الماء الجاري في غسل البخاري

--------------------------- الغلاف 1 ---------------------------
الماء الجاري
في غسل البخاري
علي الكوراني العاملي
--------------------------- 1 ---------------------------
الماء الجاري في غسل البخاري
علي الكوراني العاملي
1440 - 2018
--------------------------- 2 ---------------------------
الماء الجاري
في غسل البخاري
المؤلف : علي الكوراني
الناشر : نور علي نور قم المقدسة
الطبعة : الأولى
تاريخ النشر : 1440 ه‍ ق October 2018
المطبعة : باقري - قم المقدسة
عدد المطبوع : 3000 نسخة
شابك : 5 - 47 - 8016 - 964 - 978
مركز النشر والتوزيع :
إيران - قم المقدسة - شارع مصلى القدس - رقم الدار : 682 . ص - ب : 158 - 37156 تلفون : 2532926175 ( 0 ) 0098
جميع الحقوق محفوظة ومسجلة للمؤلف
سرشناسه ، كورانى ، على ، 1944 - م . Kurani , Ali / عنوان ونام پديدآور : الماء الجاري في غسل البخاري / علي الكوراني العاملي .
مشخصات نشر : قم : نور على نور ، 1397 . مشخصات ظاهري : 272 ص . شابك : 9789648016475 - وضعيت فهرست نويسى : فيپا
يادداشت : عربى ، موضوع : بخارى ، محمد بن إسماعيل ، 194 - 256 ق . - نقد وتفسير
موضوع : خاندان نوبت - ديدگاه أهل سنت / موضوع : Muhammad , Prophet , d 632 - Family - views of Sunnites
موضوع : قرآن - دفاعيه ها ورديه ها / موضوع : Quran - Apologetic works / موضوع : خلفاى راشدين - أحاديث أهل سنت
موضوع : Caliphs , Orthodox - Hadiths ( Sunnite ) / موضوع : امويان - تاريخ / موضوع : Umayyad dynasty - History
رده بندى كنگره : 119 BP / ب 3 ك 9 1397 - رده بندى ديويى : 297 / 352 - شماره كتابشناسى ملى : 5380260
--------------------------- 3 ---------------------------

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا ونبينا محمد
وآله الطيبين الطاهرين .
1 . تقرأ عن محمد بن إسماعيل البخاري فيعجبك أنه يتيم عصامي ، نشأ في بخارى ثم جاءت به أمه وأخوه إلى مكة وتركوه فيها ابن اثنتي عشرة سنة ، فكان يعمل لمعيشته ويطلب العلم ست سنين ، ثم عاش مثلها في المدينة ، ثم تنقل في البصرة والكوفة وغيرها ، وكان يسكن في محلات البخاريين .
ثم رجع إلى بلده بخارى وهو في الثلاثينات ، وكان يملي الحديث على الناس ، وبدأ بتأليف كتابه الجامع الصحيح . وقال الإمام مسلمة بن قاسم الأندلسي إنه سرق كتاب العلل للمديني ، ومنه ألف كتابه !
2 . في تلك الفترة كان المأمون يمتحن القضاة والفقهاء والمحدثين في خلق القرآن ، فقد رأى نفوذهم الكبير في الناس ، وحقد عليهم أنهم أفتوا لأخيه الأمين بخلعه وساعدوه على حربه ، فأراد ضرب نفوذهم ، فوجد بعضهم يقول بقدم القرآن لأنه كلام الله ، فجعل هذه المقولة سيفاً عليهم ، وأمر بامتحانهم واحداً واحداً ، فمن قال إن القرآن قديم غيرمخلوق فهومشرك يتخذ مع الله شريكاً ، ولايستخدم في الدولة ، ويستتاب ، وقد يقتل .
--------------------------- 4 ---------------------------
في تلك الفترة لم يكن البخاري معروفاً ، فلم يحضروه للإمتحان ، وبعد أربع سنوات من بدء الامتحان مات المأمون ، فتابع أخوه المعتصم ، ثم ولده الواثق سياسته ، وواصلا امتحان العلماء ، حتى جاء المتوكل فأدان موقف أخيه الواثق وأبيه المعتصم وعمه المأمون ، وجعل الامتحان بالعكس ، فمن قال بخلق القرآن يمنع من الوظيفة ، وقد يقتل .
3 . برز في زمن المتوكل أحمد بن حنبل ، لأن المتوكل قال له : يا أحمد إني أريد أن أجعلك بيني وبين الله حجة ، وكان لا ينصب قاضياً ولا شيخاً إلا برأي أحمد ، فصار بيت أحمد محجاً لهم ، وكان ينفق عليهم من أموال المتوكل .
وقد حمل البخاري ما كتبه من صحيحه إلى بغداد ، وعرضه على أحمد فأعجبه وأكرمه ، ثم زاره ثمان مرات كما قال ، ثم جاء إلى بغداد في آخر حياة أحمد ، لكن علاقته معه خربت ، لأنه تأثر بالكرابيسي فقال : لفظي بالقرآن مخلوق ، لأن أفعالنا مخلوقة وتلاوتنا من أفعالنا ، فحكم عليه أحمد وعلى الكرابيسي وجماعته بالضلال والكفر ، وأنهم شر من الجهمية !
وتوفي أحمد ، وتابع موقفه خليفته أبوبكرالمروذي وجماعته ، وشددوا على الكرابيسي ، فاضطر البخاري أن يغادر بغداد إلى نيشابور ، فكتبوا إلى إمامها محمد بن يحيى الهذلي أن يمنعه من التحديث فمنعه وضيق عليه ، فغادرها إلى الري فعاداه جماعة أحمد وطردوه ، فذهب إلى بخارى ، فكتبوا إلى واليها أن يحضره ويمتحنه ويقتله إن ثبت عليه القول بخلق القرآن ، فبعث في إحضاره فهرب من بخارى قاصداً سمرقند ، وفي الطريق عرف أنهم أرسلوا إلى واليها أن يمتحنه ، فذهب إلى قرية خرتنك التي له فيها أقارب ، وبقي فيها مدة يسيرة وكان يعيش أزمة نفسية حادة من ظلم أتباع أحمد ، والخليفة المعتمد ! ومات في أوج ظلمهم له ، وأزمته منهم !
4 . مات البخاري مطارداً ، محكوماً عليه بالكفر ، لكن الخلافة تبنت كتابه لأنه مؤلف بتوصيتها ، بتوجيه ابن حنبل المرجع المرضي عند المتوكل ! ففيه كل المواصفات المطلوبة ، من الطعن الخفي بأهل البيت عليهم السلام ، وتقديس الشيخين ، والدفاع عن بني أمية ،
--------------------------- 5 ---------------------------
والتجسيم ! وبعد وفاة البخاري بحثوا عن نسخته فوجدوا مسودة ناقصة عند تلميذه الشاب الفربري .
قال في مقدمة فتح الباري / 6 : ( إبراهيم بن أحمد المستملي قال : انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري ، فرأيت فيه أشياء لم تتم ، وأشياء مبيضة ، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئاً ، ومنها أحاديث لم يترجم لها ، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض ! ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملي ، ورواية أبي محمد السرخسي ، ورواية أبي الهيثم الكشمهيني ، ورواية أبي زيد المروزي ، مختلفة بالتقديم والتأخير مع أنهم انتسخوا من أصل واحد ! وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة ، أنه من موضع ما ، فأضافه إليه ! ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث ) !
والطرة : ورقة طويلة كالطومار ، والرقعة : ورقة عادية .
5 . نقد علماؤنا روايات البخاري ومؤلفها من قديم ، ولعل أشهر من كتب في الموضوع العلامة الباحث السيد ميرحامد الحسيني قدس سره ، فقد تضمن كتابه عبقات الأنوار ، نقوداً بليغة للبخاري .
ثم كتب بأوفى منه مرجع الطائفة شيخ الشريعة الأصفهاني قدس سره ( 1266 - 1339 ه‍ ) كتابه : القول الصراح في نقد البخاري والصحاح ، طبع في قم ، وهو من أجل الكتب في الموضوع . ثم كتب الأميني صاحب الغدير رحمه الله نقوداً مهمة عليه في كتابه .
ثم وجه الشيخ محمود أبو رية ، من علماء الأزهر نقوداً للبخاري في كتابه : أضواء على السنة المحمدية .
ثم كتب الشيخ محمد صادق النجمي : أضواء على الصحيحين ، طبع في قم .
ثم كتب الشيخ حسين غيب الهرساوي رسالتين : الإمام البخاري وفقه أهل العراق والبخاري وصحيحه ، كشف فيهما أوجهاً من ضعفه العلمي وتعصبه ، طبعتا في قم .
وكتب آية الله السيد علي الميلاني : الصحيحان في الميزان ، نقد فيه الكتابين ومؤلفيهما بنقد
--------------------------- 6 ---------------------------
مجموعة أحاديث رووها ، فأورد عليها إشكالات علمية .
هذا مضافاً إلى عشرات الكتب في نقد البخاري من عصره إلى عصرنا ، من علماء وباحثين سنة وشيعة ، ومنها كتب لأزهريين وأساتذة أكاديميين ، وبعضهم وصف البخاري بالأسطورة وبالصنم . . الخ .
6 . سميتُ الكتاب : الماء الجاري في غسل البخاري ، وقمت فيه بعملين :
أولهما : بلورة أهم النقود الموجههة للبخاري وتلخيصها ، وقد أنصفته في محنته . وكشفت حقائق جديدة حولها ، منها لعبة المأمون في الامتحان بخلق القرآن ، وتكفيره من قال إن القرآن غير مخلوق ، فوقع فيها جماعة من علماء المذاهب .
ثم كيف حوَّلها المتوكل إلى امتحان بالعكس ، فكفَّر من قال بخلق القرآن ، ووقع البخاري في امتحانه ، فكفره أحمد وجماعته وأرادوا قتله ، فهرب في البلاد حتى مات .
والعمل الثاني : كشفت الجديد في عمل البخاري في كتابه ، وخبثه في اختيار أحاديث وإخفاء غيرها ، وحشده أقواله وأقوالاً تؤيد أفكاره لاسند شرعياً لها ، فبلغت مع عناوينه نصف الكتاب ، وتفننه في الطعن بأهل البيت المطهرين صلوات الله عليهم . وتفننه في الغلو وإخفاء الضعف في الشيخين وبنتيهما ، ثم في الدفاع بالباطل عن بني أمية ، وأتباع السلطة من أعداء أهل البيت عليهم السلام .
ثم ختمته بتنظير البخاري لمذهب كعب الأحبار اليهودي في التنقيص من قدر الله سبحانه وتعالى وتجسيمه ، فنسب اليه الظلم والعبث ، ووصفه بالجسم الخاضع لقوانين الزمان والمكان ونواميس الطبيعة ، كأي مخلوق ، تعالى الله عما يصفون !
أملي أن يكون الكتاب على صغر حجمه وافياً بالموضوع ، كاشفاً لحقائق وأفكار لم تظهر من قبل ، والله ولي التوفيق .
كتبه : علي الكوراني العاملي
بقم المشرفة في محرم الحرام 1440 هجرية
--------------------------- 7 ---------------------------

الفصل الأول : البخاري وفتنة المأمون بخلق القرآن

امتحن المأمون العلماء بخلق القرآن عشرين سنة

روينا عن الإمام الرضا عليه السلام أن المأمون كان ملحداً لا يؤمن بالله تعالى ، لكنه كان يحفظ ظاهر إسلامه ، وكان يتبنى التشيع والقول بوصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام بالخلافة ، ويناظر بذلك العلماء ، ليغيض بني العباس ، لأنهم عزلوه عن ولاية العهد ، فكوَّن جيشاً بمساعدة أخواله الفرس وحارب أخاه الأمين وانتصرعليه وقتله ! ثم أجبرالإمام الرضا عليه السلام على قبول ولاية عهده ، ليخوف العباسيين بأنه سينقل الخلافة إلى بني علي عليه السلام .
وبعد سنتين تصالح مع العباسيين ، فقام بقتل الإمام الرضا عليه السلام وعاد إلى بغداد ، خليفة منتصراً على العباسيين وفقهائهم ، فخضعوا له !
كما كان المأمون عدواً لدوداً للأمويين ، وعقيدتهم في التشبيه والتجسيم ، فكتب منشور براءة من معاوية أثبت كفره ، لكنه أخر نشره ، ونشروه بعده .
ولما رجع إلى بغداد وجد أن الفقهاء والمحدثين الذين أيدوا أخاه الأمين ، يقولون بقدم القرآن ، وأنه كلام الله غيرمخلوق لأنه صفة ذاتية لله ، أو لأنه جزء من ذات الله عند من يقول إن الله تعالى وجود مركب ، فاتخذها حجة للانتقام منهم ، ورفع شعار أن القول بقدم القرآن شرك بالله تعالى ، لأنه يعني وجود شئ قديم مع الله تعالى قبل الخلق . فأمر بامتحان المشايخ ، فمن قال إن القرآن مخلوق شغَّله في وظائف الدولة ومن قال غيرمخلوق حبسه وحرمه ، أو قتله !
--------------------------- 8 ---------------------------
ودام هذا الامتحان بضع عشرة سنة ، لأن المأمون بدأ بتنفيذه سنة 218 ، لما كان بطرطوس ، ثم تبناه المعتصم والواثق ، إلى أن ألغاه المتوكل سنة 232 .
وهو امتحان خبيث بأمر مبهم ، يمكن معه الحكم على من يجيب بالنفي أو بالإثبات ! فقد أجاب بعضهم في زمن المأمون بأن القرآن قديم فقيل له أنت كافر تجعل مع الله شريكاً ! وأجاب بعضهم في زمن المتوكل بأن القرآن مخلوق فقيل له تقول إن كلام الله مختلق ، أو تقول إن الله مخلوق ، لأن كلامه منه !
فكانت مادة امتحان المأمون ، نفسها مادة امتحان المتوكل المعاكس !
قال اليعقوبي ( 2 / 467 ) : ( وصار المأمون إلى دمشق سنة 218 ، وامتحن الناس في العدل والتوحيد ، وكتب في إشخاص الفقهاء من العراق وغيرها ، فامتحنهم في خلق القرآن ، وأكفر من امتنع أن يقول القرآن غير مخلوق ، وكتب أن لا تقبل شهادته ، فقال كل بذلك ، إلا نفراً يسيراً ) .
وقد روى الطبري ( 7 / 197 ) قصة امتحان المأمون للفقهاء والمحدثين ، وفيها رسائله من سوريا إلى صاحب شرطته في بغداد ، ونورد منها فقرات ، قال :
( كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم في إشخاص سبعة نفر منهم محمد بن سعد كاتب الواقدي ، وأبو مسلم مستملي يزيد بن هارون ، ويحيى بن معين ، وزهير بن حرب أبو خيثمة ، وإسماعيل بن داود ، وإسماعيل بن أبي مسعود ، وأحمد بن الدورقي ، فأشخصوا إليه ، فامتحنهم وسألهم عن خلق القرآن فأجابوا جميعاً إن القرآن مخلوق فأشخصهم إلى مدينة السلام ، وأحضرهم إسحاق بن إبراهيم داره ، فشهر أمرهم وقولهم بحضرة الفقهاء والمشايخ من أهل الحديث ، فأقروا بمثل ما أجابوا به المأمون ، فخلى سبيلهم .
وكتب المأمون بعد ذلك إلى إسحاق بن إبراهيم : أما بعد فإن من حق الله على خلفائه في أرضه أن يجهدوا لله أنفسهم ، وينصحوا له فيما استحفظهم ، ويهدوا إليه من زاغ عنه ، ويردوا من حاد عن أمره . ومما بينه أمير المؤمنين برويته وطالعه بفكره ، فتبين عظيم خطره من القول في القرآن ألا يكون مخلوقاً ، فتعرضوا بذلك لدفع خلق الله الذي بان به عن خلقه ،
--------------------------- 9 ---------------------------
وتفرد بجلالته من ابتداع الأشياء كلها بحكمته وإنشائها بقدرته ، والتقدم عليها بأوليته ، التي لا يبلغ أولاها ولا يدرك مداها ، وكان كل شئ دونه خلقاً من خلقه وحدثاً هو المحدث له ، وضاهوا به قول النصارى في ادعائهم في عيسى بن مريم أنه ليس بمخلوق ، إذ كان كلمة الله والله عز وجل يقول : إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًاً ، وتأويل ذلك أنا خلقناه كما قال جل جلاله : وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ، وصفوا خلق الله وفعله بالصفة التي هي لله وحده وشبهوه به !
وليس يرى أمير المؤمنين لمن قال بهذه المقالة حظاً في الدين ، ولا نصيباً من الإيمان واليقين ، ولا يرى أن يحل أحداً منهم محل الثقة في أمانة ، ولا عدالة ، ولا شهادة ، ولا تولية لشئ من أمر الرعية !
فاقرأ على جعفر بن عيسى ، وعبد الرحمن بن إسحاق القاضي كتاب أمير المؤمنين بما كتب به إليك ، وأنصصهما عن علمهما في القرآن ، وأعلمهما أن أمير المؤمنين لا يستعين على شئ من أمور المسلمين ، إلا بمن وثق بإخلاصه وتوحيده ، وأنه لاتوحيد لمن لم يقر بأن القرآن مخلوق ، وافعل ذلك بمن في سائر عملك من القضا ة ، واكتب إلى أمير المؤمنين بما يكون منك في ذلك .
قال : فأحضرإسحاق بن إبراهيم لذلك جماعة من الفقهاء والحكام والمحدثين وأحضرأبا حسان الزيادي ، وبشر بن الوليد الكندي ، وعلي بن أبي مقاتل ، والفضل بن غانم ، والذيال بن الهيثم ، وسجَّادة ، والقواريري ، وأحمد بن حنبل ، وقتيبة ، وسعدويه الواسطي ، وعلي بن الجعد ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ، وابن الهرش ، وابن علية الأكبر ، ويحيى بن عبد الرحمن العمري ، وشيخاً آخر من ولد عمر بن الخطاب كان قاضي الرقة ، وأبا نصر التمار ، وأبا معمر القطيعي ، ومحمد بن حاتم بن ميمون ، ومحمد بن نوح المضروب ، وابن الفرخان ، وجماعة منهم النضر بن شميل ، وابن علي بن عاصم ، وأبوالعوام البزاز ، وابن شجاع ، وعبد الرحمن بن إسحاق .
--------------------------- 10 ---------------------------
فأدخلوا جميعاًعلى إسحاق فقرأ عليهم كتاب المأمون هذا مرتين ، حتى فهموه ، ثم قال لبشر بن الوليد : ما تقول في القرآن ؟ فقال : قد عرفت مقالتي لأمير المؤمنين غير مرة . قال فقد تجدد من كتاب أمير المؤمنين ما قد ترى فقال : أقول القرآن كلام الله . قال : لم أسألك عن هذا ، أمخلوق هو ؟ قال : الله خالق كل شئ . قال : ما القرآن شئ . قال : هو شئ . قال : فمخلوق ؟ قال : ليس بخالق . قال : ليس أسألك عن هذا ، أمخلوق هو ؟ قال : ما أحسن غير ما قلت لك . وقد استعهدت أمير المؤمنين أن لا أتكلم فيه ، وليس عندي غير ما قلت لك .
فأخذ إسحاق بن إبراهيم رقعة كانت بين يديه فقرأها عليه ووقفه عليها فقال : أشهد أن لا إله إلا الله أحداً فرداً ، لم يكن قبله شئ ، ولا بعده شئ ، ولا يشبهه شئ من خلقه ، في معنى من المعاني ولاوجه من الوجوه . قال : نعم وقد كنت أضرب الناس على دون هذا .
فقال للكاتب : أكتب ما قال . ثم قال لعلي بن أبي مقاتل : ما تقول يا علي ؟ قال : قد سمعت كلامي لأمير المؤمنين في هذا غير مرة ، وما عندي غير ما سمع ، فامتحنه بالرقعة فأقر بما فيها ثم قال : القرآن مخلوق ؟ قال : القرآن كلام الله . قال : لم أسألك عن هذا ، قال : هوكلام الله ، وإن أمرنا أمير المؤمنين بشئ سمعنا وأطعنا . فقال للكاتب : أكتب مقالته .
ثم قال للذيال نحواً من مقالته لعلي بن أبي مقاتل ، فقال له مثل ذلك .
ثم قال لأبي حسان الزيادي : ما عندك ؟ قال : سل عما شئت . فقرأعليه الرقعة ووقفه عليها فأقر بما فيها ، ثم قال : من لم يقل هذا القول فهوكافر . فقال القرآن مخلوق هو ؟ قال : القرآن كلام الله والله خالق كل شئ وما دون الله مخلوق ، وأميرالمؤمنين إمامنا وبسببه سمعنا عامة العلم ، وقد سمع ما لم نسمع وعلم ما لم نعلم ، وقد قلده الله أمرنا ، فصار يقيم حجنا وصلاتنا ، ونؤدي إليه زكاة أموالنا ، ونجاهد معه ونرى إمامته إمامة ، وإن أمرنا إئتمرنا وإن نهانا انتهينا ، وإن دعانا أجبنا . قال : القرآن مخلوق هو ؟ فأعاد عليه أبو حسان مقالته ، قال : إن هذه مقالة أمير المؤمنين . قال قد تكون مقالة أمير المؤمنين ، ولا يأمر بها الناس ولا يدعوهم إليها ، وإن أخبرتني أن أمير المؤمنين أمرك أن أقول قلت ما أمرتني به ، فإنك الثقة المأمون عليه فيما أبلغتني عنه من شئ ، فإن أبلغتني عنه بشئ صرت إليه . قال : ما أمرني أن أبلغك شيئاً .
--------------------------- 11 ---------------------------
قال علي بن أبي مقاتل : قد يكون قوله كاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله في الفرائض والمواريث ولم يحملوا الناس عليها . قال له أبو حسان : ما عندي إلا السمع والطاعة ، فمرني آتمر ، قال : ما أمرني أن آمرك وإنما أمرني أن أمتحنك .
ثم عاد إلى أحمد بن حنبل فقال له : ما تقول في القرآن ؟ قال : هو كلام الله . قال : أمخلوق هو ؟ قال : هو كلام الله لا أزيد عليها . فامتحنه بما في الرقعة ، فلما أتى إلى : لَيْسَ كَمِثْلَهَ شَئْ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير ، أمسك عن لا يشبهه شئ من خلقه في معنى من المعاني ولا وجه من الوجوه ، فاعترض عليه ابن البكاء الأصفر فقال : أصلحك الله إنه يقول سميع من أذن بصير من عين !
فقال إسحاق لأحمد بن حنبل : ما معنى قوله سميع بصير ؟ قال : هو كما وصف نفسه . قال : فما معناه ؟ قال لا أدري هو كما وصف نفسه .
ثم دعا بهم رجلاً رجلاً كلهم يقول : القرآن كلام الله ، إلا هؤلاء النفر قتيبة وعبيد الله بن محمد بن الحسن ، وابن علية الأكبر ، وابن البكاء ، وعبدالمنعم بن إدريس بن بنت وهب بن منبه ، والمظفر ابن مرجا ، ورجلاً ضريراً ليس من أهل الفقه ولا يعرف بشئ منه ، إلا أنه دس في ذلك الموضع ، ورجلاً من ولد عمر بن الخطاب قاضي الرقة ، وابن الأحمر .
فكتب مقالة القوم رجلاً رجلاً ووجهت إلى المأمون ، فمكث القوم تسعة أيام ثم دعا بهم وقد ورد كتاب المأمون جواب كتاب إسحاق بن إبراهيم في أمرهم ونسخته : بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد فقد بلغ أمير المؤمنين كتابك جواب كتابه كان إليك فيما ذهب إليه متصنعةُ أهل القبلة وملتمسوا الرئاسة ، فيما ليسوا له بأهل من أهل الملة من القول في القرآن ، وأمرك به أمير المؤمنين من امتحانهم ، وتكشيف أحوالهم ، وإحلالهم محالهم .
تذكر إحضارك جعفر بن عيسى ، وعبد الرحمن بن إسحاق ، عند ورود كتاب أمير المؤمنين مع من أحضرت ممن كان ينسب إلى الفقه ويعرف بالجلوس للحديث ، وينصب نفسه للفتيا بمدينة السلام ، وقراءتك عليهم جميعاً كتاب أمير المؤمنين ، ومسألتك
--------------------------- 12 ---------------------------
إياهم عن اعتقادهم في القرآن والدلالة لهم على حظهم ، وإطباقهم على نفي التشبيه واختلافهم في القرآن ، وأمرك من لم يقل منهم إنه مخلوق بالإمساك عن الحديث والفتوى في السر والعلانية ، وتقدمك إلى السندي وعباس مولى أمير المؤمنين بما تقدمت به فيهم إلى القاضيين بمثل ما مثل لك أمير المؤمنين ، من امتحان من يحضرمجالسهما ، من الشهود وبث الكتب إلى القضاة في النواحي من عملك ، بالقدوم عليك لتحملهم وتمتحنهم على ما حده أمير المؤمنين ، وتثبيتك في آخر الكتاب أسماء من حضر ومقالاتهم ، وفهم أمير المؤمنين ما اقتصصت . وأميرالمؤمنين يحمد الله كثيراً كما هو أهله ، ويسأله أن يصلى على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وآله ويرغب إلى الله في التوفيق لطاعته وحسن المعونة على صالح نيته برحمته . وقد تدبر أمير المؤمنين ما كتبت به من أسماء من سألت عن القرآن ، وما رجع إليك فيه وما شرحت من مقالتهم .
فأما ما قال المغرور بشر بن الوليد في نفي التشبيه ، وما أمسك عنه من أن القرآن مخلوق ، وادعى من تركه الكلام في ذلك ، واستعهاده أمير المؤمنين فقد كذب بشر في ذلك وكفر ، وقال الزور والمنكر !
ولم يكن جرى بين أمير المؤمنين وبينه في ذلك ولا في غيره عهد ولا نظر أكثر من إخباره أمير المؤمنين من اعتقاده كلمة الإخلاص ، والقول بأن القرآن مخلوق ، فادع به إليك وأعلمه ما أعلمك به أمير المؤمنين من ذلك ، وأنصصه عن قوله في القرآن واستتبه منه ، فإن أمير المؤمنين يرى أن تستتيب من قال بمقالته ، إذ كانت تلك المقالة الكفر الصراح ، والشرك المحض ، فإن تاب منها فأشهر أمره وأمسك عنه ، وإن أصر على شركه ودفع أن يكون القرآن مخلوقاً بكفره وإلحاده ، فاضرب عنقه وابعث إلى أمير المؤمنين برأسه !
وكذلك إبراهيم بن المهدي ، فامتحنه بمثلما تمتحن به بشراً ، فإنه كان يقول بقوله ، وقد بلغت أمير المؤمنين عنه بوالغ ، فإن قال إن القرآن مخلوق فأشهر أمره ، واكشفه وإلا فاضرب عنقه وابعث إلى أمير المؤمنين برأسه إن شاء الله !
وأما علي بن أبي مقاتل فقل له : ألست القائل لأمير المؤمنين إنك تحلل وتحرم والمكلم له
--------------------------- 13 ---------------------------
بمثل ما كلمته به ، مما لم يذهب عنه ذكره .
وأما الذيال بن الهيثم فأعلمه أنه كان في الطعام الذي كان يسرقه في الأنبار وفيما يستولى عليه من أمرمدينة أمير المؤمنين أبي العباس ما يشغله !
وأنه لو كان مقتفياً آثار سلفه ، وسالكاً مناهجهم ، ومحتذياً سبيلهم ، لما خرج إلى الشرك بعد إيمانه !
وأما أحمد بن يزيد المعروف بأبي العوام وقوله إنه لا يحسن الجواب في القرآن فأعلمه أنه صبي في عقله لا في سنه ، جاهل ، وأنه إن كان لا يحسن الجواب في القرآن ، فيسحسنه إذا أخذه التأديب ، ثم إن لم يفعل كان السيف من وراء ذلك ، إن شاء الله !
وأما أحمد بن حنبل وما تكتب عنه ، فأعلمه أن أمير المؤمنين قد عرف فحوى تلك المقالة وسبيله فيها ، واستدل على جهله وآفته بها !
وأما الفضل بن غانم فأعلمه أنه لم يخف على أمير المؤمنين ما كان منه بمصر وما اكتسب من الأموال في أقل من سنة ! وما شجر بينه وبين المطلب بن عبد الله في ذلك ، فإنه من كان شأنه شأنه وكانت رغبته في الدينار والدرهم رغبته فليس بمستنكر أن يبيع إيمانه طمعاً فيهما ، وإيثاراً لعاجل نفعهما ، وأنه مع ذلك القائل لعلي بن هشام ما قال ، والمخالف له فيما خالفه فيه ، فما الذي حال به عن ذلك ونقله إلى غيره ؟
وأما الزيادي فأعلمه أنه كان منتحلاً ولاءً ، وأول دعيٍّ كان في الإسلام خولف فيه حكم رسول الله صلى الله عليه وآله ( يقصد قاعدة الولد للفراش ) وكان جديراً أن يسلك مسلكه ! فأنكر أبو حسان أن يكون مولى لزياد ، أو يكون مولى لأحد من الناس ( وذكر أنه إنما نسب إلى زياد لأمر من الأمور ) !
وأما المعروف بأبي نصرالتمار فإن أمير المؤمنين شبَّه خساسة عقله بخساسة متجره . وأما الفضل بن الفرخان فأعلمه أنه حاول بالقول الذي قاله في القرآن أخذ الودائع التي أودعها إياه عبد الرحمن بن إسحاق وغيره تربصاً بمن استودعه ، وطمعاً في الإستكثار لما صار في يده ، ولا سبيل عليه عن تقادم عهده وتطاول الأيام به ، فقل لعبد الرحمن بن إسحاق لاجزاك الله
--------------------------- 14 ---------------------------
خيراً عن تقويتك مثل هذا وإيمانك إياه وهومعتقد للشرك ، منسلخ من التوحيد !
وأما محمد بن حاتم وابن نوح والمعروف بأبي معمرفأعلمهم أنهم مشاغيل بأكل الربا عن الوقوف على التوحيد ! وأن أمير المؤمنين لو لم يستحل محاربتهم في الله ومجاهدتهم إلالإربائهم ، وما نزل به كتاب الله في أمثالهم لاستحل ذلك ، فكيف بهم وقد جمعوا مع الإرباء شركاً ، وصاروا للنصارى مثلاً !
وأما أحمد بن شجاع فأعلمه أنك صاحبه بالأمس ، والمستخرج منه ما استخرجته من المال ، الذي كان استحله من مال علي بن هشام ، وأنه ممن الدينار والدرهم دينه .
وأما سعدويه الواسطي فقل له قبح الله رجلاً بلغ به التصنع للحديث والتزين به ، والحرص على طلب الرئاسة فيه ، أن يتمنى وقت المحنة فيقول بالتقرب بها مني ، يُمتحن فيجلس للحديث .
وأما المعروف بسجادة ، وإنكاره أن يكون سمع ممن كان يجالس من أهل الحديث وأهل الفقه القول بأن القرآن مخلوق ، فأعلمه أنه في شغله بإعداد النوى وحكه لاصلاح سجادته ، وبالودائع التي دفعها إليه علي بن يحيى وغيره ، ما أذهله عن التوحيد وألهاه ! ثم سله عما كان يوسف بن أبي يوسف ومحمد بن الحسن يقولانه ، إن كان شاهدهما وجالسهما !
وأما القواريري ففيما تكشف من أحواله وقبوله الرشا والمصانعات ما أبان عن مذهبه وسوء طريقته وسخافة عقله ودينه ، وقد انتهى إلى أمير المؤمنين أنه يتولى لجعفر بن عيسى الحسني مسائله ، فتقدم إلى جعفر بن عيسى في رفضه وترك الثقة به ، والإستنامة إليه .
وأما يحبى بن عبد الرحمن العمرى ، فإنه كان من ولد عمر بن الخطاب ، فجوابه معروف . وأما محمد بن الحسن بن علي بن عاصم ، فإنه لو كان مقتدياً بمن مضى من سلفه لم ينتحل النحلة التي حكيت عنه ، وإنه بعد صبي يحتاج إلى تعلم . وقد كان أمير المؤمنين وجه إليك المعروف بأبي مسهر بعد أن نصه أمير المؤمنين عن محنته في القرآن ، فجمجم عنها ولجلج فيها ، حتى دعى له أمير المؤمنين بالسيف فأقر ذميماً فأنصصه عن إقراره ! فإن كان مقيماً عليه فأشهر ذلك وأظهره ، إن شاء الله .
--------------------------- 15 ---------------------------
ومن لم يرجع عن شركه ممن سميت لأمير المؤمنين في كتابك ، وذكره أمير المؤمنين لك ، أو أمسك عن ذكره في كتابه هذا ، ولم يقل إن القرآن مخلوق بعد بشر بن الوليد وإبراهيم بن المهدي ، فاحملهم أجمعين موثقين إلى عسكر أمير المؤمنين ، مع من يقوم بحفظهم ، وحراستهم في طريقهم ، حتى يؤديهم إلى عسكر أمير المؤمنين ، ويسلمهم إلى من يؤمن بتسليمهم إليه ، لينصصهم أمير المؤمنين ، فإن لم يرجعوا ويتوبوا حملهم جميعاً على السيف ، إن شاء الله !
وعجل إجابة أمير المؤمنين بما يكون منك في خريطة بندارية مفردة عن سائر الخرائط ، لتعرف أمير المؤمنين مايعلمونه إن شاء الله . وكتب سنة : 218
فأجاب القوم كلهم حين أعاد القول عليهم إلى أن القرآن مخلوق إلا أربعة نفر منهم أحمد بن حنبل ، وسجادة ، والقواريري ، ومحمد بن نوح المضروب ، فأمر بهم إسحاق بن إبراهيم فشدوا في الحديد ، فلما كان من الغد دعا بهم جميعاً يساقون في الحديد ، فأعاد عليهم المحنة فأجابه سجادة إلى أن القرآن مخلوق ، فأمر بإطلاق قيده وخلى سبيله ، وأصر الآخرون على قولهم فلما كان من بعد الغد عاودهم أيضاً فأعاد عليهم القول ، فأجاب القواريري إلى أن القرآن مخلوق ، فأمر بإطلاق قيده وخلى سبيله ، وأصرأحمد بن حنبل ومحمد بن نوح على قولهما ولم يرجعا ، فشدا جميعاً في الحديد ، ووجها إلى طرسوس وكتب معهما كتاباً بإشخاصهما ، وكتب كتاباً مفرداً بتأويل القوم فيما أجابوا إليه ، فمكثوا أياماً ، ثم دعا بهم فإذا كتاب قد ورد من المأمون على إسحاق بن إبراهيم ، أن قد فهم أمير المؤمنين ما أجاب القوم إليه ، وذكر سليمان بن يعقوب صاحب الخبر ، أن بشر بن الوليد تأول الآية التي أنزلها الله تعالى في عمار بن ياسر : إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالآيمَانِ ، وقد أخطأ التأويل ، إنما عنى الله عز وجل بهذه الآية من كان معتقد الإيمان مظهرالشرك ، فأما من كان معتقد الشرك مظهرالإيمان فليس هذه له ، فأشخصهم جميعاً إلى طرسوس ليقيموا بها إلى خروج أمير المؤمنين من بلاد الروم .
--------------------------- 16 ---------------------------
فأخذ إسحاق بن إبراهيم من القوم الكفلاء ليوافوا العسكر بطرسوس فأشخص أبا حسان ، وبشر ابن الوليد ، والفضل بن غانم ، وعلي بن أبي مقاتل ، والذيال بن الهيثم ، ويحيى بن عبد الرحمن العمري ، وعلي بن الجعد ، وأبا العوام ، وسجادة ، والقواريري ، وابن الحسن بن علي ابن عاصم ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ، والنضر بن شميل ، وأبا نصر التمار ، وسعدويه الواسطي ، ومحمد بن حاتم بن ميمون وأبا معمر ، وابن الهرش ، وابن الفرخان ، وأحمد بن شجاع ، وأبا هارون بن البكاء .
فلما صاروا إلى الرقة بلغتهم وفاة المأمون ! فأمر بهم عنبسة بن إسحاق ، وهو والي الرقة ، أن يصيروا إلى الرقة ، ثم أشخصهم إلى إسحاق بن إبراهيم بمدينة السلام ، مع الرسول المتوجه بهم إلى أمير المؤمنين ، فسلمهم إليه ، فأمرهم إسحاق بلزوم منازلهم ، ثم رخص لهم بعد ذلك في الخروج ) .
أقول : من الواضح أن المأمون أراد هدم مكانة القضاة والمحدثين ونفوذ هم ، ومنع تأثيرهم على الناس ، فاخترع لهم الامتحان بخلق القرآن ، ويكفي دليلاً أن رسائله لصاحب شرطته ذكرت لهم سيآت لا علاقة لها بعقيدة قدم القرآن وخلقه !

  • *

وبالغ المعتصم والواثق في تطبيق مرسوم المأمون

فقد واصل المعتصم 218 - 227 ه‍ سياسة أخيه المأمون في الامتحان بخلق القرآن وزاد عليه امتحان الأسرى الذين اتفق مع الروم على إطلاقهم ، فمن قال إن القرآن مخلوق أعطى فداءه وأطلقه ، ومن لم يقل بأن القرآن مخلوق أبقاه عند الروم !
قال اليعقوبي ( 2 / 482 ) : ( صاروا إلى موضع يقال له نهر اللامس على مرحلتين من طرسوس ، وحضر ذلك الفداء سبعون ألف رامح سوى من ليس معه رمح ، وكان أبو رملة وجعفر الحذاء واقفين على قنطرة النهر ، فكلما مر رجل من الأسرى امتحنوه في القرآن ، فمن قال إنه مخلوق فودي به ، ودفع إليه ديناران وثوبان ، فبلغ عدة من فودي به
--------------------------- 17 ---------------------------
خمس مائة رجل وسبع مائة امرأة ، وكان هذا في المحرم سنة 231 ) !
ثم أحضر المعتصم أحمد بن حنبل فقال أحمد : أقول بقول أمير المؤمنين ! فأطلق سراحه ، كما شهد بذلك المؤرخ اليعقوبي . وقد اخترعوا لأحمد بطولات كاذبة !
وأما الواثق ابن المعتصم فقد أبقى نُعيم بن حماد في سجنه بسامراء عشر سنين حتى مات ، وأبقى أحمد بن نصر الخزاعي ثلاث عشرة سنة ، ثم أحضره الواثق وقتله بيده وأرسل برأسه فنصبه ببغداد ! ( وقد فصلنا ذلك في سيرة الإمام علي الهادي عليه السلام ) .

  • *

ألغى المتوكل سياسة المأمون ، وأعاد بغض أهل البيت عليهم السلام

بادر المتوكل إلى إلغاء سياسة عمه المأمون ، فأخرج المسجونين القائلين بقدم القرآن ، وغيرالإمتحان فجعله في خلق القرآن ، فكان يسجن أو يقتل من يقول بخلق القرآن ! ( كتب المتوكل إلى الآفاق بالمنع من الكلام ، والكف عن القول بخلق القرآن ، وأن من تعلم علم الكلام أو تكلم فيه فالمطبق مأواه إلى أن يموت ) . ( النهاية لابن كثير : 10 / 348 ) . والمطبق السجن تحت الأرض !
كما تواترت رواية المؤرخين بأن المتوكل كان ناصبياً شديد البغض لعلي عليه السلام !
قال ابن الأثير في الكامل « 6 / 108 » : « كان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته ، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى علياً وأهله بأخذ المال والدم ) ! أي يصادرمال الشيعي ، ويقتله !
ثم قال ابن الأثير : وكان من جملة ندمائه عَبَّادة المخنث ، وكان يشد على بطنه مخدة ويكشف رأسه وهوأصلع ، ويرقص بين يدي المتوكل ، والمغنون يغنون : قد أقبل الأصلع البدين خليفة المسلمين ! يحكي بذلك علياً ! والمتوكل يشرب ويضحك ! ففعل ذلك يوماً والمنتصر ( ابن المتوكل ) حاضر ، فأومأ إلى عَبَّادة يتهدده فسكت خوفاً منه ، فقال المتوكل ما حالك ؟ فأخبره فقال المنتصر : يا أمير المؤمنين إن الذي يحكيه هذا الكلب ويُضحك منه الناس هو ابن عمك ، وشيخ أهل بيتك وبه فخرك ! فكل أنت لحمه إذا شئت ، ولاتُطعم
--------------------------- 18 ---------------------------
هذا الكلب وأمثاله منه ! فقال المتوكل للمغنين : غنوا جميعاً :
غَارَ الفَتَى لابنِ عَمِّهْ * رأسُ الفَتى في حَرِ أمِّهْ » !
وقال النويري في نهاية الأرب « 22 / 282 » : « في هذه السنة أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي رضي الله عنهما ، وهدم ما حوله من المنازل والدور ، وأمرأن يسقى موضع قبره ، وأن يمنع الناس من إتيانه ) !
وقال ابن حجر في فتح الباري « 1 / 60 » : « وقد ثبت في صحيح مسلم عن علي أن النبي صلى الله عليه وآله قال له : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق » .

النصب والتجسيم توأمان فكل ناصبي مجسم وبالعكس

قال الذهبي في سيره « 12 / 34 » : « وفي سنة 234 ، أظهر المتوكل السنة ، وزجر عن القول بخلق القرآن ، وكتب بذلك إلى الأمصار ، واستقدم المحدثين إلى سامراء ، ورووا أحاديث الرؤية والصفات » . أي أحاديث التشبيه والتجسيم !
وقال أحمد في العلل ( 1 / 79 ) : ( استقدم المتوكل المحدثين إلى سامراء ، وأجزل عطاياهم وأكرمهم ، وأمرهم أن يحدثوا بأحاديث الصفات والرؤية ( رؤية الله تعالى ) ! وجلس أبو بكر بن أبي شيبة في جامع الرصافة ، فاجتمع إليه نحو من ثلاثين ألف نفس ، وجلس أخوه عثمان في جامع المنصور فاجتمع إليه نحو من ثلاثين ألف نفس ) .
وفي تاريخ بغداد « 10 / 67 » : « فكان فيهم مصعب الزبيري ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ، وإبراهيم بن عبد الله الهروي ، وعبد الله وعثمان ابنا محمد بن أبي شيبة الكوفيان ، وهما من بني عبس ) .
وقال ابن تميم في المحن / 271 : « فخرَّج كل واحد منهم ثلاثين حديثاً في تثبيت القدر ( الجبر ) وثلاثين حديثاً في الرؤية ( التجسيم ) وغير ذلك من السنن ، فتعلمها الناس حتى كثرت السنن ، وفشَت ونمَت ، وطُغيت البدعة وذلَّت » ! !
أقول : الذين جمعهم المتوكل هم دعاة التجسيم والنصب ! فمصعب الزبيري وابن أخيه
--------------------------- 19 ---------------------------
الزبير بن بكار ، معروفان بنصبهما الشديد ! وعثمان بن أبي شيبة الذي أكثر في مسنده من أحاديث النصب والتجسيم . . الخ . وابن أبي الشوارب : أموي من بني العاص ، جعله المتوكل قاضي القضاة في سامراء ، وهو أستاذ ابن صاعد الذي نصبه المتوكل شيخ أهل الحديث في بغداد ، ونصبه رئيس ميليشيا الحنابلة المجسمة ، الذين كانوا يكفرون من خالفهم ، ويقتلون من استطاعوا منهم !
وهشام بن عمار الذي سموه محدث الشام ، كان يبيع الحديث بالصفحة ! وهو صاحب حديث الكراسي ، وأن الله يجلس على كرسي وحوله الأنبياء عليهم السلام على كراسي ! وصاحب قصة التفحش مع المتوكل وابنه ، والتي أخذ عليها جائزة سنية !
فأينما رأيت النصب أو التجسيم فابحث عن توأمه !
فيكون وصفهم للمتوكل بأنه « محيي السنة » بمعنى أنه : أحيا التجسيم وبغض أهل البيت عليهم السلام ! وحارب تنزيه الله تعالى ، وحرم تأويل الآيات الموهمة للجسمية .

  • *

كشف أهل البيت عليهم السلام لعبة المأمون في فتنة خلق القرآن

كتب الإمام الهادي عليه السلام إلى بعض شيعته ببغداد : « بسم الله الرحمن الرحيم ، عصمنا الله وإياك من الفتنة ، فإن يفعل فَأَعْظِمْ بها نعمة ، وإلايفعل فهي الهلكة .
نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب ، فتعاطى السائل ما ليس له ، وتكلف المجيب ما ليس عليه . وليس الخالق إلا الله وما سواه مخلوق ، والقرآن كلام الله . لا تجعل له إسماً من عندك فتكون من الضالين ! جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب ، وهم من الساعة مشفقون » . « أمالي الصدوق / 639 » .
فقد أعطى الإمام عليه السلام القاعدة بأن كل ما سوى الله تعالى مخلوق ، لكنه مَنَعَ من وصف القرآن بأنه مخلوق والجدل فيه ، لئلا يتسرب إلى الذهن حدوث المتكلم به .
ومعنى قوله عليه السلام : تكلف المجيب ما ليس عليه : أن الله تعالى لم يوجب في شريعة الإسلام
--------------------------- 20 ---------------------------
على أحد أن يعرف ذلك ، ولا أمر بامتحان الناس فيه !
فإيجاب الحاكم معرفة ذلك والجواب عنه بدعة ، وامتحان الناس فيها بدعة أخرى ، ومن أجاب عليها أجاب بغير علم ، على أمر لم يكلفه الله به ولا يستطيعه ! فهو لا يعرف مفهوم وجود القرآن ولا كيفية فعل الله تعالى وخلقه ، ولا مفهوم المخلوق وأنواع الخلق ، والجعل ، والتقدير ، والتسوية . وما دام السائل لا يفقه سؤاله ، ولا اللغة التي يجب أن تستعمل فيه ، فهو كمن يسأل عن مسألة رياضية بألفاظ عامية !
يقول الإمام عليه السلام بذلك من أين يعرف المأمون معاني خلق الله تعالى وفعله ، ومعاني المخلوق وأنواعه ، ومن كلفه بأن يوجب ذلك على الناس ويمتحنهم به ! !
قال الشريف المرتضى في رسائله « 1 / 152 » : « إن القرآن مُحدثٌ لا محالة ، وأمارات الحدث في الكلام أبين وأظهر منها في الأجسام وكثير من الأعراض . وما ليس بقديم وهوموجود محدث ، وقد وصف الله تعالى القرآن بأنه محدث مصرحاً غير ملوح ، ولا يجوز أن يصفه بغير ما يستحقه من الأوصاف .
فأما وصف القرآن بأنه مخلوق ، فالواجب الامتناع منه والعدل عن إطلاقه ، لأن اللغة العربية تقتضي فيما وصف من الكلام بأنه مخلوق أومختلق أنه مكذوب مضاف إلى غير فاعله ! وقد ورد عن أئمتنا عليهم السلام في هذا المعنى أخبار كثيرة تمنع من وصف القرآن بأنه مخلوق وأنهم عليهم السلام قالوا : لا خالق ولا مخلوق ) .
وقال الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف « 6 / 119 » : « كلام الله تعالى : فعله ، وهو محدث ، وامتنع أصحابنا من تسميته بأنه مخلوق لما فيه من الإيهام بكونه منحولاً . دليلنا على ما قلناه : ما ذكرناه في الأصول ، فمنها قوله : مَايَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ ، فسماه محدثاً . وقال : إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ، وقال : بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُبِينٍ . فسماه عربياً والعربية محدثة . وقال : نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ، وقال : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ، فوصفه بالتنزيل . وهذه كلها صفات المحدث . ومن وصفه بالقدم فقد أثبت مع الله تعالى قديماً آخر » !

  • *
    --------------------------- 21 ---------------------------

الفصل الثاني : وقع البخاري بين سياسة المأمون والمتوكل

عاش البخاري في ظل الدولة الطاهرية

1 . البخاري فارسي واسمه : محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مغيرة بن بردزبه . وصفه المزي في ( تهذيب الكمال : 24 / 237 و 238 ) : ( نحيف الجسم ليس بالطويل ولا بالقصير ، ولد سنة 194 ، وتوفي سنة 256 ، وعاش 62 سنة ) .
وكان البخاري أعمش يشكو مرض عينيه ، وقد عميَ مرتين ، وقالوا شفي بمعجزة .
وكان ابنه خادم الوالي يمان الجعفي فأسلم على يده وسماه مغيرة ( السمعاني : 2 / 68 ، والمزي : 24 / 437 ) . وقيل معنى بردزبه بالبخارية : الفلّاح . والجعفي لأن جده أسلم على يد يمان الجعفي ، بينما مات جده بردزبه على المجوسية . ( تهذيب الكمال : 24 / 234 ) .
2 . نشأ ببخارى وسافر صغيراً مع أمه وأخيه إلى مكة ، وأبقوه فيها يعمل ويتعلم ، ثم سافر إلى عدد من البلاد وكتب الحديث عن علمائها ، ورجع إلى بخارى عالماً ، وهو في الثلاثينات وعاش فيها ، وتزوج ورزق بنات ولم يرزق ذكوراً ، وكان مقرباً لولاتها بحكم علاقة عائلته بهم ، حتى اختلف معهم .
3 . تقع بخارى اليوم في أُزبكستان وتبعد عن مشهد 760 كيلو متر ، وتبعد عنها سمرقند 260 ، كيلومتر ، وكانت بخارى عاصمة لمحيطها من قبل الإسلام .
4 . حضر البخاري في نيسابور وكانت عاصمة إيران ، درس إمام نيسابورمحمد بن يحيى الذهلي وكتب عنه الحديث ، وكتب بعض الطلبة عنه ، لكن جاء الأمر من بغداد بأنه مبتدع
--------------------------- 22 ---------------------------
ضال يقول : أفعال العباد مخلوقة ولفظه بالقرآن مخلوق ! فحرم الذهلي درسه ونفاه من بخارى ، فذهب إلى الري فكتبوا إلى الري فطردوه ، وذهب إلى بخارى فكتب الذهلي إلى واليها أن يمتحنه فهرب إلى قرية فيها أقاربه هي خرتنك قرب سمرقند ، وما لبث أن توفي فيها مطارداً ! والقرية شيعية ، وقبره بيدهم !

بخارى فتحها أمير المؤمنين عليه السلام

فتح المسلمون خراسان في عهد عمر بن الخطاب ، لكنه كان فتحاً أولياً ، فكانت تنتقض عليهم ، وبقيت هي وسمرقند في حكم ملوك بخاريين من أصول فارسية أو تركية ، وكان المسلمون يرسلون إليها جيشاً فيقاتلهم ولاينتصر عليهم ، لكثرة عددهم ، فيتصالح معهم ويرجع عنهم ، أو يعسكر قربهم ويبقى الحكم لغيره .
وقد كتبنا في قراءة جديدة في الفتوحات ( 1 / 316 ) : ( أن سعيد بن عثمان بن عفان طمع بالخلافة ، فدبَّرله معاوية مَقْلباً وأرسله بجيش ليفتح سمرقند ، فوصل إلى بخارا فصالحهم على ثلاث مئة ألف وقبضها ولم يدخل بخارى ، وطلب منهم رهائن حتى لايهاجموه من خلفه ، فأعطوه عشرين شاباً من أبناء الأمراء رهينة فأخذهم وهاجم سمرقند ، وحلف أن يفتحهافلم يستطع وجاءه سهم ففقأ عينه ، فطلب من حاكمها أن يمر وسط المدينة ليبر يمينه ! فرضي بذلك ومرَّ سعيد وسطها ، ورمى حجراً نحو برجها ، وبذلك برَّ بيمينه بأن يفتحها !
وعاد سعيد إلى المدينة بثروة ، واستعفى معاوية من ولاية خراسان ( ابن الأعثم ( 4 / 312 ) وكان معه العشرون شاباً الرهينة ، فأنشأ بستاناً وشغَّلهم فيه فلاحين فحركهم معاوية ليقتلوه لأنه ضد تولية يزيد ، وجاء مروان والي المدينة لنجدته بزعمهم فلم يجد مفتاح البستان ! فانتظر على الباب حتى قتلوا سعيداً !
قال في تاريخ دمشق ( 21 / 223 ) : « كان أهل المدينة عبيدهم ونساؤهم يقولون :
والله لا ينالها يزيدُ * حتى ينالَ هامَه الحديدُ * إن الأمير بعدَهُ سعيدُ .
فقدم سعيد على معاوية فقال : يا ابن أخي ما شئ يقوله أهل المدينة ؟ قال : ما تنكر من ذلك
--------------------------- 23 ---------------------------
يا معاوية ! والله إن أبي لخير من أبي يزيد ، ولأمي خير من أم يزيد ولأنا خير منه ، وقد استعملناك فما عزلناك بعد ، ووصلناك فما قطعناك ، ثم صار في يديك ما قد ترى ، فحلأتنا عنه أجمع » !
فلا نعجب أن يكون معاوية دبر قتله ، لأنه قتل كل من خالف ولاية يزيد بعده !

بعد حرب الجمل أرسل علي عليه السلام جعدة فأكمل فتح خراسان

قال اليعقوبي في تاريخه ( 2 / 183 ) : « لما فرغ من حرب أصحاب الجمل ، وجه جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي إلى خراسان » .
وفي شرح النهج ( 18 / 308 ) والطبري ( 4 / 46 ) : « جعدة بن هبيرة ابن أخت علي بن أبي طالب عليه السلام هو الذي فتح القندهز ، وكثيراً من خراسان ، فقال الشاعر :
لولا ابن جعدةَ لم تُفتح قهندزكم ولا خراسانُ حتى ينفخ الصور ) .
والقهندز : الحصن ، ويسمى به حصن بخارى ، وكان عصياً على الفتح ، وبفتحه بيد جعدة خضعت مدن خراسان وأفغانستان للحكم الإسلامي ، فعينوا عليها الولاة ، حتى كان عهد المأمون ، فأعطاها لطاهر بن الحسين الخزاعي .

الدولة الطاهرية في خراسان

الدولة الطاهرية : نسبة إلى طاهر بن الحسين الخزاعي الذي قاد جيش المأمون وقاتل أخاه الأمين وقتله وجاءه برأسه سنة 198 ه‍ فجعله المأمون والي خراسان كلها ، وكانت تشمل إيران الفعلية وبخارى وما وراء النهر ، فاتخذ طاهر نيسابور عاصمة له ، وكان مطلق اليد على أن يؤدي ما عليه من خراج . وتوفي طاهر بعد سنتين ، فخلفه ابنه طلحة بن طاهر ، ثم عبد الله بن طاهر 213 - 230 ه‍ ثم طاهر الثاني بن عبد الله بن طاهر 230 - 248 ه - ، ثم محمد بن طاهر 248 - 259 ه‍ وكان آخرحكام الدولة الطاهرية وكان ظالماً ماجناً ، فاستنجد أهل خراسان بالقائد يعقوب بن الليث الصفاري ، مؤسس الدولة الصفارية ، فدخل نيسابور بجيشه سنة 259 وقبض على محمد بن طاهر ، وأنهى دولتهم .
--------------------------- 24 ---------------------------
فكل حياة البخاري في فترة الدولة الطاهرية ، وكان موته قبيل زوالها .

الذهلي والي بخاري الذي أراد قتل البخاري

الأمير خالد السدوسي الشيباني الذهلي ، والي بخارى ، قال عنه السمعاني ( 3 / 18 ) والزركلي ( 2 / 294 ) : ( ولي إمارة خراسان ثم إمارة بخارى وسكنها ، وله بها آثار مشهورة محمودة . وكان عالماً بالحديث ، فاستقدم إليها بعض كبار الحفاظ ، وصنف له نصر بن أحمد البغدادي مسنداً ، وطلب من البخاري أن يوافيه فامتنع ، فأخرجه من بخارى إلى ناحية سمرقند فمات في إحدى قراها ، وبلغ المعتمد الخليفة العباسي عنه ما أحقده عليه . واستأذن خالد للحج ، فأذن له المعتمد ، فمر ببغداد سنة 269 ، فقبض عليه وحبسه ، فمات بها في الحبس ) .
وقال ابن الجوزي في المنتظم ( 12 / 225 ) : ( وكان يحب الحديث ويقول : أنفقت في طلب العلم أكثر من ألف ألف درهم ، وكان قد سمع من ابن راهويه ، وعلي بن حجر ، وخلق كثير ، فلما استوطن بخارى أقدم إلى حضرته حفاظ الحديث مثل : محمد بن نصر المروزي ، وصالح جزرة ، ونصر بن أحمد البغداديين ، وغيرهم ، وصنف له نصر مسنداً ، وكان يختلف مع هؤلاء المسمين إلى المحدثين ، وكان يمشي برداء ونعل ، يتواضع بذلك ، وبسط يديه بالإحسان إلى أهل العلم فغَشَوْهُ وقدموا عليه من الآفاق ، وأراد من محمد بن إسماعيل البخاري أن يصير إلى حضرته فامتنع ، فاعتل عليه باللفظ ، فأخرجه من بخارى فمات بقرية . وكأنه عوقب بما فعل بالبخاري فزال ملكه ، وكان قد ورد بغداد فحدث فسمع منه وكيع القاضي ، وأبو طالب الحافظ وابن عقدة ، ثم اعتقله السلطان فحبسه ببغداد ، فمات بالحبس في هذه السنة ، وكان السبب أنه اشتد على الظاهرية ، ومال إلى يعقوب بن الليث القائم بسجستان ) .
أقول : سبب نفيه للبخاري أنه كتب له محمد بن يحيى الذهلي أن يمتحنه ، فطلب من البخاري أن يحضرللمناظرته ، وربما لإثبات كفره وقتله ، فهرب منه ! كما أن سبب حبس الخليفة للوالي ميله إلى الليث الصفار الثائر الذي قضى على الدولة الطاهرية .
--------------------------- 25 ---------------------------

تخبط البخاري بين مذهب المأمون ومذهب المتوكل

كانت الدولة الطاهرية مستقلة في إدارتها ، فهي تؤدي الخراج للخليفة ، لكن عليها أن تتبعه في العقائد والسياسة ، ولذلك كانت تمتحن الناس في زمن المأمون والمعتصم والواثق ، فمن قال بقدم القرآن تعاقبه . ثم صارت تمتحنهم بالقول بخلق القرآن في زمن المتوكل ، فمن قال بخلق القرآن تعاقبه !
قال الشيخ الهرساوي في كتابه : الإمام البخاري وفقه أهل العراق / 106 ملخصاً : ( أخذ البخاري في الكلام من ابن كلاّب والكرابيسي ، وشمخصة ، وإِسماعيل بن عرعرة . . وخالف في كتابه : خلق أَفعال العباد الجهمية ، وبشر المريسي القائل بخلق القرآن . وقال عن الجهمية وكفَّرهم وقال : هم شرٌّ من اليهود والنصارى ! مع أَنه أَظهر لنفسه مقالة حسين الكرابيسي بأن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وألفاظنا به مخلوقة وأفعالنا مخلوقة ، ومن زعم أني قلت : لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب ، فإني لم أَقله ، إِلا أني قلت : أَفعال العباد مخلوقة » .
وقال الذهبي : وهذه التفرقة والتفصيل ما قالها أَحد قبله فيما علمت ، وقال الإِمام أَحمد بن حنبل وأَئمة السنة : إنه غير مخلوق ، إِلى أَن ظهرت مقالة حسين بن علي الكرابيسي ، وهي أنَّ القرآن كلام الله غيرمخلوق ، وإن أَلفاظنا به مخلوقة فأنكر الإِمام أحمد ذلك وعدَّه بدعة ، وقال : من قال : لفظي بالقرآن مخلوق يريد به القرآن ، فهو جهمي ) !
والنتيجة : أن البخاري أخذ مذهب الكرابيسي فوقع في القول بخلق القرآن ، بقوله لفظي بالقرآن مخلوق ، فحكم عليهما أحمد بن حنبل بالكفر !

محمد بن يحيى الذهلي الذي نفى البخاري من نيشابور

قال الزركلي في الأعلام ( 7 / 135 ) : ( الذهلي مولاهم ، النيسابوري ، من حفاظ الحديث ، ثقة من أهل نيسابور . رحل رحلة واسعة فزار بغداد والبصرة وغيرهما في طلب الحديث واشتهر ، وروى عنه البخاري أربعة وثلاثين حديثاً . انتهت إليه مشيخة العلم
--------------------------- 26 ---------------------------
بخراسان ، واعتنى بحديث الزهري فصنفه وسماه الزهريات ، في مجلدين ) . وقد نصبه الطاهري إمام نيسابور .
وفي تاريخ بغداد ( 2 / 30 ) وتاريخ دمشق ( 52 / 95 ) : ( قال محمد بن يحيى : ألا من يختلف إلى مجلسه لا يختلف إلينا ، فإنهم كتبوا إلينا من بغداد أنه تكلم في اللفظ ونهيناه فلم ينته ، فلا تقربوه ومن يقربه فلا يقربنا . فأقام هاهنا مدة وخرج إلى بخارى ) . والذي كتب له هو أبوبكرالرازي خليفة أحمد ، وكان رأيه رأي أحمد في أن من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، يجب نفيه واعتزاله ، أو قتله .
قال ابن عبد البر في الإنتقاء / 106 : ( أحمد بن حنبل كان يقول : من قال القرآن مخلوق فهو جهمي ، ومن قال : القرآن كلام الله ولا يقول غير مخلوق ولا مخلوق فهو واقفي ، ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع ! وكان الكرابيسي وعبد الله بن كلاب وأبو ثور وداود بن علي وطبقتهم يقولون : إن القرآن الذي تكلم به الله صفة من صفاته لا يجوز عليه الخلق ، وإن تلاوة التالي وكلامه بالقرآن كسب له وفعل له وذلك مخلوق ، وإنه حكاية عن كلام الله وليس هو القرآن الذي تكلم الله به ، وشبهوه بالحمد والشكر لله ، وهو غير الله ) .
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ( 2 / 310 ) : ( عبد الله بن أحمد بن حنبل : سألت أبي عمن قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، فقال : هذا كلام الجهمية . قلت لأبي : إن الكرابيسي يفعل هذا ، فقال : كذب هتكه الله ) !
وقال أحمد ( طبقات الحنابلة : 1 / 29 ) : ( القرآن كلام الله تكلم به ليس بمخلوق . ومن زعم أن القرآن مخلوق فهم جهمي كافر ، ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من قول الأول ! ومن زعم أن ألفاظنا به وتلاوتنا له مخلوقة ، والقرآن كلام الله فهو جهمي ! ومن لم يكفر هؤلاء القوم كلهم فهو مثلهم ! قال له إبراهيم بن سعيد : يا أبا عبد الله إن الكرابيسي وابن الثلجي قد تكلما فقال أحمد : فيم تكلموا ؟ قال : في اللفظ . فقال أحمد : اللفظ بالقرآن غير مخلوق ، ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق ، فهو جهمي كافر ) .
--------------------------- 27 ---------------------------
وفي بحر الدم / 192 وطبقات الحنابلة ( 1 / 109 ) : ( قال إسحاق سمعت أبا عبد الله ( أحمد ) يقول : أخزى الله الكرابيسي لا يجالس ولا يكلم ، ولا تكتب كتبه ، ولاتجالس من يجالسه . وقال في رواية شاهين بن السميدع : الحسين الكرابيسي عندنا كافر ) !
وفي المسائل والرسائل لابن أحمد ( 1 / 235 ) : ( سألته عن الذي يقول : لفظي بالقرآن مخلوق قال : هذا كلام جهم ، والجهمي كافر »
فهذه فتاوى صريحة من أحمد ابن حنبل بأن البخاري جهمي كافر ! فالحكم بنفيه أو قتله موافق لقواعده ! وقد صدق محمد بن يحيى الذهلي بأنهم كتبوا له من بغداد ، قال : ( كتبوا إلينا من بغداد أنه تكلم في اللفظ ونهيناه فلم ينته ، فلا تقربوه ) .
فمشكلة البخاري ظهرت في بغداد ، مع أحمد نفسه أي قبل موت أحمد سنة 241 ، لكن البخاري زعم أنه حل المشكلة معه وأرضاه ، والثابت عكس ذلك !
قال في طبقات الحنابلة ( 1 / 179 ) : ( قال محمد بن إسماعيل البخاري : قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل : أنا رجل مبتلى قد ابتليت أن لا أقول لك ، ولكن أقول فإن أنكرت شيئاً فردني عنه : القرآن من أوله إلى آخره كلام الله ليس شئ منه مخلوق ، ومن قال : إنه مخلوق أو شئ منه مخلوق ، فهوكافر . ومن زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق فهو جهمي كافر ؟ قال : نعم ) .
فزعم البخاري أنه عرض كلامه على أحمد فرضيه ! لكن تلاميذ أحمد قالوا إنهم نهوا البخاري عن قول : لفظي بالقرآن مخلوق ، فلم ينته ! فيكون جهمياً واجب القتل عندهم ! لكن تاريخه معهم شفع له ، فلم يقبضوا عليه ويقتلوه فوراً .

  • *
    --------------------------- 28 ---------------------------

الفصل الثالث : كفروا البخاري وتبنوا كتابه !

لو ارتد عبد الرزاق لماتركنا حديثه !

من تناقض علماء السلطة وأئمة المذاهب ، أنهم فصلوا بين المؤلف وكتابه ، فطعنوا في عبد الرزاق الصنعاني بأنه مبتدع يتشيع ، ثم قبلوا حديثه !
وطعنوا في البخاري وحكموا عليه بالكفر ، وتبنوا كتابه ! وقد صرحوا بالسبب الذي جعلهم يغضون رؤوسهم ، ويرضون بالتناقض ! وهو في عبد الرزاق أنهم سافروا إلى صنعاء ، وتلمَّذوا عنده سنين وكتبوا حديثه ، ثم انكشف لهم أنه شيعي ، فقدقال يوماً لشخص في مجلسه : لا تقذر مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان ! وقال في عمر : أنظروا إلى هذا الأنوك يقول محمد ، ولا يقول رسول الله صلى الله عليه وآله ! وغير ذلك .
قال الذهبي في تذكرة الحفاظ ( 2 / 930 ) وسير أعلام النبلاء ( 9 / 572 ) عن الصراري قال : ( بلغنا ونحن بصنعاء عند عبد الرزاق أن أصحابنا ، يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهما ، تركوا حديث عبد الرزاق وكرهوه ، فدخلنا من ذلك غم شديد وقلنا : قد أنفقنا ورحلنا وتعبنا ، فلم أزل في غم من ذلك إلى وقت الحج ، فخرجت إلى مكة فلقيت بها يحيى بن معين فقلت له : يا أبا زكريا ، ما نزل بنا من شئ بلغنا عنكم في عبد الرزاق ؟ قال : وما هو ؟ قلنا : بلغنا أنكم تركتم حديثه ، ورغبتم عنه ! قال : يا أبا صالح ، لو ارتد عبد الرزاق عن الإسلام ما تركنا حديثه !
وقال أحمد بن زهير : سمعت يحيى بن معين ، وبلغه أن أحمد بن حنبل تكلم في عبيد الله بن
--------------------------- 29 ---------------------------
موسى بسبب التشيع فقال يحيى : والله العظيم ، لقد سمعت من عبد الرزاق في هذا المعنى أكثر مما يقول عبيد الله بن موسى ، ولكن خاف أحمد بن حنبل أن تذهب رحلته إلى عبد الرزاق ) !
فشيوخ الأمة مضطرون إلى قبول عبد الرزاق مهما كان دينه ، حتى لا يذهب تعبهم في التلمذ عليه وكتابة حديثه ! وكان عبد الرزاق ذكياً يملي عليهم بمهنية ويداريهم !

وكفروا البخاري وتبنوا كتابه !

فقد حكموا على البخاري بأنه مبتدع كافر ، وطاردوه من بغداد ، ثم نيسابور ، ثم الري ، ثم بخارى ، وأرادوا قتله ، ومع ذلك قبلوا كتابه وغالوا فيه وتعصبوا له ، وبعد مدة تعصبوا لمؤلفه ومدحوه !
والسبب : أن كتاب البخاري مفصل على مقاسهم ، ومؤلف بطلبهم ورغبتهم ، فهو يتضمن أصول الدين الأربعة عند الخليفة ، وهي :
1 - تبرير عزل قريش لأهل البيت عليهم السلام ، والطعن فيهم بأسلوب مبطن !
2 - تقديس الشيخين وبنتيهما ، والغلو فيهم حتى لو استلزم الطعن بالنبي صلى الله عليه وآله !
3 - تبني الأمويين والقرشيين أتباع الدولة ، والدفاع عن سيآتهم وجرائمهم .
4 - تبني تشبيه كعب الأحبار وتجسيمه لله تعالى .
فما دام الكتاب بهذه المواصفات العظيمة ، فليس مهماً أن يكون مؤلفه جهمياً محكوماً عليه بالكفر والقتل ! وكذا حديث عبد الرزاق ، فما دام فيه هذه المواصفات ، فليس مهماً بعدها أن يكون عبد الرزاق شيعياً رافضياً أو كافراً !
قال الذهبي في سيره ( 12 / 462 ) : ( قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في الجرح والتعديل : قدم محمد بن إسماعيل الري سنة خمسين ومئتين ، وسمع منه أبي وأبو زرعة ، وتركا حديثه عندما كتب إليهما محمد بن يحيى أنه أظهرعندهم بنيسابورأن لفظه بالقرآن مخلوق ! قلت : إن تركا حديثه أو لم يتركاه ، البخاري ثقة مأمون ، محتج به في العالم ) !
فليس مهماً عند الذهبي ما قاله أحمدفي البخاري ، ولا ما كتبه في تكفيره إمام نيشابور
--------------------------- 30 ---------------------------
الذهلي ، ولا طعن أبي حاتم وأبي زرعة ، وهما من كبار الأئمة ، بل المهم أن كتاب البخاري نجح وصار عالمياً ، والحمد لله ! لأن الدين عندهم هذه الأصول الأربعة ، وميزان الحق عندهم الشهرة والغلبة !
فأي كتاب أوشخص غلب خصومهم فهو على حق ! أما المبدأ القرآني القائل : وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لايَعْلَمُونَ . . وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ . وأما أن المقياس الدليل لا الكثرة ولا الغلبة ، فهذه بضاعة خذها أنت وبعها في السوق !

هل يمكن الفصل بين المؤلف وكتابه

قلت للمرجع السيد السيستاني حفظه الله : إن فلاناً عنده كتاب جيد فيه أفكار مقبولة ، فقال إن مؤلفه غيرمقبول عند أحد من العلماء ، ولا يمكن الفصل بين المؤلف وكتابه ! والأمر في البخاري أشد ، لأن المؤلف المحدث إذا سقط عن الوثاقة والاعتبار العلمي ، فلا يمكن قبول كتابه مهما كان ظاهره موافقاً لك ، لأن الكتاب مخلوط بآراء مؤلفه ، مطبوع بطابعه في اختيار حديث وترك حديث آخر .
وكتاب البخاري مجبولٌ بآرائه في هيكليته وأبوابه والألوف المؤلفة من عناوينه ! وإيحاءاته في كل ما كتب ويترك ، وما قال أو لم يقل !
فكيف يمكن أن تقبل آراءه وأنت ترفض عقيدته وتعتبره جهمياً كافراً ! فالواجب على السني أن يرفض كتاب البخاري رفضاً تاماً !

خذوا ما رووا وذروا ما رأوا : لا تنطبق على البخاري !

قد يقال : عندكم حالة تشبه البخاري ، فقد حكم أئمتكم عليهم السلام بانحراف بعض الرواة فسألوهم : مانصنع بكتبهم فقال لهم الأئمة عليهم السلام : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا .
قال الطوسي في الغيبة / 389 : ( سئل الشيخ يعني أبا القاسم رضي الله عنه عن كتب ابن أبي العزاقر بعدما ذُم وخرجت فيه اللعنة ، فقيل له : فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها مِلاء ؟
--------------------------- 31 ---------------------------
فقال : أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما وقد سئل عن كتب بني فضال فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء ؟ فقال صلوات الله عليه : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا ) .
لكن تطبيق هذه القاعدة على البخاري لا تصح ، لأنه مزج أراءه وتفنن في اختيار الأحاديث وتغييبها ، وتقطيعها ، وتفنن في عناوينه وأبوابه ، وتفسيره ، فصارت آراؤه مجبولة بأحاديثه ، فلا يمكن تفكيك رأيه عن روايته !
وقد كشفنا نماذج من عمله البهلواني في إخفاء الحديث ، أو تمييعه ، وتبسيط الأمر العظيم ، وتعظيم الأمر البسيط !

  • *

الكيد السياسي بين البخاري وخصومه !

كان البخاري يأتي إلى بغداد ويظهرتبعيته لابن حنبل ومذهب السلطة فكانوا يظهرون الإعجاب به ويؤيدونه ، وكان أحمد بن حنبل الوكيل العام للمتوكل ، فلا بد أنه كان يعطي البخاري ويسخى عليه .
قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ( 9 / 46 ) : ( سمعت العقيلي : لما ألف البخاري كتابه الصحيح عرضه على ابن المديني ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهم ، فامتحنوه ، وكلهم قال : كتابك صحيح إلا أربعة أحاديث . قال العقيلي : والقول فيها قول البخاري ، وهي صحيحة » .
وقال الذهبي في سيره ( 12 / 404 ) : ( قال محمد بن أبي حاتم : سمعت البخاري يقول : دخلت بغداد آخر ثمان مرات ، في كل ذلك أجالس أحمد بن حنبل ، فقال لي في آخر ما ودعته : يا أبا عبد الله ، تدع العلم والناس ، وتصير إلى خراسان ! قال : فأنا الآن أذكر قوله ) ! أي يتمنى لو كان أطاعه وسكن بغداد .
--------------------------- 32 ---------------------------

طمع البخاري بخلافة الإمام أحمد في بغداد

اتخذ المتوكل أحمد بن حنبل مرجعاً ، قال المَلَطي في التنبيه / 7 : « قال أمير المؤمنين المتوكل لأحمد بن حنبل : يا أحمد إني أريد أن أجعلك بيني وبين الله حجة ، فأظهرني على السنة والجماعة . وما كتبته عن أصحابك عما كتبوه عن التابعين ، مما كتبوه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فحدثه » .
وروى أبو يعلى في طبقات الحنابلة « 1 / 233 » : « حدثني أبي عن جدي قال : كنت في مسجد أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ، فأنفذ إليه المتوكل بصاحب له يعلمه أن له جارية بها صَرَعٌ ، وسأله أن يدعوالله لها بالعافية ، فأخرج له أحمد نعل خشب بشراك خوص للوضوء ، فدفعه إلى صاحب له وقال له : تمضي إلى دار أمير المؤمنين وتجلس عند رأس الجارية وتقول له : يقول لك أحمد : أيما أحب إليك تخرج من هذه الجارية أوأصفع الآخر بهذه النعل ! فمضى إليه وقال له مثل ما قال أحمد ، فقال المارد على لسان الجارية : السمع والطاعة ، لو أمرنا أحمد أن لا نقيم في العراق ما أقمنا به ! إنه أطاع الله ، ومن أطاع الله أطاعه كل شئ ، وخرج من الجارية وهدأت ، وزوجت ورزقت أولاداً !
فلما مات أحمد عاودها المارد ، فأنفذ المتوكل إلى صاحبه أبي بكرالمروذي وعرفه الحال ، فأخذ المروذي النعل ومضى إلى الجارية فكلمه العفريت على لسانها : لا أخرج من هذه الجارية ولا أطيعك ! أحمد بن حنبل أطاع الله فأُمرنا بطاعته » !
ومعناه أن المروزي خليفة أحمد لم يعمل قبقابه ! قال في تاريخ بغداد ( 5 / 189 ) : ( كانت أمه مرذوية وكان أبوه خوارزمياً ، وهو المقدم من أصحاب أحمد ، لورعه وفضله . وكان أحمد يأنس به وينبسط إليه وهو الذي تولى إغماضه لما مات وغسله قال أبو علي : لم يكن في أصحاب أحمد أقدرعليه من أبي بكر وتوفي سنة خمس وسبعين ومائتين . ودفن قريباً من قبر أحمد ) . ومعناه أن خلافته لأحمد كانت 34 سنة .
--------------------------- 33 ---------------------------

وكان للبخاري في بغداد محبون ومغالون !

كان صالح بن جزرة مغالياً في البخاري ، يقدمه على المروذي وعلى أحمد نفسه ، قال : ( كان محمد بن إسماعيل يجلس ببغداد ، وكنت أستملي له ، ويجتمع في مجلسه أكثر من عشرين ألفاً ! قال إسحاق بن زبرك : سمعت أبا حاتم في سنة سبع وأربعين ومائتين يقول : قدم عليكم رجل من خراسان لم يخرج منها أحفظ منه ، ولا قدم العراق أعلم منه ، فقدم علينا البخاري .
سمعت أحمد بن نصر الخفاف يقول : محمد بن إسماعيل أعلم بالحديث من إسحاق بن راهويه ، وأحمد بن حنبل وغيرهما ، بعشرين درجة . ومن قال فيه شيئاً ، فمني عليه ألف لعنة ) ! ( تاريخ الذهبي : 19 / 257 ) .
وادعاؤهم أنه أعلم من أحمد يغيظ أحمد وخليفته المروذي ، فلا بد أن يكون المروذي هو الذي كتب إلى الذهلي بأن البخاري صار من اللفظية الجهمية وكفر !
بل يظهر من قول ابن حجر أن الحملة على البخاري بدأت من أحمد بن حنبل نفسه لأن الكرابيسي زميل أحمد ، أول من قال بهذه المقولة ، فعاداه أحمد وكفره !
قال في فتح الباري ( 13 / 410 ) : ( واشتد إنكار الإمام أحمد ومن تبعه على من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، ويقال إن أول من قاله الحسين بن علي الكرابيسي أحد أصحاب الشافعي ، فلما بلغ ذلك أحمد بَدَّعَه وهَجَره ) .
في طبقات الشافعية ( 2 / 229 ) : ( قال الذهلي : ألا من يختلف إلى مجلسه فلا يأتينا ! فإنهم كتبوا إلينا من بغداد أنه تكلم في اللفظ ونهيناه فلم ينته فلا تقربوه ! ) .
وفي طبقات الشافعية ( 2 / 229 ) : ( سأل بعضهم البخاري عما بينه وبين محمد بن يحيى ؟ فقال البخاري : كم يعتري محمد بن يحيى الحسد في العلم ، والعلم رزق الله يعطيه من يشاء ) .
أقول : البخاري يكفر الجهمية ، لكنه من اللفظية الذين يعتبرهم أحمد جهمية !
وفي طبقات الشافعية ( 2 / 230 ) : ( قال له أبو عمرو الخفاف : إن الناس خاضوا في قولك لفظي بالقرآن مخلوق : يا أبا عمرو إحفظ ما أقول لك ، من زعم من أهل نيسابور وقومس
--------------------------- 34 ---------------------------
والري وهمذان وبغداد والكوفة والبصرة ومكة والمدينة أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإني لم أقله ، إلا أني قلت أفعال العباد مخلوقة ! قلت : تأمل كلامه ما أذكاه ! ومعناه إني لم أقل لفظي بالقرآن مخلوق ، لأن الكلام في هذا خوض في مسائل الكلام وصفات الله التي لا ينبغي الخوض فيها إلا للضرورة ، ولكني قلت : أفعال العباد مخلوقة فإن كل عاقل يعلم أن لفظنا من جملة أفعالنا وأفعالنا مخلوقة ، فألفاظنا مخلوقة !
لقد أفصح بهذا المعنى في رواية أخرى صحيحة عنه ، رواها حاتم بن أحمد بن الكندي قال : سمعت مسلم بن الحجاج فذكر الحكاية ، وفيها أن رجلاً قام إلى البخاري فسأله عن اللفظ بالقرآن فقال : أفعالنا مخلوقة وألفاظنا من أفعالنا ! وفى الحكاية أنه وقع بين القوم إذ ذاك اختلاف على البخاري فقال بعضهم قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، وقال آخرون : لم يقل ) !
أقول : تأمل في كلامهم ما أغباهم ! فقد وقعوا في فخ المأمون في الكلام في خلق القرآن فقالوا فيه بجهل ! ثم جعلوا مقولاتهم ديناً يدينون به ، ويتولون الناس ويتبرؤون منهم ويكفرونهم عليه ، ويقتلونهم !
وقد تأثر البخاري بالكرابيسي ، فقال لفظي بالقرآن مخلوق ، أي تلاوتي له ، لأن أفعالنا مخلوقة وتلاوتنا من أفعالنا ، فاعتبرأحمد البخاري كالكرابيسي من اللفظية ، وقال إنهم شر من الجهمية ، وضيق عليه في بغداد بعد أن كان يدعوه إلى المجيئ إلى بغداد ، ويغدق عليه من مال المتوكل ! ثم ضيق عليه خليفته أبو بكر المروذي فذهب إلى نيسابور ، ثم إلى الري ، ثم إلى بخارى ، وكانت شرطتهم تلاحقه ، وكانت حجة الذهلي : كتبوا الينا من بغداد أنهم نهوه فلم ينته !
وتقدم أن البخاري زار أحمد في بغداد ثمان مرات وعرض عليه صحيحه فمدحه ، لكن أحمد غضب عليه وكفره مع الكرابيسي ، ولما اشتدت الحملة علىه بعد أحمد ، حاول إرضاءهم بأنه يكفر الجهمية ، لكنهم لم يقبلوا منه وعدوه من مذهب الكرابيسي اللفظية ، وهم عند أحمد جهمية وشرٌّ من الجهمية !
--------------------------- 35 ---------------------------

الامتحان المدبر في نيسابور

دخل البخاري بغداد سنة مئتين سبع وأربعين ، وبقي فيها ثلاث سنوات ، ووجد قبولاًً في أول أمره ، ، لكنه اضطر أن يفرَّ منها إلى نيسابورسنة 250 ، ولم يعرف أهل نيسابور أنه مغضوب عليه في بغداد ، فاستقبلوه بحفاوة .
قال ابن حجر في مقدمة فتح الباري / 491 : ( قال حاتم بن أحمد بن محمود : سمعت مسلم بن الحجاج يقول : لما قدم محمد بن إسماعيل نيسابور استقبلوه من مرحلتين من البلد أو ثلاث ، وقال محمد بن يحيى الذهلي في مجلسه : من أراد أن يستقبل محمد بن إسماعيل غداً فليستقبله ، فإني أستقبله فاستقبله محمد بن يحيى وعامة علماء نيسابور ، فدخل البلد فنزل دار البخاريين ، فقال لنا محمد بن يحيى : لاتسألوه عن شئ من الكلام فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن عليه وقع بيننا وبينه ، وشمت بنا كل ناصبي ورافضي وجهمي ومرجئ !
قال : فازدحم الناس على محمد بن إسماعيل حتى امتلأت الدار والسطوح ، فلما كان اليوم الثاني أو الثالث من يوم قدومه ، قام إليه رجل فسأله عن اللفظ بالقرآن ، فأعرض عنه البخاري ولم يجبه ثلاثاً ، فألح عليه فقال البخاري : القرآن كلام الله غيرمخلوق ، وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة ! فشغب الرجل وقال : قد قال لفظي بالقرآن مخلوق ! قال : فوقع بين الناس اختلاف ، فقال بعضهم قال لفظي بالقرآن مخلوق ، وقال بعضهم : لم يقل ! فوقع بينهم في ذلك اختلاف حتى قام بعضهم إلى بعض ! فاجتمع أهل الدار فأخرجوهم !
وقال أبو أحمد بن عدي : حسده بعض شيوخ الوقت ، فقال لأصحاب الحديث : إن محمد بن إسماعيل يقول : لفظي بالقرآن مخلوق ! قال الذهلي : ألا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضرمجلسنا ، فأخذ مسلم رداءه فوق عمامته وقام على رؤس الناس ، فبعث إلى الذهلي جميع ما كان كتبه عنه على ظهر حمال . قلت : وقد أنصف مسلم فلم يحدث في كتابه عن هذا ولا عن هذا .
وقال الحاكم : سمعت أحمد بن سلمة النيسابوري يقول : دخلت على البخاري فقلت : يا أبا عبد الله إن هذا رجل مقبول بخراسان ، وقد لج في هذا الأمر حتى لا يقدر أحد منا أن يكلمه فيه فما ترى ؟ قال : فقبض على لحيته ثم قال : وَأُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ . اللهم إنك تعلم أني لم أرد المقام بنيسابور أشراً ولا بطراً ولا طلباً للرياسة ، وإنما أبت عليَّ نفسي الرجوع إلى الوطن لغلبة المخالفين ، وقد قصدني هذا الرجل حسداً لما آتاني الله ! ثم قال : يا أحمد إني خارج غداً لتخلصوا من حديثه لأجلى ! فخشيَ البخاري ( القتل ) وسافر !
--------------------------- 36 ---------------------------
وقال الحاكم : سمعت محمد بن نعيم يقول : سألت محمد بن إسماعيل لما وقع في شأنه ما وقع عن الإيمان فقال : قول وعمل ، ويزيد وينقص ، والقرآن كلام الله غيرمخلوق . وأفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، على هذا حييت وعليه أموت ، وعليه أبعث إن شاء الله تعالى ) .
أقول : يقصد البخاري أن عقيدته موافقة للحكومة ، لكن موقف بغداد الرسمي منه وصل إلى إمام نيسابور ، فاحتفى به عند قدومه ، ودس له في اليوم الثاني من يمتحنه ويسأله عن قوله : لفظي بالقرآن مخلوق . ويلح عليه ، فيشغب المشاغبون عليه ويبدعوه ويشتموه ، فيكون ذلك مبرراً لنفيه !
وقد قال البخاري إن الهذلي حسده ، وأجاب الهذلي بأنهم كتبوا له من بغداد !

الامتحان المدبر في بخارى

لما ذهب إلى بخارى ، استقبلوه بحفاوة أيضاً ، لكن الذهلي إمام نيسابور كتب إلى والي بخارى خالد الذهلي ، أن البخاري ضال مبتدع ، فامتحنه فإن قال القرآن مخلوق فاقتله ! فأراد الوالي امتحانه ، فهرب من بخارى !
قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ( 9 / 44 ) : ( كان سبب مفارقة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البلد يعني بخارى ، أن خالد بن أحمد الأمير سأله أن يحضر منزله فيقرأ الجامع والتاريخ على أولاده ، فامتنع . فسأله أن يعقد لأولاده مجلساً لا يحضره غيرهم ، فامتنع أيضاً ،
--------------------------- 37 ---------------------------
فاستعان عليه بحريث بن أبي الورقاء وغيره حتى تكلموا في مذهبه ، ونفاه عن البلد ، فدعا عليهم فاستجيب له .
وقال ابن عدي : سمعت عبد القدوس بن عبدالجباريقول : جاء محمد بن إسماعيل إلى خرتنك قرية من قرى سمرقند على فرسخين منها وكان له بها أقرباء فنزل عندهم ، قال : فسمعته ليلة من الليالي يدعو : اللهم إنه قد ضاقت علي الأرض بما رحبت فاقبضني إليك . قال فما تم الشهر حتى قبضه الله في سنة ست وخمسين ومائتين في شوال ) .
وقال في شرح علل الترمذي ( 1 / 496 ) : ( وامتحن في آخر عمره بمسألة اللفظ بالقرآن فإنه قال : أفعال العباد مخلوقة فنسبه محمد بن يحيى الذهلي إلى القول بأن اللفظ بالقرآن مخلوق ، وأمر بهجره وضيق عليه ، فخرج البخاري من نيسابور إلى بخارى ، فكتب محمد بن يحيى إلى والي بخارى في آخره ، فنفاه من بخارى ، فتوفي بقرية من قراها ) .
وقال الذهبي في سيره ( 12 / 465 ) : ( كان محمد بن إسماعيل يسكن سكة الدهقان وكان جماعة يختلفون إليه ، يظهرون شعار أهل الحديث من إفراد الإقامة ، ورفع الأيدي في الصلاة وغير ذلك ، فقال حريث بن أبي الورقاء وغيره : هذا رجل مشغب ، وهويفسد علينا هذه المدينة ، وقد أخرجه محمد بن يحيى من نيسابور ، وهو إمام أهل الحديث ، فاحتجوا عليه بابن يحيى ، واستعانوا عليه بالسلطان في نفيه من البلد ، فأخرج ! قلت : خالد بن أحمد الأمير ، قال الحاكم : له ببخارى آثار محمودة كلها ، إلا موجدته على البخاري ، فإنها زلة ، وسبب لزوال ملكه . وكان قد مال إلى يعقوب بن الليث . فلما حج حبسوه ببغداد حتى مات لسنته ، وهي سنة تسع وستين ومئتين ) .
ومعناه أن البخاري قصد سمرقند فلاحقوه ، وربما كتبوا إلى واليها أن ينفيه منها ، فعرف بذلك فلم يدخلها ، وقصد قرية خرتنك التي فيها أقاربه .
أما اعتقال الوالي خالد الذي زعموا أن الله انتقم للبخاري منه ، فكان بعد وفاة البخاري بثلاث عشرة سنة ، لأنه أيد الثورة الصفارية التي قضت على الطاهريين .

  • *
    --------------------------- 38 ---------------------------

الفصل الرابع : غلوهم في البخاري وكتابه

اعرف شخصية البخاري من أفكاره !

1 . يقول البخاري : إذا رضع طفل من بقرة صارت البقرة أمه بالرضاعة ، وصار أولادها إخوته وأخواته ، وزوجها الثور أباه من الرضاعة !
ويقول البخاري : إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ، فإن أحد جناحيه داء والآخر شفاء ! وقد نسبه إلى النبي صلى الله عليه وآله !
ويقول البخاري : إنه لم يكذب أبداً ، أما نبي الله إبراهيم عليه السلام فكذب ثلاث كذبات !
وقال البخاري : ( 1 / 182 ) : ( فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة ، فيقول انا ربكم ! فيقولون : أنت ربنا ! فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول : هل بينكم وبينه آية تعرفونه ؟ فيقولون : الساق ، فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ) . يقصد ساقه التي وضعها في جهنم !
وزعم البخاري : أن شخصاً غش الله يوم القيامة فطلب منه أن يأخذه إلى باب الجنة فيأخذه ، فيقول يا رب لا تجعلني أشقى خلقك ، فيضحك الله عز وجل منه ، ثم يأذن له في دخول الجنة ! وستعرف أنه صحح أحاديث عديدة تناقض للقرآن !

لم يفقه البخاري الشريعة فأفتى بالنسب بين الإنسان والحيوان !

قال شيخ الشريعة الأصفهاني قدس سره في القول الصراح في نقد الصحاح / 90 ، ملخصاً : ( قال صاحب الكفاية الحنفي : إذا شرب صبيان بلبن شاة فلا رضاع بينها لأنه لا حرمة بين الآدمي
--------------------------- 39 ---------------------------
والبهائم ، لأن البهيمة لايتصورأن تكون أُمّاً للآدمي ! وكان محمد بن إسماعيل البخاري يقول : تثبت به حرمة الرضاع ، وقد استفتي في بخارى في زمن الشيخ أبي حفص الكبير : إذا رضع صبيان بلبن شاة فأفتى بثبوت الحرمة !
وقد وصف التفتازاني البخاريين بالبلادة ، وقال أبوالكاتب :
لو الفرس العتيق أتى بخارى لصار بطبعه منها حمارا )

ضعفه في اللغةالعربية وخطؤه في تفسير ألفاظها !

من أمثلة ذلك تفسيره للدعاء بالإيمان ، قال في ( 1 / 8 ) : ( دعاؤكم : إيمانكم ، لقوله تعالى : قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّى لَوْلا دُعَاؤُكُمْ . ومعنى الدعاء في اللغة : الإيمان ) !
ولا تجد لغوياً في العالم فسر الدعاء بالإيمان ، من بخارى إلى السودان !
ومن جهله تفسيره أكملتُ بكملوا ، قال في ( 1 / 16 ) : ( باب زيادة الإيمان ونقصانه ، وقول الله تعالى : وَزِدْنَاهُمْ هُدَى ، وقال : اليَوْمَ أكملتُ لكُم دِيَنكُم ، فإذا ترك شيئاً من الكمال فهو ناقص ) ! ومن تحريفه أنه حذف كلمة اليوم في أول الآية ، لأنه لو أبقاها لا نفضح تفسيره : اليوم كملوا دينكم !
وقال ( 6 / 49 ) : ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ . أي لذووا سعة ) ومعناه : موسِّعوها . وتفسيره ( 6 / 57 ) : ( فَسَلامٌ لك : أي مسلم لك أنك من أصحاب اليمين ) . ومعناه : طوبى لك وهنيئاً لك .
كما يدل على جهله بالعربية ضعف عبارته ، وأنه قد يستعمل اللفظ في غير معناه !

يروي عن ضعفاء ويقول إنهم عدول !

ألف سليمان بن خلف الباجي وهو إمام عندهم ( توفي 474 ) كتابه : التعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الجامع الصحيح . وهو مجلدان ، وقد طبع أخيراً في المغرب بتحقيق أحمد البزار ، أستاذ بكلية اللغة العربية بمراكش .
--------------------------- 40 ---------------------------
أما أستاذا البخاري أبو حاتم الرازي ، وأبو زرعة ، وهما إمامان كبيران عندهم ، فقد تركا الرواية عن البخاري ، وألف أبو حاتم الرازي كتاباً باسم : بيان خطأ البخاري في علم الرجال ! فبلغت في كتاب واحد أكثر من سبع مئة خطأ !
قال في صفحة / 164 ، الخطأ رقم : ( 771 : أبو مالك الغفاري سمع عمارة ، روى عنه حصين وسلمة . وإنما سمع عمار بن ياسر ) .
كما ألف مسلمة بن قاسم الأندلسي كتاباً في الرواة الذين روى البخاري عنهم كتابه ونقد عدداً منهم !
وقال الذهبي ( تاريخه : 7 / 254 ) : ( ليس بالخبير برجال الشام . وهذه من أوهامه ) .
كما عدوا من أوهامه قوله ( 5 / 17 ) : ( أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري ، جد زيد بن حسن ، شهد بدراً ) . ولم يشهد بدراً بل كان ساكناً فيها .
قال السمعاني في الأنساب ( 1 / 295 ) : ( عقبة بن عمرو البدري من الصحابة ، نزل بدراً يعني هذه البئر فنسب إلى هذا الموضع ، ولم يكن شهد هذه الوقعة )

يُضعِف البخاري الراوي ثم يروي عنه !

ومما طعنوا به على البخاري أنه ضعَّف رواة ثم روى عنهم ! وفَسَّق شيخه محمد بن يحيى الهذلي ، ثم روى عنه ! قال في طبقات الشافعية ( 2 / 229 ) : ( وقد سأل بعضهم البخاري عما بينه وبين محمد بن يحيى ؟ فقال البخاري : كم يعتري محمد بن يحيى الحسد في العلم ، والعلم رزق الله يعطيه من يشاء ) !
وقال في فتح الباري ( 13 / 118 ) : ( قال الحاكم والكلاباذي : أخرج البخاري عن محمد بن يحيى الذهلي فلم يصرح به ، وإنما يقول حدثنا محمد ، وتارة محمد بن عبد الله فينسبه لجده . وتارة حدثنا محمد بن خالد ، فكأنه نسبه إلى جد أبيه لأنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس ) !
وقال الذهبي في سيره ( 12 / 396 ) : ( محمد بن يحيى الذهلي الذي روى عنه الكثير ويدلسه
--------------------------- 41 ---------------------------
فيقول : حدثني عبد الله ولاينسبه ) .
وقال الهرساوي في : البخاري وفقه أهل العراق / 121 و 123 ، ملخصاً : ( فصَّلنا الكلام في رجال البخاري الذين ضعَّفهم هو نفسه ، ثم روى عنهم في الصحيح ، لأنه ربما يضعِّف الراوي في الرجال ويذكره في ضعفائه ، ثم يروي عنه في الصحيح !
قال ابن حجر في طبقات المدلِسين : محمد بن إِسماعيل بن المغيرة البخاري ، الإمام . وصفه بذلك أَبو عبد الله بن مندة . والتدليس : إِخفاء عيب في الإِسناد ، فهو خداع وخيانة . وتدليس المتن : أَن يدخل شيئاً من كلامه في الحديث بوجه يوهم أنه من الحديث . وتدليس الأسناد : أن يروي حديثاً لم يسمعه بصيغة توهم السماع . وقد ذم العلماء التدليس واعتبروه ضرباً من الغش والخداع والتمويه . قال سليمان بن داود المنقري : التدليس والغش والغرور والخداع والكذب . وقد حكموا بإسقاط الروايات المعنعنة للراوي المدلِّس . لكن دافعوا عن تدليس البخاري ومسلم بأن تدليس أئمة الحديث لا يضر بإمامتهم ووثاقتهم ، لأنهم جازوا القنطرة ) !

إذا عبرت القنطرة فدلس ، لأن الحرام يصير لك حلالاً !

قال الشيخ الهرساوي تحت عنوان تدليس البخاري / 120 ، ملخصاً : ( وقد ذم العلماء التدليس لأنه من الغش وقد قال النبي صلى الله عليه وآله : مَنْ غَشَّنا فَلَيْسَ مِنّا . وقال غندر : التدليس أَشد من الزنا , وتدليس الشيوخ أسوأ من غيره ، ومن أَمثلته تدليس البخاري في شيخه محمد بن يحيى الذهلي . وقال الحاكم : روى عنه البخاري نيّفاً وأَربعين حديثاً . وقال الذَّهبي : لم يصرِّح به قط !
وقال ابن حجر في طبقات المدلِّسين : محمد بن إِسماعيل بن المغيرة البخاري الإِمام ، وصفه بذلك أَبو عبد الله بن مندة ، فقال فيه : أَخرج البخاري قال : فلان ، وقال : أَخبرنا فلان ، وهو تدليس » . ( طبقات المدلسين / 24 ) .
وبعد إِثبات تدليس البخاري ومسلم ، قالوا إن تدليس أئمة الحديث لا يضر بإمامتهم ووثاقتهم ، لأنهم جازوا القنطرة !
--------------------------- 42 ---------------------------
قال السخاوي في فتح المغيث / 21 : ( ومن ذلك إخراج البخاري ومسلم لجماعة ما اطلعنا فيهم على جرح ولا توثيق ، فهؤلاء يحتج بهم لأن الشيخين احتجا بهم ، ولأن الدهماء أطبقت على تسمية الكتابين بالصحيحين .
قلت : بل أفاد التقي ابن دقيق العيد أن إطباق جمهور الأمة أو كلهم على كتابيهما يستلزم إطباقهم أو أكثرهم على تعديل الرواة المحتج بهم فيهما اجتماعاً وانفراداً . قال : مع أنه قد وجد فيهم من تكلم فيه !
ولكن كان الحافظ أبو الحسن بن المفضل شيخ شيوخنا يقول فيهم : إنهم جازوا القنطرة ، يعني أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيهم ) !
أقول : وسبب تعصبهم للبخاري ، أنه يدافع عن دين السلطة ، وعن أناس اتخذوهم أنداداً ، ووالوا الناس وعادوهم وقتلوهم ، لأجلهم !

البخاري كتاب أبي بكر وعمر قبل الله ورسوله صلى الله عليه وآله

تقرأ البخاري فتجد أن عند المؤلف هدفاً مهماً دائماً ، هو تقديس أبي بكر وعمر وبنتيهما ، قبل تنزيه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله ! ثم تقديس المجموعة التي تدور في فلكهم ، ومدحها ، والمبالغة فيها ، والدفاع عنها !
يظهر ذلك من تفننه في اختيارالعنوان والحديث ، وترك غيره مما هو صحيح عنده ، ومن أسلوبه في صياغة الحديث ، وحرصه على تبرئتهم وإدانة من يخالفهم ! فهؤلاء يجب تعظيمهم وإظهارمحاسنهم والستر على مساوئهم ، مهما بلغ الثمن ، حتى لو كان المساس بمقام النبي صلى الله عليه وآله ، بل بمقام الله تعالى !
وسترى نماذج من عمله المستميت في مدح هؤلاء الأشخاص والشخصات !
--------------------------- 43 ---------------------------

البخاري : كتاب عائشة بقلم البخاري !

تقرأ البخاري فتجد عائشة في كل شئ ، فهي تحدث عن نفسها وشؤونها الشخصية مع النبي صلى الله عليه وآله ، وعن أبيها ، وأمها الأردنية ، وعن إخوتها وخاصة شقيقها عبد الرحمن ، وعن أختها أسماء !
وتتحدث عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله والوحي ، وخصوصيات النبي صلى الله عليه وآله ، وأزواجه ، وأسراره ، وأصحابه ، وعن الشريعة والأحكام ، وعن مواضيع لا تخطر على بالك ، فما أن تقرأ عنواناً حتى تنتظر بعده حديث عائشة !
قالوا إن أحاديث عائشة بلغت 2200 حديثاً ، وإنها في البخاري 242 حديثاً فقط ، لكن دورها مفصلي ، وحجمها كبير وبعضها في صفحات ، وكأن البخاري وصلها ببعضها ، فصار الواحد منها بعشرة !
أما عن تقديس البخاري لها فلاتسأل ، فهي عنده المملي الأول ، والمحترمة التي لايضرها ما لا يناسب ، والصادق الذي لا يجوز تكذيبه ، حتى لوتناقضت أقوالها ، وحتى لو خالفت القرآن والمنطق ، واللياقات .

سرق البخاري كتاب أستاذه وألف منه كتابه !

ارتكب البخاري عملاً غير شرعي وغيرأخلاقي ، مع شيخه علي بن المدِيني ، فسرق كتابه في أحوال الرواة ، وألف منه كتابه الجامع الصحيح !
قال شيخ الشريعة قدس سره في القول الصراح في نقد الصحاح / 89 : ( يدل على عدم ديانته ووثاقته ، وتدليسه ، وأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه ، مع العلم بكراهته وعدم رضاه ، وارتكب الكذب الصريح وأقدم على أمر قبيح ، كما يظهر كلّه مما قاله مسلمة بن قاسم في تاريخه على ما نقل عنه ، قال : وسبب تأليف البخاري الكتاب الصحيح : أن علي بن المديني ألف كتاب العلل ، وكان ضنيناً به لا يخرجه إلى أحد ، ولا يحدث به لشرفه وعظم خطره وكثرة فائدته ، فغاب علي بن المديني في بعض حوائجه ، فأتى البخاري إلى بعض بنيه
--------------------------- 44 ---------------------------
فبذل له مائة دينار ، على أن يخرج له كتاب العلل ليراه ويكون عنده ثلاثة أيام ، ففتنه المال وأخذ منه مائة دينار ، ثم تلطف مع أمه فأخرجت الكتاب فدفعه اليه ، وأخذ عليه العهود والمواثيق أن لايحبسه عنده أكثر من الأمد الذي ذكر ، فأخذ البخاري الكتاب وكان مائة جزء ، فدفعه إلى مائة من الوراقين ، وأعطى كل رجل منهم ديناراً على نسخه ومقابلته في يوم وليلة ، فكتبوا له الديوان في يوم وليلة وقوبل ، ثم صرفه إلى ولد علي بن المديني ، وقال : إنما نظرت إلى شئ فيه ! وانصرف علي بن المديني فلم يعلم بالخبر ، ثم ذهب البخاري فعكف على الكتاب شهوراً واستحفظه ، وكان كثير الملازمة لابن المديني ، وكان ابن المديني يقعد يوماً لأصحاب الحديث يتكلم في علله وطرقه ، فلما أتاه البخاري بعد مدّة قال له : ما أجلسك عنا ؟ قال : شغل عرض لي ، ثم جعل علي يلقي الأحاديث ويسألهم عن عللها ، فيبدر البخاري بالجواب بنصّ كلام علي في كتابه ! فعجب لذلك ، ثم قال له من أين علمت هذا ! هذا قول منصوص ، والله ما أعلم أحداً في زماني يعلم هذا العلم غيري !
فرجع إلى منزله كئيباً حزيناً ، وعلم أن البخاري خدع أهله بالمال حتى أباحوا له الكتاب ، ولم يزل مغموماً بذلك ولم يثبت إلاّ يسيراً حتى مات !
واستغنى البخاري عن مجالسة علي والتفقه عنده بذلك الكتاب ، وخرج إلى خراسان وتفقه بالكتاب ، ووضع الكتاب الصحيح والتواريخ ، فعظم شأنه وعلا ذكره ، وهو أول
--------------------------- 45 ---------------------------
من وضع في الإسلام كتاب الصحيح ، فصار الناس له تبعاً بكتابه ، واشتهر لدى العلماء في تأليف الصحيح ) .
واختصر القصة ابن حجر فقال في تهذيب التهذيب ( 9 / 46 ) : ( قال مسلمة : وألف علي بن المديني كتاب العلل وكان ضنيناً به ، فغاب يوماً في بعض ضياعه ، فجاء البخاري إلى بعض بنيه وراغبَهُ بالمال على أن يرى الكتاب يوماً واحداً ! فأعطاه له فدفعه إلى النساخ فكتبوه له ورده إليه ، فلما حضرعلي تكلم بشئ فأجابه البخاري بنص كلامه مراراً ! ففهم القضية واغتم لذلك ، فلم يزل مغموماً حتى مات بعد يسير ! واستغنى البخاري عنه بذلك الكتاب ، وخرج إلى خراسان ووضع كتابه الصحيح ، فعظم شأنه وعلا ذكره ، وهو أول من وضع في الاسلام كتاباً صحيحاً ، فصار الناس له تبعاً بعد ذلك ) !
ثم رد ابن حجر تهمة السرقة عن البخاري ، فقال : ( إنما أوردت كلام مسلمة هذا لأبين فساده ، فمن ذلك إطلاقه بأن البخاري كان يقول بخلق القرآن وهو شئ لم يسبقه إليه أحد ، وقد قدمنا ما يدل على بطلان ذلك .
وأما القصة التي حكاها فيما يتعلق بالعلل لابن المديني فإنها غنية عن الرد لظهور فسادها ، وحسبك أنها بلا إسناد ، وأن البخاري لما مات علي كان مقيماً ببلاده ، وأن العلل لابن المديني قد سمعها منه غير واحد غيرالبخاري ، فلو كان ضنيناً بها لم يخرجها ! إلى غير ذلك من وجوه البطلان ) .
لكن رد ابن حجر للتهمة لا يصح ، لأن راوي السرقة مسلمة بن القاسم إمام ثقة كبير القدر من الأجلاء بشهادة ابن حجر نفسه ( لسان الميزان : 6 / 35 ) . وقد جعله من أقران الدارقطني ، وكتابه الصلة معتمد ، وقول البخاري بخلق القرآن لازم كلامه .
ثم إن مسلمة غير متهم في البخاري ! فهو يمدحه ( تهذيب التهذيب : 9 / 46 ) : ( قال مسلمة في الصلة : كان ثقة جليل القدر ، عالماً بالحديث ، وكان يقول بخلق القرآن ، فأنكر ذلك عليه علماء خراسان ، فهرب ، ومات وهو مستخف ) .
أما علي بن المديني فهو أستاذ البخاري ، وهو إمام كبير ومؤلفات مهمة ، وقد أملى على البخاري وغيره من كتابه العلل ، لكن لم يمله كله ، فكان البخاري بحاجة اليه !
وقد كذب ابن حجرأو نسي من تعصبه للبخاري ، فقال إن ابن المديني عاش بعد البخاري ، وقد ترجم هو للمديني وغيره ، وذكروا أنه مات سنة 234 ، أي قبل البخاري باثنتين وعشرين سنة ! ( تهذيب التهذيب : 9 / 44 ) .
كما يؤيد سرقة البخاري لكتاب أستاذه ابن المديني أنه حكم عليه بالغرور الشديد ! قال في تهذيب التهذيب ( 9 / 43 ) : ( ذكر لعلي بن المديني قول محمد بن إسماعيل : ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني ، فقال : ذروا قوله ، ما رأى مثل نفسه ) ! أي لاتصدقوه فهو كذاب مغرور ، يرى نفسه أفضل من الكل !
--------------------------- 46 ---------------------------

المديني الذي سرق البخاري كتابه !

ومما يؤيد تهمة سرقة البخاري للكتاب : أن المديني شخصية استثنائية ، وكتبه استثنائية أيضاً ، وفيما يلي صورة مقتضبة عنه :
ففي معجم البلدان : 5 / 82 ومعارف ابن قتيبة / 527 ) : كان أصله من المدينة ونزل البصرة ، وكان المقدم في حفاظ وقته ، روى عن سفيان بن عيينة وحماد بن زيد وكتب عن الشافعي كتاب الرسالة وحملها إلى عبد الرحمن بن مهدي ، وذكر أنه مات عند المتوكل بسامراء ، سنة 234 .
وقال شيخه سفيان بن عيينة ( تقريب التهذيب : 1 / 697 ، وتهذيب التهذيب : 7 / 306 ) : ( يلومونني على حب علي ، والله لقد كنت أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني .
قال أبو حاتم الرازي : كان علي علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل ، وكان أحمد لا يسميه إنما يكنيه ، تبجيلاً له ، وما سمعت أحمد سماه قط .
وقال النسائي : كأن الله خلقه للحديث . وروى عنه البخاري وأبو داود وسفيان بن عيينة ومعاذ بن معاذ ، وأحمد بن حنبل وعثمان ابن أبي شيبة ، وصالح بن أحمد بن حنبل . وروى عنه الترمذي والنسائي وابن ماجة بواسطة . . الخ . وقال عبد الرحمن بن مهدي : علي بن المديني أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله . وقال العباس العنبري : كان الناس يكتبون قيامه وقعوده ولباسه ، وكل شئ يقول ويفعل . وقال الأعين : رأيت علي بن المديني مستلقياً وأحمد عن يمينه وابن معين عن يساره وهو يملى عليهما .
وقال ابن المديني : تركت من حديثي مائة ألف فيها ثلاثون ألفاً لعباد بن صهيب . وقال أبو العباس السراج : سمعت البخاري وقيل له ما تشتهي ؟ قال : أشتهي أن أقدم العراق وعلي بن عبد الله حي ، فأجالسه ) !
وقال الشيخ عبد المحسن العباد في مجلة الجامعة الإسلامية ( 6 / 312 ) :
( قال النووي : وأجمعوا على جلالته وإمامته وبراعته في هذا الشأن ، وتقدمه على غيره . قال أبو حاتم : كان ابن المديني علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل .
--------------------------- 47 ---------------------------
وقال ابن حجر في التقريب : أعلم أهل عصره بالحديث وعلله .
وقال الذهبي في الميزان : إليه المنتهى في معرفة علل الحديث النبوي .
وقال أبو داود : ابن المديني أعلم باختلاف الحديث من أحمد بن حنبل .
ألف ابن المديني في الحديث مصنفات كثيرة العدد جليلة القدر .
روى عنه البخاري في الصحيح ثلاث مائة وثلاثة أحاديث . قال النووي : أحد أئمة الإسلام المبرزين في الحديث صنف فيه مائتي مصنف لم يسبق إلى معظمها ، وعد منها :
1 . كتاب الأسامي والكنى ثمانية أجزاء .
2 . كتاب الضعفاء عشرة أجزاء .
3 . كتاب المدلسين خمسة أجزاء .
4 . كتاب أول من نظر في الرجال وفحص عنهم جزء .
5 . كتاب الطبقات : عشرة أجزاء .
6 . كتاب من روى عن رجل لم يره جزء .
7 . كتاب علل المسند ثلاثون جزءا .
8 . كتاب العلل لإسماعيل القاضي أربعة عشر جزءا .
9 . كتاب علل حديث ابن عيينة - ثلاثة عشر جزءا .
10 . كتاب من لا يجنح بحديثه ولا يسقط جزءان .
11 . كتاب الكنى خمسة أجزاء .
12 . كتاب الوهم والخطأ : خمسة أجزاء .
13 . كتاب قبائل العرب عشرة أجزاء .
14 . كتاب من نزل من الصحابة سائر البلدان خمسة أجزاء .
15 . كتاب التاريخ عشرة أجزاء .
16 . كتاب العرض على المحدث جزءان .
17 . كتاب من حدث ثم رجع عنه جزءان .
--------------------------- 48 ---------------------------
18 . كتاب الثقات والمثبتين عشرة أجزاء .
19 . كتاب الأسامي الشاذة ثلاثة أجزاء .
20 . كتاب تفسير غريب الحديث خمسة أجزاء .
21 . كتاب مذاهب المحدثين جزءان .
ويوجد من آثاره كتاب علل الحديث ومعرفة الرجال ، في خزانة أحمد الثالث في تركيا وصورته في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية بالقاهرة رقم 743 .
أقول : فمن الطبيعي أن يطمع البخاري في كتال العلل ، ويؤلف كتابه منه ، وقد تقدم قول البخاري وقد سئل ما تشتهي ؟ فقال : ( أشتهي أن أقدم العراق وعلي بن عبد الله حي ، فأجالسه ) ! ( تهذيب التهذيب : 7 / 306 ) ولا بد أن أول ما يشتهيه كتاب العلل !
وأقدر أنه لو قورن كتاب البخاري به لظهر أن البخاري أخذ كتابه منه

وقد يبالغ البخاري ويكذب !

قال البخاري : ( صنفت كتابي الجامع في المسجد الحرام ، وما أدخلت فيه حديثاً حتى استخرت الله تعالى وصليت ركعتين وتيقنت صحته ! قال ابن طاهر : الأصح أنه صنفه ببخارى ) . ( تغليق التعليق : 5 / 421 ) .
وحاول ابن حجر أن يوجه كلامه فقال : ( تقدم عنه أنه صنفه في ست عشرة سنة ، فيحمل أنه كان يصنفه في البلاد التي يرحل إليها فلاتنافي بين القولين ) .
لكن كلام البخاري صريحٌ بأنه ألف كتابه في المسجد الحرام ، يعني كله !

وبالغوا وكذبوا في قوة حافظة البخاري ودقته !

فقد رووا في حفظه ودقته قصصاً ، ليمدحوا كتابه ! وأكثروا من رواية منامات أمه له ، ومناماته لنفسه ، ومنامات تلاميذه فيه ! كقولهم إنهم رأوا النبي صلى الله عليه وآله يأتي لزيارته ، وإنه يكش الذباب عن النبي فينفي عنه الكذب ! وإنه يختم القرآن في كل يوم ختمة وثُلْثاً ، وإنه كان
--------------------------- 49 ---------------------------
يغتسل ويصلي ركعتين قبل كل حديث يكتبه !
وقولهم إنه كان لا يكتب عندما يملي عليهم الأستاذ ، فسألوه فقال لهم : الآن أقرأ لكم ، فقرأ عليهم خمسة عشر ألف حديث عن ظهر قلبه ، فصححوا كتبهم عن حفظه ! أي قرأ عليهم سبع مجلدات ، وهي خمسة أضعاف كتابه الصحيح ، وتحتاج قراءتها إلى 500 ساعة ، بدون صلاة ولا طعام ولا نوم !
قال في طبقات الحنابلة ( 1 / 276 ) : ( سمعت حاشد بن إسماعيل يقول : كان أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري يختلف معنا إلى مشايخ الحديث في البصرة وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام ، فكنا نقول له إنك تختلف معنا ولا تكتب فما غناك فيما تصنع ؟ فقال لنا بعد ستة عشريوماً : إنكما قد أكثرتما عليَّ وألححتما فاعرضا علي ماكتبتما ، فأخرجنا ما كان عندنا فزاد على خمسة عشرألف حديث ، فقرأها كلها عن ظهرالقلب حتى جعلنا نحكم كتبنا على حفظه ، ثم قال : أترون أني اختلف هدراً وأضيع أيامي ! فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد !
وكان أهل المعرفة من أهل البصرة يَعْدُون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ، ويُجلسوه في بعض الطريق ، فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يُكتب عنه . وكان شاباً لم يخرج وجهه ) !
وقبل ابن حجر رواية المروزي فقال : ( كنت نائماً بين الركن والمقام فرأيت النبي صلى الله عليه وآله فقال لي : يا أبا زيد إلى متى تدرس كتاب الشافعي ولاتدرس كتابي ؟ فقلت : يا رسول الله وما كتابك ؟ قال : جامع محمد بن إسماعيل ! ( التغليق : 5 / 421 ) .
ثم قال ابن حجر : ( قلت : إسناد هذه الحكاية صحيح ، ورواتها ثقات أئمة ) .
ثم ذكرمنامات في البخاري ، منها : رأيت البخاري في المنام خلف النبي صلى الله عليه وآله والنبي يمشي ، فكلما رفع النبي قدمه وضع أبو عبد الله قدمه في ذلك الموضع ! ومنها : رأيت النبي في المنام فقال لي : أين تريد ؟ فقلت : أريد محمد بن إسماعيل البخاري . فقال : أقرئه مني السلام ) .
--------------------------- 50 ---------------------------
وهذه المنامات ، بين مكذوب ، وما هو من تأثير الإيحاء النفسي ! وستعرف عمل البخاري ، وأنه متصنع بعيد عن الهالة التي صنعوها حول رأسه !
وروى ابن حجر منقبة كالمعجزة للبخاري ! قال في شرح نخبة الفكر ( 8 / 12 ) : ( فعمد أصحاب الحديث إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها ، ودفعوها إلى عشرة ، لكل واحد منهم عشرة أحاديث ، وجعلوا سند الحديث الأول للثاني ، وسند الثالث للرابع ، والخامس والسابع إلى آخر المائة ، وألقوا العشرة عليه مقلوبة ، فألقاها الأول العشرة والبخاري ساكت على القلب ، ثم جاء الثاني فألقى العشرة على الإمام وهو ساكت ، الثالث ، الرابع ، العاشر ، لما انتهى التفت إلى الأول قال : حديثك الأول قلت فيه كذا وصوابه كذا ، الثاني قلت فيه كذا وصوابه كذا ، يعني كون البخاري يحفظ الصواب ما هو بغريب ، لكن الغريب كونه يحفظ الخطأ ، ثم يرده إلى الصواب إلى تمام المائة !
ثم قال ابن حجر أو شراح كتابه : وهذه القصة يقدح فيها بعضهم لأن ابن عدي يرويها عن عدة من شيوخه ولم يسم واحداً منهم ، فقالوا : ذكرها ابن عدي عن مجاهيل ، لكن هؤلاء المجاهيل هم من شيوخ ابن عدي وهم عدد ، ليسوا بواحد ولا اثنين ولا ثلاثة ، وبعضهم يجبر بعضاً ، وحينئذ تكون القصة ثابتة ! نعم هم مجاهيل ، لكن مجهول مع مجهول مع مجهول يتقوى بلا شك ، والإمام البخاري أهل لمثل هذا ) .
أقول : زاد الحويني في دروسه ( 1 / 3 ) على هذه الأكذوبة : ( والبخاري كان يحضر مجلسه مائة ألف ، ولم يكن في وجهه شعرة ) ! لكن البخاري لم يدخل بغداد شاباً أبداً !
ثم إن نسبة كتاب نخبة الفكر لابن حجر مشكوكة ، ودليل شراحه بأن كثرة المجاهيل تعطي معلوماً مردودة ، فكثرة الأصفار لا تعطي رقم واحد ! ومن الأصفار قولهم إن البخاري أهل لمثل هذا ، فجعلوا السند أن البخاري أهل لمنقبة لم تثبت !

  • *
    --------------------------- 51 ---------------------------

من غلوهم في كتاب البخاري

قال بعض الظرفاء : القرآن أصح كتاب بعد كتاب البخاري !

قال العيني ( 1 / 5 ) : ( اتفق علماء الشرق والغرب على أنه ليس بعد كتاب الله تعالى أصح من صحيحي البخاري ومسلم ، فرجح البعض منهم المغاربة صحيح مسلم على صحيح البخاري ، والجمهورعلى ترجيح البخاري على مسلم ، لأنه أكثر فوائد منه . وقال النسائي : ما في هذه الكتب أجود منه ) .
وفي مقدمة فتح الباري / 8 : ( كتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز . وقال الشافعي : ما أعلم في الأرض كتاباً في العلم أكثر صواباً من كتاب مالك .
وقال ابن الصلاح / 20 : ( فإنما قال ذلك قبل وجود كتابي البخاري ومسلم ) .
وقال الجرجاني ( تاريخ دمشق : 52 / 74 ) :
صحيح البخاري لو أنصفوه * لما خُطَّ إلا بماء الذهب
هو الفرق بين الهدي والعمى * هو السد بين الفتى والعطب
أسانيد مثل نجوم السماء * أمام متون كمثل الشهب
به قام ميزان دين النبي * ودان به العجم بعد العرب
حجاب من النار لا شك فيه * يميز بين الرضا والغضب
وستر رقيق إلى المصطفى * ونور مبين لكشف الريب
فياعالماً أجمع العالمون * على فضل رتبته في الرتب
سبقت الأئمة فيما جمعت * وفزت على رغمهم بالقصب
نفيت السقيم من الناقلين * ومن كان متهما بالكذب
وأثبت من عدلته الرواة * وصحت روايته في الكتب
وأبرزت في حسن تريبته * وتبويبه عجباً للعجب
فأعطاك ربك ما تشتهيه * وأجزل حظك فيما يهب
وخصك في عرصات الجنان * بنعم تدوم ولا تنقضب ) .
--------------------------- 52 ---------------------------
وقال في القول الصراح / 15 ، ملخصاً : ( بالغ علماء العامة في الثناء على الصحيحين وذكروا أنهما أصح الكتب بعد القرآن الكريم ، وحكى جماعة منهم إجماع الأمة على صحة الأحاديث المودعة فيهما ، بل تعدى جماعة من محققيهم لإثبات كون أخبارهما مقطوعة الصدورعن سيد البشر صلى الله عليه وآله بل ذكروا تصحيح النبي صلى الله عليه وآله كتاب البخاري ، وإذنه في روايته عنه ، بل كتاب مسلم أيضاً !
وقال السيوطي في تدريبه : قال إمام الحرمين : لو حلف إنسان بطلاق امرأة أن ما في الصحيحين مما حكما بصحته ، من قول النبي ، لزمه الطلاق لإجماع المسلمين على صحته . ثم حكى عن النووي أنه قال : خالفه أي ابن الصلاح المحققون والأكثرون فقالوا : يفيد الظن ما لم يتواتر ، وقال : تلقي الأمة بالقبول إنما أفاد وجوب العمل بما فيها من غير توقف على النظر فيه ، بخلاف غيرهما فلا يعمل به حتى ينظر فيه ويوجد فيه شروط الصحيح . ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على القطع بأنه كلام النبي صلى الله عليه وآله .
وقد اشتد إنكار ابن برهان على من قال بقول الشيخ ، وبالغ في تغليطه .
قال السيوطي : وكذا عاب ابن عبد السلام على ابن الصلاح هذا القول . قال البلقيني : ما قاله النووي وابن عبد السلام ومن تبعهما ممنوع ، فقد نقل بعض الحفاظ المتأخرين مثل قول ابن الصلاح ، عن جماعة من الشافعية كأبي إسحاق وأبي حامد الإسفراييني ، والقاضي أبي الطيب ، والشيخ أبي إسحاق الشيرازي ، وعن السرخسي من الحنفية ، والقاضي عبد الوهاب من المالكية ، وأبي يعلى ، وابن الزعواني من الحنابلة ، وابن فورك ، وأكثر أهل الكلام من الأشعرية ، وأهل الحديث قاطبة ، ومذهب السلف عامة .
ثم قال السيوطي بعد أن نقل عن ابن تيمية وابن كثير موافقة ابن الصلاح : وهو الذي اختاره ولا أعتقد سواه ) أي جزم بأن أحاديث البخاري أقوال النبي صلى الله عليه وآله !
وقال الشيخ أبو زهرة في : الحديث والمحدثون ، ملخصاً ( 1 / 296 ) : ( اختلف العلماء في أن أحاديث الصحيحين ثابتة بالعلم ، أو الظن : قال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح : جميع ما حكم مسلم بصحته في كتابه فهو مقطوع بصحته ، وهكذا ما حكم البخاري بصحته
--------------------------- 53 ---------------------------
في كتابه ، وذلك لأن الأمة تلقت الكتابين بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه في الإجماع . ويستثنى من ذلك أحاديث يسيرة ، تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني .
وقد مال النووي إلى أن أحاديث الصحيحين التي لم تتواتر ثابتة بالظن لا بالعلم ، وتعقب ابن الصلاح في شرحه لمسلم ، فقال : وهذا الذي ذكره الشيخ خلاف ما قاله المحققون والأكثرون ، فإنهم قالوا : أحاديث الصحيحين التي ليست بمتواترة إنما تفيد الظن ، وتلقي الأمة بالقبول إنما أفادنا وجوب العمل بما فيهما ، فإن أخبار الآحاد يجب العمل بها ، إذا صحت أسانيدها ولا تفيد إلا الظن . فكذا الصحيحان . وقد انحاز إلى كلٍّ طائفةٌ من العلماء ، ففريق يرجع كلام ابن الصلاح في أنها ثابتة عنه صلى الله عليه وآله بطريق العلم النظري ، وفريق آخر يرجح كلام النووي في أنها ثابتة بطريق الظن ) !

حشر في كتابه أقواله وأقوال آخرين فكانت بقدر أحاديثه !

قال في عمدة القاري ( 1 / 10 ) : ( أكثرَ البخاري من أحاديث وأقوال الصحابة وغيرهم ، بغير إسناد ، فإن كان بصيغة جزم كقال ورويَ ونحوهما فهو حكم منه بصحته ، وما كان بصيغة التمريض كروي ونحوه ، فليس فيه حكم بصحته ، ولكن ليس هو واهياً ، إذ لو كان واهياً لما أدخله في صحيحه ) .
أقول : بلغت هذه الأقوال والتعليقات أكثر من 1500 ، فهي نصف أحاديثه ، وتمثل عقائد الحكومة ، ولا مستند لها من حديث النبي صلى الله عليه وآله لكنه خلطها به !
أما عناوينه فبلغت نحوأربعة آلاف عنوان ، ويسمونها التراجم ، كما يأتي .
وقسَّم كتابه إلى كتب وبلغت كتبه سبعة وتسعين كتاباً ، في كل كتاب منها أبواب .
قال الشيخ العباد في كتابه الإمام البخاري ( مجلة الجامعة الإسلامية : 1 / 41 ) :
1 . عدد الأحاديث المرفوعة الموصولة بما فيها المكررة 7397 حديثاً
2 . عدد الأحاديث المرفوعة المعلقة بما فيها المكررة 1341 حديثاً
--------------------------- 54 ---------------------------
3 . عدد ما فيه من المتابعات والتنبيه على اختلاف الروايات 344 حديثاً .
4 . عدد ما فيه من الموصول والمعلق والمتابعات المرفوعة 9082 حديثاً
5 . عدد الأحاديث المرفوعة الموصولة بدون تكرار 2602 حديثاً .
6 . عدد الأحاديث المعلقة بدون تكرار 159 حديثاً
7 . عدد الأحاديث المرفوعة موصولة أو معلقة بدون تكرار 2761 حديثاً ,
وهذه الأعداد إنما هي في المرفوع خاصة دون ما في الكتاب من الموقوفات على الصحابة ، والمقطوعات عن التابعين ومن بعدهم ) .
أما عدد كتب البخاري فهي 97 كتاباً ، وعدد أبوابه 3882 باباً .
وقد أخذ الشيخ العباد هذه الأعداد من مقدمة فتح الباري / 465 و 468 و 470 . ثم ذكر ابن حجر / 474 عدد ما رواه عن كل واحد من الصحابة ، فكان سهم أبي هريرة أربع مائة وستة وأربعين حديثاً ، وعبد الله بن عمر مائتين وسبعين حديثاً وعائشة مائتين واثنين وأربعين حديثاً ، ولم يرو عن فاطمة الزهراء سيدة النساء عليها السلام إلا حديثاً واحداً ، ورى عن علي عليه السلام تسعة وعشرين حديثاً ، وروى عن عبد الله بن العباس نحواً من مأتين وسبعة عشر حديثاً ، وعن أبي موسى الأشعري سبعة وخمسين حديثاً . وتبلغ أحاديث عائشة أضعاف غيرها ، لطولها !
وذكروا أن أحاديث الشيخين بلا تكرار : 2980 حديثاً ، ومجموع الأصول الخمسة : البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي : 9180 ، حديثاً ، أكثرها ضعيف فتكون أحاديث الكافي عندنا ( 16190 ) أضعاف أحاديث الأصول الخمسةكلها !

نسخة البخاري أوراق معلولة بالبياض والطرر والرقاع !

يكفي لسقوط كتاب البخاري عن الاعتبار العلمي ، أن نسخته التي وصلتنا مسودة ناقصة ، أكملها أشخاص غير مؤلفها !
قال السيوطي في التعليق على تفسير الجلالين ( 18 / 12 ) : ( والحافظ ابن حجر يذكر عن أبي الوليد الباجي أن نسخة البخاري في هذا الموضع كانت غير محبوكة ، يعني غير مجلدة ،
--------------------------- 55 ---------------------------
أوراق ، فسقطت بعض الأوراق ووضعت في غير محلها ، وحصل التقديم والتأخير ) . يقصد أن البخاري قدم نبي الله شعيب على ثمود ، مع أنه بعد صالح عليهم السلام . ويعتذر بأن هذا القسم من النسخة كان أوراقاً غير مجلدة !
وقال ابن حجر في مقدمة فتح الباري / 6 : ( إبراهيم بن أحمد المستملي قال : انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري ، فرأيت فيه أشياء لم تتم ، وأشياء مبيضة ، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئاً ، ومنها أحاديث لم يترجم لها ، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض !
ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملي ورواية أبي محمد السرخسي ، ورواية أبي الهيثم الكشمهيني ، ورواية أبي زيد المروزي ، مختلفة بالتقديم والتأخير ، مع أنهم انتسخوا من أصل واحد !
وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة ، أنه من موضع ما ، فأضافه إليه ! ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث !
قال الباجي : وإنما أوردت هذا هنا لما عني به أهل بلدنا من طلب معنى يجمع بين الترجمة والحديث الذي يليها ، وتكلفهم من ذلك من تعسف التأويل مالايسوغ )
أقول : يقصد الباجي أنه لا يصح التعامل مع كتاب البخاري كنص متصل لأنه كان مسودة غيَّر تلاميذه فيه بالزيادة والنقصان ، والتقديم والتأخير ، وتفاوتت أقدم النسخ له ! وعناوينه قدلاتنطبق على ماتحتها ، فلا معنى لتعسف المتعسفين ، ودعوى انطباق عناوينه على ما تحتها ! فأي اعتبار علمي يبقى له ؟ !
والطرة : ورقة أو رقعة طويلة ، ومنها الطرة لما طال من مقدم الشعر ، قال الزمخشري ( الفايق : 3 / 117 ) : ( الطرة : القطعة المستطيلة من السحاب ، شبهت بطرة الثوب ) . فهي رقعة كبيرة . وكان في مسودة البخاري بياضات ، ومعها طرر ورقاع فاجتهد النساخ في إضافة ما أضافوه منها في أمكنته ، واختلفت اجتهاداتهم !
قال ابن حجر ( 6 / 88 ) : ( وكأنه وجد هذه الترجمة في الطرة خالية عن حديث فظن أن هذا
--------------------------- 56 ---------------------------
موضعها ) ! وقال في ( 8 / 331 ) : ( كأنه استطرد من هذه لهذه ، أو كان في طرة فنقلها الناسخ إلى غير موضعها ) ! !
واعترف ابن حجربعيوب النسخة ، لكنه كابر فقال في فتح الباري ( 7 / 73 ) : ( قوله : باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح . كذا أخَّر ذكره عن إخوانه من العشرة ، ولم أقف في شئ من نسخ البخاري على ترجمة لمناقب عبد الرحمن بن عوف ولا لسعيد بن زيد وهما من العشرة ، وإن كان قد أفرد ذكر إسلام سعيد بن زيد بترجمة ، في أوائل السيرة النبوية . وأظن ذلك من تصرف الناقلين لكتاب البخاري كما تقدم مراراً أنه ترك الكتاب مسودة ، فإن أسماء من ذكرهم هنا لم تقع فيهم مراعاة الأفضلية ولا السابقية ولا الأسنية ، وهذه جهات التقديم في الترتيب ، فلما لم يراع واحداً منها دل على أنه كتب كل ترجمة على حدة فضم بعض النقلة بعضها إلى بعض حسبما اتفق ) !
وقال في فتح الباري ( 6 / 108 ) : ( هذه الترجمة يليق أن تذكر قبل بابين ، فلعل تأخيرها من تصرف النقلة ، ويؤيد ذلك أنهما سقطا جميعاً للنسفي ) .
وقال في فتح الباري ( 7 / 328 ) : ( ويحتمل أن يكون موضع هذه المتابعة بعد حديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات ، فيكون متأخراً عنه ويكون تقديمه من بعض النقلة عن البخاري . ويؤيد ذلك ما ذكرته عن تاريخ البخاري فإنه بين في ذلك ، والله أعلم ) .
وقال في فتح الباري ( 11 / 491 ) : ( وقال الكرماني : لا مناسبة لهذا الحديث بالجزأين الأولين ، والأولى أنه لا يلزم أن يكون كل خبر في الباب يطابق جميع ما في الترجمة . ثم قال الكرماني : الظاهر أنه من تصرفات النقلة من أصل البخاري فإنه مات وفيه مواضع مبيضة من تراجم بلا حديث وأحاديث بلا ترجمة فأضافوا بعضاً إلى بعض ! قلت : وهذا إنما يصار إليه إذا لم تتجه المناسبة ، وقد بينا توجيهها ، والله أعلم ) .
وقال في فتح الباري ( 11 / 495 ) : ( الثاني حديث أنس في قصة أقراص الشعير وأكل القوم وهم سبعون أو ثمانون رجلاً حتى شبعوا . وقال الكرماني . . ويحتمل أن يكون إيراد هذا الحديث في هذه الترجمة من تصرف النقلة ) .
--------------------------- 57 ---------------------------
وقال في فتح الباري ( 12 / 45 ) : ( وجرى الكرماني على ما وقع عند أبي نعيم فقال : هاهنا ثلاث تراجم متوالية والحديث ظاهر للثالثة ، وهي من ادعى أخاً أو ابن أخ . قال : وهذا يؤيد ما ذكروا أن البخاري ترجم لأبواب ، وأراد أن يلحق بها الأحاديث فلم يتفق له إتمام ذلك ، وكان أخلي بين كل ترجمتين بياضاً فضم النقلة بعض ذلك إلى بعض ) !
وقال في فتح الباري ( 12 / 307 ) : ( وأظنه وقع هنا تقديم وتأخير ، فإن الحديث وما بعده يتعلق بباب الهبة والشفعة ، ومن ثم قال الكرماني إنه من تصرف النقلة ، وقد وقع عند ابن بطال هنا باب بلاترجمة . ثم ذكرالحديث وما بعده . .
ويحتمل أن يكون في الأصل بعد قصة ابن اللتبية ( اسم شخص ) باب بلا ترجمة فسقطت الترجمة فقط ، أو بيض لها في الأصل ) !
أقول : هذا الإعترافات من ابن حجر وغيره باختلال نسخة البخاري ، حجة عليهم ، وهو يرد زعمهم أن عناوينه فيها سرٌّ إلهي ، لأنه كتبها عند قبرالنبي صلى الله عليه وآله !

شهادة المستملي والباجي طعن قوي في نسخة البخاري

فهما إمامان كبيران عندهم ، لا يمكنهم رد شهادتهما . أما المستملي فهوإبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن داود الحافظ ، مات ببلخ سنة ست وسبعين وثلاث مئة . ( السمعاني : 5 / 287 ) . وهو حافظ ثقة مشهور ، له مؤلفات : معجم شيوخه ، وطبقات أهل بلخ . ( الإصابة : 5 / 385 ، والعبر : 3 / ، والتعديل : 1 / 173 ، وشذرات الذهب : 3 / 86 ) .
وأما الباجي فقال الزركلي ( 3 / 125 ) : ( فقيه مالكي كبير ، أصله من بطليوس ومولده في باجة بالأندلس . رحل إلى الحجاز سنة 426 ه‍ ، فمكث ثلاثة أعوام ، وأقام ببغداد ثلاثة أعوام وبالموصل عاماً ، وفي دمشق وحلب مدة . وعاد إلى الأندلس .
من كتبه : السراج في علم الحِجاج ، وإحكام الفصول في أحكام الأصول . والمنتقى في شرح موطأ مالك والتعديل والتجريح لمن روى عنه البخاري ) .
وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ ( 3 / 1173 ) ملخصاً : ( الحافظ العلامة ذو الفنون أبو الوليد
--------------------------- 58 ---------------------------
سليمان بن خلف بن سعيد القرطبي . قال أبو نصر بن ماكولا : فقيه متكلم أديب شاعر - سمع بالعراق ودرس الكلام وصنف . وكان جليلاً رفيع القدر والخطر ، قبره بالمرية ، مات في ستة أربع وسبعين ) .
وترجموه في كتابه التعديل والتجريح وعدوا له أكثر من ثلاثين مؤلفاً ( 1 / 132 ) ففي في الفقه منها : فهرست شيوخ أبي الوليد الباجي ، وكتاب المقتبس في علم مالك بن أنس ، وكتاب فرق الفقهاء ويسمى تاريخ الفقهاء ، والتعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري ، وتهذيب الزاهر لابن الأنباري في اللغة ، وديوان شعره ، ورسالته في الرد على الراهب الفرنسي الذي كتب إلى المقتدر بن هود أمير سرقسطة يدعوه إلى المسيحية ، فكتب الباجي جوابه .
والنتيجة : أنه لا يمكن تجاوز طعن أئمة موثقين كالمستملي والباجي ومسلمة بن قاسم ، في البخاري ونسخته ، والمكابرة بأن كتابه أصح كتاب بعد القرآن !

الفربري شاب مغال في البخاري

لما مات البخاري كان محمد بن يوسف الفربري في العشرينات من عمره : ولد سنة 231 ، وعاش نحو تسعين سنة إلى سنة 320 هجرية ( أنساب السمعاني : 4 / 359 ) .
وفَرْبَرْ : قرية قرب بخارى ، بفتح الفاء والباء بمعنى الصحراء الواسعة . وكان مغالياً بالبخاري ، وبعض قصصه عنه لا يمكن تصديقها !
قال كما في ( وفيات الأعيان ( 4 / 190 ) وسير الذهبي ( 12 / 398 ) ) : ( سمع صحيح البخاري تسعون ألف رجل ، فما بقي أحد يروي عنه غيري ) !
فنسخته هي الوحيدة ، ولو صح أنه سمعها معه تسعون ألفاً ، لرواها غيره !
قال الذهبي في سيره ( 12 / 444 و 453 ) : ( قال : رأيت النبي صلى الله عليه وآله في النوم ، فقال لي : أين تريد ؟ فقلت : أريد محمد بن إسماعيل البخاري ، فقال : أقرئه مني السلام .
وقال محمد الوراق : دخل أبو عبد الله بفربر الحمام ، وكنت أنا في مشلح الحمام أتعاهد
--------------------------- 59 ---------------------------
عليه ثيابه ، فلما خرج ناولته ثيابه فلبسها ، ثم ناولته الخف فقال : مسست شيئاً فيه شعر النبي صلى الله عليه وآله ! فقلت : في أي موضع هو من الخف ؟ فلم يخبرني ! فتوهمت أنه في ساقه بين الظهارة والبطانة ) !
يقصد أن البخاري يحمل شيئاً من شعر النبي صلى الله عليه وآله ، وقد خبأه في مكان محفوظ ، في نعاله ، بين جلد النعال وبطانته ! وهذا أسلوب العوام الذين يدعون الكرامات !

عناوين البخاري أو تراجمه : فضيحة بجلاجل !

أ . عدد أحاديث البخاري سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون بالمكررة . وقال ابن الصلاح : بإسقاط المكرر أربعة آلاف . ( مقدمة فتح الباري / 465 ) . وعدد الكتب 91 كتاباً ، وعدد الأبواب 3882 باباً .
والفضيحة أن أكثر عناوينه لا تنطبق على معنوناتها ! مثلاً : تقرأ في أوله : باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقول الله جل ذكره : إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ . حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال : أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) .
فتسأل : وأي ربط لحديث عمر عن نية الهجرة ، بكيفية بدء الوحي ؟ !
الجواب : لا شئ ، فأول حديث في البخاري كغريبة الإبل !
ثم تقرأ : حديثاً عن الحرث بن هشام ، ثم حديثين عن عائشة ، ثم عن جابر ، ثم عن ابن عباس في الموضوع . ثم تقرأ حديث أبي سفيان لما أرسل النبي صلى الله عليه وآله رسالة إلى هرقل في السنة السادسة للهجرة ، فأحضرهرقل أبا سفيان وسأله عنه ! وليس له ربط ببدء الوحي ، فضلاً عن كيفيته !
--------------------------- 60 ---------------------------
ثم تقرأ : كتاب الإيمان ، ومعناه أن باب بدء الوحي قبله لم يكن باباً من كتاب ، بل هو باب وكتاب ! ثم تقرأ تفسير آية ، ثم تقرأ : باب أمور الإيمان . فما الفرق بين كتاب الإيمان وباب أمور الإيمان ؟ لا أحد يعلم ولا البخاري يعلم ، فهو كالعامي تستهويه العناوين ! لأن أمور الإيمان أعم من ذات الإيمان ، فالباب أعم من كتابه !
ثم تقرأ : باب : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، وفيه حديث : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، ثم تقرأ بعده : باب أيُّ الاسلام أفضل وفيه حديث : يا رسول الله أي الاسلام أفضل قال : من سلم المسلمون من لسانه ويده ، فما الفرق بينهما ، وهل يحتاج الثاني إلى باب ؟ !
وهكذا ، يرافقك التعجب وتُطالعك الإشكالات برؤوسها من أول الكتاب إلى آخره . فكم من الأبواب المتداخلة ، وكم مؤخر حقه التقديم وبالعكس ، وكم من عنوان جعله باباً وليس بباب ، بل هو جزء من باب تقدم ، أو يأتي !
إنها غابة يتشابك فيها القصب والنبات ، ويتكرر المكرر ، ويغيب ما يجب أن يحضر ! ويحضر الغائب في غير محله ، ولا تشك وأنت تقرأ بأن المؤلف رغم جَوَلان ذهنه ، لم يرتب كتابه ، فهو مسودة أدركت مؤلفه الوفاة ، قبل أن يكمله وينقحه !
ب . ثم جاء المتعصبون يفلسفون مسوة البخاري ، فيزعمون أن في عناوينه سراً إلهياًً وحكمة بالغة ، وعلوماً عميقة ، فألفوا فيها كتباً وأكثروا من الحشو المنفوش !
وإني لأعجب من ابن حجر بمستواه ، كيف تمحل في الدفاع عن عناوين البخاري والتنظيرلها ، مع أنه نقل رأي الحافظ الباجي ، وشكى من البياض والطرر والرقاع !
قال الباجي : وإنما أوردت هذا هنا لما عني به أهل بلدنا من طلب معنى يجمع بين الترجمة والحديث الذي يليها ، وتكلفهم من ذلك من تعسف التأويل مالا يسوغ )
يقصد أن الكتاب مسودة ، عملت فيه أيدي النساخ ، فلا يصح أن نعامله ككتاب لمؤلف واحد ! فعقب عليه ابن حجر : وهذه قاعدة حسنة يفزع إليها حيث يتعسر وجه الجمع بين الترجمة والحديث ، وهي مواضع قليلة جداً .
--------------------------- 61 ---------------------------
أقول : وكيف تكون قليلة جداً ، وهي أكثر عناوين الكتاب !
ج . قال ابن حجر في مقدمته / 11 : ( من ذلك قول مسلمة بن قاسم القرطبي وهو من أقران الدارقطني ، لما ذكر في تاريخه صحيح مسلم قال : لم يضع أحد مثله فهذا محمول على حسن الوضع وجودة الترتيب . وقد رأيت كثيراً من المغاربة ممن صنف في الأحكام بحذف الأسانيد كعبدالحق في أحكامه وجمعه ، يعتمدون على كتاب مسلم في نقل المتون وسياقها دون البخاري ، لوجودها عند مسلم تامة وتقطيع البخاري لها . فهذه جهة أخرى من التفضيل لاترجع إلى ما يتعلق بنفس الصحيح ، والله أعلم .
وإذا تقرر ذلك فليقابل هذا التفضيل بجهة أخرى من وجوه التفضيل غيرما يرجع إلى نفس الصحيح ! وهي ما ذكره الإمام القدوة أبو محمد بن أبي جمرة في اختصاره للبخاري قال : قال لي من لقيته من العارفين عمن لقي من السادة المقر لهم بالفضل : إن صحيح البخاري ما قرئ في شدة إلا فرجت ، ولا ركب به في مركب فغرق ! قال : وكان مجاب الدعوة ، وقد دعا لقارئه رحمه الله تعالى ، وكذلك الجهة العظمى الموجبة لتقديمه وهي ما تضمنته أبوابه من التراجم التي حيرت الأفكار وأدهشت العقول
--------------------------- 62 ---------------------------
والأبصار ، وإنما بلغت هذه الرتبة وفازت بهذه الخطوة لسبب عظيم أوجب عظمها ، وهو ما رواه أبو أحمد بن عدي عن عبد القدوس بن همام قال : شهدت عدة مشايخ يقولون حول البخاري تراجم جامعه ، يعني بيضها بين قبر النبي صلى الله عليه وآله ومنبره وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين ) .
أقول : العجب من عالم كابن حجر تحول في رده على الباجي إلى عامي قصاص ، فالباجي الذي قال عنه إنه من أقران الدارقطني ، هو شارح موطأ مالك ، ومؤلف الموسوعات في الفقه وفي الرجال ، ومنها تقييم للرواة الذين روى عنهم البخاري ، يقول : إن المغاربة يعتمدون على متون مسلم لأنه لم يقطع النصوص ولايعتمدون على متون البخاري لأنه قطعها . فيجيبه ابن حجر : كلا إن البخاري أفضل لأن صوفياً قال لي إن صحيح البخاري ما قرئ في شدة إلا فرجت ، ولا وضع في سفينة فغرقت !
ثم يقول ابن حجر للباجي : إن عناوين البخاري : ( حيرت الأفكار ، وأدهشت العقول والأبصار ! وإنما بلغت هذه الرتبة وفازت بهذه الحظوة لسبب عظيم أنه بيضها بين قبر النبي صلى الله عليه وآله ومنبره ، وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين ) !
وهذا هبوط عن الكلام العلمي إلى كلام العوام المغفلين ، بل كذبٌ من أجل البخاري الذي ألف كتابه ببخارى ، ولم يبيضه وتركه مسودة ، بشهادة ابن حجر نفسه !
د - . قال ابن حجر في مقدمته في فلسفة عناوين البخاري / 11 : ( أول شئ وقع الكلام معه فيه من هذه المادة أول حديث بدأ به كتابه واستفتح به خطابه فرد كثيرٌمن هؤلاء نحوه سهام اللوم ، وانتصر بعض ، وبعض لزم من التسليم طريق القوم . ولنذكر ضابطاً يشتمل على بيان أنواع التراجم فيه ، وهي ظاهرة وخفية ، أما الظاهرة فليس ذكرها من غرضنا هنا وهي أن تكون الترجمة دالة بالمطابقة لما يورد في مضمنها ، وإنما فائدتها الإعلام بما ورد في ذلك الباب من غير اعتبار لمقدار تلك الفائدة ، كأنه يقول هذا الباب الذي فيه كيت وكيت أو باب ذكر الدليل على الحكم الفلاني مثلاً . وقد تكون الترجمة بلفظ المترجم له أو بعضه أو بمعناه ، وهذا في الغالب قد يأتي من ذلك ما يكون في لفظ الترجمة احتمال لأكثر من معنى واحد فيعين أحد الاحتمالين بما يذكر تحتها من الحديث ، وقد يوجد فيه ما هو بالعكس من ذلك ، بأن يكون الاحتمال في الحديث والتعيين في الترجمة ، والترجمة هنا بيان لتأويل ذلك الحديث نائبة مناب قول الفقيه مثلاً : المراد بهذا الحديث العام الخصوص ، أو بهذا الحديث الخاص العموم ، إشعاراً بالقياس لوجود العلة الجامعة ، أو أن ذلك الخاص المراد به ما هو أعم مما يدل عليه ظاهره بطريق الأعلى أو الأدنى ، ويأتي في المطلق والمقيد نظير ما ذكرنا في الخاص والعام ، وكذا في شرح المشكل وتفسير الغامض ، وتأويل الظاهر وتفصيل المجمل ، وهذا الموضع هو معظم ما يشكل من تراجم هذا الكتاب ، ولهذا اشتهر من قول جمع من الفضلاء : فقه البخاري في تراجمه .
وأكثر ما يفعل البخاري ذلك إذا لم يجد حديثاً على شرطه في الباب ظاهر المعنى في المقصد الذي ترجم به ، ويستنبط الفقه منه ، وقد يفعل ذلك لغرض شحذ الأذهان في إظهار مضمره ، واستخراج خبيئه . وكثيراً ما يفعل ذلك أي هذا الأخير ، حيث يذكر
--------------------------- 63 ---------------------------
الحديث المفسر لذلك في موضع آخر متقدماً أو متأخراً ، فكأنه يحيل عليه ويومئ بالرمز والإشارة إليه !
وكثيراً ما يترجم بأمر ظاهره قليل الجدوي ، لكنه إذا حققه المتأمل أجدى ، كقوله باب قول الرجل ما صلينا ، فإنه أشار به إلى الرد على من كره ذلك . .
وللغفلة عن هذه المقاصد الدقيقة اعتقد من لم يمعن النظر أنه ترك الكتاب بلا تبييض ومن تأمل ظفر ، ومن جد وجد !
وقد جمع العلامة ناصر الدين أحمد بن المنير خطيب الإسكندرية أربع مائة ترجمة ، وتكلم عليها ولخصها القاضي بدر الدين بن جماعة وزاد عليها أشياء . وتكلم على ذلك أيضاً بعض المغاربة وهو محمد بن منصور بن حمامة السجلماسي ، ولم يكثر من ذلك بل جملة ما في كتابه نحو مائة ترجمة وسماه فك أغراض البخاري المبهمة في الجمع بين الحديث والترجمة .
وتكلم أيضاً على ذلك زين الدين علي بن المنير أخو العلامة ناصر الدين في
شرحه على البخاري ، وأمعن في ذلك .
ووقفت على مجلد من كتاب اسمه ترجمان التراجم ، لأبي عبد الله بن رشيد السبتي ، يشتمل على هذا المقصد وصل فيه إلى كتاب الصيام ، ولو تم لكان في غاية الإفادة وإنه لكثير الفائدة مع نقصه ، والله تعالى الموفق ) .
يقول ابن حجر : أيها الناس لا تعجلوا فإنه توجد علوم وأسرار في عناوين البخاري ! ونقول : لو صحت أمثلة ابن حجر كلها فهي تستوعب مئة ، أو ثلاثة مئة عنوان مثلاً ، فأين بقية الأربعة آلاف أو نحوها ؟ !
ثم ذكر ابن حجر أن بعض المؤلفين ألفوا في تفسير عناوينه والتنظير لها ! وإن صح كل ما قالوه ، فهو يستوعب بضع مئات مثلاً !
لكن المشكلة في 3882 ، باباً وعنواناً وضعها البخاري وأكثرها عليه إشكالات !
ه - . لا يتسع الكتاب لأن نستعراض عناوين البخاري وإشكالاتها ، لكن نشير إلى عناوينه
--------------------------- 64 ---------------------------
المتعلقة بالعلم والإيمان ، لتعرف تداخلها وتكرارها ، وقد ذكرنا رقم كل باب منها ، لتعرف أمكنتها ، وتباعدها أو قربها من بعضها :
3 . كتاب العلم
1 . باب فَضْلِ الْعِلْمِ
3 . باب مَنْ رَفَع صَوْتَه بِالْعِلْم
5 . باب طَرحِ الإِمَامِ الْمَسْأَلَة عَلى أَصْحَابه لِيَخْتَبِر مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ
6 . باب مَا جَاءَ فِي الْعِلْمِ
7 . باب مَا يُذْكَرُ فِي الْمُنَاوَلَةِ وَكِتَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعِلْمِ إِلَى الْبُلْدَانِ
10 . باب الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ
11 . باب مَا كَانَ النَّبِيُّ يَتَخَوَّلُهُمْ بِالْمَوْعِظَةِ وَالْعِلْمِ كَي لاَ يَنْفِرُوا
12 . باب مَنْ جَعَلَ لأَهْلِ الْعِلْمِ أَيَّاما مَعْلُومَةً
13 . باب مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ
14 . باب الْفَهْمِ فِي الْعِلْمِ
15 . باب الاِغْتِبَاطِ فِي الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ
19 . باب الْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ
20 . باب فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلَّمَ
21 . باب رَفْعِ الْعِلْمِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ
22 . باب فَضْلِ الْعِلْمِ
27 . باب التَّنَاوُبِ فِي الْعِلْمِ
28 . باب الْغَضَبِ فِي الْمَوْعِظَةِ وَالتَّعْلِيمِ إ
34 . باب كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ
37 . باب لِيُبَلِّغِ الْعِلْمَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ
38 . باب إِثْمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله
--------------------------- 65 ---------------------------
39 . باب كِتَابَةِ الْعِلْمِ
40 . باب الْعِلْمِ وَالْعِظَةِ بِاللَّيْلِ
41 . باب السَّمَرِ بِالْعِلْمِ
42 . باب حِفْظِ الْعِلْمِ
43 . باب الإِنْصَاتِ لِلْعُلَمَاءِ
44 . باب مَا يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ إِذَا سُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ
45 . باب مَنْ سَأَلَ وَهْوَ قَائِمٌ عَالِمًا جَالِسًا
47 . باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلا .
49 . باب مَنْ خَصَّ بِالْعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ
50 . باب الْحَيَاءِ فِي الْعِلْمِ
46 . باب أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ
5 . باب تَمَنِّي الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ
فهذه ثلاثة وثلاثون عنواناً في العلم ، متداخلة متضاربة ، ليس فيها تسلسل موضوعي ولا تاريخي ، مضافاً إلى عدم انطباق كثير منها على أحاديثها !
فماذا يعالج ابن حجر ، وبمَ يعتذر المعتذر عن البخاري ، وكيف يزعم المتنطع وجود بلاغة وفقاهةفي عناوينه وتراجمه الضعيفة المتداخلة ، الفاقدة لأقل نظم علمي ! واليك أيضاً عناوين الإيمان في البخاري :
2 . كتاب الإيمان
1 . باب الإِيمَانِ وَقَوْلِ النَّبِيِّ : بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ
3 . باب أُمُورِ الإِيمَانِ
9 . باب حَلاَوَةِ الإِيمَانِ
10 . باب عَلاَمَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ
15 . باب تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمَانِ فِي الأَعْمَالِ
--------------------------- 66 ---------------------------
16 . باب الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ
18 . باب مَنْ قَالَ إِنَّ الإِيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ
26 . باب قِيَامُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنَ الإِيمَانِ
27 . باب الْجِهَادُ مِنَ الإِيمَانِ
28 . باب تَطَوُّعُ قِيَامِ رَمَضَانَ مِنَ الإِيمَانِ
29 . باب صَوْمُ رَمَضَانَ احْتِسَابًا مِنَ الإِيمَانِ
31 . باب الصَّلاَةُ مِنَ الإِيمَانِ
34 . باب زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ
36 . باب اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ مِنَ الإِيمَانِ
41 . باب أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنَ الإِيمَانِ
6 . باب الإِيمَانُ يَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ
23 . باب حُسْنُ الْعَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ
والكلام فيها كالكلام في عناوين العلم ، وعناوين الصوم ، والصلاة ، والقرآن ، ومسائل المعاملات ، وغيرها . فلا بد للمنصف أن يقول إنها عناوين مسودة !

عناوين البخاري أوتراجمه كأحرف عمر السبعة !

وجه الشبه بينهما أن النبي صلى الله عليه وآله ربما يكون قال : نزل القرآن على سبعة أحرف أي سبعة أقسام من المعاني ، فقال عمر بن الخطاب : نزل القرآن على سبعة أحرف فتجوز قرائته بسبعة أشكال ! فدوخ علماء السلطة إلى يومنا هذا ، والى يوم الدين في تفسير قوله ، وتفسيركيف ينزل الله تعالى كتاباً بسبعة أشكال ، أو بسبع نسخ كلها قرآن وكلها صواب ، وكلها كافٍ شافٍ !
قال السيوطي في الإتقان ( 1 / 172 ) : ( عن ابن حبان أنه بلغ الاختلاف في الأحرف السبعة إلى خمسة وثلاثين قولاً ، وقال : وهي أقاويل يشبه بعضها بعضاً وكلها محتملة ،
--------------------------- 67 ---------------------------
ويحتمل غيرها ) ! بل هي خطأ من الأساس !
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : ( إن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن على سبعة أقسام كل قسم منها كاف شاف ، وهي : أمر ، وزجر ، وترغيب ، وترهيب ، وجدل ، ومثل ، وقصص ) . ( مصباح الفقيه : 2 / 274 ) .
وقال الإمام محمد الباقر عليه السلام ( الكافي : 2 / 630 ) : ( كذبوا أعداء الله ، ولكنه نزل على حرف واحد ، من عند الواحد ! ولكن الاختلاف يجئ من قبل الرواة ) .
فقول عمر خطأ منه ، أو فهم خاطئ لقول النبي صلى الله عليه وآله . وكذلك عناوين البخاري وتراجمه ، فإنما هي في مسودة معها بياضات ، حاول النساخ ملأها ، ولم ينقحها هو ولا هم ، كما قال الحافظ الباجي ، فكيف اعتبروها عناوين علمية متسلسلة ، ثم عجزوا ويعجزون إلى يوم الدين عن تفسيرها ، كما عجزوا عن أحرف عمر السبعة !

شروح البخاري الكثيرة

لصحيح البخاري شروحٌ كثيرة ، لأنه كتاب الحكومة ، وقد ذكر صاحب كشف الظنون منها اثنين وثمانين شرحاً ! وهي بين مطيل كالفيروزآبادي ت 817 وسماه : فتح الباري بالسيل الفسيح المجاري ، وبين مختصركشرح الخطابي ت 388 ه - : أعلام السنن في جزء ، وأشهر شروحه خمسة :
1 . فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، لابن حجر ت 852 ه - .
2 . عمدة القاري في شرح صحيح البخاري لمحمود العيني ت 855 ه - .
3 . التوشيح على الجامع الصحيح للسيوطي ت 911 ه - .
4 . إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري للقسطلاني ت 923 ه - .
5 . تحفة الباري لشرح صحيح البخاري لزكريا الأنصاري ت 926 ه‍ .
وله مختصرات كثيرة أهمها : التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح للزبيدي ت 893 ه - ، وعليه شرح الشرقاوي وشرح صديق حسن خان ت 1307 ه - ) .
( المكتبة الإسلامية للدكتور عماد جمعة : 1 / 101 ) .
--------------------------- 68 ---------------------------

ختمات البخاري لدفع الأعداء والأمراض والشدائد !

قال ابن حجر في مقدمة فتح الباري / 11 : ( الإمام القدوة أبو محمد بن أبي جمرة في اختصاره للبخاري قال : قال لي من لقيته من العارفين عمن لقي من السادة المقر لهم بالفضل : إن صحيح البخاري ما قرئ في شدة إلا فرجت ، ولا رُكب به في مركب فغرق . قال : وكان مجاب الدعوة ، وقد دعا لقارئه ) !
ومعناه : أن ابن حجر يروي عن إمام صوفي ، عن رجل صوفي ، قال : كان مؤلف صحيح البخاري محمد بن إسماعيل البخاري مستجاب الدعوة ، فدعا الله أن يجعل من قرأ كتابه مثله مستجاب الدعوة ، فاستجاب الله له !
أو يقصد أن ذلك الإمام الصوفي كان مجاب الدعوة ، فدعا لمن قرأ البخاري !
وفي مقال في مجلة البيان ( عدد 169 / 10 ) : ( قال الجبرتي : وفي يوم الجمعة كتبوا قائمة أسماء المجاورين والطلبة ، وأخبروا الباشا أن الألف قرش لا تكفي طائفة من المجاورين ، فزادها ثلاثة آلاف قرش من عنده فوزعها بحسب الحال : أعلى وأوسط وأدنى ، فخص الأعلى عشرون قرشاً والأوسط عشرة والأدنى أربعة ، وكذلك طوائف الأروقة بحسب الكثرة والقلة ، ثم أحضروا أجزاء البخاري وقرؤوا »
إنها مأساة ! الفرنسيون يدخلون القاهرة من كل باب ، والمسلمون بزعامتهم ومرجعياتهم الدينية يقرؤون صحيح البخاري من أجل أن يرد العدو ! وأنى له ذلك إذا لم يكن له رجال يحملونه هادياً لهم ، والسيف ناصراً له !
يقول الدكتور علي بخيت الزهراني : « واحتل الفرنسيون القاهرة فلم يكن لمثل هذه الجموع الفوضوية التي كانت في البدع والخرافات أن تقاوم الجيش الفرنسي في قوته وتدريبه ونظامه ، وكان الأولى بهؤلاء الطرقية أن يحملوا السلاح ليقاتلوا به الفرنسيين ! وقد ظل علماء الأزهر وشيوخه يحافظون على هذه البدعة كلما ألمت بالبلاد مصيبة أو داهمتها كارثة ، فبعد مرور ما يقارب تسعين عاماً على مجئ الفرنسيين إلى مصر قام الأسطول الإنجليزي بقصف
--------------------------- 69 ---------------------------
مدينة الإسكندرية ، وتمكن من احتلالها ، وكانت السادة العلماء الأعلام ولا سيما أستاذنا شيخ الإسلام ، يقرؤون كتاب البخاري الشريف في الجامع الأزهر الأنور المنيف ) !
وقال الجبرتي في عجائب الآثار ( 2 / 53 ) : ( واجتمع الأمراء والمشايخ والقاضي ووصل صحبة الأغا المذكور ألف قرش رومي أرسلها حضرة السلطان تفرق على طلبه العلم بالأزهر ، ويقرؤون له صحيح البخاري ويدعون له بالنصر )
وقال الجبرتي ( 2 / 78 ) : ( وفي يوم الخميس ثامن عشرينه ورد مرسوم من الدولة فعمل الباشا الديوان في ذلك وقرؤوه وفيه الأمر بقراءة صحيح البخاري بالأزهر والدعاء بالنصر للسلطان على الموسقو ( الروس ) فإنهم تغلبوا واستولوا على قلاع ومدن عظيمة من مدن المسلمين . وأمر الباشا بتقرير عشرة من المشايخ من المذاهب الثلاثة يقرؤون البخاري في كل يوم ، ورتب لهم في كل يوم مائتين نصف فضة لكل مدرس عشرون نصفاً من الضربخانة ووعدهم بتقريرها لهم على الدوام بفرمان ) .
وفي النجوم الزاهرة ( 10 / 204 ) : ( وفي شعبان تزايد الوباء بديار مصر وعظم في شهر رمضان ، وقد دخل فصل الشتاء فاجتمع الناس بعامة جوامع مصر والقاهرة وخرج المصريون إلى مصلى خولان بالقرافة ، واستمرت قراءة البخاري بالجامع الأزهر وغيره عدة أيام ، والناس يدعون إلى الله تعالى ويقنتون في صلواتهم ) .
وفي أعيان العصر للصفدي ( 4 / 583 ) : ( ولما جاءت التتار ، ورد مرسوم السلطان إلى مصر بجمع العلماء وقراءة البخاري ) .
وفي مسامرات الظريف للسنوسي ( 1 / 105 ) : ( فحضر بجامع الزيتونة عند باب الشفاء ، وأحضر نسخة من صحيح البخاري مجزأة عشرين جزءً ، في غاية الضبط والصحة ، وجمع معه تسعة عشر مدرساً من علماء جامع الزيتونة ) .
وقال في مجموعة ملتقى أهل الحديث ( ق . 132 - 145 ) ملخصاً : ( من الاحتفالات التي كانت تزدهي بها بعض المدن الجزائرية ، الاحتفال بيوم ختم البخاري يوم ليلة القدر ، كان يجتمع فيه أعيان البلد وعلماؤه وحكامه وعامة الشعب في المسجد ، ويحيون ليلهم بالصلاة والذكر . . وفي
--------------------------- 70 ---------------------------
اليوم التالي يفتتح مجلس الختم بعد صلاة الصبح بقراءة القرآن ، وقراءة ترجمة الإمام البخاري ، وبيان فضل كتابه الصحيح ، ثم يقوم عالم من أعيان العلماء بقراءة آخر الأحاديث من هذا الكتاب ويختم المجلس بالدعاء المعهود . ومن تقاليد أهل الجزائر أنهم كانوا إذا أصابتهم المحن والبلايا في الأنفس والأموال والأولاد ، فإنهم كانوا يلجؤون إلى عقد مجالس لختم البخاري .
كما أنهم كانوا يقرؤونه عند حلول الطعون والأمراض الوبائية التي تأتي على الأخضر واليابس ، وهو عندهم من باب التوسل بالأعمال الصالحة ) .
وفي العقود اللؤلؤية لابن وهاس الخزرجي ( 2 / 153 ) : ( وفي النصف من شهر شعبان حصل في نواحي عدن زلازل شديدة وأقامت أياماً وسقط بعض دور عدن وفزعوا عند ذلك إلى تلاوة القرآن ، وقراءة البخاري ) .
وقال القاسمي في قواعد التحديث ( 1 / 236 ) : ( قراءة البخاري لنازلة الوباء : وقد جرى على العمل بذلك كثير من رؤساء العلم ومقدمي الأعيان إذا ألمَّ بالبلاد نازلة مهمة ، فيوزعون أجزاء الصحيح على العلماء والطلبة ، ويعينون للختام يوماً يفدون فيه لمثل الجامع الأموي أمام المقام اليحيوي في دمشق وغيرها ، وهذا العمل ورثه جيل عن جيل مذ انتشار ذاك القول ) .
لم يكن يخطر لي أن يناقش أحد في هذا العمل ويزيفة بمقالة رنانة تطبع وتنشر ! وتلك المقالة قدمها أحد الفضلاء الأزهريين في جمادى الآخر سنة 1320 لإحدي المجلات العلمية في مصر فنشرتها عنه ، وهاكها بحروفها تحت عنوان : بماذا دفع العلماء نازلة الوباء ؟ دفعوها يوم الأحد الماضي في الجامع الأزهر ، بقراءة متن البخاري موزعاً كراريس على العلماء ، جرياً على عادتهم من إعداد هذا المتن أوالسلاح الجبري لكشف الخطوب ، وتفريج الكروب ، فهو يقوم عندهم في الحرب مقام المدفع والصرام والأسل ، وفي الحريق مقام المضخة والماء ، وفي الهيضة مقام الحيطة الصحيحة ، وعقاقيرالأطباء ، وفي البيوت مقام الخفراء والشرطة ! وعلى كل حال هومستنزل الرحمات .
ولما كان العلماء أهل الذكر فقد جئت أسألهم عن مأخذ هذا الدواء من كتاب الله ،
--------------------------- 71 ---------------------------
أو صحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وآله أو رأي مستدل عليه لأحد المجتهدين الذين يقلدونهم ، وإلا فعن أي حذاق الأطباء تلقوه ليتبين للناس منه أو من مؤلفاته ، عمل تلاوة متن البخاري في درء الهيضة عن الأمة ، وأن هذا داخل في نواميس الفطرة !
وإذا كان هذا السر العجيب جاء من جهة أن المقروء حديث نبوي ، فلم خص بهذه المزية مؤلف البخاري ، ولمَ لم يجز في هذا موطأ مالك ، وهو أعلى كعباً ، وأعرق نسباً ، وأغزر علماً ، ولا يزال مذهبه حياً مشهوراً !
وإذا جروا على أن الأمر من وراء الأسباب ، فلم لا يقرؤه العلماء لدفع ألم الجوع كما يقرءونه لإزالة المغص أو القئ أو الإسهال ، حتى تذهب شحناء الجراية من صدور كثير من أهل العلم ، أي من أهل جامع الأزهر !
هذا وقد لهج الناس بآراء على أثر الاجتماع الهيضي الأزهري ، فمن قائل : إنهم يخدعون أنفسهم بمثل هذه الأعمال بدليل أن من يصاب منهم لايعالج مرضه بقراءة كراسة من ذلك الكتاب ، بل يعمد إلى المجربات من النعنع والخل وماء البصل وما شابه ، أو يلجأ إلى الطبيب ، ولا تلتفت نفسه إلى الكراسة التي تعالج بها الأمة ، فهذا يدل على أن القوم يعملون على خلاف ما في وجدانهم لهذه الأمة ، خادعين أنفسهم بتسليم أعمال سلفهم .
ومن قائل : إن عدواً من أعداء الدين الإسلامي أراد أن يشكك المسلمين فيه فدخل عليهم من جهة تعظيمه ، فأوحى إلى قوم من متعالمية السابقين أن يعظموا من شأنه ، ويرفعوا من قدره حتى يجعلوه فوق ما جاءت له الأديان . .
ولولا وقوف أهل الفكر منهم على أن هذا العمل ليس من الدين وأن القرآن يقول : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ، لضلوا وأضلوا !
ولو كان هذا العمل من غير العلماء الرسميين لضربت عنهم وعن عملهم صفحاً ، ولما خططت كلمة ، ولكنه من علماء لهم مراكز رسمية ، يزاحمون بها مراكز الأمراء ، فيجب أن يؤبه لهم ، وأن ينظر لعملهم بإزاء مركزهم عن الأمة التي يسألون عنها . والله ولي التوفيق !
--------------------------- 72 ---------------------------
( من كتاب إصلاح المساجد من البدع لمحمد جمال الدين الحلاق ( 1 / 259 ) .
قال الشيخ محمود أبو رية في كتابه : أضواء على السنة المحمدية / 381 ، والمنفلوطي في النظرات / 287 ، وغيرهما : ( رحم الله أستاذنا الإمام محمد عبده حيث قال في رجل وصفوه بأنه قد جد واجتهد ، حتى بلغ ما لم يبلغه أحد ، فحفظ متن البخاري كله عن ظهر قلب فقال الإمام : الحمد لله لقد زادت عندنا نسخة في البلد ، أي إن قيمة هذا الرجل الذي أعجب الناس به ، لا تزيد على قيمة نسخة من كتاب البخاري ، لا تتحرك ولا تعي ) !

  • *
    --------------------------- 73 ---------------------------

الفصل الخامس : انتقاص البخاري من نبينا وبقية الأنبياء عليهم السلام

هدف البخاري تبرير عمل أئمته حتى بتفضيلهم على النبي صلى الله عليه وآله !

افتروا على النبي صلى الله عليه وآله - أنه كان يخطئ فيصحح له عمر ! ويختلف مع عمر في الأمر فيوافق الله عمر وينزل الوحي برأيه ! وسموا ذلك موافقات الله لعمر ! وبلغوا بها سبعاً وعشرين موافقة ، ومدحوه بها ، ونظموا فيها الشعر !
قال البخاري ( / 149 ) : « قال عمر : وافقني ربي في ثلاث : قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ؟ وقلت يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ، فأنزل الله آية الحجاب »
وقال ابن حجر في فتح الباري ( 1 / 423 ) : « والمعنى وافقني ربي فأنزل القرآن على وفق ما رأيت ، لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه ! وليس في تخصيصه العدد بالثلاث ما ينفي الزيادة عليها ، لأنه حصلت له الموافقة في أشياء غير هذه من مشهورها قصة أسارى بدر ، وقصة الصلاة على المنافقين ، وهما في الصحيح ، وصحح الترمذي من حديث ابن عمر أنه قال : ما نزل بالناس أمرٌ قط فقالوا فيه وقال فيه عمر إلا نزل القرآن فيه على نحو ما قال عمر ! وهذا دال على كثرة موافقته ، وأكثر ما وقفنا منها بالتعيين خمسة عشر » !
وذكر عمر بن شبه عدداً من موافقات الله تعالى لعمر ، بعضها واضح الكذب وبعضها فيه تحريف ، وفي بعضها تخطئة صريحة للنبي صلى الله عليه وآله !
--------------------------- 74 ---------------------------

أفانين البخاري في الذم والتنقيص والمدح والتقديس !

تفنن البخاري في خدمة دين السلطة وأفرط في استعمال معاريض الكلام ، التي قال فيها عمر بن الخطاب ( البيهقي : 10 / 199 ) : ( لايسرني أن لي بما أعلم من معاريض القول ، مثل أهلي ومالي ) . وقال ابن الأثير في النهاية ( 4 / 160 ) : ( معاريض الكلام ، الذي هو كذب من حيث يظنه السامع ، وصدق من حيث يقوله القائل ) .
وقال السرخسي ( 30 / 214 ) : « وإن حذيفة رضي الله عنه من كبار الصحابة وكان بينه وبين عثمان بعض المداراة ، فكان يستعمل معاريض الكلام فيما يخبره به ويحلف له عليه على سبيل المداراة ، أو كأنه كان يحلف ما قالها ويعني ما قالها في هذا المكان ، أو في شهركذا ! فهذا ونحوه من باب استعمال المعاريض » .
وقد أفرط البخاري في استعمال المعاريض والتورية في مدح من لا يستحق ، والإنتقاص ممن لا يستحق ! وسنورد في الفصول التالية نماذج من عمله ، فلو أردنا استقصاء ما فعله في كتابه لمديح أبي بكر وعمر وعائشة ، لاحتجنا إلى مجلد ، ثم إلى مجلد لكشف ما عمله للتنقيص من علي وفاطمة والحسن والحسن عليهم السلام .
بل إن انتقاصه عن عمد وغير عمد من رسول الله صلى الله عليه وآله ، يحتاج إلى مجلد كامل !

صحح البخاري كذبة الغرانيق وأن النبي صلى الله عليه وآله سجد للأصنام !

افترى القرشيون على رسول الله صلى الله عليه وآله بأنه شهد بشفاعة أصنامهم وسجد لها ! أي كذب بالإسلام وبالقرآن ، وعبدأصنام قريش !
قال السيوطي في الدر المنثور ( 4 / 366 ) : ( أخرج البزار والطبراني وابن مردويه والضياء في المختارة بسند رجاله ثقات ، عن ابن عباس قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قرأ : أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الآخْرَى ، تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى ! ففرح المشركون بذلك وقالوا : قد ذكر آلهتنا ! فجاء جبريل فقال : إقرأ على ما جئتك به فقرأ : أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ، تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى !
--------------------------- 75 ---------------------------
فقال : ما أتيتك بهذا ! هذا من الشيطان فأنزل الله : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِىٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) .
وهذه هي القصة التي عرفت في عصرنا بالآيات الشيطانية ، ونسج عليها الملحد سلمان رشدي الهندي كتابه ، وتلقفته وسائل الإعلام العالمية ، وأفتى الإمام الخميني قدس سره بقتل رشدي ، ووضع جائزة لمن قام بذلك .
وقد بحثناها في كتاب ألف سؤال ، وغرضنا هنا أن نثبت أن البخاري اجتزأها ورواها بأسلوبه في تبطين الطعن ، لكن الخبير بأحاديثها يعرفها ، قال في صحيحه ( 2 / 32 ، و : 4 / 239 و : 5 / 7 ، و : 6 / 52 ) : ( عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله قرأ سورة النجم فسجد بها ، فما بقي أحد من القوم إلا سجد ! فأخذ رجل من القوم كفاً من حصى أو تراب فرفعه إلى وجهه وقال يكفيني هذا ، فرأيته بعد ذلك قتل كافراً ) .
وقالوا إن الذي أخذ كف حصى وسجد عليه هو أبوأحيحة سعيد بن العاص ، أما الذي قتل في بدر فهو ابنه العاص . وكله من افترائهم ، ولو رواه ألف بخاري !

قال الله تعالى : ولقد رآه بالأفق المبين وقال البخاري : رآه في كابوس

افتتح البخاري صحيحه بالطعن في النبي صلى الله عليه وآله وأنه كان يشك في نبوته ! فروى خرافة عن بدء الوحي ، ثم كررها في كتابه ( 4 / 124 ، و 6 / 88 ) !
قالت عائشة إن النبي صلى الله عليه وآله لم يبعث في جوٍّ واضح ، ولا رأى جبريل بالأفق المبين كما قال تعالى : وَلَقَدْ رَآهُ بِالآفُقِ الْمُبِينِ ، وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ . بل كان الأفق غائماً والنبوة مشكوكة ! وأن شخصاً جاءه لا يعرفه فعامله بخشونة وأمره أن يقرأ ، ولم يقبل عذره بأنه لا يعرف القراءة ، فغطه غطاً عنيفاً ثلاث مرات ! أي عجنه وخنقه وحبس نفسه وكاد أن يقتله ! فالغط العصر الشديد والكبس ( النهاية : 3 / 373 ) !
فعاد إلى منزله مرعوباً شاكياً إلى زوجته خديجة عليهما السلام فطمأنته ، لكنها بقيت في شك أيضاً ! فأخذته إلى ورقة بن نوفل وهو قسيس عجوز من قبيلتها ، ففحصه ثم طمأنه بأن الذي
--------------------------- 76 ---------------------------
جاءه جبريل ، وأنه فعلاً نبي ! لكن النبي صلى الله عليه وآله عاد اليه الشك لما انقطع عنه الوحي ! فقرر أن يلقي بنفسه من رأس جبل وينتحر ! وذهب مراراً إلى الجبل ، فكان جبريل يأتيه ويمنعه !
قال البخاري ( 8 / 67 ) : ( باب التعبير وأول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وآله من الوحي : عن عائشة أنها قالت : أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، فكان يأتي حِرَاء فيتحنَّث فيه ، وهو التعبدالليالي ذوات العدد ، ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها ، حتى فجأه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فيه فقال : إقرأ ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : ما أنا بقارئ ، قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجَهد ! ثم أرسلني فقال : إقرأ ! فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ! ثم أرسلني فقال : إقرأ ! فقلت : ما أنا بقارئ فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ! ثم أرسلني فقال : إقرأ باسم ربك ! ثم أرسلني فقال : إقرأ باسم ربك الذي خلق ، حتى بلغ ما لم يعلم !
فرجع بها ترجف بوادره ، حتى دخل على خديجة فقال : زمِّلوني زمِّلوني ، ( غَطُّوني ) فزمَّلوه حتى ذهب عنه الروع ! فقال يا خديجة مالي ! وأخبرها الخبر وقال : قد خشيت على نفسي ! فقالت له : كلا ، أبشر فوالله لايخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكَل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق . ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، وهو ابن عم خديجة أخو أبيها ، وكان امرءاً تنصَّر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبري فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب وكان شيخاً كبيراً قد عمي ، فقالت له خديجة : أي ابن عم إسمع من ابن أخيك فقال له ورقة : ابنَ أخي ماذا ترى ؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وآله ما رأى ، فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ، يا ليتني فيها جذعاً أكون حياً حين يخرجك قومك ؟ فقال رسول الله : أو مُخرجيَّ هم ؟ فقال ورقة : نعم ، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً ، ثم لم ينشب ورقه أن توفي !
وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وآله فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردى من
--------------------------- 77 ---------------------------
رؤس شواهق الجبال ، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له جبريل فقال : يا محمد إنك رسول الله حقاً ، فيسكن لذلك جأشه وتقرُّ نفسه فيرجع ، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ! فإذا أوفى بذروة جبل تبدَّى له جبريل فقال له مثل ذلك ) !
أقول وقلبي يقطر دماً : أي طعن في رسول الله صلى الله عليه وآله أكبر من أن تجعل الأفق المبين بنص الله تعالى كابوساً مظلماً ؟ وأقسم بالله أن القرشيات أسوأ من الإسرائيليات ، ولم أر اليهود الذين آذوا موسى عليه السلام طعنوا عليه بمثل هذا الطعن ! وجعلوه من الأساس شاكاً في نبوته ! حتى طمأنه قسيس ! ثم تأخر عليه الوحي فعاد اليه الشك وقرر أن ينتحر ! ولذا قال أعداء الإسلام إن قسيساً بعث نبيكم وليس الله !
ولم يقف البخاري عند حديث شك النبي صلى الله عليه وآله في نبوته ! فزعم أنه صلى الله عليه وآله غير معصوم حتى في تبليغ رسالة ربه ، فقد كفر وخان الرسالة وغيَّر القرآن ! واستبدل ذم أصنام قريش بمدحها ، وسجد لها فعبدالأصنام مع قريش وكفر برب العالمين !
ثم زعم ثالثاً ، أن نبينا صلى الله عليه وآله ليس أفضل من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام ! فموسى أفضل منه ، ويونس خير منه ، وعيسى عليه السلام خير منه ومن جميع الأنبياء عليهم السلام !
وزعم رابعاً ، أن نبينا صلى الله عليه وآله عصبي المزاج سئ الأخلاق مع المسلمين ، غير مسدد في منطقه ، فهو ينطق عن الهوى ويسب ويشتم ويلعن ، ويجلد الناس ظلماً وعدواناً !
وزعم خامساً ، أن النبي صلى الله عليه وآله ساذج ضعيف الشخصية والتدبير ، يقع في أخطاء فظيعة ، فيصححها له عمر ، وينزل الوحي موبخاً له مؤيداً لعمر !
وزعم سادساً ، أن النبي صلى الله عليه وآله ظالم لقومه ، ظلمهم في بدر وأخذ منهم أسرى ، وأخذ منهم فدية مقابل إطلاقهم ، فعاقبه الله بهزيمته ، وجرحه وكسر أسنانه في أحد !
وزعم سابعاً ، أن النبي صلى الله عليه وآله غير مسدد في حكمه وقضائه بين المسلمين ، فقد يقضي لشخص بالباطل لأنه حاذق في كلامه !
وزعم ثامناً ، أن النبي صلى الله عليه وآله ينهى عن الأمر ويرتكبه ، فقد نهى المسلمين عن التمني وقول ( لو ) ، لكنه تمنى وقالها مرات !
--------------------------- 78 ---------------------------
وزعم تاسعاً ، أن النبي صلى الله عليه وآله صاحب ذهن مشوش ينسى كثيراً ، فقد نسي أنه جُنُب فلم يغتسل وصلى ! كما نسي عدد ركعات الصلاة ونقَّص منها ! وأخطأ في قراءة القرآن في صلاته ، فصحح له بدوي من خلفه !
وزعم عاشراً ، أن النبي صلى الله عليه وآله غلب عليه المرض في آخر حياته فأخذ يهذي ويهجر ، وطلب من المسلمين أن يأتوه بدواة وقرطاس ليكتب لهم كتاباً يؤمِّنهم من الاختلاف والضلال إلى يوم القيامة ، فرفض ذلك عمر وقال نبيكم غلب عليه الوجع ، وأيده أكثر الحاضرين ، ومنعوه من كتابة عهده لأمته ، لأنه يهجر !
ثم تقول عائشة إن النبي صلى الله عليه وآله سُحِرَ وفقد ذاكرته ، وبقي ستة أشهر مسحوراً ، يخيَّلُ إليه أنه فعل الشئ وهو لم يفعله ، ويتخيل أنه أتى زوجته ولم يأتها !
فماذا أبقى البخاري من شخصية رسول الله صلى الله عليه وآله ، جازاه الله بما يستحق !

ناقض البخاري القرآن فقال إن النبي صلى الله عليه وآله سُحر !

قبل البخاري قول عائشة إن النبي صلى الله عليه وآله سُحِرحتى اختل عقله وبقي ستة أشهر مسحوراً ، ولم يسأل البخاري عائشة : لماذا لم يره أحد مسحوراً غيرك ؟ وكيف صدق الله قول الكفار فقال : إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلاً مَسْحُوراً !
وقالت عائشة إنه سحر بعد الحديبية ، لكنه صلى الله عليه وآله بعد رجوعه من الحديبية بقي في المدينة عشرة أيام ، ثم ذهب إلى خيبر ، فأين الستة أشهر ، وأين سقوط شعره ؟ ! وزعمت عائشة أن يهودياً سَحَره فأخذ مشطه وبعض شَعره وعقده في خيط ودفنه في بئر ! وقالت إن النبي صلى الله عليه وآله استخرجه وفكَّ عقد الخيط ، ولم يعاقب الذي سحره !
وقد روى البخاري هذه الخرافة في خمسة مواضع ! قالت عائشة ( 4 / 91 ) : ( سُحر النبي صلى الله عليه وآله حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشئ وما يفعله ، سحره لبيد بن الأعصم اليهودي في مشط ومشاطة عقده في خيط جلد وألقاه في بئر ذِروان ! فخرج إليها النبي صلى الله عليه وآله واستخرجه ولم يعاقب لبيداً ، قال خشيتُ أن يثير ذلك على الناس شراً !
--------------------------- 79 ---------------------------
وفي : 4 / 68 : « سُحر حتى كان يُخَيَّلُ إليه أنه صنع شيئاً ولم يصنعه » !
وفي : 7 / 88 : « مكث النبي كذا وكذا ، يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتي » !
وفي : 7 / 29 : « كان رسول الله سُحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن ! قال سفيان : وهذا أشد ما يكون من السحر » ! وكرره في ( 7 / 28 و 164 ) .
وقال إمامهم ابن حجر عن الزهري أنه لبث ستة أشهر ! وجدناه موصولاً بإسناد الصحيح فهو المعتمد » ! ( فتح الباري : 10 / 192 ) . ثم ذكر ابن حجر تأثير السحر على حواس النبي صلى الله عليه وآله وبعض عقله ! قال المازري : وهذا كله مردود ، لأن الدليل قد قام على صدق النبي صلى الله عليه وآله فيما يبلغه عن الله تعالى ، وعلى عصمته في التبليغ ، والمعجزات شاهدات بتصديقه ، فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له ، مع عصمته في أمور الدين !
أقول : هذا بعض كلامهم الطويل العليل ! الذي يريدون به أن يقنعوك بصحة قزل عائشة ، وأن نبيك صلى الله عليه وآله كان ستة أشهر مسحوراً ، وانتثر شعر رأسه وصار أقرع أو كالأقرع ، ويقولون نعم إنه صلى الله عليه وآله معصوم لا ينطق عن الهوى ، لكن عصمته إنما هي في تبليغه الرسالة فقط ما عدا حديث الغرانيق طبعاً ! أما في غير التبليغ فيصاب بالسحر وبالجنون ، فيفقد التمييز في الأمور الدنيوية ، ومنها استخلاف خليفته !
لقد فاقت القرشيات بافترائها على النبي صلى الله عليه وآله كل ما افترته الإسرائيليات على أنبيائهم عليهم السلام ! ولذا قال صلى الله عليه وآله : « ما أوذي نبي مثل ما أوذيت » !
وقد رد هذه الفرية علماء الشيعة ، وتجرأ على ردها بعض علماء السنة ! قال النووي في المجموع ( 19 / 242 ) : ( تنبيه : قال الشهاب نقل في التأويلات عن أبي بكر الأصم أنه قال : إن حديث سحره صلى الله عليه وآله المروي هنا متروك لما يلزمه من صدق قول الكفرة أنه مسحور ، وهو مخالف لنص القرآن حيث أكذبهم الله فيه . ونقل الرازي عن القاضي أنه قال : هذه الرواية باطلة ، وكيف يمكن القول بصحتها والله تعالى يقول : واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس .
--------------------------- 80 ---------------------------
وقال : وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ، ولأن تجويزه يفضى إلى القدح في النبوة ، فلو وقعت هذه الواقعة لكان الكفار صادقين في تلك الدعوى ولحصل فيه ذلك العيب ، ومعلوم أن ذلك غير جائز . ‍ويقول القاسمي في محاسن التأويل : ولا غرابة في أن لا يقبل هذا الخبر لما برهن عليه ، وإن كان مخرجاً في الصحاح وذلك لأنه ليس كل مخرج فيها سالماً من النقد سنداً أو معنى ، كما يعرفه الراسخون ) .
أقول : أصل المشكلة عندهم أنهم يقبلون كلام عمر وعائشة والبخاري مهما كان ، ولا يسمحون لأحد أن ينقده ! أما نحن فنراه من خيالات عجائز مكة ، ومن تأثير أحادث اليهوديات ونسبتهم القبيح إلى أنبيائهم عليهم السلام ، والى ربهم عز وجل !

اتهموا النبي صلى الله عليه وآله بأنه مفرط في الجنس ويلهو ويلعب !

زعم البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله مفرط في الجنس ، يأتي نساءه التسعة في ليلة واحدة ، ويباشر زوجته وهي حائض ، ويتبذَّل تبذلاً لا يناسب إنساناً عادياً فيبول وهو واقف ، ويستقبل ضيوفه وهو مضطجع ، ويستمع الغناء ، ويشاهد الرقص ، ويشرب النبيذ ! أما عمرفكان محافظاً أكثر منه ، حيث قال له : أحجب نساءك فلم يفعل ، فأنزل الله آية الحجاب ، وأمره بما أمره به عمر !
كما زعم البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله كان مغرماً بزوجته عائشة ، فكان يفضلها على زوجاته ، ويستمع معها الغناء من جاريتين تغنيان لهما ، ويحملها على كتفه ويضع خده على خدها لتشاهد من شباك الغرفة رقص الأحباش ، ويأخذها معه في غزواته ، وربما ترك جيشه وسابقها ، وقد سبقها مرة ، وسبقته مرة ! وقد روت عائشة قصص حياتهما الشخصية ، مما لا يناسب زوجين مسلمين ! ومع ذلك يقولون إن البخاري صحيحٌ من الجلد إلى الجلد ، وأصح كتاب بعد كتاب الله تعالى ! ويقبلون منه ما يخالف قطعيَّ العقل ، ويتدينون بأحاديثه المتعارضة التي لوكلف عالم بالجمع بينها لقال كلفني بنقل صخور الجبال فهو أسهل ! فإن الإنس والجن لا يمكنهم جمع المتناقضات إلا بإسقاط بعضها !
--------------------------- 81 ---------------------------
قال أنس في البخاري ( 6 / 117 ) : ( إن النبي صلى الله عليه وآله كان يتطوف على نسائه في ليلة واحدة ، وله تسع نسوة ) !
وقالت عائشة ( البخاري : 2 / 2 ) : « دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث ، فاضطجع على الفراش وحول وجهه ، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال : مزمارة الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وآله فأقبل عليه رسول الله فقال : دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا ! وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب ، فإما سألت النبي صلى الله عليه وآله وإما قال : أتشتهين تنظرين ؟ قلت : نعم ، فأقامني وراءه ، خدي على خده ، وهو يقول : دونكم يا بني أرفدة ، حتى إذا مللت قال : حسبك ؟ قلت : نعم ، قال : فاذهبي » !
وقالت عائشة ( البخاري : 2 / 256 و : 1 / 78 ) : ( كان النبي صلى الله عليه وآله يباشرني وأنا حائض ) !

وزعم البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله كان يعبدالأصنام !

افترى البخاري على النبي صلى الله عليه وآله بأنه كان يعبدالأصنام ويذبح لها ! وزعم أن ابن عم عمركان أتقى منه ! قال ( 4 / 232 ، و 6 / 225 ) : ( عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بَلْدَح ، قبل أن ينزل على النبي الوحي ، فقدمت إلى النبي سفرة فأبى ( زيد ) أن يأكل منها ، ثم قال زيد : إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم ، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه ) !
وحاول شراح البخاري كابن حجر في فتح الباري ( 7 / 108 ) تبرير ذلك والقاضي عياض ، وابن بطال ، وابن منير ، وأن السفرة قدمتها قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله فرفض أن يأكل منها ، وتعمدوا في ذلك وتمحلوا ! فالمصادر تكذبهم كمسند أحمد ، والنسائي ، والبيهقي ، وابن حبان ، والطبراني ، وابن عساكر ، وابن سعد . . الخ . وبَلْدَح ، وادٍ قرب مكة ، كان فيها أصنام لقريش . ( معجم البكري : 1 / 273 ، وابن سعد : 2 / 95 ، ومناقب آل أبي طالب : 1 / 91 ) .
--------------------------- 82 ---------------------------

وزعم أن عمر أمر النبي صلى الله عليه وآله : أحجب نساءك فنزلت الآيات !

صورت رواية السلطة كأن نساء النبي صلى الله عليه وآله كن سافرات يختلطن بالرجال ، فأخذت الغيرة عمرفقال له : أحجب نساءك فإنه يدخل عليك البر والفاجر ، ويراهنَّ الرجال ويكلمونهن ، فلم يطعه ، فوافقه الله وأنزل آية الحجاب !
قال البخاري ( 5 / 149 و : 6 / 24 ) : ( قال عمر : وافقت الله في ثلاث ، أو وافقني ربي في ثلاث : قلت يا رسول الله لواتخذت من مقام إبراهيم مصلى ؟ وقلت : يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر ، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ، فأنزل الله آية الحجاب ) . وفي ( 1 / 105 ) : ( فإنه يكلمهن البر والفاجر ) .
ويتعجب الإنسان من مدحهم لعمر بالطعن بالنبي صلى الله عليه وآله ! وكأن المطلوب تفضيله على رسول الله صلى الله عليه وآله ! مع أن نساء النبي صلى الله عليه وآله كنَّ محجبات ! وكانت سورة النور نزلت وفيها آيات الحجاب ، وآداب الأسرة والاختلاط .
أما آية الحجاب في سورة الأحزاب التي قصدها عمر فزادت في حجابهن بأن فرضت عليهنَّ أن لايكلمن الأجانب إلا من وراء ستر ، وأن الله أراد منهن أن يتحلَّيْنَ بمتانة الشخصية ورصانة الكلام : فَلاتَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ، ولايكثرن الرواح والمجئ ، ولايتصدَّيْنَ للأمور السياسية : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ، وأن يكنَّ في مستوى أمهات المؤمنين ، وإلا فليتنحَّيْنَ من حياة النبي صلى الله عليه وآله !
وقد تناقضت أقوالهم في سبب نزول آية الحجاب حتى في البخاري ، وقبلوا منها قول عمر إنه أمر النبي صلى الله عليه وآله أن يحجب نساءه فلم يفعل ، فنزلت الآية !
وروى البخاري ( 6 / 24 و 26 ) أسباباً أخرى منها جلوس الثقلاء لمدة طويلة في بيت النبي صلى الله عليه وآله ، قال أنس : ( أنا أعلم الناس بهذه الآية آية الحجاب . لما أهديت زينب بنت جحش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وصنع طعاماً ودعا القوم فقعدوا يتحدثون ، فجعل النبي صلى الله عليه وآله يخرج ثم يرجع وهم قعود يتحدثون ، فأنزل الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ
--------------------------- 83 ---------------------------
لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ . . إلى قوله : مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ، فضُرب الحجاب وقام القوم ) .
وروى البخاري ( 1 / 46 ) أن عائشة صدَّقت عمر ، وأن يدها مسَّت يد عمر ، فنزلت آية الحجاب ! ( الأدب المفرد للبخاري / 225 ) .
ثم سحبت تصديقها لعمر في سبب نزول الآية ( صحيح البخاري : 7 / 128 ) .

وزعموا أن النبي صلى الله عليه وآله وقع في خطأ فظيع فأنقده عمر

اخترعوا منقبة لأبي بكر وعمر في تبوك ! فقالوا إن جيش تبوك وعدده ثلاثون ألفاً نفد طعامهم ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وآله بذبح الجمال ، فنهاه أبو بكر وعمر وأمراه أن يجمع ما بقي من زاد المسلمين ويدعو ، ففعل فبارك الله لهم !
رواها البخاري ( 3 / 109 و : 4 / 13 ) : ( عن سلمة قال خفت أزواد القوم وأملقوا فأتوا النبي صلى الله عليه وآله في نحر إبلهم فأذن لهم فلقيهم عمر فأخبروه فقال : ما بقاؤكم بعد إبلكم ، فدخل على النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله ما بقاؤهم بعد إبلهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ناد في الناس يأتون بفضل أزوادهم فبسط لذلك نطع وجعلوه على النطع فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فدعا وبارك عليه ، ثم دعاهم بأوعيتهم فاحتثى الناس حتى فرغوا . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ) .
وقال مسلم ( 1 / 42 ) : « قالوا : يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : افعلوا ! قال فجاء عمر فقال : يا رسول الله إن فعلت قلَّ الظهر ، ولكن أدعهم بفضل أزوادهم ثم ادع الله لهم عليها بالبركة ، فقال رسول الله : نعم ) .

وزعم البخاري أن عمر تقاسم مع النبي صلى الله عليه وآله قدح العلم !

قال البخاري ( 1 / 28 و : 8 / 74 و 79 ) عن ابن عمر : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله قال : بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الريَّ يخرج في أظفاري ، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب ! قالوا فما أولته يا رسول الله ؟ قال : العلم » !
--------------------------- 84 ---------------------------
وقد عقد بخاري لقدح علم عمر أبواباً عديدة ( 8 / 74 ، و 79 و 81 ) : باب اللبن ، وباب إذا جرى اللبن في أطرافه أو أظافيره ، وباب إذا أعطى فضله غيره في النوم ، وباب القدح في النوم ! وباب فضل العلم ، وباب اللبن !
وقال الدارمي ( 1 / 101 ) : « ذهب عمر بثلثي العلم ، فذكر لإبراهيم فقال : ذهب عمر بتسعة أعشار العلم » !
لكن عمر كذبهم فقال كما في البخاري ( 3 / 6 و 19 ، و : 8 / 157 ) : « أُخْفِيَ عليَّ من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ! ألهاني الصفق بالأسواق ، يعني الخروج إلى تجارة »
وتكلم يوماً وهو يصلي وصاح بالراعي : يا صاحب الشول رُدَّ إبلك ، فوبخه النبي وقال له : لا فقه لك يا ابن الخطاب ! ( عبد الرزاق : 2 / 330 ) !
وقال عمر مرة : « كلكم أفقه من عمر » ( سبل السلام : 3 / 149 ) . وقال مرة : « كل الناس أفقه من عمر ، حتى النساء في البيوت » ( المبسوط : 10 / 153 ) .
« وقرأ عمر : وفاكهة وأَبّاً ، فقال بعضهم هكذا وقال بعضهم هكذا ! فقال عمر : دعونا من هذا ، هذا لعمر الله هو التكلف ، فما عليك أن لا ندري ما الأبُّ ) ! ( الدر المنثور : 6 / 317 والحاكم : 2 / 290 ، بشرط الشيخين ) .
وقال أبو داوود ( 2 / 339 ) : أمر برجم مجنونةٍ « فمر بها على عليِّ فقال : إرجعوا بها ، ثم أتاه فقال : يا أمير المؤمنين أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة : عن المجنون حتى يبرأ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبيِّ حتى يعقل ) !
وقال السرخسي في المبسوط ( 16 / 84 ) : « روي أن عمركان يقضي في حادثة بقضية ثم ترفع إليه تلك الحادثة فيقضي بخلافها ! فكان إذا قيل له في ذلك قال : تلك كما قضينا ، وهذه كما نقضي ) !
ولم يعرف عمر أكثر الحمل فأفتى بأنه أربع سنين ! قال ابن قدامة ( المغني : 9 / 116 ) : ( ولو طلقها أو مات عنها فلم تنكح حتى أتت بولد بعد طلاقه أو موته بأربع سنين لحقه الولد وانقضت عدتها به ! لأن عمر ضرب لامرأة المفقود أربع سنين ولم يكن ذلك إلا لأنه غاية الحمل ) !
--------------------------- 85 ---------------------------
وذات يوم لم يعرف عمر كيف يتيمم فتمرغ بالتراب فضحك النبي صلى الله عليه وآله فلما صار خليفة ألغى آية التيمم ، وأسقط الصلاة عمن لم يجد ماء ! ( البخاري : 1 / 87 و 90 )
قال البخاري ( 1 / 91 ) : ( عن الأعمش عن شقيق قال : كنت جالساً مع عبد الله وأبي موسى الأشعري ، فقال له أبو موسى : لو أن رجلاً أجنب ، فلم يجد الماء شهراً ، أما كان يتيمم ويصلي ، فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة : فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّباً ؟ فقال عبد الله : لو رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا الصعيد . قلت : وإنما كرهتم هذا لذا ؟ قال : نعم ! فقال أبو موسى : ألم تسمع قول عمار لعمر : بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله فقال : إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا فضرب بكفه ضربة على الأرض ثم نفضها ، ثم مسح بها ظهركفه بشماله أو ظهر شماله بكفه ثم مسح بها وجهه . فقال عبد الله : ألم ترعمر لم يقنع بقول عمار ! وزاد أبو يعلى عن الأعمش عن شقيق قال : كنت مع عبد الله وأبي موسى فقال أبو موسى ألم تسمع قول عمار لعمر : إن رسول الله بعثني أنا وأنت فأجنبتَ فتمعكتَ بالصعيد فأتينا رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرناه فقال : إنما كان يكفيك هكذا ومسح وجهه وكفيه ) .
ويظهر من رواية ( كنز العمال : 9 / 588 ) أن المتمعك يومها عمر ، فقال لعمار : إتق الله يا عمار ، فقال عمار : إن شئت لا أذكره ما حييت ) !
فإلغاء عمر تشريع التيمم وآية التيمم ، وإسقاطه فريضة الصلاة ، بسبب عقدة نفسية من تمعكه وضحك النبي صلى الله عليه وآله منه ! وقد أمرعمرالناس إذا فقدوا الماء أن يتركوا الصلاة فأطاعوه ! ولا غرابة فقد أطاعوه في إلغاء حق النبي صلى الله عليه وآله بأن يكتب عهده إلى أمته وصاحوا في وجه نبيهم : القول ما قاله عمر ، إن النبي يهجر ! جازاهم الله !
--------------------------- 86 ---------------------------

وزعم أن قميص عمر أطول من قميص كل الناس

عقد البخاري في ( 8 / 74 ) : ( باب القميص في المنام : وروى فيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قُمُص ، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك ، ومرَّ عليَّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره ، قالوا : ما أولت يا رسول الله ؟ قال الدين ) .
فقميص عمر يصل إلى الأرض ، فهو أطول من غيره ، لأنه أدين من غيره !

نشر البخاري كذبة السلطة في رفع اللعن عن زعماء قريش !

اللعن مبدأ ثابت في الأديان الإلهية ، ومعناه الطرد من رحمة الله تعالى ، ويسمى مشابهه في الكنيسة : الحرمان الكنسي ، ومشابهه في القوانين : الحرمان من الحقوق المدنية فهو حكم شرعي وعقيدة ، وفي القرآن ست وثلاثون آية ورد فيها اللعن ومشتقاته ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وآله من أخبره الله تعالى بطردهم من رحمته ، وكان يلعن كبارهم في قنوت صلاته . فكان ذلك ثقيلاً على القرشيين ، لأنهم يعتقدون بأن اللعنة أياً كانت فلها تأثير تكويني على الملعون !
ولما حكموا بعد النبي صلى الله عليه وآله رفعوا حكم اللعن عنهم ، وقالوا إن النبي صلى الله عليه وآله غضب وأخطأ ، ثم تراجع وسحب لعنه ودعا لهم بالرحمة والمغفرة والبركة ، فصار الملعون أحسن حظاً من غيره ! قال البخاري ( 7 / 157 ) : ( عن أبي هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول : اللهم فأيما مؤمن سببته ، فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة ) .
وقال مسلم ( 8 / 25 ) : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر ، وإني قد اتخذت عندك عهداً لن تخلفنيه . فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارةً وقربةً تقربه بها إليك يوم القيامة ) ! .
وكان عمر أكثرهم تشاؤماً من اللعن ، حتى لو كان اللاعن بدوياً والملعون ناقة ! ( عن أبي عثمان قال : بينما عمر يسير على بعير له فلعنه ، فقال من هذا اللاعن ؟ قالوا : فلان . قال : تخلف عنا أنت وبعيرك ، لا تصحبنا راحلة ملعونة ) ! ( كنز العمال : 3 / 877 ) . فكأن لعنته لناقته تؤثر رأساً ، وقد تسري إليهم !
--------------------------- 87 ---------------------------
وكان معاوية يلعن علياً والحسنين عليهم السلام ، ويتصور أن لعنته تؤثر أثرها فيهم !

لم يوفر البخاري أحداً من الأنبياء عليهم السلام

وهذا منهج اليهود في الطعن بالأنبياء عليهم السلام ، أخذه منهم البخاري ورواة السلطة !
قال البخاري ( 4 / 131 و : 7 / 214 ، و : 8 / 203 ) : ( عن أبي هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : احتج آدم وموسى فقال له موسى : أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة ؟ فقال له آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته !
وطعن البخاري في نبي الله إبراهيم عليه السلام فقال : ( 4 / 112 و 113 ، و : 6 / 121 ) إنه كذب ثلاث كذبات ، اثنتان لله ، وواحدة لغير الله ! قال : ( لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ، ثنتين منهن في ذات الله عز وجل ، قوله : إِنِّي سَقِيمٌ ، وقوله : بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ! وقال بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة فقيل له إن هاهنا رجلاًمعه امرأة من أحسن الناس فأرسل إليه فسأله عنها فقال من هذه ؟ قال : أختي ) !
وزعم البخاري ( 5 / 226 ) أن إبراهيم عليه السلام لا يشفع للناس بسبب كذباته الثلاث ! وكرره في : ( 5 / 225 و : 7 / 203 و : 8 / 172 و 183 ، و 192 ، و 201 ) !
ونعم ما قاله الفخر الرازي في تفسيره ( 18 / 119 ) : ( إن قبلناه لزمنا الحكم بتكذيب إبراهيم عليه السلام وإن رددناه لزمنا الحكم بتكذيب الرواة ، ولا شك أن صون إبراهيم عليه السلام عن الكذب أولى من صون طائفة من المجاهيل عن الكذب . )
ونسب إلى نبي الله موسى عليه السلام أنه بطَّاش ، وأنه ضرب ملك الموت ، ففقأ عينه ! روى في ( 2 / 92 و : 4 / 130 ) عن أبي هريرة : ( أرسل ملك الموت إلى موسى فلما جاءه صكه ! فرجع إلى ربه فقال : أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ! فرد الله عز وجل عليه عينه وقال : إرجع فقل له يضع يده على متن ثور ، فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة ، قال : أي رب ثم ماذا ؟ قال : ثم الموت . قال : فالآن ، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر ) !
--------------------------- 88 ---------------------------
قال ابن حجر في فتح الباري ( 6 / 315 ) : ( فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها ! وفي رواية عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة عند أحمد والطبري : كان ملك الموت يأتي الناس عياناً فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه . ) !
ونسب إلى موسى عليه السلام أنه ركض عارياً وراء ثيابه ! فقد اتهم اليهود موسى عليه السلام بأن له أدرة ، أي عنده فتق ، فأراد الله أن يبرئه فأظهره لهم عارياً !
قال البخاري ( 4 / 129 ، و : 6 / 28 و : 1 / 73 ) : ( فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل ، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر ، فجعل يقول ثوبي حجر ! ثوبي حجر ! حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عرياناً أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون ، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضرباً بعضاه ! فوالله إن بالحجر لندباً من أثر ضربه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً ، فذلك قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً ) .
ونسب إلى نبي الله سليمان عليه السلام أنه مفرط في الجنس ، وينسى ذكر الله ! قال ( 3 / 209 ، و : 4 / 136 و : 6 / 160 ) : ( قال سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين ، كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ! فقال له صاحبه : قل إن شاء الله ، فلم يقل إن شاء الله ! فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل ! والذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون ) !
ونسب البخاري إلى أنبياء الله عليهم السلام أنهم يغضبون غضباً مفرطاً ينافي العصمة ، انتقاماً لأنفسهم ، فروى أن نبياً قرصته نملة فغضب وأحرق قرية النمل بالنار !
قال البخاري ( 4 / 22 و 100 ) : ( قرصت نملة نبياً من الأنبياء عليهم السلام فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله إليه : إن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح الله ) !
وزعم البخاري أن الشيطان يعبث بكل إنسان عند ولادته ، حتى الأنبياء عليهم السلام إلا عيسى عليه السلام قال ( 4 / 94 ) : ( كل بني آدم يَطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد ،
--------------------------- 89 ---------------------------
غير عيسى بن مريم ، ذهب يطعن فطعن في الحجاب ) ! وسبب استثناء عيسى عليه السلام حسب بزعمه أن أم مريم عليها السلام دعت لها : وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . فاستجاب الله دعاءها ، فلم يطعن الشيطان ابنها عندما خرج من رحمها !
ثم لماذا يسلط الله الشيطان على كل مولود من ولد آدم عليه السلام ، ليعبث به وبأمه ! وما معنى أنه يطعن بإصبعيه في جنبه ، وأنه بهذه الطعنة يتسلط عليه ؟ وما معنى أنه طعن في جنبيَّ عيسى عليه السلام ذهبت في الحجاب وفسروا الحجاب بالمشيمة ، وفسروه بخيمة مريم وحجابها ! إلى آخر حشوهم وكذبهم !

  • *
    --------------------------- 90 ---------------------------

الفصل السادس : البخاري في خدمة الخليفة المتوكل الناصبي !

المتوكل وأحمد والبخاري يبغضون علياً عليه السلام !

أما المتوكل فمشهور ببغض علي عليه السلام ، وقدكتبنا له ترجمة وافية في كتاب سيرة الإمام علي الهادي عليه السلام ووثقنا أنه كان مخنثاً يعيش مع فاسدين ، وأن أخاه الواثق حبسه ليمنعه من الشذوذ ! ثم توفي الواثق في شبابه ، فتشاور كبير قضاته ابن أبي دؤاد ، ورئيس وزرائه ابن الزيات ، وقائد الجيش التركي إيتاخ ، بأن ابن الواثق ولي العهد صغيرضئيل الجثة ، فجاؤوا بأخيه المتوكل من سجن المخانيث إلى كرسي الخلافة ، ونصبوه خليفة !
( نثر الدرر : 5 / 194 ، ووفيات الأعيان : 5 / 99 ومروج الذهب : 4 / 3 ، والكافي : 1 / 498 » .
واشتهر بغض المتوكل لعلي عليه السلام قال ابن الأثير في الكامل « 6 / 108 » : « كان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته ، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى علياً وأهله بأخذ المال والدم ) ! أي صادرمال الشيعي وقتله !
ثم قال ابن الأثير : وكان من جملة ندمائه عَبَّادة المخنث ، وكان يشد على بطنه مخدة ويكشف رأسه وهوأصلع ، ويرقص بين يدي المتوكل ، والمغنون يغنون : قد أقبل الأصلع البدين خليفة المسلمين ! يحكي بذلك علياً ! والمتوكل يشرب ويضحك ! ففعل ذلك يوماً والمنتصر ( ابن المتوكل ) حاضر ، فأومأ إلى عَبَّادة يتهدده فسكت خوفاً منه ، فقال المتوكل ما حالك ؟ فأخبره فقال المنتصر : يا أمير المؤمنين إن الذي يحكيه هذا الكلب ويُضحك منه الناس هو ابن عمك ، وشيخ أهل بيتك وبه فخرك ! فكل أنت لحمه إذا شئت ، ولاتُطعم
--------------------------- 91 ---------------------------
هذا الكلب وأمثاله منه ! فقال المتوكل للمغنين : غنوا جميعاً :
غَارَ الفَتَى لابنِ عَمِّهْ رأسُ الفَتى في حَرِ أمِّهْ » !
وأما أحمد ابن حنبل ، فكان في زمن المأمون والمعتصم والواثق يحدث بفضائل علي وأهل البيت عليهم السلام ، لكن هواه كان ضدهم ، فلما جاء المتوكل واتخذه إماماً وبسط يده أظهر ما في قلبه من بغض علي عليه السلام !
قال الصدوق في علل الشرائع ( 2 / 468 ) : ( سمعت علي بن خشرم يقول : كنت في مجلس أحمد بن حنبل فجري ذكر علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : لا يكون الرجل سنياً حتى يبغض علياً قليلاً ! قال علي بن خشرم : فقلت : لا يكون الرجل مسلماً حتى يحب علياً كثيراً ! قال : فضربوني وطردوني من المجلس ) !
وقال في علل الشرائع ( 2 / 467 ) : ( سمعت إبراهيم بن محمد بن سفيان يقول : إنما كانت عداوة أحمد بن حنبل مع علي بن أبي طالب عليه السلام أن جده ذا الثدية الذي قتله علي بن أبي طالب يوم النهروان ، وكان رئيس الخوارج ) !
ويؤيد ذلك أن الطبري المؤرخ ألف في الرد على حنابلة بغداد كتاباً سماه : الرد على الحرقوصية ، أي الحنابلة أتباع أحمد ، الذي هو من ذرية حرقوص .
وأما البخاري فهو بطلٌ خَنَّاس تفنن في الطعن بعلي عليه السلام وهولابس ثوب الحيادي !

تذكير بأصول دين الخلافة القرشية

الركن الأول : تبرير ما فعلته السلطة بأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ، ونصب العداء لهم والإعراض عن علمهم وأحاديثهم وفضائلهم ، والطعن فيهم بأسلوب مبطن .
الركن الثاني : تقديس الشيخين وبنتيهما ، والدفاع عن شرعية خلافتهما ، ونشر فضائلهما ومعجزاتهما ، حتى لو استوجبت أحياناً الطعن في النبي صلى الله عليه وآله !
الركن الثالث : حب بني أمية والدفاع عنهم ، وتبرير كل مساوئهم وجرائمهم ، ومحاولة إثبات أنهم أخيار أبرار ، مغفور لهم .
--------------------------- 92 ---------------------------
الركن الرابع : نشر تجسيم كعب الأحبار ، وأن الله تعالى يرى في الآخرة كالقمر ، وينزل من السماء ولا يصعد ، ويجلس على عرشه كما يجلس الملوك على عروشهم ، ويحمل عرشه ثمانية ملائكة أو حيوانات ، وإن غضب يثقل عرشه على حامليه !
وقد خدم البخاري هذه الأصول الأربعة بابتكارات وأساليب ذكية مبطنة ، بعضها سبقه إليها آخرون ، وبعضها كان هو السابق فيها !
وقد أعجب كتاب البخاري من عرضه عليهم من جماعة المتوكل وأولهم أحمد بن حنبل وابن معين ، وقد يكون أحمد حدث المتوكل عنه ، فوجدوا فيه ضالتهم لأنه يدافع عن أركان دينهم هذه ، فتبنوه رغم أنهم كفروا مؤلفه !

البخاري يروي عن الخوارج ولا يروي عن شخصيات أهل البيت !

1 . مثال على ذلك موقفه من علي بن هاشم ، قال ابن حجر ( تهذيب التهذيب ( 7 / 342 ) : ( البخاري في الأدب المفرد ومسلم والأربعة : علي بن هاشم بن البريد البريدي العائذي مولاهم ، أبو الحسن الكوفي الخزاز . روى عن هشام بن عروة ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، والأعمش ، وطلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله ، ويزيد بن كيسان ، وأبي الأشهب العطاردي ، وصالح بياع الأكسية ، والعلاء بن صالح ، وإسماعيل بن أبي خالد ، وفطر بن خليفة ، وأبي هلال الراسبي ، وطائفة . وعنه : أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وأبو معاوية ، وإسماعيل بن إبراهيم القطيعي ، وأحمد بن منيع ، وسعيد بن سليمان الواسطي ، والعلاء بن هلال الرقي ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وعبد الله بن عمرو الضبي ، وإسحاق بن أبي إسرائيل . وآخرون .
قال حنبل عن أحمد : ليس به بأس ، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه : ما أرى به بأساً . وقال ابن أبي خيثمة : وغير واحد عن ابن معين : ثقة . وقال أبو الحسن بن البراء عن ابن المديني : كان صدوقاً . زاد الباغندي عن ابن المديني : وكان يتشيع ، وقال غيره عن علي : ثقة ، وكذا قال يعقوب بن شيبة ، وقال الجوزجاني : كان هو وأبوه غاليين في مذهبهما ، وقال أبو زرعة :
--------------------------- 93 ---------------------------
صدوق . وقال أبو حاتم : كان يتشيع ، ويكتب حديثه . وقال الأجري عن أبي داود : سئل عنه عيسى بن يونس فقال : أهل بيت تشيع ، وليس ثم كذب . وقال النسائي : ليس به بأس ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال كان غالياً في التشيع . وروى المناكير عن المشاهير .
قال عبد الله بن أحمد عن أبيه : سمعت منه سنة تسع وسبعين ومائة أول سنة طلبت الحديث مجلساً ، ثم عدت إليه المجلس الآخر وقد مات .
وقال ابن المثنى : مات سنة 81 1 ، قلت : وقال ابن سعد : كان صالح الحديث صدوقاً ، وقال اللالكائي : له في مسلم حديثان ، وقال ابن عدي : حدث عنه جماعة من الأئمة ، ويروي في فضائل علي أشياء لا يرويها غيره ، وهو إن شاء الله صدوق لا بأس به . ووثقه العجلي ، وضعفه الدارقطني ) .
أقول : علي بن هاشم هذا من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ، قدم بغداد وحدث بها ، وتوفي في الكوفة سنة 181 ، وأنت ترى توثيق كبار المحدثين والرجاليين له ، فلا عذر للبخاري بترك حديثه بحجة أنه شيعي ، أو مغال في التشيع !
وقال الذهبي في ميزان الإعتدال ( 3 / 160 ) : ( علي بن هاشم بن البريد ، أبو الحسن الكوفي الخزاز ، مولى قريش ، عن هشام بن عروة وجماعة . وعنه : أحمد ، وابنا أبي شيبة ، وخلق . وثقه ابن معين وغيره ، وقال أبو داود : ثبت يتشيع ، وقال البخاري : كان هو وأبوه غاليين في مذهبهما ، قلت : ولغلوه ترك البخاري إخراج حديثه ، فإنه يتجنب الرافضة كثيراً ، كأنه يخاف من تدينهم بالتقية ، ولا نراه يتجنب القدرية ولا الخوارج ولا الجهمية ، فإنهم على بدعهم يلزمون الصدق ، وعلي بن هاشم ، قال أحمد : سمعت منه مجلساً واحداً . قلت : ومات قديماً في سنة إحدى وثمانين ومائة ، فلعله أقدم مشيخة الإمام أحمد وفاة . قال جعفر بن أبان : سمعت ابن نمير يقول : علي بن هاشم كان مفرطاً في التشيع منكر الحديث . قال ابن حبان : حدثنا مكحول ، سمعت جعفراً بهذا . قال أبو زرعة : صدوق . وقال النسائي : ليس به بأس ) .
أقول : برر الذهبي للبخاري عدم روايته عن علي بن هاشم بأنه رافضي ، أي يقدم علياً عليه السلام على غيره ، وقد روى الذهبي نفسه عن الرافضي إذا كان صدوقاً ، لأن التقية تعني
--------------------------- 94 ---------------------------
المداراة ولا تعني الكذب ، وقد نصوا على أن علي بن هاشم صدوق .
وقال البخاري في تاريخه الصغير ( 2 / 225 ) : ( قال أحمد : مات علي بن هاشم سنة تسع وثمانين ومائة ، بن البريد أبو الحسن الخزازالعابدي مولى لهم ، الكوفي )
وقال في الكبير ( 6 / 300 ) : ( الخزاز العائذي ، عن كثير النواء وأبيه وشقيق بن أبي عبد الله ، روى عنه محمد بن الصلت ، قال أحمد : مات سنة . . ) .
والنتيجة : أن البخاري لا يروي عن علي بن هاشم ، وإن كان شيخ أحمد بن حنبل وإن كان وثقه كبارالعلماء ، ثم يروي عن مبغضي أهل البيت عليهم السلام وأعدائهم !
قال السيد شرف الدين في أجوبة جار الله / 71 : ( وإني والله لأعجب من الشيخ البخاري يروي عن ألف ومئتين من الخوارج ويحتج بأكثر من مئة مجهول ، ويعتمد على كثيرين ممن سبق الطعن بهم ، كعكرمة البربري الخارجي ، وإسماعيل بن أويس ، وعاصم بن علي ، وعمرو بن مرزوق ، وأمثالهم ، ويصحح حديث المرجئة والقدرية ، ولا تأخذه لومة لائم في الإحتجاج بمروان بن الحكم ، والمغيرة بن شعبة ، ومعاوية الأموي ، وعمرو بن العاص ، وأمثالهم ، ولا يخجل من الإحتجاج بعمران بن حطان داعية الخوارج وزعيمهم ، ثم يُعرض عن سبط رسول الله الأكبر ، وريحانته من الدنيا الحسن بن علي إمام الأمة وسيد شباب أهل الجنة ، وعن الصادقين من أهل البيت ، وهم أعدال الكتاب ، وسفينة النجاة وباب حطة ، وأمان هذه الأمة ) .
وقال في النص والاجتهاد / 526 : ( أعرض إخواننا أهل السنة عن مذهب الأئمة من أهل البيت ، فلم يعنوا بأقوالهم في أصول الدين وفروعه بالمرة ، ولم يرجعوا إليهم في تفسير القرآن العزيز وهو شقيقهم إلا دون ما يرجعون إلى مقاتل بن سليمان المجسم المرجئ الدجال .
ولم يحتجوا بحديثهم إلا دون ما يحتجون بالخوارج والمشبهة والمرجئة والقدرية ، ولو أحصيت جميع ما في كتبهم من حديث ذرية المصطفى صلى الله عليه وآله ما كان إلا دون ما أخرجه البخاري وحده عن عكرمة البربري الخارجي المكذب ! وأنكى من هذا كله عدم احتجاج البخاري في صحيحه بأئمة أهل البيت النبوي ، إذ لم يرو شيئاً عن الصادق ، والكاظم ،
--------------------------- 95 ---------------------------
والرضا ، والجواد ، والهادي ، والعسكري ، وكان معاصراً له ، ولا روى عن الحسن بن الحسن ، ولا عن زيد بن علي بن الحسين ، ولا عن يحيى بن زيد ، ولا عن يحيى بن عبد الله بن الحسن ولا عن أخيه إدريس بن عبد الله ، ولا عن محمد بن جعفر الصادق ، ولا عن محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن المعروف بابن طباطبا ، ولاعن أخيه القاسم الرسي ، ولا عن محمد بن محمد بن زيد بن علي ، ولا عن محمد بن القاسم بن علي بن عمر الأشرف بن زين العابدين صاحب الطالقان المعاصرللبخاري ، ولا عن غيرهم من أعلام العترة الطاهرة ، وأغصان الشجرة الزاهرة . كعبد الله بن الحسن ، وعلي بن جعفر العريضي ، وغيرهما من ثقل رسول الله وبقيته في أمته صلى الله عليه وآله .
أما ورب الكعبة ، وباعث النبيين ، لقد وقفت هنا وقفة المدهوش ، وقمت مقام المذعور ، وما كنت أحسب أن الأمر يبلغ هذه الغاية ) !
أقول : كأن البخاري حلف يميناً أن لا يروي عن الشيعة ! ويميناً أخرى أن يروي عن أعدائهم ، ويميناً ثالثةً أن يدلس لمصلحة السلطة ، وينصرسياساتها !
ونشير إلى كذب مقولتهم إن الخوارج صادقون ، فقد رووا هم أن الخوارج إذا احتاجوا إلى حجة وضعوا لها الحديث كذباً على رسول الله صلى الله عليه وآله كما يحرفون الأحاديث وقد وثقنا ذلك في المجلد الخامس من سيرة أمير المؤمنين عليه السلام .

البخاري لا يروي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام

قال الذهبي عن الإمام الصادق عليه السلام في ميزان الإعتدال ( 1 / 414 ) : ( أحد الأئمة الأعلام ، برٌّ صادقٌ ، كبيرالشأن ، لم يحتج به البخاري . . سئل يحيى بن سعيد القطان عن الصادق فقال : مجالد أحب إليَّ منه ، في نفسي منه شئ ! لم يرو مالك عن جعفر حتى ظهر أمر بني العباس . قال مصعب : كان لا يروي عن جعفر بن محمد حتى يضمه إلى آخر من أولئك الرقعاء ! ثم يجعله بعده ) .
أقول : من تعصب مالك بن أنس وطاعته للمنصور العباسي أنه لم يرو في موطئه عن
--------------------------- 96 ---------------------------
علي عليه السلام كما أمره المنصور ! ومن تعصب البخاري أنه لم يرو عن الإمام الصادق عليه السلام مجاراة للمتوكل ، مع أنه روى عن شياطين النواصب أعداء أهل البيت عليهم السلام !
قال الحافظ محمد بن عقيل في العتب الجميل / 37 : ( قال في تهذيب التهذيب : قال ابن المديني سئل يحيى بن سعيد القطان عن جعفر الصادق فقال : في نفسي منه شئ ومجالد أحب إلي منه .
وقال سعيد بن أبي مريم : قيل لأبي بكر عياش : مالك لم تسمع من جعفر وقد أدركته ؟ قال : سألته عما يحدث به من الأحاديث أشئ سمعته ؟ قال : لا ولكنها رواية رويناها عن آبائنا . وقال ابن سعد : كان جعفركثير الحديث ولا يحتج به ويستضعف . سئل مرة هل سمعت هذه الأحاديث عن أبيك ؟ قال نعم ، وسئل مرة فقال : إنما وجدتها في كتبه . قال ابن حجر : يحتمل أن يكون السؤالان وقعا عن أحاديث مختلفة ، فذكر فيما سمعه أنه سمعه ، وفيما لم يسمعه أنه وجده . هذا يدل على تثبته ! قلت : احتج الستة في صحاحهم بجعفر الصادق ، إلا البخاري فكأنه اغتر بما بلغه عن ابن سعد وابن عياش وابن القطان في حقه ! على أنه احتج بمن قدمنا ذكرهم ، أي بعض شياطين النواصب ومنافقيهم وهنا يتحير العاقل ، ولا يدري بماذا يعتذر عن البخاري ، وقد قيل في هذا :
قضية تشبه بالمرزئهْ * هذا البخاريُّ إمام الفئهْ
بالصادق الصديق ما احتج في * صحيحه واحتج بالمرجئه
ومثل عمران بن حطان ومر * وان وابن المرأة المخطئه
مشكلة ذات عوار إلى * حيرة أرباب النهى ملجئه
وحق بيت يممته الورى * مغذة في السير أو مبطئه
إن الإمام الصادق المجتبى * بفضله الآي أتت منبئه
أجلُّ من في عصره رتبةً * لم يقترف في عمره سيئه
قلامة من ظفر إبهامه * تعدل من مثل البخاري مائه .
والأبيات من نظم شيخنا العلامة أبي بكر بن شهاب الدين أحسن الله إليه . وقول القطان
--------------------------- 97 ---------------------------
آنفاً في الإمام جعفر عليه السلام : ومجالد أحب إلي منه ! كلمة جفاء مؤذية ! ومجالد الذي يعينه هو مجالد بن سعيد الهمداني وقد ذكره في تهذيب التهذيب وذكر مقالاتهم فيه ! ومنه تعلم في أي درك أنزلوا عالم أهل البيت الطاهر ، والله المستعان ) .
وقال ابن عقيل في النصائح الكافية / 118 : ( وأكبر من هذا كله جرح بعضهم الإمام جعفرالصادق على آبائه وعليه أفضل الصلاة والسلام وتسورهم على سمي مقامه :
أرادت عراراً بالهوان ومن يرد عراراً لعمري بالهوان فقد ظلم
ثم قال ابن عقيل : وقد انجر بنا الكلام وطال ولكنه يعلم منه ما أصاب أهل البيب النبوي وشيعتهم ، بما أساسه وأصله معاوية الطاغية ، وما بثه ونشره وأيده بقوة السيف من سب علي وأهل بيته وانتقاصهم ، ووبال ذلك كله عائد عليه في الآخرة : يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيداً . . جاء في صحيح مسلم من حديث جرير بن عبد الله : من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة .
وأخرج ابن ماجة عن أنس وصححه : أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع فإن عليه مثل أوزار من تبعه ، ولا ينقص من أوزارهم شيئاً . وأيما داع دعا إلى الهدى فاتبع ، فإن له مثل أجور من اتبعه ولا ينقص من أجورهم شيئاً . ومن بوائقه العظيمة استخفافه بمقام النبي صلى الله عليه وآله وبأحكامه ووصاياه بأهل بيته وأنصاره ) .
أقول : أبو بكر بن شهاب الحضرمي من كبار علماء حضرموت ( 1262 ه - - 1341 ) له مؤلفات : نوافج الورد الجوري ، ورشفة الصادي ، ونزهة الألباب في الأنساب .
والحافظ محمد بن عقيل من كبار علماء اليمن ، قال الزركلي في الأعلام ( 6 / 269 ) : ( 1279 - 1350 ه‍ = 1863 - 1931 م ) : محمد بن عقيل بن عبد الله بن عمر ، من آل يحيى ، العلوي الحسيني الحضرمي . رحَّالة ، من بيت علم بحضرموت . مولده ببلدة مسيلة قرب تريم .
--------------------------- 98 ---------------------------
زار بعض بلاد الصين واليابان والهند والحجاز ومصر وأوربا والشام واليمن ، للتجارة . وكان جل مقامه وعمله في سنقفورة .
ولجأ بعائلته إلى الحديدة ثغر اليمن على أثر خلاف بينه وبين السلطان عمرالقعيطي سلطان حضرموت ، وتوفي فيها . وكان شديد التشيع . له كتب ، منها : النصائح الكافية ، تحامل فيه على معاوية بن أبي سفيان ونال منه ، والعتب الجميل على علماء الجرح والتعديل ومذكرات عن رحلاته ضاع أكثرها ، وثمرات المطالعة ) .

قمة الخبث عند البخاري إخفاؤه الأحاديث الصحيحة !

قال البخاري : ( أحفظ مائة ألف حديث صحيح ، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح ) . ( تغليق التعليق لابن حجر : 5 / 418 )
وأسوأ أعماله : انتقاؤه أحاديث بلغت نحو 2602 حديثاً ، من مئة ألف حديث يحفظها ! يضاف إليها تعليقاته ، التي بلغت نصف كتابه !
وكمثال لعمله : رووا في تسمية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام بأبي تراب أسباباً ، واشتهر منها حديث عمار الصحيح بأن ذلك كان في غزوة العشيرة ، وأن النبي صلى الله عليه وآله مدحه وأخبر بأنه سيقتله أشقى الآخرين .
وروى خصوم علي عليه السلام أن سبب التسمية أن علياً اختلف مع فاطمةعليهما السلام وغاضبها ، وذهب ظهراً إلى المسجد ونام ، فجاء النبي صلى الله عليه وآله فلم يجده ، ووجده في المسجد فجاءه وقال له : قم يا أبا تراب !
فاختار البخاري حديث مغاضبته لفاطمة عليها السلام ! وترك حديث عمار الصحيح المشهور ، واعتذر عن ذلك بأنه : ( لا يعرف سماع يزيد من محمد ، ولامحمد بن كعب من ابن خثيم ، ولا ابن خثيم من عمار ) !
وأجابه ابن حجر فقال ( تهذيب التهذيب : 9 / 130 ) : ( فما المانع من سماعه من عمار ؟ وعند ابن مندة من طريق محمد بن سلمة ، عن ابن إسحاق التصريح بسماع محمد بن كعب من ابن
--------------------------- 99 ---------------------------
خثيم ، وسماع يزيد من محمد بن كعب ، فإن في سياقه عن يزيد بن محمد بن خثيم عن محمد بن كعب قال : حدثني أبو محمد بن خثيم ) . فأظهر ابن حجر تحيز البخاري ضد علي عليه السلام وبغضه له !
وفي غزوة خيبر : فتح النبي صلى الله عليه وآله القسم الشرقي منها وترك فيها علياً عليه السلام ليرتب أمورها ، وحاصرالقسم الغربي وهويبعد نحو عشرة كيلومترات ، فعجز الصحابة عن فتح حصنها القموص ، وقالوا للنبي صلى الله عليه وآله أرسل إلى علي !
فرأى البخاري رواية لسلمة بن الأكوع يقول فيها ذهبت فجئت بعلي على بعير ، وكان تخلف عن النبي صلى الله عليه وآله وهو يقصد أنه تأخر في القسم المحرر من خيبر ، فطار بها البخاري كما يطيرالوهابي بخبر ضد الشيعة ، ورواها أربع مرات قائلاً إن علياً عليه السلام تخلف عن النبي صلى الله عليه وآله في خيبر !
ثم إن البخاري يحفظ في صحيحه أن علياً عليه السلام فتح كل حصون خيبر ! ويحفظ ما استفاض في أن راية النبي صلى الله عليه وآله كانت دائماً مع علي عليه السلام ! لكنه وجد رواية للزهري توهم غير ذلك ، فعنون لها باباً ( 4 / 12 ) : ( باب ما قيل في لواء النبي . . أن قيس بن سعد الأنصاري ، وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وآله !
وكشفه ابن حجر فقال ( 6 / 89 ) : ( قوله : وكان صاحب لواء النبي . أي الذي يختص بالخزرج . وأخرج أحمد بإسناد قوي من حديث ابن عباس أن راية النبي كانت تكون مع علي ، وراية الأنصارمع سعد بن عبادة ) .
فأظهر تحيز البخاري ضد علي عليه السلام وبغضه له ، ومبغض علي عليه السلام منافق .
وفي سورتي المعوذتين ، ترك البخاري الرواية التي تنص على أنهما من القرآن وروى الحديث الذي يوهم أنهما ليستا من القرآن ، وكلتاهما في الصحة سواء !
إلى آخر أفاعيله المغرضة ، التي تخدم دين الحكومة !
--------------------------- 100 ---------------------------

زعم البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله أعلن براءته من آل أبي طالب !

قال البخاري ( 7 / 73 ) : ( باب : يَبُلُّ الرَّحِمَ ببلالها : عن قيس بن أبي حازم أن عمرو بن العاص قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله جهاراً غيرسرٍّيقول : إن آل [ أبي طالب وفي كتاب محمد بن جعفر بياض ] ليسوا بأوليائي ، إنما وليي الله وصالح المؤمنين . زاد عنبسة بن عبد الواحد ، عن بيان ، عن قيس ، عن عمرو بن العاص قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله : ولكن لهم رحم أبلها ببلالها ، يعني أصلها بصلتها ) .
قال في فتح الباري ( 10 / 352 ) : ( قال أبو بكر بن العربي : كان في أصل حديث عمرو بن العاص : إن آل أبي طالب فغُيِّر : آل أبي فلان كذا جزم به وتعقبه بعض الناس وبالغ في التشنيع عليه ، ونسبه إلى التحامل على آل أبي طالب ، ولم يصب !
قوله : ليسوا بأوليائي : كذا للأكثر وفي نسخة من رواية أبي ذر بأولياء ، فنقل ابن التين عن الداودي أن المراد بهذا النفي من لم يسلم منهم ، أي فهو من إطلاق الكل وإرادة البعض ، والمنفي على هذا المجموع لا الجميع ! فإن من جملة آل أبي طالب علياً وجعفر وهما من أخص الناس بالنبي صلى الله عليه وآله لما لهما من السابقة والقدم في الإسلام ونصر الدين . وقد استشكل بعض الناس صحة هذا الحديث ، لما نسب إلى بعض رواته من النُّصْب ، وهو الانحراف عن علي وآل بيته . . لكن الراوي عن بيان وهو عنبسة بن عبد الواحد أموي قد نسب إلى شئ من النصب ، وأما عمرو بن العاص وإن كان بينه وبين على ما كان ، فحاشاه أن يُتهم ! وللحديث محمل صحيح لا يستلزم نقصاً في مؤمني آل أبي طالب وهو أن المراد بالنفي المجموع . . .
ثم أورد ابن حجر تفسير قول الله تعالى تعالى لعائشة وحفصة : إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَمَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ . وأنه روي أن صالح المؤمنين في الآية علي عليه السلام فهو يعارض قول النبي صلى الله عليه وآله ليس آل أبي طالب أوليائي !
--------------------------- 101 ---------------------------
ثم قال ابن حجر : قلتُ : فإن ثبت هذا ففيه دفع توهم أن في الحديث المرفوع نقصاً من قدر علي رضي الله عنه ، ويكون المنفي أبا طالب ومن مات من آله كافراً ، والمثبت من كان منهم مؤمناً ، وخص علي بالذكر لكونه رأسهم ، وأشير بلفظ الحديث إلى لفظ الآية المذكورة ، ونص فيها على عليٍّ تنويهاً بقدره ، ودفعاً لظن من يتوهم عليه في الحديث المذكورغضاضة . ولو تفطن من كنى عن أبي طالب لذلك ، لاستغني عما صنع . والله أعلم ) .
أقول : أطمئن بأن ابن حجر يعلم أن عمرو العاص يبغض علياً عليه السلام ، وأنه يقصد بحديثه المزعوم أن النبي صلى الله عليه وآله أعلن البراءة من علي وأبيه عليهما السلام ! ولكن ابن حجر عالم سلطة يتبنى مذهبها الباطل ! ومنه تبرئة عمرو من بغض علي عليه السلام حتى لا يثبت أنه منافق ، فزعم أن النبي صلى الله عليه وآله تبرأ من آل أبي طالب الكافرين فقط !

رد تكفير البخاري لأبي طالب عليه السلام

زعم القرشيون أن أبا طالب مات كافراً ! قال البخاري ( 6 / 18 ) : ( قوله : إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ . عن المسيب قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وآله فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال : أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله . فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة ، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم : على ملة عبد المطلب ، وأبى أن يقول لا إله إلا الله !
قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ، فأنزل الله : مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ . وأنزل الله في أبي طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه وآله : إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) . وفي ( 2 / 98 ، و : 4 / 247 و : 5 / 208 ، و : 6 / 18 ) .
وقال البخاري ( 8 / 190 ) : عن آية : لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ : نزلت في أبي طالب .
وقال البخاري ( 2 / 157 ) : عن أسامة بن زيد قال : ( يا رسول الله أين تنزل في دارك بمكة ؟
--------------------------- 102 ---------------------------
فقال : وهل ترك عقيل من رباع أو دور ؟ وكان عقيل ورث أبا طالب ، ولم يرثه جعفر ولا علي شيئاً ، لأنهما كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين ) !
ملاحظات
1 . متى كان أبو جهل وأصدقاؤه يأتون إلى بيت أبي طالب ، إلا ليطلبوا منه تسليم النبي صلى الله عليه وآله ليقتلوه . بينما هذا الحديث يصورهم أصدقاء جاؤوا لزيارته في مرضه فشهدوا احتضاره ! وهذا كافٍ عندي للجزم بأن الحديث موضوع !
2 . يقول الحديث إن آيتين نزلتا في ذلك اليوم : آية : 56 - القصص ، وآية : 113 - التوبة ، لكن كيف نزلت آيتان في حادثة واحدة ، إحداهما من سورة مكية وبعضها مدني ، والثانية من سورة براءة التي نزلت في آخر حياة النبي صلى الله عليه وآله بعد تبوك !
وقد اعترف ابن حجركما يأتي بأنه لو صح نزولها في أبي طالب لا بد أن تكون متأخرة عن وفاته ! لكن البخاري يقول نزلتا يوم وفاته !
قال في فتح الباري ( 8 / 390 ) : ( قوله فأنزل الله : مَاكَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ . وهذا فيه إشكال لأن وفاة أبي طالب كانت بمكة قبل الهجرة اتفاقاً ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله أتى قبرأمه لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية ، والأصل عدم تكرر النزول .
وقد أخرج الحاكم وابن أبي حاتم من طريق أيوب بن هانئ عن مسروق عن ابن مسعود قال خرج رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً إلى المقابر فاتبعناه فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلاً ، ثم بكى فبكينا لبكائه فقال : إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي ، واستأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي فأنزل عليَّ : مَاكَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ !
وأخرج أحمد من حديث ابن بريدة عن أبيه نحوه ، وفيه نزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب ، ولم يذكر نزول الآية . وفي رواية الطبري من هذا الوجه لما قدم مكة أتى رسم قبر . ومن طريق فضيل بن مرزوق عن عطية : لما قدم مكة وقف على قبر أمه حتى سخنت
--------------------------- 103 ---------------------------
عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفرلها فنزلت .
وللطبرائي من طريق عبد الله بن كيسان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، وفيه : لما هبط من ثنية عسفان ، وفيه نزول الآية في ذلك . فهذه طرق يعضد بعضها بعضاً ، وفيها دلالة على تأخير نزول الآية عن وفاة أبي طالب !
ويؤيده أيضاً أنه صلى الله عليه وآله قال يوم أحد ، بعد أن شج وجهه : رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون . لكن يحتمل في هذا أن يكون الاستغفار خاصاً بالأحياء وليس البحث فيه . ويحتمل أن يكون نزول الآية تأخر وإن كان سببها تقدم ، ويكون لنزولها سببان متقدم وهو أمر أبي طالب ، ومتأخر وهو أمر آمنة ، ويؤيد تأخير النزول ما تقدم في تفسير براءة من استغفاره صلى الله عليه وآله للمنافقين حتى نزل النهي عن ذلك . فإن ذلك يقتضي تأخير النزول وإن تقدم السبب .
ويشير إلى ذلك أيضاً قوله في حديث الباب وأنزل الله في أبي طالب : إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ، لأنه يشعر بأن الآية الأولى نزلت في أبي طالب وفي غيره ، والثانية نزلت فيه وحده . ويؤيد تعدد السبب ما أخرج أحمد من طريق أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي قال : سمعت رجلاً يستغفر لوالديه وهما مشركان ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله فأنزل الله : مَاكَانَ لِلنَّبِيِّ . . الآية .
وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : وقال المؤمنون : ألا نستغفر لآبائنا كما استغفر إبراهيم لأبيه ؟ فنزلت .
ومن طريق قتادة قال : ذكرنا له أن رجالاً فذكر نحوه . والله أعلم ) .
أقول : يظهر من قول ابن حجر : والله أعلم ! أنه ليس عنده يقين في المسألة ! لأنهم رووا لنزولها أسباباً متباعدة متضاربة ، ونسوا السبب المنصوص عليه في الحديث ، وهذا نموذج من ضياع علماء السلطة ، أو تضييعهم للمسألة لتوافق هوى السلطة !
3 . كيف يصح قول البخاري إن الآية نزلت في وفاة أبي طالب ، وقد روى نفسه ( 5 / 115 ، و 185 ، و 202 ) أنها نزلت كاملة في رجوع النبي صلى الله عليه وآله من تبوك ، وأنها آخر ما نزل من
--------------------------- 104 ---------------------------
القرآن ! لكن البخاري كبقية رواة السلطة ينسون ما قالوه !
4 . كما رووا أن آية : إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ، نزلت يوم أحد لما شُجَّ وجهه صلى الله عليه وآله فقال : اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون . قال ابن طاووس في الطرائف / 306 : ( قال الحسن بن مفضل : كيف يقال إنها نزلت في أبي طالب رضي الله عنه وهذه السورة من آخر ما نزل من القرآن بالمدينة وأبو طالب مات في عنفوان الإسلام والنبي بمكة . وإنما هذه الآية نزلت في الحارث بن نعمان بن عبد مناف وكان النبي صلى الله عليه وآله يحب إسلامه ، فقال يوما للنبي صلى الله عليه وآله : إنا نعلم أنك على الحق وأن الذي جئت به حق ولكن يمنعنا من اتباعك أن العرب تتخطفنا من أرضنا لكثرتهم وقلتنا ، ولا طاقة لنا بهم ، فنزلت الآية ) .
أقول : لم يثبت عندي وقت نزول الآية ، لكن المؤكد أن نزولها في أبي طالب مكذوب !
5 . الأدلة على إيمان أبي طالب رضي الله عنه كثيرة ، أولها شهادة النبي صلى الله عليه وآله وشهادة أبنائه ، وثانيها نص أبي طالب في شعره على إيمانه بنبوة النبي صلى الله عليه وآله ، قال :
1 . ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً * نبياً كموسى خط في أول الكتب
2 . أنت الرسول رسول الله نعلمه * عليك نزل من ذي العزة الكتب
3 . أو تؤمنوا بكتاب منزل عجب * على نبي كموسى أو كذي النون
4 . وظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى * وأمر أتى من عند ذي العرش قيم
5 . لقد أكرم الله النبي محمداً * فأكرم خلق الله في الناس أحمد
6 . وخير بني هاشم أحمد * رسول الإله على فترةِ
7 . والله لا أخذل النبي ولا * يخذله من بني ذو حسب
8 . أنت النبي محمد * قرمٌ أغرُّ مُسَوَّدُ
وروت المصادر قصة البيت الأخير ، وهي كما في شرح النهج ( 14 / 77 ) عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : ( مرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله بنفر من قريش وقد نحروا جزوراً وكانوا يسمونها الظهيرة ، ويذبحونها على النصب ، فلم يسلم عليهم ، فلما انتهى إلى دار الندوة
--------------------------- 105 ---------------------------
قالوا : يمربنا يتيم أبي طالب فلا يسلم علينا ! فأيكم يأتيه فيفسد عليه مصلاه ؟ فقال عبد الله بن الزبعرى السهمي : أنا أفعل ، فأخذ الفرث والدم فانتهى به إلى النبي صلى الله عليه وآله وهوساجد فملأ به ثيابه ! فانصرف النبي صلى الله عليه وآله حتى أتى عمه أبا طالب فقال : يا عم من أنا ؟ فقال : ولمَ يا بن أخ ؟ فقص عليه القصة ، فقال : وأين تركتهم ؟ فقال : بالأبطح ، فنادى في قومه : يا آل عبد المطلب يا آل هاشم ، يا آل عبد مناف ، فأقبلوا إليه من كل مكان مُلَبِّين . قال : كم أنتم ؟ قالوا : نحن أربعون قال : خذوا سلاحكم فأخذوا سلاحهم وانطلق بهم حتى انتهى إلى أولئك النفر ، فلما رأوه أرادوا أن يتفرقوا فقال لهم : ورب هذه البنية لايقومن منكم أحد إلاجللته بالسيف ! ثم أتى إلى صفاة كانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات حتى قطعها ثلاثة أفهارثم قال : يا محمد سألتني من أنت ثم أنشأ يقول ويومي بيده إلى النبي صلى الله عليه وآله :
أنت النبي محمدُ * قَرْمٌ أغَرُّ مسود
لمسوَّدين أكارمٍ * طابوا وطاب المولد
نعم الأرومة أصلها * عمرو الخضم الأوحد .
هشم الربيكة في الجفان * وعيش مكة أنكد
فجرت بذلك سنة * فيها الخبيزة تثرد
ولنا السقاية للحجيج * بها يماث العنجد
والمأزمان وما حوت * عرفاتها والمسجد
أنى تضام ولم أمت * وأنا الشجاع العربد
وبطاح مكة لا يرى * فيها نجيع أسود
وبنو أبيك كأنهم * أسد العرين توقد
ولقد عهدتك صادقاً * في القول لا تتزيد
ما زلت تنطق بالصواب * وأنت طفل أمرد
ثم قال : يا محمد أيهم الفاعل بك ؟ فأشار النبي صلى الله عليه وآله إلى عبد الله بن الزبعرى السهمي الشاعر ، فدعاه أبو طالب فوجأ أنفه حتى أدماها ، ثم أمربالفرث والدم فأُمِرَّ على
--------------------------- 106 ---------------------------
رؤس الملأ كلهم ! ثم قال : يا ابن أخ أرضيت ؟ ثم قال : سألتني من أنت ؟ أنت محمد بن عبد الله ، ثم نسبه إلى آدم ثم قال : أنت والله أشرفهم حسباً وأرفعهم منصباً ! يا معشر قريش من شاء منكم يتحرك فليفعل ، أنا الذي تعرفوني » ! ورواها في ثمرات الأوراق : 2 / 3 ، وابن معد في كتابه الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب / 346 . والربيكة : طعام من تمر وأقط وسمن . والعنجد : الزبيب .
أقول : رحم الله أبا طالب وسلام الله عليه ، فقد كان عمره يومها نحو ثمانين سنة ، وأخذ فهراً أي حجراً من أحجار الصفا فضربه بسيفه فقطعه ، ثم ضرب القطعة فقطعها ، ليظهر قوته لقريش ، ثم اقتص منهم للنبي صلى الله عليه وآله ثم وقف ومدحه بقصيدة !
فجزاه الله عن رسوله خير الجزاء ، وأسكنه معه في الجنان ، رغم أنف قريش !

انتقموا من الحمزة رضي الله عنه وقالوا كان سكيراً معربداً !

كررالبخاري هذه القصة الفجة ، ورواها بزعمه عن علي عليه السلام وكأنها من المسلمات ، وهي مكذوبة لغرض انتقام قريش من الحمزة رضي الله عنه !
قال البخاري ( 4 / 41 و 42 و 43 و : 3 / 12 و 13 و 80 و 113 و 114 ، و 113 : 8 / 30 ) : ( عن ابن شهاب قال : أخبرني علي بن الحسين أن حسين بن علي عليهما السلام أخبره أن علياً قال كانت لي شارف ( ناقة ) من نصيبي من المغنم يوم بدر وكان النبي صلى الله عليه وآله أعطاني شارفا من الخمس فلما أردت أن ابتنى بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله واعدت رجلاً صواغاً من بني قينقاع أن يرتحل معي ، فنأتي بإذخر ( نبات ) أردت أن أبيعه الصواغين ، وأستعين به في وليمة عرسي .
فبينا أن أجمع لشارفيَّ متاعاً من الأقتاب والغرائر والحبال ، وشارفاي مناخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار ، رجعت حين جمعت ما جمعت ، فإذا شارفاي قد أُجِبَّتْ أسنمتهما وبقرت خواصر هما ، وأخذ من أكبادهما ، فلم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر منهما ، فقلت : من فعل هذا ؟ فقالوا : فعله حمزة بن عبد المطلب ، وهو في هذا البيت في شرب ( مجلس خمر ) من الأنصار ، فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وآله
--------------------------- 107 ---------------------------
وعنده زيد بن حارثة ، فعرف النبي صلى الله عليه وآله في وجهي الذي لقيت ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : مالك ؟ فقلت : يا رسول الله ، ما رأيت كاليوم قط ! عدا حمزة على ناقتيَّ فأجب أسنمتهما ، وبقر خواصرهما ، وهاهوذا في بيت معه شِرب ! فدعا النبي صلى الله عليه وآله بردائه فارتدى ، ثم انطلق يمشي وأتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة ، فاستأذن فأذنوا لهم ، فإذا هم شرب ، فطفق رسول الله صلى الله عليه وآله يلوم حمزة فيما فعل ، فإذا حمزة قد ثمل محمرة عيناه ، فنظر حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم صعد النظر فنظر إلى ركبته ، ثم صعد النظر فنظر إلى سرته ، ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه ، ثم قال حمزة : هل أنتم إلا عبيد لأبي ! فعرف رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قد ثمل ، فنكص رسول الله صلى الله عليه وآله على عقبيه القهقري ، وخرجنا ) ! وفي رواية : فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله يقهقر حتى خرج عنهم ، وذلك قبل تحريم الخمر ) .
أقول : غرضهم من هذه الكذبة الخشنة : أن يقولوا للناس إن بني هاشم أهل سكر وعربدة ، وإن حمزة سيد الشهداء رضوان الله عليه ، الذي أذل قريشاً وقتل عتاتها ، والذي مدحه الله ورسوله صلى الله عليه وآله ، كان سكيراً معربداً !
وينبغي أن نشير إلى أن ابن شهاب ليس زهرياً بل يهودي حليف لهم ، وكان معجباً بالإمام زين العابدين عليه السلام وعدواً لعلي وبقية أهل البيت عليهم السلام .
وكان عبد الملك بن مروان يقول له إذا جاءه : ما فعل نبيك علي بن الحسين . وكان الإمام عليه السلام يوبخه أحياناً ، وقال له يوماً كما في مستدرك الحاكم لو كنت في مكة لأريتك منفح أبيك الحداد اليهودي ، أي جده الذي ضرب النبي صلى الله عليه وآله في أحد !

وقالوا أيقظ النبي صلى الله عليه وآله علياً وفاطمة عليهما السلام للصلاة فرفضا !

قال البخاري ( 2 / 43 ، و : 8 / 155 ) : ( أن حسين بن علي أخبره أن علي بن أبي طالب أخبره ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله طرقه وفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله ليلة ، فقال : ألا تصليان ؟ فقلت : يا رسول الله أنفسنا بيد الله ، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا ، فانصرف حين قلنا ذلك ولم يرجع إليَّ شيئاً ، ثم سمعته وهو مولٍّ يضرب فخذه وهو يقول : وَكَانَ الآنْسَانُ أَكْثَرَ شَئٍْ جَدَلاً ) !
--------------------------- 108 ---------------------------
يقول البخاري إن أخلاق علي عليه السلام كانت سيئة مع النبي صلى الله عليه وآله وكان متكاسلاً عن قيام الليل للعبادة ، أو الفجر للفريضة ، وإن النبي صلى الله عليه وآله ذمه ، وقال إنه مجادل !
وما نسبه إلى علي وفاطمة عليهما السلام مردود ، لأن الله طهرهم من هذه الأخلاق والعيوب وقد روى الترمذي ( 5 / 31 ) وعبد الرزاق ( 7 / 527 ) : ( عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول : الصلاة يا أهل البيت : إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً . وفي الباب عن أبي الحمراء معقل بن يسار ، وأم سلمة ) .

وطعن البخاري في علي عليه السلام بأنه جرئ على الدماء !

قال البخاري ( 4 / 38 ) : ( عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن وكان عثمانياً ، فقال لابن عطية وكان علوياً : إني لأعلم ما الذي جرأ صاحبك على الدماء ، سمعته يقول : بعثني النبي صلى الله عليه وآله والزبير فقال : إئتوا روضة كذا ، وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتاباً ، فأ تينا الروضة فقلنا الكتاب ؟ قالت لم يعطني فقلنا : لتخرجن أو لأجردنك ! فأخرجته من حجزتها . . فأرسل إلى حاطب فقال : لا تعجل ، والله ما كفرت ولا ازددت للإسلام إلا حباً ، ولم يكن أحد من أصحابك إلا وله بمكة من يدفع الله به عن أهله وماله ، ولم يكن لي أحد ، فأحببت أن أتخذ عندهم يداً ، فصدقه النبي صلى الله عليه وآله قال عمر دعني أضرب عنقه فإنه قد نافق ! فقال : وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم . فهذا الذي جرأه ) !
قال المفيد في الإفصاح / 49 : ( هذه أحاديث آحاد ، وهي مضطربة الطرق والإسناد ، والخلل ظاهر في معانيها والفساد ، وما كان بهذه الصورة لم يعارض الإجماع ، ولا يقابل حجج الله تعالى وبيناته الواضحات ، مع أنه قد عارضها من الأخبار التي جاءت بالصحيح من الإسناد ) .
--------------------------- 109 ---------------------------

حرف البخاري معنى صاحب الملف الأول في محكمة القيامة !

قال البخاري ( 4 / 242 ) : ( باب قوله : هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ . عن أبي ذر رضي الله عنه أنه كان يقسم فيها أن هذه الآية : هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ، نزلت في حمزة وصاحبيه وعتبة وصاحبيه يوم برزوا في يوم بدر .
عن قيس بن عباد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة . قال قيس وفيهم نزلت : هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ . ، قال : هم الذين بارزوا يوم بدر : علي وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة ) .
وقال في ( 5 / 6 و 7 ) : ( عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة . إلى آخر ما تقدم . ثم قال : عن أبي إسحاق سأل رجل البراء وأنا أسمع قال : أشهدَ عليٌّ بدراً ؟ قال : وبارزَ ) .
ملاحظات
1 . ينص الحديث على أن أول ملف في محكمة الآخرة ملف علي عليه السلام ، لكن لا معنى لما ذكروه من أن موضوع الخصومة الذين بارزهم هو وحمزة وعبيدة بن الحارث ، فقد قضى الله لهم عليهم ، وأخذ ظلامتهم منهم ، بل الموضوع ظلامته مع قريش .
ثم لماذا يتولى علي الشكوى ويجثو في المحكمة ، وعمه حمزة أكبر منه سناً وشريكه في المبارزة ، فلا بد أن تكون المخاصمة وشكواه على قريش لظلمها رسول الله صلى الله عليه وآله وعترته عليهم السلام . ويكون علي عليه السلام وكيلاً للنبي صلى الله عليه وآله وأصيلاً عن نفسه .
ومعنى ذلك أن ظلامة النبي صلى الله عليه وآله من قريش هي الأولى في العالم ، والأكثر تأثيراً وشراً على حياة البشرية ، فكان ملفها الأول ، والشاكي فيها بالوكالة والأصالة علي عليه السلام .
2 . ورد أن مشاهد القيامة تبدأ بعرض الخلق على الله تعالى ، ثم بمرحلة التناصف ين
--------------------------- 110 ---------------------------
البشر بعضهم مع بعض ، وهي مرحلة طويلة ، ثم يدخلون إلى محشر الحساب ، وتبدأ المحكمة بالقضايا الكبرى في تاريخ البشرية ، شبيهاً بقضايا أمن الدولة . لذلك لا بد أن يكون موضوع الشكوى أكبر من المبارزين الثلاثة ، وهو الذي يدل عليه سياق الآيات . راجع كتابنا : الولادات الثلاث .
3 . نلاحظ أن المحدثين والمفسرين مشوا وراء البخاري كالقطيع إلا النادر ، فجعلوا شكوى علي عليه السلام يوم القيامة ضد من بارزه في بدر ، لكن الطبري قال في تفسيره ( 17 / 173 ) : ( قال آخرون منهم : بل الفريق الآخر الكفار كلهم من أي ملة كانوا . ذكر من قال ذلك عن جابر ، عن مجاهد ، وعطاء بن أبي رياح ، وأبي قزعة ، عن الحسين ، قال : هم الكافرون والمؤمنون اختصموا في ربهم ! كان عاصم والكلبي يقولان : أهل الشرك والإسلام حين اختصموا أيهم أفضل . . ولكن الآية قد تنزل بسبب من الأسباب ، ثم تكون عامة في كل ما كان نظير ذلك السبب ، وهذه من تلك ، وذلك أن الذين تبارزوا إنما كان أحد الفريقين أهل شرك وكفر بالله ، والآخر أهل إيمان بالله وطاعة له ، فكل كافر في حكم فريق الشرك منهما في أنه لأهل الإيمان خصم ، وكذلك كل مؤمن لأهل الشرك خصم ) .
أقول : هذا هو الأمر المعقول ، لأن مواجهة قريش للنبي صلى الله عليه وآله ثم لعترته حرمت البشرية من نورالإسلام ، فهي جريمة عالمية ، وعلي يخاصم فيها عن النبي صلى الله عليه وآله .
ويؤيده ما رواه الصدوق في الخصال / 174 ، عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : يجئ يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل : المصحف ، والمسجد ، والعترة . يقول المصحف : يا رب حرقوني ومزقوني ، ويقول المسجد : يا رب عطلوني وضيعوني . وتقول العترة : يا رب قتلونا وطردونا وشردونا ! فأجثوا للركبتين للخصومة ، فيقول الله جل جلاله لي : أنا أولى بذلك ) .
ومعناه : أن الله تعالى يتولى الخصومة عن المصحف والمسجد والعترة ، وعلي عليه السلام يتولى جانباً من ظلم قريش للعالم ، بظلمها النبي صلى الله عليه وآله وعترته عليهم السلام .
4 . قال البخاري ( 7 / 197 و : 8 / 35 ) : ( قال النبي صلى الله عليه وآله أول ما يقضى بين الناس بالدماء ) .
--------------------------- 111 ---------------------------
وفي فتح الباري ( 11 / 343 ) : ( بين الناس يوم القيامة في الدماء أي التي وقعت بين الناس في الدنيا . والمعنى أول القضايا القضاء في الدماء )
أقول : وهذا إبعاد للقضية عن ظلم قريش للبشرية ، وجعل المسألة حادثة قتل فقط ، ولو صح قولهم فلا بد أن تكون خصومة علي عليه السلام دماء الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ، ودم النبي صلى الله عليه وآله وعترته عليهم السلام .
5 . نصت الأحاديث النبوية على خصومة علي عليه السلام يوم القيامة مع من بارزه في بدر ، ومع كل من قاتلهم على تنزيل القرآن زتأويله ، وبه يظهرخطأ البخاري أو تعمده !
ففي نهج البلاغة ( 2 / 49 ) : ( قام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الفتنة وهل سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عنها ؟ فقال عليه السلام : لما أنزل الله سبحانه قوله : أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ، علمت أن الفتنة لاتنزل بنا ورسول الله صلى الله عليه وآله بين أظهرنا ، فقلت : يا رسول الله ما هذه الفتنة التي أخبرك الله تعالى بها ؟ فقال : يا علي إن أمتي سيفتنون من بعدي . . ) .
وقال في شرح النهج ( 9 / 205 ) ملخصاً : ( هذا الخبرمروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله رواه كثير من المحدثين أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال له : إن الله قد كتب عليك جهاد المفتونين كما كتب على جهاد المشركين ، قال فقلت : يا رسول الله ، ما هذه الفتنة التي كتب على فيها الجهاد ؟ قال : قوم يشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وهم مخالفون للسنة . إلى أن قال : أجل أصبت ، فأعدَّ للخصومة فإنك مخاصِم ، فقلت : يا رسول الله ، لو بينت لي قليلاً ! فقال : إن أمتي ستفتن من بعدي ، فتتأول القرآن وتعمل بالرأي ، وتستحل الخمر بالنبيذ والسحت بالهدية والربا بالبيع ، وتحرف الكتاب عن مواضعه ، وتغلب كلمة الضلال ، فكن جليس بيتك حتى تقلدها فإذا قلدتها جاشت عليك الصدور ، وقلبت لك الأمور ، تقاتل حينئذ على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله ، فليست حالهم الثانية بدون حالهم الأولى ! فقلت : يا رسول الله ، فبأي المنازل أنزل هؤلاء المفتونين من بعدك ؟ أبمنزلة فتنة أم بمنزلة ردة ؟
--------------------------- 112 ---------------------------
فقال : بمنزلة فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل . فقلت : يا رسول الله ، أيدركهم العدل منا أم من غيرنا ؟ قال : بل منا ، بنا فتح وبنا يختم ، وبنا ألف الله بين القلوب بعد الشرك . وبنا يؤلف بين القلوب بعد الفتنة . فقلت : الحمد لله على ما وهب لنا من فضله ) .
والصحيح في وقت الحديث ، ما رواه المفيد رحمه الله من أنه بعد سورة النصرالتي نزلت بعد حجة الوداع . وكذا رواه فرات في تفسيره / 614 ، وغيره .
ففي أمالي المفيد / 288 ، قال عليه السلام : ( فأعدَّ للخصومة فإنك مخاصمٌ أمتي . قلت : يا رسول الله أرشدني إلى الفلج ، قال : إذا رأيت قوماً قد عدلوا عن الهدى إلى الضلال فخاصمهم ، فإن الهدى من الله ، والضلال من الشيطان . يا علي إن الهدى هو اتباع أمر الله دون الهوى والرأي ! ) . ورواه الطبراني بدون ذكر مناسبته ( المعجم الكبير : 11 / 295 ) والسيوطي في جامعه ( 31 / 350 ) عن كتاب وكيع مطولاً .
6 . روينا الكثير عن خصومة النبي صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة عليهما السلام يوم القيامة مع الذين كذبوهم وظلموهم ، ففي الصحيح في كامل الزيارات / 548 : ( عن الصادق عليه السلام : ( لما أسري بالنبي صلى الله عليه وآله إلى السماء قيل له : إن الله تبارك وتعالى يختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك ، قال : أسلم لأمرك يا رب ولا قوة لي على الصبر إلا بك ، فما هن ، قيل له : أولهن الجوع والأثرة على نفسك وعلى أهلك لأهل الحاجة ، قال : قبلت يا رب ورضيت وسلمت ومنك التوفيق والصبر . وأما الثانية فالتكذيب والخوف الشديد وبذلك مهجتك في محاربة أهل الكفر بمالك ونفسك ، والصبر على ما يصيبك منهم من الأذى ومن أهل النفاق والألم في الحرب والجراح ، قال : قبلت يا رب ورضيت وسلمت ومنك التوفيق والصبر .
وأما الثالثة فما يلقي أهل بيتك من بعدك من القتل ، أما أخوك علي فيلقى من أمتك الشتم والتعنيف والتوبيخ والحرمان والجحد والظلم ، وآخر ذلك القتل ، فقال : يا رب قبلت ورضيت ، ومنك التوفيق والصبر .
وأما ابنتك فتظلم وتحرم ويؤخذ حقها غصباً ، الذي تجعله لها ، وتضرب وهي حامل ، ويدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير إذن ، ثم يمسها هوان وذل ثم لا تجد مانعاً ، وتطرح
--------------------------- 113 ---------------------------

ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب !

قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قبلت يا رب وسلمت ومنك التوفيق للصبر ، ويكون لها من أخيك ابنان ، يقتل أحدهما غدراً ويسلب ويطعن ، تفعل به ذلك أمتك ! قلت : يا رب قبلت وسلمت إنا لله وإنا إليه راجعون ، ومنك التوفيق للصبر . وأما ابنها الآخر فتدعوه أمتك للجهاد ثم يقتلونه صبراً ، ويقتلون ولده ومن معه من أهل بيته ثم يسلبون حرمه ، فيستعين بي وقد مضى القضاء مني فيه بالشهادة له ولمن معه ، ويكون قتله حجة على من بين قطريها ، فيبكيه أهل السماوات وأهل الأرضين جزعاً عليه ، وتبكيه ملائكة لم يدركوا نصرته .
ثم أخرج من صلبه ذكراً به أنصرك ، وإن شبحه عندي تحت العرش ، يملأ الأرض بالعدل ويطبقها بالقسط ، يسير معه الرعب ، يقتل حتى يشك فيه ، قلت : إنا لله . فقيل : إرفع رأسك ، فنظرت إلى رجل أحسن الناس صورة وأطيبهم ريحاً ، والنور يسطع من بين عينيه ومن فوقه ومن تحته ، فدعوته فأقبل إلي ، وعليه ثياب النور وسيما كل خير ، حتى قبل بين عيني ، ونظرت إلى الملائكة قد حفوا به لا يحصيهم إلا الله عز وجل . فقلت : يا رب لمن يغضب هذا ولمن أعددت هؤلاء وقد وعدتني النصر فيهم فأنا أنتظره منك . . فقيل لي : أما أخوك فجزاؤه عندي جنة المأوي نزلاً بصبره ، أفلج حجته على الخلائق يوم البعث . . الخ . ) .
وروى الصدوق في الخصال / 43 : ( عن النضر بن مالك قال : قلت للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام : يا أبا عبد الله حدثني عن قول الله عز وجل : هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ؟ قال : نحن وبنو أمية اختصمنا في الله عز وجل ، قلنا : صدق الله ، وقالوا : كذب الله فنحن وإياهم الخصمان يوم القيامة ) . وهذا يؤيد ما تقدم ، ويعضده .
كذبوا على علي أنه أراد أن يتزوج على فاطمة عليهما السلام
كان علي عليه السلام مميزاً في طاعته للنبي صلى الله عليه وآله فلم يخالفه يوماً في شئ ، ولا صدر من النبي صلى الله عليه وآله أدنى لوم له ، بل مدحه بأنواع مديح لم يمدح بها أحداً من الصحابة . بينما كثر توبيخه لصحابة تحبهم السلطة !
--------------------------- 114 ---------------------------
لذلك كان مهماً عندهم أن يثبتوا أن النبي صلى الله عليه وآله غضب على علي عليه السلام ، فاخترعوا أموراً ، ووضعوا أحاديث مكذوبة ، مثل أن علياً عليه السلام خطب بنت أبي جهل فغضب النبي صلى الله عليه وآله وصعد المنبر ، وهدد أن يطلق منه فاطمة عليها السلام ، ومدح صهره زوج زينب وهو العاص بن الربيع ، وقومه بني أمية !
والغلو والصنعة في حديثهم واضحان ، فكيف ينقض النبي صلى الله عليه وآله شريعة ربه في تعدد الزوجات وقد نص القرآن عليه ، وكيف يحرم على علي عليه السلام بنت أبي جهل وعنده أم حبيبة بنت عدو الله أبي سفيان !
قال البخاري ( 4 / 212 ) : ( باب ذكر أصهار النبي صلى الله عليه وآله منهم أبو العاص بن الربيع . إن المسور بن مخرمة قال : إن علياً خطب بنت أبي جهل فسمعت بذلك فاطمة ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك ، وهذا على ناكح بنت أبي جهل ! فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فسمعته حين تشهد يقول : أما بعد فإني أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني وإن فاطمة بضعة مني ، وإني أكره أن يسوءها . والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد فترك عليٌّ الخطبة . وزاد عن ابن شهاب عن علي عن مسور قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله وذكر صهراً له من بني عبد شمس ، فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن ، قال : حدثني فصدقني ، ووعدني فوفى لي ) .
ثم فتح البخاري ( 6 / 158 ) باباً آخر للموضوع : ( باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف : عن المسور بن مخرمة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول وهو على المنبر : إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن يُنكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن ، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم ، فإنما هي بضعة منى يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها ) .
--------------------------- 115 ---------------------------
ملاحظات
1 . لاحظ اللهجة المعادية لعلي عليه السلام والمادحة لزوج زينب أبي العاص : ( فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن ، قال : حدثني فصدقني ، ووعدني فوفى لي ) .
تعريضاً بعلي وأسرته ، وكأنه حدثه فما صدق ، ووعده فما وفى !
2 . هذا الطعن بعلي عليه السلام يعجب فقهاء السلطة لكنهم غصوا بالحكم الشرعي في تعدد الزوجات كيف نقضه النبي صلى الله عليه وآله وهوأولى الناس بتطبيق الشريعة !
وقد تفنن البخاري فأدخل فيه قاعدة الاستحسان فسمى الباب : باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف ، يعني رحمة بغيرة البنت وإنصافاً لها !
3 . قال ابن حجر في فتح الباري ( 9 / 286 ) : ( في رواية الزهري عن علي بن حسين عن المسور يخطب الناس على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم . . هذا غلط والصواب كالمحتلم لأنه ولد بعد ابن الزبير فيكون عمره عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله ثماني سنين . ووقع عند الحاكم من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي حنظلة أن علياً خطب بنت أبي جهل فقال له أهلها : لانزوجك على فاطمة . قلت : فكأن ذلك كان سبب استئذانهم ، وجاء أيضاً أن علياً استأذن بنفسه . .
فأخرج الحاكم بإسناد صحيح إلى سويد بن غفلة قال : خطب عليٌّ بنت أبي جهل إلى عمها الحرث بن هشام فاستشارالنبي صلى الله عليه وآله فقال أعن حسبها تسألني فقال لا ولكن أتأمرني بها ؟ قال : لا ، فاطمة مضغة مني ، ولا أحسب إلا أنها تحزن أو تجزع . فقال عليٌّ : لا آتي شيئاً تكرهه .
ولعل هذا الاستئذان وقع بعد خطبة النبي صلى الله عليه وآله بما خطب ولم يحضر عليٌّ الخطبة المذكورة فاستشار فلما قال له لا لم يتعرض بعد ذلك لطلبها . ولهذا جاء آخر حديث شعيب عن الزهري فترك على الخطبة ) .
أقول : من فضائحهم أن البخاري وابن حجر قال إن المسور بن مخرمة كان عمره لما توفي النبي صلى الله عليه وآله ثمان سنين ، ثم ينقلون عنه فريتهم وأنه شهد رسول الله صلى الله عليه وآله يخطب !
--------------------------- 116 ---------------------------
4 . في فتح الباري ( 9 / 287 ) : ( في رواية الزهري : وإني لست أحرم حلالاً ولا أحلل حراماً ، ولكن والله لا تجمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل أبداً ، وفى رواية مسلم : مكاناً واحداً أبداً ، وفى رواية شعيب : عند رجل واحد أبداً . قال ابن التين : أصح ما تحمل عليه هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وآله حرم على عليٍّ أن يجمع بين ابنته وبين ابنة أبى جهل لأنه علل بأن ذلك يؤذيه وأذيته حرام بالاتفاق ! ومعنى قوله لا أحرم حلالاً أي هي له حلال لو لم تكن عنده فاطمة وأما الجمع بينهما الذي يستلزم تأذى النبي صلى الله عليه وآله لتأذى فاطمة به ، فلا ) !
ثم قال ابن حجر : ( وفى الحديث تحريم أذى من يتأذى النبي صلى الله عليه وآله بتأذيه لأن أذى النبي صلى الله عليه وآله حرام اتفاقاً قليله وكثيره ، وقد جزم بأنه يؤذيه ما يؤذى فاطمة فكل من وقع منه في حق فاطمة شئ فتأذت به فهو يؤذى النبي صلى الله عليه وآله بشهادة هذا الخبر الصحيح ولا شئ أعظم في إدخال الأذى عليها من قتل ولدها ) .
أقول : من الواضح أنه لا يمكن الجمع بين هذه الأحاديث ، فإن كان النبي صلى الله عليه وآله غضب وخطب وهدد ، فكيف يستشيره علي عليه السلام بعد ذلك ! ثم كيف حرَّم النبي ما نص الله على تحليله ! وكيف يمكن الاستثناء من القاعدة القرآنية : فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ . وخصوصية الزهراء عليه السلام لاتبرر ذلك !
أما حكمهم بأن كل أذية للزهراء عليها السلام ولو كانت صغيرة أذية للنبي صلى الله عليه وآله ، فليتهم حكموا به على من جمعوا الحطب على بيتها وهددهم بحرقه بمن فيه ، إن لم يبايعوا !
ومن الخطاب العاطفي العامي قول ابن حجر : ( الغيرة على النبي صلى الله عليه وآله أقرب إلى خشية الافتتان في الدين . أن فاطمة كانت فاقدة من تركن إليه من يؤنسها ويزيل وحشتها من أم أو أخت ، بخلاف أمهات المؤمنين ) . وهذا لايقره فقه ولا منطق !

كذب البخاري في سبب تكنية علي عليه السلام بأبي تراب

قال البخاري ( 1 / 114 ، و : 4 / 208 ) : ( عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه أن رجلاً جاء إلى سهل بن سعد فقال : هذا فلان لأمير المدينة يدعو علياً عند المنبر ، قال فيقول : يقول له
--------------------------- 117 ---------------------------
أبو تراب ! فضحك وقال : والله ما سماه إلا النبي صلى الله عليه وآله وما كان له اسم أحب إليه منه ! فاستطعمت الحديث سهلاً وقلت : يا أبا عباس كيف ؟ قال دخل علي على فاطمة ثم خرج فاضطجع في المسجد ، فقال النبي صلى الله عليه وآله أين ابن عمك ؟ قالت : في المسجد ، فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره ، وخلص التراب إلى ظهره ، فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول : أجلس يا أبا تراب مرتين ) .
وقال البخاري ( 1 / 114 ، و : 7 / 140 ) : ( عن سهل بن سعد قال : ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب وإن كان ليفرح به إذا دعي بها جاء رسول الله صلى الله عليه وآله بيت فاطمة عليها السلام فلم يجد علياً في البيت فقال : أين ابن عمك ؟ فقالت : كان بيني وبينه شئ فغاضبني فخرج فلم يَقِلْ عندي . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لإنسان انظر أين هو ؟ فجاء فقال : يا رسول الله هو في المسجد راقد ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يمسحه عنه وهو يقول قم أبا تراب قم أبا تراب ) .
ملاحظات
1 . يريد البخاري أن يقول : إن علاقة علي بفاطمة عليهما السلام كانت سيئة فيها خلاف ، وكان يصل الأمر إلى أن علياً عليه السلام يخرج من البيت غاضباً من فاطمة وينام الظهيرة في المسجد ! قال ابن حجر في فتح الباري ( 7 / 58 ) : ( ظاهره أن ذلك أول ما قال له ذلك ، وروى ابن إسحاق من طريقه وأحمد من حديث عمار بن ياسر قال : نمت أنا وعلي في غزوة العشيرة في نخل ، فما أفقنا إلا بالنبي صلى الله عليه وآله يحركنا برجله يقول لعلي : قم يا أبا تراب ، لما يرى عليه من التراب . وهذا إن ثبت حمل على أنه خاطبه بذلك في هذه الكائنة الأخرى . ( يقصد بعد غزوة العشيرة )
ويروى من حديث ابن عباس أن سبب غضب علي كان لما آخى النبي صلى الله عليه وآله بين أصحابه ولم يؤاخ بينه وبين أحد ، فذهب إلى المسجد فذكر القصة وقال في آخرها : قم فأنت أخي . وحديث الباب أصح ، ويمتنع الجمع بينهما لأن قصة المؤاخاة كانت أول ما قدم النبي صلى الله عليه وآله المدينة وتزويج علي بفاطمة ودخوله عليها كان بعد ذلك بمدة . والله أعلم ) .
--------------------------- 118 ---------------------------
2 . السبب الحقيقي لتسمية النبي صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام بأبي تراب في غزوة العشيرة لما نام هو وعمار في النخل ، وهي أشهر الروايات في كتب الحديث والسيرة وأصحها ، . لكنهم اخترعوا أنه غاضب فاطمة عليهما السلام ونام في المسجد . واخترعوا أنه غضب لما آخى النبي صلى الله عليه وآله بين أصحابه ولم يؤاخ بينه وبين أحد .
واختار البخاري أكثرالأسباب طعناً بعلي عليه السلام وهي اختلافه مع فاطمة عليها السلام ! وساعده أبو هريرة فقال : ( كان بين علي وفاطمة كلام فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وألقيَ له مثال فاضطجع عليه ، فجاءت فاطمة فاضطجعت من جانب وجاء علي فاضطجع من جانب ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله يده فوضعها على سرته وأخذ يد فاطمة فوضعها على سرته ، فلم يزل حتى أصلح بينهما ، ثم خرج فقيل له : يا رسول الله دخلت وأنت على حال ، وخرجت ونحن نرى البشرى في وجهك ؟ قال : ما يمنعني وقد أصلحت بين اثنين أحب مَن على وجه الأرض إليَّ ) . ( علل الشرائع : 1 / 56 ، عن القطان ) .
وقد روى البخاري حديث عمار الصحيح في غزوة العشيرة في تاريخه الكبير ( 1 / 71 ) ، قال : ( أخبرنا عيسى بن يونس قال : أخبرنا ابن إسحاق قال : أخبرني يزيد بن محمد بن خثيم ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن محمد بن خثيم ، عن عمار بن ياسر قال : كنت أنا وعلى رفيقين في غزوة العشيرة . .
ثم قال البخاري : هذا إسناد لا يعرف سماع يزيد من محمد ، ولا محمد بن كعب من ابن خثيم ، ولا ابن خثيم من عمار ) . وجعل ذلك عذراً لعدم روايته !
وأجابه ابن حجر في تهذيب التهذيب ( 9 / 130 ) كما تقدم ، والبخاري يعرف صحة السماع في هذا السند ، وكثرة طرق حديث عمار في غزوة العشيرة ، فإن لم يصح منها هذا الطريق صح غيره ، لكنه لا يريد حديثاً فيه منقبة لعلي عليه السلام ! بل يريد ما فيه طعن !
3 . قال ابن هشام ( 2 / 434 ) : ( عن عمار بن ياسر ، قال : كنت أنا وعلي ابن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة ، فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وآله وأقام بها ، رأينا أناساً من بني مدلج يعملون في عين لهم ، وفي نخل ، فقال لي على ابن أبي طالب : يا أبا اليقظان ، هل لك في أن
--------------------------- 119 ---------------------------
نأتى هؤلاء القوم فننظر كيف يعملون ؟ قال : قلت : إن شئت ، قال : فجئناهم ، فنظرنا إلى عملهم ساعة ، ثم غشينا النوم ، فانطلقت أنا وعلى حتى اضطجعنا في صور من النخل ، وفى دقعاء من التراب فنمنا ، فوالله ما أهبَّنا إلا رسول الله صلى الله عليه وآله يحركنا برجله ، وقد تتربنا من تلك الدقعاء التي نمنا فيها ، فيومئذ قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي بن أبي طالب : مالك يا أبا تراب ! لما يرى عليه من التراب . ثم قال : ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين ؟ قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : أحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، الذي يضربك يا علي على هذه ووضع يده على قرنه ، حتى يبل منها هذه ، وأخذ بلحيته ) . ورواه أحمد : 4 / 263 ، والحاكم : 3 / 140 ، وصححه على شرط مسلم . ومجمع الزائد : 9 / 101 ، ووثقه ، ولا نطيل بسرد مصادره الكثيرة .
4 . إذا قارنت بين الأسباب الثلاثة التي رووها للقب أبي تراب ، تجد أن سبب غضبه من فاطمة عليها السلام وغضبه من المؤاخاة ، غير طبيعيين ولا منسجمين مع أخلاق علي عليه السلام ، وأن سبب غزوة العشيرة أقوى الأسباب وروايته أقوى الروايات ، لكن البخاري يبحث عما فيه طعن بعلي عليه السلام !
5 . الظاهرأن النبي صلى الله عليه وآله تعمد تلقيب علي عليه السلام بلقب ظاهره الذم ليفرح به خصومه وحساده ، وهذه عادة بني هاشم أن يلقبوا حتى الصغار بألقاب عادية ، ليأخذها الناس وينبزوهم بها ، بدل أن ينبزوهم بألقاب يضعونها هم .
قال الإمام الباقر عليه السلام ( الكافي : 6 / 20 ) : ( إنا لنكني أولادنا في صغرهم مخافة النبز أن يلحق بهم ) . فأراد النبي صلى الله عليه وآله بذلك أن يبعد لمز قريش السيئ عن علي عليه السلام ، فوضع له لقب أبي تراب لينبزوه به . وبما أن النبي صلى الله عليه وآله لا ينطق عن الهوى ، فغرضه أن يكون لقب علي عليه السلام ظاهره الذم وباطنه المدح ، وأنه أبو البشر تشبيهاً له بآدم عليه السلام . وقد قال له النبي صلى الله عليه وآله : أنا وأنت أبوا هذ الأمة .

تعمد البخاري تخريب حديث : لأعطين الراية غداً

1 . روى عامة المحدثين والمؤرخين أن النبي صلى الله عليه وآله قصد خيبر بنحوألف مقاتل ورايته بيد علي عليه السلام ، فهو حامل رايته وقائد جيشه في كل المشاهد .
--------------------------- 120 ---------------------------
قال ابن هشام ( 3 / 791 ) : ( خرج في بقية المحرم إلى خيبر ، واستعمل على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي ، ودفع الراية إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكانت بيضاء ) . ولا بد أن يكون البخاري قرأه لأنه لم يترك كتاب حديث في عصره إلا قرأه ، وقال إنه يحفظ عن ظهر قلب مئة ألف حديث !
وبدأ النبي صلى الله عليه وآله بالقسم الشرقي من خيبر وهوالنِّطَاة فحاصر حصن ناعم حتى فتحه ، وروى النووي وغيره أن بابه كان من صخر فدحاه علي عليه السلام ، وكانت معه سبعة حصون ، فأكمل فتحها النبي صلى الله عليه وآله وأمر علياً أن يرتب أمورها ، وتوجه إلى غرب خيبر ويسمى الكتيبة وحاصر حصن القموص أكبر حصونها نحو شهر ، وعجز المسلمون عن فتحه ، فقالوا للنبي صلى الله عليه وآله ابعث إلى علي ، فأرسل من أحضره وكانت المسافة اليه نحو عشركيلومترات ، فجاء وهو أرمد لأن اليهود دخنوا عليه ، فشفاه النبي صلى الله عليه وآله وأعطاه الراية فقصد الحصن ودحا بابه وقتل مرحباً وفتح الله عليه .
2 . قام البخاري بعملين خبيثين : فشكك في أن راية النبي صلى الله عليه وآله كانت بيد علي عليه السلام ! وعقد باباً في أن لواء النبي صلى الله عليه وآله بيد قيس ، ثم كذب على علي عليه السلام بأنه تخلف عن خيبر .
قال ( 4 / 12 ) : ( باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وآله . إن قيس بن سعد الأنصاري وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وآله ثم روى بعده مباشرة عن سلمة بن الأكوع قال : كان علي تخلف عن النبي صلى الله عليه وآله في خيبر وكان به رمد فقال : أنا أتخلف عن رسول الله ! فخرج عليٌّ فلحق بالنبي صلى الله عليه وآله فلما كان مساء الليلة التي فتحها في صباحها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأعطين الراية . . . ) .
ورد عليه ابن حجر فقال في فتح الباري ( 6 / 89 ) : ( قوله : وكان صاحب لواء النبي أي الذي يختص بالخزرج . . وأخرج أحمد بإسناد قوي من حديث ابن عباس أن راية النبي صلى الله عليه وآله كانت تكون مع علي . وراية الأنصار مع سعد بن عبادة ) .
3 . ومما يكذب البخاري أن المصاد روت أن علياً عليه السلام كان صاحب راية النبي صلى الله عليه وآله .
فقد روى عبد الرزاق شيخ البخاري في مصنفه ( 5 / 288 ) : ( عن عامر أن راية النبي صلى الله عليه وآله كانت تكون مع علي بن أبي طالب ، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة )
--------------------------- 121 ---------------------------
ورواه البخاري في تاريخه ( 6 / 258 ) . وقال ابن سعد ( 3 / 23 ) : ( عن قتادة أن علي بن أبي طالب كان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر ، وفي كل مشهد ) .
وفي مجمع الزوائد ( 5 / 321 ) : ( رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ) وغيره .
وروى الحاكم وصححه ( 3 / 137 ) : ( عن ابن دينار قال : سألت سعيد بن جبير فقلت : يا أبا عبد الله من كان حامل راية رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : فنظر إلي وقال كأنك رخيُّ البال ! فغضبت وشكوته إلى إخوانه من القراء ، فقلت : ألا تعجبون من سعيد أني سألته من كان حامل راية رسول الله ، فنظر إلي وقال : إنك لرخي البال ! قالوا : إنك سألته وهو خائف من الحجاج ، وقد لاذ بالبيت ، فسله الآن فسألته فقال : كان حاملها علي رضي الله عنه ، هكذا سمعته من عبد الله بن عباس ) .
ومعنى : أنت رخي البال ، أي تريد أن تجلب لي مشكلة ، فمن يقول إن علياً عليه السلام حامل راية النبي صلى الله عليه وآله يتعرض لنقمة بني أمية ! والبخاري بقوله إن علياً عليه السلام تخلف عن خيبر وإن قيساً صاحب لواء النبي صلى الله عليه وآله ! يريد الطعن في علي عليه السلام ليرضي المتوكل !
4 . وكذلك كذب البخاري على علي عليه السلام بأنه تخلف عن النبي صلى الله عليه وآله في خيبر ، وهو ما لم يقله أحد من الرواة ، ولا تفسير له إلا بغضه لأمير المؤمنين عليه السلام !
قال البخاري ( 4 / 12 ) : « عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال كان علي رضي الله عنه تخلف عن النبي صلى الله عليه وآله في خيبر ، كان به رمد ، فقال : أنا أتخلف عن رسول الله ! فخرج علي فلحق بالنبي صلى الله عليه وآله فلما كان مساء الليلة التي فتحها في صباحها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لأعطين الراية أو قال ليأخذن غداً رجل يحبه الله ورسوله ، أو قال يحب الله ورسوله يفتح الله عليه ، فإذا نحن بعلي وما نرجوه ، فقالوا هذا علي ، فأعطاه رسول الله الراية ، ففتح الله عليه » .
وكرر البخاري أنه تخلف عن النبي صلى الله عليه وآله ثلاث مرات : ( 4 / 207 ، و 250 ، و : 5 / 76 ) . ليثبت في ذهن الناس أن علياً عليه السلام تخلف عن النبي صلى الله عليه وآله في غزوة خيبر حتى أحضره النبي صلى الله عليه وآله في أواخرها وأعطاه الراية ، ففتح حصن القموص !
وقد تشبث بكلام سلمة بن الأكوع : وكان علي تخلف عن النبي صلى الله عليه وآله في خيبر ،
--------------------------- 122 ---------------------------
أي في القسم الأول المحرر من خيبر وهو النطاة ! فأخذها البخاري ودلَّس بها أنه تخلف عن النبي صلى الله عليه وآله لما غزا خيبر ! ولا يصح أنه لم يفهم كلام سلمة .
5 . وجريمة البخاري الثالثة التجزئة والبتر لتغييب الحقائق ، وهي عادته دائماً في كتابه !
قال ابن حجر ( 7 / 365 ) : « وقع في هذه الرواية اختصار وهو عند أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم من حديث بريدة بن الخصيب ، قال : لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء فرجع ولم يفتح له ، فلما كان الغد أخذه عمر فرجع ولم يفتح له ، وقتل محمود بن مسلمة ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : لأدفعن لوائي غداً إلى رجل . وفي الباب عن أكثر من عشرة من الصحابة سردهم الحاكم في الإكليل ، وأبو نعيم ، والبيهقي في الدلائل » ونحوه عمدة القاري ( 14 / 213 ) .
ولا بد أن البخاري رأى الأحاديث الكثيرة في المئة ألف الصحيحة التي يحفظها تنص على جهاد علي عليه السلام ، وأنه فتح كل حصون خيبر ! فلماذا أغمض عنها عينيه !
مثلاً حديث الضحاك الأنصاري قال : ( لما سار النبي صلى الله عليه وآله إلى خيبر جعل علياً عليه السلام على مقدمته فقال صلى الله عليه وآله : من دخل النخل فهو آمن ، فلما تكلم النبي نادى بها علي , فنظر النبي صلى الله عليه وآله إلى جبرائيل يضحك فقال : مايضحكك ؟ ! قال : إني أحبه ! فقال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : إن جبرائيل يقول إنه يحبك ! قال عليه السلام : بَلَغْتُ أن يحبني جبرائيل ؟ قال صلى الله عليه وآله : نعم ، ومن هو خير من جبرائيل , الله عزَّ وجل » . « الطبراني الكبير : 8 / 301 ، ومجمع الزوائد : 9 / 126 ، وأسد الغابة : 3 / 34 » .
بل نصوا على أن علياً عليه السلام فتح حصون خيبركلها . ( السيرة الحلبية : 2 / 737 ) .
وقال في عون المعبود بشرح سنن أبي داود ( 8 / 172 ) : « وقصة فتح هذه الحصون : أن النبي صلى الله عليه وآله ألبس علياً رضي الله عنه درعه الحديد وأعطاه الراية ، ووجهه إلى الحصن ، فلما انتهى علي إلى باب الحصن ، اجتذب أحد أبوابه فألقاه بالأرض ! ففتح الله ذلك الحصن الذي هو حصن ناعم ، وهو أول حصن فتح من حصون النطاة على يده رضي الله عنه ) .
6 . روى البخاري نفسه طرفاً من الأحاديث الصحيحة ، ثم خرب ما رواه !
قال : ( 4 / 20 ، و 207 و : 5 / 75 و 76 و 77 ) : ( أخبرني سهل رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وآله
--------------------------- 123 ---------------------------
يوم خيبر : لأعطين الراية غداً رجلا ًيفتح الله على يديه ، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، فبات الناس ليلتهم يدوكون ( يخوضون ) أيهم يعطاها فغدوا كلهم يرجوها فقال : أين علي ؟ فقيل يشتكي عينيه فبصق في عينيه ودعا له فبرأ ، كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية فقال : قاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ فقال : أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم ، فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن تكون لك حمر النعم ) .
قال الطبري ( 2 / 301 ) ( متوفى 310 ) : ( فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله خيبر أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس وأن أبا بكر أخذ راية رسول الله صلى الله عليه وآله ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً ثم رجع ، فأخذها عمر فقاتل قتالاً شديداً هو أشد من القتال الأول ، ثم رجع ، فأُخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : أما والله لأعطينها غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، يأخذها عنوة .
قال : وليس ثَمَّ عليٌّ ( أي في القسم الغربي المحاصر ) فتطاولت لها قريش ورجا كل واحد منهم أن يكون صاحب ذلك ، فأصبح فجاء علي على بعيرله حتى أناخ قريباً من خباء رسول الله صلى الله عليه وآله وهو أرمد وقد عصب عينيه بشقة برد قطري ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : مالك ؟ قال : رَمِدْتُ بعد ك . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أدن مني فدنا منه فتفل في عينيه ، فما وجعتاه حتى مضى لسبيله ، ثم أعطاه الراية فنهض بها ، وعليه حلة أرجوان حمراء قد أخرج خملها فأتى خيبر ، وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر معصفر يمان ، وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه ، وهو يرتجز ) .
لاحظ أنه صلى الله عليه وآله قال سأعطي الراية غداً ولم يكن علي عليه السلام هناك ، ولو كان في المدينة لاحتاج إلى أيام ليصل إلى خيبر ، لأنها تبعد عن المدينة 175 كيلو متراً .
وفي تفسير الثعلبي ( 9 / 50 ) ( توفي 427 ) : ( وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعطى اللواء عمر بن الخطاب ونهض من نهض معه من الناس فلقوا أهل خيبر ، فانكشف عمر وأصحابه ( هربوا ) فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يجبنه أصحابه ، ويجبنهم ! وكان رسول الله صلى الله عليه وآله
--------------------------- 124 ---------------------------
قد أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس ، فأخذ أبو بكر راية رسول الله ، ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً ثم رجع ، فأخذها عمر فقاتل قتالاً شديداً هو أشد من القتال الأول ، ثم رجع ، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : أما والله لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، يأخذها عنوة ، وليس ثَمَّ علي ، فلما كان الغد تطاول لها أبو بكر وعمر وقريش رجاء كلُّ واحد منهم أن يكون صاحب ذلك ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله سلمة بن الأكوع إلى علي فدعاه ، فجاء علي على بعير له حتى أناخ قريباً من خباء رسول الله ، وهو أرمد قد عصب عينيه . الخ . ) .
وكان النبي صلى الله عليه وآله يعطي الراية لوجهاء أصحابه ، وكان الجميع يرجعون منهزمين ! بل لم يجرؤوا على العبور من آخر وادٍ والصعود إلى الحصن !
7 . فالبخاري وأتباع السلطة يروون إعطاء النبي صلى الله عليه وآله الراية لعلي عليه السلام ، لكنهم يخفون فرار الصحابة المفضلين عندهم ، ويقولون انكشفوا بدل أن يقولوا فروا !
ثم خففوا ما استطاعوا من شهادات النبي صلى الله عليه وآله العظيمة في حق علي عليه السلام ، وقللوا ما استطاعوا من شجاعته حتى ادعى بعضهم أن الذي قتل مرحباً محمد بن مسلمة !

فتح علي عليه السلام اليمن فقال البخاري فتحها خالد بن الوليد !

شهد الذهبي في تاريخه ( 2 / 690 ) : بصحة حديث جبن خالدوشجاعة علي عليه السلام : « عن البراء ، أن النبي صلى الله عليه وآله بعث خالد بن الوليد إلى اليمن ، يدعوهم إلى الإسلام ، قال البراء : فكنت فيمن خرج مع خالد فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه ! ثم إن النبي صلى الله عليه وآله بعث علياً فأمره أن يُقفل خالداً إلا رجلٌ كان يمَّم مع خالد أحب أن يعقب مع علي فليعقب معه ، فكنت فيمن عقب مع علي . وقال الذهبي : هذا حديث صحيح ، أخرج البخاري بعضه »
ومعناه : أن النبي صلى الله عليه وآله حلَّ جيش خالد ، لكن خالداً عصى وبقي مع بعض أصحابه للبحث عن خطأ لعلي عليه السلام ! وتوغل علي في اليمن فأسلمت على يده همدان وغيرها ،
--------------------------- 125 ---------------------------
وقاتل في بعض المناطق وغنم غنائم ووزعها ، وعزل منها الخمس لرسول الله صلى الله عليه وآله ، واختار جارية فقوَّم قيمتها وحسبها من سهمه من الخمس ولعله تزوجها . فرأى خالد في ذلك انتصاراً له يُعوض به عن فشله لمدة نصف سنة ! فكتب إلى النبي صلى الله عليه وآله مع بريدة وثلاثة أشخاص ، ووصل بريدة إلى المدينة ففرح مبغضوا علي عليه السلام وقالوا له : عجل وأخبر النبي لتسقط مكانته عنده ! فكانت النتيجة معكوسة عليهم ! وغضب النبي غضباً شديداً ، وقال لهم : إن حب علي إيمان وبغضه نفاق ، وإنه وليهم من بعده . . الخ .
وحديث بريد صحيح ، روته مصادرهم بصيغ عديدة ، وروى البخاري قسماً منه وحذف الباقي لمرض في نفسه ! ورواه مجمع الزوائد ( 9 / 127 ) : « عن بريدة قال : ( أبغضت علياً بغضاً لم أبغضه أحداً قط ! قال : وأحببت رجلاً من قريش لم أحبه إلا على بغضه علياً ! قال : فبعث ذلك الرجل على جيش فصحبته ، ما صحبته إلا ببغضه علياً ! وفي حديث : وأخذ عليٌّ جارية من الخمس ، فدعا خالد بن الوليد بريدة فقال : إغتنمها فأخبر النبي ما صنع ! فقدمت المدينة ، ودخلت المسجد ورسول الله في منزله وناس من أصحابه على بابه فقالوا : ما الخبر يا بريدة ؟ فقلت : خيراً فتح الله على المسلمين . فقالوا : ما أقدمك ؟ قلت : جارية أخذها عليٌّ من الخمس فجئت لأخبر النبي ، فقالوا : فأخبر النبي فإنه يسقط من عينه ، ورسول الله يسمع الكلام فخرج مغضباً فقال : ما بال أقوام ينتقصون علياً ! من تنقص علياً فقد تنقصني ، ومن فارق علياً فقد فارقني ، إن علياً مني وأنا منه ، خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم ، وأنا أفضل من إبراهيم ، ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ !
يا بريدة : أما علمت أن لعليٍّ أكثر من الجارية التي أخذ ، وأنه وليكم بعدي ؟ فقلت : يا رسول الله ، بالصحبة إلا بسطت يدك فبايعتني على الإسلام جديداً ! قال : فما فارقته حتى بايعته على الإسلام » !
يعني عرف بريدة أنه كفر ببغضه لعلي ، فتاب وجدد إسلامه ! وحديث بريدة فيه تفاصيل مهمة ، استوفيناها في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام في فتح اليمن .
--------------------------- 126 ---------------------------
فانظر ماذا فعل البخاري بحديث بريدة القاصم ؟ وهو في المئة ألف حديث الصحيحة التي يحفظها عن ظهر قلب ؟ ! لم يستطع حذفه فزور فيه بمعاريض الكلام ليوهم أن خالداً قاتل وفتح ، وأن علياً ذهب جابياً ليقبض الخمس !
قال البخاري في صحيحه ( 5 / 110 ) : « عن بريدة قال : بعث النبي علياً إلى خالد ليقبض الخمس ، وكنت أبغض علياً وقد اغتسل ، فقلت لخالد : ألا ترى إلى هذا ؟ فلما قدمنا على النبي ذكرت ذلك له ، فقال : يا بريدة أتبغض علياً ؟ قلت : نعم قال : لا تبغضه ، فإن له في الخمس أكثر من ذلك » .
وقصة بريدة حجة بالغة على إمامة علي عليه السلام ، بحثناها في العقائد الإسلامية ( 4 / 91 ) وفي قراءة جديدة في الفتوحات ( 2 / 23 ) فاقرأ تزوير البخاري وكذبه المبطن ، لتعرف خباثته التي ورثها من جده المجوسي فطعن بعضد رسول الله صلى الله عليه وآله وناصره ووصيه !
قال البخاري ( 5 / 110 ) : ( باب : بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد رضي الله عنهما إلى اليمن قبل حجة الوداع : سمعت البراء : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله مع خالد بن الوليد إلى اليمن . قال ثم بعث علياً بعد ذلك مكانه فقال : مر أصحاب خالد ، من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب ، ومن شاء فليقفل ، فكنت فيمن عقب معه . قال : فغنمت أواق ذوات عدد .
عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال : بعث النبي صلى الله عليه وآله علياً إلى خالد ليقبض الخمس ، وكنت أبغض علياً ، وقد اغتسل . فقلت لخالد : ألا ترى إلى هذا ؟ فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وآله ذكرت ذلك له فقال : يا بريدة أتبغض علياً ؟ قلت : نعم . قال : لاتبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك .
من إنصاف ابن حجر ، وقليلٌ ما هو :
قال في فتح الباري ( 8 / 49 ) : ( تنبيه : أورد البخاري هذا الحديث مختصراً ، وقد أورده الإسماعيلي ، وهو الذي أخرجه البخاري من طريقه ، فزاد فيه : قال البراء : فكنت ممن عقب معه ، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا فصلى بنا علي وصفنا صفاً واحداً ، ثم تقدم بين أيدينا فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله فأسلمت همدان جميعاً ، فكتب علي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
--------------------------- 127 ---------------------------
بإسلامهم ، فلما قرأ الكتاب خر ساجداً ، ثم رفع رأسه وقال : السلام على همدان ) .
أقول : لم يذكر البخاري وابن حجر أن النبي صلى الله عليه وآله حل جيش خالد ، وأجاز لمن أراد من جنوده أن يلتحق بعلي عليه السلام ولا يقفل ، فخالف خالد وبقي فيمن أثر عليهم !
ثم قال ابن حجر : أورده الإسماعيلي من طريق إلى روح الذي أخرجه البخاري من طريقه ، فقال في سياقه : بعث علياً إلى خالد ليقسم الخمس !
أقول : من تعصبهم قولهم : بقي خالد ستة أشهر ولم يصنع شيئاً ، ثم يقولون إنه غنم وذهب علي ليقبض أو ليقسم الخمس أو الفيئ ! أي الهواء الذي غنمه خالد !
ثم قال ابن حجر : فاصطفى عليٌ منه لنفسه سبيئة ، وفي رواية له فأخذ منه جارية ثم أصبح يقطر رأسه ، فقال خالد لبريدة : ألا ترى ما صنع هذا ! قال بريدة : وكنت أبغض علياً . ولأحمد من طريق عبد الجليل : أبغضت علياً بغضاً لم أبغضه أحداً ، وأحببت رجلاً من قريش لم أحبه إلا على بغضه علياً ) .
أقول : هذا يدلك على أن العلاقات والولاءات والمجموعات في الصحابة من عهد النبي صلى الله عليه وآله ، كانت لأجل الخلافة ، وينكر ذلك غيرنا ليصوروهم ملائكة وأن أمور الخلافة جرت عفوياً بدون عمل وأهواء تعصبات ، وخطط مسبقة !
ثم قال ابن حجر : ( في رواية عبد الجليل : لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه ، وهو وليكم بعدي ! وفي آخره : فإذا النبي صلى الله عليه وآله قد احمر وجهه يقول : من كنت وليه فعليٌ وليه . وأخرجه الحاكم مطولاً . . وهذه طرق يقوي بعضها بعضاً ) .

قالت عائشة : لم يوص النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام أبداً أبداً

قال البخاري ( 5 / 143 ، ونحوه 3 / 186 ) : ( عن الأسود قال : ذكر عند عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله أوصى إلى علي ، فقالت : من قاله ؟ لقد رأيت النبي صلى الله عليه وآله وأنا لمسندته إلى صدري ، فدعا بالطست فانخنث فمات ، فما شعرت ! فكيف أوصى إلى علي ) !
أقول : من له أدنى معرفة بعلم النفس يجزم بأن النبي صلى الله عليه وآله أوصى لعلي عليه السلام وأن عائشة
--------------------------- 128 ---------------------------
استعملت في نفيها هذا الأسلوب المتوتر غير المنطقي ! وعائشة وجماعتهاينفون الوصية عند ذكر علي عليه السلام ، ويقولون لم يوص أبداً ، فلنا الحق أن نختار خليفة !
قال بخاري ( 8 / 126 ) : « قيل لعمر : ألا تستخلف ؟ قال : إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر ، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني ، رسول الله ) !
فإذا جاء ذكر أبي بكر وأولاده قالت عائشة إن النبي صلى الله عليه وآله أوصى لهم بالخلافة وأراد أن يكتب بذلك عهداً ! « قال لي رسول الله في مرضه : أدعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً ، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أول » !
( مسلم 7 / 110 ، وأحمد : 6 / 144 ، وغيرهما . ورواه بخاري : 7 / 8 ، و : 8 / 126 ، بلفظ :
« أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد ، أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون » .
وقال ابن حجر ( 1 / 186 و : 13 / 177 ) : « أفرط المهلب فقال : فيه دليل قاطع في خلافة أبي بكر ، والعجب أنه قرر بعد ذلك أنه ثبت أن النبي لم يستخلف » !
أقول : كان عبد الرحمن بن أبي بكر أكثر صراحة من أخته فقال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إئتوني بكتاب وكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده أبداً » ( الزوائد ( 5 / 181 ) أي ليكتب الخلافة لأبي بكر وبنيه ! ولم يذكر عبد الرحمن لماذا لم يكتب النبي الخلافة لهم ؟ فهل اتهمه أحدٌ بأنه يهجر وقال : حسبنا كتاب الله ! وهل لغطوا واختلفوا وصاحوا فطردهم النبي صلى الله عليه وآله فقال : قوموا عني !
ولماذا لم يعهد أبو بكر لابنه عبد الرحمان وأوصى إلى عمر ؟
وقد عملت عائشة ليكون عبد الرحمن خليفة فقتله معاوية ، وعملت قبله لابن عمها طلحة ليكون خليفة فقتله مروان في معركة الجمل ، ثم كانت تهئ موسى بن طلحة ، وادعي له أنه المهدي الموعود وسيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، فلم يملأ شيئاً ! وزعمت أن بني تيم أسرع إلى الجنة ! « قالت : دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول : يا عائشة ، قومك أسرع أمتي بي لحاقاً » . ( حياة الصحابة : 2 / 365 ) .
--------------------------- 129 ---------------------------
ملاحظات
1 . قول عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله : انخنث ومات ، تعبير سيئ ، أي استرخى ولوى رأسه ومات ! قال الجوهري ( 1 / 281 ) : ( الإنخناث : التثني والتكسر والخنث : المسترخي المتثنى . وخنثت الشئ فتخنث أي عطفته فتعطف ) .
وقال الخليل ( 4 / 248 ) : ( الخنثى : الذي ليس بذكر ولا أنثى ، ومنه أخذ المخنث ) .
2 . قالت عائشة : مات ورأسه على فخذي ، بين سحري ونحري ، ورأسه بين حاقنتي وذاقنتي . والصحيح أنه توفي صلى الله عليه وآله ورأسه في حجر علي عليه السلام وآخرما تكلم به الوصية بالصلاة . قال في فتح الباري ( 8 / 106 ) ، عن حديث عائشة : ( وهذا الحديث يعارض ما أخرجه الحاكم وابن سعد من طرق أن النبي صلى الله عليه وآله مات ورأسه في حجر علي . وكل طريق منها لا يخلو من شيعي فلا يلتفت إليهم ! والحديث عن عائشة أثبت من هذا ، ولعلها أرادت آخر الرجال به عهداً ) .
3 . تبنت السلطة حديث عائشة ، في أن النبي صلى الله عليه وآله مات على صدرها ، وأنه تمرض في غرفتها ، ومات ودفن في غرفتها ! فقد قالت عائشة ( البخاري : 5 / 144 ) : ( كان النبي يقول وهو صحيح إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير . فلما نزل به ورأسه على فخذي غشيَ عليه ثم أفاق ، فأشخص بصره إلى سقف البيت ثم قال : اللهم الرفيق الأعلى فقلت : إذاً لا يختارنا ، وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به أوهو صحيح . قالت : فكان آخر كلمة تكلم بها : اللهم الرفيق الأعلى ) .
4 . واجه أتباع السلطة القرشية إشكالية ، هي كيف أمر النبي صلى الله عليه وآله بالوصية ولم يوص هو ، وقد تخبط رواة الخلافة القرشية ، بل توحلوا في جوابهم !
فمرة قالوا : أوصى بالقرآن ! ومرة قالوا : لم يكن عنده كثير مال ليوصي . ومرة قالوا : أراد أن يوصي وقال إيتوني بدواة وقرطاس ، فأشفقوا عليه رحمة بحاله وقالوا له : حسبنا كتاب الله ، لا تكتب لنا كتاباً يؤمننا من الضلال !
قال البخاري ( / 186 ) : ( حدثنا طلحة بن مصرف قال : سألت عبد الله بن أبي أوفى
--------------------------- 130 ---------------------------
رضي الله عنهما : هل كان النبي صلى الله عليه وآله أوصى ؟ فقال : لا . فقلت : كيف كتب على الناس الوصية أو أمر بالوصية ؟ ! قال : أوصى بكتاب الله ) !
وروى : ( عن أخ جويرية بنت الحرث قال : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله عند موته درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمة ولا شيئاً ، إلا بغلته البيضاء ، وسلاحه وأرضاً جعلها صدقة ) .
وروى : ( عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ماحق امرئ مسلم له شئ يوصي فيه ، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ) .
وروى مسلم ( 5 / 70 ) : ( قال عبد الله بن عمر : ما مرت عليَّ ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله قال ذلك ، إلا وعندي وصيتي ) !

روى مسلم حديث الغدير مع أنه كالبخاري في التعصب

رواه في ( 7 / 122 ) ( قال يزيد بن حيان : انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً ، رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه ، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً ، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وآله فما حدثتكم فاقبلوا ، ومالا فلا تكلفونيه ، ثم قال : قام رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ، ثم قال : أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من أهل بيته ! ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده . قال : ومن هم ؟ قال هم آل على وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس . قال : كل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال : نعم ) .
--------------------------- 131 ---------------------------
ثم رواه بلفظ : ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عز وجل هوحبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة ، وفيه فقلنا : من أهل بيته نساؤه ؟ قال : لا ، وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها ! أهل بيته : أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده ) .
لكن البخاري استمات في تغييب حديث الغدير !
1 . قال البخاري إنه يحفظ مئة ألف حديث صحيح ، فلا بد أن يكون منها حديث الغدير ، الذي أجمع الحفاظ على صحته وتواتره ، وألف ابن عقدة المعاصرللبخاري كتاباً في طرقه ، فبلغت 125 طريقاً ، وألف الطبري المؤرخ المعاصرللبخاري أيضاً مجلدين في شرحه وطرقه ، وبلغت عنده نيفاً وسبعين طريقاً ! ( نهج الإيمان / 133 ، وينابيع المودة : 1 / 113 ، والسقيفة للخليلي / 80 ) .
لكنه غيبه وكأنه لا وجود لغدير خم ولا لخطبة النبي صلى الله عليه وآله فيه ! بل تفنن في طمسه وتوهينه فرواه في تاريخه الكبير ( 1 / 375 ) عن سالم وقال : في إسناده نظر ! ورواه في ( 4 / 193 ) عن سهم بن حصين ، وقال : وسهم مجهول ولا يدرى !
ثم أخرج سمه ضد علي عليه السلام فرى في تاريخه ( 6 / 240 ) عن الناصبي أبي حصين عثمان بن عاصم أنه قال : ( ما سمعنا هذا الحديث حتى جاء هذا من خراسان فنعق به ! يعني أبا إسحاق يعني : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ! فاتبعه على ذلك ناس ) !

وقد ارتضى ذلك البخاري ، وقصده أن ناعقاً كذب هذا الحديث فنعق به !

2 . ثم روى من أطرافه ( 1 / 6 و : 8 / 137 ) : ( عن ابن شهاب : قال رجل من اليهود لعمر : يا أمير المؤمنين لو أن علينا نزلت هذه الآية : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الآسْلامَ دِيناً ، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً ! فقال عمر : إني لأعلم أي يوم نزلت هذه الآية ، نزلت يوم عرفة في يوم جمعة ) .
ورواه في ( 5 / 186 ) وقال : ( وإنا والله بعرفة . قال سفيان : وأشك كان يوم الجمعة ، أم لا ) !
--------------------------- 132 ---------------------------
فلم يجرؤ البخاري أن يقول لم يكن يوم جمعة ، فنقل عن سفيان شكه في ذلك ، والصحيح أن عرفة ليست عيداً ، وأنها كانت في حجة الوداع يوم ثلاثاء !
3 . أثبت البخاري أنه محرف ، ومفسر فاشل ، لأنه بروايته عيد نزول أكملت لكم دينكم ، أقر بأن أكمل هنا فعل رباني في تشريع الدين ، ثم فسرها بكملوا إيمانكم !
قال في ( 1 / 7 ) : ( كتاب الإيمان : باب قول النبي صلى الله عليه وآله بني الاسلام على خمس . وهو قول وفعل ويزيد وينقص . قال الله تعالى : لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى . وقال وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ . وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا . وقوله : أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا . وقوله جل ذكره : فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا . وقوله تعالى : وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَاناً . والحب في الله والبغض في الله من الإيمان .
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي : إن للإيمان فرائض وشرائع وحدوداً وسنناً ، فمن استكملها استكمل الإيمان ، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان . فإن أعش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها ، وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص !
وقال إبراهيم : ولكن ليطمئن قلبي . وقال معاذ : أجلس بنا نؤمن ساعة . وقال ابن مسعود : اليقين الإيمان كله .
وقال ابن عمر : لا يبلغ العبدحقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر وقال مجاهد : شرع لكم : أوصيناك يا محمد وإياه ديناً واحداً .
وقال ابن عباس : شرعة ومنهاجاً سبيلاً وسنة .
دعاؤكم : إيمانكم لقوله تعالى : قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّى لَوْلا دُعَاؤُكُمْ . ومعنى الدعاء في اللغة : الإيمان .
فانظر إلى حشو البخاري هذا ، الذي لا علاقة له بالباب ولا بالكتاب !
ثم وضع في ( 1 / 16 ) عنواناً فسر فيه آيات منها آية إكمال الدين ، فقال : ( باب زيادة الإيمان ونقصانه ، وقول الله تعالى : وَزِدْنَاهُمْ هُدًى . وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً ، وقال : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
--------------------------- 133 ---------------------------
دِينَكُمْ ، فإذا ترك شيئاً من الكمال فهو ناقص !
ثم روى بعده عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله قال : يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفى قلبه وزن شعيرة من خير ، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله ، وفي قلبه وزن ذرة من خير ) .
فلاحظ تحريفه وتخبطه ، فقد فسر : أكملت لكم دينكم ، بأكملوا دينكم ، وجعل من ترك شيئاً من الكمال ناقصاً ، ثم بشرالناقصين بأنهم يخرجون من النار ! وهذا حشو وليس تفسيراً ، لأن إكمال الدين فعل إلهي في الشريعة والأمة ، وليس أمراً بتكميل الدين وزيادة الهدى . ثم لاحظ تحريفه حيث حذف كلمة اليوم في أول الآية ، ثم فسر أكملت بأكملوا ، ولا معنى لقوله : اليوم أكملوا دينكم !
4 . وبعد أن خرب البخاري معنى آية : أكملت لكم دينكم ، روى حديثاً عن عائشة ( 8 / 210 ) في تخريب معنى آية التبليغ ، فقدفسرته بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يكتم شيئاً من الوحي ، قالت : ( من حدثك أن النبي صلى الله عليه وآله كتم شيئاً من الوحي فلا تصدقه ، لأن الله تعالى يقول : يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ . . ) . فيكون المعنى عندها : بلغ الجميع ، فإن لم تفعل فما بلغت شيئاً !
لكن عمر رد كلام عائشة فقال إن النبي صلى الله عليه وآله لم يبين كل شئ ! قال : ( وددت أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يفارقنا حتى يعهد الينا عهداً في الجد والكلالة وأبواب من أبواب الربا ) ! ( البخاري : 6 / 243 ) ، وقال عمر : ( آخر القرآن آية الربا ، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يبينها لنا حتى مات ) . ( سنن الدارمي : 1 / 51 ) .
والصحيح أن الآية لاتقصد جميع ما أنزل اليه ، لأنها نزلت في آخر عمره بعد أن بلغ بل تقصد أمراً معيناً هو ولاية علي عليه السلام والصحيح أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله مأمور أن يكلم الناس على قدر عقولهم ، فقد يقول شيئاً أولا يقول ، حسب المصلحة .
5 . فرح ابن تيمية بعمل البخاري فقال : ( إن البخاري طعن في حديث الغدير ) ( منهاج السنة : 7 / 323 ومجموعة الفتاوى : 4 / 418 ) لكن إمامهم الألباني قال ( الأحاديث الصحيحة 4 / 330 )
--------------------------- 134 ---------------------------
إن جملة : من كنت مولاه فعلي مولاه ، متواترة ، وجملة : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، صحيحة . وبذلك كشف كذب ابن تيمية !

وروى البخاري حديثاً غريباً في وصية النبي صلى الله عليه وآله !

روى البخاري في الأدب المفرد / 44 : ( عن نعيم بن يزيد قال : حدثنا علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أن النبي صلى الله عليه وآله لما ثقل قال : يا علي إئتني بطبق أكتب فيه ما لاتضل أمتي ، فخشيت أن تسبقني نفسه ، فقلت : إني لأحفظ من ذراعاً من الصحيفة ، وكان رأسه بين ذراعي وعضدي وأوصى بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم ، وقال كذاك حتى فاضت نفسه ، وأمر بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله . من شهد بهما حرم على النار ) . وأحمد ( 1 / 90 ) والمسند الجامع ( 13 / 173 ) وفي هامشه : وأخرجه ابن سعد ( 2 / 243 ) ، والنسائي في مسند علي ، والضياء ( 2 / 380 / 762 ) وتهذيب الكمال ( 21 / 482 ) من طرق ، وقال عن بعض طرقه : رجال هذا الإسناد الرباعي عند أحمد والبخاري ثقات كلهم ، خلا نعيم بن يزيد الكوفي ، فقد جهله أبو حاتم الرازي . ولما كان نعيم بن يزيد من وسطي التابعين ، فقد رضيه الشيخ أحمد شاكر وحسن حديثه . وهذا بعينه مذهب الحافظ الذهبي القائل في خاتمة ديوان الضعفاء : وأما المجهولون من الرواة ، فإن كان من كبار التابعين أو أوساطهم ؛ احتمل حديثه وتلقى بحسن الظن ) .
أقول : ارتضى البخاري نعيم بن يزيد بسكوته عنه ، فالحديث عنده صحيح ، وهو إدانه لمن رفض أن يكتب وصيته ، لأنه يدل على أنه صلى الله عليه وآله كان مصراً على أن يكتب إلى آخر لحظات عمره الشريف ، أي ظهر الاثنين بعد أربعة أيام من رزية الخميس !
والخبير يعرف أن الحديث مسروق من أحاديث الوصية لعلي ، وحديثه لفاطمة عليهم السلام .
--------------------------- 135 ---------------------------

وقالوا اتهم علي عليه السلام عائشة وقال للنبي صلى الله عليه وآله طلقها

قال البخاري ( 3 / 154 و 155 ، و : 5 / 38 ، و 58 و 60 : ( قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أراد أن يخرج سفراً أقرع بين أزواجه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ، فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي فخرجت معه ، بعد ما أنزل الحجاب ، فأنا أُحمل في هودج وأنزل فيه ، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة ، آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل ، فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدي ، فحبسني ابتغاؤه ، فأقبل الذين يرحلون لي فاحتملوا هودجي ، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه ، وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلن ولم يغشهن اللحم ، وإنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم يستنكرالقوم حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منزلهم وليس فيه أحد فأممت منزلي الذي كنت فيه ، فظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إليَّ ، فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت ، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش ، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني وكان يراني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين أناخ راحلته ، فوطَّأ يدها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة ، حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة ، فهلك من هلك وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول !
فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهراً والناس يفيضون من قول أصحاب الإفك ويريبني في وجعي أني لا أرى من النبي صلى الله عليه وآله اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض ، إنما يدخل فيسلم ثم يقول كيف تيكم ، لا أشعر بشئ من ذلك حتى نقهت ، فخرجت أنا وأم مسطح قِبَل المناصع متبرزنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في البرية ، أو في التنزه ، فأقبلت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم نمشي
--------------------------- 136 ---------------------------
فعثرت في مرطها فقالت تعس مسطح ، فقلت لها : بئسما قلت أتسبين رجلاً شهد بدراً ؟ فقالت : يا هنتاه ألم تسمعي ما قالوا ! فأخبرتني بقول الإفك فازددت مرضاً إلى مرضي ، فلما رجعت إلى بيتي دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله فسلم فقال : كيف تيكم ؟ فقلت : إئذن لي إلى أبوي ! قالت وأنا حينئذ أريد أن استيقن الخبر من قبلهما ، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وآله فجئت أبويَّ فقلت لأمي يا أمتاه ما يتحدث الناس ؟ قالت : يا بنية هوني عليك ، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ، ولها ضرائر إلا كثرن عليها . قالت فقلت : سبحان الله ولقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لايرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، حتى أصبحت فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله . فأما أسامة فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الود لهم ، فقال : أهلك يا رسول الله ، ولا نعلم والله إلا خيراً .
وأما علي بن أبي طالب فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير ، وسل الجارية تصدقك ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله بريرة فقال : أي بريرة هل رأيت من شئ يريبك ؟ قالت له بريرة : والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمراً قط أغمصه ، غيرأنها جارية حديثة السن ، تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله ! قالت : فقام رسول الله صلى الله عليه وآله من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبيّ وهو على المنبر فقال : يا معشرالمسلمين ، من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي ! والله ما علمت على أهلي إلا خيراً ، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي .
فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : يا رسول الله أنا أعذرك منه ، إن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية ( في عدائه لأبي بكر ) فقال لسعد : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ، فقام أسيد بن حضيرفقال : كذبت لعمر الله والله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا ورسول الله صلى الله عليه وآله على المنبرفنزل ، فخفضهم حتى سكتوا وسكت .
--------------------------- 137 ---------------------------
وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، فأصبح عندي أبواي قد بكيت ليلتين ويوماً ، حتى أظن أن البكاء فالق كبدي ! قالت : فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكى إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها ، فجلست تبكي معي ، فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وآله فجلس ولم يجلس عندي من يوم قيل فيَّ ما قيل قبلها ، وقد مكث شهراً لايوحى إليه في شأني شئ . قالت : فتشهد ثم قال يا عائشة ، فإنه بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرؤك الله ، وإن كنت ألممت فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبدإذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه . فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة وقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال : والله ما أدرى ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وآله ! فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وآله فيما قال . قالت : والله ما أدرى ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وآله ، قالت : وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن ، فقلت : إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس ، ووقر في أنفسكم وصدقتم به ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني لبريئة لا تصدقوني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف إذ قال : فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ . ثم تحولت على فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله ، ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحياً ، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمرى ، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وآله في النوم رؤيا يبرئني الله . فوالله ما رام مجلسه ولاخرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء ، حتى أنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات ، فلما سرى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي : يا عائشة أحمدي الله فقد برأك الله . فقالت لي أمي : قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت : لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله ، فأنزل الله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالآفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَخَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الآثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ . فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق
--------------------------- 138 ---------------------------
وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه : والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً ، بعد ما قال لعائشة . فأنزل الله تعالى : وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَليَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . فقال أبو بكر الصديق : بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح الذي كان يجرى عليه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يسأل زينب بنت جحش عن أمري فقال : يا زينب ما علمت ما رأيت ؟ فقالت : يا رسول الله أحمي سمعي وبصرى ، والله ما علمت عليها إلا خيراً ، قالت وهي التي كانت تساميني فعصمها الله بالورع . قالت : وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك .
قال ابن شهاب : فهذا الذي بلغني من حديث هؤلاء الرهط . ثم قال عروة : قالت عائشة : والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل ، ليقول : سبحان الله فوالذي نفسي بيده ماكشفت من كنف أنثى قط . قالت : ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله .
عن الزهري قال : قال لي الوليد بن عبد الملك : أبلغك أن علياً كان فيمن قذف عائشة ؟ قلت : لا ولكن قد أخبرني رجلان من قومك أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث أن عائشة رضي الله عنها قالت لهما : كان عليٌّ مُسَلِّماً في شأنها فراجعوه فلم يرجع ، وقال مسلماً بلا شك فيه ) . أي متيقناً .

ملاحظات على قصة الإفك

1 . أوردنا رواية عائشة بطولها ، لأن البخاري أعادها وكررها ، ولأن السلطة رفعتها راية لتبرئة عائشة مما اتهمت به ، وقالت صدقت عائشة بأن آيات البراءة نزلت فيها وليس في مارية القبطية رضي الله عنها ، وجعلوها أعظم فضائل عائشة !
وعقيدتنا أن اتهام عائشة كان في السنة الرابعة قبل الأحزاب لأنها ذكرت سعد بن معاذ إلي استشهد في حرب الأحزاب ، وآيات التبرئة نزلت في السنة الثامنة أو التاسعة بعد اتهامهم لمارية القبطية رضي الله عنها ، وهو المناسب لوصفه تعالى للمبرأة بالغافلة ، لسذاجة مارية
--------------------------- 139 ---------------------------
وطهارتها عليها السلام . قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالآفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَخَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الآثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ . إلى أن قال : إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَالْحَقُّ الْمُبِينُ . الْخَبِيثَاتُ للَّخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ للَّخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ للَّطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ للَّطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ .
2 . روى البخاري في عدة مواضع ( 3 / 155 ، و 156 ، و : 5 / 58 ، و : 6 / 7 ، و : 8 / 163 ) أن النبي صلى الله عليه وآله استشار علياً عليه السلام في أمر عائشة فقال له : ( يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير ، وسل الجارية تصدقك ) .
وقالت عائشة ( 5 / 60 ) : ( كان عليٌّ مُسَلِّماً في شأنها ، فراجعوه فلم يرجع ) تقصد أنه كان يتهمها بيقين ! وطعنوا في علي عليه السلام بأنه اتهمها وأشار بطلاقها ! ولم يتكلم عليه السلام في اتهامها بكلمة قط ! ومع ذلك تكلموا عليه وتركوا أبا بكر الذي حكم عليها بالخيانة وطلب من النبي صلى الله عليه وآله أن يقيم عليها الحد ويرجمها !
قالت عائشة : ( فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله أن عائشة قد بلغها الأمر ، فجاء إليها فدخل عليها وجلس عندها وقال : يا عائشة إن الله قد وسع التوبة ! فازددت شراً إلى ما بي ! فبينا نحن كذلك إذ جاء أبو بكر فدخل عليَّ فقال : يا رسول الله ما تنتظر بهذه التي قد خانتك وفضحتني ! قالت : فازددت شراً إلى شر !
قالت : فأرسل إلى علي فقال : يا علي ما ترى في عائشة ؟ قال : الله ورسوله أعلم قال لتخبرني ما ترى في عائشة ؟ قال : قد وسع الله النساء ، ولكن أرسل إلى بريرة خادمها فسلها فعسى أن تكون قد اطلعت على شئ من أمرها ، فأرسل إلى بريرة . . وروى أن بريرة برأتها ) . رواه في مجمع الزوائد ( 9 / 229 ) عن الطبراني ، ووثقه فقال : فيه خصيف وقد وثقه جماعة ، وضعفه آخرون ، وبقية رجاله رجال الصحيح ) .
--------------------------- 140 ---------------------------
وقد وثق محدثهم الألباني خصيفاً ، وصحح عند ثلاثة أحاديث في سنن ابن ماجة !
3 . أظهرالله حقيقة الرجل القبطي الذي اتهموا به مارية ، واسمه مابور ، وكشفوا عليه فوجدوه ممسوحاً ليس له ما للرجال ! فجعلت عائشة صفوان بن المعطل المتهمة به مثله ! فقالوا كما في فتح الباري ( 8 / 350 ) كان عنيناً وحصوراً ، وقالت عائشة : ( والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول : سبحان الله فوالذي نفسي بيده ما كشفت من كنف أنثى قط ) !
وقال الطبري ( 2 / 270 ) : ( وكانت عائشة تقول لقد سئل عن صفوان بن المعطل فوجدوه رجلاً حصوراً ، ما يأتي النساء ، ثم قتل بعد ذلك شهيداً ) .
لكن رووا بسند صحيح أنه كان متزوجاً وشبقاً للنساء ، وأن زوجته شكته للنبي صلى الله عليه وآله بأنه لايدعها تصوم ، فسأله فقال : ( وأما قولها يفطرني إذا صمت ، فأنا رجل شاب لا أصبر ) ! ( فتح الباري : 8 / 349 )
ومن تعصبات ابن حجر الكثيرة أنه صحح هذه الرواية في شبق صفوان ، ثم ردها بدون حجة ، لأنه يريد أن يمسح ابن المعطل ويجعله ممسوحاً كمابور القبطي !
وقال في الإصابة ( 2 / 358 ) : ( روى أبو داود من طريق أبي صالح عن أبي سعيد قال : جاءت امرأة صفوان إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت : يا رسول الله إن زوجي صفوان يضربني . الحديث وإسناده صحيح ، ولكن يشكل عليه أن عائشة قالت في حديث الإفك إن صفوان قال : والله ما كشفت كنف أنثى قط ! ويمكن أن يجاب بأنه تزوج بعد ذلك ) !
4 . بحث شراح البخاري تفاصيل كثيرة عن مقولات عائشة في قصة الإفك ، ولم يقل أحد منهم لماذا لم يرو حديث الإفك غيرها ! ولعل أطول من كتب في قصة الإفك ودافع عن عائشة ابن حجر في فتح الباري ( 8 / 342 ، وما بعدها ) .
أما نحن فنعتقدأن اتهامها كان في السنة الرابعة في غزوة المريسيع ، وآيات البراءة نزلت في السنة الثامنة لما اتهمت مارية ، فجعلتها عائشة تبرئة لها من تهمة قبل أربع سنوات !
5 . توجد مسائل عديدة لم يبحثوها في قصة الإفك :

  • المكان الذي تخلفت فيه عائشة والزمان ، وهل توفي ابن سلول قبل الحادثة ، وفي أي ليالي
    --------------------------- 141 ---------------------------
    الشهر كانت ، وهل كان ضوء قمر لتبحث فيه عن حبات عقدها الذي انفرط ؟
  • هل بنيت مراحيض لبيوت النبي صلى الله عليه وآله قبل الحادثة أم بعدها ؟
  • رووا أن النبي صلى الله عليه وآله طرد عائشة من بيته ! وروى ابن حجر ( 8 / 352 ) : ( أن النبي صلى الله عليه وآله لما بلغه قول أهل الإفك وكان شديد الغيرة قال : لا تدخل عائشة رحلي ! فخرجت تبكي حتى أتت أباها فقال : أنا أحق أن أخرجك فانطلقت تجول لا يؤويها أحد حتى أنزل الله عذرها ) ! وفي رواية ستة أشهر ، وقد رد ذلك ابن حجر لكن يجب بحثه ذلك .
  • خلطت عائشة ورواة السلطة بين مسائل تتعلق بنساء النبي صلى الله عليه وآله : فآيات الإيلاء في سورة البقرة كانت في أول الهجرة ، وهجرالنبي صلى الله عليه وآله لعائشة شهراً كان في السنة الرابعة بعد غزوة المريسيع . وتهمة مارية لما حملت أو وضعت حملها في السنة الثامنة . وهجره لنسائه ومنهن عائشة ثلاثة أشهر ، وذهابه إلى بيت مارية البعيد عن المسجد ، كان في السنة التاسعة . وقد جهل رواة قريش مجرى الأحداث وتواريخها ، أو تعمدوا التضليل لمصلحة عائشة وحزبها ، فخلطوا هذه الأحداث ببعضها !
  • تعمد علماء السلطة أن لا يبحثوا اتهام المنافقين والمنافقات لمارية أم إبراهيم رضي الله عنهما ، مع أن عائشة تقول : ماغرت على أحد كما غرت من مارية لأنها كانت جميلة ، ورزقت منه بولد وحرمنا منه ! ثم أقرت بأنها كذبت لما قال لها النبي صلى الله عليه وآله عن إبراهيم إنه يشبهني ؟ فقالت : لا أرى شبهاً ! ثم تقول إنها ندمت على قولها . . الخ .

ما ذنب علي عليه السلام إذا لم تطق عائشة ذكر اسمه !

قال البخاري ( 1 / 162 و : 5 / 140 ) : ( قالت ( عائشة ) : لما مرض رسول الله صلى الله عليه وآله مرضه الذي مات فيه ، فحضرت الصلاة فأذن فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فقيل له إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس .
وأعاد ، فأعادوا له ، فأعاد الثالثة فقال : إنكن صواحب يوسف ! مروا أبا بكر فليصل بالناس . فخرج أبو بكر فصلى فوجد النبي صلى الله عليه وآله من نفسه خفه فخرج يهادي بين رجلين
--------------------------- 142 ---------------------------
كأني أنظر رجليه يخطان الأرض من الوجع ، فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وآله أن مكانك . ثم أتى به حتى جلس إلى جنبه ! فقيل للأعمش : وكان النبي صلى الله عليه وآله يصلي وأبوبكريصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر ؟ فقال : برأسه نعم ! رواه أبو داود عن شعبة عن الأعمش بعضه ، وزاد أبو معاوية : جلس عن يسار أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائماً .
قالت عائشة : فخرج بين رجلين تخط رجلاه الأرض ، وكان بين العباس ورجل آخر . قال عبيد الله بن عبد الله ، فذكرت ذلك لابن عباس ما قالت عائشة ، فقال لي : وهل تدري من الرجل الذي لم تسم عائشة ؟ قلت : لا . قال : هو علي بن أبي طالب ) .
قال الألباني في إرواء الغليل ( 1 / 178 ) : ( قال : أسَمَّتْ لك الرجل الذي كان مع العباس ؟ قلت : لا ، قال : هو علي بن أبي طالب . رواه البخاري ( 1 / 79 1 ) ومسلم ( 2 / 20 ورواه أحمد ( 6 / 228 ) وفي آخره : ولكن عائشة لا تطيب له نفساً [ بخير ] . وسنده صحيح ) !
أقول : هذا الحديث لا يصح عندنا ، لأن أبا بكر كان في جيش أسامة ، وقد ترك معسكره مع عمر وعادا ليلاً ، ورتبوا صلاته بالناس ، فعلم النبي صلى الله عليه وآله وقال وقعت الفتنة ، وذهب إلى المسجد ، ولما وصل تأخر أبو بكر وانسل من المسجد ، ولم يظهر حتى توفي النبي صلى الله عليه وآله . وقد استوفى علماؤنا بحث صلاة أبي بكر المزعومة !

  • *
    --------------------------- 143 ---------------------------

الفصل السابع : انتقاص البخاري من مقام فاطمة الزهراء عليها السلام

يا فاطمة لن أشفع لك !

1 . قال البخاري ( 3 / 191 ) : ( عن أبي هريرة قال : قام رسول الله صلى الله عليه وآله حين أنزل الله عز وجل وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، قال : يا عباس بن عبد المطلب لاأغني عنك من الله شيئاً ، ويا صفية عمة رسول الله ، لاأغني عنك من الله شيئاً . ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي ، لا أغني عنك من الله شيئاً ) !
2 . وقال البخاري : ( 6 / 17 ، و : 4 / 161 ) : ( عن ابن عباس قال لما نزلت : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، جعل النبي صلى الله عليه وآله يدعوهم قبائل قبائل . قال يا بني عبد مناف : اشتروا أنفسكم من الله يا بنى عبد المطلب اشتروا أنفسكم من الله : يا أم الزبير بن العوام عمة رسول الله ، يا فاطمة بنت محمد ، إشتريا أنفسكما من الله ، لا أملك لكما من الله شيئاً ، سلاني من مالي ما شئتما ) .
3 . وقال البخاري ( 4 / 161 ) : ( عمر وبن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، جعل النبي صلى الله عليه وآله ينادى يا بني فهر يا بني عدي ببطون قريش . . جعل النبي صلى الله عليه وآله يدعوهم قبائل قبائل ) .
4 . وقال البخاري ( 6 / 16 ) : ( عن ابن عباس قال : لما نزلت : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، صعد النبي صلى الله عليه وآله على الصفا فجعل ينادي : يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا ، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظرما هو ؟ فجاء أبو لهب وقريش
--------------------------- 144 ---------------------------
فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم ، أكنتم مصدقيَّ ؟ قالوا : نعم ، ما جربنا عليك إلا صدقاً . قال : نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ! فقال أبو لهب : تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ . مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ) .
5 . وقال البخاري ( 6 / 94 ) : ( عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزلت : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، ورهطك منهم المخلصين . خرج رسول الله صلى الله عليه وآله حتى صعد الصفا فهتف يا صباحاه فقالوا من هذا فاجتمعوا إليه فقال : أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي . . الخ ) .
لاحظ أن في الآية زيادة : وهطك منهم المخلصين . وأن النبي صلى الله عليه وآله خاطب في بعض الروايات عشيرته الأقربين فقط ، كما أمرته الآية . وفي بعضها خاطب كل قريش ، لكنه لم يكن يومها مأموراً أن يصدع بما يؤمر إلا في أول السنة الرابعة !

عداء البخاري لعلي وليونته مع الزهراء عليهما السلام

لا يدع البخاري حديثاً في علي عليه السلام إلا وانتقصه فيه حتى الأحاديث الصحيحة المتواترة ! وقد رأيت عمله في حديث الغدير ، ونسبته فتح اليمن إلى خالد ، مع أنه هو روى في الصحيح أن خالداً بقي ستة أشهر ولم يصنع شيئاً ، فأرسل النبي صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام وأمر بحل جيش خالد بالكلية !
كما رأيت أن البخاري جعل راية النبي عليه السلام في خيبر بيد غير علي عليه السلام ، وافترى عليه بأنه تخلف عن النبي صلى الله عليه وآله . . الخ ! وهو يعرف أن سلمة بن الأكوع يقصد بقوله وكان تخلف عنه ، تخلف في القسم الأول من خيبر بأمرالنبي صلى الله عليه وآله ، فجعلهاالبخاري تخلف عن غزوة خيبر !
أما الزهراء عليه السلام فترى في أحاديثه التي ذكرها فيها ، أنه يحترمها أكثر من بقية أهل البيت عليهم السلام ، فهويكتب بعد ذكر اسمها ( عليها السلام ) ولا يكتب ذلك لعلي ولا لنساء النبي صلى الله عليه وآله ، وقد ثبت ذلك في النسخ الخطية للبخاري ، وتراه لا يطعن بفاطمة عليها السلام إلا إذا احتاج إلى
--------------------------- 145 ---------------------------
ذلك تبعاً ، كأن يطعن بعلي عليه السلام بأنه كان سيئ الخلق معها وكان يحدث بينهما جدل ومشادة ، فيخرج من البيت وينام في المسجد ! أو عندما يطرق النبي صلى الله عليه وآله بابهما ويوقظهما للصلاة ، فيقولان إن أنفسنا بيد الله إن شاء بعثنا فقمنا إلى الصلاة ، وإن شاء أبقانا نائمين ! فيذهب النبي غاضباً عليهما ، وهو يضرب يده على فخذه ، ويقول : وَكَانَ الآنْسَانُ أَكْثَرَ شَئٍْ جَدَلاً !
أما إذا اضطرلانتقاص فاطمة عليها السلام فلايتردد كانتقاصه لها عندما واجهت أبا بكر وطالبته بإرثها من أبيها صلى الله عليه وآله - ، فأجابهابأن إرثه لخليفته وليس لأسرته ! فغضبت عليه بدون حق ، والحق دائماً مع أبي بكر ، وفاطمة هي المخطئة !

روت عائشة احترام النبي صلى الله عليه وآله الخاص لفاطمة عليها السلام

قال البخاري ( 4 / 183 ، و : 7 / 141 ) : قالت عائشة : ( فأقبلت فاطمة عليها السلام تمشي لا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وآله فلما رآها رحب بها ، قال : مرحباً بابنتي ، ثم أجلسها عن يمينه ، أو عن شماله ) .
وكانت إذا جاءته وقف لها وأجلسها إلى جنبه وقال : « فاطمة حوراء إنسية ، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة » ( أمالي الصدوق / 546 ) .

وكانت آخر من يودعه النبي صلى الله عليه وآله وأول من يزوره إذا رجع

قال البخاري ( 3 / 140 ) : ( عن ابن عمر قال : أتى النبي صلى الله عليه وآله بيت فاطمة بنته فلم يدخل عليها ! وجاء علي فذكرت له ذلك فذكره للنبي صلى الله عليه وآله قال : إني رأيت على بابها ستراً موشَّى ، فقال : مالي وللدنيا ! فأتاها علي فذكر ذلك لها فقالت : ليأمرني فيه بما شاء ، قال : ترسل به إلى بني فلان أهل بيت بهم حاجة ) .
ونحوه مسند أحمد ( 2 / 21 ) وابن حبان ( 14 / 266 ) ، وابن أبي شيبة ( 8 / 135 ) وفيه أن ذلك الستر قرامٌ أي ثوب ملون أعرابي ثمنه أربعة دراهم ، كانت تنشره في مؤخر البيت ) .
وقال ابن حجر في فتح الباري ( 8 / 89 ) : « كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ،
--------------------------- 146 ---------------------------
ثم يثني بفاطمة عليها السلام ثم يأتي أزواجه ، وفي لفظ : ثم بدأ ببيت فاطمة عليها السلام ثم أتى بيوت نسائه » .
وروى الطبرسي في مكارم الأخلاق / 94 : ( عن زرارة ، عن أبي جعفرالباقر عليه السلام قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أراد السفرسلم على من أراد التسليم عليه من أهله ، ثم يكون آخر من يسلم عليه فاطمة عليها السلام فيكون توجهه إلى سفره من بيتها ، وإذا رجع بدأ بها ، فسافر مرة وقد أصاب علي عليه السلام شيئاً من الغنيمة ، فدفعه إلى فاطمة ثم خرج ، فأخذت سوارين من فضة وعلقت على بابها ستراً ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله دخل المسجد ، فتوجه نحو بيت فاطمة عليها السلام كما كان يصنع ، فقامت فرحة إلى أبيها صبابة وشوقاً إليه فنظر صلى الله عليه وآله فإذا في يدها سواران من فضة وإذا على بابها ستر ، فقعد رسول الله صلى الله عليه وآله حيث ينظر إليها ، فبكت فاطمة وحزنت وقالت : ما صنع هذا أبي قبلها ، فدعت ابنيها ونزعت الستر من بابها وخلعت السوارين من يدها ، ثم دفعت السوارين إلى أحدهما والستر إلى الآخر ، ثم قالت لهما : انطلقا إلى أبي فاقرئاه السلام وقولا له : ما أحدثنا بعدك غير هذا ، فما شأنك به ؟ فجاءاه فأبلغاه ذلك عن أمهما ، فقبلهما رسول الله صلى الله عليه وآله والتزمهما وأقعد كل واحد منهما على فخذه ، ثم أمر بذينك السوارين فكسرا فجعلهما قطعاً قطعاً ، ثم دعا أهل الصُّفَّة فقسمه بينهم قطعاً ثم جعل يدعو الرجل منهم العاري الذي لا يستتر بشئ . وكان ذلك الستر طويلاً ، وليس له عرض ، فجعل يؤزر الرجل ، فإذا التقى عليه قطعه حتى قسمه بينهم أزراً ) .
وروت عائشة لنفسها شبيه ذلك ! قال البخاري ( 3 / 108 ) : ( عن عائشة أنها كانت اتخذت على سهوة لها ستراً فيه تماثيل فهتكه النبي صلى الله عليه وآله فاتخذت منه نمرقتين فكانتا في البيت يجلس عليهما ) . ومسند أحمد ( 1 / 103 ) والنسائي ( 8 / 214 ) ، وغيرها .

روى البخاري حديث عمرو العاص وكتم غيره

روى البخاري ( 4 / 192 و : 5 / 113 ) أن عمروالعاص سأل النبي صلى الله عليه وآله : « أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة فقلت : من الرجال ؟ فقال : أبوها . فقلت : ثم مَن ؟ قال : ثم عمر بن الخطاب ، فعدَّ رجالاً ، فسكتُّ مخافة أن يجعلني في آخرهم ) !
--------------------------- 147 ---------------------------
ولم يرو البخاري الحديث المضاد له ، الذي استفاض في مصادرهم ، ولا بد أنه كان ضمن المائة ألف حديث التي يحفظها ، وقد رواه أحمد ( 4 / 275 ) قال : « استأذن أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وآله فسمع صوت عائشة عالياً وهي تقول : والله لقد عرفت أن علياً أحب إليك من أبي ومني ، مرتين أو ثلاثاً ، فاستأذن أبو بكر فدخل فأهوى إليها ( ضربها ) فقال : يا بنت فلانة ألا أسمعك ترفعين صوتك على رسول الله » ! والنسائي ( 5 / 139 ، و 365 ، وأبو داود : 2 / 477 ) .
وروى النسائي ( 5 / 139 ) : « عن جميع بن عمير قال دخلت مع أمي على عائشة فسمعتها تسألها من وراء الحجاب عن علي ؟ فقالت : تسأليني عن رجل ما أعلم أحداً كان أحب إلى رسول الله منه ، ولا أحب إليه من امرأته »
وفي تفسير ابن كثير ( 3 / 493 ) عن ابن حوشب : « دخلت مع أبي على عائشة فسألتها عن علي فقالت : تسألني عن رجل كان من أحب الناس إلى رسول الله وكانت تحته ابنته وأحب الناس إليه ؟ لقد رأيت رسول الله دعا علياً وفاطمة وحسن وحسيناً رضي الله عنهم فألقى عليهم ثوباً فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ! قالت فدنوت منهم فقلت : يا رسول الله وأنا من أهل بيتك ؟ فقال : تنحي فإنك على خير » !
وفي كنز العمال ( 11 / 334 ) عن مسند البزار ، عن عروة قال : « قلت لعائشة : من كان أحب الناس إلى رسول الله ؟ قالت : علي بن أبي طالب !
قلت : أي شئ كان سبب خروجك عليه ؟ قالت : لم تزوج أبوك أمك ؟ قلت : ذلك من قدر الله ، قالت : وكان ذلك من قدر الله » ! وقالوا : رجاله ثقات .
وتمسك النواصب برواية ابن العاص : « قال ابن حزم : فقد فضلها رسول الله على أبيها وعلى عمر وعلى علي وفاطمة ، تفضيلاً ظاهراً » !
--------------------------- 148 ---------------------------

نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وآله بواسطة فاطمة عليها السلام

أجمع المسلمون على المقام العظيم لفاطمة الزهراء عليها السلام ورووا أحاديثها واحترام النبي صلى الله عليه وآله لها احتراماً خاصاً مقصوداً لإفهام المسلمين مكانتها !
قال البخاري ( 4 / 71 ) : « بينا رسول الله صلى الله عليه وآله ساجد وحوله ناس من قريش المشركين ، إذ جاءه عقبة بن أبي معيط بسلى جزور ، فقذفه على ظهرالنبي صلى الله عليه وآله فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمة عليها السلام فأخذت من ظهره ودعت على من صنع ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : اللهم عليك الملأ من قريش ، اللهم عليك أبا جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وعقبة بن أبي معيط ، وأمية بن خلف أو أبي بن خلف » .
أقول : كفى بذلك فضيلة ، فالنبي صلى الله عليه وآله فهم أن دعاء فاطمة عليها السلام على من المشركين إلهامٌ من الله تعالى ، وفهم أنه وحيٌ له وإجازة له من ربه بأن يدعو عليهم ، فدعا !
وفي رواية أخرى للبخاري ( 4 / 71 و : 1 / 65 و 131 و : 3 / 234 و : 4 / 39 ) : ( عبد الله بن مسعود حدثه أن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس إذ قال بعضهم لبعض : أيكم يجئ بسلاجزور بني فلان يضعه على ظهر محمد إذا سجد ؟ قال قائل منهم : ألا تنظرون إلى هذا المرائي ! أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها فيجئ به ، ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه ! فانبعث أشقى القوم فجاء به ، فنظر حتى إذا سجد النبي صلى الله عليه وآله وضعه على ظهره بين كتفيه ، وأنا أنظر لا أغني شيئاً لو كان لي منعة ، قال : فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم على بعض ، ورسول الله صلى الله عليه وآله ساجد لا يرفع رأسه ، حتى جاءته فاطمة عليها السلام فطرحت عن ظهره ، فرفع رأسه ثم قال : اللهم عليك بقريش ثلاث مرات ! فشق عليهم إذ دعا عليهم . قال : وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة ، ثم سمى : اللهم عليك بأبي جهل ، وعليك بعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وأمية بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، وعد السابع لم أحفظه . قال : فوالذي نفسي بيده ، لقد رأيت الذين عد رسول الله صلى الله عليه وآله صرعى في القليب . سحبوا إلى القليب قليب بدر .
--------------------------- 149 ---------------------------
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : وأتبع أصحاب القليب لعنة ! فألقوا في بئر ، غير أمية أو أبيّ ، فإنه كان رجلاً ضخماً ، فلما جروه تقطعت أوصاله ، قبل أن يلقى في البئر ) .

جاءت إلى أبيها صلى الله عليه وآله وهم يحفرون الخندق بكسرة خبز !

قال البخاري في تاريخه الكبير ( 1 / 128 ) عن أنس ، وعن علي عليه السلام قال : ( كنا مع النبي صلى الله عليه وآله في حفر الخندق إذ جاءته فاطمة ومعها كسرة خبز فدفعتها إلى النبي ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : ما هذه الكسرة ؟ قالت : قرصاً خبزتها للحسن والحسين جئتك منه بهذه الكسرة ، فقال : أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث ) . ومسند أحمد ( 3 / 213 ) ومجمع الزوائد ( 10 / 312 ) . وفيه : فقال : ما هذه ؟ فقالت : قرص خبزته ، فلم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة ) .
وفي مسند زيد بن علي عليهما السلام / 461 ، وعيون أخبار الرضا ( 2 / 44 ) : ( عن علي قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وآله في حفرالخندق ، إذ جاءت فاطمة عليها السلام ومعها كسيرة من خبز ، فدفعتها إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : ما هذه الكسيرة ؟ قالت : قرص شعير خبزته للحسن والحسين ، جئتك منه بهذه الكسيرة ، فقال صلى الله عليه وآله : يا فاطمة ، أما إنه أول طعام دخل في في أبيك منذ ثلاثة أيام ) !

لما جرح النبي صلى الله عليه وآله انقضت فاطمة عليها السلام كالصقر إلى أحُد

قال البخاري ( 3 / 229 ) : ( عن سهل رضي الله عنه ، أنه سئل عن جرح النبي يوم أحد فقال : جرح وجه النبي صلى الله عليه وآله وكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه فكانت فاطمة عليها السلام تغسل الدم وعلي رضي الله عنه يسكب ، فلما رأت أن الدم لا يزيد إلا كثرة ، أخذت حصيراً فأحرقته حتى صار رماداً ثم ألزقته ، فاستمسك الدم ) . ورواه أربع مرات أخرى ، ففي ( 3 / 227 ) : ( وأدميَ وجهه وكسرت رباعيته وكان علي يختلف بالماء في المجن ) . ونحوه ( 1 / 66 ) و : ( 5 / 38 ) و : ( 7 / 19 ) .
--------------------------- 150 ---------------------------
ملاحظة
لم يذكر البخاري كيف أحست فاطمة عليها السلام بجرح أبيها صلى الله عليه وآله ، وكيف جاءت من المدينة إلى أحُد تعدو على قدميها ! ولم يذكر أين كان الصحابة وقتها ؟
أما بقية مؤلفي السلطة فيتبعون البخاري كما يتبع القطيع كُرَّازه ، إلا من شذ وندر ، فلاتجد عندهم معلومة تنفعك عن حضور فاطمة عليها السلام في أحُد ! فغاية ما ذكروه عن مجيئها عليها السلام ما سمح به الخليفة والبخاري ! سنن ابن منصور ( 2 / 305 ) وأحمد ( 5 / 330 ) وابن ماجة ( 2 / 1147 ) وفتح الباري ( 1 / 306 ) وتحفة الأحوذي ( 6 / 218 ) .
أما الصحابة فكما وصفهم الله تعالى كانوا يركضون صعوداً على جبل أحد ، أو فراراً نحو المدينة ، أو نحو تبوك والأردن ، وهم يقولون نحن أولى بالقيادة من النبي ، فلوكنا نقود المعركة ما هزمنا ! وقد أجابهم الله تعالى فقال : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الأَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ . إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَىْ لا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ . ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَئٍْ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا ! قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ . .
وقد روت مصادرنا مجيئ الزهراء عليها السلام إلى أحد :
قال القمي في تفسيره ( 1 / 124 ) : ( خرجت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله تعدو على قدميها ، حتى وافت رسول الله وقعدت بين يديه ، فكان إذا بكى رسول الله صلى الله عليه وآله بكت لبكائه وإذا انتحب انتحبت . ونادى أبو سفيان : موعدنا وموعدكم في عام قابل فتقبلُ ، فقال رسول الله لأمير المؤمنين : قل : نعم ) .
--------------------------- 151 ---------------------------
أما بكاء النبي صلى الله عليه وآله فكان حباً وشكراً لفاطمة عليها السلام ، وأما بكاء فاطمة عليه السلام فكان تأثراً لوحدة النبي صلى الله عليه وآله وجراحه ! ويظهر أنها عليها السلام وصلت لما جاء علي وجبرئيل بالنبي صلى الله عليه وآله من الحفرة في ساحة المعركة ، إلى ظل الصخرة ، وصاح إبليس : قتل محمد !
ففي المناقب ( 1 / 166 ) : « وصاح إبليس من جبل أحد : ألا أن محمداً قد قتل ! فصاحت فاطمة عليها السلام ووضعت يدها على رأسها ، وخرجت تصرخ » !
أما علي عليه السلام فلم يسلم من ذمهم ! فزعموا أنه أعطى سيفه إلى فاطمة عليها السلام لتغسله من الدم مفتخراً بنفسه فوبخه النبي صلى الله عليه وآله وقال له : لست أحسن من غيرك ! إن كنت قد أحسنت القتال اليوم ، فلقد أحسن سهل بن حنيف وعاصم بن ثابت ، والحارث بن الصمة ، وأبو دجانة » ( الحاكم : 3 / 409 ) .
أقول : لا أظن أن علياً عليه السلام أعطاها سيفه يومها لتغسله ، خاصة أن الحرب لم تنته ، وأن الماء في عين المهراس كانت تحت الأرض بأمتار ، كما رأيتها .
واليك جانباً من ظروف المعركة :
قال الطبرسي في إعلام الورى ( 1 / 178 ) : ( أقبل يومئذ أبي بن خلف وهو على فرس له وهو يقول : هذا ابن أبي كبشة ، بؤ بذنبك لانجوتُ إن نجوت . ورسول الله صلى الله عليه وآله بين الحارث بن الصمة وسهل بن حنيف يعتمد عليهما ، فحمل عليه فوقاه مصعب بن عمير بنفسه ، فطعن مصعباً فقتله ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله عنزة كانت في يد سهل بن حنيف ثم طعن أبياً في جربان الدرع ، فاعتنق فرسه فانتهى إلى عسكره وهو يخور خوار الثور ، فقال أبو سفيان : ويلك ما أجزعك إنما هو خدش ليس بشئ ! فقال : ويلك يا ابن حرب ، أتدري من طعنني ، إنما طعنني محمد وهو قال لي بمكة إني سأقتلك ، فعلمت أنه قاتلي ، والله لو أن ما بي كان بجميع أهل الحجاز لقضت عليهم ! فلم يزل يخور الملعون حتى صار إلى النار ! وفي كتاب أبان بن عثمان : أنه لما انتهت فاطمة وصفية إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ونظرتا إليه قال صلى الله عليه وآله لعلي : أما عمتي فاحبسها عني ، وأما فاطمة فدعها ، فلما دنت فاطمة عليها السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله ورأته قد شُج في وجهه وأدميَ فوه إدماء صاحت ، وجعلت تمسح الدم
--------------------------- 152 ---------------------------
وتقول : اشتد غضب الله على من أدمى وجه رسول الله . وكان يتناول رسول الله صلى الله عليه وآله ما يسيل من الدم ويرميه في الهواء فلا يتراجع منه شئ ! قال الصادق عليه السلام : والله لو سقط منه شئ على الأرض لنزل العذاب . قال أبان بن عثمان : حدثني بذلك عنه الصباح بن سيابة قال قلت : كسرت رباعيته كما يقوله هؤلاء ؟ قال : لا والله ما قبضه الله إلاسليماً ولكنه شج في وجهه . قلت : فالغار في أحد الذي يزعمون أن رسول الله صار إليه ؟ قال والله ما برح مكانه ، وقيل له : ألا تدعو عليهم ؟ قال : اللهم اهد قومي !
ورمى رسول الله صلى الله عليه وآله ابن قميئة بقذافة فأصاب كفه حتى ندر السيف من يده ، وقال : خذها مني وأنا ابن قميئة ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أذلك الله وأقمأك ! وضربه عتبة بن أبي وقاص بالسيف حتى أدمى فاه ، ورماه عبد الله بن شهاب بقلاعة فأصاب مرفقه ، وليس أحد من هؤلاء مات ميتة سوية ) .
وفي سنن البيهقي ( 1 / 269 ) : ( خرج علي حتى ملأ درقته من المهراس ، ثم جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ليشرب منه فوجد له ريحاً فعافه ، فلم يشرب منه وغسل عن وجهه الدم وصب على رأسه وهو يقول : اشتد غضب الله على من دمَّى وجه نبيه ) .
وروى في تاريخ دمشق ( 20 / 386 ) تفصيلاً عن أبي سعيد الخدري جاء فيه : ( نظرت إلى وجهه صلى الله عليه وآله فإذا وجنتيه مثل موضع الدرهم في كل وجنة ، وإذا شجة في جبهته عند أصول الشعر وإذا شفته السفلى تدمى ، وإذا رباعيته اليمنى شظية ، وإذا على جرحه شئ أسود ، فسألت ما هذا على وجهه ؟ فقالوا حصير محرق . وسألت : من دمى وجنتيه فقيل ابن قميئة ، فقلت : من شجه في جبهته ؟ فقيل : ابن شهاب ( والد الزهري المعروف ) فقلت : من أصاب شفته ؟ فقيل عتبة ( أخ سعد بن وقاص ) فجعلت أعدو بين يديه حتى نزل ببابه ، فما نزل إلا حمَلْاً !
وأرى ركبتيه مجحوشتين يتكئ على السعدين : سعد بن عبادة وسعد بن معاذ حتى دخل بيته . وكانت وجوه الخزرج والأوس في المسجد ، على باب النبي صلى الله عليه وآله يحرسونه ، فَرَقاً من قريش أن تَكِرَّ ) .
--------------------------- 153 ---------------------------
رواية : نساؤك يسألنك العدل في عائشة
زعمت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله كان يفضلها على نسائه ، ولم يسمع لشكواهن منها وأنهن أرسلن فاطمة ابنته عليها السلام ثم غيرها اليه فلم يسمع منهن ، وأجابهم صلى الله عليه وآله إن عائشة أحب اليه ، وإن الوحي نزل عليه وهو في لحاف عائشة !
وكل هذا في اعتقادي من اختراع عائشة ، ولا يتسع المجال لإثبات ذلك من نصوصه !
قال البخاري ( 3 / 132 ) : ( عن عائشة : إن نساء رسول الله صلى الله عليه وآله كنَّ حزبين ، فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة . والحزب الآخر : أم سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله صلى الله عليه وآله عائشة ، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أخرها حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بيت عائشة ، بعث صاحب الهدية إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في بيت عائشة . فكلم حزب أم سلمة فقلن لها : كلمي رسول الله صلى الله عليه وآله يكلم الناس فيقول من أراد أن يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله هدية فليهده حيث كان من نسائه ، فكلمته أم سلمة بما قلن ، فلم يقل لها شيئاً ، فسألنها فقالت : ما قال لي شيئاً ، فقلن لهافكلميه . قالت : فكلمته حين دار إليها أيضاً فلم يقل لها شيئاً ! فسألنها فقالت : ما قال لي شيئاً . فقلن لها : كلميه حتى يكلمك ، فدار إليها فكلمته فقال لها : لا تؤذيني في عائشة ، فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة ! قالت فقلت أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله . ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله تقول : إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر ، فكلمته فقال : يا بنية ألا تحبين ما أحب ؟ قالت : بلى . فرجعت إليهن فأخبرتهن فقلن : إرجعي إليه ، فأبت أن ترجع ، فأرسلن زينب بنت جحش فأتته فأغلظت وقالت : إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت ابن أبي قحافة ! فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة ، وهي قاعدة فسبتها حتى أن رسول الله صلى الله عليه وآله لينظر إلى عائشة هل تكلم ؟ قال : فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها . قالت فنظرالنبي إلى عائشة وقال : إنها بنت أبي بكر ) !
وقال البخاري في الأدب المفرد ( 1 / 210 ) : ( عن عائشة قالت : أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وآله
--------------------------- 154 ---------------------------
فاطمة إلى النبي فاستأذنت والنبي مع عائشة في مرطها ( لحافها ) . . قال : أي بنية ! أتحبين ما أحب ؟ قالت : بلى قال : فأحبي هذه فقامت ، فخرجت فحدثتهم . فقلن : ما أغنيت عنا شيئاً فارجعي إليه ، قالت : والله لا أكلمه فيها أبداً . فأرسلن زينب فاستأذنت فأذن لها فقالت له ذلك ، ووقعت فيَّ زينب تسبني ، فطفقت أنظر هل يأذن لي النبي صلى الله عليه وآله فلم أزل حتى عرفت أن النبي صلى الله عليه وآله لا يكره أن أنتصر ، فوقعت بزينب فلم أنشب أن أثخنتها غلبة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال : أما إنها ابنة أبي بكر ) .
قال في فتح الباري ( 5 / 151 ) : ( وعن عائشة قالت : دخلت عليَّ زينب بنت جحش فسبتني فردعها النبي صلى الله عليه وآله فأبت فقال : سبيها فسببتها حتى جف ريقها في فمها ! وفي هذا الحديث منقبة ظاهرة لعائشة ، وأنه لاحرج على المرء في إيثار بعض نسائه بالتحف ، وإنما اللازم العدل في المبيت والنفقة ) !
أقول : نسيت عائشة فقالت إنها فهمت أن النبي صلى الله عليه وآله يسمح لها أن تسب ضرتها ، وقالت مرة : إنه أمرها أن تسبها ! ولا يعقل أنه صلى الله عليه وآله يأمر بالسب ، أو يسمح به !
وادعاء عائشة أنها أحب أزواج النبي صلى الله عليه وآله اليه ، مردود ، ومديحها لنفسها كذلك .

ضيعوا تسبيح الزهراء عليها السلام وحفظناه

قال البخاري ( 6 / 193 ، و : 4 / 48 و 208 ، و : 6 / 93 و 192 ، و : 7 / 149 ) : ( عن ابن أبي ليلى حدثنا عليٌّ أن فاطمة عليها السلام أتت النبي صلى الله عليه وآله تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى ، وبلغها أنه جاءه رقيق ، فلم تصادفه ، فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته عائشة . قال : فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا ، فذهبنا نقوم فقال : على مكانكما ، فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني فقال : ألا أدلكما على خير مما سألتما . إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما ، فسبحا ثلاثاً وثلاثين ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين ، وكبرا أربعاً وثلاثين ، فهو خيرلكما من خادم .
باب خادم المرأة : إن فاطمة عليها السلام أتت النبي صلى الله عليه وآله تسأله خادماً فقال : ألا أخبرك ما هو خير لك منه : تسبحين الله عند منامك ثلاثاً وثلاثين ، وتحمدين الله ثلاثاً وثلاثين ، وتكبرين الله أربعاً
--------------------------- 155 ---------------------------
وثلاثين ، ثم قال سفيان : إحداهن أربع وثلاثون ، فما تركتها بعد . قيل : ولا ليلة صفين ؟ قال : ولا ليلة صفين ) !
وقال البخاري ( 1 / 205 ) : ( جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالوا ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم ، يصلُّون كما نصلي ويصومون كما نصوم ، ولهم فضل أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون !
قال : ألا أحدثكم بما إن أخذتم أدركتم من سبقكم ، ولم يدرككم أحد بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلامن عمل مثله ؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ) .
ملاحظات
1 . عَلَّمَ النبي صلى الله عليه وآله جعفر بن أبي طالب عليه السلام صلاة أربع ركعات ، تتكرر فيها التسبيحات الأربع ، وسماها : صلاة جعفر ، وتصلى عادة لقضاء الحاجة .
وعلم الزهراء عليه السلام ذكر الله مئة مرة ، وسماه تسبيح فاطمة عليها السلام أراد بذلك تخليدها قدوةلأمته في العبادة ، وفي ذكر الله تعالى . وتخليد جعفر عليه السلام قدوة في العبادة .
2 . روى البخاري وغيره تسبيح فاطمة عليها السلام ، وكان المسلمون وخاصة الصوفية يسبحونه بعد الصلاة ، فقد رأيت في مسجد قرب فندق في إستانبول سُبَحاً كثيرة معلَّقَةً على عمود ، ليستعملها المصلون بعد الصلاة في تسبيح الزهراء عليها السلام !
وروى البخاري استحباب هذا التسبيح ، ولم يسمه باسم فاطمة عليها السلام وروى أن النبي صلى الله عليه وآله علمه للفقراء ، وذكر ثوابه بنحو ما رويناه .
3 . ابتكرت الزهراء عليها السلام عملاً بسيطاً بليغاً ، فاتخذت من تربة قبر حمزة سبحة من أربع وثلاثين حبة ، تَعُدَّ بها تسبيحها ، وفي كتاب المزار للمفيد / 150 : ( كانت مسبحتها من خيط من صوف مفتَّل ، معقود عليه عدد التكبيرات ، فكانت بيدها تديرها تكبِّر وتسبِّح ، إلى أن قتل حمزة بن عبد المطلب فاستعملت تربته ، فلما قتل الحسين عليه السلام عُدل بالأمر اليه ، فاستعملوا
--------------------------- 156 ---------------------------
تربته لما فيها من الفضل والمزية )
( ورواه جامع أحاديث الشيعة : 5 / 268 ، عن مكارم الأخلاق / 147 ، والوسائل : 6 / 455 ) . والمزية حديث فضل تربة كربلاء ، وأن جبرئيل عليه السلام جاء بها إلى النبي صلى الله عليه وآله .
( راجع : مسند أحمد : 6 / 294 ، والحاكم : 3 / 177 و : 4 / 398 ، وفيها صحيح على شرط الشيخين ، ومجمع الزوائد : 9 / 185 ، باب مناقب الحسين ، ومستدرك الوسائل : 5 / 56 ، وفيه : وتكون السبحة بخيوط زرق ، أربعاً وثلاثين خرزة ، وهي سبحة مولاتنا فاطمة عليها السلام )
4 . روينا قصة تسبيح الزهراء عليها السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام بأوفي من رواية البخاري وأنه قال لرجل من بني سعد ( علل الشرائع : 2 / 367 ) : ( ألا أحدثك عني وعن فاطمة ؟ إنها كانت عندي وكانت من أحب أهله صلى الله عليه وآله إليه . وإنها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها ، وطحنت بالرحى حتى مجلت يدها ، وكسحت البيت حتى غبرت ثيابها وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فأصابها من ذلك ضرر شديد فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرَّ ما أنت فيه من هذا العمل . فأتت النبي صلى الله عليه وآله فوجدت عنده حُداثاً ، فاستحت وانصرفت . قال : فعلم النبي صلى الله عليه وآله أنها جاءت لحاجة ، قال فغدا علينا ونحن في لفاعنا ( شبيه اللحاف ) فقال : السلام عليكم يا أهل اللفاع ! فسكتنا واستحيينا لمكاننا ، ثم قال : السلام عليكم ، فسكتنا ثم قال السلام عليكم فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف وقد كان يفعل ذلك يسلم ثلاثاً فإن أذن له وإلا انصرف ! فقلت : وعليك السلام يا رسول الله ، أدخل . فلم يعدُ أن جلس عند رؤوسنا فقال : يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد ؟ فقلت : أنا والله أخبرك يا رسول الله ، إنها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها ، وجرت بالرحا حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرَّ ما أنت فيه من هذا العمل . قال : أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم ؟ إذا أخذتما منامكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين ، وكبرا أربعاً وثلاثين قال فأخرجت فاطمة عليها السلام رأسها فقالت : رضيت عن الله ورسوله ، رضيت عن الله ورسوله ، رضيت عن الله ورسوله ) .
--------------------------- 157 ---------------------------
5 . يبدأ التسبيح عندنا بالتكبير أربعاً وثلاثين ثم بالتحميد ثم بالتسبيح ثلاثاً وثلاثين وفضله كثير ، قال الإمام الصادق عليه السلام ( تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام من الذكر الكثير الذي قال الله عز وجل : أُذْكُرُوا الله ذِكْراً كَثِيراً ) . ( الكافي : 2 / 500 ) .
وثوابه عظيم ، قال الإمام الصادق عليه السلام ( الكافي : 3 / 342 ) : ( من سبح الله في دبر الفريضة تسبيح فاطمة الزهراء عليه السلام مائة مرة ، وأتبعها بلا إله إلا الله ، غفر الله له ) .
وقال المحقق الحلي رحمه الله في المعتبر / 248 : ( عن أبي جعفر عليه السلام قال : ما عبد الله بشئ أفضل من تسبيح الزهراء عليها السلام ولو كان شئ أفضل منه لنحله رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام وكان يقول : تسبيح فاطمة عليها السلام في كل يوم دبر كل صلاة أحب إلي من صلاة ألف ركعة في كل يوم ) . والحمد لله أن المصلين الشيعة يهتمون بهذا التسبيح !

  • *

غضب فاطمة عليها السلام على أبي بكر

1 . قال البخاري ( 8 / 3 ) : ( عن عائشة أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكريلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وهما حينئذ يطلبان أرضيهما من فدك وسهمهما من خيبر فقال لهما أبو بكر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لا نورث ، ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال ! والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله يصنعه فيه إلا صنعته . قال : فهجرته فاطمة عليها السلام ، فلم تكلمه حتى ماتت ) .
2 . قال البخاري ( 4 / 42 ) : ( عروة بن الزبيرعن عائشة : فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ! وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ستة أشهر ) .
3 . قال البخاري ( 5 / 82 ) : ( عن عائشة : إن فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وآله أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : لا نورث ، ما تركنا صدقة ، إنما يأكل آل محمد في هذا
--------------------------- 158 ---------------------------
المال ، وإني والله لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله .
فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته ، فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وآله ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها عليٌّ ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلى عليها ) .
4 . قال البخاري ( 5 / 25 و 209 ) : ( عن عائشة : فقال أبو بكر : سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : لا نورث . ما تركنا صدقة ، إنما يأكل آل محمد في هذا المال . والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله أحب إلى أن أصل من قرابتي ) .
5 . قال البخاري ( 4 / 209 ) : ( باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله ومنقبة فاطمة عليها السلام بنت النبي ، وقال النبي صلى الله عليه وآله : فاطمة سيدة نساء أهل الجنة . وفيه : فتكلم أبو بكر فقال : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله أحب إليَّ أن أصل من قرابتي . قال : أرقبوا محمداً صلى الله عليه وآله في أهل بيته . . إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : فاطمة بضعة مني ، فمن أغضبها أغضبني ) .
ملاحظات
1 . حرص البخاري على القول إن خلاف فاطمة عليها السلام مع أبي بكر خلاف مالي على إرثها من أبيها وعلى مزرعة فدك ، التي كان أعطاها إياها رسول الله صلى الله عليه وآله وصادرها أبو بكر ! لكن كيف نصدق ذلك وفاطمة عليها السلام بنص النبي صلى الله عليه وآله لا تغضب لنفسها أبداً ، وغضبها إنما هو غضب الله تعالى ورضاها رضاه !
وكيف نصدق ذلك ، وقد أخبرها النبي صلى الله عليه وآله أنها ستلحق به سريعاً !
وكيف نصدق ذلك ، وقد قالت الكثير في أبي بكر وعمر ، في خطبتها القاصمة في المسجد ومما قالت : ( حتى إذا اختار الله لنبيه صلى الله عليه وآله دار أنبيائه ، ظهرت حسيكة النفاق ، وسمل جلباب الدين ، ونطق كاظم الغاوين ، ونبغ خامل الآفلين ، وهدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم ، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم ، فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللغرة
--------------------------- 159 ---------------------------
فيه ملاحظين ، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً وأحمشكم فألفاكم غضاباً ، فوسمتم غير إبلكم ووردتم غير شربكم . هذا ، والعهد قريب ، والكلْم رحيب ، والجرح لما يندمل ، والرسول لما يقبر ، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة ! ألا في الفتنة سقطوا : وإنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ . فهيهات منكم ، وكيف بكم ، وأنى تؤفكون ! وكتاب الله بين أظهركم أموره ظاهرة ، وأحكامه زاهرة ، وأعلامه باهرة ، وزواجره لائحة ، وأوامره واضحة ، وقد خلفتموه وراء ظهوركم !
ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوة ومهبط الوحي الأمين ، والطبين بأمر الدنيا والدين ، ألا ذلك هو الخسران المبين ! والله لوتكافُّوا عن زمام نبذه رسول الله صلى الله عليه وآله لاعتلقه ، ولسار بهم سيراً سُجحاً ، لا يُكلم خشاشه ، ولا يُتعتع راكبه ، ولأوردهم منهلاً نميراً فضفاضاً تطفح ضفتاه ، ولأصدرهم بطاناً قد تخيَّر لهم الريَّ ، غير متحل منه بطائل إلا بغمر الماء ، وردعة سورة الساغب ، ولفتحت عليهم بركات السماء والأرض ، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون !
أما لعمري والله لقد لقحت ، فنظرةً ريثما تنتجوا ، ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً وزعافاً ممقراً ، هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون غِبَّ ما أسس الأولون ) . ( بلاغات النساء / 13 ، والاحتجاج : 1 / 131 ، وأمالي الطوسي / 374 ) .
2 . حصر البخاري روايات الموضوع بعائشة ومخرمة الذي كان عمره يومها أقل من ثمان سنين ! ولم يرو البخاري جواب الزهراء عليها السلام لأبي بكر ، ولا روى كلامه ولا أمره بمهاجمة بيتها ، ثم إعلانه أنه لا يجبر علياً على بيعته ما دامت فاطمة إلى جنبه ، ثم أمره بمهاجمة بيتها مرة ثانية . . الخ .
لم يرو البخاري شيئاً من ذلك ، لأن غرضه تغييب الحقيقة !
كما أن عائشة قالت إن علياً عليه السلام بايع أيام السقيفة بعد زيارة أبي بكر لهم ، وقالت إنه لم يبايع إلا بعد وفاة فاطمة عليها السلام ! وهذا يعني اضطرابها في الدفاع عن أبيها !
--------------------------- 160 ---------------------------
4 . كتبنا في السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام خلاصة ما جرى تلك الأيام ، ونورد هنذا رواية ابن قتيبة وهو من أتباع السلطة ، لتعرف مدى تزوير البخاري !
قال في كتابه الإمامة والسياسة ( 1 / 30 ) : ( إن أبا بكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها ! فقيل له : يا أبا حفص إن فيها فاطمة ! فقال : وإنْ ! فخرجوا فبايعوا إلا علياً ، فوقفت فاطمة على بابها فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضراً منكم ! تركتم رسول الله جنازة بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ولم تروا لنا حقاً ! فأتى عمر أبابكرفقال له : ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة ؟ فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له : إذهب فادع لي علياً ، قال فذهب إلى علي فقال له : ما حاجتك ؟ فقال : يدعوك خليفة رسول الله ، فقال علي : لسريع ما كذبتم على رسول الله ، لا أعلم لرسول الله خليفة غيري ! فرجع فأبلغ الرسالة قال : فبكى أبو بكر طويلاً . فقال عمرالثانية : لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة ، فقال أبو بكر لقنفذ : عد إليه فقل له : خليفة رسول الله يدعوك لتبايع ، فجاءه قنفد فأدى ما أمر به ، فرفع عليٌّ صوته فقال : سبحان الله ، لقد ادعى ما ليس له ! فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة فبكى أبو بكر طويلاً ! ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب ، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ! فلما سمع القوم صوتها وبكاءها ، انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع وأكبادهم تنفطر ! وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا علياً ، فمضوا به إلى أبي بكر فقالوا له : بايع ، فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذاً والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك ، قال : إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله ! قال عمر : أما عبد الله فنعم ، وأما أخو رسوله فلا ، وأبو بكر ساكت لا يتكلم ! فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك ، فقال : لا أكرهه على شئ ما كانت فاطمة إلى جنبه ، فلحق علي بقبر رسول الله يصيح ويبكي وينادي : ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي ! فقال عمر لأبي بكر : انطلق بنا
--------------------------- 161 ---------------------------
إلى فاطمة ، فإنا قد أغضبناها فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما ، فأتيا علياً فكلماه فأدخلهما عليها ، فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط ، فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام ! فتكلم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله ! والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي ، ولوددت يوم مات أبوك أني متُّ ولا أبقى بعده ، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله ، إلا أني سمعت أباك رسول الله يقول : لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة ! فقالت : أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله تعرفانه وتفعلان به ؟ قالا : نعم ! فقالت : نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ؟ قالا : نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله !
قالت : فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه ! فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها !
ثم خرج باكياً فاجتمع إليه الناس فقال لهم : يبيت كل رجل منكم معانقاً حليلته مسروراً بأهله ، وتركتموني وما أنا فيه ! لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي ! قالوا : يا خليفة رسول الله إن هذا الأمرلايستقيم ، وأنت أعلمنا بذلك ، إنه إن كان هذا لم يقم لله دين . فقال : والله لولا ذلك وما أخافه من رخاوة هذه العروة ما بت ليلة ولي في عنق مسلم بيعة ، بعدما سمعت ورأيت من فاطمة ! قال : فلم يبايع علي كرم الله وجهه حتى ماتت فاطمة ، ولم تمكث بعد أبيها إلا خمساً وسبعين ليلة ) !
أما روايات أهل البيت عليهم السلام لهجوم القوم على بيت علي وفاطمة عليهما السلام ، فهي متعددة منها ما رواه سُليم بن قيس الهلالي العامري المتوفى 76 هجرية ، في كتابه المعروف : كتاب سُلَيْم / 147 ، قال : ( وقال عمر لأبي بكر : أرسل إلى علي فليبايع ، فإنا لسنا في شئ حتى يبايع ولو قد بايع
--------------------------- 162 ---------------------------
أمناه . فأرسل إليه أبو بكر : أجب خليفة رسول الله ، فأتاه الرسول فقال له ذلك . فقال له علي : سبحان الله ما أسرع ما كذبتم على رسول الله ، إنه ليعلم ويعلم الذين حوله أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري ! وذهب الرسول فأخبره بما قال له . قال : إذهب فقل له : أجب أمير المؤمنين أبا بكر ، فأتاه فأخبره بما قال ، فقال له علي : سبحان الله ما والله طال العهد فينسى ! فوالله إنه ليعلم أن هذا الاسم لا يصلح إلا لي ، ولقد أمره رسول الله وهو سابع سبعة فسلموا علي بإمرة المؤمنين ! فاستفهم هو وصاحبه عمر من بين السبعة فقالا : أحقٌّ من الله ورسوله ؟ فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله : نعم ، حقاً حقاً من الله ورسوله ، إنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجلين ، يقعده الله عز وجل يوم القيامة على الصراط فيدخل أوليائه الجنة وأعداءه النار ! فانطلق الرسول فأخبره بما قال . قال : فسكتوا عنه يومهم ذلك ! فلما كان الليل حمل علي فاطمة على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين فلم يدع أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أتاه في منزله ، فناشدهم الله حقه ودعاهم إلى نصرته ، فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة ، فإنا حلقنا رؤوسنا وبذلنا له نصرتنا . . الخ ) .

مع أبيها صلى الله عليه وآله في مرض وفاته

قال البخاري ( 7 / 141 و : 5 / 138 ) : ( عن مسروق قال : حدثتني عائشة أم المؤمنين قالت : إنا كنا أزواج النبي صلى الله عليه وآله عنده جميعاً لم تغادر منا واحدة ، فأقبلت فاطمة تمشي لا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وآله فلما رآها رحب قال : مرحباً بابنتي ، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ، ثم سارَّها ، فبكت بكاء شديداً ، فلما رأى حزنها سارَّها الثانية ، فإذا هي تضحك ! فقلت لها أنا من بين نسائه : خصك رسول الله صلى الله عليه وآله بالسر من بيننا ، ثم أنت تبكين ! فلما قام رسول الله صلى الله عليه وآله سألتها : عما سارَّك ؟ قالت : ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وآله سره . فلما توفي قلت لها : عزمت عليك بمالي عليك من الحق ، لما أخبرتني ! قالت : أما الآن فنعم ، فأخبرتني قالت : أما حين سارني في الأمر الأول ، فإنه أخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة ، وأنه قد عارضني به العام مرتين ، ولا أرى ذلك
--------------------------- 163 ---------------------------
إلا أجلي قد اقترب ، فاتقي الله واصبري ، فإني نعم السلف أنا لك . قالت : فبكيت بكائي الذي رأيت ، فلما رأى جزعي سارني الثانية قال : يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة ) . وفي رواية البخاري ( 4 / 210 ) : ( فأخبرني أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت ، ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته أتْبَعُه ، فضحكت ) .
وفي رواية ( 4 / 183 ) : ( فقلت : ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن ! فسألتها عما قال فقالت : ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قبض النبي صلى الله عليه وآله فسألتها فقالت : أسر إليَّ أن جبريل كان يعارضني . . ولا أراه إلا حضر أجلي ، وإنك أول أهل بيتي لحاقاً بي فبكيت ، فقال : أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين ، فضحكت لذلك ) .
ملاحظات
1 . قولها عليها السلام لعائشة : ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وآله ، فيه تعريض بعائشة التي أفشت سر النبي صلى الله عليه وآله فنزل فيها قوله تعالى : وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِىَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ . ثم هددهما الله بقوله : إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَمَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) .
2 . قوله صلى الله عليه وآله لفاطمة عليها السلام : أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين . ورد عندنا أن النبي صلى الله عليه وآله قال : سيدة نساء العالمين ، وأن قوله تعالى لمريم عليها السلام : إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ . يعني نساء عالمها ، أما الزهراء عليها السلام فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين . وقوله صلى الله عليه وآله : سيدة نساء أهل الجنة يساوي ذلك ، لأنه يشمل النساء الأولين والآخرين .
--------------------------- 164 ---------------------------

من نعي فاطمة الزهرء عليها السلام لأبيها صلى الله عليه وآله

قال البخاري ( 5 / 144 ) : ( عن أنس رضي الله عنه قال : لما ثقل النبي صلى الله عليه وآله جعل يتغشاه فقالت فاطمة عليها السلام : واكرب أباه ! فقال لها : ليس على أبيك كرب بعد اليوم . فلما مات قالت : يا أبتاه . . أجاب رباً دعاه . . يا أبتاه . . من جنة الفردوس مأواه . . يا أبتاه . . إلى جبريل ننعاه . فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام : يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب ) !
وفي ذكرى الشيعة ( 2 / 57 ) : ( ويجوز النوح بالكلام الحسن ، وتعداد فضائله باعتماد الصدق ، لأن فاطمة عليها السلام فعلته في قولها :
يا أبتاه من ربه ما أدناه ، يا أبتاه إلى جبريل أنعاه ، يا أبتاه أجاب ربا دعاه . وروي أنها أخذت قبضة من تراب قبره صلى الله عليه وآله فوضعتها على عينيها ، وأنشدت :
ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صُبَّت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام عدن لياليا ) .

روايتهم : لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها !

قال البخاري ( 4 / 151 و : 5 / 97 ، و 8 / 16 ) : ( عن عروة بن الزبير : أن امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة الفتح ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه ، قال عروة : فلما كلمه أسامة فيها تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : أتكلمني في حد من حدود الله ! قال أسامة : أستغفر لي يا رسول الله . فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وآله خطيباً فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، والذي نفس محمد بيده ، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) !
--------------------------- 165 ---------------------------
ملاحظة
كرر البخاري هذا الحديث مرات ، وظاهره حرص النبي صلى الله عليه وآله على إجراء العدالة ، والنهي عن الشفاعة في الحد ! وأفاض فيه المؤلفون والخطباء ! وظاهره أن النبي صلى الله عليه وآله مثالٌ في العدالة ، وأن فاطمة عليها السلام أعز أهله عليه .
لكنه مدح يستبطن الذم ويحكم باحتمال صدور السرقة من فاطمة عليها السلام ، وهو ما يريده الذي وضع الحديث وهو عروة أو الزهري أو آخر !
فالمسلم يسأل : أليس الله أذهب الرجس عن فاطمة وطهرها تطهيراً ، فكيف تفرض فيها إمكان أن تسرق ، وتستحق الحد الشرعي ؟ ! وهل يصح أن يقول الله تعالى : لو أن نبيي سرق لوجب عليه الحد ! إن ضرب مثل المعصية بمعصوم ، هو تنقيص من مقامه في أعين الناس . لذلك لا يمكن قبول أن النبي صلى الله عليه وآله ضرب مثلاً بفاطمة ، وقد يكون ضربه بغيرها ثم جعلوه فاطمة عليها السلام !
ويأتيك متنطع لا يقبله لعائشة مثلاً ويقبله لفاطمة عليها السلام ، كما لم يقبلوا عبس وتولى لعثمان ، وقبلوها للنبي صلى الله عليه وآله ، وهذا من مرضهم !

مسائل تكشف نُخبط البخاري في السيرة !

المسألة الأولى :
اتفق المؤرخون والمحدثون على أن النبي صلى الله عليه وآله بقي ثلاث سنين لم يدع الناس عامة إلى الإسلام ، فقد بُعث أولاً إلى بني هاشم خاصة ، فجمعهم لحمايته من قريش ، ولم يدعُ الناس حتى أمره الله إلا بعد ثلاث سنوات .
قال ابن هشام ( 1 / 169 ) : « وكان بين ما أخفى رسول الله صلى الله عليه وآله أمره واستتر به إلى أن أمره الله تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين فيما بلغني من مبعثه ، ثم قال الله تعالى له : فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ ، إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ » ونحوه سيرة ابن إسحاق ( 2 / 126 ) والاستيعاب لابن عبد البر ( 1 / 34 ) ، وعامة المصادر .
--------------------------- 166 ---------------------------
ونورد فيما يلي رواية إسلام أبي ذر ، تصور الظروف المحيطة بالنبي صلى الله عليه وآله في هذه المرحلة ، فعن الإمام الصادق عليه السلام ، قال ( الكافي : 8 / 297 ، وأمالي الصدوق / 567 ) : ( إن أبا ذر كان في بطن مُرّ ( واد قرب مكة ) يرعى غنماً له ، فأتى ذئب عن يمين غنمه فهش بعصاه على الذئب ، فجاء الذئب عن شماله فهش عليه أبو ذر ، ثم قال له أبو ذر : ما رأيت ذئباً أخبث منك ولا شراً ! فقال له الذئب : شرٌّ والله مني أهل مكة بعث الله عز وجل إليهم نبياً فكذبوه وشتموه ! فوقع في أذن أبي ذر ! فقال لامرأته : هلمي مِزودي وأداتي وعصاي ، ثم خرج على رجليه يريد مكة ليعلم خبر الذئب وما أتاه به !
حتى بلغ مكة فدخلها في ساعة حارة وقد تعب ونصب ، فأتى زمزم وقد عطش فاغترف دلواً فخرج لبن ! فقال في نفسه : هذا والله يدلني على أن ما خبرني الذئب وما جئت له حق ، فشرب وجاء إلى جانب من جوانب المسجد ، فإذا حلقة من قريش فجلس إليهم فرآهم يشتمون النبي صلى الله عليه وآله كما قال الذئب ! فما زالوا في ذلك من ذكر النبي والشتم له حتى جاء أبو طالب من آخر النهار ، فلما رأوه قال بعضهم لبعض : كفُّوا فقد جاء عمه ! قال فكفوا فلما دنا منهم أكرموه وعظموه ، فلم يزل أبو طالب متكلمهم وخطيبهم إلى أن تفرقوا . فلما قام أبو طالب تبعته فالتفت إلي فقال : ما حاجتك ؟ فقلت : هذا النبي المبعوث فيكم . قال : وما حاجتك إليه ؟ فقال له أبو ذر : أؤمن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشئ إلا أطعته . فقال أبو طالب : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؟ قال فقلت : نعم ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . فقال قال : وتفعل ؟ قلت : نعم قال : فتعال غداً في هذا الوقت إليَّ حتى أدفعك إليه ، قال : بتُّ تلك الليلة في المسجد حتى إذا كان الغد جلست معهم ، فما زالوا في ذكر النبي صلى الله عليه وآله وشتمه حتى إذا طلع أبو طالب ، فلما رأوه قال بعضهم لبعض : أمسكوا فقد جاء عمه ! فأمسكوا ، فلما قام أبو طالب تبعته فالتفت إلي فقال : ما حاجتك ؟ ( فأعاد عليه ما قاله ) فقال : قم معي فتبعته فدفعني إلى بيت فيه حمزة فسلمت عليه وجلست ، فقال لي : ما حاجتك ؟ فقلت : هذا النبي المبعوث فيكم ؟ فقال : وما حاجتك إليه ؟ قلت : أؤمن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشئ إلا أطعته . فقال : تشهد أن لا إله إلا الله
--------------------------- 167 ---------------------------
وأن محمداً رسول الله ؟ قال : فشهدت قال : فدفعني حمزة إلى بيت فيه جعفر فسلمت عليه وجلست فقال لي جعفر : ما حاجتك ؟ فقلت : هذا النبي المبعوث فيكم قال : وما حاجتك إليه ؟ فقلت : أو من به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولايأمرني بشئ إلا أطعته فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ؟ قال فشهدت فدفعني إلى بيت فيه علي سلمت وجلست فقال : ما حاجتك ؟ فقلت : هذا النبي المبعوث فيكم ؟ قال : وما حاجتك إليه ؟ قلت : أؤمن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشئ إلا أطعته ، فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؟ قال : فشهدت فدفعني إلى بيت فيه رسول الله فسلمت وجلست فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : ما حاجتك ؟ قلت : النبي المبعوث فيكم ؟ قال : وما حاجتك إليه ؟ قلت : أؤمن به وأصدقه ولا يأمرني بشئ إلا أطعته ، فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؟ فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أبا ذر انطلق إلى بلادك ، فإنك تجد ابن عم لك قد مات وليس له وارث غيرك ، فخذ ماله وأقم عند أهلك حتى يظهر أمرنا ! قال : فرجع أبو ذر فأخذ المال وأقام عند أهله حتى ظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ) .
أقول : هذه ظروف حياة النبي صلى الله عليه وآله التي نزل فيهاقوله تعالى : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، وبقيت هكذا حتى نزل قوله تعالى : فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ ، إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِين . وكان ذلك في أول السنة الرابعة .
فلا تصح رواية البخاري وغيره بأنه لما نزلت الآية صعد على الصفا ونادى في قبائل قريش ، وليس معه بنو هاشم يحمونه ! كما لا يصح أيضاً لأن فاطمة عليه السلام لم تكن مولودة يومها . ولا يصح أيضاً ، لأن العباس عمه لم يكن يومها مسلماً .
فهو من كذبات أبي هريرة ، الذي قال عنه علي عليه السلام إنه أكذب الأحياء على رسول الله صلى الله عليه وآله والزهري مثل أبي هريرة ، فقد قال له زين العابدين عليه السلام : ( وأما أنت يا زهري ، فلوكنت بمكة لأريتك كيرأبيك ! ) . ( شرح النهج : 4 / 102 ، والغارات : 2 / 577 ) .
--------------------------- 168 ---------------------------
أي أريتك منفخ الحداد الذي كان يستعمله أبوك ! وجده كان يهودياً حداداً ، وهو الذي اتفق مع أربعة على قتل النبي صلى الله عليه وآله وضربه في أحُد بحجر في وجهه !
المسألة الثانية :
كانت علاقة النبي صلى الله عليه وآله بعشيرته متينة من أصلها ، ولما تكاثر طلقاء قريش في المدينة بعد فتح مكةأخذوا يقولون إنهم يقبلون النبي صلى الله عليه وآله ولا يقبلون بني عبد المطلب ، وإنه فيهم كالنخلة نبتت في كبا ، أي مزبلة !
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله فغضب غضباً شديداً ، وصعد المنبر وتحداهم في أنسابهم وأحسابهم ، واشتهرت القضية ، فعقد الهيثمي باباً بعدة صفحات ( 8 / 214 ) بعنوان : باب في كرامة أصله صلى الله عليه وآله ! وقد بحثناها في كتاب ألف سؤال .
وروى في الزوائد ( 9 / 170 ) : ( أتاه العباس فقال : يا رسول الله إني انتهيت إلى قوم يتحدثون ، فلما رأوني سكتوا ، وما ذاك إلا لأنهم يبغضونا ! فقال رسول الله ( ص ) : أوَقد فعلوها ! والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدهم حتى يحبكم ، أيرجون أن يدخلوا الجنة بشفاعتي ، ولا يرجوها بنوعبدالمطلب ) !
وفي الزوائد ( 9 / 258 ) : ( جلس على المنبر ساعة وقال : أيها الناس مالي أوذى في أهلي ! فوالله إن شفاعتي لتنال حي حا وحكم وصدا وسلهب ، يوم القيامة ) ! وقال الهيثمي : ( رواه أبو يعلى ، ورجاله رجال الصحيح ) ولذلك فرواياتهم التي تقول إن شفاعتي لاتنفع عترتي ولا بني هاشم ولا أبا طالب ، مكذوبة لإبعاد عترته عن خلافته صلى الله عليه وآله .
المسألة الثالثة :
أخفى البخاري حديث الدار المعروف وأن النبي صلى الله عليه وآله دعا عشيرته وأنذرهم ! وهو الأمرالطبيعي ، وبدائله التي ذكرها البخاري تبدو عليها الصنعة والوضع !
قال السيوطي في الدر المنثور ( 5 / 97 ) : ( وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي في الدلائل ، من طرق ، عن علي رضي الله عنه قال :
--------------------------- 169 ---------------------------
لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، فضقت بذلك ذرعاً ، وعرفت أني مهما أبادؤهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فصمتُّ عليها حتى جاء جبريل فقال : يا محمد إنك إن لم تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك ، فاصنع لي صاعاً من طعام ، واجعل عليه رجل شاة ، واجعل لنا عساً من لبن ، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغ ما أمرت به ( وهم يومئذ أربعون رجلاً ) ففعلت ما أمرني به ، ثم دعوتهم له ، وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب ، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به ، فلما وضعته تناول النبي صلى الله عليه وآله بضعة من اللحم فشقها بأسنانه ، ثم ألقاها في نواحي الصحفة ، ثم قال : كلوا بسم الله ، فأكل القوم حتى نهلوا عنه ، ما ترى إلا آثار أصابعهم ! والله إن كان الرجل الواحد ليأكل ما قدمت لجميعهم !
ثم قال : إسق القوم يا علي ، فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعاً ! وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله ! فلما أراد النبي صلى الله عليه وآله أن يكلمهم بَدَرَه أبو لهب إلى الكلام فقال : لقد سحركم صاحبكم ! فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي صلى الله عليه وآله ! فلما كان الغد قال : يا علي إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول ، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم ، فعد لنا بمثل الذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب ثم اجمعهم لي ، ففعلت ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته ، ففعل كما فعل بالأمس ، فأكلوا وشربوا حتى نهلوا ، ثم تكلم النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم أحداً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيكم يوازرني على أمري هذا ؟ فقلت وأنا أحدثهم سناًّ : إنه أنا ، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيع ) .
وقد حذف السيوطي منها ما أثبته الطبري وهو : فأيكم يوازرني على هذا الأمر ، على أن يكون أخي ، ووصيي ، وخليفتي فيكم ؟
--------------------------- 170 ---------------------------
ورواها البلاذري ، وجاء في روايته ( 1 / 118 ) : ( لما نزلت على النبي : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، اشتد ذلك عليه وضاق به ذرعاً ، فمكث شهراً أو نحوه جالساً في بيته حتى ظن عماته أنه شاكٍ ، فدخلن عليه عائدات ، فقال : ما اشتكيت شيئاً ، ولكن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، فأردت جمع بني عبد المطلب لأدعوهم إلى الله . قلن : فادعوهم ، ولا تجعل عبد العزى فيهم يعنين أبا لهب ، فإنه غير مجيبك إلى ما تدعوه إليه ، وخرجن من عنده ، وهن يقلن : إنما نحن نساء ، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله بعث إلى بني عبد المطلب .
فحضروا ومعهم عدة من بني عبد مناف ، وجميعهم خمسة وأربعون رجلاً ، وسارع إليه أبو لهب ، وهو يظن أنه يريد أن ينزع عما يكرهون إلى ما يحبون . فلما اجتمعوا ، قال أبو لهب : هؤلاء عمومتك وبنو عمك ، فتكلم لما تريد ، ودع الصلاة ، واعلم أنه ليست لقومك بالعرب قاطبة طاقة ، فما رأيت يا بن أخي أحداً قط جاء بني أبيه بشر مما جئتهم به !
وأسكت رسول الله فلم يتكلم في ذلك المجلس ، ومكث أياماً ، وكبر عليه كلام أبي لهب ، فنزل جبريل فأمره بإمضاء ما أمره الله به وشجعه عليه فجمعهم رسول الله صلى الله عليه وآله ثانية فقال : الحمد للَّه أحمده ، وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ثم قال : إن الرائد لا يكذب أهله ، والله لوكذبت الناس جميعاً ما كذبتكم ، ولو غررت الناس ما غررتكم ، والله الذي لا إله إلا هو ، إني لرسول الله إليكم خاصة وإلى الناس كافة . والله لتموتن كما تنامون ، ولتبعثن كما تستيقظون ، ولتحاسبن بما تعملون ، ولتجزون بالإحسان إحساناً وبالسوء سوءً ، وإنها للجنة أبداً والنار أبداً ، وأنتم لأول من أنذر !
فقال أبو طالب : ما أحب إلينا معاونتك ومرافدتك وأقبلنا لنصيحتك ، وأشد تصديقنا لحديثك وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون ، وإنما أنا أحدهم غير أني والله أسرعهم إلى ما تحب ، فامض لما أمرت به ، فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك ، غير أني لا أجد نفسي تطوع لي فراق دين عبد المطلب حتى أموت على ما مات عليه ، وتكلم القوم كلاماً لينا ، غير أبي لهب فإنه قال : يا بني عبد المطلب ، هذه والله السوءة ، خذوا على يديه قبل أن يأخذ على يده غيركم !
--------------------------- 171 ---------------------------
فإن أسلمتوه حينئذ ذللتم ، وإن منعتموه قتلتم ! فقال أبو طالب : والله ، لنمنعه ما بقينا ) .
قال الأميني في الغدير ( 1 / 207 ) : ( نذكر لفظ الطبري بنصه حتى يتبين الرشد من الغي ! قال في تاريخه ( 2 / 217 ) من الطبعة الأولى : ( إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه ، فأيكم يوازرني على هذا الأمرعلى أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟ قال : فأحجم القوم عنها جميعاً ، وقلت وإني لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ثم قال : إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا . قال : فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع ) .
وقال الأميني ( 2 / 279 ) : ( أخرجه أبو جعفر الإسكافي المتكلم المعتزلي البغدادي المتوفى 240 ، في كتابه نقض العثمانية وقال : إنه روي في الخبر الصحيح . لكن حرفوه لإرضاء قريش ، ورواه الطبري في تاريخه كاملاً وأبهمه في تفسيره فقال : ثم قال : إن هذا أخي ، وكذا وكذا ! وتبعه ابن كثير ( النهاية : 3 / 40 ، والتفسير ( 3 / 351 ) !
أقول : لابد أن البخاري كان يحفظ هذا الحديث في المئة ألف الصحيحة التي يحفظها لكنه لم يروه لأنا يخالف دين السلطة ، ولذلك وقع في تناقض فروى نشاط النبي صلى الله عليه وآله في الدعوة ، ولم يكن بدأ بها ، وروى شفاعته لأسرته ، ولم تكن مطروحة ، وروى قوله لفاطمة عليها السلام قبل ولادتها ، ومخاطبته لبعضهم قبل إسلامه !
المسألة الرابعة :
لم يعلن النبي صلى الله عليه وآله دعوته للناس حتى نزل عليه في أول السنة الرابعة قوله تعالى : فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ . وأخبره جبرئيل أنه قتل الفراعنة الستة من قريش في يوم واحد وأمره أن يعلن ، فخرج صلى الله عليه وآله إلى حِجْر إسماعيل أولاً ، وبعدها صعد على الصفا ذات يوم . وقد وثقنا ذلك في السيرة النبوية . وأن آية إنذار العشيرة نزلت في أوائل السنوات الثلاث من بعثته صلى الله عليه وآله ويوماقال أبو لهب : ( تباً لك سائر اليوم ، ألهذا جمعتنا !
--------------------------- 172 ---------------------------
فنزلت : تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ . مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ) ) . وسورة تبت السادسة برواية ابن عباس . ( مجمع البيان : 10 / 211 ) .
فإن قلت : آية إنذار العشيرة في سورة الشعراء ، وترتيبها في رواية ابن عباس المتقدم إليها نحو أربعين ، فكيف تكون نزلت قبلها ؟ وجوابه : أن لا اعتبار بروايات تسلسل السور ، إلا ما كان معه دليل ، والدليل هنا الرواية الصحيحة المتقدمة .
المسألة الخامسة :
نص المفسرون على أن سورة الشعراء مكية إلا الآيات الأربعة الأخيرة التي فيها ذكر الشعراء ، فهي مدنية ، وكانت تسمى هي والقصص والنمل الطواسين ، فلما أمر النبي صلى الله عليه وآله أن توضع فيها آيات الشعراء سميت بها .
المسألة السادسة :
أن البخاري غيب الصحيح عن عمد وقصد ! وخلط مهمة إنذار الأقربين وإنذار الناس ، الذي بدأ أول السنة الرابعة . وقد ذكرنا غضب النبي صلى الله عليه وآله على طعنهم في أسرته وأنه تحداهم أن يسألوه عن آبائهم ! وأن عمر وقع على قدميه يقبلهما !

  • *
    --------------------------- 173 ---------------------------

الفصل الثامن : أحاديث أفلتت من البخاري

طمس البخاري الصحاح في أهل البيت عليهم السلام وأفلت منه بعضها

اضطر البخاري أن يروي عن عدد من الشيعة على كره منه ! وترجم العلماء لعشرات الرواة الشيعة ، الذين روى عنهم البخاري ومسلم ، واحتجا بهم .
وقد حرص البخاري أن يطمس الفضائل الأساسية لأهل البيت عليه السلام كحديث الدار ، وحديث المبيت على الفراش ، وحديث الغدير ، وحديث الكساء ، وحديث الثقلين ، وحديث المودة في القربى ، وحديث قتال علي عليه السلام على تأويل القرآن ، للناكثين والقاسطين والمارقين ، وحديث المهدي عليه السلام . . الخ .
فقد أفلت منه عدد منها ، بعضه في صحيحه ، وبعضه في بقية كتبه ، وقد عبرنا عن هذه الأحاديث بأنها أفلتت ، لأنها بمقتضى منهج البخاري يجب أن يحذفها ويخفيها ، ولوأعاد النظر فيها لحذفها ، لأنها تتنافى مع منهج كتابه في تقديس الشيخين وبنتيهما ، وإخفاء فضائل غيرهم !

أفلت من البخاري حديث كخ كخ !

أجمع المسلمون على أن الله تعالى شرع لآل محمَّد صلى الله عليه وآله مالية خاصة في ميزانية الدولة الإسلامية هي الخمس وسهم ذوي القربى ، وحرم عليهم الصدقات . وروى البخاري ذلك ، وسمى الصدقات لهم كخ كخ ، أما لأزواج النبي صلى الله عليه وآله فليست كخاً ! وقد اتفق على ذلك
--------------------------- 174 ---------------------------
فقهاء المذاهب ، ولم ينتبهوا إلى خطورة دلالته على أئمتهم ! ولو انتبه البخاري لأخفاه في مئات وألوف ما أخفاه !
وزعم مخالفونا أن الخمس لأهل البيت عليهم السلام خمس غنائم الحرب فقط ، وهذا لا يصح لأنه حرم عليهم الصدقة إلى يوم القيامة والغنائم تنتهي ، فلو كان الخمس محصوراً فيها لما حرم عليهم الصدقات !
قال البخاري ( 2 / 135 ) : ( أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال النبي : كِخْ كِخْ ليطرحها ! ثم قال : أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة ) . ورواه أيضاً : 4 / 36 ، ومسلم : 3 / 117 ، والبيهقي : 7 / 29 ، وأحمد : 2 / 279 ، وفيه : فأدخل النبي صلى الله عليه وآله فانتزعها منه ثم قال : أما علمت أن الصدقة لا تحل لآل محمد ! والدارمي : 1 / 386 ، بعنوان : باب الصدقة لا تحل للنبي ولا لأهل بيته ، والزوائد : 1 / 284 ، عن أحمد والطبراني ، وغيرهم .
قال في فتح الباري ( 3 / 280 و : 2 / 133 ) : ( قوله : كخ كخ ، بفتح الكاف وكسرها كلمة تقال لردع الصبي عند تناوله ما يُستقذر . وفي رواية معمر : إن الصدقة لا تحل لآل محمد . قوله : باب الصدقة على موالي أزواج النبي : لم يترجم لأزواج النبي ولا لموالي النبي صلى الله عليه وآله لأنه لم يثبت عنده فيه شئ ، وقد نقل ابن بطال أنهن أي الأزواج لا يدخلن في ذلك باتفاق الفقهاء ! وقد تقدم أن الأزواج ليسوا في ذلك من جملة الآل فمواليهم أحرى بذلك . قال ابن المنير : إنما أورد البخاري هذه الترجمة ليحقق أن الأزواج لا يدخل مواليهن في الخلاف ولا يحرم عليهن الصدقة ، قولاً واحداً ) !
يعني : أن الصدقات ليست على حراماً على أزواج النبي صلى الله عليه وآله وليست كخاًكخاً !
ونلاحظ أن أتباع مذاهب السلطة يقرون بهذا الحق نظرياً وينسونه عملياً ، ثم يشرك بعضهم في الخمس نساء النبي صلى الله عليه وآله كما أشركهن في المودة والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله !
وقال البخاري ( 2 / 133 ) : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله يؤتى بالتمر عند صرام النخل فيجئ هذا بتمره وهذا من تمره حتى يصير عنده كوماً من تمر ، فجعل الحسن والحسين يلعبان بذلك التمر ، فأخذ أحدهما تمرة فجعله في فيه فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله فأخرجهامن فيه فقال : أما علمت أن آل محمَّد لا يأكلون الصدقة ) !
--------------------------- 175 ---------------------------

أفلت من البخاري حديث جعله النبي صلى الله عليه وآله قنبلة مغلفة !

لو فهم البخاري معنى هذا الحديث لما رواه ، قال ( 4 / 67 ) : ( عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : خطبنا علي فقال : ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله ، وما في هذه الصحيفة ؟ فقال : فيها الجراحات وأسنان الإبل ، والمدينة حرم ما بين عير إلى كذا ، فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى فيها محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل . ومن تولى غير مواليه فعليه مثل ذلك ! وذمة المسلمين واحدة ، فمن أخفر مسلماً فعليه مثل ذلك ) !
وروى البخاري ( 8 / 12 ) عن سعد قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ، فذكرته لأبي بكرة فقال : وأنا سمعته أذناي ووعاه قلبي من رسول الله ) .
ملاحظة
أوصى النبي صلى الله عليه وآله أمته في حجة الوداع بأهل بيته عليهم السلام ، ولعن من ادعى لغير أبيه ، أو تولى غير مواليه ، أو لم يعط الأجرة لنبيه صلى الله عليه وآله !
فقد روى ابن ماجة ( 2 / 905 ) أنه صلى الله عليه وآله خطبهم في حجة الوداع على راحلته فقال : « ومن ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل » والترمذي ( 2 / 293 ) وأحمد ( 4 / 239 ) والدارمي ( 2 / 244 و 344 ) وتقدمت رواية البخاري ( 2 / 221 ، و : 4 / 67 ) .
واستعمل النبي صلى الله عليه وآله هذا الأسلوب الكنائي متعمداً إبهامه ليصل إلى الأجيال ولاتطمسه قريش ! وكتبه النبي صلى الله عليه وآله في صحيفة صغيرة وعلقها في ذؤابة سيفه الذي ورَّثه لعلي عليه السلام ! كما روى البخاري ( 4 / 67 ) ومسلم ( 4 / 115 ) والترمذي ( 3 / 297 ) وفي تلك الصحيفة : لعن من تولى غير مواليه ! ويقصد من تولى غيره وغير علي عليه السلام لأنهما الأبوان المعنويان لهذه الأمة ! ولو عرف البخاري معناه لمزقه !
ويدل على أن معناه ذكرنا أن عقوبة اللعن والتخليد في النار لا يستحقها الولد الذي يهرب
--------------------------- 176 ---------------------------
من أبيه وينتسب إلى آخر ، ثم يتوب ! بينما هذا يخلد في النار ولا يقبل منه صرف أي توبة ، ولا عدل ، أي فدية ! وهذه عقوبة العناد والتكبر والردة ، والخروج من الملة ، لاعقوبة ولد يقول أبي فلان ثم يتوب !
ويؤيد ما قلناه رواية أحمد ( 4 / 186 ) أن النبي صلى الله عليه وآله أطلق هذه اللعنة لما ذكر أهل بيته عليهم السلام وحقهم في المودة والخمس ، قال : « خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وهو على ناقته فقال : ألا إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي ، وأخذ وبرة من كاهل ناقته ، فقال : ولا ما يساوي هذه أو ما يزن هذه . لعن الله من ادعى إلى غير أبيه ، أو تولى غير مواليه » !
وقد نصت مصادرنا على أن النبي صلى الله عليه وآله فسره في مرض وفاته ، فقد أمر علياً عليه السلام أن يصعد المنبر قال له : « يا علي انطلق حتى تأتي مسجدي ثم تصعد منبري ، ثم تدعو الناس إليك ، فتحمد الله تعالى وتثني عليه وتصلي عليَّ صلاة كثيرة ، ثم تقول : أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم وهو يقول لكم : إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه ، أو ادعى إلى غير مواليه ، أو ظلم أجيراً أجره ! فأتيت مسجده وصعدت منبره ، فلما رأتني قريش ومن كان في المسجد أقبلوا نحوي فحمدت الله وأثنيت عليه ، وصليت على رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة كثيرة ثم قلت : أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم وهو يقول لكم : ألا إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي ، على من انتمى إلى غير أبيه ، أو ادعى إلى غير مواليه ، أو ظلم أجيراً أجره . قال : فلم يتكلم أحد من القوم إلا عمر بن الخطاب فإنه قال : قد أبلغت يا أبا الحسن ولكنك جئت بكلام غير مفسر !
فقلت : أُبْلِغُ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وآله فأخبرته الخبر فقال : إرجع إلى مسجدي حتى تصعد منبري فاحمد الله وأثن عليه وصل عليَّ ثم قل : أيها الناس ما كنا لنجيئكم بشئ إلا وعندنا تأويله وتفسيره . ألا وإني أنا أبوكم ، ألا وإني أنا مولاكم ، ألا وإني أنا أجيركم » ! ( أمالي المفيد / 353 ، والطوسي / 123 ) .
وفي معاني الأخبار / 118 : « قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : أنا وأنت أبوا هذه الأمة ، فلعن الله
--------------------------- 177 ---------------------------
من عقنا ! قل آمين ، فقلت : آمين » !
وهي أبوة معنوية كأبوة إبراهيم عليه السلام لأمتنا : مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ . . وهي أعلى رتبةً من الأبوة الحقيقية ، لأن النبي صلى الله عليه وآله مؤسس الأمة وعلي عليه السلام وزيره وعضده في جهاده ، وولي الأمة بعده . . ورواه الصدوق في أماليه بأسانيد / 65 و 411 و 755 .

فضح البخاري الصحابة بدون قصد فروى رزية يوم الخميس !

روى أن النبي صلى الله عليه وآله أمرهم أن يلتزموا له بعهده الذي سيكتبه لهم ، فرفضوا أن يكتبه واتهموه بأنه خرفان ، فطردهم ! قال البخاري ( 4 / 31 ) : ( عن ابن عباس أنه قال : يوم الخميس وما يوم الخميس ! ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء ، فقال : اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وجعه يوم الخميس فقال : إئتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : هجر رسول الله صلى الله عليه وآله قال : دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه ، وأوصى عند موته بثلاث : أخر جوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ونسيت الثالثة ) .
وقد بحثنا هذا الموضوع في السيرة بعنوان : انقلاب الأمة على نبيها صلى الله عليه وآله في حياته ! وقوله صلى الله عليه وآله : فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه ! لا تفسير له إلا أن القرشيين قرروا إن أصرعلى كتابة عهده أن يعلنوا الردة ! فكان اعترافهم به وبالقرآن ، خيراً من الردة !

صحَّحَ البخاري أن الصحابة في جهنم لا ينجو منهم إلا أفراد !

أعلن مالك ندمه على أنه روى في الموطأ أحاديث الحوض التي نصت على أن الصحابة يدخلون جهنم ولا ينجو منهم إلا أفراد قليلون !
ولم يصلنا ندم البخاري ! قال ( 7 / 207 ) : ( عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله قال ليردنَّ عليَّ ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول أصحابي ! فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك ! ليردن عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم . فأقول :
--------------------------- 178 ---------------------------
إنهم مني ! فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي ! إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى .
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : بينا أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلمَّ ! فقلت : أين ؟ قال : إلى النار والله قلت وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ! ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلمَّ ! قلت : أين ؟ قال : إلى النار والله . قلت : ما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ! فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم !
وفي رواية : إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم وسيؤخذ ناس من دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي ! فيقال : هل شعرت ما عملوا بعدك ، والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم ) !
إنها صورة رهيبة نزل بها جبريل الأمين عليه السلام ليبلغها النبي صلى الله عليه وآله إلى الأمة في حجة الوداع ! تخبر بكارثة على صحابته ، جزاءً لهم على الكارثة التي سينزلونها في أمته ! ولا ينجو منهم إلا مثل ( هَمَل النَّعم ) أي الغنم المنفردة عن القطيع ! ومعناه أن قطيع الصحابة في النار ، ولا يفلت إلا من خالف جمهورهم !
وهي حقيقةٌ مذهلةٌ ، تستوجب إعادة النظر في عقيدتنا في الصحابة ، وهي صعقةٌ للسني المسكين ، الذي تربى على حب كل الصحابة ، وخير القرون ، والجيل الفريد ورسم لهم من كلام أبوية ومحيطه الصورة المثالية ! فإذا به أمام صورة مخيفة لهم !

اعترف البخاري بتحريفهم صلاة النبي صلى الله عليه وآله ومحافظة علي عليه السلام عليها !

قال البخاري ( 1 / و 191 و 200 ) : ( عن مطرف بن عبد الله قال : صليت خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أنا وعمران بن حصين ، فكان إذا سجد كبر ، وإذا رفع رأسه كبر ، وإذا نهض من الركعتين كبر . فلما قضى الصلاة أخذ بيدي عمران بن حصين فقال : قد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وآله أو قال : لقد صلى بنا صلاةَ محمد عليه الصلاة والسلام ) .
--------------------------- 179 ---------------------------
أقول : تواترت الرواية عندنا أن القرشيين غيروا بعد النبي صلى الله عليه وآله حتى الصلاة ، فزادوا وأنقصوا ، وأن أهل البيت عليهم السلام تمسكوا بسنة النبي صلى الله عليه وآله حرفياً . ويكفي دليلاً على ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله أعاد مقام إبراهيم عليه السلام إلى مكانه فألصقه بالكعبة ، فاستدرك عمر على رسول الله صلى الله عليه وآله وأعاد المقام إلى موضعه في الجاهلية !

روى البخاري بشارة النبي صلى الله عليه وآله بالأئمة الاثني عشر عليهم السلام

قال البخاري ( 8 / 27 ) : ( جابر بن سمرة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : يكون اثنا عشر أميراً . فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنه قال : كلهم من قريش ) .
وقال في تاريخه الكبير ( 1 / 446 ) : ( سمعت جابر بن سمرة ، سمع النبي صلى الله عليه وآله : يكون بعدي اثنا عشر خليفة ) .
وقال في ( 8 / 411 ) : ( عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : لا يزال أمر أمتي صالحاً حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ) .
أقول : لا يمكن تفسير هذا الحديث إلا بالأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم السلام ، وقد فصلنا ذلك في رسالة : البشارة النبوية بالأئمة الاثني عشر عليهم السلام .

روى شهادة عمر بأن علياً عليه السلام أعلم الصحابة

قال البخاري ( 5 / 149 ) : ( عن ابن عباس قال قال عمر رضي الله عنه : أقرؤنا أُبَيّ ، وأقضانا عليٌّ ، وإنا لندع من قول أبيٍّ وذاك أن أبياً يقول لا أدع شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وقد قال الله تعالى : مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا ) .
قال ابن حجر في فتح الباري ( 8 / 127 ) : ( وأما قوله : وأقضانا عليٌّ ، فورد في حديث مرفوع أيضاً عن أنس رفعه : أقضى أمتي علي بن أبي طالب . أخرجه البغوي . وعن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن النبي صلى الله عليه وآله مرسلاً : أرحم أمتي بأمتي أبي بكر ، وأقضاهم عليٌّ . الحديث ، ورويناه موصولاً في فوائد أبي بكر محمد بن العباس بن نجيح من حديث
--------------------------- 180 ---------------------------
أبي سعيد الخدري مثله ، وروى البزار من حديث ابن مسعود قال : كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي رضي الله عنه ) .
أقول : من الواضح أنهم أضافوا : أرحم أمتي قبل أقضى أمتي ، لمصلحة أبي بكر ، وكأن ابن حجر تأسف لأنه مرسل ، أي غير صحيح !
وروى البخاري أعلمية علي عليه السلام صريحاً عن عائشة في تاريخه الكبير ( 3 / 228 ) قالت : ( أعلم الناس بالسنة علي بن أبي طالب ) .

روى البخاري تحديد أهل البيت بالمصطلح النبوي

قال البخاري في كنى تاريخه الكبير / 25 : ( عن أبي الحمراء قال : صحبت النبي صلى الله عليه وآله تسعة أشهر فكان إذا أصبح كل يوم يأتي باب علي وفاطمة فيقول : السلام عليكم أهل البيت : إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً ) .
أقول : يحتج بعضهم بأن أهل البيت تشمل كل بني هاشم والأزواج . والجواب : أن المعنى اللغوي يشمل ، لكن آل البيت هنا مصطلح نبوي محدد محصور ، ويكفي لذلك أن النبي صلى الله عليه وآله لم يسمح لأم سلمة رضي الله عنها أن تدخل معهم في الكساء ! فعندما يقول عليها السلام إني تارك فيكم الثقلين ، أو صلوا عليَّ في صلاتكم وأهل بيتي ، أو آل محمد ، فهو يقصد آله بالمصطلح الإسلامي وليس اللغوي . ولذلك لم تدع أي من نسائه أنها من الذين أذهب الله عنهم الرجس . وإنما ادعي ذلك لهن بعد حياتهن !

روى البخاري وجوب قرن آل النبي به في الصلاة عليه

قال البخاري : ( 6 / 27 ) : ( باب قوله : إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ، عن كعب بن عجرة قيل : يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف الصلاة ؟ قال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
--------------------------- 181 ---------------------------
عن أبي سعيد الخدري قال : قلنا يا رسول الله هذا التسليم فكيف نصلى عليك ؟ قال : قولوا : اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم . قال أبو صالح عن الليث : على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم )
ورواه مجمع الزوائد ( 10 / 163 ) : عن بريدة قال : قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال قولوا : اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وآل محمد ، كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد . وسميت الصلاة الإبراهيمية لأنها تجعل آل محمد صلى الله عليه وآله كآل إبراهيم عليه السلام .
راجع : موطأ مالك : 1 / 165 ، وكتاب الأم : 1 / 140 ، والبخاري : 4 / 118 9 و : 6 / 27 و : 7 / 156 ، ومسلم : 2 / 16 ، وابن ماجة : 1 / 293 ، وأبا داود : 1 / 221 ، والترمذي : 5 / 38 ، والنسائي : 3 / 45 ، وأحمد : 4 / 118 و 244 و : 5 / 353 و 424 ، والدارمي : 1 / 165 و 309 ، والحاكم : 1 / 268 ، والبيهقي : 2 / 146 و 378 ، وكنز العمال : 2 / 266 والدر المنثور : 5 / 215 ، والمجموع : 3 / 466 ، والمغني : 1 / 580 .
قال ابن حجر في فتح الباري ( 8 / 410 ) : ( إن التشبيه ليس من باب إلحاق الكامل بالأكمل ، بل من باب التهييج ونحوه ، أو من بيان حال ما لا يعرف بما يعرف لأنه فيما يستقبل ، والذي يحصل لمحمد صلى الله عليه وآله من ذلك أقوى وأكمل ) .

روى أن المهدي عليه السلام من ولد فاطمة عليها السلام

رواه في تاريخه الكبير ( 3 / 346 ) عن النبي صلى الله عليه وآله قال : المهدي حق وهو من ولد فاطمة عليها السلام . قال : في إسناده نظر ) لكن رواه في التاريخ الكبير ( 8 / 406 ) : ( عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب : المهدي من ولد فاطمة عليها السلام ) . وارتضاه .
--------------------------- 182 ---------------------------

وروى البخاري أن عيسى ينزل ويصلي خلفه عليهما السلام

وروى في صحيحه ( 4 / 143 ) عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها . ثم يقول أبو هريرة : واقرؤوا إن شئتم : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ) .
ورووا أن أبا هريرة كان مستعجلاًيتصورأنه سيدرك المسيح عليه السلام ! قال عبد الرزاق ( 11 / 402 ) : ( عن يزيد بن الأصم قال : كنت أسمع أبا هريرة يقول : تروني شيخاً كبيراً قد كادت ترقوتاي تلتقي من الكبر ، والله إني لأرجو أن أدرك عيسى وأحدثه عن رسول الله فيصدقني ) .
وفي مسند أحمد ( 2 / 298 ) « إني لأرجو إن طال بي عمر أن ألقى عيسى بن مريم عليها السلام ، فإن عجل بي موت فمن لقيه فليقرؤه مني السلام ) !
وهذا من جهل أبي هريرة وعدم اطلاعه على بقية روايات المهدي وعيسى عليهما السلام !

وأفلت من البخاري أن معاوية إمام الدعاة إلى النار !

قال البخاري ( 1 / 115 و : 3 / 207 ) قال ابن عباس : ( كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين فمر به النبي صلى الله عليه وآله ومسح عن رأسه الغبار وقال : ويح عمار تقتله الفئة الباغية ، عمار يدعوهم إلى الله ، ويدعونه إلى النار ) !
وقد بحثنا تأثيرهذا الحديث والهزة التي حدثت في جيش معاوية في حرب صفين .
--------------------------- 183 ---------------------------

روى البخاري : هلاك أمتي على يد بني أمية !

قال البخاري ( 4 / 178 و : 8 / 88 ) : ( باب قول النبي صلى الله عليه وآله هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء عن سعيد قال : كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة ومعنا مروان ، قال أبو هريرة : سمعت الصادق المصدوق يقول : هَلَكَةُ أمتي علي يدي غَلَمَةٍ من قريش . فقال مروان : لعنة الله عليهم من غلمة ! فقال أبو هريرة : لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت . فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام ، فإذا رآهم غلماناً أحداثاً قال لنا : عسى هؤلاء أن يكونوا منهم ! قلنا : أنت أعلم ) .
في نهج البلاغة ( 1 / 184 ) قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( ألا إن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية ، فإنها فتنة عمياء مظلمة عمت خطتها ، وخصت بليتها ، وأصاب البلاء من أبصر فيها ، وأخطأ البلاء من عمي عنها ، وأيم الله لتَجِدُنَّ بني أمية لكم أرباب سوء بعدي ، كالناب الضروس ، تعذم بفيها وتخبط بيدها ، وتزبن برجلها ، وتمنع درها ! لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعاً لهم أو غير ضائر بهم . ولا يزال بلاؤهم حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلا كانتصار العبدمن ربه ، والصاحب من مستصحبه ! ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشية ، وقطعاً جاهلية ، ليس فيها منار هدى ، ولا علم يرى ، نحن أهل البيت منها بمنجاة ، ولسنا فيها بدعاة . ثم يفرجها الله عنكم كتفريج الأديم ، بمن يسومهم خسفاً ، ويسوقهم عنفاً ، ويسقيهم بكأس مصبرة ، لايعطيهم إلا السيف ، ولايحلسهم إلا الخوف ) .

لكن البخاري تعمد تحريف معنى الشجرة الملعونة

قال البخاري ( 4 / 250 و : 5 / 227 ، و : 7 / 214 ) : ( عن ابن عباس قوله تعالى : وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً للَّنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا طُغْيَانًا كَبِيراً . قال : هي رؤيا عين ، أريها رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة أسرى به إلى بيت المقدس ، قال : والشجرة الملعونة في القرآن ؟ قال : هي شجرة الزقوم ) . وتفسيره
--------------------------- 184 ---------------------------
لها بالزقوم ينافي السياق الذي فرَّع الشجرة على قوله : وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ ! فدل على أنها شجرة شر في المجتمع البشري ! فتفسيرها ببني أمية هو الصحيح ، الذي وردت به الرواية عند الشيعة والسنة .

وأفلت منه ذكر مجلس زياد ورأس الحسين عليه السلام

غطى البخاري على معاوية ودافع عنه ، وعلى واليه على الكوفة زياد بن عبيد ،
وقد كانت أمه سمية متزوجة من عبيد ، فادعى أبو سفيان بعد عشرين سنة أنه زنى بها فحملت زياداً ، فجعله معاوية أخاه مخالفاً للقاعدة النبوية المجمع عليها : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وأطاعه البخاري فقال : ( 2 / 183 ) : ( زياد بن أبي سفيان زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة رضي الله عنها ) .
لكن أفلت منه ذكره مجلس ابنه عبيد وهو ينكت رأس الحسين عليه السلام ، فقال ( 4 / 216 ) :
( عن أنس بن مالك : أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي ، فجعل في طست فجعل ينكته ، وقال في حسنه شيئاً ، فقال أنس : كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وآله وكان مخضوباً بالوسمة ) . أي بالسواد .

  • *
    --------------------------- 185 ---------------------------

الفصل التاسع : أبو بكر وعمرعند البخاري قدس الأقداس !

غلو البخاري في تقديس أبي بكر وعمر وبنتيهما

أصل الخلاف بين السنة والشيعة وجوب اتِّباع أهل البيت عليهم السلام أو اتباه الصحابة ؟ وقد جعل السنيون موقف الناس من الشيخين مقياس الدين كله ! بينما أصرَّ الشيعة على أن المسلم حرٌّ في اعتقاده في الصحابة ما وصل إليه علمه ، لأن المسلمين مكلفون باتِّباع القرآن وأهل البيت عليهم السلام ، وأحرارٌ في غيرهم !
لكن الحكومة القرشية شنت حملة شعواء على من لا يعتقد بهما ، وأباحوا دمه وماله !
قال أحمد بن حنبل في كتاب العلل ( 3 / 8 ) : « قال عبد الله بن أحمد : سألت ابن معين عن زكريا بن يحيى الكسائي الشيعي ، فقال : رجل سوء يحدث بأحاديث سوء . يستأهل أن يحفر له بئر فيلقى فيها » !
وهذه سياستهم معنا لقرون ، وقد طبق فتاواهم الدواعش في العراق وغيره !
ولو جمعنا الذين قتلوهم لأجل أبي بكر وعمر ، لكانوا بعدد سكان دولة !
ولو أحصينا الطرق التي تفننوا وقتلوهم بها ، لكانت قاموساً في ابتكار الجريمة !

أبو بكر أفضل الخلق بعد النبي صلى الله عليه وآله عند البخاري

أبو بكر بن أبي قحافة عند البخاري : خيرالخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، فهو مقدس بكله ، ومعصوم في كل أفعاله وأقواله ، ولا يقاس به لا عليٌّ ، ولا عثمان ، ولا حتى عمر بن الخطاب ! وكلما رأى البخاري نقيصة في أبي بكر رفضها ، أو سترها ، أو تأولها ، فهو لا يقبل عليه كلمة
--------------------------- 186 ---------------------------
ولا نصف كلمة !
وإذا سألته : هل هما عندك أفضل من أنبياء الله تعالى وأوصيائهم عليهم السلام ؟
يقول لك : نعم هما أفضل من جميع الناس في جميع الأمم ، لكن أتوقف في تفضيلهما على جميع الأنبياء عليهم السلام ، لاعلى بعضهم !
وقد تعلم البخاري ، وهولايعرف قبائل قريش : أن أبا بكر من علياء قريش وقالوا له إنه يلتقي مع النبي صلى الله عليه وآله بعد كذا جداً ، فهو ابن عمه .
وإذا قلت له : إن بني تيم عشيرة أبي بكر لاوزن لهم ولا ذكر ، فهم في مكة قلةً وذلة ، وكان أبو قحافة عضروطاً ، يعمل بشبع بطنه عند ابن جدعان ، وكانوا لا يستطيعون أن يحموا أنفسهم ، فقالوا إن أبا بكر استجار بابن الدغنة رئيس جماعة صغيرة من السودان ، ثم ندم ورفض جوار أبي بكر ورده عليه !
فيقول لك البخاري : كلا ، كان أبو بكر من كبارقريش وأثريائهم ، كما قالت سيدتنا عائشة ، وهو الذي رد جوار ابن الدغنة من إيمانه وتوكله على الله !
وإذا قلت له : إنه أسلم بعد أكثر من خمسين كما قال سعد بن أبي وقاص ، لقال لك : لقد اشتبه سعد وغيره ، بل أبو بكر أول من أسلم .
وسيغضب عليك إن قلت له : كيف تروي أن النبي صلى الله عليه وآله أمر أبا بكر أن يصلي مكانه بالناس في مرض وفاته ، وكان أبو بكر جندياً في معسكر أسامة خارج المدينة ، وعلي يقول إنه عصى أميره وتسلل ليلاً إلى المدينة لما أخبرتهم عائشة بأن وضع النبي صلى الله عليه وآله ميؤوس فجاؤوا ليرتبوا أمرهم ، وأن الآية تقول لهما : وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِىَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ . إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَمَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ .
وقد قرأ البخاري تفسيرها ، وقرأ قول علي عليه السلام لحاخام اليهود . ( الخصال / 371 ) :
( وأما الثانية يا أخا اليهود ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أمَّرني في حياته على جميع أمته وأخذ على
--------------------------- 187 ---------------------------
جميع من حضره منهم البيعة والسمع والطاعة لأمري ، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ذلك ، فكنت المؤدي إليهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله أمره إذا حضرته والأميرعلى من حضرني منهم إذا فارقته ، لاتختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شئ من الأمر في حياة النبي صلى الله عليه وآله ولا بعد وفاته .
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بتوجيه الجيش الذي وجهه مع أسامة بن زيد عند الذي أحدث الله به من المرض الذي توفاه فيه ، فلم يدع أحداً من أفناء العرب ولا من الأوس والخزرج وغيرهم من سائر الناس ممن يخاف عليَّ نقضه ومنازعته ، ولا أحداً ممن يراني بعين البغضاء ممن قد وترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه ، إلا وجهه في ذلك الجيش ، ولا من المهاجرين والأنصار والمسلمين والمؤلفة قلوبهم والمنافقين ، لتصفوَ قلوب من يبقى معي بحضرته ، ولئلا يقول قائل شيئاً مما أكرهه ، ولا يدفعني دافع من الولاية والقيام بأمر رعيته من بعده .
ثم كان آخر ما تكلم به في شئ من أمرأمته أن تمضي جيش أسامة ولا يتخلف عنه أحد ممن أنهض معه ، وتقدم في ذلك أشد التقدم ، وأوعز فيه أبلغ الإيعاز وأكد فيه أكثرالتأكيد !
فلم أشعر بعد أن قبض النبي صلى الله عليه وآله إلا برجال من بعث أسامة بن زيد وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم وأخلوا مواضعهم ، وخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فيما أنهضهم له وأمرهم به وتقدم إليهم من ملازمة أميرهم ، والسير معه تحت لوائه ، حتى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه ! فخلفوا أميرهم مقيماً في عسكره وأقبلوا يتبادرون على الخيل ركضاً إلى حل عقدة عقدها الله عز وجل لي ولرسوله صلى الله عليه وآله في أعناقهم فحلوها ، وعهد عاهدوا الله ورسوله فنكثوه ، وعقدوا لأنفسهم عقداً ضجت به أصواتهم واختصت به آراؤهم من غير مناظرة لأحد منا بني عبد المطلب ، أو مشاركة في رأي ، أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي !
فعلوا ذلك وأنا برسول الله صلى الله عليه وآله مشغول وبتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود ، فإنه كان أهمها وأحق ما بدئ به منها ، فكان هذا يا أخا اليهود أقرح ما ورد على قلبي ، مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية وفاجع المصيبة ، وفقد من لاخلف منه إلا الله تبارك وتعالى ، فصبرت عليها إذ أتت بعد أختها على تقاربها وسرعة اتصالها ) !
--------------------------- 188 ---------------------------
لكن البخاري يقول لك : كلا ، فقد قالت أم المؤمنين إن أباها كان في المدينة ، وإن النبي صلى الله عليه وآله قال : مروه فليصل بالناس ! وأما كلام علي فهو تهمة لأبي بكر وعمر ، ونحن نحرم الدخول بين الصحابة ونقول رضي الله عنهم جميعاً !
وإن قلت له : إن أبا بكر وعمر معروفان بالخوف والجبن ، فقد قال علي عليه السلام فيهما وفي عثمان ( كتاب سليم / 248 ) : ( ألا إن العجب كل العجب من جهال هذه الأمة وضلالها وقادتها وساقتها إلى النار ، لأنهم قد سمعوا رسول الله يقول عوداً وبدءاً : ما ولت أمة رجلاً قط أمرها وفيهم أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا ! فولوا أمرهم قبلي ثلاثة رهط ما منهم رجل جمع القرآن ولا يدعي أن له علماً بكتاب الله ولا سنة نبيه ، وقد علموا يقيناً أني أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه وأفقههم وأقرأهم لكتاب الله ، وأقضاهم بحكم الله ، وأنه ليس رجل من الثلاثة له سابقة مع رسول الله صلى الله عليه وآله ولا غناء معه في جميع مشاهده ، فلا رمى بسهم ولا طعن برمح ولا ضرب بسيف ، جبناً ولؤماً ورغبة في البقاء !
وقد علموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قاتل بنفسه فقتل أبي بن خلف ، وقتل مسجع بن عوف ، وكان من أشجع الناس وأشدهم لقاء وأحقهم بذلك .
وقد علموا يقيناً أنه لم يكن فيهم أحد يقوم مقامي ، ولا يبارز الأبطال ولا يفتح الحصون غيري ، ولا نزلت برسول الله صلى الله عليه وآله شديدة قط ، ولا كربهُ أمر ، ولا ضيق ومستصعب من الأمر ، إلا قال : أين أخي علي ، أين سيفي ، أين رمحي ، أين المفرج غمي عن وجهي ، فيقدمني ، فأتقدم فأفديه بنفسي ويكشف الله بيدي الكرب عن وجهه ، ولله عز وجل ولرسوله بذلك المن والطول ، حيث خصني بذلك ووفقني له ) .
ويجيبك البخاري : كلا ، نحن نعترف بشجاعة علي ، لكن أبا بكر وعمر أشجع من علي ، وأفضل ، فهم شجعان في غير القتال !
وإذا قلت للبخاري : أنت رويتَ قول عمر إن خلافة أبي بكر فلتة دبرناها خمطاً وخلسةً بدون مشورة ، فمن عاد لمثلها فاقتلوه ، فحكم على الفاعل بالقتل ، وعلى البيعة بالبطلان : ( من بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فلايبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا ) !
--------------------------- 189 ---------------------------
فكيف تقول إن بيعتهما شرعية ؟ !
فيقول لك البخاري : هذا تواضع من عمر ، وبيعتهما شرعية وصحيحة ، تمت عن مشورة وإجماع وانعقدت ، فهي جامعة لكل شرائط الصحة .
ومهما قلت للبخاري في أبي بكر وعمر ، فعنده جواب ، وليس المهم عنده أن تقتنع بجوابه أو يقتنع الناس ، وحتى الملكان الشهيدان !
أبو بكر أفضل الناس وهو بمنزلة والدالنبي صلى الله عليه وآله
وقد رواه البخاري على لسان علي عليه السلام ليكون حجة على شيعته ! قال ( 4 / 195 ) : ( عن محمد بن الحنفية قال : قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : أبو بكر . قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر . وخشيت أن يقول عثمان ، قلت : ثم أنت ؟ قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين ) !
وقال البخاري ( 4 / 191 ) : ( باب فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وآله : عن ابن عمر قال : كنا نخيِّر ( نفاضل ) بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وآله فنخير أبا بكر ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم ) . ولا ذكر لعلي عليه السلام حتى بعد عثمان !
وقال البخاري ( 4 / 191 ) : ( باب فضل أبي بكر بعد النبي : باب قول النبي صلى الله عليه وآله : لو كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيلاً . عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله قال : لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً ، لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخي وصاحبي ولكن أخوة الإسلام أفضل كتب أهل الكوفة إلى ابن الزبير في الجد فقال : أما الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لو كنت متخذاً من هذه الأمة خليلاً لاتخذته . أنزله أباً ، يعني أبا بكر ) .
يعني أن النبي صلى الله عليه وآله أنزل أبا بكر بمنزلة أبيه عليه السلام !
وقال البخاري ( 4 / 203 ) : ( عن ابن عمر قال : كنا في زمن النبي صلى الله عليه وآله لانعدل بأبي بكر أحداً ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وآله لانفاضل بينهم ) . يقصد أن الصحابة فضلوا هؤلاء الثلاثة فقط ، بالترتيب الذي حكموا به ولم يزيدوا .
وقال البخاري ( 4 / 190 ) : ( عن ثابت البناني عن أنس عن أبي بكر رضي الله عنه قال قلت
--------------------------- 190 ---------------------------
للنبي صلى الله عليه وآله أنا في الغار : لو أن أحدهم نظرتحت قدميه لأبصرنا ! فقال : ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما !
باب قول النبي صلى الله عليه وآله : سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر : خطب رسول الله صلى الله عليه وآله الناس وقال : إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبدماعند الله . قال فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبدخُيِّر ؟ وكان أبو بكر أعلمنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن من آمن الناس عليَّ في صحبته وماله أبا بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي ، لا تخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن أخوة الإسلام ومودته ) .
ملاحظات
1 . يقصد البخاري أن رتبة الخلة أعلى الرتب ، وأن النبي صلى الله عليه وآله جعلها لربه عز وجل فقط ، وأنه لم ولن يتخذ خليلاً غير الله ، وإلا فأحق إنسان بها أبو بكر ! ( ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لا تخذت أبا بكر خليلاً ) ! لكنه البخاري روى أن النبي صلى الله عليه وآله اتخذ أبا هريرة خليلاً فقال ( 2 / 54 ) : ( قال أبو هريرة : أوصاني خليلي صلى الله عليه وآله بثلاث ) . وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله اتخذ أبا ذر خليلاً ، قال أبو ذر : ( 2 / 159 ) : ( أوصاني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وآله بثلاث ) فهذا يكذب حصر الخلة بالله تعالى !
2 . أجمع أتباع مذاهب السنة على تربيع الخلفاء بعلي عليه السلام ومذهب النواصب والأموية الثليث ، وهو ما اختاره البخاري !
3 . يقصد البخاري بقوله : ( ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما ! ) أن النبي أول وأبا بكر ثان ، والثالث الله تعالى ، وهو فهم عجمي للآية ، أو عامي ، لأن الآية : إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ تقصد أن النبي صلى الله عليه وآله كان ثانياً فالأول أبو بكر ، وهو لا يقصد بالآية الترتيب ، بل يقصد أنه لم يكن معه إلا واحد لا يغني عنه ! فأنزل الله عليه سكينته وجنوده عليه ، ولم يقل عليهما !
--------------------------- 191 ---------------------------
4 . بحثنا في السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام ، حديث : سدوا الأبواب إلا باب علي ، وأثبتنا أن منزل أبي بكر كان في السنح قرب أحُد ، ومنزل عمر كان قرب مسجد قباء ، فكلاهما بعيد عن المسجد أميالاً !
وسبب وضعهم حديث الخوخة ، أن أبا بكر لما استخلف كان يخاف أن يغتال ، فجاء بالحارث بن كلدة طبيب السموم من الطائف وكان لا يأكل طعاماً حتى يأكل منه ، حتى قال له يوماً : إرفع يدك يا أبا بكر فالطعام مسموم ! فماتا معاً !
كما كان أبو بكر يخاف من المرور بين المصلين ، ففتح في قبلي المسجد خوخة أي باباً صغيراً كان يدخل منه إلى المحراب . ثم لما استخلف عمرفتح خوخة من مكان آخر في قبلي المسجد ، فصار لكل منهما خوخة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله فأضاف رواة السلطة الخوختين إلى الحديث النبوي ، كذباً على رسول الله صلى الله عليه وآله !
وروى البخاري في تاريخه الكبير ( 1 / 407 ) : ( عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قال واشتد وجعه : أهريقوا عليَّ سبع قرب لم تحلل أوكيتهن ، لعلي أعهد إلى الناس وسدوا هذه الأبواب إلا باب أبي بكر . عن جسرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله : سدوا هذه الأبواب إلا باب علي ، وقال محدوج : عن جسرة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وآله وحديث الزهري أصح وتابعه عروة عن عائشة ) .
أقول : هذا من تخبط عائشة وحزبها ، في أحاديث عهد النبي ووصيته صلى الله عليه وآله .
وقول البخاري : وحديث الزهري أصح ، يقصد أن النبي صلى الله عليه وآله استثنى باب بيت أبي بكر ، أصح من حديث استثنائه باب علي عليه السلام . لكن أبا بكر لم يكن لبيته باب على ساحة المسجد ، بل كان بيته في السنح على بعد فرسخ من المدينة !
5 . استدلوا بمانسبوه إلى الخدري أنه قال : ( وكان أبو بكر أعلمنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن مِن آمن الناس عليَّ في صحبته وماله : أبا بكر ) . فدليل علمه أنه بكى لما سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول : إن عبداً خيره الله . فكان أكثرهم تنبهاً لكلام النبي صلى الله عليه وآله ، فصار الأعلم ! لكن ثبت جهله بإرث الجدة ، وبمعنى : وفاكهة وأبّا ، وغيرها كثير .
--------------------------- 192 ---------------------------

وقال البخاري بشره رسول الله صلى الله عليه وآله بالجنة

قال في التاريخ الكبير ( 8 / 442 ) : ( كان أبوذريقول : التمست النبي صلى الله عليه وآله في بعض حوائط المدينة فإذا هو قاعد تحت نخلة ، فسلم على النبي صلى الله عليه وآله فقال : ما جاء بك ؟ فقال جئت النبي صلى الله عليه وآله فأمره أن يجلس وقال : يأتينا رجل صالح فسلم أبو بكر ، ثم قال : يأتينا رجل صالح ، قال : فجاء عمر فسلم وقال له مثله ، وقال يأتينا رجل صالح ، فأقبل عثمان بن عفان . ثم جاء عليٌّ فسلم فرد عليه مثله ومع النبي صلى الله عليه وآله حصيات فسبحن في يده فناولهن أبا بكر فسبحن في يده ، ثم عمر فسبحن في يده ، ثم عثمان فسبحن في يده ) !
أقول : هذاحديث مفصل على الخلفاء الثلاثة ، حسب ترتيبهم ، وقد أجروا على أيديهم نفس المعجزة التي وقعت للنبي صلى الله عليه وآله . كما أنه مذهب بني أمية في تثليث الخلفاء ، فلم تسبح الحصى في يد علي عليه السلام !

وقالوا كان أبو بكر رقيق القلب والنبي صلى الله عليه وآله قاسي القلب !

« نظرت عائشة إلى رجل من العرب مرَّ وهي في هودجها فقالت : ما رأيت رجلاً أشبه بأبي بكر من هذا ! فقلنا لها : صفي أبا بكر ، فقالت : رجل أبيض تخالطه صفرة ، نحيف ، خفيف العارضين ، أجنأ ، لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه ، معروق الوجه ، غائر العينين ناتئ الجبهة ، عاري الأشاجع » . ( تاريخ الطبري : 3 / 424 ، ونهاية الأرب ( 19 / 24 ) .
والأجنأ : الأحدب قليلاً . عاري الأشاجع : ليس عليها شعر ( لسان العرب : 1 / 514 ) . وإزاره لا يستمسك : أي عظام حقويه صغيرة لا يثبت عليها إزاره الذي كان يشد على البدن كالتنورة ، فكان أبو بكر يرفع إزاره دائماً حتى لا يسقط وتظهر عورته .
وكان أبو بكر غضوباً كئيباً ! ودافع الفخر الرازي عن جده فقال : « في حديث عائشة أنها قالت : إن أبا بكر رجل أسيف ، أي حزين . قال الواحدي : والقولان متقاربان لأن الغضب من الحزن والحزن من الغضب » . ( تفسير الرازي : 15 / 10 ) .
قال البخاري ( 1 / 175 ) : ( عن عائشة قالت : لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله جاء بلال يؤذنه
--------------------------- 193 ---------------------------
بالصلاة ، فقال : مروا أبا بكر أن يصلي بالناس فقلت : يا رسول الله ، إن أبا بكر رجل أَسِيف ، وإنه متى ما يقم مقامك لا يسمع الناس ، فلو أمرت عمر . فقال : مروا أبا بكر يصلي ، فقلت لحفصة : قولي له إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس ، فلو أمرت عمر قال صلى الله عليه وآله : إنكن لأنتن صواحب يوسف ! مروا أبا بكر أن يصلي بالناس . فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وآله في نفسه خفة فقام يهادي بين رجلين ورجلاه يخطان في الأرض ، حتى دخل المسجد فلما سمع أبوبكرحسه ذهب أبو بكر يتأخر ، فأومأ إليه رسول الله فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله حتى جلس عن يسار أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائماً وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي قاعداً يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله والناس مقتدون بصلاة أبي بكر رضي الله عنه ) !
أقول : والجواب على هذا الحديث أن أبا بكر كان في معسكرأسامة خارج المدينة بفرسخين ، وأن عائشة بعثت له أن يحضر ، ثم بعثت له أن يصلي ، فاختلف المصلون في الخبر فبعثوا بلالاً ، فغضب النبي صلى الله عليه وآله وذهب إلى المسجد وهو مريض ، فلما أحس به أبو بكر قطع صلاته وانسل من المسجد ولم يظهر حتى توفي النبي صلى الله عليه وآله !
ومجيئ النبي صلى الله عليه وآله يدل على أنه لم يأمر أبا بكر بالصلاة ، وإلا لم يجئ ! وما ذكروه من أن صلاة الجماعة صارت بإمامين ، لا تصح عند أحد من المذاهب !
هذا ، وقد روى أتباع السلطة أحاديث في رقة قلب أبي بكر وعمر ، وقسوة قلب النبي صلى الله عليه وآله ! وزعموا أن النبي صلى الله عليه وآله لم تدمع عينه على أحد أبداً ! وهذا انتقاص خبيث من النبي صلى الله عليه وآله لمدح الشيخين وعائشة ! فقد روى أحمد ( 6 / 141 ) في وفاة سعد بن معاذ : « قالت عائشة : فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي ، وكانوا كما قال الله عز وجل : رحماء بينهم قال علقمة : قلت : أي أمه ، فكيف كان رسول الله يصنع ؟ قالت : كانت عينه لا تدمع على أحد ! ولكنه كان إذا وَجَد ( حَزِن ) فإنما هو آخذ بلحيته ) . أي يشد بشعر لحيته !
--------------------------- 194 ---------------------------

وقالوا أول من يستقي للخلائق أبو بكر !

وقال البخاري ( 4 / 185 ) : ( إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : رأيت الناس مجتمعين في صعيد فقام أبو بكر فنزع ذنوباً ( دلواً ) أو ذنوبين وفي بعض نزعه ضعف والله يعفر له ثم اخذها عمر فاستحالت بيده غرباً ( دلوا كبيراً ) فلم أر عبقرياً في الناس يفري فريه ، حتى ضرب الناس بعطن ) . حتى شرب الناس وبركوا !

وقال البخاري : يدعى أبو بكر من جميع أبواب الجنة !

قال البخاري ( 4 / 193 ) : ( أبا هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من أنفق زوجين من شئ من الأشياء في سبيل الله دعيَ من أبواب ، يعني الجنة يا عبد الله هذا خير ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ، ومن كان أهل الصيام دعي من باب الصيام وباب الريان فقال أبو بكر : ما على هذا الذي يدعى من تلك الأ بواب من ضرورة ، وقال هل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال نعم ، وأرجوأن تكون منهم يا أبا بكر ) .

وقالوا فضله النبي صلى الله عليه وآله على عمر وقال : اتركوا لي صاحبي !

وقال البخاري ( 4 / 192 ) : ( عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال كنت جالساًعند النبي صلى الله عليه وآله إذ أقبل أبوبكرآخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : أما صاحبكم فقد غامر ( جاء مخاصماً ) فسلَّم وقال : يا رسول الله إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شئ فأسرعت إليه ثم ندمت ، فسألته أن يغفر لي فأبى عليَّ ، فأقبلت إليك ! فقال : يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثاً . ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل أثَمَّ أبو بكر ؟ فقالوا : لا ، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وآله فسلم عليه فجعل وجه النبي صلى الله عليه وآله يَتَمَعَّر حتى أشفق أبو بكر ، فجثى على ركبتيه فقال : يا رسول الله ، والله أنا كنت أَظْلَم ! مرتين . فقال النبي صلى الله عليه وآله : إن الله بعثني إليك فقلتم كذبت ، وقال أبو بكر صدقت ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي ؟ ! مرتين فما أوذي بعدها ) . أي لم يؤذوا أبا بكر بعد ذلك .
--------------------------- 195 ---------------------------

وقال البخاري : إن جبل أحد ثبت ببركة أبي بكر !

قال البخاري ( 4 / 197 ) : قال أنس ( إن النبي صلى الله عليه وآله صعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم فقال : أثبت أحُد ، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ) .
ولو كان هذا الحديث صحيحاً لنشره رواة السلطة في زمن أبي بكر وعمر !

وزعمت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله كان يزورهم يومياً مرتين !

قال البخاري ( 1 / 122 3 / 58 ، و : 4 / 254 ) : ( أن عائشة قالت : لم أعقل أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وآله طرفي النهار بكرة وعشية ، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً قبل الحبشة ، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة ) . والدغنة : مسترخية الشفة واللسان !
وقال البخاري ( 3 / 23 ) : ( عن عائشة رضي الله عنها قالت : لَقَلَّ يوم كان يأتي على النبي صلى الله عليه وآله إلايأتي فيه بيت أبي بكر أحد طرفي النهار ، فلما أُذن له في الخروج إلى المدينة لم يرعنا إلا وقد أتانا ظهراً . . الخ . ) .
وقال البخاري ( 4 / 255 ، ز 358 و : 7 / 39 و 91 ، وخلق أفعال العباد / 66 ) : ( قالت عائشة : فبينما نحن يوماً جلوس في بيتنا في نحرالظهيرة ، قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله صلى الله عليه وآله متقنعاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها ، فقال أبو بكر : فداه الله أبي وأمي ، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر ، قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فاستأذن فأذن له فدخل . فقال حين دخل لأبي بكر : أخرج من عندك ، قال : إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله ، قال : فإني قد أذن لي في الخروج . قال : فالصحبة بأبي أنت يا رسول الله ، قال : نعم . قال : فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين ، قال النبي صلى الله عليه وآله : بالثمن . قالت : فجهزناهما أحثَّ الجهاز ووضعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها ، فأوكت به الجراب ، ولذلك كانت تسمى ذات النطاق ، ثم لحق النبي صلى الله عليه وآله وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور ) .
--------------------------- 196 ---------------------------
ملاحظات
1 . ولدت عائشة حسب رواية البخاري في السنة الخامسة من البعثة ، فعمرها عند الهجرة ست سنين ، وتزوجها النبي صلى الله عليه وآله في المدينة بعد الهجرة ! وقد وصفت عائشة هذا الزواج المأساوي المزعوم ، فقال البخاري ( 4 / 251 ) : ( باب تزويج النبي صلى الله عليه وآله عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها : عن عائشة رضي الله عنها قالت : تزوجني النبي صلى الله عليه وآله وأنا بنت ست سنين فقدمنا المدينة ، فنزلنا في بني الحرث بن خزرج ، فوعكت فتمرق شعري ، فوفى جميمة ( تمرط ثم نبت ) فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي فصرخت بي فأتيتها لا أدري ما تريد بي ، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار ، وإني لأنهج ( أبكيبشدة ) حتى سكن بعض نفسي ، ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي ، ثم أدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن على الخير والبركة ، وعلى خير طائر ، فأسلمتني إليهن فأصلحن من شأني ، فلم يرعني إلا رسول الله ضحى ، فأسلمنني إليه ، وأنا يومئذ بنت تسع سنين ) !
أقول : هذا كلام عائشة والبخاري ، أما نحن فنقول كان عمرها لما تزوجها النبي صلى الله عليه وآله نحو العشرين سنة ، وكانت متزوجة أو معقودة على مطعم بن جبير ، فطلقها أبو بكر ، وكان لها ولد اسمه عبد الله يظهر أنه مات صغيراً ، فقد قال لها النبي صلى الله عليه وآله تكني بابنك عبد الله ، وقالت إن أختها أسماء أكبر منها بعشر سنين . . ويؤيده أن النبي صلى الله عليه وآله قال لها ( كنت لك كأبي زرع لأم زرع ) ( 6 / 147 ) ! وكان أبوزرع الزوج الثاني أراح أم زرع بعد تعبها مع الأول !
ولا مجال لهذا البحث ، ومقصودنا زعمها أن النبي صلى الله عليه وآله كان يجيئ إلى بيتهم مرتين كل يوم ، لكن لم ينقل ذلك غيرها ؟ وكيف كان يذهب إلى بيتهم صبحاً وعصراً وأهل بيته يحرسونه من قريش ليلاً ونهاراً ؟ ! ولماذا لم ينقل له أي عمل أو قول أو حادثة في بيت أبي بكر ، مع أنه ذهب اليه حسب قول عائشة أكثر من سبع مئة مرة في السنة ، وألوف المرات في الثلاثة عشر سنة بعد البعثة !
--------------------------- 197 ---------------------------
ثم زعمت أنه كان يأتيهم مرتين في اليوم في المدينة وبيتهم في السنح قرب جبل أحد !
لذلك لانصدق هذه المبالغة ، ولا أن زفافها المأساوي كان في بيتهم في المدينة في السنح ، خاصة أن بيت أبي بكر كان خيمة شعر كما رووا إلى أن صار خليفة !
قال ابن سعد في الطبقات ( 3 / 186 ) : ( وكان منزله بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بني الحارث بن الخزرج ، وكان قد حجر عليه حجرة من شعر ، فما زاد على ذلك ، حتى تحول إلى منزله بالمدينة . فأقام هناك بالسنح بعدما بويع له ستة أشهر يغدو على رجليه إلى المدينة ، وربما ركب على فرس له وعليه إزار ورداء ممشق ، فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس ، فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله ) .
راجع المجلد السابع من الغدير ، فقد خصص الأميني رحمه الله أكثره لحياة أبي بكر .
2 . وقالت عائشة إن النبي صلى الله عليه وآله أتاهم يوم الهجرة ضحى أو ظهراً ، لكن روى الجميع أن النبي صلى الله عليه وآله خرج من منزله بعد المغرب ، فأين كان في هذه المدة ؟ قال ابن هشام ( 2 / 333 ) : ( ثم خرج في فحمةالعشاء ، والرصد من قريش قد أطافوا به ينتظرون انتصاف الليل ، وكان يقرأ : وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) . والذي نقوله إن النبي صلى الله عليه وآله خرج ليلاً ، ووجد في طريقه أبا بكر فأخذه معه لحكمة ، نظنها ظناً ، ولا نعلمها .

غطى البخاري على أبي بكر مهانته وذلته في مكة

من المشهور في السيرة النبوية أن نوفل ابن العدوية ضرب أبا بكر وطلحة وربطهما بحبل واحد ، وطرحهما في الشمس ، ولم يدافعا عن نفسيهما ، ولا دافع عنهما بنو تيم ، لأنهم كانوا قلة وذلة ، ولعلهم لا يبلغون ثلاثين نفساً ، وكان أبو بكر فقيراً ، وكان أبوه يخدم ابن جدعان بطعام بطنه ، قال الخليل ( 2 / 326 ) : ( العضروط : الذي يخدمك بطعام بطنه ، وهم العضاريط والعضارطة ) .
وقد أخفى البخاري ذلك ، فلم يرو في كتبه عن نوفل بن خويلد كلمة واحدة !
قال ابن هشام ( 1 / 181 ) : ( ونوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى ، وكان من شياطين
--------------------------- 198 ---------------------------
قريش ، وهو الذي قرن بين أبى بكر الصديق وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما في حبل حين أسلما ، فبذلك كانا يسميان القرينين ، قتله علي بن أبي طالب عليه السلام يوم بدر ) .
وقال الذهبي في تاريخه ( 1 / 140 ) ( فشدهما في حبل واحد ولم يمنعهما بنو تيم ) .
وقال في شرح النهج ( 13 / 253 ) : ( فضربه نوفل بن خويلد مرتين حتى أدماه ، وشده مع طلحة بن عبيد الله في قَرَن ، وجعلهما في الهاجرة ) .
وفي خصائص السيوطي ( 1 / 339 ) : ( أخرج الواقدي والبيهقي عن الزهري قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر : اللهم اكفني نوفل بن خويلد ، ثم قال : من له علم بنوفل ؟ فقال علي : أنا قتلته يا رسول الله . فكبر وقال : الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه ) .

أخفى البخاري سبب إسلام أبي بكر وطلحة واخترع ابن الدغنة

اشتهر الحديث في سبب إسلام أبي بكر وطلحة ، ورواه المؤرخون وأصحاب المغازي ، وصححه المتأخرون كالسيوطي والألباني ، واشتهر لقب القرينين لأبي بكر وطلحة . ، لكن البخاري ترك ذلك كله وركز على حماية ابن الدغنة لأبي بكر ، ولم يشرك معه طلحة قرينه ، ولاوجد له ابن دغنة أخرى !
وقد حذف ذلك لئلايقال إنهما أسلما طمعاً بإرشاد الرهبان والأحبار ! فقد لقيا الرهبان في الشام واليمن وأرشداهما إلى اتباع النبي صلى الله عليه وآله لأنه سينتصر ويملك العرب ! وتؤيد ذلك رواية مصادرنا في أن إرشاد اليهود كان سبب إسلام أبي بكر وعمر وجماعة من الصحابة القرشيين !
قال السيوطي في كفاية الطالب ( 1 / 83 ) : ( باب سفر النبي صلى الله عليه وآله مع عمه أبي طالب إلى الشام وما ظهر فيه من الآيات وإخبار بحيرا عنه : أخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه ، والحاكم وصححه ، والبيهقي ، وأبو نعيم ، والخرائطي في الهواتف ، عن أبي موسى الأشعري قال : خرج أبو طالب إلى الشام فخرج معه رسول الله صلى الله عليه وآله في أشياخ قريش فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم ، فخرج إليهم الراهب ، وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت لهم ، فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وآله وقال :
--------------------------- 199 ---------------------------
هذا سيد العالمين ، هذا رسول رب العالمين ، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين . وذكر قصة بحيرا مع أبي طالب والنبي صلى الله عليه وآله بروايات ، ثم قال : عن ابن عباس ، أن أبا بكر الصديق صحب النبي صلى الله عليه وآله وهو ابن ثمان عشرة سنة والنبي ابن عشرين سنة وهم يريدون الشام في تجارة حتى إذا نزل منزلاً فيه سدرة قعد في ظلها ، ومضى أبو بكر إلى راهب يقال له بحيرا يسأله عن شئ فقال له : من الرجل الذي في ظل الشجرة ؟ قال : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب . قال : هذا والله نبي ، ما استظل تحتها بعد عيسى بن مريم إلا محمد ! ووقع في قلب أبي بكر الصديق ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وآله اتبعه ) !
وروى البيهقي في دلائل النبوة ( 2 / 166 ) : ( قال طلحة بن عبيد الله : حضرت سوق بصرى ، فإذا راهب في صومعته يقول : سلوا أهل هذا الموسم أفيهم أحد من أهل الحرم ؟ قال طلحة : قلت نعم أنا . فقال : هل ظهرأحمد بعد ؟ قال قلت : ومن أحمد ؟ قال : ابن عبد الله بن عبد المطلب ، هذا شهره الذي يخرج فيه ، وهو آخر الأنبياء ، مخرجه من الحرم ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ ، فإياك أن تُسبق إليه . قال طلحة : فوقع في قلبي ما قال ، فخرجت سريعاً حتى قدمت مكة فقلت : هل كان من حدث ؟ قالوا : نعم محمد بن عبد الله الأمين تنبأ ، وقد تبعه ابن أبي قحافة ، قال : فخرجت حتى دخلت على أبي بكر فقلت : أتبعت هذا الرجل ؟ قال : نعم ، فانطلق إليه فادخل عليه فاتبعه ، فإنه يدعو إلى الحق . فأخبره طلحة بما قال الراهب فخرج أبو بكر بطلحة فدخل به على رسول الله صلى الله عليه وآله فأسلم طلحة وأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بما قال الراهب ، فسر رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك ، فلما أسلم أبو بكر وطلحة أخذهما نوفل بن خويلد بن العدوية فشدهما في حبل واحد ، ولم يمنعهما بنو تيم ، وكان نوفل بن خويلد يدعى أسد قريش ، فلذلك سمي أبو بكر وطلحة القرينين ) .
وروته عامة كتاب السيرة ، مثل ابن كثير في النهاية ( 3 / 39 و 40 ) .
وأبلغ منه ما رواه ابن خلكان في وفيات الأعيان ( 3 / 65 ) قال : ( وأبو بكر رضي الله عنه أول من طلب من النبي صلى الله عليه وآله الدلالة على نبوته . وسبب ذلك أن أبا بكر كان باليمن في تجارة ، ونبئ النبي صلى الله عليه وآله وهو غائب ، ومرأبوبكر رضي الله عنه في طريقه على دير فيه راهب باليمن
--------------------------- 200 ---------------------------
هو ورفقته ، فسألهم الراهب هل فيكم خطيب ؟ قالوا : نعم وأشاروا إلى أبي بكر فدعاه إليه وحده فقال له الراهب : من أين أنت ؟ فقال من مكة فقال هل ظهر بها أحد يدعي النبوة ؟ فقال : لا فقال الراهب عندي صورة أريكها فإن عرفت أحداً يشبهها فعرفني ، فعرض عليه الصورة فقال : هذه صورة رجل يعرف بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب . فقال الراهب : هذا هو النبي المدعو به ، وهو خاتم الأنبياء ، يظفر بأعدائه ويعلو دينه الأديان . فقال أبو بكر : ما عرفنا هذا منه ولا ادعاه ولا عرف بالعلم ولا يحسن الكتابة ، ولا خالط اليهود والنصارى . فقال الراهب : هذا هو النبي نفسه ! وقيل إن الراهب قال لأبي بكر : وأنت الخليفة من بعده على أهل دينه ، فرجع أبو بكر من عند الراهب ولم يشعر أحداً من رفقته بما قال له الراهب . فلما قدم مكة قالت له أمه سلمى أم الخير : ما بلغك ما حدث من صديقك محمد ، زعم أنه نبي نبأه الله وأرسله إلى قومه وكافة الخلق ! فقال لها : وأين هو ؟ قالت : بجبل حراء ، فأسرع أبوبكرنحو الجبل فرآه في غار فسلم عليه وقال : بلغني أنك ادعيت النبوة والرسالة ! فقال له : لست بمدع وقد فعل الله ذلك بي . قال له : فما الدليل على صدقك ؟ قال : هل جربت عليَّ كذباً ؟ قال : لا والله ، غيرأن هذا أمر لا يقبل بغير دليل . فقال النبي صلى الله عليه وآله : دليله ما قاله لك الراهب ! قال أبو بكر : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله . أنا أول متابع لك على هذا الأمر ) !
وروى النويري في نهاية الأرب ( 16 / 150 ) : ( عن دحية بن خليفة الكلبي أن قيصرالروم أدخله بيتاً عظيماً ( غرفة كبيرة ) فيها صور الأنبياء المرسلين عليهم السلام فقال : أنظر من صاحبك من هؤلاء ، فنظرت فإذا صورة النبي صلى الله عليه وآله كأنما ينطق ! فقلت : هو هذا ، فقال : صدقت ، ثم أراني صورة عن يمينه فقال : من هذا ؟ قلت : هذه صورة رجل من قومه اسمه أبو بكر ، فأشار إلى صورة أخرى عن يساره فقلت : هذه صورة رجل من قومه يقال له عمر ، فقال : إنا نجد في الكتاب أن بصاحبيه هذين يتم الله أمره ) . ونحوه عن حكيم بن حزام ، وابن مطعم .
وروى ابن عساكر ( 30 / 31 ) : ( عن عبد الله بن مسعود قال : قال أبو بكر الصديق إنه
--------------------------- 201 ---------------------------
خرج إلى اليمن قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وآله قال : فنزلت على شيخ من الأزد عالم قد قرأ الكتب ، وعلم من علم الناس علما كبيراً ، وأتت عليه أربع مائة سنة إلا عشر سنين ، فلما رآني قال لي : أحسبك حرمياً ؟ قال أبو بكر : قلت : نعم أنا من أهل الحرم . قال : وأحسبك قرشياً ؟ قال قلت : نعم أنا من قريش . قال وأحسبك تيمياً ؟ قال قلت : نعم أنا من تيم بن مرة . أنا عبد الله بن عثمان بن كعب بن ضمضم بن مرة . قال : بقيت لي منك واحدة ، قلت : ما هي ؟ قال : تكشف لي عن بطنك . قلت : لا أفعل إن لم تخبرني لم ذاك ؟ قال : أجد في العلم الصحيح الزكي الصادق ، أن نبياً يبعث في الحرم يتعاون على أمره فتى وكهل ، فأما الفتى فخواض غمرات ودفاع معضلات ، وأما الكهل فأبيض نحيف على بطنه شامة ، وعلى فخذه اليسرى علامة ، وما عليك أن تريني ما سألتك ، فقد تكاملت لي فيك الصفة ، إلا ما خفي عليَّ ! قال أبو بكر : فكشفت له عن بطني فرأى شامة سوداء فوق سرتي ، فقال : أنت هو ورب الكعبة ! إلى أن قال أبو بكر : فحفظت وصيته وشعره ، وقدمت مكة وقد بعث النبي صلى الله عليه وآله فجاءني عقبة بن أبي معيط وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وأبو البختري بن هشام ، وصناديد قريش ، فقلت لهم : هل نابتكم نائبة أو ظهر فيكم أمر ؟ قالوا : يا أبا بكرأعظم الخطب وأجل النوائب ، يتيم أبي طالب يزعم أنه نبي ! ولولا أنت ما انتظرنا به ، فإذ قد جئت فأنت الغاية والكفاية لنا ! قال أبو بكر : فصرفتهم على حس مس ، وسألت عن النبي فقيل إنه في منزل خديجة فقرعت عليه الباب فخرج إلي ، فقلت : يا محمد فقدت من منازل أهلك ، واتهموك بالفتنة ، وتركت دين آبائك وأجدادك ! قال : يا أبا بكر إني رسول الله إليك ، وإلى الناس كلهم فآمن بالله . فقلت وما دليلك على ذلك ؟ قال : الشيخ الذي لقيته باليمن ! فقلت : وكم من مشايخ لقيت باليمن وآمرت وأخذت وأعطيت ! قال : الشيخ الذي أفادك الأبيات . قلت ومن خبرك بهذا يا حبيبي ؟ قال : الملك العظيم الذي يأتي الأنبياء قُبَل . قلت : مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . قال أبو بكر : فانصرفت ، وما بين لابتيها أشد سروراً من رسول الله صلى الله عليه وآله بإسلامي ) .
--------------------------- 202 ---------------------------
ملاحظات
1 . نرجح رواية ابن خلكان ، لأنها تتفق مع بقية روايات الأحبار والرهبان والكهان ومع روايات مصادرنا عن أهل البيت عليهم السلام ، ولأنها أكثر اتساقاً مع منطق الأمور .
وقد روى حديث ابن مسعود عن راهب اليمن ، مضافاً إلى ابن عساكر : أسد الغابة : 3 / 208 ، والسيرة الحلبية : 1 / 444 ، و 286 ، والصوعق المحرقة / 248 .
2 . قول النبي صلى الله عليه وآله في حديث ابن مسعود : يا أبا بكر إني رسول الله إليك ، وإلى الناس كلهم ، فآمن بالله . يدل على أنه صلى الله عليه وآله كان بدأ بدعوته العامة ، وذلك في أول السنة الرابعة من بعثته ، بعد أن كفاه الله المستهزئين الستة وقتلهم الله في يوم واحد ، وأمره : فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ ، إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ » ففي سيرة ابن هشام « 1 / 169 » : « وكان بين ما أخفى رسول الله صلى الله عليه وآله أمره واستتر به إلى أن أمره الله تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين فيما بلغني من مبعثه ، ثم قال الله تعالى له : فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ . . الآيات » .
وفي الإستيعاب « 1 / 34 » : « وكان أول يوم أوحى الله تعالى إليه فيه يوم الاثنين فأسرَّ رسول الله « ص » أمره ثلاث سنين أو نحوها ، ثم أمره الله تعالى بإظهار دينه والدعاء إليه ، فأظهره بعد ثلاث سنين من مبعثه » .
وفي سيرة ابن إسحاق « 2 / 126 » : « ثم إن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وآله أن يصدع بما جاء به ، وأن ينادي الناس بأمره ، وأن يدعو إلى الله تعالى ، وكان ربما أخفى الشئ واستسر به ، إلى أن أمر بإظهاره ثلاث سنين من مبعثه » .
وقال صلى الله عليه وآله : كما في تفسير ابن كثير : 3 / 363 ، وتفسير مقاتل : 2 / 466 : « يا بني عبد المطلب إني بعثت إليكم خاصة ، وإلى الناس عامة »
وفي مسند الشاميين ( 2 / 66 ) والإرشاد ( 1 / 49 ) : قال لهم : « يا بني عبد المطلب إن الله بعثني إلى الخلق كافة وبعثني إليكم خاصة فقال عز وجل : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ . أنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان ، تملكون بهما العرب والعجم ، وتنقاد
--------------------------- 203 ---------------------------
لكم بهما الأمم ، وتدخلون بهما الجنة وتنجون بهما من النار : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، فمن يجيبني إلى هذا الأمرويؤازرني عليه وعلى القيام به ، يكن أخي ، ووصيي ، ووزيري ، ووارثي ، وخليفتي من بعدي » .
وهذا دليل على أن إسلام أبي بكر لم يكن في أول البعثة كما زعموا ، فلا يصح عده من السابقين الأولين في قوله تعالى : وَالسَّابِقُونَ الأَوَلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ ، بل يمكن ادعء أنه من السابقين الثانيين !
3 . روت مصادرنا أن علاقات قريش باليهود كانت وثيقة ، وكانوا يحدثونهم بأنه سيبعث نبي من مكة ، ويقولون لهم هوكاذب لكنه سيملك العرب مثل نبوخذ نصر ، وكانوا يرشدون من يأملون منهم أن يؤمنوا ظاهراً ليكون له شأن في دولته ، ولهذا كثرالإسلام في القرشيين من القبائل الصغيرة الذليلة طمعاً في أن ينجح ابن عبد المطلب في نبوته ويقيم دولة ، ويكون لهم دور فيها !
بل كان هؤلاء مستعجلين يحثون النبي صلى الله عليه وآله أن يفتح معركة مع قريش في مكة لأن بني هاشم أربعون مقاتلاً شجاعاً ، يستطيعون هزيمة قريش ، وكان حسابهم صحيحاً إلى حد بعيد ، لكن الله تعالى أراد المعركة مع قريش في بدر ، فجبنوا ، فوبخهم بقوله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ .
وقال المفسرون إنهم المنافقون المكيون ! وجاء في رواية سعد بن عبد الله الأشعري الصحيحة ( كمال الدين / 463 ) أنه سأل الإمام المهدي عليه السلام عن قول ناصبي له : ( أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعاً أو كرهاً ؟ لمَ لم تقل له : بل أسلما طمعاً ، وذلك بأنهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عما كانوا يجدون في التوراة ، وفي سائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال ، من قصة محمد صلى الله عليه وآله ومن عواقب أمره ، فكانت اليهود تذكر أن محمداً
--------------------------- 204 ---------------------------
يسلط على العرب كما كان بختنصرسلط على بني إسرائيل ، ولا بد له من الظفر بالعرب كما ظفر بختنصر ببني إسرائيل ، غير أنه كاذب في دعواه أنه نبي ، فأتيا محمداً فساعداه على شهادة ألا إله إلا الله ، وبايعاه طمعاً في أن ينال كل واحد منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت أموره واستتبت أحواله ، فلما آيسا من ذلك تلثما وصعدا العقبة مع عدة من أمثالهما من المنافقين على أن يقتلوه ، فدفع الله تعالى كيدهم وردهم بغيظهم لم ينالوا خيراً . كما أتى طلحة والزبير علياً عليه السلام فبايعاه وطمع كل واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد ، فلما أيسا ، نكثا بيعته وخرجا عليه ، فصرع الله كل واحد منهما ، مصرع أشباههما من الناكثين ) ! .

قصة استجارة أبي بكر بابن الدغنة مكذوبة

قال البخاري ( 1 / 122 و : 2 / 58 ، و : 3 / 59 و : 7 / 91 ) : ( إن عائشة رضي الله عنها قالت : لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وآله طرفي النهار بكرة وعشية ! فلما ابتلي المسلمون ( في السنة الخامسة سنة الهجرة ) خرج أبو بكر مهاجراً قبل الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد ( في عدن ) لقيه ابن الدُّغِنَّة وهو سيد القارة ( أحباش ) فقال : أين تريد يا أبا بكر ؟ فقال أبو بكر : أخرجني قومي ، فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبدربي .
قال ابن الدغنة : إن مثلك لا يخرج ولا يُخرج ، فإنك تكسي المعدوم ، وتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، وأنا لك جار فارجع فاعبدربك ببلادك . فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر ، فطاف في أشراف كفار قريش فقال لهم : إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يُخرج ، أتخرجون رجلاً يكسو المعدوم ، ويصل الرحم ، ويحمل الكل ، ويقري الضيف ، ويعين على نوائب الحق ، فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة ، وآمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة : مر أبا بكر فليعبدربه في داره ، فليصل وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ، ولايستعلن به ، فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا .
فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر : فطفق أبو بكر يعبدربه في داره ، ولايستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره ، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره ، وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ
--------------------------- 205 ---------------------------
القرآن ، فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم ، يعجبون وينظرون إليه ، وكان أبو بكر رجلاً بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن ، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين ، فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا له : إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبدربه في داره ، وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره ، وأعلن الصلاة والقراءة ، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا ، فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبدربه في داره فعل ، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك ، فإنا كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الإستعلان ! قالت عائشة : فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال : قد علمت الذي عقدت لك عليه ، فإما أن تقتصر على ذلك ، وإما أن ترد إليَّ ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أنفرت في رجل عقدت له . قال أبو بكر : إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله ) .
ملاحظات
1 . أول هذا الحديث في السنة الخامسة لما هاجر المسلمون إلى الحبشة ، وآخره بعد ثمان سنوات لما هاجرالنبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة ، وقد وصلتهما عائشة فجعلت رد جوار ابن الدغنة متصلاً بالهجرة ، لكن الفاصلة بينهما سنوات .
ثم إن أبا بكر وطلحة لم يكونا بحاجة إلى الهجرة ولا الجوار ، فقد آذاهما نوفل بن خويلد ثم تركهما بسبب أنه من أسد عبد العزى ، فلا حق له على قبيلة تيم بقانون قريش ، فيتعين أن يكون أبوبكرخرج إلى اليمن للتكسب وكان يتاجر إلى صنعاء وعدن وحضرموت ولقي ابن الدغنة كما ذكروا في برك الغماد في آخر عدن لا في طريق الحبشة ، ورجع إلى مكة مع ابن الدغنة .
2 . السبب الذي ذكروه لرد ابن الدغنة جوار أبي بكر ، ضعيف وغير مفهوم ، قالوا : كان يقرأ القرآن ويبكي في بيته وقد يسمعه بعض الناس ، وكان ابن الدغنة وقريشاً راضين بذلك ، ثم بنى في فناء داره خيمة أو شيئاً سماه مسجداً كان يقرأ فيه القرآن ، فقد يجتمع عليه بعض الناس ، فغضبت قريش وخافت أن يضل به بعض الرجال والنساء والأطفال ! لكن لا فرق بين الحالتين فبيته كان صغيراً ، وبيته في المدينة كان خيمة شعر حتى صار خليفة ؟
--------------------------- 206 ---------------------------
3 . تقول رواية ابن هشام إن أبا بكر استأذن النبي صلى الله عليه وآله في الهجرة فأذن له ، وذلك أيام الهجرة في السنة الخامسة . قال ابن هشام ( 1 / 249 ) : ( عن عائشة : حين ضاقت عليه مكة وأصابه فيها الأذى ، ورأى من تظاهر قريش على رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه ما رأى ، استأذن رسول الله صلى الله عليه وآله في الهجرة فأذن له ، فخرج أبو بكر مهاجراً ، حتى إذا سار من مكة يوماً أو يومين ، لقيه ابن الدغنة ) .
وقالت عائشة إنه لقي ابن الدغنة في بَرْك الغِماد ، وهي بُرَك ماء غامر في آخر حضرموت اليمن . وورد أنه كان يتردد إلى صنعاء وعدن ، كغيره من القرشيين الذين يذهبون للكسب ، فيكون حديث ابن الدغنة ، ووصله بالهجرة من ابتكارالرواة !
3 . يكفي لردهم ، أن ابن الدغنة استعمل لأبي بكر نفس التعبيرالذي رووه لخديجة عن النبي صلى الله عليه وآله قال : قال ابن الدغنة : إن مثلك لا يخرج ولا يُخرج ، فإنك تكسي المعدوم ، وتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ) .
والحديثان لا يصحان عندنا لأن حديث خديجة يقول إن النبي صلى الله عليه وآله كان في شك من نبوته ! وحديث ابن الدغنة من أصله موضوع كاسمه ، والدغنة مسترخية اللسان !

  • *

الهجرة برواية البخاري

قال البخاري ( 4 / 254 ) : ( قال أبو بكر ( لابن الدغنة ) : إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله . ورسول الله صلى الله عليه وآله يومئذ بمكة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : قد أريت دار هجرتكم ، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين ، وهما الحرتان ، فهاجر من هاجر قِبَل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة ، وتجهز أبو بكر مهاجراً ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي ، قال أبو بكر : هل ترجو ذلك بأبي أنت ؟ قال : نعم ، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وآله ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر !
--------------------------- 207 ---------------------------
قال عروة : قالت عائشة : فبينما نحن يوماً جلوس في بيتنا في حرالظهيرة فقال قائل لأبي بكرهذا رسول الله صلى الله عليه وآله مقبلاً متقنعاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها ! قال أبو بكر : فدىً له أبي وأمي ، والله إن جاء في هذه الساعة إلا لأمر فجاء النبي صلى الله عليه وآله فاستأذن فأذن له فدخل فقال حين دخل لأبي بكر : أخرج من عندك قال إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله . قال : فإني قد أذن لي في الخروج ، قال : فالصحبة بأبي أنت يا رسول الله ؟ قال : نعم . قال : فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين . قال النبي صلى الله عليه وآله : بالثمن . قالت : فجهزناهما أحث الجهاز ( بسرعة ) ووضعنا لهما سفرة في جراب ، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكت به الجراب ، ولذلك كانت تسمى ذات النطاق ، ثم لحق النبي صلى الله عليه وآله وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور ، فمكث فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر ، وهو غلام شاب لقنٌ ثقفٌ فيرحل من عندهما سحراً ، فيصبح مع قريش بمكة كبائت ، فلايسمع أمراً يُكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم ، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء ، فيبيتان في رسلها حتى ينعق بها عامر بغلس ، يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث .
واستأجر رسول الله صلى الله عليه وآله وأبو بكر رجلاً من بني الديل وهو من بني عبد بن عدي هادياً خريتاً ، والخريت الماهر بالهداية ، قد غمس حلفاً في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش ، فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غارثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث ، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق السواحل . فانقلبوا يوماً بعد ما أطالوا انتظار هم فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه ، فبصر به رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب ، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته : يامعاشرالعرب هذا جدكم الذي تنتظرون ، فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وآله بظهر الحرة ، فعدل لهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف ، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول ، فقام أبو بكر للناس ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وآله صامتاً فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وآله يحيي أبا بكر
--------------------------- 208 ---------------------------
حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وآله فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه برادئه ، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وآله عند ذلك .
فلبث رسول الله صلى الله عليه وآله في بني عمر وبن عوف بضع عشرة ليلة ، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى ، وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وآله بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين ، وكان مربداً للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله حين بركت به راحلته : هذا إن شاء الله المنزل . ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وآله الغلامين فساو مهما بالمربد ليتخذه مسجداً فقالا : بل نهبه لك يا رسول الله ، فأبى رسول الله أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما ، ثم بناه مسجداً ، وطفق رسول الله صلى الله عليه وآله ينقل معهم اللبن في بنيانه ) .
أقول : في رواية البخاري للهجرة تحريف وإخفاء حقائق ، من أجل مدح أبي بكر ، أو للتغطية على مطاعنه ! فلا تواعده مع أبي بكر صحيح ، ولا ذهابه إلى بيته ، ولا تهيئة أبي بكر للرواحل ، بل كان أبو بكر تلك الليلة يبحث عن النبي صلى الله عليه وآله وجاء إلى بيته فوجد علياً عليه السلام نائماً مكانه ، ورجع فلقي النبي صلى الله عليه وآله فأخذه معه .
ولا كانت أسماء بنت أبي بكر في مكة ، وقد سمتها عائشة ذات النطاقين ، بل كانت في المدينة حاملاً مقرباً ، ووضعت عبد الله ابن الزبيرلما وصل النبي صلى الله عليه وآله إلى قباء !
وقد جاءه علي عليه السلام ليلاً إلى الغار وجاء له بناقته القصواء فهاجر عليها ، ودخل بها المدينة ، فأمر علياً عليه السلام فاشترى من أبي بكر جملاً بثمان مئة درهم للدليل ابن أريقط ، ومات الجمل في الطريق ، فاستأجر النبي صلى الله عليه وآله غيره .
وقد استوفينا ذلك في السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام ووثقناه من مصادر غيرنا .

ترك أبو بكر النبي صلى الله عليه وآله في قباء وذهب إلى السنح !

قال البخاري ( 1 / 111 ) : ( عن أنس قال قدم النبي صلى الله عليه وآله المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف ، فأقام النبي صلى الله عليه وآله فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى بني
--------------------------- 209 ---------------------------
النجار فجاؤوا متقلدي السيوف ، كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وآله على راحلته وأبو بكر ردفه ، وملأبني النجارحوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب وكان يحب أن يصلي حيث أدركته الصلاة ، ويصلي في مرابض الغنم ) .
ملاحظات
أخفى البخاري ورواة السلطة أن أبا بكر ترك النبي صلى الله عليه وآله في قباء !
قال ابن هشام ( 2 / 342 ) : « نزل النبي صلى الله عليه وآله في قباء . ونزل أبو بكر على خبيب بن إساف أحد بني الحارث بن الخزرج بالسنح » .
وقال ابن سعد ( 3 / 174 ) : « نزل أبو بكر على خارجة بن زيد بن أبي زهير وتزوج ابنته ، ولم يزل في بيت الحارث بن الخزرج بالسنح ، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وآله » .
وفي أسد الغابة ( 3 / 219 ) : « وكان منزله بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير ، وكان قد حجر عليه حجرة من شعر ، فما زاد على ذلك حتى تحول إلى المدينة » .
وقال ابن خلدون ( 2 ق 2 / 15 ) : « ونزل عليه السلام بقبا على سعد بن خيثمة ، وقيل على كلثوم بن الهدم ، ونزل أبو بكر بالسنح في بني الحرث » .
وأخطأابن أبي الحديد أو كذب للتغطية على أبي بكرفقال في شرح النهج ( 13 / 305 ) : « وأما حال علي فلما أدى الودائع ، خرج بعد ثلاث من هجرة النبي صلى الله عليه وآله فجاء إلى المدينة راجلاً قد تورمت قدماه فصادف رسول الله صلى الله عليه وآله نازلاً بقباء على كلثوم بن الهدم فنزل معه في منزله . وكان أبو بكر نازلاً بقباء أيضاً في منزل خبيب بن يساف ، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وهما معه من قباء » !
وهذا لا يصح لأن منزل خبيب ليس في قباء ، بل في السنح غربي المدينة بفرسخين !
وقد ذكرت مصادرنا إصرار أبي بكر على النبي صلى الله عليه وآله أن يذهب المدينة فرفض قبل وصول علي عليه السلام فقال له أبو بكر لن يصل فكان يتوقع أن يقتل !
وفي الكافي ( 8 / 338 ) : « فقال له أبو بكر : إنهض بنا إلى المدينة ، فإن القوم قد فرحوا
--------------------------- 210 ---------------------------
بقدومك وهم يستريثون إقبالك إليهم فانطلق بنا ولا تقم هاهنا تنتظر علياً ، فما أظنه يقدم عليك إلى شهر ! فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : كلا ما أسرعه ، ولست أريم حتى يقدم ابن عمي وأخي في الله عز وجل وأحب أهل بيتي إليَّ ، فقد وقاني بنفسه من المشركين ! قال : فغضب عند ذلك أبو بكر واشمأز ، وداخله من ذلك حسد لعلي عليه السلام فانطلق حتى دخل المدينة ، وتخلف رسول الله صلى الله عليه وآله بقبا ينتظر علياً » !
وفي الطرائف / 411 ، من حديث سعيد بن جبيرعن علي بن الحسين عليه السلام قال : ( إن أبا بكر لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قبا فنزل بها ينتظر قدوم علي عليه السلام قال له أبو بكر : إنهض بنا إلى المدينة ، فإن القوم يستبشرون بقدومك وهم يسترهبون إقبالك إليهم فانطلق بنا ولا تقم هاهنا تنتظر علياً ، فما أظنه يقدم عليك شهراً ولا دهراً ! فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : كلا بفيك الحجر ، ما أسرع أن يقدم ولا أزيل قدماً عن قدم حتى يقدم علي ابن عمي وأخي في الله وأحب أهل بيتي إلي ، فقد وقاني بنفسه من المشركين وخفت غيره أن يدلهم علي ، فغضب عند ذلك أبو بكر واشمأز وجهه ودخله من ذلك حسد لعلي وكان أول عداوة بدت منه لرسول الله صلى الله عليه وآله في علي ، وأول خلاف على رسول الله وسترها في نفسه حقداً ، فانطلق حتى دخل المدينة وحده وتخلف رسول الله ينتظر قدوم علي عليه السلام ) .
أقول : وفي قول النبي صلى الله عليه وآله : وخفت غيره أن يدلهم عليَّ ! تأكيد على أنه صلى الله عليه وآله وجد أبا بكر في الطريق فأخذه معه ، حتى لا يعرف المشركون منه مكانه . وهي أشد عبارة قالها النبي صلى الله عليه وآله لأبي بكر !

  • *

لا يتسع الكتاب لنقض مناقب البخاري المدعاة لأبي بكر !

فقد حشد البخاري له مناقب محرفة أو مكذوبة ، في هجرته مع النبي صلى الله عليه وآله وفي حروبه ، وفي السقيفة وحروب الردة ، إلى أن مات مسموماً هو والحارث ابن كلدة طبيب السموم في يوم واحد ، وقيل كتب عهداً بالخلافة لعمر !

  • *
    --------------------------- 211 ---------------------------

الفصل العاشر : عمر عند البخاري أفضل

من أبي بكرومن النبي صلى الله عليه وآله !

عمر نبي كامل الأوصاف وإن لم يأته جبرئيل عليه السلام !
النبي الفعلي عند البخاري هو رسول الله محمد صلى الله عليه وآله ، لكن عمر أيضاً له درجة النبوة ! قال البخاري ( 4 / 149 ) : « قال النبي صلى الله عليه وآله : إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون ، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم ، فإنه عمر ) !
وقال السيوطي في الخصائص ( 2 / 219 ) : « قالوا : يا رسول الله كيف محدث ؟ قال : تتكلم الملائكة على لسانه » !
وقال في تحفة الأحوذي ( 10 / 119 ) : « فيه إبانة عن فضل ما جعله الله لعمر من أوصاف الأنبياء وخلال المرسلين عليهم السلام » !
وفي فيض القدير ( 5 / 414 ) : « أوصاف جمعت في عمر ، لو كانت موجبة للرسالة ، لكان بها نبياً ) !
وقال ابن تيمية في الرد على المنطقيين / 513 : « فأما درجة السابقين الأولين كأبي بكر وعمر فتلك لا يبلغها أحد ! وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : قد كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي فعمر ! وفي حديث آخر : إن الله ضرب الحق على لسان عمر وقلبه ! وقال عليٌ : كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر ! وفي الترمذي وغيره : لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر ، ولو كان بعدي نبي ينتظر لكان عمر » !
وقال ابن تيمية في منهاجه ( 6 / 75 ) : « وكلام عمر من أجمع الكلام وأكمله ، فإنه ملهم
--------------------------- 212 ---------------------------
محدث ! كل كلمة من كلامه تجمع علماً كثيراً » !
ورفعوا درجة عمر على درجة النبي صلى الله عليه وآله فصار لا ينطق عن الهوى إن هو إلا حديث الملائكة ! والنبي صلى الله عليه وآله قد يخطئ وينطق عن الهوى فيصحح له عمر !
فعمر زميل النبي صلى الله عليه وآله ، وله الحق أن يعترض عليه وأن يمنعه من كتابة عهده لأمته ! وله الحق أن يكون مهندس نظام الحكم بعد النبي صلى الله عليه وآله كما فعل في السقيفة !
فإن قلت : إن النبي صلى الله عليه وآله معصوم ، فجوابه وعمر يهرب منه الشيطان فهومعصوم ! ومع ذلك ابتكر الذهبي قاعدة لعصمة عمر وأبي بكر ! قال في كتابه : الموقظة في علم مصطلح الحديث / 84 ، بعد أن قسم طبقات أئمة الجرح والتعديل : ما نصه : « والعصمة للأنبياء عليهم السلام والصديقين ، وحكام القسط » !
وعمر عنده أول حكام القسط والعدل أو ثانيهم ، فهو معصوم عصمة تامة !

عمر معصوم وعصمته أقوى من عصمة نبينا صلى الله عليه وآله

قال البخاري ( 4 / 96 ) : « استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن ، فلما استأذن عمرقمن يبتدرن الحجاب ، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وآله ورسول الله يضحك ، فقال عمر : أضحك الله سنك يا رسول الله ؟ قال : عجبت من هؤلاء اللاتي كنَّ عندي فلما سمعنَ صوتك ابتدرنَ الحجاب ! قال عمر : فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يَهَبْنَ ، ثم قال : أيْ عدوات أنفسهن ، أتهبنني ولاتهبنَ رسول الله ؟ قلن : نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وآله ! قال رسول الله صلى الله عليه وآله : والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجَّاً إلاسلك فجاً غير فجِّك » وكرره البخاري في : 4 / 199 و : 7 / 93 ، فعمرمعصومٌ من كل الذنوب ، فهوأفضل من النبي صلى الله عليه وآله ! لأن الشيطان لايهرب من النبي صلى الله عليه وآله ، بل صارعه حتى في صلاته فأعانه الله عليه !
قال ابن القيم في زاد المعاد ( 1 / 268 ) : « كان صلى الله عليه وآله يصلي فجاءه الشيطان ليقطع عليه صلاته ، فأخذه فخنقه حتى سال لعابه على يده » ! ورواه في فقه السنة ( 1 / 265 )
--------------------------- 213 ---------------------------
والألباني في تمام المنة / 304 ، والبيهقي : 2 / 264 وأحمد : 2 / 298 .
قال النووي في شرح مسلم ( 15 / 165 ) : « وهذا الحديث محمولٌ على ظاهره أن الشيطان متى رأى عمر سالكاً فجّاً هرب هيبة من عمر ، وفارق ذلك الفج وذهب في فج آخر ، لشدة خوفه من بأس عمر أن يفعل فيه شيئاً ) !
وقال في فتح الباري ( 7 / 38 ) : « فيه فضيلة عظيمة لعمر ، تقتضي أن الشيطان لا سبيل له عليه ، ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة له ، لأنها في حق النبي صلى الله عليه وآله واجبة وفي حق غيره ممكنة ! ووقع في حديث حفصة عند الطبراني في الأوسط بلفظ : إن الشيطان لايلقى عمر منذ أسلم إلا خرَّ لوجهه ، وهذا دل على صلابته في الدين ، واستمرار حاله على الجد الصِّرْف والحق المحْض » .
أقول : كلام ابن حجر تلبيس للتخفيف من وقع الكذبة ! فقد رأى أنهم جعلوا عمر معصوماً بدرجة فوق درجة عصمة النبي صلى الله عليه وآله ! فاخترع لتغطيتها القول بأنها عصمة جائزة وعصمة النبي صلى الله عليه وآله واجبة ! ولامانع أن تكون العصمة الجائزة لغير النبي صلى الله عليه وآله أفضل من الواجبة ! وهذا تلاعبٌ بالألفاظ لمدح عمر وطعن بالنبي صلى الله عليه وآله !
وزعموا أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « أتاني جبريل فقال : أقرئ عمر السلام وأعلمه أن غضبه عز ورضاه عدل » ( كنز العمال : 11 / 579 و : 10 / 365 و : 12 / 555 ، والدر المنثور : 6 / 420 )
وزعموا أن الله تعالى أمر الله نبيه أن يراعي الأدب في التعامل مع عمر ، ولما ارتكب معه خطأ نزلت آية تؤنبه ! قال عمر بن شبة في تاريخ المدينة ( 3 / 864 ) : « وجه رسول الله صلى الله عليه وآله غلاماً من الأنصار وقت الظهيرة ليدعوه ، فدخل فرأى عمر بحالةٍ فكره عمر رؤيته ذلك ، فأنزل الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَئْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ »
وزعم الترمذي ( 5 / 281 ) أن النبي صلى الله عليه وآله فضله على جميع أهل الأرض بمن فيهم هو فقال : ( ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر ) ! ولم يستثن النبي صلى الله عليه وآله أحداً !
--------------------------- 214 ---------------------------

حلل البخاري الخمر من أجل عمر !

كان عمر يشرب النبيذ ولايَسكر ، ويقول : الحرام ما أسكر ، قال البخاري ( 6 / 242 ) : ( باب ما جاء في أن الخمر ما خامرالعقل من الشراب . عن ابن عمر قال : خطب عمر على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : إنه قد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل . والخمر ما خامرالعقل . قال قلت : يا أبا عمرو فشئ يصنع بالسند من الرز ؟ قال ذاك لم يكن على عهد النبي أو قال على عهد عمرفهذا أثبت حديث للكوفيين في المسكر ثم خالفوه ) .
وفي نصب الراية ( 4 / 162 ) : ( قال العقيلي : إن أعرابياً شرب من إداوة عمر نبيذاً فسكر فضربه الحد ! ورواه العقيلي في كتابه وزاد فيه : فقال الأعرابي : إنما شربته من إداوتك ! فقال عمر إنما جلدناك على السكر ) ! أي لماذا لم تكن مدمناً مثلي !
وقال في المبسوط ( 24 / 11 ) : ( المسكر ما يتعقبه السكر ، وهو الكأس الأخير ) .
وحذف البخاري من حديثه : وما أسكر كثيره فقليله حرام ! ولم يرو شيئاً من أحاديث تحريم الخمر إن كان شاربها مدمناً ولم يسكر ، مثل عمر !
وكرر ( 6 / 21 ) : ( ماخامر العقل ) وحلل الجعة ( البيرة ) فقال ( 6 / 242 ) : ( باب الخمر من العسل وهوالبتع . وقال معن : سألت مالك بن أنس عن الفقاع فقال : إذا لم يسكرفلا بأس به ، وقال ابن الدراوردي : سألنا عنه فقالوا لايسكرلا بأس به ) !
وترك البخاري ما رواه النسائي ( 8 / 299 ) : ( كل شراب أسكر كثيره ، فقليله حرام ) . ومثله ابن ماجة : 2 / 1124 ، وأبو داود : 2 / 185 ، والترمذي : 3 / 3 .
كما لم يرو البخاري قول عمر المشهور للنبي صلى الله عليه وآله في الخمر : انتهينا انتهينا !
قال في الدر المنثور ( 1 / 252 ) : ( أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي والضياء المقدسي في
--------------------------- 215 ---------------------------
المختارة عن عمر أنه قال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً ، فإنها تذهب المال والعقل ، فنزلت يسئلونك عن الخمر والميسر . التي في سورة البقرة ، فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً ! فنزلت الآية التي في سورة النساء : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ، فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أقام الصلاة نادى أن : لايقربن الصلاة سكران ، فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً ! فنزلت الآية التي في المائدة ، فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ فهل أنتم منتهون ؟ قال عمر : انتهينا انتهينا ) .
والمائدة آخر سورة من القرآن ، وقد نزلت قرب وفاة النبي صلى الله عليه وآله !

روى البخاري طرفاً من حفلة خمر فيها أبو بكر وعمر وأنس !

رووا أن أحد عشر صحابياً شربوا الخمر وغنوا بشعر لأبي بكر ينوح على قتلى المشركين في بدر ! فجاء النبي صلى الله عليه وآله غاضباً وبيده سعفة أو مكنسة ، ليضربهم بها !
وتتفاجأ بأن الحديث صحيح رواه تمام الرازي المتوفى 414 ، في الفوائد : 2 / 228 ، برقم : 1593 ، وفي طبعة : 3 / 481 : « بسنده صحيح عن أبي القموص قال : « شرب أبو بكر الخمر قبل أن تحرم فأخذت فيه ، فأنشأ يقول :
تَحَيَّيْ بالسلامة أمَّ بكرٍ * وهل لك بعد رهطك من سلامِ
ذريني أصطبح يا بكر أني * رأيت الموت نقَّبَ عن هشام
فودَّ بنو المغيرة أن فدوْهُ * بألف من رجال أو سوام
فكائن بالطويِّ طويِّ بدر * من القينات والخيل الكرام
فكائن بالطويِّ طويِّ بدر * من الشيزى تُكلل بالسنام
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله فقام معه جريدة يجر إزاره حتى دخل عليه ، فلما نظر إليه قال : أعوذ من سخط الله ومن سخط رسوله ، والله لا يلج لي رأساً أبداً !
فذهب عن رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان فيه ، وخرج ، ونزل عليه : فَهَلْ أنتمْ مُنْتَهُون ! فقال عمر :
--------------------------- 216 ---------------------------
انتهينا والله » ورواه ابن هشام ( 2 / 549 ) وفيه أبيات في إنكار الآخرة قال :
يخبرنا الرسول بأن سنحيا وكيف حياة أصداءٍ وهامِ » !
وذكر ابن حجر في فتح الباري ( 10 / 31 ) أن تلك الحفلة كانت في بيت أبي طلحة ، وكانوا عشرة صحابة أو أكثر ، وكان ساقيهم أنس بن مالك ! ثم قال : « ولأحمد عن يحيى القطان ، عن حميد ، عن أنس : كنت أسقي أبا عبيدة وأبي بن كعب وسهيل بن بيضاء ، ونفراً من الصحابة عند أبي طلحة . ووقع عند عبد الرزاق عن معمر بن ثابت وقتادة وغيرهما ، عن أنس ، أن القوم كانوا أحد عشر رجلاً ، وقد حصل من الطرق التي أوردتها تسمية سبعة منهم ، وأبهمهم في رواية سليمان التيمي عن أنس ، ومن المستغربات ما أورده ابن مردويه في تفسيره من طريق عيسى بن طهمان عن أنس ، أن أبا بكر وعمركانا فيهم ! وهو منكرمع نظافة سنده ، وما أظنه إلا غلطاً » !
أقول : كلام ابن حجر ردٌّ للصحيح بلا حجة ! فإذا صح الحديث فلا استغراب !
ويؤيد صحة القصة : أن عائشة اهتمت بنفي نظم أبي بكر للأبيات الكفرية ، فقد روى البخاري ( 4 / 263 ) دفاعها عنه فقال : « عن عائشة أن أبا بكر تزوج امرأة من كلب يقال لها أم بكر ، فلما هاجر أبو بكر طلقها فتزوجها ابن عمها هذا الشاعر ، الذي قال هذه القصيدة ورثى كفار قريش ، وفيها :
يحدثنا الرسول بأن سنحيا وكيف حياة أصداء وهام »
لكنها نفت نظمها ، لأنها تنكرالنبوة والآخرة ! أما إنشادها فأقل مصيبةً !
وروى ابن حجر في الإصابة ( 7 / 39 ) أن عائشة كانت غاضبة لأن الناس لم يصدقوها ! « كانت تدعو على من يقول إن أبا بكر الصديق قال هذه القصيدة ثم تقول : والله ما قال أبو بكر بيت شعر في الجاهلية ولا في الإسلام ، ولكن تزوج امرأة من بني كنانة فلما هاجر طلقها فتزوجها ابن عمها هذا الشاعر ، فقال هذه القصيدة يرثي كفار قريش الذين قتلوا ببدر ، فتحامى الناس أبا بكر من أجل المرأة التي طلقها وإنما هوأبوبكر بن شعوب » !
راجع في الموضوع : أمالي الطوسي / 737 ، بسبعة أبيات ، وابن هشام : 2 / 549 بتسعة أبيات ، والغدير : 6 / 251 ،
--------------------------- 217 ---------------------------
7 / 96 و : 7 / 95 ، وفتح الباري : 10 / 30 ، وسيرة ابن كثير : 2 / 535 ، ومستدرك الوسائل : 17 / 83 ، والسقيفة أم الفتن / 74 ، وفيض القدير : 1 / 117 ، والإصابة : 7 / 38 ، والزوائد : 5 / 51 ، والهداية الكبرى / 106 ، وأمالي المرتضى : 2 / 18 ، وأحاديث الشعر للمقدسي / 57 ، والنهاية لابن كثير : 3 / 412 ، والثعلبي في تفسيره : 2 / 142 .

البخاري يحترم كعب الأحبار لأنه نبي عند عمر !

كان عمر يرى أن كعب الأحبار نبي ، ويسأله عن مستقبله ، قال له : « أنشدك بالله يا كعب أتجدني خليفة أم ملكاً ؟ قال : بل خليفة فاستحلفه فقال كعب : خليفة والله من خير الخلفاء ، وزمانك خير زمان » ! ( مجمع الزوائد : 9 / 65 ) .
وكان عمر يعتقد بما يقوله كعب حتى لو خالف العقل ! فقد صدقه بأن الجراد صيد البحر يحل للمحرم ، لأن الحوت ينثره من أنفه كل ستة أشهر !
ويظهر أن البخاري لا يوافق على تعظيم كعب الأحبار ، فقد نقل عن معاوية قوله ( 8 / 160 ) : ( إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب ) !
ومع ذلك تبنى البخاري نبوءة كعب بأن الكعبة ستهدم ، وعقد لها في ( 2 / 159 ) : باباً بعنوان : باب هدم الكعبة ! وروى فيه عن عائشة : ( يغزو جيش الكعبة فيخسف بهم ) . وليس في النص أنه سيهدمها ، لكنه في عنوان البخاري !
قال ابن حجر ( 3 / 368 ) : ( قيل : هذا الحديث يخالف قوله تعالى : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً ، ولأن الله حبس عن مكة الفيل ولم يمكن أصحابه من تخريب الكعبة وأجيب : بأن ذلك أمريقع في آخرالزمان قرب قيام الساعة )
فأحنى رأسه كالبخاري وقال إن الكعبة سوف تهدم ، لأن عمر قبل ذلك من كعب !
--------------------------- 218 ---------------------------

وقال البخاري فاتت النبي عليه السلام الصلاة ولم تفت عمر !

كانت مبارزة علي عليه السلام لعمرو بن عبد ود ظهراً ، وذهب معه جماعة ليتفرجوا على المبارزة منهم حذيفة وجابرالأنصاري والزبير وعمر ، وبعد انتصار علي عليه السلام أمرالنبي صلى الله عليه وآله عمر أن يبرز لضرار بن الخطاب أحد الذين عبروا الخندق مع عمرو فنكص عمر عنه .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام كما في كتاب سُليم / 247 : « ولقد نادى ابن عبد ود يوم الخندق باسمه ، فحاد عنه ولاذ بأصحابه حتى تبسم رسول الله صلى الله عليه وآله مما رءآ به من الرعب ! وقال : تقدم يا حبيبي يا علي . . والله يحكم بيننا وبين من ظلمنا حقنا وحمل الناس على رقابنا » .
وبعد قتل عمرو والفرسان الذين عبروا معه ، أرسل الله عليهم الريح فزعموا أن النبي صلى الله عليه وآله انشغل عن الصلاة يومهاحتى ذهب وقتها !
قال البخاري ( 1 / 147 ) : « إن عمر جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس ، فجعل يسب كفار قريش ! قال : يا رسول الله ماكدت أصلي العصرحتى كادت الشمس تغرب ؟ قال النبي : والله ماصليتها ! فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لهافصلى العصر بعدما غربت الشمس ، ثم صلى بعدها المغرب » !
أقول : يدل على كذب ما نسبه البخاري إلى النبي صلى الله عليه وآله أن مبارز علي عليه السلام لعمرو وهبوب الريح عليهم يوم الأربعاء قبل الظهر ! وزعموا أن النبي صلى الله عليه وآله لم يصل ذلك اليوم العصر ، أو فاتته أربع صلوات ! وزعم عمر أنه ذهب إلى الخندق قبل صلاة العصر ، فكان يسبهم وهم في الطرف الثاني من الخندق ، وظل يسبهم ويسبهم ساعات إلى قريب المغرب ، ولم يضربه أحد منهم بسهم ولا بحجر !
ثم رجع عمر سالماً وأدرك صلاة العصر آخر الوقت ، فحكى ذلك للنبي صلى الله عليه وآله فقال له أنت خير مني لأني لم أصلها أبداً ! فرجعوا إلى المدينة مساء ذلك اليوم والمسافة من الخندق إلى المدينة نحو ساعة فوصلوا إلى بطحان ، وهو واد متصل بالمدينة ( فتح الباري : 2 / 347 ) وصلى النبي صلى الله عليه وآله العصر التي فاتته مع المغرب !
--------------------------- 219 ---------------------------
وهي منقبة زعمها عمر لنفسه ولا تصح لأنهم رجعوا إلى المدينة قبيل الظهر ، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال النبي صلى الله عليه وآله لا تصلوا الظهر إلا في بني قريظة .
والصحيح أن عمر ذهب والتقى بقرشيين وتحدث معهم ففاتته الصلاة ، فقال إن النبي صلى الله عليه وآله فاتته ، أماهو فصلاها في آخر الوقت فهوأفضل من النبي صلى الله عليه وآله !

تبرير البخاري لانغلاق ذهن عمر كلياً !

قال الله تعالى : ( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ) . فالورثة الكلالة هم الأقارب ما خلا الولد والوالدين ، أي الأقارب البعيدين .
وقدانغلق ذهن عمر بالكلية عن فهم الكلالة فصارت عنده عقدة ! وقد راجع فيها النبي صلى الله عليه وآله مراراً وشرحها له لكن لا فائدة ! واستعان بحفصة فأملاها عليها النبي صلى الله عليه وآله وكتبها له ، لكن لا فائدة ! ثم سأله عنها فشرحها له النبي صلى الله عليه وآله . ثم لقنه إياها حذيفة ، لكن لا فائدة !
وقال : وقد سألت رسول الله فما أغلظ لي في شئ ما أغلظ لي فيها حتى طعن بإصبعه في صدري ثم قال يا عمرتكفيك آية الصيف التي نزلت في آخر سورة النساء . ثم قال لحفصة : إذا رأيت من رسول الله صلى الله عليه وآله طيب نفس فسليه عنها ، فرأت منه طيب نفس فسألته فقال : أبوك ذكرلك هذا ؟ ما أرى أباك يعلمها ! فكان عمر يقول : ما أراني أعلمها وقد قال رسول الله ما قال ! ويقول إن فهم الكلالة أحب إلي من واردات بلاد الشام ! بل أحب إليه من الدنيا وما فيها !
ثم أغلق ذهنه عنها تماماً فقال في خطبته في المسجد : الكلالة الكلالة الكلالة وأخذ شد بلحيته ! ثم قرر عمر أن يبذل جهداً علمياً ويفهمها فألف فيها كتاباً للمسلمين . ثم مزق الكتاب وتبرأ منه وقال : اشهدوا أني لم أقض في الكلالة !
ثم قرر أن يوصي الأمة بها في آخر خطبة خطبها بأن تبذل جهودها لفهم الكلالة وقال :
--------------------------- 220 ---------------------------
ما أدع بعدي شيئاً هو أهم إلي من أمر الكلالة . وقال : إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من لا يقرأ القرآن وإن مت فعليكم بها !
وقد روى أحاديثها مسلم وغيره من أمهات المصادر ، وفيها عمليات عمر المتنوعة مع الكلالة ! قال مسلم ( 2 / 81 ) : ( خطب عمر يوم الجمعة فذكر نبي الله صلى الله عليه وآله ، وذكر أبا بكر . قال إني رأيت كأن ديكاً نقرني ثلاث نقرات وإني لا أراه إلا حضور أجلي . ثم إني لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة ! وما راجعت رسول الله في شئ ما راجعته في الكلالة ، وما أغلظ لي في شئ ما أغلظ لي فيها !
وبسبب هذه المأساة لعمر مع الكلالة ، قرر البخاري أن يغطي على عمر ، فلم يرو شيئاً من أخبار الكلالة صاحبة الجلالة ! قال البخاري ( 6 / 242 ) : ( خطب عمرعلى منبر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال إنه قد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء . . والخمر ما خامر العقل . وثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يفارقنا حتى يعهد الينا عهداً الجد والكلالة وأبواب من أبواب الربا ) .
ومعناه أن النبي صلى الله عليه وآله توفي قبل أن يبين الكلالة ، فلا لوم على عمر ! بل على رسول الله صلى الله عليه وآله لأنها لم يبينها للمسلمين ، وخالف أمر الله له بالتبليغ !

قالوا أمر النبي بقطع النخيل فنهاه عمر !

ذكرت المصادر أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بقطع بعض النخلات من بساتين بني النضير وهي نخلات ملتفة تقع بين معسكره وحصونهم ، اختبؤوا فيها ليلاً ورموا خيمته بسهام ، فقطع منها أو من سعفها الملتف بقدر الضرورة ، ويؤيد ذلك أنهم سموها البويرة ، ومعناها قطعة الأرض الصغيرة التي كانت بوراً غير مغروسة ثم غرست . لاحظ قول ابن شهرآشوب في المناقب ( 1 / 170 ) : « ثم حاصرهم نيفاً وعشرين يوماً وأمر بقطع نخلات ، قوله : مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ ، وهي البويرة في قول حسان » .
فالمقطوع نخلات لغرض مشروع ! لكن رواة السلطة صوروا الأمر كأنه إبادة منطقة
--------------------------- 221 ---------------------------
نخيل واسعة ، وغرضهم أن يبرروا ما ارتكبه بعضهم القادة في الفتوحات أو الحروب الداخلية من إحراق أشجار وبيوت !
قال البخاري ( 5 / 23 و : 6 / 58 ) : « إن رسول الله صلى الله عليه وآله حرَّق نخل بني النضير وقطعه وهي البويرة ) . وفي ( 3 / 67 و : 5 / 23 ) : ( ولها يقول حسان بن ثابت :
وهان على سراة بنى لؤي * حريق بالبويرة مستطير
قال فأجابه أبو سفيان بن الحرث :
أدام الله ذلك من صنيع * وحرق في نواحيها السعير
ستعلم أينا منها بنزه * وتعلم اي أرضينا تضير ) .
وعلت أصواتهم لإثبات منقبة لعمر وأبي بكر ، لأنهما أعقل من النبي صلى الله عليه وآله وأرحم ، فنهوه عن ذلك ! قال السرخسي ( 10 / 32 ) : « وأمر بقطع النخيل بخيبر حتى أتاه عمر فقال : أليس أن الله تعالى وعدك خيب ؟ فقال : نعم . فقال : إذاً تقطع نخيلك ونخيل أصحابك ! فأمر بالكف عن ذلك ! ولما حاصر ثقيفاً أمر بقطع النخيل والكروم ، حتى شق ذلك عليهم » !
وفي السير الكبير ( 1 / 55 ) : « قال الراوي : فأخبرني رجال رأوا السيوف في نخيل النطاة وقيل لهم : هذا مما قطع رسول الله ! والنطاة اسم حصن من حصون خيبر » ! وفي دلائل النبوة للبيهقي ( 5 / 157 ، وسننه : 9 / 90 ) : « وزاد عروة في روايته قال : وأمر رسول الله المسلمين حين حاصروا ثقيفاً أن يقطع كل رجل من المسلمين خمس نخلات أو حبلات من كرومهم ! فأتاه عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله إنها عفاء ، لم تؤكل ثمارها ! فأمرهم أن يقطعوا ما أكلت ثماره ، الأول فالأول » !
كما رووا أن أبا بكر كان أعقل وأرحم من النبي صلى الله عليه وآله فأوصى بأن لا يقطع الشجر ! وكلها روايات باطلة موظفة لمدح عمر وأبي بكر ولو بالطعن بالنبي صلى الله عليه وآله ! تعويضاً لهما عن فرارهما وعدم مشاركتهما يوماً في قتال ، فلا ضربا بسيف ولا رميا بسهم !
--------------------------- 222 ---------------------------

فضيحة صارت فضيلة . . مثل صارخ لتزوير البخاري !

إقرأ معي في البخاري ( 1 / 32 ) : ( باب الغضب في الموعظة والتعليم : عن أبي بردة عن أبي موسى قال : سئل النبي صلى الله عليه وآله عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب ، ثم قال للناس سلوني عما شئتم ! قال رجل : مَنْ أبي ؟ قال أبوك حذافة ! فقام آخر فقال : مَن أبي يا رسول الله ؟ فقال أبوك سالم مولى شيبة ! فلما رأى عمر ما في وجهه قال : يا رسول الله إنا نتوب إلى الله عز وجل !
باب : من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث : عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج فقام عبد الله بن حذافة فقال : من أبي ؟ فقال أبوك حذافة ، ثم أكثر أن يقول سلوني ! فبرك عمر على ركبتيه فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وآله نبياً ، فسكت ! )
هل رأيت الأمور الغريبة في هذا النص ! يقول البخاري : أكثروا السؤال على النبي صلى الله عليه وآله فغضب ! وجعل عنوان الباب الغضب في التربية والتعليم ، يعني غضب النبي صلى الله عليه وآله ! ثم قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : سلوني عما شئتم ! فكيف غضب من أسئلتهم ، ثم قال لهم سلوني ما شئتم عما شئتم ! فسألوه هل هم أولاد شرعيون ، أو أولاد زنا ! فما هذا السؤال العجيب وما المناسبة ؟ ! وما هذا الجواب من النبي صلى الله عليه وآله ؟ ! ولماذا بلغ غضبه أوجه ، وجبرئيل إلى جنبه ! فبرَّأ صحابياً ، وفضح آخر على رؤوس الأشهاد ، وأعلن أنه ابن زنا !
ثم أصرَّ النبي صلى الله عليه وآله على المسلمين : سلوني سلوني سلوني ! فقام عمر وأعلن التوبة ؟ ! فهدَّأ الموقف وسكت النبي صلى الله عليه وآله !
فما القصة ، وما سبب هذا الغضب والتحدي والفضح النبوي ! وما هذه التوبة العمرية ، التي اختصرها البخاري وفصلها غيره ، حتى رووا أنه قبَّل رجل النبي صلى الله عليه وآله وهو يسترضيه ! فلكي تحصل على أجوبة لهذه الأسئلة عليك أن تجمع أشلاء هذه القصة في مصادر الحديث وستجدها قطعاً مجزأة ، وفوق القطعةعنوان مضلل لتغطيتها ! وستجد
--------------------------- 223 ---------------------------
أن بعض قطعها مفيدة جداً كالتي رواها مسلم وبيَّن فيها أن غضب النبي صلى الله عليه وآله لم يكن من أسئلة المسلمين ، كما زعم البخاري ! بل كان لشئ كربه بلغه عن أصحابه ! فصعد المنبر وخطب وطلب منهم أن يسألوه عن أنسابهم وتحداهم فخافوا وبكوا ، فقام عمروتاب !
قال مسلم في صحيحه ( 7 / 92 ) : ( عن أنس بن مالك قال : بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله عن أصحابه شئ فخطب ! فقال : عرضت عليَّ الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر ، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً !
قال فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يوم أشد منه ! قال : غطَّوْا رؤسهم ولهم خنين ! قال فقام عمر فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ! قال فقام ذاك الرجل فقال : من أبي ؟ قال : أبوك فلان ، فنزلت : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ !
وروى جزءً منها في ( 3 / 167 ) فالمسألة إذن غضبٌ نبويٌّ لما بلغه عن ( أصحابه ) وخطبةٌ نبوية نارية بحضور جبرئيل ! وتحدٍّ نبوي لهم في أنسابهم ! وبكاء أصحاب الفرية من الخوف ! وأن ذلك اليوم كان أشد يوم مر عليهم مع نبيهم ! وأن النبي صلى الله عليه وآله أجابهم وطعن في نسبهم وتحداهم أن يسألوه عن نسبهم ! فسأله بعضهم عن نسبه ففضحه النبي صلى الله عليه وآله الرحيم ! فقام عمر إلى النبي صلى الله عليه وآله وبرك عند رجليه وقبل قدمه ! وأعلن توبته وتوبتهم !
فأين هذا مما فعله البخاري فنسب الذنب إلى النبي صلى الله عليه وآله وأنه غضب في تعليمه للمسلمين من سؤال سألوه ! وأين بروك التلميذ بين يدي أستاذه ، من بروك عمر على أقدام النبي صلى الله عليه وآله يقبلها ليسامحه في طعنه بأسرته !
لقد بلغ من خبث البخاري وبراعته أنه مزق الحديث أشلاء ، واخترع لكل شلو عنواناً ، وباباً ، واتهم النبي صلى الله عليه وآله بسوء الخلق ! كل ذلك ليغطي على عمر !
ففي صحيحه ( 1 / 31 ) : ( عقدباباً باسم : باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره ، فجعله من نوع غضب المدرس والواعظ !
وفي ص 32 : ( جعله من نوع تأدب التلميذ بين يدي معلمه فسمى الباب : باب من
--------------------------- 224 ---------------------------
برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث !
وفي ص 136 و 8 / 143 : ( وضع جزءً منه تحت عنوان : باب وقت الظهر عند الزوال ! بمناسبة أن خطبة النبي صلى الله عليه وآله النارية القاصعة كانت عند الزوال ! فقام عبد الله بن حذافة السهمي فقال : من أبي ؟ قال : أبوك حذافة . ثم أكثر أن يقول سلوني ، فبرك عمر على ركبتيه فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً . فسكت . ثم قال : عرضت على الجنة والنار آنفاً في عرض هذا الحائط ، فلم أر كالخير والشر ) .
وفي ( 4 / 73 ) : ( جعل جزءً منه تحت عنوان : ما جاء في قول الله : وَهُوَالَّذِي يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ، بحجة أن الراوي قال : قام فينا النبي مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم !
وفي ( 7 / 157 ) : ( عقد له باباً باسم باب التعوذ من الفتن ! وكأن الموضوع كان حديثاً هادئاً للأمة عن الفتن الآتية ، وأن عمر قال : رضينا بالله رباً وبمحمد رسولاً . نعوذ بالله من الفتن !
وفي ( 8 / 142 ) : ( عقد باباً باسم : باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه وحشر فيها آية : لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ! مع أنه كان ينبغي أن يسمي الباب : باب وجوب امتثال أمر النبي صلى الله عليه وآله إذا أمر بالسؤال ، لأن موضوع الآية المحشورة كراهة السؤال ، وموضوع الحديث أمر النبي صلى الله عليه وآله المكرر المشدد لمؤذيه من قريش أن يسألوه ! ولعل البخاري يقصد بكراهة السؤال كراهة إلحاح المعلم على تلاميذه بقوله سلوني ! وأن الخطأ كان من النبي صلى الله عليه وآله لإلحاحه عليهم أن يسألوه ! وأن عمرصحح خطأ النبي صلى الله عليه وآله !
ماذا قال شراح البخاري ؟
لاخبر عند شراح الصحاح عن القضية ! فلا رأوا ولا سمعوا ولا قرؤوا ، ولا شموا رائحة شئ يستوجب التساؤل والبحث !
قال شيخهم ابن حجر في فتح الباري : ( قوله قال رجل : هو عبد الله بن حذافة بضم أوله
--------------------------- 225 ---------------------------
وبالذال المعجمة والفاء ، القرشي السهمي ، كما سماه في حديث أنس الآتي .
قوله فقام آخر : هو سعد بن سالم مولى شيبة بن ربيعة ، سماه ابن عبد البر في التمهيد في ترجمة سهيل بن أبي صالح ، وأغفله في الإستيعاب ولم يظفر به أحد من الشارحين ولا من صنف في المبهمات ولا في أسماء الصحابة ، وهو صحابي بلا مرية ، لقوله فقال من أبي يا رسول الله ؟ ووقع في تفسير مقاتل في نحو هذه القصة أن رجلاً من بني عبد الدار قال من أبي ؟ قال سعد : نسبه إلى غير أبيه بخلاف ابن حذافة !
قوله فلما رأى عمر ، هو بن الخطاب ، ما في وجهه أي من الغضب ، قال : يا رسول الله إنا نتوب إلى الله أي مما يوجب غضبك . وفي حديث أنس الآتي بعد أن برك عمر على ركبتيه فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ، والجمع بينهما ظاهر ، بأنه قال جميع ذلك فنقل كل من الصحابيين ما حفظ ، ودل على اتحاد المجلس اشتراكهما في نقل قصة عبد الله بن حذافة .
قال ابن بطال : فهم عمر منه أن تلك الأسئلة قد تكون على سبيل التعنت أو الشك فخشي أن تنزل العقوبة بسبب ذلك ! فقال رضينا بالله رباً الخ . فرضي النبي صلى الله عليه وآله بذلك ، فسكت !
قوله وقال سلوني : في حديث أنس المذكور فصعد المنبر فقال : لا تسألوني عن شئ إلا بينته لكم ! وفي رواية سعيد بن بشير عند قتادة عن أبي حاتم : فخرج ذات يوم حتى صعد المنبر ، وبيَّن في رواية الزهري المذكورة في هذا الباب وقت وقوع ذلك وأنه بعد أن صلى الظهر ، ولفظه : خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة ثم قال : من أحب ( ! ) أن يسأل عن شي فليسأل عنه فذكر نحوه . قوله : فقام رجل فقال يا رسول الله من أبي ؟ بيَّن في حديث أنس من رواية الزهري اسمه ، وفي رواية قتادة سبب سؤاله ، قال فقام رجل كان إذا لاحى أي خاصم دعي إلى غير أبيه ، وذكرت اسم السائل الثاني وأنه سعد ، وإني نقلته من ترجمة سهيل بن أبي صالح من تمهيد بن عبد البر .
وزاد في رواية الزهري الآتية بعد حديثين فقام إليه رجل فقال : أين مدخلي يا رسول الله ؟ قال : النار ! ولم أقف على اسم هذا الرجل في شئ من الطرق كأنهم أبهموه عمداً للستر عليه ! وللطبراني من حديث أبي فراس الأسلمي نحوه ، وزاد : وسأله رجل في الجنة أنا ؟ قال : في
--------------------------- 226 ---------------------------
الجنة ، ولم أقف على اسم هذا الآخر !
ونقل ابن عبد البر عن رواية مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله قال في خطبته : لا يسألني أحد عن شئ إلا أخبرته ، ولو سألني عن أبيه ، فقام عبد الله بن حذافة ، وذكر فيه عتاب أمه له وجوابه ، وذكر فيه فقام رجل فسأل عن الحج فذكره ، وفيه : فقام سعد مولى شيبة فقال مَن أنا يا رسول الله ؟ قال أنت سعد بن سالم مولى شيبة .
وفيه فقام رجل من بني أسد فقال : أين أنا ؟ قال : في النار ! فذكر قصة عمرفلما رأى عمر ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وآله من الغضب . بين في حديث أنس أن الصحابة كلهم فهموا ذلك ، ففي رواية هشام فإذا كل رجل لافاً رأسه في ثوبه يبكي ، وزاد في رواية سعيد بن بشير : وظنوا أن ذلك بين يدي أمر قد حضر !
وفي رواية موسى بن أنس عن أنس الماضية في تفسير المائدة : فغطوا رؤوسهم ولهم خنين ! زاد مسلم من هذا الوجه : فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يوم كان أشد منه ! قوله : فقال إنا نتوب إلى الله عز وجل . . زاد في رواية الزهري : فبرك عمر على ركبته فقال رضينا بالله رباً وبالاسلام ديناً وبمحمد رسولاً ، وفي مرسل السدى عند الطبري في نحو هذه القصة فقام إليه عمر فقبل رجله ! وقال رضينا بالله رباً ، فاعف عفا الله عنك ، فلم يزل به حتى رضى !
وفي هذا الحديث غير ما يتعلق بالترجمة :
مراقبة الصحابة أحوال النبي ص وشدةإشفاقهم إذا غضب ، خشية أن يكون لأمر يعم فيعمهم ، وادلال عمر عليه وجواز تقبيل رجل الرجل ، وجواز الغضب في الموعظة ، وبروك الطالب بين يدي من يستفيد منه ، وكذا التابع بين يدي المتبوع إذا سأله في حاجة ، ومشروعية التعوذ من الفتن عند وجود شئ قد يظهر منه قرينة وقوعها ، واستعمال المزاوجة في الدعاء في قوله : أعف عفا الله عنك ، والا فالنبي صلى الله عليه وآله معفو عنه قبل ذلك .
قال ابن عبد البر : سئل مالك عن معنى النهي عن كثرة السؤال فقال : ما أدري أنهى عن الذي أنتم فيه من السؤال عن النوازل أو عن مسألة الناس المال ) ! !
أقول : تعرف بذلك أن الشراح جميعاً يعرفون أن الصحابة طعنوا في أسرة النبي صلى الله عليه وآله
--------------------------- 227 ---------------------------
وأنه غضب غضباً شديداً ووبخهم وذمهم وتحداهم ، وكان معه جبرئيل عليه السلام يوجهه ولكن الشراح تبانوا على التغطية على عمر وجماعته ، ولو على حساب نبيهم صلى الله عليه وآله !
والقضية كانت قريش بقيادة عمر ، لما جاء طلقاؤهم ألوفاً إلى المدينة بعد فتح مكة ينتظرون وفاة النبي صلى الله عليه وآله ليأخذوا دولته ، فكانوا يخططون الخطط ويفعلون الأفاعيل لتشوية صورة علي والعترة وبني هاشم عامة ، حتى شكى الأنصار والعباس للنبي بأن قومك القرشيين ينالون من أسرتك ، وكان عمر يقول إن مثل محمد كنخلة نبتت في كبا ، أي مزبلة ، فأمر النبي صلى الله عليه وآله بالصلاة جامعة وحضر الأنصار بالسلاح ، وخطب خطبة عظيمة عن القيامة والشفاعة والجنة والنار ، وعن اختيار الله لأسرته من آل إبراهيم وإسماعيل ، ثم قال : فليقم الطاعن في أسرتي وليسألني من أبوه ! فخافوا وبكى بعضهم ، وجاء عمر وقبل قدميه !
إن البخاري يعرف ذلك جيداً ويحفظ أحاديثه ، ولكنه من حزب عمر وقريش ، ضد عترة النبي ، بل ضد النبي صلى الله عليه وآله ! وقد بينا هذه الحادثة الخطيرة في كتاب : ألف سوال وإشكال على المخالفين لأهل البيت الطاهرين ( 1 / 192 ) مسألة 59 ، فراجع .

الصراع بين أبي بكر وعمر

قال البخاري ( 6 / 47 ) : « قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وآله فقال أبو بكر : أمِّر القعقاع بن معبد . وقال عمر : أمِّر الأقرع بن حابس . فقال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي ! فقال عمر : ما أردت خلافك ! فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما ، فنزل في ذلك : لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ »
وروى البخاري ( 6 / 46 ، و : 8 / 145 ) : « عن ابن أبي مليكة قال : كاد الخيِّران أن يهلكا أبا بكر وعمر ، رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وآله حين قدم عليه ركب بني تميم ، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع ، وأشار الآخر برجل آخر ، قال نافع لا أحفظ اسمه ، فقال أبو بكر لعمر : ما أردت إلا خلافي ! قال : ما أردت خلافك ! فارتفعت أصواتهما في
--------------------------- 228 ---------------------------
ذلك فأنزل الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ ، الآية . قال ابن الزبير : فما كان عمر يُسمع رسول الله صلى الله عليه وآله بعد هذه الآية حتى يستفهمه » !
أقول : لاحظ أن السورة بدأت بالنهي على التقديم بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وقد فعل ذلك أبو بكر وعمر فقالا له : إفعل كذا ، ولا تفعل كذا ! وكأنهما أصحاب الحق في تعيين الولاة ، كما قالا من قبل : لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شيئٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا !
كما نهت السورة عن الجدل عند رسول الله صلى الله عليه وآله ورفع الصوت فوق صوته ، وقد تجادلا بالمراء ، ورفعا صوتيهما فوق صوته !
كما جعلت عقوبة ذلك إحباط العمل ، فهي معصية تستوجب التوبة والاستغفار ، ولم يرووا أنهما تابا واعتذرا من النبي صلى الله عليه وآله وطلبا أن يستغفر لهما !
وقد أخفى المفسرون علاقة أبي بكر وعمر بقوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ! وزعموا أن عمر كان يطبق حدود الله تعالى ويتأدب بأدب القرآن ، فكان يكلم النبي صلى الله عليه وآله بصوت منخفض طول عمره كأخي السرار ، أي كمن يقول للآخر سراً ! وذلك ليغطوا أنه كان ينادي النبي صلى الله عليه وآله بالصياح من وراء الحجرات ، كما فعل عندما تأخر النبي صلى الله عليه وآله عمداً عن صلاة العشاء فصاح عمر : نام النساء والصبيان ! قال مسلم ( 2 / 115 ) : فخرج النبي صلى الله عليه وآله وقال : « ما كان لكم أن تنزروا رسول الله على الصلاة ! وذاك حين صاح عمر بن الخطاب » !
كما غطوا صياح عمر وأصحابه في وجه النبي صلى الله عليه وآله لما قال في مرض وفاته : إيتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً ، فصاح عمر : لا تقربوا له شيئاً ، حسبنا كتاب الله ، إن النبي ليهجر ! وصاح أنصاره : القول ما قال عمر ! حتى طردهم النبي صلى الله عليه وآله وقال : قوموا عني !
وزعموا أن المنادين من وراء الحجرات ليسا أبا بكر وعمر ، بل وفد بني تميم الذين تصايح الشيخان لأجل ترئيس فلان أو فلان عليهم ! ( فتح الباري : 8 / 453 ) !
--------------------------- 229 ---------------------------
وقد صور رواة السلطة أن العلاقة بين أبي بكر وعمر كانت مثالية ، والواقع أنها كانت شراكة ومكايدة ! فقد كتب أبو بكر مرسوماً خلافياً لجماعة ( صححه السرخسي ( 3 / 9 ) فأخذه عمر فمزقه : ( فعادوا إلى أبي بكر وقالوا له : أنت الخليفة أم عمر ؟ بذلت لنا الخط ومزقه عمر ! فقال : هو ان شاء ) !
وروى الطبري الشيعي في المسترشد / 252 ، قول عمر في أبي بكر من حديث : ( كان والله أحسد قريش كلها ، وا لهفتاه على ضئيل بني تيم بن مرة ، والله لقد تقدمني ظالماً وخرج إلي منها آثماً ، فقيل له تقدمك ظالماً قد عرفنا ، فكيف خرج إليك منها آثماً ؟ قال : إنه لم يخرج إلي منها إلا بعد يئس منها ، أما والله لو كنت أطعت زيد بن الخطاب ما تلمظ من حلاوتها بشئ أبداً ) !
وقد يئس منها بعد أن سَمُّوه في طعامه ، فمات هو والطبيب الحارث بن كلدة !

  • *
    --------------------------- 230 ---------------------------

الفصل الحادي عشر : غلو البخاري في عائشة وحفصة

البخاري : كتاب عائشة بقلم البخاري !

كتبنا هذا العنوان في الفصل الرابع ، وقلنا : أما عن تقديس البخاري لعائشة فلاتسأل ، فهي عنده المملي الأول لكتابه ، والمحترمة التي لا يضر بها ما لا يناسب ، والصادقة التي لا يجوز تكذيبها ، حتى لوتناقضت أقوالها ، وحتى لو خالفت القرآن والمنطق ، واللياقات .

وصف البخاري عائشة بأنها حنطية ورجح أنها شقراء

قال البخاري في التاريخ الكبير ( 4 / 104 ) : ( سهيل بن ذكوان السندي المكي ، قال عباد بن العوام : كنا نتهمه بالكذب قلت له : صف لي عائشة ، قال : كانت أدماء . وقال غير عباد : كانت عائشة شقراء بيضاء ) .
وقالت عائشة ( البخاري : 4 / 251 و : 6 / 134 ) : ( تزوجني النبي وأنا بنت ست سنين . فأسلمنني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين ) والصحيح أنها كانت في العشرينات !

روايات عائشة المخجلة في البخاري

أكثر البخاري من أحاديث عائشة عن حيضها وتقبيل النبي صلى الله عليه وآله لها ، ومقاربته لها ، واغتساله معها ! ونكتفي بنموذج واحد من عدم حيائها :
قال البخاري ( 1 / 68 ) : ( باب الغسل بالصاع ونحوه : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثني عبد الصمد قال : حدثني شعبة قال : حدثني أبو بكر بن حفص قال : سمعت أبا سلمة
--------------------------- 231 ---------------------------
يقول : دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة ، فسألها أخوها عن غسل النبي صلى الله عليه وآله فدعت بإناء نحو من صاع ، فاغتسلت ) .
وقد ارتضى ابن حجر ( 1 / 113 ) رأي القاضي عياض : ( أنهما رأيا عملها في رأسها وأعالي جسدها ، مما يحل نظره للمحرم ، لأنها خالة أبي سلمة من الرضاع ، أرضعته أختها أم كلثوم ، وإنما سترت أسافل بدنها ، مما لا يحل للمحرم النظر إليه . وإلا لم يكن لاغتسالها بحضرتهما معنى ! وفي فعل عائشة دلالة على استحباب التعليم بالفعل ، لأنه أوقع في النفس ) !
أقول : فهل رأيت في طول التاريخ وعرضه ، وفي طول الدنيا وعرضها ، امرأة تعلم أقاربها الرجال غسل الجنابة عملياً ! وهل رأيت فقيهاً لا يخجل عنها ويفتي باستحباب تعليم المرأة للرجال الغسل عملياً وأنه أفضل من تعليمهم بالوصف !
وهل يرضى ذلك ابن حجر والحجريون لزوجاتهم وبناتهم ؟ !

كانت عائشة تثق باليهود وتؤمن بالدجال حسب ثقافتهم

قالت عائشة إن النبي صلى الله عليه وآله كان لا يعلم عذاب القبر حتى علمته خادمتها اليهودية فنفاه النبي صلى الله عليه وآله وكذبها ، ثم قبله ، وأخذ يدعو الله بالنجاة منه في كل صلاة !
قال البخاري ( 2 / 27 ) : ( عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله أن يهودية جاءت تسألها فقالت أعاذك الله من عذاب القبر ، فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وآله أيعذب الناس في قبورهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله عائذاً بالله من ذلك !
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وآله ذات غداة مركباً فخسفت الشمس ، فرجع ضحى فمر رسول الله صلى الله عليه وآله بين ظهراني الحجر ، ثم قام يصلي . ثم رفع فسجد وانصرف فقال ما شاء الله أن يقول ، ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر ) !
وقال البخاري ( 7 / 158 ) : ( عن عائشة قالت دخلت عليَّ عجوزان من عجز يهود المدينة فقالتا لي : إن أهل القبور يعذبون في قبورهم فكذبتهما ، ولم أنعم أن أصدقهما ، فخرجتا ودخل على النبي صلى الله عليه وآله فقلت يا رسول الله إن عجوزين وذكرت له فقال : صدقتا إنهم
--------------------------- 232 ---------------------------
يعذبون عذاباً تسمعه البهائم كلها ، فما رأيته بعد في صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر ) !
وقد أبهم البخاري عمداً موقف النبي صلى الله عليه وآله لكن ابن حجر صرح به فقال في فتح الباري ( 3 / 187 ) : ( عن عائشة : أن يهودية كانت تخدمها ! فلا تصنع عائشة إليها شيئاً من المعروف إلا قالت لها اليهودية : وقاك الله عذاب القبر قالت فقلت : يا رسول الله هل للقبر عذاب ؟ قال : كذبت يهود ، لا عذاب دون يوم القيامة ! ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث ، فخرج ذات يوم نصف النهار وهو ينادي بأعلى صوته : أيها الناس ، إستعيذوا بالله من عذاب القبر ، فإن عذاب القبر حق ! وفي هذا كله أنه صلى الله عليه وآله إنما علم بحكم عذاب القبر إذ هو بالمدينة في آخر الأمر كما تقدم تاريخ صلاة الكسوف في موضعه ! وقد استشكل ذلك بأن الآية المتقدمة مكية وهي قوله تعالى : يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ، وكذلك الآية الأخرى وهي قوله تعالى : النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ) .
وقال البخاري ( 1 / 202 ) : ( فقال : نعم عذاب القبر . قالت : فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله بعد صلى صلاة ، إلاتعوذ من عذاب القب ! كان يدعو في الصلاة : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ) .
أقول : حاول ابن حجرأن يجيب عن إشكال أن عذاب القبر كان نزل في مكة في قوله تعالى : النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ . ولم يوفق ، والإشكال الأهم أنه صلى الله عليه وآله تعلم من يهودية !
ملاحظات
1 . جاء اليهود بعد المسيح عليه السلام إلى جزيرة العرب ينتظرون آخر نبي موعود ، وطالت إقامتهم خمسة قرون ، وتكلم كثير منهم العربية ، وكان لهم صلات وثيقة بالقرشيين بحكم مكانتهم في العرب وأنهم أبناء عمهم إسماعيل عليه السلام . وكان العرب يحترمونهم كعلماء ويرجعون إليهم في مسائل التاريخ والتنبؤ بالمستقبل ، وكانت عائشة وأبوها معجبين بالثقافة اليهودية !
--------------------------- 233 ---------------------------
روى مالك في الموطأ ( 2 / 943 ) : « أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها ! فقال أبو بكر : إرقيها بكتاب الله » .
فهي تثق بدعاء العجوز اليهودية أكثر مماتثق بنفسها وما علمها النبي صلى الله عليه وآله !
وقصد أبي بكر بقوله : إرقيها بكتاب الله ، أي بالتوراة وليس القرآن ، لأن اليهودية لاتحفظ القرآن ولا تعتقد به ! فهو يعني أن الخادمة اليهودية بمستوى أن ترقي زوجة النبي صلى الله عليه وآله ! وقد أفتى فقهاؤهم بأنه يجوز للمسلم أن يسترقي اليهودي ! وهذا من عجائب عائشة !
2 . صح عندنا عن أهل البيت عليهم السلام أنه : ( ليس يعذب في القبركل ميت ، وإنما يعذب من محض الكفر ، ولاينعم كل ماض لسبيله ، وإنما ينعم منهم من محض الإيمان محضاً ، فأما سوى هذين الصنفين فإنه يلهى عنهم . وكذلك روي أنه لا يسأل في قبره إلا هذان الصنفان ) ( المسائل السروية للمفيد / 62 )
3 . كما كانت عائشة تؤمن بدجال اليهود الموعود ، الذي اخترعوا له المخاريق والقدرات الهائلة ، وكانوا يخوفون به المسلمين وغيرهم !
فقد رأت عائشة وحفصة سودة وقد تزينت فأرادتا إيذاءها فقالتا : ( خرج الدجال خرج الدجال ! فخافت سودة ، وكانت امرأة طويلة فدخلت خباء كان لوقودهم ! قالت : واستضحكنا فدخل رسول الله فإذا سودة تنتفض فقال : مالَك ؟ فقالت : يا رسول الله خرج الدجال ؟ فقال : لا ، وهو خارج ؟ فأخذ بيدها وأخرجها وجعل ينفض بكم قميصه عن وجهها وعن خمارها أثر الدخان ونسج العنكبوت » . ( الآحاد والمثاني للضحاك : 6 / 208 )
4 . عقيدتنا أن حديث عائشة عن عذاب القبرمكذوب على النبي صلى الله عليه وآله . وأما الدجال فقد بحثناه في المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي عليه السلام ، وقلنا إن الدجال عند مذاهب الخلافة ثلاثة : دجال عمر وهو ابن صياد ، ودجال تميم الداري وهو في جزيرة ، ودجال كعب وهو في اليمن ، وكلها أحاديث لا تصح عندنا . والصحيح أنه يهودي يخرج من بلخ بعد ظهور المهدي عليه السلام ومعه النواصب ، فهو حركة ضد المهدي عليه السلام بعد ظهوره .
--------------------------- 234 ---------------------------
والمعجزات المدعاة له كلها مكذوبة .
ويؤيد مذهبنا فيه رواية البخاري ( 8 / 102 ) أن النبي صلى الله عليه وآله أجاب من قال له : ( يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء ! قال : هو أهون على الله من ذلك ) ! فحديث البخاري هذا يكذب مخاريقه التي رواها له البخاري وغيره !
5 . كان لليهود دور في عداء قريش للنبي صلى الله عليه وآله وفي حروبها معه ، وفي أخذها خلافته من عترته ، ونشك أنهم في مرض وفاته وضعوا السم في دوائه الذي أعطوه إياها رغماً عنه ! قال عائشة كما روى البخاري ( 5 / 143 ) : ( لددناه في مرضه فجعل يشيرالينا أن لا تلدوني ، فقلنا كراهية المريض للدواء ، فلما أفاق قال : ألم أنهكم أن تلدوني ؟ ! قلنا : كراهية المريض للدواء ، فقال : لا يبقى أحد في البيت إلا لُدَّ وأنا أنظر ، إلا العباس فإنه لم يشهد كم ) !
ولا بد أن خادمة عائشة اليهودية أعدت مرهم اللدود .
ورواه في ( 8 / 40 و 42 ) وفيه أنه أحس باللدّ فنهاهم ولكنهم عصوا فعاقبهم !
ورواه الحاكم ( 4 / 202 ) وفيه : والذي نفسي بيده لا يبقى في البيت أحد إلا لد ، إلا عمي . قال فرأيتهم يلدونهم رجلاً رجلاً ! قالت عائشة : ومن في البيت يومئذ فيذكر فضلهم ، فلدّ الرجال أجمعون ، وبلغ اللدود أزواج النبي فلددن امرأة امرأة ) !
وقال قال النووي في شرح مسلم ( 14 / 198 ) : ( إنما أمر بلدهم عقوبة لهم حين خالفوه في إشارته إليهم لا تلدوني ، وفيه تعزيز المتعدي بنحو من فعله الذي تعدى به )
والصحيح أنه أمر بلدهم ليفهم أجيال أمته بأنه قد سُم ، وأن المتهم بدمه هؤلاء !

كانت عائشة تؤكد أن النبي صلى الله عليه وآله أوصى بالخلافة لأبيها وأخيها !

زعمت أن النبي صلى الله عليه وآله أراد أن يكتب كتاباً بالخلافة لأبيها وأخيها ، حتى لا يضل المسلمون بعده ، وحتى لا ينافسهما فيها أحد ! فقالت كما روى البخاري ( 7 / 8 ) : ( قال النبي صلى الله عليه وآله : لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه ، وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ! ثم قلت : يأبى الله ويدفع المؤمنون ) .
--------------------------- 235 ---------------------------
ورواه عنها مسلم في صحيحه ( 7 / 110 ) : ( قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه : أدعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً ، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويقول قائل : أنا أولى ) ! وقد قالت ذلك عائشة بعد وفاة عمر ، فلم تكن تجرؤ عليه في حياته ، لأن شعاره كان : أن النبي صلى الله عليه وآله لم يوص إلى علي عليه السلام ولا غيره !
قال البخاري ( 8 / 126 ) : ( قيل لعمر : ألا تستخلف ؟ قال : إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر ، وإن أترك فقد ترك من هو خيرمني رسول الله ) .
ولكن عائشة ضاهت حديث الدواة المتواتر حيث أمرهم النبي صلى الله عليه وآله أن يأتوه بدواة وقرطاس ليكتب لهم لا يضلون بعده ، فرفضوه واتهموه بأنه خرفان والعياذ بالله !
أما إذا أراد أن يوصي إلى غير علي عليه السلام فلا يقولون له : تهجر ، جازاهم الله .

  • *

ترملت حفصة فعرضها أبوها للزواج

أما حفصة فمات زوجها وترملت ، فعرضها عمر على أبي بكر وعثمان فلم يقبلا الزواج بها ، قال عبد الله بن عمر ( البخاري : 5 / 17 ، و 6 / 130 و 132 و 137 ) : ( حين تأيمت حفصة بوفاة زوجها ، قال عمر : فلقيت عثمان بن عفان فعرضتُ عليه حفصة فقلتُ إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر ؟ قال : سأنظر في أمري ، فلبثت ليالي فقال : قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا ! قال عمر : فلقيت أبا بكر فقلت إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر ؟ فصمت أبو بكر فلم يرجع إليَّ شيئاً ، فكنت عليه أوجد مني على عثمان ، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وآله فأنكحتها إياه ) . ولا يتسع المجال لذكر صفاتها وسبب زواج النبي صلى الله عليه وآله بها .

وكانت عائشة تدير حفصة ، فنسب الله الأمر إليها والفعل اليهما !

قال الله تعالى : ( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِىَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ .
--------------------------- 236 ---------------------------
إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَمَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ . عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا .
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ . ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً للَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحِينِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ .

عمر في وثيقة تاريخية : يبهم معنى الآيات إبهاماًً !

قال البخاري ( 3 / 103 ) : ( عن عبد الله بن عباس قال : لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وآله اللتين قال الله لهما : إِنْ تَتُوبَا إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ! فحججت معه فعدل وعدلت معه بالإداوة ، فتبرز حتى جاء فسكبت على يديه من الإداوة فتوضأ فقلت : يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وآله اللتان قال لهما : إِنْ تَتُوبَا إِلَى الله ؟ فقال : وا عجبي لك يا ابن عباس ! عائشة وحفصة ، ثم استقبل عمرالحديث يسوقه فقال : إني كنت وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على النبي صلى الله عليه وآله فينزل هو يوماً وأنزل يوماً فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره ، وإذا نزل فعل مثله . وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار ، فصحت على امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني فقالت : ولم تنكر أن أراجعك ، فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وآله ليراجعنه ، إن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل ، فأفزعني فقلت : خابت من فعل منهن بعظيم . ثم جمعت عليَّ ثيابي فدخلت على حفصة فقلت : أتغاضب إحداكن رسول الله صلى الله عليه وآله اليوم حتى الليل ؟ فقالت : نعم ! فقلت خابت وخسرت أفتأمن إن يغضب الله لغضب رسوله صلى الله عليه وآله فتهلكين ! لاتستكثري على رسول الله صلى الله عليه وآله ولاتراجعيه
--------------------------- 237 ---------------------------
في شئ ولا تهجريه ، واسأليني ما بدا لك ، ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يريد عائشة .
وكنا تحدثنا أن غسان تُنعل النعال لغزونا ، فنزل صاحبي يوم نوبته فرجع عشاء فضرب بابي ضرباً شديداً وقال : أنائم هو ؟ ففزعت فخرجت إليه وقال : حدث أمر عظيم ! قلت : ما هو أجاءت غسان ؟ قال : لا بل أعظم منه وأطول ، طلق رسول الله صلى الله عليه وآله نساءه ! قال قلت : قد خابت حفصة وخسرت كنت أظن أن هذا يوشك أن يكون ، فجمعت عليَّ ثيابي فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وآله فدخل مشربة له فاعتزل فيها ، فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي ، قلت : ما يبكيك ، أولم أكن حذرتك ، أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قالت : لا أدري هوذا في المشربة !
فخرجت فجئت المنبر فإذا حوله رهط يبكى بعضهم ، فجلست معهم قليلاً ثم غلبني ما أجد فجئت المشربة التي هو فيها ، فقلت لغلام له أسود : استأذن لعمر ، فدخل فكلم النبي صلى الله عليه وآله ثم خرج فقال ذكرتك له فصمت ، فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ، ثم غلبني ما أجد فجئت فذكر مثله فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ، ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت : استأذن لعمر فذكر مثله فلما وليت منصرفاً ، فإذا الغلام يدعوني قال : أذن لك رسول الله صلى الله عليه وآله فدخلت عليه فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش ، قد أثرت الرمال بجنبه ، متكئ على وسادة من أدم حشوها ليف ، فسلمت عليه ثم قلت وأنا قائم : طلقت نساءك ؟ فرفع بصره إليَّ فقال : لا ، ثم قلت وأنا قائم أستأنس ( لأؤنسه ) : يا رسول الله لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء ، فلما قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم فذكره ، فتبسم النبي صلى الله عليه وآله ثم قلت : لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وآله يريد عائشة ، فتبسم أخرى ، فجلست حين رأيته تبسم ، ثم رفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئاً يرد البصر غير أهبة ثلاثة ( جلود لم تدبغ ) فقلت : أدع الله فليوسع على أمتك ، فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله ! وكان متكئاً فقال :
--------------------------- 238 ---------------------------
أوَفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا ! فقلت يا رسول الله استغفر لي .
فاعتزل النبي صلى الله عليه وآله من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة وكان قد قال : ما أنا بداخل عليهن شهراً من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله ، فلما مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة : إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهراً ، وإنا أصبحنا لتسع وعشرين ليلة أعدها عداً ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : الشهر تسع وعشرون . وكان ذلك الشهر تسعاً وعشرين .
( هنا قطع البخاري كلام عمر ، وأكمل الحديث من عائشة ، فرجعت به أربع سنوات لأنها تحدثت عن آيات تخيير النبي صلى الله عليه وآله نساءه نزلت في سورة الأحزاب في السنة الرابعة للهجرة ، وسورة التحريم واعتزال النبيي عليه السلام نساءه ، وخبر غزو هرقل وغسان للمدينة كان في السنة التاسعة ، فاعرف شيطنة البخاري وتزويره ، واعرف ما أخفاه عمر !
قالت عائشة : فأنزلت آية التخيير فبدأ بي أول امرأة فقال : إني ذاكرلك أمراً ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك . قالت : قد أعلم أن أبويَّ لم يكونا يأمراني بفراقه . ثم قال : إن الله قال : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً . وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ للَّمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيماً .
قلت : أفي هذا أستأمر أبويَّ ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة . ثم خير نساءه فقلن مثل ما قالت عائشة .
ثم رجع البخاري إلى السنة التاسعة وسورة التحريم فقال : ( عن أنس قال : آلى رسول الله صلى الله عليه وآله من نسائه شهراً وكانت انفكت قدمه فجلس في علية له ، فجاء عمر فقال : أطلقت نساءك ؟ فقال : لا ، ولكني آليت منهن شهراً ، فمكث تسعاً وعشرين ، ثم نزل فدخل على نسائه ) .
--------------------------- 239 ---------------------------
ملاحظات
1 . نزلت آية تخيير النبي صلى الله عليه وآله لنسائه في سورة الأحزاب في السنة الرابعة أما سورة التحريم واعتزاله نساءه فكانت في التاسعة .
ويؤيده ما رواه في فتح الباري ( 9 / 249 ) : ( عن ابن عباس قال : أصبحنا يوماً ونساء النبي صلى الله عليه وآله يبكين فخرجت إلى المسجد فجاء عمر فصعد إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو في غرفة له فذكر هذه القصة مختصراً . فحضورابن عباس ومشاهدته لذلك يقتضى تأخر هذه القصة عن الحجاب ، فإن بين الحجاب وانتقال بن عباس إلى المدينة مع أبويه نحو أربع سنين ، لأنهم قدموا بعد فتح مكة ) .
2 . محورسورة التحريم قضية واحدة هي : تظاهرعائشة وحفصة على النبي صلى الله عليه وآله ، ولم يذكر فيها قضية غيرها أبداً ، وكل آياتها تدور في فلكها ، لأنه تعالى أراد أن يسلط الضوء على عملهما ، ويشبعه ضوءاً ليبقى في وجدان الأمة .
وقد تعلم النبي صلى الله عليه وآله من ربه عز وجل فأنزل المسلمين في غدير خم ، وجعل مطلبه منهم واحداً ولم يذكر غيره ، وهو ولاية علي عليه السلام ، ليشبعه ضوءاً ، ولم يخلطها بشئ غيرها ، لتبقى في وجدان الأمة .
3 . في السورة بحوث مهمة ، لا يتسع لها المجال ، لذلك نقتصرعلى ما يتفق مع سياق الكتاب ونلاحظ فيها أن بيت عمر بعيد عن المسجد ، فهو في العوالي قرية قرب المدينة ، وكذلك بيت أبي بكرفي السنح قرب أحد ، لكن رواة السلطة كذبوا فجعلوهما بجوار المسجد وقالوا أمر النبي صلى الله عليه وآله بسد الأبواب عن ساحة المسجد إلا باب أبي بكر وعمر ، لا باب علي عليه السلام !
ثم قالوا إلا خوخة أبي بكر وخوخة عمر ، والخوخة مدخل صغير من قِبلة المسجد فتحه أبو بكر ليدخل منه إلى المحراب رأساً ، لأنه يخاف أن يمر بين الناس ! ثم فتح عمر خوخة غيرها ! فالخوخات كانت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله ، فكذب رواة الحكومة وجعلوها على لسان النبي صلى الله عليه وآله وفي حديثه !
--------------------------- 240 ---------------------------
4 . هجر النبي صلى الله عليه وآله نساءه واعتكف في مشربة أم إبراهيم خارج المدينة ، والمشربة غرفة بناها لمارية لما حملت بإبراهيم عليه السلام واشتد إيذاؤهن لها !
قالت عائشة ( طبقات ابن سعد : 8 / 212 ) : « ما غرتُ على امرأة إلا دون ما غرتُ على مارية ! وذلك أنها كانت جميلة من النساء جعدة ، وأعجب بها رسول الله وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان فكانت جارتنا ، فكان رسول الله عامة النهار والليل عندها ، حتى فرغنا لها فجزعت ! فحولها إلى العالية ، فكان يختلف إليها هناك ، فكان ذلك أشد علينا ، ثم رزق الله منها الولد وحرمنا منه » .
فاعترفت عائشة بأذاها لمارية مند تزوج بها النبي صلى الله عليه وآله في السنة السابعة ، وبأنها تفرغت وحفصة لأذى هذه المؤمنة الغافلة الغريبة ! وكان من أذيتهن الكلام والضرب والشد بالشعر ! فخشي النبي صلى الله عليه وآله عليها وعلى حملها ، وكان له بستان صغير فيه غلامه أبو رافع وزوجته ، فبنى لها غرفة وأسكنها عندهم وكان يذهب إليها . ولما رزقت بإبراهيم عليه السلام نشط العمل القرشي ضدها ، لأن النبي صلى الله عليه وآله صار له وارث من صلبه !
وبلغت بهم الوقاحة أن اتهموها فغضب النبي صلى الله عليه وآله واعتزلهن وسكن في بيت مارية ، فنزلت آيات الإفك وبراءة مارية ، فقلبتها عائشة لها في قصتها التي كانت في غزوة العشيرة قبل أربع أو خمس سنين !
قال ابن كثير ( 3 / 710 ) : ( رجع رسول الله إلى المدينة لليال بقين من ذي الحجة في سفرته هذه ( فتح مكة ) وفي ذي الحجة منها ولد إبراهيم بن رسول الله من مارية القبطية ، فاشتدت غيرة أمهات المؤمنين منها حين رزقت ولداً ذكراً ) !
وروى الحاكم ( 4 / 39 ) عن عائشة أنها لم تتهم مارية غيرها ، قالت : أهديت مارية إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ومعها ابن عم لها ، قالت : فوقع رسول الله صلى الله عليه وآله عليها وقعة فاستمرت حاملاً ، قالت فعزلها عند ابن عمها ، قالت فقال أهل الإفك والزور : من حاجته إلى الولد ادعى ولد غيره ! وكانت أمةً قليلة اللبن فابتاعت له ضائنة لبون فكان يغذي بلبنها فحسن عليه لحمه !
--------------------------- 241 ---------------------------
قالت عائشة : فدُخل به على النبي صلى الله عليه وآله ذات يوم فقال : كيف ترين ؟ فقلت من غُذِّيَ بلحم الضأن يحسن لحمه ! قال : ولا الشبه ؟ قالت : فحملني ما يحمل النساء من الغيرة أن قلت : ما أرى شبهاً !
قالت : وبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله ما يقول الناس ! فقال لعلي : خذ هذا السيف فانطلق فاضرب عنق ابن عم مارية حيث وجدته ! قالت : فانطلق فإذا هو في حائط على نخلة يخترف رطباً قال فلما نظر إلى علي ومعه السيف استقبلته رعدة فسقطت الخرقة فإذا هو لم يخلق الله له ما للرجال ، شئ ممسوح » !
أما نحن فنقول إن عائشة اتهمت مارية ، وقد اعترفت أعلاه بنصف الاتهام !
5 . قال جارعمر إن طلاق النبي صلى الله عليه وآله أزواجه كان أعظم من غزو هرقل للمدينة المنورة ، وهو يدل على أن مصاهرة النبي صلى الله عليه وآله لشخصيات قريش كانت تحقق التعادل السياسي لمصلحة الإسلام ، وطلاقهن يسبب اختلال التعادل وارتداد قريش والعرب ! لذلك رجح النبي صلى الله عليه وآله وهو لا يعمل إلا بالوحي أن يسجل غضبه من بعض أزواجه ، ويهجرهن شهراً .
6 . لم يصرح القرآن بالكلمة التي أسرها النبي صلى الله عليه وآله لزوجته فأفشتها وتعاونت مع صاحبتها ضده ؟ وتحير فيها ابن حجر فقال ( 9 / 253 ) : ( قوله فاعتزل النبي نساءه من أجل ذلك الحديث الذي أفشته حفصة إلى عائشة . كذا في هذه الطريق لم يفسرالحديث المذكور الذي أفشته حفصة ، وفيه أيضاً : وكان قال ما أنا بداخل عليهن شهراً من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله ، وهذا أيضاً مبهم ، ولم أره مفسراً ) !
لكن رواة السلطة حاولوا أن يجعلوه كلمة صغيرة من الشؤون الشخصية للنبي صلى الله عليه وآله مع أزواجه ! فقالوا إنه نام مع مارية في حجرة حفصة ، فتظاهرتا عليه فحرم مارية على نفسه ، وقالوا شرب كوب عسل له رائحة عند بعضهن ، فأخبرتاه أن لفمه رائحة ، فحرم العسل على نفسه !
وقد أكد البخاري على رواية العسل ! ( 6 / 69 و 167 ، و : 7 / 232 ) لكن الآيات ترد كلامهم ، لأنها تحشد جيشاً جراراً مقابل عملهما وتظاهرهما عليه ، وهذا يدل على أنه عملهما خطير على
--------------------------- 242 ---------------------------
الرسالة ! لاحظ قوله تعالى : وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَمَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ . . عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ . . فحشد هذا الجيش لا يكون لمسألة شخصية داخلية !
وقد روينا أن قريشاً نشطت بعد فتح مكة لتأخذ خلافة النبي صلى الله عليه وآله وتعاظم عملهم بعد حجة الوداع ، وحاولواغتياله مرات ، فأراد أن يطمنهم بأنهم سينجحون في خطتهم ويلي الأمربعده أبو بكر ، فليحفظوا إيمانهم بنبيهم والقرآن ، فأخبر عائشة بذلك فأخبرت حزبها . فالكلمة تتصل بالخلافة !
قال علي عليه السلام : ( إن العرب كرهت أمر محمد صلى الله عليه وآله وحسدته على ما آتاه الله من فضله ، واستطالت أيامه حتى قذفت زوجته ! ونَفَّرت به ناقته ! مع عظيم إحسانه إليها وجسيم مننه عندها ، وأجمعت مذ كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته ) ! ( شرح النهج : 20 / 298 ) .
وفي الصراط المستقيم للبياضي ( 3 / 169 ) : ( في رواية أنه أعلم حفصة أن أباها وأبا بكر يليان الأمرفأفشت إلى عائشة ، فأفشت إلى أبيها فأفشى إلى صاحبه ) .
ويؤيد ذلك ما رواه الطبراني في أوسطه : 3 / 14 ، والزوائد : 7 / 126 ) : ( عن أبي هريرة وفيه : ثم قال لي : يا حفصة ألا أبشرك ؟ فقلت : بلى بأبي وأمي يا رسول الله فأعلمني أن أباك يلي الأمرمن بعده ، وأن أبي يليه بعد أبيك ، وقد استكتمني ذلك فاكتميه ) !

كان قرآن عمر صحيفة عند حفصة !

نعتقد أن القرآن كان مجموعاً عند علي عليه السلام ، وأوصاه النبي صلى الله عليه وآله أن يكتبه بنسق معين ويعطيه لمن يحكم بعده ، فإن لم يقبلوه ، ورَّثه لأبنائه الأئمة عليهم السلام ، ولايعطيه لأحد ، حتى لا يكون في الأمة قرآنان !
فعرضه عليهم فلم يقبلوا نسخته ، وقال عمر : نحن نجمعه !
كما رووا في البخاري ( 7 / 102 ) أن النبي صلى الله عليه وآله قال للمسلمين : ( خذوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود ، وسالم ، ومعاذ ، وأبيّ بن كعب ) .
--------------------------- 243 ---------------------------
فلم يأخذه عمر من علي عليه السلام ولا من هؤلاء الأربعة ، وقال : نحن نجمعه .
وقد اعتمد البخاري في جمع القرآن رواية زيد بن ثابت ، وهويهودي أمه أنصارية ، كان كاتباً لعمر ، وعمره بضع عشرة سنة ، قال ( 5 / 211 ) : ( فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره : لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ . . إلى آخرها . وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثم عند عمر حتى توفاه الله ، ثم عند حفصة بنت عمر ) .
فلم يكمل عمر جمع القرآن وبقي مسودات عند حفصة ، ولما أراد عثمان جمعه طلب الصحيفة من حفصة فلم تعطها ، وأصرعليها ووسَّط الوسائط فلم تعطها فجمعوا القرآن ونشروه . ثم خافوا أن تنشرها حفصة ويكون فيها ما يخالف مصحف عثمان ، فصادروا النسخة يوم موت حفصة وأحرقوها !
قال عمر بن شبة في تاريخ المدينة ( 3 / 1003 ) : ( عن ابن شهاب قال حدثني أنس قال : لما كان مروان أميرالمدينة أرسل إلى حفصة يسألها عن المصاحف ليمزقها وخشي أن يخالف الكتاب بعضه بعضاً فمنعتها إياه ! قال الزهري : فحدثني سالم قال : لما توفيت حفصة أرسل مروان إلى ابن عمر بعزيمة ليرسلن بها ، فساعة رجعوا من جنازة حفصة أرسل بها ابن عمر فشققها ومزقها ، مخافة أن يكون في شئ من ذلك خلاف لما نسخ عثمان ) !
وبذلك تعرف أن صحيفة عمر كان فيها تحريفات لم يتحملها جماعة عثمان ، لأنها تخالف المصحف الذي جمعه خليفتهم ! ولذلك صادروها وأحرقوها ، ونعم ما فعلوا لأنها كانت فضيحة كبيرة ، ولذلك لم تعطهم إياها حفصة .
ففيها بدل المعوذتين سورتا الحفد والخلع الركيكتين ، وفيها تأكيدات عمر بأنه ضاع من القرآن أكثره ، وأن سورة الأحزاب كانت كسورة البقرة ، وأن سورة براءة ضاع أكثرها ، وفيها أن آيات حذفت من القرآن برأي الخليفة . آية الرجم ، وآية لا ترغبوا عن آبائكم ! وآية :
--------------------------- 244 ---------------------------
ولو حميتم كما حموا ! وآية : حق جهاده في آخر الزمان ! وآية : الولد للفراش ! وآية لو كان لابن آدم واديان ! وآية وهو أب لهم ، وآية ذات الدين ووادي التراب ! وآية التسبيحات الأربع ، وآية : ألا بلغوا قومنا ! وآيات عائشة التي أكلتها السخلة !
وفيها قراءات مرفوضة عند المسلمين رواها البخاري ، مثل : أمضوا إلى ذكر الله ، وعظاماً ناخرة ، وصراط من أنعمت عليهم ، وغير الضالين ، والحي القيام ، وحذف الواو من آية الأنصار ، ومحاولة تحريف آية نزلت في علي عليه السلام .
وفيها : نظريات لا يقبلها المسلمون ، كالتوسع في نص القرآن ، وأن القرآن كله صواب مالم تجعل الرحمة عذاباً والعذاب رحمة ، وأنه نزل بسبعة أحرف أو أشكال !
فلم تعطهم حفصة الصحيفةمحافظة على سمعة أبيها ! راجع توثيقنا لذلك في كتاب : تدوين القرآن / 65 ، وألف سؤال وإشكال .

أعطى اليهود عمر بستاناً فجعل ولايته لحفصة

لما هاجر النبي صلى الله عليه وآله جاءه في قباء رئيس بني النضير واسمه مخيريق وأسلم على يده ، ودعا قومه فأبوا ، واستشهد مع النبي صلى الله عليه وآله في أحد ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : مخيريق سابق يهود ، وسلمان سابق فارس ، وأوصى بماله كله للنبي صلى الله عليه وآله يفعل به ما أراه ربه ، وكان سبع بساتين فأمره الله أن يوقفها ويجعل ولايتها لفاطمة عليها السلام . ( المناقب : 1 / 146 والإصابة : 6 / 46 ، وسنن أبي داود : 2 / 33 ، وتاريخ المدينة : 1 / 173 ، وفتح الباري : 6 / 140 ) .
في المقابل أعطى يهود خيبر بستاناً لعمر اسمه ثمغ ، فأوقفه وجعل ولايته لحفصة ! قال عبد الله بن عمر : ( أن عمرتصدق بمال له على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وكان يقال له ثمغ وكان نخلاً فقال عمر : يا رسول الله إني استفدت مالاً وهو عندي نفيس فأردت أن أتصدق به فقال النبي صلى الله عليه وآله تصدق بأصله لايباع ولا يوهب ولايورث ! وكان يقال له ثمغ وكان نخلاً ) ( البخاري : 3 / 184 ، 194 و 196 ، و 197 ، وابن ماجة : 2 / 81 والنسائي : 6 / 229 و 230 والترمذي : 2 / 417 والأم : 4 / 55 وأحمد : 2 / 12 و 55 5 ، والمغني : 11 / 317 ، والمجموع : 15 / 321 ) . وفي مسند
--------------------------- 245 ---------------------------
أحمد ( 2 / 125 ) : ( أصاب أرضاً من يهود بني حارثة يقال لها ثمغ ) .
وفي الشرح الكبير ( 6 / 276 ) : ( حفصة تلي وقفه وتأكل منه وتشتري رقيقاً ) .
وفي المغني ( 6 / 222 ) : ( تليه حفصة ما عاشت ثم يليه ذوي الرأي من أهله ) .
وفي المجموع ( 15 / 325 ) : ( ابتاعت حفصة حلياً بعشرين ألفاً فحبسته على نساء آل الخطاب فكانت لا تخرج زكاته ) .
وهناك بحث في بني حارثة وسبب سخائهم على عمر ، وفي تشبه عمر بالنبي صلى الله عليه وآله ، وبحث في مالية عمر وحصة كل واحد من ورثته ! وذكرنا هنا ثمغ لأن البخاري ذكرها . وقد عقدنا باباً لماليات ( الخلفاء ) الأربعة في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام .

  • *
    --------------------------- 246 ---------------------------

الفصل الثاني عشر : دفاع البخاري بالباطل عن بني أمية والمقربين من السلطة

دفاعه عن إمام الدعاة إلى النار : معاوية

روى البخاري أقوى حديث في ذم معاوية ، وهو حديث مقتل عمار بن ياسر ، وأنه تقتله الفئة باغية التي تدعو إلى النار ، فمعاوية بنصه : إمام الدعاة إلى النار ، وكفى !
لكن البخاري يحبه ، فأراد أن يدخله الجنة ! فوجد أم حرام بنت ملحان وهي أم أنس خادم النبي صلى الله عليه وآله فروى كذب ابنها لأجلها على رسول الله صلى الله عليه وآله !
إقرأ قول البخاري ( 3 / 201 ) : ( باب الدعاء بالجهاد والشهادة ، للرجال والنساء . وقال عمر : أرزقني شهادة في بلد رسولك ! عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك أنه سمعه يقول ( وقالت أم أنس معه ) : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه ، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت ( بل تزوجته بعد وفاة النبي - أبو يعلى : 6 / 351 ) فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وآله فأطعمته وجعلت تُفَلِّي رأسه ، فنام رسول الله صلى الله عليه وآله ثم استيقظ وهو يضحك ! قالت فقلت : وما يضحكك يا رسول الله ؟ قال : ناس من أمتي عرضوا عليَّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ، ملوكاً على الأسرة ، أو مثل الملوك على الأسرة ، شك إسحاق ! قالت : فقلت يا رسول الله أدع الله أن يجعلني منهم ، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وآله ثم وضع رأسه ، ثم استيقظ وهو يضحك ، فقلت : وما يضحكك يا رسول الله ؟ قال : ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله كما قال في الأول .
--------------------------- 247 ---------------------------
قالت فقلت : يا رسول الله أدع الله أن يجعلني منهم . قال : أنت من الأولين ! فركبت البحر في زمن معاوية بن أبي سفيان ، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر ، فهلكت ) .
وكرره البخاري مرات في : 3 / 203 و 221 ، و : 7 / 140 ، و : 3 / 203 ، و : 8 / 73 ) .
وقال ابن حجر ( 6 / 74 ) : ( في هذا الحديث منقبة لمعاوية ، لأنه أول من غزا البحر ، ومنقبة لولده يزيد ، لأنه أول من غزا مدينة قيصر ) .
وقصده أن معاوية أوجب واستحق الجنة لأنه غزا قبرص في البحر ، فلايضره حربه لعلي عليه السلام وقتله ألوف المسلمين ! ويزيد استحق الجنة لأنه أول من غزا القسطنطينة ، ولا يضره قتله سيد الحسين عليه السلام ، ولا استباحة المدينة ، ولا ضرب الكعبة بالمنجنيق !
وقال البخاري ( 3 / 203 ) : ( بنت ملحان قالت : نام النبي صلى الله عليه وآله يوماً قريباً مني ، ثم استيقظ يتبسم ، فقلت ما أضحكك ؟ قال أناس من أمتي عرضوا عليَّ يركبون هذا البحرالأخضركالملوك على الأسرة ! قالت : فادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها ، ثم نام الثانية ففعل مثلها ، فقالت مثل قولها فأجابها مثلها ، فقالت : أدع الله أن يجعلني منهم ، فقال : أنت من الأولين ! فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية ، فلما انصرفوا من غزوهم قافلين فنزلوا الشام ، فقربت إليها دابة لتركبها ، فصرعتها فماتت ) .
وقال البخاري ( 3 / 232 ) : « فحدثتنا أم حرام أنها سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا ! قالت : قلت يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال : أنت فيهم ! ثم قال النبي صلى الله عليه وآله : أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم ! فقلت : أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال : لا »
--------------------------- 248 ---------------------------

ملاحظات

1 . مكذوبات البخاري ورواته في هذا الموضوع ، مركبة ، ومتداخلة !

  • فبنت ملحان وتسمى الرميصاء أي العمشاء لمرض في عينيها ، هي أم أنس خادم النبي صلى الله عليه وآله ولم تكن في حياة النبي صلى الله عليه وآله زوجة عبادة بن الصامت ، بل ترملت مدة وتزوجت بأبي طلحة ، ثم بآخر ، ثم رجعت إلى الأول ، ثم ترملت منه ، وقرب رواح عبادة إلى الشام تزوج بها وأخذها معه إلى الشام ، ثم بعثه معاوية مع أبي ذر إلى قبرص ليقبضوا مال الصلح من القبارصة ، الذين انسحب من جزيرتهم هرقل ، فصالحهم المسلمون بدون قتال !
  • وانتظرهم معاوية في طرسوس وجاؤوا بالمال ، ووقع خلاف في تقسيمه .
  • وبنت ملحان تزعم أن النبي صلى الله عليه وآله كان يزورها في بيتها فتطعمه وتفلِّي رأسه وكأنَّ رأس النبي صلى الله عليه وآله فيه قمل كرؤوس رجالهم !
    ثم زعمت أن النبي صلى الله عليه وآله كان ينام في بيتها قريباً منها ، وهي امرأة أرملة ! وذلك لا يصدق من سلوك النبي صلى الله عليه وآله مع امرأة أجنبية ! لكن الشراح قبلوا زعم بنت ملحان لأن البخاري رواه ولأنها أم أنس ! وقد وثقنا حقيقتها وكذبها على النبي صلى الله عليه وآله ، في المجلد الثاني من جواهر التاريخ ، وغيره .
  • وابنها أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وآله شهد عليه علي عليه السلام بالكذب ، ودعا عليه بالبرص والوضح فأصيب به ، وشهد عليه الإمام الباقر عليه السلام بأنه كذب لمصلحة الأمراء ، قال : « إن أول ما استحل الأمراء العذاب لكذبة كذبها أنس بن مالك على رسول الله صلى الله عليه وآله أنه سمَّرَ يد رجل إلى الحائط ! ومن ثم استحل الأمراء العذاب » ! ( علل الشرائع : 2 / 541 ، وألف سؤال وإشكال : 2 / 440 ) .
  • كما كذب أنس بأن أمه من أهل الجنة وأن النبي صلى الله عليه وآله سمع خشفتها أي حركة مشيها في الجنة ، ورآها دخلت الجنة قبلة !
  • كما كذب البخاري لعمر بأنه دعا أن يرزق الشهادة في المدينة ، ولم يروه عنه أحد ،
    --------------------------- 249 ---------------------------
    وكذب أنس بأن النبي صلى الله عليه وآله رأى بيت عمر وجاريته الحسناء في الجنة !
  • لم يغز المسلمون قبرص ولا كان فيها قتال ، ويقصد البخاري غزوها سنة 28 هجرية . ولم يكن غزواً ولا ذهب معاوية إلى قبرص !
    والصحيح أن العلاء الحضرمي والي البحرين غزا في البحر جنوب إيران وفتح إلى شيراز ، قبل عشر سنين من غزوة معاوية المدعاة ، فغضب عليه عمر العلاء وعزله ! فهو أول من غزا في البحر . وقد وثقنا ذلك في : قراءة جديدة في الفتوحات الإسلامية ، وفي السيرة النبوية .
    وقد روت عامة المصادر غزوة العلاء مثل : الطبقات : 4 / 361 ، وتاريخ دمشق : 60 / 37 ، وأسد الغابة : 4 / 7 ، وسير الذهبي : 1 / 264 ، والإصابة : 2 / 288 ، وفتوح البلاذري : 1 / 104 ، والنهاية : 7 / 146 ، وابن خلدون : 7 / 240 ، وحلية الأولياء : 1 / 8 ، والاستيعاب : 3 / 1087 ، والمنتظم : 4 / 242 ، والاكتفاء للكلاعي : 4 / 317 ، والتراتيب الإدارية : 1 / 370 ) .

دفاعه عن يزيد بن معاوية قاتل الحسين عليه السلام

وكذلك كذبواغزوة يزيد للقسطنطينية ! فقد أرسل معاوية جيشاً إلى جهة القسطنطينية ، وأعلن أنه بقيادة ابنه يزيد ليعده لخلافته ، فتثاقل يزيد لا نشغاله في لهوه في دير مُرَّان قرب دمشق ، فسكت عنه معاوية ! وانتظر الجيش قائده العتيد حتى أصابهم الجوع والمرض والوباء ومات كثيرمنه وأخذ الروم بعضهم أسرى ، ومات أبو أيوب الأنصاري !
ولما بلغ الخبر يزيد حمد الله لأنه لم يكن معهم ! فغضب معاوية وأصرَّ عليه أن يذهب فقال بعضهم إنه ذهب على مضض ورجع بدون قتال ، وقالوا إنه وصل إلى باب القسطنطينية ولمسه بيده أو ضربه بسيفه ، أو بعمود حديد وأن ضربته خرقت ذلك الباب العظيم ! وكل ذلك أكاذيب !
قال اليعقوبي ( 2 / 228 ) : ( قال عبد الله بن عمر : نبايع من يلعب بالقرود والكلاب ، ويشرب الخمر ، ويظهر الفسوق ! ما حُجَّتنا عند الله !
--------------------------- 250 ---------------------------
وأغزى معاوية يزيد ابنه الصائفة ومعه سفيان بن عوف العامري ، فسبقه سفيان بالدخول إلى بلاد الروم ، فنال المسلمين في بلاد الروم حمًّى وجدري ! وكانت أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر تحت يزيد بن معاوية وكان لها محباً ، فلما بلغه ما نال الناس من الحمى والجدري قال :
ما إن أبالي بما لاقتْ جموعُهُمُ بالغذْقذونة من حُمّى ومن مُومِ
إذا اتكأتُ على الأنماط في غرف بدير مُرَّانَ عندي أم كلثوم
فبلغ ذلك معاوية فقال : أقسم بالله لتدخلن أرض الروم فليصيبنك ما أصابهم فأردف به ذلك الجيش ، فغزا به حتى بلغ القسطنطينية ) !
وفي تاريخ دمشق ( 65 / 404 ) : ( فنزلوا منزلاً يقال له الفرقدونة ، فأصابهم بها الموت وغلاء شديد فكبُر ذلك على معاوية ، فاطَّلع يوماً على ابنه يزيد وهو يشرب وعنده قينة تغنيه . الخ . فقال : أقسم عليك يا يزيد لترتحلن حتى تنزل مع القوم وإلا خلعتك ، فتهيأ يزيد للرحيل ) .
لكن الصحيح ما رواه البلاذري ( 5 / 86 ) : ( وأمر يزيد بالغزو فتثاقل واعتلّ فأمسك عنه ، وأصاب الناس جوع وأمراض فأنشأ يزيد يقول . . البيتين .

  • أما أبو أيوب رضي الله عنه فمات في المعسكر ، وأوصاهم أن يحملوا جنازته ويعطوا للروم مالاً حتى يدفن في أقرب نقطة من سور القسطنطينة !
    روى أحمد ( 5 / 423 ) وابن حجر في تعجيل المنفعة ( 1 / 452 ) : ( غزا أبو أيوب مع يزيد بن معاوية فقال : إذا أنا متُّ فأدخلوني أرض العدو فادفنوني تحت أقدامكم حيث تلقون العدو ) ! وسند الرواية صحيح عندهم ، وهي تشير إلى أن معسكرهم كان خارج بلاد العدو ، قرب أنطاكية كما في شعر يزيد .
    وفي رواية الحاكم ( 3 / 457 ) والاستيعاب ( 4 / 1607 ) : ( إذا أنا مت فاركب ثم اسع في أرض العدو ما وجدت مساغاً فإذا لم تجد مساغاً فادفني ثم ارجع ) !
    وفي النهاية ( 8 / 59 ) : ( ولينطلقوا فيبعدوا بي في أرض الروم ما استطاعوا ) .
    --------------------------- 251 ---------------------------
    ( ونحوه تاريخ دمشق : 16 / 59 ، والإصابة : 2 / 200 ، وغريب الحديث : 2 / 713 ، وأسد الغابة : 2 / 82 ، وسير الذهبي : 2 / 404 ، والطبقات : 3 / 485 ، والروض الأنف : 4 / 94 ) . وهذا دليل على أن يزيداً لم يصل إلى القسطنطينية ، ولم يدخل أرض العدو أصلاً ، إلا في الإعلام الأموي !

دفاعه عن خالد بن الوليد

1 . خالد بن الوليد ، أبوه الوليد بن المغيرة رئيس بني مخزوم ، وأشد المشركين على النبي صلى الله عليه وآله وفيه نزل قوله تعالى : ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً . وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً . وَبَنِينَ شُهُوداً . وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً . ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ . كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً . سَأُرْهِقْهُ صَعُوداً . إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ . فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ . ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ . الخ .
وهو : العُتُلُّ الزَّنِيم ، الذي لم يتسع له حلم الله العظيم فأنزل فيه قوله : وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ . هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ . مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ . عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ . وقد اتفق المؤرخون والمفسرون على نزول هذه الآيات في الوليد ، ففي تفسير الجلالين / 758 : « دعيٌّ في قريش ، وهو الوليد بن المغيرة . ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة » .
وابن إسحاق : 2 / 140 ، والقرطبي : 19 / 71 . وعشرات المصادر .
وفيه يقول فيه أبو طالب رضي الله عنه ، كما في سيرة ابن إسحاق ( 3 / 135 ) :
وليدٌ أبوه كان عبداً لجدنا * إلى علجة زرقاء جاش بها البحر
وتيم ومخزوم وزهرة منهم * وكانوا لنا مولى إذا ابتغيَ النصر
فقد سفهت أحلامهم وعقولهم * وكانوا كجفر شرما جهلت جفر .
يقصد أن المغيرة أبا الوليد لقيط ولدته رومية في سفينة في جدة ، وكان عبداً لبني هاشم ، ثم تحالف مع بني مخزوم وصار ابنه رئيسهم !
2 . ورث خالد أباه المغيرة في عدائه للنبي صلى الله عليه وآله فكان أحد المهاجمين التسعة عشر لقتل النبي صلى الله عليه وآله ليلة هجرته ، وشارك في حروب قريش للنبي صلى الله عليه وآله ولما رأى ميزان القوة مال إلى جانب النبي صلى الله عليه وآله جاءه هو وعمرو العاص وأسلما ، وبقي خالد مخلصاً لأبيه ، فكان يفتخر به
--------------------------- 252 ---------------------------
ويمدحه مع أن الله تعالى ذمه بشدة ، قال خالد ( الطبري : 2 / 512 ) :
أنا ابن الوليد العودِ * أنا ابن عامر وزيد ) .
3 . عند فتح مكة أرسله النبي صلى الله عليه وآله إلى بني جديمة ليأخذ زكاتهم ، فخدعهم حتى وضعوا أسلحتهم فكتفهم وقتل منهم ثمانين رجلاً ، لأن له عندهم ثأراً بعمه ، وادعى أنهم لم يكونوا مسلمين ، فغضب النبي صلى الله عليه وآله وقال : اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد ! وأرسل علياً عليه السلام فأعطى دياتهم وأرضاهم !
وقد غطى البخاري وابن حجر على خالد فقال البخاري ( 5 / 107 ) : ( عن سالم عن أبيه : بعث النبي صلى الله عليه وآله خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الاسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا ، فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا ، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر ودفع إلى كل رجل منا أسيره ، حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره فقلت : والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره ! حتى قدمنا على النبي فذكرناه له فرفع النبي صلى الله عليه وآله يده فقال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين ) !
ومر ابن حجر على هذه الجريمة بسرعة واختصار وقال : ( 8 / 45 ) بعثه ( داعياً ولم يبعثه مقاتلاًً . . وأنكر عليه العجلة وترك التثبت في أمرهم ، قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا ) !
4 . كان خالد يبغض علياً وفاطمة عليهما السلام وكان أحد المهاجمين لبيت فاطمة عليها السلام ليحرقوه إن لم يخرجوا ويبايعوا أبا بكر .
5 . أرسله أبو بكر لحرب طلحية ومسيلمة ، وكلفه أن يقتل في طريقه مالك بن نويرة الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وآله بالجنة ، لأنه اعترض على خلافة أبي بكر فخدعهم خالد فوضعوا أسلحتهم فكتفهم وقتلهم ، ووضع رأس مالك تحت القدر وتزوج امرأته من ليلته ، فحكم عليه عمر بالقتل بمالك بن نويرة ، فعفا عنه أبو بكر !
6 . أمره أبو بكر بعد أن يسلِّم في آخرصلاته أن يقتل علياً عليه السلام ، ثم ندم فقال في صلاته : لا يفعلن خالد ما أمرته ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته !
7 . وثقنا في كتاب : قراءة جديدة في حروب الردة والفتوحات ، أنه لم يضرب بسيف ولا
--------------------------- 253 ---------------------------
برز إلى فارس أبداً ، وأنه هرب مرات في حرب اليمامة وغيرها ! وقتل خمسة آلاف من بني حنيفة غدراً بعد أن وقع الصلح معهم ! وأنه لم يخض أي معركة في العراق أو الشام وفلسطين كما زعموا ، بل كان يحفظ نفسه ، فإذا انتصر المسلمون تصدر للأمر والنهي !
8 . أرسل النبي صلى الله عليه وآله جيشاً من ثلاثة آلاف جندي بقيادة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه لقتال الروم في مؤتة ، قريباً من القدس ، وأبلى جعفر وابن حارثة وابن رواحة بلاء عظيماً ، مع عدد من أصحابه نحو العشرين ، فاستشهدوا ، ووصف النبي صلى الله عليه وآله من على منبره بطولتهم وشهادتهم .
فاضطرب جيش المسلمين وانهزموا ، فأخذ الراية ثابت بن أقرم وحاول أن يواصل المعركة ، فلم يطعه إلا قلة ، وأطاعوا خالد بن الوليد الذي انهزم بهم ! « وانهزم المسلمون أسوأ هزيمة ، وأتبعهم المشركون فجعل قطبة بن عامر يصيح : يا قوم يقتل الرجل مقبلاً أحسن من أن يقتل مدبراً فما يثوب إليه أحد » ( الإمتاع : 1 / 340 ) . « وفي حديث أبي عامر انهزم المسلمون أسوأ هزيمة رأيتها قط ، حتى لم أر اثنين جميعاً » ! ( سبل الهدى : 6 / 150 ) .
لكن البخاري نسب إلى خالد بطولة خارقة ، ونقل عن لسانه ( 5 / 87 ) قوله :
« لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية » !
وزادوا على كذبة خالد أن النبي صلى الله عليه وآله لما وصف المعركة للمسلمين في المدينة وأخبرهم بشهادة جعفر وزيد وابن رواحة ، قال : وأخذ الراية خالد ، والآن حمي الوطيس ! أخذها سيف من سيوف الله ففتح الله على يده ! فرفع إصبعيه فقال : اللهم هو سيف من سيوفك فانتصر به فيومئذ سمي سيف الله ! فجعلوا بطولاته المكذوبة على لسان النبي صلى الله عليه وآله وجعلوا المعركة سبعة أيام !
أما الحقيقة فقال المُرِّي « لما قتل ابن رواحة نظرت إلى اللواء قد سقط ، فنظرت إلى اللواء في يد خالد منهزماً ، واتبعناه فكانت الهزيمة » ! ( تاريخ دمشق : 68 / 87 ) . « فجعل قطبة بن عامر يصيح : يا قوم ، يقتل الرجل مقبلاً أحسن من أن يقتل مدبراً ، يصيح بأصحابه فما يثوب إليه أحد ، ويتبعون صاحب الراية منهزماً »
--------------------------- 254 ---------------------------
ولما رجع الجيش إلى المدينة : « لقيهم الصبيان يشتدون ، وجعل الناس يَحْثُونَ على الجيش التراب ويقولون : يا فُرَّار ، فررتم في سبيل الله ! عن عبد الله بن عمر قال : فحاص الناس وكنت فيمن حاص ، فقلنا : كيف نصنع وقد فررنا من الزحف ؟ ثم قلنا : لو دخلنا المدينة قُتلنا ، فقدمنا المدينة في نفر ليلاً فاختفينا ) ! ( تاريخ دمشق ( 49 / 337 ) والواقدي ( 2 / 763 ، والطبري : 2 / 323 ) .
فانظر إلى البخاري كيف تبنى كذبة خالد بأنه قطع تسعة أسياف على رؤوس الروم ! ( 5 / 87 و 107 ) وأكملها بكذبة على لسان النبي صلى الله عليه وآله بأنه سمى خالداً سيف الله !
هذا ، وقد استوفينا ترجمة خالد في : قراءة في الفتوحات ، وغيره .

دفاعه عن عمرو العاص

1 . كتبنا ترجمة وافية لعمرو العاص في المجلد الرابع من سيرة أمير المؤمنين عليه السلام . وغرضنا هنا أن نبين كيف دافع البخاري عنه بالباطل !
والمعروف أنه ابن العاص بن وائل ، لكن علياً عليه السلام لم يسمه ابن العاص بل ابن النابغة باسم أمه ، وهي بغي في مكة ، ولما ولدت عمرواً ادعاه خمسة ، فاختارت العاص لأنه بقولها ينفق عليها أكثر . وبعضهم ينفون عمرواً عن العاص ، لأن الله تعالى قال : إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ) والأبتر لاعقب له . ( أسباب النزول للواحدي / 307 ) .
2 . أرسلت قريش عمرواً مرتين إلى النجاشي ، ليرد المسلمين الذين هاجروا اليه فرجع خائباً ! وكان معه عمارة أخ خالد ، فعشق عمرو زوجته ، وقتله .
قال له الإمام الحسن عليه السلام ( الاحتجاج : 1 / 411 ) : « وأنت عدو لبني هاشم في الجاهلية والإسلام ، وقد هجوت رسول الله صلى الله عليه وآله بسبعين بيتاً فقال : اللهم إني لا أحسن الشعر ولا ينبغي لي أن أقوله ، فالعن عمرواً بكل بيت ألف لعنة » !
3 . وكان عمرو يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال علي عليه السلام : ( العجب من طغاة أهل الشام يقبلون قول عمرو ويصدقونه ، وقد بلغ من حديثه وكذبه وقلة ورعه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وقد لعنه سبعين لعنة تترى على عقبه إلى يوم القيامة ! ما لقيتُ من هذه الأمة
--------------------------- 255 ---------------------------
من كُذابها ومنافقيها ! اللهم العن عمرواً ، والعن معاوية بصدهما عن سبيلك واستخفافهما بنبيك صلى الله عليه وآله وكذبهما عليه وعليَّ » ( كتاب سليم / 279 ) .
4 . كان عمرو صديق معاوية وهو أكبر منه بأربعين سنة ، فقد عاش تسعاً وتسعين سنة ( الإصابة : 6 / 120 ) وكانت لهما حفلات خمر وهجاء للنبي صلى الله عليه وآله فدعا عليهما ودعاؤه مستجاب : الّلهم اركسهما ركساً ، ودُعَّهما إلى النار دعّاً » رواه أبو يعلى : 13 / 429 ، والطبراني : 11 / 38 ، وابن أبي شيبة : 7 / 508 ، وصححوه .
5 . أسوأ ما تبناه البخاري من كذب عمرو العاص قوله إن النبي صلى الله عليه وآله تبرأ من علي وكل آل أبي طالب ، وتقدم ذلك في الفصل السادس ، قال البخاري ( 7 / 73 ) : ( عمرو بن العاص قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله جهاراً غيرسريقول : إن آل أبي طالب ليسوا بأوليائي ، إنما وليي الله وصالح المؤمنين ) .
وقد استبشر النواصب بحديث عمرو وجعلوه ناسخاً لقول النبي صلى الله عليه وآله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، وحديث الثقلين ، وكل الأحاديث في حق عترته صلى الله عليه وآله .
قال ابن تيمية في منهاجه ( 7 / 76 ) : ( كما ثبت في الصحيح أنه قال : إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء وإنما وليي الله وصالح المؤمنين ! فبيَّنَ أن أولياءه صالح المؤمنين . وكذلك في حديث آخر : إن أوليائي المتقون حيث كانوا وأين كانوا ) . وكرره في فتاويه : 10 / 543 ، وتفسيره : 2 / 48 ، ومجموع الفتاوى : 11 / 164 ، و : 27 / 435 , و : 28 / 227 ، و 543 ، وجامع الرسائل / 510 والفتاوى الكبرى : 4 / 353 ! وتلميذه : ابن قيم في جلاء الأفهام / 226 ، وابن رجب / 347 .
والمهم عندهم أن يتشبثوا بما يقول إن علياً عليه السلام ليس ولي النبي صلى الله عليه وآله ، بل الصحابة !
6 . ومن كذبات عمرو حديثه في تفضيل أبي بكر وعائشة ( 4 / 192 و : 5 / 113 ) قال : إن النبي صلى الله عليه وآله بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت أي الناس أحب إليك قال عائشة فقلت من الرجال فقال أبوها فقلت ثم من قال ثم عمر بن الخطاب فعد رجالا . فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم )
وقد بينا أن عائشة روت أن أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وآله فاطمة وعلي عليهما السلام .
--------------------------- 256 ---------------------------

دفاعه عن سعد بن أبي وقاص

1 . سعد بن أبي وقاص الزهري ، زعم أنه كان ثالث المسلمين ، وأنه أسلم وعمره 17 سنة ( المنتظم : 5 / 281 ) وقال ابنه محمد : « قلت لأبي : أكان أبو بكر أولكم إسلاماً ؟ فقال : لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين » ( الطبري : 2 / 60 ) .
ولعل هذا هو السبب في أن أبا بكر لم يوله منصباً ، لكن عمر ولاه على العراق فلم يطعه المثنى بن حارثة الشيباني ، فمات ! وأمرعمر عتبة بن غزوان والي البصرة بأن يطيع سعداً فلم يقبل ، فمات ! وأمر العلاء الحضرمي والي البحرين أن يطيعه فلم يفعل ، فمات ! والمتهم بموتهم عندنا الحكومة قتلتهم بسم اليهود !
وكان عمر يتعصب لسعد ، فقد شكوا له جبنه ، وأنه لا يجيد الصلاة ، وأنه يحتجب عن الناس ، فلم يقبل عليه شكاية !
2 . وجعله عمر من أعضاء شورى الخلافة فعظم سعد عند نفسه ، وصار يرى أنه يستحق الخلافة ، فقال لمعاوية : ( أنساب الأشراف / 344 ) : « والله إني لأحق بموضعك منك ، فقال معاوية : يأبى عليك ذلك بنو عذرة ! وكان سعد فيما يقال لرجل من بني عذرة ) . وقد طعنوا في نسبه ، ووروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله على لسان سعد رد طعنهم في نسبه ! ( الأدب المفرد : 1 / 266 ) .
3 , كان سعد رامياً صياداً ، ولم يكن فارساً ، فلم يبرز يوماً لأحد ولا قتل في المعكرة عدواً . وكان قائد معركة القادسية ، لكنه لم يشارك فيها ، وادعى أنه خرجت في فخذه دملة ، فذمه الناس وقال في جبنه الشعراء . وغطى على حبنه وجود قادة فرسان ميدانيين أداروا المعركة ومن أبرزهم هاشم المرقال ابن أخيه وحجر بن عدي ، وعمرو بن معدي كرب .
4 . وكثيراً ما يمدح سعد نفسه ! قال البخاري ( 4 / 212 ) : ( سمعت سعداً يقول جمع لي النبي صلى الله عليه وآله أبويه يوم أحد ) . أي قال لي : إرم فداك أبي وأمي .
وقال ( 5 / 33 ) : نثل لي النبي صلى الله عليه وآله كنانته يوم أحد فقال ارم فداك أبي وأمي . . عن ابن شداد
--------------------------- 257 ---------------------------
قال سمعت علياً يقول ما سمعت النبي صلى الله عليه وآله يجمع أبويه لأحد غير سعد ) !
وقد أثبتنا في السيرة أن هذا لا يصح ، فقد كان سعد فاراً ، ولم يرجع إلا بعد المعركة !
وزعم سعد في رواية النسائي ( 6 / 57 ) أنه رجع من فراره إلى النبي صلى الله عليه وآله ورمى عنه بألف سهم ، ففدَّاه النبي صلى الله عليه وآله بأبيه وأمه ، ودعا له أن يسدد الله سهمه ويستجيب دعوته ، فصارسهمه مسدداً ، وصارت دعوته مستجابة !
5 . كان سعد والياً على العراق ، وعبد الله بن مسعود والياً على بيت المال ، فاقترض منه سعد مبلغاً كبيراً ، ثم طالبه ابن مسعود فلم يرده ، واشتهر خلافهما ، وكانا يتشاتمان ، ويتهمه ابن مسعود بأكل الحرام ، وانقسم الناس في الكوفة بينهما ، وتدخل هاشم المرقال للإصلاح بينهما فلم يستطع ، وبقي المبلغ في ذمة سعد حتى مات ، وكان من الأثرياء !

  • *
    --------------------------- 258 ---------------------------

الفصل الثالث عشر : مضاهأة البخاري لليهود في التشبيه والتجسيم

معبود البخاري جسم يرى وينزل ولا يصعد !

من الحقائق البديهية أن ما يرى بالعين يجب أن يكون جسماً يقع عليه الضوء فينعكس على العين ، فيُرى . وعندما تقول هذا الشئ يرى فمعناه أنه جسم !
وبذلك تعرف أن البخاري ومن تبعه مجسمة !
ومن الحقائق البديهية أن الجسم خاضع لقوانين المكان والزمان ، فلا بد أن يكون المكان والزمان مخلوقين قبله ! فالقائلون برؤية الله بالعين يجعلونه مخلوقاً لا خالقاً !
قال البخاري ( 1 / 195 ) عن أبي هريرة قال : ( إن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا : لا . قال : فإنكم ترونه كذلك ! ) .
وفي البخاري ( 2 / 141 ) : ( عن عبد الله بن عمر قال : ذكر النبي صلى الله عليه وآله يوماً بين ظهري الناس المسيح الدجال فقال : إن الله ليس بأعور ، إلا أن المسيح الدجال أعور العين ) ! يعني طمأنهم النبي صلى الله عليه وآله بأن عيني ربهم سالمتان ، والحمد لله !
وفي هامش شرح الترمذي ( 6 / 188 ) قال ابن العربي : ( إن الله لم ينزل هذه الآية : لا تُدركُهُ الأبصَار ، لنفي الرؤية لله ، ولا جاءت بها عائشة ، فإنه سبحانه وتعالى يرى في الدنيا والآخرة ، جوازاً ووقوعاً ) ! فهذا إمام المجسمة والوهابية !
--------------------------- 259 ---------------------------

معبود البخاري يضع قدمه في جهنم لتمتلئ !

معبود البخاري يضع قدمه في جهنم لتمتلئ !
قال الله تعالى : يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ . أي امتلأتُ يا ربي ولا مزيد ، ووفيتَ بوعدك بأن تملأني ، كما تقول لشخص : هل شبعت ؟ فيقول : هل من مزيد ! على الاستفهام ، بمعنى أنه لا مزيد على ما أكلتُ .
وروى القمي في تفسيره ( 2 / 326 ) عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( هواستفهام لأن الله وعد النار أن يملأها فتمتلئ النار فيقول لها : هل امتلأت ؟ وتقول هل من مزيد ؟ على حد الاستفهام ، أي ليس فيَّ مزيد ) .
وقال الشريف الرضي في تلخيص البيان / 312 : ( هَلْ مِنْ مَزِيدٍ : بمعنى لامن مزيد فيَّ وليس ذلك على طريق طلب الزيادة ، وهذا معروف في الكلام ، ومثله قوله عليه السلام : وهل ترك عقيل لنا من دار ؟ أي ما ترك لنا داراً ) .
وقال ابن منظور في لسان العرب ( 11 / 706 ) : ( قال ابن سيده : هل كلمة استفهام . . يَوْمَ نقولُ لجهنَّم هَلِ امْتَلأْتِ وتقولُ هَلْ مِنْ مزيدٍ ؟ قالوا : معناه قد امْتَلأْتُ ) .
لكن البخاري وغيره من مؤسسي المذاهب عجمٌ لا يعرفون دقائق اللغة العربية ، ففسروا الآية بأنها طلب للمزيد ! ووضعوا حديث وضع الله قدمه فيها لتمتلئ !
قال البخاري ( 6 / 47 و 224 و : 8 / 167 و 186 ) : ( عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله قال : وتقول هل من مزيد حتى يضع قدمه فتقول قط قط . . فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول قط قط . . حتى يضع فيها رب العالمين قدمه فينزوي بعضها إلى بعض ثم تقول قدْ قدْ بعزتك وكرمك ، حتى يضع فيها قدمه فتمتلئ ويرد بعضها إلى بعض وتقول قط قط قط . وعزتك ) .
وقال في فتح الباري ( 8 / 456 ) : ( اختلف النقل عن قول جهنم هل من مزيد فظاهر أحاديث الباب أن هذا القول منها لطلب المزيد ، وجاء عن بعض السلف أنه استفهام إنكار كأنها تقول : ما بقي في موضع للزيادة .
--------------------------- 260 ---------------------------
فروى الطبري من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة في قوله هل من مزيد : أي هل من مدخل قد امتلأت ! ومن طريق مجاهد نحوه ، وأخرجه بن أبي حاتم من وجه آخر ، عن عكرمة عن ابن عباس وهو ضعيف . ورجح الطبري أنه لطلب الزيادة على ما دلت عليه الأحاديث المرفوعة ) !
أقول : اختار ابن حجر أن يخضع اللغة العربية للفهم الأعاجم الذي تبنته السلطة ، وهو التصور اليهودي لله تعالى ، وأنه جسم له رجل كرجل الإنسان !
والعالم الذي يتبع السلطة قد ينسى علمه ، وقد ينسى لغته ، وحتى عقله !

يتعرف الناس على ربهم من رجله المحروقة !

يتعرف الناس على ربهم من رجله المحروقة !
قال البخاري : ( 1 / 182 ) : ( فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة ، فيقول أنا ربكم ! فيقولون : أنت ربنا ! فلايكلمه إلا الأنبياء فيقول : هل بينكم وبينه آية تعرفونه ؟ فيقولون : الساق ، فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ) . يقصد ساقه التي وضعها في جهنم وعليها أثر الاحتراق !

ومن الهرطقة اليهودية عند البخاري !

ومن الهرطقة اليهودية عند البخاري !
قال البخاري في ( 1 / 195 ) : ( فيأتيهم الله عز وجل فيقول أنا ربكم ، فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله فيقول : أنا ربكم فيقولون : أنت ربنا . فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم ، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ، ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل وكلام الرسل يومئذ : اللهم سلِّم سلم ، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان ؟ قالوا نعم . قال : فإنها مثل شوك السعدان ، غيرأنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله ، تخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم من يوبق بعمله ، ومنهم من يخردل ثم ينجو ، حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله ، فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود ، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود ، فيخرجون من النار ، فكل ابن آدم تأكله النار الا أثر السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب
--------------------------- 261 ---------------------------
عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ، ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد ) .
أقول : جمع البخاري في هذا الحديث المزعوم بين تجسيم اليهود ، وبين تصوراتهم العامية عن الآخرة والجنة والنار ! راجع كتابنا الولادات الثلاث .

زعم البخاري أن شخصاً يخدع الله تعالى ويدخل الجنة !

زعم البخاري أن شخصاً يخدع الله تعالى ويدخل الجنة !
ثم قال البخاري ( 1 / 196 ) : ( ويبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة مقبلاً بوجهه قبل النار فيقول : يا رب إصرف وجهي عن النار قد قشبني ريحها ، وأحرقني ذكاؤها ، فيقول : هل عسيت إن فُعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك ، فيقول : لا وعزتك ، فيعطى الله ما يشاء من عهد وميثاق فيصرف الله وجهه عن النار ، فإذا اقبل به على الجنة رأى بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت ، ثم قال : يا رب قدمني عند باب الجنة ، فيقول الله له : أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت ؟ فيقول : يا رب لا أكون أشقى خلقت ، فيقول : فما عسيت إن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره ، فيقول : لا وعزتك لا أسأل غير ذلك ، فيعطى ربه ما شاء من عهد وميثاق فيقدمه إلى باب الجنة ، فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور ، فيسكت ما شاء الله أن يسكت فيقول : يا رب أدخلني الجنة ، فيقول الله تعالى : ويحك يا ابن آدم ما أغدرك ! أليس قد أعطيت العهد والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت ! فيقول : يا رب لا تجعلني أشقى خلقك ، فيضحك الله عز وجل منه ، ثم يأذن له في دخول الجنة ، فيقول له : تمن فيتمنى حتى إذا انقطعت أمنيته قال الله عز وجل : زد من كذا وكذا ، أقبل يذكره ربه عز وجل ، حتى إذا انتهت به الأماني قال الله تعالى لك : ذلك ومثله معه ) !

معبود البخاري ينزل إلى الدنيا ولا يصعد !

معبود البخاري ينزل إلى الدنيا ولا يصعد !
روى البخاري ( 2 / 47 ) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، يقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له ) !
--------------------------- 262 ---------------------------
وروى البخاري نحوه ( 4 / 149 ، و 150 و : 8 / 197 ، ورواه في الأدب المفرد / 207 )
وروى الصدوق بسند صحيح / 183 ، أن الإمام الكاظم عليه السلام : ( ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا ، فقال : إن الله تبارك وتعالى لا ينزل ، ولا يحتاج إلى أن ينزل ، إنما منظره في القرب والبعد سواء ، لم يبعد منه قريب ، ولم يقرب منه بعيد ، ولم يحتج بل يحتاج إليه وهو ذو الطول ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم . أما قول الواصفين : إنه تبارك وتعالى ينزل ، فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة ، وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به ، فظن بالله الظنون فهلك ، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد ، فتحدوه بنقص أو زيادة أو تحرك أو زوال أو نهوض أو قعود ، فإن الله جل عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين ) .
وروى في / 176 ، عن أبي قرة إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرضا عليه السلام : ( يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ؟ فقال : لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه ، والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله كذلك ، إنما قال : إن الله تبارك وتعالى ينزل ملكاً إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي : هل من سائل فأعطيه ، هل من تائب فأتوب عليه ، هل من مستغفر فأغفر له ، يا طالب الخير أقبل ، يا طالب الشر أقصر ، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء ، حدثني بذلك أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله ) .

وأفتى ابن تيمية والوهابية بقتل من لا يؤمن بحديث النزول !

وأفتى ابن تيمية والوهابية بقتل من لا يؤمن بحديث النزول !
قال ابن حجر في الدرر الكامنة ( 1 / 180 ) : ( فذكروا أنه ( ابن تيمية ) ذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين فقال كنزولي هذا ! فنسب إلى التجسيم !
ورده على من توسل بالنبي صلى الله عليه وآله أو استغاث فأشخص من دمشق في رمضان سنة خمس وسبعمائة فجرى عليه ما جرى وحبس مراراً ، فأقام على ذلك نحو أربع سنين أو أكثر وهو
--------------------------- 263 ---------------------------
مع ذلك يشتغل ويفتي ، إلى أن اتفق أن الشيخ نصرا قام على الشيخ كريم الدين الآملي شيخ خانقاه سعيد السعداء فأخرجه من الخانقاه وعلى شمس الدين الجزري فأخرجه من تدريس الشريفية ، فيقال إن الآملي دخل الخلوة بمصر أربعين يوماً فلم يخرج حتى زالت دولة بيبرس وخمل ذكر نصر ، وأطلق ابن تيمية إلى الشام !
وافترق الناس فيه شيعاً ، فمنهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكر في العقيدة الحموية والواسطية وغيرهما من ذلك كقوله أن اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقية لله ، وأنه مستو على العرش بذاته فقيل له : يلزم من ذلك التحيز والانقسام فقال أنا لا أسلم أن التحيز والانقسام من خواص الأجسام فألزم بأنه يقول بتحيز ذات الله !
ومنهم من ينسبه إلى الزندقة لقوله أن النبي صلى الله عليه وآله لا يستغاث به وأن في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبي صلى الله عليه وآله ، وكان أشد الناس عليه في ذلك النور البكري فإنه لما عقد له المجلس بسبب ذلك . قال بعض الحاضرين : يعزر ، فقال البكري لا معنى لهذا القول ، فإنه إن كان تنقيصاً يقتل ، وإن لم يكن تنقيصاً لايعزر !
ومنهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في علي ما تقدم ، ولقوله إنه كان مخذولاً حيث ما توجه ، وأنه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها ، وإنما قاتل للرئاسة لا للديانة ، ولقوله إنه كان يحب الرئاسة . . الخ . ) .
وقال ابن بطوطة في رحلته ( 1 / 90 ) : ( وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية كبير الشام ، يتكلم في الفنون إلا أن في عقله شيئاً . . وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم ، فكان من جملة كلامه أن قال : إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ! ونزل ربعة من ربع المنبر ، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء ، وأنكر ما تكلم به ، فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتى سقطت عمامته ) !
--------------------------- 264 ---------------------------

زعم البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله تعلم التوحيد من حاخام !

زعم البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله تعلم التوحيد من حاخام !
قال البخاري ( 6 / 33 ) : ( عن عبد الله بن عمرقال : جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا محمد إنا نجد أن الله يحمل السماوات على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع ، وسائر الخلائق على إصبع ، فيقول أنا الملك ! فضحك النبي صلى الله عليه وآله حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر ) !
وتبنى إمام الوهابية في آخر فصل من كتابه التوحيد حديث الحاخام وقال : ( وفي رواية لمسلم : والجبال والشجر على إصبع ، ثم يهزهن فيقول : أنا الملك أنا الله . إن هذه العلوم وأمثالها باقية عند اليهود الذين في زمنه صلى الله عليه وآله لم ينكروها ولم يتأولوها وإن الحبر لما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله صدقه ، ونزل القرآن بتقرير ذلك ) !

وروى البخاري عن عائشة ما يبطل مذهب المجسمة !

وروى البخاري عن عائشة ما يبطل مذهب المجسمة !
روى البخاري ( 6 / 50 ) : ( عن مسروق قال قلت لعائشة : ياأُمَّتَاه هل رأى محمد ربه ؟ فقالت : لقد قَفَّ شعري مما قلت ! أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب : من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب ، ثم قرأت : لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ . وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ . ومن حدثك أنه يعلم ما في غدٍ فقد كذب ثم قرأت : وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً ، ومن حدثك أنه كتم فقد كذب ثم قرأت : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّك . . الآية . . ولكنه رأى جبرئيل في صورته مرتين ) .
وفي مسلم ( 1 / 110 ) : ( من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ) .
قال الشيخ محمد عبده في تفسير المنار ( 9 / 139 ) : ( فعائشة وهي من أفصح قريش ، تستدل بنفي الإدراك على نفي الرؤية مع ما علم من الفرق بينهما ، وتستدل على نفيها أيضاً بقوله تعالى : وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْياً ، وقد حملوا هذا وذاك على نفي الرؤية في هذه الحياة الدنيا ، ولكن إدراك الأبصار للرب سبحانه محال في الآخرة كالدنيا ) .
--------------------------- 265 ---------------------------
وهاجم ابن خزيمة عائشة وهو إمام عند المجسمين في كتابه التوحيد / 225 ، فقال : ( هذه لفظة أحسب عائشة تكلمت بها في وقت غضب ، ولو كانت لفظة أحسن منها يكون فيها درك لبغيتها كان أجمل بها ، ليس يحسن في اللفظ أن يقول قائل أو قائلة : قد أعظم ابن عباس الفرية ، وأبو ذر ، وأنس بن مالك ، وجماعات من الناس الفرية على ربهم ! ولكن قد يتكلم المرء عند الغضب باللفظة التي يكون غيرها أحسن وأجمل منها . نقول كما قال معمر بن راشد لما ذكر اختلاف عائشة وابن عباس في هذه المسألة : ما عائشة عندنا أعلم من ابن عباس ، وإذا اختلفا فمحال أن يقال قد أعظم ابن عباس الفرية على الله ، لأنه قد أثبت شيئاً نفته عائشة . الخ ) .
وهاجم الحنابلة المجسمة في بغداد المؤرخ الطبري وأرادوا قتله ، ورجموا بيته بالحجارة ! ولما توفي منعوا دفنه في مقابر المسلمين ! وهاجموا ابن حبان المحدث المعروف شبيهاً بما فعلوا بالطبري ! ( معجم الأدباء : 9 / 57 ) .

أبونا آدم عند البخاري نسخة من الله تعالى !

أبونا آدم عند البخاري نسخة من الله تعالى !
روى البخاري ( 7 / 125 ) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( خلق الله آدم على صورته ، طوله ستون ذراعاً ، فلما خلقه قال : إذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس ، فاستمع ما يحيونك ، فإنها تحيتك وتحية ذريتك . فقال : السلام عليكم ، فقالوا : السلام عليك ورحمة الله ، فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم . فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن ) !
قال الصدوق في كتابه التوحيد / 152 : ( تركت المشبهة من هذا الحديث أوله وقالوا : إن الله خلق آدم على صورته ، فضلوا في معناه وأضلوا . عن الحسين بن خالد ، قال : قلت للرضا عليه السلام : يا ابن رسول الله إن الناس يروون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إن الله خلق آدم على صورته ، فقال : قاتلهم الله ، لقد حذفوا أول الحديث ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله مر برجلين يتسابان فسمع أحدهما يقول لصاحبه : قبح الله وجهك ووجه من يشبهك ، فقال صلى الله عليه وآله :
يا عبد الله لا تقل هذا لأخيك فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته ) .
--------------------------- 266 ---------------------------
أي خلق الله آدم على صورة المشتوم ، فلا تقبح صورته التي اختارها الله لآدم وأولاده . ولكنهم حرفوه فقالوا كما قال اليهود إن الله على صورة البشر !
وقال في فتح الباري ( 5 / 133 ) : ( واختلف في الضمير على من يعود ، فالأكثر على أنه يعود على المضروب لما تقدم من الأمر بإكرام وجهه ، وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد وأحمد من طريق ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعا لا تقولن قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك ، فإن الله خلق آدم على صورته ، وهو ظاهر في عود الضمير على المقول له ذلك ) .
وقال ابن خزيمة المشبه في كتابه التوحيد / 84 : ( توهم بعض من لم يتحر العلم أن قوله : على صورته يريد صورة الرحمن عز ربنا وجل عن أن يكون هذا معنى الخبر ، بل معنى قوله : خلق آدم على صورته ، الهاء في هذا الموضع كناية عن اسم المضروب والمشتوم ، أراد صلى الله عليه وآله أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب الذي أمر الضارب باجتناب وجهه بالضرب ، والذي قبح وجهه ، فزجر صلى الله عليه وآله أن يقول : ووجه من أشبه وجهك ، لأن وجه آدم شبيه وجوه بنيه ، فإذا قال الشاتم لبعض بني آدم : قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك ، كان مقبحاً وجه آدم صلوات الله عليه وسلامه ، الذي وجوه بنيه شبيهة بوجه أبيهم ، فتفهموا رحمكم الله معنى الخبر ، لا تغلطوا ولا تغالطوا فتضلوا عن سواء السبيل ، وتحملوا على القول بالتشبيه الذي هو ضلال ) .
لكن المشبهة أشربوا في قلوبهم التجسيم وخالفوا عائشة ، وخالفوا أهل البيت عليهم السلام ، وخالفوا كباراً من أئمتهم كابن خزيمة ، وأصروا على تحريف الحديث ، فقال ابن باز في فتاويه ( 4 / 368 ) : ( الضمير في قوله : على صورته ، يعود على الله بدليل ما جاء في رواية أخرى صحيحة : على صورة الرحمن ، وهو ظاهر السياق ) !
وقد عرفت السياق ، واتضح لك أن تجسيم الوهابية وأجدادهم هو خلاف السياق !

  • *
    تم ما كتبناه من نقد كتاب البخاري ، وما لم نكتبه أكثر
    والحمد لله رب العالمين !
    --------------------------- 267 ---------------------------
    --------------------------- 268 ---------------------------
    --------------------------- 269 ---------------------------
    --------------------------- 270 ---------------------------
    --------------------------- 271 ---------------------------
    --------------------------- 272 ---------------------------
    --------------------------- الغلاف 2 ---------------------------
    تمت في هذا الكتاب :
    ببلورة أهم النقود الموجهة للبخاري ولخصتها ، وأنصفته في محنته لما كفره أحمد ابن حنبل ، وطارده جماعته من بلد إلى بلد ، ليقتلوه !
    وكشفت الجديد في عمله ، وكيف اختار الأحاديث وأخفاها ، وحشد أقوالا تؤيد أفكاره بقدر نصف كتابه ، وتفنن في الطعن بأهل البيت عليهم السلام وغلا في غيرهم ، ودافع بالباطل عن بني أمية .
    وختمته بمضاهاته لليهود في التنقيص من قدر الله تعالى وتجسيمه !
    إيران - قم - شارع مصلى القدس - رقم 682
    تلفون : 2532939141 ( 0 ) 0098