ وسِوىً وسُوىً ، أي يستوي طرفاه ، ويستعمل ذلك وصفاً وظرفاً ، وأصل ذلك مصدر . وقـال : فِي سَواءِ الْجَحِيمِ « الصافات : 55 » وسَواءَ السَّبِيلِ « القصص : 22 » فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ « الأنفال : 58 » أي عدل من الحكم ، وكذا قوله : إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ « آل عمران : 64 » وقوله : سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ « البقرة : 6 » سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ « المنافقون : 6 » سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا « إبراهيم : 21 » أي يَسْتَوِي الأمران في أنهما لا يغنيان . سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ « الحج : 25 » .
وقد يستعمل سِوىً وسَوَاءٌ بمعنى غير ، قال الشاعر :
فلم يبقَ منهَا سِوى هَامِدِ
وقال آخر : وَمَا قَصَدَتْ من أهْلِهَا لِسَوَائِكَا .
وعندي رجل سِوَاكَ ، أي مكانك وبدلك .
والسِّيُّ : المساوي ، مثل : عدل ومعادل ، وقتل ومقاتل ، تقول : سِيَّانِ زيد وعمرو . وأَسْوَاءٌ : جمع سِيٍّ نحو : نقض وأنقاض ، يقال : قوم أسواءٌ ومستوون . والمساواة : متعارفة في المثمنات ، يقال : هذا الثوب يساوي كذا ، وأصله من سَاوَاهُ في القدر قال : حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ « الكهف : 96 » .
ملاحظات
خلط الراغب بين : ساوي ، وسوَّي ، واستوي ن وسواء ، وسِوي وغيرها ، وكأن أصلها واحد ! ولا نطيل في بحثها لوضوحها ، ونلفت الي تعبير القرآن المبتكر : خلق فسوي وخلق ثم سوي ، بمعني : هندسه وصاغه وصنعه . ونسب التسوية الي بعض مخلوقاته وأقسم به فقال : ونفسٍ وما سَوَّاها . بل نسب التدبير الى بعض مخلوقاته فقال : فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا . فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ، وهذا عند بعض الحمقى المعاصرين ، شرك !
سَوَأَ - سوء - سيئة - ساء - سيئ - سوأة
السُّوءُ : كل ما يغمُّ الإنسان من الأمور الدنيوية والأخروية ، ومن الأحوال النفسية والبدنية والخارجة ، من فوات مال ، وجاهٍ ، وفقد حميم . وقوله : بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ « طه : 22 » أي من غير آفة بها ، وفُسر بالبرص ، وذلك بعض الآفات التي تعرض لليد . وقال : إن الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ « النحل : 27 » وعُبِّر عن كل ما يقبُح بِالسَّوْأَى ، ولذلك قوبل بالحسنى ، قال : ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّوأى « الروم : 10 » . كما قال : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى « يونس : 26 »
والسَّيِّئَةُ : الفعلة القبيحة وهي ضد الحسنة ، قال : بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً « البقرة : 81 » قال : لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 457 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
« النمل : 46 » يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ « هود : 114 » ما أَصابَكَ مِنْ حَسنة فَمِنَ الله وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ « النساء : 79 » فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا « النحل : 34 » ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ « المؤمنون : 96 » .
وقال عليه الصلاة والسلام : يا أنس ، أَتْبِعِ السيئة الحسنة تمحها . والحسنة والسيئة ضربان ، أحدهما : بحسب اعتبار العقل والشرع نحو المذكور في قوله : مَنْ جاءَ بِالْحَسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلايُجْزى إِلَّا مِثْلَها « الأنعام : 160 » . وحسنة وسيئةٌ : بحسب اعتبار الطبع ، وذلك ما يستخفه الطبع وما يستثقله ، نحو قوله : فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسنة قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطيَّـرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ « الأعراف : 131 »
وقوله : ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسنة « الأعراف : 95 » وقوله تعالى : إن الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ « النحل : 27 » .
ويقال : سَاءَنِي كذا وسُؤْتَنِي ، وأَسَأْتَ إلى فلان . قال : سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا « الملك : 27 » وقال : لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ « الإسراء : 7 » مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ « النساء : 123 » أي قبيحاً . وكذا قوله : زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ « التوبة : 37 » عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ « الفتح : 6 » أي ما يسوؤهم في العاقبة . وكذا قوله : وَساءَتْ مَصِيراً « النساء : 97 » وساءَتْ مُسْتَقَرًّا « الفرقان : 66 » .
وأما قوله تعالى : فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ « الصافات : 177 » وساءَ ما يَعْمَلُونَ « المائدة : 66 » ســاءَ مَثَلًا « الأعراف : 177 » فساء هاهنا تجري مجرى بئس .
وقال : وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِـنَتَهُمْ بِالسُّوءِ « الممتحنة : 2 » . وقولـه : سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا « الملك : 27 » نسب ذلك إلى الوجه من حيث إنه يبدو في الوجه أثر السرور والغم . وقال : سِئ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً « هود : 77 » : حل بهم ما يسوؤهم . وقال : سُوءُ الْحِسابِ « الرعد : 21 » وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ « الرعد : 25 » . وكُنِّيَ عن الْفَرْجِ بِالسَّوْأَةِ . قال : كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ « المائدة : 31 » فَأُوارِيَ سَـوْأَةَ أَخِي « المائدة : 31 » يُوارِي سَوْآتِكُمْ « الأعراف : 26 » بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما « الأعراف : 22 » لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما « الأعراف : 20 » .
تمَّ كتابُ السِّين .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 458 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب الشين وما يتصل بها

ش
يشمل 63 مفردة و 31 ملاحظة
شَبَهَ - تشابه - تشابهاً - متشابه - شبه لهم - شبهة - شَبَّة
الشِّبْهُ والشَّبَهُ والشَّبِيهُ : حقيقتها في المماثلة من جهة الكيفية كاللون والطعم ، وكالعدالة والظلم . والشُّبْهَةُ : هو أن لا يتميز أحد الشيئين من الآخر لما بينهما من التشابه ، عيناً كان أو معنىً ، قال : وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً « البقرة : 25 » أي يشبه بعضه بعضاً لوناً لا طعماً وحقيقة . وقيل : متماثلاً في الكمال والجودة . وقرئ قوله : مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ « الأنعام : 99 » . وقرئ : مُتَشابِهاً « الأنعـام : 141 » جميعاً ، ومعناهما متقاربان .
وقال : إن الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا « البقرة : 70 » على لفظ الماضي ، فجعل لفظه مذكراً . وتَشَّابَهُ ، أي تتشابه علينا على الإدغام . وقوله : تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ « البقرة : 118 » أي في الغيِّ والجهالة . قال : آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ « آل عمران : 7 » .
والمُتَشَابِهُ من القرآن : ما أشكل تفسيره لمشابهته بغيره ، إما من حيث اللفظ ، أو من حيث المعنى ، فقال الفقهاء : المُتَشَابِهُ ما لا ينبئ ظاهره عن مراده . وحقيقة ذلك أن الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب : محكم على الإطلاق ، ومُتَشَابِهٌ على الإطلاق ، ومحكم من وجه متشابه من وجه . فالمتشابه في الجملة ثلاثة أضرب : متشابهٌ من جهة اللفظ فقط ، ومتشابهٌ من جهة المعنى فقط ، ومتشابهٌ من جهتهما . والمتشابه من جهة اللفظ ضربان : أحدهما : يرجع إلى الألفاظ المفردة ، وذلك إما من جهة غرابته نحو : الأبَّ ، ويزفُّون ، وإما من جهة مشاركة في اللفظ ، كاليد والعين . والثاني : يرجع إلى جملة الكلام المركب ، وذلك ثلاثة أضرب : ضربٌ : لاختصار الكلام نحو : وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِـطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ « النساء : 3 » . وضربٌ : لبَسط الكلام نحو :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 459 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شئ « الشوري : 11 » لأنه لو قيل : ليس مثله شئ كان أظهر للسامع . وضربٌ : لنظم الكلام نحو : أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجـاً قَيِّماً « الكهف : 1 » تقديره : الكتاب قيِّماً ولم يجعل له عوجاً . وقوله : وَلَوْلا رِجـالٌ مُؤْمِنُونَ إلى قوله : لَوْ تَزَيَّلُوا .
والمتشابه من جهة المعنى : أوصاف الله تعالى ، وأوصاف يوم القيامة ، فإن تلك الصفات لا تُتَصَوَّر لنا ، إذ كان لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نُحِسُّه ، أو لم يكن من جنس ما نحسُّه .
والمتشابه من جهة المعنى واللَّفظ جميعاً : خمسة أضرب ، الأول : من جهة الكمية كالعموم والخصوص نحو : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِيـنَ « التوبة : 5 » . والثاني : من جهة الكيفية كالوجوب والندب ، نحو : فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ « النساء : 3 » . والثالث : من جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ نحو : اتَّقُوا الله حق تُقاتِهِ « آل عمران : 102 » . والرابع : من جهة المكان والأمور التي نزلت فيها ، نحو : وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها « البقرة : 189 » وقوله : إنمَا النَّسِئ زِيادَةٌ فِي الْكُفْـرِ « التوبة : 37 » فإن من لا يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذر عليه معرفة تفسير هذه الآية . والخامس : من جهة الشروط التي بها يصح الفعل أو يفسد ، كشروط الصلاة والنكاح . وهذه الجملة إذا تُصوِّرت عُلم أن كل ما ذكره المفسرون في تفسير المتشابه لا يخرج عن هذه التقاسيم ، نحو قول من قال : المتشابه : ألم . وقول قتادة : المحكم : الناسخ والمُتَشَابِهُ المنسوخ . وقول الأصم : المحكم ما أجمع على تأويله والمُتَشَابِهُ ما اختلف فيه .
ثم جميع المتشابه على ثلاثة أضرب ، ضرب : لاسبيل للوقوف عليه ، كوقت الساعة وخروج دابة الأرض ، وكيفية الدابة ، ونحو ذلك . وضربٌ : للإنسان سبيلٌ إلى معرفته ، كالألفاظ الغريبة والأحكام الغَلِقَة .
وضربٌ : مترددٌ بين الأمرين ، يجوز أن يختص بمعرفة حقيقته بعض الراسخين في العلم ، ويخفى على من دونهم ، وهو الضَّرب المشار إليه بقوله عليه السلام في علي عليه السلام : اللهمّ فقِّهه في الدِّين وعلِّمه التأويل ، وقوله لابن عباس مثل ذلك .
وإذ عرفت هذه الجملة ، عُلم أن الوقف على قوله : وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ « آل عمران : 7 » ووصله بقوله : وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ « آل عمـران : 7 » جائز ، وأن لكل واحد منهما وجهاً ، حسبماً دل عليه التفصيل المتقدم .
وقوله : اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً « الزمر : 23 » فإنه يعني ما يشبه بعضه بعضاً في الأحكام ، والحكمة واستقامة النظم . وقوله : وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ « النساء : 157 » أي مُثِّلَ لهم من حسبوه إياه . والشَّبَهُ من الجواهر : ما يشبه لونه لون الذهب .
ملاحظات
1 . قال الله تعالى : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَــابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَاوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُوْلُواْ الأَلْبَابِ . رَبَّنَــا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ .
ولم يُعرِّف الراغب المُحكم والمتشابه ، ولا ذكر أحكامهما ، بل فصل في أنواع التشابه ، وشقَّق النوع الى قسمين ، ثم القسم الى أقسام . وهذا هروبٌ من البحث العلمي فيهما ، الى مهارة وصفية لأنواع التشابه !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 460 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومن تعاريف المحكم المقبولة : أنه ما لا يحتمل إلا معنى واحداً ، والمتشابه ما يحتمل أكثر من معنى .
2 . من الذي يعلم المتشابه؟ وهل الراسخون في العلم في الآية عطفٌ على الله تعالى ، أم مبتدأٌ خبره يقولون آمنا ، فهم لا يعلمون تأويله بل يؤمنون به؟ وقد اختار الراغب الأمرين معاً فقال : « وإذ عرفت هذه الجملة ، عُلم أن الوقف على قوله : وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ ووصله بقــوله : وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ، جائز ، وأن لكل واحد منهما وجهاً حسب ما دل عليه التفصيل المتقدم » .
ومعنى كلامه أن المتشابه لا يعلمه إلا الله ، ويعلمه الراسخون في العلم ! لكن القول إن بعض المتشابه لا يعلمه إلا الله ، وبعضه يعلمه الراسخون ، هروبٌ لا يحل المشكلة !
3 . عقيدتنا أن المقصود القطعي لله تعالى من الآيات المتشابهة ، لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم الذين اصطفاهم الله وأورثهم علم الكتاب ، وهم العترة الذين جعلهم النبي صلى الله عليه وآله عدل القرآن وأوصى بهم عليهم السلام . قال علي عليه السلام : « أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا ، أنْ رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم » . « نهج البلاغة : 2/27 » .
4 . من تعريف المتشابه ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام في جواب مسعدة بن صدقة قال : الناسخ الثابت المعمول به ، والمنسوخ ما قد كان يعمل به ثم جاء ما نسخه ، والمتشابه : ما اشتبه على جاهله » . « العياشي 1/11 » فالمتشابه نسبيٌّ حسب فهم الناس ، فهو يقلُّ حسب درجتهم العلمية وقدراتهم العقلية ، ويزول عند الراسخين في العلم ، الذين عندهم علم الكتاب عليهم السلام .
5 . من القواعد التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وآله : تحريم القول في تفسير القرآن وأحكام الشريعة وكل أمور الدين ، بغير علم . وكان القاضي ابن شبرمة يرتجف لهذا الحديث ، قال : « ما ذكرت حديثاً سمعته عن جعفر بن محمد إلا كاد أن يتصدع قلبي ، قال : حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال ابن شبرمة : وأقسم بالله ما كذب أبوه على جده ولا جده على رسول الله صلى الله عليه وآله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « من عمل بالمقائيس فقد هلك وأهلك ، ومن أفتى الناس بغير علم وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ ، والمحكم من المتشابه ، فقد هلك وأهلك » . « الكافي : 1/43 »
6 . ومن القواعد التي وضعها النبي صلى الله عليه وآله : وجوب رد المتشابه الى المحكم ، قال الإمام الرضا عليه السلام : « من رد متشابه القرآن إلى محكمة هُدِيَ إلى صراط مستقيم . ثم قال : إن في أخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن ، ومحكماً كمحكم القرآن ، فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا » . « عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1/261 » .
7 . ما ذكره الراغب من قول النبي صلى الله عليه وآله : « اللهمّ فقِّهه في الدِّين وعلِّمه التأويل » صح في علي عليه السلام ولم يصح في ابن عباس ، وقد بالغوا في ابن عباس كثيراً ، وكان عمره عندما توفي النبي صلى الله عليه وآله عشر سنوات أو إحدى عشرة ، ولا يتسع المجال لتفصيل أمره .
8 . أفضل ما قيل في الحكمة من بناء القرآن على محكمٍ ومتشابه : امتحان الناس ، وكشف الحاجة الى الإمام المفسر للقرآن .
شَتَتَ - شتاً - شتاتاً - أشتاتاً - شتى - شتان
الشَّتُّ : تفريق الشَّعْب ، يقال : شَتَّ جمعهم شَتاً وشَتَاتاً ، وجاؤوا أَشْتَاتاً ، أي متفرقي النظام ، قال : يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً « الزلزلة : 6 » وقال : مِنْ نَباتٍ شَتَّى « طه : 53 » أي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 461 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مختلفة الأنواع ، وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى « الحشر : 14 » أي هم بخلاف من وصفهم بقوله : وَلكِنَّ الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ « الأنفال : 63 » .
وشَتَّانَ إسم فعل ، نحو وَشْكَان يقال : شتان ما هما ، وشتان ما بينهما ، إذا أخبرت عن ارتفاع الإلتئام بينهما .
ملاحظات
الشَّتُّ : مطلق التفرق سواء كان الشعب أي فروع العشيرة أو غيره ، تقول : تشتت أمرهم ، وثغر شتيت ، أي حسن متفرق الثنايا . وقد أخذه الراغب من الخليل وابن فارس ، لكنهما لم يُحصرا الشت بالعشيرة ، بل مثَّلا بتفرق شعبهم . ولعله تصحيف لشت سعيهم . « راجع : العين : 6/214 والمقاييس : 7/254 » .
شَتَى - شتاءً - مشتى
قال عز وجـل : رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ « قريش : 2 » يقال : شَتَّى وأَشْتَى ، وصاف وأصاف . والْمَشْتَى والْمَشْتَاةَ : للوقت والموضع والمصدر ، قال الشاعر :
نحنُ في المِشْتَاةِ نَدْعُو الجَفْلَى
« أي : نحن فى الشتاء ندعو لطعامنا عامة الناس » .
شَجَرَ- شجار - مشاجرة - مشجره - شَجَرَهُ
الشَّجَرُ : من النبات ما له ساق ، يقال : شَجَرَةٌ وشَجَرٌ ، نحو : ثمرة وثمر . قال تعالى : إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ « الفتح : 18 » وقال : أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها « الواقعة : 72 » وقال : وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ « الرحمن : 6 » لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ « الواقعة : 52 » إن شَجَرَةَ الزَّقُّومِ « الدخان : 43 » .
وواد شَجِيرٌ : كثير الشجر ، وهذا الوادي أَشْجَرُ من ذلك . والشَّجَارُ المُشَاجَرَةُ ، والتشَاجُرُ : المنازعة . قال تعالى : حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ « النساء : 65 » . وشَجَرَنِي عنه : صرفني عنه بالشجار . وفي الحديث : فإن اشْتَجَرُوا فالسلطان ولي من لا ولي له . والشِّجَارُ : خشب الهودج ، والْمِشْجَرُ : ما يلقى عليه الثوب . وشَجَرَهُ بالرمح أي طعنه بالرمح ، وذلك أن يطعنه به فيتركه فيه .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه المادة في : شجرة آدم وحواء عليهما السلام ، وشجرة وادي الطور ، والشجرة الطيبة ، والشجرة الخبيثة ، وشجرة الزقوم ، وشجرة الزيتون ، وشجرة بيعة الرضوان ، وبيوت النحل على الشجر ، وشجر الحدائق البهيجة ، وشجر الرعي ، وفي سجود الشجر لله تعالى ، وفي شجرة النار ، وخلق النار في الشجر الأخضر ، وفي أقلام الأشجار ، وفي شجرة اليقطين ليونس عليه السلام .
ويدل تعبير شجرة اليقطين : على أن الشجرة تطلق على كل نبات اشتجرت غصونه ، وإن لم يكن له ساق ، فيقال شجرة يقطين ، وشجرة خيار ، كما يقال : شجرة زيتون . وأشك في صحة : شجرني عنه بمعنى صرفني عنه ، لأنه لم يذكره إلا الراغب .
شَحَّ - شحيح - أشحة - شحشح
الشُّحُّ : بخل مع حرص ، وذلك فيما كان عادة قال تعالى : وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ « النساء : 128 » وقال سبحانه : وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ « الحشر : 9 » . يقال : رجل شَحِيحٌ ، وقوم أَشِحَّةٌ ، قال تعالى : أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ « الأحزاب : 19 » أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ « الأحزاب : 19 » . وخطيب شَحْشَح : ماضٍ في خطبته ، من قولهم : شَحْشَحَ البعير في هديره .
ملاحظات
أخذ الراغب تعريفر الشح من ابن فارس ، حيث قال « 3/178 » : « الشح : وهو البخل مع حرص » . ولم يشترط أن يكون عادة لصاحبه .
شَحَمَ - شحوم - شحمة شاحم - شحيم
قال تعالى : حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 462 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
« الأنعام : 146 » . وشَحْمَةُ الأذن : مَعْلَق القرط لتصوره بصورة الشَّحْمِ . وشَحْمَةُ الأرض لدودة بيضاء . ورجل مُشْحِمٌ : كثر عنده الشحم . وشَحِمٌ : محبٌّ للشَّحم . وشَاحِمٌ : يطعمه أصحابه . وشَحِيمٌ : كثر على بدنه .
شَحَنَ - شحناً - شحناء - مشاحن
قال تعالى : فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ « الشعراء : 119 » أي المملوء . والشَّحْنَاءُ : عداوة امتلأت منها النفس . يقال : عدوٌّ مُشَاحِنٍ . وأَشْحَنَ للبكاء : امتلأت نفسه لتهيئه له .
شَخَصَ - شخوصاً - أشخصه - شاخصة
الشَّخْصُ : سواد الإنسان القائم المرئي من بعيد ، وقد شَخَصَ من بلده : نفذ ، وشَخَصَ سهمه وبصره ، وأَشْخَصَهُ صاحبه . قال تعالى : لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ « إبراهيم : 42 » شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا « الأنبياء : 97 » أي أجفانهم لا تطرف .
شَدَّ - شداً - شديد - متشدد
الشَّدُّ : العقد القوي . يقال : شَدَدْتُ الشئ : قويت عقده ، قال الله : وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ « الإنسان : 28 » حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ « محمد : 4 » . والشدة : تستعمل في العقد ، وفي البدن ، وفي قوى النفس ، وفي العذاب ، قال : وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً « فاطر : 44 » عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى « النجم : 5 » يعني جبريل عليه السلام وقال تعالى : عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ « التحريم : 6 » وقال : بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ « الحشر : 14 » فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ « ق : 26 » .
والشَّدِيدُ والمُتَشَدِّدُ : البخيل . قال تعالى : وَإنهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ « العاديات : 8 » . فَالشَّدِيدُ يجوز أن يكون بمعنى مفعول ، كأنه شُدَّ ، كما يقال : غُلَّ عن الإفضال ، وإلى نحو هذا : وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ « المائدة : 64 » . ويجوز أن يكون بمعنى فاعل ، فَالمُتَشَدِّدُ كأنه شد صُرَّته .
وقـوله تعالى : حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُــدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِيـنَ سنة « الأحقاف : 15 » فيه تنبيهٌ [على] أن الإنسان إذا بلغ هذا القدر يتقوى خلقه الذي هو عليه فلا يكاد يزايله بعد ذلك . وما أحسن ما نبه له الشاعر حيث يقول :
إذا المرءُ وافَى الأربعينَ وَلَمْ يَكُنْ
لهُ دُونَ مَا يَهْوَى حَيَاءٌ وَلَا سِتْرُ
فَدَعْهُ وَلَا تَنْفَسْ عَلَيْهِ الَّذي مَضَى
وَإنْ جَرَّ أسْبَابَ الحَيَاةِ لَهُ الْعُمْرُ
وشَدَّ فلان واشْتَدَّ : إذا أسرع ، يجوز أن يكون من قولهم : شدَّ حزامه للعَدْو ، كما يقال : ألقى ثيابه : إذا طرحه للعدو ، وأن يكون من قولهم : اشتدت الريح ، قال تعالى : اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ « إبراهيم : 18 » .
ملاحظات
عرَّف الراغب الشدَّ بالعقد القوي ، وقال إن شَدَدْتُ الشئ بمعنى قويت عقده . والصحيح أن شدَّ الشئ قد يكون بمعنى جَرَّهُ . وقد اشتبه الراغب في فهم عبارة ابن فارس حيث ذكر شد العقدة فقال « 3/179 » : « من ذلك شددت العقد شداً أشده » .
كما أن تفسيره لَشَدَدْنا أَسْرَهُم بشد العقدة لا يصح ، نعم شد الوثاق قد يستلزم شد العقدة .
وكذا تفسيره لآية : وَإنهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ، بمعنى مشدود أو يشد صرته ، بل هو بمعنى شدة حبه للخير الدنيوي .
ولم يستوف الراغب آيات المادة ، وقد استعملت في : شد المُلك ، وشد العضد ، وشد الأزر ، والشد على القلب ، واشتداد الريح ، والبأس الشديد ، والبطش الشديد ، والزلزال الشديد . وأشدُّ عداوةً . وأشدُّ قوةً . وأشدُّ كفراً ونفاقاً . وأشدُّ خَلْقاً . وأشدُّ بطشاً . وأشد رهبةً . وأشد رهبةً . وأشد وطأةً . واستعملت كثيراً في العذاب الشديد ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 463 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والعقاب الشديد .
شَرّ- شرر - شرير
الشَّرُّ : الذي يرغب عنه الكل ، كما أن الخير هو الذي يرغب فيه الكل ، قال تعالى : شَرٌّ مَكاناً « يوسف : 77 » وإن شَرَّ الـدَّوَابِّ عِنْدَ الله الصُّمُ « الأنفال : 22 » . وقد تقدم تحقيق الشر مع ذكر الخير وذكر أنواعه . ورجل شَرٌّ وشِرِّيرٌ : متعاطٍ للشر ، وقوم أَشْرَارٌ . وقد أَشْرَرْتُهُ : نسبته إلى الشر . وقيل : أَشْرَرْتُ كذا : أظهرته ، واحتُجَّ بقول الشاعر :
إذا قيل أيُّ الناس شرَّاً قَبِيلَةً
أشَرَّتْ كُلَيْبٌ بالأكُفِّ الأصَابعِ
فإن لم يكن في هذا إلا هذا البيت فإنه يحتمل أنها نسبت الأصابع إلى الشر بالإشارة إليه ، فيكون من أشررته إذا نسبته إلى الشر . والشُّرُّ : بالضم خُصَّ بالمكروه . وشَرَارُ النّار : ما تطاير منها ، وسميت بذلك لاعتقاد الشر فيه قال تعالى : تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ « المرسلات : 32 » .
ملاحظات
من تكلف الراغب أنه استشهد ببيت الفرزدق المشهور وهو من مساجلاته مع جرير ونصه : أشارت كليبٌ بالأكفِّ الأصابعُ « خزانة الأدب : 9/115 » فليس فيه شاهد لما أراده . لكنه جعله أشَرَّتْ بدل أشارت ، ولم يروه أحدٌ بهذا اللفظ !
أما قوله : « وقد تقدم تحقيق الشر مع ذكر الخير وذكر أنواعه » فلم يتقدم منه شئ ذو بال . والخير والشر : يستعملان في القرآن مرة بالمعنى الواقعي ومرة بالمعنى العرفي . فقوله تعالى : إِنَّ الآنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ . وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيــدٌ . وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ . فالخيــر الذي يحبه خيرٌ عرفي ، حسب رأيه ، وقد يكون شراً له واقعاً . وقال تعالى : إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًـا . وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا . أي ما يحسبه شراً وخيراً . وقال تعالى : لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ . فما تحسبه شراً قد يكون خيراً في الواقع ، وبالعكس .
شَرِبَ - شرباً- شراباً - مشرب - شريب - أُشْرِبَ حبه
الشُّرْبُ : تناول كل مائع ، ماء كان أو غيره . قال تعالى في صفة أهل الجنة : وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً « الإنسان : 21 » وقال في صفة أهل النار : لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ « يونس : 4 » . وجمع الشَّرَاب أَشْرِبَةٌ ، يقال : شَرِبْتُهُ شَرْباً وشُرْباً . قال عز وجل : فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي . إلى قولـه : فَشَرِبُوا مِنْهُ . وقال : فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ « الواقعة : 55 » .
والشِّرْبُ : النصيب منه قال تعالى : هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ « الشعراء : 155 » وقال : كل شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ « القمر : 28 » . والْمَشْرَبُ : المصدر ، وإسم زمان الشُّرب ، ومكانه ، قال تعالى : قَدْ عَلِمَ كل أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ « البقرة : 60 » . والشَّرِيبُ : المُشَارِبُ والشَّرَابُ . وسمي الشَّعر الذي على الشفة العليا ، والعرق الذي في باطن الحلق شارباً ، وجمعه : شَوَارِبُ ، لتصورهما بصورة الشاربين ، قال الهذلي في صفة عِير :
صَخْبُ الشَّـــوارب لا يَزَال كَأَنَّهُ
[عَبْــدٌ لآلِ أبي ربيعـــةَ مُسْـــبِعُ] وقوله تعالى : وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ « البقرة : 93 » قيل : هو من قولهم : أَشْرَبْتُ البعير ، أي شددت حبلاً في عنقه ، قال الشاعر :
فأَشْرَبْتُهَا الأقْرَانَ حَتَّى وَقَصْتُهـــا
بِقَرْحٍ وقـــد أَلْقَيْنَ كُلَّ جَنِـــينِ
فكأنما شُدَّ في قلوبهم العجل لشغفهم . وقال بعضهم : معناه أُشْرِبَ في قلوبهم حبُّ العجل ، وذلك أن من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 464 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عادتهم إذا أرادوا العبارة عن مخامرة حب أو بغض ، استعاروا له إسم الشراب ، إذ هو أبلغ إنجاع في البدن ، ولذلك قال الشاعر :
تَغَلْغَلَ حَيْثُ لم يَبْلُغْ شَرَابٌ
ولا حُزْنٌ ولم يَبْلُغْ سُرورُ
ولو قيل : حب العجل لم يكن له المبالغة ، فإن في ذكر العجل تنبيهاً [على] أنه لفرط شغفهم به صارت صورة العجل في قلوبهم لا تنمحي . وفي مَثَلٍ : أَشْرَبْتَنِي ما لم أشرب ، أي ادعيت عليَّ ما لم أفعل .
ملاحظات
لم يجزم الراغب بتفسير أشربوا في قلوبهم العجل بأنه حب العجل مع أنه واضح . وهو من مبتكرات القرآن . ولم يرد الشارب والسبال في القرآن ، وقد استشهد له الراغب بشعر غامض . واختلفوا في تعريفه فقال الجوهري « 1/491 » : « الشارِبانِ : ما سالَ على الفَم من الشَّعر . وبعضهم يُسمِّي السَّبَلةَ كلَّها شارِباً واحداً ، وليس بصواب » .
وفي تحرير الأحكام للعلامة الحلي « 1/72 » : « السُّنَن الحنيفية عشر : خمس في الرأس وهي : المضمضة والإستنشاق ، والسواك ، وفرق الشعر ، وقص الشارب . وخمس في البدن : قص الأظفار ، وحلق العانة ، والإبطين ، والختان ، والإستنجاء » .
شَرَحَ - شرحاً
أصل الشَّرْحِ : بسط اللحم ونحوه ، يقال : شَرَحْتُ اللحم وشَرَّحْتُهُ . ومنه : شَرْحُ الصَّدر أي بسطه بنور إلهي وسكينة من جهة الله وروح منه . قال تعالى : رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي « طه : 25 » وقال : أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ « الشرح : 1 » أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ « الزمر : 22 » . وشرح المشكل من الكلام : بسطه وإظهار ما يخفى من معانيه .
ملاحظات
1 . عرف الراغب الشرح بأنه بَسْطُ اللحم ونحوه . وتعريف الخليل أفصح ، قال « 3/93 » : « الشـرح : السعة . قال الله عـز وجـل : أَفَمَن شَرَحَ اللَّـهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ، أي وســعه فاتسع لقول الخير . والشرح : البيان . والشرح والتشريح : قَطْعُ اللحم على العظام قطعاً ، والقطعة منه شَرْحَة » .
2 . استعمل القرآن الشرح خمس مرات في شرح الصدر ، ولم يستعمله في غيره . وتبع الراغب ابن فارس « 3/269 » فجعله من شرح اللحم ، ويبدو أن العكس صحيحٌ وأن شرح اللحم مأخوذٌ من السعة .
شَرَدَ - شرده - تشريداً - شريد
شَرَدَ البعير : ندَّ ، وشَرَّدْتُ فلاناً في البلاد ، وشَرَّدْتُ به ، أي فعلت به فعلةً تُشَرِّدُ غيره أن يفعل فعله ، كقولك : نكَّلت به : أي جعلت ما فعلت به نكالاً لغيره . قال تعالى : فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ « الأنفال : 57 » أي اجعلهم نكالاً لمن يعرض لك بعدهم ، وقيل : فلان طريد شَرِيدٌ .
شَرْذَمَ - شراذم
الشِّرْذِمَةُ : جماعة منقطعة . قال تعالى : إن هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ « الشعراء : 54 » وهو من قولهم : ثوب شَرَاذِمُ ، أي متقطع .
شَرَطَ - شرطاً - أشرط - أشراطاً
الشَّرْطُ : كل حكم معلوم متعلِّق بأمر يقع بوقوعه ، وذلك الأمر كالعلامة له . وشَرِيطٌ وشَرَائِطُ ، وقد اشْتَرَطْتُ كذا ، ومنه قيل : للعلَامة الشَّرَطُ . وأَشْرَاطُ الساعة : علاماتها ، قال تعالى : فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها « محمد : 18 » . والشُّرَطُ : قيل سموا بذلك لكونهم ذوي علامة يعرفون بها . وقيل لكونهم أرذال الناس . فَأَشْرَاطُ الإبل : أرذالها . وأَشْرَطَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 465 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
نفسه للهلكة : إذا عمل عملاً يكون علامة للهلاك ، أو يكون فيه شرط الهلاك .
ملاحظات
كلامه في تعريف الشرط يدل على قلة بضاعته في الفقه ، فقد جعل الشَّرْطُ الحكم المعلوم ذي العلامة الخ . والصحيح أن الشَّرطُ لغةً : العَلَامة . وعرفه ابن منظور « 7/329 » بأنه إلزام الشئ والتزامه في البيع ونحوه .
شَرَعَ - شريعةً - شرعاً- شارعة - أشرع رمحه - شراع - أشرعة
الشَّرْعُ : نهج الطريق الواضح ، يقال : شَرَعْتُ له طريقاً . والشَّرْعُ : مصدر ، ثم جعل إسماً للطريق النهج فقيل له : شِرْعٌ وشَرْعٌ وشَرِيعَةٌ ، واستعير ذلك للطريقة الإلهية . قال تعالى : لِكل جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً « المائدة : 48 » . فذلك إشارة إلى أمرين ، أحدهما : ما سخر الله تعالى عليه كل إنسان من طريق يتحراه مما يعود إلى مصالح العباد وعمارة البلاد ، وذلك المشار إليه بقوله : وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا « الزخرف : 32 » .
الثاني : ما قيض له من الدين وأمره به ليتحراه اختياراً ، مما تختلف فيه الشرائع ، ويعترضه النسخ ، ودل عليه قوله : ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها « الجاثية : 18 » . قال ابن عباس : الشِّرْعَةُ ما ورد به القرآن ، والمنهاج ما ورد به السنة .
وقوله تعالى : شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً « الشوري : 13 » فإشارة إلى الأصول التي تتساوى فيها الملل ، فلا يصح عليها النسخ كمعرفة الله تعالى : ونحو ذلك من نحو ما دلَّ عليه قوله : وَمَنْ يَكْفُرْ بِالله وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ « النساء : 136 » . قال بعضهم : سميت الشَّرِيعَةُ شَرِيعَةً تشبيهاً بشريعة الماء ، من حيث إن من شرع فيها على الحقيقة المصدوقة رُوِيَ وتطهر . قال : وأعني بالريِّ ما قال بعض الحكماء : كنت أشرب فلا أروى ، فلما عرفت الله تعالى رويت بلا شرب . وبالتطهر ما قال تعالى : إنما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيــراً « الأحزاب : 33 » . وقوله تعالى : إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعـاً « الأعراف : 163 » جمع شارع .
وشَارِعَةُ الطريق : جمعها شَوَارِعُ ، وأَشْرَعْتُ الرمح قبله ، وقيل : شَرَعْتُهُ فهو مَشْرُوعٌ . وشَرَعْتُ السفينة : جعلت لها شراعاً ينقذها ، وهم في هذا الأمر شَرْعٌ ، أي سواء ، أي يَشْرَعُونَ فيه شروعاً واحداً . وشَرْعُك من رَجُلٍ زيدٌ : كقولك حَسْبُك ، أي هو الذي تَشرع في أمره ، أو تشرع به في أمرك . والشِّرْعُ : خص بما يشرع من الأوتار على العود .
ملاحظات
وردت مادة شَرَع في القرآن خمس مرات ، وعرفه الراغب : بنهج الطريق الواضح ، لكنه مأخوذ من شريعة الماء ، نعم يسمى الطريق اليها شريعة أيضاً . قال الخليل « 1/252 » : « شرع الوارد الماء شرعاً فهو شارع . والشـريعة والمشـرعة موضع على شاطئ البحر » النهر « أو في البحر يُهيأ لشرب الدواب ، والجميع الشرائع والمشارع . والشريعة والشـرائع : ما شرع الله للعباد من أمر الدين ، وأمرهم بالتمسك به من الصلاة والصوم والحج وشبهه ، وهي الشرعة » .
وقال ابن فارس « 3 /262 » : « أصل واحد وهو شئ يفتح في امتداد يكون فيه . من ذلك الشريعة وهي مورد الشاربة الماء . واشتق من ذلك الشرعة في الدين والشريعة قال الله تعالى : لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا . وقال سبحانه : ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ . ويقال أشرعت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 466 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
طريقاً إذا أنفذته وفتحته ، وشرعت أيضاً » . وقال ابن منظور « 8/175 » : « والشَّريعةُ والشِّراعُ والمَشْرَعةُ : المواضعُ التي يُنْحَدر إِلى الماء منها ، قال الليث : وبها سمي ما شَرَعَ الله للعبادِ شَريعةً » .
وبذلك اتضح أن الشريعة تطلق على شريعة الماء ، وعلى طريقها ، فهي الطريق الموصلة الى المنهل ، وهي المنهل نفسه .
ثم نقل الراغب تفسير أحد المتصوفة أن الشريعة هي ورود الحقيقة والرِّيُّ والتطهر . ثم نقل أنهم بتطهرهم بالشريعة يصلون الى درجة تطهير الله تعالى لأهل البيت عليهم السلام . وبهذا سرق مقاماً خص الله به عترة رسوله عليهم السلام فطهرهم من كل ذنب وعيب ، وأعطاه لمن يزعمون لأنفسهم مقامات عند الله تعالى !
شَرَقَت - شَروقاً - أشرقت - إشراقاً - مشرق - مشارق - شرَّق اللحم
شَرَقَتِ الشمس شُرُوقاً : طلعت ، وقيل : لا أفعل ذلك ما ذرَّ شَارِقٌ . وأَشْرَقَتْ : أضاءت . قـال الله : بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ « صاد : 18 » أي وقت الإشراق .
والْمَشْرِقُ والمغرب : إذا قيلا بالإفراد ، فإشارة إلى ناحيتي الشَّرْقِ والغرب . وإذا قيلا بلفظ التثنية فإشارة إلى مطلعي ومغربي الشتاء والصيف . وإذا قيلا بلفظ الجمع فاعتبار بمطلع كل يوم ومغربه ، أو بمطلع كل فصل ومغربه .
قـال تعالى : رَبُّ الْمَشْـرِقِ وَالْمَغْرِبِ « الشعراء : 28 » رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ « الرحمن : 17 » بِرَبِّ الْمَشـارِقِ وَالْمَغارِبِ « المعارج : 40 » وقوله تعالى : مَكاناً شَرْقِيًّا « مريم : 16 » أي من ناحية الشرق .
والْمِشْرَقَةُ : المكان الذي يظهر للشرق . وشَرَّقْتُ اللحم : ألقيته في الْمِشْرَقَةِ « ليجف » . والمُشَرَّقُ : مصلى العيد لقيام الصلاة فيه عند شُرُوقِ الشمس . وشَرَقَتِ الشمس : اصفرَّت للغروب ، ومنه : أحمر شَارِقٌ : شديد الحمرة ، وأَشْرَقَ الثوب بالصبغ ، ولحم شَرَقٌ : أحمر لا دسم فيه .
ملاحظات
لم يذكر الراغب شرق بمعنى : « تشريق اللحم : تقديده ، ومنه سميت أيام التشريق ، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر ، لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها ، أي تُشْرَر في الشمس » . « الصحاح : 4/1501 » .
شَرِكَ - شركاً - مشاركة - مشترك - شركاء- أشرك
الشِّرْكَةُ والمُشَارَكَةُ : خلط المُلْكين ، وقيل : هو أن يوجد شئ لاثنين فصاعداً ، عيناً كان ذلك الشئ أو معنىً ، كَمُشَارَكَةِ الإنسان والفرس في الحيوانية ، ومُشَارَكَةِ فرس وفرس في الكمتة والدهمة ، يقال : شَرَكْتُهُ وشَارَكْتُهُ وتَشَارَكُوا واشْتَرَكُوا وأَشْرَكْتُهُ في كذا . قال تعالى : وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي « طه : 32 » وفي الحديث : اللهمَّ أَشْرِكْنَا في دعاء الصّالحين . وروي أن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وآله : إني شرفتك وفضلتك على جميع خلقي وأَشْرَكْتُكَ في أمري . أي جعلتك بحيث تذكر معي ، وأمرت بطاعتك مع طاعتي في نحو : أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ « محمد : 33 » وقال تعالى : إنكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ . « الزخرف : 39 » . وجمع الشَّرِيكِ شُرَكاءُ . قال تعالى : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ « الإسراء : 111 » وقال : شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ « الزمر : 29 » أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ « الشوري : 21 » وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ « النحل : 27 » .
وشِرْكُ الإنسان في الدين ضربان ، أحدهما : الشِّرْكُ العظيم وهو : إثبات شريك لله تعالى . يقال : أَشْرَكَ فلان بالله ، وذلك أعظم كفر . قال تعالى : إن الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ « النساء : 48 » وقال : وَمَنْ يُشْرِكْ بِالله فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً « النســـاء : 116 » ومَنْ يُشْرِكْ بِالله فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ « المائدة : 72 » يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِالله شَيْئاً
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 467 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
« الممتحنة : 12 » وقال : سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا « الأنعام : 148 » .
والثاني : الشِّرْكُ الصغير ، وهو مراعاة غير الله معه في بعض الأمور ، وهو الرِّيَاء والنفاق « ! » المشار إليه بقوله : جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عما يُشْرِكُونَ « الأعراف : 190 » وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ « يوسف : 106 » .
وقال بعضهم : معنى قوله إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ، أي واقعون في شرك الدنيا ، أي حبالتها . قال : ومن هذا ما قال عليه السلام : الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصَّفا . ولفظ الشِّرْكِ من الألفاظ المشتركة . وقوله تعالى : فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحـاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً « الكهف : 110 » محمول على الشركين .
وقوله : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ « التوبـة : 5 » فأكثر الفقهاء يحملونه على الكفار جميعاً ، كقوله : وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ الله . الآية . « التوبة : 30 » وقيل : هم من عدا أهل الكتاب لقوله : إن الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّـابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْـرَكُــوا « الحــج : 17 » أفــرد المُشْرِكِينَ عن اليهــود والنصارى .
شَرَى - إشترى- شِراء- شُراة
الشِّرَاءُ والبيع يتلازمان ، فَالمُشْتَرِي دافع الثمن وآخذ المثمن ، والبائع دافع المثمن وآخذ الثمن . هذا إذا كانت المبايعة والمُشَارَاةُ بناضٍّ وسلعة ، فأما إذا كانت بيع سلعة بسلعة صح أن يتصور كل واحد منهما مُشْتَرِياً وبائعاً ، ومن هذا الوجه صار لفظ البيع والشراء يستعمل كل واحد منهما في موضع الآخر . وشَرَيْتُ بمعنى بعت أكثر ، وابتعت بمعنى اشْتَرَيْتُ أكثر ، قال الله تعالى : وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ « يوسف : 20 » أي باعوه ، وكذلك قولـه : يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيـا بِالْآخِرَةِ « النساء : 74 » .
وتُجُوِّزَ بالشراء والإشتراء في كل ما يحصل به شئ ، نحو : إن الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله « آل عمران : 77 » لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ الله « آل عمران : 199 » اشْتَرَوُا الْحَيـاةَ الدُّنْيا « البـقرة : 86 » أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى « البقرة : 16 » وقوله : إن الله اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ « التوبة : 111 » فقد ذكر ما اشتري به ، وهو قوله : يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ « التوبة : 111 » .
ويسمى الخوارج بِالشُّرَاةِ : متأولين فيه قوله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ الله « البقرة : 207 » فمعنى يَشْرِي : يبيع ، فصار ذلك كقوله : إن الله اشْتَرى . الآية « التوبة : 111 » .
شَطَطَ - شطت - أشطت - شط النهر
الشَّطَطُ : الإفراط في البعد . يقال : شَطَّتِ الدارُ وأَشَطَّت ، يقال في المكان وفي الحكم وفي السّوم ، قال :
شطَّ المزارُ بجَدْوَى وانْتَهَى الأَمَلُ
وعبّر بِالشَّطَطِ عن الجور . قال تعالى : لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً « الكهف : 14 » أي قولاً بعيداً عن الحق . وشَطُّ النهر : حيث يبعد عن الماء من حافته .
شَطَرَ - شاطر - شطره - شاطر
شَطْرُ الشئ : نصفه ووسطه . قال تعالى : فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِـدِ الْحَرامِ « البقرة : 144 » أي جهته ونحوه ، وقال : وَحَيْثُما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ « البقرة : 150 » . ويقال : شَاطَرْتُهُ شِطَاراً ، أي ناصفته ، وقيل : شَطَرَ بصره أي نصفه ، وذلك إذا أخذ ينظر إليك وإلى آخر ، وحلب فلانٌ الدهر أَشْطُرَهُ ، وأصله في الناقة أن يحلب خِلفين ويترك خِلفين وناقة شَطُورٌ : يبسَ خلفان من أخلافها ، وشاة شَطُورٌ : أحد ضرعيها أكبر من الآخر .
وشَطَرَ : إذا أخذ شَطْراً أي ناحيةً ، وصار يُعَبَّر بِالشَّاطِرِ عن البعيد ، وجمعه : شُطَّر ، نحو : أشَاقَكَ بين الخَلِيطِ الشُّطَّرُ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 468 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والشَّاطِرُ : أيضاً لمن يتباعد عن الحق ، وجمعه : شُطارٌ .
ملاحظات
فسر الراغب شطره بنصفه ووُسْطَتِه وجِهته ونحوه ، وكلها صحيح . قال المحقق الحلي في المعتبر « 2/64 » : « فَوَلُّوا وُجُوهَكُم شَطْرَه : والشطر : النحو والجهة » . وقال ابن منظور « 4/408 » : « وفي التنزيل العزيز : فَوَلِّ وجْهَك شَطْرَ المسجِد الحرامِ ، ولا فعل له . قال الفراء : يريد نحوه وتلقاءه » . أما الشاطر فيستعمل بمعنى الخباز الذي يدحو الرغيف ، وبمعنى السارق المحترف ، وشطار البلد بمعنى مجموعة الأشرار ، وهو معرب عن شاتر الفارسية للخباز الماهر .
وأما شتر فتستعمل بمعنى شق ، وقد سمي الصحابي مالك بن الحارث الأشتر ، لأنه ضرب فوق عينه .
شَطَنَ- شيطان - شياطين - شطون
الشَّيْطَانُ : النون فيه أصلية ، وهو من : شَطَنَ أي تباعد ، ومنه : بئر شَطُونٌ ، وشَطَنَتِ الدار ، وغربة شَطُونٌ . وقيل : بل النون فيه زائدة ، من شَاطَ يَشِيطُ : احترق غضباً . فَالشَّيْطَانُ مخلوق من النار كما دل عليه قوله تعالى : وَخَلَقَ الجَـانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ « الرحمن : 15 » ولكونه من ذلك اختص بفرط القوة الغضبية والحمية الذميمة ، وامتنع من السجود لآدم . قال أبو عبيدة : الشيطان إسم لكل عارم من الجن والإنس والحيوانات . قال تعـالى : شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ « الأنعام : 112 » وقال : وَإن الشَّياطِيـنَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ « الأنعام : 121 » وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ « البقرة : 14 » أي أصحابهم من الجن والإنس . وقوله : كَأنهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ « الصافات : 65 » قيل : هي حية خفيفة الجسم . وقيل : أراد به عارم الجن ، فتشبه به لقبح تصورها .
وقوله : وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ « البقرة : 102 » فهم مردة الجن . ويصح أن يكونوا هم مردة الإنس أيضاً ، وقال الشاعر :
لوَ انَّ شَيْطَانَ الذِّئَابِ العُسَّلِ
جمع العاسل ، وهو الذي يضطرب في عدوه ، واختص به عسلان الذئب . وقال آخر : ما ليلة الفقير إلّا شَيْطَانْ .
وسمّي كل خلق ذميم للإنسان شَيْطَاناً ، فقال عليه السلام : الحسد شَيْطَانٌ ، والغضب شَيْطَانٌ .
ملاحظات
1 . ورد ذكر الشيطان في القرآن نحوَ تسعين مرة ، ونَسَبَ اليه تحريك الإنسان الى الشـر والكفر عن طريق الوسوسة والتخويف والتزيين . وهو موضوع دراسة لمعرفة مصادر الشر الثلاثة : الشيطان ، والنفس ، والناس .
2 . لم يجزم الراغب باشتقاق الشيطان من شطن يشطن بمعنى بَعُدَ ، أو من شَاطَ بمعنى احترق غضباً وشاط عن أمر ربه ، وهو الصحيح . قال الخليل « 6/236 » : « والشيطان : فَيْعَال ، من شطن أي بعد » . وقال « 6/275 » : « وكل شئ أحرقته رطباً فقد شططته . والشائط : الرُّبُّ والدُّهن إذا طبخ فوق القدر فاحترق . يقال : شاط الرُّب وشاطت الأداوية ، وهي الطبخة من الزبد إذا أرادوا أن يتخذوا منه سمناً » .
فقد اختار الخليل أن نون الشيطان أصلية وأنه مشتق من شطن ، وليس من شاط وكأنه جعل شاط منه . ومال اليه ابن فارس « 3/183 » ومع ذلك أبقى احتمال أن يكون من شاط ، وهو المرجح عندي ، وهو المفهوم من الرواية .
4 . في الكافي « 2/440 » : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن آدم عليه السلام قال : يارب سلطت عليَّ الشيطان وأجريته مني مجرى الدم ، فاجعل لي شيئاً . فقال : يا آدم جعلت لك أن من همَّ من ذريتك بسيئة لم تكتب عليه ، فإن عملها كتبت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 469 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عليه سيئة . ومن همَّ منهم بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة ، فإن هو عملها كتبت له عشراً . قال : يا رب زدني ، قال : جعلت لك أن من عمل منهم سيئة ثم استغفر له غفرت له . قال : يا رب زدني ، قال : بسطت لهم التوبة حتى تبلغ النفس هذه . قال : يا رب حسبي » .
شَطَا - شاطئ - شَطْْأ - شَطَأه
شَاطِئُ الوادي : جانبه ، قال عز وجل : نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ « القصص : 30 » ويقال : شَاطَأْتُ فلاناً : ماشيته في شاطئ الوادي ، وشَطْأُ الزّرع : فروخ الزرع ، وهو ما خرج منه وتفرّغ في شَاطِئَيْهِ أي في جانبيه ، وجمعه : أَشْطَاءٌ . قال تعالى : كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ « الفتح : 29 » أي فراخه ، وقرئ : شَطَأَهُ ، وذلك نحو : الشمْع والشَّمَع ، والنَّهْر والنَّهَر .
ملاحظات
قول الراغب واللغويين : « كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ، أي فراخه » يدل على أن قوله تعالى : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ . . وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ، خاص بعترة النبي صلى الله عليه وآله لأنهــم فروع شجرته وفراخها ، ولا علاقة للآية بصحابته . وفي أساس البلاغة/491 : « أشطأ الشجر والنبات أخرج شطأه وهو ما ينبت حواليه » .
ويدل عليه أيضاً أنه تعالى قـال : وَالَّذِينَ مَعَهُ ، ولم يقل آمنوا معه ، لأنهم مؤمنون من الأساس . ووصفهم بأنهم رحماء بينهم ، فلم يتنازعوا ولم يختلفوا ، وقد اختلف الصحابة وتناقضوا وتقاتلوا ، فلم يكونوا رحماء بينهم ، بل أشداء ، فلا تنطبق عليهم الآية .
شَعَبَ - شعيب- شعوب - شُعب
الشِّعْبُ : القبيلة المتشعبة من حي واحد ، وجمعه : شُعُوبٌ . قال تعالى : شُعُوباً وَقَبائِلَ « الحجرات : 13 » .
والشِّعْبُ : من الوادي ما اجتمع منه طرف وتفرَّق طرف ، فإذا نظرت إليه من الجانب الذي تفرق أخذت في وهمك واحداً يتفرق ، وإذا نظرت من جانب الإجتماع أخذت في وهمك اثنين اجتمعا . فلذلك قيل : شَعِبْتُ الشئ إذا جمعته ، وشَعِبْتُهُ إذا فرقته . وشُعَيْبٌ : تصغير شعب الذي هو مصدر ، أو الذي هو إسم ، أو تصغير شعب .
والشَّعِيبُ : المزادة الخَلِق التي قد أصلحت وجمعت . وقولـه : إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ « المرسلات : 30 » يختص بما بعد هذا الكتاب .
ملاحظات
استعمل القرآن شُعوباً مرةً ، وشُعَباً مرةً ، وشُعيباً النبي عليه السلام إحدى عشرة مرة . وذكر اللغويون أن إسم شعيب مأخوذ من شعب ، لكن الظاهر أنه إسمٌ غير عربي . قال الخليل « 1/263 » : « الشَّعْبُ : ما تشعب من قبائل العرب ، وجمعه : شعوب . ويقال : العرب شُعَب والموالي شُعَب والترك شُعَب وجمعه شعوب . والشعوبي : الذي يصغر شأن العرب فلا يرى لهم فضلاً . قال الخليل : هذا من عجائب الكلام وَوُسْع اللغة والعربية : أن يكون الشِّعْب تفرقاً ، ويكون اجتماعاً ، وقد نطق به الشعر » .
شَعَرَ - شاعر - أشعار - مشاعر - شعار - أشعر - شعير - شِعرى
الشَّعْرُ : معروف ، وجمعه أَشْعَارٌ . قال الله تعالى : وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها « النحل : 80 » وشَعَرْتُ : أصبت الشَّعْر ، ومنه استعير : شَعَرْتُ كذا ، أي علمت علماً في الدقة كإصابة الشَّعر ، وسمي الشَّاعِرُ شاعراً لفطنته ودقة معرفته ، فَالشِّعْرُ في الأصل : إسم للعلم الدقيق في قولهم : ليت شعري ، وصار في التعارف إسماً للموزون المقفى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 470 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من الكلام ، والشَّاعِرُ للمختص بصناعته . وقوله تعالى حكاية عن الكفار : بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ « الأنبياء : 5 » وقوله : لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ « الصافات : 36 » شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ « الطور : 30 » . وكثير من المفسرين حملوه على أنهم رموه بكونه آتياً بشعر منظوم مقفّى ، حتى تأولوا ما جاء في القرآن من كل لفظ يشبه الموزون من نحو : وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ « سبأ : 13 » وقوله : تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ « المسد : 1 » .
وقال بعض المحصلين : لم يقصدوا هذا المقصد فيما رموه به ، وذلك أنه ظاهر من الكلام أنه ليس على أساليب الشعر ، ولا يخفى ذلك على الأغتام من العجم فضلاً عن بلغاء العرب ، وإنما رموه بالكذب ، فإن الشعر يعبر به عن الكذب ، والشَّاعِرُ الكاذب ، حتى سمى قوم الأدلة الكاذبة الشعرية ، ولهذا قال تعالى في وصف عامة الشعراء : وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ « الشعراء : 224 » إلى آخر السّورة . ولكون الشِّعْرِ مقرّ الكذب قيل : أحسن الشعر أكذبه . وقال بعض الحكماء : لم ير متدينٌ صادق اللهجة مفلقاً في شعره . والْمَشَاعِرُ : الحواسّ .
وقوله : وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ « الحجرات : 2 » ونحـو ذلك ، معناه : لا تدركونه بالحواس ، ولو : في كثير مما جاء فيه : لا يَشْعُرُونَ ، لا يعقلون ، لم يكن يجوز إذ كان كثير مما لا يكون محسوساً قد يكون معقولاً .
ومَشَاعِرُ الحَجِّ : معالمه الظاهرة للحواس ، والواحد مشعر ، ويقال : شَعَائِرُ الحج ، الواحد شَعِيرَةٌ ، قال تعالى : ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ الله « الحج : 32 » وقال : فَاذْكُرُوا الله عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ « البقرة : 198 » لاتُحِلُّوا شَعائِرَ الله « المائدة : 2 » أي ما يُهدى إلى بيت الله ، وسُمِّي بذلك لأنها تُشْعَرُ أي تُعَلَّمُ بأن تُدمى بِشَعِيرَةٍ ، أي حديدة يُشعر بها .
والشِّعَارُ : الثوب الذي يلي الجسد لمماسّته الشَّعَرَ . والشِّعَارُ أيضاً ما يشعر به الإنسان نفسه في الحرب ، أي يُعَلَّم .
وأَشْعَرَهُ الحُبَّ نحو ألبسه . والْأَشْعَرُ : الطويل الشعر ، وما استدار بالحافر من الشعر . وداهية شَعْرَاءُ ، كقولهم داهية وبراء ، والشَّعْرَاءُ : ذباب الكلب لملازمته شعره . والشَّعِيرُ : الحب المعروف . والشِّعْرَى : نجم ، وتخصيصه في قوله : وَإنهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى « النجم : 49 » لكونها معبودة لقوم منهم .
ملاحظات
خلط الراغب بين كل مواد « شعر » وهي شعر الرأس وغيره ، ومنه الشعار الثوب وغيره . والشعور بمعني الإحساس . والشعر المنظوم . والشعير الحَب . والشعرى النجم . وجعلها أصلاً واحداً ، ولا يمكن إرجاعها الى أصل واحد ، ومن ركيك الكلام قوله : « وشَعَرْتُ : أصبت الشَّعْر ، ومنه استعير شَعَرْتُ كذا ، أي علمت علماً في الدقة كإصابة الشَّعر » .
والصحيح أن شعرَ بمعنى أحس أصل مستقل لا علاقة له بالشعر .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 471 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
شَعَفَ - شعفه - مشعوف
قرئ : شَعَفَهَا وهي من شَعَفَةِ القلب ، وهي رأسه مَعْلَق النياط . وشَعَفَةُ الجبل : أعلاه ، ومنه قيل : فلان مَشْعُوفٌ بكذا ، كأنما أصيب شعفة قلبه .
شَعَلَ - شعلة - اشتعل اشتعالاً - أشعل - إشعالاً
الشَّعْلُ : التهاب النار ، يقال : شُعْلَةٌ من النار ، وقد أَشْعَلْتُهَا ، وأجاز أبو زيد : شَعَلْتَهَا . والشَّعِيلَةُ : الفتيلة إذا كانت مُشْتَعِلَةً . وقيل : بياض يَشْتَعِلُ ، قال تعالى : وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً « مريم : 4 » تشبيهاً بالإشْتِعَالِ من حيث اللون .
واشْتَعَلَ فلان غضباً تشبيهاً به من حيث الحركة ، ومنه : أَشْعَلْتُ الخيل في الغارة ، نحو أوقدتها ، وهيجتها ، وأضرمتها .
شَغَفَ - شغفه - مشغوف
قال تعالى : شَغَفَها حُبًّا « يوسف : 30 » أي أصاب شِغَافَ قلبها ، أي باطنه . عن الحسن ، وقيل وسطه ، عن أبي علي . وهما متقاربان .
شَغَلَ - شُغلاً - مشغول - شاغل
الشَّغْلُ والشُّغْلُ : العارض الذي يذهل الإنسان . قال عز وجل : إن أَصْحـابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ « يس : 55 » وقرئ : شُغُلٍ . وقد شُغِلَ فهو مَشْغُولٌ ولا يقال أَشْغَلَ . وشُغُلٌ شَاغِلٌ .
ملاحظات
لا يصح تعريفه للشغل بأنه عارض يذهل الإنسان ، بل هو العمل الذي يشتغل به ، ويقال شُغله كذا أي عمله ، وشَغَله كذا عن كذا ، أي صرفه عنه ، ومنه قوله تعالى : إن أَصْحـابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ ، أي مشغولون بنعيمهم عن غيره .
شَفَعَ - شفعاً - شفاعة - شفعةً -شفيع - استشفع
الشَّفْعُ : ضم الشئ إلى مثله ، ويقال لِلْمَشْفُوعِ شَفْعٌ . وقوله تعالى : وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ « الفجر : 3 » قيل : الشَّفْعُ المخلوقات من حيث إنها مركبات كما قال : وَمِنْ كل شَئ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ « الذاريات : 49 » والوتر : هو الله من حيث إن له الوحدة من كل وجه . وقيل : الشَّفْعُ : يوم النحر من حيث إن له نظيراً يليه ، والوتر : يوم عرفة . وقيل : الشَّفْعُ ولد آدم ، والوتر آدم لأنه لا عن والد .
والشَّفَاعَةُ : الإنضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه . وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من هو أدنى . ومنه : الشَّفَاعَةُ في القيامة ، قال تعالى : لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً « مريم : 87 » لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَـهُ الرَّحْمنُ « طه : 109 » لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً « النجم : 26 » وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى « الأنبياء : 28 » فَمـا تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ « المدثر : 48 » أي لا يشـفع لهم ، وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُــونَ مِنْ دُونِهِ الشَّـفاعَةَ « الزخرف : 86 » مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ « غافـر : 18 » مَنْ يَشْـفَعْ شَفاعَةً حَسنة « النساء : 85 » وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً « النساء : 85 » . أي من انضم إلى غيره وعاونه ، وصار شَفْعاً له ، أو شَفِيعاً في فعل الخير والشر فعاونه وقوَّاه وشاركه في نفعه وضره .
وقيل : الشَّفَاعَةُ هاهنا أن يشرع الإنسان للآخر طريق خير ، أو طريق شر فيقتدي به ، فصار كأنه شفع له ، وذلك كما قال عليه السلام : من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها ، أي إثمها وإثم من عمل بها .
وقوله : ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ « يونس : 3 » أي يدبر الأمر وحده لا ثاني له في فصل الأمر إلا أن يأذن للمدبرات والمقسمات من الملائكة فيفعلون ما يفعلونه بعد إذنه . واسْتَشْفَعْتُ بفلان على فلان فَتَشَفَّعَ لي . وشَفَّعَهُ : أجاب شفاعته ، ومنه قوله عليه السلام : القرآن شَافِعٌ مُشَفَّعٌ . والشُّفْعَةُ هو : طلب مبيع في شركته بما بيع به ليضمّه إلى ملكه ، وهو من الشَّفع . وقال عليه السلام : إذا وقعت الحدود فلا شُفْعَةَ .
ملاحظات
1 . في تفسير الشفع والوتر رواياتٌ وأقوالٌ . ومضافاً الى الوجوه التي ذكرها الراغب ، قيل : الشفع والوتر الصلاة ، فالشفع ركعتان ، والوتر ركعة . وقيل : الوتر هو الله تعالى والشفع رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام . وقيـل : الشفع الحســن والحســـين عليهما السلام والْوَتْرِ أمير المؤمنين عليه السلام . وقيل : الشفع أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام ، والوتر رسول الله صلى الله عليه وآله . وأقوى الأقوال أنه قَسَمٌ مطلق بكل شفع ووتر .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 472 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 . فسر الراغب الشفاعة بانضمام الشفيع الى المشفوع له ، وهو تعبير ضعيف . قال الخليل « 1/260 » : « والشافع : الطالب لغيره » .
أقول : الشفاعة : عقيدةٌ متفقٌ عليها في كل الأديان ، فالأنبياء عليهم السلام يشفعون للمذنبين ، ويقبل الله شفاعتهم . وقد ذكر الله الشفاعة في الآخرة دون الدنيا ، لكنه أعطى قاعدة عامة في الشفاعة تشمل الدنيا والآخرة ، قال : مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسنة يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا . وقد تضمنت آيات الشفاعة في القرآن أهم الحقائق عن الشفاعة :
منها : أن الشفعاء لهم عهد وإذن من الله تعالى : وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله .
ومنهـا : أن الأولياء المكرمين ينفعون بشفاعتهم . والشهداء بالحق شفعاء . والملائكة يشفعون .
ومنها : أن الشفيع الأكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وبه فسر أهل البيت عليهم السلام وأكثر المسلمين قوله تعـالى : عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا .
ومنها : أن الذين اتخذهم المشركون شفعاء لا ينفعونهـم : وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّـهِ . وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ .
ومنها : أنه لا شفاعة يوم القيامة كشفاعة الدنيا : وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ .
ومنها : أن الكفار يبحثون عن شفعاء في الآخرة : فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا . مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ .
شَفَقَ - أشفق - إشفاقاً - مشفق
الشَّفَقُ : اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند غروب الشمس . قال تعالى : فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ « الإنشقاق : 16 »
والْإِشْفَاقُ : عناية مختلطة بخوف ، لأن المُشْفِقَ يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه ، قال تعالى : وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ « الأنبياء : 49 » فإذا عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر ، وإذا عدي بفي فمعنى العناية فيه أظهر .
قال تعـالى : إنا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ « الطور : 26 » مُشْفِقُونَ مِنْها « الشوري : 18 » مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا « الشوري : 22 » أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا « المجادلة : 13 » .
ملاحظات
تعريف الراغب للشفق ناقص . وأجاد الجوهري في قوله « 4/1501 » : « الشفق : بقية ضوء الشمس وحمرتها في أول الليل إلى قريب من العتمة . وقال الخليل : الشفق : الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة ، فإذا ذهب قيل غاب الشفق . وقال الفراء : سمعت بعض العرب يقول : عليه ثوب كأنه الشفق ، وكان أحمر » .
وقال الخليل « 5/44 » : « الشفق : الردئ من الأشياء وقلما يجمع . وأشفقت : أي جئت به شفقاً . والشفق والشفقة : أن يكون الناصح من النصح خائفاً على المنصوح ، وأشفقت عليه أن يناله مكروه . والشفيق : الناصح الحريص على صلاح المنصوح . وقوله تعالى : إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ، أي خائفين من هذا اليوم » .
شَفَا- شفا البئر - شفا جرف - شفاءٌ -
شَفَا البئر وغيرها : حَرْفُهُ ، ويضرب به المثل في القرب من الهلاك . قال تعالى : عَلى شَفا جُرُفٍ « التوبة : 109 » وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ « آل عمران : 103 » وأَشْفَى فلان على الهلاك ، أي حصل على شفاه ، ومنه استعير : ما بقي من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 473 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كذا إلا شَفاً ، أي قليل كشفا البئر . وتثنية شفا شَفَوَانِ ، وجمعه أَشْفَاءٌ .
والشِّفَاءُ من المرض : موافاة شفا السلامة ، وصار إسماً للبرء . قال في صفة العسل : فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ « النحل : 69 » وقال في صفة القرآن : هُدىً وَشِفاءٌ « فصلت : 44 » وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ « يونس : 57 » وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ « التوبة : 14 » .
شَقَّ - شِقاق - شقائق - شُقة - انشق - شقاق - شقائق - شقشقة - شقوق
الشَّقُّ : الخَرْم الواقع في الشئ . يقال : شَقَقْتُهُ بنصفين . قال تعـالى : ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا « عبس : 26 » يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً « قاف : 44 » وَانْشَقَّتِ السَّــماءُ « الحـاقة : 16 » إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ « الإنشقاق : 1 » وَانْشَقَّ الْقَمَرُ « القمر : 1 » .
وقيل : انْشِقَاقُهُ في زمن النبي عليه الصلاة والسلام . وقيل : هو انْشِقَاقٌ يعرض فيه حين تقرب القيامة . وقيل معناه : وضح الأمر . والشِّقَّةُ : القطعة المُنْشَقَّةُ كالنصف ، ومنه قيل : طار فلان من الغضب شِقَاقًا ، وطارت منهم شِقَّةٌ ، كقولك : قطع غضباً . والشِّقُّ : المشَقَّةُ والإنكسار الذي يلحق النفس والبدن ، وذلك كاستعارة الإنكسار لها . قال عز وجل : لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ « النحل : 7 » .
والشُّقَّةُ : الناحية التي تلحقك المشقة في الوصول إليها ، قال : بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ « التوبة : 42 » .
والشِّقَاقُ : المخالفة ، وكونك في شِقٍّ غير شِقِ صاحبك ، أو من : شَقَّ العصا بينك وبينه . قال تعالى : وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما « النساء : 35 » فَإنما هُمْ فِي شِقاقٍ « البقرة : 137 » أي مخالفة . لايَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي « هــود : 89 » وَإن الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ « البــقرة : 176 » مَنْ يُشـاقِقِ الله وَرَسُولَهُ « الأنفال : 13 » أي صار في شقٍّ غير شق أوليائه ، نحو : مَنْ يُحـادِدِ الله « التوبة : 63 » ونحوه : وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ « النساء : 115 » ويقال : المال بينهما شق الشعرة ، وشَقَّ الأبلمة ، أي مقسوم كقسمتهما ، وفلان شِقُّ نفسي ، وشَقِيقُ نفسي ، أي كأنه شق مني لمشابهة بعضنا بعضاً .
وشَقَائِقُ النعمان : نبتٌ معروف . وشَقِيقَةُ الرَّمل : ما يُشَقَّقُ . والشَّقْشَقَةُ : لهاة البعير لما فيه من الشق . وبيده شُقُوقٌ ، وبحافر الدابة شِقَاقٌ . وفرس أَشَقُّ : إذا مال إلى أحد شِقَّيْهِ .
والشُّقَّةُ : في الأصل نصف ثوب ، وإن كان قد يسمَّى الثوب كما هو شُقَّةً .
ملاحظات
تعريفه الشَّق بالخَرْم غير دقيق ، لأن شَقَّ الأرض يتبادر منه القطع في العمق وفيه طول ، أو هو أبرز أفراده . بينما أبرز أفراد الخَرْم : الثَّقْب ، ويكون في العمق وليس فيه طول أو عرض كبير . تقول : خُرْمُ الإبرة ، وخُرْمُ الأنف ، وخرم الخُزَامة . وتقول : لا أشق عليك ، أي لا أجعل عليك مشقة .
والشقشقة بكسر الشين : تشبه الرئة تخرج من فم البعير عند غضبه . ووصف بها أمير المؤمنين عليه السلام خطبته التي طلب منه ابن عباس أن يواصلها ، فقال له : هيهات يا ابن عباس ، تلك شقشقة هدرت ثم قرت . فسميت الخطبة الشقشقية .
كما عرَّف الراغب الشِّقَاق بمجرد المخالفة ، لكنه مخالفة شديدة وخصومة قد يكون معها عداء ومحاربة . واستعمل القرآن مشاقة الكفار للرسول صلى الله عليه وآله : وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا . وقال : فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبوُا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 474 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
شَقَا -شقيَ - شقاءً - شِقوة - شقاوة
الشَّقَاوَةُ : خلاف السعادة ، وقد شَقِيَ يَشْقَى شَقْوَةً وشَقَاوَةً وشَقَاءً . وقرئ شِقْوَتُنا وشَقَاوَتُنَا . فَالشِّقْوَةُ كالرِّدَّة .
والشَّقَاوَةُ : كالسعادة من حيث الإضافة ، فكما أن السعادة في الأصل ضربان : سعادة أخروية ، وسعادة دنيوية ، ثم السعادة الدنيوية ثلاثة أضرب : سعادة نفسية وبدنية وخارجية ، كذلك الشقاوة على هذه الأضرب ، وهي الشَّقَاوَةُ الأخروية . قال عز وجل : فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى « طه : 123 » وقال : غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا « المؤمنون : 106 » وقرئ : شَقَاوَتُنَا . وفي الدنيوية : فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى « طه : 117 » . قال بعضهم : قد يوضع الشَّقَاءُ موضع التعب نحو : شقيت في كذا ، وكل شَقَاوَةٍ تعب ، وليس كل تعب شقاوة ، فالتعب أعمُّ من الشقاوة .
شَكَّكَ - شَكة - شِكة
الشَّكُّ : اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما ، وذلك قد يكون لوجود أمارتين متساويتين عند النقيضين ، أو لعدم الأمارة فيهما . والشَّكُّ ربما كان في الشئ هل هو موجود أو غير موجود ، وربما كان في جنسه من أي جنس هو ، وربما كان في بعض صفاته ، وربما كان في الغرض الذي لأجله أوجد .
والشَّكُّ : ضرب من الجهل ، وهو أخصُّ منه ، لأن الجهل قد يكون عدم العلم بالنقيضين رأساً ، فكل شَكٍّ جهل وليس كل جهل شكّاً ، قال الله تعالى : وَإنهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ « هود : 110 » بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ « الدخان : 9 » فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ « يونس : 94 » . واشتقاقه إما من شَكَكْتُ الشئ أي خرقته ، قال :
وَشَكَكْتُ بِالرُّمْحِ الْأَصَمِّ ثِيَابَه
َيْسَ الكريمُ على القَنَا بِمُحَرَّمِ
فكأن الشَّكَّ الخرق في الشئ ، وكونه بحيث لا يجد الرأي مستقراً يثبت فيه ويعتمد عليه . ويصح أن يكون مستعاراً من الشَّكِّ ، وهو لصوق العضد بالجنب وذلك أن يتلاصق النقيضان فلامدخل للفهم والرّأي ، لتخلل ما بينهما .
ويشهد لهذا قولهم : التبس الأمر واختلط وأشكل ، ونحو ذلك من الإستعارات .
والشِّكَّةُ : السلاح الذي به يُشَك ، أي يفصل .
ملاحظات
1 . يقصد بقوله إن الشك « اعتدال النقيضين » تساوي طرفي الإحتمال ، فإن زاد احتمال أحدهما كان ظناً ، وكان ما يقابله وهماً . فإن زاد أحد الطرفين حتى انتفى ما يقابله كان علماً أو يقيناً . أما لماذا سمي شكاً ، فقال ابن فارس إنه مأخوذٌ من شك اللحم بالسفود ، والشك بالرمح « 3/173 » .
والصحيح أنه مأخوذٌ من قولهم : شك في صدري ، أو حاك في صدري ، أو حكَّ في صدري ، كأن الإحتمال شئ يشك في الصدر لأنه لايصل الى يقين . قال ابن فارس « 2/19 » : « ويقال حَكَّ في صدري كذا ، إذا لم ينشرح صدرك له ، كأنه شئ شك صدرك » .
2 . استعمل القرآن تعبير : في شك منه ، خمس عشرة مرة ، ووصف الشك في عدة آيات بأنه مريب ، فدل على أن الشك أعم من الشك المجرد . فشك المشركين بالقرآن مثلاً ، بعضه مجرد ، وبعضه معه ريب بأن النبي صلى الله عليه وآله كتبه !
أما الشاكي في سلاحه فمأخوذٌ من شكاية ثقله ، وليس من الشك في الصدر أو شك السفود .
شَكَرَ - شَكِرة - شُكر - شَكور
الشُّكْرُ : تصور النعمة وإظهارها ، قيل : وهو مقلوب عن الكشر أي الكشف ، ويضاده الكفر ، وهو : نسيان النعمة وسترها . ودابة شكور : مظهرة بسمنها إسداء صاحبها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 475 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إليها ، وقيل أصله من : عَيْنٍ شَكْرَى ، أي ممتلئة . فَالشُّكْرُ : على هذا هو الإمتلاء من ذكر المنعم عليه . والشُّكْرُ ثلاثة أضرب : شُكْرُ القلب : وهو تصور النعمة . وشُكْرُ اللسان : وهو الثناء على المنعم . وشُكْرُ سائر الجوارح : وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقه .
وقوله تعالى : اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً « سبأ : 13 » فقد قيل شكراً انتصب على التمييز ومعناه : إعملوا ما تعملونه شكراً لله . وقيل : شكراً مفعول لقوله اعملوا ، وذكر اعملوا ولم يقل أشكروا لينبه على التزام الأنواع الثلاثة من الشكر بالقلب واللسان وسائر الجوارح . قـال : اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ « لقمان : 14 » وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ « آل عمران : 145 » وَمَنْ شَكَرَ فَإنما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ « النمل : 40 » .
وقوله : وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ « سبأ : 13 » ففيه تنبيهٌ [على] أن توفية شكر الله صعب ، ولذلك لم يثن بالشكر من أوليائه إلا على اثنين ، قال في إبراهيم عليه السلام : شاكِراً لِأَنْعُمِهِ « النحل : 121 » وقال في نوح : إنهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً « الإسراء : 3 » . وإذا وصف الله بالشّكر في قوله : وَاللَّه شَكُورٌ حَلِيمٌ « التغابن : 17 » فإنما يعنى به إنعامه على عباده ، وجزاؤه بما أقاموه من العبادة .
ويقال : ناقة شَكِرَةٌ : ممتلئة الضرع من اللبن . وقيل : هو أَشْكَرُ من بروق ، وهو نبت يخضر ويتربى بأدنى مطر . والشَّكْرُ : يكنى به عن فرج المرأة وعن النكاح ، قال بعضهم : أإن سَأَلَتْكَ ثَمَنَ شُكْرِهَا وَشِبْرَكَ ، أنشأتَ تُطِلُّهَا !
والشَّكِيرُ : نبت في أصل الشجرة غض ، وقد شَكَرَتِ الشجرةُ : كَثُرَ غصنها .
ملاحظات
1 . تعريف الراغب للشكر ضعيف ، وليته قال : الشكر هو الإقرار لله بالنعمة وحمده عليها . ولا يصح تفسيره بكَشَف ، ولا أن يكون مقلوباً عن كَشَر ، بمعنى ضحك ، فهو رأي مضحك !
2 . الحمد والشكر في القرآن واسعان ، وردا في عشرات الآيات ، ولم يذكر الراغب الفرق بينهما ، فالشكر يكون على نعمة على الشاكر أو من يتعلق به ، والحمد على كل النعم . والحمد باللسان وحده ، والشكر باللسان وبالجوارح .
شَكَسَ - مشاكس -متشاكسون
الشَّكْسُ : السَّيِّئ الخلق . وقوله تعالى : شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ « الزمر : 29 » أي متشاجرون لِشِكَاسَةِ خُلُقِهِمْ .
شَكَلَ - مشاكلة - شكال - إشكال
المُشَاكَلَةُ : في الهيئة والصورة ، والند في الجنسية ، والشبه في الكيفية . قال تعالى : وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ « صاد : 58 » أي مثله في الهيئة وتعاطي الفعل .
والشِّكْلُ : قيل هو الدَّلُّ ، وهو في الحقيقة الأنس الذي بين المتماثلين في الطريقة ، ومن هذا قيل : الناس أَشْكَالٌ وأُلَّاف ، وأصل المُشَاكَلَةُ من الشَّكْل ، أي تقييد الدابة ، يقال شَكَلْتُ الدابةَ . والشِّكَالُ : ما يقيد به ، ومنه استعير : شَكَلْتُ الكتاب كقوله : قيدته ، ودابة بها شِكَالٌ : إذا كان تحجيلها بإحدى رجليها وإحدى يديها كهيئة الشِّكَالِ . وقولـه : قُلْ كل يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ « الإسراء : 84 » أي على سجيته التي قيدته ، وذلك أن سلطان السجية على الإنسان قاهر ، حسبما بينت في الذريعة إلى مكارم الشريعة وهذا كما قال عليه السلام : كلٌّ مُيَسَّرٌ لما خلق له .
والْأَشْكِلَةُ : الحاجة التي تقيد الإنسان . والْإِشْكَالُ في الأمر : استعارة ، كالإشتباه من الشبه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 476 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
قال الله تعالى : قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً . وقال اللغويون أصل الشاكلة في اللغة : الخاصرة . « الصحاح : 5/1736 » . وقال المفسرون : معنى الشاكلة في الآية : يعمل على طريقته ، وطبيعته ، وخليقته ، وجديلته ، وناحيته ، وسجيته ، وأخلاقه ، ودينه ، ومذهبه . . الخ . وفسرها أئمتنا عليه السلام بأنها الشكل الذي تأخذه النية في نفس الإنسان فيطابقه الفعل ، والشاكلة بصيغة الصفة المشبهة تعني أنها الشكل الذي قد تَكَوَّنَ واستقرَّ في النفس . قال الإمام الصادق عليه السلام : « إنما خُلِّدَ أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خُلِّدُوا فيها أن يعصوا الله أبداً ! وإنما خُلِّدَ أهل الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبداً . فبالنيات خُلِّدَ هؤلاء وهؤلاء ثم تلا قوله تعالى : قُلْ كُلٌّ يَعْمَـلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ . قــال : على نيته » . « الكافي : 2/85 » . وقال عليه السلام : « والنية أفضل من العمل . ألا وإن النية هي العمل . ثم تلا قوله عز وجل : قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ . يعني على نيته » . « الكافي : 2/16 » . فمعنى شاكلته : الشكل الذي شَكَّلَهُ وصنعه بنيته .
شَكَا - شكوى - شكاية - شكاة - أشكاه
الشَّكْوُ والشِّكَايَةُ والشَّكَاةُ والشَّكْوَى : إظهار البث ، يقال : شَكَوْتُ واشْتَكَيْتُ . قال تعالى : أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله « يوسف : 86 » وقــال : وَتَشْتَكِي إِلَى الله « المجادلة : 1 » وأَشْكَاهُ أي يجعل له شكوى ، نحو : أمرضه . ويقال : أَشْكَاهُ ، أي أزال شكايته . وروي : شكونا إلى رسول الله حرَّ الرمضاء في جباهنا وأكفِّنا فلم يُشْكِنا .
وأصل الشَّكْوِ : فتح الشَّكْوَةِ وإظهار ما فيه ، وهي سقاء صغير يجعل فيه الماء ، وكأنه في الأصل استعارة ، كقولهم : بثثت له ما في وعائي ، ونفضت ما في جرابي : إذا أظهرت ما في قلبك . والمِشْكَاةُ : كُوَّةٌ غير نافذة . قال تعالى : كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ « النور : 35 » وذلك مثل القلب ، والمصباح مثل نور الله فيه .
شَمِتَ - شملتة - شامت - شوامت
الشَّمَاتَةُ : الفرح ببلية من تعاديه ويعاديك ، يقال : شَمِتَ به فهو شَامِتٌ ، وأَشْمَتَ الله به العدو . قال عز وجل : فَلا تُشْمِتْ بِيَ الإعداءَ « الأعراف : 150 » . والتشْمِيتُ : الدعاء للعاطس ، كأنه إزالة الشماتة عنه بالدعاء له ، فهو كالتمريض في إزالة المرض ، وقول الشاعر :
[فارتاعَ مـــن صـــوت كَلَّابٍ فبــاتَ لهُ
طَوْعَ الشوامِتِ من خَوْفٍ ومن صَرَدِ ] .
أي على حسب ما تهواه اللاتي تَشْمَتُ به ، وقيل : أراد بِالشَّوَامِتِ : القوائم ، وفي ذلك نظر ، إذ لا حجة له في هذا البيت .
ملاحظات
لم يرد التشميت في القرآن ، والدعاء للعاطس تسميت وقد يقلب السين شيناً ، ولا علاقة للعطاس بالشماته !
شَمَخَ - شامخات
قال الله عز وجل : رَواسِيَ شامِخاتٍ « المرسلات : 27 » أي عاليات ، ومنه : شَمَخَ بأنفه عبارة عن الكبر .
شَمأز - إشمئزازاً
قال الله تعالى : اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ « الزمر : 45 » أي نَفَرَتْ .
شَمَسَ - أشمس - شماساً
الشَّمْسُ : يقال للقرصة وللضوء المنتشرعنها ، وتجمع على شُمُوسٍ . قال تعالى : وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها « يس : 38 » وقال : الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ « الرحمن : 5 » . وشَمِسَ يومَنا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 477 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأَشْمَسَ : صار ذا شَمْسٍ . وشَمَسَ فلان شِمَاساً : إذا ندَّ ولم يستقرّْ ، تشبيهاً بالشمس في عدم استقرارها .
شَمَلَ - شمال - اشتمال - شملة - شُمول - مشتمل - شمأل - شَمول
الشِّمَالُ : المقابل لليمين . قال عز وجل : عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ « ق : 17 » ويقال للثوب الذي يغطى به : الشِّمَالُ ، وذلك كتسمية كثير من الثياب باسم العضو الذي يستره ، نحو تسمية كُمِّ القميص يداً ، وصدره وظهره صدراً وظهراً ، ورجل السراويل رجلاً . ونحو ذلك .
والِاشْتِمَالُ بالثوب : أن يلتفّ به الإنسان فيطرحه على الشمال . وفي الحديث : نهى عن اشْتِمَالِ الصماء . والشَّمْلَةُ والْمِشْمَلُ : كساء يشتمل به مستعار منه . ومنه : شَمَلَهُمُ الأمر ، ثم تجوز بالشمال فقيل : شَمَلْتُ الشاة : علقت عليها شمالاً ، وقيل للخليقة شِمَالٌ ، لكونه مشتملاً على الإنسان اشتمال الشمال على البدن .
والشَّمُولُ : الخمر لأنها تشتمل على العقل فتغطيه ، وتسميتها بذلك كتسميتها بالخمر لكونها خامرة له .
والشَّمَالُ : الريح الهابَّة من شمال الكعبة . وقيل في لغة : شَمْأَلٌ ، وشَامَلٌ ، وأَشْمَلَ الرجل من الشمال ، كقولهم : أجنب من الجنوب . وكُنِّيَ بِالْمِشْمَلِ عن السَّيف ، كما كُني عنه بالرداء ، وجاء مُشْتَمِلًا بسيفه ، نحو مرتدياً به ومتدرعاً له ، وناقة شِمِلَّةٌ وشِمْلَالٌ : سريعة كالشَّمال ، وقول الشاعر :
وَلَتَعْرِفَنَّ خَلائقاً مَشْمُولَةً
ولَتَنْدَمَنَّ وَلَاتَ سَاعَةَ مَنْدَمِ
قيل : أراد خلائق طيبة ، كأنها هبت عليها شمال فبردت وطابت .
ملاحظات
لا يصح قول الراغب إن الثوب سمي الشمال لأنه يستر عضوه الشمال مقابل اليمين ، بل هو من الشمول والإستيعاب ، يقال اشتمل الثوب أي لف نفسه به وشمله الثوب . على أن الشملة لا يجب أن تلف كل البدن بل تقال للإزار الذي يستر العورة ونحوه ، وقد عيَّر خالد بن الوليد عمر بقوله : « هلم إليَّ يا ابن أم شملة » . « ابن حبان : 2 / 170 » . قال الخليل « 6/233 » : « الشملة : مصدر من اشتمل بثوب يديره على جسده كله ، لا يخرج منه يده » .
شَنَأَ - شناناً - شنوءة - شانئك
شَنِئْتُهُ : تَقَذَّرْتُهُ بُغْضَاً له ، ومنه اشتقَّ أَزْدُ شَنُوءَةَ . وقوله تعالى : لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ « المائدة : 8 » أي بغضهم ، وقرئ : شَنْأَنُ فمن خَفَّفَ أراد بغيض قوم ، ومن ثقل جعله مصدراً . ومنه : إن شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ « الكوثر : 3 » .
ملاحظات
الشنآن : البغض ، وزاد فيه الراغب الإستقذار ولم يذكره أحد من اللغويين . وأخذ تعريفه من ابن فارس ، فتخيل أن كل شنآن فيه تقزز وتقذر ، لكنك قد تبغض شيئاً ولا تتقزز منه . قال ابن فارس « 3/217 » : « شنأ : أصل يدل على البغضة والتجنب للشئ . من ذلك الشنوءة وهي التقزز ، ومنه اشتقاق أزد شنوءة . ويقال شنئ فلان فلاناً إذا أبغضه وهو الشنآن ، وربما خففوا فقالوا الشنان » .
شَهَبَ - شهاب - شهبة - شهباء
الشِّهَابُ : الشُّعلة السَّاطعة من النار الموقدة ، ومن العارض في الجو ، نحو : فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ « الصافات : 10 » شِهابٌ مُبِينٌ « الحجر : 18 » شِهاباً رَصَداً « الجن : 9 » . والشُّهْبَةُ : البياض المختلط بالسواد ، تشبيهاً بالشهاب المختلط بالدخان ، ومنه قيل : كتيبة شَهْبَاءُ : اعتباراً بسواد القوم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 478 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وبياض الحديد .
شَهِدَ - تشهد - شهيد - مشاهد - شهادة - شهداء - شهود
الشُّهُودُ والشَّهَادَةُ : الحضور مع المشاهدة ، إما بالبصر ، أو بالبصيرة ، وقد يقال للحضور مفرداً . قال الله تعالى : عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ « السجدة : 6 » . لكن الشهود بالحضور المجرد أولى ، والشهادة مع المشاهدة أولى . ويقال للمحضر : مَشْهَدٌ ، وللمرأة التي يحضرها زوجها : مُشْهِدٌ . وجمع مَشْهَدٍ مَشَاهِدُ . ومنه مَشَاهِدُ الحج ، وهي مواطنه الشريفة التي يحضرها الملائكة والأبرار من الناس . وقيل : مَشَاهِدُ الحج : مواضع المناسك . قال تعالى : لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ « الحج : 28 » وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما « النور : 2 » ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ « النمل : 49 » أي مــا حضرنا . وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ « الفرقان : 72 » أي لا يحضرونه بنفوسهم ولا بهمهم وإرادتهم .
والشَّهَادَةُ : قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر . وقوله : أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ « الزخرف : 19 » يعني مُشَاهَدَةِ البصر . ثم قال : سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ « الزخرف : 19 » تنبيهاً [على] أن الشهادة تكون عن شُهُودٍ . وقوله : لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ الله وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ « آل عمران : 70 » أي تعلمون . وقوله : ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ « الكهف : 51 » أي ما جعلتهم ممن اطلعوا ببصيرتهم على خلقها ، وقوله : عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ « السجدة : 6 » أي ما يغيب عن حواس الناس وبصائرهم وما يشهدونه بهما .
وشَهِدْتُ : يقال على ضربين ، أحدهما : جار مجرى العلم وبلفظه تقام الشهادة ، ويقال : أَشْهَدُ بكذا . ولايُرضى من الشاهد أن يقول أعلم ، بل يحتاج أن يقول : أشهد . والثاني : يجري مجرى القسم ، فيقول : أشهد بالله أن زيداً منطلق ، فيكون قَسَماً . ومنهم من يقول : إن قال أشهد ولم يقل بالله ، يكون قَسَماً .
ويجري عَلِمْتُ مجراه في القسم فيجاب بجواب القسم ، نحو قول الشاعر :
ولقد علمتُ لَتَأْتِيَنَّ مَنِيَّتِي
ويقال : شَاهِدٌ وشَهِيدٌ وشُهَدَاءُ ، قال تعالى : وَلايَأْبَ الشُّهَداءُ « البقرة : 282 » قال : وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ « البقرة : 282 » ويقال : شَهِدْتُ كذا أي حضرته ، وشَهِدْتُ على كذا . قال : شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ « فصلت : 20 » .
وقد يعبر بالشهادة عن الحكم نحو : وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها « يوسف : 26 » . وعن الإقرار نحو : وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِالله « النـور : 6 » إن كان ذلك شَهَادَةٌ لنفسه .
وقوله : وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا « يوسف : 81 » أي ما أخبرنا . وقال تعالى : شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ « التوبة : 17 » أي مقرين . لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا « فصلت : 21 » وقوله : شَهِدَ اللهُ إنهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ « آل عمران : 18 » فشهادة الله تعالى بوحدانيته هي إيجاد ما يدل على وحدانيته في العالم ، وفي نفوسنا كما قال الشاعر :
ففــي كــلِّ شئٍ لـهُ آيةٌ
تَــدُلُّ عـلى أنـهُ واحدُ
قال بعض الحكماء : إن الله تعالى لما شهد لنفسه كان شهادته أن أنطق كل شئ كما نطق بالشهادة له . وشهادة الملائكة بذلك هو إظهارهم أفعالاً يؤمرون بها ، وهي المدلول عليها بقوله : فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً « النازعات : 5 » .
وشهادة أولي العلم اطَّلاعهم على تلك الحِكم وإقرارهم بذلك . وهذه الشهادة تختص بأهل العلم ، فأما الجهال فمبعدون منها ، ولذلك قال في الكفار : ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلاخَلْقَ أَنْفُسِهِمْ « الكهف : 51 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 479 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وعلى هذا نبَّه بقوله : إنما يَخْشَى الله مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ « فاطر : 28 » وهؤلاء هم المعنيون بقوله : وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ « النساء : 69 » .
وأما الشَّهِيدُ : فقد يقال لِلشَّاهِدِ ، والمُشَاهِدِ للشئ ، وقوله : مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ « ق : 21 » أي من شهد له وعليه ، وكذا قوله : فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كل أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً « النساء : 41 » .
وقولـه : أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ « ق : 37 » أي يشهدون ما يسمعونه بقلوبهم على ضد من قيل فيهم : أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ « فصلت : 44 » .
وقوله : أَقِمِ الصَّلاةَ ، إلى قوله : مَشْهُوداً ، أي يشهد صاحبه الشفاء والرحمة والتوفيق والسكينات والأرواح المذكورة في قوله : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ « الإسراء : 82 » . وقوله : وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ « البقرة : 23 » فقد فسَّر بكل ما يقتضيه معنى الشهادة ، قال ابن عباس : معناه أعوانكم ، وقال مجاهد : الذين يشهدون لكم ، وقال بعضهم : الذين يعتدُّ بحضورهم ولم يكونوا كمن قيل فيهم :
مخلَّفـــــونَ ويقضـــــي الله أمْرَهُــــمُ
وهمْ بغَيْبٍ وفي عَمْيَــــاءَ مَا شَــــعَرُوا
وقد حمل على هذه الوجوه قوله : وَنَزَعْنا مِنْ كل أُمَّةٍ شَهِيداً « القصص : 75 » وقولـه : وَإنهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ « العاديات : 7 » إنهُ عَلى كل شَئ شَهِيدٌ « فصلت : 53 » وَكَفى بِالله شَهِيداً « النســاء : 79 » فإشارة إلى قوله : لا يَخْفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَئ « غافـــر : 16 » . وقــوله : يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى « طه : 7 » ونحو ذلك مما نبه على هذا النحو .
والشَّهِيدُ : هو المحتضرفتسميته بذلك لحضور الملائكة إياه ، إشارة إلى ما قال : تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا . . الآية « فصلت : 30 » قال : وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ « الحديد : 19 » . أو لأنهم يَشْهَدُونَ في تلك الحالة ما أعد لهم من النعيم ، أو لأنهم تشهد أرواحهم عند الله كما قــال : وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُـــوا فِي سَبِيلِ الله أَمْواتــاً بَلْ أَحْيـاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمــا آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ « آل عمران : 169 » . وعلى هذا دل قوله : وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ . وقوله : وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ « البروج : 3 » قيل : الْمَشْهُودُ يوم الجمعة ، وقيل : يوم عرفة ، ويوم القيامة . وشَاهِدٌ : كل من شهده . وقوله : يَوْمٌ مَشْهُودٌ « هود : 103 » أي مُشَاهَد تنبيهاً [على] أن لا بد من وقوعه .
والتشَهُّدُ : هو أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله . وصار في التعارف إسماً للتحيات المقروءة في الصلاة ، وللذكر الذي يقرأ ذلك فيه .
ملاحظات
المعنى المتبادر لشهادة الملائكة وأولي العلم بوحدانية الله تعالى ، إدراكهم لها بيقين وشهادتهم بها . لكن الراغب جعلها شهادةً عن حِسٍّ ، لأن الله أشهدهم خلق السماوات والأرض ! قال : « وهذه الشهادة تختص بأهل العلم ، فأما الجهال فمبعدون منها ، ولذلك قال في الكفار : ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » . ففسر أشهدتهم بأحضرتهم ، على مذهب المتصوفة الذين قالوا إن قوله تعـالى : شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَــهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُـــو الْعِلْمِ قَائِمًـا بِالْقِسْطِ . يعني أن الله أشهد الملائكة وأولي العلم خلق السماوات ، وفسروا أولي العلم بأنفسهم ! وجعلوا نفيه تعالى إشهاد إبليس وذريته خلق السماوات والأرض ، إثباتاً لإشهادهم غيرهم . ولو صح أنه تعالى أشهد أحداً من خلقه لكان محمداً وعترته صلى الله عليه وآله فهم أفضل خلقه . وبحث ذلك خارج عن موضوعنا .
كما لا يصح حصره معنى : وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ، بأنهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 480 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لا يحضرونه بأنفسهم ولا بإرادتهم . بل هو الشهادة به ويشمل حضوره .
شَهَرَ - مشاهرة - اشتهر
الشَّهْرُ : مدة مَشْهُورَةٌ بإهلال الهلال ، أو باعتبار جزء من اثني عشر جزءً من دوران الشمس من نقطة إلى تلك النقطة . قـال تعالى : شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ « البقرة : 185 » فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ « البقرة : 185 » الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ « البقرة : 197 » إن عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ الله اثْنا عَشَرَ شَهْراً « التوبة : 36 » فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ « التوبة : 2 » .
والمُشَاهَرَةُ : المعاملة بالشهوركالمسانهة والمياومة .
وأَشْهَرْتُ بالمكان : أقمت به شهراً . وشُهِرَ فلان واشْتُهِرَ : يقال في الخير والشر .
ملاحظات
أخذه من ابن فارس قال « 3/222 » : « شهر : أصل صحيح يدل على وضوح في الأمر وإضاءة ، من ذلك الشهر ، وهو في كلام العرب الهلال ، ثم سمي كل ثلاثين يوماً باسم الهلال فقيل : شهر » . ولم يذكر الراغب : شهر سيفه ، وأمر مشهور ، وذكرهما ابن فار س والخليل .
شَهَقَ - شاهق - شهيق
الشَّهِيقُ : طول الزفير ! وهو رد النَّفَس ، والزَّفير : مَدُّهُ « إخراجه » قال تعالى : لَهُمْ فِيها زَفِيـرٌ وَشَهِيقٌ « هود : 106 » سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً « الفرقـان : 12 » وقال تعالى : سَمِعُوا لَها شَهِيقاً « الملك : 7 » وأصله من جبل شَاهِقٍ . أي متناهي الطول .
شَهَا- شهوة - مشتهى - اشتهي - شهوان
أصل الشَّهْوَةِ : نزوع النفس إلى ما تريده ، وذلك في الدنيا ضربان : صادقة ، وكاذبة ، فالصادقة : ما يختل البدن من دونه كشهوة الطعام عند الجوع ، والكاذبة : ما لا يختلُّ من دونه . وقد يسمى المُشْتَهَى شهوةً ، وقد يقال للقوة التي تَشْتَهِي الشئ شهوةً . وقوله تعالى : زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ « آل عمران : 14 » يحتمل الشهوتين . وقوله : اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ « مريم : 59 » فهذا من الشهوات الكاذبة . ومن المُشْتَهِيَاتِ المستغنى عنها .
وقوله في صفــة الجنة : وَلَكُمْ فِيهـا مـا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ « فصلت : 31 » وقوله : فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ « الأنبياء : 102 » .
وقيل : رجل شَهْوَانٌ ، وشَهَوَانِيٌّ ، وشئ شَهِيٌّ .
شَوْبٌ
الشَّوْبُ : الخلط . قال الله تعالى : لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ « الصافات : 67 » وسُمِّيَ العسل شَوْباً ، إما لكونه مزاجاً للأشربة ، وإما لما يختلط به من الشمع . وقيل : ما عنده شَوْبٌ ولا رَوْب ، أي عسل ولبن .
شَيَبَ - مشيب - اشتعل شيباً
الشَّيْبُ والْمَشِيبُ : بياض الشعر . قال تعالى : وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً « مريم : 4 » وباتت المرأة بليلة شَيْبَاءَ : إذا افتضت ، وبليلة حرة : إذا لم تفتض .
شَيَخَ - سيخوخة
يقال لمن طعن في السِّن : الشَّيْخُ ، وقد يعبر به فيما بيننا عمن يكثر علمه ، لما كان من شأن الشَّيْخِ أن تكثر تجاربه ومعارفه . ويقال : شَيْخٌ بيِّن الشَّيْخُوخَةُ والشِّيخ والتشْيِيخُ . قال الله تعالى : هذا بَعْلِي شَيْخاً « هود : 72 » وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ « القصص : 23 » .
شَيَدَ - مشيد - إشادة - شِيد - إشادة
قال عز وجل : وَقَصْـرٍ مَشِيدٍ « الحج : 45 » أي مبنيٍّ بِالشِّيدِ « الجص وشبهه » وقيل : مُطَوَّل ، وهو يرجع إلى الأول . ويقال : شَيَّدَ قواعده : أحكمها كأنه بناها بِالشِّيدِ . والْإِشَادَةُ : عبارة عن رفع الصوت .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 481 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
شَوَرَ- شوار - تشاور - شورى
الشُّوَارُ : ما يبدو من المتاع ، ويُكَنَّى به عن الفرج ، كما يكنى به عن المتاع ، وشَوَّرْتُ به : فعلت به ما خجلته ، كأنك أظهرت شَوْرَهُ ، أي فرجه . وشِرْتُ العسل وأَشَرْتُهُ أخرجته ، قال الشاعر :
وَحَديثٌ مِثْلُ مَاذِيٍّ مُشَارِ
وشِرْتُ الدابة : استخرجت عدوه تشبيهاً بذلك ، وقيل : الخطب مِشْوَارٌ كثير العثار . والتشَاوُرُ والمُشَاوَرَةُ والْمَشُورَةُ : استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض ، من قولهم : شِرْتُ العسل : إذا اتخذته من موضعه ، واستخرجته منه . قال الله تعالى : وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ « آل عمـران : 159 » والشُّورَى : الأمر الذي يُتَشَاوَرُ فيه . قال : وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ « الشوري : 38 » .
شَيَطَ - شاط - شيطان
الشَّيْطَانُ . قد تقدم ذكره .
شَوَظَ - شواظ
الشُّوَاظُ : اللهب الذي لا دخان فيه . قال تعالى : شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ . « الرحمن : 35 » .
شَيَعَ - شاع - شيعة - شياع - أشياع
الشِّيَاعُ : الإنتشار والتقوية . يقال : شاع الخبر ، أي كثر وقوي ، وشَاعَ القوم : انتشروا وكثروا ، وشَيَّعْتُ النار بالحطب : قويتها . والشِّيعَةُ : من يتقوى بهم الإنسان وينتشرون عنه ، ومنه قيل للشجاع : مَشِيعٌ ، يقال : شِيعَةٌ وشِيَعٌ وأَشْيَاعٌ .
قال تعالى : وَإن مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ « الصافات : 83 » هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ « القصص : 15 » وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً « القصص : 4 » فِي شِيَعِ الأولينَ « الحجر : 10 » وقال تعالى : وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ « القمر : 51 » .
ملاحظات
قصد الراغب بقوله : « والشِّيعَةُ من يتقوى بهم الإنسان وينتشرون عنه » . أي يَشِيعون أفكاره وينشرونها . وقال الخليل « 2/190 » : « وشيعة الرجل أصحابه وأتباعه . وكل قوم اجتمعوا على أمر ، فهم شيعة » .
وقال ابن الأثير في النهاية « 2/519 » : « أصل الشيعة الفرقة من الناس ، وتقع على الواحد والإثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد . وقد غلب هذا الإسم على كل من يزعم أنه يتولى علياً عليه السلام وأهل بيته حتى صار لهم إسماً خاصاً ، فإذا قيل فلان من الشيعة عرف أنه منهم ، وفي مذهب الشيعة كذا ، أي عندهم . وتجمع الشيعة على شيع . وأصلها من المشايعة وهي المتابعة والمطاوعة » .
أقول : كلمة شيعة بذاتها لا تدل على مدح أو ذم . فقد تستعمل في الممدوحين كقوله تعالى : وَإن مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ . وقول النبي صلى الله عليه وآله : « والذي نفسي بيده ان هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة » « الدر المنثور : 6/379 » . وقد تستعمل في مذمومين كقوله تعالى : وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ .
شَوَكَ - شاكني - ذات الشوكة
الشَّوْكُ : ما يَدُقُّ ويصلب رأسه من النبات ، ويعبر بِالشَّوْكِ والشِّكَةِ عن السلاح والشدة . قال تعالى : غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ « الأنفال : 7 » . وسميت إبرة العقرب شَوْكاً تشبيهاً به . وشجرة شَاكَةٌ وشَائِكَةٌ ، وشَاكَنِي الشَّوْكُ : أصابني . وشَوَّكَ الفرخ : نبت عليه مثل الشوك . وشَوَّكَ ثدي المرأة : إذا انتهد ، وشَوَّكَ البعير : طال أنيابه كالشوك .
شَأَنَ - شؤون
الشَّأْنُ : الحال والأمر الذي يتفق ويصلح ، ولا يقال إلّا فيما يعظم من الأحوال والأمور . قال الله تعالى : كل يَوْمٍ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 482 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
هُوَ فِي شَأْنٍ « الرحمن : 29 » . وشَأْنُ الرّأس : جمعه شَئُونٌ ، وهو الوصلة بين متقابلاته التي بها قوام الإنسان .
ملاحظات
الشأن : أعم من الصغير والكبير ، قال تعالى : وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا . وهو يشمل الصغير والكبير . نعم يستعمل في المهم والكبير فيقال هو ذو شأن وله شأن في بلده .
شَوَى - شواه - شِواه - شاةٌ - شياه
شَوَيْتُ اللّحم واشْتَوَيْتُهُ . قال تعالى : يَشْوِي الْوُجُوهَ « الكهف : 29 » وقال الشاعر :
فَاشْتَوَى ليلةَ ريحٍ وَاجْتَمَلْ
والشَّوَى : الأطراف ، كاليد والرجل . يقال : رماه فَأَشْوَاهُ ، أي أصاب شَوَاهُ . قال تعالى : نَزَّاعَةً لِلشَّوى « المعارج : 16 » . ومنه قيل للأمر الهين : شَوَى ، من حيث إن الشَّوَى ليس بمقتل . والشَّاةُ قيل : أصلها شَاهَةٌ بدلالة قولهم : شِيَاهٌ وشُوَيْهَةٌ .
شَيَأَ - مشيئة
الشَّئ : قيل هو الذي يصح أن يُعلم ويُخبر عنه ، وعند كثير من المتكلمين هو إسم مشترك المعنى إذا استعمل في الله وفي غيره ، ويقع على الموجود والمعدوم . وعند بعضهم الشَّئ : عبارة عن الموجود ، وأصله : مصدر شَاءَ ، وإذا وصف به تعالى فمعناه شَاءَ ، وإذا وصف به غيره فمعناه الْمَشِئ . وعلى الثاني قوله تعالى : قُلِ اللهُ خالِقُ كل شَئ « الرعد : 16 » فهذا على العموم بلا مثنوية إذ كان الشئ ها هنا مصدراً في معنى المفعول .
وقوله : قُلْ أَيُّ شَئ أَكْبَرُ شَهادَة « الأنعام : 19 » فهو بمعنى الفاعل كقوله : فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ « المؤمنون : 14 » . والْمَشِيئَةُ : عند أكثر المتكلمين كالإرادة سواء ، وعند بعضهم : المشيئة في الأصل إيجاد الشئ وإصابته ، وإن كان قد يستعمل في التعارف موضع الإرادة ، فالمشيئة من الله تعالى هي الإيجاد ، ومن الناس هي الإصابة ، قال : والمشيئة من الله تقتضي وجود الشئ ، ولذلك قيل : ما شَاءَ الله كان وما لم يَشَأْ لم يكن . والإرادة منه لا تقتضي وجود المراد لا محالة ، ألا ترى أنه قـال : يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْـرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر « البقرة : 185 » وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ « غافر : 31 » ومعلوم أنه قد يحصل العسر والتظالم فيما بين الناس ، قالوا : ومن الفرق بينهما أن إرادة الإنسان قد تحصل من غير أن تتقدمها إرادة الله ، فإن الإنسان قد يريد أن لا يموت ، ويأبى الله ذلك ، ومشيئته لا تكون إلّا بعد مشيئته ، لقوله : وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ الله « الإنسان : 30 » روي أنه لما نزل قوله : لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ « التكوير : 28 » قال الكفار : الأمر إلينا إن شئنا استقمنا ، وإن شئنا لم نستقم ، فأنزل الله تعالى : وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ .
وقال بعضهم : لولا أن الأمور كلها موقوفة على مشيئة الله تعالى ، وإن أفعالنا معلقة بها وموقوفة عليها ، لما أجمع الناس على تعليق الإستثناء به في جميع أفعالنا نحو : سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ « الصافات : 102 » سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً « الكهف : 69 » يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ « هود : 33 » ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ « يوسف : 69 » قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ « الأعراف : 188 » وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا « الأعراف : 89 » وَلا تَقُولَنَّ لِشَئ إني فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ « الكهف : 24 » .
ملاحظات
قال الإمام الصادق عليه السلام : « خلق الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة » . وقال الإمام الكاظم عليه السلام : « لا يكون شئ في السماوات ولا في الأرض إلا بسبع : بقضاء
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 483 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقدر وإرادة ومشيئة وكتاب وأجل وإذن ، فمن زعم غير هذا فقد كذب على الله ، أو رد على الله عز وجل » . « الكافي : 1/110 و149 » . وتقدم في الإرادة ، وهو بحث غير لُغَوي .
شَيَهَ
شِيَةٌ : أصلها وِشْيَةٌ ، وذلك من باب الواو .
تمَّ كتاب الشين .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 484 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب الصاد وما يتصل بها

ص
يشمل 57 مفردة و 21 ملاحظة
صَبَبَ - صباً - صبابة - صُبَّة - صبيب - تصبصب
صَبُّ الماء : إراقته من أعلى ، يقال : صَبَّهُ فَانْصَبَّ وصَبَبْتُهُ فَتَصَبَّبَ . قال تعالى : إنا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا « عبس : 25 » فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ « الفـجر : 13 » يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ « الحج : 19 » . وصَبَا إلى كذا صبابةً : مالت نفسه نحوه محبة له وخُصَّ إسم الفاعل منه بِالصَّبِّ ، فقيل : فلان صَبٌّ بكذا . والصُّبَّةُ : كالصُّرْمة . والصَّبِيبُ : الْمَصْبُوبُ من المطر ، ومن عصارة الشئ ومن الدم . والصُّبَابَةُ والصُّبَّةُ : البقيّة التي من شأنها أن تصب . وتَصَابَبْتُ الإناء : شربت صُبَابَتَهُ ، وتَصَبْصَبَ : ذهبت صبابته .
صُبْحٌ - صباح - تصبُّح - صبوح - مصباح - مصابيح
الصُّبْحُ والصَّبَاحُ : أول النهار ، وهو وقت مَا احْمَرَّ الأفق بحاجب الشمس . قال تعالى : أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ « هود : 81 » وقال : فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ « الصافات : 177 » والتصَبُّحُ : النوم بالغداة . والصَّبُوحُ : شرب الصباح يقال : صَبَحْتُهُ : سقيته صبوحاً ، والصَّبْحَانُ : المُصْطَبَحُ . والْمِصْبَاحُ : ما يسقى منه ، ومن الإبل ما يبرك فلا ينهض حتى يُصْبَحَ . وما يجعل فيه الْمِصْبَاحُ ، قال : مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ « النور : 35 »
ويقال للسراج مِصْبَاحٌ . والْمِصْبَاحُ : مقرُّ السِّراج . والْمَصَابِيحُ : أعلام الكواكب ، قال تعالى : وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ « الملك : 5 » . وصَبِحْتُهُمْ ماء كذا : أتيتهم به صَبَاحاً . والصُّبْحُ : شدة حمرة في الشعر ، تشبيهاً بالصبح والصباح ، وقيل : صَبُحَ فلان أي وَضُؤَ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 485 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
صَبَرَ - صابر - مصابرة - صبور - صبرَ الدابة - ما أصبرك على الله
الصَّبْرُ : الإمساك في ضيق ، يقال : صَبَرْتُ الدابة : حبستها بلا علف . وصَبَرْتُ فلاناً : خلفته خلفة لا خروج له منها .
والصَّبْرُ : حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع ، أو عما يقتضيان حبسها عنه ، فَالصَّبْرُ لفظ عامٌّ ، وربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه ، فإن كان حبس النفس لمصيبة سمي صبراً لا غير ويُضَادُّهُ الجزع ، وإن كان في محاربة سمي شجاعة ويضادُّه الجبن ، وإن كان في نائبة مضجرة سمي رحب الصدر ويضاده الضجر ، وإن كان في إمساك الكلام سمي كتماناً ويضاده الإذاعة . وقد سمى الله تعالى كل ذلك صبراً ، ونبه عليه بقوله : وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ « البقرة : 177 » وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ « الحج : 35 » وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ « الأحزاب : 35 » .
وسُمِّيَ الصومُ صبراً لكونه كالنوع له ، وقال عليه السلام : صيام شهر الصَّبْرِ وثلاثة أيام في كل شهر يذهب وَجْرَ الصدر .
وقوله تعالى : فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ « البقرة : 175 » قال أبو عبيدة : إن ذلك لغة بمعنى الجرأة ، واحتج بقول أعرابيٍّ قال لخصمه : ما أَصْبَرَكَ على الله ، وهذا تصور مجاز بصورة حقيقة ، لأن ذلك معناه : ما أصبرك على عذاب الله في تقديرك إذا اجترأت على ارتكاب ذلك ، وإلى هذا يعود قول من قال : ما أبقاهم على النار ، وقول من قال : ما أعملهم بعمل أهل النار ، وذلك أنه قد يوصف بالصبر من لا صبر له في الحقيقة اعتباراً بحال الناظر إليه ، واستعمال التعجب في مثله اعتباراً بالخلق لا بالخالق .
وقوله تعالى : إصْبِرُوا وَصابِرُوا « آل عمران : 200 » أي إحبسوا أنفسكم على العبادة وجاهدوا أهواءكم . وقوله : وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ « مريم : 65 » أي تحمل الصبر بجهدك وقوله : أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَـرُوا « الفرقان : 75 » أي بما تحملوا من الصبر في الوصول إلى مرضاة الله . وقوله : فَصَبْرٌ جَمِيلٌ « يوسف : 18 » معناه : الأمر والحث على ذلك .
والصَّبُورُ : القادر على الصبر ، والصَّبَّارُ يقال : إذا كان فيه ضرب من التكلف والمجاهدة ، قـال : إن فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكل صَبَّارٍ شَكُورٍ « الشوري : 33 » . ويعبر عن الإنتظار بالصبر لمَّا كان حق الإنتظار أن لا ينفك عن الصبر ، بل هو نوع من الصبر قـال : فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ « الطور : 48 » أي انتظر حكمه لك على الكافرين .
ملاحظات
1 . عرَّف الراغب الصبر بتعريفين : الإمساك في ضيق ، وحبس النفس على مقتضى الشرع ، وجعله ضد الجزع . وعَرَّفَه الخليل بأنه : نقيض الجزع . ومع أن تعريف الخليل بالنقيض ، لكنه لا يرد عليه الإشكال على تعريفي الراغب ، فهما متفاوتان ، بينهما عموم من وجه ، وكلاهما أخص من الصبر ، فعلى الأول لا يكون الصابر برضاً بدون ضيق صابراً ، وعلى الثاني لا صبر لغير الملتزم بالشرع وقد قال الله تعالى : فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ .
2 . لم يستوف استعمال القرآن للصبر ، وجعل صَابِرُوا مثل إصْبِرُوا ، مع أنها تصبير للآخرين . وفسر آية : فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ، بالحثٌّ على الصبر ، وفسرها الأئمة عليهم السلام بصبرٍ لا شكوى معه . الخ .
3 . استعمل القرآن هذه المادة نحو مائة مرة ، وأمر بالصبر ، واعتبره قيمة عليا ضرورية للإيمان ، وقال النبي صلى الله عليه وآله إن الصبر من الإيمان بمنزلته الرأس من الجسد ! وشملت استعمالاته : صبر الأنبياء ، والصبر أمام المشاكل والأمراض والمعارك ، في البأساء والضراء وحين البأس ، والقدوات من الصابرين ، وحب الله لهم ، ومكانتهم عند الله ، ودخولهم الجنة بغير حساب .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 486 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
صَبَغَ - مصبوغ - صبغة - اصطبغ بالخل
الصَّبْغُ : مصدر صَبَغْتُ . والصِّبْغُ : الْمَصْبُوغُ . وقوله تعالى : صِبْغَةَ الله « البقرة : 138 » إشارة إلى ما أوجده الله تعالى في الناس من العقل المتميز به عن البهائم كالفطرة . وكانت النصارى إذا ولد لهم ولد غمسوه بعد السابع في ماء معمودية يزعمون أن ذلك صِبْغَةٌ فقال تعالى له ذلك ، وقال : وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً « البقرة : 138 » .
وقال : وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ « المؤمنـون : 20 » أي أَدَم ٌلهم ، وذلك من قولهم : اصْطَبَغْتُ بالخلّ .
صَبَا - صبي - صبيان - صابئ - صابئين
الصَّبِيُّ : من لم يبلغ الحلم ، ورجل مُصْبٍ : ذو صِبْيَانٍ . قال تعالى : قالُوا كَيْفَ نُكلمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا « مريم : 29 » . وصَبَا فلان ، يَصْبُو صَبْواً وصَبْوَةً : إذا نزع واشتاق ، وفعل فعلَ الصِّبْيَانِ . قال : أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ « يوسف : 33 » وأَصْبَانِي فصبوت .
والصَّبَا : الرّيح المستقبل للقبلة . وصَابَيْتُ السَّيف : أغمدته مقلوباً ، وصَابَيْتُ الرمح : أملته ، وهيّأته للطعن .
والصَّابِئُونَ : قوم كانوا على دين نوح ، وقيل لكل خارج من الدين إلى دين آخر : صَابِئٌ ، من قولهم : صَبَأَ نابُ البعير : إذا طلع ، ومن قرأ : صَابِينَ فقد قيل : على تخفيف الهمز كقوله : لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ « الحاقة : 37 » . وقد قيل : بل هو من قولهم : صَبَا يَصْبُو ، قال تعالى : وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى « الحج : 17 » وقال أيضاً : وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ « البقرة : 62 » .
صَحِبَ - مصاحبة - اصطحاب - إصحاب
الصَّاحِبُ : الملازم ، إنساناً كان أو حيواناً ، أو مكاناً ، أو زماناً . ولا فرق بين أن تكون مُصَاحَبَتُهُ بالبدن ، وهو الأصل والأكثر ، أو بالعناية والهمة ، وعلى هذا قال : لئِنْ غِبْتَ عَنْ عَيني لمَا غِبْتَ عن قَلبي
ولا يقال في العرف إلّا لمن كثرت ملازمته ، ويقال للمالك للشئ : هو صاحبه ، وكذلك لمن يملك التصرف فيه . قال تعالى : إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لاتَحْزَنْ « التوبة : 40 » قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ « الكهف : 34 » أَمْ حَسِبْتَ أن أَصْحـابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ « الكهف : 9 » وَأَصْحـابِ مَدْيَنَ « الحج : 44 » أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ « البقرة : 82 » أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ « البقرة : 217 » مِنْ أَصْحابِ السَّعِير « فاطر : 6 » .
وأما قوله : وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً « المدثر : 31 » أي الموكَّلين بها لا المعذَّبين بها كما تقدّم .
وقد يضاف الصَّاحِبُ إلى مسوسه نحو : صاحب الجيش . وإلى سائسه نحو : صاحب الأمير .
والمُصَاحَبَةُ والِاصْطِحَابُ : أبلغ من الإجتماع لأجل أن المصاحبة تقتضي طول لبثه ، فكل اصْطِحَابٍ اجتماع وليس كل اجتماع اصطحاباً . وقولـه : وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ « القلـم : 48 » وقوله : ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ « سبأ : 46 » وقد سمِّيَ النبي صلى الله عليه وآله صاحبهم تنبيهاً [على] أنكم صحبتموه وجربتموه وعرفتموه ظاهره وباطنه ، ولم تجدوا به خبلاً وجُنَّةً . وكذلك قوله : وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ « التكوير : 22 » .
والْإِصحَابُ للشئ : الإنقياد له ، وأصله أن يصير له صاحباً ، ويقال : أَصْحَبَ فلان : إذا كَبُرَ ابنه فصار صاحبه . وأَصْحَبَ فلان فلاناً : جعل صاحباً له . قال : وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ « الأنبياء : 43 » أي لا يكون لهـم من جهتنا ما يَصْحَبُهُمْ من سكينة ورَوْحٍ وتوفيق ، ونحو ذلك مما يصحبه أولياءه . وأديم مُصْحَب : أُصْحِبَ الشَّعْرَ الذي عليه ولم يُجَزَّ عنه .
صَحَفَ - مصحف - تصحيف - صحفة
الصَّحِيفَةُ : المبسوط من الشئ كصحيفة الوجه . والصَّحِيفَةُ : التي يكتب فيها وجمعها صَحَائِفُ وصُحُفٌ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 487 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قال تعالى : صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى « الأعلى : 19 » . يَتْلُوا صُحُفــاً مُطَهَّرَةً فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ « البينة : 2 » قيل أريد بها القرآن ، وجعله صحفاً فيها كتب ، من أجل تضمنه لزيادة ما في كتب الله المتقدمة .
والمُصْحَفُ : ما جعل جامعاً لِلصُّحُفِ المكتوبة وجمعه مَصَاحِفُ .
والتصْحِيفُ : قراءة المصحف وروايته على غير ما هو لاشتباه حروفه . والصَّحْفَةُ : مثل قصعة عريضة .
صَخَّ - صخاً - صاخة - أصاخ - يصيخ
الصَّاخَّةُ : شدة صوت ذي النطق ، يقال صَخَّ يَصِخُّ صَخّاً فهو صَاخٌّ . قال تعالى : فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ « عبس : 33 » وهي عبارة عن القيامة حسب المشار إليه بقوله : يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ « الأنعام : 73 » وقد قلب عنه : أَصَاخَ يُصِيخُ .
ملاحظات
تفرد الراغب بأن الصاخة صوت الإنسان أو الملك ، وهذا من عنده حيث لم يذكر اللغويون فيها صوت ناطق ! قال الخليل « 4/135 » : « الصاخَّة : صيحة تصخ الآذان فتصمها » . وقال ابن فارس « 3/281 » : « ضربت الصخرة بحجر فسمعت لها صخّاً » .
صَخَرَ
الصَّخْرُ : الحجر الصلب . قـال تعالى : فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ « لقمان : 16 » وقال : وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ « الفجر : 9 » .
ملاحظات
الصخر : هو مطلق الحجر سواء كان صلباً أو هشاً أو متوسطاً ، ولا يصح حصره بالحجر الصلب .
صَدَدَ - صده - صد عنه - صدوداً
الصُّدُودُ والصَّدُّ : قد يكون انصرافاً عن الشئ وامتناعاً ، نحو : يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً « النساء : 61 » وقد يكون صرفاً ومنعاً نحو : وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ « النمل : 24 » الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَــبِيلِ الله « محمد : 1 » وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله « الحج : 25 » قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيـرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ الله « البقــرة : 217 » وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ الله بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ « القصص : 87 » إلى غير ذلك من الآيات .
وقيل : صَدَّ يَصُدُّ صُدُوداً ، وصَدَّ يَصُدُّ صَدّاً . والصَّدُّ من الجبل : ما يحول . والصَّدِيدُ : ما حال بين اللحم والجلد من القيح ، وضرب مثلاً لمطعم أهل النار . قال تعالى : وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ « إبراهيم : 16 » .
ملاحظات
الصحيح تعريف الفقهاء للقيح بما قاله ابن فارس « 3 /282 » : « الصديد : الدم المختلط بالقيح ، يقال منه أَصَدَ الجرح » .
صَدَرَ- مصدر
الصَّدْرُ : الجارحة . قال تعالى : رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي « طه : 25 » وجمعه : صُدُورٌ . قال : وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ « العاديات : 10 » وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ « الحج : 46 » . ثم استعير لمقدم الشئ كَصَدْرِ القناة ، وصَدْرِ المجلس والكتاب والكلام . وصَدَرَهُ : أَصَابَ صَدْرَهُ ، أو قَصَدَ قَصْدَهُ نحو : ظَهَرَهُ ، وكَتَفَهُ . ومنه قيل : رجل مَصْدُورٌ : يشكو صَدْرَهُ . وإذا عُدِّيَ صَدَرَ بعن اقتضى الإنصراف تقول : صَدَرَتِ الإبل عن الماء صَدَراً ، وقيل : الصَّدْرُ . قال : يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً « الزلزلة : 6 » .
والْمَصْدَرُ : في الحقيقة صَدَرٌ عن الماء ، ولموضع المصدر ، ولزمانه . وقد يقال في تعارف النحويين للفظ الذي روعي فيه صدور الفعل الماضي والمستقبل عنه .
والصِّدَارُ : ثوب يغطي به الصَّدْرُ ، على بناء دثار ولباس ، ويقال له الصُّدْرَةُ ، ويقال ذلك لسمة على صَدْرِ البعير .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 488 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وصَدَّرَ الفرس : جاء سابقاً بصدره .
قال بعض الحكماء : حيثما ذكر الله تعالى القلب فإشارة إلى العقل والعلم ، نحو : إن فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ « ق : 37 » . وحيثما ذكر الصَّدْرُ فإشارة إلى ذلك وإلى سائر القوى من الشهوة والهوى والغضب ونحوها ، وقوله : رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي « طـه : 25 » فسؤالٌ لإصلاح قــواه ، وكذلك قوله : وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ « التوبة : 14 » إشارة إلى اشتفائهم ، وقوله : فإنها لاتَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور « الحـــج : 46 » أي العقول التي هي مندرسة فيما بين سائر القوى وليست بمهتدية . و الله أعلم بذلك وبوجه الصواب فيه .
صَدَعَ - انصدع - صداع -
الصَّدْعُ : الشق في الأجسام الصلبة كالزجاج والحديد ونحوهما . يقال : صَدَعْتُهُ فَانْصَدَعَ ، وصَدَّعْتُهُ فَتَصَدَّعَ . قال تعالى : يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ « الروم : 43 » وعنه استعير : صَدَعَ الأمرَ ، أي فَصَلَهُ . قال : فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ « الحجر : 94 » .
وكذا استعير منه الصُّدَاعُ ، وهو شبه الإشتقاق في الرأس من الوجع ، قال : لا يُصَدَّعُونَ عَنْهــا وَلا يُنْزِفُونَ « الواقعــة : 19 » . ومنه الصَّدِيعُ للفجر ، وصَدَعْتُ الفلاة : قطعتها ، وتَصَدَّعَ القومُ أي تفرقوا .
ملاحظات
قال الخليل في تفسير الصَّدْع « 1/291 » : « نباتُ الأرض لأنه يصدع الأرض ، والأرض تتصدع عنه . وإذا تغيب الرجل فاراً في الأرض يقال : تصدع به الأرض . اشتقاقه من الصدع ، وهو الشق والفعل اللازم : انصدع انصداعاً » .
وقد عبر الراغب عن الصداع الشقيقة بأنه شبه الإشتقاق في الرأس ، وهو تعبير ركيك يقصد به أن صاحبه يشعر بانشقاق رأسه .
صَدَفَ - يصدف - صدفاً
صَدَفَ عنه : أعرض إعراضاً شديداً يجري مجرى الصَّدَفِ ، أي الميل في أرجل البعير ، أو في الصلابة كَصَدَفِ الجبل أي جانبه ، أو الصَّدَفِ الذي يخرج من البحر . قال تعالى : فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ الله وَصَدَفَ عَنْها « الأنعام : 157 » سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ . . الآية إلى بِما كانُوا يَصْدِفُونَ « الأنعـام : 157 » .
صَدَقَ - صادق - صدقاً - صديق - صداقة - صداق - صدقة - صدَّّق - تصدق
الصِّدْقُ والكذب : أصلهما في القول ، ماضياً كان أو مستقبلاً ، وعداً كان أو غيره . ولا يكونان بالقصد الأول إلا في القول ، ولا يكونان في القول إلا في الخبر ، دون غيره من أصناف الكلام ، ولذلك قال : وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلًا « النساء : 122 » وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثاً « النساء : 87 » وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إنهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ « مريم : 54 » .
وقد يكونان بالعرض في غيره من أنواع الكلام ، كالإستفهام والأمر والدعاء ، وذلك نحو قول القائل : أزيد في الدار؟ فإن في ضمنه إخباراً بكونه جاهلاً بحال زيد . وكذا إذا قال : واسني ، في ضمنه أنه محتاج إلى المواساة ، وإذا قال : لا تؤذني ففي ضمنه أنه يؤذيه .
والصِّدْقُ : مطابقة القول الضمير والمخبر عنه معاً ، ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صِدْقاً تاماً ، بل إما أن لا يوصف بالصدق ، وإما أن يوصف تارة بالصدق ، وتارة بالكذب على نظرين مختلفين ، كقول كافر إذا قال من غير اعتقاد : محمد رسول الله ، فإن هذا يصح أن يقال صِدْقٌ ، لكون المخبر عنه كذلك ، ويصح أن يقال كذبٌ ، لمخالفة قوله ضميره .
وبالوجه الثاني إكذاب الله تعالى المنافقين حيث قالوا : نَشْهَدُ إنكَ لَرَسُولُ الله . . الآية . « المنافقون : 1 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 489 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والصِّدِّيقُ : من كثر منه الصدق ، وقيل : بل يقال لمن لا يكذب قط ، وقيل : بل لمن لا يتأتى منه الكذب لتعوده الصدق . وقيل : بل لمن صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله ، قال : وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إنهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا « مريم : 41 » وقال : وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إنهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا « مريم : 56 » وقال : وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ « المائدة : 75 » وقال : فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِيـنَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ « النساء : 69 » فَالصِّدِّيقُونَ هم قوم دُوَيْنَ الأنبياء في الفضيلة ، على ما بينت في الذريعة إلى مكارم الشريعة .
وقد يستعمل الصدق والكذب في كل ما يحق ويحصل في الإعتقاد نحو : صدق ظني وكذب ، ويستعملان في أفعال الجوارح ، فيقال : صَدَقَ في القتال : إذا وفى حقه ، وفعل ما يجب وكما يجب ، وكذب في القتال : إذا كان بخلاف ذلك . قال : رِجـالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا الله عَلَيْهِ « الأحزاب : 23 » أي حققوا العهد بما أظهروه من أفعالهم . وقولــه : لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ « الأحزاب : 8 » أي يسأل من صدق بلسانه عن صدق فعله تنبيهاً [على] أنه لا يكفي الإعتراف بالحق دون تحريه بالفعل .
وقوله تعالى : لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ « الفتح : 27 » فهذا صِدْقٌ بالفعل وهو التحقق ، أي حقق رؤيته ، وعلى ذلك قوله : وَالَّذِي جـاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ « الزمر : 33 » أي حقق ما أورده قولاً بما تحرَّاه فعلاً .
ويعبر عن كل فعل فاضل ظاهراً وباطناً بالصدق ، فيضاف إليه ذلك الفعل الذي يوصف به نحو قوله : فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ « القمر : 55 » . وعلى هذا : إن لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ « يونس : 2 » . وقوله : أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ « الإسراء : 80 » وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ « الشعراء : 84 » فإن ذلك سؤال أن يجعله الله تعالى صالحاً ، بحيث إذا أثنى عليه من بعده لم يكن ذلك الثناء كذباً ، بل يكون كما قال الشاعر :
إذا نحــنُ أثنينا عليــكَ بِصَالِـحٍ
فأنتَ الذي نُثني وفوقَ الذي نُثني .
وصَدَقَ : قد يتعدى إلى مفعولين نحو : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ « آل عمران : 152 » .
وصَدَّقْتُ فلاناً : نسبته إلى الصدق . وأَصْدَقْتُهُ : وجدته صادقاً ، وقيل هما واحد ويقالان فيهما جميعاً . قال : وَلما جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ الله مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ « البقرة : 101 » وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ « المائدة : 46 » .
ويستعمل التصْدِيقُ في كل ما فيه تحقيق ، يقال : صدقني فعله وكتابه . قال تعالى : وَلما جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ الله مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ « البقرة : 89 » نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحق مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ « آل عمران : 3 » وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا « الأحقاف : 12 » أي مصدق ما تقدم ، وقوله : لساناً منتصب على الحال . وفي المثل : صدقني سنُّ بكره .
والصَّدَاقَةُ : صدق الإعتقاد في المودة ، وذلك مختصٌّ بالإنسان دون غيره ، قال : فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ « الشعراء : 100 » وذلك إشارة إلى نحو قوله : الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ « الزخرف : 67 » .
والصَّدَقَةُ : ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة كالزكاة ، لكن الصدقة في الأصل تقال للمتطوَّع به ، والزكاة للواجب ، وقد يسمى الواجب صدقة إذا تحرى صاحبها الصدق في فعله . قال : خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً « التوبة : 103 » وقال : إنمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ « التوبة : 60 » .
يقال : صَدَّقَ وتَصَدَّقَ قال : فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى « القيامة : 31 »
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 490 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إن الله يَجْزِي الْمُتَصَـدِّقِينَ « يوســـف : 88 » إن الْمُصَّـدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ « الحديد : 18 » في آي كثيرة .
ويقال لما تجافى عنه الإنسان من حقه : تَصَدَّقَ به ، نحو قوله : وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ « المائدة : 45 » أي من تجافى عنه ، وقوله : وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ، وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ « البــقـرة : 280 » فإنه أجرى ما يسامح به المعسر مجرى الصّدقة .
وعلى هذا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله : ما تأكله العافية فهو صدقة ، وعلى هذا قوله تعالى : وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا « النساء : 92 » فسمى إعفاءه صَدَقَةً .
وقوله : فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْـواكُمْ صَدَقَةً « المجادلة : 12 » أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُــوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْـواكُمْ صَدَقـــاتٍ « المجادلة : 13 » فإنهم كانوا قد أمروا بأن يتصدق من يناجي الرسول بصدقة ما غير مقدرة .
وقـوله : رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ « المنافقون : 10 » فمن الصدق أو من الصدقة . وصَداقُ المرأة وصِدَاقُهَا وصُدْقَتُهَا : ما تعطى من مهرها ، وقد أَصْدَقْتُهَا . قال تعالى : وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً « النساء : 4 » .
ملاحظات
قال الراغب : والصِّدِّيقُ : من كثر منه الصِّدق . بل هو من كثر تصديقه وإيمانه لأنه من صدَّق بالتشديد . روى الطبري في الرياض النضرة في مناقب العشرة « 2/107 » : « عن أبي ذر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي : أنت الصديق الأكبر ، وأنت الفاروق الذي تفرق بين الحق والباطل » . وروى نحوه ابن ماجه « 1/44 » .
وقال الراغب : فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ . فمن الصدق أو من الصدقة . بل هو من الصدقة ، لأن أصله : فَأَتَصَدَّق .
وقال الراغب : أمروا بأن يتصدق من يناجي الرسول بصدقة ما غير مقدرة . وقد روى الحاكم « 2/482 » وصححه على شرط الشيخين أنه لما أكثروا على النبي صلى الله عليه وآله وشقوا عليه ، فرض الله عليهم الصدقة قبل مناجاته فبخلوا إلا علي عليه السلام كان عنده دينار فباعه بعشرة دراهم ، وكان يتصدق بالدرهم ويناجي النبي صلى الله عليه وآله حتى أكمل العشرة ، ولم يسأل أحد غيره رسول الله صلى الله عليه وآله أي سؤال ! ، ثم عفا الله عنهم ونزل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُـوا بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . ءَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُـوا بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ وَآتُوا الزَّكَوةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ .
وقوله : « وأَصْدَقْتُهُ : وجدته صادقاً » لا يصح ، ولم يقله أحد غيره ! بل تقول عن المرأة : أصدقتها ، أي جعلت لها صداقاً ، أو أعطيتها صداقاً ، أي مهراً . « الصحاح : 4/1506 » .
وأخيراً ، فالمقام الذي أعطاه الراغب للصديقين دُوَيْنَ الأنبياء عليهم السلام فيه مبالغة ، وهو على مشرب الصوفية ، الذين يعدون أنفسهم من الصديقين وأن مقامهم بُعَيْد مقام الأنبياء عليهم السلام أو معهم !
صَدَى - تصدى - صداه - صادٍ - صديان
الصَّدَى : صوت يرجع إليك من كل مكان صقيل ، والتصْدِيَةُ : كل صوت يجري مجرى الصَّدَى في أن لا غَنَاءَ فيه ، وقوله : وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً « الأنفال : 35 » أي غناء ما يوردونه غناء الصدى ومكاء الطير .
والتصَدِّي : أن يقابل الشئ مقابلة الصَّدَى ، أي الصوت الراجع من الجبل ، قال : أما مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى « عبس : 5 » . والصَّدَى : يقال لذكر البوم وللدماغ لكون
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 491 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الدماغ متصوراً بصورة الصدى ، ولهذا يسمى هامَة .
وقولهم : أصمَّ الله صَدَاهُ فدعاءٌ عليه بالخرس ، والمعنى : لا جعل الله له صوتاً حتى لا يكون له صدى يرجع إليه بصوته .
وقد يقال للعطش : صَدَى ، يقال : رجل صَدْيَانٌ ، وامرأة صَدْيَا ، وصَادِيَة ٌ .
صَرَّ- إصرار- صِرار- صرورة - صَرَّة - صُرَّة
الْإِصْرَارُ : التعقد في الذنب والتشدد فيه والإمتناع من الإقلاع عنه . وأصله من الصَّرِّ أي الشد . والصُّرَّةُ : ما تعقد فيه الدراهم . والصِّرَارُ : خرقة تشد على أطباء الناقة لئلا تُرضع . قال الله تعالى : وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا « آل عمران : 135 » ثُمَّ يُصِرُّ مُسْـتَكْبِراً « الجاثية : 8 » وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً « نوح : 7 » وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ « الواقعـة : 46 » .
والْإِصْرَارُ : كل عزم شددت عليه ، يقال : هذا مني صِرِّي ، وأَصِرِّي ، وصِرَّى ، وأَصِرَّى ، وصُرِّي ، وصُرَّى ، أي جدٌّ وعزيمة . والصَّرُورَةُ : من الرّجال والنساء : الذي لم يحج ، والذي لا يريد التزوج . وقوله : رِيحـاً صَرْصَـراً « فصلت : 16 » لفظه من الصَّرِّ ، وذلك يرجع إلى الشد لما في البرودة من التعقد .
والصَّرَّةُ : الجماعة المنضم بعضهم إلى بعض كأنهم صُرُّوا ، أي جُمِعُوا في وعاء . قال تعالى : فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ « الذاريات : 29 » « جماعة » وقيل : الصَّرَّةُ الصيحةُ .
صَرَحَ - صريح - صراحة - تصريح - صراح
الصَّرْحُ : بيت عال مزوَّق ، سمي بذلك اعتباراً بكونه صَرْحاً عن الشَّوْب أي خالصاً . قال الله تعالى : صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ « النمل : 44 » قيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ « النمل : 44 » ولبن صَرِيحٌ بَيِّنُ الصَّرَاحَةِ ، والصَّرُوحَةِ .
وصَرِيحُ الحق : خلص عن محضه . وصَرَّحَ فلان بما في نفسه ، وقيل : عاد تعريضك تَصْرِيحاً ، وجاء صُرَاحاً جهاراً .
ملاحظات
كلام ابن فارس أقوى من كلام الراغب ، قال « 3/347 » : « صَرَحَ : يدل على ظهور الشئ وبروزه . من ذلك الشئ الصريح . والصريح : المحض الحسب وجمعه صُرَحَاء ، قال الخليل : ويجمع الخيل على الصرائح . ولقيت فلاناً مصارحة وصراحاً ، أي كفاحاً . ويقال : صرح الحق عن محضه أي انكشف الأمر بعد غيوبه . والصَّرْح : بيت واحد ، يبنى منفرداً ضخماً طويلاً في السماء . وكل بناء عال فهو صرح » . وقد استعمل القرآن من هذه المادة كلمة الصرح فقط في ثلاث آيات ، في صرح سليمان عليه السلام وصرح فرعون .
صَرَفَ - صريف - صرفان - تصرف - صيرفي
الصَّرْفُ : رد الشئ من حالة إلى حالة ، أو إبداله بغيره يقال : صَرَفْتُهُ فَانْصَرَفَ . قال تعالى : ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ « آل عمران : 152 » وقال : أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ « هود : 8 » وقوله : ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ « التوبة : 127 » فيجوز أن يكون دعاء عليهم ، وأن يكون ذلك إشارة إلى ما فعله بهم ، وقوله تعالى : فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْـراً « الفرقان : 19 » أي لايقدرون أن يَصْرِفُوا عن أنفسهم العذاب ، أو أن يصرفوا أنفسهم عن النار . وقيل : أن يصرفوا الأمر من حالة إلى حالة في التغيير ، ومنه قول العرب : لا يقبل منه صَرْفٌ ولا عدل .
وقوله : وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ « الأحقاف : 29 » أي أقبلنا بهم إليك وإلى الإستماع منك .
والتصْرِيفُ : كالصرف إلا في التكثير ، وأكثر ما يقال في صرف الشئ من حالة إلى حالة ، ومن أمر إلى أمر .
وتَصْرِيفُ الرياح : هو صرفها من حال إلى حال . قال تعالى : وَصَرَّفْنَا الْآياتِ « الأحقاف : 27 » وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ « طه : 113 » . ومنه تصريف الكلام ، وتَصْرِيفُ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 492 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الدراهم ، وتصريف الناب ، يقال : لِنَابِهِ صَرِيفٌ .
والصَّرِيفُ : اللبن إذا سكنت رغوته كأنه صُرِفَ عن الرّغوة ، أو صُرِفَتْ عنه الرغوة .
ورجلٌ صَيْرَفٌ ، وصَيْرَفِيٌّ ، وصَرَّافٌ . وعنز صَارِفٌ كأنها تَصْرِفُ الفحلَ إلى نفسها .
والصِّرْفُ : صِبغٌ أحمر خالص ، وقيل لكل خالص عن غيره صِرْفٌ ، كأنه صُرِفَ عنه ما يشوبه .
والصَّرَفَانُ : الرصاص ، كأنه صُرِفَ عن أن يبلغ منزلة الفضة .
ملاحظات
1 . أخطأ الراغب بتعريفه للصرف بأنه رد من حالة الى حالة أو إبدال ، مع أنه يختلف من آية الى أخرى ، فقد يكون فيه معنى الرد كقوله تعالى : صرفكم عنهم . . فصرف عنه كيدهن . أما تصريف آيات القرآن فلا رد فيه ولا إبدال ، بل هو بمعنى تنويعها وتفصيلها .
وكذلك قوله تعالى : صرفنا اليك نفراً من الجن ، لا رد فيه ولا إرجاع ولا إبدال ، بل هو بمعنى وجهناهم وبعثناهم ، وبتعبير الراغب نفسه : أقبلنا بهم إليك وإلى الإستماع منك . فأين الرد والإبدال فيه؟
وكذلك قوله تعالى : فما تستطيعون صرفاً ولا نصراً . فهو بمعنى الإفتداء ودفع البدل ، ففيه بدل لكنه غير إبدال نفس الشئ الذي قاله الراغب . فتعريفه للصرف قاصر .
2 . قال الخليل « 7/110 » : « الصرف : أن تصرف إنساناً على وجه يريده إلى مصرف غير ذلك » . فخص الصرف بالإنسان .
وقال ابن فارس « 3/342 » : « يدل على رَجْع الشئ » . فعممه ابن فارس لكل شئ ، وأخذه الراغب فقال : « الصَّرْفُ : رد الشئ من حالة إلى حالة » . والظاهر أن أصل صَرَفه عن أمر ، للعاقل ، فأكثر ما استعمله القرآن في الله تعالى ، والإنسان .
3 . استعمل القرآن مفردات مختلفة من هذه المادة ، وقد خلطها الراغب ولم يميز بينها :
أ . صرف عنه ، وصرف اليه ، وصرفه ، كقوله تعالى : وصرفكم عنهم ، صرف الله قلوبهم ، وصرفنا اليك نفراً من الجن . وصرفت أبصارهم .
ب . تصريف القرآن بمعنى تنويعه وتبسيطع وتوضيحه . كقوله تعالى : وصرَّفنا في هذا القرآن ، وصرَّفنا الآيات ، وصرَّفناه بينهم ،
ج . تصريف الرياح بمعنى توزيعها وإدارتها .
د . الإنصراف ، كقوله تعالى : ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم .
هـ . والصرف بمعنى دفع الفدية والبدل ، كقوله تعالى : فما تستطيعون صرفاً ولا نصراً .
و . والمصرف بمعنى المخرج والخلاص ، في قوله تعالى : ولم يجدوا عنها مصرفا .
ز . والمصروف بمعنى المردود كقوله تعالى : ليس مصروفاً عنهم .
حـ . وتصرفون بمعنى تتوجهون وتذهبون ، في قوله تعالى : ألم تر الذين يجادلون في آياتنا أنى يصرفون .
وهذه المعاني تشترك في بعض العناصر ، لكن الفروق بينها عديدة ومهمة كما رأيت .
4 . جعل الراغب التصريف كالصرف وتحيره في معناه قال : « والتصْرِيفُ : كالصرف إلا في التكثير ، وأكثر ما يقال في صرف الشئ من حالة إلى حالة ، ومن أمر إلى أمر . وتَصْرِيفُ الرياح : هو صرفها من حال إلى حال . ومنه تصريف الكلام ، وتَصْرِيفُ الدراهم ، وتصريف الناب ، يقال : لِنَابِهِ صَرِيفٌ » .
صَرَمَ - صريمة - صريم - صارم - تصرم - أصرم
الصَّرْمُ : القطيعة . والصَّرِيمَةُ : إحكام الأمر وإبرامه ، والصَّرِيمُ : قطعةٌ مُنْصَرِمَةٌ عن الرمل . قال تعالى :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 493 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ « القلم : 20 » قيل أصبحت كالأشجار الصَّرِيمَةِ ، أي الْمَصْرُومِ حملُهَا . وقيل كالليل لأن الليل يقال له : الصَّرِيمُ أي صارت سوداء كالليل لاحتراقها ، قال : إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ « القلم : 17 » أي يجتنونها ويتنـاولونها . فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ « القلم : 21 » .
والصَّارِمُ : الماضي . وناقةٌ مَصْرُومَةٌ : كأنها قطع ثديها فلا يخرج لبنها حتى يقوى . وتَصَرَّمَتِ السنة . وانْصَرَمَ الشئ : انقطع ، وأَصْرَمَ : ساءت حاله .
ملاحظات
قال ابن فارس « 3/344 » : « صَرَمَ : أصلٌ واحد صحيحٌ مطردٌ ، وهو القطع . من ذلك صَرْمُ الهجران . والصريمة العزيمة على الشئ ، وهو قطع كل علقة دونه » . فالصريمة : عزم قطعي على أمر يتعلق بالنية والقرار . لكن الراغب جعلها إحكام الأمر وإبرامه ، فابتعد عن العزم ، إلا أن يقصد إحكام النية ، وهو خلاف ظاهر كلامه .
صَرَطَ - صراط - سراط
الصِّرَاطُ : الطريقُ المستقيمُ . قال تعالى : وَإن هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً « الأنعام : 153 » ويقال له : سِرَاطٌ ، وقد تقدم . « وتقدم أنه لفظ غير عربي » .
صَطَرَ- سطر - تسطير - صيطر - سيطر
صَطَرَ وسَطَرَ : واحدٌ . قال تعالى : أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ « الطور : 37 » وهو مفيعل من السَّطْرِ ، والتسْطِيرُ : أي الكتابة ، أي أهم الذين تولوا كتابة ما قدر لهم قبل أن خلق ، إشارة إلى قوله : إن ذلِكَ فِي كِتابٍ إن ذلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ « الحج : 70 » . وقولـه : فِي إِمامٍ مُبِيـنٍ « يس : 12 » وقوله : لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ « الغاشية : 22 » أي متولٍّ أن تكتب عليهم وتثبت ما يتولونه . وسَيْطَرْتُ وبَيْطَرْتُ لا ثالث لهما في الأبنية ، وقد تقدم ذلك في السين .
« وتقدم أن سيطر لاعلاقة لها بالسطر » .
صَرَعَ - صريع - صرعى - مصراعان - مصارع
الصَّرْعُ : الطرح . يقال : صَرَعْتُهُ صَرْعاً . والصَّرْعَةُ : حالة المَصْرُوعِ . والصَّرَاعَةُ : حرفة المُصَارِعُ . ورجلٌ صَرِيعٌ ، أي مَصْرُوعٌ ، وقومٌ صَرْعَى . قال تعالى : فَتَـرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى « الحاقة : 7 » . وهما صِرْعَانِ ، كقولهم قِرْنَانِ . والْمِصْرَاعَانِ من الأبواب ، وبه شبه المِصْرَاعَانِ في الشِّعْر .
ملاحظات
وردت هذه المادة في آية واحدة في قوم عاد ، ذكرها الراغب . وقد أخذ تعريف الصَّـرْع من قول ابن فارس « 3/342 » : « أصلٌ واحد يدل على سقوط شئ إلى الأرض ، عن مراس اثنين » .
والصحيح أنه مطلق سقوط الإنسان الى الأرض ، حتى لو وقع من نفسه صريعاً .
وقد اتفق اللغويون على أن مصـراعي الباب والشعر مأخوذان من الصَّرَع ، لكن لا يبعد أن يكون المصراعان من أصل مستقل لا علاقة له بالصرع .
صَعَدَ - صعوداً - صعيد - إصعاد - تصعَّد
الصُّعُودُ : الذهاب في المكان العالي . والصَّعُودُ والحَدُورُ : لمكان الصُّعُودِ والإنحدار وهما بالذات واحد ، وإنما يختلفان بحسب الإعتبار بمن يمر فيهما ، فمتى كان المار صَاعِداً يقال لمكانه صَعُودٌ ، وإذا كان منحدراً يقال لمكانه حَدُور .
والصَّعَدُ والصَّعِيدُ والصَّعُودُ : في الأصل واحدٌ ، لكنِ الصَّعُودُ والصَّعَدُ يقال للعَقَبَةِ ، ويستعار لكل شاقٍّ . قال تعالى : وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً « الجن : 17 » أي شاقاً ، وقال : سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً « المدثر : 17 » أي عقبة شاقة . والصَّعِيدُ : يقال لوجه الأرض ، قال : فَتَيَمَّمُوا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 494 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
صَعِيداً طَيِّباً « النساء : 43 » وقال بعضهم : الصَّعِيدُ يقال للغبار الذي يَصْعَدُ من الصُّعُودِ ، ولهذا لا بد للمتيمم أن يعلق بيده غبار .
وقوله : كَأنما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ « الأنعام : 125 » أي يَتَصَعَّدُ . وأما الْإِصْعَادُ : فقد قيل هو الإبعاد في الأرض ، سواء كان ذلك في صُعُودٍ أو حدور . وأصله من الصُّعُودُ ، وهو الذهاب إلى الأمكنة المرتفعة ، كالخروج من البصرة إلى نجد ، وإلى الحجاز ، ثم استعمل في الإبعاد وإن لم يكن فيه اعتبار الصُّعُودِ ، كقولهم : تعالَ ، فإنه في الأصل دعاء إلى العلو صار أمراً بالمجئ سواء كان إلى أعلى ، أو إلى أسفل . قال تعالى : إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ « آل عمران : 153 » وقيل : لم يقصد بقوله إِذْ تُصْعِدُونَ ، إلى الإبعاد في الأرض وإنما أشار به إلى علوهم فيما تحروه وأتوه ، كقولك : أبعدت في كذا وارتقيت فيه كل مرتقى ، وكأنه قال : إذ بعدتم في استشعار الخوف والإستمرار على الهزيمة !
واستعير الصُّعُودُ لما يصل من العبد إلى الله ، كما استعير النزول لما يصل من الله إلى العبد ، فقال سبحانه : إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطيِّبُ « فاطر : 10 » . وقوله : يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً « الجن : 17 » أي شاقاً ، يقال : تَصَعَّدَنِي كذا ، أي شَقَّ علَيَّ . قال عُمَرُ : ما تَصَعَّدَنِي أمرٌ ما تَصَعَّدَنِي خِطبةُ النّكاحِ .
صَعَرَ - تصعيراً - مصعر
الصَّعَرُ : ميل في العنق . والتصْعِيرُ : إمالته عن النظر كبراً ، قال تعالى : وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ « لقمان : 18 » وكل صعب يقال له : مُصْعَرٌ ، والظَّليم أَصْعَرُ خلقةً .
صَعَق - صعْقاً - صاعقة
الصَّاعِقَةُ والصاقعة يتقاربان ، وهما الهدة الكبيرة ، إلا أن الصقع يقال في الأجسام الأرضية ، والصَّعْقَ في الأجسام العُلويَّةِ . قال بعض أهل اللّغة : الصَّاعِقَةُ على ثلاثة أوجه : الموت : كقوله : فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ « الزمر : 68 » وقولــه : فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ « النساء : 153 » . والعذاب : كقوله : أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ « فصلت : 13 » . والنار : كقوله : وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ « الرعد : 13 » .
وما ذكره فهو أشياء حاصلة من الصَّاعِقَةِ ، فإن الصَّاعِقَةَ هي الصوت الشديد من الجوّ ، ثم يكون منها نار فقط ، أو عذاب ، أو موت ، وهي في ذاتها شئ واحد ، وهذه الأشياء تأثيرات منها .
صَغَرَ - صَغَاراً - صاغر - صغير
الصِّغَرُ والكِبَر : من الأسماء المتضادة التي تقال عند اعتبار بعضها ببعض . فالشئ قد يكون صَغِيراً في جنب الشئ ، وكبيراً في جنب آخر . وقد تقال تارةً باعتبار الزمان فيقال : فلان صَغِيرٌ وفلان كبير ، إذا كان ما له من السنين أقل مما للآخر ، وتارةً تقال باعتبار الجثة ، وتارةً باعتبار القدر والمنزلة . وقوله : وَكل صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ « القمر : 53 » وقــوله : لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها « الكهف : 49 » وقوله : وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ « يونس : 61 » كل ذلك بالقدر والمنزلة من الخير والشر ، باعتبار بعضها ببعض . يقال : صَغُرَ صِغَراً في ضد الكبير ، وصَغِرَ صَغَراً وصَغَاراً في الذِّلَّة . والصَّاغِرُ : الراضي بالمنزلة الدنيَّة ، قال تعالى : حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ . « التوبة : 29 » .
ملاحظات
1 . قوله : والصَّاغِرُ : الراضي بالمنزلة الدنيَّة ، أخذه من الخليل ، قال : « 4/372 » : « الصاغر : الراضي بالضيم » . ونحوه ابن فارس « 3/290 » . وقال الجوهري : « 2/713 » : « والصَّغَار بالفتح : الذل : الضيم ، وكذلك الصُّغْر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 495 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بالضم . . والصَّاغر : الراضي بالضيم » .
وقال ابن منظور « 4/458 » : « يقال : قُمْ على صُغْرِك وصَغَرِك . يقال صَغِرَ فلان يَصْغَرُ صَغَراً وصَغاراً ، فهو صاغِر إِذا رَضِيَ بالضَّيْم وأَقَرَّ بِه . قال الله تعالى : حتى يُعْطُوا الجزْية عن يَدٍ وهُمْ صاغِرون ، أَي أَذِلَّاءُ . وقوله عز وجل : سَيُصِيب الذين أَجْرَمُوا صَغار عند الله ، أَي هُمْ وإِن كانوا أَكابر في الدنيا ، فسيصيبهم صَغار عند الله أَي مَذَلَّة » .
وليس في الصغار رضىً بالضيم أبداً ، نعم فيه إقرار أو إجبار على الإقرار بالذل والضيم ، وقد أشار اليه ابن منظور فيما نقله عن الليث .
2 . استعمل القرآن الصغار في عدة آيات ليس فيها رضى :
منها : صغار إبليس : فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ .
ومنها وعيد المجرمين المتكبرين : سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ .
ومنها تهديد سليمان لأهل سبأ : وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ .
ومنها تهديد زليخا ليوسف : وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ .
ومنها : صغار أهل الجزية : حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ .
ومنها صغار سحرة فرعون : فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ .
أقول : لا يبعد أن يكون الرضا في تعريف الخليل أعم من الرضا القلبي فيشمل الإقرار ، وله شبيه في البيعة حيث يقال للمجبور والمكره إنه بايع ، مع أن بيعة المكره ليست بيعة ، وعمله ليس له قيمة إثباتية .
صَغَا- صغْواً - أصغيت - صاغية - صغواء
الصَّغْوُ : الميل . يقال : صَغَتِ النجومُ والشمس صَغْواً : مالت للغروب ، وصَغَيْتُ الإناءَ وأَصْغَيْتُهُ . وأَصْغَيْتُ إلى فلان : ملت بسمعي نحوه . قال تعالى : وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ « الأنعام : 113 » . وحكي : صَغَوْتُ إليه أَصْغُو ، وأَصْغَى ، صَغْواً وصُغِيّاً . وقيل : صَغَيْتُ أَصْغَى ، وأَصْغَيْتُ أُصْغِي . وصَاغِيَةُ الرجل : الذين يميلون إليه ، وفلانٌ مُصْغًى إناؤُهُ ، أي منقوص حظه ، وقد يكنى به عن الهلاك . وعينه صَغْوَاءُ إلى كذا . والصَّغْيُ : ميل في الحنك والعين .
ملاحظات
المتبادر من صغى وأصغى والإصغاء : استمع اليه بميل . ثم يقال صغا بقلبه ، وصغا لضغنه ، وصغا برأسه . الخ . قال أبو هلال في الفروق/284 : « السمع : هو إدراك المسموع . والإصغاء : هو طلب إدراك المسموع بإمالة السمع إليه ، يقال صغا يصغو إذا مال وأصغى الى غيره » .
وقال الصدوق في الإعتقادات/109 : « قال عليه السلام : من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله ، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس » .
وما ذكروه من الميل والإنحراف في معنى صغى فصحيح ، لكنه بعد الميل اليه بالسمع . قال الله تعالى : وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ . وقال تعالى : إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا . وفي تفسير الطبري « 28/205 » : عن ابن عباس وسفيان الثوري قالا : « فقد صغت قلوبكما ، قال : زاغت قلوبكما » .
وقد استعمل القرآن هذه المادة في الآيتين المتقدمتين فقط ، وفيهما ذم الصاغين ، وما يصغون اليه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 496 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
صَفَّ - صفاً - صافٌّ - صفف - صفصف - صفيف - صُفَّة - صفصاف
الصَّفُّ : أن تجعل الشئ على خط مستوٍ ، كالناس والأشجار ونحو ذلك ، وقد يجعل فيما قاله أبو عبيدة بمعنى الصَّافِّ . قال تعالى : إن الله يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا « الصف : 4 » ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا « طه : 64 » يحتمل أن يكون مصدراً ، وأن يكون بمعنى الصَّافِّينَ ، وقال تعالى : وَإنا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ « الصافات : 165 » وَالصَّافَّاتِ صَفًّا « الصافات : 1 » يعني به الملائكة . وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا « الفجر : 22 » وَالطيْرُ صَافَّاتٍ « النور : 41 » فَاذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَيْها صَوافَ « الحج : 36 » أي مُصْطَفَّةً ، وصَفَفْتُ كذا : جعلته على صَفٍّ . قـال : عَلى سُـرُرٍ مَصْفُوفَةٍ « الطـور : 20 » .
وصَفَفْتُ اللّحمَ : قدّدته وألقيته صفاً صفاً . والصَّفِيفُ : اللّحمُ المَصْفُوفُ . والصَّفْصَفُ : المستوي من الأرض كأنه على صفٍّ واحدٍ ، قـال : فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفـاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتــاً « طـه : 106 » . والصُّفَّةُ من البنيان ، وصُفَّةُ السَّرج تشبيهاً بها في الهيئة .
والصَّفُوفُ : ناقةٌ تُصَفُّ بين مَحْلَبَيْنِ فصاعداً لغزارتها ، والتي تَصُفُّ رجلَيْها . والصَّفْصَافُ : شجرُ الخلاف .
ملاحظات
يختلف معنى الصف حسب موضوعه ، ويقال لطيران الطير بدون رفرفة صفيف ، ومعها دفيف . قال الخليل « 7/89 » : « الطير الصواف : التي تصف أجنحتها فلا تحركها . . والصفصف : الفلاة المستوية الملساء . والصفصف : شجر الخلاف » .
وقال الصدوق في الخصال/141 : « ويؤكل من طير البر ما دَفَّ ، ولا يؤكل ما صَفَّ ، فإن كان الطير يصف ويدف ، وكان دفيفه أكثر من صفيفه أكل ، وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه لم يؤكل » .
صَفَحَ- صفحة - تصفح - صفح - مصافحة
صَفْحُ الشئ : عرضه وجانبه ، كَصَفْحَةِ الوجهِ ، وصَفْحَةِ السّيفِ ، وصَفْحَةِ الحَجَرِ . والصَّفْحُ : تركُ التثريب ، وهو أبلغ من العفو ولذلك قال : فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ « البقرة : 109 » . وقد يعفو الإنسان ولا يَصْفَحُ . قال : فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ « الزخرف : 89 » فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ « الحجر : 85 » أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً « الزخرف : 5 » وصَفَحْتُ عنه : أوليته مني صَفْحَةً جميلةً معرضاً عن ذنبه ، أو لقيت صَفْحَتَهُ متجافياً عنه ، أو تجاوزت الصَّفْحَةَ التي أثبت فيها ذنبه من الكتاب إلى غيرها ، من قولك : تَصَفَّحْتُ الكتابَ .
وقوله : إن السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ « الحجر : 85 » فَأَمْرٌ له عليه السلام أن يخفّف كفر من كفر كما قال : وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ « النحل : 127 » . والمُصَافَحَةُ : الإفضاء بِصَفْحَةِ اليدِ .
صَفَدَ - صفداً - صِفاداً - أصفاد
الصَّفَدُ والصِّفَادُ : الغلُّ ، وجمعه أَصْفَادٌ . والأَصْفَادُ : الأغلالُ . قـال تعـالى : مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ « إبراهيم : 49 » والصَّفَدُ [والصَّفْد] : العطية .
صَفَرَ - صُفرة - صفراء - صُفار - صفير
الصُّفْرَةُ : لونٌ من الألوان التي بين السواد والبياض ، وهي إلى السواد أقرب ، ولذلك قد يعبر بها عن السواد . قال الحسن في قوله تعالى : بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها « البقرة : 69 » أي سوداء . وقال بعضهم : لا يقال في السواد فاقع ، وإنما يقال فيها حالكة . قال تعالى : ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا « الزمر : 21 » كأنه جِمَالَاتٌ صُفْرٌ « المرسلات : 33 » قيل : هي جمع أَصْفَرَ ، وقيل : بل أراد الصُّفْرَ المُخْرَجَ من المعادن ، ومنه قيل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 497 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
للنحاس : صُفْرٌ ، ولِيَبِيسِ البُهْمَى : صُفَارٌ .
وقد يقال الصَّفِيرُ للصوت حكاية لما يسمع ، ومن هذا : صَفِرَ الإناءُ : إذا خلا حتى يُسْمَعَ منه صَفِيرٌ لخلوه ، ثم صار متعارفاً في كل حال من الآنية وغيرها . وسمي خلوُّ الجوف والعروق من الغذاء صَفَراً . ولما كانت العروق الممتدة من الكبد إلى المعدة إذا لم تجد غذاء امتصت أجزاء المعدة ، اعتقدت جهلة العرب إن ذلك حية في البطن تعض بعض الشراسف حتى نفى النبي صلى الله عليه وآله فقال : لا صَفَرَ ، أي ليس في البطن ما يعتقدون أنه فيه من الحية ، وعلى هذا قول الشاعر :
ولا يَعَضُّ على شِرْسُوفهِ الصَّفَرُ
والشهر يسمّى صَفَراً : لخلو بيوتهم فيه من الزاد . والصَّفَرِيُّ من النِّتَاجِ : ما يكون في ذلك الوقت .
ملاحظات
1 . عرف الراغب الصُّفْرة بنفس تعريفه للخضرة ، قال : والخُضْرَة : أحد الألوان بين البياض والسواد ، وهو إلى السواد أقرب ! كما لا يصح قوله في الصفرة : قد يعبر بها عن السواد ، ويصح ذلك في الخضرة ، فقد سمى العرب العراق أرض السواد لخضرته . وقد أغربَ الحسن البصري ففسر البقرة في الآية بأنها سوداء !
2 . لم يُرجع الراغب مفردات المادة الى أصل واحد لصعوبة ذلك . أما ابن فارس فجعل أصولها ستة وهو رأي قوي ، قال « 3/294 » : « فالأول الصفرة في الألوان ، وبنو الأصفر ملوك الروم . والأصل الثاني : الشئ الخالي ، يقال : هو صِفْر . والأصل الثالث : الصِّفْر من جواهر الأرض ، يقال إنه النحاس . وأما الرابع : فالصفير للطائر وقولهم ما بها صَافِر . وأما الزمان : فصَفَر إسم هذا الشهر . وأما النبات فالصُّفَار ، وهو نبتٌ » .
3 . قول الراغب في آخر المادة : والشهر يسمى صَفراً ، يقصد به أن صفر إسمٌ لأحد شهور السنة ، لكن عبارته ضعيفة .
صَفَنَ - صافنات - صِفْن - صَفْن
الصَّفْنُ : الجمعُ بين الشيئين ضاماً بعضهما إلى بعض . يقال : صَفَنَ الفرسُ قوائمَهُ ، قال تعالى : الصَّافِناتُ الْجِيادُ « صاد : 31 » وقرئ : فاذكروا اسم الله عليها صَوَافِنَ . والصَّافِنُ : عِرْقٌ في باطن الصلب يجمع نياط القلب .
والصَّفْنُ : وعاءٌ يجمع الخصية . والصُّفْنُ : دلوٌ مجموع بحَلَقَة .
صَفَوَ - صفا - أصفى - اصطفى - صفوان
أصل الصَّفَاءِ : خلوصُ الشئ من الشَّوْب . ومنه الصَّفَا للحجارة الصَّافِيَةِ . قال تعالى : إِنَّ الصَّفا والْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ الله « البقرة : 158 » وذلك إسم لموضع مخصوص . والإصْطِفَاءُ : تناولُ صَفْوِ الشئِ ، كما أن الإختيار تناول خيره ، والإجتباء : تناول جبايته . واصْطِفَاءُ الله : بعضَ عباده قد يكون بإيجاده تعالى إياه صَافِياً عن الشوب الموجود في غيره ، وقد يكون باختياره وبحكمــه وإن لم يتعرَّ ذلك من الأول . قال تعــالى : الله يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُـلًا ومِنَ النَّاسِ « الحج : 75 » إِنَّ الله اصْطَفى آدَمَ ونُوحاً « آل عمران : 33 » اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفاكِ « آل عمران : 42 » اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ « الأعراف : 144 » وإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيارِ « صاد : 7 » .
واصْطَفَيْتُ كذا على كذا : أي اخترت . أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ « الصافات : 153 » وسَلامٌ عَلى عِبادِه الَّذِينَ اصْطَفى « النمل : 59 » ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا « فاطر : 32 » . والصَّفِيُّ والصَّفِيَّةُ : ما يَصْطَفِيه الرّئيسُ لنفسه ، قال الشاعر :
لك المِرْبَاعُ منها والصَّفَايَا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 498 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
[وحُكمُك والنشيطةُ والفضولُ] .
وقد يقالان للناقة الكثيرة اللَّبن ، والنخلة الكثيرة الحمل . وأَصْفَتِ الدجاجةُ : إذا انقطع بيضها كأنها صَفَتْ منه . وأَصْفَى الشاعرُ :
إذا انقطع شعره تشبيهاً بذلك
ومن قولهم : أَصْفَى الحافرُ : إذا بلغ صَفاً أي صخراً منعه من الحفر ، كقولهم : أكدى وأحجر . والصَّفْوَانُ كالصَّفَا ، الواحدةُ : صَفْوَانَةٌ ، قال تعالى : كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْه تُرابٌ « البقرة : 264 » ويقال يوم صَفْوَانٌ : صَافِي الشمسِ ، شديد البرد .
ملاحظات
1 . تقدم في مادة جَبَيَ أن الإصطفاء غير الإجتباء ، ونقلوا عن اللغوي ابن الأعرابي ، قوله : « اقترحْتُه ، واجتَبيْته ، وخَوَّصته ، وخدَّمْته ، واخْتَلَمْته ، واستَخْلَصْته واسْتَمَيْتُه ، كلُّه بمعنَى اخترْته » . « تاج العروس : 4/171 » .
ونلاحظ سعة تعدي فعل الإصطفاء ، تقول : اصطفاه مجرداً ، كقوله تعالى : وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى . أو اصطفاه من أجل أحد : اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ . أو اصطفاه من أحد : اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ . أو اصطفــاه على أحد : اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ . أو على العالمين : إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ .
أو يكون اصطفـاء بالرســـالة والتكليم : اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِى وَبِكَلامِى .
أو يكون اصطفاء لأنبياء عليهم السلام : وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِى وَالأَبْصَارِ . . وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَـا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ . وقد يكون اصطفاءً بدرجات : اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ .
أو اصطفاءً في الدنيا غير شامل للآخرة : وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا .
أو اصطفاءً لجماعة كبيرة فيهم الظالم لنفسه : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ .
2 . وقع البحث في تعيين المصطفيْن في قوله تعالى : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَــادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَـابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَالْفَضْـلُ الْكَبِيرُ . جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا .
وقال عمر بن الخطاب إن المصطفَيْن ورثة الكتاب كل المسلمين إنهم جميعاً يدخلون الجنة : « كان إذا نزع بهذه الآية قال : ألا إن سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له » . « الدر المنثور « 5/252 » . ووافقه كعب الأحبار فقال إ نه قرأ ذلك في كتب اليهود ! وإنهم نجوا كلهم . ووافقه عثمان « 5/252 » .
وقالت عائشة « الحاكم : 2/426 » : أما السبَّاق فمن مضى في حياة رسول الله فشهد له بالحياة والرزق . وأما المقتصد فمن اتبع آثارهم فعمل بأعمالهم حتى يلحق بهم . وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلك ومن اتبعنا ، وكلٌّ في الجنة .
وقال أهل البيت عليهم السلام إن المصطفَين الذين أورثهم الله الكتاب هم الأئمة من ذرية فاطمة عليها السلام وهم السابقون بالخيرات . روى ابن شعبة الحراني في تحف العقول/425 قول المأمون : « أخبروني عن معنى هذه الآية : ثُمَّ أَوْرَثْنَـا الْكِتَابَ الَّذِيـنَ اصْطَفَيْنَـا مِنْ عِبَادِنَا . . الآية؟ فقالت العلماء : أراد الله الأمة كلها . فقال المأمون : ما تقول يا أباالحسن؟ فقال الرضا عليه السلام : لا أقول كما قالوا ولكن أقول أراد الله تبارك وتعالى بذلك العترة الطاهرة . فقال المأمون : وكيف عنى العترة دون الأمة؟ فقال الرضا لنفسه : ثُمَّ أَوْرَثْنَـا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَـا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ، ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير . ثم جعلهم كلهم في الجنة فقال
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 499 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عز وجل : جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم . . إلى آخر الحديث » .
صَلَلَ -صلصال- صلصلة - صلاّل
أصل الصَّلْصَالِ : تردُّدُ الصوتِ من الشئ اليابس ، ومنه قيل : صَلَّ المسمارُ . وسمي الطين الجاف صَلْصَالاً ، قال تعالى : مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ « الرحمن : 14 » مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ « الحجر : 26 » . والصُّلْصَلَةُ : بقيةُ ماءٍ ، سميت بذلك لحكاية صوت تحركه في المزادة ، وقيل الصَّلْصَالُ المنتن من الطين من قولهم : صَلَّ اللحمُ ، قال : وكان أصله صَلَّالٌ فقلبت إحدى اللامين ، وقرئ : أئذا صَلَلْنَا ، أي أنتنا وتغيرنا ، من قولهم : صَلَّ اللّحمُ وأَصَلَّ .
صَلَبَ - صليب - مصلب - صُلب - صَلبه
الصُّلْبُ : الشّديدُ ، وباعتبار الصَّلَابَة والشدة سمي الظَّهْر صُلْباً . قال تعـالى : يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالترائِبِ « الطارق : 7 » . وقولـه : وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ « النساء : 23 » تنبيهٌ[علي] أن الولد جزء من الأب ، وعلى نحوه نبه قول الشاعر :
وإنمـــا أولادُنـــا بَيْنَنــَــا
أكبادُنَـــا تمَشي على الأرضِ
وقال الشاعر :
في صَلَبٍ مثلِ العنانِ المُؤَدَّمِ
والصَّلَبُ والإصْطِلَابُ : استخراج الودك من العظم . والصَّلْبُ : الذي هو تعليق الإنسان للقتل ، قيل هو شُدَّ صُلْبُهُ على خشب ، وقيل إنما هو من صَلْبِ الوَدَكِ . قال تعالى : وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ « النساء : 157 » وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ « الشعراء : 49 » وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ « طه : 71 » أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا « المائدة : 33 » .
والصَّلِيبُ : أصله الخشب الذي يُصْلَبُ عليه . والصَّلِيبُ : الذي يتقرب به النصارى ، هو لكونه على هيئة الخشب الذي زعموا أنه صُلِبَ عليه عيسى عليه السلام . وثوب مُصَلَّبٌ ، أي عليه آثار الصَّلِيبِ . والصَّالِبُ من الحمى : ما يكسر الصُّلْبَ ، أو ما يُخْرِجُ الودَكَ بالعرق . وصَلَّبْتُ السِّنَانَ : حَدَدْتُه . والصُّلْبِيَّةُ : حجارة المِسَنّ .
صَلَحَ - صالح - إصلاح - اصطلحوا
الصَّلَاحُ : ضد الفساد ، وهما مختصان في أكثر الإستعمال بالأفعال ، وقوبل في القرآن تارةً بالفساد وتارةً بالسيئة ، قال تعالى : خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً « التوبة : 102 » وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها « الأعراف : 56 » وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ « البقرة : 82 » في مواضع كثيرة .
والصُّلْحُ : يختص بإزالة النفار بين الناس ، يقال منه : اصْطَلَحُوا وتَصَالَحُوا ، قال : أَنْ يُصْلِحـا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ « النساء : 128 » وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا « النساء : 129 » فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما « الحجــرات : 9 » فَأَصْلِحُـوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ « الحجرات : 10 » .
وإِصْلَاحُ اللهِ تعالى الإنسانَ : يكون تارة بخلقه إياه صَالِحاً ، وتارة بإزالة ما فيه من فساد بعد وجوده ، وتارة يكون بالحكم له بالصَّلَاحِ . قال تعالى : وَأَصْلَحَ بالَهُمْ « محمد : 2 » يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ « الأحــزاب : 71 » وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي « الأحقاف : 15 » إن الله لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ « يونس : 81 » أي المفسد يضاد الله في فعله فإنه يفسد ، والله تعالى يتحرى في جميع أفعاله الصَّلَاحَ ، فهو إذاً لا يُصْلِحُ عملَه . وصَالِحٌ : إسم للنّبي عليه السلام ، قال تعالى : يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا « هود : 62 » .
ملاحظات
1 . قال الخليل « 3/117 » : « الصلاح : نقيض الطلاح . ورجل صالح في نفسه ومصلح في أعماله وأموره . والصلح : تصالح القوم بينهم . وأصلحت إلى الدابة :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 500 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أحسنت إليها » . وقال ابن منظور « 2/516 » : « الصَّلاح : ضدّ الفساد . . والصُّلْحُ : السِّلْم » .
2 . استعمل القرآن مادة صلح بشكل واسع في نحو 130 مورداً ، واستعمل الصالح بمعناها اللغوي المتعارف ، وهو الإستقامة على مقتضى الفطرة البشرية والعقل والمنطق ، ودعا الناس لأن يكونوا صالحين ، واعتبر الشخص الصالح النموذج المقبول عند الله تعالى .
فمن آيات الدعوة الى الصلاح :
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى . فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا . مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا . تَابَا وَأَصْلَحَا ، تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا . تَابُوا وَأَصْلَحُوا ، اتَّقَى وَأَصْلَحَ ، عَفَا وَأَصْلَحَ ، وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ، فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ، وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ . مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ . خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا . مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ . مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ .
ومن آيات طلب الصلاح في الذرية :
وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ، لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ .
ومن آيات الإصلاح بين الناس :
وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ، تُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ، فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ . وَالصُّلْحُ خَيْرٌ . إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ . إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ .
ومن آيات الإصلاح في الأسرة :
إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّـهُ بَيْنَهُمَا ، فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ . وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ . صْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ .
ومن آيات الإصلاح في الأرض :
وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا . وَاللَّـهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ . يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ .
ومن آيات الإصلاح في خلافة الرسل :
أخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ .
وفي تمنى الأموات الرجوع ليكونوا صالحين :
رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُت . رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا . فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا .
ومن آيات مدح الصالحين وأنهم من خير البشر :
مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ .
يُبَشِّرُ اللَّـهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِت .
وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ .
وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ .
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ .
وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ .
وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ .
وفي نبي الله صالح .
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ .
ومن آيات دولة العدل الإلهي على يد الصالحين :
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ .
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ .
ومنها سمي المهدي الموعود عليه السلام : أباصالح .
وفي الصالحين في الآخرة :
وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ . تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ .
وقال تعالى في الشهداء : سَيَهْديهم ويُصْلح بالَهم ، وليس
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 501 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ذلك في الآخرة ، فهو يدل على إحيائهم مرة أخرى !
صَلَدَ - صلداً - صلود
قال تعالى : فَتَرَكَهُ صَلْداً « البقرة : 264 » أي حجراً صلباً وهو لا ينبت ، ومنه قيل : رأس صَلْدٌ : لا ينبت شعراً . وناقة صَلُودٌ ومِصْلَادٌ : قليلة اللبن . وفرس صَلُودٌ : لا يعرق . وصَلَدَ الزَّنْدُ : لا يخرج ناره .
صَلَا - صلاة - صلوات
أصل الصَّلْيُ الإيقادُ بالنار ، ويقال : صَلِيَ بالنار وبكذا ، أي بلي بها واصْطَلَى بها ، وصَلَيْتُ الشاةَ : شويتها ، وهي مَصْلِيَّةٌ . قال تعالى : إصْلَوْهَا الْيَوْمَ « يس : 64 » وقال : يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى « الأعلى : 12 » تَصْلى ناراً حامِيَةً « الغاشية : 4 » وَيَصْلى سَعِيراً « الإنشقاق : 12 » وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً « النساء : 10 » قرئ : سَيُصْلَوْنَ بضم الياء وفتحها ، حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها « المجادلة : 8 » سَأُصْلِيهِ سَقَرَ « المدثر : 26 » وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ « الواقعة : 94 » . وقوله : لا يَصْـلاها إِلَّا الْأَشْـقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى « الليل : 15 » فقد قيل : معناه لا يَصْطَلِي بها إلّا الأشقى الذي . قال الخليل : صَلِيَ الكافرُ النار : قاسى حرها ، يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ « المجادلة : 8 » وقيل : صَلَى النارَ : دخل فيها وأَصْلَاهَا غيرَهُ . قال : فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً « النساء : 30 » ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا « مريم : 70 » قيل : جمع صَالٍ . والصَّلَاءُ : يقال للوقود وللشواء .
والصَّلاةُ : قال كثير من أهل اللغة : هي الدعاء والتبريك والتمجيد ، يقال : صَلَّيْتُ عليه أي دعوت له وزكيت ، وقال عليه السلام : إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، وإن كان صائما فَلْيُصَلِّ ، أي ليدع لأهله . وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إن صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ « التوبة : 103 » يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ « الأحزاب : 56 » وَصَلَواتِ الرَّسُولِ « التوبة : 99 » . وصَلَاةُ اللهِ للمسلمين هو في التحقيق تزكيته إياهم . وقال : أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ « البقرة : 157 » . ومن الملائكة هي الدعاء والإستغفار ، كما هي من الناس . قال تعالى : إن الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ « الأحزاب : 56 » .
والصَّلَاةُ : التي هي العبادة المخصوصة ، أصلها الدعاء ، وسميت هذه العبادة بها كتسمية الشئ باسم بعض ما يتضمنه . والصَّلَاةُ : من العبادات التي لم تنفك شريعة منها ، وإن اختلفت صورها بحسب شرعٍ فشرع ، ولذلك قــال : إن الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً « النساء : 103 » .
وقال بعضهم : أصلُ الصَّلَاةِ من الصَّلَى ، قال : ومعنى صَلَّى الرجل ، أي أنه ذاد وأزال عن نفسه بهذه العبادة الصَّلَى الذي هو نار الله الموقدة . وبناء صَلَّى كبناء مَرَّضَ لإزالة المرض ، ويسمى موضع العبادة الصَّلَاةَ ، ولذلك سميت الكنائس صَلَوَاتٌ ، كقوله : لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ « الحج : 40 » وكل موضع مدح الله تعالى بفعل الصَّلَاةِ أو حثَّ عليه ، ذكر بلفظ الإقامة ، نحو : وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ « النساء : 162 » وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ « البقرة : 43 » وَأَقامُــوا الصَّلاةَ « البقرة : 277 » ولم يقل : المُصَلِّينَ إلّا في المنافقين ، نحو قوله : فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ « الماعون : 4 » وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى « التوبة : 54 » .
وإنما خص لفظ الإقامة تنبيهاً [على] أن المقصود من فعلها توفيةُ حقوقها وشرائطها لا الإتيان بهيئتها فقط ، ولهذا روي أن المُصَلِّينَ كثير والمقيمين لها قليل . وقوله تعالى : لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ « المدثر : 43 » أي من أتباع النبيين ، وقوله : فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى « القيامة : 31 » تنبيهاً [على] أنه لم يكن ممن يُصَلِّي ، أي يأتي بهيئتها فضلاً عمن يقيمها .
وقوله : وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً « الأنفال : 35 » فتسمية صَلَاتِهِمْ مكاءً وتصديةٌ تنبيهٌ على إبطال صلاتهم وأن فعلهم ذلك لااعتداد به ، بل هم في ذلك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 502 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كطيور تمكو وتصدي .
وفائدة تكرار الصلاة في قوله : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ « المؤمنون : 1 » إلى آخر القصة حيث قـال : وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ « المؤمنــون : 9 » فإنا نذكره فيما بعد هذا الكتاب إن شاء الله .
ملاحظات
لا يصح قول الراغب إن القرآن لم يقل المصلين إلا في المنافقين ، لقوله تعالي : وَإ ذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا . إِلا الْمُصَلِّينَ . أَلَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ .
وقد اكتفى الراغب في أصل اشتقاق الصلاة بقول بعضهم إنها من الصلى أي صَلْيِ النار ! فنقل أقل القولين سوءً ، وتهرب من إعطاء رأيٍ في مصدرها ! وسببه أن غاية ما عند اللغويين في اشتقاق الصلاة قولان غير معقولين : أحدهما : أنها مشتقة من الصَّلَى ، أي اصطلاء النار . فمعناها أن المصلي يصطلي النار ، لكنهم غيروه وقالوا معناه : يتقي النار ! والثاني : أنها مشتقة من الصَّلَوَيْن وهما عظما ورك الفرس أو عرقان في مؤخريه ! فيكون معنى صلى : ظهر صَلَوَاهُ أو وركاه أو عرقهما كالحصان ! قال الرعيني في مواهب الجليل « 2/5 » : « فالأظهر الأشهر أنها من الصَّلَوَيْن ، وهما عرقان من جانبي الذنب ، وعظمان ينحنيان في الركوع والسجود » .
فقد افترضوا أن كلمة الصلاة عربية كما فعلوا في الصراط ، وأخذوا يبحثون عما يمكن أن يكون أصلها ومصدرها ، فوجدوا صِلِيَّ النار ، ووركي الحصان ! فتشبثوا بهما ليجعلوا أصلها عربياً ! وكان يجب أن يقولوا لا أصل لها في العربية .
ومما يؤيد ذلك أن الصلاة والزكاة وكلمات أخرى ، تكتب في العربية بالواو ، وقد تعلم القرشيون الكتابة في الحيرة ، وهو يدل على أن ألفها مضخمة بين الألف والواو ، وهو ما يوجد في اللغة الفارسية وربما السريانية . ونلاحظ أن الخليل وهو إمام اللغويين وأعقلهم ، اكتفى بذكر الصلاة وفروعها ولم يذكر اشتقاقها من اصطلى النار أو وركي الفرس ، قال « 7/153 » : « الصلاة ألفها واو ، لأن جماعتها الصلوات ، ولأن التثنية صلوان . وكل أنثى إذا ولدت انفرج صلاها . وصليت اللحم صلياً : شويته . فالصلاء الشواء » .
وأقرب ما يكون لها صلوات اليهود بمعنى كنائسهم ، وكأنها سميت بذلك لأنها محل صلواتهم ، فتكون الصلاة كلمة سريانية وهي لغة إبراهيم عليه السلام ، ثم استعملت في العبرية ، ثم في العربية .
صَمَمَ - أصم - صمٌّ - الصَّمَّة - الصَّمَّاء - صمَّمَ
الصَّمَمُ : فقدانُ حاسة السمع ، وبه يوصف من لا يُصغِي إلى الحق ولا يقبله . قال تعالى : صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ « البقرة : 18 » وقال : صُمًّا وَعُمْياناً « الفرقان : 73 » وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ « هود : 24 » وقال : وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا « المائدة : 71 » .
وشُبِّهَ ما لا صوت له به ولذلك قيل : صَمَّتْ حَصَاةٌ بِدَمٍ ، أي كثر الدم حتى لو ألقي فيه حصاة لم تسمع لها حركة . وضربة صِمَّاءُ . ومنه الصِّمَّةُ : للشجاع الذي يُصِمُّ بالضربة . وصَمَمْتُ القارورةَ : شددت فاها ، تشبيهاً بالأَصَمِّ الذي شد أذنه . وصَمَّمَ في الأمر : مضى فيه غير مصغٍ إلى من يردعه ، كأنه أَصَمُّ . والصَّمَّانُ : أرض غليظة . واشتمالُ الصَّمَّاءِ : ما لا يبدو منه شئ .
صَمَدَ - صمْداً
الصَّمَدُ : السَّيِّدُ الذي يُصْمَدُ إليه في الأمر . وصَمَدَهُ : قصد معتمداً عليه قصده . وقيل : الصَّمَدُ الذي ليس بأجوف ، والذي ليس بأجوف شيئان : أحدهما لكونه أدون من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 503 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الإنسان كالجمادات ، والثاني أعلى منه ، وهو الباري والملائكة . والقصد بقوله : اللهُ الصَّمَدُ « الإخلاص : 2 » تنبيهاً [على] أنه بخلاف من أثبتوا له الإلهية ، وإلى نحو هذا أشار بقوله : وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطعامَ « المائدة : 75 » .
صَمَعَ - صومعة - أصمع - صمعاء
الصَّوْمَعَةُ : كل بناء مُتَصَمِّع الرأسِ ، أي متلاصقُهُ ، وجمعها صَوَامِعُ . قال تعالى : لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ « الحج : 40 » .
والأَصْمَعُ : اللاصق أذنه برأسه . وقلبٌ أَصْمَعُ : جرئ كأنه بخلاف من قال الله فيهم : وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ « إبراهيم : 43 » . والصَّمْعَاءُ : البُهْمَى « الظلمة » قبل أن تتفقأ . وكلابٌ صُمُعُ الكُعُوبِ : ليسوا بأجوافها .
ملاحظات
وردت هذه المـادة في آية واحـدة هي : لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا . وقال ابن فارس « 3/310 » : « صمع : أصل واحد يدل على لطافة في الشئ وتَضَامٌّ ، قال الخليل وغيره : كل منضم فهو مُتَصَمِّعٌ . قال : ومن ذلك اشتقاق الصومعة ، ومنه الصمع في الأذنين . ويقال : قلبٌ أصمعُ أي لطيف ذكي » .
صَنَعَ- صنعاً - صنيعة - مصانع - إصطناع
الصُّنْعُ : إجادةُ الفعل ، فكل صُنْعٍ فِعْلٌ وليس كل فعل صُنْعاً ، ولا ينسب إلى الحيوانات والجمادات كما ينسب إليها الفعل . قال تعالى : صُنْعَ الله الَّذِي أَتْقَنَ كل شَئ « سورة النمل : 88 » وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ « هـود : 38 » وَاصْنَعِ الْفُلْكَ « هود : 37 » إنهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً « الكهف : 104 » صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ « الأنبياء : 80 » تَتَّخِـذُونَ مَصانِعَ « الشعراء : 129 » لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ « المائدة : 63 » حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها « هود : 16 » تَلْقَفْ ما صَنَعُوا ، إنما صَنَعُوا « طه : 69 » وَ اللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ « العنكبوت : 45 » وللإجادة يقال للحاذق المُجِيدِ : صَنَعٌ ، وللحاذقة المُجِيدَةِ : صَنَاعٌ .
والصَّنِيعَةُ : ما اصْطَنَعْتُهُ من خيرٍ ، وفرسٌ صَنِيعٌ : أُحْسِنَ القيامُ عليه . وعُبِّرَ عن الأمكنة الشريفة بِالْمَصَانِعِ . قال تعالى : وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ « الشعراء : 129 » وكُنِّي بالرشوة عن المُصَانَعَةِ .
والإصْطِنَاعُ : المبالغة في إصلاح الشئ ، وقوله : وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي « طه : 41 » وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي « طه : 39 » إشارة إلى نحو ما قال بعض الحكماء : إن الله تعالى إذا أحب عبداً تفقده ، كما يتفقد الصديق صديقه .
صَنَمَ - أصنام
الصَّنَمُ : جُثَّةٌ متخذة من فضة أو نحاس أو خشب ، كانوا يعبدونها متقربين به إلى الله تعالى ، وجمعه : أَصْنَامٌ . قال الله تعالى : أَتَتَّخِـذُ أَصْناماً آلِهَةً « الأنعام : 74 » لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ « الأنبياء : 57 » . قال بعض الحكماء : كل ما عبد من دون الله ، بل كل ما يشغل عن الله تعالى يقال له : صَنَمٌ ، وعلى هذا الوجه قال إبراهيم صلوات الله عليه : اجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ « إبراهيم : 35 » فمعلوم إن إبراهيم مع تحققه بمعرفة الله تعالى ، واطلاعه على حكمته ، لم يكن ممن يخاف أن يعود إلى عبادة تلك الجثث التي كانوا يعبدونها ، فكأنه قال : أُجْنُبني عن الإشتغال بما يصرفني عنك .
صَنَوَ- صنو أبيه - صنوانٌ
الصِّنْوُ : الغصنُ الخارج عن أصل الشجرة ، يقال : هُمَا صِنْوَا نخلةٍ ، وفلانٌ صِنْوُ أبيه ، والتثنية صِنْوَانِ ، وجمعه صِنْوَانٌ . قال تعالى : صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ « الرعد : 4 » .
ملاحظات
أخذ الراغب تعريف الصِّنْو من الخليل لكنه صاغه بعبارة ركيكة فقال إنه الغصن الخارج عن أصل الشجرة ، ولو كان غصناً لها لم يكن صنواً لها ، بل هو أخ أو شجرة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 504 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من أصل الأولى ، قال الخليل « 7/158 » : « صِنْوُ فلان : أي أخوه لأبويه وشقيقه ، وعم الرجل صنو أبيه . والصنو من النخل : نخلتان أو ثلاث أو أكثر أصلهن واحد كل واحدة على حيالها صنو ، وجمعه صنوانٌ ، والتثنية صنوان » .
صَهَرَ - صِهْرٌ - أصهار - إصهار - صَهَرَه
الصِّهْرُ : الختنُ ، وأهل بيت المرأة يقال لهم الأَصْهَارُ ، كذا قال الخليل . قال ابن الإعرابي : الإِصْهَارُ : التحَرُّمُ بجوارٍ أو نسب أو تزوُّج ، يقال : رجلٌ مُصْهِرٌ : إذا كان له تحرُّمٌ من ذلك . قال تعالى : فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً « الفرقان : 54 » . والصَّهْرُ : إذابةُ الشحم . قال تعالى : يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ « الحج : 20 » . والصُّهَارَةُ : ما ذاب منه ، وقال أعرابيّ : لَأَصْهَرَنَّكَ بيمينٍ مُرَّةٍ ، أي لأُذِيبَنَّكَ .
صَوًبَ - صواب - صَيِّب - صوْب - صابه - أصابه - إصابةً
الصَّوَابُ : يقال على وجهين ، أحدهما : باعتبار الشئ في نفسه ، فيقال : هذا صَوَابٌ ، إذا كان في نفسه محموداً ومرضيّاً بحسب مقتضى العقل والشرع ، نحو قولك : تَحَرِّي العدلِ صَوَابٌ ، والكَرَمُ صَوَابٌ .
والثاني : يقال باعتبار القاصد إذا أدرك المقصود بحسب ما يقصده ، فيقال : أَصَابَ كذا ، أي وجد ما طلب ، كقولك : أَصَابَهُ السهمُ وذلك على أضرب ، الأول : أن يقصد مايحسن قصده فيفعله ، وذلك هو الصَّوَابُ التامُّ المحمودُ به الإنسان . والثاني : أن يقصد ما يحسن فعله ، فيتأتى منه غيره لتقديره بعد اجتهاده إنه صَوَابٌ ، وذلك هو المراد بقوله عليه السلام : كل مجتهد مُصِيبٌ . وروي : المجتهد مُصِيبٌ وإن أخطأ فهذا له أجر . كما روي : من اجتهد فَأَصَابَ فله أجران ، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر . والثالث : أن يقصد صَوَاباً ، فيتأتّى منه خطأ لعارض من خارج ، نحو من يقصد رمي صيد فَأَصَابَ إنساناً ، فهذا معذور . والرابع : أن يقصد ما يقبح فعله ولكن يقع منه خلاف مايقصده ، فيقال : أخطأ في قصده وأَصَابَ الذي قصده أي وجده .
والصَّوْبُ : الإِصَابَةُ ، يقال صَابَهُ وأَصَابَهُ . وجُعِلَ الصَّوْبُ لنزول المطر إذا كان بقدر ما ينفع ، وإلى هذا القدر من المطر أشار بقوله : وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَر « المؤمنون : 18 » قال الشاعر :
فسقى ديارَك غيرَ مُفْسِدِهَا
صَوْبُ الرَّبيعِ وَدِيمَةٌ تَهْمِي
والصَّيِّبُ : السحابُ المختص بالصَّوْبِ ، وهو فيعل من : صَابَ يَصُوبُ . قال الشاعر :
فكأنما صَابَتْ عليه سحابةٌ
وقوله : أَوْ كَصَيِّبٍ « البقرة : 19 » قيل هو السحاب وقيل هو المطر وتسميته به كتسميته بالسحاب . وأَصَابَ السهم : إذا وصل إلى المرمى بالصَّوَابِ . والمُصِيبَةُ : أصلها في الرمية ، ثم اختصت بالنائبة نحو : أَوَلما أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها « آل عمران : 165 » فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ « النساء : 62 » وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ « آل عمران : 166 » وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ « الشوري : 30 » .
وأصاب : جاء في الخير والشر ، قال تعالى : إِنْ تُصِبْكَ حَسنة تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ « التوبة : 50 » وَلَئِـنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله « النساء : 73 » فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ « النور : 43 » فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ « الروم : 48 »
قال : الإِصَابَةُ في الخير اعتباراً بالصَّوْبِ ، أي بالمطر ، وفي الشر اعتباراً بِإِصَابَةِ السهمِ . وكلاهما يرجعان إلى أصل .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 505 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
صَوْت - أنصت
الصَّوْتُ : هو الهواء المنضغط عن قرع جسمين وذلك ضربان : صَوْتٌ مجردٌ عن تنفس بشئ كالصَّوْتِ الممتد وتنفس بِصَوْتٍ ما . والمتنفس ضربان : غير اختياري كما يكون من الجمادات ومن الحيوانات . واختياري : كما يكون من الإنسان ، وذلك ضربان : ضرب باليد كصَوْتِ العود وما يجري مجراه ، وضرب بالفم . والذي بالفم ضربان : نطق وغير نطق ، وغير النطق كصَوْتِ الناي ، والنطق منه إما مفرد من الكلام ، وإما مركب ، كأحد الأنواع من الكلام . قال تعالى : وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً « طه : 108 » وقال : إن أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ « لقمان : 19 » لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَــوْتِ النَّبِيِ « الحجرات : 2 » وتخصيص الصَّـوْتِ بالنهي لكونه أعم من النطق والكلام . ويجوز أنه خصه لأن المكروه رفع الصَّوْتِ فوقه ، لا رفع الكلام .
ورجلٌ صَيِّتٌ : شديد الصَّوْتِ . وصَائِتٌ : صائح ، والصِّيتُ خُصَّ بالذكر الحسن وإن كان في الأصل انتشار الصَّوْتِ .
والإِنْصَاتُ : هوالإستماع إليه مع ترك الكلام ، قال تعالى : وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا « الأعراف : 204 » وقال بعضهم : يقال للإجابة إِنْصَاتٌ ، وليس ذلك بشئ ، فإن الإجابة تكون بعد الإِنْصَاتِ ، وإن استعمل فيه فذلك حثٌّ على الإستماع لتُمْكن الإجابة .
ملاحظات
جعل الراغب الصوت من الإنصات ! وهو من : صَوَتَ ، وليس من نصت وأنصت . وعَرَّفَ الصوت من عالم الموسيقى والغناء ، لكن القرآن استعمله بالمعني المتعارف في بضعة موارد :
منها : صوت الشيطان : وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ .
ومنها : النهي عن رفع الصوت أمام النبي صلى الله عليه وآله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ .
ومنهـا : موعظة لقمــان عليه السلام لابنـــه : وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ .
ومنها : خشوع أصوات أهل المحشر : وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا .
صَاحَ - صيحةً - صيحاني
الصَّيْحَةُ : رفع الصوت . قال تعالى : إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً « يس : 29 » يَوْمَ يَسْـمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِ « ق : 42 » أي النفخ في الصور . وأصله تشقيق الصوت من قولهم انْصَاحَ الخشبُ أو الثوب إذا انشق فسمع منه صوت ، وصِيحَ الثوبُ إذا انشق ، كذلك . ويقال : بأرض فلان شجر قد صَاحَ : إذا طال فتبين للناظر لطوله ، ودل على نفسه دلالة الصَّائِحِ على نفسه بصوته .
ولما كانت الصَّيْحَةُ قد تُفزع ، عُبِّرَ بها عن الفزع في قوله : فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ « الحجر : 73 » . والصَّائِحَةُ : صَيْحَةُ المناحة . ويقال : ما ينتظرون إلا مثل صَيْحَةِ الحبلى ، أي شراً يعاجلهم . والصَّيْحَانِيُّ : ضربٌ من التمر .
ملاحظات
جعل الراغب صاح والصيحة مأخوذين من انصاح الخشب ، وهو بعيد ، لأن صوت الإنسان ألصق به من تَصَوُّحِ الخشب ، فيترجح قول ابن فارس « 3/324 » : « صَيَحَ : أصل صحيح وهو الصوت العالي ، منه الصياح والواحدة منه صيحة . ومما يستعار من هذا قولهم : صاحت الشجرة وصاح النبت ، إذا طال كأنه لما طال وارتفع جعل طوله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 506 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كالصياح الذي يدل على الصائح . وأما التصيُّح وهو تشقق الخشب ، فالأصل فيه الواو » .
صَيَدَ - اصطاد - صاديت
الصَّيْدُ : مصدرُ صَادَ ، وهو تناول ما يظفر به مما كان ممتنعاً . وفي الشرع : تناول الحيوانات الممتنعة ما لم يكن مملوكاً ، والمتناول منه ما كان حلالاً . وقد يسمى المَصِيدُ صَيْداً بقوله : أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ « المائدة : 96 » أي اصْطِيَادُ ما في البحر ، وأما قوله : لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ « المائدة : 95 » وقوله : وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا « المائدة : 2 » وقوله : غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ « المائدة : 1 » فإن الصَّيْدَ في هذه المواضع مختصٌّ بما يؤكل لحمه فيما قال بدلالة ما روي : خمسة يقتلهن المحرم في الحل والحرم : الحية والعقرب والفأرة والذئب والكلب العقور . والأَصْيَدُ : من في عنقه مَيْلٌ ، وجعل مثلاً للمتكبر . والصِّيدَانُ : بُرَامُ الأحجارِ « قدور » قال :
وَسُودٌ من الصِّيدَانِ فيها مَذانِبُ . وقيل له : صَادٌ ، قال : رأيت قدورَ الصَّادِ حول بيوتنا .
وقيل في قوله تعالى : ص وَالْقُرْآنِ : هو الحروف . وقيل : تَلَقَّهْ بالقبول ، من صَادَيْتُ كذا ، و الله أعلم .
صُوَر - صُوار - صورة - صُوار
الصُّورَةُ : ما ينتقش به الأعيان ، ويتميز بها غيرها ، وذلك ضربان : أحدهما ، محسوس يدركه الخاصة والعامة ، بل يدركه الإنسان وكثير من الحيوان ، كَصُورَةِ الإنسانِ والفرس والحمار بالمعاينة . والثاني : معقول يدركه الخاصة دون العامة ، كالصُّورَةِ التي اختص الإنسان بها من العقل والروية ، والمعاني التي خص بها شئ بشئ . وإلى الصُّورَتَيْنِ أشار بقوله تعالى : ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ « الأعراف : 11 » وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ « غافر : 64 » وقال : فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ « الإنفطار : 8 » يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ « آل عمران : 6 » . وقال عليه السلام : إن الله خلق آدم على صُورَتِهِ . فَالصُّورَةُ أراد بها ما خص الإنسان بها من الهيئة المدركة بالبصر والبصيرة ، وبها فضله على كثير من خلقه . وإضافته إلى الله سبحانه على سبيل الملك ، لا على سبيل البعضية والتشبيه ، تعالى عن ذلك . وذلك على سبيل التشريف له كقوله : بيت الله ، وناقة الله ، ونحو ذلك . قال تعالى : وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي « الحجر : 29 » وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ « النمل : 87 » فقد قيل : هو مثل قرن ينفخ فيه ، فيجعل الله سبحانه ذلك سبباً لعود الصُّوَرِ والأرواح إلى أجسامها ، وروي في الخبر : إن الصُّورَ فيه صُورَةُ الناس كلهم ، وقوله تعالى : فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطيْرِ فَصُرْهُنَ ، أي أَمِلْهُنَّ من الصَّوْرِ ، أي الميل ، وقيل : قَطعْهُنَّ صُورَةً صورة ، وقرئ : صُرَّهُنَّ ، وقيل ذلك لغتان ، يقال : صِرْتُهُ وصُرْتُهُ . وقال بعضهم : صُرْهُنَّ ، أي صِحْ بِهِنَّ . وذكر الخليل أنه يقال : عصفور صَوَّارٌ ، وهو المجيب إذا دعي ، وذكر أبوبكر النقاش أنه قرئ : فَصُرَّهُنَّ ، بضم الصاد وتشديد الراء وفتحها من الصَّرِّ أي الشد . وقرئ : فَصُرَّهُنَّ ، من الصَّرِيرِ ، أي الصوت ، ومعناه : صِحْ بهن .
والصَّوَارُ : القطيع من الغنم اعتباراً بالقطع ، نحو : الصَّرْمة والقطيع والفرقة وسائر الجماعة المعتبر فيها معنى القطع .
صَيَرَ - الصِِّير
الصِّيرُ : الشِّقُّ ، وهو المصدرُ ، ومنه قرئ : فَصُرْهُنَّ . وصَارَ إلى كذا : انتهى إليه . ومنه : صِيرُ البابِ لِمَصِيرِهِ الذي ينتهي إليه في تنقله وتحركه ، قال : وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ « الشوري : 15 » . وصَارَ ، عبارةٌ عن التنقل من حال إلى حال .
صَاعَ - صواع - تَصَوَّع
صُوَاعُ الملكِ : كان إناء يشرب به ويكال به ، ويقال له : الصَّاعُ ، ويذكر ويؤنث . قال تعالى : نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ « يوسف : 72 » ثم قال : ثُمَّ اسْتَخْرَجَها « يوسف : 76 » . ويُعبَّر عن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 507 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المكيل باسم ما يكال به في قوله : صَاعٌ من بُرٍّ أو صَاعٌ من شعير . وقيل : الصَّاعُ بطنُ الأرض ، قال : ذكروا بِكَفَّيْ لاعبٍ في صَاعٍ
وقيل : بل الصَّاعُ هنا هو الصَّاعُ يلعب به مع كرة . تَصَوَّعَ النبتُ والشَّعَر : هاج وتفرّق ، والكميُّ يَصُوعُ أقرانَهُ ، أي يفرِّقُهم .
صَوَغَ
قرئ : صَوْغَ الملكِ . يذهب به إلى أنه كان مَصُوغاً من الذهب « وهي قراءة شاذة ! » .
صَوَفَ - صوفي - صوفان
قال تعالى : وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ « النحل : 80 » وأخذ بِصُوفَةِ قفاه ، أي بشعره النابت . وكبش صَافٍ ، وأَصْوَفُ ، وصَائِفٌ : كثيرُ الصُّوفِ . والصُّوفَةُ : قومٌ كانوا يخدمون الكعبة ، فقيل سموا بذلك لأنهم تشبكوا بها كتشبك الصُّوفِ بما نبت عليه ، والصُّوفَانُ : نبت أزغب . والصُّوفِيُّ قيل : منسوب إلى لبسه الصُّوفَ . وقيل منسوب إلى الصُّوفَةِ الذين كانوا يخدمون الكعبة لاشتغالهم بالعبادة . وقيل منسوب إلى الصُّوفَانِ الذي هو نبت ، لاقتصادهم واقتصارهم في الطعم على ما يجري مجرى الصُّوفَانِ في قلة الغناء في الغذاء .
صَيَفَ - صيَّف - أصاف
الصَّيْفُ : الفصل المقابل للشتاء . قال تعالى : رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ « قريش : 2 » وسمي المطر الآتي في الصَّيْفِ صَيْفاً ، كما سمي المطر الآتي في الربيع ربيعاً . وصَافُوا : حصلوا في الصَّيْفِ ، وأَصَافُوا : دخلوا فيه .
صَوَمَ - صيام - صائم
الصَّوْمُ : في الأصل الإمساك عن الفعل مطعماً كان أو كلاماً أو مشياً ، ولذلك قيل للفرس الممسك عن السير أو العلف : صَائِمٌ . قال الشاعر :
خَيْلٌ صِيَامٌ وأخرى غَيْرُ صَائِمَةٍ .
وقيل للريح الراكدة : صَوْمٌ ، ولاستواء النهار : صَوْمٌ . تصوراً لوقوف الشمس في كبد السماء ، ولذلك قيل : قام قائم الظهيرة . ومَصَامُ الفرسِ ومَصَامَتُهُ : موقفُهُ . والصَّوْمُ في الشرع : إمساك المكلف بالنية من الخيط الأبيض إلى الخيط الأسود عن تناول الأطيبين والإستمناء والإستقاء . وقوله : إني نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً « مريم : 26 » فقد قيل : عنى به الإمساك عن الكلام بدلالة قوله تعالى : فَلَنْ أُكلمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا « مريم : 26 » .
صَيَصَ - صياصي
قوله تعـالى : وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ « الأحزاب : 26 » أي حصونهم ، وكل ما يتحصن به يقال له : صِيصَةٌ . وبهذا النظر قيل لقرن البقر : صِيصَةٌ ، وللشوكة التي يقاتل بها الديك صِيصَةٌ . والله أعلم بمراده وأسرار كتابه .
تمَّ كتاب الصاد بتوفيق الله تعالى .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 508 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب الضاد وما يتصل بها

ض
يشمل 23 مفردة و 11 ملاحظة
ضَبَحَ - ضبحاً - ضباح
قال تعالى : وَالْعادِياتِ ضَبْحـاً « العاديات : 1 » قيل : الضَّبْحُ : صوتُ أنفاس الفرس تشبيهاً بالضِّبَاحِ وهو صوت الثعلب . وقيل : هو الخفيف العَدْو وقد يقال ذلك للعدو . وقيل : الضَّبْحُ كالضبع وهو مدُّ الضَّبع في العَدْو .
وقيل : أصله إحراق العود ، شبَّه عَدْوَهُ به كتشبيهه بالنار في كثرة حركتها .
ملاحظات
ليت الراغب أخذ تعريف الضبح من الخليل ، قال « 3/109 » : « والخيل تضبح في عدوها ضبحاً : تسمع من أفواهها صوتاً ليس بصهيل ولا حمحمة » . وهو النخير . وقال ابن فارس « 3/358 » « والحجارة المضبوحة : هي قَدَّاحَةُ النار التي كأنها محترقة » .
ضَحِكَ - ضواحك - ضُحَكَةٌ - ضحوك
الضَّحِكُ : انبساطُ الوجه وتكشُّر الأسنان من سرور النفس . ولظهور الأسنان عنده سميت مقدمات الأسنان الضَّوَاحِكِ . واستعير الضَّحِكُ للسخرية فقيل ضَحِكْتُ منه . ورجلٌ ضُحَكَةٌ : يَضْحَكُ من الناس ، وضُحْكةٌ : لمن يُضْحَكُ منه . قال تعالى : وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ « المؤمنون : 110 » إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ « الزخرف : 47 » تَعْجَبُونَ . وَتَضْحَكُونَ « النجم : 59 » ويستعمل في السرور المجرد نحو : مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ « عبس : 38 » فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً « التــوبة : 82 » فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً « النمل : 19 » قال الشاعر :
تضحكُ الضَّبْعُ لقتلى هُذَيْلٍ
وترى الذئبَ لها يَسْتَهِلْ
واستعمل للتعجب المجرد تارة ، وهذا المعنى قَصَدَ مَن قال : الضَّحِكُ يَختصُّ بالإنسان ، وليس يوجد في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 509 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
غيره من الحيوان . قال : ولهذا المعنى قال تعالى : وَإنهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى « النجم : 43 » وَامْرَأَتُهُ قائِمَــةٌ فَضَحِكَتْ « هود : 71 » وضَحِكُهَا كان للتعجب بدلالة قولـه : أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله « هود : 73 » . ويدلّ على ذلك أيضاً قوله : أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ . إلى قوله : عَجِيبٌ « هود : 72 » . وقول من قال : حاضت ، فليس ذلك تفسيراً لقوله فَضَحِكَتْ كما تصوره بعض المفسرين ، فقال : ضَحِكَتْ بمعنى حاضت ، وإنما ذكر ذلك تنصيصاً لحالها ، وأن الله تعالى جعل ذلك أمارة لما بشرت به ، فحاضت
في الوقت ليعلم أن حملها ليس بمنكر
إذ كانت المرأة ما دامت تحيض فإنها تحبل
وقول الشاعر في صفة روضة :
يُضَاحِكُ الشمسَ منها كوكبُ شرِقٌ .
فإنه شبه تلألؤها بِالضَّحِكِ ، ولذلك سمي البرق العارض ضَاحِكاً ، والحجر يبرق ضَاحِكاً ، وسمي البلح حين يتفتَّقُ ضَاحِكاً ، وطريقٌ ضَحُوكٌ : واضحٌ . وضَحِكَ الغديرُ : تلألأ من امتلائه . وقد أَضْحَكْتُهُ .
ضُحَى - أضحية - أضاحي - ضحيان
الضُّحَى : انبساطُ الشمس وامتداد النهار ، وسمِّي الوقت به ، قال الله عز وجـل : وَالشَّمْسِ وَضُحاها « الشمس : 1 » إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها « النازعات : 46 » وَالضُّحى وَاللَّيْـلِ . وَأَخْرَجَ ضُحاها « النازعات : 29 » وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى « طه : 59 » وضَحَى يَضْحَى : تَعَرَّضَ للشمس . قال : وَإنكَ لا تَظْمَؤُا فِيهـا وَلا تَضْحى « طه : 119 » أي لك أن تتصوَّن من حَرِّ الشمس . وتَضَحَّى : أَكَلَ ضُحًى ، كقولك تغدى ، والضَّحَاءُ والغداءُ لطعامهما . وضَاحِيَةُ كل شئ : ناحيتُهُ البارزةُ . وقيل للسماء : الضَّوَاحِي . وليلة إِضْحِيَانَةٌ ، وضَحْيَاءُ : مُضيئةٌ إضاءةَ الضُّحَى . والأُضْحِيَّةُ : جمعُها أَضَاحِي ، وقيل ضَحِيَّةٌ وضَحَايَا وأَضْحَاةٌ وأَضْحًى . وتسميتها بذلك في الشرع لقوله عليه السلام : من ذبح قبل صلاتنا هذه فليُعِدْ .
ملاحظات
1 . أقسمَ الله تعالى بالضحى : وَالضُّحَى . وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ، وبالشمس وضحاها : وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا . وقابل الضحى بالليل : وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا . وقابله بالعصر : كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا . ووصف الضحى بأنه ذروة حركة الناس : أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ . وبأنه الوقت المناسب لاجتماعهم : قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى . ووصف الجنة بأنها ليس فيه حر الشمس : وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيهَا وَلا تَضْحَى .
2 . قال ابن فارس « 3/391 » : « أصل صحيح واحد يدل على بروز الشئ ، فالضحاء امتداد النهار وذلك هو الوقت البارز المنكشف »
وقال الجوهري « 6/2406 » : « ضحوة النهار بعد طلوع الشمس ، ثم بعده الضحا ، وهي حين تشرق الشمس . إضحَ لمن أحرمت له ، بكسر الألف وفتح الحاء من ضَحِيتُ أضحى ، لأنه إنما أمره بالبروز للشمس . ومنه قوله تعالى : وَإنكَ لا تَظْمَؤُا فِيهـا وَلا تَضْحى » .
وأفضل من عرف الضحى الخليل ، قال : « 3/265 » : « الضَّحْوُ : ارتفاع النهار ، والضحى : فُوَيْقَ ذلك . والضحاء ممدود إذا امتد النهار وكَرُبَ أن ينتصف . وضَحِيَ الرجل ضُحى : أصابه حر الشمس ، قال الله تعالى : لا تَظْمَؤُا فِيهـا وَلا تَضْحى ، أي لايؤذيك حر الشمس . وهلم نتضحى أي نتغدى . وتضحت الإبل : أخذت في الرعي من أول النهار ، وتعشت : رعت بالليل .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 510 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يقال : ضحها وعشها .
والضاحية من كل بلدة ناحيتها البارزة ، يقال : هؤلاء ينزلون الباطنة وهؤلاء ينزلون الضواحي . . والضحية : الأضحية ، والجميع : الضحايا والأضاحي ، وهي الشاة يضحى بها يوم الأضحى بمنى وغيره » .
ضَدَّ - ضاده - تضاد
قال قوم : الضِّدَّانِ : الشيئان اللذان تحت جنس واحدٍ ، وينافي كل واحد منهما الآخر في أوصافه الخاصة ، وبينهما أبعد البعد كالسواد والبياض ، والشر والخير ، وما لم يكونا تحت جنس واحد لا يقال لهما ضِدَّانِ ، كالحلاوة والحركة .
قالوا : والضِّدُّ هو أحد المتقابلات ، فإن المتقابلين هما الشيئان المختلفان ، اللذان كل واحد قبالة الآخر ، ولا يجتمعان في شئ واحد في وقت واحد ، وذلك أربعة أشياء : الضِّدَّانِ كالبياض والسواد . والمتناقضان : كالضِّعْف والنِّصْف ، والوجود والعدم ، كالبصر والعمى ، والموجبة والسالبة في الأخبار ، نحو : كل إنسان هاهنا وليس كل إنسان هاهنا .
وكثير من المتكلمين وأهل اللغة يجعلون كل ذلك من المُتَضَادَّاتِ ويقولون : الضِّدَّانِ ما لا يصح اجتماعهما في محل واحد . وقيل : الله تعالى لا ند له ولا ضِدَّ ، لأن النِّدَّ هو الإشتراك في الجوهر ، والضِّدَّ هو أن يعتقب الشيئان المتنافيان على جنس واحد ، والله تعالى منزه عن أن يكون جوهراً ، فإذاً لاضِدَّ له ولا نِدّ وقوله : وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا « مريم : 82 » أي منافين لهم .
ضَرَّ- ضراء - ضُرَّة - إضطرار- ضروري
الضُّرُّ : سوءُ الحال ، إما في نفسه لقلة العلم والفضل والعفة ، وإما في بدنه لعدم جارحة ونقص ، وإما في حالة ظاهرة من قلة مال وجاه . وقوله : فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ « الأنبياء : 84 » فهو محتمل لثلاثتها . وقوله : وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ « يونس : 12 » وقولـه : فَلما كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأن لَمْ يَدْعُنـا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ « يونس : 12 » .
يقال : ضَرَّهُ ضُرّاً : جلب إليه ضُرّاً . وقوله : لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً « آل عمران : 111 » ينبههم على قلة ما ينالهم من جهتهم ، ويؤمنهم من ضَرَرٍ يلحقهم نحو : لايَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً « آل عمران : 120 » وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً « المجادلة : 10 » وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ الله « البقرة : 102 » . وقال تعالى : وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ « البقرة : 102 » . وقال : يَدْعُوا مِنْ دُونِ الله ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ « الحج : 12 » وقوله : يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ « الحج : 13 » . فالأول : يعني به الضُّرُّ والنفع اللذين بالقصد والإرادة ، تنبيهاً [على] أنه لايقصد في ذلك ضَرّاً ولا نفعاً لكونه جماداً . وفي الثاني : يريد ما يتولد من الإستعانة به ومن عبادته ، لا ما يكون منه بقصده .
والضَّرَّاءُ : يقابل بالسَّرَّاء والنعماء ، والضَّر بالنفع . قال تعالى : وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَـرَّاءَ « هود : 10 » وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً « الفرقان : 3 » . ورجلٌ ضَرِيرٌ : كناية عن فقد بصره . وضَرِيرُ الوادي : شاطئه الذي ضَرَّهُ الماءُ .
والضَّرِيرُ : المَضَارُّ ، وقد ضَارَرْتُهُ . قال تعالى : وَلا تُضآرُّوهُنَ « الطلاق : 6 » وقال : وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ « البقرة : 282 » يجوز أن يكون مسنداً إلى الفاعل ، كأنه قال : لا يُضَارِرْ ، وأن يكون مفعولاً ، أي لا يُضَارَرْ ، بأن يُشغَل عن صنعته ومعاشه باستدعاء شهادته . وقال : لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها « البقرة : 233 » فإذا قرئ بالرفع فلفظه خبر ومعناه أمر ، وإذا فتح فأمر . قال تعالى : ضِراراً لِتَعْتَدُوا « البقرة : 231 » .
والضَّرَّةُ : أصلُها الفَعْلة التي تَضُرُّ ، وسُمِّيَ المرأتان تحت رجل واحد كل واحدة منهما ضَرَّةٌ لاعتقادهم إنها تَضُرُّ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 511 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بالمرأة الأخرى ، ولأجل هذا النظر منهم قال النبي صلى الله عليه وآله : لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في صحفتها .
والضَّرَّاءُ : التزويج بِضَرَّةٍ . ورجلٌ مُضِرٌّ : ذو زوجين فصاعداً . وامرأةٌ مُضِرٌّ : لها ضَرَّةٌ .
والإضْطِرَارُ : حمل الإنسان على ما يَضُرُّه ُ ، وهو في التعارف حمله على أمر يكرهه ، وذلك على ضربين ، أحدهما : اضطرار بسبب خارج كمن يُضرب أو يُهدد ، حتى يفعل منقاداً ويؤخذ قهراً ، فيحمل على ذلك ، كما قال : ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ « البقرة : 126 » ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ « لقمان : 24 » .
والثاني : بسبب داخل وذلك إما بقهر قوة له لا يناله بدفعها هلاك ، كمن غلب عليه شهوة خمر أو قمار ، وإما بقهر قوة يناله بدفعها الهلاك ، كمن اشتد به الجوع فَاضْطُرَّ إلى أكل ميتة ، وعلى هذا قوله : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ « البقرة : 173 » فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ « المائدة : 3 » وقال : أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعــاهُ « النمل : 62 » فهو عامٌّ في كل ذلك .
والضَّرُورِيُّ : يقال على ثلاثة أضرب ، أحدها : إما يكون على طريق القهر والقسرلا على الإختيار كالشجر إذا حركته الريح الشديدة . والثاني : ما لا يحصل وجوده إلا به ، نحو الغذاء الضَّرُورِيِّ للإنسان في حفظ البدن . والثالث : يقال فيما لا يمكن أن يكون على خلافه ، نحو أن يقال : الجسم الواحد لا يصح حصوله في مكانين في حالة واحدة بالضَّرُورَةِ . وقيل : الضَّرَّةُ أصلُ الأنملة وأصلُ الضرع ، والشحمةُ المتدليةُ من الإلية .
ملاحظات
1 . فسر الراغب الضُّرَّ بسوء الحال مطلقاً ، واعتبر منه قلة العلم وقلة المال ! وهذا يجعل كل الناس أو جلهم أهل ضُرٍّ ، ولا يساعد عليه استعمال الضر في العربية . كما خلط بين بعض مفردات المادة ، وأطال فيما لا طائل فيه ، ولا نطيل في مناقشته .
وقد أجاد الخليل في قوله « 7/6 » : « الضُّر والضَّر لغتان ، فإذا جمعت بين الضـر والنفع فتحتَ الضاد ، وإذا أفردتَ الضـر ضممت الضاد ، إذا لم تجعله مصدراً كقولك ضررت ضُرّاً ، هكذا يستعمله العرب . وقال الله تعالى : وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه . والضـرر : النقصان يدخـل في الشئ ، تقول : دخل عليه ضرر في ماله . والضرورة : إسم لمصدر الإضطرار . والضرر : الزمانة ، ومنه قوله تعالى : غير أولي الضرر » .
2 . استعمل القرآن من مفردات هذه المادة كلمة الضراء في قوله تعالى : وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَاسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَاسِ . . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ . . مَسَّتْهُمُ الْبَاسَاءُ وَالضَّرَّاءُ . . وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ . فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ . والبأساء من البُؤس وهو الفقر . والضراء من الضُّرّ كالمرض . وجاء بمعنى الفقر في قول إخوة يوسف : مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ .
وفي أن الكفار لايضرون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله والمؤمنين : وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا . . وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا . . لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلا أَذًى . لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا . . لايَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ . . وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا .
ونهى عن الإضرار بالمطلقات ومنعهن من الزواج : وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا .
وقال تعالى في مسجد الضرار : وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ .
وقال تعالى في ضجيج الإنسان من الضر : ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 512 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ . . وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ . وَإِذَا مَسَّ الآنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا . الى آخر موارد الضر والضرر في القرآن ، وهي عديدة .
ضَرَبَ - ضرباً - مضاربة - اضطراب - استضراب
الضَّرْبُ : إيقاعُ شئ على شئ . ولتصور اختلاف الضرب ، خولف بين تفاسيرها ، كَضَرْبِ الشئ باليد والعصا والسيف ونحوها . قال : فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كل بَنانٍ « الأنفال : 12 » فَضَرْبَ الرِّقابِ « محمد : 4 » فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها « البقرة : 73 » أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ « الأعراف : 160 » فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ « الصافات : 93 » يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ « محمد : 27 » . وضَرْبُ الأرضِ بالمطر . وضَرْبُ الدراهمِ اعتباراً بِضَرْبِ المطرقةِ ، وقيل له : الطبع اعتباراً بتأثير السمة فيه ، وبذلك شبه السجية وقيل لها الضَّرِيبَةُ والطبِيعَةُ .
والضَّرْبُ في الأَرْضِ : الذهاب فيها وضَرْبُهَا بالأرجلِ . قال تعالى : وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ « النساء : 101 » وَقالُوا لِإِخْوانِهِـمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ « آل عمران : 156 » وقـال : لايَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ « البقرة : 273 » ومنه : فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ « طه : 77 » .
وضَرْبُ الفحلِ الناقةَ : تشبيهاً بالضَّرْبِ بالمطرقة كقولك طَرَقَهَا ، تشبيهاً بالطرق بالمطرقة . وضَرْبُ الخيمةِ بضرب أوتادها بالمطرقة ، وتشبيهاً بالخيمة قال : ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ « آل عمران : 112 » أي التحفتهم الذلة التحاف الخيمة بمن ضُرِبَتْ عليه . وعلى هذا : وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ « آل عمران : 112 » ومنه استعير : فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَـدَداً « الكهف : 11 » وقوله : فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ « الحديد : 13 » .
وضَرْبُ العودِ والناي والبوق ، يكون بالأنفاس ، وضَرْبُ اللَّبِنِ بعضِهِ على بعض بالخلط ، وضَرْبُ المَثلِ هو من ضَرْبِ الدراهمِ وهو ذكر شئ أثره يظهر في غيره . قال تعالى : ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا « الزمر : 29 » وَاضْرِبْ لَهُـمْ مَثَلًا « الكهف : 32 » ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ « الروم : 28 » وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ « الروم : 58 » وَلما ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا « الزخرف : 57 » ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا « الزخــرف : 58 » وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا « الكهف : 45 » أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً « الزخرف : 5 » .
والمُضَارَبَةُ : ضَرْبٌ من الشَّرِكَةِ . والمُضَرَّبَةُ : ما أُكْثِرَ ضربُهُ بالخياطة . والتضْرِيبُ : التحريضُ ، كأنه حثٌّ على الضَّرْبِ الذي هو بعد في الأرض . والإضْطِرَابُ : كثرةُ الذهاب في الجهات من الضرب في الأرض .
واسْتِضَرابُ الناقةِ : استدعاء ضرب الفحل إياها .
ملاحظات
قال الراغب : « الضرب إيقاعُ شئ على شئ » ! ولو قال : ضرب شئ بشئ ، لكان أهون ، لأن إيقاع شئ علي شئ يجعل الكتابة ضرباً للورق بالقلم ، وسقوط الثمر ضرباً للأرض ! ولو اتبع الخليل لكان خيراً له فقدعَرَّفَ الضرب بتقسيمه .
قال الخليل « 7/30 » : « الضرب يقع على جميع الأعمال : ضرب في التجارة ، وفي الأرض ، وفي سبيل الله . وضرب يده إلى كذا . وضرب فلان على يد فلان : حبس عليه أمراً أخذ فيه وأراده ، ومعناه حجر عليه . والطيرالضوارب : المخترقات الأرض الطالبات الرزق . وضرب الدهر من ضرباته ، أي كان كذا وكذا . والفحل من الإبل يضرب الشول ضراباً ، وصاحبها أضْرَبَهَا الفحل . وأضرب الريح والبرد النبات إضراباً ، هكذا تقول العرب . وضرب النبات ضرباً ، فهو
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 513 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ضرب إذا أضربه البرد . وأضرب فلان عن كذا أي كفَّ .
والضرب : في النحو والصنف ، يقال : هذا ضرب ذاك وضريب ذاك ، أي مثله . والضريبة : الطبيعة يقال : إنه لكريم الضرائب . والضريبة : مضرب السيف . والضرائب : ضرائب الأرضين في وظائف الخراج عليها » .
ومعنى قول الخليل إن الضرب يقع على جميع الأعمال : أن فروعه تستعمل أفعالاً مساعدة مع كل أفعال الأعمال . وأنه استقرأ العربية فوجد ذلك ، وبهذا تكون مادة ضرب أوسع مادة مساعدة في العربية على الإطلاق !
ضَرَعَ - ضرعاً - تضرع - تضرعاً - مضارعة
الضَّرْعُ : ضَرْعُ الناقةِ ، والشاة ، وغيرهما . وأَضْرَعَتِ الشاةُ : نزل اللبن في ضَرْعِهَا لقرب نتاجها ، وذلك نحو : أَتْمَرَ وأَلْبَنَ : إذا كثر تمره ولبنه . وشاةٌ ضَرِيعٌ : عظيمةُ الضَّرْعِ . وأما قوله : لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ « الغاشية : 6 » فقيل : هو يَبِيسُ الشِّبْرُقِ . وقيل : نباتٌ أحمرُ منتنُ الريحِ يرمي به البحر ، وكيفما كان فإشارة إلى شئ منكر .
وضَرَعَ البَهْمُ : تناول ضَرْعَ أُمِّهِ ، وقيل منه : ضَرَعَ الرجل ضَرَاعَةً : ضَعُفَ وذَلَّ ، فهو ضَارِعٌ وضَرِعٌ . وتَضَرّعَ : أظهر الضَّرَاعَةَ ، قال تعالى : تَضَرُّعـاً وَخُفْيَةً « الأنعام : 63 » لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ « الأنعام : 42 » لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ « الأعراف : 94 » أي يَتَضرعون فأدغم . فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا « الأنعام : 43 » .
والمُضَارَعَةُ : أصلُها التشارك في الضَّرَاعَةِ ، ثم جرد للمشاركة ، ومنه استعار النحويون لفظَ الفعلِ المُضَارِعِ .
ملاحظات
قال الخليل « 1/270 » : « ضرع الرجل يضرع فهو ضَرِعٌ ، أي غَمْرٌ ضعيف . والضرْع أيضاً : النحيف الدقيق ، يقال : جسدك ضارع ، وأنت ضارع ، وجنبك ضارع . وتقول : أضرعته ، أي ذللته . وتضرع : تذلل ، وكذلك التضرع إلى الله : التخشع . والمضارع : الذي يضارع الشئ كأنه مثله وشبهه . والضريع في كتاب الله يبيس الشبرق » .
وقال ابن فارس « 3/395 » : « أصل صحيح يدل على لين في الشئ . ومن الباب ضَرْعُ الشاة وغيرها ، سميَ بذلك لما فيه من لين . فأما المضارعة فهي التشابه بين الشيئين ، قال بعض أهل العلم : اشتقاق ذلك من الضرع كأنهما ارتضعا من ضرع واحد . ويقال لِنَاحِلِ الجسم ضارع ، وقال رسول الله عليه السلام في ابني جعفر : مالي أراهما ضارعين؟ ومما شذ عن هذا الباب الضريع وهو نبت ، وممكن أن يحمل على الباب فيقال ذلك لضعفه إذْ كان لا يسمن ولا يغني من جوع » .
ضَعُفَ - ضعفاً - ضاعف
الضَّعْفُ : خلافُ القوة . وقد ضَعُفَ فهو ضَعِيفٌ . قال عز وجل : ضَعُفَ الطالِبُ وَالْمَطْلُوبُ « الحج : 73 » . والضَّعْفُ : قد يكون في النفس وفي البدن وفي الحال . وقيل : الضَّعْفُ والضُّعْفُ لغتان . قال تعالى : وَعَلِمَ أن فِيكُمْ ضَعْفاً « الأنفــال : 66 » قال : وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا « القصص : 5 » . قال الخليل رحمه الله : الضُّعْفُ بالضم في البدن ، والضَّعْفُ في العقل والرأي ، ومنه قوله تعالى : فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً « البقرة : 282 » . وجمع الضَّعِيفِ : ضِعَافٌ وضُعَفَاءُ . قال تعالى : لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ . « التوبة : 91 » .
واسْتَضْعَفْتُهُ : وجدتُهُ ضَعِيفاً ، قال : وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ « النساء : 75 » قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ « النساء : 97 » إن الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي « الأعراف : 150 » .
وقوبل بالإستكبار في قوله : قالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 514 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
اسْتَكْبَرُوا « سبأ : 33 » . وقوله : اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً « الروم : 54 » . الثاني غير الأول وكذا الثالث ، فإن قوله : خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ « الروم : 54 » أي من نطفة أو من تراب . والثاني هو الضَّعْفُ الموجودُ في الجنين والطفل . والثالث الذي بعد الشيخوخة وهو المشار إليه بأرذل العمر . والقوَّتان : الأولى هي التي تجعل للطفل من التحرك ، وهدايته واستدعاء اللبن ، ودفع الأذى عن نفسه بالبكاء . والقوة الثانية هي التي بعد البلوغ ، ويدل على أن كل واحد من قوله : ضَعْفٍ ، إشارةٌ إلى حالة غير الحالة الأولى ذكره منكَّراً ، والمنكَّر متى أعيد ذكره وأريد به ما تقدم عُرِّف كقولك : رأيت رجلاً ، فقال لي الرجل : كذا . ومتى ذكر ثانياً مُنَكَّراً أريد به غير الأول ، ولذلك قال ابن عباس في قوله : فَإن مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إن مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً « الشرح : 5 » لن يغلب عسر يسرين . وقوله : وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً « النساء : 28 » فَضَعْفُهُ : كثرةُ حاجاته التي يستغني عنها الملأ الأعلى . وقوله : إن كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً « النساء : 76 » فَضَعْفُ كيدِهِ إنما هو مع من صار من عباد الله المذكورين في قوله : إن عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ « الإسراء : 65 » .
والضِّعْفُ : هو من الألفاظ المتضايفة التي يقتضي وجود أحدهما وجود الآخر ، كالنصف والزوج ، وهو تركُّب قدرين متساويين ، ويختصُّ بالعدد ، فإذا قيل : أَضْعَفْتُ الشئ وضَعَّفْتُهُ وضَاعَفْتُهُ : ضممت إليه مثله فصاعداً . قال بعضهم : ضَاعَفْتُ أبلغ من ضَعَّفْتُ ، ولهذا قرأ أكثرهم : يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ « الأحزاب : 30 » وَإِنْ تَكُ حَسنة يُضاعِفْها « النساء : 40 » وقال : مَنْ جـاءَ بِالْحَسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها « الأنعام : 160 » . والمُضَاعَفَةُ : على قضية هذا القول تقتضي أن يكون عشر أمثالها . وقيل : ضَعَفْتُهُ بالتخفيف ضَعْفاً ، فهو مَضْعُوفٌ . فَالضَّعْفُ مصدرٌ والضِّعْفُ إسمٌ ، كالثَّنْيِ والثِّنْيِ ، فَضِعْفُ الشئ هو الّذي يُثَنِّيهِ ومتى أضيف إلى عدد اقتضى ذلك العدد ومثله ، نحو أن يقال ضِعْفُ العشرةِ وضِعْفُ المائةِ ، فذلك عشرون ومائتان بلا خلاف ، وعلى هذا قول الشاعر :
جَزَيْتُكَ ضِعْفَ الوُدِّ لما اشتكيتَهُ
وَمَا إنْ جَزَاكَ الضِّعْفَ منْ أَحَدٍ قَبْلِي
وإذا قيل : أعطه ضِعْفَيْ واحدٍ ، فإن ذلك اقتضى الواحد ومثليه وذلك ثلاثة ، لأن معناه الواحد واللذان يزاوجانه ، وذلك ثلاثة . هذا إذا كان الضِّعْفُ مضافاً ، فأما إذا لم يكن مضافاً فقلت : الضِّعْفَيْنِ ، فإن ذلك يجري مجرى الزوجين في أن كل واحد منهما يزاوج الآخر فيقتضي ذلك اثنين ، لأن كل واحد منهما يُضَاعِفُ الآخرَ ، فلا يخرجان عن الإثنين بخلاف ما إذا أضيف الضِّعْفَانِ إلى واحد فيثلثهما نحو : ضِعْفَيِ الواحدِ . وقوله : فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ « سبأ : 37 » وقوله : لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً « آل عمران : 130 » فقد قيل : أتى باللّفظين على التأكيد . وقيل : بل المُضَاعَفَةُ من الضَّعْفِ لامن الضِّعْفِ ، والمعنى : ما يعدونه ضِعْفاً فهو ضَعْفٌ أي نقص كقوله : وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ الله « الروم : 39 » وكقوله : يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ « البقرة : 276 » وهذا المعنى أخذه الشاعر فقال :
زيادة شيبٍ وهي نَقْصُ زِيَادَتِي .
وقوله : فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ « الأعراف : 38 » فإنهم سألوه أن يعذبهم عذاباً بضلالهم ، وعذاباً بإضلالهم كما أشار إليه بقـوله : لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ « النحل : 25 » . وقوله : لِكل ضِعْفٌ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 515 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَلكِنْ لاتَعْلَمُونَ « الأعراف : 38 » أي لكل منهم ضِعْفُ ما لكم من العذاب . وقيل : أي لكل منهم ومنكم ضِعْفُ ما يرى الآخر ، فإن من العذاب ظاهراً وباطناً ، وكل يدرك من الآخر الظاهر دون الباطن فيقدر أن ليس له العذاب الباطن .
ملاحظات
فروع هذه المادة واضحة ، وإن خلط الراغب بين عدد منها . وقد أخطأ في قوله : « واسْتَضْعَفْتُهُ : وجدتُهُ ضَعِيفاً » بل معناه : طلمته فجعلته مستضعفاً ، أو حسبته مستضعفاً . والمستضعف تستعمل بمعنى مستضعف في بدنه ، وقوته ، ومكانته ، أو مستضعف في دينه ، وهو الذي لا يعرف الحق عن قصور لا عن تقصير .
ضَغَثَ - ضِغْثاً - أضغاث
الضِّغْثُ : قبضةُ ريحانٍ ، أو حشيشٍ أو قُضْبَانٍ ، وجمعه أَضْغَاثٌ . قال تعالى : وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً « صاد : 44 » وبه شُبِّهَ الأحلام المختلطة التي لايتبين حقائقها ، قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ « يوسف : 44 » : حزم أخلاط من الأحلام .
ضَغَنَ - أضغن - إضغان
الضِّغْنُ والضَّغْنُ : الحِقْدُ الشديدُ ، وجمعه أَضْغَانٌ . قال تعالى : أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ « محمد : 29 » وبه شُبِّهَ الناقة ، فقالوا : ذاتُ ضِغْنٍ ، وقناةٌ ضَغِنَةٌ : عوجاءُ . والإِضْغَانُ : الإشتمالُ بالثوب وبالسلاح ، ونحوهما .
ضَلَّ - ضلالاً - أضله إضلالاً
الضَّلَالُ : العدولُ عن الطريق المستقيم ويضادُّه الهداية ، قال تعالى : فَمَنِ اهْتَدى فَإنما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإنما يَضِلُّ عَلَيْها « الإسراء : 15 » . ويقال الضَّلَالُ لكل عدولٍ عن المنهج ، عمداً كان أو سهواً ، يسيراً كان أو كثيراً ، فإن الطريق المستقيم الذي هو المرتضى صعب جداً . قال النبي صلى الله عليه وآله : إستقيموا ولن تُحْصُوا ، وقال بعض الحكماء : كونُنَا مصيبين من وجه كونُنَا ضَالِّينَ من وجوه كثيرة ، فإن الإستقامة والصواب يجري مجرى المقرطس من المرمي ، وماعداه من الجوانب كلها ضَلَالٌ . ولمِا قلنا ، روي عن بعض الصالحين أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله في منامه فقال : يا رسول الله يُروى لنا أنك قلت : شيبتني سورة هود وأخواتها ، فما الذي شيبك منها؟ فقال : قوله : فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ .
وإذا كان الضَّلَالُ تركَ الطريق المستقيم عمداً كان أو سهواً ، قليلاً كان أو كثيراً ، صح أن يستعمل لفظ الضَّلَالِ ممن يكون منه خطأ ما ، ولذلك نسب الضَّلَالُ إلى الأنبياء وإلى الكفار وإن كان بين الضَّلَالَيْنِ بون بعيد ، ألا ترى أنه قال في النبي صلى الله عليه وآله : وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى « الضحى : 7 » أي غير مهتد لما سيق إليك من النبوة . وقال في يعقوب : إنكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ « يوسف : 95 » وقال أولاده : إن أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ « يوسف : 8 » إشارة إلى شغفه بيوسف وشوقه إليه ، وكذلك : قَدْ شَغَفَها حُبًّا إنا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ « يوسف : 30 » وقال عن موسى عليه السلام : فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ « الشعراء : 20 » تنبيهٌ [على] أن ذلك منه سهوٌ . وقوله : أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما « البقرة : 282 » أي تنسى ، وذلك من النسيان الموضوع عن الإنسان .
والضَّلَالُ : من وجه آخر ، ضربان : ضَلَالٌ في العلوم النظرية ، كالضَّلَالِ في معرفة الله ووحدانيته ، ومعرفة النبوة ، ونحوهما المشار إليهما بقوله : وَمَنْ يَكْفُرْ بِالله وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً « النساء : 136 » . وضَلَالٌ في العلوم العملية ، كمعرفة الأحكام الشرعية التي هي العبادات .
والضَّلَالُ البعيدُ : إشارةٌ إلى ما هو كفر كقوله على ما تقدم من قوله : وَمَنْ يَكْفُرْ بِالله « النساء : 136 » وقوله : إن الَّذِينَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 516 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ الله قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيــداً « النساء : 167 » وكقوله : فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ « سبأ : 8 » أي في عقوبة الضَّلَالِ البعيدِ ، وعلى ذلك قوله : إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ « الملك : 9 » قَدْ ضَلُّـوا مِنْ قَبْـــلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ « المائدة : 77 » .
وقوله : أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ « السجدة : 10 » كناية عن الموت واستحالة البدن . وقوله : وَلَا الضَّالِّينَ « الفـاتحة : 7 » فقد قيل : عنى بِالضَّالِّينَ النصارى . وقوله : فِي كِتابٍ لا يَضِـلُّ رَبي وَلا يَنْسى « طه : 52 » أي لا يَضِلُّ عن ربي ، ولا يَضِلُّ ربي عنه : أي لا يغفله . وقوله : أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ « الفيل : 2 » أي في باطل وإِضْلَالٍ لأنفسهم .
والإِضْلَالُ ضربان ، أحدهما : أن يكون سببه الضَّلَالُ ، وذلك على وجهين : إما بأن يَضِلَّ عنك الشئ كقولك : أَضْلَلْتُ البعيرَ ، أي ضَلَّ عني ، وإما أن تحكم بِضَلَالِهِ . والضَّلَالُ في هذين سبب الإِضْلَالِ .
والضرب الثاني : أن يكون الإِضْلَالُ سبباً لِلضَّلَالِ ، وهو أن يزين للإنسان الباطل ليَضِلَّ كقوله : لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ « النساء : 113 » أي يتحرون أفعالاً يقصدون بها أن تَضِلَّ ، فلا يحصل من فعلهم ذلك إلا ما فيه ضَلَالُ أنفسِهِم . وقال عن الشيطان : وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ « النساء : 119 » وقال في الشيطان : وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً « يس : 62 » وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً « النساء : 60 » وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ الله « صاد : 26 » .
وإِضْلَالُ اللهِ تعالى للإنسان على أحد وجهين : أحدهما : أن يكون سببُهُ الضَّلَالَ ، وهو أن يَضِلَّ الإنسانُ فيحكم الله عليه بذلك في الدنيا ويعدل به عن طريق الجنة إلى النار في الآخرة ، وذلك إِضْلَالٌ هو حق وعدلٌ ، فالحكم على الضَّالِّ بضَلَالِهِ والعدول به عن طريق الجنة إلى النار عدل وحق .
والثاني من إِضْلَالِ اللهِ : هو أن الله تعالى وضع جبلة الإنسان على هيئة إذا راعى طريقاً محموداً كان أو مذموماً ، ألفه واستطابه ولزمه ، وتعذر صرفه وانصرافه عنه ، ويصير ذلك كالطبع الذي يأبى على الناقل ، ولذلك قيل : العادة طبع ثان . وهذه القوة في الإنسان فعل إلهيّ . وإذا كان كذلك ، وقد ذكر في غير هذا الموضع أن كل شئ يكون سبباً في وقوع فعل ، صح نسبة ذلك الفعل إليه ، فصح أن ينسب ضلال العبد إلى الله من هذا الوجه ، فيقال : أَضَلَّهُ اللهُ ، لا على الوجه الذي يتصوره الجهلة . ولما قلناه جَعَلَ الإِضْلَالَ المنسوب إلى نفسه للكافر والفاسق دون المؤمن ، بل نفى عن نفسه إِضْلَالَ المؤمنِ فقال : وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ « التوبة : 115 » فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ « محمد : 4 » .
وقال في الكافر والفاسق : فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ « محمد : 8 » وما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ « البــقرة : 26 » كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ « غافر : 74 » وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ « إبراهيم : 27 » .
وعلى هذا النحو تقليب الأفئدة في قوله : وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ « الأنعام : 110 » والختم على القلب في قوله : خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ « البقرة : 7 » وزيادة المرض في قوله : فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً « البقرة : 10 » .
ملاحظات
1 . لايصح تعريفه للضلال بأنه العدولُ عن الطريق المستقيم ، لأنه قد يكون ضياعاً عن الهدى ، أو ضياعاً داخل الهدى . ثم حاول إصلاح تعريفه فعمم الضلال للعمد والسهو . والصحيح أن الضلال ضياعٌ ودرجاته متفاوتة ، وأنواعه وأسبابه عديدة . بل يأتي بمعنى التحير
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 517 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فيما يعمله كقوله تعالى : وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى ، أي وجدك متحيراً كيف تدعو الى ربك .
2 . كلامه عن صعوبة الهدى صحيح بشكل عام ، لكن لايصح جره الى النبي صلى الله عليه وآله وجعله كبعض الحكماء الذين ذكر اعترافهم بأن المهتدي منهم من جانب ضالٌّ من جوانب ! وأن حاله كالسهم المقرطس أي المصيب في السهام المخطئة ! وحديث : إستقيموا ولن تحصوا . رواه مرسلاً في الموطأ « 1/34 » . وحديث : شيبتني هود وأخواتها ، رواه الحاكم « 2/343 » وصححه ، بلفظ : « شيبتني هود والواقعة وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت » . لكن لم يُرْوَ هذا عن أهل البيت عليهم السلام . ولو صح فلا دليل فيهما على صعوبة الثبات على الهدى على النبي صلى الله عليه وآله ، وقد يكون الذي شيبه العصاة والمنافقون وما فعلوه معه ، وما سيفعلونه بعده !
3 . أطال الراغب في تفسير إضلال الله تعالى لبعض الناس ، وجعل نسبة الفعل اليه تعالى مجازاً ، لكنه فعل حقيقي وهو حكمةٌ وعدلٌ فلا ضير في نسبته الى الله تعالى لأنه لا يكون إلا باستحقاق الشخص للإضلال . « راجع بحث الضلال في أول كتابنا : جواهر التاريخ » .
ضَمَّ - إضمامة
الضَّمُّ : الجمعُ بين الشيئين فصاعداً . قال تعالى : وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ « طه : 22 » وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ « القصص : 32 » . والإِضْمَامَةُ : جماعةُ من الناس أو من الكتب أو الريحان أو نحو ذلك . وأسد ضَمْضَمٌ وضُمَاضِمٌ : يَضُمُّ الشّئ إلى نفسه . وقيل : بل هو المجتمع الخلق . وفرس سَبَّاقُ الأَضَامِيمِ : إذا سبق جماعة من الأفراس دفعة واحدة .
ضَمَرَ - ضموراً - ضامر - ضمير- مضمار
الضَّامِرُ : من الفرس الخفيف اللحم من الأعمال لا من الهزال . قال تعالى : وَعَلى كل ضامِرٍ « الحج : 27 » يقال : ضَمَرَ ضُمُوراً ، واضْطَمَرَ فهو مُضْطَمِرٌ ، وضَمَّرْتُهُ أنا . والمِضْمَارُ : الموضع الذي يُضْمَرُ فيه .
والضَّمِيرُ : ما ينطوي عليه القلب ، ويدقُّ على الوقوف عليه . وقد تُسَمَّى القوة الحافظة لذلك ضَمِيراً .
ضَنَّ - ضناً - ضنين - ضن به
قال تعالى : وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ « التكوير : 24 » أي ما هو ببخيل ، والضَّنَّةُ هو البخل بالشئ النفيس ، ولهذا قيل : عِلْقُ مَضَنَّةٍ ومَضِنَّةٍ . وفلانٌ ضِنِّي بين أصحابي : أي هو النفيس الذي أَضِنُّ به ، يقال : ضَنَنْتُ بالشئ ضَناً وضَنَانَةً ، وقيل : ضَنِنْتُ .
ضَنَكَ - ضنكاً - ضِناك - ضُنَّاك
قال تعالى : وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإن لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً « طه : 124 » أي ضيقاً . وقد ضَنُكَ عيشُهُ . وامرأة ضِنَاكٌ : مُكْتَنِزَةٌ . والضُّنَاكُ : الزُّكَامُ ، والمَضْنُوكُ : المزكوم .
ضَاَهى - ضاهأه - ضاهاه
قال تعالى : يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا « التوبة : 30 » أي يشاكلون ، وقيل أصله الهمز ، وقد قرئ به . والضَّهْيَاءُ : المرأةُ التي لا تحيض ، وجمعه : ضُهًى .
ملاحظات
المُضاهَاةُ : المشابهة ، وفيها معنى الإتباع والتقليد ، وقد تستعمل بمعنى المعارضة والنَّدِّية ، كما في النبوي : أَشدّ الناسِ عَذاباً يومَ القيامَة الذين يُضاهُونَ خَلْقَ الله أي يُعارِضُونه بما يَعْملونه هم . وقد ذكر المعنيين ابن منظور « 14/488 » وغيره .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 518 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ضَيْر - مضرة
الضَّيْرُ : المَضَرَّةُ ، يقال : ضارَّه وضرَّه . قال تعالى : لا ضَيْرَ إنا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ « الشعراء : 50 » وقوله : لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً « آل عمران : 120 » .
ملاحظات
الضَّيْر : إسم مصدر من الضرر ، تقول : ضَرَّهُ يضره ضرراً ومضرة وضيراً . ولا ضَيْرَ فيه ، أي لا حرج . « العين : 7/54 » .
ضَيَزَ
قال تعالى : تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى « النجم : 22 » أي ناقصة . أصله : فُعْلَى فكسرت الضاد للياء . وقيل ليس في كلامهم فِعْلَى .
ملاحظات
هكذا فسرها الخليل وابن فارس ، وفسرها الجوهري بالقسمة الجائرة « 3/883 » وهو قول قوي لأنه المتبادر .
ضَيَعَ - ضياعاً - ضيعة - ضياع
ضَاعَ الشئ يَضِيعُ ضَيَاعاً ، وأَضَعْتُهُ وضَيَّعْتُهُ . قال تعالى : لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ « آل عمران : 195 » إنا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا « الكهف : 30 » وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ « البقرة : 143 » لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ « التوبة : 120 » . وضَيْعَةُ الرجلِ : عقاره الذي يَضِيعُ ما لم يُتفقد ، وجمعه : ضِيَاعٌ . وتَضَيَّعَ الريحُ : إذا هبَّت هبوباً يُضَيِّعُ ما هبَّت عليه .
ضَيَفَ - ضافه - تضيف - أضياف - تضايف
أصلُ الضَّيْفِ : الميلُ . يقال ضِفْتُ إلى كذا وأَضَفْتُ كذا إلى كذا ، وضَافَتِ الشمسُ للغروب وتَضَيَّفَتْ ، وضَافَ السهمُ عن الهدف ، وتَضَيَّفَ . والضَّيْفُ : من مال إليك نازلاً بك . وصارت الضِّيَافَةُ متعارفة في القِرى ، وأصل الضَّيْفِ مصدرٌ ، ولذلك استوى فيه الواحد والجمع في عامة كلامهم ، وقد يجمع فيقال أَضْيَافٌ وضُيُوفٌ وضِيفَانٌ .
قال تعالى : ضَيْفِ إِبْراهِيمَ « الحجر : 51 » وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي « هود : 78 » إن هؤُلاءِ ضَيْفِي « الحجر : 68 » . ويقال : اسْتَضَفْتُ فلاناً فَأَضَافَنِي ، وقد ضِفْتُهُ ضَيْفاً ، فأنا ضَائِفٌ وضَيْفٌ . وتستعمل الإِضَافَةُ في كلام النحويين في إسم مجرور يُضم إليه إسم قبله ، وفي كلام بعضهم في كل شئ يثبت بثبوته آخر ، كالأب والابن ، والأخ والصديق ، فإن كل ذلك يقتضي وجوده وجود آخر ، فيقال لهذه : الأسماء المُتَضَايِفَةُ .
ملاحظات
الصحيح أن الضيافة أصلٌ ومعناها انتسابٌ الى المُضَيِّف . ومعنى تضيفت الشمس للغروب في كلام النبي صلى الله عليه وآله : تأهبت لتكون ضيفة الغروب كما يتأهب الضيف للضيافة ، أو يميل الى مضيفه . يقال : جنحت الشمس للغروب ، ومالت ، وتدلت ، وضافت ، وطفلت ، ودنقت ، حسب قربها منه . وقد أجاد الخليل فجعل الضيافة أصلاً ، والميل متفرعاً عنها ، قال « 7/66 » : « تضيفت فلاناً : سألته أن يضيفني . وضفت فلاناً أي نزلت به للضيافة ، وأضفته : أنزلته . وتقول : أنا أضيفه إذا أملته إليك ، ومنه يقال : هو مضافٌ إلى كذا ، أي ممالٌ إليه » .
ضَيَقَ - ضاق - ضِيقاً - ضَيْقاً - تضييق - ضائق - أضاق
الضِّيقُ : ضد السعة ، ويقال : الضَّيْقُ أيضاً ، والضَّيْقَةُ يستعمل في الفقر والبخل والغم ونحو ذلك . قال تعالى : وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً « هود : 77 » أي عجز عنهم ، وقال : وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ « هود : 12 » وَيَضِيقُ صَدْرِي « الشعراء : 13 » ضَيِّقاً حَرَجاً « الأنعام : 125 » وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ « التوبة : 25 » وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ « التوبة : 118 » وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ « النحــل : 127 » . كل ذلك عبارة عن الحزن . وقوله : وَلا تُضـآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ « الطـلاق : 6 »
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 519 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ينطوي على تَضْيِيقِ النفقة وتَضْيِيقِ الصدر . ويقال في الفقر : ضَاقَ ، وأَضَاقَ فهو مُضِيقٌ . واستعمال ذلك فيه كاستعمال الوسع في ضده .
ضَأَنَ - أضأنَ - ضائنة
الضَّأْنُ : معروفٌ . قال تعالى : مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ « الأنعام : 143 » وأَضْأَنَ الرجل إذا كثر ضَأْنُهُ . وقيل الضَّائِنَةُ : واحد الضَّأْنِ .
ضَوَأَ - أضاء - ضوأً - ضياء
الضَّوْءُ : ما انتشر من الأجسام النيرة ، ويقال : ضَاءَتِ النارُ وأَضَاءَتْ وأَضَاءَهَا غيرُها . قال تعالى : فَلما أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ « البقرة : 17 » كلما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ « البقرة : 20 » يَكادُ زَيْتُها يُضِئ « النور : 35 » يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ « القصص : 71 » . وسَمَّى كُتُبَهُ المُهْتَدَى بها ضِيَاءً في نحو قوله : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ « الأنبياء : 48 » .
تمَّ كتاب الضَّاد .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 520 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب الطاء وما يتصل بها

ط
يشمل 38 مفردة و 15 ملاحظة
طَبَعَ - يطبع - طبعاً - طابع - مطبوع - يطبع - طبيعة
الطبْعُ : أن تصور الشئ بصورة ما ، كَطَبْعِ السكَّةِ وطَبْعِ الدَّراهمِ . وهو أعم من الخَتْم وأخص من النَّقْش . والطابَعُ والخاتم : ما يُطْبَعُ ويَخْتِمُ . والطابِعُ : فاعل ذلك ، وقيل للطابَعِ طَابِعٌ ، وذلك كتسمية الفعل إلى الآلة ، نحو : سيف قاطع . قال تعـالى : فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ « المنافقون : 3 » كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ « الـروم : 59 » كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ « يونس : 74 » وقد تقدم الكلام في قوله : خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ « البقرة : 7 » . وبه اعتبر الطبْعُ والطبِيعَةُ ، التي هي السجية ، فإن ذلك هو نقش النفس بصورة ما ، إما من حيث الخلقة ، وإما من حيث العادة . وهو فيما ينقش به من حيث الخلقة أغلب ، ولهذا قيل : وتأبَى الطِّبَاعُ على الناقلِ . وطَبِيعَةُ النارِ ، وطَبِيعَةُ الدواءِ : ما سخر الله له من مزاجه . وطِبْعُ السَّيْفِ ، صدؤه ودنسه ، وقيل : رجلٌ طَبْعٌ .
وقد حمل بعضهم : طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ « محمد : 16 » وكَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ « يونس : 74 » على ذلك ، ومعناه : دنسه ، كقوله : بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ « المطففين : 14 » وقـوله : أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ « المائدة : 41 » . وقيل : طَبَعْتُ المكيالَ : إذا ملأته ، وذلك لكون الملء كالعلامة المانعة من تناول بعض ما فيه . والطبْعُ : المَطْبُوعُ أي المملوء : قال الشاعر :
كَرَوَايَا الطَّبْعِ هَمَّتْ بِالوَحَل .
ملاحظات
1 . الطبع على القلب أشد من الختم عليه ، فالختم إقفاله ومنعه من الهدى عقوبةً له ، أما الطبع فهو جعل الكفر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 521 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
طبيعة له عقوبةً على عمله . وقد استعمل القرآن مادة الطبع على القلوب بالجمع عشر مرات ، قال تعالى : وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلاً . . لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ . . فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ . . رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ .
وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ . . كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ . . كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ . . وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا . . أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ . . إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا للَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ . . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ .
واستعملها في الطبع على القلب بالإفراد مرة واحدة ، في قوله تعالى : كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّار .
ويبدو أن الطبع عقوبة تكون في حالة تعقيد شديدة ضد الإيمان تتكون عادةً في جماعة عادة ، ويتصف بها المتكبر الجبار خاصة .
2 . واستعمل القرآن الختم على القلوب ، والقلب ، والسمع ، والأفواه ، ولم يستعمله على الأبصار ، قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ . . خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ . . قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ . . الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ . . أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً .
واستعمل المختوم في شراب الجنة : يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ . خِتَامُهُ مِسْكٌ .
واستعمل ختم النبيين بنبينا صلى الله عليه وآله وأنه لو شاء لختم على قلبه : وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ . . أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ .
3 . أما الرَّيْن فهو أشد من الختم والطبع ، وقد استعمل القرآن الرين على القلب في آية واحدة لنوع من المكذبين ، فقال تعالى : إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَلِينَ . كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ .
روى الكليني في الكافي « 2/273 » عن الإمام الباقر عليه السلام : « قال : ما من عبد إلا وفي قلبه نكتة بيضاء ، فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء ، فإن تاب ذهب ذلك السواد وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد ، حتى يغطي البياض فإذا تغطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً ، وهو قول الله عز وجل : كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ » .
أما الأقفال على القلوب في قوله تعالى : أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا . فهي نفسها أقفال الختم والطبع والرين ، لا غيرها .
4 . يؤيد ماذكرنا التأمل في معاني هذه المواد في القرآن ومصادر اللغة ، وقد جعل الراغب وابن فارس طبع الشئ وختمه أصلاً واحداً وفرعوا منه الطبيعة ، لكن يظهر أن الطبيعة قبل الختم والطبع لكثرة الألفاظ الموضوعة لها مثل : السجية ، والخليقة ، والغريزة ، والسليقة ، والمزاج ، والضريبة ، والطريقة ، والعريكة ، والدسيعة ، والتوس ، والتوز ، والخِيم ، والنَّحِيتة ، والشنشنة ، وغيرها من الألفاظ ، وهو دليل على أن استعمالها أكثر من طباعة الشئ وختمه ، وأنها قبله . « الجوهري : 1/170 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 522 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ويؤيد ما ذكرناه : معاني الطبع السلبية ، فقد قال الخليل « 2/22 » : « الطبع : الوسخ الشديد على السيف . والرجل إذا لم يكن له نفاذ في مكارم الأمور ، كما يطبع السيف إذا كثر عليه الصدأ . وفلان طَبِعٌ طَمِع إذا كان ذا خلق دنئ » .
وقال ابن منظور « 8/233 » : « طبَع الله على قلوب الكافرين ، نعوذ بالله منه ، أَي خَتَمَ فلا يَعِي وغطَّى ولا يُوَفَّقُ لخير . . أَصل الطبَع الصَّدَأُ يكثر على السيف وغيره . . وأَصله من الوَسَخ والدَّنَس يَغْشَيانِ السيف . . ورجل طَبِعٌ طَمِعٌ مُتَدَنِّسُ العِرْضِ ذو خُلُقٍ دَنيء لا يستَحْيي من سَوأَة » .
لكنهم مع ذلك عرفوا الطبع بالختم : قال الخليل « 2/23 » : « والطبع : الختم على الشئ . . وطبع على القلوب : ختم عليها » . وكأنهم لم يجدوا لفظة لتعريف الطبع أقرب من الختم ، وكذلك عرفوهما ببعضهما ، ولم يستطيعوا أن يبلغوا دقة القرآن فيهما . قال الخليل : « 4/241 » : « ختم يختم ختماً أي : طبع فهو خاتم . وختام الوادي : أقصاه . وخاتمة السورة : آخرها . وخاتم العمل وكل شئ آخره . وختمت زرعي إذا سقيته أول سقية فهو الختم ، والختام إسم لأنه إذا سقي فقد ختم بالرجاء » .
وفرق بينهما أبو هلال/236 ، بقوله : « الفرق بين الطبع والختم : أن الطبع أثر يثبت في المطبوع ويلزمه فهو يفيد من معنى الثبات واللزوم ما لا يفيده الختم » . وهو قريب مما ذكرناه .
طَبَق - مطابقة - طباقاً - طبقات - أطبق - طبق
المُطَابَقَةُ من الأسماء المتضايفة ، وهو أن تجعل الشئ فوق آخر بقدره ، ومنه طَابَقْتُ النعل قال :
إذا لاوَذَ الظِّلَّ القَصِيرُ بِخُفِّهِ
وكان طِبَاق الخُفِّ و قَلَّ زائدا
ثم يستعمل الطبَاقُ في الشئ الذي يكون فوق الآخر تارة ، وفيما يوافق غيره تارة ، كسائر الأشياء الموضوعة لمعنيين ، ثم يستعمل في أحدهما دون الآخركالكأس والراوية ونحوهما ، قال تعالى : الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً « الملك : 3 » أي بعضها فوق بعض . وقوله : لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ « الإنشقاق : 19 » أي يترقى منزلاً عن منزل ، وذلك إشارة إلى أحوال الإنسان من ترقيه في أحوال شتى في الدنيا ، نحو ما أشار إليه بقوله : خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ « الروم : 20 » وأحوال شتى في الآخرة من النشور والبعث والحساب ، وجواز الصراط إلى حين المستقر في إحدى الدارين .
وقيل لكل جماعة مُتَطَابِقَةٍ : هم في أُمِّ طَبَقٍ ، وقيل : الناس طَبَقَاتٌ ، وطَابَقْتُهُ على كذا ، وتَطَابَقُوا وأَطْبَقُوا عليه . ومنه : جوابٌ يُطَابِقُ السّؤالَ . والمُطَابَقَةُ في المشي كمشي المقيد .
ويقال لما يوضع عليه الفواكهُ ، ولما يوضع على رأس الشئ : طَبَقٌ . ولكل فقرة من فقار الظّهر : طَبَقٌ لِتَطَابُقِهَا .
وطَبَّقْتُهُ بالسيف : اعتباراً بِمُطَابَقَةِ النعلِ . وطِبْقُ اللَّيلِ والنهارِ : ساعاته المُطَابِقَةُ . وأَطْبَقْتُ عليه البابَ . ورجل عياياءُ طَبَاقَاءُ : لمن انغلق عليه الكلام ، من قولهم : أَطْبَقْتُ البابَ . وفحلٌ طَبَاقَاءُ : انْطَبَقَ عليه الضِّرابُ فعجز عنه وعُبِّرَ عن الداهية بِبِنْتِ الطبَقِ . وقولهم : وَافَقَ شِنٌّ طَبَقَةً ، وهما قبيلتان .
ملاحظات
أطال الراغب في أمثلة نادرة الإستعمال ، وبعضها مشكوك . وقد استعمل القرآن : طَبَقاً عَنْ طَبَق لحياة الإنسان ، وَسَبْعاً طِبَاقاً للسموات . قال الخليل « 5/108 » : « والسماوات طباق بعضها فوق بعض ، الواحدة طبقة ، ويذكَّر فيقال : طبق واحد . والطبقة : الحال ، ويقال : كان فلان على طبقات شتى من الدنيا ، أي حالات . وقولـه تعـالى : لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 523 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عَن طَبَقٍ ، أي حالاً عن حال يوم القيامة . وفي المثل : وافق شن طبقة ، وشِنٌّ قبيلة من عبد القيس أبرُّوا » أغاروا « على من حولهم فصادفوا قوماً قهروهم ، فقيل ذلك » .
طَحَا - يطحو - طحواً
الطحْوُ : كالدَّحو ، وهو بسط الشئ ، والذَّهاب به . قال تعالى : وَالْأَرْضِ وَما طَحاها « الشمس : 6 » قال الشاعر :
طَحَا بكَ قلبٌ في الحسانِ طَرُوبُ
أي ذهب .
ملاحظات
تقدم في دحا أنه يشير الى كروية الأرض ، لأن الدحية بيضة النعامة ، أو مكانها في الرمل . أما الطحو فيشير الى البسط . قال ابن فارس « 3/445 » : « وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ، أي بسطها . وقال تعـالى في موضـع آخـر : وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا . ويقال طحا بك همك » . ويبدو انهما أصلان .
طَرَحَ - طرحاً - طروح - مطروح
الطرْحُ : إلقاء الشئ وإبعاده . والطَّرُوحُ : المكان البعيد ، ورأيته من طَرْحٍ ، أي بُعْدٍ . والطرْحُ : المَطْرُوحُ لقلة الإعتداد به . قال تعالى : أقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً . « يوسف : 9 » .
طَرَدَ - طرداً - أطرده - طريد- طريدة - مطاردة - اطِّراد
الطرْدُ : هو الإزعاج والإبعاد على سبيل الإستخفاف ، يقال : طَرَدْتُهُ ، قال تعالى : وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ الله إِنْ طَرَدْتُهُمْ « هود : 30 » وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ « الأنعام : 52 » وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ « الشعراء : 114 » فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ « الأنعام : 52 » . ويقال : أَطْرَدَهُ السلطانُ وطَرَدَهُ : إذا أخرجه عن بلده ، وأمر أن يَطْرُدَ من مكان حِلِّه . وسمّي ما يثار من الصيد : طَرْداً وطَرِيدَةً . ومُطَارَدَةُ الأقرانِ : مدافعةُ بعضِهِمْ بعضاً . والمِطْرَدُ : ما يُطْرَدُ به . واطِّرَادُ الشئ : متابعة بعضه بعضاً .
طَرَفَ - طَرْف - طَرْف العين - مِطرف - طريف - مستطرف - فرس طرْف
طَرَفُ الشئ : جانبُهُ ، ويستعمل في الأجسام والأوقات وغيرهما . قال تعالى : فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ « طه : 130 » أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهـارِ « هود : 114 » ومنه اسـتعير : هو كريمُ الطرَفَيْنِ ، أي الأب والأم . وقيل : الذَّكَرُ واللِّسَانُ إشارة إلى العفة .
وطَرْفُ العينِ : جَفْنُهُ . والطرْفُ : تحريك الجفن ، وعُبر به عن النظر إذ كان تحريك الجفن لازمه النظر . وقوله : قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ « النمل : 40 » فِيهِنَّ قاصِراتُ الطرْفِ « الرحمن : 56 » عبارة عن إغضائهن لعفتهن . وطُرِفَ فلانٌ : أصيب طَرْفُهُ . وقوله : لِيَقْطَعَ طَرَفاً « آل عمران : 127 » فتخصيصُ قطعِ الطَّرَفِ من حيث أن تنقيصَ طَرَفِ الشئ يُتَوَصَّلُ به إلى توهينه وإزالته ، ولذلك قال : نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها « الرعد : 41 » . والطَّرَافُ : بيتُ أَدَمٍ يؤخذ طَرَفُهُ . ومِطْرَفُ الخزِّ ومُطْرَفٌ : ما يجعل له طَرَفٌ ، وقد أَطْرَفْتُ مالًا ، وناقة طَرِفَةٌ ومُسْتَطْرِفَةٌ : ترعى أطرافَ المرعى كالبعير ، والطرِيفُ ما يتناوله ، ومنه قيل مالٌ طَرِيفٌ . ورَجُلٌ طَرِيفٌ : لايثبت على امرأة . والطرْفُ : الفرسُ الكريمُ ، وهو الذي يُطْرَفُ من حسنه . فالطرْفُ في الأصل هو المَطْرُوفُ أي المنظور إليه ، كالنقض في معنى المنقوض . وبهذا النظر قيل : هو قَيْدُ النواظر ، فيما يحسن حتى يثبت عليه النظر .
طَرَقَ - طريق - طريقة - طارق - مطروق - مطرقة - مطاريق
الطرِيقُ : السبيل الذي يُطْرَقُ بالأَرْجُلِ ، أي يضرب . قال تعالى : طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ « طه : 77 » وعنه استعير كل مسلك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 524 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يسلكه الإنسان في فِعْلٍ ، محموداً كان أو مذموماً . قال : وَيَذْهَبـا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى « طه : 63 » وقيـل : طَرِيقَةٌ من النخل ، تشبيهاً بالطرِيقِ في الإمتداد . والطرْقُ : في الأصل كالضَّرْبِ ، إلا أنه أخص لأنه ضَرْبُ تَوَقُّعٍ كَطَرْقِ الحديدِ بالمِطْرَقَةِ ، ويُتَوَسَّعُ فيه تَوَسُّعَهُم في الضّرب . وعنه استعير : طَرْقُ الحَصَى للتكَهُّنِ . وطَرْقُ الدوابِّ الماءَ : بالأرجل حتى تكدره حتى سمي الماء الدنق طَرْقاً . وطَارَقْتُ النعلَ وطَرَقْتُهَا ، وتشبيهاً بِطَرْقِ النَّعْلِ في الهيئة . قيل : طَارَقَ بين الدِّرْعَيْنِ . وطَرْقُ الخوافي : أن يركب بعضها بعضاً .
والطارِقُ : السالك للطرِيقِ ، لكن خص في التعارف بالآتي ليلاً فقيل : طَرَقَ أهلَهُ طُرُوقاً ، وعبر عن النجم بالطارِقِ لاختصاص ظهوره بالليل . قال تعالى : وَالسَّماءِ وَالطارِقِ « الطارق : 1 » قال الشاعر :
نحنُ بَنَاتُ طَارِقِ
وعن الحوادث التي تأتي ليلاً بالطوَارِقِ ، وطُرِقَ فلانٌ : قُصِدَ ليلًا . قال الشاعر :
كأني أنا المَطْرُوقُ دونَكَ بالذي
طُرِقْتَ به دوني وعَيْنَيَّ تَهْمِلُ
وباعتبار الضرب قيل : طَرَقَ الفحلُ الناقةَ وأَطْرَقْتُهَا واسْتَطْرَقْتُ فلاناً فحلًا ، كقولك ضربها الفحل وأضربتها واستضربته فحلاً . ويقال للناقة : طَرُوقَةٌ . وكُنِّيَ بالطرُوقَةِ عن المرأة . وأَطْرَقَ فلانٌ : أغضى كأنه صار عينه طَارِقاً للأرض ، أي ضارباً له كالضرب بالمِطْرَقَةِ . وباعتبارِ الطرِيقِ قيل : جاءت الإبلُ مَطَارِيقَ ، أي جاءت على طَرِيقٍ واحدٍ . وتَطَرَّقَ إلى كذا نحو توسَّلَ ، وطَرَّقْتُ له : جعلت له طَرِيقاً . وجمعُ الطرِيقِ طُرُقٌ ، وجمعُ طَرِيقَةٍ طرَائِقُ . قال تعالى : كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً « الجن : 11 » إشارة إلى اختلافهم في درجاتهم ، كقوله : هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ الله « آل عمران : 163 » وأطباق السماء يقال لها طَرَائِقُ . قال الله تعالى : وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ « المؤمنون : 17 » . ورجلٌ مَطْرُوقٌ : فيه لين واسترخاء ، من قولهم : هو مَطْرُوقٌ ، أي أصابته حادثةٌ لَيَّنَتْهُ ، أو لأنه مضروب ، كقولك مقروع ، أو مدوخ . أو لقولهم : ناقة مَطْرُوقَةٌ تشبيهاً بها في الذِّلَّةِ .
طَرَى - طراوة - إطراء
قال تعالى : لَحْماً طَرِيًّا « النحل : 14 » أي غضاً جديداً من الطرَاءِ والطرَاوَةِ . يقال : طَرَّيْتُ كذا فطَرِيَ ، ومنه : المُطَرَّاةُ من الثياب . والإِطْرَاءُ : مدحٌ يُجَدَّدُ ذِكْرُهُ . وطَرَأَ بالهمز : طلع .
طَس
طس : هما حرفان ، وليس من قولهم : طسّ وطَسُوس في شئ .
طَعَمَ - طعماً - طعاماً - أطعم - استطعم - مطعم - مطعام - طُعمة
الطعْمُ : تناول الغذاء ، ويسمى ما يتناول منه طَعْمٌ وطَعَامٌ . قال تعالى : وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ « المائدة : 96 » قال : وقد اختص بالبُرّ فيما روى أبو سعيد : إن النبي صلى الله عليه وآله أمر بصدقة الفطر صاعاً من طَعَامٍ أو صاعاً من شعير . قال تعالى : وَلا طَعــامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ « الحاقة : 36 » طَعاماً ذا غُصَّةٍ « المزمل : 13 » طَعامُ الْأَثِيمِ « الدخان : 44 » وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ « الماعون : 3 » أي إِطْعَامِهِ الطعَامَ ، فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا « الأحزاب : 53 » . وقال تعالى : لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحـاتِ جُناحٌ فِيمــا طَعِمُوا « المائدة : 93 » . قيل : وقد يستعمل طَعِمْتُ في الشراب كقوله : فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإنهُ مِنِّي « البقرة : 249 » وقال بعضهم : إنما قال : وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ ، تنبيهاً [على] أنه محظور أن يتناول إلا غرفة مع طَعَامٍ ، كما أنه محظور عليه أن يشربه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 525 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إلّا غرفة ، فإن الماء قد يُطْعَمُ إذا كان مع شئ يمضغ ، ولو قال : ومن لم يشربه لكان يقتضي أن يجوز تناوله إذا كان في طَعَام . فلما قال وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ ، بَيَّنَ أنه لا يجوز تناوله على كل حال إلّا قدر المستثنى ، وهو الغرفة باليد . وقول النبي صلى الله عليه وآله في زمزم : إنه طَعَامُ طُعْمٍ وشِفَاءُ سُقْمٍ ، فتنبيهٌ منه [على] أنه يغذي بخلاف سائر المياه .
واسْتَطْعَمَهُ فَأْطْعَمَهُ ، قال تعالى : اسْتَطْعَما أَهْلَها « الكهف : 77 » وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ « الحج : 36 » وَيُطْعِمُونَ الطعامَ « الإنسان : 8 » أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ « يس : 47 » الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ « قريش : 4 » وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ « الأنعام : 14 » وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ « الذاريات : 57 » . وقال عليه الصلاة والسلام : إذا اسْتَطْعَمَكُمُ الإمامُ فَأَطْعِمُوهُ ، أي إذا استفتحكم عند الإرتياج فلقِّنوه . ورجلٌ طَاعِمٌ : حَسَنُ الحالِ ، ومُطْعَمٌ : مرزوقٌ ، ومِطْعَامٌ : كثيرُ الإِطْعَامِ ، ومِطْعَمٌ : كثيرُ الطعْمِ ، والطُّعْمَةُ : ما يُطْعَمُ .
طَعَنَ - طعناً - تطاعنوا - اطَّعنوا
الطعْنُ : الضّربُ بالرمح وبالقرن وما يجري مجراهما . وتَطَاعَنُوا واطَّعَنُوا ، واستعير للوقيعة . قال تعالى : وَطَعْناً فِي الدِّينِ « النساء : 46 » وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ « التوبة : 12 » .
طَغَيَ - طغياناً - طغوى - أطغاه - طاغية - طاغوت
طَغَوْتُ وطَغَيْتُ طَغَوَاناً وطُغْيَاناً . وأَطْغَاهُ كذا : حمله على الطغْيَانِ ، وذلك تجاوز الحد في العصيان . قال تعالى : اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إنهُ طَغى « النازعات : 17 » إن الْإِنْسانَ لَيَطْغى « العلق : 6 » وقال : قالا رَبَّنا إننا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى « طه : 45 » وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي « طه : 81 » وقال تعالى : فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً « الكهف : 80 » فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ « البقرة : 15 » إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً « الإسراء : 60 » وَإن لِلطاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ « صاد : 55 » قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ « ق : 27 » .
والطغْوَى : الإسم منه . قال تعالى : كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها « الشمس : 11 » تنبيهاً [على] أنهم لم يصدقوا إذْ خُوِّفوا بعقوبة طُغْيَانِهِمْ . وقوله : هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى « النجم : 52 » تنبيهاً [على] أن الطغْيَان لا يخلص الإنسان ، فقد كان قوم نوح أَطْغَى منهم فأهلكوا . وقوله : إنا لما طَغَى الْماءُ « الحاقة : 11 » فاستعير الطغْيَانُ فيه لتجاوز الماء الحد . وقوله : فَأُهْلِكُوا بِالطاغِيَةِ « الحاقة : 5 » فإشارة إلى الطوفان المعبر عنه بقوله : إنا لما طَغَى الْماءُ « الحاقة : 11 » .
والطاغُوتُ : عبارةٌ عن كل متعدٍّ ، وكل معبود من دون الله ، ويستعمل في الواحد والجمع . قال تعالى : فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطاغُوتِ « البقرة : 256 » وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطاغُوتَ « الزمر : 17 » أَوْلِياؤُهُمُ الطاغُوتُ « البقرة : 257 » يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطاغُوتِ « النساء : 60 » فعبارة عن كل متعد ، ولما تقدم سمي الساحر والكاهن والمارد من الجن ، والصارف عن طريق الخير طاغوتاً ، ووزنه فيما قيل : فعلوت ، نحو جبروت وملكوت .
وقيل أصله : طَغَوُوتُ ، ولكن قُلب لام الفعل نحو صاعقة وصاقعة ، ثم قلب الواو ألفاً لتحركه وانفتاح ما قبله .
ملاحظات
قلنا في مادة جَبَتَ : إن الطاغوت هو الذي يطغى ويتزعم ويعبده الناس ، أي يطيعــونه من دون الله تعالى . والجبت : الرجل الضعيف المنحط الذي ينصبونه مكان الطاغوت ، ويطيعونه لأنه يمثل رمز طغيانهم . وفي المخصص « 1/98 » أن الجبت : الضعيف في عقله ورأيه . وقد ورد الطاغوت في القرآن بمعنى المعبودين أو المطاعين من دون الله تعالى ، أو من دون أنبيائه وأوصيائهم عليهم السلام ، ولا يصح قول الراغب : والطاغُوتُ : عبارةٌ عن كل متعدٍّ ، بل هو تسميته لمن طغى على الله تعالى ونصب نفسه مقابله ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 526 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأخذ حق الله على عباده بالطاعة ، قال تعالى : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطاغُوتَ . . فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى . . وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطـاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ . يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ . وَالَّذِينَ اجْتَنَبُـوا الطاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَـا وَأَنَابُوا إِلَى اللهِ .
طَفَّ - طفف - تطفيفاً
الطفِيفُ : الشئ النَّزْرُ ، ومنه الطفَافَةُ لما لا يعتدُّ به . وطَفَّفَ الكيلَ : قلل نصيب المكيل له في إيفائه واستيفائه . قال تعالى : وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ « المطففين : 1 » .
ملاحظات
أخذ الراغب معنى التطفيف من قول ابن فارس « 3/405 » : « طفَّ : يدل على قلة الشئ . والتطفيف : نقص المكيال والميزان » . وقال الخليل وهو أدق منهما « 7/406 » : « الطِّفَاف : ما فوق المكيال . والتطفيف : أن يؤخذ أعلاه فلا يتم كيله فهو طَفَّانٌ ، والتَّجْميم والتطفيف واحد » . فالتطفيف أخذ طَفَاف الكيل وجعله جَمَاماً ناقصاً ، وهذا تقليل من الكيل .
طَفِقَ
يقال : طَفِقَ يفعل كذا ، كقولك : أخذ يفعل كذا ، ويستعمل في الإيجاب دون النفي ، لايقال : ما طَفِقَ . قال تعالى : فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأعناقِ « صاد : 33 » وَطَفِقا يَخْصِفانِ « الأعراف : 22 » .
طَفَلَ - أطفال - طفَّل - طفيلي - طفلت الشمس
الطفْلُ : الولدُ ما دام ناعماً ، وقد يقع على الجمع ، قال تعالى : ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا « غافر : 67 » أَوِ الطفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا « النور : 31 » وقد يجمع على أَطْفَالٍ . قال : وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ « النور : 59 » . وباعتبار النعومة قيل : امرأة طِفْلَةٌ ، وقد طَفِلَتْ طُفُولَةً وطَفَالَةً ، والمُطْفِلُ من الظبية : التي معها طِفْلُهَا . وطَفَلَتِ الشمسُ : إذا همَّت بالدَّوْرِ ، ولما يستمكن الضَّحُّ من الأرضِ قال :
وعـلى الأرض غَيَايَــاتُ الطَّفَلْ
وأما طَفَّلَ : إذا أتى طعاماً لم يُدع إليه ، فقيل إنما هو من طَفَلَ النهارُ ، وهو إتيانه في ذلك الوقت . وقيل هو أن يفعل فِعْلَ طُفَيْلِ العرائسِ وكان رجلاً معروفاً بحضور الدعوات يسمَّى طُفَيْلاً .
ملاحظات
أفضل تعريف للطفل قوله تعالى : الطفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ . فوصف الأطفال بأنهم لايميزون الأمور الجنسية . ولا يصح تعريف الراغب للطفل بأنه الولد ما دام ناعماً ، وقد أخذه من كلام للخليل ولكنه ليس تعريفاً للطفل ، قال « 7/428 » « غلامٌ طفلٌ ، إذا كان رخص القدمين واليدين . وامرأة طفلة الأنامل أي رخصتها في بياض » . ونحوه المقابيس « 3/413 » والصحاح « 5/1751 »
طَلَلَ - طلٌّ - مطلول - أطلَّ
الطلُّ : أضعف المطر ، وهو ماله أثر قليل . قال تعالى : فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ « البقرة : 265 » وطَلَّ الأرضَ فهي مَطْلُولَةٌ . ومنه طُلَّ دمُ فلانٍ إذا قلَّ الإعتداد به ، ويصير أثره كأنه طَلٌّ . ولما بينهما من المناسبة قيل لأثر الدار : طَلَلٌ ، ولشخص الرجل المترائي : طَلَلٌ ، وأَطَلَّ فلانٌ : أشرف طَلَلُهُ .
طَفَى - أطفأ - إطفاءً
طَفِئَتِ النارُ وأَطْفَأْتُهَا . قال تعالى : يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ الله « التوبة : 32 » يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ الله « الصف : 8 » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 527 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والفرق بين الموضعين أنه في قوله : يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا ، يقصدون إِطْفَاءَ نورِ الله . وفي قوله : لِيُطْفِؤُا ، يقصدون أمراً يتوصلون به إلى إِطْفَاءِ نور الله .
ملاحظات
جعل الراغب طَفِئَت النار مبنياً للمعلوم ، لكن النار تُطفأ وتَنْطفئ ولا تُطفئ نفسها . أما تفريقه بين : أن واللام في يطفؤوا ، بأنَّ أنْ لقصد الإطفاء المباشر واللام للإطفاء بواسطة ، فهو صحيح . وقد فسرته أحاديث أهل البيت عليهم السلام قوله تعالى : يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَ اللهُ مُتِمُّ نُورِهِ ، بأنهم يريدون إطفاء نور العترة النبوية وأن الله متمها بالمهدي عليه السلام .
لكنه تفريق ليس مطرداً فقد يكون اللام لإرادة الفعل المباشر كقوله تعالى : يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ . وقـد استعمل القرآن أن واللام في موضوع واحد مرتين لفرق آخر بينهما ، كقوله تعالى : وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا . ثم قال تعالى : فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا . وتفصيله خارج عن غرضنا .
طَلَبَ - طلباً - أطلبَ
الطلَبُ : الفحص عن وجود الشئ ، عيناً كان أو معنى . قال تعالى : أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً « الكهف : 41 » وقال : ضَعُفَ الطالِبُ وَالْمَطْلُوبُ « الحج : 73 » وأَطْلَبْتُ فلاناً : إذا أسعفته لما طَلَبَ ، وإذا أحوجته إلى الطلَبِ . وأَطْلَبَ الكلأُ إذا تباعد حتى احتاج أن يُطْلَبَ .
طَلَتَ - طالوت
طَالُوتٌ : إسمٌ أعجمي .
طَلَحَ - طلحة - طليح - طلاح
الطلْحُ شجرٌ ، الواحدةُ طَلْحَةٌ . قال تعالى : وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ « الواقعة : 29 » وإبل طِلَاحِيٌّ منسوبٌ إليه ، وطَلِحَةٌ مشتكية من أكله . والطلْحُ والطلِيحُ : المهزولُ المجهود ، ومنه : ناقة طَلِيحُ أسفارٍ ، والطلَاحُ منه ، وقد يُقَابَلُ به الصلاح .
ملاحظات
قال الخليل : « 3/169 » : « طلح : شجر أم غيلان ، شوكه أحْجَن « معقوف » من أعظم العظاة شوكاً وأصلبه عوداً وأجوده صمغاً ، الواحدة طلحة . والطلح في القرآن : الموز » . يعني أن الطلح في العربية شجر العظاة ، لكنه قصد به في القرآن الموز بقرينة منضود . « قال ابن عباس ومجاهد وعطاء وقتادة وابن زيد : الطلح شجر الموز » . « التبيان : 9/496 » . ولا نعرف دليلهم على ذلك .
طَلَعَ - طلوعاً - مطلع - اطَّلعَ - استطلع - طلاع - طَلْع
طَلَعَ الشمسُ طُلُوعاً ومَطْلَعاً . قال تعالى : وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ « طه : 130 » حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ « القدر : 5 » . والمَطْلِعُ : موضعُ الطلُوعِ ، حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ « الكهف : 90 » وعنه استعير : طَلَعَ علينا فلانٌ واطلَعَ . قال تعالى : هَلْ أَنْتُمْ مُطلِعُونَ « الصافات : 54 » فَاطَّلَعَ « الصافات : 55 » قال : فَأَطلِعَ إِلى إِلـهِ مُوسى « غافر : 37 » وقال : أَطَّلَعَ الْغَيْبَ « مريم : 78 » لَعَلِّي أَطلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى « القصص : 38 » .
واسْتَطْلَعْتُ رأيَهُ ، وأَطْلَعْتُكَ على كذا ، وطَلَعْتُ عنه : غبتُ . والطلاعُ : ما طَلَعَتْ عليه الشمسُ والإنسان . وطَلِيعَةُ الجيشِ : أول من يَطْلُعُ ، وامرأةٌ طُلَعَةٌ قُبَعَةٌ : تُظْهِرُ رأسَها مرّةً وتستر أخرى . وتشبيهاً بالطلُوعِ قيل : طَلْعُ النَّخْلِ . لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ « ق : 10 » طَلْعُها كَأنهُ رُؤُسُ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 528 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الشَّياطِينِ « الصافات : 65 » أي ما طَلَعَ منها . وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ « الشعراء : 148 » وقد أَطْلَعَتِ النخلُ . وقوسٌ طِلَاعُ الكفِّ : ملءُ الكفِّ .
طَلَقَ -طلاقاً - مطلقة - أطلق - انطلق - انطلاقاً - طَلْقُ الوجه
أصل الطلَاقِ : التخليةُ من الوثاق ، يقال : أَطْلَقْتُ البعيرَ من عقاله وطَلَّقْتُهُ ، وهو طَالِقٌ وطَلِقٌ بلا قيدٍ . ومنه استعير : طَلَّقْتُ المرأةَ ، نحو : خلَّيتها فهي طَالِقٌ ، أي مُخَلَّاةٌ عن حبالة النكاح . قال تعالى : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ « الطلاق : 1 » الطلاقُ مَرَّتانِ « البـقرة : 229 » وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ « البقرة : 228 » فهذا عامٌّ في الرجعية وغير الرجعية . وقوله : وَبُعُولَتُهُنَّ أَحق بِرَدِّهِنَّ « البقرة : 228 » خاص في الرجعية . وقوله : فَإِنْ طَلَّقَها فلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ « البقرة : 230 » أي بعد البَيْن . فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا « البقرة : 230 » يعني الزوج الثاني .
وَانْطَلَقَ فلانٌ : إذا مرَّ متخلفاً ، وقال تعالى : فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ « القلم : 23 » انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ « المرسلات : 29 » . وقيل للحلال : طَلْقٌ ، أي مُطْلَقٌ لا حَظْرَ عليه . وعدا الفرس طَلْقاً أو طَلْقَيْنِ اعتباراً بتخلية سبيله .
والمُطْلَقُ في الأحكام : ما لا يقع منه استثناء . وطَلَقَ يَدَهُ ، وأَطْلَقَهَا عبارةٌ عن الجود . وطَلْقُ الوجهِ وطَلِيقُ الوجهِ : إذا لم يكن كالحاً . وطَلَقَ السليمُ : خَلَّاهُ الوجعُ ، قال الشاعر :
تُطَلِّقُهُ طَوْراً وطَوْراً تُراجعُ
وليلة طَلْقَةٌ : لتخلية الإبل للماء ، وقد أَطْلَقَهَا .
ملاحظات
في عامة النسخ : انطلق متخلفاً ، ولا معنى له ، بل هو كمال قال الزبيدي « 13/306 » : « قال الراغِبُ : انطلَقَ فُلانٌ إذا مرّ مُنْخَلِعاً » . أي متخلعاً في مشيه كأنه أفلت من قيد .
طَمَّ - طماً - مطموم - طامة
الطمُّ : البحرُ المَطْمُومُ ، يقال له : الطمُّ والرَّمُّ ، وطَمَّ على كذا ، وسمِّيَت القيامةُ طَامَّةً لذلك . قال تعالى : فَإِذا جاءَتِ الطامَّةُ الْكُبْرى « النازعات : 34 » .
ملاحظات
طَمَّ الشئ طمّاً : غطاه بالتراب . وطَمَّهُ السيل فهو مَطْمُومٌ . ويقال للبحر الطَّم كما ذكر الراغب لكنه بمعنى الطامي من طَمَا . قال الخليل « 7/408 » : « الطمُّ : طمُّ الشئ بالتراب ، والطامة : التي تطم على ما سواها ، أي تغلب . وطَمَا البحرُ : إذا زاد على مجراه » . والطامَّة : الداهية التي تطم الناس .
طَمَثَ - طامث
الطمْثُ : دم الحيض والإفتضاض . والطامِثُ : الحائض ، وطَمِثَ المرأةَ : إذا افتضَّها . قال تعالى : لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاجَانٌ « الرحمن : 56 » ومنه استعير : ما طَمِثَ هذه الروضةَ أحدٌ قبلنا ، أي ما افتضَّها . وما طَمِثَ الناقةَ جَمَلٌ .
طَمَسَ - طَمْساً
الطمْسُ : إزالةُ الأثرِ بالمحو . قال تعالى : فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ « المرسلات : 8 » رَبَّنَـا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ « يونس : 88 » أي أزل صورتهـا . وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ « يس : 66 » أي أزلنا ضوأها وصورتها ، كما يُطْمَسُ الأثرُ . وقوله : مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً « النساء : 47 » منهم من قال : عنى ذلك في الدنيا ، وهو أن يصير على وجوههم الشعر ، فتصير صورهم كصورة القردة والكلاب . ومنهم من قال : ذلك هو في الآخرة إشارة إلى ما قال : وأما مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ « الإنشقاق : 10 » وهو أن تصير عيونهم في قفاهم . وقيل : معناه يردهم عن الهداية إلى الضلالة كقوله : وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ « الجاثية : 23 » وقيل : عنى بالوجوه الأعيان والرؤساء ، ومعناه : نجعل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 529 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
رؤساءهم أذناباً ، وذلك أعظم سبب البوار .
ملاحظات
الطمس : إزالة المعالم وليس إزالة الأثر . ثم إن قوله تعالي : مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا . يدل علي وقوع ذلك لا محالة ، وقد ورد أنه سيقع في جيش الخسف الذي يقصد المهدي عليه السلام وهو المقصود بقوله تعالي : وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ .
طَمِعَ - طمعاً - طماعية - طامع
الطمَعُ : نزوعُ النفس إلى الشئ شهوةً له ، طَمِعْتُ أَطْمَعُ طَمَعاً وطُمَاعِيَةً ، فهو طَمِعٌ وطَامِعٌ . قال تعالى : إنا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا « الشعراء : 51 » أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ « البقرة : 75 » خَوْفاً وَطَمَعاً « الأعراف : 56 » . ولما كان أكثر الطمَعِ من أجل الهوى قيل : الطمَعُ طَبْعٌ ، والطمَعُ يُدَنِّسُ الإهابَ .
طَمِنَ - طمأنينة - اطمئناناً - مطمئن
الطمَأْنِينَةُ والاطْمِئْنَانُ : السكونُ بعد الإنزعاج قال تعالى : وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ « الأنفال : 10 » وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي « البقرة : 260 » يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ « الفجر : 27 » وهي أن لا تصير أمَّارة بالسوء . وقال تعالى : أَلا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ « الرعد : 28 » تنبيهاً على أنه بمعرفته تعالى والإكثار من عبادته يُكتسب اطْمِئْنَانَ النفسِ ، المسؤول بقولـه : وَلكنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي « البقرة : 260 » وقوله : وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ « النحل : 106 » . وقال : فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ « النساء : 103 » وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأنوا بِها « يونس : 7 » . واطْمَأن وتَطَامَنَ : يتقاربان لفظاً ومعنى .
ملاحظات
الطمَأْنِينَةُ والاطْمِئْنَانُ : قد تكون بعد انزعاج ، كما قال الراغب ، وقد تكون من الأصل كنفس النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليها السلام التي خلقت مطمئنة . راجع ما يتعلق بالطمأنينة في مادة : آل ، ورجس .
طَهُرَ - طهارة - طاهر - مطهر- متطهر - طهرته - تطهيراً - طهور
يقال : طَهُرَتِ المرأةُ طُهْراً وطَهَارَةً وطَهَرَتْ ، والفتح أقيس ، لأنها خلاف طمثت ، ولأنه يقال : طَاهِرَةٌ وطَاهِرٌ ، مثل قائمة وقائم ، وقاعدة وقاعد . والطهَارَةُ ضربان : طَهَارَةُ جسمٍ وطَهَارَةُ نفسٍ ، وحمل عليهما عامة الآيات . يقال : طَهَّرْتُهُ فَطَهُرَ . وتَطَهَّرَ وَاطهَّرَ فهو طَاهِرٌ ومُتَطَهِّرٌ . قال تعالى : وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطهَّرُوا « المائدة : 6 » أي استعملوا الماء ، أو ما يقوم مقامه . قال : وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ « البقرة : 222 » فدل باللفظين على أنه لا يجوز وطؤهن إلا بعد الطهَارَةِ والتطْهِيرِ . ويؤكد قراءة من قـرأ : حَتَّى يَطْهُرْنَ ، أي يفعلن الطهَارَةَ التي هي الغسل . قال تعالى : وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ « البقرة : 222 » أي التاركين للذنب والعاملين للصلاح . وقـال : فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا « التوبة : 108 » أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إنهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ « الأعراف : 82 » وَاللَّه يُحِبُّ الْمُطهِّرِينَ « التوبة : 108 » فإنه يعني تَطْهِيرَ النفس . وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا « آل عمران : 55 » أي مخرجك من جملتهم ومنزهك أن تفعل فعلهم . وعلى هذا : وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً « الأحزاب : 33 » وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ « آل عمران : 42 » ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ « البقرة : 232 » أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ « الأحزاب : 53 » لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ « الواقعة : 79 » أي أنه لايبلغ حقائق معرفته إلا من طَهَّرَ نفسه وتَنَقَّى من دَرَن الفساد . وقوله : إنهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ « الأعراف : 82 » فإنهم قالوا ذلك على سبيل التهكم حيث قال لهم : هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ « هود : 78 » . وقوله تعالى : لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ « النساء : 57 » أي مُطَهَّرَاتٌ من درن الدنيا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 530 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأنجاسها . وقيل : من الأخلاق السيئة بدلالة قوله : عُرُباً أَتْراباً « الواقعة : 37 » وقوله في صفة القرآن : مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ « عبس : 14 » وقوله : وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ « المدثر : 4 » قيل : معناه نفسك فَنَقِّهَا من المعايب .
وقوله : وَطَهِّرْ بَيْتِيَ « الحج : 26 » وقولـه : وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ « البقرة : 125 » فحثٌّ على تَطْهِيرِ الكعبة من نجاسة الأوثان . وقال بعضهم : في ذلك حثٌّ على تَطْهِيرِ القلبِ لدخول السكينة فيه المذكورة في قوله : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ « الفتح : 4 » .
والطهُورُ : قد يكون مصدراً فيما حكى سيبويه في قولهم : تَطَهَّرْتُ طَهُوراً ، وتَوَضَّأْتُ وَضُوءاً ، فهذا مصدر على فَعُولٍ ، ومثله وَقَدْتُ وَقُوداً . ويكون إسماً غير مصدر كالفَطُورِ في كونه إسماً لما يفطر به ، ونحو ذلك : الوَجُور والسَّعُوط والذَّرُور . ويكون صفةً كالرسول ونحو ذلك من الصفات . وعلى هذا : وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً « الإنسان : 21 » تنبيهاً [على] أنه بخلاف ما ذكره في قوله : وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ « إبراهيم : 16 » وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً « الفرقان : 48 » .
قال أصحاب الشافعي : الطهُورُ بمعنى المُطَهِّرِ ، وذلك لا يصح من حيث اللفظ لأن فَعُولاً لا يُبْنَى من أَفْعَلَ وفَعَّلَ ، وإنما يبنى ذلك من فَعُلَ . وقيل : إن ذلك اقتضى التطْهِيرَ من حيث المعنى ، وذلك أن الطاهِرَ ضربان : ضربٌ لا يتعداه الطهَارَةُ كطَهَارَةِ الثوبِ فإنه طَاهِرٌ غيرُ مُطَهَّرٍ به ، وضربٌ يتعداه فيجعل غيره طَاهِراً به ، فوصف الله تعالى الماء بأنه طهورٌ تنبيهاً على هذا المعنى .
طَيَبَ - طاب - طيباً - استطاب - طيبة - طوبى
يقال : طَابَ الشئ يَطِيبُ طَيْباً ، فهو طَيِّبٌ . قال تعالى : فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ « النساء : 3 » فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ « النساء : 4 » . وأصل الطيِّبِ : ما تستلذه الحواس وما تستلذه النفس . والطعامُ الطيِّبُ في الشرع : ما كان متناولاً من حيث ما يجوز ، ومن المكان الذي يجوز ، فإنه متى كان كذلك كان طَيِّباً عاجلاً وآجلاً لا يُسْتَوْخم ، وإلا فإنه وإن كان طَيِّباً عاجلاً لم يَطِبْ آجلاً . وعلى ذلك قوله : كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ « البقرة : 172 » فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالًا طَيِّباً « النحــل : 114 » لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ « المائدة : 87 » كُلُوا مِنَ الطيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحـاً « المؤمنون : 51 » . وهذا هو المراد بقوله : وَالطيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ « الأعراف : 32 » وقوله : الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطيِّباتُ « المائدة : 5 » قيل : عنى بها الذبائح . وقوله : وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطيِّباتِ « غافر : 64 » إشارةٌ إلى الغنيمة .
والطيِّبُ من الإنسان : من تعرى من نجاسة الجهل والفسق وقبائح الأعمال ، وتحلى بالعلم والإيمان ومحاسن الأعمال . وإياهم قصد بقوله : الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ « النحل : 32 » وقال : طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ « الزمر : 73 » وقال تعالى : هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً « آل عمران : 38 » وقال تعالى : لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطيِّبِ « الأنفال : 37 » . وقولـه : وَالطيِّباتُ لِلطيِّبِينَ « النور : 26 » تنبيه [على] أن الأعمال الطيِّبَةَ تكون من الطيِّبِينَ ، كما روي : المؤمن أَطْيَبُ من عمله ، والكافر أخبث من عمله . قـال تعالى : وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطيِّبِ « النســاء : 2 » أي الأعمال السيئة بالأعمال الصالحة ، وعلى هذا قوله تعالى : مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ « إبراهيم : 24 » . وقوله : إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطيِّبُ « فاطر : 10 » وَمَساكِنَ طَيِّبَةً « التوبة : 72 » أي طاهرة ذكية مستلذة . وقوله : بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ « سبأ : 15 » وقيل أشـار إلى الجنة وإلى جوار رب العزة . وأما قوله : وَالْبَلَدُ الطيِّبُ « الأعراف : 58 » إشارة إلى الأرض الزكية . وقوله : صَعِيداً طَيِّباً « المائدة : 6 » أي تراباً لا نجاسة به .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 531 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وسمي الإستنجاء اسْتِطَابةً لما فيه من التطَيُّبِ والتطَهُّرِ . وقيل الأَطْيَبَانِ : الأكلُ والنكاحُ ، وطعامُ مَطْيَبَةٍ للنَّفسِ : إذا طَابَتْ به النفسُ . ويقال لِلطيِّبِ : طَابٌ ، وبالمدينة تمرٌ يقال له : طَابٌ ، وسُمِّيَت المدينةُ طَيْبَةً . وقوله : طُوبى لَهُمْ « الرعد : 29 » قيل : هو إسم شجرة في الجنة . وقيل بل إشارة إلى كل مُسْتَطَابٍ في الجنة من بقاءٍ بلا فناءٍ ، وعِزٍّ بلا زوالٍ ، وغنى بلا فقرٍ .
طَوْد - أطواد
قال تعالى : كَالطوْدِ الْعَظِيمِ « الشعراء : 63 » الطوْدُ : هو الجبلُ العظيمُ ، ووصفه بالعِظَم لكونه فيما بين الأَطْوَادِ عظيماً ، لا لكونه عظيماً فيما بين سائر الجبال .
ملاحظات
ذكر اللغويون أن الطَّوْدَ : الجبل العظيم ، ووصفه في القرآن بالعظيم يدل على وجود طود غير عظيم ، فالصحيح أنه مطلق الجبل . وقد ورد صفةً للرابية ولسنام الجمل . أما تفسير الراغب : وَالطيِّباتُ لِلطيِّبِينَ . . . بأن الأعمال الطيِّبَةَ من الطيِّبِينَ والخبيثة من الخبيثين ، فلا يصح ، لأنه نص على اختصاص وملكية . وقد فسر بالأزواج في الدنيا ، ولا يصح إلا بالأزواج في الآخرة .
طَوْر - أطوار - طُور
طَوَارُ الدارِ وطِوَارُهُ : ما امتد منها من البناء ، يقال : عدا فلانٌ طَوْرَهُ ، أي تجاوز حدَّهُ . ولا أَطُورُ به : أي لا أقرب فناءه . يقال : فعل كذا طَوْراً بعد طَوْرٍ ، أي تارةً بعد تارة ، وقوله : وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً « نوح : 14 » قيل : هو إشارة إلى نحو قوله تعالى : خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ « الحج : 5 » وقيل : إشارة إلى نحو قوله : وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ « الروم : 22 » أي مختلفين في الخَلْقِ والخُلُقِ .
والطُّورُ : إسمُ جبلٍ مخصوصٍ . وقيل إسمٌ لكل جبلٍ ، وقيل هو جبل محيط بالأرض . قال تعالى : وَالطورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ « الطور : 1 » وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطورِ « القصص : 46 » وَطُورِ سِينِينَ « التين : 2 » وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطورِ الْأَيْمَنِ « مريم : 52 » وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطورَ « النساء : 154 » .
ملاحظات
أدق تعريف للطور ، ما كتبه الخليل « 7/446 » : « والطور : التارة ، يقال : طَوْرَا ًبعدَ طَوْر أي تارة بعد تارة . والناس أطوار أي أصناف على حالات شتى . والطوار : ما كان على حذو الشئ أو بحذائه . هذه الدار على طوار هذه الدار ، أي حائطها متصل بحائطها على نسق واحد . ومعه حبل بطوار هذا الحائط أي بطوله . وطار فلان يطور طورا ً ، أي كأنه يحوم حواليه ويدنو منه » .
وقال الجوهري « 5/2141 » : « طور سيناء : جبل بالشام ، وهو طورٌ أضيف إلى سيناء وهو شجر . وكذلك طور سينين . قال الأخفش : السينين : شجر ، واحدتها سينينة » .
والظاهر أن جبل الطور كان مكاناً مقدساً في بابل فسمى به إبراهيم وأبناؤه عليهم السلام طور سيناء . وهذا يفسر رواية أنه طور النجف .
طَيْر- تطير - مستطير -مستطار - طائر -اطيرنا - طائركم
الطائِرُ : كل ذي جناحٍ يسبح في الهواء ، يقال : طَارَ يَطِيرُ طَيَرَاناً ، وجمعُ الطائِرِ : طَيْرٌ ، كرَاكِبٍ ورَكْبٍ . قال تعالى : وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ « الأنعام : 38 » وَالطيْرَمَحْشُورَةً « صاد : 19 » وَالطيْـرُصَافَّاتٍ « النور : 41 » وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطيْرِ « النمل : 17 » وَتَفَقَّدَ الطيْرَ « النمل : 20 » .
وتَطيَّرَ فلانٌ واطيَّرَ : أصله التفاؤل بالطيْرِ ، ثم يستعمل في كل ما يتفاءل به ويتشاءم ، قالُوا : إنا تَطَيَّرْنا بِكُمْ « يس : 18 » ولذلك قيل : لا طَيْرَ إلا طَيْرُكَ . وقال تعالى : إِنْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 532 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطيَّرُوا ، أي يتشاءموا به ، أَلا إنما طائِرُهُمْ عِنْدَ الله « الأعراف : 131 » أي شؤمهم : ما قد أعد الله لهم بسوء أعمالهم . وعلى ذلك قوله : قالُوا اطيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ الله « النمل : 47 » قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ « يس : 19 » وَكل إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ « الإسراء : 13 » أي عمله الذي طَارَ عنه من خيرٍ وشرٍّ . ويقال : تَطَايَرُوا : إذا أسرعوا ، ويقال : إذا تفرّقوا ، قال الشاعر :
طَارُوا إليه زَرَافَاتٍ ووُحْدَاناً
وفجرٌ مُسْتَطِيرٌ ، أي فاشٍ . قال تعالى : وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَـرُّهُ مُسْتَطِيراً « الإنسان : 7 » وغبارٌ مُسْتَطَارٌ . خولف بين بنائهما ، فتُصُوِّر الفجر بصورة الفاعل فقيل : مُسْتَطِيرٌ ، والغبارُ بصورة المفعول ، فقيل : مُسْتَطَارٌ . وفرسٌ مُطَارٌ : للسريع ولحديد الفؤاد . وخذ ما طَارَ من شَعْر رأسك ، أي ما انتشر حتى كأنه طَارَ .
طَوَعََ - تَطَوَّعَ - طاعة - أطاع - طَوَّعَ له - إستطاعة
الطوْعُ : الإنقيادُ ويضادُّه الكُرْه . قال عز وجل : ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً « فصلت : 11 » . وَلَهُ أَسْـلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً « آل عمران : 83 » . والطاعَةُ : مثله ، لكن أكثر ما تقال في الإئتمار لما أمر ، والإرتسام فيما رسم . قال تعالى : وَيَقُولُونَ طاعَةٌ « النساء : 81 » طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ « محمد : 21 » أي أَطِيعُوا .
وقد طَاعَ له يَطُوعُ ، وأَطَاعَهُ يُطِيعُهُ . قال تعالى : وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ « التغابن : 12 » مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله « النساء : 80 » وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ « الأحزاب : 48 » وقوله في صفة جبريل عليه السلام : مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ « التكوير : 21 » .
والتطَوُّعُ : في الأصل تكلفُ الطاعَةِ ، وهو في التعارف التبرع بما لا يلزم كالتنفُّل ، قـال : فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ « البقرة : 184 » وقرئ : ومن يَطَّوَّعْ خيراً .
وَالاسْتِطَاعَةُ : استفعالة من الطوْعِ ، وذلك وجود ما يصير به الفعل متأتياً . وهي عند المحققين : إسم للمعاني التي بها يتمكن الإنسان مما يريده من إحداث الفعل ، وهي أربعة أشياء : بنية مخصوصة للفاعل ، وتصور للفعل ، ومادة قابلة لتأثيره ، وآلة إن كان الفعل آلياً كالكتابة ، فإن الكاتب يحتاج إلى هذه الأربعة في إيجاده للكتابة . وكذلك يقال : فلان غير مستطيع للكتابة : إذا فقد واحداً من هذه الأربعة فصاعداً .
ويضادُّه العجز ، وهو أن لا يجد أحد هذه الأربعة فصاعداً ، ومتى وجد هذه الأربعة كلها فَمُسْتَطِيعٌ مطلقاً ، ومتى فقدها فعاجز مطلقاً ، ومتى وجد بعضها دون بعض فَمُسْتَطِيعٌ من وجه عاجز من وجه ، ولأن يوصف بالعجز أولى .
والإسْتِطَاعَةُ أخص من القدرة . قال تعالى : لايَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ « الأنبياء : 43 » . فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ « الذاريات : 45 » مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا « آل عمران : 97 » فإنه يحتاج إلى هذه الأربعة . وقوله عليه السلام : الإسْتِطَاعَةُ الزادُ والراحلة ، فإنه بيان ما يحتاج إليه من الآلة ، وخصه بالذكر دون الأُخَر إذ كان معلوماً من حيث العقل . ومقتضى الشرع أن التكليف من دون تلك الأُخَر لا يصح . وقوله : لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ « التوبة : 42 » فإشارة بالإسْتِطَاعَةِ هاهنا إلى عدم الآلة من المال والظهر والنحو « ونحوه » .
وكذلك قوله : وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا « النساء : 25 » وقوله : لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً « النساء : 98 » وقد يقال : فلانٌ لا يَسْتَطِيعُ كذا : لما يصعب عليه فعله لعدم الرياضة ، وذلك يرجع إلى افتقاد الآلة ، أو عدم التصور ، وقد يصح معه التكليف ، ولا يصير الإنسان به معذوراً . وعلى هذا الوجه قال تعالى : لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً « الكهف : 67 » ما كانُوا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 533 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَماكانُوا يُبْصِرُونَ « هود : 20 » وقال : وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً « الكهف : 101 » .
وقد حمل على ذلك قوله : وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا « النساء : 129 » . وقوله تعالى : هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا « المائدة : 112 » فقيل : إنهم قالوا ذلك قبل أن قويت معرفتهم بالله . وقيل : إنهم لم يقصدوا قصد القدرة ، وإنما قصدوا أنه هل تقتضي الحكمة أن يفعل ذلك . وقيل : يَسْتَطِيعُ ويُطيعُ بمعنى واحدٍ . ومعناه : يجيب ، كقوله : ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ « غافر : 18 » أي يجاب ، وقرئ : هل تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ أى سؤالَ رَبِّكَ ، كقولك : هل يَسْتَطِيعُ الأَمِيرُ أن يفعل كذا . وقولـه : فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ « المائدة : 30 » نحو : أسمحت له قرينته وانقادت له وسولت ، وطَوَّعَتْ أبلغُ من أَطَاعَتْ . وطَوَّعَتْ له نفسُهُ : بإزاء قولهم : تأبَّتْ عن كذا نفسُهُ ، وتَطوَّعَ كذا : تحمَّله طَوْعاً . قال تعالى : وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإن الله شاكِرٌ عَلِيمٌ « البقـرة : 158 » الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ « التوبة : 79 » وقيل : طَاعَتْ وتَطَوَّعَتْ بمعنًى ، ويقال : اسْتَطَاعَ واسْطَاعَ بمعنى . قال تعالى : فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ ، وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً « الكهف : 97 » .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن مادة طوع بشكل واسع ، فدعا في كثير من الآيات الى طاعة الله تعالى ورسله عليهم السلام ، واستعمل التطوع والإستطاعة والطوع والكره والمطوعين ، ونشير الى ضعف تفسير الراغب آية : فطوعت له نفسه قتل أخيه ، ونضيف الى كلامه ما يستوفي المادة .
قال الخليل « 2/209 » : « إذا مضى في أمرك فقد أطاعك ، وإذا وافقك فقد طاوعك . والطاعة إسم لما يكون مصدره الإطاعة ، وهو الإنقياد ، والطواعية إسم لما يكون مصدره المطاوعة . وتطوع : تكلف استطاعته ، والعرب تحذف التاء من استطاع فتقول : اسطاع يسطيع . والتطوع : ما تبرعت به مما لا يلزمك فريضته . والمُطَّوِّعَة بكسر الواو وتثقيل الحرفين : القوم الذين يتطوعون بالجهاد . وتقول : أنا طَوْعُ يدك ، أي منقاد لك » .
وقال ابن منظور « 8/240 » : « طاعَه يَطُوعُه وطاوَعَه . والاسم الطَّواعةُ والطَّواعِيةُ . ولا فِعْل لطاعٍ . ولَتَفْعَلَنَّه طَوْعاً أَو كَرْهاً ، وطائِعاً أَو كارِهاً . وجاء فلان طائعاً غير مُكْرَه ، والجمع طُوَّعٌ . قال ابن السكيت : يقال طاعَ له وأَطاعَ سواء . وفي الحديث : هَوًى مُتَّبَعٌ وشُحٌّ مُطاعٌ ، هو أَن يُطِيعَه صاحبُه في منع الحقوق التي أَوجبها الله عليه في ماله . وفي الحديث : لا طاعةَ في مَعْصِيةِ الله ، يريد طاعةَ وُلاةِ الأَمر إِذا أَمرُوا بما فيه معصية كالقتل والقطع أَو نحوه . وتَطَوَّعَ للشئِ وتَطَوَّعه كلاهما حاوَله . وروي عن مجاهد قال : فطوَّعت له نفسه : شَجَّعَتْه . . وأَما قوله تعالى : فما اسْطاعُوا أَن يظهروه ، فإِن أَصله استطاعوا بالتاء ، ولكن التاء والطاء من مخرج واحد فحذفت التاء ليخف اللفظ . وفي التنزيل : فمن تَطَوَّعَ خيراً فهو خير له : الأَصل فيه يتطوع فأُدغمت التاء في الطاء . والمُطَّوِّعةُ : الذين يَتَطَوَّعُون بالجهاد . ومنه قوله تعالى : والذين يلمزون المطَّوّعين من المؤمنين . وأَصله المتطوعين فأُدغم » .
طَوَفَ - طاف - طوافاً - طيْف - طائفة - طوفان
الطَّوْفُ : المشيُ حولَ الشئ ، ومنه الطائِفُ لمن يدورحول البيوت حافظاً . يقال طَافَ به يَطُوفُ . قال تعالى : يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ « الواقعة : 17 » قال : فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطوَّفَ بِهِما « البقرة : 158 » . ومنه استعير الطائِفُ من الجن والخيال والحادثة وغيرها . قال : إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ « الأعراف : 201 » وهو الذي يدور على الإنسان من الشيطان يريد اقتناصه . وقد قرئ : طَيْفٌ ، وهو خَيالُ الشئ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 534 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وصورته المترائي له في المنام أو اليقظة . ومنه قيل للخيال : طَيْفٌ . قال تعالى : فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ « القلم : 19 » تعريضاً بما نالهم من النائبة .
وقوله : أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطائِفِينَ « البقرة : 125 » أي لقصاده الذين يَطُوفُونَ به . والطوَّافُونَ في قوله : طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ « النور : 58 » عبارة عن الخدم ، وعلى هذا الوجه قال عليه السلام في الهرة : إنها من الطوَّافِينَ عليكم والطوَّافَاتِ .
وَالطائِفَةُ من الناس : جماعة منهم . ومن الشئ : القطعة منه . وقوله تعالى : فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كل فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ « التوبـة : 122 » قال بعضهم : قد يقع ذلك على واحد فصاعداً ، وعلى ذلك قوله : وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ « الحجرات : 9 » إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ منْكُمْ « آل عمران : 122 » . والطائِفَةُ : إذا أريد بها الجمع فجمع طَائِفٍ ، وإذا أريد بها الواحد فيصح أن يكون جمعاً ويكنى به عن الواحد ، ويصح أن يجعل كراوية وعلامة ونحو ذلك .
والطُّوفَانُ : كل حادثة تحيط بالإنسان ، وعلى ذلك قوله : فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ « الأعراف : 133 » وصار متعارفاً في الماء المتناهي في الكثرة ، لأجل أن الحادثة التي نالت قوم نوح كانت ماء . قال تعالى : فَأَخَذَهُمُ الطوفانُ « العنكبوت : 14 » .
وطَائِفُ القوسِ : ما يلي أبهرها ، والطوْفُ : كُنِّيَ به عن العَذْرَةِ .
طَوْق - طوقه - تطويقاً - طاقة - أطاق
أصل الطوْقِ : ما يجعل في العنق ، خِلْقةً كَطَوْقِ الحمامِ ، أو صنعةً كطَوْقِ الذهب والفضة ، ويتوسع فيه فيقال : طَوَّقْتُهُ كذا كقولك قلدته . قال تعالى : سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ « آل عمران : 180 » وذلك على التشبيه . كما روي في الخبر : يأتي أحدكم يوم القيامة شجاع أقرع له زبيبتان فَيَتَطَوَّقُ به فيقول أنا الزكاة التي منعتني .
وَالطاقَةُ : إسمٌ لمقدار ما يمكن للإنسان أن يفعله بمشقة ، وذلك تشبيه بالطوْقِ المحيطِ بالشئ . فقوله : وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ « البقرة : 286 » أي ما يصعب علينا مزاولته ، وليس معناه : لا تحملنا ما لا قدرة لنا به ، وذلك لأنه تعالى قد يحمل الإنسان ما يصعب عليه ، كما قال : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ « الأعراف : 157 » . وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ « الشرح : 2 » أي خففنا عنك العبادات الصعبة التي في تركها الوزر ، وعلى هذا الوجه : قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ « البقرة : 249 » وقد يعبَّر بنفي الطاقة عن نفي القدرة . وقوله : وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ « البقرة : 184 » « يطيقون مع العسر » ظاهره يقتضي أن المُطِيقَ له يلزمه فدية أفطر أو لم يفطر ، لكن أجمعوا أنه لا يلزمه إلا مع شرط آخر . وروي : وعلى الذين يُطَوَّقُونَهُ ، أي يُحَمَّلُونَ أن يَتَطَوَّقُوا .
طَوَلَ - طَوْلٌ - طال - تطول - طولاً
الطولُ والقِصَرُ : من الأسماء المتضايفة كما تقدم . ويستعمل في الأعيان والأعراض كالزمان وغيره قال تعالى : فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ « الحديد : 16 » سَبْحـاً طَوِيلًا « المزمل : 7 » ويقال : طَوِيلٌ وطُوَالٌ وعريض وعُرَاضٌ ، وللجمع : طِوَالٌ وقيل طِيَالٌ . وباعتبار الطولِ قيل للحبل المَرخيِّ على الدابة : طِوَلٌ . وطَوِّلْ فرسَكَ أي أَرْخِ طِوَلَهُ . وقيل : طِوَالُ الدهرِ لمدته الطوِيلَةِ . وَتَطَاوَلَ فلانٌ : إذا أظهر الطولَ أو الطوْلَ . قال تعالى : فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ « القصص : 45 » .
وَالطوْلُ : خُصَّ به الفضلُ والمنُّ ، قال : شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطوْلِ « غافر : 3 » وقوله تعالى : اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطوْلِ مِنْهُمْ « التوبة : 86 » وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا « النساء : 25 » كناية عما
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 535 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يصرف إلى المهر والنفقة . وطَالُوتُ : إسمُ عَلَمٍ وهو أعجمي .
طِين - طينه
الطينُ : التراب والماء المختلط ، وقد يسمى بذلك وإن زال عنه قوة الماء . قال تعالى : مِنْ طِينٍ لازِبٍ « الصافات : 11 » يقال : طِنْتُ كذا وطَيَّنْتُهُ . قال تعالى : خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ « صاد : 76 » وقوله تعالى : فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطينِ « القصص : 38 » .
طََوَى -طَُوَى - طياً - مطوي
طَوَيْتُ الشئ طَيّاً ، وذلك كَطَيِّ الدَّرْجِ . وعلى ذلك قوله : يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِ « الأنبياء : 104 » ومنه : طَوَيْتُ الفلاةَ . ويعبر بِالطيِّ عن مُضِيِّ العمر ، يقال : طَوَى اللهُ عُمرَهُ ، قال الشاعر :
طَوَتْكَ خطوبُ دهرك بعد نشر .
وقوله تعالى : وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ « الزمر : 67 » يصحُّ أن يكون من الأول ، وأن يكون من الثاني ، والمعنى : مهلكات . وقوله : إنكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً « طه : 12 » قيل : هو إسم الوادي الذي حصل فيه . وقيل : إن ذلك جعل إشارة إلى حالة حصلت له على طريق الإجتباء ، فكأنه طَوَى عليه مسافةً لو احتاج أن ينالها في الإجتهاد لبعد عليه .
وقوله : إنكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً « طه : 12 » قيل : هو إسم أرض ، فمنهم من يصرفه ، ومنهم من لا يصرفه . وقيل : هو مصدر طَوَيْتُ ، فيصرف ويفتح أوله ويكسر ، نحو : ثنى وثنى ، ومعناه : ناديته مرتين . و الله أعلم .
تمَّ كتاب الطاء .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 536 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب الظاء وما يتصل بها

ظ
يشمل 8 مفردة و 2 ملاحظة
ظَعَنَ - ظعناً - ظعينة
يقال : ظَعَنَ يَظْعَنُ ظَعْناً ، إذا شخص . قال تعالى : يَوْمَ ظَعْنِكُمْ « النحل : 80 » . والظَّعِينَةُ : الهودج إذا كان فيه المرأة ، وقد يكنَّى به عن المرأة وإن لم تكن في الهودج .
ظفَرَ - ظفراً - ظَفَرَة - أظفرَه
الظُّفْرُ : يقال في الإنسان وفي غيره ، قال تعالى : وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كل ذِي ظُفُرٍ « الأنعام : 146 » أي ذي مخالب . ويعبر عن السلاح به تشبيهاً بِظُفُرِ الطائرِ إذ هو له بمنزلة السلاح ، ويقال : فلان كَلِيلُ الظُّفُرِ . وظَفَرَهُ فلانٌ : نشب ظُفُرَهُ فيه . وهو أَظْفَرُ : طويلُ الظُّفُرِ . والظَّفَرَةُ : جُلَيْدَةٌ يُغَشَّى البصرُ بها ، تشبيهاً بِالظُّفُرِ في الصلابة ، يقال : ظَفِرَتْ عينُهُ . والظَّفَرُ : الفوزُ ، وأصله من ظَفِرَ عليه ، أي نشب ظُفْرُهُ فيه . قال تعالى : مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ . « الفتح : 24 » .
ظََلََلَ - ظِلال - ظليل - ظُلَّة - أظله - ظلًَّ
الظِّلُّ : ضدُّ الضَّحِّ ، وهو أعمُّ من الفيئ فإنه يقال : ظِلُّ الليلِ وظِلُّ الجنة ، ويقال لكل موضع لم تصل إليه الشمس : ظِلٌّ ، ولا يقال الفيئ إلا لما زال عنه الشمس . ويُعبر بِالظِّلِّ عن العزة والمنعة ، وعن الرفاهة ، قال تعالى : إن المُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ « المرسلات : 41 » أي في عزة ومناع . قال : أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها « الرعد : 35 » هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ « يس : 56 » يقال : ظَلَّلَنِي الشّجر ُوأَظَلَّنِي . قـال تعالى : وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ « البقرة : 57 » . وأَظَلَّنِي فلانٌ : حرسني ، وجعلني في ظِلِّهِ وعزه ومناعته . وقوله : يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ « النحل : 48 » أي إنشاؤه يدل على وحدانية الله وينبئ عن حكمته . وقوله : وَلِلَّهِ يَسْجُدُ إلى قوله وَظِلالُهُمْ . قال الحسن : أما ظِلُّكَ فيسجد لله ، وأما أنت فتكفر به .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 537 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وظِلٌّ ظَلِيلٌ : فائض . وقوله : وَنُدْخِلُهُـمْ ظِلًّا ظَلِيلًا « النساء : 57 » كناية عن غضارة العيش ، وَالظُّلَّةُ : سحابةٌ تُظِلُّ ، وأكثر ما يقال فيما يستوخم ويكره . قال تعالى : كَأنهُ ظُلَّةٌ « الأعراف : 171 » عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ « الشعراء : 189 » أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ « البقرة : 210 » أي عذابه يأتيهم .
والظُّلَلُ : جمعُ ظُلَّةٍ ، كغُرْفَةٍ وغُرَفٍ ، وقُرْبَةٍ وقُرَبٍ . وقرئ : في ظِلَالٍ ، وذلك إما جمع ظُلَّةٍ نحو : غُلْبَةٍ وغِلَابٍ ، وحُفْرَةٍ وحِفَارٍ ، وإما جمعُ ظِلّ نحو : يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ « النحل : 48 » . وقال بعض أهل اللغة : يقال للشاخص ظِلٌّ . قال : ويدل على ذلك قول الشاعر :
لما نزلنا رفعنا ظِلَّ أخبيةٍ
وقال : ليس ينصبون الظِّلَّ الذي هو الفيئ ، إنما ينصبون الأخبية . وقال آخر :
يَتَبَّعُ أفياءَ الظِّلَالِ عشيّةً
أي أفياء الشخوص ، وليس في هذا دلالة فإن قوله رفعنا ظِلَّ أخبيةٍ معناه رفعنا الأخبية فرفعنا به ظِلَّهَا ، فكأنه رفع الظِّلَّ . وقوله : أفياءُ الظِّلَالِ : فَالظِّلَالُ عامٌّ والفيئ خاص . وقوله : أفياءُ الظِّلَالِ : هو من إضافة الشئ إلى جنسه .
والظُّلَّةُ أيضاً : شئ كهيئة الصُّفَّة ، وعليه حُمِلَ قوله تعالى : وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ « لقمان : 32 » أي كقطع السحاب . وقوله تعالى : لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ « الزمر : 16 » .
وقد يقال : ظِلٌّ لكل ساتر ، محموداً كان أو مذموماً ، فمن المحمود قوله : وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ « فاطر : 21 » وقوله : وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها « الإنسان : 14 » ومن المذموم قوله : وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ « الواقعـة : 43 » وقوله : إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ « المرسلات : 30 » الظِّلُّ هاهنا كالظُّلَّةِ لقوله : ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ « الزمر : 16 » وقوله : لاظَلِيلٍ « المرسلات : 31 » لا يفيد فائدة الظِّلِّ في كونه واقياً عن الحر . وروي : أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا مشى لم يكن له ظِلٌّ ، ولهذا تأويل يختصُّ بغير هذا الموضع .
ظَلْتُ
ظَلْتُ : بحذف إحدى اللامين : يعبر به عما يفعل بالنهار ، ويجري مجرى صرتُ ، فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ « الواقعة : 65 » لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ « الروم : 51 » ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً « طه : 97 » .
ظَلَمَ - ظُلمة - ظلمات - أظلم - ظلم - ظالم - مظلوم - ظليم
الظُّلْمَةُ : عدمُ النور ، وجمعها ظُلُمَاتٌ . قال تعالى : أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ « النور : 40 » ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ « النور : 40 » وقال تعالى : أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ « النمل : 63 » وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ « الأنعام : 1 » .
ويعبر بها عن الجهل والشرك والفسق ، كما يعبر بالنور عن أضدادها . قال الله تعالى : يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ « البقرة : 257 » أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ « إبراهيم : 5 » فَنادى فِي الظُّلُماتِ « الأنبياء : 87 » كَمَنْ مَثَلُـهُ فِي الظُّلُمـاتِ « الأنعام : 122 » هو كقوله : كَمَنْ هُوَ أَعْمى « الرعد : 19 » .
وقوله في سورة الأنعام : وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ « الأنعام : 39 » فقوله : فِي الظُّلُماتِ هاهنا موضوع موضع العمى في قوله : صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ « البقرة : 18 » . وقوله : فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ « الزمر : 6 » أي البطن والرحم والمشيمة . وَأَظْلَمَ فلانُ : حصل في ظُلْمَة . قال تعالى : فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ « يس : 37 » .
وَالظُّلْمُ : عند أهل اللغة وكثير من العلماء وضع الشئ في غير موضعه المختص به ، إما بنقصان أو بزيادة ، وإما بعدول عن وقته أو مكانه ، ومن هذا يقال : ظَلَمْتُ السِّقَاءَ : إذا تناولته في غير وقته ، ويسمى ذلك اللبن الظَّلِيمَ .
وظَلَمْتُ الأرضَ : حَفَرْتُها ولم تكن موضعاً للحفر ، وتلك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 538 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الأرض يقال لها : المَظْلُومَةُ ، والتراب الذي يخرج منها : ظَلِيمٌ . والظُّلْمُ : يقال في مجاوزة الحق الذي يجري مجرى نقطة الدائرة ، ويقال فيما يكثر وفيما يقل من التجاوز ، ولهذا يستعمل في الذنب الكبير وفي الذنب الصغير ، ولذلك قيل لآدم في تعديه ظالم ، وفي إبليس ظالم ، وإن كان بين الظُّلْمَيْنِ بون بعيد .
قال بعض الحكماء : الظُّلْمُ ثلاثةٌ ، الأول : ظُلْمٌ بين الإنسان وبين الله تعالى ، وأعظمه الكفر والشـرك والنفاق ، ولذلك قال : إن الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ « لقمان : 13 » وإياه قصد بقوله : أَلا لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ « هود : 18 » وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً « الإنسان : 31 » في آي كثيرة . وقال : فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى الله « الزمر : 32 » وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى الله كذباً « الأنعام : 93 » . والثاني : ظُلْمٌ بينه وبين الناس ، وإياه قصد بقوله : وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ إلى قوله : إنهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وبقوله : إنمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ « الشوري : 42 » وبقوله : وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً « الإسراء : 33 » .
والثالث : ظُلْمٌ بينه وبين نفسه ، وإياه قصد بقوله : فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ « فاطر : 32 » وقوله : ظَلَمْتُ نَفْسِي « النمل : 44 » إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ « النساء : 64 » فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ « البقرة : 35 » أي من الظَّالِمِينَ أنفسهم . وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ « البقرة : 231 » .
وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظُلْمٌ للنفس ، فإن الإنسان في أول ما يهم بالظُّلْمِ فقد ظَلَمَ نفسه .
فإذاً ، الظَّالِمُ أبداً مبتدئ في الظُّلْمِ ، ولهذا قال تعالى في غير موضع : ما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ « النحل : 33 » وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ « البقرة : 57 » .
وقوله : وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ « الأنعام : 82 » فقد قيل : هو الشرك ، بدلالة أنه لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وقال لهم : ألم تروا إلى قوله : إن الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ . وقوله : وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً « الكهف : 33 » أي لم تنقص . وقوله : وَلَوْ إن لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً « الزمر : 47 » فإنه يتناول الأنواع الثلاثة من الظُّلْمِ ، فما أحد كان منه ظُلْمٌ مَّا في الدنيا ، إلا ولو حصل له ما في الأرض ومثله معه لكان يفتدي به . وقوله : هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى « النجم : 52 » تنبيهاً [على] أن الظُّلْمَ لا يغني ولا يُجدي ولا يُخلص ، بل يُردي بدلالة قوم نوح . وقوله : وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ « غافر : 31 » وفي موضع : وَما أَنَـا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ « ق : 29 » . وتخصيص أحدهما بالإرادة مع لفظ العباد ، والآخر بلفظ الظَّلَّامِ للعبيد يختصّ بما بعد هذا الكتاب . والظَّلِيمُ : ذَكَرُ النعامِ ، وقيل إنما سمي بذلك لاعتقادهم أنه مَظْلُومٌ للمعنى الذي أشار إليه الشاعر :
فصِـْرتُ كالهِيقِ عَدَا يَبْتَغِي
قَرْناً فَلَــمْ يَرْجِعْ بأُذْنَيْنِ
والظَّلْم : ماء الأسنان . قال الخليل : لقيته أول ذي ظُلْمَةٍ ، أو ذي ظُلْمَةٍ أي أول شئ سد بصرك ، قال : ولا يُشتق منه فعل . ولقيته أدنى ظَلَمٍ ، كذلك .
ملاحظات
1 . قال الراغب : الظُّلْمَةُ : عدمُ النور وجمعها ظُلُمَاتٌ ، وقد أجاد ابن فارس بقوله « 3/468 » إن الظلمة خلاف الضياء ولم يقل عدم النور لأن القرآن نص على أنها أمرٌ وجودي وليس عدمياً . قال تعالى : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ . وقال : وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ، فخلق الظلمة والنور بالجعل . وقال أمير المؤمنين عليه السلام « الإحتجاج : 1/24 » في قوله تعالى : « الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ . وكان في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 539 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
هذه الآية ردٌّ على ثلاثة أصناف منهم « المشركين » لما قال : الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ، فكان رداً على الدهرية الذين قالوا : إن الأشياء لا بَدْوَ لها وهي دائمة . ثم قال : وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ، فكان رداً على الثنوية الذين قالوا إن النور والظلمة هما مُدَبِّران . ثم قال : ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ، فكان رداً على مشركي العرب الذين قالوا إن أوثاننا آلهة . ثم نَزَّل الله : قُلْ هُوَاللَّهُ أَحَدٌ . فكان رداً على من ادعى من دون الله ضداً أو نداً » .
ويدل قوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، على أن الليل خُلق قبل النهار ، ويدل : يُغْشِى اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا ، على أن الليل يطلب النهار ويركض خلفه ، لكن لم أجد تفسيراً لسلخ النهار من الليل في قوله تعالى : وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ .
2 . لايصح تعريفه للظلم بأنه : وضع الشئ في غير موضعه ، لأنه تعريف بالأعم ، فإن وضعك شيئاً في غير موضعه لايكون دائماً ظلماً ، وقد ورد ذلك في تعريف الغضب والجهل والحمق وغيرها . فعن أمير المؤمنين عليه السلام « النهج : 4/52 » قيل له : « صف لنا العاقل فقال : هو الذي يضع الشئ مواضعه ، فقيل فصف لنا الجاهل ، فقال : قد فعلت » .
3 . يدل قوله تعالى : وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً ، على أن الأرض قد تمنع نمو البذرة والشجرة والثمار بكل استعدادها ، وذلك ظلمٌ من الأرض لما يزرع فيها ، وهذا توسيع لمفهوم الظلم ، يدل على أنه يشمل منع ظهور استعداد الناس وظهور طاقاتهم الفردية والإجتماعية ، فتربية الوالدين والمدرسة وأنظمة المجتمع والدولة وقوانينها ، قد تكون ظالمة ، من حيث يشعر أصحابها أو لايشعرون !
4 . يدل قوله تعالى : قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ ، على أن طلبك الشئ قد يكون ظلماً للآخ ، ولعله من أقل أنواع الظلم !
5 . يدل قوله تعالى : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ . على أن الظالم لنفسه قد يكون من عباد الله المصطفيْن .
6 . استعمل القرآن ظلم وظلمه وظلم به وظلم فيه ، قال تعالى : مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ . وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا . بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ .
7 . الظلم من طبيعة الإنسان لأنه يشعر أنه بحاجة اليه ، قال تعالى : إِنَّ الآنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ . إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً . بينما يستحيل على الله تعالى الظلم لأنه لا يحتاج اليه : إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ . إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ . وفي دعاء الإمام الباقر عليه السلام : « الفقيه : 1/491 » : « وقد علمتُ أن ليس في حكمك ظلمٌ ، ولا في نقمتك عجلة ، إنما يعجل من يخاف الفوت ، وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف ، وقد تعاليت عن ذلك يا إلهي » .
8 . رخص الله للمظلوم ذم ظالمه والجهر بالسوء ، فقال : لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ . ويشير قوله تعالى : يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، على وجود نوع من الظلم والبغي بحق .
9 . للظلم تقسيمات ، منها ماذكره الراغب : ظلم بين الإنسان وربه ، وبينه وبين نفسه ، وبينه وبين الناس . وقسمه أمير المؤمنين عليه السلام « نهج البلاغة : 2/95 » بتقسيم آخر ، قال : « ألا وإن الظلم ثلاثة : فظلم لا يغفر ، وظلم لا يترك ، وظلم مغفور لا يطلب . فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 540 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بالله ، قال الله تعالى : إِنَّ اللَّهَ لايَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ . وأما الظلم الذي يغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهِنات . وأما الظلم الذي لا يترك ، فظلم العباد بعضهم بعضاً » .
10 . يدل قول النبي صلى الله عليه وآله : « الكافي : 2/332 » : « إتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة » على علاقة عميقة بين الظلم والظلام .
11 . ورد أن أول مواطن المحشر تناصف الناس من بعضهم ، ففي الكافي « 8/104 » عن ثوير بن أبي فاختة ، عن علي عليه السلام بسند صحيح ، قال : « إذا كان يوم القيامة بَعث الله تبارك وتعالى الناس من حُفَرهم غُرْلاً بُهْماً جُرْداً مُرْداً ، في صعيد واحد ، يسوقهم النور وتجمعهم الظلمة حتى يقفوا على عقبة المحشر ، فيركب بعضهم بعضاً ، ويزدحمون دونها فيمنعون من المضي ، فتشتد أنفاسهم ويكثر عرقهم ، وتضيق بهم أمورهم ، ويشتد ضجيجهم ، وترتفع أصواتهم . قال : وهو أول هَوْلٍ من أهوال يوم القيامة قال : فيشرف الجبار تبارك وتعالى عليهم من فوق عرشه في ظلل من الملائكة فيأمر ملكاً من الملائكة فينادي فيهم : يا معشر الخلائق أنصتوا واستمعوا منادي الجبار ، قال فيسمع آخرهم كما يسمع أولهم ، قال : فتنكسـر أصواتهم عند ذلك ، وتخشع أبصارهم وتضطرب فرائصهم ، وتفزع قلوبهم ويرفعون رؤوسهم إلى ناحية الصوت : مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ . قال : فعند ذلك يقول الكافر : هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ !
قال : فيشرف الجبار عز وجل الحكم العدل عليهم ، فيقول : أنا الله لا إله إلا أنا الحكم العدل الذي لا يجور ، اليوم أحكم بينكم بعدلي وقسطي ، لا يظلم اليوم عندي أحد . اليوم آخذ للضعيف من القوي بحقه ، ولصاحب المظلمة بالمظلمة ، بالقصاص من الحسنات والسيئات ، وأثيب على الهبات . ولايجوز هذه العقبة اليوم عندي ظالم ولأحد عنده مظلمة ، إلا مظلمة يهبها صاحبها وأثيبه عليها ، وآخذ له بها عند الحساب ، فتلازموا أيها الخلائق ، واطلبوا مظالمكم عند من ظلمكم بها في الدنيا ، وأنا شاهد لكم عليهم وكفى بي شهيداً . قال : فيتعارفون ويتلازمون ، فلا يبقى أحد له عند أحد مظلمة أو حق إلا لزمه بها ، قال : فيمكثون ما شاء الله ، فيشتد حالهم ويكثر عرقهم ، ويشتد غمهم وترتفع أصواتهم بضجيج شديد . . الى آخر الحديث » .
ظَمَأَ - ظمآن
الظِّمْأُ : ما بين الشَّرْبتين ، والظَّمَأُ : العطش الذي يعرض من ذلك . يقال : ظَمِئَ يَظْمَأُ فهو ظَمْآنُ . قال تعالى : لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى « طه : 119 » وقـال : يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً « النور : 39 » .
ظَنَّ - يظن - ظناً - ظنوناً
الظَّنُّ : إسم لما يحصل عن أمارة ، ومتى قويت أدت إلى العلم ، ومتى ضعفت جداً لم يتجاوز حد التوهم . ومتى قوي أو تُصور تَصور القوي ، استعمل معه إنَّ المشددة ، وإن المخففة منها . ومتى ضعف استعمل أن المختصة بالمعدومين من القول والفعل ، فقوله : الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ « البقرة : 46 » وكذا : يَظُنُّونَ أنهُمْ مُلاقُوا الله « البقرة : 249 » فمن اليقين . وَظَنَّ أنهُ الْفِراقُ « القيامة : 28 » وقوله : أَلايَظُنُّ أُولئِكَ « المطففين : 4 » وهو نهاية في ذمهم ، ومعناه ألا يكون منهم ظَنٌّ لذلك ، تنبيهاً [على] أن أمارات البعث ظاهرة . وقوله : وَظَنَّ أَهْلُها أنهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها « يونس : 24 » تنبيهاً [على] أنهم صاروا في حكم العالمين لفرط طمعهم وأملهم . وقوله : وَظَنَّ داوُدُ إنما فَتَنَّاهُ « صاد : 24 » أي علم ، والفتنة هاهنا كقوله : وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً « طه : 40 » .
وقوله : وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 541 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
« الأنبياء : 87 » فقد قيل : الأولى أن يكون من الظَّنِّ الذي هو التوهم ، أي ظَنَّ أن لن نضيق عليه .
وقوله : وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحق وَظَنُّوا أنهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ « القصص : 39 » فإنه استعمل فيه إن المستعمل مع الظَّنِّ الذي هو للعلم ، تنبيهاً [على] أنهم اعتقدوا ذلك اعتقادهم للشئ المتيقن ، وإن لم يكن ذلك متيقناً .
وقوله : يَظُنُّونَ بِالله غَيْرَ الْحق ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ « آل عمران : 154 » أي يَظُنُّونَ أن النبي لم يَصْدُقْهُمْ فيما أخبرهم به كما ظَنَّ الجاهلية ، تنبيهاً [على] أن هؤلاء المنافقين هم في حَيِّز الكفار .
وقوله : وَظَنُّوا أنهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ « الحشر : 2 » أي اعتقدوا اعتقاداً كانوا منه في حكم المتيقنين وعلى هذا قوله : وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أن الله لايَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ « فصلت : 22 » وقوله : الظَّانينَ بِالله ظَنَّ السَّوْءِ « الفتح : 6 » هو مفسرٌ بما بعده وهو قوله : بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ « الفتح : 12 » إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا « الجاثية : 32 » .
والظَّنُّ في كثير من الأمور مذموم ، ولذلك قال تعالى : وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا « يونس : 36 » وَإن الظَّنَ « النجم : 28 » وَأنهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ « الجن : 7 » . وقرئ : وما هو على الغيب بِظَنِينٍ ، أي بمتَّهم .
ملاحظات
1 . عرَّفَ الراغب الظن بأنه ما يحصل عن أمارة ، لكن منشأ الظن قد يكون أمارة أو غيرها ! وكذلك ميزان قوة الظن وضعفه قد يكون الأمارة ، أو عوامل ذهنية أو نفسية . الخ .
وجعل الراغب علامة ظن العلم استعمال أن المشددة بعده ، قال : « ومتى قوي أو تُصُوِّرَ تَصَوُّرَ القوي استعمل معه أن المشددة . ومتى ضعف استعمل أن المختصة بالمعدومين من القول والفعل » .
ونقل الزركشي عن الراغب قوله في البرهان « 4/157 » : « الظن أعم ألفاظ الشك واليقين ، وهو إسم لما حصل عن أمارة ، فمتى قويت أدت إلى العلم ، ومتى ضعفت جداً لم تتجاوز حد الوهم ، وإنه متى قويَ استعمل فيه أن المشددة وأن المخففة منها ، ومتى ضعف استعمل معه أن المختصة بالمعدومين من الفعل ، نحو ظننت أن أخرج وأن يخرج . فالظن إذا كان بالمعنى الأول محمود ، وإذا كان بالمعنى الثاني فمذموم » .
لكنه كلامٌ ضعيف لغموض معنى الأعمية فيه . كما أن قصده بأن المعدومة التي لا يقع ما بعدها مثل : ظننت أن أخرج . لكن قد تقول بعده ثم خرجت . والمعروف في تعريف الظن عند الأصوليين : أنه الإعتقاد الراجح مع احتمال النقيض .
2 . يستعمل الظن أحياناً بمعنى العلم ، فقد روى الصدوق في التوحيد/267 ، عن أمير المؤمنين عليه السلام في جواب من تخيل تناقض القرآن ، قال عليه السلام : « وأما قوله : وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا ، يعني أيقنوا أنهم داخلوها ، وكذلك قوله : إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَــابِيَهْ ، يقـــول إني أيقنـت أني أبعث فأحاسب ، وكذلك قوله : يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ . وأما قوله للمنافقين : وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ، فهذا الظن ظن شك وليس ظن يقين ، والظن ظنان : ظن شك وظن يقين ، فما كان من أمر معادٍ من الظن فهو ظن يقين ، وما كان من أمر الدنيا : فهو ظن شك ، فافهم ما فسرت لك . قال : فَرَّجْت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك » .
فالظن في القرآن إذا كان متعلقاً بأمر المعاد فهو يقين ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 542 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كقولـه تعالى : ظَنَنْتُ أَنِّى مُلاقٍ حِسَابِيَهْ . وإذا كان متعلقاً بأمر الدنيا فهو شك .
ظَهَرَ - ظُهُور - أظهُر - ظهر عليه - ظهوراً - ظاهر - ظهيرة - أظهره - ظُهْر -ظهيرة
الظَّهْرُ : الجارحةُ وجمعه : ظُهُورٌ . قال عز وجل : وأما مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ « الإنشقاق : 10 » مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ « الأعراف : 172 » أَنْقَضَ ظَهْرَكَ « الشرح : 3 » والظَّهْرُ هاهنا استعارة تشبيهاً للذنوب بالحمل الذي ينوء بحامله . واستعير لِظَاهِرِ الأرضِ فقيل : ظَهْرُ الأرضِ وبطنها ، قال تعالى : ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ « فاطر : 45 » . ورجلٌ مُظَهَّرٌ : شديدُ الظَّهْرِ . وظَهِرٌ : يشتكي ظَهْرَهُ . ويعبر عن المركوب بِالظَّهْرِ ، ويستعار لمن يتقوى به . وبعيرٌ ظَهِيرٌ : قوي بين الظَّهَارَةِ . وظِهْرِيٌّ : معد للركوب . والظِّهْرِيُّ أيضاً : ما تجعله بِظَهْرِكَ فتنساه . قال تعالى : وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا « هود : 92 » .
وَظَهَرَ عليه : غلبه . وقال : إنهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ « الكهف : 20 » . وظاهَرْتُهُ : عاونته . قال تعالى : وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ « الممتحنة : 9 » . وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ « التحريم : 4 » أي تعاونا ، تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ « البقرة : 85 » وقرئ : تَظَّاهَرَا . الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ « الأحزاب : 26 » وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ « سبأ : 22 » أي معين . فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ « القصص : 86 » وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ « التحريم : 4 » وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً « الفرقان : 55 » أي معيناً للشيطان على الرحمن .
وقال أبو عبيدة : الظَّهِيرُ هو المَظْهُورُ به . أي هيناً على ربه كالشئ الذي خلفته ، من قولك : ظَهَرْتُ بكذا ، أي خلفته ولم ألتفت إليه .
والظِّهَارُ : أن يقول الرجل لامرأته : أنت عليَّ كَظَهْرِ أمي ، يقال : ظَاهَرَ من امرأته . قال تعالى : وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ « المجادلة : 3 » وقرئ : يَظَّاهرون أي يَتَظَاهَرُونَ ، فأدغم . ويَظْهَرُونَ .
وظَهَرَ الشئ : أصله أن يحصل شئ على ظَهْرِ الأرضِ فلا يخفى ، وبَطَنَ إذا حصل في بطنان الأرض فيخفى ، ثم صار مستعملاً في كل بارز مبصر بالبصر والبصيرة . قال تعالى : أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ « غافر : 26 » ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ « الأعراف : 33 » إِلَّا مِراءً ظاهِراً « الكهف : 22 » . يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا « الروم : 7 » أي يعلمون الأمور الدنيوية دون الأخروية .
والعلمُ الظَّاهِرُ والباطن : تارةً يشارُ بهما إلى المعارف الجلية والمعارف الخفية ، وتارة إلى العلوم الدنيوية ، والعلوم الأخروية . وقوله : باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِـهِ الْعَذابُ « الحديد : 13 » .
وقوله : ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ « الروم : 41 » أي كثر وشاع . وقوله : نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً « لقمان : 20 » يعني بالظَّاهِرَةِ ما نقف عليها ، وبالباطنة ما لا نعرفها ، وإليه أشار بقوله : وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَـةَ الله لا تُحْصُوها « النحل : 18 » . وقوله : قُرىً ظاهِرَةً « سبأ : 18 » فقد حمل ذلك على ظَاهِرِهِ . وقيل : هو مثلٌ لأحوالٍ تختص بما بعد هذا الكتاب إن شاء الله .
وقوله : فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِـهِ أَحَـداً « الجن : 26 » أي لايطلع عليه . وقوله : لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كلهِ « التوبة : 33 » يصح أن يكون من البروز وأن يكون من المعاونة والغلبة ، أي ليغلبه على الدين كله . وعلى هذا قوله : إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ « الكهف : 20 » وقوله تعالى : يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ « غافر : 29 » فَمَا اسْطاعُـوا أَنْ يَظْهَرُوهُ « الكهف : 97 » .
وصلاة الظُّهْرِ معروفةٌ . والظَّهِيرَةُ : وقتُ الظُّهْرِ ، وأَظْهَرَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 543 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فلانٌ : حصل في ذلك الوقت ، على بناء أصبح وأمسى . قال تعالى : وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ . « الروم : 18 » .
ملاحظات
من معاني أن الله تعالى هو الظاهر والباطن : أنه الوجود الحقيقي وكل الكون ظلال وشعاع من وجوده عز وجل . وقد روى في الكافي « 1/91 » : « عن عاصم بنِ حُمَيْد قَالَ : قَالَ سُئِلَ عَلِيُّ بن الحسين عليه السلام عن التوحيد فقال : إِن الله عز وجل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوامٌ مُتَعَمِّقُونَ فأنزل الله تعالى : قُلْ هُوَ اللَّه أَحَدٌ ، والآيَاتِ مِنْ سُورَةِ الْحَدِيدِ : هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ . . إِلَى قَوْلِه وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . فمن رام وراء ذلك فقد هلك » .
أما علم الظاهر والباطن فهو عند النبي والأئمة عليهم السلام ، ويدعي بعض المتصوفة أن عندهم منه شيئاً ، ولا مجال لبحثه .
تمّ كتاب الظاء .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 544 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب العين وما يتعلق بها

يشمل 102 مفردة و 58 ملاحظة
عَبَدَ - عباد - عابد - عبادة - عبودية - عَبَّده
العُبُودِيَّةُ : إظهار التذلل . والعِبَادَةُ : أبلغُ منها لأنها غاية التذلل ، ولايستحقها إلا من له غاية الإفضال وهو الله تعالى . ولهذا قال : أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ « الإسراء : 23 » . والعِبَادَةُ ضربان : عِبَادَةٌ بالتسخير وهو كما ذكرناه في السجود . وعِبَادَةٌ بالإختيار ، وهي لذوي النطق ، وهي المأمور بها في نحو قوله : اعْبُدُوا رَبَّكُمُ « البقرة : 21 » وَاعْبُدُوا الله « النساء : 36 » .
والعَبْدُ : يقال على أربعة أضرب : الأول : عَبْدٌ بحكم الشرع ، وهو الإنسان الذي يصح بيعه وابتياعه ، نحو : الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ « البقرة : 178 » وعَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَئ « النحل : 75 » . الثاني : عَبْدٌ بالإيجاد ، وذلك ليس إلا لله ، وإياه قصد بقوله : إِنْ كل مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً « مريم : 93 » . والثالث : عَبْدٌ بالعِبَادَةِ والخدمة ، والناس في هذا ضربان : عبد لله مخلص ، وهو المقصود بقوله : وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ « صاد : 41 » إنهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً « الإسراء : 3 » نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ « الفرقــان : 1 » عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ « الكهف : 1 » إن عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ « الحجــر : 42 » كُونُوا عِبــاداً لِي « آل عمـــران : 79 » إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ « الحجر : 40 » وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ « مريم : 61 » وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً « الفرقـــان : 63 » فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا « الدخـان : 23 » فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا « الكهف : 65 » .
وعَبْدٌ للدنيا وأعراضها : وهو المعتكف على خدمتها ومراعاتها ، وإياه قصد النبي عليه الصلاة والسلام بقوله : تعس عَبْدُ الدرهمِ ، تعس عَبْدُ الدينار . وعلى هذا النحو يصح أن يقال : ليس كل إنسان عَبْداً لله ، فإن العَبْدَ على هذا بمعنى العَابِدِ ، لكن العَبْدَ أبلغ من العَابِدِ . والناس
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 545 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كلهم عِبَادُ الله ، بل الأشياء كلها كذلك ، لكن بعضها بالتسخير وبعضها بالإختيار .
وجمع العَبْدِ الذي هو مُسترَقٌّ : عَبِيدٌ ، وقيل : عِبِدَّى . وجمع العَبْدِ الذي هو العَابِدُ عِبَادٌ ، فالعَبِيدُ إذا أضيف إلى الله أعم من العِبَادِ . ولهذا قال : وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ « ق : 29 » فنبه [على] أنه لايظلم من يختص بِعِبَادَتِهِ ، ومن انتسب إلى غيره من الذين تسموا بِعَبْدِ الشمس وعَبْدِ اللات ، ونحو ذلك . ويقال : طريق مُعَبَّدٌ أي مذلل بالوطأ . وبعيرٌ مُعَبَّدٌ : مذلل بالقطران . وعَبَّدتُ فلاناً : إذا ذللته وإذا اتخذته عَبْداً . قال تعالى : أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ . « الشعراء : 22 » .
ملاحظات
1 . قال الخليل « 2/48 » : « الإنسان ، حراً أو رقيقاً هو عبدالله ، ويجمع على عباد وعَبْدِين . والعبد المملوك ، وجمعه عَبِيد ، وثلاثة أعْبُد ، وهم العِباد أيضاً . إلا أن العامة اجتمعوا على تفرقة ما بين عباد الله ، والعبيد المملوكين .
وأما عَبَدَ يَعْبُدُ عِبَادةً ، فلا يقال إلا لمن يعبد الله . وتعبد تعبداً ، أي تفرد بالعبادة » . ولا بد أن يكون مراد الخليل الأغلب لقوله تعالى : وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ . وهم أعم من المملوكين .
وقال الخليل « 2/29 » : « وتُقرأ هذه الآية على سبعة أوجه : فالعامة تقرأ : وعَبَد الطاغوت ، أي عَبَد الطاغوت من دون الله . وعَبْد الطاغوت كما تقول : ضَرْبَ عبدالله . وعَبِدَ الطاغوت ، أي صار الطاغوت يعبد كما تقول : فقه الرجل وظَرُفَ . وعُبَّدُ الطاغوت ، معناه عباد الطاغوت جمع كما تقول : رُكعٌ وسُجَّد . وعَبَدَ الطاغوت ، أرادوا : عبدة الطاغوت مثل فَجَرة وكَفَرة ، فطرح الهاء والمعنى في الهاء . وعابد الطاغوت كما تقول : ضارب الرجل . ويقـال للمشركين : عَبَدَةَ الطاغوت والأوثان ، وللمسلمين : عِبَادٌ ، يعبدون الله » .
2 . قد يفهم من أحاديث أهل البيت عليهم السلام أن درجة العبودية أعلى من درجة العبادة ، ففي الكافي « 1/148 » عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « ما تنبأ نبي قط حتى يقر لله بخمس خصال : بالبداء والمشيئة والسجود والعبودية والطاعة » . فالسجود عبادة وفوقه العبودية .
3 . يستعمل العبد في عرف الناس بمعنى الغلام والخادم ، فلا يصح إشكال الوهابية على المسلمين بتسميتهم عبد النبي وعبد علي ، لأنه بمعنى مولى وخادم . والنبي صلى الله عليه وآله مولى المؤمنين ، وقد قال : من كنت مولاه فعلي مولاه . ويدل عليه أيضاً استعمال القرآن للعباد بمعنى الموالي في قوله تعالى : وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ .
عَبَثَ - عبثاً
العَبَثُ : أن يَخْلُطَ بعمله لعباً ، من قولهم : عَبَثْتُ الأُقْطَ . والعَبَثُ : طعامٌ مخلوط بشئ ، ومنه قيل العَوْبَثَانِيُّ لتمرٍ وسمن وسويق مختلط . قال تعالى : أَتَبْنُونَ بِكل رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ « الشعراء : 128 » ويقال لما ليس له غرض صحيح : عَبَثٌ . قال : أَفَحَسِبْتُمْ إنما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً « المؤمنون : 115 » .
ملاحظات
وردت المادة في آيتين ، في قوله تعالى : أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ . ومعناه خلقناكم بدون هدف ، لأن أي هدف غير الحساب والجزاء ليس هدفاً مبرراً لخلق الناس . ويقابل العبث : الخلق بالحق .
وفي قوله تعالى من خطاب هود عليه السلام لقومه : أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ . وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ . أي : تبنون في المناطق المهمة آيات معمارية لآلهتكم ، إسرافاً
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 546 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وتبذيراً بدون هدف معقول . فالعبث هو الفعل بدون هدف منطقي ، واستعير للعمل العشوائي غير المنظم ، حتى لو كان له هدف بل لكل خلط ، مثل خلط الأقط وهو اللبن المجفف يابسه برطبه . والعبيثة : المخلوطة .
عَبَرَ- عبوراً - عَبْرة - عِبري - عبارة - تعبير - إعتبار
أصل العَبْرِ : تجاوزٌ من حال إلى حال ، فأما العُبُورُ فيختص بتجاوز الماء ، إما بسباحة أو في سفينة ، أو على بعير ، أو قنطرة . ومنه عَبَرَ النهرلجانبه حيث يَعْبُرُ إليه أو منه . واشتق منه عَبَرُ العينُ للدمع ، والعَبْرَةُ للدمعة . وقيل : عَابِرُ سبيلٍ . قال تعالى : إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ « النساء : 43 » وناقةٌ عُبْرُ أسفارٍ . وعَبَرَ القومُ : إذا ماتوا ، كأنهم عَبَرُوا قنطرةَ الدنيا . وأما العِبَارَةُ : فهي مختصة بالكلام العَابِرِ الهواءِ ، من لسان المتكلم إلى سمع السامع .
وَالإعتبَارُ والعِبْرَةُ : الحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد . قال تعالى : إن فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً « آل عمران : 13 » فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ « الحشر : 2 » .
وَالتعْبِيرُ : مختصٌّ بِتَعْبِيرِ الرُّؤيا ، وهو العَابِرُ من ظاهرها إلى باطنها ، نحو : إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ « يوسف : 43 » وهو أخص من التأويل ، فإن التأويل يقال فيه وفي غيره . والشِّعْرَى العَبُورُ : سميت بذلك لكونها عَابِرَة . والعَبْرِيُّ : ما ينبت على عَبْرِ النهرِ . وشط مُعْبَرٌ : تُرِكَ عليه العَبْرِيُّ .
ملاحظات
مادة عَبَرَ قديمة ، ويظهر أنها سريانية ، لأنه سُمِّيَ بها نبي الله إبراهيم عليه السلام ومن عَبَرَ معه الفرات الى سورية ، فسماهم السوريون أو سموا أنفسهم : العِبْرِيين . لهذا لا يصح جعل أصلها تعبير الرؤيا أو أخذ العبرة ، كما فعل بعض اللغويين . وقد وردت في القرآن في العبور من المسجد : إِلاعَابِرِى سَبِيلٍ . وفي تعبير الرؤيا : إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ . ووردت سبع مرات : لأخذ العبرة من خيانة اليهود ورعبهـم : يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ . وفي غلبة القلة للكثرة : إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ . وفي قصص الأنبياء عليهم السلام : لَقَدْ كَأن فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ . وفي نعمة الأنعام : وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً . وفي نظام الليل والنهار : يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ . وفي إهلاك فرعون : إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى .
وكذا لايصح قول الراغب : وَالتعْبِيرُ مختصٌّ بِتَعْبِيرِ الرُّؤيا . بل يستعمل في التعبير بالكلام ، قال المدني في معجم الطراز « 8/352 » : « عَبَّرَ عما في نفسه و ضميره تعبيراً » .
عَبَسَ - عُبوساً - عابس - عَبوس
العُبُوسُ : قُطُوبُ الوجهِ من ضيق الصدر . قال تعالى : عَبَسَ وَتَوَلَّى « عبس : 1 » ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ « المدثر : 22 » ومنـه قيل : يوم عَبُوسٌ . قال تعالى : يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً « الإنسان : 10 » . وباعتبار ذلك قيل العَبَسُ : لِمَا يَبِسَ على هُلْبِ الذَّنَبِ من البعر والبول . وعَبَسَ الوسخُ على وجهه .
ملاحظات
أجاد الخليل بقوله : « 1/343 » : « عَبَسَ يَعْبِسُ عُبوساً فهو عابس الوجه : غضبان . فإن أبدى عن أسنانه في عبوسه قلت : كَلَح . وإن اهتمَّ لذلك وفكر فيه قلت : بَسَرَ ، وهكذا قول الله عز وجل : عَبَسَ وبَسَرَ . وإن رأيته مع ذلك مغضباً قلت : بَسَلَ . وإن رأيته مع ذلك قد زوى بين عينيه قلت : قَطبَ » . وقد وردت هذه المادة في ثلاث آيات : في سورة عبس ، قال تعالى : عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى . ورووا أن العـابس هو النبي صلى الله عليه وآله وروينـا عـن أهل البيت عليهم السلام أنه رجل من بني أمية كان جالساً عند النبي صلى الله عليه وآله فلما جاء الأعمى عبس وقام وتولى . والآية
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 547 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الثانية : في الوليد والد خالد : ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ . ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ . والثالثة : في مدح أهل الكساء عليهم السلام : إِنَّانَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا .
عَبْقَرَ - عبقري
عَبْقَرٌ : قيل هو موضعٌ للجن ينسب إليه كل نادر من إنسان وحيوان وثوب ، ولهذا قيل في عمر : لم أر عَبْقَرِيّاً مثله ، قال تعالى : وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ « الرحمن : 76 » وهو ضرب من الفَرْش فيما قيل ، جعله الله مثلاً لفَرْش الجنة .
ملاحظات
قال ابن سلام « 1/87 » : « نسب إلى عبقر ، وهي أرض يسكنها الجن ، فصار مثلاً لكل منسوب إلى شئ رفيع » . وقال ابن منظور « 4/534 » : « ضربٌ من البُسُط الواحدة عَبْقَرِيّة . وعَبْقَر قرية باليمن تُوَشَّى فيها الثياب والبسط ، فثيابها أَجود الثياب فصارت مثلاً لكل منسوب إِلى شئ رفيع ، فكلما بالغوا في نعت شئ مُتَناه نسبوه إِليه . وقيل : إِنما يُنْسَب إِلى عَبْقَر الذي هو موضع الجن . وقال أَبو عبيد : ما وجدنا أَحداً يدري أَين هذه البلاد ، ولا متى كانت » !
عَبَأ - عَبْأَة - عبأ به - عبَّأه
ما عَبَأْتُ به : أي لم أبال به ، وأصله من العِبْءِ أي الثقل ، كأنه قال : ما أرى له وزناً وقدراً . قال تعالى : قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبي « الفرقان : 77 » . وقيل أصله من عَبَأْتُ الطيبَ ، كأنه قيل : ما يبقيكم لولا دعاؤكم . وقيل : عَبَأْتُ الجيشُ وعَبَّأْتُهُ : هيأته ، وعَبْأَةُ الجاهلية : ما هي مدخرة في أنفسهم من حميتهم المذكورة في قوله : فِي قُلُوبِهِمُ الْحَميةَ حَميةَ الْجاهِلِيَّةِ « الفتح : 26 » .
عَتِبَ - عَتَبة - عتِب - عتباً - أعتبه - عتْباً - معتَب - إستعتاب
العَتَبُ : كل مكان نابٍ بنازله ، ومنه قيل للمرقاة ولأُسْكُفَّةِ البابِ : عَتَبَةٌ ، وكُنِّيَ بها عن المرأة فيما روي : إن إبراهيم قال لامرأة إسماعيل عليهما السلام : قولي لزوجك غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ . واستعير العَتْبُ والمَعْتَبَةُ لغِلْظَةٍ يجدها الإنسان في نفسه على غيره ، وأصله من العَتبِ . وبحسبه قيل : خَشُنْتُ بصدر فلان ، ووجدت في صدره غلظة ، ومنه قيل : حمل فلان على عَتَبَةٍ صعبةٍ ، أي حالة شاقة كقول الشاعر :
وَحَمَلْنَاهُمُ عَلى صَعْبَةٍ زَوْ
رَاءَ يَعْلُـونَهَـا بِغَيْرِ وِطَــاءِ
وقولهم أَعْتَبْتُ فلاناً ، أي أبرزت له الغلظة التي وُجِدَتْ له في الصدر . وأَعْتَبْتُ فلاناً : حملته على العَتْبِ . ويقال : أَعْتَبْتُهُ ، أي أزلت عَتْبَهُ عنه ، نحو : أشكيته . قال تعالى : فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ « فصلت : 24 » . والإسْتِعْتَابُ : أن يطلب من الإنسان أن يذكر عَتْبَهُ لِيُعْتَبَ ، يقال : اسْتَعْتَبَ فلانٌ . قال تعالى : وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ « النحل : 84 » يقال : لك العُتْبَى ، وهو إزالة ما لأجله يُعْتَبُ ، وبينهم أُعْتُوبَةٌ ، أي ما يَتَعَاتَبُونَ به . ويقال : عَتبَ عَتْباً : إذا مشى على رجل مشي المرتقي في درجة .
ملاحظات
يظهر أن الخليل جعل المادة أصلين « 2/75 » : عتبة الباب ، والمَوْجَـدة . قال : « العتبــة : أُســكُفَّة الباب وجعلها إبراهيم عليه السلام كناية عن امرأة إسماعيل إذ أمره بإبدال عتبته . وعتبات الدرجة وما يشبهها من عتبات الجبال وأشراف الأرض . وكل مرقاة من الدرج عتبة ، والجميع العَتَب . وعتيبة وعتابة من أسماء النساء ، وعُتبة وعَتاب ومَعتب من أسماء الرجال » .
وحاول ابن فارس وتبعه الراغب ، أن يُوَحِّدَ الأصلين فقال « 4/225 » : « أصل صحيح يرجع كله إلى الأمر فيه بعض الصعوبة ، من كلام أو غيره » . وأي صعوبة عرفية في الدرجة والعَتَب !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 548 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عَتَدَ -عتاد - أعتدةٌ - عتيد - أعتدنا
العَتَادُ : ادخار الشئ قبل الحاجة إليه كالإعداد . والعَتِيدُ : المُعِدُّ والمُعَدُّ . قال تعالى : هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ « ق : 23 » رَقِيبٌ عَتِيدٌ « ق : 18 » أي مُعْتَدٌّ أعمالَ العباد . وقوله : أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً « النساء : 18 » قيل : هو أفْعَلْنَا من العَتَادِ ، وقيل أصله أعددنا ، فأبدل من إحدى الدالين تاء . وفرس عَتِيدٌ وعَتِدٌ : حاضر العدو . والعَتُودُ من أولاد المعز ، جمعه : أَعْتِدَةٌ وعِدَّانٌ على الإدغام .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه المادة ست عشرة مرة : كلمة عتيد مرتين صفةً للملك الرقيب ، وصفةً للمقرون .
وفعلَ أعْتَدْنَا ثلاث عشرة مرة بمعنى أعددنا العذاب لمستحقيه ، ومرة للرزق الكريم في الآخرة .
وأعْتَدَتْ مرة ، في إعداد زليخا مجلساً للنسوة .
وفسر الراغب العَتَاد بالإعداد ، وهو خطأ ، فقد فسره اللغويون بالعُدَّة « الصحاح : 2/505 » وقال ابن منظور « 3/279 » : « العُدَّةُ ، والجمع أَعْتِدَةٌ وعُتُدٌ . الشئ الذي تُعِدُّه لأَمْرٍ ما » .
وقال الجوهري « 2/505 » : « عَتَّدَهُ تَعْتِيدَاً ، وأعتده إعتاداً ، أي أعده ليوم . ومنه قوله تعالى : وأعتدت لهن متكئاً . والعتاد : العدة ، يقال : أخذ للأمر عدته وعتاده ، أي أهبته » .
وكذا لا يصح تفسيره لعتيد بأنه مُعْتَدٌّ أعمالَ العباد . بل معناه : هذا قريني وعمله حاضران مُعَدَّان للجزاء .
عَتَقَ - عاتق - عتيق - معتق
العَتِيقُ : المتقدم في الزمان أو المكان أو الرُّتبة ، ولذلك قيل للقديم : عَتِيقٌ ، وللكريم عَتِيقٌ ، ولمن خلا عن الرق : عَتِيقٌ . قال تعالى : وَلْيَطوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ « الحج : 29 » قيل : وصفه بذلك لأنه لم يزل مُعْتَقاً أن تسومه الجبابرة صَغَاراً .
والعَاتِقَانِ : ما بين المنكبين ، وذلك لكونه مرتفعاً عن سائر الجسد . والعَاتِقُ : الجارية التي عُتِقَتْ عن الزوج ، لأن المتزوجة مملوكة . وعَتَقَ الفرسُ : تقدم بسبقه . وعَتَقَ مني يمينٌ : تقدمت ، قال الشاعر :
عـليَّ أَلِيَّةٌ عَتُقَتْ قديـــماً
فليــس لها وإن طُلِبَتْ مَرَامُ
عَتَلَ - عتله - عتْلاً - عتلة - عُتُل
العَتْلُ : الأخذ بمجامع الشئ وجره بقهر ، كَعَتْلِ البعيرِ . قال تعالى : فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ « الدخان : 47 » . والعُتُلُّ : الأَكُولُ المَنُوع الذي يَعْتِلُ الشئ عَتْلًا . قال : عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ . « القلم : 13 » .
ملاحظات
قال الخليل « 2/70 » : « العَتَلَةُ : حديدة كحدِّ فأس عريضة ، ليست بمتعقفة الرأس كالفأس . والعَتْل : أن تأخذ بتلبيب رجل فتعتِلُه ، أي تجره إليك وتذهب به إلى حبس أو عذاب . وتقول : لا أنْعَتِل معك : أي لا أنقاد معك . وقال بعضهم : العتلة عصاً من حديد ضخمة طويلة لها رأس مفلطح مثل قبيعة السيف مع البناة ، يهدمون بها الحيطان » .
أقول : استعمل القرآن من هذه المادة : إعتلوه ، وعُتُلّ . وأصل عَتَلَ حمل عَتْلاً فهو عَتَّال ، وما يحمله عَتْلة ، وشُغله العِتَالة . والعَتَلة : تسمى المُخْل أيضاً . ولا علاقة لذلك بعَتْل البعير .
أما قوله تعالى في الوليد : عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ ، وتقدم في زنم ، وفسره الخليل وابن منظور « 11/424 » بالأكول البخيل ، والجافي اللئيم الطبيعة السريع الى الشر ، ولا علاقة له بالعَتْل كما تصور الراغب . والزنيم : الدعي المنسوب الى المغيرة وليس بأبيه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 549 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عَتَوَ - عتى - عتواً - عتياً - عاتٍ
العُتُوُّ : النَّبْوُ عن الطاعة ، يقال : عَتَا يَعْتُو عُتُوّاً وعِتِيّاً . قال تعالى : وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيـراً « الفرقان : 21 » فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ « الذاريات : 44 » عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها « الطلاق : 8 » بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ « الملك : 21 » مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا « مريم : 8 » أي حالة لاسبيل إلى إصلاحها ومداواتها ، وقيل إلى رياضة ، وهي الحالة المشار إليها بقول الشاعر :
ومن العَنَاءِ ريَاضَةُ الهَرَمِ
وقوله تعالى : أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا « مريم : 69 » قيل : العِتِيُّ هاهنا مصدرٌ ، وقيل هو جمعُ عَاتٍ . وقيل : العَاتِي : الجاسي .
عَثَرَ - يعثر - عثاراً - عثوراً - عثر عليه - أعثره
عَثَرَ الرجل يَعْثُرُ عِثَاراً وعُثُوراً : إذا سقط ، ويتجوز به فيمن يطلع على أمر من غير طلبه . قال تعالى : فَإِنْ عُثِرَ عَلى أنهُمَا اسْتَحقا إِثْماً « المائدة : 107 » يقال : عَثَرْتُ على كذا . قال : وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ « الكهف : 21 » أي وقفناهم عليهم من غير أن طلبوا .
ملاحظات
عَثَرَ : سقط على الأرض أو زلّ . وعثر عليه : وجده ، وجعلهما الراغب أصلاً واحداً وجعل العثور عليه مشتقاً من العثار ، مع أنه لا علاقة بينهما وكل منهما أصل مستقل ، كما نص عليه ابن فارس « 4/228 » .
كما فسر الراغب : أعثرنا عليهم ، بوقفناهم عليهم ، والصحيح أوقفناهم عليهم .
عَثَى - عثياً - عثواً - أعثى
العَيْثُ والعِثِيُّ يتقاربان ، نحو : جَذَبَ وجَبَذَ ، إلّا أن العَيْثَ أكثر ما يقال في الفساد الذي يدرك حساً ، والعِثِيَّ فيما يدرك حكماً . يقال : عَثِيَ يَعْثَى عِثِيّاً . وعلى هـذا : وَلا تَعْثَــوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِـدِينَ « البقـــرة : 60 » وعَثَـــا يَعْثُو عُثُوّاً . والأَعْثَى : لونٌ إلى السـواد . وقيل للأحمق الثقيل : أَعْثَى .
ملاحظات
قال الخليل « 2/232 » : « عاث يعيث عيثاً . أي أسرع في الفساد . تقول : إنك لأعْيَثُ في المال من السوس في الصيف » .
لكن لايبعد أن يكون عَثَيَ وعَثَوَ وعَيَثَ واحداً لوحدة استعمالهما ، وقَلْبُ الحروف كثيرٌ في العربية . ولا يبعد أن يكون أصل معناها الحركة بحمق وفوضى ، ولا تدل على فساد إلا بقرينة . ويدل عليه أن الإفساد ورد في القرآن حالةً للعثو : وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ . ومعناه أنهما قد يفترقان ، فهما عَثْوٌ بدون فساد ، وفساد بدون عَثْو . قال الحربي « 2/731 » : « رجل أعثى وامرأة عثواء ، وقد عثى شعره عثواً الكثير الشعر المنتفش » .
عَجَبَ - عجباً - تعجب - تعجباً - أعجبه - عجيب
العَجَبُ والتعَجُّبُ : حالةٌ تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشئ ، ولهذا قال بعض الحكماء : العَجَبُ ما لا يُعرف سببه ، ولهذا قيل : لا يصح على الله التعَجُّبُ ، إذ هو علام الغيوب لاتخفى عليه خافية . يقال : عَجِبْتُ عَجَباً ، ويقال للشئ الذي يُتَعَجَّبُ منه : عَجَبٌ ولما لم يعهد مثله عَجِيبٌ . قال تعالى : أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا « يونس : 2 » تنبيهاً [على] أنهم قد عهدوا مثل ذلك قبله . وقوله : بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ « ق : 2 » وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ « الرعد : 5 » كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً « الكهف : 9 » أي ليس ذلك في نهاية العَجَبِ بل في أمورنا أعظم وأَعْجَبُ منه . قُرْآناً عَجَباً « الجن : 1 » أي لم يعهد مثله ، ولم يعرف سببه .
ويستعار مرةً للمونق فيقال : أَعْجَبَنِي كذا ، أي راقني . قال تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ « البقـــرة : 204 » وَلا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 550 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُـمْ « التــوبـة : 85 » وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ « التوبة : 25 » أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ « الحديد : 20 » .
وقال : بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ « الصافات : 12 » أي عَجِبْتَ من إنكارهم للبعث لشدة تحققك معرفته ، ويسخرون لجهلهم . وقيل : عَجِبْتَ من إنكارهم الوحيَ . وقرأ بعضهم : بَلْ عَجِبْتُ بضمِّ التاء ، وليس ذلك إضافة المُتَعَجِّبِ إلى نفسه في الحقيقة بل معناهأنه مما يقال عنده عَجِبْتُ ، أو يكون عَجِبْتُ مستعاراً بمعنى أنكرتُ ، نحو : أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله « هود : 73 » إن هذا لَشَئ عُجابٌ « صاد : 5 » . ويقال لمن يروقه نفسه : فلانٌ مُعْجَبٌ بنفسه . والعُجْبُ من كل دابة : ما ضَمرَ وَرِكُهُ .
ملاحظات
1 . لا يصح تعريف الراغب للتعجب بأنه : « حالةٌ تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشئ » لأن بعض التعجب لاجهالة فيه . ثم قال الراغب : ويستعار مرةً للمُونِق فيقال : أَعْجَبَنِي كذا ، أي راقني . فجعل الإعجاب في مثل قوله تعالى : فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ، مستعاراً من التعجب ! بينما فعله : أعْجَبَ وليس تَعَجَّبَ .
2 . ميَّز الخليل بين الأمر العجيب والعجاب ، قال « 1/235 » : « أمـا العجيب فالعَجَب ، وأمـا العُجَاب فالذي جاوز حد العَجَب ، مثل الطويل والطوال . وهو مستعجِب ومُتَعَجِّب مما يرى . وشئ مُعْجِبٌ أي حسن . وفلان مُعْجَبٌ بنفسه إذا دخله العُجْب » .
3 . ورد التعجب في القرآن بضعاً وعشرين مرة ، ومعناه معروف . وله معنى عند النحاة ، شبيه بقوله تعالى : وما أدراك .
عَجِزَ - عجْزه - عجزاً - أعجز - معجز - عجَّزه - عجوز
عَجُزُ الإنسانِ : مُؤَخَّرُهُ ، وبه شُبِّهَ مُؤَخَّرُ غيرِهِ . قال تعالى : كَأنهُمْ أَعْجـازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ « القمر : 20 » والعَجْزُ : أصلُهُ التأَخُّرُ عن الشئ ، وحصوله عند عَجُزِ الأمرِ ، أي مؤخره ، كما ذكر في الدبر . وصار في التعارف إسماً للقصور عن فعل الشئ ، وهو ضد القدرة . قال تعالى : أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ « المائدة : 31 » وأَعْجَزْتُ فلاناً وعَجَّزْتُهُ وعَاجَزْتُهُ : جعلته عَاجِزاً . قال : وَاعْلَمُوا أنكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله « التوبـــة : 2 » وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ « الشوري : 31 » وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ « الحج : 51 » وقرئ : معجزين .
فَمُعَاجِزِينَ قيل : معناه ظانين ومقدِّرين أنهم يُعْجِزُونَنَا ، لأنهم حسبوا أن لا بعث ولا نشور فيكون ثوابٌ وعقاب ، وهذا في المعنى كقوله : أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا « العنكبوت : 4 » .
ومُعَجِّزِينَ : يَنسُبُون إلى العَجْزِ مَن تَبَعِ النبيَّ صلى الله عليه وآله وذلك نحو : جَهَّلْتُهُ وفَسَّقْتُه أي نسبته إلى ذلك . وقيل معناه مثبِّطين أي يثبِّطون الناس عن النبي كقوله : الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله « الأعراف : 45 » . وَالعَجُوزُ : سميت لِعَجْزِهَا في كثير من الأمور . قال تعالى : إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ « الصافات : 135 » وقال : أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ « هود : 72 » .
ملاحظات
جعل ابن فارس العجز أصلين ، وهو الصحيح ، قال « 4/232 » : « أصلان صحيحان ، يدل أحدهما على الضعف ، والآخر على مؤخر الشئ . فالأول : عجز عن الشئ يعجز عجزاً فهو عاجز ، أي ضعيف ، وقولهم : إن العجز نقيض الحزم فمن هذا ، لأنه يضعف رأيه . ويقال : أعجزني فلان ، إذا عجزت عن طلبه وإدراكه . ولن يعجز الله تعالى شئ ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 551 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أي لا يعجز الله تعالى عنه متى شــاء . وفي القـرآن : لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا . وقال تعالى : وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ . ويقولـون : عَجَزَ ، بفتح الجيم » .
عَجَفَ - أعجفٌ - عجاف - أعجف الرجل
قال تعالى : سَبْعٌ عِجافٌ « يوسف : 43 » جمعُ أَعْجَفَ ، وعَجْفَاءَ ، أي الدقيق من الهُزال ، من قولهم : نصلٌ أَعْجَفُ : دقيق . وأَعْجَفَ الرجل : صارت مواشيه عِجَافاً . وعَجَفَتْ نفسي عن الطعام ، وعن فلان ، أي نَبَتْ عنهما .
عَجَلَ - عَجَلَةً - عجول - تعجل - عجالة - عاجلة - عِجْل - عِجلة
العَجَلَةُ : طلب الشئ وتحريه قبل أوانه ، وهو من مقتضى الشهوة ، فلذلك صارت مذمومة في عامة القرآن « ؟ » حتى قيل : العَجَلَةُ من الشيطان . قـال تعـالى : سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ « الأنبياء : 37 » وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ « طه : 114 » وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ « طه : 83 » وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ « طه : 84 » فذكر أن عَجَلَتَهُ وإن كانت مذمومة فالذي دعا إليها أمر محمود وهو طلب رضا الله تعالى .
قال تعالى : أَتى أَمْرُ الله فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ « النحـل : 1 » وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ « الرعد : 6 » لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسنة « النمل : 46 » وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ « الحج : 47 » وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ « يونس : 11 » . خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ « الأنبياء : 37 » . قال بعضهم : من حمإ وليس بشئ ، بل تنبيهٌ على أنه لا يتعرى من ذلك ، وأن ذلك أحد الأخلاق التي ركب عليها . وعلى ذلك قال : وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا « الإسراء : 11 » وقوله : مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشـاءُ لِمَنْ نُرِيدُ « الإسراء : 18 » أي الأعراض الدنيوية ، وهبنا ما نشاء لمن نريد أن نعطيه ذلك .
عَجِّلْ لَنا قِطنا « صاد : 16 » فَعَجَّــلَ لَكُمْ هذِهِ « الفتح : 20 » . والعُجَالَةُ : ما يُعَجَّلُ أكله كاللُّهْنَةِ ، وقد عَجَّلْتُهُمْ ولهَنْتُهم .
والعِجْلَةُ : الإداوةُ الصغيرةُ التي يُعَجَّلُ بها عند الحَاجة . والعَجَلَةُ : خشبة معترضة على نعامة البئر ، وما يحمل على الثيران وذلك لسرعة مَرِّها . وَالعِجْلُ : ولد البقرة لتصور عَجَلَتِهَا التي تعدم منه إذا صار ثوراً . قال : عِجْلًا جَسَداً « الأعراف : 148 » . وبقرةٌ مُعْجِلٌ : لها عِجْلٌ .
عَجَمَ - المعجم - أعجمَ الكلام - استعجم - عجماء - عَجَمه بفمه
العُجْمَةُ : خـلافُ الإبانة ، والإعجَامُ : الإبهام ، واسْتَعْجَمْتُ الدَّارَ : إذا بان أهلها ولم يبق فيها عريب ، أي من يبين جواباً ، ولذلك قال بعض العرب : خرجت عن بلاد تنطق ، كناية عن عمارتها وكون السكان فيها .
والعَجَمُ : خلاف العَرَبِ ، والعَجَمي منسوبٌ إليهم . والأعجَمُ : مَن في لسانه عُجْمَةٌ ، عربيّاً كان أو غير عربي ، اعتباراً بقلّة فهمهم عن العجم . ومنه قيل للبهيمة : عَجْمَاءُ . والأعجَمي منسوبٌ إليه . قال : وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الأعجَمِينَ « الشـــعراء : 198 » على حذف اليــاءات . قال تعالى : وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمياً لَقــالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيـاتُهُءَ أَعْجَمي وَعَرَبِي « فصـلـت : 44 » يُلْحِـدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمي « النحل : 103 » وسمّيت البهيمة عَجْمَاءَ من حيث إنها لا تبين عن نفسها بالعبارة إبانة الناطق . وقيل : صلاة النهار عَجْمَاءُ ، أي لا يجهر فيها بالقراءة ، وجُرْحُ العَجْمَاءِ جُبَارٌ . وأَعْجَمْتُ الكلامَ : ضد أَعْرَبْتُ . وأَعْجَمْتُ الكتابةَ : أزلت عُجْمَتَهَا ، نحو : أشكيته : إذا أزلت شكايته .
وحروف المُعْجَمُ : روي عن الخليل أنها هي الحروف المقطعة لأنها أَعْجَميةٌ . قال بعضهم : معنى قوله أَعْجَميةٌ : أن الحروف المتجردة لا تدل على ما تدل عليه الحروف الموصولة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 552 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وبابٌ مُعْجَمٌ : مُبْهَمٌ . والعَجَمُ : النوى ، الواحدة عَجَمَةٌ ، إما لاستتارها في ثَنْيِ ما فيه ، وإما بما أخفي من أجزائه بضغط المضغ ، أو لأنه أدخل في الفم في حال ما عض عليه فأخفي . والعَجْمُ : العَضُّ عليه ، وفلانٌ صَلْبُ المَعْجَمِ ، أي شديدٌ عند المختبر .
ملاحظات
قـال الخليل « 1/237 » : « الأعجم : الذي لا يفصح . والعجماء : كل صلاة لا يقرأ فيها . والأعجم : كل كلام ليس عربيةً ، إذا لم ترد بها النسبة . وقال ابن فارس « 4/239 » : « عَجَمَ : ثلاثة أصول ، أحدها : يدل على سكوت وصمت . والآخر : على صلابة وشدة . والآخر : على عضٍّ ومَذَاقةٍ . فالأول : الرجل الذي لايفصح هو أعجم . ويقال للصبي ما دام لا يتكلم ولا يفصح صبي أعجم . وأظن أن الخليل أراد بالأعجمية أنها ما دامت مقطعة غير مؤلفة تأليف الكلام المفهوم فهي أعجمية ، لأنها لا تدل على شئ ، فإن كان هذا أراد فله وجه ، وإلا فما أدري أي شئ أراد بالأعجمية . والذي عندنا في ذلك أنه أريد بحروف المعجم حروف الخط المعجم ، وهو الخط العربي لأنا لا نعلم خطاً من الخطوط يعجم هذا الإعجام حتى يدل على المعاني الكثيرة » .
عَدَّ - عدة - أعدَّ - إعداداً - عداد - معدود - معتد به - عداد - عدان
العَدَدُ : آحاد مركبة ، وقيل تركيب الآحاد ، وهما واحد . قال تعالى : عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ « يونس : 5 » وقوله تعالى : فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَـدَداً « الكهف : 11 » فَذِكْرُهُ للعَدَدِ تنبيهٌ على كثرتها .
والعَدُّ : ضمُّ الأعدَادِ بعضها إلى بعض . قال تعالى : لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا « مريم : 94 » فَسْئَلِ الْعادِّينَ « المؤمنون : 113 » أي أصحاب العَدَدِ والحساب . وقال تعالى : كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَـدَدَ سِنِينَ « المؤمنون : 112 » وَإن يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سنة مِمَّا تَعُدُّونَ « الحج : 47 » . ويُتجوز بِالعَدِّ على أوجه يقال : شئ مَعْدُودٌ ومحصور ، للقليل مقابلة لما لا يحصى كثرة ، نحو المشار إليه بقوله : بِغَيْرِ حِسابٍ « البقرة : 212 » وعلى ذلك : إِلَّا أَيَّامـاً مَعْدُودَةً « البقرة : 80 » أي قليلة ، لأنهم قالوا : نعذب الأيامَ التي فيها عبدنا العجل . ويقال على الضد من ذلك نحو : جيشٌ عَدِيدٌ : كثيرٌ ، وإنهم لذو عَدَدٍ ، أي هم بحيث يجب أن يُعَدُّوا كثرةً ، فيقال في القليل : هو شئ غير مَعْدُودٍ ، وقوله : فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً « الكهف : 11 » يحتمل الأمرين .
ومنه قولهم : هذا غير مُعْتَدٍّ به ، وله عُدَّةٌ ، أي شئ كثير يُعَدُّ من مال وسلاح وغيرهما . قال : لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً « التوبة : 46 » وماءٌ عِدٌّ . وَالعِدَّةُ : هي الشئ المَعْدُودُ . قال تعالى : وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ « المدثر : 31 » أي عَدَدَهُمْ . وقوله : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ « البقرة : 184 » أي عليه أيام بِعَدَدِ ما فاته من زمان آخر غير زمان شهر رمضان . إن عِدَّةَ الشُّهُورِ « التوبة : 36 » .
والعِدَّةُ : عِدَّةُ المرأةِ ، وهي الأيام التي بانقضائها يحل لها التزوج . قال تعالى : فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها « الأحزاب : 49 » فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ « الطلاق : 1 »
والإعدادُ : مِنَ العَدِّ كالإسقاء من السَّقْيِ ، فإذا قيل أَعْدَدْتُ هذا لك ، أي جعلته بحيث تَعُدُّهُ وتتناوله بحسب حاجتك إليه . قال تعالى : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ « الأنفال : 60 » . وقوله : أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً « النساء : 18 » وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ « الفرقان : 11 » وقوله : وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً « يوسف : 31 » قيل : هو منه .
وقوله : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ « البقرة : 184 » أي عدد ما قد فاته . وقوله : وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ « البقرة : 185 » أي عِدَّةَ الشّهر . وقوله :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 553 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ « البقرة : 184 » فإشارة إلى شهر رمضان . وقوله : وَاذْكُرُوا الله فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ « البقرة : 203 » فهي ثلاثة أيام بعد النحر ، والمعلومات عشر ذي الحجة . وعند بعض الفقهاء : المَعْدُودَاتُ يومُ النحر ويومان بعده . فعلى هذا يوم النحر يكون من المَعْدُودَاتِ والمعلومات .
والعِدَادُ : الوقت الذي يُعَدُّ لمعاودة الوجع ، وقال عليه الصلاة والسلام : ما زالت أكلة خيبر تُعَادُّنِي . وعِدَّانُ الشئ : عهده وزمانه .
ملاحظات
أجاد الراغب في تدوين المادة وإن كرر آية : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ . ولم ينبه على أن أعتدنا ليست من أعددنا .
عَدَس - عدسة
العَدَسُ : الحبُّ المعروف . قال تعالى : وَعَدَسِها وَبَصَلِها « البقرة : 61 » . والعَدَسَةُ : بَثْرَةٌ على هيئته . وعَدَسْ : زجرٌ للبغل ونحوه ، ومنه : عَدَسَ في الأرض وهي عَدُوسٌ .
عَدَلَ - عدالة - معادلة - عِدل - عادل - اعتدال - معتدل
العَدَالَةُ والمُعَادَلَةُ : لفظٌ يقتضي معنى المساواة « النسبية » ويستعمل باعتبار المضايفة . والعَدْلُ والعِدْلُ يتقاربان ، لكن العَدْلُ يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام ، وعلى ذلك قوله : أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً . « المائدة : 95 » . والعِدْلُ والعَدِيلُ : فيما يدرك بالحاسة كالموزونـات والمعدودات والمكيلات ، فالعَدْلُ هو التقسيط على سواء . وعلى هذا روي : بالعَدْلِ قامت السموات والأرض ، تنبيهاً [على] أنه لو كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائداً على الآخر أو ناقصاً عنه على مقتضى الحكمة ، لم يكن العالم منتظماً .
والعَدْلُ ضربان ، مطلقٌ : يقتضي العقل حسنه ، ولا يكون في شئ من الأزمنة منسوخاً ، ولا يوصف بالإعتداء بوجه ، نحو : الإحسان إلى من أحسن إليك ، وكفُّ الأذيَّة عمن كف أذاه عنك . وعَدْلٌ : يُعرَف كونه عَدْلًا بالشرع ، ويمكن أن يكون منسـوخاً في بعض الأزمنة ، كالقصاص وأروش الجنايات ، وأصل مال المرتد . ولذلك قال : فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ « البقرة : 194 » وقال : وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها « الشوري : 40 » فسمي اعتداء وسيئة ، وهذا النحو هو المعني بقوله : إن الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ « النحل : 90 » فإن العَدْلَ هو المساواة في المكافأة إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، والإحسان أن يقابل الخير بأكثر منه والشر بأقل منه .
ورجلٌ عَدْلٌ : عَادِلٌ ، ورجالٌ عَدْلٌ : يقال في الواحد والجمع ، قال الشاعر :
فهُمُ رضاً وهُمُ عَدْلُ
وأصله مصدر كقوله : وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ « الطلاق : 2 » أي عَدَالَةٍ . قال تعالى : وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ « الشوري : 15 » وقوله : وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ « النساء : 129 » فإشارة إلى ما عليه جبلة الناس من الميل ، فالإنسان لا يقدر على أن يسوي بينهن في المحبة . وقوله : فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً « النساء : 3 » فإشارة إلى العَدْلِ الذي هو القسم والنفقة . وقال : لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا « المائدة : 8 » وقوله : أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً « المائدة : 95 » أي ما يُعَادِلُ من الصيام الطعام ، فيقال للغذاء : عَدْلٌ إذا اعتبر فيه معنى المساواة . وقولهم : لايقبل منه صرف ولا عَدْلٌ ، فالعَدْلُ قيل : هو كناية عن الفريضة وحقيقته ما تقدم . والصَّرْف : النافلة وهو الزيادة على ذلك ، فهما كالعَدْلِ والإحسان . ومعنى أنه لا يقبل منه أنه لا يكون له خير يقبل منه .
وقوله : بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ « الأنعام : 1 » أي يجعلون له عَدِيلًا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 554 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فصار كقوله : هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ « النحل : 100 » وقيل : يَعْدِلُونَ بأفعاله عنه وينسبونها إلى غيره ، وقيل : يَعْدِلُونَ بعبادتهم عنه تعالى . وقوله : بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ « النمل : 60 » يصح أن يكون من قولهم : عَدَلَ عن الحق : إذا جار عُدُولًا .
وأيام مُعْتَدِلَاتٌ : طيبات لِاعْتِدَالِهَا . وعَادَلَ بين الأمرين : إذا نظر أيّهما أرجح . وعَادَلَ الأمرَ : ارتبك فيه ، فلا يميل برأيه إلى أحد طرفيه . وقولهم : وُضع على يدي عَدْلٍ ، فمثلٌ مشهور .
عَدَنَ - معدن
قوله تعالى : جَنَّاتِ عَـدْنٍ « النحل : 31 » أي استقرار وثبات ، وعَدَنَ بمكان كذا : استقر ، ومنه المَعْدِنُ لمستقر الجواهر ، وقال عليه الصلاة والسلام : المَعْدِنُ جُبَارٌ .
ملاحظات
قال اللغويون : عَدَنَ في المكان : أقامَ فيه ، وقالوا معنى جنات عَدْنٍ : جنات الإقامة . كما جعلوا المعدن مشتقاً من عَدَنَ . لكن ذلك مجرد احتمال ، فقد ذكر الخليل أن عدن في المكان بمعنى أقام خاصٌّ بالإبل ! قال « 2/42 » : « والعدن : إقامة الإبل على الحمض خاصة . عدنت الإبل تعدن عدوناً » .
أما جنة عدن فقد وردت فيها روايات مستفيضة وأنها تقع في وسط الجنة ، وأنها منزل النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل بيته عليهم السلام . والمرجح أن يكون إسمها منقولاً من السريانية أو لغات الأنبياء عليهم السلام ، فقد ورد ذكرها في التوراة . قال في قاموس الكتاب المقدس/613 : « عَدَن : إسم عبري معناه بَهْجَة ، حيث غرس الله في الأرض شجراً شهياً للنظر وجيداً للأكل ، وعمل حديقة سميت بجنة عدن ، من أجل آدم ليسكن فيها قبل الخطيئة . وكان يسقيها نهر يشق مجراه لنفسه في عدن ، ويتفرع إلى أربعة رؤوس : فيشون وجيحون وحداقل والفرات » تك ص 2 . « أما موقع جنة عدن فلا يزال غير مجمع عليه حالياً كما قال غالبية الجغرافيين واللاهوتيين . وبعض منهم يعتبرون أرمينيا أنها عدن ، لأن الفرات والدجلة ينبعان في أرمينيا . كما أن سهل بابل كان معروفاً منذ القدم باسم عدنو ، وموقع الحويلة هو جزء من جزيرة العرب الذي يجاور العراق إلى الجنوب الغربي منه . وقد ذكرت جنة عدن في الكتاب بعد سفر التكوين في : اش51 : 3 وحز28 : 13و31 » .
وبهذا يظهر أن إسم جنة عدن قديم ، معناه البهجة أو الإقامة والخلود ، وسميت به منطقة سهل بابل وعدن اليمن .
عَدَا - عدواً - عدوٌّ - اعتداء - عدوان - معاداة - أعداء - تعاديا - عدا طوره - العُدوة
العَدْوُ : التجاوز ومنافاة الإلتئام ، فتارةً يعتبر بالقلب فيقال له العَدَاوَةُ والمُعَادَاةُ ، وتارة بالمشي فيقال له العَدْوُ ، وتارة في الإخلال بالعدالة في المعاملة فيقال له العُدْوَانُ والعَدْوُ . قال تعالى : فَيَسُبُّوا الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ « الأنعام : 108 » وتارة بأجزاء المقَرّ ، فيقال له : العَدْوَاءُ . يقال : مكان ذو عَدْوَاءَ ، أي غير متلائم الأجزاء . فمن المُعَادَاةِ يقال رجلٌ عَدُوٌّ وقومٌ عَدُوٌّ . قال تعالى : بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَـدُوٌّ « طه : 123 » وقد يجمع على عِدًى وأَعْدَاءٍ ، قال تعالى : وَيَوْمَ يُحْشَـرُ أَعْداءُ الله « فصلت : 19 » .
والعَدُوُّ ضربان ، أحدهما : بقصدٍ من المُعَادِي نحو : فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ « النساء : 92 » جَعَلْنا لِكل نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ « الفرقان : 31 » وفي أخرى : عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ « الأنعام : 112 » . والثاني : لا بقصده ، بل تعرض له حالة يتأذى بها كما يتأذى مما يكون من العِدَى ، نحو قوله : فَإنهُمْ عَـدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ « الشعراء : 77 » وقوله في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 555 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الأولاد : عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ « التغابن : 14 » .
ومن العَدْوِ يقال : فَعَادَى عِدَاءً بين ثورٍ ونعجةٍ .
أي أَعْدَى أحدهما إثر الآخر ، وتَعَادَتِ المواشي بعضها في إثر بعض ، ورأيت عِدَاءَ القوم الذين يَعْدُونَ من الرَّجَّالَةِ .
والإعتِدَاءُ : مجاوزة الحق ، قال تعالى : وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا « البقرة : 231 » وقال : وَمَنْ يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ . « النساء : 14 » اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ « البقرة : 65 » فذلك بأخذهم الحيتان على جهة الإستحلال . قال : تِلْكَ حُدُودُ الله فَلا تَعْتَدُوها « البقرة : 229 » وقال : فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ « المؤمنون : 7 » فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ « البقرة : 178 » بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ « الشـعراء : 166 » أي مُعْتَدُونَ ، أو مُعَادُونَ ، أو متجاوزون الطوْر ، من قولهم : عَدَا طوره . وَلا تَعْتَدُوا إن الله لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ « البـقرة : 190 » .
فهذا هو الإعتِدَاءُ على سبيل الإبتداء لا على سبيل المجازاة ، لأنه قال : فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ « البقرة : 194 » أي قابلوه بحسب اعْتِدَائِهِ وتجاوزوا إليه بحسب تجاوزه .
ومن العُدْوَانِ المحظور ابتداءً قوله : وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ « المائدة : 2 » . ومن العُدْوَانِ الذي هو على سبيل المجازاة ، ويصح أن يتعاطى مع من ابتدأ ، قوله : فَلا عُـدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ « البقرة : 193 » وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً « النساء : 30 » وقوله تعالى : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ « البقرة : 173 » أي غير باغ لتناول لذة ، وَلا عادٍ أي متجاوز سَدَّ الجَوْعَة . وقيل : غير باغ على الإمام ، ولا عَادٍ في المعصية طريقَ المخبتين .
وقد عَدَا طورَهُ : تجاوزه وتَعَدَّى إلى غيره . ومنه : التعَدِّي في الفعل ، وتَعْدِيَةُ الفعلِ في النحو هو تجاوز معنى الفعل من الفاعل إلى المفعول . وما عَدَا كذا : يستعمل في الإستثناء ، وقوله : إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى « الأنفال : 42 » أي الجانب المتجاوز للقرب .
ملاحظات
اتفق اللغويون على أن عدا بمعنى ركض وبمعني اعتدى ، أصلٌ واحد ومعناهُ تجاوزُ الحد . وهو ظنٌّ منهم لكنه أقرب الإحتمالات . قال الخليل « 2/213 » : « عدا يعدو عَدْواً وعَدُوَّاً ، مُثَقَّلة . وهو التعدي في الأمر وتجاوزٌ ما ينبغي له أن يقتصر عليه . ويُقــرأ : فيسبوا الله عَدُواً ، على فعول في زنة قعود . وما رأيت أحداً ما عدا زيداً ، أي ما جاوز زيداً ، فإن حذفت ما خفضته على معنى سوى تقول : ما رأيت أحداً عدا زيدٍ . والعُدْوان والإعتداء والعِدَاء والعَدْوى والتعدي : الظلم البُراح . والعَدْوي : ما يقال إنه يُعدي من جَرَبٍ أو داء ، وفي الحديث : لاعدوى ولا هامَةَ ولا صَفَرَ ولا غَوَلَ ولا طَيَرَة ، أي لا يُعدي شئٌ شيئاً . وتقول : كُفَّ عني يا فلان عَادِيَتَك ، وَعَادِيَة شرِّك . والعَادِيَة : الخيل المغيرة . والعَدُوُّ : إسم جامع للواحد والجميع والتثنية والتأنيث والتذكير ، تقول : هو لك عدوٌّ ، وهي وهما وهم وهن لك عدو . فإذا جعلته نعتاً قلت : الرجلان عدواك ، والرجال أعداؤك » .
عَذَبَ - عُذُوبةً - أعذبَ - عَذَّبه - تعذيباً - عذاب
ماءٌ عَذْبٌ : طيب بارد . قال تعالى : هذا عَذْبٌ فُراتٌ « الفرقان : 53 » وأَعْذَبَ القومُ : صار لهم ماءٌ عَذْبٌ . والعَذَابُ : هو الإيجاع الشديد ، وقد عَذَّبَهُ تَعْذِيباً : أكثر حبسه في العَذَابِ . قال : لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً « النمل : 21 » وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ « الأنفال : 33 » أي ما كان يُعَذِّبُهُمْ عَذَابَ الإستئصالِ ، وقوله : وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 556 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
« الأنفال : 34 » لا يُعَذِّبُهُمْ بالسّيف . وقال : وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ « الإسراء : 15 » وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ « الشعراء : 138 » وَلَهُمْ عَـذابٌ واصِبٌ « الصافات : 9 » وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ « البقرة : 10 » وَإن عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ « الحجر : 50 » .
واختلف في أصله فقال بعضهم هو من قولهم : عَذَبَ الرجلُ : إذا ترك المأكل والنوم ، فهو عَاذِبٌ وعَذُوبٌ . فَالتعْذِيبُ في الأصل هو حمل الإنسان أن يُعَذَّبَ أي يجوع ويسهر . وقيل أصله من العَذْبِ ، فَعَذَّبْتُهُ أي أزلت عَذْبَ حياته ، على بناء مرضته وقذيته . وقيل أصل التعْذِيبِ إكثارُ الضرب بِعَذَبَةِ السوطِ ، أي طرفها ، وقد قال بعض أهل اللغة : التعْذِيبُ هو الضَّربُ . وقيل هو من قولهم : ماءٌ عَذَبٌ ، إذا كان فيه قذى وكدر ، فيكون عَذَّبْتُهُ كقولك : كدرت عيشه وزلقت حياته . وعَذَبَةُ السوطِ واللسانِ والشجرِ أطرافُها .
ملاحظات
1 . حاولوا إرجاع التعذيب الى عذوبة الماء أو عذبة السوط ، وما شابه ، وهو رأيٌ ضعيف . وقد اعترف ابن فارس « 4/259 » بأن توحيد فروع المادة غير ممكن ، قال : « عذب : أصل صحيح ، لكن كلماته لا تكاد تنقاس ولا يمكن جمعها إلى شئ واحد . وهذا يدل على أن اللغة كلها ليست قياساً لكن جلها ومعظمها . فمن الباب : عَذُبَ الماء يَعْذُبُ عُذُوبَةً ، فهو عَذْبٌ طيب ، وأعذب القوم إذا عذب ماؤهم ، واستعذبوا إذا استقوا وشربوا عذباً .
وباب آخر ، لا يشبه الذي قبله يقال عذب الحمار يعذب عذباً وعذوباً فهو عاذب وعذوب ، لا يأكل من شدة العطش ! ويقال أعذب عن الشئ إذا لهى عنه وتركه . وفي الحديث : أعذبوا عن ذكر النساء .
وباب آخرُ ، لا يشبه الذي قبله : العَذُوب الذي ليس بينه وبين السماء ستر ، وكذلك العاذب .
وباب آخر ، لا يشبه الذي قبله : العذاب يقال منه عَذَّبَ تعذيباً وناس يقولون أصل العذاب الضرب .
وباب آخر ، لا يشبه الذي قبله يقال لطرف السوط : عَذْبَة والجمع عُذَب » .
أقول : هذا اعتراف من إمامٍ في اللغة ، بأن أغلب كلام اللغويين في الإشتقاق ظنون ، ولذلك لا نبني إلا على ما نطمئن اليه .
2 . استعمل القرآن هذه المادة بشكل واسع ، لأنها من قواعد قانون الثواب والعقاب ، فقد ورد لفظ العذاب أكثر من 300 مرة ، وَوَصَفَ القرآن العذاب بصفات تدل على تفاوت درجاته تفاوتاً كبيراً ، كما أن مستحقيه متفاوتون أيضاً ، فمنهم المعاندون المتكبرون المخلدون في العذاب ، ومنهم من يضرب أسواطاً قليلة .
عَذَرَ - عذراً - عذرته - اعتذرت اليه - مُعَذِّرون - عَذَرَة - عُذْرتها
العُذْرُ : تَحَرِّي الإنسان ما يمحو به ذنوبه . ويقال : عُذْرٌ وعُذُرٌ ، وذلك على ثلاثة أضرب : إما أن يقول لم أفعل ، أو يقول فعلت لأجل كذا فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنباً ، أو يقول : فعلتُ ولا أعودُ ، ونحو ذلك من المقال . وهذا الثالث هو التوبة ، فكل توبة عُذْرٌ ، وليس كل عُذْرٍ توبةً . واعْتذَرْتُ إليه : أتيت بِعُذْرٍ . وعَذَرْتُهُ : قَبِلْتُ عُذْرَهُ . قال تعـالى : يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا « التوبة : 94 » . والمُعَذِّرُ : من يرى أن له عُذْراً ولا عُذْرَ له . قال تعالى : وَجـاءَ الْمُعَذِّرُونَ « التوبة : 90 » وقرئ : المُعْذِرُونَ ، أي الذين يأتون بالعُذْرِ . قال ابن عباس : لعن الله المُعَذِّرِينَ ، ورحم المُعْذِرِينَ . وقوله : قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 557 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
« الأعراف : 164 » فهو مصدر عَذَرْتُ ، كأنه قيل : أطلب منه أن يَعْذُرَنِي . وأَعْذَرَ : أتى بما صار به مَعْذُوراً ، وقيل : أَعْذَرَ من أنذر : أتى بما صار به مَعْذُوراً .
قال بعضهم : أصل العُذْرِ من العَذَرَةِ وهو الشئ النجس ، ومنه سمي القُلْفَةُ العُذْرَةُ ، فقيل عَذَرْتُ الصّبيَّ : إذا طهرته وأزلت عُذْرَتَهُ وكذا عَذَرْتُ فلاناً : أزلت نجاسة ذنبه بالعفو عنه ، كقولك : غفرت له : أي سترت ذنبه . وسمي جِلْدَةُ البكارة : عُذْرَةً ، تشبيهاً بِعُذْرَتِهَا التي هي القُلْفَةُ فقيل : عَذَرْتُهَا أي افْتَضَضْتُهَا ، وقيل للعارض في حلق الصبي عُذْرَةً ، فقيل : عُذِرَ الصّبيُّ إذا أصابه ذلك ، قال الشاعر :
غَمْزُ الطبيبِ نَغَانِغَ المَعْذُورِ
ويقال : اعْتَذَرَتِ المياهُ : انقطعت . واعْتَذَرَتِ المنازلُ : دُرِسَت ، على طريق التشبيه بِالمُعْتَذِرِ الذي يندرس ذنبه لوضوح عُذْرِهِ . والعَاذِرَةُ : قيل المستحاضة . والعَذَوَّرُ : السيئُ الخُلُقِ اعتباراً بِالعَذَرَةِ أي النجاسة . وأصل العَذَرَةِ : فناءُ الدارِ ، وسميَ ما يلقى فيه باسمها .
عَرَّ - عراه - يعروه - عَرَّه - يَعره - عِرار - عَرعر
قال تعالى : أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ « الحج : 36 » وهو المعترض للسؤال ، يقال : عَرَّهُ يَعُرُّهُ واعْتَرَرْتُ بك حاجتي .
وَالعَرُّ والعُرُّ : الجرب الذي يَعُرُّ البدنَ أي يعترضه ، ومنه قيل للمضرة : مَعَرَّةٌ ، تشبيهاً بالعُرِّ الذي هو الجرب . قال تعالى : فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ « الفتح : 25 » . والعِرَارُ : حكايةُ حفيفِ الريحِ ، ومنه العِرَارُ لصوت الظليم حكاية لصوتها ، وقد عَارَّ الظليم . والعَرْعَرُ : شجرٌ سُمِّيَ به لحكاية صوت حفيفها . وعَرْعَار : لُعبةٌ لهم حكاية لصوتها .
ملاحظات
أجاد ابن فارس حيث جعل هذه المادة أربعة أصول ، قال « 4/32 » : « العين والراء : أصول صحيحة أربعة ، فالأول يدل على لطخ شئ بغير طيب وما أشبه ذلك . والثاني يدل على صوت . والثالث يدل على سمو وارتفاع . والرابع يدل على معالجة شئ . وذلك بشرط أنا لا نعد النبات ولا الأماكن فيما ينقاس من كلام العرب .
فالأول : العَر والعُر ، قال الخليل : هما لغتان يقال هو الجرب ، وكذلك العَرة ، وإنما سمي بذلك لأنه كأنه لطخ بالجسد . قال الخليل : المعرة ما يصيب الإنسان من إثم ، قال الله سبحانه : فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ . والأصل الثاني : الصوت ، فالعرارعرار الظليم وهو صوته . والأصل الثالث : الدال على سمو وارتفاع ، قال الخليل : عُرعُرة كل شئ أعلاه . والأصل الرابع : معالجة الشئ تقول : عَرْعَرْتُ اللحم عن العظم وشَرْشَرْتُهُ بمعنى . قالوا : والعرعرة المعالجة للشئ بعجلة » .
عَرَبَ - يَعْرُب- أعْراب - إعْراب - مُعرب - عربي - يعرب
العَرَبُ : وُلْدُ إسماعيلَ ، والأعرَابُ جمعه في الأصل ، وصار ذلك إسماً لسكان البادية . قالَتِ الأعرابُ آمَنَّا « الحجرات : 14 » الأعرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً « التوبة : 97 » وَمِنَ الأعرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ « التوبة : 99 » . وقيل في جمع الأعرَابِ أَعَارِيبُ ، قال الشاعر :
أَعَارِيبٌ ذَوُوا فَخْرٍ بِإفْكٍ
وأَلْسنة لِطَـــافٍ في المقـــــالِ
وحُسْنُ القولِ من حُسْنِ الفعالِ
وشطره الأول في عمدة الحفاظ : عَرَبٌ . والأعرَابِيُّ : في التعارف صار إسماً للمنسوبين إلى سكان البادية .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 558 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والعَرَبِيُّ : المفصح . والإعرَابُ : البيانُ ، يقال أَعْرَبَ عن نفسه . وفي الحديث : الثيِّبُ تُعْرِبُ عن نفسها أي تُبِين . وإِعْرَابُ الكلامِ : إيضاح فصاحته ، وخُصَّ الإعرَابُ في تعارف النحويين بالحركات والسكنات المتعاقبة على أواخر الكلم . والعَرَبيُّ : الفصيح البيِّن من الكلام ، قال تعالى : قُرْآناً عَرَبِيًّا « يوسف : 2 » وقوله : بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ « الشعراء : 195 » فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا « فصلت : 3 » حُكْماً عَرَبِيًّا « الرعد : 37 » . وما بالدار عَرِيبٌ : أي أحدٌ يُعْرِبُ عن نفسه . وامرأةٌ عَرُوبَةٌ : مُعْرِبَةٌ بحالها عن عفتها ومحبة زوجها ، وجمعها عُرُبٌ . قال تعالى : عُرُباً أَتْراباً « الواقعة : 37 » . وعَرَّبْتُ عليه : إذا رددت من حيث الإعراب . وفي الحديث : عَرِّبُوا على الإمام .
والمُعْرِبُ : صاحب الفرس العَرَبِيِّ ، كقولك : المُجْرِب لصاحب الجرب . وقوله : حُكْماً عَرَبِيًّا « الرعد : 37 » قيل معناه : مفصحاً يُحق الحق ويُبطل الباطل ، وقيل معناه : شريفاً كريماً ، من قولهم عُرُبٌ أتراب ، أو وصفه بذلك كوصفه بكريم في قوله : كِتابٌ كَرِيمٌ « النمل : 29 » . وقيل معناه : مُعْرِباً من قولهم : عَرِّبُوا على الإمام ، ومعناه ناسخاً لما فيه من الأحكام ، وقيل : منسوب إلى النبي العربي ، والعَرَبِيُّ إذا نسب إليه قيل عَرَبِيٌّ ، فيكون لفظه كلفظ المنسوب إليه .
ويَعْرُبُ : قيل هو أول من نقل السريانية إلى العَرَبِيَّةِ ، فسمي باسم فعله .
ملاحظات
1 . يسمي أبناء إسماعيل عليه السلام : العرب المستعربة . ويسمي أبناء يعرب العرب العاربة . فالعرب قسمان ، لكن النبي صلى الله عليه وآله ألغى في خطبته عند فتح مكة مقياس النسب والتفاخر به ، وجعل العربي من تكلم باللغة العربية ، فقال : إن العربية ليست بأب والد ، ولكنها لسان ناطق . « الكافي : 8/246 » . قال ابن فارس « 4/299 » : « فأما الأمة التي تُسمى العرب ، فليس ببعيد أن يكون سميت عرباً من هذا القياس ، لأن لسانها أعرب الألسنة ، وبيانها أجود البيان . والأصل الآخر : المرأة العَرُوب الضحاكة الطيبة النفس ، وهُنَّ العُرُبُ ، قال الله تعالى فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا . عُرُباً أتراباً ، قال أهل التفسير هن المتحببات إلى أزواجهن » .
2 . كانت لغة إسماعيل كأبيه وإخوته البابلية أو السريانية ، وعندما سكن في مكة وتزوج من قبيلة جرهم العربية ، تكلم العربية وقد رويت أحاديث في تكون اللغة العربية ونشأتها وفي أنها لغة أهل الجنة ، ورواه من علمائنا المفيد في الإختصاص/264 ، مرسلاً . ولم أجد من صححه إلا ابن عربي في الفتوحات « 2 /193 » والقاري في الأسرار المرفوعة/273 ، ونصه : أحبوا العرب لثلاث ، فإني عربي ، وكلام الله عربي ، ولسان أهل الجنة عربي . لكن المعقول أن تكون لغة أهل الجنة أبلغ من لغات الدنيا ومنها العربية .
3 . أوجب الإسلام الهجرة على عرب البادية وحرم عليهم التعرب ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله « النوادر / 26 » : « لا رضاع بعد فطام ، ولا وصال في صيام ، ولا يتم بعد احتلام ، ولا صمت يوم إلى الليل ، ولا تعرب بعد الهجرة ، ولا هجرة بعد الفتح ، ولا طلاق قبل النكاح ، ولا عتق قبل ملك ، ولا يمين لولد مع والده ولا لمملوك مع مولاه ولا لمرأة مع زوجها ، ولا نذر في معصية ، ولا يمين في قطيعة رحم » .
وأعطى الأئمة للتعرب بعد الهجرة معنى جديداً ، ففي معاني الأخبار/ 26 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « المتعرب بعد الهجرة ، التارك لهذا الأمر بعد معرفته » . أي التارك لولايتهم بعد معرفتها . وفسر أيضاً بالتارك للتفقه بعد اشتغاله به .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 559 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عَرَجَ - عروجاً - معارج - عرجاً - أعرج - عرجاء - عَرْجُ الإبل
العُرُوجُ : ذهابٌ في صعود . قال تعالى : تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ « المعارج : 4 » فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ « الحجر : 14 » والمَعَارِجُ : المصاعد . قال : ذِي الْمَعارِجِ « المعارج : 3 » . وليلة المِعْرَاجُ سميت لصعود الدعاء فيها إشارة إلى قوله : إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطيِّبُ « فاطر : 10 » . وعَرَجَ عُرُوجاً وعَرَجَاناً : مشى مشي العَارِجِ ، أي الذاهب في صعود ، كما يقال درج إذا مشى مشي الصاعد في درجه . وعَرِجَ : صار ذلك خلقة له ، وقيل للضبع : عَرْجَاءُ ، لكونها في خلقتها ذات عَرَجٍ . وتَعَارَجَ نحوُ تضالع ، ومنه استعير :
عَرِّجْ قليلاً عن مَدَى غَلْوَائِكَا
أي إحبسه عن التصعد . والعَرْجُ : قطيعٌ ضخم من الإبل ، كأنه قد عَرَجَ كثرةً ، أي صعد .
ملاحظات
لم يذكر الراغب قوله تعـالى : لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ . وهو من عرج بمعنى مالَ ، أو انعرج بمعنى انعطف ، أو من العرجون المائل . ويظهر أنه جعل العَرَجَ في المشي والعروج بمعنى الصعود ، من أصل واحد .
ويقصد بليلة المعراج ليلة السابع والعشرين من رجب ، فقد روي أنه كان فيها معراج النبي صلى الله عليه وآله ، ورويَ عن الإمام الصادق عليه السلام أن المعراج كان مائة وعشرين مرة .
وجعل ابن فارس عرج ثلاثة أصول قال « 4/302 » : « الأول : يدل على مَيْلٍ ومَيْل والآخر : على عدد . والآخر : على سمو وارتقاء . والأصل الآخر : من الإبل ، قال قوم ثمانون إلى تسعين . ويقال العرج مائة وخمسون . والأصل الثالث : العروج : الإرتقاء يقال عرج يعرج عروجاً ومعرجاً . والمعرج : المصعد قال الله تعالى : من الله ذي المعارج » .
قال الخليل « 1/222 » : « المعرج : المصعد ، والمعرج : الطريق الذي تصعد فيه الملائكة . والمعراج : شبه سلم أو درجة ، تعرج الأرواح فيه إذا قبضت . يقال ليس شئ أحسن منه ، إذا رآه الروح لم يتمالك أن يخرج » .
أقول : تدل آيات المعارج على أن عروج الملائكة والأرواح والعمل الصالح الى السماء يكون من طرق خاصة . بل يدل قوله تعالى : وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ . لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ . على أن عروج الإنسان ممكن ، وأن طريق العروج يسحب الإنسان الى أعلى . فقوله تعالى : فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ ، يشير الى مارواه الخليل من جمال طريق العروج ، وجذبه لمن يصعد فيه .
عَرْجَنَ - عرجون
قال تعالى : حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ « يس : 39 » أي ألفافه من أغصانه .
ملاحظات
قال الخليل « 2/320 » : « العُرْجُون : أصل العذق وهو أصفر عريض يشبه الهلال إذا انمحق » .
أما الضغث فهو العرجون بغصونه اليابسة ، وبه فُسِّرَ قوله تعالى لأيوب عليه السلام : وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًـا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ .
وفي مجمع البحرين « 2/316 » : « هو بالضم فالسكون عود أصفر فيه شماريخ العذق ، فإذا قَدِم واستقوس شُبِّهَ به الهلال ، وجمعه عراجين وكأنه من انعرج الشئ انعطف » .
عَرَشَ - عرَّش - عريشاً - عَرْش - معروش
العَرْشُ في الأصل : شئ مُسَقَّفٌ وجمعه عُرُوشٌ . قال تعالى : وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها « البقرة : 259 » ومنه قيل :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 560 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عَرَشْتُ الكرمَ وعَرَّشْتُهُ : إذا جعلت له كهيئة سقف ، وقد يقال لذلك المُعَرَّشُ . قال تعالى : مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ « الأنعام : 141 » وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ « النحل : 68 » وَما كانُوا يَعْرِشُونَ « الأعراف : 137 » .
قال أبو عبيدة : يبنون ، واعْتَرَشَ العنبَ : رَكَّبَ عَرْشَهُ . والعَرْشُ : شبهُ هودجٍ للمرأة شبيهاً في الهيئة بِعَرْشِ الكرمِ . وعَرَّشْتُ البئرَ : جعلت له عَرِيشاً . وسُمِّيَ مجلس السلطان عَرْشاً اعتباراً بعلوه . قال : وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ « يوسف : 100 » أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها « النمـل : 38 » نَكِّرُوا لَها عَرْشَها « النمل : 41 » أَهكَذا عَرْشُكِ « النمل : 42 » . وكُنِّيَ به عن العز والسلطان والمملكة ، قيل : فلان ثُلَّ عَرْشُهُ . وروي أن عمر رؤي في المنام فقيل : ما فعل بك ربك؟ فقال : لولا أن تداركني برحمته لَثُلَّ عَرْشِي .
وعَرْشُ اللهِ : ما لايعلمه البشر على الحقيقة إلا بالإسم ، وليس كما تذهب إليه أوهام العامة ، فإنه لو كان كذلك لكان حاملاً له تعالى عن ذلك لا محمولاً ، و الله تعالى يقول : إن الله يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ « فاطر : 41 » . وقال قوم : هو الفلك الأعلى والكرسي فلك الكواكب ، واستدل بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله : ما السموات السبع والأرضون السبع في جنب الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة ، والكرسي عند العَرْشِ كذلك .
وقوله تعالى : وَكانَ عَرْشُـهُ عَلَى الْماءِ « هود : 7 » تنبيه [على] أن العَرْشَ لم يزل منذ أوجد مستعلياً على الماء ، وقوله : ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ « البروج : 15 » رَفِيعُ الدَّرَجـاتِ ذُو الْعَرْشِ « غافر : 15 » وما يجري مجراه ، قيل : هو إشارة إلى مملكته وسلطانه ، لا إلى مقر له ، يتعالى عن ذلك .
ملاحظات
1 . أجاد الراغب في رفضه التجسيم وقول من زعم أن الله تعالى يجلس على العرش ، لكنه لم يذكر الآيات التي تدل على أن العرش مكان مادي محمول كأنه مركز إدارة الكون . قـال تعالى : الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ . وقال تعالى : وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ .
وقال ابن فارس « 4/264 » : « عَرَشَ : أصل صحيح واحد ، يدل على ارتفاع في شئ مبني . ثم يستعار في غير ذلك . قال الخليل : العرش سرير الملك ، وهذا صحيح ، قال الله تعالى : وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْش . وكل بناء يستظل به عرش وعريش ، ويقال لسقف البيت عرش ، قال الله تعالى : فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ، والمعنى أن السقف يسقط ثم تتهافت عليه الجدران ساقطةً » .
2 . العرش جسم مادي يؤتى به يوم القيامة ويحمله ثمانية ، ولذلك كان من المحال أن يجلس عليه الله تعالى لأنه ليس بجسم . قال الله تعالى في سورة الحاقة : وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ . وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ . ويفهم من أوصافه في القرآن والحديث أنه مركز إدارة الكون . أما الكرسي فهي ظرفٌ لجميع الموجودات ، قال الله تعالى : وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا . وفي الكافي « 1/132 » : « عن الفضيل بن يسار قال : سألت أباعبد الله عليه السلام عن قول الله جل وعز : وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ، فقال : يا فضيل كل شئ في الكرسي ، السماوات والأرض وكل شئ في الكرسي » .
3 . طرح مجسمة الحنابلة آيات الإستواء على العرش دليلاً على مذهبهم ، وأرادوا قتل الطبري المؤرخ لما أنكر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 561 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جلوس الله تعالى على العرش ، وقال كما في معجم الأدباء للحموي « 9 /57 » :
سبحـان من ليــس له أنيسُ
ولا له في عرشــه جليــسُ
ومن العجيب أن الراغب لم يذكر في كتابه شيئاً من آيات الإستواء على العرش ، ولعله كان يخاف من بقايا الحنابلة في عصره !
قال تعالى : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى . لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى . وقال : خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ . وقال : رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ . .
وقد فسر أئمة أهل البيت عليهم السلام الإستواء بأنه استواء الله تعالى بالنسبة الى جميع الأشياء ، ففي الكافي « 1/132 » : « قال عبد الرحمن بن الحجاج : سألت أباعبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى؟ فقال : استوى في كل شئ ، فليس شئ أقرب إليه من شئ ، لم يبعد منه بعيد ، ولم يقرب منه قريب ، استوى في كل شئ » .
عَرَضَ -عرضاً - أعرض - إعراضاً - اعترض - اعتراضاً - عارض - عُرضة - تعريض
العَرْضُ : خلافُ الطولِ ، وأصله أن يقال في الأجسام ، ثم يستعمل في غيرها كما قال : فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ « فصلت : 51 » . والعُرْضُ : خُصَّ بالجانب . وأَعْرَضَ الشئ : بدا عَرْضُهُ ، وعَرَضْتُ العودَ على الإناء ، واعْتَرَضَ الشئ في حلقه : وقف فيه بِالْعَرْضِ . واعْتَرَضَ الفرسُ في مشيه ، وفيه عُرْضِيَّةٌ ، أي اعْتِرَاضٌ في مشيه من الصعوبة .
وعَرَضْتُ الشئ على البيع ، وعلى فلان ، ولفلان نحو : ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ « البقرة : 31 » عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا « الكهف : 48 » إنا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ « الأحزاب : 72 » وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً « الكهف : 100 » وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ « الأحقاف : 20 » وعَرَضْتُ الجندَ .
والعَارِضُ : البادي عَرْضُهُ ، فتارةً يُخَصُّ بالسحاب نحو : هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا « الأحقاف : 24 » وبما يَعْرِضُ من السَّقَمِ فيقال : به عَارِضٌ من سُقْمٍ ، وتارة بالخدِّ نحو : أَخَذَ من عَارِضَيْهِ ، وتارة بالسِّنِّ ، ومنه قيل : العَوَارِضُ للثنايا التي تظهر عند الضحك . وقيل : فلانٌ شديدُ العَارِضَةِ ، كناية عن جودة البيان . وبعيرٌ عَرُوضٌ : يأكل الشّوك بِعَارِضَيْهِ . والعُرْضَةُ : ما يُجْعَلُ مُعَرَّضاً للشئ . قال تعالى : وَلا تَجْعَلُوا الله عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ « البقرة : 224 » وبعيرٌ عُرْضَةٌ للسفر ، أي يجعل مُعَرَّضاً له .
وأَعْرَضَ : أظهر عَرْضَهُ أي ناحيته . فإذا قيل : أَعْرَضَ لي كذا ، أي بَدَا عَرْضُهُ فأمكن تناولُهُ . وإذا قيل : أَعْرَضَ عني فمعناه : ولَّى مُبدياً عَرْضَهُ . قال : ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها « السجدة : 22 » فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ « النساء : 63 » وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ « الأعراف : 199 » وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي « طه : 124 » وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ « الأنبياء : 32 » وربما حذف عنه استغناء عنه نحو : إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ « النور : 48 » ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ « آل عمران : 23 » . فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ « سبأ : 16 » .
وقوله : وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ « آل عمران : 133 » فقد قيل : هو العَرْضُ الذي خلاف الطول ، وتصوُّرُ ذلك على أحد وجوه : إما أن يريد به أن يكون عَرْضُهَا في النشأة الآخرة كَعَرْضِ السموات والأرض في النشأة الأولى ، وذلك أنه قد قــال : يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ « إبراهيم : 48 » . ولايمتنع أن تكون السموات والأرض في النشأة الآخرة أكبر مما هي الآن . وروي أن يهوديّاً سأل عمر عن هذه الآية فقال : فأين النار؟ فقال
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 562 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عمر : إذا جاء الليل فأين النهار .
وقيل : يعني بِعَرْضِهَا سَعَتَهَا لا من حيث المساحة ، ولكن من حيث المسرّة ، كما يقال في ضده : الدنيا على فلان حلقة خاتم ، وكفة حابل ، وسعة هذه الدار كسعة الأرض . وقيل : العَرْضُ هاهنا من عَرْضِ البيعِ ، من قولهم : بيع كذا بِعَرْضٍ : إذا بيع بسلعة ، فمعنى عَرْضُهَا أي بدلها وعوضها ، كقولك : عَرْضُ هذا الثوب كذا وكذا .
والعَرَضُ : ما لا يكون له ثباتٌ ، ومنه استعار المتكلمون العَرَضَ لما لاثبات له إلا بالجوهر كاللون والطعم . وقيل : الدنيا عَرَضٌ حاضرٌ ، تنبيهاً [على] أن لا ثبات لها ، قال تعالى : تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّه يُرِيدُ الْآخِرَةَ « الأنفال : 67 » وقال : يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ « الأعراف : 169 » وقوله : لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً « التوبة : 42 » أي مطلباً سهلاً .
والتعْرِيضُ : كلامٌ له وجهان من صدق وكذب أو ظاهر وباطن . قال : وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ « البقرة : 235 » قيل : هو أن يقول لها : أنت جميلةٌ ، ومرغوب فيك ، ونحو ذلك .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن عَرَضَ في قوله تعالى : إنَّا عَرَضْنَا الأمَانة ، وعَرْض الأسماء ، وعرض الخيل ، وعرض جهنم ، وعرض الخلائق على الله .
واستعمل أعْرَضَ عن ربه ، وعن آيات ربه ، وعن ذكر ربه ، وعن بعض الحديث ، وذم المعرضين .
واستعمل أعْرَضَ عن اللغو ، وأعرض عن المشركين والجاهلين والكافرين ، وأعرض عن الأمر .
واستعمل عَرْض السماء والأرض ، وعرض السماوات والأرض . والدعاء العريض .
واستعمل عَرَضَ الحياة الدنيا . واستعمل عارض الريح والغيم والعذاب .
واستعمل عُرْضَةً للأيمان . واستعمل التعريض بخطبة النساء .
ولم يستعمل القرآن أعرض له مقابل أعرض عنه كما تخيل الراغب ، فلا يصح قوله : « فإذا قيل أَعْرَضَ لي كذا ، أي بَدَا عَرْضُهُ فأمكن تناولُهُ » . ولم أجد استعمال العرب له ، بل يقولون عرض له بدون ألف .
2 . التعريض : تبطين الكلام بأن تقصد معنى غير ظاهره . قال الخليل « 1/274 » : « ومنه المعاريض بالكلام ، كالرجل يقول : هل رأيت فلاناً فيكره أن يكذب فيقول : إن فلاناً ليُرى . وقال عبد الله بن عباس : ما أحب بمعاريض الكلام حمر النعم » . وقال عمر : « لا يسرني أن لي بما أعلم من معاريض القول مثل أهلي ومالي » . « سنن البيهقي : 10/199 » .
ومعاريض الكلام : كلام يشير الى معان أخرى بالدلالة الإلتزامية ، وكذلك هو القرآن وكلام المعصومين عليهم السلام وهو معنى ما ورد أن للقرآن سبعة بطون ، أو سبعين بطناً .
ولا يصح قول الراغب : والتعْرِيضُ : كلامٌ له وجهان من صدق وكذب ، فليس في التعريض كذب ، بل ظاهر وباطن .
أما التعارض بين الأمرين والكلامين : فيستعمل بمعنى التفاوت ، وبمعنى التضاد ، وبمعنى التناقض .
عَرَفَ - معرفةً - عرفاناً - تعارف - عرَّفه - معروف - عُرْف - عَرَفة - اعتراف
المَعْرِفَةُ والعِرْفَانُ : إدراك الشئ بتفكر وتدبر لأثره . وهو أخص من العلم ، ويضاده الإنكار . ويقال : فلان يَعْرِفُ اللهَ ولا يقال : يعلم الله ، متعدياً إلى مفعول واحد ، لما كان مَعْرِفَةُ البشرِ لله هي بتدبر آثاره دون إدراك ذاته .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 563 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ويقال : الله يعلم كذا ، ولا يقال : يَعْرِفُ كذا ، لما كانت المَعْرِفَةُ تستعمل في العلم القاصر المتوصل به بتفكر . وأصله من عَرَفْتُ ، أي أصبت عَرْفَهُ أي رائحتَهُ ، أو من أصبت عَرْفَهُ أي خده . يقال : عَرَفْتُ كذا . قال تعالى : فَلما جاءَهُمْ ما عَرَفُوا « البقرة : 89 » فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ « يوسف : 58 » فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمـاهُمْ « محمد : 30 » يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ « البقرة : 146 » .
ويضاد المَعْرِفَةُ الإنكار والعلم الجهل ، قال : يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ الله ثُمَّ يُنْكِرُونَها « النحل : 83 » . والعَارِفُ في تَعَارُفِ قومٍ : هو المختص بمعرفة الله ، ومعرفة ملكوته ، وحسن معاملته تعالى . يقال : عَرَّفَهُ كذا ، قال تعالى : عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ « التحريم : 3 » وتَعَارَفُوا : عَرَفَ بعضهم بعضاً . قال : لِتَعارَفُوا « الحجرات : 13 » وقال : يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ « يونس : 45 » .
وعَرَّفَهُ : جعل له عَرْفاً أي ريحا طيّباً . قال في الجنة : عَرَّفَها لَهُمْ « محمد : 6 » أي طيَّبَها وزَيَّنَها لهم ، وقيل : عَرَّفَهَا لهم بأن وصفها لهم وشوقهم إليها وهداهم . وقوله : فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ « البقرة : 198 » فإسم لبقعة مخصوصة ، وقيل : سميت بذلك لوقوع المعرفة فيها بين آدم وحواء . وقيل : بل لِتَعَرُّفِ العباد إلى الله تعالى بالعبادات والأدعية .
والمَعْرُوفُ : إسمٌ لكل فعل يُعْرَفُ بالعقل أو الشرع حسنه ، والمنكر : ما ينكر بهما . قال : يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ « آل عمران : 104 » وقال تعالى : وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ « لقمان : 17 » وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً « الأحزاب : 32 » . ولهذا قيل للإقتصاد في الجود : مَعْرُوفٌ ، لما كان ذلك مستحسناً في العقول وبالشرع ، نحو : وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ « النساء : 6 » إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ « النساء : 114 » وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ « البقرة : 241 » أي بالإقتصاد والإحسان . وقوله : فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ « الطلاق : 2 » وقوله : قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ « البقرة : 263 » أي ردٌّ بالجميل ودعاء خير من صدقة كذلك . والعُرْفُ : المَعْرُوفُ من الإحسان ، وقال : وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ . « الأعراف : 199 » .
وعُرْفُ الفرسِ والديك : مَعْرُوفٌ ، وجاء القطا عُرْفاً ، أي متتابعة ، قال تعالى : وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً « المرسلات : 1 » . والعَرَّافُ : كالكاهن إلا إن العَرَّافَ يختص بمن يخبر بالأحوال المستقبلة ، والكاهن بمن يخبر بالأحوال الماضية ، والعَرِيفُ بمن يَعْرِفُ النّاسَ ويُعَرِّفُهُمْ ، قال الشاعر :
بَعَثُوا إليَّ عَرِيفَهُمْ يتوسَّمُ
وقد عَرُفَ فلانٌ عَرَافَةً : إذا صار مختصّاً بذلك ، فالعَرِيفُ : السيد المعروفُ قال الشاعر :
بل كلُّ قومٍ وإن عَزُّوا وإن كَثُرُوا
عَرِيفُهُـــمْ بأثَـــافي الــشرَّ مَرْجُـومُ
ويومُ عَرَفَةَ : يومُ الوقوفِ بها . وقوله : وَعَلَى الأعراف رِجالٌ « الأعراف : 46 » فإنه سور بين الجنة والنار . والإعتِرَافُ : الإقرارُ ، وأصله إظهار مَعْرِفَةِ الذنبِ ، وذلك ضد الجحود . قال تعالى : فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ « الملك : 11 » فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا « غافر : 11 » .
ملاحظات
1 . تعريفه للمَعْرِفَةُ والعِرْفَانُ : بإدراك الشئ بتفكر وتدبر لأثره . تعريف بالأخص أو بالمصطلح منهما ، وأصلهما أعم مما فيه تدبر وغيره .
وينبغي التوضيح بأن العلم والمعرفة يشتركان بأن فيهما تصوراً للشئ وتصديقاً بوجوده ، لكن المعرفة تزيد على العلم بأن فيها التزاماً بالمعلومة ، يتناسب معها ومع العالم بها . ولذلك كان كل عارف عالماً ولا عكس . وقد اختلف
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 564 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العلماء في الفرق بين العلم والمعرفة وكثرت أقوالهم وأطالوا في ذلك ، وأكثر كلامهم بلا طائل .
قال الباقلاني في إعجاز القرآن/44 : « العلم والمعرفة شئ واحد » . وقال الطوسي في التبيان « 2/21 » : « فصَّلَ الرُّمَّاني بين العلم والمعرفة بأن قال : المعرفة هي التي يتبين بها الشئ من غيره على جهة التفصيل . والعلم قد يتميز به الشئ على طريق الجملة دون التفصيل ، كعلمك بأن زيداً في جملة العشرة وإن لم تعرفه بعينه . وهذا غير صحيح لأن المعرفة أيضاً قد يتميز بها الشئ على الطريق الجملة ، فلا فرق بينهما » .
وقال أبو هلال العسكري في الفروق « 1/501 » : « قيل : المعرفة إدراك البسائط والجزئيات . والعلم إدراك المركبات والكليات . ومن ثم يقال عرفت الله ولا يقال علمته » .
وقال ابن عربي في الفتوحات « 4/54 » : « فاعلم أن الله قد فرق بين العارفين والعلماء بما وصفهم به وميز بعضهم عن بعض ، فالعلم صفته والمعرفة ليست صفته ، فالعالم إلهي والعارف رباني ، من حيث الاصطلاح ، وإن كان العلم والمعرفة والفقه كله بمعنى واحد . . الى آخر ما ذكره ابن عربي ، ثم تباهى بأنه وصل الى سر الفرق بين العلم والمعرفة فقال : من أراد تحقيق الفرق بين المعرفة والعلم ، فعليه بمطالعة ما ذكرناه في مواقع النجوم لنا فإني شفيت في ذلك الغليل » . لكن كلامه عن مقامات ادعاها لنفسه وللمتصوفة في العلم والمعرفة ، وما شفى بها الغليل ولا جاء بدليل .
أما الراغب فتبع غيره لكنه جعل العلم أعلى من المعرفة بخلاف ابن عربي ، قال في الذريعة « 1 /140 » : « المعرفة قد تقال فيما تدرك آثاره وإن لم تدرك ذاته ، والعلم لا يكاد يقال إلا فيما يدرك ذاته ، ولهذا يقال : فلان يعرف الله ولا يقال : يعلم الله ، لما كانت معرفته تعالى ليست إلا بمعرفة آثاره دون معرفة ذاته . وأيضاً فالمعرفة تقال فيما لا يعرف إلا كونه موجوداً فقط ، والعلم أصله أن يقال فيما يعلم وجوده وجنسه وكيفيته وعلته ، ولهذا يقال : الله تعالى عالم بكذا ولا يقال عارف به لما كان العرفان يستعمل في العلم القاصر » .
ويرده تعبير صعصعة بن صوحان خطيب العرب بالعلم بالله تعالى حيث قال لعلي عليه السلام : « وأنت والله يا أمير المؤمنين ، ما علمتك إلا أنك بالله لعليم ، وإن الله في عينك لعظيم » . « الغارات للثقفي : 2/892 » .
2 . المختار عندنا أن المعرفة تختلف عن العلم بأن فيها إضافة الى معنى العلم هي الإلتزام بالمعلومة ، تقول : أعلم بهذا الشئ وأعرفه ، أي ألتزم به أو أتبناه ، أو بمعنى المعايشة تقول : أعلم بهم وأعرفهم ويعرفونني ، أو بمعنى الشهادة تقول أعلم بالقضية وأعرفها . ففي جميعها التزام بنحو وآخر نحو المعلوم مضافاً الى العلم به .
وقد أخطأ من ظن أن الله تعالى لايوصف بالمعرفة ، فالمنفي عنه سبحانه مالا يناسب ساحته المقدسة ، قال الإمام زين العابدين عليه السلام وهو من أفصح من نطق بالضاد « الصحيفة/212 » : « سُبْحَانَكَ مِنْ لَطِيفٍ مَا أَلْطَفَكَ ، ورَءُوفٍ مَا أَرْأَفَكَ ، وحَكِيمٍ مَا أَعْرَفَكَ » .
وقال في دعائه لأهل الثغور ، كما تقدم في الفروق : « وقَدْ أَحْصَيْتَهُمْ بِمَعْرِفَتِكَ ، وأَشْرَفْتَ عَلَيْهِمْ بِقُدْرَتِكَ » « الصحيفة السجادية/128 » . وقال أيضاً في دعائه عليه السلام : « فقد عرفت ضعفي وقلة حيلتي إذ قلت : إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا » . « مصباح المتهجد/583 » . وفي الإستبصار للطوسي « 2/149 » : عن الإمام الصادق عليه السلام : « فإن ذلك يجزي عنه إذا عرف الله منه الجدَّ » . فقد نسبوا المعرفة الى الله تعالى في موضوعات من مخلوقاته ، كمعرفته بالأعداء ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 565 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وبضعف الإنسان ، وبصدق عباده .
3 . تستعمل المعرفة بالمعنى اللغوي ، وبالمعنى الإصطلاحي كما في قول أمير المؤمنين عليه السلام : « نهج البلاغة : 1/14 » : « أول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به . وكمال التصديق به توحيده . وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات ، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف » .
وهي تعني مضافاً الى العلم بالشئ ، درجة عالية من التصديق واليقين والمعايشته . قال الإمام الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكم « الكافي : 1/18 » : « إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ، ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه ، ولا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقاً ، وسره لعلانيته موافقاً » . ولا مجال للتفصيل .
4 . سمى بعض العلماء معرفة الله تعالى بالعرفان ، واختاروا هذا الإسم بدل إسم التصوف ابتعاداً عن تبعاته ، ولا مشاحة في الإصطلاح والتسميات ، لكن المعرفة عند أهل البيت تركز أولاً على معرفة الإمام عليه السلام لأنه الدليل على الله تعالى فلا يعرف الله إلا به ، والأئمة عليهم السلام هم محال معرفة الله ، وبهم عرف الله تعالى . ولا مجال للتفصيل .
5 . فسر الراغب قوله تعالى : وَعَلَى الأعراف رِجالٌ ، بأنه سور بين الجنة والنار ، ولم يذكر أصحاب الأعراف . قال الله تعالى : وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاً بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ . وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ . أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ اُدْخُلُوا الْجَنَّةِ لاخَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ .
ومفتاح تفسيرها معرفة أصحاب الأعراف ، الذين أعطاهم الله تعالى سلطة أن يحاجوا حكاماً مستكبرين ، ويأمروا بدخول مستضعفين كانوا يضطهدونهم الى الجنة . وقد تحير فيهم المفسرون . وبينا في كتاب الولادات الثلاث/280 ، أنهم النبي وعترته صلى الله عليه وآله ، وأن الأعراف مركز رئاسة المحشر .
6 . المعروف والمنكر مصطلح إسلامي يعنيان ما عرف العقل حسنه أو الشرع أو مجتمع المؤمنين ، وقريب منه العرف .
عَرَمَ - عرامةً - عارم - سيل العرم
العَرَامَةُ : شراسةٌ وصعوبةٌ في الخُلُقِ ، وتَظْهَرُ بالفعل ، يقال : عَرَمَ فلانٌ فهو عَارِمٌ ، وعَرَمَ : تَخَلَّقَ بذلك ، ومنه : عُرَامُ الجيشِ . وقوله تعالى : فأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ « سبأ : 16 » قيل : أراد سيلَ الأمرِ العَرِمِ . وقيل : العَرِمُ المَسْنَاةُ . وقيل : العَرِمُ الجُرَذُ الذَّكَرُ ، ونسب إليه السيلُ من حيث إنه نَقَبَ المسناةَ .
ملاحظات
جعل الراغب العرامة صفة ذم ، وعَرَّفها الخليل بمصاديقها ، وعرفها ابن فارس بالشدة والحدة . وليس في أصل معناها شر بل حدة . ولعل الراغب أخذها من قول الجوهري « 5/1983 » : « وصبي عارم بَيِّن العُرام بالضم ، أي شرس » .
فالعَرَم : المِرَّة والحِدَّة . قال الخليل « 2/136 » : « العرمرم : الجيش الكثير . وجبل عرمرم أي ضخم . والعرمرم الشديد العجمة الذي لايفصح » . وقال ابن فارس « 4/292 » : « قلنا إنهم إذا أرادوا تفخيم أمر زادوا في حروفه ، والعرمرم من عرم وعرر » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 566 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عَرِيَ - عراء - عريان - عروة - معاري - اعتراه - بيع العرايا
يقال : عَرِيَ من ثوبه يَعْرَى ، فهو عَارٍ وعُرْيَانٌ . قال تعالى : إن لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى « طه : 118 » وهو عَرْوٌ من الذنب . أي عَارٍ . وأَخَذَهُ عُرَوَاءُ ، أي رِعْدَةٌ تعرض من العُرْيِ . ومَعَارِي الإنسانِ : الأعضاءُ التي من شأنها أن تُعْرَى كالوجه واليد والرجل . وفلانٌ حَسَنُ المَعْرَى ، كقولك : حسن المَحْسَر والمَجْرَد .
وَالعَرَاءُ : مكان لا سترة به ، قال : فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ « الصافات : 145 » والعَرَا مقصورٌ : الناحيةُ . وعَرَاهُ وَاعْتَرَاهُ : قصد عُرَاهُ . قال تعالى : إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُـوءٍ « هود : 54 » .
والعُرْوَةُ : ما يتعلّق به من عُرَاهُ . أي ناحيته . قال تعالى : فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى « البقرة : 256 » وذلك على سبيل التمثيل . والعُرْوَةُ أيضاً : شجرةٌ يتعلّق بها الإبل ، ويقال لها : عُرْوَةٌ وعَلْقَةٌ .
والعَرِيُّ والعَرِيَّةُ : ما يَعْرُو من الريح الباردة . والنخلةُ العَرِيَّةُ : ما يُعْرَى عن البيع ويعزل . وقيل هي التي يُعْرِيهَا صاحبها محتاجاً فجعل ثمرتها له ، ورخص أن يبتاع بتمر لموضع الحاجة . وقيل : هي النخلة للرجل وسط نخيل كثيرة لغيره ، فيتأذى به صاحب الكثير ، فرخص له أن يبتاع ثمرته بتمر ، والجميع العَرَايَا . ورخَّص رسول الله عليه السلام في بيع العَرَايَا .
ملاحظات
لم يستوف الراغب هذه المادة ، وقد استعمل القرآن منها : العروة ، والعراء ، والعري ، وما يعتري . وتعريف الراغب لاعْتَرَاهُ : بأنه قصد عُرَاهُ واراد أن يعريه ، ضعيف ، بل هو بمعنى عرض له وطرأ عليه . وأضعف منه تعريفه للعُرْوَةُ : بأنها ما يتعلّق به من ناحيته . بل هي من عروة الحبل التي هي دائرة تصلح للتعلق .
ونعرض فيما يلي ملخص ما ذكره الخليل وابن منظور لتكتمل المادة . قال الخليل « 2/233 » : « عراه أمر يعروه عُرُوَّاً إذا غشيه وأصابه ، واعتراه الهم ، عام في كل شئ . وعري فلان فهو عريان والمرأة عريانة ، ورجل عار وامرأة عارية . والعَرْيَان من الرمل ما ليس عليه شجر . وفرس عريٌّ : ليس على ظهره شئ . والعراء : الأرض الفضاء التي لا يستتر فيها بشئ . وريح عرية ، ومساء عري وليلة عرية ذات ريح باردة . والعروة : عروة الدلو ، وعروة المزادة ، وعروة الكوز . والجمع : عُرى » .
وقال ابن منظور « 15/44 » : « عَرَاه واعْتَراه ، كلاهما : غَشِيَه طالباً معروفه ، وفي حديث أَبي ذرّ : ما لَك لا تَعْتَريهمْ وتُصِيبُ منهم؟ وقوله عز وجل : إِنْ نقولُ إِلَّا اعْتَراكَ بعض آلِهَتِنا بسُوءٍ ، قال الفراء : كانوا كَذَّبوه يعني هُوداً ، ثم جعَلوه مُخْتَلِطاً وادَّعَوْا أَنَّ آلهَتَهم هي التي خَبَّلَتْه لعَيبِه إِيَّاها ، فهُنالِكَ قال : إِني أُشْهِدُ الله واشْهَدُوا أَني برئٌ مما تُشْرِكون . قال الفراء : معناه ما نقول إِلا مَسَّكَ بعضُ أَصْنامِنا بجُنون لسَبِّكَ إِيّاها . وفي الحديث : كانت فَدَكُ لِحُقوقِ رسول الله صلى الله عليه وآله التي تَعْرُوه أَي تغشاه وتَنْتابُه . وفي حديث البراء بن مالك : أَنه كان تُصيبُه العُرَواءُ ، وهي في الأَصْل بَرْدُ الحُمَّى . وعُرْوَةُ الدَّلْوِ والكوزِ ونحوه : مَقْبِضُه . وعُرَى المَزادة : آذانُها . وعُرْوَةُ القَمِيص : مَدْخَلُ زِرِّه .
وقوله تعالى : فقَدِ اسْتَمْسَكَ بالعُرْوةِ الوُثْقَى لا انْفِصامَ لها ، شُبِّه بالعُرْوَة التي يُتَمسَّك بها . ضربها الله مثلاً لما يُعْتَصَم به من الدِّين . والعُروة : النفيسُ من المالِ كالفَرَسِ الكريم ونحوه . وفي حديث أَنس : أَن أَهل المدينة فَزِعوا ليلاً ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 567 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فركب النبي فرساً لأَبي طلحة عُرْياً . وفي الحديث : إنما مَثَلي ومَثَلُكم كمثل رجل أَنْذَر قومَه جَيْشاً فقال : أَنا النَّذير العُرْيان أُنْذِركم جَيْشاً ، وذلك أَن رَبيئة القوم وعَيْنَهم يكون على مكان عالٍ ، فإذا رأى العَدُوَّ وقد أَقبل نَزَع ثوبه وأَلاحَ به ليُنْذِرَ قومَه ويَبْقى عُرْياناً . وفي التنزيل : فنَبَذْناه بالعَراءِ وهو سَقيمٌ . إنما قيل له عَراءٌ لأَنه لا شجر فيه ولا شئ يُغَطِّيه » .
عَزَّ - عزاً - عزيز - عز الشئ - عزني - استعز - عَزاز- العزى
العزةُ : حالةٌ مانعة للإنسان من أن يغلب . من قولهم : أرضٌ عَزَازٌ ، أي صَلْبةٌ . قال تعالى : أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعزةَ فَإن الْعزةَ لِلَّهِ جَمِيعاً « النساء : 139 » وتَعزَّزَ اللحمُ : اشتد وعزَّ كأنه حصل في عَزَازٍ يصعب الوصول إليه ، كقولهم : تظلف أي حصل في ظلف من الأرض .
وَالعَزيزُ : الذي يَقهر ولا يُقهر . قال تعالى : إنهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ « العنكبوت : 26 » يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا « يوسف : 88 » قال : وَلِلَّهِ الْعزةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ « المنافقون : 8 » سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعزةِ « الصافات : 180 » فقد يمدح بالعزةِ تارة كما ترى ، ويذم بها تارة كَعزةِ الكفارِ . قال : بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عزةٍ وَشِقاقٍ « صاد : 2 » . ووجه ذلك أن العزةَ التي لله ولرسوله وللمؤمنين هي الدائمة الباقية التي هي العزةُ الحقيقية ، والعزةُ التي هي للكافرين هي التعززُ ، وهو في الحقيقة ذل كما قال عليه الصلاة والسلام : كل عز ليس بالله فهو ذُلٌّ . وعلى هذا قوله : وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ الله آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عزا « مريم : 81 » أي ليتمنعوا به من العذاب . وقوله : مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعزةَ فَلِلَّهِ الْعزةُ جَمِيعاً « فاطر : 10 » معناه : من كان يريد أن يَعز يحتاج أن يكتسب منه تعالى العزةَ فإنها له . وقد تستعار العزةُ للحمية والأنفة المذمومة ، وذلك في قوله : أَخَذَتْهُ الْعزةُ بِالْإِثْمِ « البقرة : 206 » وقال : تُعز مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ « آل عمران : 26 » . يقال : عز عَلَيَّ كذا : صَعُبَ ، قال : عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ « التوبة : 128 » أي صَعُبَ . وعَزَّهُ كذا : غلبه ، وقيل : من عزَّ بَزَّ ، أي من غلب سلب . قال تعالى : وَعزَّنِي فِي الْخِطابِ « صاد : 23 » أي غلبني . وقيل : معناه صار أَعز مني في المخاطبة والمخاصمة .
وعزَّ المطرُ الأرضَ : غلبها ، وشاة عَزُوزٌ : قَلَّ دَرُّهَا . وعزَّ الشئ : قَلَّ اعتباراً بما قيل : كل موجود مملول ، وكل مفقود مطلوب . وقوله : إنهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ « فصلت : 41 » أي يصعب مناله ووجود مثله .
والعُزَّى : صَنَمٌ ، قال : أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعزى « النجم : 19 » . واسْتُعزَّ بفلان : إذا غُلب بمرض أو بموت .
عَزَبَ - عزوباً - عزوبةً - عازب - أعزب - عزب عنه
العَازِبُ : المتباعد في طلب الكلأ عن أهله ، يقال : عَزَبَ يَعْزُبُ ويَعْزِبُ . قال تعالى : وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ « يونس : 61 » لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ « سبأ : 3 » . يقال : رجلٌ عَزَبٌ وامرأةٌ عَزَبَةٌ . وعَزَبَ عنه حِلْمُهُ ، وعَزَبَ طُهْرُهَا : إذا غاب عنها زوجها . وقومٌ مُعزبُونَ : عَزَبَتْ إبلُهُم . وروي : من قرأ القرآن في أربعين يوماً فقد عَزَبَ . أي بَعُدَ عَهْدُهُ بالخَتْمَةِ .
ملاحظات
جعل الراغب أصل عَزَب من الذهاب بعيداً في طلب الكلأ . والصحيح أن عَزُبَ بمعني صار بعيد المنال ، ذهب أو لم يذهب . قال الخليل « 1/361 » : « وأعْزَبَ فلان حلمه وعقله أي أذهبه . وعَزُبَ عنه حلمُه أي ذهب . وكل شئ يفوتك حتى لا تقدر عليه فقد عزب عنك ، ولا يعزب عن الله شئ » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 568 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عَزَرَ - عزره - تعزيراً - عُزَيْر
التعْزِيرُ : النصرة مع التعظيم . قال تعالى : وَتُعزرُوهُ « الفتح : 9 » وقال عز وجل : وَعزرْتُمُوهُمْ « المائدة : 12 » .
والتعْزِيرُ : ضربٌ دون الحد وذلك يرجع إلى الأول ، فإن ذلك تأديب والتأديب نصرةٌ مَّا ، لكن الأول نصرهُ بقمع ما يضره عنه ، والثاني نصرهُ بقمعه عما يضره . فمن قمعته عما يضره فقد نصرته . وعلى هذا الوجه قال عليه السلام : أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، قال : أنصره مظلوماً ، فكيف أنصره ظالماً . فقال : كفه عن الظلم .
وعُزَيْرٌ في قوله : وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ الله « التوبة : 30 » إسمُ نبيٍّ .
ملاحظات
التعزير : التعظيم والإحترام ، وقد وردت النصرة في القرآن معطوفةً عليه فهي غيره ، قال تعالى : فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ . فالصحيح قول ابن فارس « 4/311 » إن التعزير بمعنى التوقير ، وبمعنى التأديب بالضرب .
عَزَلَ - اعتزل اعتزالاً - عزله - عزلاً - معزول - أعزل
الإعتِزَالُ : تجنب الشئ ، عمالةً كانت أو براءة ، أو غيرهما ، بالبدن كان ذلك أو بالقلب ، يقال : عَزَلْتُهُ واعْتَزَلْتُهُ وتَعزلْتُهُ فَاعْتَزَل . قال تعالى : وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا الله « الكهف : 16 » فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ « النساء : 90 » وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله « مريم : 48 » فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ « البقرة : 222 » وقال الشاعر :
يا بيتَ عَاتِكَةَ التي أَتَعَزَّلُ .
وقوله : إنهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ « الشعراء : 212 » أي ممنوعون بعد أن كانوا يُمَكَّنون .
والأعزَلُ : الذي لارمح معه . ومن الدواب ما يميل ذنبه . ومن السحاب : ما لا مطر فيه . والسِّماك الأعزَلُ : نجمٌ سمي به لتصوره بخلاف السماك الرامح الذي معه نجم لتصوره بصورة رمحه .
عَزَمَ - عزيمة - عزماً - اعتزم - عزم الأمور - له عزم - كتب له عزيمة
العَزْمُ والعَزِيمَةُ : عقد القلب على إمضاء الأمر يقال : عَزَمْتُ الأمرَ وعَزَمْتُ عليه واعْتَزَمْتُ . قال : فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله « آل عمران : 159 » وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ « البقرة : 235 » وَإِنْ عَزَمُوا الطلاقَ « البقرة : 227 » إن ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ « الشوري : 43 » وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً « طه : 115 » أي محافظة على ما أمر به وعَزِيمَةً على القيام .
والعَزِيمَةُ : تعويذٌ ، كأنه تُصُوِّر أنك قد عقدت بها على الشيطان أن يمضي إرادته فيك . وجمعها : العَزَائِمُ .
ملاحظات
1 . العزم : أوسع مما ذكره الراغب ، فقد يكون على فعل أو ترك أو عقيدة ، ولذلك قال الخليل « 1/363 » : « العزم : ما عقد عليه القلب أنك فاعله ، أو من أمر تيقنته » .
وقال ابن فارس « 4/309 » : « يدل على الصريمة والقطع . يقال : عزمت أعزم عزماً . ويقولون : عزمت عليك إلا فعلت كذا ، أي جعلته أمراً عزماً أي لامثنوية فيه . ويقال : كانوا يرون لعزمة الخلفاء طاعة . وأولو العزم من الرسل عليهم السلام : الذين قطعوا العلائق بينهم وبين من لم يؤمن ، من الذين بعثوا إليهم . ومن الباب قولهم : عزمتُ على الجِنِّي ، وذلك أن تقرأ عليه من عزائم القرآن ، وهي الآيات التي يرجي بها قطع الآفة عن المؤوف » .
2 . حصر ابن فارس معنى أولي العزم من الرسل عليهم السلام بمن قطعوا علاقاتهم مع مكذبيهم وهذا من صفاتهم ، لكن أصل المعنى : أولوا الإرادة القوية ، قال الإمام
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 569 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الصادق عليه السلام : « سادة النبيين والمرسلين خمسة وهم أولو العزم من الرسل ، وعليهم دارت الرحى : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وعلى جميع الأنبياء » . « الكافي : 1/175 » . وفسره الأئمة عليهم السلام بأصحاب الشرائع التي نسخت ما قبلها .
عَزَا - عَزْواً - اعتزى - تعزى - عزاء - عزين
عِزِينَ : أي جماعات في تفرقة واحدتها عِزَةٌ ، وأصله من : عَزَوْتُهُ فَاعْتَزَى : أي نسبته فانتسب فكأنهم الجماعة المنتسب بعضهم إلى بعض إما في الولادة أو في المصاهرة . ومنه : الإعتِزَاءُ في الحرب : وهو أن يقول : أنا ابن فلان ، وصاحب فلان . وروي : من تَعزى بِعَزَاءِ الجاهليّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أبيه ! وقيل : عِزِينَ ، من عَزِيَ عَزَاءً فهو عَزٍ : إذا تَصَبَّر وتَعَزَّى . أي تصبر وتأسى فكأنها إسم للجماعة التي يتأسى بعضهم ببعض .
ملاحظات
قال الله تعالى : فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ . عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ . أي : مالهم جالسين حولك عن يمينك وشمالك ، مجموعات متفرقة معرضة عنك ! ومعنى عِزيِن : متفرقون ، ولا يصح جعل عزين بمعنى انتسب واجتمع . كما لا يصح جعلها من تعزى بمعنى تَصَبَّر ، لأنه لا رابط بين معناهما . بل هي كلمة مستقلة كأخواتها : عِضة وعِضون ، وثُبَة وثُبُون ، وقُلَة وقُلُون . وقد ألحقوهن في الإعراب بجمع المذكر السالم .
وروت بعض المصادر أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا » ! أي من نادى بنخوة العشيرة الجاهلية ، فردُّوه وقولوا له : عَضَّ بآلة أبيك بلفظ صريح ولا تُكَنُّوا بالكنية ! ومعاذ الله أن يَتَفَوَّهَ رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك بل هو كلام أجلاف افتروه على رسول الله صلى الله عليه وآله !
عَسْعَسَ - عُس - عسعس - عسس - عُسٌّ
قال تعالى : وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ « التكوير : 17 » أي أقبل وأدبر ، وذلك في مبدأ الليل ومنتهاه ، فالعَسْعَسَةُ والعِسَاسُ : رقّةُ الظلامِ ، وذلك في طرفي الليل . والعَسُّ والعَسَسُ : نفض الليل عن أهل الريبة . ورجلٌ عَاسٌّ وعَسَّاسٌ ، والجميع العَسَسُ . وقيل : كلبٌ عَسَّ خيرٌ من أسد رَبَضَ ، أي طلب الصيد بالليل .
والعَسُوسُ من النساء : المتعاطية للريبة بالليل . والعُسُّ : القدح الضخم ، والجمع عَسَاسٌ .
ملاحظات
أقسم الله تعالى بالليل إذا عسعس أي أظلم واستحكم ظلامه . ويقابله : الصبح إذا تنفس أي بزغ وأضاء . فهو تقابلٌ كامل . قال الخليل « 1/74 » : « عسعس الليل : أقبل ودنا ظلامه من الأرض . والعسعاس : من أسماء الذئب ، ويقع على كل سبع إذا تعسعس وطلب الصيد بالليل » .
وقال ابن منظور « 6/139 » : « وعَسْعَسَ الليلُ عَسْعَسَة : أَقبل بظلامه ، وقيل عَسعَسَتُه قبل السَّحَر . وعَسْعَس فلان الأَمر إِذا لبَّسَه وعَمَّاه ، وأَصله من عَسْعَسَة الليل » .
لكن بعضهم زعم أن عسعسة الليل في آخره أيضاً ، فأخذه الراغب وفسر عسعس بأقبل وأدبر . وتبعه بعض المفسرين !
عَسَرَ -عسراً - عسرة - عسير - تعاسروا - أعسر
العُسْرُ : نقيض اليسر . قال تعالى : فَإن مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إن مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً « الشرح : 5 » . والعُسْرَةُ : تَعَسُّرُ وجودِ المالِ ، قــال : فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ « التوبة : 117 » وقال : وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ « البقرة : 280 » . وأَعْسَرَ فلانٌ : نحو أضاق . وتَعَاسَرَ القومُ : طلبوا تَعْسِيرَ الأمرِ . وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 570 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أُخْرى « الطلاق : 6 » . ويَوْمٌ عَسِيرٌ : يتصعب فيه الأمر ، قـال : وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً « الفرقان : 26 » يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ « المدثر : 9 » . وعَسَّرَنِي الرجل : طالبني بشئ حين العُسْرَةِ .
عَسَلَ - عَسْلان - عسيلة - عََسْلان
العَسَلُ : لُعَابُ النحل . قال تعالى : مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى « محمد : 15 » وكُنِّيَ عن الجماع بِالْعُسَيْلَةِ . قال عليه السلام : حتى تذوقي عُسَيْلَتَهُ ويَذُوقُ عُسَيْلَتَكَ .
والعَسْلَانُ : اهتزاز الرمح ، واهتزاز الأعضاء في العَدْوِ ، وأكثر ما يستعمل في الذئب ، يقال : مَرَّ يَعْسِلُ ويَنْسِلُ .
عَسَى - يعسو - معسيات
عَسَى : طَمَعٌ وتَرَجٍّ ، وكثير من المفسرين فسروا لعلَّ وعَسَى في القرآن باللازم ، وقالوا : إن الطمع والرجاء لا يصح من الله ، وفي هذا منهم قصورُ نظرٍ ، وذاك أن الله تعالى إذا ذكر ذلك يذكره ليكون الإنسان منه راجياً ، لا لأن يكون هو تعالى يرجو ، فقوله : عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ « الأعـراف : 129 » أي كونـوا راجين في ذلك . فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ « المـائدة : 52 » عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ « التحريم : 5 » وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ « البقرة : 216 » فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ « محمد : 22 » هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ « البقرة : 246 » فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً « النساء : 19 » . والمُعْسِيَاتُ من الإبل : ما انقطع لبنه فيرجى أن يعود لبنها ، فيقال : عَسِيَ الشئ يَعْسُو : إذا صَلُبَ ، وعَسِيَ الليلُ يَعْسَى ، أي أَظْلَمَ .
عَشَرَ - عشراء - عشار - معشار - عُشُور - عشيرة - عاشَرَ
العَشْرَةُ والعُشْرُ والعِشْرُونَ والعِشْرُ معروفةٌ . قال تعالى : تِلْكَ عَشَـرَةٌ كامِلَةٌ « البقرة : 196 » عِشْـرُونَ صابِرُونَ « الأنفال : 65 » تِسْعَةَ عَشَـرَ « المدثر : 30 » وعَشَرْتُهُمْ أَعْشِرُهُمْ : صِرْتُ عَاشِرَهُمْ . وعَشَرَهُمْ : أَخَذَ عُشْرَ مالِهِمْ . وعَشَرْتُهُمْ : صيرتُ مالهم عَشَرَةً ، وذلك أن تجعل التسْعَ عَشَرَةً . ومِعْشَارُ الشّئ : عُشْرُهُ ، قال تعالى : وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ « سبأ : 45 » .
وناقة عُشَرَاءُ : مرّت من حملها عَشَرَةُ أشهرٍ ، وجمعها عِشَارٌ . قال تعالى : وَإِذَا الْعِشارُ عُطلَتْ « التكوير : 4 » .
وجاءوا عُشَارَى : عَشَرَةً عَشَرَةً . والعُشَارِيُّ : ما طوله عَشَرَةُ أذرع . والعِشْرُ في الإظماء ، وإبل عَوَاشِرُ . وقَدَحٌ أَعْشَارٌ : منكسرٌ ، وأصله أن يكون على عَشَرَةِ أقطاعٍ ، وعنه استعير قول الشاعر :
بِسَهْمَيْكَ في أَعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِ .
والعُشُورُ في المصاحف : علامةُ العَشْرِ الآياتِ . والتعْشِيرُ : نُهَاقُ الحميرِ لكونه عَشَرَةَ أصواتٍ .
والعَشِيرَةُ : أهل الرجل الذين يتكثر بهم ، أي يصيرون له بمنزلة العدد الكامل ، وذلك إن العَشَرَةَ هو العدد الكامل . قال تعالى : وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ « التوبة : 24 » فصار العَشِيرَةُ إسماً لكل جماعة من أقارب الرجل الذين يتكثر بهم . وَعاشَرْتُهُ : صرت له كَعَشَرَةٍ في المصاهرة ، وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ « النساء : 19 » . والعَشِيرُ : المُعَاشِرُ ، قريباً كان أو معارف .
عَشَا - أعشى - عشيته - العشاء - العشى - عشي عنه - عشوة - عواشي
العَشِيُّ : من زوال الشمس إلى الصباح . قال تعالى : إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها « النازعات : 46 » .
والعِشَاءُ : من صلاة المغرب إلى العتمة ، والعِشَاءَانِ : المغرب والعتمة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 571 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والعَشَا : ظلمةٌ تعترض في العين ، يقال : رجلٌ أَعْشَى وامرأةٌ عَشْوَاءُ . وقيل : يخبط خبط عَشْوَاءَ .
وعَشَوْتُ النارَ : قصدتها ليلاً ، وسمي النار التي تبدو بالليل عَشْوَةً وعُشْوَةً كالشُّعْلَةِ .
عَشِيَ عن كذا : نحو عَمِيَ عنه ، قال تعالى : وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ « الزخرف : 36 » .
والعَوَاشِي : الإبلُ التي ترعى ليلاً ، الواحدة عَاشِيَةٌ ، ومنه قيل : العَاشِيَةُ تُهَيِّج الآبية .
والعَشَاءُ : طعامُ العِشَاءِ ، وبالكسر صلاة العِشَاءِ . وقد عَشِيتُ وعَشَّيْتُهُ . وقيل : عَشِّ ولا تغترَّ . « بأنك ستجد مرعي أمامك » .
ملاحظات
أخطأ الراغب في تفسير العشي بنصف النهار الى آخر الليل الذي يليه ، والصحيح أنه بمعنى العصرية ، وعند العامة بمعنى الليلة . قال الخليل « 2/188 » : « العشي : آخر النهار ، فإذا قلت عشية فهي ليوم واحد . وهو آخر ساعة من النهار عند مُغَيْرِبَان الشمس . والعشاء عند العامة بعد غروب الشمس من لدن ذلك إلى أن يولي صدر الليل » . وقال ابن فارس « 4/322 » : « العشي إنما هو آخر النهار ، وقد قيل : كل ما كان بعد الزوال فهو عشي » .
عَصَبَ - عصبه - معصوب - عصابة - عصيب - عصبة - اعتصب - عصابة
العَصَبُ : أطنابُ المفاصلِ ، ولحمٌ عَصِبٌ : كثيرُ العَصَبِ . والمَعْصُوبُ : المشدودُ بالعَصَبِ المنزوع من الحيوان ، ثم يقال لكل شَدٍّ عَصْبٌ ، نحو قولهم : لَأُعَصِّبَنَّكُمْ عَصْبَ السَّلِمَةِ « يشد أغصانها بالحبل » وفلانٌ شديدُ العَصْبِ . ومَعْصُوبُ الخَلْقِ : أي مُدْمَجُ الخِلْقَةِ . ويَوْمٌ عَصِيبٌ « هود : 77 » شديدٌ ، يصح أن يكون بمعنى فاعل ، وأن يكون بمعنى مفعول . أي يوم مجموع الأطراف ، كقولهم : يوم كَكَفَّةِ حابل ، وحَلْقَة خاتَم . والعُصْبَةُ : جماعةٌ مُتَعَصِّبَةٌ متعاضدة . قال تعالى : لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ « القصص : 76 » وَنَحْنُ عُصْبَةٌ « يوسف : 14 » أي مجتمعة الكلام متعاضدة . واعْصَوْصَبَ القومُ : صاروا عَصَباً ، وعَصَبُوا به أمراً . وعَصَبَ الرّيقُ بفمه : يبس حتى صار كالعَصَبِ أو كالمَعْصُوبِ به .
والعَصْبُ : ضربٌ من برود اليمن قد عُصِبَ به نقوشٌ . والعِصَابَةُ : ما يُعْصَبُ به الرأسُ ، والعمامةُ . وقد اعْتَصَبَ فلانٌ نحو : تعمم . والمَعْصُوبُ : الناقةُ التي لا تدر حتى تُعْصَبَ ، والعَصِيبُ : في بطن الحيوان لكونه مَعْصُوباً . أي مطويّاً .
ملاحظات
في نهج البلاغة « 2/150 » : « فإنكم تتعصبون لأمر لا يعرف له سبب ولا علة . أما إبليس فتعصب على آدم عليه السلام لأصله ، وطعن عليه في خلقته فقال : أنا ناري وأنت طيني . وأما الأغنياء من مترفة الأمم فتعصبوا لآثار مواقع النعم ، فقـالـــوا : نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلادًا وَمَـا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ . فإن كان لا بد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال ، ومحامد الأفعال ، ومحاسن الأمور ، التي تفاضلت فيها المجداء والنجداء من بيوتات العرب ويعاسيب القبائل ، بالأخلاق الرغيبة ، والأحلام العظيمة ، والأخطار الجليلة ، والآثار المحمودة . فتعصبوا لخلال الحَمْد من الحفظ للجوار ، والوفاء بالذمام ، والكف عن البغي ، والإعظام للقتــل ، والإنصاف للخلق ، والكظم للغيظ » .
عَصَرَ - عصارة - اعتصر - معصرات - عصور - إعصار
العَصْرُ : مصدرُ عَصَرْتُ . والمَعْصُورُ : الشئ العَصِيرُ . والعُصَارَةُ : نفاية ما يُعْصَرُ . قال تعالى : إني أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 572 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
« يوسف : 36 » وقال : وَفِيهِ يَعْصِرُونَ « يوسف : 49 » أي يستنبطون منه الخير ، وقرئ : يُعْصَرُونَ ، أي يمطرون .
واعْتَصَرْتُ من كذا : أخذت ما يجري مجرى العُصَارَةِ ، قال الشاعر :
وإنما العيشُ برُبَّانهِ « شبابه »
وأنتَ من أفْنَانِهِ مُعْتَصِرْ
وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً « عم : 14 » أي السحائب التي تَعْتَصِرُ بالمطر ، أي تصب ، وقيل : التي تأتي بالإعصَارِ .
والإعصَارُ : ريحٌ تثير الغبار . قال تعالى : فَأَصابَها إِعْصارٌ « البقرة : 266 » . والإعتِصَارُ : أن يغصَّ فَيُعْتَصَرَ بالماء ، ومنه : العَصْرُ ، والعَصَرُ : الملجأُ . والعَصْرُ والعِصْرُ : الدَّهرُ ، والجميع العُصُورُ . قال : وَالْعَصْرِ إن الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ « العصر : 1 » والعَصْرُ : العشيُّ ، ومنه : صلاة العَصْرِ . وإذا قيل : العَصْرَانِ فقيل : الغداة والعشيّ ، وقيل : الليل والنهار ، وذلك كالقمرين للشمس والقمر . والمُعْصِرُ : المرأةُ التي حاضت ودخلت في عَصْرِ شبابِهَا .
عَصَفَ - عصفاً - عاصفة
العَصْفُ والعَصِيفَةُ : الذي يُعْصَفُ من الزّرعِ ، ويقال لحطام النبت المتكسر : عَصْفٌ . قال تعالى : وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ « الرحمن : 12 » كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ « الفيل : 5 » ورِيحٌ عاصِفٌ « يونس : 22 » وعَاصِفَةٌ ومُعْصِفَةٌ : تَكْسِرُ الشئ فتجعله كَعَصْفٍ . وعَصَفَتْ بهم الريحُ تشبيهاً بذلك .
عَصَمَ - عصماً - اعتصم - اعتصاماً - استعصم - العصمة - معصم - أعصم
العَصْمُ : الإمساكُ . والإعتِصَامُ : الإستمساك . قال تعالى : لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ الله « هود : 43 » أي لا شئ يَعْصِمُ منه . ومن قال معناه : لامَعْصُومَ فليس يعني أن العَاصِمَ بمعنى المَعْصُومِ ، وإنما ذلك تنبيه منه على المعنى المقصود بذلك ، وذلك أن العَاصِمَ والمَعْصُومَ يتلازمان ، فأيهما حصل حصل معه الآخر . قال : ما لَكُمْ مِنَ الله مِنْ عاصِمٍ « غافر : 33 » . والإعتِصَامُ : التمسك بالشئ ، قال : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً « آل عمران : 103 » وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِالله « آل عمران : 101 » . واسْتَعْصَمَ : استمسك ، كأنه طلب ما يَعْتَصِمُ به من ركوب الفاحشة ، قال : فَاسْتَعْصَمَ « يوسف : 32 » أي تحرَّى ما يَعْصِمُهُ . وقوله : وَلاتُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ « الممتحنة : 10 » .
والعِصَامُ : ما يُعْصَمُ به أي يُشد . وعِصْمَةُ الأنبياءِ : حِفْظُهُ إياهم أولاً بما خصهم به من صفاء الجوهر ، ثم بما أولاهم من الفضائل الجسمية ، ثم بالنصرة وبتثبيت أقدامهم ، ثم بإنزال السكينة عليهم ، وبحفظ قلوبهم ، وبالتوفيق ، قال تعالى : وَاللَّه يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ « المائدة : 67 » .
والعِصْمَةُ : شِبْهُ السِّوَارِ ، والمِعْصَمُ : موضعها من اليد . وقيل للبياض بالرسغ عِصْمَةٌ ، تشبيهاً بالسوار وذلك كتسمية البياض بالرجل تحجيلاً ، وعلى هذا قيل : غراب أَعْصَمُ .
ملاحظات
لا يصح قول الراغب : « العَصْمُ : الإمساكُ ، والإعتِصَامُ : الإستمساك » . لأن العَصْم : المنع والإعتصام الإمتناع . ولايصح استشهاده على عصمة الأنبياء عليهم السلام : من الذنوب بقوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله : وَاللَّه يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ . لأنها في العصمة من الناس لا من الذنوب والخطأ ، فقد نزلت قبيل وفاته صلى الله عليه وآله وكانت حراسته من الخطر عليه مستمرة حتى توفي صلى الله عليه وآله . بل يتعين تفسيرها بعصمته صلى الله عليه وآله من أن ترتد أمته إذا بلغهم ما أمره الله به من ولاية عترته عليهم السلام . وهو المنسجم مع سياق الآية : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَ اللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 573 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عَصَا - عصياناً - عصاً
العَصَا : أصله من الواو ، لقولهم في تثنيته : عَصَوَانِ ، ويقال في جمعه : عِصِيٌّ . وعَصَوْتُهُ : ضربته بالعَصَا ، وقيل عَصَيْتُه بالسيف . قال تعالى : وَأَلْقِ عَصاكَ « النمل : 10 » فَأَلْقى عَصاهُ « الأعراف : 107 » قالَ هِيَ عَصايَ « طه : 18 » فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ « الشعراء : 44 » . ويقال : ألقى فلانٌ عَصَاهُ : إذا نزل ، تصوراً بحال من عاد من سفره . قال الشاعر :
فألقَتْ عَصَاهَا واستقرتْ بها النَّوَى
وعَصَى عِصْيَاناً : إذا خرج عن الطاعة ، وأصله أن يتمنع بِعَصَاهُ . قال تعالى : وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ « طه : 121 » وَمَنْ يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ « النساء : 14 » آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ « يونس : 91 » . ويقال فيمن فارق الجماعة : فلانٌ شقَّ العَصَا .
عَضَّ - عِضَاض - عَضُوض
العَضُّ : أَزْمٌ بالأسنان . قال تعالى : عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ « آل عمران : 119 » وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ « الفرقان : 27 » وذلك عبارة عن الندم لما جرى به عادة الناس أن يفعلوه عند ذلك . والعُضُّ : للنوى ، والذي يَعَضُّ عليه الإبلُ . والعِضَاضُ : مُعَاضَّةُ الدوابِّ بعضها بعضاً . ورجلٌ مُعِضٌّ : مبالغٌ في أمره كأنه يَعَضُّ عليه ، ويقال ذلك في المدح تارة ، وفي الذم تارة بحسب ما يبالغ فيه ، يقال : هو عِضُّ سفرٍ ، وعِضٌّ في الخصومة . وزمنٌ عَضُوضٌ : فيه جدب . والتعْضُوضُ : ضربٌ من التمر يصعُبُ مَضْغُهُ .
عَضَدَ - عضْداً - معضد - أعضاد
العَضُد : ما بين المرفق إلى الكتف . وعَضَدْتُهُ : أصبت عضده . وعنه استعير : عَضَدْتُ الشجر بالمِعْضَد ، وجمل عاضد : يأخذ عضد الناقة فيتنوخها . ويقال عَضَدْتُهُ : أخذت عضده وقويته ، ويستعار العضد للمعين كاليد قال تعالى : وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً « الكهف : 51 » . ورجل أَعْضَدُ : دقيق العضد ، وعَضِدٌ : مشتك من العضد ، وهو داء يناله في عضده . ومُعَضَّدٌ : موسوم في عضده ، ويقال لسمته عِضَادٌ . والمِعْضَد : دملجة . وأَعْضَاد الحوض : جوانبه ، تشبيهاً بالعضد .
عَضَلَ - عضلة - عضلته - عُضال - عُضلة
العَضَلَة : كل لحم صلب في عصب . ورجل عَضِلٌ : مكتنز اللحم . وعَضَلْتُهُ : شددته بالعضل المتناول من الحيوان نحو عصبته ، وتُجُوِّزَ به في كل منع شديد . قـال : فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَ « البقرة : 232 » قيل : خطاب للأزواج ، وقيل للأولياء . وعَضَّلَتِ الدجاجةُ ببيضها ، والمرأة بولدها : إذا تعسر خروجهما تشبيهاً بها . قال الشاعر :
ترى الأرض منَّا بالفضاء مريضةً
مُعَضَّلَــةً منَّا بجمــعٍ عرمــرمِ
وداء عُضَال : صعب البرء . والعُضْلَة : الداهية المنكرة .
عِضَهْ - عِضين - تعضية
قال تعالى : جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ « الحجر : 91 » أي مفرقاً ، فقالوا كهانة ، وقالوا أساطير الأولين إلى غير ذلك مما وصفوه به . وقيل : معنى عِضِينَ : ما قال تعالى : أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ « البقرة : 85 » خلاف من قال فيه وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كلهِ « آل عمران : 119 » .
وعضون : جمع ، كقولهم : ثبون وظبون ، في جمع ثُبَة وظُبَة . ومن هذا الأصل العضو والعضو . والتعضية : تجزئة الأعضاء ، وقد عَضَيْتُه . قال الكسائي : هو من العضو أو من العَضْهِ ، وهي شجر . وأصل عِضَة في لغة : عضهة ، لقولهم عُضَيْهَة ، وعضوة في لغة ، لقولهم عضوان . وروي : لا تَعْضِيَةَ في الميراث أي لايفرّق ما يكون تفريقه ضرراً على الورثة كسيف يكسر بنصفين ، ونحو ذلك .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 574 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
1 . يفهم معنى عضين من المقتسمين والمستهزئين الذين قال الله فيهم : كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ . أَلَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ . فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . عَمَّا كَأنوا يَعْمَلُونَ . فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّاكَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِين . « الحجـر : 89 » . وهــم فراعنة قريش ورؤساؤها الذين تقاسموا مداخل مكة ، فبعثوا مبعوثين في موسم الحج على مداخل مكة يحذرون قبائل العرب من النبي صلى الله عليه وآله . وهم : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب ، والأســود بن عبد يغوث ، والحرث بن طلاطلة الخزاعي . وهم المستهزئون الخمسـة الذين قتلهم الله في يوم واحد ، وأمر رسوله صلى الله عليه وآله أن يصدع بدعوته . « السيرة النبوية عند أهل البيت : : 1/183 » .
2 . قال الصدوق في « معاني الأخبار/281 » : « قال صلى الله عليه وآله : لاتَعْضِيَةَ في ميراث . ومعناه أن يموت الرجل ويدع شيئاً إن قسم بين ورثته إذا أراد بعضهم القسمة كان في ذلك ضرر عليهم أو على بعضهم . يقول : فلا يقسم ذلك . وتلك التعضية وهي التفريق ، وهي مأخوذ من الأعضاء . يقال : عضيت اللحم إذا فرقته ، وقال الله عز وجل : أَلَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ . أي آمنوا ببعضه وكفروا ببعض . وهذا من التعضية أيضاً أنهم فرقوه . والشئ الذي لا يحتمل القسمة مثل الحبة من الجوهر ، لأنها إن فرقت لم ينتفع بها » .
عَطَفَ - عِطْف - عطفه - عِطْفَاه - عاطفة - عطوف - عطف عنه
العَطْفُ : يقال في الشئ إذا ثُنِيَ أحد طرفيه إلى الآخر ، كعطف الغصن والوسادة والحبل ، ومنه قيل للرداء المَثْنِي : عِطَاف . وعِطْفَا الإنسان : جانباه من لدن رأسه إلى وركه ، وهو الذي يمكنه أن يثْنِيهِ من بدنه . ويقال : ثنى عِطْفَهُ : إذا أعرض وجفا ، نحو : نَأى بِجانِبِهِ « الإسراء : 83 » وصَعَّرَ بخده ، ونحو ذلك من الألفاظ . ويستعار للميل والشفقة إذا عُدِّيَ بعلى ، يقال : عَطَفَ عليه وثناه . عَاطِفَةُ رَحِم : وظبية عاطفةٌ على ولدها ، وناقة عَطُوفٌ على بَوِّها .
وإذا عُدِّيَ بعن يكون على الضد ، نحو : عَطَفْتُ عن فلان .
عَطَلَ - عطلته - تعطل - عُطْل
العَطَلُ : فقدان الزينة والشغل ، يقال : عَطِلَتِ المرأةُ ، فهي عُطُلٌ وعَاطِلٌ ، ومنه : قوس عُطُلٌ : لاوتر عليه ، وعَطلْتُهُ من الحلي ومن العمل فَتَعَطلَ . قــال تعالى : وَ بِئْرٍ مُعَطلَةٍ « الحج : 45 » . ويقال لمن يجعل العالم بزعمه فارغاً عن صانع أتقنه وزينه : مُعَطِّل . وعَطَلُ الدار عن ساكنها ، والإبل عن راعيها .
عَطَا - عطية - إعطاء - معاطاة
العَطْوُ : التناول . والمعاطاة : المناولة . والإعطاء : الإنالة . قال تعالى : حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ « التوبة : 29 » واختص العطية والعطاء بالصلة . قال : هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ « صاد : 39 » يعطي من يشاء . فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ « التوبة : 58 » .
وأَعْطَى البعيرُ : انقاد ، وأصله : أن يعطي رأسه فلا يتأبى . وظبي عُطْوٌ وعَاطٍ : رفع رأسه لتناول الأوراق .
عَظُمَ - عظيم- عظيمة - عظْمة
العَظْمُ : جمعه عِظَام . قال تعالى : عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً « المؤمنون : 14 » وقرئ : عظاماً فيهما ، ومنه قيل : عَظْمَة الذراع لمستغلظها ، وعَظْمُ الرحل : خشبة بلا أنساع . وعَظُمَ الشئ أصله : كبر عظمه ، ثم استعير لكل كبير ، فأجري مجراه محسوساً كان أو معقولاً ، عيناً كان أو معنى . قال : عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ « الزمر : 13 » قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ « صاد : 67 » عَمَّ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 575 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ « عمّ : 1 » مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ « الزخرف : 31 » . والعظيم إذا استعمل في الأعيان ، فأصله أن يقال في الأجزاء المتصلة ، والكثير يقال في المنفصلة . ثم قد يقال في المنفصل عظيم ، نحو جيش عظيم ومال عظيم ، وذلك في معنى الكثير . والعظيمة : النازلة . والإعظامة والعِظَامَة : شبه وسادة تعظم بها المرأة عجيزتها .
ملاحظات
1 . جعل الراغب فعل عَظُم ومشتقاته مأخوذاً من العَظْم . وجعل ابن فارس العِظم بمعنى القوة والكبر أصلاً والعَظْم مشتقاً منه ، وهو أنسب الى نشوء المجتمع ووضع الألفاظ . قال ابن فارس « 4/355 » : « عَظُمَ : يدل على كِبَرٍ وقوة . فالعِظَم مصدر الشئ العظيم ، تقول : عَظُم يعظم عِظَماً ، وعظمته أنا . فإذا عظم في عينيك قلت أعظمته واستعظمته . ومعظم الشئ أكثره . ومن الباب العَظْم معروف ، وهو سُمِّيَ بذلك لقوته وشدته » .
2 . لم أجد العظيم وصفاً لإنسان في القرآن والحديث ، إلا في قول المشـركين : وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ . وقد اسـتعمل العظيم لله تعـالى كأنه صفة مختصة به دون المخلوقات الحية . واستُعمل للأمور المعنوية كثيراً : للعذاب ، والثواب ، والبلاء ، والكرب ، والظلم ، والقسم ، والفضل ، والخلق ، والنبأ . . وغيره .
واستعمل في الأشياء لعرش الله تعالى . واستعمل على لسان الهدهد لعرش بلقيس .
عَفَّ - عِفةً - متعفف - العفة - استعفاف
العِفَّةُ : حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة . والمُتَعَفِّفُ : المتعاطي لذلك بضرب من الممارسة والقهر . وأصله : الإقتصار على تناول الشئ القليل الجاري مجرى العُفَافَة والعُفَّة ، أي البقية من الشئ ، أو مجرى العَفْعَفْ ، وهو ثمر الأراك . والإستعفاف : طلب العفة . قال تعالى : وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ « النساء : 6 » وقال : وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً « النور : 33 » .
عَفَرَ- عِفريت - عِفرين - عِفْر - عِفرية
قال تعالى : قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِ « النمل : 39 » العفريت من الجن : هو العارم الخبيث ، ويستعار ذلك للإنسان استعارة الشيطان له ، يقال : عِفْريتٌ نِفْريت . قال ابن قتيبة : العفريت الموثق الخلق ، وأصله من العفر ، أي التراب .
وعَافَرَهُ : صارعه فألقاه في العَفَرِ ، ورجل عِفْرٌ نحو : شر وشمر . وليثُ عِفِرِّين : دابةٌ تشبه الحرباء تتعرض للراكب .
وقيل : عِفْرِيَة الديك والحبارى : للشعر الذي على رأسهما .
عَفَا - عفاء - عافي - عفاه - عفوٌ - عَفاء - عافي
العَفْوُ : القصد لتناول الشئ ، يقال عَفَاه واعتفاه ، أي قصده متناولاً ما عنده ، وعَفَتِ الرّيحُ الدار : قصدَتْهَا متناولة آثارها . وبهذا النظر قال الشاعر :
أخذَ البِلَى أبْلَادَهَا
وعَفَتِ الدار : كأنها قصدت هي البِلَى . وعَفَا النبت والشجر : قصد تناول الزيادة ، كقولك : أخذ النبت في الزيادة . وعَفَوْتُ عنه : قصدت إزالة ذنبه صارفاً عنه ، فالمفعول في الحقيقة متروك ، وعن متعلق بمضمر .
فالعَفْوُ : هو التجافي عن الذنب ، قال تعالى : فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ « الشوري : 40 » وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتقْوى « البقرة : 237 » ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ « البقرة : 52 » إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ « التوبة : 66 » فَاعْفُ عَنْهُمْ « آل عمران : 159 » . وقوله : خُذِ الْعَفْوَ « الأعراف : 199 » أي مايسهل قصده وتناوله ، وقيل معناه : تعاطَ العفو عن الناس . وقوله : وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ « البقرة : 219 » أي ما يسهل إنفاقه .
وقولهم : أعطى عفواً ، فعفواً مصدر في موضع الحال ، أي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 576 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أعطى وحاله حال العافي ، أي القاصد للتناول ، إشارة إلى المعنى الذي عد بديعاً ، وهو قول الشاعر :
كأنكَ تعطيهِ الذي أنتَ سائلُه .
وقولهم في الدعاء : أسألك العفو والعافية ، أي ترك العقوبة والسلامة . وقال في وصفه تعالى : إن الله كانَ عَفُوًّا غَفُوراً « النساء : 43 » وقوله : وما أكلت العافية فصدقة ، أي طلاب الرزق من طير ووحش وإنسان . وأعفيت كذا : أي تركته يعفو ويكثر ، ومنه قيل : أعفوا اللحى . والعَفَاء : ما كثر من الوبر والريش . والعافي : ما يرده مستعير القدر من المرق في قدره .
ملاحظات
1 . معنى عفى عنه أو سامحه : ترك مؤاخذته ، وفيه فعلٌ هو صنع معروف معه لأنه تنازل عن حقه ، فهو يقبل التفسير بالترك وبالفعل . ولهذا جعله ابن فارس أصلين بمعنى الترك والفعل . أما الخليل فجعله الترك ، قال « 2/258 » : « العفو : تركك إنساناً استوجب عقوبة فعفوت عنه » .
لكن الراغب تمسك ببعض كلمات الخليل وجعل أصل العفو الفعل ، قال : « العَفْوُ : القصد لتناول الشئ » ويصح القول إن الترك والتنازل عن المؤاخذة هو فعل المعروف وفعل ترك المؤاخذة . أما قوله تعالى : خذ العفو : فهو أمرٌ بأخذ نتيجته وثوابه ، وليس قصداً لتناول شئ كما تصور الراغب .
2 . استعمل القرآن مادة العفو بضعاً وثلاثين مرة ، أكثرها في عفو الله تعالى ، وفي كثير منها أمر نبيه صلى الله عليه وآله بالعفو عن الناس ، ثم أمرهم بالعفو عن بعضهم . وقال تعالى : وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَنْ كَثِيرٍ . فاستعمله للسبب الموجب للمصيبة . وقال : ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ ، ثم عبر بعَفَوْنَا عنكم : ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُم مِّنْ بَعْدِ ذََلِكَ . كما استعمل العفو لك عن شخص آخر : فَمَنْ عُفِي لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَئٌ .
عَقَبَ - عقبى - عقوبة - عِقاب - تعقيب - عَقِب - عقبيه - عقبى - عاقبة - معقبات - أعقبه - اليعقوب
العَقِبُ : مؤخر الرِّجل ، وقيل : عَقْبٌ ، وجمعه أعقاب . وروي : ويلٌ للأعقاب من النار . واستعير العَقِبُ للولد وولد الولد . قـال تعالى : وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ « الزخرف : 28 » . وعَقِبَ الشهر ، من قولهم : جاء في عقب الشهر أي آخره ، وجاء في عَقِبِه ، إذا بقيت منه بقية . ورجع على عَقِبِه : إذا انثنى راجعاً . وانقلب على عقبيه ، نحو رجع على حافرته ، ونحو : فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً « الكهف : 64 » وقولهم : رجع عوده على بدئه . قال : وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا « الأنعام : 71 » انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقـابِكُمْ « آل عمران : 144 » وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ « آل عمران : 144 » ونَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ « الأنفال : 48 » فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُون « المؤمنون : 66 » وعقَبَهُ : إذا تلاه عَقَباً ، نحو دَبَرَهُ ، وقَفَاهَ .
والعُقْبُ والعُقْبَى : يختصان بالثواب نحو : خَيْرٌ ثَوابـاً وَخَيْرٌ عُقْباً « الكهـف : 44 » وقال تعالى : أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ « الرعد : 22 » . والعاقِبةُ : إطلاقها يختص بالثواب نحو : وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ « القصص : 83 » وبالإضافة قد تستعمل في العقوبة نحو : ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا « الروم : 10 » . وقوله تعالى : فَكانَ عاقِبَتَهُما أنهُما فِي النَّارِ « الحشر : 17 » يصح أن يكون ذلك استعارةً من ضده ، كقوله : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ « آل عمران : 21 » .
والعُقُوبَةُ والمعاقبة والعِقَاب : يختص بالعذاب قال : فَحق عِقابِ « صاد : 14 » شَدِيدُ الْعِقابِ « الحشر : 4 » وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ « النحل : 126 » وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 577 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ما عُوقِبَ بِهِ « الحج : 60 » .
والتعْقيبُ : أن يأتي بشئ بعد آخر ، يقال : عَقَّبَ الفرسُ في عَدْوِه . قال : لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ « الرعد : 11 » أي ملائكة يتعاقبون عليه حافظين له . وقولـه : لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ « الرعد : 41 » أي لا أحد يتعقبه ويبحث عن فعله ، من قولهم عَقَّبَ الحاكم على حكم من قبله ، إذا تتبعه . قال الشاعر :
وما بَعْدَ حُكْمِ الله تعقيبُ
ويجوز أن يكون ذلك نهياً للناس أن يخوضوا في البحث عن حكمه وحكمته إذا خفيت عليهم ، ويكون ذلك من نحو النهي عن الخوض في سر القدر . وقوله تعالى : وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ « النمل : 10 » أي لم يلتفت وراءه .
والإعتقاب : أن يتعاقب شئ بعـد آخر كاعتقاب الليل والنهار ، ومنه : العُقْبَة : أن يتعاقب اثنان على ركوب ظهر .
وعُقْبَة الطائر : صعوده وانحداره . وأَعقبه كذا : إذا أورثه ذلك ، قال : فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً « التوبة : 77 » قال الشاعر :
لهُ طائفٌ من جِنَّةٍ غَيْرُ مُعْقِبِ
أي لا يعقب الإفاقة . وفلانٌ لم يُعْقِبْ ، أي لم يترك ولداً ، وأعقاب الرجل : أولاده . قال أهل اللغة : لا يدخل فيه أولاد البنت ، لأنهم لم يعقبوه بالنسب ، قال : وإذا كان له ذرية فإنهم يدخلون فيها ، وامرأة مِعْقَابٌ : تلد مرة ذكراً ومرة أنثى .
وعَقَبْتُ الرمح : شددته بالعَقَبِ ، نحو : عصبته : شددته بالعصب . والعَقَبَةُ : طريق وَعِرٌ في الجبل ، والجمع عُقُب وعِقَاب . والعُقَاب : سمي لتعاقب جريه في الصيد ، وبه شبه في الهيئة الراية ، والحجر الذي على حافتي البئر ، والخيط الذي في القرط . واليَعْقُوب : ذكر الحجل لما له من عقب الجري .
ملاحظات
1 . معنى قوله تعالى : لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ : أي لا يحق ولا يمكن لأحد أن يتعقب حكمه فينقضه أو يشكل عليه ، لاتكويناً ، ولا تشريعاً .
2 . الحديث الذي رووه : ويلٌ للأعقاب من النار . واستدلوا به على وجوب غسل الرجلين في الوضوء ، موضوع غير معقول ، والبداوة فيه واضحة . ورواه بعضهم بلفظ : ويل للأعقاب من البول . وفسره بأنه أمرٌ بغسل عقب القدم .
3 . العاقبة والعقبى بمعنى الجزاء خيراً أو شراً ، لكن غلب استعمالها في الخير . وتخيل الراغب أنها مختصة بالثواب والخير ولم ينتبه لقوله تعالى : أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ . ويدل قوله تعالى : ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السوء ، على أنها مستعارة من عاقبة الخير .
4 . ويعقوب إسم عبري معناه : الآتي عقب عيسو ، وفي علل الشرائع « 1/43 » عن الإمام الصادق عليه السلام : « ويعقوب هو إسرائيل ، ومعنى إسرائيل عبد الله ، لأن إسرا هو عبد وإيل هو الله عز وجل » .
عَقَدَ - عقده - تعاقدنا - عقدة - العُقد
العَقْدُ : الجمع بين أطراف الشئ . ويستعمل ذلك في الأجسام الصلبة كعقد الحبل وعقد البناء ، ثم يستعار ذلك للمعاني نحوعَقْدِ البيع والعهد وغيرهما ، فيقال : عاقدته وعَقَدْتُهُ وتَعَاقَدْنَا وعَقَدْتُ يمينه . قال تعالى : عاقدت أيمانكم ، وقرئ : عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ ، وقال : بِما عَقَدْتُمُ الْأَيْمانَ « المائدة : 89 » . وقرئ : بما عَقَّدْتُمُ الأيمان . ومنه قيل : لفلان عقيدة ، وقيل للقلادة : عِقْدٌ . والعَقْدُ : مصدر استعمل إسماً فجمع ، نحو : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 578 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
« المائدة : 1 » . والعُقْدَةُ : إسم لما يعقد من نكاح أو يمين أو غيرهما ، قال : وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ « البقرة : 235 » .
وعُقِدَ لسانه : احتبس ، وبلسانه عقدة ، أي في كلامه حبسة ، قال : وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي « طه : 27 » . النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ « الفلق : 4 » : جمع عقدة ، وهي ما تعقده الساحرة ، وأصله من العزيمة ، ولذلك يقال لها : عزيمة ، كما يقال لها : عُقْدَة ، ومنه قيل للساحر : مُعْقِدٌ ، وله عُقدة مَلِك . وقيل : ناقة عاقدة وعاقد : عقدت بذنبها للقاحها ، وتيس وكلب أَعْقَدُ : ملتوي الذنب ، وتَعَاقَدَتِ الكلاب : تعاظلت .
ملاحظات
لايصح تعريفه للعقد بأنه الجمع بين أطراف الشئ ، بل هو ربط محكم بين شيئين أو أشياء . ولا يصح تقييد النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ بالساحرات ، لأنه عامٌّ لكل أنواع النفث في عُقد ، ويشمل ما قد يَنْفُثُ في عُقَدِ الإنسان ومفاصله .
عَقَرَ - عقراً - معاقرة - عاقِر - عقيرة - عقاقير- عَقَّار - عُقْر
عُقْرُ الحوض والدار وغيرهما : أصلها ، ويقال له عَقْرٌ ، وقيل ما غزي قوم في عَقْرِ دارهم قط إلا ذلوا . وقيل للقصر عُقْرَة . وعَقَرْتُهُ : أصبت عُقْرَهُ ، أي أصله نحو رَأَسْتُه . ومنه عَقَرْتُ النخل : قطعته من أصله . وعَقَرْتُ البعير : نحرته ، وعقرت ظهر البعير فانعقر ، قال : فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ « هود : 65 » وقال تعالى : فَتَعاطى فَعَقَرَ « القمر : 29 » . ومنه استعير : سرج مُعْقَر ، وكلب عَقُور .
ورجل عاقِرٌ وامرأة عاقر : لا تلد ، كأنها تعقر ماء الفحل . قال : وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً « مريم : 5 » وَامْرَأَتِي عاقِرٌ « آل عمران : 40 » وقد عَقِرَتْ . والعُقْرُ : آخر الولد . وبيضة العُقر كذلك . والعُقَار : الخمر لكونه كالعاقر للعقل ، والمُعَاقَرَةُ : إدمان شربه . وقولهم للقطعة من الغنم عُقْرٌ : فتشبيهٌ بالقصر . فقولهم : رفع فلان عقيرته ، أي صوته فذلك لما روي أن رجلاً عُقِرَ رِجْلُهُ فرفع صوته ، فصار ذلك مستعاراً للصوت . والعقاقير : أخلاط الأدوية ، الواحد : عَقَّار .
عَقَلَ - عقيلة - مَعْقِل - اعتقله - عُقال - عَقَل
العَقْل : يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم ، ويقال للعلم الذي يستفيده الإنسان بتلك القوة : عَقْلٌ ، ولهذا قال أمير المؤمنين عليه السلام :
رأيـــتُ العقـــلَ عقلـينِ
فمطبــــوعٌ ومســـــموعُ
ولا ينفــــع مسمـــــوعٌ
إذا لـــم يـــــكُ مطبـــوعُ
كـــما لا تنفــع الشَّمْــسُ
وَضَــــوْءُ العــينِ ممنــوعُ
وإلى الأول أشار عليه السلام بقوله : ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من العقل . وإلى الثاني أشار بقوله : ما كسب أحد شيئاً أفضل من عقل يهديه إلى هدى أو يرده عن ردى . وهذا العقل هو المعني بقوله : وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ « العنكبوت : 43 » . وكل موضع ذم الله فيه الكفار بعدم العقل ، فإشارة إلى الثاني دون الأول نحو : وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ . إلى قوله : صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ . « البقرة : 171 » ونحو ذلك من الآيات . وكل موضع رفع فيه التكليف عن العبد لعدم العقل ، فإشارة إلى الأول .
وأصل العَقْل : الإمساك والإستمساك ، كعَقَلَ البعيرَ بالعِقَال ، وعَقَلَ الدواءُ البطن ، وعَقَلَتِ المرأةُ شعرها ، وعَقَلَ لسانُه كفه ، ومنه قيل للحصن : مَعْقِلٌ ، وجمعه مَعَاقِل . وباعتبار عقل البعير قيل عَقَلْتُ المقتول : أعطيت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 579 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ديته ، وقيل : أصله أن تَعقل الإبل بفناء ولي الدم ، وقيل بل بعقل الدم أن يسفك . ثم سميت الدية بأيِّ شئ كان عَقْلًا ، وسمِّي الملتزمون له عاقلة . وعَقَلْتُ عنه : نُبْتُ عنه في إعطاء الدية . ودية مَعْقُلَة على قومه : إذا صاروا بدونه .
واعْتَقَلَهُ بالشَّغْزِبِيَّة « الحيلة » : إذا صرعه واعْتَقَلَ رمحه بين ركابه وساقه . وقيل : العِقَال صدقةُ عامٍ ، لقول أبي بكر : لو منعوني عقالاً لقاتلتهم . ولقولهم : أخذ النقد ولم يأخذ العِقَالَ ، وذلك كناية عن الإبل بما تشد به ، أو بالمصدر ، فإنه يقال : عَقَلْتُهُ عَقْلًا وعِقَالًا ، كما يقال : كتبت كتاباً . ويسمى المكتوب كتاباً ، كذلك يسمى المَعْقُولُ عِقَالًا .
والعَقِيلَةُ من النساء والدَّرِّ وغيرهما : التي تُعْقَلُ ، أي تُحرس وتمنع ، كقولهم : عَلَقُ مَضَنَّةٍ ، لما يُتعلق به .
والمَعْقِلُ : جبل أو حصن يُعْتَقَلُ به . والعُقَالُ : داء يعرض في قوائم الخيل . والعَقَلُ : اصطكاك فيها .
ملاحظات
تعريفه الأول للعقل بأنه القوة المتهيئة لقبول العلم ، ضعيف ، ولم تثبت نسبة الشعر الذي نسبه الى أمير المؤمنين عليه السلام . وتعريفه الأخير للعقل بالإمساك والإستمساك ، قريب من تعريف الخليل أو ابن فارس ، قال « 4/69 » : « عَقَلَ : أصلٌ واحد منقاس مطرد يدل عِظَمُه على حَبْسَةٍ في الشئ أو ما يقارب الحبسة ، من ذلك العقل ، وهو الحابس عن ذميم القول والفعل . قال الخليل : العقل نقيض الجهل يقال : عَقَلَ يعقلُ عَقْلاً ، إذا عرف ما كان يجهله قبلُ ، أو انزجر عما كان يفعله ، وجمعه عقول . ورجل عاقل وقوم عقلاء وعاقلون . ورجل عَقُول : إذا كان حسن الفهم وافر العقل . وما له معقول : أي عقل » .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : « إن العقلَ عِقالٌ من الجهل » . « تحف العقول/15 » . وقال صلى الله عليه وآله : « خلق الله العقل فقال له : أدبر فأدبر ، ثم قال له : أقبل فأقبل ، ثم قال : ما خلقت خلقاً أحب إليَّ منك » . وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « بالعقل استخرج غَوْر الحكمة ، وبالحكمة استخرج غور العقل » . « الكافي : 1/28 » . وقال الإمام الصادق عليه السلام : « أول الأمور ومبدؤها وقوتها وعمارتها التي لا ينتفع شئ إلا به : العقل الذي جعله الله زينة لخلقه ، ونوراً لهم ، فبالعقل عرف العباد خالقهم ، وأنهم مخلوقون وأنه المدبر لهم » . « الكافي : 1/29 » .
وقال الإمام الرضا عليه السلام : « العقل حَبَاءٌ من الله والأدب كلفة ، فمن تكلف الأدب قدر عليه ، ومن تكلف العقل لم يزدد بذلك إلا جهلاً » . « الكافي : 1/23 » .
عَقُمَ - عقماً - عقيم - عُقام
أصل الْعُقْمِ : اليبس المانع من قبول الأثر ، يقال : عَقُمَتْ مفاصله . وداء عُقَامٌ : لا يقبل البرء . والعَقِيمُ من النساء : التي لا تقبل ماء الفحل ، يقال : عَقِمَتِ المرأة والرحم . قال تعالى : فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ « الذاريات : 29 » .
وريح عَقِيمٌ : يصح أن يكون بمعنى الفاعل ، وهي التي لا تلقح سحاباً ولا شجراً . ويصح أن يكون بمعنى المفعول كالعجوز العَقِيمِ ، وهي التي لا تقبل أثر الخير ، وإذا لم تقبل ولم تتأثر لم تعط ولم تؤثر ، قال تعالى : إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ « الذاريات : 41 » . ويوم عَقِيمٌ : لا فرح فيه .
عَكَفَ - عكوفاً - عكفه - عكفاً - عاكف - اعتكف
العُكُوفُ : الإقبال على الشئ وملازمته على سبيل التعظيم له ، والإعتِكَافُ في الشرع : هو الإحتباس في المسجد على سبيل القربة ويقال : عَكَفْتُهُ على كذا ، أي حبسته عليه . لذلك قال : سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ « الحج : 25 » وَالْعاكِفِينَ « البـقـرة : 125 » فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ « الشعراء : 71 » يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنـامٍ لَهُمْ « الأعـراف : 138 » ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً « طه : 97 » وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ « البقرة : 187 »
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 580 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً « الفتح : 25 » أي محبوساً ممنوعاً .
ملاحظات
قال الخليل « 1/205 » : « عكف يعكِف ويعكُف عكفاً وعكوفاً . وهو إقبالك على الشئ لا تصرف عنه وجهك » . لكن الراغب تكلف وقال : « الإقبال على الشئ وملازمته على سبيل التعظيم له » فأضاف الملازمة والتعظيم ، ومعناه أنه إذا انتفى أحدهما فلا اعتكاف . والصحيح أن العكوف على الشئ أمر عرفي لا يشترط فيه الملازمة ، لقوله تعالى : اَنْظُرْ إِلَى إِلَاهِكَ الذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا . فلو كان للملازمة لما احتاج الى قوله : وَظَلْت . كما لا يشترط فيه التعظيم ، فقد يكون عكوفاً على ما يكره كشارب الخمر الذي يكرهها .
عَلَقَ - أعلق - معلاق - علقة - عليق - علقت المرأة - عُلَّيْق
العَلَقُ : التشبث بالشئ ، يقال : عَلِقَ الصيد في الحبالة . وأَعْلَقَ الصائد : إذا علق الصيد في حبالته . والمِعْلَقُ والمِعْلَاقُ : ما يُعَلَّقُ به ، وعِلَاقَةُ السوط كذلك ، وعَلَقُ القربة كذلك ، وعَلَقُ البكرة : آلاتها التي تَتَعَلَّقُ بها . ومنه : العُلْقَةُ لما يتمسك به . وعَلِقَ دَمَ فلان بزيد : إذا كان زيد قاتله . والعَلَقُ : دودٌ يتعلق بالحلق . والعَلَقُ : الدم الجامد ، ومنه : العَلَقَةُ التي يكون منها الولد ، قال تعالى : خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ « العلق : 2 » وقال : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ إلى قوله : فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً . والعِلْقُ : الشّئ النفيس الذي يتعلق به صاحبه فلا يفرج عنه . والعَلِيقُ : ما عُلِّقَ على الدابة من القضيم . والعَلِيقَةُ : مركوب يبعثها الإنسان مع غيره فيعلِّق أمره [ليمتار عليها] قال الشاعر :
أرسلها عَلِيقَةً وقد عَلِمْ
أن العَلِيقَات يُلَاقِينَ الرَّقَمْ
والعَلُوقُ : الناقة التي ترأم ولدها فتعلق به ، وقيل للمنية : عَلُوقٌ . والعَلْقَى : شجر يتعلق به « العُلَّيْق » وعَلِقَتِ المرأة : حبلت . ورجل مِعْلَاقٌ : يتعلق بخصمه .
عَلِمَ -علماً - عالَم - أعلمه - تعليم - علام - معالم
العِلْمُ : إدراك الشئ بحقيقته . وذلك ضربان أحدهما : إدراك ذات الشئ . والثاني : الحكم على الشئ بوجود شئ هو موجود له ، أو نفي شئ هو منفي عنه . فالأول : هو المتعدي إلى مفعول واحد نحو : لاتَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ « الأنفال : 60 » . والثاني : المتعدي إلى مفعولين ، نحو قوله : فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ « الممتحنة : 10 » وقوله : يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ إلى قوله : لاعِلْمَ لَنا ، فإشارة إلى أن عقولهم طاشت .
والعِلْمُ : من وجهٍ ضربان ، نظري وعملي : فالنظري : ما إذا علم فقد كمل ، نحو : العلم بموجودات العالَم . والعملي : ما لا يتم إلا بأن يعمل كالعلم بالعبادات . ومن وجهٍ آخر ضربان ، عقلي وسمعي .
وأَعْلَمْتُهُ وعَلَّمْتُهُ في الأصل واحد ، إلا أن الإعلام اختص بما كان بإخبار سريع ، والتعْلِيمُ اختص بما يكون بتكرير وتكثير حتى يحصل منه أثر في نفس المُتَعَلِّمِ . قال بعضهم : التعْلِيمُ : تنبيهُ النفس لتصور المعاني . والتعَلُّمُ : تنبهُ النفس لتصور ذلك ، وربما استعمل في معنى الإعلامِ إذا كان فيه تكرير ، نحو : أَتُعَلِّمُونَ الله بِدِينِكُمْ « الحجرات : 16 » فمن التعْلِيم قوله : الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ « الرحمن : 1 » عَلَّمَ بِالْقَلَمِ « العلق : 4 » وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا « الأنعام : 91 » عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطيْرِ « النمل : 16 » وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ « البقرة : 129 » ونحو ذلك .
وقوله : وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا « البقرة : 31 » فتَعْلِيمُهُ الأسماء : هو أن جعل له قوة بها نطق ووضع أسماء الأشياء ، وذلك بإلقائه في روعه ، وكَتعلِيمِهِ الحيوانات كل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 581 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
واحد منها فعلاً يتعاطاه ، وصوتاً يتحراه .
قال : وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً « الكهف : 65 » قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً « الكهف : 66 » . قيل : عنى به العِلْمَ الخاص الخفي على البشر الذي يرونه ما لم يعرفهم الله منكراً ، بدلالة ما رآه موسى منه لما تبعه فأنكره حتى عرفه سببه . قيل : وعلى هذا العلم في قوله : قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ « النمل : 40 » .
وقوله تعالى : وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ « المجادلة : 11 » فتنبيهٌ منه تعالى على تفاوت منازل العلوم وتفاوت أربابها .
وأما قوله : وَفَوْقَ كل ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ « يوسف : 76 » فَعَلِيمٌ يصح أن يكون إشارة إلى الإنسان الذي فوق آخر ، ويكون تخصيص لفظ العليم الذي هو للمبالغة تنبيهاً [على] أنه بالإضافة إلى الأول عليم ، وإن لم يكن بالإضافة إلى من فوقه كذلك . ويجوز أن يكون قوله عَلِيمٌ عبارة عن الله تعالى وإن جاء لفظه منكراً ، إذ كان الموصوف في الحقيقة بالعليم هو تبارك وتعالى ، فيكون قوله : وَفَوْقَ كل ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ « يوسف : 76 » إشارة إلى الجماعة بأسرهم لا إلى كل واحد بانفراده ، وعلى الأول يكون إشارة إلى كل واحد بانفراده .
وقوله : عَلَّامُ الْغُيُوبِ « المائدة : 109 » فيه إشارة إلى أنه لا يخفى عليه خافية . وقوله : عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ « الجن : 26 » فيه إشارة إن لله تعالى علماً يخص به أولياءه ، والعَالِمُ في وصف الله هو الذي لا يخفى عليه شئ كما قال : لاتَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ « الحاقة : 18 » وذلك لا يصح إلا في وصفه تعالى .
والعَلَمُ : الأثر الذي يُعْلَمُ به الشئ ، كعَلَم الطريق ، وعَلَم الجيش ، وسمِّيَ الجبل علماً لذلك ، وجمعه أَعْلَامٌ . وقرئ : وإنه لَعَلَمٌ للسّاعة . وقال : وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالأعلامِ « الشوري : 32 » وفي أخرى : وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعلامِ « الرحمن : 24 » والشق في الشفة العليا عَلَمٌ ، وعَلَمُ الثوب .
ويقال : فلان عَلَمٌ ، أي مشهور يشبَّه بعلم الجيش . وأَعْلَمْتُ كذا : جعلت له علماً . ومَعَالِمُ الطريق والدين ، الواحد مَعْلَمٌ ، وفلان معلم للخير . والعُلَّامُ : الحِنَّاء وهو منه . والعالَمُ : إسم للفلك وما يحويه من الجواهر والأعراض ، وهو في الأصل إسم لما يعلم به كالطابع والخاتم لما يطبع به ويختم به ، وجعل بناؤه على هذه الصيغة لكونه كالآلة .
والعَالَمُ : آلةٌ في الدلالة على صانعه ، ولهذا أحالنا تعالى عليه في معرفة وحدانيته ، فقال : أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « الأعراف : 185 » وأما جمعه فلأن كل نوع من هذه قد يسمى عالماً ، فيقال : عالم الإنسان ، وعالم الماء ، وعالم النار . وأيضاً قد روي : إن لله بضعة عشر ألف عالم . وأما جمعه جمع السلامة فلكون الناس في جملتهم ، والإنسان إذا شارك غيره في اللفظ غلب حكمه . وقيل : إنما جمع هذا الجمع لأنه عنى به أصناف الخلائق من الملائكة والجن والإنس دون غيرها .
وقد روي هذا عن ابن عباس . وقال جعفر بن محمد : عَنَى به الناس وجعل كل واحد منهم عالَماً . وقال : العَالَمُ عالمان الكبير وهو الفلك بما فيه ، والصغير وهو الإنسان لأنه مخلوق على هيئة العالم ، وقد أوجد الله تعالى فيه كل ما هو موجود في العالم الكبير ، قال تعالى : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ . وقوله تعالى : وَأني فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ « البـقرة : 47 » قيل : أراد عالمي زمانهم . وقيل : أراد فضلاء زمانهم الذين يجري كل واحد منهم مجرى كل عالم لما أعطاهم ومكنهم منه ، وتسميتهم بذلك كتسمية إبراهيم عليه السلام بأمة في قوله : إن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 582 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً « النحل : 120 » وقوله : أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ « الحجر : 70 » .
ملاحظات
1 . عرف الراغب العلم والتعلم بتقسيم ناقص ، وطبق عليه بعض الآيات . وأقسام العلم أوسع مما ذكر وأكثر تفصيلاً . وقد تقدم الفرق بين العلم والمعرفة في مادة عَرَفَ .
2 . فسر الراغب تعليم الله تعالى لآدم عليه السلام الأسماء بأنه ألهمه النطق بها ووضع الكلمات لمسمياتها ، أو كما ألهم الحيوانات غرائزها ، ولو كان هذا ما علمه الله لآدم عليه السلام لما تعجبت الملائكة وخضعت وقالت : سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا . فالصحيح أن الأسماء التي علمها الله لآدم عليه السلام ليست كالأسماء المعروفة لأنه عبر عنها بضمير العاقل . وأن تعليم الله لآدم ليس كالتعليم الذي نعرفه ، لأن آدم عليه السلام استطاع أن يستوعبها فكان بذلك أعلم من الملائكة ، واعترفوا له بأنه أعلى منهم درجة . وقد تقدم للراغب في : سَمَا كلامٌ في تعليم آدم عليه السلام أعمق مما ذكره هنا .
3 . نلاحظ ضعف تفسيره علم الخضر اللَّدُنِّي ، الذي لم يتحمله نبي الله موسى عليه السلام ، وكذلك ضعف تفسيره آية : من عنده علمٌ من الكتاب ، وقد قال الله تعالى : قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ . وقال عز وجل : قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ . وقال : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَئٍْ .
4 . وكذلك تفسيره عِلْم الغيب والعلماء والعَالَم والعالمَين . ولكنها ليست بحوثاً لغوية مباشرة ، فهي خارجة عن غرض الكتاب .
عَلَنَ - عنوان
العَلَانِيَةُ : ضد السر ، وأكثر ما يقال ذلك في المعاني دون الأعيان ، يقال : عَلَنَ كذا وأَعْلَنْتُهُ أنا . قال تعالى : أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْـراراً « نوح : 9 » أي سرّاً وعلانية . وقال : ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ « القصص : 69 » .
وعِلْوَانُ الكتابِ : يصح أن يكون من عَلَنَ اعتباراً بظهور المعنى الذي فيه لا بظهور ذاته .
ملاحظات
قال الخليل « 2/247 » : « ويقال : علوان الكتاب وأظنه غلطاً وإنما هو عنوان » . وحاول ابن فارس والراغب تصحيحه باللام ، لكن ظن الخليل بأنه غلط أقوى من علم بعضهم .
عَلَا - علي - أعلى - علْوي - مُعلى - تعال
العُلْوُ : ضد السُّفْل ، والعُلْوِيُّ والسُّفْليُّ المنسوب إليهما . والعُلُوُّ : الإرتفاعُ ، وقد عَلَا يَعْلُو عُلُوّاً وهو عَالٍ ، وعَلِيَ يَعْلَى عَلَاءً فهو عَلِيٌّ . فَعَلَى بالفتح في الأمكنة والأجسام أكثر . قال تعالى : عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ « الإنسان : 21 » . وقيل : إن عَلَا يقال في المحمود والمذموم ، وعَلِيَ لا يقال إلا في المحمود . قال : إن فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ « القصص : 4 » لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإنهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ « يونس : 83 » وقال تعالى : فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْمـاً عالِينَ « المؤمنون : 46 » وقال لإبليس : أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعـالِينَ « صاد : 75 » لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ « القصص : 83 » وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ « المؤمنون : 91 » وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً « الإسراء : 4 » وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا « النمل : 14 » .
والعَليُّ : هو الرفيع القدر من : عَلِيَ ، وإذا وصف الله تعالى به في قوله : إن الله هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ « الحج : 62 » إن الله كانَ عَلِيًّا كَبِيراً « النساء : 34 » فمعناه : يعلـو أن يحيط به وصف الواصفين بل علم العارفين . وعلى ذلك يقال : تَعَالَى ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 583 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
نحو : تَعالَى اللهُ عما يُشْرِكُونَ « النمل : 63 » . وتخصيص لفظ التفاعل لمبالغة ذلك منه ، لا على سبيل التكلف كما يكون من البشر .
وقال عز وجل : تَعالى عما يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً « الإسراء : 43 » فقوله : علُوَاً ليس بمصدر تعالى ، كما إن قوله نباتاً في قوله : أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً « نوح : 17 » وتبتيلاً في قـوله : وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً « المزمل : 8 » كذلك .
والأعلى : الأشرف . قـال تعـالى : أَنَا رَبُّكُمُ الأعلى « النازعات : 24 » . والإسْتِعْلاءُ : قد يكون طلب العلو المذموم ، وقد يكون طلب العلاء ، أي الرفعة ، وقوله : وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى « طه : 64 » يحتمل الأمرين جميعاً .
وأما قوله : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى « الأعلى : 1 » فمعناه : أعلى من أن يقاس به ، أو يعتبر بغيره ، وقوله : وَالسَّماواتِ الْعُلى « طه : 4 » فجمـع تأنيث الأعلى ، والمعنى : هي الأشرف والأفضل بالإضافة إلى هذا العالم ، كما قال : أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها « النازعات : 27 » . وقوله : لَفِي عِلِّيِّينَ « المطففين : 18 » فقد قيل هو إسم أشرف الجنان ، كما إن سِجِّيناً إسم شر النيران . وقيل : بل ذلك في الحقيقة إسم سكانها ، وهذا أقرب في العربية ، إذ كان هذا الجمع يختص بالناطقين . قال : والواحد عَلِّيٌ نحو بَطِّيخٌ . ومعناه : إن الأبرار في جملة هؤلاء فيكون ذلك كقوله : فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ « النساء : 69 » .
وباعتبار العلو قيل للمكان المشرف وللشرف : العَلْيَاءُ . والعُلِّيَّة : تصغير عَالِيَةٍ فصار في التعارف إسماً للغرفة . وتَعَالَى النهار : ارتفع . وعَالِيَةُ الرمحِ : ما دون السنان ، جمعها عَوَالٍ . وعَالِيَةُ المدينةِ ، ومنه قيل : بعث إلى أهل العَوَالِي ونسب إلى العَالِيَة فقيل عُلْوِيٌّ . والعَلَاةُ : السندان حديداً كان أو حجراً . ويقال : العُلِّيَّةُ للغرفة وجمعها عَلَالِي ، وهي فعاليل . والعِلْيَانُ : البعيرالضخم . وعِلَاوَةُ الشئ : أعلاه ، ولذلك قيل للرأس والعنق : عِلَاوَةٌ ، ولما يحمل فوق الأحمال : عِلَاوَةٌ . وقيل : عِلَاوَةُ الريح وسفالته . والمُعَلَّى : أشرف القداح ، وهو السابع . واعْلُ عني : أي ارتفع .
وتَعالَ : قيل أصله أن يُدعى الإنسان إلى مكان مرتفع ، ثم جعل للدعاء إلى كل مكان ، قال بعضهم : أصله من العلو ، وهو ارتفاع المنزلة ، فكأنه دعا إلى ما فيه رفعة ، كقولك : إفعل كذا غير صاغر تشريفاً للمقول له . وعلى ذلك قال : فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا « آل عمران : 61 » تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ « آل عمران : 64 » تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ « النساء : 61 » أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ « النمل : 31 » تَعالَوْا أَتْلُ « الأنعام : 151 » . وتَعَلَّى : ذهب صعداً . يقال : عَلَيْتُهُ فتَعَلَّى . وعَلَى : حَرْفُ جرٍّ ، وقد يوضع موضع الإسم في قولهم : غدت من عَلَيه .
ملاحظات
1 . اعتبر الراغب قوله تعالى : مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَـالِيـنَ . ذماً للعالين ، مع أنه مدحٌ لهم ، لأن المعنى : هل عصيت أمري أم تزعم أنك غير مشمول بالأمر لأن من العالين المستثنين من الأمر بالسجود ! فالعالون مخلوقاتٌ أعلى من مجتمع الملائكة والجن غير مكلفين بالسجود لآدم عليه السلام ، ولايمكن أن يكونـوا إلا أشرف الخلق : محمداً وعترته عليهم السلام ، وقد روى الجميع أن الله خلقهم أنواراً قبل الخلق .
2 . قال تعالى : وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا . « مريم : 50 » وفسروا علياً بأنه صفة للسان ، لكن لم يرد في العربية وصف اللسان بأنه علي . فيترجح أن يكون عَلَماً كما وردت الرواية ، لأن إبراهيم عليه السلام طلب أن يكون له لسان صدق في الأمة الآخرة بقوله :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 584 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ . « الشعراء : 83 » . فاستجاب الله له بقوله : وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا .
3 . العِلِّيَّةُ بكسر العين وضمها الغرفة العليا . وليست تصغير عالية كما تصور الراغب . راجع : العين « 2/246 » .
عَمَّ - عموم - عامة - عمامة - أعمام
العَمُّ : أخو الأب ، والعَمَّةُ أخته . قال تعالى : أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عماتِكُمْ « النور : 61 » ورجل مُعِمٌّ مُخْوِلٌ . واسْتَعَمَّ عَمّاً وتَعَمَّمَهُ ، أي اتّخذه عماً ، وأصل ذلك من العُمُومِ ، وهو الشمول وذلك باعتبار الكثرة . ويقال : عَمَّهُمْ كذا وعَمَّهُمْ بكذا ، عماً وعُمُوماً . والعَامَّةُ : سُمُّوا بذلك لكثرتهم وعُمُومِهِمْ في البلد . وباعتبار الشمول سُمِّيَ المِشْوَذُ العِمَامَةَ ، فقيل : تَعَمَّمَ نحو : تقنَّع وتقمص وعَمَّمْتُهُ . وكُني بذلك عن السيادة . وشاة مُعَمَّمَةٌ : مُبْيَضَّةُ الرأس كأن عليها عِمَامَةً نحو : مقنعة ومخمرة . قال الشاعر :
يا عامــرَ بن مالـــكٍ يا عَمَّا
أفنيــتَ عــماً وجَــبَرْتَ عَمَّا
أي : يا عماه سلبت قوماً وأعطيت قوماً . وقوله : عَمَّ يَتَساءَلُونَ ، أي عن ما ، وليس من هذا الباب .
ملاحظات
جعل الراغب العم مشتقاً من العموم ، وجعله ابن فارس مشتقاً من الطول والشمول قال « 4/15 » : « عَمَّ : أصل صحيح واحد يدل على الطول والكثرة والعلو . قال الخليل : العميم : الطويل من النبات ، يقال نخلة عميمة والجمع عمّ . ويقولون : استوى النبات على عَمَمِه ، أي على تمامه . ويقال جارية عميمة ، أي طويلة . وجسم عَمَمٌ » .
لكن يرد عليهم إشكال : لماذا لم يجعلوا العم أصلاً بنفسه وهو لصيق بالأب ، فما هو المرجح لفرض أن غيره وُضع لفظُه قبله؟
عَمَدَ - عمداً - عميد - عماد - عمود
العَمْدُ : قصد الشئ والإستناد إليه ، والعِمَادُ : ما يُعْتَمَدُ . قال تعالى : إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ « الفجر : 7 » أي الذي كانوا يَعْتَمِدُونَهُ ، يقال : عَمَّدْتُ الشئ : إذا أسندته ، وعَمَّدْتُ الحائِطَ مثلُهُ . والعَمُودُ : خشب تَعْتَمِدُ عليه الخيمة ، وجمعه : عُمُدٌ وعَمَدٌ . قال : فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ « الهمزة : 9 » وقرئ : فِي عُمُدٍ ، وقال : بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها « الرعد : 2 » وكذلك ما يأخذه الإنسان بيده مُعْتَمِداً عليه من حديد أو خشب .
وعَمُودُ الصبحِ : ابتداء ضوئه تشبيهاً بالعمود في الهيئة . والعَمْدُ والتعَمُّدُ : في التعارف خلاف السهو ، وهو المقصود بالنية ، قال : وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً « النساء : 93 » وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ « الأحزاب : 5 » .
وقيل : فلان رفيع العِمَادِ : أي هو رفيع عند الإعتِمَادِ عليه . والعُمْدَةُ : كل ما يعتمد عليه من مال وغيره ، وجمعها : عُمُدٌ . وقرئ : فِي عُمُدٍ . والْعَمِيدُ : السَّيِّدُ الذي يَعْمُدُهُ الناسُ ، والقلب الذي يَعْمُدُهُ الحزن ، والسقيم الذي يعمده السُّقْم .
وقد عَمَدَ : توجع من حزن أو غضب أو سقم ، وعَمِدَ البعيرُ : توجع من عقر ظهره .
عَمَرَ - عُمْر - عُمْرى - عِمِارة - استعمر - عمرى - أم عامر
العِمَارَةُ : نقيض الخراب : يقال : عَمَرَ أرضَهُ : يَعْمُرُهَا عِمَارَةً . قال تعالى : وَعِمارَةَ الْمَسْجِـدِ الْحَرامِ « التوبة : 19 » يقال : عَمَّرْتُهُ فَعَمَرَ فهو مَعْمُورٌ . قال : وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها « الروم : 9 » وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ « الطور : 4 »
وأَعْمَرْتُهُ الأرضَ واسْتَعْمَرْتُهُ : إذا فوّضت إليه العِمَارَةُ ، قال : وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها « هود : 61 » .
والْعَمْرُ والْعُمُرُ : إسم لمدة عمارة البدن بالحياة فهو دون
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 585 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
البقاء ، فإذا قيل : طال عُمُرُهُ ، فمعناه : عِمَارَةُ بدنِهِ بروحه ، وإذا قيل : بقاؤه فليس يقتضي ذلك ، فإن البقاء ضد الفناء ، ولفضل البقاء على العمر وصف الله به ، وقلما وصف بالعمر .
والتعْمِيرُ : إعطاء العمر بالفعل ، أو بالقول على سبيل الدعاء . قال : أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ « فاطر : 37 » وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ « فاطر : 11 » وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ « البقرة : 96 » وقوله تعالى : وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ « يس : 68 » قال تعالى : فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ « القصص : 45 » وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ « الشعراء : 18 » . والعُمُرُ والْعَمْرُ واحد : لكن خُصَّ القَسَمُ بِالْعَمْرِ دون العُمُرِ ، نحو : لَعَمْرُكَ إنهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ « الحجر : 72 » وعَمْرَكَ الله ، أي سألت الله عمرك ، وخُصَّ هاهنا لفظ عَمْر لما قصد به قصد القسم . والإعتِمَارُ والْعُمْرَةُ : الزيارة التي فيها عِمَارَةُ الود ، وجعل في الشريعة للقصد المخصوص .
وقوله : إنما يَعْمُرُ مَساجِدَ الله « التوبة : 18 » إما من العِمَارَةِ التي هي حفظ البناء ، أو من العُمْرَةِ التي هي الزيارة ، أو من قولهم : عَمَرْتُ بمكان كذا ، أي أقمت به لأنه يقال : عَمَرْتُ المكانَ وعَمَرْتُ بالمكانِ .
والعِمَارَةُ أخصُّ من القبيلة ، وهي إسم لجماعة بهم عِمَارَةُ المكانِ ، قال الشاعر :
لكل أناسٍ من مَعَدٍّ عمارة ٌ
والعَمارُ : ما يضعه الرئيس على رأسه عِمَارَةً لرئاسته وحفظاً له ، ريحاناً كان أو عمامة . وإذا سمي الرَّيْحان من دون ذلك عَمَاراً فاستعارةٌ منه واعتبارٌ به . والْمَعْمَرُ المَسْكَنُ ما دام عَامِراً بسكانه . والْعَوْمَرَةُ صَخَبٌ يدل على عمارة الموضع بأربابه .
والعُمْرَى في العطية : أن تجعل له شيئاً مدة عمرك أو عمره كالرقبى . وفي تخصيص لفظه تنبيهٌ[على] أن ذلك شئ معار .
والعَمْرُ : اللحم الذي يُعْمَرُ به ما بين الأسنان ، وجمعه عُمُورٌ . ويقال للضبع : أم عَامِر ، وللإفلاس : أبو عُمْرَةَ .
ملاحظات
1 . جعل ابن فارس هذه المادة أصلين فقال « 1/140 » : « العين والميم والراء : أصلان صحيحان ، أحدهما يدل على بقاء وامتداد زمان ، والآخر على شئ يعلو من صوت أو غيره . فالأول العُمر وهو الحياة وهو العَمْر أيضاً ، وقول العرب : لعمرك ، يحلف بعمره أي حياته . وأما الآخر فالعومرة الصياح والجلبة » .
وخالفه الراغب فجعل المادة أصلاً واحداً بمعنى العمارة ، وجعل العمر من عمارة البدن ، وكلامه أقوى ، لكن تفسيره لعَمْرَكَ الله بالدعاء للشخص ضعيف ، بل هو قَسَمٌ بعمره كما قال الخليل وابن فارس . وكذلك تفسيره للإعتِمَارُ والْعُمْرَةُ بأنها الزيارة التي فيها عِمَارَةُ الود ، بل هي عمارة الطاعة لله تعالى . قال الخليل « 2/137 » : « العمر عمر الحياة . وقول العرب : لعمرك ، تحلف بعمره وتقول : عمرك الله أن تفعل كذا . وعَمَرَ الناس الأرض يعمرونها عمارة ، وهي عامرة معمورة ومنها العمران . واستعمر الله الناس ليعمروها . والله أعمر الدنيا عمراناً فجعلها تعمر . والعمارة : القبيلة العظيمة » .
وقال الجوهري « 2/756 » : « ومعنى لعمر الله وعمر الله : أحلف ببقاء الله ودوامه . واعتمر : أي تعمم بالعمامة قال أبو عبيد : العمارة بالفتح : كل شئ جعلته على رأسك من عمامة أو قلنسوة أو تاج ، أو غير ذلك . وقوله تعالى : واستعمركم فيها ، أي جعلكم عمارها » .
أقول : الحلف بعمر الله تعالى لا يصح ، وهو ينسجم مع عقيدة مجسمة الحنابلة ، وقد اعتمدوا فيها على رواية
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 586 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أبي رزين العقيلي ، وهو أعرابي كذبه نقاد الحديث كما يأتي في مادة : عَمِيَ .
وقال ابن منظور « 4/601 » : « وفي التنزيل العزيز : لَعَمْرُك إِنّهم لفي سَكْرتِهم يَعْمَهُون . لم يقرأْ إِلا بالفتح . ويقال لساكن الدار : عامِرٌ ، والجمع عُمّار . وقوله تعالى : والبَيْت المَعْمور ، جاء في التفسير أَنه بيت في السماء بإزاء الكعبة يدخله كل يوم سبعون أَلف ملك يخرجون منه ولا يعودون إِليه . والمَعْمورُ : المخدومُ . وفي التنزيل العزيز : هو أَنشأَكم من الأَرض واسْتَعْمَرَكم فيها ، أَي أَذِن لكم في عِمارتها واستخراجِ قومِكم منها وجعَلَكم عُمَّارَها . والعُمْرة : مأَخوذة من الاعْتِمار وهو الزيارة » .
2 . أبرز استعمالات القرآن هذه المادة : العُمر ، والعُمرة ، وإعمار الأرض ، وإعمار مساجد الله ، ومن يحق له إعمار الكعبة ، وتوليها ، وفي مذهب أهل البيت عليهم السلام أن إبراهيم وذريته هم أولياء البيت وختامهم محمد وعترته صلى الله عليه وآله ، قال الله تعالى : وَإِذْ بَوَأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . فقوله تعالى « بوَّأنا » « أقوى من « ملَّكنا » . وقوله‌‌‌ « مكان البيت » أقوى من قوله « البيت » والمعنى : أنا جعلنا الكعبة ومحيطها له ولذريته عليهم السلام .
وقال تعالى : رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَوةَ .
وقال تعالى : وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ . وقال تعالى : مَا كَانَ للَّمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ .
ولذلك اعتبر أهل البيت أن بني شيبة المسيطرين على البيت غاصبون ، وأخبروا أن ولاية البيت ستعود لأهلها على يد المهدي عليه السلام .
عَمَقَ
قال تعالى : مِنْ كل فَجٍّ عَمِيقٍ « الحج : 27 » أي بعيد . وأصل العُمْقِ : البعد سُفْلاً ، يقال : بئر عَمِيقٌ ومَعِيقٌ : إذا كانت بعيدة القعر .
عَمِلَ - عملاً - عمالة - يَعْمُلَة - عوامل
العَمَلُ : كل فعل يكون من الحيوان بقصد ، فهو أخصُّ من الفعل ، لأن الفعل قد ينسب إلى الحيوانات التي يقع منها فعل بغير قصد ، وقد ينسب إلى الجمادات ، والعَمَلُ قلما ينسب إلى ذلك . ولم يستعمل العَمَلُ في الحيوانات إلا في قولهم : البقر العَوَامِلُ . والعَمَلُ : يستعمل في الأعمَالِ الصالحة والسيئة قال : إن الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحـاتِ « البقرة : 277 » وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ « النساء : 124 » مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ « النساء : 123 » وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ « التحريم : 11 » وأشباه ذلك : إنهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ « هود : 46 » وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ . وقوله تعالى : وَالْعامِلِينَ عَلَيْها « التوبة : 60 » : هم المتولون على الصدقة ، والعَمَالَةُ : أجرته . وعَامِلُ الرُّمْحِ : ما يلي السنان ، والْيَعْمُلَةُ : مشتقة من الْعَمَلِ .
ملاحظات
استعمل القرآن لفعل الإنسان : صَنَعَ ، بضع عشرة مرة . وفَعَلَ عشرات المرات ، وعَمِلَ وَكَسَبَ أكثر منهما . وحاول اللغويون التمييز بينها فجعل الراغب العَمَل فعل الحيوان بقصد ، فوسعه الى الحيوان لوصفهم البقر بالعَوَامِلُ ، وقالوا : اليعملة للناقة التي تحسن العمل . والصحيح أن الحيوان وسيلة لعمل الإنسان ، فنسبة العمل اليه مجاز .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 587 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ويبدو أن فَعَلَ إسمٌ لما يصدر عن الإنسان بإرادة ، ويشمل الخطأ بنحو من المجاز . والعمل فعل مركب من أفعال ، فالفعل يقال للبسيط والمركب ، والعمل أصله للمركب . أما صَنَعَ فهو عملٌ فيه عنصر الخطة والإبتكار . فالفعل أعم من العمل كما قال الراغب ، والصنع أخص منهما . والتعامل : الفعل مع طرف آخر ، وكذا المعاملة ، وروي : الدين المعاملة ، أي حسن المعاملة . أما الكسب فهو النتيجة النهائية للفعل والعمل ، والجزاء الإلهي يكون على العمل والكسب بالدرجة الأولى . وبحثه خارج عن غرضنا .
ويستعمل فعل عمل لازماً ومتعدياً . ويقال : عمل له ، وعمل فيه ، وعمل به ، وعمل منه ، وعمل عليه ، ومنه : العاملين عليها ، أي الزكاة أو الصدقات .
عَمَهَ - عمهاً - عامِه
الْعَمَهُ : التردُّدُ في الأمر من التحير . يقال : عَمَهَ فهو عَمِهٌ وعَامِهٌ ، وجمعه عُمْهٌ . قال تعالى : فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ « البقرة : 15 » وقال تعالى : زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ « النمل : 4 » .
عَمِيَ - أعمى - عمٍ - عميان - عَمَاء - عَمِيَّة - معامي - عمي عليه
العَمَى : يقال في افتقاد البصر والبصيرة ، ويقال في الأول أَعْمَى ، وفي الثاني أَعْمَى وعَمٍ . وعلى الأول قوله : أَنْ جـاءَهُ الأعمى « عبس : 2 » وعلى الثاني ما ورد من ذم العَمَى في القرآن نحو قوله : صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ « البقرة : 18 » وقوله : فَعَمُوا وَصَمُّوا « المائدة : 71 » بل لم يَعُدَّ افتقاد البصر في جنب افتقاد البصيرة عَمًى حتى قال : فَإنها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ « الحج : 46 » وعلى هذا قوله : الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي « الكهف : 101 » وقال : لَيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ « الفتح : 17 » .
وجمع أَعْمَى عُمْيٌ وعُمْيَانٌ ، قال تعالى : بُكْمٌ عُمْيٌ « البقرة : 171 » صُمًّا وَعُمْياناً « الفرقان : 73 » . وقوله : وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا « الإسراء : 72 » فالأول إسم الفاعل ، والثاني قيل هو مثله ، وقيل هو أفعل من كذا ، الذي للتفضيل لأن ذلك من فقدان البصيرة . ويصح أن يقال فيه : ما أفعله ، وهو أفعل من كذا . ومنهم من حمل قوله تعالى : وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى « الإسراء : 72 » على عمى البصيرة ، والثاني على عمى البصر . وإلى هذا ذهب أبو عمرو ، فأمال الأولى لما كان من عمى القلب ، وترك الإمالة في الثاني لما كان إسماً ، والإسم أبعد من الإمالة ، قال تعالى : قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى « فصلت : 44 » إنهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ « الأعراف : 64 » وقوله : وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى « طه : 124 » وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا « الإسراء : 97 » فيحتمل لعمى البصر والبصيرة جميعاً .
وَعَمِيَ عليه : أي اشتبه حتى صار بالإضافة إليه كالأعمى قال : فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ « القصص : 66 » وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ « هود : 28 » .
والعَمَاءُ : السحاب . والعَمَاءُ : الجهالة . وعلى الثاني حمل بعضهم ما روي أنه قيل : أين كان ربنا قبل أن خلق السماء والأرض؟ قال : في عماء تحته عماء وفوقه عماء . قال : إن ذلك إشارة إلى أن تلك حالة تُجهل ، ولايمكن الوقوف عليها . والعَميةُ : الجهل . والْمَعَامِي : الأغفال من الأرض التي لا أثر بها .
ملاحظات
كأن الراغب صحح الحديث الموضوع المعروف بحديث العَمَاء ، وراويه أعرابيٌّ غير موثق هو أبو رزين العقيلي ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 588 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
واستند اليه المجسمة كابن تيمية لإثبات أن الله تعالى جسمٌ موجود في مكان وجهة ! قال أبو رزين : « قلت يا رسول الله أين كان ربنا عز وجل قبل أن يخلق خلقه؟ قال : كان في عماء ، ما تحته هواء وما فوقه هواء ، ثم خلق عرشه على الماء » . « مسندأحمد : 4/11 » .
وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجة/17-181 . وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث/206 : « ونحن نقول إن حديث أبي رزين هذا مختلف فيه ، وقد جاء من غير ذا الوجه بألفاظ تستشنع أيضاً ، والنقلة له أعراب » ! « راجع : ألف سؤال وإشكال : 1/31 » .
عَنْ
عَنْ : يقتضي مجاوزة ما أضيف إليه ، تقول : حدثتك عن فلان ، وأطعمته عن جوع . قال أبو محمد البصري : عَنْ : يستعمل أعم من على لأنه يستعمل في الجهات الست ، ولذلك وقع موقع على في قول الشاعر :
ذا رَضِيَتْ عليَّ بَنُو قُشَيْرٍ .
قال : ولو قلت أطعمته على جوع وكسوته على عُرْيٍ ، لصح .
عِنَب - أعناب - عِنَبَة
العِنَبُ : يقال لثمرة الكرم ، وللكرم نفسه ، الواحدة عِنَبَةٌ ، وجمعه أَعْنَابٌ . قال تعالى : وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالأعنابِ « النحل : 67 » وقال تعالى : جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ « الإسراء : 91 » وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ « الرعد : 4 » حَدائِقَ وَأَعْناباً « النبأ : 32 » وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً « عبس : 28 » جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ « الكهف : 32 » . والْعِنَبَةُ : بَثْرَةٌ على هيئته .
عَنَتَ - عنتاً - معانتةً - أعنته - عنى - عنت الوجوه
المُعَانَتَةُ : كالمعاندة لكن المُعَانَتَةُ أبلغ لأنها معاندة فيها خوف وهلاك ، ولهذا يقال : عَنَتَ فلان : إذا وقع في أمر يخاف منه التلف ، يَعْنُتُ عَنَتاً . قال تعالى : لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ « النساء : 25 » وَدُّوا ما عَنِتُّمْ « آل عمران : 118 » عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ « التوبة : 128 » وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ أي ذلت وخضعت ، ويقال : أَعْنَتَهُ غيرُهُ . وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ « البقرة : 220 » . ويقال للعظم المجبور إذا أصابه ألم فَهَاضَهُ : قد أَعْنَتَهُ .
ملاحظات
فسر الراغب العَنَتَ بالعناد ، لأن عَنَتَ في ذهنه مثل عَنَدَ فالمعانتة عنده معاندة ! ثم جعل العناد مأخوذاً من كلمة عِنْدَ الظرفية كما يأتي ! وكلاهما لا يصح ، فالعنت المشقة لا العناد ، ولم يستعمل العرب المعانتة بمعنى المعاندة أبداً ، فلو قلت لهم : عانته ، لما فهموا منها عانده بل فهموا منها العانة ! فتفسير الراغب لعنت من اختراعاته !
قال الخليل « 2/72 » : « العنت : إدخال المشقة على إنسان . وتعنته تعنتاً ، أي سألته عن شئ أردت به اللبس عليه والمشقة . والعظم المجبور يصيبه شئ فيعنته إعناتاً » .
عَنَدَ - معاند - عنيد - عنود - معانَدَة
عِنْدَ : لفظ موضوع للقرب ، فتارة يستعمل في المكان ، وتارة في الإعتقاد ، نحو أن يقال : عِنْدِي كذا ، وتارة في الزلفى والمنزلة ، وعلى ذلك قوله : بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ « آل عمران : 169 » إن الَّذِينَ عِنْـدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ « الأعراف : 206 » فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْـلِ وَالنَّهارِ « فصلت : 38 » قالَتْ : رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ « التحريم : 11 » وعلى هذا النحو قيل : الملائكة المقربون عِنْدَ الله ، قال : وَما عِنْدَ الله خَيْـرٌ وَأَبْقى « الشوري : 36 » وقوله : وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ « الزخرف : 85 » وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ « الرعد : 43 » أي في حكمه ، وقوله : فَأُولئِكَ عِنْدَ الله هُمُ الْكاذِبُونَ « النور : 13 » وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ الله عَظِيمٌ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 589 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
« النور : 15 » وقوله تعالى : إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحق مِنْ عِنْدِكَ « الأنفال : 32 » فمعناه في حكمه .
والعَنِيدُ : المعجب بما عنده ، والمُعَانِدُ : المباهي بما عنده . قال : كل كَفَّارٍ عَنِيدٍ « ق : 24 » إنهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً « المدثر : 16 » .
والْعَنُودُ : قيل مثله ، قال : لكن بينهما فرق ، لأن العَنِيدَ الذي يُعَانِدُ ويخالف ، والْعَنُودُ الذي يَعْنُدُ عن القصد ، قال : ويقال : بعير عَنُودٌ ولا يقال عَنِيدٌ . وأما العُنَّدُ : فجمعُ عَانِدٍ . وجمع الْعَنُودِ : عَنَدَةٌ وجمعُ الْعَنِيدِ : عِنَدٌ .
وقال بعضهم : العُنُودُ : هو العدول عن الطريق لكن العَنُودُ خُصَّ بالعادل عن الطريق المحسوس ، والعَنِيدُ بالعادل عن الطريق في الحكم ، وعَنَدَ عن الطريق : عدل عنه . وقيل : عَانَدَ لَازَمَ ، وعَانَدَ فارَقَ ، وكلاهما من عَنَدَ ، لكن باعتبارين مختلفين كقولهم : البين في الوصل والهجر باعتبارين مختلفين .
ملاحظات
1 . جعل الراغب عِنْدَ التي هي ظرف مكان وزمان ، أصلاً اشتُقَّ منه العناد وفروعه ، وهذا يدل على ضعف حسه اللغوي ! قال : « والعَنِيدُ : المعجب بما عنده ، والمُعَانِدُ : المباهي بما عنده » والصحيح أن العناد أصل مستقل لاعلاقة له بعِنْدَ الظرفية . قال الخليل « 2/42 » : « عَنَدَ الرجل يَعْنَد عَنْداَ وعُنُوداً فهو عَانِدٌ وعَنِيدٌ : إذا طغى وعتى وجاوز قدره . ومنه المعاندة وهو أن يعرف الشئ ويأبى أن يقبله أو يقر به » .
2 . استعمل القرآن كلمة عنيد أربع مرات ، فقال تعالى في جَبَّاري قوم عاد : وَعَصَـوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ . وفي جَبَّاري قوم نوح وعاد وثمود : وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ . وفي الوليد بن المغيرة والد خالد : كَلا إِنَّهُ كَأن لآيَاتِنَا عَنِيدًا . وفي أمر للنبي صلى الله عليه وآله وعلي في المحشر أن يلقيا الجبارين في النار : أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ .
3 . لايصح قول الراغب : وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ : أي في حكمه . لأنه لامعنى للقول : إن علم الكتاب في حكم الله تعالى ، بل معناه شخص وهو علي عليه السلام كما قال تعالى في وصي سليمان عليه السلام : قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمُ من الْكِتابِ . فعلي عليه السلام عنده علم كل الكتاب . وقد ورد أن علم من الكتاب : بعض حروف الإسم الأعظم ، وعلم الكتاب : كل حروفه . وتفصيله في محله .
عَنَقَ - أعناق - أعْنَق - عَنَاق- عنقاء - اعتنق
العُنُقُ : الجارحة ، وجمعه أَعْنَاقٌ . قال تعالى : وَكل إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ « الإسراء : 13 » مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأعناقِ « صاد : 33 » إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ « غافر : 71 » وقوله تعالى : فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعناقِ « الأنفال : 12 » أي رؤوسهم . ومنه : رجل أَعْنَقُ : طويل العُنُقِ ، وامرأة عَنْقَاءُ ، وكلب أَعْنَقُ : في عنقه بياض ، وأَعْنَقْتُهُ كذا : جعلته في عنقه . ومنه استعير : اعْتَنَقَ الأمرَ ، وقيل لأشراف القوم : أَعْنَاقٌ . وعلى هذا قوله : فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ « الشعراء : 4 » .
وتَعَنَّقَ الأرنب : رفع عنقه . والعَنَاقُ : الأنثى من المعز . وعَنْقَاءُ مغربٍ ، قيل هو طائر متوهم لا وجود له في العالم .
عَنَى - معنى - عنوان - عنيَ - عانٍ
وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ « طه : 111 » أي خضعت مستأسرة بعناء ، يقال : عَنَيْتُهُ بكذا ، أي أنصبته . وعَنِيَ : نَصِبَ واستأسر ، ومنه العَانِي للأسير . وقال عليه الصلاة والسلام : إستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عَوَانٍ . وعُنِيَ بحاجته : فهو مَعْنِيٌّ بها . وقيل عُنِيَ فهو عَانٍ ، وقرئ : لكل امرئ منهم يومئذ شأن يُعْنِيهِ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 590 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والعَنِيَّةُ : شئ يطلى به البعير الأجرب ، وفي الأمثال : عَنِيَّةٌ تشفي الجرب . والمَعْنَى : إظهار ما تضمنه اللفظ ، من قولهم : عَنَتِ الأرض بالنبات : أنبتته حسناً . وعَنَتِ القربة : أظهرت ماءها ، ومنه عِنْوَانُ الكتابِ في قول من يجعله من عُنِيَ . والمَعْنَى : يقارن التفسير ، وإن كان بينهما فرق .
عَهَدَ - عهداً - عُهْدةً - معاهد - عهاد - معهود
العَهْدُ : حفظ الشئ ومراعاته حالاً بعد حال . وسميَ المَوْثِق الذي يلزم مراعاته عَهْداً ، قال : وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إن الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا « الإسراء : 34 » أي أوفوا بحفظ الأيمان ، قال : لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ « البقرة : 124 » أي لا أجعل عهدي لمن كان ظالماً ، قال : وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ الله « التوبة : 111 » .
وعَهِدَ فلان إلى فلان يَعْهَدُ : أي ألقى إليه العهد وأوصاه بحفظه . قال : وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ « طه : 115 » أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ « يس : 60 » الَّذِينَ قالُوا إن الله عَهِدَ إِلَيْنا « آل عمران : 183 » وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ « البقرة : 125 » . وعَهْدُ اللهِ : تارةً يكون بما ركزه في عقولنا . وتارةً يكون بما أمرنا به بالكتاب وبألْسنة رسله . وتارةً بما نلتزمه وليس بلازم في أصل الشرع كالنذور وما يجري مجراها . وعلى هذا قوله : وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ الله « التوبة : 75 » أَوَكلما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ « البقرة : 100 » وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا الله مِنْ قَبْلُ « الأحزاب : 15 » .
والمُعَاهَدُ : في عرف الشرع يختص بمن يدخل من الكفار في عَهْدِ المسلمين ، وكذلك ذو الْعَهْدِ . قال عليه السلام : لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عَهْدٍ في عَهْدِهِ . وباعتبار الحفظ قيل للوثيقة بين المتعاقدين : عُهْدَةٌ ، وقولهم : في هذا الأمر عُهْدَةٌ لما أمر به أن يستوثق منه ، وللتفقد قيل للمطر : عَهْدٌ ، وعِهَادٌ . وروضة مَعْهُودَةٌ : أصابها العِهَادُ .
ملاحظات
عَرَّفَ الراغب العهد بأنه : حفظ الشئ ومراعاته حالاً بعد حال . وهو خطأٌ لأن الحفظ والرعاية يكونان للعهد وغيره . بل العهد كما قال الخليل « 1/102 » : « الوصية والتقدم إلى صاحبك بشئ ، ومنه اشتق العهد الذي يُكتب للولاة ، ويجمع على عهود .
والعهد : الإلتقاء والإلمام يقال : ما لي عهد بكذا ، وإنه لقريب العهد به . والعهد : المنزل الذي لا يكاد القوم إذا انتأوا عنه رجعوا إليه . والمعهد : الموضع الذي كنت عهدته أو عهدت فيه هوى لك . والعهد من المطر . والعُهْدة : كتاب الشـراء وجمعه عُهَد . والتعاهد : الإحتفاظ بالشئ وإحداث العهد به » .
عَهَنَ - عواهن - عِهْن
العِهْنُ : الصوف المصبوغ . قال تعالى : كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ « القارعة : 5 » وتخصيص العِهْنِ لما فيه من اللون كما ذكر في قوله : فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ « الرحمن : 37 » . ورمى بالكلام على عَوَاهِنِهِ : أي أورده من غير فكر وروية ، وذلك كقولهم : أورد كلامه غير مفسر .
عَابَ - عَيْبَة - عبته - العيبة
العَيْبُ والعَابُ : الأمر الذي يصير به الشئ عَيْبَةً ، أي مقرّاً للنقص . وعِبْتُهُ : جعلته مَعِيباً إما بالفعل كما قال : فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها « الكهف : 79 » وإما بالقول ، وذلك إذا ذممته نحو قولك : عِبْتُ فلاناً . والْعَيْبَةُ : ما يستر فيه الشئ ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : الأنصار كرشي وعَيْبَتِي . أي موضع سري .
عَوَجَ - عاج - عوجاً - عِوَج - أعوجية
الْعَوْجُ : العطف عن حال الإنتصاب ، يقال : عُجْتُ البعير بزمامه ، وفلان ما يَعُوجُ عن شئ يهم به ، أي ما يرجع .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 591 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والعَوَجُ : يقال فيما يدرك بالبصر سهلاً ، كالخشب المنتصب ونحوه . والعِوَجُ : يقال فيما يدرك بالفكر والبصيرة ، كما يكون في أرض بسيط يعرف تفاوته بالبصيرة . والدين ، والمعاش ، قال تعالى : قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ « الزمر : 28 » .
وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجـاً « الكهف : 1 » . والَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَها عِوَجاً « الأعراف : 45 » .
والأعوَجُ : يكنى به عن سيئ الخلق . والأعوَجِيَّةُ : منسوبة إلى أَعْوَجَ ، وهو فحلٌ معروف .
ملاحظات
1 . أخذ الراغب تفسير العِوَج من ابن السكيت ، وتصرف في عبارته فعوجها ! قال الجوهري « 1/331 » : « قال ابن السكيت : وكل ما كان ينتصب كالحائط والعود قيل : فيه عَوَجٌ بالفتح . والعِوَجُ بالكسر ما كان في أرضٍ أو دِينٍ أو معاش ، يقال في دِينه عِوَجٌ » .
فالعوج عطف لما من شأنه أن ينتصب ، وليس للمعوج بعد انتصاب .
وقال الخليل « 2/184 » : « عِوج كل شئ : تعطفُه من قضيب وغير ذلك . وتقول : عُجْتُهُ أعُوجه عِوَجاً فانعاج » .
وقال ابن منظور « 2/331 » : « وهو بفتح العين مختص بكل شخص مَرْئيٍّ كالأَجسام . والعِوَجُ بكسر العين في الدِّين ، تقول : في دينه عِوَجٌ . وفي التنزيل : الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا » .
2 . استُعملَ العِوج في القرآن تسع مرات : خمسة منها في الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً . واثنتان في يوم المحشـر حيث يزيل الله الجبال من الأرض : فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا . لاتَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا . يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِىَ لا عِوَجَ لَهُ . واثنتان في نفي العوج عن القرآن : وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا . . قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍ .
عَوَدَ - عاد - عَوْداً - عادةٌ - عيد - عائدة - بعير عًوْدٌ
الْعَوْدُ : الرجوع إلى الشئ بعد الإنصراف عنه إما انصرافاً بالذات ، أو بالقول والعزيمة . قال تعالى : رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإنا ظالِمُونَ « المؤمنون : 107 » وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ « الأنعام : 28 » وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ « المائدة : 95 » وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ « الروم : 27 » وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيهـا خالِدُونَ « البقرة : 275 » وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا « الإسراء : 8 » وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ « الأنفال : 19 » أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا « الأعراف : 88 » فَإِنْ عُدْنا فَإنا ظالِمُونَ « المؤمنون : 107 » إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها « الأعراف : 89 » .
وقوله : وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا « المجادلة : 3 » فعند أهل الظاهر هوأن يقول للمرأة ذلك ثانياً ، فحينئذ يلزمه الكفارة . وقوله ثُمَّ يَعُودُونَ كقوله : فَإِنْ فاؤُا « البقرة : 226 » . وعند أبي حنيفة : العَوْدُ في الظِّهار هو أن يجامعها بعد أن يظاهر منها . وعند الشافعي : هو إمساكها بعد وقوع الظهار عليها مدة يمكنه أن يطلق فيها فلم يفعل ، وقال بعض المتأخرين : المظاهرة هي يمين نحو أن يقال : امرأتي عليَّ كظهر أمي إن فعلت كذا . فمتى فعل ذلك وحنثَ يلزمه من الكفارة ما بَيَّنَهُ تعالى في هذا المكان .
وقوله : ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا « المجادلة : 3 » يحمل على فعل ما حلف له أن لا يفعل ، وذلك كقولك : فلان حلف ثم عَادَ : إذا فعل ما حلف عليه . قال الأخفش : قوله لِما قالُوا متعلقٌ بقوله : فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ، وهذا يقوي القول الأخير . قال : ولزوم هذه الكفارة إذا حنث كلزوم الكفارة المبينة في الحلف بالله ، والحنث في قوله فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَسـاكِينَ « المــائدة : 89 »
وإعَادَةُ الشئ كالحديث وغيره تكريره . قال تعالى :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 592 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الأولى « طـه : 21 » أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ « الكهف : 20 » .
والعَادَةُ : إسم لتكرير الفعل والإنفعال حتى يصير ذلك سهلاً تعاطيه كالطبع ، ولذلك قيل : العَادَةُ طبيعة ثانية .
والعِيدُ : ما يُعَاوِدُ مرة بعد أخرى ، وخص في الشريعة بيوم الفطر ويوم النحر ، ولما كان ذلك اليوم مجعولاً للسّرور في الشريعة ، كما نبه النبي صلى الله عليه وآله بقوله : أيام أكلٍ وشربٍ وبِعَالٍ ، صار يستعمل العِيدُ في كل يوم فيه مسرة ، وعلى ذلك قوله تعالى : أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً « المائدة : 114 » .
والعِيدُ : كل حالة تُعَاوِدُ الإنسان . والعَائِدَةُ : كل نفع يرجع إلى الإنسان من شئ ما . والمَعادُ : يقال للعَوْد وللزمان الذي يَعُودُ فيه ، وقد يكون للمكان الذي يَعُودُ إليـه ، قـال تعالى : إن الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ « القصص : 85 » . قيل : أراد به مكة ، والصحيح ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام وذكره ابن عباس أن ذلك إشارة إلى الجنة التي خلقه فيها بالقوة في ظهرآدم ، وأظهر منه حيث قال : وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ . . الآية « الأعراف : 172 » .
والعَوْدُ : البعير المسن اعتباراً بِمُعَاوَدَتِهِ السير والعمل ، أو بِمُعَاوَدَةِ السنين إياه وعَوْدِ سنة بعد سنة عليه ، فعلى الأول يكون بمعنى الفاعل ، وعلى الثاني بمعنى المفعول . والعَوْدُ : الطريق القديم الذي يَعُودُ إليه السفر . ومن العَوْدِ : عِيَادَةُ المريض . والعِيدِيَّةُ : إبل منسوبة إلى فحل يقال له : عِيدٌ .
والْعُودُ : قيل هو في الأصل الخشب الذي من شأنه أن يَعُودُ إذا قطع ، وقد خص بالمزهر المعروف ، وبالذي يتبخر به .
عَوَذَ - عاذ - عياذاً - عُوذَة - عائذ
العَوْذُ : الإلتجاء إلى الغير والتعلق به . يقال : عَاذَ فلان بفلان ، ومنه قوله تعالى : أَعُوذُ بِالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ « البقرة : 67 » وَإني عُذْتُ بِرَبِي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ « الدخان : 20 » قُلْ أَعُوذُ بِرَبِ « الفلق : 1 » إني أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ « مريم : 18 » .
وأَعَذْتُهُ بالله أُعِيذُهُ : قال : إني أُعِيذُها بِكَ « آل عمران : 36 » وقوله : مَعاذَ الله « يوسف : 79 » أي نلتجئ إليه ونستنصر به أن نفعل ذلك ، فإن ذلك سوء نتحاشى من تعاطيه . والْعُوذَةُ : ما يُعَاذُ به من الشئ ، ومنه قيل للتميمة والرقية : عُوذَةٌ . وعَوَّذَهُ : إذا وقاه ، وكل أنثى وضعت فهي عَائِذٌ إلى سبعة أيام .
عَوَرَ - عوَّر- عَوَار- عائر - عارية - تعاور
العَوْرَةُ : سَوْأة الإنسان ، وذلك كناية ، وأصلها من العَارِ وذلك لما يلحق في ظهوره من العار أي المذمة ، ولذلك سمي النساء عَوْرَةً . ومن ذلك : العَوْرَاءُ للكلمة القبيحة . وعَوِرَتْ عينه عَوَراً ، وعَارَتْ عينه عَوَراً ، وعَوَرْتُهَا . وعنه اسْتُعِيرَ : عَوَّرْتُ البئر . وقيل للغراب : الأعوَرُ ، لحدة نظره ، وذلك على عكس المعنى ، ولذلك قال الشاعر :
وَصِحَاحُ العُيُونِ يُدْعَوْنَ عُوراً
والعَوارُ والعَوْرَةُ : شَقٌّ في الشئ كالثوب والبيت ونحوه . قال تعالى : إن بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ « الأحزاب : 13 » أي متخرقة ممكنة لمن أرادها ، ومنه قيل : فلان يحفظ عَوْرَتَهُ أي خلله .
وقوله : ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ « النور : 58 » أي نصف النهار وآخر الليل ، وبعد العشاء الآخرة . وقوله : الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ « النور : 31 » أي لم يبلغوا الحلم .
وسهم عَائِرٌ : لا يدرى من أين جاء . ولفلان عَائِرَةُ عين من المال ، أي ما يعور العين ويحيرها لكثرته . والمُعَاوَرَةُ :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 593 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قيل في معنى الإستعارة . والعَارِيَّةُ : فِعْلِيَّة من ذلك ، ولهذا يقال : تَعَاوَرَهُ العواري . وقال بعضهم هو من العَارِ ، لأن دفعها يورث المذمة والعَار َ ، كما قيل في المثل : إنه قيل لِلْعَارِيَّةِ أين تذهبين . فقالت : أجلب إلى أهلي مذمة وعَاراً ، وقيل : هذا لا يصح من حيث الإشتقاق ، فإن العَارِيَةَ من الواو بدلالة : تَعَاوَرْنَا ، والعار من الياء لقولهم : عيرته بكذا .
ملاحظات
1 . الظاهر أن عَوَرَ الأشياء مأخوذ من عَوَر العين وعُوَارها . وقول الراغب إنه من العار بعيد . خاصةً أن العار معتل بالياء لا بالواو .
2 . وردت المادة في القرآن ، في وصف الأطفال : والطفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ .
وفي أدبهم مع آبائهم وأمهاتهم : لِيَسْتَئْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ .
وفي الفارين في غزوة الخندق بحجة الخوف على بيوتهم من بني قريظة : وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِىَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا . روى العياشي في تفسيره « 2/103 » عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « كانت بيوتهم في أطراف البيوت حيث يتفرد الناس ، فأكذبهم الله وقال : وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ، إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا . وهي رفيعة السمك حصينة » .
قال الخليل « 2/237 » : « والعورة في الثغور والحروب والمساكن : خلل يتخوف منه القتل . وقوله عز وجل : إنَّ بيوتَنَا عَوْرة ، أي ليست بحريزة » .
عَيَرَ- عِير - عيار- عيرته - عيرت الدنانير
العِيرُ : القوم الذين معهم أحمال الميرة ، وذلك إسم للرجال والجمال الحاملة للميرة ، وإن كان قد يستعمل في كل واحد من دون الآخر . قال تعالى : وَلما فَصَلَتِ الْعِيرُ « يوسف : 94 » أَيَّتُهَا الْعِيرُ إنكُمْ لَسارِقُونَ « يوسف : 70 » وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها « يوسف : 82 » والْعَيْرُ : يقال للحمار الوحشي ، وللناشز على ظهر القدم ، ولإنسان العين ، ولما تحت غضـروف الأذن ، ولما يعلو الماء من الغثاء ، وللوتد ، ولحرف النصل في وسطه ، فإن يكن استعماله في كل ذلك صحيحاً ، ففي مناسبة بعضها لبعض منه تعسف . والْعِيَارُ : تقدير المكيال والميزان ، ومنه قيل : عَيَّرْتُ الدنانير . وعَيَّرْتُهُ : ذممته ، من العَارِ ، وقولهم : تَعَايَرَ بنو فلان ، قيل : معناه تذاكروا العَارَ . وقيل : تعاطوا الْعِيَارَةَ ، أي فِعْلَ العَيْرِ في الإنفلات والتخلية . ومنه : عَارَتِ الدابة تَعِيرُ إذا انفلتت ، وقيل : فلان عَيَّارٌ .
عَيَسَ - عيسى - عيس - عيساء
عِيسَى : إسم علم ، وإذا جعل عربيّاً أمكن أن يكون من قولهم : بعير أَعْيَسُ ، وناقة عَيْسَاءُ ، وجمعها عِيسٌ ، وهي إبل بيض يعتري بياضها ظلمة ، أو من الْعَيْسِ وهو ماء الفحل يقال : عَاسَهَا يَعِيسُهَا .
ملاحظات
عيسى إسم معرب ، وقد يكون أصله من البابلية التي هي جدة العربية والعبرية . وهو عيسو بن إبراهيم الخليل عليه السلام لأنه كان كثير شعر الرأس . قال في قاموس الكتاب المقدس/649 : « عيسو : إسم عبري معناه : شعر . ابن إسحاق ورفقة ، وتوأم يعقوب . « تك 25 : 21 » وسمي كذلك لأنه ولد أحمر كفروة شعر . « تك 25 : 25 » .
عَيَشَ - عاش - معيشة ً - عيشاً
العَيْشُ : الحياة المختصة بالحيوان ، وهو أخص من الحياة ، لأن الحياة تقال في الحيوان وفي الباري تعالى وفي الملَك ، ويشتق منه المَعِيشَةُ لما يُتَعَيَّشُ منه . قال تعالى : نَحْنُ قَسَمْنا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 594 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا « الزخرف : 32 » مَعِيشَةً ضَنْكاً « طه : 124 » لَكُمْ فِيها مَعايِشَ « الأعراف : 10 » وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ « الحجر : 20 » . وقال في أهل الجنة : فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ « القارعة : 7 » وقال عليه السلام : لا عَيْشَ إلّا عَيْشُ الآخرة .
عَوَقَ - عاق - اعتاق - عَوَّقه - عوقة - يعوق
العَائِقُ الصارف عما يراد من خير ، ومنه عَوَائِقُ الدهر ، يقال عَاقَهُ وعَوَّقَهُ واعْتَاقَهُ . قال تعالى : قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ « الأحزاب : 18 » أي المثبطين الصـارفين عن طريق الخير . ورجل عَوْقٌ وعَوْقَةٌ : يَعُوقُ الناسَ عن الخير . ويَعُوقُ إسم صنم .
ملاحظات
التعويق : الصرف والتثبيط عن الشئ سواء كان فعلاً أو تركاً ، خيراً أو شراً . فلا وجه لتخصيص الراغب له بأنه تعويق عن الخير ، فقد يكون تعويقاً عن الشر . ولعله اشتبه بسبب تفسير الخليل العُوقَة ، قال « 2/173 » : « ورجل عُوقَة : ذو تعويق وتربيث للناس عن الخير » . قال الجوهري « 4/1534 » : « عاقه عن كذا يعوقه واعتاقه ، أي حبسه وصرفه عنه . وعوائق الدهر : الشواغل من أحداثه . والتعوق : التثبط والتعويق : التثبيط » .
عَوَلَ - عالَ - أعال - عولاً - تعويل - عيال
عَالَهُ وغاله يتقاربان . العَوْلُ : يقال فيما يُهلك ، والعَوْلُ فيما يَثقل ، يقال : ما عَالَكَ فهو عَائِلٌ لي . ومنه الْعَوْلُ ، وهو ترك النَّصَفَة بأخذ الزيادة . قال تعالى : ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا « النساء : 3 » ومنه عَالَتِ الفريضة إذا زادت في القسمة المسماة لأصحابها بالنص .
والتعْوِيلُ : الإعتماد على الغير فيما يثقل ، ومنه : العَوْلُ وهو ما يثقل من المصيبة ، فيقال : ويله وعَوْلَهُ . ومنه : العِيَالُ ، الواحد عَيِّلٌ لما فيه من الثقل . وعَالَهُ : تحمل ثقل مؤنته ، ومنه قوله صلى الله عليه وآله : إبدأ بنفسك ثمّ بمن تَعُولُ . وأَعَالَ : إذا كثر عِيَالُهُ .
ملاحظات
قال الخليل « 2/248 » : « العَوْلُ : ارتفاع الحساب في الفرائض . والعالة : الفريضة . تعول عولاً . ويقال للفارض : أَعِلِ الفريضة . والعول : الميل في الحكم ، أي : الجور . والعَوْلُ : كل أمر عالك .
والعَوْلَةُ : من العويل : وهو البكاء . أعولت المرأة إعوالاً . وَعَوَّلْتُ عَليه : استعنت به ، ومعناه : صيرت أمري إليه .
والعَوْل : قوت العيال . هو يعولهم عولاً . والمِعْوَل : حديدة ينقر بها الجبال . ورجل مُعِيل ومُعْيِل : كثير العيال » .
عَيَلَ - عال - عيلة - عائل
قال تعالى : وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً « التوبة : 28 » أي فقراً . يقال : عَالَ الرجل : إذا افتقر يَعِيلُ عَيْلَةً فهو عَائِلٌ ، وأما أَعَالَ : إذا كثر عِيَالُهُ فمن بنات الواو ، وقوله : وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى ، أي أزال عنك فقر النفس وجعل لك الغنى الأكبر المعني بقوله عليه السلام : الغنى غنى النفس . وقيل : ما عَالَ مقتصد . وقيل : ووجدك فقيراً إلى رحمة الله وعفوه ، فأغناك بمغفرته لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر .
ملاحظات
لا موجب لتفسير الآية بغير ظاهرها ، فقد صلى الله عليه وآله كان عائلاً وأغناه الله تعالى بأموال خديجة ، كما أغناه معنوياً من جهات أخرى .
عَوَمَ - عام -سنة
العَامُ : كالسنة ، لكن كثيراً ما تستعمل السنة في الحول الذي يكون فيه الشدة أو الجدب . ولهذا يعبر عن الجدب بالسنة ، والْعَامُ بما فيه الرخاء والخصب ، قال : عامٌ فِيهِ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 595 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ « يوسف : 49 » وقوله : فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سنة إِلَّا خَمْسِينَ عاماً « العنكبوت : 14 » ففي كون المستثنى منه بالسنة والمستثنى بِالْعَامِ لطيفة موضعها فيما بعد هذا الكتاب إن شاء الله . والْعَوْمُ : السباحة ، وقيل : سمي السنة عَاماً لِعَوْمِ الشمس في جميع بروجها ، ويدل على معنى الْعَوْمِ قوله : وَكل فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ « الأنبياء : 33 » .
ملاحظات
السنة : مأخوذة من سَنَوَ بمعنى تغير ، فهي تلحظ سير الزمن . والعامُ : من عَوَمَ بمعنى المطر والشتاء ، فهو يلحظ الفصول . قال البغدادي في خزانة الأدب « 5/130 » : « السنة : من أي يوم عددته إلى مثله . والعام : لا يكون إلا شتاء وصيفاً » .
وقال الخليل « 2/268 » : « العام : حولٌ يأتي على شتوةٍ وصيفةٍ ، ألفها واو ويجمع على الأعوام . ورسم عامي أو حولي : أتى عليه عام » . لكن الشتوة والصيفة غير منضبطين ، فاستعملوا العام بمعنى الجدب . وقال ابن منظور « 12/433 » : « أَعامنا بَنُو فلان أَي أَخذوا حَلائِبَنا حتى بقينا عَيَامَى نشتهي اللبن ، وأَصابتنا سنة أَعامَتْنَا ، ومنه قالوا : عامٌ مُعِيمٌ شديد العَيْمةِ » .
أقول : لاحظ أن المدة المستثناة في قوله تعالى : فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سنة إِلَّا خَمْسِينَ عاماً . خمسون شَتْوَة وخمسون صَيْفَة ، فهي خمسون عاماً ، لكنها لا تبلغ خمسين سنة كاملة .
عَوَنَ - أعانه - عوناً - تعاون - استعان - عوان عانة
الْعَوْنُ : المُعَاوَنَةُ والمظاهرة ، يقال : فلان عَوْنِي أي مُعِينِي ، وقد أَعَنْتُهُ . قال تعالى : فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ « الكهف : 95 » وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ « الفرقان : 4 » . والتعَاوُنُ : التظاهر ، قال تعالى : وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ « المائدة : 2 » والْاستِعَانَةُ : طلب العَوْنِ . قال : إسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ « البقرة : 45 » . والعَوَانُ : المتوسط بين السنين ، وجعل كناية عن المسنة من النساء اعتباراً بنحو قول الشاعر :
فإن أتوكَ فقالوا إنها نَصَفٌ
فإنَّ أَمْثَلَ نِصْفَيْهَا الذي ذَهَبَا
قال : عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ « البقرة : 68 » واستعير للحرب التي قد تكررت وقَدِمَت . وقيل العَوَانَةُ للنخلة القديمة .
والعَانَةُ : قطيع من حمر الوحش ، وجمع على عَانَاتٍ وعُونٍ . وعَانَةُ الرجل : شعره النابت على فرجه ، وتصغيره : عُوَيْنَةٌ .
عَيَنَ - مَعِين - عانَ - عِينٌ - أعيان - عنته - حورٌ عين
العَيْنُ : الجارحة . قال تعالى : وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ « المائدة : 45 » لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ « يس : 66 » وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ « التوبة : 92 » قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ « القصص : 9 » كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها « طه : 40 » .
ويقال لذي العَيْنِ : عَيْنٌ ، وللمراعي للشئ : عَيْنٌ . وفلان بِعَيْنِي ، أي أحفظه وأراعيه كقولك : هو بمرأى مني ومسمع ، قال : فَإنكَ بِأَعْيُنِنا « الطور : 48 » وقال : تَجْرِي بِأَعْيُنِنا « القمر : 14 » وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا « هود : 37 » أي بحيث نرى ونحفظ . وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي « طــه : 39 » أي بكلاءتي وحفظي .
ومنه : عَيْنُ الله عليك : أي كنت في حفظ الله ورعايته ، وقيل : جعل ذلك حفظته وجنوده الذين يحفظونه ، وجمعه : أَعْيُنٌ وعُيُونٌ . قال تعالى : وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ « هود : 31 » رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ « الفرقان : 74 » .
ويستعار الْعَيْنُ لمعانٍ هي موجودة في الجارحة بنظرات مختلفة ، واستعير للثقب في المزادة تشبيهاً بها في الهيئة ، وفي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 596 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سيلان الماء منها فاشتق منها : سقاء عَيِّنٌ ومُتَعَيِّنٌ ، إذا سال منها الماء . وقولهم : عَيِّنْ قِربتك أي صُبَّ فيها ما ينسد بسيلانه آثار خرزه . وقيل للمتجسِّس عَيْنٌ : تشبيهاً بها في نظرها ، وذلك كما تسمى المرأة فرجاً ، والمركوب ظهراً ، فيقال : فلانٌ يملك كذا فرجاً وكذا ظهراً ، لما كان المقصود منهما العضوين . وقيل للذهب : عَيْنٌ تشبيهاً بها في كونها أفضل الجواهر ، كما أن هذه الجارحة أفضل الجوارح ، ومنه قيل : أَعْيَانُ القوم لأفاضلهم ، وأَعْيَانُ الإخوة لبني أب وأم .
قال بعضهم : الْعَيْنُ إذا استعمل في معنى ذات الشئ فيقال : كل ماله عَيْنٌ ، فكاستعمال الرقبة في المماليك ، وتسمية النساء بالفرج من حيث إنه هو المقصود منهن . ويقال لمنبع الماء : عَيْنٌ تشبيهاً بها لما فيها من الماء .
ومن عَيْنِ الماء اشتق ماء مَعِينٌ أي ظاهر للعيون ، وعَيِّنٌ أي سائل ، قال تعالى : عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا « الإنسان : 18 » وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً « القمــر : 12 » فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ « الرحمن : 50 » عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ « الرحمن : 66 » وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ « سبأ : 12 » فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ « الحجر : 45 » مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ « الشعراء : 57 » وجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ « الدخان : 25 » .
وعِنْتُ الرجل : أصبت عَيْنَهُ ، نحو رأسْتُه وفأدته . وعِنْتُهُ : أصبته بعيني ، نحو سِفْتُهُ : أصبته بسيفي ، وذلك أنه يجعل تارة من الجارحة المضروبة نحو رأسْتُه وفَأَدْتُه ، وتارة من الجارحة التي هي آلة في الضرب فيجري مجرى سِفْتُهُ ورَمَحْتُه ، وعلى نحوه في المعنيين قولهم : يَدَيْتُ ، فإنه يقال إذا أصبت يده ، وإذا أصبته بيدك .
وتقول : عِنْتُ البئر : أثرت عَيْنَ مائها . قال : إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ « المؤمنــون : 50 » فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ « الملك : 30 » . وقيل : الميم فيه أصلية ، وإنما هو من مَعَنْتُ . وتستعار العَيْنُ للميل في الميزان . ويقال لبقر الوحش : أَعْيَنُ وعَيْنَاءُ ، لحسن عينه ، وجمعها : عِينٌ ، وبها شبه النساء ، قال تعالى : قاصِراتُ الطرْفِ عِينٌ « الصافات : 48 » وَحُورٌ عِينٌ « الواقعة : 22 » .
عَيِيَ - إعياءً - عيٌّ - عَيِيٌّ - عياء
الإعيَاءُ : عجزٌ يلحق البدن من المشي . والْعِيُّ : عجز يلحق من تولى الأمر والكلام . قال : أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الأول « ق : 15 » وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَ « الأحقاف : 33 » . ومنه : عَيَّ في منطقه عَيّاً فهو عَيِيٌّ ، ورجل عَيَايَاءُ طباقاء : إذا عَيِيَ بالكلام والأمر . وداء عَيَاءٌ : لا دواء له . و الله أعلم .
تمَّ كتاب العين .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 597 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 598 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كتاب الغين وما يتصل بها

غ
يشمل 47 مفردة و 29 ملاحظة
غَبَرَ- غابر - غُبار - غَبَرة - غُبْرة- غَبراء
الْغَابِرُ : الماكث بعد مضيِّ ما هو معـه . قال : إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ « الشـعراء : 171 » يعني فيمن طـال أعمارهم ، وقيل : فيمن بقي ولم يسر مع لوط . وقيل : فيمن بقي بعده في العذاب . وفي آخر : إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ « العنكبوت : 33 » وفي آخر : قَدَّرْنا إنها لَمِنَ الْغابِرِينَ « الحجر : 60 » . ومنه الْغُبْرَةُ : البقية في الضرع من اللبن ، وجمعه : أَغْبَارٌ . وغُبْرُ الحيض ، وغُبْرُ الليل . والْغُبَارُ : ما يبقى من التراب المثار ، وجعل على بناء الدخان والعثار ونحوهما من البقايا . وقد غَبَرَ الغُبَارُ أي ارتفع . وقيل : يقال للماضي غَابِرٌ ، وللباقي غَابِرٌ ، فإن يك ذلك صحيحاً ، فإنما قيل للماضي غابر تصوراً بمضي الغُبَارِ عن الأرض ، وقيل للباقي غَابِرٌ تصوراً بتخلف الغُبَارِ عن الذي يعدو فيخلفه .
ومن الغُبَارِ اشتق الغَبَرَةُ : وهو ما يعلق بالشئ من الغُبَارِ وما كان على لونه ، قال : وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ « عبس : 40 » كناية عن تغيُّر الوجه للغم ، كقوله : ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا « النحل : 58 » يقال : غَبَرَ غَبْرَةً ، واغْبَرَّ ، واغْبَارَّ ، قال طرفة :
رأيت بني غَبْرَاءَ لا ينكرونني
أي بني المفازة المُغْبَرَّةِ ، وذلك كقولهم : بنو السبيل . وداهية غَبْرَاءُ : إما من قولهم غَبَرَ الشئ : وقع في الْغُبَارِ كأنها تُغَبِّرُ الإنسان ، أو من الغُبْرِ أي البقية . والمعنى داهية باقية لا تنقضي . أو من غُبْرَةِ اللون فهو كقولهم : داهية زبَّاء . أو من غُبْرَةِ اللبن فكلها الداهية التي إذا انقضت بقي لها أثر . أو من قولهم : عِرْقٌ غَبِرٌ ، أي ينتفض مرة بعد أخرى . وقد غَبِرَ العرق . والغُبَيْرَاءُ : نبت معروف ، وثمر على هيئته ولونه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 599 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ملاحظات
وردت هذه المادة في القرآن في قوله تعالى : وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ . وفي سبع آيات وصفاً لزوجة لوط بأنها كانت من الغابِرِينَ ، أي من الباقين في العذاب النازل . والغُبْرَةَ والغُبْر : بقية الحليب في الضرع . قال ابن منظور « 5/3 » : « وغُبْرُ كل شئ بقيَّته والجمع أَغبارٌ ، وهو الغُبَّرُ أَيضاً ، وقد غلب ذلك على بقيّة اللبن في الضرع » .
ويستعمل الغابر بمعنى الماضي وبمعنى المستقبل . قال الإمام الكاظم عليه السلام في رسالته لعلي بن سويد « الكافي : 8/125 » : « وسألت عن مبلغ علمنا وهو على ثلاثة وجوه : ماضٍ وغابرٌ وحادث . فأما الماضي فمفسر ، وأما الغابر فمزبور ، وأما الحادث فقذفٌ في القلوب ونقرٌ في الأسماع ، وهو أفضل علمنا ، ولا نبي بعد نبينا صلى الله عليه وآله » .
وقد أطال الراغب في تفسير الداهية الغبراء بدون طائل ! قال ابن فارس « 4/409 » : « غَبْرَاءُ : أي مظلمة مُشَبِّهَة لايُرى وجهُ المَأْتَى لها » .
غَبَنَ - غبناً - تغابن - مغابن
الغَبْنُ : أن تبخس صاحبك في معاملة بينك وبينه بضرب من الإخفاء ، فإن كان ذلك في مال يقال : غَبَنَ فلانٌ ، وإن كان في رأي يقال : غَبِنَ وغَبِنْتُ كذا غَبَناً ، إذا غفلت عنه فعددت ذلك غَبَناً .
ويوم التغَابُنِ : يوم القيامة لظهور الغَبْنِ في المبايعة ، المشار إليها بقوله : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ الله « البقرة : 207 » وبقوله : إن الله اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . . الآية . « التوبة : 111 » وبقوله : الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا « آل عمران : 77 » فعلموا أنهم غُبِنُوا فيما تركوا من المبايعة ، وفيما تعاطوه من ذلك جميعاً .
وسئل بعضهم عن يوم التغَابُنِ فقال : تبدوا الأشياء لهم بخلاف مقاديرهم في الدنيا . قال بعض المفسرين : أصل الْغُبْنِ إخفاء الشئ ، والْغَبَنُ بالفتح الموضع الذي يخفى فيه الشئ ، وأنشد :
ولم أر مثل الفتيان في غَبَن
الأيام ينسون ما عواقبها
وسُمِّي كل منثنٍ من الأعضاء كأصول الفخذين والمرافق مَغَابِنَ لاستتاره ، ويقال للمرأة : إنها طيبة المَغَابِنِ .
غَثَا - غثياناً - غُثاء
الغُثَاءُ : غُثَاءُ السيل والقِدْر ، وهو ما يطفح ويتفرق من النبات اليابس ، وزَبَد القدر ، ويضرب به المثل فيما يضيع ويذهب غير معتدٍّ به . ويقال : غَثَا الوادي غَثْواً . وغَثَتْ نفسُه تَغْثِي غَثَيَاناً : خبثت .
ملاحظات
قال الله تعالى : وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى . فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى . وقال : فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا للَّقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وغُثَاءُ السَّيْل : كما قال ابن منظور « 15/16 » : « ما يجئ فوقَ السيلِ مما يَحْمِلُه من الزَّبَدِ والوَسَخِ وغيره » .
والغَثَيَان : اضطراب النفس حتى تكاد تتقيأ تشبيهاً بغثاء الوادي ، واستعير للإشمئزاز من الآخر .
غَدَرَ - غادر - غُدران - غديرة
الغَدْرُ : الإخلال بالشئ وتركه ، والْغَدْرُ : يقال لترك العهد ، ومنه قيل فلان غَادِرٌ ، وجمعه غَدَرَة ٌ . وغَدَّارٌ كثير الْغَدْرِ . والْأَغْدَرُ والْغَدِيرُ : الماء الذي يُغَادِرُهُ السيل في مستنقع ينتهي إليه ، وجمعه غُدُرٌ وغُدْرَانٌ ، واسْتَغْدَرَ الْغَدِيرُ : صار فيه الماء .
والْغَدِيرَةُ : الشعر الذي ترك حتى طال وجمعها غَدَائِرُ . وغَادَرَهُ تركه ، قال تعالى : لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 600 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إِلَّا أَحْصاها « الكهـف : 49 » وقال : فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً « الكهف : 47 » .
وغَدِرَتِ الشاة : تخلفت فهي غَدِرَةٌ . وقيل للجحرة واللخافيق التي يُغَادِرُهَا البعير والفرس غائراً : غَدَرٌ . ومنه قيل : ما أثبت غَدَرُ هذا الفرس ، ثم جعل مثلاً لمن له ثبات ، فقيل : ما أثبت غَدَرُهُ .
ملاحظات
جعل الراغب الغَدْر أصل المادة وعَرَّفه بأنه : « الإخلال بالشئ ، وتركه يقال لترك العهد » . وهو تعريف يخفف من معنى الغدر ، لأن الغدر يتضمن الخيانة وإيذاء المغدور ، فهو نقض عملي لعهد متفق عليه مع المغدور ، أو متفق عليه في الشرع أو العرف .
فلا يكفي تعريفه بالإخلال بالشئ وتركه . على أن المذكور في القرآن غَادَرَ وهو بمعنى ترك وذهب ، وقولهم إنه مشتق من الغدر غير مقنع . والمختار لنا أن المغادرة أصل مستقل لا صلة له بالغَدْر .
كما أن تعريفه للغدير بأنه الماء خطأ ، بل هو إسم لمكان الماء ، لأنه يقال ماء الغدير .
غَدَقَ - غدقاً - غيداق
قال تعالى : لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً « الجن : 16 » أي غزيراً ، ومنه غَدِقَتْ عينه تَغْدَقُ . والغَيْدَاقُ يقال فيما يغزر من ماءٍ وعَدُوٍّ ونُطق .
ملاحظات
الماء الغَدَق : الكثير الغزير العذب ، ويكنى به عن النعمة والمعيشة المرفهة ، لكن الراغب فسره بالغزير فقط ، وهو جزء معناه . قال الخليل « 4/353 » : « وقوله تعالى : لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا ، أي فتحنا عليهم أبواب المعيشة لنختبرهم بالشكر . ومطر مُغْدَوْدق أي كثير » . وقال ابن فارس « 4/415 » : « غَدَقَ : يدل على غزر وكثرة ونعمة . والغدق والغيداق : الناعم » .
غَدَا - غدواً - غادية - غَداء - غَد - غداة
الْغُدْوَةُ والغَدَاةُ : من أول النهار ، وقوبل في القرآن الغُدُوُّ بالآصال نحو قوله : بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ « الأعراف : 205 » وقوبل الغَدَاةُ بالعشيّ ، قال : بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ « الأنعام : 52 » غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ « سبأ : 12 » .
والْغَادِيَةُ السحاب ينشأ غُدْوَةً . والغَدَاءُ طعام يتناول في ذلك الوقت ، وقد غَدَوْتُ أَغْدُو ، قال : أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ « القلم : 22 » . وغَدٌ : يقال لليوم الذي يلي يومك الذي أنت فيه ، قال : سَيَعْلَمُونَ غَداً « القمر : 26 » ونحوه .
غَرَرَ- غِرَّة - غُرَّة - غَرور - غُرر - غِرار
يقال : غَررْتُ فلاناً : أصبت غِرَّتَهُ ونلت منه ما أريده . والغِرَّةُ : غفلة في اليقظة . والْغِرَارُ : غفلة مع غفوة ، وأصل ذلك من الْغُرِّ وهو الأثر الظاهر من الشئ ، ومنه غُرَّةُ الفرس . وغِرَارُ السيف أي حده . وغَرُّ الثوب أثر كسره ، وقيل : إطوه على غَرِّهِ . وغَرَّهُ كذا غُرُوراً ، كأنما طواه على غَرِّهِ .
قال تعالى : ماغرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ « الإنفطار : 6 » لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ « آل عمران : 196 » وقال : وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً « النساء : 120 » وقال : بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً « فاطر : 40 » وقال : يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً « الأنعام : 112 » وقال : وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ « آل عمران : 185 » وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا « الأنعام : 70 » ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً « الأحزاب : 12 » وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِالله الْغَرُورُ « لقمان : 33 » .
فَالْغَرُورُ : كل ما يَغُرُّ الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان . وقد فسر بالشيطان إذ هو أخبث الْغَارِّينَ ، وبالدنيا لما قيل : الدنيا تَغُرُّ وَتَضُرُّ وَتَمُرّ . والْغَرَرُ : الخطر ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 601 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وهو من الْغَرِّ . ونهى عن بيع الْغَرَرِ . والْغَرِيرُ : الخلق الحسن ، اعتباراً بأنه يَغُرُّ . وقيل : فلان أدبر غَرِيرُهُ وأقبل هريرُه . فباعتبار غُرَّةِ الفرس وشهرته بها قيل : فلان أَغَرُّ إذا كان مشهوراً كريماً .
وقيل : الْغُرَرُ لثلاث ليال من أول الشهر ، لكون ذلك منه كالْغُرَّةِ من الفرس . وغِرَارُ السّيفِ : حده . والْغِرَارُ : لَبَنٌ قليل . وغَارَتِ الناقةُ : قَلَّ لبنها بعد أن ظُنَّ أن لا يقل فكأنها غَرَّتْ صاحبها .
ملاحظات
لم يجذر الراغب المادة كعادته ، لأنها لايمكن إرجاع فروعها الى أصل واحد ، فالغِرة بكسرالغين وضمها غيرالغُرور وغير الغَرر . . الخ . وقد أخطأ في تفسيره بعض مفردات المادة ، منها تفسيره الغرر بالخطر ، وتعليله إسم الغرير بأنه يغرُّ غيره ، وتفسيره غارت الناقة وقلَّ لبنها بغَرَّت صاحبها . مع أنه من غار الماء أي نَضُب وهو من الغَوْر وليس من غَرَّ . ولانتوسع في المادة لأن معناها القرآني واضح .
غَرَبَ- مغرب - مُغيربان - غراب - غارب - عنقاء مُغرب
الْغَرْبُ : غيبوبة الشمس ، يقال : غَرَبَتْ تَغْرُبُ غَرْباً وغُرُوباً . ومَغْرِبُ الشمس ومُغَيْربَانُهَا . قال تعالى : رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ « الشعراء : 28 » رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ « الرحمن : 17 » بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ « المعارج : 40 » . وقد تقدم الكلام في ذكرهما مثنيين ومجموعين . وقال : لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ « النـور : 35 » وقال : حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ « الكهف : 86 » . وقيل لكل متباعد غَرِيبٌ ، ولكل شئ فيما بين جنسه عديم النظير : غَرِيبٌ . وعلى هذا قوله عليه الصلاة والسلام : بدأ الإسلام غَرِيباً وسيعود كما بدأ . وقيل : العلماء غُرَبَاءُ ، لقلتهم فيما بين الجهال .
والغُرَابُ : سمي لكونه مبعداً في الذهاب ، قال تعالى : فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ « المائدة : 31 » . وغَارِبُ السنام لبعده عن المنال . وغَرْبُ السيف : لِغُرُوبِهِ في الضريبة ، وهو مصدر في معنى الفاعل ، وشبه به حد اللسان كتشبيه اللسان بالسيف فقيل : فلان غَرْبُ اللسان . وسمي الدلو غَرْباً لتصور بعدها في البئر . وأَغْرَبَ الساقي : تناول الْغَرْبَ .
والْغَرْبُ : الذهب لكونه غَرِيباً فيما بين الجواهر الأرضية ، ومنه : سهم غَرْبٌ : لا يدرى من رماه . ومنه نظر غَرْبٌ : ليس بقاصد . والْغَرَبُ : شجر لا يثمر لتباعده من الثمرات .
وعنقاء مُغْرِبٌ ، وصف بذلك لأنه يقال : كان طيراً تناول جارية فَأَغْرَبَ بها ، يقال عنقاءُ مُغْرِبٌ وعنقاء مُغْرِبٍ بالإضافة . والْغُرَابَانِ : نقرتان عند صلوي العجز ، تشبيهاً بِالْغُرَابِ في الهيئة . والمُغْرِبُ : الأبيض الأشفار ، كأنما أَغْرَبَتْ عينُهُ في ذلك البياض . وَغَرابِيبُ سُودٌ « فاطر : 27 » قيل جَمْعُ غِرْبِيبٍ ، وهو المُشْبِهُ لِلْغُرَابِ في السواد كقولك : أسود كحلك الْغُرَابِ .
ملاحظات
1 . لم يستوف الراغب آيات المادة ، ويأتي في مواد أخرى بعض مواردها . قال الخليل « 4/410 » : « الغروب : غيبوبة الشمس . ويقال : لقيته عند مُغَيربان الشمس . وقوله تعالى : رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ، الأول أقصى ما تنتهي إليه الشمس في الصيف ، والآخر أقصى ما تنتهي إليه في الشتاء ، وبين الأقصى ما تنتهي إليه الشمس في الصيف ، والآخر أقصى ما تنتهي إليه في الشتاء ، وبين الأقصى والأدنى مائة وثمانون مغرباً . قال الله : رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ . وقال : فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِب » .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 602 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال الخليل « 4 /44و5/45 » : « والنهار : ضياء ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، لا يجمع . والشفق : الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء » .
2 . قال تعالى : حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا . وقد أكثر المفسرون الكلام في تفسير العين الحمئة ، وليس في أقوالهم ما يقنع العقل ، مما يفتح الباب لاحتمال أن يكون قوله تعالى : وَجَدَهَا تَغْرُبُ أنه رآها في ظاهر الأمر وفي تصوره أنها تغرب كذلك . كما كثرت أقوالهم في يأجوج ومأجوج وليس فيها ما يقنع ، مما يفتح الباب للقول إنهم في كوكب آخر ، وكانوا ينزلون الى الأرض ويؤذون الناس ، حتى منعهم السد الذي بناه ذو القرنين . ويؤيد ذلك ما روي أن يأجوج ومأجوج ليسوا من ذرية آدم عليه السلام وأنهم ينزلون من حدب ولعله من السماء ، وأنهم أكثر خلق الله تعالى بعد الملائكة .
3 . قال تعالى : وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا . وقال المؤرخون إنهم ملكوا بلاد الشام ومصر ، فكيف قال : مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا؟ وقد روى في الخصال/248 ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « إن الله تبارك وتعالى لم يبعث الأنبياء ملوكاً في الأرض إلا أربعة بعد نوح : ذو القرنين واسمه عياش وداود وسليمان ويوسف عليهم السلام . فأما عياش فملك ما بين المشرق والمغرب ، وأما داود فملك ما بين الشامات إلى بلاد إصطخر ، وكذلك كان ملك سليمان ، وأما يوسف فملك مصر وبراريها ، لم يجاوزها إلى غيرها » .
فالمقصود بمشارق الأرض خصوص تلك التي بارك فيها لكل العالمين ، وهي أرض الشام وفلسطين التي قال الله تعالى عنها : وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا للَّعَالَمِينَ . وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِى بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا . وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً . وفي مقابل هذه المشارق الخاصة ورد الحديث عن مشارق الأرض ومغاربها جميعاً كقوله صلى الله عليه وآله الذي رووه : « قال لي جبريل عليه السلام : لم أجد في مشارق الأرض ومغاربها أفضل من بني هاشم » . « مجموع النووي : 16/188 » .
%D